نفحات الهداية

اشارة

اسم الكتاب: نفحات الهداية

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: فقه

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء(ع)

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1431 ق

الطبعة: الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين

واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين

إلي قيام يوم الدين

دعاء

«ما لي كُلّما قُلتُ قَد صَلُحَتْ سَريرَتي وَقَرُبَ مِن مجالسِ التَّوَّابينَ مجلِسي عَرَضَتْ لي بَليَّةٌ أزَالَت قَدَمي وَحَالَتْ بَيْني وَبَينَ خِدمَتكَ سَيدي، لَعَلَّكَ عَنْ بَابكَ طَرَدتَني، وَعَن خِدمَتكَ نحَّيْتني، أو لَعَلَّكَ رَأيتَني مُسْتَخِفّاً بحَقِّك فَأقْصَيتني أو لَعَلَّكَ رَأيتَني مُعْرِضاً عَنْك فَقَلَيتَني أو لَعَلَّكَّ وَجَدتني في مَقام الكاذبينَ فَرَفَضْتَني أو لَعَلَّكَ رَأيتَني غَير شَاكر لنَعمَائك فَحَرَمْتَني أو لَعَلَّكَ فَقَدْتَني من مجالس العُلمَاء فَخَذَلتَني أو لَعَلَّكَ رَأيتَني في الغَافلين فَمِن رَحمتكَ آيَستَني أو لَعَلَّكَ رَأيتَني آلفُ مجالس البَطّالين فَبَيني وَبيَنهم خَلَّيتَني أو لَعَلَّكَ لم تحبَّ أن تَسْمعَ دُعَائي فَبَاعَدْتني أو لَعَلَّكَ بجُرمي وَجَريرَتي كافَيتَني أو لَعَلَّكَ بِقِلَّة حَيَائي منكَ جَازَيتَني، فَإن عَفَوْتَ يَا رَبِّ فَطال مَا عَفَوْتَ عَن المُذْنبين قَبْلي، لأنَّ كَرَمَكَ أيْ رَبِّ يجلُّ عَنْ مُكافَاة المُقَصِّرين وَأنَا عَائِذٌ بِفَضْلكَ هَاربٌ منْكَ إلَيْكَ، مُتَنَجِّزٌ مَا وَعَدْتَ منَ الصَّفْح عَمَّنْ أحْسَنَ بكَ ظَنّاً» ().

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيّدنا محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

لقد تظافرت الروايات الشريفة في الدعوة إلي حضور مجالس العلماء للاستفادة من علومهم والنهل من معارفهم والاسترشاد بتعاليمهم الروحية والتربوية والخُلُقية؛ فعن رسول الله صلّي الله عليه وآله أنّه قال: «مجالسة العلماء عبادة» ().

وروي عن أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال: «العقل ولادة، والعلم إفادة، ومجالسة العلماء زيادة» ().

كما حثّت الروايات الكثيرة علي تدوين العلم وتقييده بالكتابة، مثل قوله صلّي الله عليه وآله: «قيّدوا العلم» قيل: «وما تقييده؟» قال: «كتابته» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «من مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنّة» ().

وروي أنّ الإمام الحسن سلام الله عليه دعا بنيه وبني أخيه فقال: «إنّكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا

كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته» ().

ومن مجالس علمائنا المليئة بالمعارف والعبر، المحاضرات العامّة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه، فلطالما أتحف مستمعيه وزوّاره - سواء في لقاءاته العامّة في المناسبات المختلفة، أو في المحاضرات الأخلاقية التي كان يلقيها علي طلبة العلوم الدينية أسبوعيّاً - بالنكات الخفية والمعارف الدقيقة الكامنة في كلمات أهل البيت سلام الله عليهم وسيرتهم، فكانت تلك المجالس بما تبثّه من وعي فكريّ وعقيدي، دروساً ومحاضرات تربويّة ترشد المؤمنين إلي الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام والسير علي نهجهم عقيدة وفكراً، وأدباً وخُلُقاً.

فمن منطلق العمل بالأحاديث الشريفة الداعية إلي الاستفادة من مجالس العلماء، والأخري الحاثّة علي تقييد العلم، وحرصاً منّا علي إيصال ما حملته تلك المحاضرات من المفاهيم الإسلامية الأصيلة إلي أُولئك الذين حرموا من الحضور فيها، باشرنا - في مؤسّسة الرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله - بعون الله تعالي وتوفيقه بتدوينها وإخراجها، فكانت «نفحات الهداية» هي المجموعة الأولي، وتضمّ في الغالب المحاضرات العامّة للسيد المرجع، نضعها بين أيديكم أيها القرّاء الأعزّاء، علي أمل أن نوافيكم قريباً بإذن الله تعالي بالمجاميع الأخري، ونبدأها بإفاضات سماحته في شرح دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين سلام الله عليه ثم نعقبها بالمحاضرات الأخلاقية التي كان يلقيها سماحته علي طلاّب العلوم الدينية أسبوعيّاً ثم المحاضرات الأخري لسماحته إن شاء الله تعالي.

وفي الختام نوجّه شكرنا لكلّ الإخوة الذين بذلوا جهداً في هذا المجال، نخصّ بالذكر منهم الأستاذ عبد الرضا افتخاري، والسيد خلدون العسكري، والأستاذ علاء حسين، والشيخ جاسم الأديب، سائلين الله تعالي أن يسدّدنا وإياهم ويوفّقنا لتقديم المزيد ولكلّ ما يحبّه ويرضاه،

وصلي الله علي سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

مؤسسة الرسول الأكرم ? الثقافية

المحاضرة الأُولي•

نبي الإسلام صلي الله عليه وآله خير هاد للبشرية

نبي الإسلام صلي الله عليه وآله خير هاد للبشرية

في ضوء الآية الكريمة

?ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا?

• ألقيت هذه المحاضرة في 28 صفر عام 1423ه، بمناسبة ذكري

شهادة الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

كيف دخل الناس في الإسلام أفواجاً؟

مكث نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله في مكة المكرمة، مدة ثلاث عشرة سنة تقريباً بعد البعثة المباركة، ثم هاجر بعدها إلي المدينة المنورة، إلي أن استشهد صلي الله عليه وآله مسموماً في مثل هذا اليوم (الثامن والعشرين من صفر).

وخلال هذه السنين الثلاث عشرة، التي لبث فيها النبي الأكرم صلي الله عليه وآله في مكة، بعد بعثته الشريفة، أحصي المؤرخون عدد الذين دخلوا في الإسلام، فكانوا زهاء مئتي شخص.

أما في المدينة المنورة فقد طُبّق الإسلام عملياً، وتوافد الناس إلي الإسلام حتي قال الله تعالي في القرآن الكريم: ?ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً?(). فخلال هذه المدة القصيرة التي أمضاها رسول الله صلي الله عليه وآله في المدينة، دخل مئات الألوف من الناس في الإسلام، وحصل كُلُّ ذلك خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة من العمر المبارك للنبي صلي الله عليه وآله، فكيف تحقق مثل هذا الأمر؟

قوانين الإسلام أفضل القوانين كلّها

إن النبي الأكرم صلي الله عليه وآله هو أكبر وأفضل شخصيّة خلقها الله تعالي، حتي إن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه عندما سئل: أنبيٌّ أنت؟ قال: أنا عبدٌ من عبيد رسول الله صلي الله عليه وآله().

وإن السنّة أو النظام والأحكام والقوانين التي قرّرها نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله للمسلمين، مثلها مثل النبي صلي الله عليه وآله نفسه؛ فهي أفضل وأكمل القوانين والأحكام، ويجب أن تكون كذلك؛ أي يجب أن يكون هناك تناسب من حيث الأصل والسنخية، وهذا أمرٌ حاصل.

بيد أنه طيلة حضور نبي الإسلام صلي الله عليه وآله في مكة - بعد البعثة الشريفة - لم تخرج برامجه وتعاليمه وسياسته إلي العلن؛ فأكثر أقواله لم تطبق عملياً، لأنّ أرضية التطبيق لم تكن مهيَّأة

بعد، ولم تتوافر بيده صلي الله عليه وآله حيال ذلك خيارات أُخري؛ لكي يتسنّي معرفة نوع تعامله صلّي الله عليه وآله مع الناس، سواء في الحرب أو السلم، مع أنصاره أو مع أعدائه؟

حتّي اتضح جميع ذلك في المدينة، حين شرع صلّي الله عليه وآله في بناء نواة الدولة الإسلامية المباركة، وزال طوق الحصار عنه وعن المسلمين، عندها سرت في الأُمّة الإسلامية عافية الشريعة السمحاء والسنّة المطهّرة بأحلي صورها وأصدق معانيها، فعكس بذلك صلّي الله عليه وآله الصورة المثلي لأمثل دولة في الوجود. وهو المنهج نفسه الذي طبقه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، علي مدي خمس سنوات أيام حكومته بعد خمس وعشرين سنة مضت علي شهادة رسول الله صلي الله عليه وآله.

اقرأوا سيرة نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله، لتلحظوا المئات من النماذج، التي لو جُمعت وضُمّت بعضها إلي بعض، فإن أي شخص غير مسلم، حتي لو كان متعصّباً - ما لم يكن معانداً- سيتأثّر بها، ويعتنق الإسلام.

فإذا ما طُبّق، اليوم أو أيّ يوم آخر، منهج النبي الأكرم صلي الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، في بيوتنا، ومحالِّ عملنا، وفي شركاتنا وبلداننا، لتحقّق ما تحقق في العالم قبل ألف وأربعمائة عام، وهو تأويل قول الله عز وجل: ?ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجا?، وسترون أن ملايين الناس سيدخلون في الإسلام.

كيف كان منهج نبيّنا صلي الله عليه وآله؟

في تاريخ نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله، أمثلة ونماذج كثيرة توضّح الحقيقة التي أشرنا إليها آنفاً. وكان أخي المرحوم سماحة آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره يؤكد علي مخاطبيه تكراراً ومراراً خلال أحاديثه وكتبه، وكما سمعتم أنتم منه غير مرة، أن يقرأوا تاريخ نبيّ الإسلام صلي الله

عليه وآله، ليكتشفوا جوانب العظمة فيه، ويدركوا سرّ التحوّل العظيم الذي أحدثه حتي قال الله تعالي في القرآن الحكيم: ?ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً? فإن هذا الدخول لم يكن معجزة وعملاً غير طبيعي، بل كان نتيجة طبيعية لنهج وطريقة وأسلوب نبي الإسلام صلي الله عليه وآله.

فمن هم أولئك الناس الذين دخلوا في دين الإسلام، أفواجاً وجماعات، علي عهد النبي الأكرم صلي الله عليه وآله؟ لقد كان عددٌ كبير منهم من عبدة الأصنام، كما أنّ عدداً من هؤلاء كانوا نصاري، لم يأتوا أفراداً وآحاداً، بل كانوا يأتون جماعات ويعتنقون الدين الإسلامي؛ ومنهم اليهود أيضاً، لا سيما أولئك الذين كانوا داخل المدينة المنورة وفي ضواحيها، هؤلاء كأولئك دخلوا في الإسلام أفواجاً وجماعات.

فكيف اعتنقوا الإسلام دفعة واحدة؟ ماذا رأوا؟ وماذا سمعوا؟

فإذا ما وُجِدَت اليوم مثل تلك المشاهدات، وتلك المسموعات، ومثل تلك المعتقدات، في أية نقطة من العالم - سواء في الغرب أو في الشرق - لانقاد الناس إلي الإسلام بشوق ورغبة، ولأصبحوا مسلمين، وفي الوقت نفسه لتعزز عزم المسلمين ورسخ اعتقادهم، وسعوا حثيثاً في هداية الآخرين.

إن حياة النبي الأكرم صلي الله عليه وآله تزخر بالكثير من النماذج المؤثّرة، فاقرأوا تاريخه صلي الله عليه وآله وقوموا بعرض العشرات من تلك النماذج علي النصاري واليهود والمشركين والملاحدة، عندها سترون إسلامهم، كما أن أي مسلم سيتعزز إيمانه، وسيكون سبباً لهداية الآخرين، بعد الاطلاع عليها.

لو طبقتم ذات المنهاج الذي كان في صدر الإسلام، داخل أسركم، فإن جيرانكم وأقاربكم والذين لديكم معهم روابط أسرية، سيحصل لديهم الاعتقاد بالتدريج؛ لو كانوا كفاراً فسيصبحون مسلمين، ولو كانوا غير محبين لأهل البيت سلام الله عليهم، فسيصبحون من محبيهم، ولو كانوا غير متدينين، فسيصبحون متدينين؛

ذلك لأن مناهج الإسلام وأحكامه وقوانينه عظيمة ورائعة.

نموذج من قوانين الدولة الإسلامية

أقدّم لكم نموذجاً واحداً من طريقة عمل رسول الله صلي الله عليه وآله، وقد ورد ذكره في كتب الحديث عند العامة والخاصة، بل رواها غير المسلمين أيضاً.

هذه الرواية التي سأنقلها لكم، لو عُرضت علي أي شعب، أو أتباع أي دين أو مذهب أو بلد في الكرة الأرضية فسيتغيرون حتماً إذا ما حصل لديهم التصديق أو الاعتقاد بها.

تقول الرواية: في الوقت الذي كان نبي الإسلام صلي الله عليه وآله في المدينة المنورة، وكان يتولّي سائر الأمور والشؤون، بصفته رئيساً للحكومة، أعلن صلي الله عليه وآله أنه: من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته() فماذا يعني ذلك؟

إن قضية (الضريبة علي الإرث) متداولة اليوم في أكثر دول العالم، بل هي موجودة حتي في الدول التي تدعي بأن لديها أفضل وأرقي القوانين.

إن قانون (الضريبة علي الإرث) لم يشرّع حديثاً، بل يعود إلي ما قبل الإسلام، حيث كان رائجاً في أوساط المشركين. ففي قوانين وأحكام المشركين قبل الإسلام - وكذلك الديانتين اليهودية والنصرانية المحرفتين طبعاً - كان يُعمل بمثل هذا المرسوم، فإذا ما مات شخص وترك مالاً، فإن رئيس الحكومة أو العشيرة، أو أي شخص يتمتع بسلطان، يأخذ قسماً من هذه الأموال، كضريبة علي الإرث.

أما في الإسلام فلا وجود لشيء اسمه (الضريبة علي الإرث) بمقتضي حديث رسول الله صلي الله عليه وآله المذكور آنفاً.

ويقول صلي الله عليه وآله أيضاً: ومن ترك دَيْناً أو ضياعاً فإليَّ أو عليَّ () أي من مات ولم يترك مالاً، وكان فقيراً، وخلّف أسرة لا تجد ما تعيش به، ف(إليَّ وعليَّ)، أي إن نفقتهم علي حاكم الدولة الإسلامية.

حقّاً إنه لا وجود لمثل هذا القانون في

أي مكان من العالم، فحتي الدول الثرية والدول التي تدعي بالمتمدنة، ليس عندها مثل هذا القانون الرائع.

لا رفاهية إلا في الإسلام

فهل يوجد مثل هذا القانون، حتي في أكثر الدول ثراءً في عالم اليوم، بحيث يتحمل الحاكم الأعلي دَيْن المتوفي؟ نعم قد يتّفق أحياناً، بعد مراجعات مضنية في الدوائر الحكومية، أن يحصل الورثة علي جزء يسير من المال، ولكن لا وجود لمثل هذا الأمر (ضمان الدَّين)، كحالة قانونية، في مكان من العالم.

هناك نقطة لا بد أن نشير إليها، وهي أنه يوجد اليوم في بعض الدول قدر من الضمان الاجتماعي. وفي بعض الدول الغنية، هنالك قانون يمنح الأسرة الفقيرة التي فقدت معيلها نصيباً من المال، ولكن ليس بالقدر الذي يكفي لسدّ رمق تلك الأسرة.

ثم، لو فرضنا أن إحدي الدول أعلنت هذين المطلبين:

1. إلغاء الضريبة علي الإرث.

2. إذا مات شخص وخلّف أسرة فقيرة، فإن الدولة تتحمل نفقتها، وإذا كان مديوناً أدّت الدولة دينه.

ألا تعتقدون أن الكثير من الناس، من سائر نواحي الدنيا، سيتركون أوطانهم ويهاجرون إلي ذلك البلد، ليكونوا من مواطنيه؟

ورغم أنه لا وجود اليوم لمثل هذا الأمر، إلا أنكم تلاحظون كم من الناس، من البلدان الإسلامية وغيرها، يهاجرون إلي الدول التي تتمتع برفاه اقتصادي وأمني نسبي، أو التي فيها ضغوط أقلّ بقليل من غيرها، مهما تكن نسبة التدين فيها.

لكن المتيقّن علي نحو الإجمال: أنه يتعيّن في الإسلام، علي إمام المسلمين، تأمين نفقة الأسر الفقيرة، إلي حدٍّ كافٍ، وأداء ديونها. روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: … فعلي الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك().

إن نبي الإسلام صلي الله عليه وآله قدّم هذه الهدية إلي العالم، وفيها سعادة البشرية.. وهذا ما سيحصل ثانية حين يظهر

وليّ الله الأعظم الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالي فرجه، ويتحقق الوعد الإلهي (ليظهره علي الدين كله).

وبديهي أنه ليس مراد النبي صلي الله عليه وآله من «إمام المسلمين» الإمام المعصوم، ذلك لأن الإمام المعصوم لا يرتكب ذنباً، بل المقصود من الإمام في هذا الحديث الشريف هو من بيده مقاليد الحكومة، ويملك مثل هذه الإمكانات.

اليهود يعتنقون الإسلام

هناك رواية عن الإمام الصادق سلام الله عليه، تبيّن ما قاله نبي الإسلام صلي الله عليه وآله، وهي موجودة في كتبنا، كما أنها جزءٌ من مفاخرنا؛ إذْ إن لدي أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أشياء لا يملكها أحدٌ من الناس.. غير أنه من المؤسف أنه يوجد بيننا من لا يعرف كثيراً من هذه المفاخر.

يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: وما كان سببُ إسلام عامّة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلي الله عليه وآله وأنّهم أمنوا علي أنفسهم وعلي عيالاتهم.()

حينما كان رسول الله صلي الله عليه وآله يتصدي لمهامه، كرئيس حكومة، في المدينة المنورة، أعلن تلك الجمل المعدودة، وطرحها كقانون، وعلي أثر هذا الإعلان، دخل الكثير من اليهود، أو عامتهم، في الإسلام؛ ذلك لأن من طبيعة اليهود اكتناز الثروات، فوقع في خلدهم أن الإسلام دين جيّد، فاستحسنوا الدخول فيه، ولعلّهم فكروا علي هذا النحو: إذا كنّا أثرياء ومتنا، فإن رئيس الحكومة الإسلامية لن يأخذ من أموالنا شيئاً، وسيرثها أبناؤنا وسائر الورثة كاملةً غير منقوصة. أما إذا كنّا فقراء ومتنا، فإنه لا مثار للقلق في هذه الحالة أيضاً، لأن رئيس الحكومة الإسلامية سيؤمّن كفاف العيش لأسرنا، كما أنه لو متنا وكانت علينا ديون، فإن الدائنين لا يلاحقون أبناءنا والورثة، لأن نبي الإسلام صلي الله عليه وآله يقول: فإليَّ

وعليَّ. لذا فإن اليهود الذين تحدّث عنهم القرآن الكريم بقوله: ?لتجدّن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود? () دخلوا في الإسلام آحاداً وأسراً وجماعات.

صحيح، إن أغلب أولئك اليهود دخلوا الإسلام لأجل المال، ولكن أبناءهم وذراريهم رأوا النور بين أظهر المسلمين ونشأوا وترعرعوا في كنف الإسلام؛ ولذلك فإن عدداً من علماء المسلمين من نسل أولئك اليهود أنفسهم الذين أسلموا في ذلك اليوم.

ما تقدم نموذجٌ واحدٌ من مئات النماذج في تاريخنا الإسلامي.

الإسلام دين الحقّ والصدق

فلو علم النصاري أن الإسلام حق وصدق، وليس لفظاً مجرداً فقط بل هو عمل أيضاً - كما هو شأن النبي الأكرم صلي الله عليه وآله، والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه - أفلا يصبحون مسلمين؟ وكذلك اليهود إذا ما صدقوا بأن تلك هي حقيقة الإسلام، أفلا يؤول أمرهم إلي أن يصبحوا مسلمين؟

ألا يكفي هذا النموذج وحده ليحوّل النصاري واليهود والبوذيين وسائر الكفار إلي مسلمين؟

كيف غيّر رسول الله صلي الله عليه وآله أولئك الناس، وصيّرهم مسلمين؛ حتي تحقق قول الله تعالي: ?ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً?؟ ولماذا لم يتحقق مثل هذا الأمر - دخول الناس أفواجاً في الإسلام - خلال الثلاث عشرة سنة التي أمضاها رسول الله صلي الله عليه وآله في مكة المكرمة بعد البعثة الشريفة، غير أنه حصل ذلك أثناء السنوات التسع وبضعة أشهر التي عاشها صلي الله عليه وآله في المدينة المنورة، حيث أقبل الناس أفواجاً وجماعات علي الدين الإسلامي؟

وإذا ما تهيأت الأرضية نفسها في أية منطقة من مناطق العالم - بما فيها بلاد الكفر وفي أيّ زمان، واُعلن هذا الأمر، وطبِّق علي أرض الواقع، لتحوّل سكان تلك البلاد إلي الإسلام.

كان رسول الله صلي الله عليه وآله

أفضل إنسان، وصاحب خير منهج، فمن ذا الذي لا يحب أن يتبع المنهاج الأفضل، أو ينتسب إلي النظام الأمثل؟!

إن العزة والكرامة الإنسانية، والضمان الاجتماعي الذي طبّقه نبي الإسلام صلي الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عملياً، لا يوجد نظير له في مكان من العالم، كما لا وجود لأي قانون يضاهي القوانين الراقية في الإسلام.

إن أبا ذر الغفاري كان شابّاً مشركاً، فما الذي جعله يعتنق الإسلام؟ ماذا رأي حتي أصبح مسلماً، وإنساناً مثالياً؟ وكم هي كثيرة آثاره التي بقيت خالدةً، حيث إن هناك المئات من علماء الشيعة الكبار، هم ثمرة جهد أبي ذر رضي الله عنه. هؤلاء رأوا وصدقوا..

التأمين الاجتماعي لأول مرّة في العالم

كانت الحكومة الظاهرية لبضع سنوات بيد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، عندما كان في الكوفة، وكانت الكوفة مدينة كبيرة، وبحسب ما أثبته بعض المؤرخين، فإن مساحتها كانت تتجاوز الخمسمائة كيلومتر مربع، والبعض قالوا إن مساحتها أكثر من ذلك، وكانت تمثّل عاصمة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.

روي في أحوال أمير المؤمنين سلام الله عليه، أنه خلال الأربع سنوات وبضعة أشهر وهي مدة حكومته الظاهرية سلام الله عليه حدث أمر لمرة واحدة فقط، لم يذكر التاريخ غيره، ولا يوجد في سائر الكتب ما يشير إلي أن تلك الحادثة تكررت في زمان حكومة الإمام سلام الله عليه.

تقول الرواية إنه ذات يوم كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يجتاز في أحد شوارع الكوفة، فرأي شخصاً يتكفف، فقال: ما هذا؟ فأجابه بعض من لا يعرف حقيقة الإسلام، قائلاً: هذا نصراني.. قد هَرِمَ وصار لا يقوي علي العمل، فهو يتسوّل!!

وربما تصور ذلك المجيب أن الأمر يختلف عند الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، إذا كان المتسول غير مسلم،

والحال أنه في القانون الإسلامي لا يختلف الأمر من هذه الجهة.. الناس اليوم لا يعلمون هذه القضايا، وقد لا يصدّقون بها، وسيقولون: فلماذا المسلمون اليوم ليسوا علي هذه الشاكلة؟

لكن الإمام أمير المؤمنين جعل يلوم أصحابه علي ما رأي من حال ذلك النصراني، وقال: استعملتموه حتي إذا كبُر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال().

فأي نصراني، أو أي يهودي، بل أي عابد وثن تعرضون عليه مثل هذا النموذج، ثم لا يتغير؟! إذا صدّق بذلك، فلا بد أن يتغيّر، ويؤثّر في أسرته ويجعلها تتغيّر أيضاً.

هل يوجد بلدٌ في العالم اليوم يخلو من المتسولين؟ لو ذهبتم إلي أغني بلد في العالم لوجدتم فقراء ومتسولين.. وبالطبع، فإن الأمر يتفاوت من بلد إلي آخر؛ فهناك بلد فيه متسولون وفقراء أكثر، وآخر أقل.. وهكذا فأنتم تلاحظون أنه حتي في أكثر بلدان العالم تقدماً، وفي ظل أفضل القوانين العصرية، يوجد متسولون، في حين لا تجد مثل هذه الحالة في الإسلام، بل لا معني لوجود حالة تسول في بلد إسلامي!

الإسلام للدنيا والآخرة

الإسلام لا يتعلق بالآخرة فقط.

بل الإسلام يعني: سعادة الدنيا أيضاً.

يعني: الأمان.

يعني: الاقتصاد السليم.

يعني: السياسة السليمة.

يعني: المجتمع النظيف.

يعني: أن يكون كل شيء صحيحاً وسالماً.

ورسول الله صلي الله عليه وآله نفسه، حينما كان في المدينة المنورة، بل حتي عندما كان في مكة المكرمة ولم يكن وقتها مبسوط اليد، أعلن: فأجيبوني تكونوا ملوكاً في الدنيا وملوكاً في الآخرة()، ومعني ذلك أنه تعالوا ادخلوا في الإسلام، لتجدوا سعادة الدنيا والآخرة؛ أي تصبح الدنيا بين أيديكم، وفي الآخرة يكون مصيركم إلي الجنة أيضاً.

كما أن إسلام أمير المؤمنين سلام الله عليه، يعني الإسلام الصحيح؛ أي إسلام القول والعمل، وليس إسلام الاسم فقط، كما عبّر رسول الله صلي الله عليه

وآله عن إسلام أقوام: ويأتي علي أمتي زمن لا يبقي من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه().

لهذا أمر أمير المؤمنين سلام الله عليه في شأن ذلك النصراني المتكفف، أن يُجري له من بيت المال راتب يكفيه لمعيشته.

أجل، إن نبي الإسلام صلي الله عليه وآله قدّم إلي العالم هذه الهدية التي فيها سعادة البشرية.. وحين يظهر صاحب العصر والزمان ولي الله الأعظم الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه، سيتحقق الوعد الإلهي ?ليظهره علي الدين كله? () وتنتشر راية الإسلام علي كل أرجاء الكرة الأرضية، ويصبح الجميع مسلمين لله تعالي.

وصيتان في مجال العمل الصالح

في هذه المناسبة أقدم للإخوة وصيتين، وأرجو أن يسعوا للعمل بهما إن شاء الله تعالي:

الأولي: ما كان يؤكده أخي المرحوم (سماحة آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي طاب ثراه) تكراراً ومراراً: أن يجهد كل واحد منكم في إقامة مجالس العزاء والمشاركة فيها علي مدي السنة، فهذا الجهد المبارك، لن يذهب سديً حتي قدر رأس إبرة منه؛ وسيكون ذخراً لكم، ويثبت في سجلّ حسناتكم، إن شاء الله تعالي.

فبعد انقضاء شهر صفر، حاولوا درك هذا التوفيق العظيم، وأرجو أن توصوا الآخرين بذلك، وتتواصوا فيما بينكم، وهو أن كلاً منكم - سواء كان ربّ أسرة وعنده عائلة، أم ما زال فتيً يافعاً- عليه أن يخصص ساعتين أو ساعة واحدة، أو حتي نصف ساعة، لأجل الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه.

في منزلك الشخصي اعقد مجلساً لسيد الشهداء سلام الله عليه، وابدأ من الصفر.

وإذا كان أحدكم فقيراً ولا يملك شيئاً، فليعمل علي النحو الذي يتناسب مع وضعه الاقتصادي، كأن يشعل شمعة أو ينير سراجاً باسم الإمام الحسين سلام الله عليه لمدة دقائق كل أسبوع، وسط الأفراد الذين

يكونون معه في بيته.

وإذا أتيحت لكم فرصة أفضل، وحالفكم التوفيق، فادعوا جيرانكم وأقاربكم وسائر المؤمنين لمثل هذا الأمر.

اسعوا لئلا يمضي عليكم أسبوع، دون أن يكون في بيوتكم ذكرٌ لمصيبة الإمام الحسين سلام الله عليه؛ ففي هذا بركة الدنيا والآخرة.

وحتي إذا كنت عضواً أو مسؤولاً لهيئة حسينية، وينعقد كل ليلة وكل يوم، مجلس ذكر لمصيبة أبي عبد الله سلام الله عليه في هيئتك، فلا تدَع منزلك يخلو من سراج باسم الإمام الحسين. اسع لتحقيق هذا الأمر، وأن يكون لك مثل هذا التوفيق الدنيوي والأخروي.

إن مجلس ذكر أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، هو رأس الخيط الذي أوصل ويوصل إلي الكثير من التوفيقات.

عليكم بالشباب

الوصية الثانية: صونوا شبابكم وفتيانكم، واعملوا علي أن يكونوا مؤمنين ومعتقدين بالله والرسول صلي الله عليه وآله وأهل البيت سلام الله عليهم. ومهما بلغوا من اعتقادهم، فاعملوا علي زيادة هذا الاعتقاد لديهم، بل وفروا وسائل وأسباب ذلك.

علينا أن نعرّف الشباب والفتية بنبي الإسلام صلي الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم، بالنحو والكيفية التي عرفّوا بها أنفسهم سلام الله عليهم، وبالطريقة نفسها التي عرّف بها القرآن الكريم شخصية رسول الله صلي الله عليه وآله، وحقيقة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم، وليس عبر كلمات الإفراط والتفريط، التي تصدر من بعض الجهات المضللة وهي تريد أن ترفع مقام الأئمة الأطهار سلام الله عليهم إلي أكثر من الحد الواقعي، أو تهبط بهم إلي ما دون ذلك، لا يجوز أن تنسبوا حتي صفة واحدة من صفات الله عز وجل الثبوتية إلي الأئمة الأطهار سلام الله عليهم.

أطلعوا الشباب علي حقيقة مسألة العصمة، ومسألة علم الغيب، والمسائل التي تُعدُّ من المسلّمات والقطعيات المتعلقة بمقام الأئمة المعصومين سلام الله

عليهم.

الإمام الصادق سلام الله عليه يتبرّأ من المفترين

يُروي أن شخصاً منحرفاً اسمه محمد بن مقلاص ويكني بأبي الخطّاب، كان يتظاهر بالإسلام، وهو في حقيقته لم يكن مسلماً، حشر نفسه بين أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه، وأخذ يتردد فيهم مدةً، وبمرور الوقت تعلّم بضع كلمات.

وبعد مضي زمان، صار يعرّف نفسه للناس علي أنه ينوب عن الإمام الصادق سلام الله عليه، ويطرح مسائل معيّنة. وذات يوم ادّعي بأن الإمام الصادق سلام الله عليه هو الله، وأنه - أبا الخطّاب - نبيّه، فلما بلغ خبره الإمام سلام الله عليه، لعنه بشدة، وقيل لأبي الخطاب غير مرة بأن الإمام الصادق سلام الله عليه لعنك، لكنه لم يكن يعبأ، وكان يقول في ذلك: هذا أمر مصطنع، إن الإمام يريد بإنكاره تقديم المصلحة!!

فماذا يصنع الإمام الصادق مع مثل هذا الشخص؟ الأمور لا تسير كلها بالمعجزة، بل لا بد من أن يُمتحن الناس، وإنما تكون المعجزة علي قدر إتمام الحجة، وإن نفس وجود الإمام المعصوم، أي الإمام الصادق سلام الله عليه، هو إتمام للحجّة؛ ?ليهلك من هلك عن بيّنة?()؛ وما لم تكن هناك (بينّة) تكون المعجزة.

ذهب محمد بن مقلاص إلي مكة المكرمة لأداء مراسم الحج، فجاء شخص إلي الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه، وقال له: يا بن رسول الله! ذهب ابن مقلاص إلي الحج، وعند الإحرام في الميقات لبّي باسمك. تقول الرواية: انهمرت الدموع من عيني الإمام الصادق سلام الله عليه، وتغيرت قسمات وجهه، ثم رفع يديه إلي السماء، وراح يتضرّع إلي الله تعالي ويقول: يا رب برئت اليك مما ادعي فيّ الأجدع عبد بني أسد().

نحن نسأل هنا: ما هو ضرر فعل محمد بن مقلاص علي الإمام الصادق سلام الله عليه؟ أَ لم يقل القرآن الكريم:

?ولا تزر وازرةٌ وزر أخري?()؟

إن الإمام الصادق سلام الله عليه يعرف هذه الآية جيّداً، وإن محمد بن مقلاص هو الذي قال ذلك القول بشأن الإمام الصادق سلام الله عليه، والإمام سلام الله عليه نفسه لم يقل ذلك، ولم يدّع مثل ذلك الادعاء، فلماذا إذن يبكي الإمام، ولماذا يضطرب سلام الله عليه؟ ثم أوليس الله عز وجل يعلم بأن الإمام لم يقل ذلك، وهو يعلم السر والعلن؟ كما أن الإمام سلام الله عليه يعلم أيضاً أنه ?لا تزر وازرةٌ وزر أخري? …

إن محمد بن مقلاص هو الذي اقترف ذنباً، حين لبّي باسم الإمام الصادق سلام الله عليه. والله سبحانه وتعالي يعلم أن الإمام الصادق سلام الله عليه هو ذلك الإمام الذي حين يريد أن يقول (لبّيك) يضطرب، وترتعد فرائصه، ولا يسعفه لسانه في قولها، لأنه يعلم أنه يتكلم مع الله عز وجل.. لا كما يقولها عامّة الناس، فما أكثر من يقولها ولا يعرف تمام معناها، غير أن الإمام الصادق سلام الله عليه يعلم تماماً ما تعني كلمة (لبيك).

ولعل بعض من كان حاضراً عند الإمام سلام الله عليه تعجب من استغفار الإمام وتضرعه علي هذا النحو، وتصرفه بهذا الشكل. يقول الإمام سلام الله عليه لزيد النرسي وهو راوي الحديث -: ما استغفاري وتضرعي لله سبحانه وتعالي إلا لأستقرّ في قبري ()؛ أي لأطمئن في قبري.

بعض الناس زعموا أيضاً أن السيد المسيح سلام الله عليه، هو الله، والقرآن الكريم يشير إلي أنه في يوم القيامة، وفي ساحة العدالة الإلهية الواسعة، يُسأل السيد المسيح سلام الله عليه في حضور الخلائق: ?أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله?().

إن الله تعالي يعلم أن عيسي سلام الله عليه لم يقل

ذلك، ولعل الله عز وجل يريد أن يدين أولئك الذين زعموا تلك المزاعم الباطلة لأغراضٍ وأمراضٍ في نفوسهم.

قال بعض العلماء: قد يكون معني تألم الإمام الصادق سلام الله عليه من عمل محمد بن مقلاص، واستغفاره وتضرعه إلي الله، ومعني قوله: «لأستقرّ في قبري» هو: أنا أستغفر وأتضرع إلي الله، حتي لا يُقال لي في قبري: أأنت الذي قلت لمحمد بن مقلاص، لبِّ باسمي؟ فالإمام سلام الله عليه لم يرد أن يُسأل حتي مجرد سؤال عن ذلك؛ لأنه يشقّ عليه أن يوجّه له مثل هذا السؤال..

فلا معني لهذا الكلام غير المناسب، والمبالغ فيه، الذي يُنسب للأئمة المعصومين سلام الله عليهم.. هذا النوع من الكلام يؤذي المعصومين سلام الله عليهم، لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلوّ كغلوّ النصاري فإني بريء من الغالين().

إن الإفراط بالوصف، والمبالغة في الكلام، ليس هو الطريق لمعرفة الإمام المعصوم سلام الله عليه؛ مثل هذا الأسلوب قد يؤدي بصاحبه إلي أن يلعنه المعصومون سلام الله عليهم، وقد يلعن الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف من يجعل الإمام المعصوم سلام الله عليه في منزلة فوق منزلته الواقعية.

إن الصفات الثبوتية هي الصفات الخاصة بالله تعالي وحده، ولا يمكن لأي مخلوق أن يتصف بها لتعلقها بذات الله المقدسة وحسب.

قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: هلك فيَّ رجلان محبّ غال، ومبغض قالٍ().

عود علي بدء

إذن عليكم أن تصونوا الشباب، وهذا واجب الآباء والأمهات أوّلاً، وكذا الأعمام والأخوال والأقارب، وهو واجب الشباب المتدين أيضاً.

اهتموا بالمجالس الدينية وروّجوا لها وكذلك مجالس أهل البيت

سلام الله عليهم، ومجالس القرآن، وهكذا الكراسات الدينية، التي تقوم بتعريف أصول الدين وفروعه، وتعريف

المعاد والآخرة، وتعريف الله الكبير المتعال.. لتنتقل الاعتقادات الصحيحة إلي الأولاد والبنات.

أي شاب تعرفونه، حافظوا عليه بكلّ طريق صحيح، وتحدثوا معه بأساليب ليّنة مسالمة، وعاودوا الحديث معه مرة بعد أخري.. وإذا تحدثتم مع شابٍ لعشر مرات، ولم ينجذب إليكم، فحدثوه للمرة الحادية عشرة، وإلي المرة العشرين وهكذا.. المهم ألا تيأسوا؛ لأنه كلما ضاع شابٌ، تغيّر تاريخ بعينه.. وكلما آمن شاب وصار معتقداً حقاً، فمن الممكن أن يهتدي بواسطته، في المستقبل، آلاف الشباب.

أؤكد مرة أخري علي الوصيتين:

الأولي: أقيموا مجالس أسبوعية باسم الإمام الحسين سلام الله عليه، في بيوتكم.

الثانية: الشباب.. الشباب.. صونوا الشباب، وصححوا عقائدهم..

أتمني، ببركة رسول الله صلي الله عليه وآله وأهل البيت المعصومين الأطهار سلام الله عليهم، أن تُقبل أعمالكم جميعاً، وتُثبّت في صحائف حسناتكم، وأن توفَّقوا جميعاً للعمل بهاتين الوصيتين.. وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة الثانية•

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و السلامة في الدين

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و السلامة في الدين

اشارة

من خلال قوله عليه السلام

(وفي سلامة من ديني؟)

• ألقيت هذه المحاضرة في ليلة 23 رمضان 1424ه، بمناسبة

ليالي القدر وذكري استشهاد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

في الخطبة التي خطبها رسول الله صلي الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان المبارك - ولها أسانيد معتبرة، وإن كان السند المنسوب إلي الشيخ الصدوق رحمه الله أكثر اعتباراً روي أن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه سأل رسول الله صلي الله عليه وآله في نهاية الخطبة قائلاً: ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال الرسول صلي الله عليه وآله في جوابه: ياأبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّوجلّ.

ثم إن الرسول صلي الله عليه وآله

بكي بعد ذلك، فسأله الإمام عن سبب بكائه، فأخبره النبي صلي الله عليه وآله أنه سيقتل في هذا الشهر. فسأله الإمام سلام الله عليه: وذلك في سلامة من ديني؟ فأجابه النبي صلي الله عليه وآله: في سلامة من دينك().

و في رواية أخري أن النبي صلي الله عليه وآله خرج يوماً مع الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إلي ضواحي المدينة، و عندما نظر إليه النبي صلي الله عليه وآله بكي، فسأله الإمام عن سبب بكائه فأخبره صلي الله عليه وآله بما سيجري عليه من بعده، فقال الإمام: في سلامة من ديني؟ ()

وفي مورد ثالث أن النبي صلي الله عليه وآله أخبره عن عداوة القوم له، وكرر الإمام السؤال نفسه.

فماذا يضمر هذا السؤال؟ إن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يسأل عن سلامة الدين، وهي لفظة مركبة من كلمتين، بل هي بمثابة كلمة واحدة في اللغة ولكن يالها من كلمة تحظي بأهمية كبيرة.

سلامة الدين أهم من كل شيء

لو أُبلغ أحدنا بخبر موته وكان متيقّناً من صحّة الخبر، فكيف سيكون حاله؟

لا شك أن أكثر الأشخاص سيتحسّرون علي فقدهم الحياة وفراقهم المال والأهل و الولد. أما الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فلم يتأسّف أو يتحسّر ولم يحزن ولا فكّر إلا في أمر واحد وهو سلامة دينه!

لقد أخبر النبي صلي الله عليه وآله الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عن الظلم الذي سيقع عليه، وكان الإمام سلام الله عليه ذا شخصية قوية سواء من حيث الإدراك والعلم، أو من الناحية البدنية، والإنسان القوي إذا وقع عليه ظلم، فإنه يقع تحت تأثير نفسه الأمارة عادة ويسعي للانتقام، وتوسوس له نفسه وتنسيه دينه وتجعله خاضعاً لمشاعر الانتقام ()، ولكنا نري الإمام أمير المؤمنين سلام

الله عليه يختار السكوت من أجل مصالح دينه! لو أن شخصاً أهان واحداً منا، ولم يكن ردّنا له في صالح ديننا فماذا سنفعل؟ إن السكوت في مثل هذه الحالة يتطلب مقدمات كثيرة حتي يستطيع المرء أن يعمل وفق مصالح دينه ويدع أهواءه النفسية جانباً.

لقد ورد مفهوم سؤال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه من النبي صلي الله عليه وآله: في سلامة من ديني؟ في دعاء الصباح للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه حيث يقول: فاجعل اللهم صباحي هذا نازلاً عليّ بضياء الهدي وبالسلامة في الدين والدنيا ().

إن بلوغ السلامة في الدين أمر ايجادي وتكويني واختياري. آمل أن يكون كلّ منا قادراً علي أن يوجد في نفسه السلامة في الدين، في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك.

ما المقصود بسلامة الدين؟

الدين يعني الطريق والأسلوب الذي إن اعتقدنا به عُدّ من أصول الدين، وإن عملنا به سمّي فروع الدين، أي الواجبات (كالصلاة والصيام) والمحرّمات (كالغيبة والتهمة) والمستحبات والمكروهات والأخلاق والآداب.

الدين هو ما عبّر عنه الله تعالي بقوله: ?إن الدين عند الله الاسلام?().

فما المقصود بالسلامة في الدين؟ إن القرآن لاعيب فيه، ووصايا الرسول صلي الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم وأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم صحيحة وسليمة أيضاً، فما هو المراد من السلامة في الدين إذن؟

إن المقصود هو سلامة الإنسان في دينه وأن يكون علي نصيب منه.

في بعض روايات باب النكاح أن النطفة إذا انعقدت في وقت كذا كان المولود في سلامة من دينه.

بعبارة أخري إن المعيار الذي يُعرف به سلامة الدين هو في معرفة مدي استيعاب الإنسان لمفاهيم القرآن وكلمات أهل البيت سلام الله عليهم والعمل والالتزام بهما.

عندما تسأل شخصاً: كيف حالك؟ فيجيب: "سالم والحمدلله"، فما معني "سالم"؟ معناه أن

فكره وأعضاء بدنه وجوارحه كلها سالمة، ولو كانت أعصابه متشنجة لم يقل إنه سالم، وهكذا سلامة الدين فهي تعني أن يكون الإنسان سالماً في دينه كله.

ولقد أشير أن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عندما سأل الرسول صلي الله عليه وآله عن أفضل الأعمال في هذا الشهر، أجابه الرسول صلي الله عليه وآله إنه الورع عن محارم الله. وهذا في الحقيقة هو الذي يقرّبنا من سلامة الدين. إن الدار المبنيّة قبل عشرين سنة مثلاً ليست نفسها اليوم لأنها استهلكت خلال هذه المدة، وهكذا الطعام الذي يطبخ الآن أو اللباس الذي خيط، والسيارة وكلّ ما يستعمله الإنسان لن يبقي علي حاله بعد مرور مدة من الزمن، فكل شيء في هذه الدنيا إلي نفاد وهو في طريقه إلي الاضمحلال والتلاشي، أما الإنسان فيختلف حاله عن الأشياء التي أشرنا إليها.

صحيح أن عمر الإنسان وكيانه الظاهري - أي بدنه - سائر إلي الفناء والزوال، ولكن جنبته المعنوية وروحه، علي العكس من ذلك، تسير نحو العروج والتعالي بدل الأفول والنقصان.

هناك بعض الأشخاص يبدون ظاهراً أنهم يقضون حياتهم في سلامة من دينهم ولكن عواقبهم في آخر عمرهم تكون إلي شرّ، ويصدق العكس أيضاً.

أسأل الله تعالي أن يجعل كلاً منا قادراً علي أن يوجد في نفسه السلامة في الدين، في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة الثالثة

قبس من الغدير

قبس من الغدير

بيان حقيقة عيد الغدير الأغرّ و عظمته

في ضوء الحديث النبوي الشريف

«يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي … »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

عيد الله الأكبر

طبقاً للروايات الإسلامية فإنّ عيد الغدير هو أعظم أعياد الله تبارك وتعالي.

روي عن الرسول الكريم صلي الله عليه وآله أنّه قال: يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي وهو اليوم الذي أمرني الله - تعالي ذكره - فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علَماً لأمّتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ علي أمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً().

وروي عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحي والفطر؟ قال: نعم، أعظمها حرمة، قلت: وأيّ عيد هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي نصّب فيه رسول الله صلي الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: … يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة().

فعيد الغدير ليس يوم أمير المؤمنين علي سلام الله عليه وحده، بل هو يوم الرسول الكريم صلي الله عليه وآله أيضاً، بل يجب القول بأنّه يوم الله تعالي، لأنّ مراد الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين سلام الله عليه في طول مراد الله تعالي.

لقد ذكر الله تعالي هذا اليوم فقال: ?اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً?(). وحسب هذه الآية الكريمة فإنّ كمال الإسلام حصل عندما أعلنت ولاية علي سلام الله عليه كفريضة.

روي عن الإمام محمد الباقر سلام الله عليه أنه قال: آخر فريضة أنزلها

الله الولاية ?اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً? فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتي قبض الله رسوله صلي الله عليه وآله().

كما روي عن الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه قوله: وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخري وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عزّ وجلّ: اليَوْمَ أكْمَلْتُ … يقول الله عزّ وجلّ: لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة، قد أكملت لكم هذه الفرائض().

لقد أوحي الله عزّ وجلّ بالأحكام والواجبات الواحدة تلو الأخري حتي ختمها بالولاية، لأنّه عندما تمّ بيان هذا الحكم، أنزل الله هذه الآية ?اليَوْمَ أكمَلتُ … ? ليعلن أن لا فريضة بعدها. فبعد نزولها وتنصيب أمير المؤمنين سلام الله عليه خليفة لرسول الله صلي الله عليه وآله أدرك الناس مراد الله تعالي من الآية الكريمة: ?أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم?()، وعلموا أنّ عليهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله الامتثال لطاعة أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم.

إذن، كانت فريضة الولاية آخر فريضة أنزلها الله تعالي، ثمّ قُبض النبيّ صلي الله عليه وآله.

الغدير ووفور النعمة

ممّا يثير الانتباه في هذه الآية الكريمة أنّ الله تعالي قد ربط إتمام نعمته علي الخلق بموضوع الولاية، أي كما أنّ تحقّق كمال الدين ارتبط بالولاية فإنّ إتمام النعمة أنيط بإعلانها من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله. والمقصود بالنعمة جميع النعم، ظاهرها وباطنها مثل العدل والمساواة والاتحاد والأخوة والعلم والأخلاق والطمأنينة النفسية والروحية والحرية والإحساس بالأمن، وبعبارة موجزة جميع أنواع العطايا.

لذا، فموقف أولئك الذين سعوا إلي تفسير النعمة في الآية بالشريعة واعتبارها مجرّد مسألة معنوية محلّ تأمّل ونظر، لأنّ الآية المذكورة لم

تتطرّق لمسألة أصل النعمة، بل الحديث يدور حول «إتمام النعمة»، فأينما ورد ذكر إتمام النعمة في القرآن الكريم كان المراد منها النعم التي يصيبها الإنسان في الدنيا()، ومن هنا توجد علاقة مباشرة بين ولاية أمير المؤمنين علي سلام الله عليه والتمتّع بالنعم الدنيوية، وإحدي الشروط المهمّة والرئيسية للوصول بنا إلي مجتمع الحرية والبناء القائم علي أساس العدالة والأخلاق وسيادة القيم والفضائل الأخلاقية الإنسانية أن نسلّم لما بلّغ به رسول الله صلي الله عليه وآله في يوم الغدير، وأن نقبل عملياً بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، بعبارة أخري: إنّ الأخذ بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، له أثر تكويني، ويوجب سبوغ البركات والخيرات علي الناس من الأرض والسماء.

يقول الله تبارك وتعالي في كتابه العزيز: ?وَلَوْ أنَّهُمْ أقاموا التَوْراةَ وَالإنْجيلَ وَما أنزِل إليهِم مِنْ رَبّهِمْ لأكَلوا مِنْ فوقِهِمْ وَمِن تحْتِ أرجُلِهِم?().

لو أردنا أن نشرح الغدير في عبارة موجزة نقول: الغدير هو الوعاء الذي تصبّ فيه جميع تضحيات الرسول الكريم صلي الله عليه وآله، وهو مخزن الأحكام والآداب التي أوحي الله تعالي بها إلي رسوله الأمين، وفي إشارة إلي هذه الحقيقة يقول جلّ وعلا: ?يا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ ما أنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لم تفعَل فما بَلَّغتَ رِسالَتَه?().

والغدير روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن بل هو المكارم بعينها، ويدين التطور الحضاري والمعنوي له بذلك؛ لأنّه أهمّ عامل في حفظ كيان الدين والملّة، ويعدّ إنكاره بمثابة إنكار لجميع القيم الإسلامية السامية الممتدّة علي أرض الإسلام الواسعة.

إذن كلّ عقيدة لا تغرف من معين الغدير فهي ليست علي شيء، والغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة أمير المؤمنين سلام الله عليه التي تصلح لإسعاد البشر أجمع. فأمير المؤمنين سلام الله عليه هو

بعد الرسول صلي الله عليه وآله أعظم آيات الله عزّ وجلّ ولا تضاهيه آية، وفي هذا يقول الإمام الصادق سلام الله عليه للّذي أراد سبر معرفة الله بدون أمير المؤمنين سلام الله عليه: فليشرّق وليغرّب()، أي لن يبلغ غايته ولو يمّم وجهه شرقاً وغرباً. إنّه لمن تعاسة الإنسان وسوء حظّه أن يطلب العلم والمعرفة من غير طريق علي وآل علي سلام الله عليهم، وهذا العلم، إن حصل، فليس بذاك لأنّه مفرّغ من القيم الأخلاقية والمعنوية، وبعيد عن روح الشريعة.

الغدير والتعاطف مع الناس

إحدي خصال الإمام علي سلام الله عليه خاصة في فترة خلافته، تعاطفه مع الناس، ويتجلّي تعاطفه مع أفقر الناس من خلال عمله وقد قال: ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه().

فهو سلام الله عليه لم يضع حجراً علي حجر، ولم يسكن قصراً فارهاً، بل تحمّل كلّ المصاعب والآلام لئلا يكون هناك فرد في أقصي نقاط دولته يتبيّغ بفقره لا يجد حتي وجبة غذاء واحدة تسدّ رمقه، وهو القائل: ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع(). لذا، فإنّه لمجرد أن يحتمل سلام الله عليه وجود أفراد في المناطق النائية من رقعة حكومته جوعي، لم يكن ينام ليلته ممتلئ البطن، وقد حرم نفسه حتي من متوسط الطعام واللباس والمسكن ولوازم الحياة العادية.

أراد الإمام علي سلام الله عليه بنهجه هذا تحقيق هدفين:

الهدف الأول: أن يُبعد عنه أي شبهة كحاكم إسلامي، ويسلب منتقديه - هؤلاء الذين أنكروا عليه حتي مناقبه() - أي حجّة تدينه.

الهدف الثاني: تذكير الحكّام المسلمين بمسؤولياتهم الخطيرة تجاه آلام الناس وفقرهم في ظلّ حكوماتهم، وضرورة إقامة العدل والتعاطف مع آلامهم وعذاباتهم، والسعي بجدّ من أجل تأمين

الرفاهية والعيش الكريم لهم.

من هذا المنطلق، فإن مجرّد احتمال وجود جياع في أبعد نقاط الحكومة الإسلامية يعتبر في ميزان الإمام علي سلام الله عليه مسؤولية ذات تبعات، لذا فهو عليه السلام يؤكّد علي الحكّام ضرورة أن يجعلوا مستوي عيشهم بنفس مستوي عيش أولئك، وأن يشاركوهم شظف العيش.

وهنا تتجلي عظمة الغدير أكثر فأكثر، وتسطع أنوار القيم والتعاليم السامية التي يحملها يوماً بعد آخر، تلك القيم التي تؤمّن التوازن السليم بين المتطلبات الروحية والعقلية والمادية والمعنوية للبشر، لتحقّق السعادة للجميع أفراداً وجماعات، حكاماً ومحكومين.

مبادئ مدرسة الغدير

وهي مبادئ واسعة وعميقة لدرجة أنّه لا يستطيع أحد الإحاطة بها وبكنهها جميعها، إلاّ قبسات من إشعاع فيضها. ألفت نظركم إلي تلك العبارة الموجزة والبليغة من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه في قوله: والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته().

النقطة البالغة الأهمية التي تتضمّنها هذه العبارة أنّ الإمام سلام الله عليه قد استخدم كلمة «لو» وهي كما يذكر علماء اللغة ليس مجرد حرف شرط، بل حرف شرط يدلّ علي امتناع لامتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط. يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ?لَوْ كانَ فيهما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا?()، أي لو كان في الأرض والسماء آلهة غير الله عزّ وجلّ لانفرط عقد الكون، وما زال الأمر ليس كذلك، فالسماوات والأرض باقيتان علي حالهما ممسكتان، إذن ليس فيهما آلهة إلا الله. فحرف (لو) سلفاً يدلّ علي أن ما بعده من الشرط غير ممكن.

وهكذا نحو قولنا: لو كان لي جناحان لطرت بهما، فانتفي طيراني لعدم امتلاكي جناحين. ف (لو) ابتداءً يدلّ علي انتفاء مدخوله، من هنا، يكون معني قوله سلام الله

عليه (والله لو أعطيت … ): أي أن عصياني لله تعالي في ظلم نملة بهذا المقدار القليل لا يمكن تحققه حتي إذا كان بإعطائي مقابله الأقاليم السبعة. وهذا المعني يؤشر عليه حرف (لو).

والإمام سلام الله عليه غير مستعدّ للفوز بملك الأقاليم السبعة في مقابل معصية الله ولو في سلب قوت نملة واحدة، ففي القول دلالة علي نملة مفردة.

ونقطة ثانية مهمة في العبارة المذكورة: هي استخدام كلمة «جُلب شعيرة»، وهي قشرة حبة الشعير الرقيقة، والتي تنزع عنها تلقائياً، ولو كان يوجد ما هو أتفه شأناً من جلب الشعير لقارن الإمام سلام الله عليه به. من هنا، فقد أقام الحجّة علي جميع الحكّام وولاة الأمر، واضعاً إيّاهم أمام مسؤولياتهم الخطيرة، هؤلاء الحكّام الذين لا يتورّعون عن ارتكاب أي جريمة، فيبيدون الحرث والنسل، ويزهقون الآلاف من الأرواح الزكية البريئة من أجل شبر من الأرض أو مال قليل أو بلوغ المناصب والتمتّع بحطام الدنيا الزائل.

حسب ثقافة الغدير، فإنّ في سلب النملة جُلب شعيرة معصية، فما بالك بقتل الأفراد بالظنّة والشبهة! في النقطة المقابلة، نجد المنطق الأموي والعباسي الذي كان يعاقب الأفراد بتهمة حبّهم لعلي سلام الله عليه، ويقمع الخصوم الفكريين لأدني شبهة.

والحكام السابقون للإمام علي سلام الله عليه أيضاً كانوا يسيرون علي هذا النهج نفسه - أي نهج الحكام الأمويين والعباسيين - حيث كانوا يخنقون أصوات المعارضين لأتفه الأسباب، فمثلاً أرسل أبو بكر جيشاً بقيادة خالد بن الوليد للإجهاز علي معارضيه، وقد أدّي خالد المهمّة بوحشية وبشاعة بإهراقه دماء فريق من المسلمين في حروب سمّيت «بحروب الردّة»، وتحت ذريعة محاربة المرتدّين، إلاّ أنّ معظم الذين سفكت دماؤهم من قبل خالد وجيشه كانوا من المسلمين الأبرياء، ولم تكن تهمة الارتداد

سوي ذريعة().

بل إنّ الأساليب التّي اتّبعها خالد في حربه ضدّهم كانت مخالفة تماماً لنهج الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وتعاليم الإسلام، وتتلخص أساليب خالد في: قتل المسلمين بقذفهم من المرتفعات والأماكن العالية، وحرقهم وهم أحياء، والتمثيل بهم، وقطع أوصالهم، وإلقائهم في الآبار، في حين كان الرسول الكريم صلي الله عليه وآله ينهي عن المثلة حتي بالكلب، في هذا يوصي الإمام علي سلام الله عليه أهل بيته محذراً إيّاهم من التمثيل بقاتله، بقوله:.. فإنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور(). وهذا غيض لفيض من الفظائع التي ارتكبها خالد وهو منطلق بأمر أبي بكر.

الغدير والمشاعر الإنسانية

بركة أخري من بركات الغدير هي الوقوف علي الجانب العاطفي من شخصية الإمام علي وأبنائه سلام الله عليهم الذين نصّبهم رسول الله صلي الله عليه وآله لخلافته من بعده، ففيهم تتجلّي الرحمة الإلهية علي الخلق وهم التجسيد الحيّ لأسمائه الحسني، حيث ورد في بعض الروايات أنّ الآية الكريمة: ?وَللهِ الأسْماء الحُسْني فادْعوهُ بِها? نزلت في شأنهم().

فمن شفقة أمير المؤمنين سلام الله عليه علي الخلق أنه أعطي طعامه للأسير واليتيم والمسكين وبات جائعاً هو وزوجته فاطمة الزهراء وولداه الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين ثلاثة أيام متواليات، ولم يكن طعامهم سوي أقراص خبز. وعلي فراش الشهادة أوصي سلام الله عليه بإعطاء مقدار من الحليب الذي كان يتناوله كدواء إلي قاتله ابن ملجم، وأن لا يُبخس حقّه في المأكل والمشرب والمكان والملبس المناسب()، بل كان يطالبهم أن يعفوا عن ابن ملجم حيث قال لهم: إن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم().

يروي المؤرخون أنّه بعد استشهاد الإمام علي سلام الله

عليه خطب الإمام الحسن سلام الله عليه الناس فقال: لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الاولون، ولا يدركه الآخرون في حلم ولا علم، وما ترك من صفراء ولا بيضاء، ولا ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمة، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله().

أما عثمان بن عفان فقد بلغت أمواله بعد مقتله (150) ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القري وحنين وغيرهما (200) ألف دينار، وخلّف إبلاً وخيلاً كثيرة().

فلتقارن هذه الثروة العظيمة التي خلّفها عثمان مع ما تركه الإمام علي سلام الله عليه عند استشهاده ليتبيّن لنا البون الشاسع بين المنهجين، ونكتشف عظمة علي سلام الله عليه والغدير أكثر فأكثر. وهنا، ينجلي لنا جانب من السرّ الذي تنطوي عليه عظمة الغدير ومقولة الرسول الكريم صلي الله عليه وآله باعتباره أهمّ الأعياد.

مسؤوليتنا تجاه الغدير

لكي نعرف طبيعة وحجم المسؤولية التي يلقيها الغدير علي عاتقنا، يجب أولاً أن نسأل أنفسنا، إلي أي مدي تعرّف العالم المعاصر علي الغدير وسبر أسراره العميقة؟ وإذا كان العالَم يجهل الغدير فمن الذي يتحمّل مسؤولية هذا الجهل؟ وما هي طبيعة المسؤولية التي ينبغي أن نضطلع بها وفق مقرّرات الغدير تجاه المجتمعات الإسلامية؟

في الحقيقة، لا يحمل الجيل الحالي عموماً تصوراً واضحاً وصحيحاً عن الغدير، و تقع مسؤولية ذلك علي عاتقنا نحن في الدرجة الأولي، فلو أدّينا واجبنا في شرح فكرة الغدير للناس لكان الوضع أفضل ممّا عليه الآن.

كان علينا أن نوضّح للعالم بأنّ الغدير يعني تحقيق الرفاهية وتوسيع نطاقها، لبلوغ التقدم والرقي في عمران المجتمعات الإنسانية، كما يعني المساواة بين الممسكين بمقاليد الاقتصاد والمال وبين باقي أفراد المجتمع، والقضاء علي الطفيلية والعصابات. وحسب ثقافة الغدير، فإنّ المسؤولين عن

الشؤون المالية هم المؤتمنون الذين بيدهم عصب الحياة المدنية والذي تدور به عجلة المجتمع.

الخلاصة، إنّ الغدير يعني ميثاق ولاة الأمر مع الله عزّ وجلّ والذي يحتّم عليهم بأن يجعلوا مستوي عيشهم بمستوي أقلّ الأفراد في المجتمع، وأن يحاكوهم في المأكل والمسكن والملبس والرفاهية … إلخ.

في الختام، نؤكّد المسؤولية الخطيرة الملقاة علي عاتقنا إزاء الغدير، وضرورة الالتزام بها. ومن أهمّ هذه المسؤوليات في الوقت الراهن نشر مفاهيم الغدير، ودعوة عموم الناس لينهلوا من هذه المائدة السماوية؛ وفي غير هذه الحالة، لا يوجد أدني أمل في كفّ أيدي الحكّام المستبدّين عن المستضعفين، لإنقاذ الإنسانية من هذا الوضع السيّئ والخطير، والوصول إلي ساحل الأمن والرفاهية والعدل والحرية.

إذن، عندما يكون الحديث عن الغدير، فإنه في الواقع حديثٌ عن المعاني التي يحملها، مجسّدة الروح العظيمة لأمير المؤمنين سلام الله عليه.

بقي أن نتساءل: يا تري هل سينجب التاريخ حاكماً عادلاً يقتفي أثر الإمام علي سلام الله عليه الذي كان يشاطر حتي أضعف مواطني دولته؟ هنا يتوضّح جلياً مغزي قول الإمام الرضا سلام الله عليه: لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات().

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين

المحاضرة الرابعة•

ماذا خسر العالم بإقصاء الغدير

ماذا خسر العالم بإقصاء الغدير

وقفة مع عبارة الإمام الهادي مخاطباً جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام

«وحال بينك وبين مواهب الله لك»

• ألقيت المحاضرة في 17 ذي الحجة الحرام 1424 في مسجد الإمام

زين العابدين سلام الله عليه في قم المقدسة بمناسبة حلول ذكري عيد الغدير الأغرّ.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

مقدمة

إن عيد الغدير هو أعظم الأعياد في الإسلام علي الإطلاق، كما ورد في الروايات! فما هو السرّ في ذلك؟ بتعبير آخر: ما الذي كان يحدث فيما لو تحقق واستمرّ مفهوم الغدير؟ وما الذي خسرناه إذ أقصي الغدير وطويت صفحته في التاريخ؟

قبل الإجابة علي هذا السؤال أودّ أن ألفت نظركم إلي أن هناك زيارة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في يوم الغدير رواها الأكابر من علمائنا عن اثنين من النوّاب الأربعة للإمام الحجة عجّل الله تعالي فرجه الشريف، وهما: عثمان بن سعيد (النائب الأول) والحسين بن روح (النائب الثالث)؛ وكلاهما من أصحاب الإمام الحسن العسكري، نقلا هذه الزيارة عنه عن أبيه الإمام الهادي سلام الله عليهما.

عندما جلبوا الإمام الهادي سلام الله عليه من المدينة إلي سامراء وكان معه ابنه الحسن العسكري سلام الله عليهما مرّا علي النجف الأشرف فوقفا علي قبر جدّهما أمير المؤمنين سلام الله عليه وزاره الإمام الهادي سلام الله عليه بهذه الزيارة() المرجّو أن يواظب عليها المؤمنون كلَّ عام إن شاء الله تعالي.

هذه الزيارة الشريفة تزخر بمضامين ومفاهيم قلّما توجد في الزيارات الأخري للإمام وسائر أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، ولذلك ينبغي للزائر أن يتوقف عندها ويتأمل في عباراتها؛ ومن تلك العبارات قول الإمام الهادي سلام الله عليه في الزيارة مخاطباً جدّه أمير المؤمنين

سلام الله عليه: وحال بينك وبين مواهب الله لك. أي صار مانعاً وحائلاً بينك يا أمير المؤمنين وبين المواهب الإلهية لك. فما هي تلك المواهب التي حيل بينها وبين الإمام؟ هل حيل بينه وبين علمه أم عصمته أم مقامه وإمامته أم درجاته عند الله تعالي؟ وكلّها ثابتة له. لقد حيل بين الإمام سلام الله عليه وبين الحكومة، أي منعوه من الحق الذي وهبه الله تعالي له بخلافة الرسول صلي الله عليه وآله وإدارة شؤون الأمّة الإسلامية.

لكن هذا الحؤول وهذا المنع أضرّا بالمسلمين أنفسهم، فلماذا قال الإمام الهادي سلام الله عليه: وبين مواهب الله لك - فاللام هنا هي لام النفع وقد دخلت علي ضمير المخاطب - ولم يقل «للأمّة» مثلاً؟

نقول في الجواب: لأنّ المولي أمير المؤمنين عليه السلام هو المتفضّل علينا بما وهبه الله تعالي، لذلك لو لم يُقصَ الإمام سلام الله عليه وسُمح له بأن يحكم الأمّة مباشرة خلال هذه الثلاثين سنة التي عاشها بعد رسول الله صلي الله عليه وآله لكانت حكومته امتداداً كاملاً ودقيقاً لحكومة النبي صلي الله عليه وآله، بفارق واحد فقط وهو أنه ليس بنبي كما أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وآله نفسه().

وهذا معناه أن كل حالات الخير والعدل التي كانت ستقام منذ ذلك اليوم حتي يوم القيامة، وكذلك دفع كل حالات الظلم التي ما كانت لتقع فيما لو سُمح للإمام سلام الله عليه بممارسة حقه، كان نفعها سيعود للأمّة؛ لعدم تفريطها بمواهب الله تعالي التي وهبها كلّها للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه.

الإمام علي سلام الله عليه مرسي دعائم الحرية في العالم

بعد بيان هذه المقدمة نعرض سؤالين هامين ونجيب عنهما باختصار:

الأولي: ما الذي كان سيحدث لو أن الغدير تحقَّق وكان الإمام هو الحاكم مباشرة بعد رسول

الله صلي الله عليه وآله؟ وماذا خسر المسلمون والعالم بتغييب الغدير وإقصاء الإمام سلام الله عليه؟

الثانية: ماذا ينبغي لنا أن نعمل الآن؟ أي ما هي مسؤوليتنا تجاه ما حدث وقد مرّ عليه زهاء 1400 عام، وما هو واجبنا حسب الأدلّة الشرعية؟

أما عن النقطة الأولي فالكلام كثير والروايات عديدة في المقام؛ ولو وُفّق أحد الباحثين لجمعها لألّف منها موسوعة وليس كتاباً واحداً، ولكن اُشير هنا إلي بعضها ليتبيّن لنا أننا إذا كنا نشهد اليوم بعض الحرية في العالم، في أيّ بقعة من الأرض وبأيّ درجة، فإن الفضل في ذلك يعود لأمير المؤمنين سلام الله عليه، لأنّه هو الذي وضع أساسها وأرسي دعائمها طبعاً بعد رسول الله صلي الله عليه وآله؛ فحديثنا عن مرحلة الغدير وما بعد رسول الله صلي الله عليه وآله -.

فكلّ من يتمتع اليوم بشيء من الحرية فهو مدين فيها لأمير المؤمنين سلام الله عليه، وكلّ من كان محروماً من الحرية فالسبب في ذلك يعود لعدم قيام واستمرار الغدير، ولإبعاد الإمام سلام الله عليه عن تحقيق ما أراده الله تعالي ورسوله له.

وإذا كانت هناك اليوم حرية في الغرب، فهي في أساسها مدينة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، مع فارق أن الحرية الغربية خاطئة ومبتلاة بالإفراط والتفريط في حين أن الحرية التي طبّقها الإمام سلام الله عليه حرّية صحيحة ومعتدلة.

لنطالع الرواية التالية ثم نقارن مبادئ الحرية عند الإمام سلام الله عليه مع الحريات الموجودة اليوم في الدول التي ترفع شعار الحرية لنري أيّهما أعظم.

لقد جاء الإمام إلي سدّة الحكم بعد مرور 25 سنة من الغصب والظلم وغياب العدالة وكبت الحريات، فحتي تدوين الحديث بل روايته كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه وإن كان من أتباع السلطة

وأنصارها؛ حتي أن عبد الله بن عمر نفسه لم يستطع أن يروي في زمن أبيه عمر حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه وآله. في ظلّ أوضاع كهذه حيث الحرية مغيَّبة إلي هذا الحدّ والمشاكل تحيط بالأمة من كلّ جهة استلم الإمام سلام الله عليه زمام الحكم، تري فكيف تصرّف مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين كالخوارج بقيادة الأشعث بن قيس وأهل الشام بقيادة معاوية؟

عندما حلّ شهر رمضان المبارك في السنة الأولي من حكومة الإمام نهي صلوات الله عليه أن تصلي النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعةً وأوصي بأن تصلَّي فرادي، كما سنّها رسول الله صلي الله عليه وآله، واحتجَّ سلام الله عليه لرأيه بقوله: «إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله من يشهدون أنه صلي الله عليه وآله جاء إلي المسجد الليلة الأولي من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تؤدَّي جماعة ثم ذهب إلي بيته للصلاة» ().

ولكن عمر عندما استلم الحكومة قال: «أري أن يصلّي الناس هذه الصلاة جماعة» (). فصلاَّها الناس كذلك وأسموها بالتراويح.

أما الإمام سلام الله عليه فقد احتجَّ ببطلانها بنهي رسول الله عنها، فإنه صلي الله عليه وآله لم يُجِز أن تصلَّي جماعة ولم يقبل أن يؤمَّ المسلمين فيها وهو المبلّغ للصلاة والمؤسّس لها بأمر الله تعالي، بل قال: تصلَّي فرادي.

ومن هنا كان نهي الإمام سلام الله عليه من أن تصلي

النوافل جماعة وأعلن ذلك وأوصي المسلمين أن يصلّوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادي سواء في المساجد أو في البيوت.

إلا أن أولئك الذين اعتادوا علي أدائها طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم «واسنّة عمراه»، فماذا كان ردّ فعل الإمام سلام الله عليه؟

انظروا إلي عدالة الإمام والحرية التي يؤمن بها. فبالرغم من أنّه قال شيئاً واستدلّ عليه وكان استدلاله محكماً لم يستطع أن يشكّك فيه حتي أولئك الذين ما برحوا يختلقون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه، حتي بلغ الأمر بهم أن يعدّوا بعض فضائله رذائل، كما عابوا عليه خلقه الذي هو فضيلة عظيمة فقالوا: «إنّه امرؤ فيه دعابة» ().. حتي أولئك لم يشكّكوا في الاستدلال الذي طرحه الإمام لإثبات صحَّة ما ذهب إليه.

ومع ذلك ماذا فعل الإمام مع المتظاهرين الذين خرجوا ضدَّه؟ هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم وسجنهم، أم نفي أحداً منهم؟ هل أحال بهم إلي المحاكم علي أقلّ تقدير؟ كلا ثم كلا. إنه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوة ضدهم، بل الأعظم من ذلك أنّه سلام الله عليه استجاب لمطالبهم ورفع المنع الذي أصدره وسمح لهم بممارسة سنّتهم هذه رغم أن تلك السنَّة لم تكن حتي من الباطل المدلَّس بالحق بل كانت باطلاً واضحاً لا شكّ في بطلانها ولا شبهة، وهو الإمام الحق - كما نعتقد وكما قال الرسول صلي الله عليه وآله: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار() - والحاكم الذي يجوز له أن يُعمل ولايته ويحكم بما رأي كما فعل من سبقه

علي رأي القوم علي أقلّ تقدير ومع ذلك قال الإمام

لابنه الحسن سلام الله عليه: قل لهم صلّوا().

والآن قارنوا هذا الموقف مع ما تدّعيه أرقي الدول التي تزعم أنّها راعية الحرية اليوم. أجل إن المسؤولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين كما تفعل بعض الدول الإسلامية مع الأسف! ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلي أو جرحي واعتقال بعض وإحالتهم إلي المحاكم والسجون.

فما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلي الحرية في ظلّ حكم الإمام علي سلام الله عليه؟ أما في البلاد الإسلامية فلا وجود حتي لذلك القدر من الحرية الموجودة في الغرب!

والأعجب من هذا أن الإمام سلام الله عليه منح هذه الحريات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، وكان الإمام رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم.

قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنها ليست الأقوي. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام علي سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوي حكومة علي وجه الأرض، فالإمام سلام الله عليه لم تنقصه القوة، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه لم يقلها وأعلن للبشرية عملياً أنه ?لا إكراه في الدين?().

فلئن كان في العالم شيء من الحرية اليوم فلا يعود الفضل فيه إلا لإمامنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.

كيف تعامل الإمام سلام الله عليه مع مثيري الحرب ضده؟

لم يبادر الإمام بأية حرب ابتداء، فكُلّ حروبه فُرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتي

هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبأوا في حجرات إحدي الدور في موضع من البصرة، فتوجّه أمير المؤمنين سلام الله عليه في كوكبة من جنوده إلي ذلك المحلّ حتي انتهي إلي الحجرة التي كانت فيها عائشة فعاتبها أولاً قائلاً لها: أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله صلي الله عليه وآله؟() ثم أمرها بالتهيؤ لإرجاعها إلي المدينة المنورة.

يروي أنه عليه السلام قبل أن ينتهي إلي الحجرة التي كانت فيها عائشة تظاهرت نسوة المحاربين الذين خسروا المعركة وهتفن بشعارات في وجه الإمام من قبيل: «هذا قاتل الأحبّة» (). ولكن الإمام لم يبالِ بهنَ ولم يُظهر أيّ رد فعل إزاءهن! فعدن إلي التظاهر والهتاف ضد الإمام سلام الله عليه بالشعار نفسه، وكان الإمام يهمّ بمغادرة المكان ولكنه توقف هنيئة ثم عاد وقال جملة واحدة فقط سكتن كلّهن علي أثرها.. لقد قال لهن: لو قتلت الأحبة لقتلت من في تلك الدار - وأومأ بيده إلي ثلاث حجر في الدار()!

فبالرغم من أن عائشة قد ألّبت علي الإمام حتي فرضت عليه الحرب وبالرغم من أنها ومن خرج معها خسروا الحرب وانهزموا وتلبدوا، إلا أن الإمام اكتفي بعتابها ثم أمر بعد ذلك بإرجاعها مجلَّلة إلي المدينة وأمر أن لا يتعقَّب قادة الجيش المعادي ولا يلقي القبض عليهم ليعدمهم أو يسجنهم أو ينفيهم أو يحاكمهم!

إننا لم نعهد تعاملاً من هذا القبيل في تاريخ البشر، بل لم نعهده حتي في هذا اليوم وفي الدول التي ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، فإنهم ما إن ينتصروا في معاركهم الباطلة ويقبضوا علي رؤوس الجهة المعادية حتي يسجنوهم أو يحيلوهم إلي محاكم خاصّة بصفتهم مجرمي حرب أو خونة ومتآمرين وقد يعدمونهم.

نعم، هذه هي الحرية التي نقول عنها

لو أن الغدير قد حكم الأمّة طيلة الثلاثين سنة من عمر الإمام علي بعد الرسول صلي الله عليه وآله، لنعمنا بظلّها إلي الآن، ولما شهدنا كلَّ هذه الويلات والمحن منذ ذلك الحين حتي يومنا هذا وإلي أن يظهر منقذ البشرية الإمام المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف.

كيف تعامل الإمام مع الخوارج؟

بعد أن اضطرّ الإمام سلام الله عليه لخوض معركة صفين وسقط القتلي من الطرفين وكان النصر قاب قوسين أو أدني من أمير المؤمنين سلام الله عليهم، تدارك الجيش المعادي الأمر بحيلة رفع المصاحف وانطلت حيلتهم علي قسم كبير ممن كان يحارب في ركاب أمير المؤمنين عليه السلام فطالبوه بوقف الحرب وهدَّدوه إن لم يفعل. فاضطُرّ الإمام لوقف الحرب كما اضطُرَّ لخوضها وطلب من مالك الأشتر التوقّف عن التقدم، ثم أجبروه علي قبول التحكيم ثم اعترضوا علي قبوله له بعد ذلك مطلقين شعاراً ينطوي علي مغالطة فقالوا: «لا حكم إلا لله» (). وهكذا نشأت فرقة الخوارج من بطن جيش الإمام نفسه!

ولم يكتفِ هؤلاء بمروقهم حتي تظاهروا ضد الإمام أيضاً، ورفعوا في وجهه هذا الشعار عندما دخل المسجد وكان يوم الجمعة وهو إمام وحاكم لأكبر وأقوي دولة علي وجه الأرض يومذاك().

ومع ذلك لم يعاقبهم الإمام سلام الله عليه بل لم يسمح لقادة جيشه أن يمنعوهم ولا أحال أحداً منهم إلي القضاء أو السجن؛ مع أنهم كانوا يعلمون كما كان الإمام نفسه يعلم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: علي مع الحق والحق مع علي.

وهذا معناه أن الباطل كان يهتف بشعاراته في وجه الحق، ومع ذلك لم يمنع الحق أصحاب الباطل من حرية التعبير. فأين تجدون مثل هذه الحرية؟ هل عهدتم حرية كهذه حتي ممن يدعي حرصه عليها في

هذا اليوم المعروف بعصر الحريات؟

والأعظم من هذا أن الإمام سلام الله عليه لم يسمّ هولاء الذين خرجوا عليه وهتفوا بهذا الشعار في وجهه - ولا رضي أن يسمّوا - بالمنافقين() مع أنهم كانوا أجلي مصداق لهذه المادة، لأن هناك رواية متواترة عن النبي صلي الله عليه وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو كافر().

إن الذين خرجوا ضدَّ الإمام أمير المؤمنين هم المنافقون الحقيقيون، ولكن سياسة الإمام التي هي سياسة النبي والإسلام ومنهجهما في الحكم هو أن لا يستخدم سيف التخويف هذا ولا يقال عن المعارضين للحكم أنهم منافقون وإن كانوا هم المنافقين حقاً!

فمن أجل إدارة الحكومة ومراعاة المصلحة الأهمّ وملاحظة التزاحم ومراعاة حال الأمَّة والمعارضين أيضاً نهي الإمام أن يقال عنهم إنهم منافقون.

ماذا كنّا سنربح لو تحقق الغدير؟

لو حكم الإمام وتحقّق الغدير لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلي يوم القيامة. ففي رواية أنّه قال سلمان لأبي بكر: قم عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به رغداً إلي يوم القيامة(). فلفظة «الرغد» تشير إلي الكيف ولفظة «إلي يوم القيامة» تشير إلي كمّ السعادة التي كان سيتحقق فيما لو تحقق الغدير.

فالرغد في اللغة هو المعيشة التي لا ضنك فيها أبداً ولا أدني ما يعكرها، فلا مرض ولا فقر ولا جهل ولا حروب ولا نزاع ولا قلق ولا مشكلات ولا حبس ولا ويلات. هذا هو معني الرغد. ولذلك قيل فيه: وإنما العيش الرغد في الجنة().

وهذا معناه أنّه لو كان الإمام يحكم كما أراد الرسول صلي الله عليه وآله لما وُجد اليوم مريض ولا سجين واحد في العالم، ولا أُريقت قطرة دم ظلماً ولا وجد فقير ولا تنازع زوجان

ولا قُطع رحم. فهذا هو مفهوم الرغد.

فهل تبيّن لماذا كان الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ إن المفاهيم التي ينطوي عليها الغدير لا تتوفر حتي في عيدي الفطر والأضحي وغيرهما من أعياد الإسلام. فقارنوا بين كلّ الأعياد الإسلامية ومنها الجمعة وبين عيد الغدير وانظروا هل يؤيدنا التاريخ في كونه أعظم الأعياد أم لا؟

إذن لم يعد يخفي علينا معني قول الإمام الصادق سلام الله عليه يوم غدير خم … هو عيد الله الأكبر().

ماذا حدث بإقصاء الغدير؟

والآن بعدما سُلب الإمام حق الخلافة واُقصي عن الحكومة ولم يُمتثل أمر الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله في يوم الغدير، فما الذي حدث؟

أقول: بعد جلوس الإمام 25 سنة في الدار بل منذ السنة الأولي التي اُنكر فيها الغدير عملياً بعد رحيل رسول الله صلي الله عليه وآله، ظهرت المشاحنات والقتل والحروب والظلم بدءاً من الظلم الذي حاق بمولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليه وإسقاطها محسناً() ثم بالحروب التي أسماها القائمون بها بحروب الردة واستمراراً بما تلاها من حروب حتي يومنا هذا، حيث قتل الملايين من البشر! كلّ ذلك بسبب إقصاء الغدير وتجاهل قول رسول الله صلي الله عليه وآله: هذا وليكم من بعدي() أي متولّي أموركم وحاكمكم.

هناك رواية تستدعي التأمل وتؤيد ما ذهبنا إليه؛ مفادها أنه لو تحقق الغدير لما اختلف في هذه الأُمّة سيفان() أي لما تحارب اثنان وهذه حقيقة واقعية. أما الحروب التي خاضها الإمام فلم تكن لتقع لو تحقق الغدير كما أراد الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله ولكنها فُرضت علي الإمام سلام الله عليه من قِبل أولئك الذين مكّنهم الأسبقون الذين لم يروقهم تحقق الغدير.

فصرنا نشهد علي مرّ التاريخ حروباً ودماراً وظلماً وفساداً وهتكاً للحرمات حتي

آل الأمر إلي ما نشهد اليوم من حروب وتفجيرات وقتل وعنف في كل بقاع العالم تقريباً، فهذا يقتل ذاك وذاك يظلم هذا، وعمليات خطف وإبادة ودمار في كل مكان! وهذا ما حذّرت منه مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بقولها: ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً().

بعبارة أخري: إن الهدف الذي سيظهر من أجله الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف كان سيتحقق علي يد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، لو استقاموا علي دين النبي صلي الله عليه وآله وائتمروا به.

مسؤوليتنا تجاه الغدير

النقطة الأخري التي ينبغي التحدث عنها هي مسؤوليتنا تجاه الغدير.

إذا كان العالم لا يعرف الغدير وحقيقته بسبب إقصائه، وحُرم النهل من مبادئه وعطاياه، وحتي بعض المسلمين لم يتعلّم من عليّ سلام الله عليه وابتعد من سيرته، فما هي مسؤوليتنا نحن الذين أدركنا بعضاً من عظمة الغدير ووعينا خسارة البشرية جراء تغييب الغدير؟ وبتعبير آخر: كيف نُحيي الغدير؟

أقول: روي عن عبدالسلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا سلام الله عليه يقول: رحم الله عبداً أحيي أمرنا فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس(). والإمام لم يحصر المسألة في الشيعة أو المسلمين فقط بل قال "الناس" أي كل الناس.

فعالم اليوم يجهل الغدير، وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم بل يجهلها أكثر المسلمين مع الأسف. والمؤسف حقاً أن تري شخصاً يُحسب من العلماء يعبِّر في موضع ما عن صلاح الدين الأيوبي بالقائد الإسلامي، مع أنّه حتي محبّوه وأتباعه ومن هم علي مذهبه يقرّون أنّه حرق في واقعة واحدة مدينة بأكملها فأزهق أرواح كلّ سكّانها البالغ عددهم خمسين ألفاً وبينهم النساء والأطفال والشيوخ!!

أرجو الله تعالي ببركة عيد الغدير أن يزيدنا

معرفة بعظمة الغدير فنحن لا نعرف منها إلا اللفظ، أما العظمة فالله تعالي يقدّرها ورسوله وأمير المؤمنين صلي الله عليهما وآلهما. نسأل الله أن يتفضّل علينا بما نستطيع به، أن نؤدي واجبنا تجاه هذه القضية المباركة.

وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة الخامسة•

أهمية أحكام الله تعالي

أهمية أحكام الله تعالي

في ضوء الآية الكريمة

?ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل … ?

• حديث سماحته في شهر ذي الحجة عام 1398 ه، بمناسبة قرب شهر

محرم الحرام وذكري شهادة سبط الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله الإمام عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ? ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين?.()

لاشك أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله هو أفضل الخلق وأعزّهم عند الله تعالي، فهو أشرف المخلوقات، بل إنّ الله تعالي ما خلق الخلق إلاّ لأجله صلي الله عليه وآله، وهو الذي قال له يخاطبه ليلة المعراج- كما في الحديث القدسي -: يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك().

كما لا شك أنّه صلي الله عليه وآله لا ينطق عن الهوي- كما عبّر عنه ربه الكريم - ولا يخون رسالة ربه. ولكن الله تعالي أنزل هذه الآيات ردّاً علي جماعة من المشركين كذّبوا النبي وكانوا يقولون: إنّ الله لم يوحِ إليه بشيء وأنه يتقوّل علي الله، أي ينسب أقوالاً إلي الله لم يقلها الله سبحانه. فلم يردّ الله تعالي في هذه الآيات علي هذه المزاعم فحسب بل نزّه رسوله صلي الله عليه وآله أن يأتي بما لم يأمره الله تعالي به كما يظهر

من حرف الامتناع (لو) وشدّد في التعبير أكثر من ذلك لبيان عدم المحاباة عنده مع من ينسب إليه قولاً كذباً ولو كان أحبّ الخلق إليه – من باب فرض المحال ليس بمحال - موضحاً أنّ خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وآله - علي عظمته وعلوّ مقامه - لو تقوّل علينا بعض الأقاويل، وليس القرآن كلّه أو النبوة نفسها، بل لو أخبر عن أمور بسيطة ونسبها إلينا، فإنّنا سنشلّ يمينه وقدرته، ونقطع وتينه، وهو العرق الكبير في الجسم الذي بانقطاعه يموت الإنسان، ثم لا يستطيع أن يحول بيننا وبينه أحد!!

حقاً إنّ هذه الآيات من أعجب آيات القرآن وتستدعي التأمل كثيراً، إذ يتحدّث الله بهذه الشدة عن أحبّ الخلق إليه عندما يتعلّق الأمر بأحكامه تعالي. وهذا يكشف عن أنّ أحكام الله تعالي وحدوده أحبّ وأعظم وأكبر عنده من كلّ شيء، حتي أوليائه المقرّبين ورسله والناس أجمعين.

قد يُتساءل: كيف؟ أقول: لقد أخبر الله تعالي في مواطن عديدة من القرآن الكريم أنّه بعث أنبياءه إلي الأمم لتبليغ أحكامه ورسالاته، ولكن الناس قتلوهم واستهزءوا بهم ونكّلوا بهم. وهذا يعني أنّ الله تعالي كان يقدّم أنبياءه وأولياءه وكذلك الأئمة المعصومين سلام الله عليهم قرابين علي طريق أحكامه وضحايا من أجل رسالاته. ولاشكّ أنّ ما يُضحَّي له أغلي مما يُضحَّي به. فلو أنّ أحداً مرض فإنّه سيبذل ماله من أجل استعادة صحته، مما يعني أنّ الصحة أغلي عنده من المال، وأنّ الأقل قيمة يضحّي به في سبيل الأعلي قيمة.

لنتأمل جيداً في الآيات، لا يقول الله تعالي إنّ أحكامه أغلي من حبيبه فحسب بل يستعمل شدة في التعبير توحي إلي السامع أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وهو أشرف الأوّلين والآخرين،

يبدو لا شيء إلي جنب أحكام الله تعالي، بحيث لو أراد أن يتلاعب بها أدني تلاعب أو ينسب إلي أحكام الله ما لم يقله، فإنّه سيأخذه بهذه الكيفية!

إذا لم يكن رسول الله صلي الله عليه وآله اليوم فينا - وهو حي عند الله - فإنّ أحكام الله تعالي موجودة بيننا، فكيف سنحافظ عليها؟

وإذا كان الله تعالي يتحدث عن سيد رسله مقابل أحكامه بهذه الكيفية، فما بالك بي وبأمثالي من سائر الناس؟

إنّ أحكام الله تعالي تتمثّل في حلاله وحرامه، في آياته وتشريعاته، في القرآن الكريم والروايات المعتبرة، وفي المسائل الشرعية الموجودة في الرسائل العملية التي أتعب العلماء أنفسهم في استخراجها من القرآن الكريم وكلمات المعصومين سلام الله عليهم.

تقدير الله للعلم والعلماء

ومن تقدير الله لأحكامه تقديره تعالي للعلماء، فهم حفظة الأحكام؛ والله تعالي يقدّر حفظة أحكامه والعاملين بها؛ قال تعالي في وصف العلماء: ?إنّما يخشي الله من عباده العلماء?().

كما ذكر تعالي العلم في القرآن أكثر من أيّ شيء آخر إلاّ اسمه الكريم، ثم يأتي بعده مباشرة كلمة «العلم».

ومما نُقل عن تقدير الله عزّ وجلّ للعلماء ما حكي عن بقاء جسد الشيخ الصدوق رحمه الله طرياً رغم مرور أكثر من ألف عام علي موته.

والشيخ الصدوق رحمه الله هو من علماء الطائفة الحقّة واسمه محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي. وقد مضي علي وفاته أكثر من ألف سنة، ومدفنه في إيران عند مزار السيد عبد العظيم الحسني في مدينة ري. ولمّا أُريدَ تعمير مقبرته في العهود الأخيرة حصل ثقب أو حفرة في القبر فظهرت علي أثره جنازة الشيخ الصدوق غضّة طرية وكأنه مدفون لتوّه رغم مرور كلّ هذه الأعوام علي وفاته!

قد يقول قائل: ماذا يستفيد الشيخ الصدوق

من بقاء جسده طرياً وهو غير حالٍّ فيه؟

فنقول في الجواب: إنّ هذا نوع من التقدير له جزاء علي ما قدّم من أعمال، كما نقوم مثلاً للمرجع إذا دخل؛ إشعاراً منا بتقديره واحترامه، مع أنّ قيامنا نفسه غير مؤثر بحالنا ولا حال الشخص الذي نقوم له.

إن للشيخ الصدوق رحمه الله كتاباً ثميناً جداً يسمي «ثواب الأعمال وعقاب الأعمال» جمع فيه جزاء الأعمال الحسنة كالصلاة والصوم والصدقة والصبر وغيرها تحت عنوان ثواب الأعمال، وجزاء الأعمال السيئة كالغيبة والكذب وغيرهما تحت عنوان عقاب الأعمال.

يروي الشيخ الصدوق في هذا الكتاب أحاديث في ثواب مَن قلّم أظفاره في يوم الخميس، ومن قلّمها يوم الجمعة. ثم يقول الشيخ رحمه الله: من الأفضل للإنسان إذا أراد أن يحصل علي الثوابين أن يقلّم أظفاره يوم الخميس إلاّ بعضها يتركه ليوم الجمعة.

وعندما رئي جسده بعد أكثر من ألف عام طرياً تحت التراب لوحظ أنّ أصابعه كلّها مقلّمة إلاّ إصبعاً واحدة كان قد تركها ليوم الجمعة إلا أن الأجل لم يمهله.

في التراب خاصية بحيث حتي الحديد لو دفن فيه لتآكل - كما نعلم - فكيف بقي ظفر هذا الرجل العالِم مع جسده حياً كلّ هذه السنين بقدرة الله تعالي؟ إلاّ تقديراً منه تعالي لحفظة أحكامه! فكم سيكون سخطه علينا لو فرّطنا في أحكامه؟ وكم سنكون مقرّبين منه تعالي لو قدّرنا تلك الأحكام؟!

وهناك حادثة أخري لعالِم آخر من علماء الطائفة هو السيد مهدي بحر العلوم رحمه الله الذي توفي قبل أكثر من مئتي سنة ومدفنه في النجف الأشرف - قرب مسجد الطوسي رحمه الله - في شارع الطوسي الممتد من باب صحن المولي أمير المؤمنين سلام الله عليه والمسمّي بباب الطوسي متجهاً إلي مقبرة وادي السلام.

نقل

الحادثة في وقتها مَن شاهدها عياناً وهو أحد طلبة المدرسة الهندية - سابقاً - في كربلاء المقدسة، يقول:

كنت في النجف الأشرف نازلاً في مدرسة قوام - وهي مدرسة للعلوم الدينية بالقرب من قبر السيد بحر العلوم - وكان العمال مشغولين بالحفر عندما جاءوا إلي أحد أحفاد السيد بحر العلوم وهو السيد محمد تقي بحر العلوم وقالوا له: لقد عثرنا علي جنازة جديدة!

يقول راوي الحادثة: فجاء السيد وأنا معه، فنَزلنا إلي القبر فوجدناها جنازة السيد مهدي وهي تبدو طرية بحيث عندما وضعت يدي علي الجسد ثم رفعته فوجئت أنّه كان يشبه البدن الحي الذي لو ضغطت عليه فترة ثم رفعت يدك فإنّه يبيضّ أوّلاً ثم يعود للاحمرار بسبب جريان الدم فيه مجدداً.. وكان حال السيد أشبه بشخص نام من ساعتين!

فهذا يعتبر من تقدير الله تعالي للعلماء الحقيقيين من حفظة أحكامه.

قيمتنا عند الله يحددها دفاعنا عن أحكامه

إنّ أعظم قيمة لنا عند الله تعالي تتحقق بمقدار ما ندافع عن أحكامه تعالي وبمقدار ما نعمل بها ونطبقها علي واقع سلوكنا، وبمقدار ما نحفظ هذه الأحكام لكي نبلّغها إلي الأجيال القادمة.

يقول النبي صلي الله عليه وآله لسبطه الإمام الحسين سلام الله عليه: وإنّ لك في الجنة درجات لا تنالها إلاّ بالشهادة(). فماذا فعلت شهادة الإمام الحسين سلام الله عليه سوي أنها حافظت علي دين الله وأحكامه من الضياع في زمن الطاغية يزيد بن معاوية؟!

وهكذا تعتبر مجالس الإمام الحسين سلام الله عليه استمراراً لأحكام الله تعالي ودعماً لها وللقرآن والسنّة وأهل البيت سلام الله عليهم.

ترانا هل نقيم لأحكام الله تعالي وزناً كما يقيم بعضنا للدرهم والدينار؟ إنّ بعض الناس لو سمع بوجود مال وضيع مَرميّ في مكان ما، يجدّ في البحث عنه للحصول عليه، ولكن إذا

قيل له إن ّالشيء الفلاني حرام استهان بالأمر، فهو لا يقيم وزناً لأحكام الله سبحانه حتي بمقدار عشرة دنانير يركض خلفها ويبحث عنها لمجرد احتمال حصوله عليها.

إنّ مَن لا يكرم أحكام الله تعالي فلا كرامة له عند الله. صحيح أنّ كرم الله تعالي عظيم ولطفه عميم بحيث يشمل المؤمن والكافر برزقه وعطفه في الحياة الدنيا، لكن هذا لا يعني تكريماً للكافر، بل هو أشبه بالوليمة العامة تقيمها وقد يحضرها مَن لا تحبّه، لكنك لا تمنعه، ولا يُعدّ ذلك تكريماً له؛ لأنّ الدعوة عامة ولم تكن من أجله.

إذن لنقرّر من الآن - ونُشهد الله - أن ندافع عن أحكام الله تعالي، فنأمر بالمعروف وننهي عن المنكر، في البيت وخارجه، مع الأصدقاء، والجيران والغرباء بالمقدار الذي نتمكن. وليس المطلوب منا أن نجرّد سيوفنا ونحارب بل ليكن سلاحنا الكلمة الطيبة نقولها، فإن سُمعتْ منا فبها ونعمت، وإلاّ نكون قد أدّينا ما علينا وأبرأنا ذمتنا.

كذلك فلنبدأ من الآن فصاعداً بحفظ أحكام الله تعالي وتعلّم المسائل الشرعية حتي تلك التي لا يجب علينا تعلّمها، فلنتعلّمها أيضاً. فهب أن تعلّم أحكام الزكاة والتجارة ليست واجبة عليَّ ولكن ليكن تعلّمي لها من أجل حفظها ونشرها.

ليأخذ أحدنا الرسالة العملية ويقرّر أن يحفظ عدة مسائل منها كلّ يوم، في مختلف الأبواب، فيعرف حكم الله تعالي في التجارة والزراعة والصلاة والأراضي ومعاشرة الإخوان والجيران والأرحام والوالدين والأولاد؛ فإنّ أصحاب الأئمة سلام الله عليهم لم يكونوا كلّهم فقهاء متفرغين بل كان فيهم البقال والكاسب والتاجر والطحان والقصاب والتمار، ومع ذلك حفظوا لنا هذه الروايات وحفظوا لنا الأحكام حتي هذا اليوم؛ فإن استطعت أن تحفظ بعض الأحاديث ثم تقوم بطبعها ونشرها فاعمل، لعلّ الله تعالي يهدي بك

بعض الناس وي بقي لك ثوابه.

إذن لنوقّر أحكام الله تعالي أوّلاً، ولنطبقها في حياتنا ثانياً، ونسعي في تقليل تخلّفنا عنها، ولنحاول الرجوع إلي الرسائل العملية ونقوم بتعلّم وحفظ عدة مسائل من مسائل الأحكام في الحلال والحرام كلّ يوم، لأنّنا إذا عملنا ذلك أكرمنا الله عزّ وجلّ لتوقيرنا أحكامه.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

المحاضرة السادسة•

أحكام الله فوق كلّ شيء

أحكام الله فوق كلّ شيء

لا يجوز الإفتاء لغير المتخصصين، و الشعائر الحسينية جائزة شرعاً

(تتمّة الحديث السابق)

• حديث سماحته في محرم الحرام عام 1399 ه، بمناسبة ذكري شهادة

الإمام الحسين سلام الله عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي: ?ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم قطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين? ().

مقدمة

ذكرنا في المحاضرة السابقة أنّ بعض المشركين ادّعي أنّ القرآن ليس من عند الله تعالي وأنّ النبي صلي الله عليه وآله – حاشاه - جاء به من نفسه، فردّ الله تعالي عليهم بهذه الآيات، وقلنا إنّها من الآيات العجيبة في القرآن الكريم؛ لأنّ الله تعالي يتحدّث فيها بشدّة بالغة عن نبيّه وحبيبه مع أنه من المحال أن يصدر عنه ذلك! فلم يقل الله تعالي مثلاً: إنّ رسولنا صادق وأمين كما تعرفونه، فكما لا يكذب عليكم لا يكذب علي ربّه، أو إنّ سبيله صلي الله عليه وآله سبيل سائر الأنبياء، فلِم يكذب علي ربّه، بل قال إنه سيأخذه بهذه الشدّة لو صدر منه أدني نسبة كذب حاشاه؛ وما ذلك إلا بياناً لعظمة أحكامه تعالي وعدم المحاباة فيها حتي مع أحبّ خلقه إليه.

تفسير مفردات الآية

في اللغة: ((قال عن فلان))، أي نقل عنه قولاً، و «تقوّل عليه» أي نسب إليه قولاً لم يقله.

إذن يكون تفسير قوله تعالي ?ولو تقوّل علينا?: لو أنّ هذا النبي نسب إلينا قولاً لم نقله، وليس شرطاً أن يكون تقوّله كلّ القرآن، بل لو تقوّل علينا ?بعض الأقاويل?، كأن يضيف آية واحدة مثلاً علي آيات القرآن التي تعدادها ستة آلاف وستمئة وستة وستون آية.

?لأخذنا منه باليمين?: اليمين في اللغة: اليمن والبركة، والقوة والقدرة، واليد اليمني أيضاً؛ وذلك لأنّ أكثر الناس يعتمدون علي هذه اليد، ففيها إذاً اليمن والبركة أي استمرار الحياة، وفي هذه اليد القوة والنشاط والعمل. والمقصود بالآية اليد اليمني والقدرة والسيطرة. فيكون المعني: لو فعل ذلك إذاً لأخذنا منه يمناه وسلبنا عنه قدرته وجرّدناه من قوّته().

ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يقول تعالي بعد ذلك:

? ثم لقطعنا منه الوتين? أي قطعنا شريان

حياته. فإنّ الوتين هو حبل الوريد الذي ورد في آية أخري في قوله تعالي: ?ونحن أقرب إليه من حبل الوريد?().

ولا يقف الأمر عند هذا الحد كذلك، بل يتعدّاه تعالي كما في تتمّة قوله: ? فما منكم من أحد عنه حاجزين?: أي لو أننا أردنا أن نفعل ذلك مع أشرف الأنبياء فإنّ أياً منكم - أيها المسلمون، يا أمّة رسول الله ويا مَن تعتزّون به - لا يتمكن أن يدافع عنه أو يكون حاجزاً يمنعنا عن إنزال هاتين العقوبتين به. لماذا؟ لأنّ أحكام الله تعالي بهذه المثابة من الأهمية!

التلاعب بأحكام الله من أكبر الكبائر

إذا كان هذا جزاء رسول الله صلي الله عليه وآله فيما لو تقوّل علي الله تعالي تري فما حال غيره من الناس؟!

إذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله لا يستطيع أن يتصرف في أحكام الله تعالي، بل يكون مستحقّاً لهذه العقوبة الشديدة لو فعل ذلك مع أنّه أشرف المخلوقات، فكيف الحال بغيره؟!

نستنتج من هذا العرض المختصر أنّ أحكام الله هي أهم شيء عند الله تعالي، وأنّ التلاعب بها يعدّ أكبر جريمة عند الله كما عبّر عنها القرآن الكريم وتهون عندها كلّ الجرائم والمعاصي إلا الشرك بالله تعالي! فمن أكبر الكبائر أن يقول شخص: إنّ هذا حلال وهذا حرام كذباً علي الله ومن دون علم.

الفقهاء لا يفتون إلا بعد استفراغ الجهد

إنّ مَن يراجع كتب الفقه يدرك هذه الحقيقة بجلاء. فهناك علي سبيل المثال أخذ وشد طويل وعريض ونقاش حاد بين فقهاء الإسلام منذ أربعة عشر قرناً وحتي اليوم حيال الإفتاء طبق روايةٍ أحد رواتها مجهول الحال. فمثلاً لو وردت رواية عن المعصوم عبر عشرة رواة كان تسعة منهم ثقات ولكن يقع في هذه السلسلة شخص واحد مجهول الحال أي لا يُعلم حاله هل هو ثقة أم لا؛ هنا يتوقف الفقهاء في الإفتاء طبق هذه الرواية، لأنّه لا يجوز القول إنّ حكم الله في مسألة هو كذا أو كذا دون دليل ومستند. فإذا كان الأمر كذلك فهل يحقّ بعد ذلك لمن ليس اختصاصه الفقه أن يعطي رأياً في أحكام الله فيحلل ما يشاء ويحرّم ما يشاء؟!.

لقد سمعت شخصياً من المرحوم الوالد رضوان الله عليه أنّه كانت هناك مسألة من مسائل الحج - لا يسعنا بيانها - وقعت مداراً للبحث بين مجموعة من المجتهدين، منهم مراجع للتقليد، وهم السيد الوالد رحمه الله

نفسه والسيد آقا حسين القمي رحمه الله والشيخ محمد رضا الإصفهاني رحمه الله والسيد زين العابدين الكاشاني رحمه الله، واستمر البحث لمدة ثلاثة أسابيع ولم يستطيعوا في نهاية المطاف أن يقطعوا فيها بالحرمة فأفتوا بالاحتياط؛ مع أنّهم جمهرة من المجتهدين قضي كلّ منهم عشرات السنين من عمره حتي صار خبيراً في الفقه وصار استنباط الأحكام شغله واختصاصه، لكنهم مع ذلك توقفوا عندما أعوزهم الدليل ولم يتعجلوا في إصدار الحكم، فإن الجاهل وحده الذي يصدر الأحكام هكذا اعتباطاً، أما المتخصص فهو يدرك أهمية الموضوع ولا يستهين بأحكام الله ويطلقها جزافاً لأنّه يعرف عظمتها وأنه سيكون مسؤولاً أمام الله الذي تحدث عن نبيّه بتلك الشدة، فقال: ?ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل … ?، فكيف بغيره من الخلق؟!

الشيخ المفيد مثالاً للخوف من الفتيا

لقد كان الشيخ المفيد رضوان الله عليه من كبار علماء الطائفة، عاش قبل أكثر من ألف عام في الغيبة الصغري للإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف، وكان يحضر درسه في بغداد العلماء من مختلف الطوائف والملل من السنّة والشيعة والنصاري واليهود والصابئة. ورد في تاريخه أنه سئل يوماً في حكم امرأة حامل ماتت والولد ينبض في رحمها، فقال: يُشق الجانب الأيمن من البطن ويُخرج الولد ثم تدفن الأم. ثم تبيّن أنّه أخطأ في جوابهم، فكان ينبغي أن يقول بشقّ الجانب الأيسر، فأسف علي إفتائه وقرّر أن لا يفتي أحداً بعد ذلك.

فمع أنّه لم يثبت من الناحية الطبّية وجود فرق في شقّ بطن الحامل الميّتة سواء كان من الجانب الأيمن أم الأيسر، ومع أنّ الشيخ المفيد لم يكن عامداً بل صدرت منه الفتوي بخلاف الحكم الشرعي خطأً، وكلّ الناس معرّضون للخطأ إلاّ المعصومين، إلاّ أنّ الشيخ المفيد تألّم إلي درجة

بحيث قرّر ترك الإفتاء خشية الوقوع في الخطأ ثانية والقول بما لم يحكم الله - وإن لم يكن عامداً -.

هذا والشيخ المفيد بلغ درجة من العلم والفضل بحيث كان مرجعاً ليس للشيعة وحدهم بل كان يرجع إليه المسلمون وغيرهم وينهلون من نمير علمه. ولقد نُقل أنّ الإمام الحجّة عجل الله تعالي فرجه الشريف نعاه بنفسه عندما توفي وكتب علي قبره:

لا صوّت الناعي بفقدك إنّه يوم علي آل الرسول عظيم()

عالِم بهذه المنْزلة يحذر من تكرّر الخطأ منه فيجلس في بيته ويغلق عليه بابه ويقرّر عدم الإفتاء، دون أن يجدي معه إصرار المراجعين، حتي بعث إليه علي ما يُنقل - الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه، في أحد الأيام شخصاً وقال له: يقول لك الإمام: أفِد يا مفيد، منك الفتيا ومنّا التسديد (). ثم اعلم أن الإمام بعثني علي الجماعة الذين استفتوك وقلتُ لهم: إنّ الشيخ يقول: "لقد أخطأت"، فشقّوا البطن من الجانب الأيسر. عندها أرسل الشيخ خلف الجماعة ليتأكد من الموضوع، فقال لهم: ماذا عملتم بالمرأة الحامل؟ قالوا: شققنا بطنها من الجانب الأيسر كما أخبرنا الشخص الذي أرسلته خلفنا. بعد ذلك عاد الشيخ المفيد للإفتاء().

العوام والإفتاء في الشعائر الحسينية!!

إذا عرفنا هذا الاحتياط من العلماء في صدور الأحكام فلنلق نظرة علي واقعنا، وخاصة عندما يحلّ شهر محرم الحرام وذكري استشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين سلام الله عليه، تري العجب العجاب، في كثرة المتصدين للإفتاء من عوام الناس! فهذا يقول لبس السواد حرام، وذاك يقول بحرمة اللطم علي أبي عبد الله، وآخر يحرّم التطبير، مع أنّ أحداً من المجتهدين لم يقل بحرمة أيّ من الشعائر الحسينية؛ لأنّ المجتهد لا يصدر الأحكام جزافاً وبسرعة بل ربما أتعب ثلة من المجتهدين أنفسهم

ثلاثة أسابيع - كما قلنا - دون أن يخرجوا بحكم قاطع في مسألة واكتفوا بالاحتياط، أمّا الجهلة من الناس فتراهم يتسرعون في إصدار أحكام ليس من شأنهم ولا من اختصاصهم دون أن يبالوا!

فكيف يمكن أن يكون اللطم علي الإمام الحسين سلام الله عليه حراماً وهذا هو الشاعر دعبل الخزاعي ينشد أشعاراً في رثاء الإمام المظلوم بمحضر الإمام الرضا سلام الله عليه ويقول فيها:

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً وقد مات عطشاناً بشطّ فرات

إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات()

والإمام الرضا سلام الله عليه لا يردّه بل يستزيده. فهل يمكن أن ينسب دعبل الخزاعي عملاً محرّماً إلي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ويسكت الإمام الرضا سلام الله عليه عنه؟!

ولقد سئل الإمام الصادق سلام الله عليه عن مسائل كهذه، فقال: وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين بن علي عليهما السلام وعلي مثله تُلطم الخدود وتُشقّ الجيوب()، فهل الفاطميات وزينب الكبري لا بل الإمام الصادق سلام الله عليه لا يعرفون الحرام، ويعرفه زيد من الناس أو عمرو؟

وهكذا الحال مع لبس السواد علي سيد الشهداء سلام الله عليه فلقد فعله المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين.

اقرأ التاريخ ثم تكلّم. راجع كتب الفقهاء والرسائل العملية وبعد ذلك قل ما بدا لك.

فها هو كتاب جواهر الكلام() ذو الأربعين مجلداً، هذا الكتاب الضخم الذي لا يَذكر صاحبه - وهو بحر من العلم - مسألة إلاّ ويذكر دليلها، وأصحاب الاختصاص يعرفون الجواهر وصاحب الجواهر.. هذا الرجل يستدلّ علي مسألة واحدة في باب من أبواب الفقه عبر عشر صفحات من كتابه ثم يناقش الاستدلال ويرد ثم يقول أخيراً: لا يمكننا أن نفتي والاحتياط سبيل النجاة!

تأمّل جيّداً: صاحب اختصاص يناقش مسألة في

عشر صفحات ولا يقطع أخيراً، ثم يأتي رجل ليس بصاحب اختصاص وليس بمجتهد ويصدر حكماً بسرعة، دون تفكير ودون دليل، ويقول لك إنّ العمل الفلاني حرام!

والعجيب أنّه عندما تأتي مناسبة استشهاد الإمام الحسين سلام الله عليه وينصب عزاؤه يصبح كلّ شيء حراماً وكلّ الناس فقهاء!! مع أنّ أحداً من المجتهدين لم يفتِ بحرمة أيّ من شعائر أبي عبد الله سلام الله عليه.

إن الحكم بغير ما أنزل الله من أكبر الكبائر، حتي لقد تحدّث الله عن رسوله وأحبّ الخلق إليه بتلك الصفة عندما تعلّق الأمر بهذا الموضوع!

الفتاوي التي بها تحبس السماء ماءها

تنازع رجلان في عهد الإمام الصادق سلام الله عليه عند أبي حنيفة في كراء حيث اكتري أحدهما فرساً من الثاني للذهاب إلي مكان للقاء صاحب له ولكنه عندما وصل إلي ذلك المكان لم يلقَ صاحبه لأنّه كان قد ذهب إلي نقطة أبعد منها، فاستمر في مسيره قاصداً إياه حتي بلغه، وهنا طالب صاحب الفرس أجراً أكثر لقاء المسافة الزائدة، لكن المكتري اعترض بأنّ الكراء كان بهدف الوصول إلي الصاحب وإن زادت المسافة، وحكم أبو حنيفة لصالحه استناداً إلي قاعدة فقهية أخطأ في فهمها، وهي «الخراج بالضمان». ولم يرض المكاري وطلب الاحتكام إلي الإمام الصادق سلام الله عليه، ورغم أنّ الخلاف كان في دراهم معدودة وأنّ أبا حنيفة أخطأ في فهم القاعدة وأنّ الإمام الصادق إمام معصوم وحفيد رسول الله فهو عنده علم رسول الله صلي الله عليه وآله، وكان أستاذاً لأبي حنيفة، إلاّ أنّ الإمام لم يجب علي المسألة أوّلاً بل قال قبل أن يجيب: بمثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركاتها.()

أي أنّنا لو قلنا عن أمر إنّه حرام مع أنّ الله لم يحرّمه، أو إنّه حلال

وهو عند الله ليس بحلال، وكذا المكروه والمستحب والواجب فإن ذلك القول بغير ما أنزل الله يمنع الأمطار من النزول ويحبس بركات الأرض.

فلو سألك أحد: هل الشيء الفلاني حلال أم حرام؟ فلا تجبه من تلقاء نفسك بل سل مجتهداً وأعطه الجواب، فإنّ الله تعالي لم يجعل أحكامه بيد أيّ أحد، بل جعلها بيد نبيه صلي الله عليه وآله وقال: ?وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا?().

لقد قُتل الأنبياء والأولياء في سبيل أحكام الله تعالي، وأخبر الإمام الحسين عليه السلام أخاه محمد بن الحنفية - لمّا أراد ثنيه عن الخروج إلي كربلاء - أنه رأي جدّه صلي الله عليه وآله في المنام، فقال له:

يا حسين اخرُج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً!

فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون! فما معني حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج علي مثل هذه الحال؟

فقال له: قد قال لي إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا().

لماذا شاء الله ذلك؟ لأنّ أحكام الله فوق الحسين وزينب وأمّ كلثوم.

هل أنت أفقه من الإمام صاحب الزمان؟!

أمّا مَن يقول إنّ إخراج الدم علي الإمام الحسين سلام الله عليه حرام فنقول له: هل أنت أفقه أم صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؟! وهو الذي يخاطب جده الحسين سلام الله عليه بقوله في زيارة الناحية المقدسة: لأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً فهل الدم الذي يخرج من العين أخطر أم الدم الذي يخرج من الرأس بالتطبير أو من الظهر بالسلاسل أو من الصدر باللطم؟ أم أنّ الإمام الحجة حاشاه- لا يعرف أنّ هذا العمل حرام ويعلمه فلان من الناس؟!

لقد نطحت زينب سلام الله عليها رأسها بمقدم المحمل حتي سال الدم من تحت قناعها. فهل فعلت

زينب حراماً؟ ولماذا لم تندهش من فعلها؟

الناس مسلطون علي أنفسهم

هناك حريتان موجودتان في الإسلام؛ حرية الفكر حيث يقول تعالي: ?لا إكراه في الدين?() وحرية العمل؛ للقاعدة المسلّمة لدي الفقهاء «الناس مسلّطون علي أنفسهم» ولقول رسول الله صلي الله عليه وآله الذي أجمع المسلمون علي نقله وهو: الناس مسلّطون علي أموالهم() يتصرّفون فيها بما يشاؤون. أمّا الإضرار بالنفس فليس حراماً في الإسلام إلاّ في موضعين واسألوا عن ذلك جميع الفقهاء؛ الموقع الأوّل هو الانتحار فهذا غير جائز في الإسلام، واستدلّ الفقهاء عليه بالآية الكريمة: ?ولا تُلقوا بأيديكم إلي التهلكة?()، وإن كانت في سياق آيات الجهاد لكن استدلّ الفقهاء بها؛ لاستدلال الأئمة بها في هذا المعني. وكذلك لقوله تعالي: ?ولا تقتلوا أنفسكم?().

الموقع الثاني المستثني من جواز الإضرار بالنفس هو أن يتلف الإنسان أحد أعضائه أو إحدي قواه. فلا يجوز للإنسان أن يعمي عينه أو يصمّ أذنه أو يقطع أنملة من أنامله هكذا عبثاً وليس لعملية جراحية في ضرورة من الضرورات.

كما لا يجوز للإنسان أن يشلّ قوة من قواه كالمرأة تقلع رحمها أو تشرب دواء يمنعها عن الإنجاب نهائياً - أمّا إذا كان شلّ القوة لفترة معيّنة فقال العلماء بجوازها - وكذلك الحال بالنسبة للرجل.

أجل إنّ الإضرار بالغير غير جائز حتي لو كان بمقدار عود ثقاب، ولقد روي عن رسول الله صلّي الله عليه وآله قوله: … ألا وإن الله عزّ وجلّ سائلكم عن أعمالكم حتي عن مسّ أحدكم ثوب أخيه بأصبعه()، فلو أنّ أخاك جلس إلي جانبك ووضعت طرف ثوبه بين إصبعين من أصابعك تريد أن تعرف نوع القماش مثلاً وهو لا يعلم، فإنّ ذلك لا يجوز لك إن كنت تعلم أنّه لا يرضي، ولسوف تُسأل عن ذلك يوم

القيامة. بل يقول الفقهاء إنّ الإنسان مسؤول عن مثل هذا التصرف - لو كان غصباً - حتي مع زوجته كما لو كانت تستحي من ذلك ولا ترضي مثلاً؛ فإنّ حق الرجل علي الزوجة لا يتعدي أمرين هما: الفراش وخروجها من البيت بإذنه، وليس له وراءهما أيّ حق عليها بعد ذلك، ولا يجوز له أن يلحق بها أدني ضرر.

أمّا الإضرار بالنفس فكما قلنا هو جائز إلاّ في موردين هما قتل النفس أو تلف أحد الأعضاء أو القوي. فهاهم الناس والتجار يسافرون في الحر والبرد وهم يتعرّضون للأخطار وربما قللوا من نومهم أو غذائهم وربما مرضوا وهم في الفُلك، وعلي هذا جرت سنّة الناس ولم يبلغنا أنّ الأئمة منعوا أحداً رغم وجود احتمال للغرق والموت - غير الغالب طبعاً -.

ولم ينهَ الفقهاء عن الضرر البالغ كالتدخين مثلاً، فمع أنّ الأطباء مجمعون علي أنّ التدخين مضرّ بصحة الإنسان فهل سمعتم أنّ فقيهاً أفتي بحرمة التدخين؟ كلا بالطبع لأنّه لا دليل لهم علي الحرمة بل الأصل «إنّ الناس مسلّطون علي أنفسهم».

ومثل التدخين إدخال الطعام علي الطعام والنوم بعد الأكل مباشرة وأمور كثيرة أخري من هذا القبيل، واكتفي الشرع بكراهتها ولم يقل بحرمتها إلاّ في الاستثناءين المذكورين آنفاً، وما ذلك إلا لأنّ الناس مسلّطون علي أنفسهم.

ولو كانت أحكام الله تعالي بيد الناس لأفتي كلّ واحد بها حسب أهوائه وتصوراته، ولانمحي الإسلام الذي بين أيدينا اليوم ولأصبح شيئاً ثانياً! لكنّ جهاد المصطفي صلي الله عليه وآله وإخلاصه في تبليغ ما أمر المولي تعالي به، وكذلك دماء أهل البيت سلام الله عليهم التي أريقت في سبيل ديمومة أحكام الله تعالي قد أبقتا علي الدين حيّاً نابضاً إلي اليوم.

إذن لو سئل أحد عن

مسألة ولم يكن من أهل الاختصاص فعليه أن يحيل سائله إلي المجتهد الجامع للشرائط أو أن يسأله بنفسه وينقل عنه جوابه إليه، ولا يحقّ حتي لوكيل المجتهد أن يجيب من عند نفسه، بل عليه أن ينقل رأي مرجع التقليد فهو الحجة علينا، وقد علمنا كم يبذل المجتهدون من الوقت والجهد للوصول إلي استنباط حكم من أحكام الله تعالي، وربما لا يتوصلون إليه فيعملون بالاحتياط ولا يفتون.

لم يفت مجتهد بحرمة أي من الشعائر الحسينية

الأمر الآخر الذي ينبغي أن لا ننساه هو أنّ أياً من الشعائر الحسينية المعهودة لم يفتِ مجتهد بحرمتها، بل الفقهاء قاطبة أفتوا بجوازها بل استحبابها؛ فلا يجوز لغير الفقيه أن يفتي من عند نفسه بحرمة شيء منها، فيقول مثلاً: إنّ اللطم علي الحسين أو التطبير أو التشبيه أو ضرب السلاسل حرام لأنّ فيها ممارسة لإيذاء الإنسان نفسه، مع أنّ كلّ هذه الممارسات لا تصل إلي حدّ خروج الدم من عين الإنسان، والإمام الحجة يمارسه، فلست أنا ولا أنت ولا غيرنا أفقه من صاحب الزمان صلوات الله عليه وعجّل الله تعالي فرجه الشريف، وكلام غير المجتهدين ليس بحجة ولا يصحّ الأخذ به ولا يجوز نقله شرعاً.

نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضي.

وصلي الله علي رسوله الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

المحاضرة السابعة•

الإمام الحسين عليه السلام أقام الدين

الإمام الحسين عليه السلام أقام الدين

اشارة

معرفة مكانة الإمام الحسين عليه السلام

في ضوء الآية الكريمة

?شرع لكم من الدين ما وصّي به نوحاً … أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه?

• حديث سماحته في الأول من شعبان عام 1396 ه بمناسبة ذكري مولد

الإمام الحسين سلام الله عليه في الثالث من الشهر.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?شرع لكم من الدين ما وصّي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه?().

دين الله واحد

الدين: طريقة السلوك في الحياة. فالدين اليهودي يعني طريقة سلوك اليهود في الحياة. والدين المسيحي يعني طريقة سلوك النصاري في الحياة. والدين الإسلامي يعني طريقة السلوك التي رسمها الإسلام لأتباعه في الحياة.

هذا وإنّ الله تعالي يخبر المسلمين في هذه الآية أنّ الدين الذي شرعه ورسمه لهم لا يتعارض مع الدين الذي شرعه لنوح وإبراهيم وموسي وعيسي عليهم السلام. فطريق الأنبياء كلّهم واحد وهو عين ما أتي به محمد صلي الله عليه وآله.

ومادام الأنبياء كلّهم يصدرون عن الإله الواحد، فطريقهم كلّهم واحد؛ ولذلك قال تعالي: ?شرع لكم من الدين ما وصّي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسي وعيسي? الآية.

ما وصّي الله به أنبياءه

فما هو الشيء الذي وصي به الله نوحاً وإبراهيم وموسي وعيسي وخاتم النبيين محمداً سلام الله عليهم أجمعين؟

قال تعالي بعد ذلك: ?أن أقيموا الدين?. ويقول النحاة: إن قوله تعالي: ?أن أقيموا الدين? بدل من قوله تعالي: ?وما وصّينا?، وهذا يعني أنّ ما أوصي به الله سبحانه أنبياءه عليهم السلام - ومن جملتهم نبينا وسيد الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وآله - هو إقامة الدين؛ أي جعله قائماً.

وكما أنّ الإنسان القائم يتحرّك ويمارس حياته بشكل طبيعي خلافاً للمريض الذي لا يستطيع القيام والنهوض، فكذلك الدين إذا كان مبعداً عن الحياة لم يكن قائماً، والله تعالي وصّي أنبياءه أن يقيموا الدين.

مكانة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه في السماوات

إن الإمام الحسين سلام الله عليه أقام دين جدّه صلي الله عليه وآله، ولولاه لما قامت للدين الإسلامي قائمة. وهذا ما سنبيّنه خلال البحث؛ عسي أن نكون قد وفينا بعض ما علينا تجاهه ولو بمقدار ما تحمله رأس الأبرة من بلل البحر!! ذلك أنّ الحديث عن الحسين سلام الله عليه حديث عن الله سبحانه والقرآن وعن الرسالة والحق وعن كلّ فضيلة.

لقد ذكر القرآن الكريم قصّة إسراء نبيّه صلي الله عليه وآله وعروجه إلي السماء في عدّة موارد منها قوله تعالي في سورة النجم: ?ثم دنا فتدلّي * فكان قاب قوسين أو أدني?().

جاء عن ابن عباس: فلما بلغ صلي الله عليه وآله إلي سدرة المنتهي فانتهي إلي الحجب فقال جبرئيل: تقدم يا رسول الله ليس لي أن أجوز هذا المكان ولو دنوت أنملة لاحترقت().

وجاء في رواية أخري أنه صلي الله عليه وآله قال: فلمّا انتهيت إلي حجب النور قال لي جبرئيل: تقدّم يا محمد! وتخلّفَ عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟! فقال: يا

محمد إن انتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه إلي هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربي جلّ جلاله. فزجَّ بي في النور زجّة حتي انتهيت إلي حيث ما شاء الله من علوّ ملكه().

وهنا عندما بلغ الله تعالي بحبيبه هذه المرتبة جعل يريه آياته الكبري، وتحقق قوله سبحانه: ?لقد رأي من آيات ربه الكبري?() وكان مما رآه صلي الله عليه وآله من الآيات الكبري مكانة حفيده الإمام الحسين سلام الله عليه وعظمته في السماوات.

عن الإمام الحسين سلام الله عليه قال: أتيت جدّي رسول الله صلي الله عليه وآله، فرأيت أُبَيّ بن كعب جالساً عنده، فقال جدّي: مرحباً بك يا زين السماوات والأرض فقال أُبيّ: يا رسول الله وهل أحد سواك زين السماوات والأرض؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله: يا أُبَي بن كعب! والذي بعثني بالحقّ نبياً، إنّ الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض، واسمه مكتوب عن يمين العرش: إن الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة().

ومن هنا ينبغي لزائر الإمام الحسين عليه السلام أن يعرف أنّه بين يدي مَن، ويكلّم مَن، ولو كنّا كذلك ونحن في حرم الإمام الحسين سلام الله عليه وبين يديه عندما نزوره لما شغلنا شيء آخر أبداً. يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: مَن أتي الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه كتبه الله في أعلي علّيين().

إنّ الله سبحانه وتعالي دعا أشرف أنبيائه ورسله عليهم السلام ومن خاطبه بقوله: لولاك لما خلقت الأفلاك()، دعاه في أعظم دعوة لأعظم وليمة يغذيه فيها بالتعاليم الروحية وليريه آياته الكبري، ومنها إنّ الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة. فهذا هو الحسين سلام الله عليه؛ فهل عرفناه حقّ معرفته؟

أنّي لطاقاتنا الفكرية المحدودة أن

تدرك عظمة الإمام الحسين سلام الله عليه؟ والله سبحانه يعبّر عنه بآيته الكبري، ويقول عنه: إنّه مصباح الهدي وسفينة النجاة. فهذا ليس قول الإمام الصادق أو أمير المؤمنين سلام الله عليهما أو جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله في حقّه، بل هو كلام الله مكتوب علي ساق العرش وقبل أن يولد الإمام الحسين سلام الله عليه.

وهنا نسأل: لماذا يري الله أشرف أنبيائه هذه الكلمة عن سبطه ويعدّه آية كبري؟ وما هو السرّ وراء ذلك؟

والجواب: هو أنّ الحسين سلام الله عليه خير مَن طبّق الآية التي صدّرنا بها البحث وما وصّي الله به نوحاً وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد سلام الله عليه وآله وعليهم أجمعين، وهو ?أن أقيموا الدين?. إن الحسين سلام الله عليه أقام الدين وحفِظ الشريعة. فلولا الحسين لما كانت الصلاة اليوم ولا الصيام ولا حجَّ البيت أحدٌ؛ لأنّ بني أمية كانوا علي وشك القضاء علي الدين، ولكن الحسين سلام الله عليه حفظه وأقامه بدمه ودماء أهل بيته.

نماذج من محاولات بني أمية للقضاء علي الدين

? حقد معاوية علي الدين والرسالة

كان لمعاوية بن أبي سفيان صديق ونديم اسمه المغيرة بن شعبة، وكان يشبه معاوية - فإنّ الطيور علي أشكالها تقع -.

يقول المطرف ابن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي علي معاوية، فكان أبي يأتيه، يتحدّث معه، ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يري منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة ظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟ فقال: يا بنيّ جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً فإنّك قد

كبرت، ولو نظرت إلي إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك مما يبقي لك ذكره وثوابه. فقال: هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، واجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر.. وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرات: (أشهد أنّ محمداً رسول الله) فأيّ عمل يبقي، وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك! لا والله إلاّ دفناً دفناً().

? يزيد يثأر لقتلي بدر

أرأيت كيف كان يفكّر معاوية؟! أمّا ولده يزيد فقد أظهر ما كان يضمره بعد قتله سبط رسول الله صلي الله عليه وآله عندما قال:

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء ولا وحي نزل()

وقال في أبيات أخري:

لمّا بدت تلك الحمول، وأشرقت تلك الرؤوس علي ربا جيرون

نعب الغراب فقلت: قل أو لا تقل فقد قضيت من الرسول ديوني()

يعني أنه اقتصّ من رسول الله صلي الله عليه وآله عندما قتل سبطه بمن قتلهم الإسلام من أجداده الكفرة في بدر. فالقضية عند يزيد تتلخّص في نزاع بين قبيلتين، فلا دين ولا نبوّة ولا وحي ولا جنّة ولا نار!

? خليفة يشتهي أن يفجر فوق الكعبة!!

نموذج ثالث من خلفاء بني أمية هو «الوليد بن يزيد».

ذكر ابن الأثير أنه: اتخذ له ندماء فأراد هشام أن يقطعهم عنه فولاّه الحج … فحمل معه كلاباً في صناديق، وعمل قبّة علي قدر الكعبة ليضعها علي الكعبة وحمل معه الخمور وأراد أن ينصب القبة علي الكعبة ويشرب فيها الخمور. ()

ومن أخباره أنّه واقع جاريته وهو سكران وجاءه المؤذّنون بالصلاة فحلف لا يصلّي بالناس إلاّ هي، فلبست ثيابه وتنكّرت وصلّت بالمسلمين وهي سكري متلطّخة بالنجاسات علي الجنابة().

فهل عرفتم الآن كيف أنّ الإمام الحسين سلام الله عليه أنقذ دين جدّه المصطفي صلي الله عليه وآله من براثن بني أميّة؟ وكيف أنّه حقّق وصيّة الله لأولي العزم من أنبيائه بإقامة الدين؟ ولهذا وجد رسول الله صلي الله عليه وآله مكتوباً علي ساق العرش إنّ الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة.

أليس للإمام الحسين سلام الله عليه حقّ علي كلّ صلاة تقام علي وجه الأرض؟ أليس لدمه سلام الله عليه حقّ علي الكعبة والبيت الحرام؟ فلولا جهاد الحسين سلام الله عليه

وثورته ودمه لما كانت صلاة ولا صيام وما كانت تؤدَّي الزكاة ولا الخمس ولا سائر أحكام الإسلام.

وما نقلناه كان غيضاً من فيض، فاقرأوا التاريخ بأنفسكم لتعلموا ما أراد الأمويون فعله بالإسلام، وما هو دور الحسين سلام الله عليه؟ ولماذا قال الله تعالي عنه علي لسان رسوله صلي الله عليه وآله: إنّ الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة!

حسين منّي وأنا من حسين

وهكذا أيضاً يفسّر معني الحديث النبوي الشريف: حسين منّي وأنا من حسين().

أمّا أنّ الحسين من النبيّ فهذا لا خلاف فيه، ولكن كيف يمكن أن يكون الجدّ من الحفيد أو السبط؟ لاشكّ أنّ النبيّ يقصد بذلك استمرار رسالته صلي الله عليه وآله. وهذا الكلام النبوي الشريف مقتبس من ذاك التعبير المكتوب علي ساق عرش ربّ العزّة! لأنّ بقاء اسم النبي صلي الله عليه وآله يُرفع من علي المآذن (أشهد أنّ محمداً رسول الله) إنما كان بتضحيات الإمام الحسين سلام الله عليه. ولولا الإمام الحسين سلام الله عليه لمحا معاوية ويزيد وآل مروان من بعدهما هذا الذكرَ، ولعادت الجاهلية من جديد، فهكذا كان تخطيط معاوية، ولكن الله تعالي شاء أن يري الإمام الحسين قتيلاً! لتعلّق إرادته تعالي بإنقاذ الدين بأساليب طبيعية غير غيبية. وهكذا كان إنقاذ دين الله متوقّفاً علي دم الحسين سلام الله عليه، ولولا شهادة الحسين وأهل بيته لما بقي للإسلام من أثر، ومن شاء فليراجع التاريخ.

إذن كلّ مسجد تدخله اليوم فهو مدين للحسين، وكلّ صلاة وصيام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبرّ بالوالدين، وإخلاص لله، بل واسم رسول الله صلي الله عليه وآله عندما يُرفع في الأذان.. كلّه من الحسين سلام الله عليه، وهذا معني قوله صلي الله عليه وآله: وأنا من حسين.

ولولا الحسين لكان اسم الرسول صلي

الله عليه وآله - وكما تمنّي معاوية - حاله حال اسم أبي بكر وعمر، لا يزاد أن يُقال: كان محمد. أمّا رفعه في الأذان مقروناً بالرسالة كلّ يوم خمس مرات، وامتداده في استمرار تعاليمه في الصلاة والصوم والمساجد والحجّ والدين كلّه فكلّ ذلك رهين دم الحسين سلام الله عليه.

وهذا معني مخاطبتنا له سلام الله عليه في الزيارة: أشهدُ أنّك قد أقمت الصلاة لأنّه لولا الحسين لما صلّي أحد.

ينقل الشيخ محمد شريعت رحمه الله - أحد علماء الشيعة الذين عاصرتهم، أصله من كراجي، وكان يسكن في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة - أنّه كانت تربطه صداقة بقسّ مسيحي فقال له يوماً:

أنتم الشيعة عندكم الحسين سلام الله عليه ولكنّكم لا تستفيدون منه كما ينبغي. ولو كان الحسين لنا لركزنا في كلّ شبر من الأرض منبراً باسم الحسين نجمع الناس حوله ونبلّغهم ديننا ولما تركنا إنساناً علي وجه الأرض إلاّ دعوناه إليه.

ختاماً: ماذا نقدّم للحسين سلام الله عليه؟

أقترح ثلاث وصايا بسيطة يتمكّن كلّ منّا العمل بها عسي أن نرفع شيئاً من تقصيرنا تجاه الإمام الحسين سلام الله عليه:

أوّلاً: قبل أيام من ذكري ميلاده المبارك سلام الله عليه أخبِر كلّ مَن تلقاه - سواء في محلّ عملك أو في طريقك إلي البيت أو صديقاً تلقاه - أنّ يوم الثالث من شعبان هو يوم ميلاد الحسين سلام الله عليه، ولا أبالغ إن قلت إنّ كثيراً من المسلمين الذين تعيش بينهم لا يعلمون بذلك!

ثانياً: لنتحف أولادنا وعوائلنا بفكرة ولو مبسّطة عن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم لاسيّما صاحب الذكري الإمام الحسين سلام الله عليه في يوم ميلاده؛ ليتربّوا علي حبّهم سلام الله عليهم.

ثالثاً: لنظهِر علامات الفرح والتهنئة ولنوزّع الهدايا أو الحلويات علي عوائلنا وزملائنا في محلّ

عملنا وأهالي منطقتنا في يوم ميلاد الإمام الحسين سلام الله عليه.

إنّ العمل بهذه الوصايا الثلاث هو أقلّ ما يمكن أن نقدّمه وأقلّ ما يُراد منّا، لكي يصدق علينا أنّنا نحبّ الحسين سلام الله عليه ونواليه.

أمّا الأمور والمؤهّلات المطلوبة منا لكي نكون علي طريق الإمام الحسين سلام الله عليه فقد لا نكون بمستواها فإنّ الحسين سلام الله عليه أقام الدين، ونحن نري محيطنا مليئاً بالمحرّمات، وذوينا لا يؤدّون الواجبات ولكن مع ذلك تري بعضنا – ومع الأسف - لا يكترث! إذا كنّا من الذين يهتمّون بمعالجة الأمراض الروحية في المجتمع كاهتمامنا بمعالجة الأمراض البدنية خاصة إذا أصيب بها أحد أبنائنا، فليكن سعينا من الآن أن نبدأ بنشر حبّ الحسين سلام الله عليه، وفكر الحسين، ثم السعي للعمل وفقه إن شاء الله تعالي. أسأل الله تعالي أن يوفّقنا لذلك، وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

المحاضرة الثامنة•

عاشوراء دروس وعبر

عاشوراء دروس وعبر

الاستلهام من قضية عاشوراء وتعظيم الشعائر الحسينية

• ثلاثة أحاديث لسماحته بمناسبة أيام عاشوراء، وذكري استشهاد

سبط الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

عاشوراء أيضاً

مرة أخري يطلّ علينا شهر محرّم الحرام وذكري عاشوراء التي مافتئت مشعلاً يهتدي به الأنام منذ استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه إلي يومنا هذا، وفي كل مرّة تحيي فيها هذه المناسبة ينهل محبّو الإمام قيماً ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء الخالدة، هذه الملحمة العظيمة المضيئة للأجيال علي مرّ العصور، والتي جعلت الأغيار يطأطئون رؤوسهم إجلالاً لعظمة صاحب الذكري، والمؤمنين يتزوّدون من دروسها الغنية لدنياهم وأخراهم.

لا ننسي بأنّ ذكري عاشوراء مرّت بمسيرة طويلة من التحوّلات، وأنّ التضحيات التي قدّمها الأسلاف والوالهون بسيّد الشهداء سلام الله عليه هي التي أوصلت إلينا هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم، العريقة بأهدافها المقدسة.

ولا يمكننا أن ندّعي انتماءنا لهذه المدرسة ما لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل ديمومة أهدافها العالية، وأن نسلّم هذه الأمانة الحسينية، السماوية، إلي الأجيال اللاحقة مصانة لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه فاعلة وبعيدة عن أي زيغ أو حرف، طبعاً إذا خلصت النوايا، وأبعدت المصالح الشخصية، ليحلّ محلّها هدف تحقيق مرضاة الله عزّ وجلّ.

وأوّل مهامّ محبّي أهل البيت سلام الله عليهم إعلاء شأن عاشوراء ونشر ثقافتها وبرامجها، وإحياء مجالس عاشوراء، ومواكبها، بل إحياء كل ما يتعلّق بها من شعائر ليخلِّد ذكراها، ولا يخفي أنّها مسألة محفوفة بالمشاقّ والصعاب، لكنّها مشاقّ عاقبتها الثواب الجزيل والأجر الوفير. فالذين قدّموا في هذا الطريق الخدمات الجليلة للإمام الحسين سلام الله عليه، وتحمّلوا في

سبيله العناء والعذاب، سيسَجَّل لهم ذلك بأحرف من نور في سفر التاريخ، وفي المقابل ستكتب أسماء الذين وجّهوا أدني إهانة لمواكب العزاء والمآتم الحسينية بأحرف من نار وهوان، أولئك الذين تصدّوا لمراسيم العزاء علي سيد الشهداء سلام الله عليه وصدرت عنهم عبارات من قبيل: «هذا ليس شأنك، اترك الأمر لهم»، أو الزوج الذي منع زوجته من المشاركة، والزوجة التي ثبّطت من عزيمة زوجها، أو الأخ الذي منع أخاه، أو الجار الذي منع جاره، وبعبارة واحدة: كلّ من وضع عقبة في طريق إقامة الشعائر الحسينية، سيسجّل عليهم صغيراً كان أم كبيراً.

الخشية من عدل الله

ليس في أسماء الله تعالي ما يبعث علي الخوف أو الصدود، فرحمته تعالي ورأفته ومغفرته وكلّ صفاته وأسمائه لا تحمل من معاني الخوف أو الرهبة شيئاً. ذكر في دعاء الجوشن الكبير ألف اسم من أسماء الله جلّ وعلا وصفاته، ليس في أيّ منها ما يشير إلي ذرة خوف أو فزع عدا واحدة وهي صفة العدل. وثمة صفات أخري وردت في الدعاء تدخل في السياق نفسه، وجميعها تصبّ في صفة العدل، وعليه يجب الخشية من عدله سبحانه.

لماذا لا يخشي الإنسان عدل الله تعالي إذا علم أنّه ليس في عقاب الله عزّ وجلّ يوم القيامة وقفة، وأنّه خالد، وأن أسباب الهلاك والثبور من كل لون تصبّ علي العاصي في ذلك اليوم، ومع ذلك لا يموت بل يذوق أشدّ أنواع العذاب؟ فلو تأمّل الإنسان قليلاً في وصف القرآن الكريم لجهنّم وعذابها لما هدأ باله، كما في قوله تعالي: ?ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت?().

ليس البائس من يبيت ليلته وهو جائع، أو من يقبع في غياهب الزنزانات ويذوق أشدّ أنواع التعذيب، لأنّ ذلك كلّه إلي أجل معلوم

ثمّ بعدها يشبع الجائع ويتحرّر السجين، إنّما البائس من حكم الله تعالي عليه بالعدل وحاسبه علي سيّئاته، يوم تعرض صحيفة أعمال الخلائق علي الله تعالي، فلا تخفي عليه صغيرة ولا كبيرة. عندها يفوز الذين ثقلت موازينهم، ومنهم أولئك الذين تفانوا في خدمة شعائر الإمام الحسين سلام الله عليه وكان محفّزهم في كلّ ما بذلوا من جهد وتضحية هو خدمة الإمام سلام الله عليه.

المحيون للمآتم الحسينية

إنّ لمواكب العزاء الحسينية منزلة رفيعة ومقاماً سامياً جعلت جهابذة العلماء وكبار الوجهاء والشخصيّات يفخرون بالمشاركة فيها أيّما افتخار.

علي سبيل المثال، تقام سنوياً في مدينة كربلاء المقدسة، وفي يوم عاشوراء بالتحديد مراسيم عزاء تعرف بعزاء طويريج()، وكان السيد بحر العلوم() مواظباً علي المشاركة فيها، وكان يقول بأنّه قد شاهد الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف بين صفوف المعزّين.

كان العمل بهذه المراسيم مستمراً في كربلاء إلي ما قبل حوالي 33 سنة، حيث كان يشارك فيها الآلاف، مهرولين حفاة، وضاربين بأيديهم علي رؤوسهم ووجوههم، ولقد رأيت مرات عديدة مراجع كبار وهم يؤدّون هذه المراسيم مع الجموع المهرولة، كما كان يشارك فيها بعض الوزراء والوكلاء والأعيان.

هؤلاء لم يكونوا يفعلون ذلك حتي في مجالس عزاء آبائهم، ولم يكونوا ليجزعوا هذا الجزع حتي لو فقدوا أموالهم وثرواتهم. فهنيئاً لهم ثم هنيئاً.

إن مقيمي المآتم الحسينية إنما هم في الحقيقة يعزّون رسول الله صلّي الله عليه وآله. يقول الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام في ما جري علي الحسين سلام الله عليه وأهل بيته سلام الله عليهم: يعزّ علي رسول الله صلي الله عليه وآله مصرعهم ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزّي بهم().

في الحقيقة، لا يمكننا مطلقاً أن نتصوّر ما كابد

سيّد الشهداء سلام الله عليه في يوم عاشوراء. قد تراود الإنسان أحياناً بعض الخطرات، ولكن لا يمكن مطلقاً تصوّر ما جري في ذلك اليوم فعلاً، وليس لنا أن نختصر القضية بالقول: إنّه إمام، والإمام يتمتّع بالصبر ورباطة الجأش. لاشك أنّ الإمام المعصوم سلام الله عليه أرقي وأعقل خلق الله، وله روح عالية تعلو علي جميع المخلوقات، لكنّ له قلباً يطفح بعاطفة تسمو علي عواطف جميع البشر وإن كانت معقودة بأكمل العقول.

لقد ذرف الرسول الكريم صلّي الله عليه وآله الدمع حزناً علي فقد ولده إبراهيم، الذي لم يتجاوز الرضاع، وكان صلّي الله عليه وآله يجهش بالبكاء لدرجة كان كتفاه يهتزّان حتي قال له بعض أصحابه: يا رسول الله، تأمرنا بالصبر وتبكي لهذه المصيبة؟ فقال صلّي الله عليه وآله: تدمع العين ويحزن القَلْبُ ولا نقول ما يُسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون().

فالرسول الأعظم صلّي الله عليه وآله يبكي كلّ هذا البكاء لفراق ولده الرضيع، في حين فقد الإمام سلام الله عليه في يوم عاشوراء أعزّ الناس وأقربهم إليه كأبي الفضل العباس وعلي الأكبر والقاسم … سلام الله عليهم. ولو كان هؤلاء أفراداً عاديين لهان الأمر، ولكنهم قد ترعرعوا في حجر الإمامة الطاهر، وكانوا بعد الإمام المعصوم سلام الله عليه قدوة في الوفاء والنخوة والأصالة، ولا مثيل لهم علي وجه الأرض مطلقاً، وإنّنا لنعجز عن أداء حقّهم وفي وصف مكانتهم.

في أقلّ من نصف يوم، تجرّع الإمام الحسين سلام الله عليه كل هذه المصائب وتحمّل ما لا يطيقه بشر؛ وكلّ ذلك كان بعين الله التي لا تنام ولكن ستحلّ الساعة التي يُقرّر الله سبحانه بحكمته التامّة انتهاء أمر الصبر لتصل النوبة لعدل الله تعالي الذي يُعدّ الانتقام من

الظالمين أحد فروعه.

قتلة سيد الشهداء سلام الله عليه

ورد في كتاب كامل الزيارات() أن كلّ من شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام ابتلي بأحد الأمراض الثلاثة: الجنون والجذام والبرص().

وتقول الرواية أيضاً بأنّ هذه الأمراض قد انتقلت إلي ذراريهم من بعدهم، رغم أنّهم لا علاقة لهم بجريرة آبائهم، إلا أنّ هذا هو الذي حصل بالفعل، وكان ذلك من عواقب قتل الإمام الحسين سلام الله عليه، فكما السكّير تمتد آثار عمله إلي نسله، فكذلك الحال مع الظالم، وهذه مسألة تكوينية.

كما نقرأ في (كامل الزيارات) أيضاً: أنّ قتلة الإمام الحسين سلام الله عليه قد قُتلوا جميعاً، ولم يمت أيّ منهم ميتة طبيعية. في هذا السياق يقول الإمام محمد الباقر سلام الله عليه: والله لقد قُتل قتلة الحسين عليه السلام ولم يُطلب بدمه بعد()، والله تعالي لم يرض بعد، لأنّ للإمام الحسين سلام الله عليه مكانة في أعالي الذري، والانتقام الذي حلّ بهم - وهو القتل - ليس كافياً البتّة، وهذا ما يقرّ به الشيعي والسنّي والمسيحي … علي السواء.

تفاخر الكعبة ومكانة كربلاء

نسب ربّ العزّةِ الكعبةَ إليه فسُمّيت بيتَ الله الحرام، وهو تقديس لمكانتها وتشريف لمنزلتها؛ وذلك لأن ليس لله سبحانه بيت بعينه فهو غنيّ عن المكان. لهذا، رفع هذه البقعة من أعماق الأرض إلي قمة السماء، وشرّفها بنسبها إليه عزّ وجلّ.

هذه الكعبة المشرّفة التي كرّمها الله، وأمر الحجيج أن ينزعوا عند مشارفها ألبستهم الدنيوية ويلبسوا لباس الإحرام، فيدخلوها مُحْرمين، تاركين بعض اللذائد الدنيوية المباحة، تفاخرت() علي البقاع الأخري، كما جاء عن الإمام الصادق سلام الله عليه حيث قال:

إن أرض الكعبة قالت: من مثلي و قد بني بيت الله علي ظهري، ويأتيني الناس من كلّ فج عميق وجُعلت حرم الله وأمنه!

فأوحي الله إليها أن كفّي وقرّي، فوعزّتي وجلالي

ما فضل ما فضِّلت به فيما أعطيتُ به أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر! ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولولا ما تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به؛ فقرّي واستقري … ».()

لقد أعزّ الله تعالي الكعبة وشرّفها إذ نسبها إليه عزّ وجلّ وسمّاها البيت الحرام، فماذا عن كربلاء؟ وأيّ ميزة تمتاز بها؟

لمعرفة ذلك اقرأ ما جاء عن الإمام الصادق سلام الله عليه حيث قال:

وإن أرض كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدّس الله تبارك وتعالي، فبارك الله عليهما فقال لها: تكلّمي بما فضّلك الله تعالي؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها علي بعض. قالت: أنا أرض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر علي من دوني بل شكراً لله. فأكرمها وزادها بتواضعها.()

فإذا وُفّقنا لإقامة مجالس العزاء الحسينية، وأسدينا خدمة لسيد الشهداء سلام الله عليه، وتحمّلنا العناء والمشقّة في هذا السبيل، وكان لنا شرف المشاركة في هذه المآتم نقول: الحمد لله الذي وفّقنا لهذا، الحمد لله الذي أكرمنا لنستظلّ بمظلّة الإمام الحسين سلام الله عليه، إن هو إلا توفيق من عند الله لنتشرّف بخدمة الإمام سلام الله عليه.

عطاءات عاشوراء

في الواقع، إنّ جلّ ما نملك من مُثُل وقيم هو من بركات تضحيات سيد الشهداء سلام الله عليه. فعاشوراء هي التي غرست في أعماقنا مبادئ الإنسانية والعبودية لله عزّ وجلّ والإيثار وخدمة الآخرين والعطف علي المستضعفين والدفاع عن المظلومين، ولأجل هذا كلّه يجب أن نبقي جذوة ملحمة عاشوراء متّقدة علي الدوام، وأن نبذل مهجنا دونها، لنضمن الرفعة والشموخ لنا وللأجيال من بعدنا.

إننا ننفق في حياتنا اليومية الكثير

من الأموال في مختلف الشؤون، وكذلك نصرف الكثير من الجهد والوقت مع الأولاد والزوجة وفي البيت والعمل والتجارة وما إلي ذلك، ولكن لنعلم أن ما ينفق ويبذل في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه هو الأفضل حيث يحظي بمكانة أرفع وقيمة أكثر، ولنعلم أيضاً بأنّ أي خطوة نخطوها في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم، سنثاب عليها من قبلهم بأفضل الثواب.

ثواب ذكر الإمام الحسين سلام الله عليه

كان هناك عالمان جليلان، رهن أحدهما عمره في خدمة مجالس عزاء سيد الشهداء سلام الله عليه، ولم يتوان عن بذل أي خدمة بماله أو بلسانه في هذا السبيل، أمّا الآخر فلم يكن يعر أهمية تذكر لهذه القضية. والآن، وبعد مضي سنوات علي وفاتهما، كان الثواب الذي ناله الأول هو أنّ الله قد وفّق أبناءه وأحفاده فجعل منهم المؤلف والعالم والمدرس والمرجع الديني، منتشرين في أصقاع الأرض يحيون ذكري أبيهم عندما يحيون الأمر الذي نذر أبوهم له نفسه، في حين لم يبق من الثاني أي أثر يخلّده، وهذا بالتأكيد نتيجة تعظيم الأول لمسألة التفاني والإخلاص لسيد الشهداء سلام الله عليه، وعدم اكتراث الثاني لهذه المسألة، وهنا يتبيّن بأنّ أي خدمة تقدّم لمواكب العزاء الحسينية لن تذهب سدي أبداً.

يروي أيضاً أنّه كان هناك شخصان يعيشان في أحد البلدان، أحدهما بائع بسيط ذو دخل متواضع، والآخر من أغنياء المدينة وأعيانها، وكلاهما رحل عن هذه الدنيا. كان البائع البسيط يكدّ ويشقي من الصباح حتي المساء لتأمين رزقه، وعندما كان يعود إلي بيته كان يأخذ ثلث دخله اليومي ويقول هذا سهم الإمام الحسين سلام الله عليه، وكان يدفع عن المبلغ المتبقّي (الثلثين الآخرين) فريضة الخمس إن فاض عنه شيء، فكان يجمع المال باسم الإمام الحسين سلام الله عليه ويبتاع

به أراضي خارج المدينة، فكان الناس يقولون له: لماذا تشتري أرضاً في البراري، حيث لا ماء فيها ولا عمران؟، وكان يجيبهم: ليس لديّ المال الكافي لشراء أراضٍ في المدينة، وقد اشتريت هذه الأراضي علي أمل أن يبني في موضعها حسينية. واليوم، أصبحت تلك القفار مدينة عامرة، تقع في مركزها تلك الأرض التي تحوّلت إلي حسينية كبيرة تقام فيها أغلب أيام السنة مراسم العزاء علي سيد الشهداء سلام الله عليه بالإضافة إلي المراسم الدينية الأخري. وقد قال ابن ذلك الكاسب خلال رحلة له إلي إيران قبل فترة، بأنّ أهل البلد الذي تقع فيه تلك الحسينية عرضوا عليه شراء تلك الحسينية مقابل مبلغ 5 مليارات تومان وذلك لتحويله إلي مبني عام، لكنه رفض وقال: هذا المكان وقف، وهو بالتالي ليس لنا، هو للإمام الحسين سلام الله عليه.

إن خدمات ذلك الكاسب في الدنيا محفوظة له، والمراسم التي كانت تقام في تلك الحسينية خلّدت ذكراه، هذا بالإضافة إلي الثواب الأخروي الذي ينتظره.

أمّا ذلك الرجل الثري فلم أسمع أن أوقف ولو شبراً واحداً من أملاكه للإمام الحسين سلام الله عليه، وقد اقتسم ورثته أمواله من بعده، ولم يبق منها أي شيء يحيي اسمه من بعده.

ومن هذا المنطلق، تعتبر قضية الإمام الحسين سلام الله عليه قضية تكوينية، بمعني أنّه من قدّم خدمة خالصة للإمام سلام الله عليه، سيثاب عليها في الدنيا قبل الآخرة.

عاقبة محاربة المواكب الحسينية

كما أنّ لخدمة المواكب الحسينية ثواباً وأجراً جزيلاً، كذلك فإن التصدي لهذه المواكب ومحاربتها ستكون له عاقبة سيئة. ومن يضع العراقيل في طريق المواكب الحسينية عامداً أو جاهلاً، سيلقي جزاءه في دار الدنيا قبل الآخرة. إنّ الثواب الحقيقي للأعمال هو في يوم الحساب، لكن المسيء للإمام الحسين سلام

الله عليه سيدفع ثمن ذلك في الدنيا أيضاً قبل وصوله الدار الآخرة.

مسألة أخري يجب الالتفات إليها ألا وهي السعادة والنعمة التي يهبهما الله تبارك وتعالي لعباده مقابل تقديم الخدمة في المواكب الحسينية، لذا علينا أن نغتنم هذه الفرص لننعم بظلالها قبل أن نندم علي التفريط بها، ولات ساعة مندم، ولا مجال حينذاك للعودة إلي الدنيا للتعويض عمّا فات.

كما علينا أن نعلم بأنّنا إذا كنّا قد وُفّقنا لإحياء مجالس العزاء الحسينية، فالفضل في ذلك كلّه يعود لآبائنا وأجدادنا وأسلافنا. لذلك، علينا أن نتذكّرهم دائماً، وأن نعلم بأنّنا نحن أيضاً سنترك تأثيراً علي أجيالنا وذلك بحسب هممنا وعزائمنا في خدمة سيد الشهداء سلام الله عليه.

ثواب الحزن علي أهل البيت عليهم السلام

من المناسب أن نقيّم أعمالنا ونري ما لمجالس العزاء والحزن علي مصاب أهل البيت سلام الله عليهم من ثواب من خلال ما ورد في ذلك عن الإمام المعصوم سلام الله عليه، ففي رواية عن الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه أنّه قال: نَفَسُ المَهموم لِظُلْمِنا تَسْبيحٌ، وَهَمّهُ لَنا عِبادَة().

إنّكم تحملون في داخلكم همّاً عظيماً بسبب ما لحق الإمام الحسين سلام الله عليه من ظلم وإجحاف، إذن أنفاسكم كلها تسبيح تسجّلها الملائكة لكم في صحيفة أعمالكم، ففي كل نفس يكتب لكم قول: سبحان الله. كما أنّ حزنكم عبادة، وبالإضافة لهذين الثوابين هناك ثواب عظيم آخر لكم هو خدمتكم في هذا الطريق.

لذا، فمن يتحمّل مشاقَّ وأعباءً أكثر ويضع راحته وسهره في خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه، بطبيعة الحال له أجرٌ أعظم، وأحد أوضح الأمثلة علي ذلك ما رُئي لاثنين من الفقهاء الأفاضل في المنام ()، أحدهما

الشيخ الأنصاري رحمه الله الذي تنهل الحوزات العلمية الدينية منذ 150 عاماً من علمه، والآخر الشيخ الدربندي رحمه

الله. هذان العالمان كانا زميلي دراسة في مرحلة الشباب، وكانا من تلامذة المرحوم شريف العلماء المازندراني رحمه الله، وأصبح كلاهما فيما بعد مرجعين للتقليد، وفي ذلك الوقت كان الشيخ الأنصاري هو المرجع العام للشيعة، والدربندي له مرجعية محدودة. ذات يوم عزم أحد طلاب الشيخ الأنصاري - وكان طالباً مجدّاً يحمل صفات العلم والورع - علي السفر إلي إيران، فقام الشيخ الأنصاري بوداعه حتي مشارف المدينة مشياً علي الأقدام حيث كان يعتزم السفر إلي مدينة كربلاء ثم الكاظمية وسامراء ليذهب بعدها إلي إيران، لكنّه في اليوم التالي لم يذهب إلي كربلاء، ورجع من وسط الطريق. وعندما رأي الشيخ الأنصاري تلميذه في النجف الأشرف سأله: «لماذا عدت؟». أجابه: «ليلة أمس غلبني النوم وأنا في الطريق في جوف الصحراء، فرأيت ملكاً في منامي يقول لي: إلي أين أنت ذاهب في هذه الصحراء، إنّك راحل عن هذه الدنيا بعد ثلاثة أيّام. وهذا القصر لك (وأشار الملك إلي قصر) ولم أكن أعلم علي وجه اليقين إن كانت هذه رؤيا صادقة أم لا، فقفلت راجعاً إلي النجف، لأكون عند أمير المؤمنين سلام الله عليه وليس في الصحراء فيما لو تحقّقت الرؤيا، وإذا لم تتحقّق أواصل رحلتي من جديد.

وبالفعل، تحقّقت الرؤيا وتوفّي الرجل بعد ثلاثة أيّام كما وُعد بذلك.

يروي هذا الشخص نفسه – قبل وفاته - للشيخ الأنصاري بأنّه قد رأي في ذلك المنام أيضاً قصراً شامخاً فسأل: لمن هذا القصر؟ قيل له: «إنّه للشيخ الأنصاري»، وفي ناحية مجاورة من ذلك القصر رأي قصراً آخر أفخم من القصر الأول فسأل: وهذا لمن؟ قيل له: «هذا قصر الشيخ الدربندي». في ذلك الوقت كان الشيخان لا يزالان علي قيد الحياة، كان الشيخ الأنصاري في

النجف الأشرف، والشيخ الدربندي في كربلاء المقدسة. وبالإضافة إلي كون هذا الأخير مرجعاً دينياً، كان خطيباً يعتلي المنابر الحسينية وكان له منبر خاص في كل عام، حيث نُقل لي بعض من قصصه تلك بواسطتين عمّن حضر مجلسه، وكانت مجالسه تقام في الصحن الشريف في ظهيرة يوم عاشوراء من كل عام بعد انتهاء المجالس الأخري حيث كانت تعجّ بجماهير غفيرة، وأحياناً كان يتحدث قبل ساعة من موعده، ويقول أحياناً: «لا أريد أن أقيم مجلس ندب ونواح فقد سمعتم منها ما يكفي طيلة الليل وحتي الظهيرة، لكنّني أريد أن أوجّه بضع كلمات باسمكم إلي الإمام الحسين سلام الله عليه … » وكان مجلساً مميّزاً حقّاً. كما دوّن المرحوم الدربندي كتاباً مسهباً عن الإمام الحسين سلام الله عليه يحمل عنوان «إكسير العبادات».

كان المتحدّث تلميذ الشيخ الأنصاري يعرف الشيخين جيداً، ويعلم أنّ مرجعية الشيخ الدربندي لا تضاهي مرجعية الشيخ الأنصاري، لذلك أثارت فخامة قصر الشيخ الدربندي في تلك الرؤيا السؤال في نفس تلميذ الشيخ الأنصاري ليسأل الملك عن سبب ذلك، لأنّه من المتوقع أن يكون قصر الشيخ الأنصاري أكثر فخامة وعظمة، فأجابه المَلَك قائلاً: هذا ليس جزاء أعمال الدربندي، بل هو هدية له من قِبل الإمام الحسين سلام الله عليه.

سيد الشهداء عليه السلام يلي حساب الناس

روي عن الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه قوله: إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السلام، فأما يوم القيامة فإنّه هو بعث إلي الجنة وبعث إلي النار().

كلنا سنرحل عن هذه الدنيا وسنحاسَب علي أعمالنا في ثلاث محطات - أعاننا الله عليها - حيث نُقل في بعض الروايات أنّه عند الموت، يؤتي بروح الإنسان عند الله الرحمن الرحيم لتُسأل، وحسب الرواية فإنّ الجسد لا

يرفع من مكانه ما لم يتمّ الانتهاء من الحساب. وهناك حساب ثانٍ قبيل يوم القيامة، وثالث في يوم القيامة. وتصرّح الرواية المذكورة بأنّ حساب البرزخ للمؤمن والكافر فرادي وجماعات هو من اختصاص سيد الشهداء سلام الله عليه فقط. إذن كلنا سنواجه الإمام الحسين سلام الله عليه وسنكون مسؤولين أمامه، وقد خصّه الله جلّ وعلا بخصوصية لم يخصّ جدّه أو أباه وأمّه أو أخاه بها- مع أنّهم جميعاً يفوقونه في المنزلة- هذه الخصوصية هي في حسابه للخلق قبل يوم القيامة.

لقد كان قبر الإمام الحسين سلام الله عليه في عرض الصحراء حيث لا أثر أو علامة تميّزه، ولم يكن باستطاعة أحد الاهتداء إليه وزيارته من غير دليل مرشد، ومن ناحية ثانية، كان الجواسيس منتشرين في تلك الناحية ومأمورين بالقبض علي كل زائر يتّجه صوب القبر، لتسليمه إلي السلطات. وقد أدخل هذا الأمر الرعب في قلوب الجميع، ولم يكن أحد ليجرؤ علي الزيارة!

يقول عبد الله بن بُكير أحد أقرب أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه الذي نقل عنه روايات كثيرة: قلت له (أي للإمام عليه السلام): إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتي أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح؟ فقال الإمام سلام الله عليه: يابن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه وكان محدّثه الحسين عليه السلام تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة» ()

إن الكثير منا قد قرأ قوله تعالي: ?في يومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسينَ ألْفَ سَنَة?(). في ذلك اليوم العصيب الذي ينشغل كلٌّ بنفسه

ومصيره، هناك مكان آمن يرفل بالطمأنينة والسكينة ألا وهو ظلّ العرش حيث يقف الإمام الحسين سلام الله عليه، فأولئك الذين تحمّلوا المشاقّ والهوان في سبيله سلام الله عليه سيحظون بشرف التحدّث والأمن، أمّا الذين لم يسيروا في ذلك الطريق ولم يتحملوا الصعاب فيه فسيحرمون هذه النعمة العظيمة.

ذخر ليوم الحساب

علينا أن نتزوّد ليوم الحساب مادامت الفرصة سانحة، حيث يقول الإمام علي سلام الله عليه: فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم().

وفي رواية أخري له سلام الله عليه: فإن اليوم عمل ولا حساب، وإنّ غداً حساب ولا عمل()، لا يستطيع الإنسان يومئذ إضافة حسنة لصحيفة أعماله ولا محو سيئة منها.

لهذا، وبسبب انقطاع الأموات عن العمل في الدار الآخرة - من ذكرٍ ينفعهم أو حسنة تضاف لهم – تراهم يتحسّرون ويحسدوننا علي كل لحظة من لحظات حياتنا، في حين أننا علي العكس منهم، نستطيع أن نصحّح أخطاءنا ونعوّض عما فاتنا.

بعبارة أخري: إنّ صلاتنا وصومنا وحسن أخلاقنا ومعاشرتنا في الأسرة والمجتمع وكلّ ما يصدر عنّا من عمل صالح، كلّ ذلك حسابه عند الله تعالي، أمّا الخدمة في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه فلها وضع خاصّ عمّا سبق من الأعمال، والإمام سلام الله عليه وحده الذي أعطاه الله أن يثيب عليها، فهنيئاً لمن ضاعف من خدمته علي هذا الطريق.

قد لا يخطر هذا الشيء علي بال بعض، ويسأل: هل هذا معقول؟

جواباً علي ذلك نقول: بأنّ الله سبحانه وتعالي قد خصّ الإمام الحسين سلام الله عليه بامتيازات دون غيره، فمثلاً: طبقاً للعديد من الروايات يكره المشي حافي القدمين حتي علي الأرض الطاهرة، كما يكره لمن يرتدي زيّاً خاصّاً مثل العمامة والعباءة أن يخرج بدون عباءة، وهذه الكراهة

تصدق في جميع أيّام السنة، في حين جاء في رواية صحيحة عن عبد الله بن سنان – نقلها الشيخ عباس القمي في كتابه مفاتيح الجنان، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار، والشيخ الحرّ في الوسائل وكذلك نقلها شقيقنا المرحوم() في كتاب الدعاء والزيارة في أعمال يوم عاشوراء- ما يستفاد منها أنّ من كان يضع العباءة طوال العام يستحبّ له أن يخلعها في يوم عاشوراء، ومن كان ينتعل يستحب له أن يخلع نعليه في ذلك اليوم().

كما ورد في روايات أنه يكره الصلاة بلباس أسود، لأنّ السواد يقلّل من ثوابها، كما يكره الطواف بلباس أسود، ويكره أيضاً الجزع علي الميّت وهو غير الحزن والبكاء، فالجزع يعني العويل علي الميّت، أو الضرب علي الرأس واللطم علي الوجه، لكنّ الجزع ولبس السواد علي الإمام الحسين سلام الله عليه ليس مكروهاً، بل هو مستحبّ.

فكلّ الامتيازات التي خصّ الله تعالي بها الإمام الحسين سلام الله عليه لم يخصّ بها أحداً من المعصومين سلام الله عليهم، وبعض الأمور التي تكره في مواضع أخري هي مستحبّة إذا كانت في سبيل الإمام الحسين عليه السلام بل تُعدّ فضلاً وثواباً، هذا علاوة علي الثواب الإلهي جزاءً علي فعل الطاعة.

فالله تعالي قد أكرم الإمام الحسين سلام الله عليه بقائمة طويلة من الامتيازات، وعلي هذا الأساس، فإنّ أولئك الذين يتحمّلون قسطاً أكبر من الشدائد والصعاب سيغبطهم عليها غيرهم وآخرون يتحسرون لها. وفي الحقيقة، إنّ مثل الآخرة كمثل أسواق الدنيا، من يعمل ويكدّ أكثر، يكون ربحه في نهاية الموسم أكبر، ومن كان عمله أقلّ كان ربحه بطبيعة الحال أقلّ من غيره، مع فارق واحد وهو أنّ كلّ ما يجمعه الإنسان في سوق الدنيا قلّ أو كثر فهو سراب، بينما

خدمته لسيد الشهداء سلام الله عليه هي الثروة الحقيقية وهو ما يتجمّع له من الذخر الذي يستطيع أن يأخذه معه لآخرته، بينما لا يستطيع المرء أن يشتري بأموال الدنيا الزائلة حتي حسنة واحدة.

يقول سيّد الشهداء سلام الله عليه مخاطباً أصحابه: واعلموا أنّ الدُّنيا حُلْوُها وَمُرُّها حُلم(). أحياناً يري الإنسان أحلاماً سعيدة، لكن ما إن يصحو من نومه حتي يتحسّر علي كونها مجرّد أحلام، وكذلك الحال حينما يري كابوساً، يسعد في صحوته لكونه كان كابوساً لا حقيقة، وبالنسبة لنا عندما ننتقل إلي الآخرة سنري بأنّ الدنيا لم تكن إلا حلماً قد انتهي، إلا أن الخدمات التي قدّمناها علي طريق محبة الإمام الحسين سلام الله عليه باقية، وكلما كانت هذه الخدمات أكبر كانت فرحتنا أعظم.

صيانة المكاسب

إن للمدرسة الحسينية عطاءً لا ينفد، ومكاسب لا تبلي، وهي تجسّد عظمة سيد الشهداء سلام الله عليه. فهو إمامنا ومثلنا الأعلي، فلنرَ ماذا قدّم لنا حتي نسلك طريقه ونتبع أثره، وهاهنا نستعرض بعض المكاسب التي جادت بها المدرسة الحسينية علي الإنسانية، علّنا ننتفع بها في حياتنا:

أحد الأعمال التي قام بها الإمام الحسين سلام الله عليه هو تقديمه الماء لأصحاب الحرّ الرياحي، فمن هم يا تري أصحاب الحرّ. إنّهم جماعة كلّفهم ابن زياد بمهمة اقتياد الإمام الحسين سلام الله عليه إليه، وكان الإمام سلام الله عليه قد قال: «حتي لو استسلمت لهم، فلن يتورّعوا عن قتلي»، نعم، إنّهم جاءوا لمحاربة الحسين سلام الله عليه وقتله في حال عدم استسلامه، لكنّ الحرّ رجع إلي نفسه وتاب في يوم عاشوراء بعد الذي بدر منه في البداية، فتاب الله عليه وكذلك عفا عنه الإمام سلام الله عليه. والآن لنرَ ماذا فعل أصحاب الحرّ؟ فريق منهم رمي

الإمام بوابل من سهامه، وفريق آخر حاربه بالرمح والسيف، وأولئك الذين لم يكن معهم سلاح أمطروه بقطع الخشب والحجارة، كما ساهم بعضهم في قتل علي الأكبر سلام الله عليه، ومنهم من رمي أبا الفضل العباس بالسهام. وكان الإمام سلام الله عليه يعرفهم ويعرف نواياهم، لكن مع ذلك سقاهم الماء، وهنا نسأل غير معترضين: «يا أبا عبد الله لماذا سقيتهم الماء؟». الجواب: هو أنّ الله تعالي يريد من الإنسان أن يخدم أخاه الإنسان صالحاً كان أم شريراً، كافراً أم مسلماً، عادلاً أم فاسقاً، ولكن بشرط أن لا تكون تلك المساعدة علامة علي تأييد مسلكهم الخاطئ.

لنحاول تعلّم هذه الدروس من الإمام الحسين سلام الله عليه وهي أن نستعمل ألسنتنا ومواقفنا في فعل الخير دائماً ومع الجميع دون استثناء، فإذا كان باستطاعتنا التفريج عن كربة مكروب فلا نتردد في ذلك، وإذا كان بإمكان المرء أن يساعد بماله أو لسانه أو التوسّط للمساعدة لصالح من يعرفه أو حتي من لا يعرفه، فليفعل.

وهنا نسأل: أليس قتلة الإمام الحسين سلام الله عليه هم شرّ خلق الله؟ لكن مع ذلك نري الإمام سلام الله عليه نفسه في ذلك اليوم يترجّل عن فرسه ليسقي من ماء قربته أحد أفراد العدو الذي خارت قواه من شدّة العطش ولم يقوَ علي النهوض. يقول بعض الرواة بأنّ ذلك الشخص كان أحد الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين سلام الله عليه يوم عاشوراء، والإمام نفسه كان يعلم بهذا، ومع ذلك سقاه الماء.

هناك نقطة أخري وهي: أن بعض محبّي أهل البيت سلام الله عليهم هم من الذين يقطنون في مختلف بلدان العالم غير الإسلامية، وهم بأمسّ الحاجة إلي الحسينيات والمساجد والمدارس والكتب لأبنائهم، فإذا كنتم لا تستطيعون بناء

الحسينيات والمساجد، فعلي الأقل شجّعوا الآخرين علي هذا العمل النبيل، أو المساهمة في الأعمال الثقافية المتعلقة بمواكب الإمام الحسين سلام الله عليه. فقد يتّصل بكم أحد الأقارب أو الأصدقاء أو يبعث لكم برسالة، أو قد تتّصلون أنتم بهم، فهذه فرص مناسبة لتشجيع الآخرين علي تقديم الخدمات في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه، حتي لو بدأ المرء من نقطة الصفر، والإمام الحسين سلام الله عليه هو الكفيل بأن يأخذ بيده ليصل بعمله إلي النتيجة المطلوبة.

ابدأوا العمل في هذا الطريق بأقلامكم وألسنتكم وتشجيعكم، وإذا كانت لديكم استطاعة مالية، مهما كانت متواضعة، فبادروا ولا تترددوا، فإن أعمالاً كهذه هي التي جعلت المرحوم الدربندي يحظي بقصر من لدن الإمام الحسين سلام الله عليه أفخم وأعظم من قصر المرحوم الشيخ الأنصاري مع ما لهذا الأخير من مكانة ومنزلة مرموقة.

ونقطة أخري هي أنّه يمكنكم أن تضيئوا مصباح الهداية الحسيني في بيوتكم، وذلك من خلال إقامة مجالس العزاء الحسينية العامة، فمن تمكّن من فعل ذلك فهنيئاً له، ومن لم يتمكّن فليقم مجالس عزاء خاصة في بيته، وإذا تعذّر ذلك أيضاً فيمكنه إقامة مجلس عزاء لأسرته فقط مع مشاركة جار أو قريب له. ولهذا العمل بركات دنيوية جليّة تسبق بركاته الأخروية.

بالإضافة إلي أنّ الحضور في الحسينيات والمجالس العامة له أهمّيته كذلك، لكن من الأفضل أن ينقل المرء هذه البركات إلي داخل بيته، وإذا لم يستطع تحمّل أعباء هذه المجالس، فليكتف بأقلّها، وسترون بأمّ أعينكم كيف أنّ الله سيبارك بها وستتمكّنون حتي من الإطعام.

حفظ الأمانة

إنّ شبابنا هم أمانة الله وأهل البيت سلام الله عليهم في أعناقنا، وقد حافظ أسلافنا علي الأمانة علي أحسن وجه وسلّمونا الدين ومضوا، لذلك علينا أن نسعي بدورنا أن

نصون الأمانة الواصلة إلينا علي أتمّ صورة، لنسلّمها إلي الأجيال من بعدنا، فلنحاول أن لا يُحرم أيّ شابّ في محلّتنا أو عشيرتنا أو بين أصدقائنا من المشاركة في الحسينيات ومجالس العزاء، وإذا كنّا نعرف شباباً كهؤلاء فلنشجّعهم علي المشاركة في هذه المجالس، ولندفع الشباب نحو المواكب الحسينية والتي هي حبل النجاة من الضلال والجهل بكلّ وسيلة متاحة، ولنكرّر محاولاتنا معهم مرة وثانية وثالثة … وهكذا، ولا نيأس من عدم استجابتهم، حتي ينضمّوا إلي الصفوف الحسينية. فلو سألكم مولانا أبو عبد الله سلام الله عليه: «كان فلان شابّاً صالحاً، فلماذا لم تشركوه في هذه المجالس؟» وأجبتم: «يا مولانا حاولنا معه ولم يستجب»، فإنّه سلام الله عليه سيقول لكم: «هلاّ حاولتم مرّة ثانية»، فإن قلتم: «أرسلنا في طلبه ولم يأتِ»، فسيقول لكم: «كان عليكم أن تشجّعوه..» فبم ستجيبونه حينئذ؟ لنحاول دفع الشباب باتجاه المواكب والشعائر الحسينية، فهذه المسألة تحظي بأهمية كبيرة، خاصة في عالم اليوم حيث تحاول وسائل الأعلام المضلّلة وبشكل واسع إغراء الشباب وجذبهم نحوها. وعلينا أن نعلم بأنّ كلّ حسينية هي بيت من بيوت الإمام سيد الشهداء سلام الله عليه، فلنحاول تجنيب هذه الحسينيات من أن تتحوّل إلي مسرح لطرح الخلافات والنزاعات، بل علي العكس، لنجعل منها أماكن للاجتماعات والوحدة والوئام.

الاقتداء بسيّد الشهداء سلام الله عليه

إنّ المشاركة والخدمة في المجالس الحسينية فيها ثواب عظيم، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ، فلم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب والتعزية فحسب، بل كان وما يزال وقفة للتأسّي بدروسه والاقتداء بأبطاله، وعليه يجب علينا أن نقتدي بسيد الشهداء سلام الله عليه وأن نتأسّي به في جميع شؤوننا.

إن قضية الإمام الحسين سلام الله عليه تتميز بميزتين هما العَبرة والعِبرة، وهاتان الميزتان متلازمتان. من

هنا، فإنّ الذي يحظي بمنزلة أرفع وحرمة أكبر عند سيّد الشهداء سلام الله عليه هو الأقدر علي أخذ العِبرة منه سلام الله عليه وذرف الدمعة والعَبَرة عليه، وعلي قدر السعي في هاتين المسألتين يكون الثواب والجائزة، بعبارة أخري، إن توقّع الإمام الحسين سلام الله عليه من الأفراد يتناسب مع منزلتهم ومقامهم. ولم يهمل المعصومون سلام الله عليهم في رواياتهم هذا الجانب أي منازل الأفراد، حيث يقول الإمام الصادق سلام الله عليه لأحد أصحابه: إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منّا، وإن القبيح من كلّ أحد قبيح وإنّه منك أقبح … ().

وفيما يتعلّق بالنقطة الثانية وهي أخذ العبرة من سيد الشهداء سلام الله عليه، فقبل كل شيء يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام سلام الله عليه وأبناؤه وأصحابه طريق الشهادة وبهذه الطريقة المفجعة، ولعلّ زيارة الأربعين تجيب عن تساؤلنا حيث جاء فيها: لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ(). هنا استخدمت كلمة «عبادك»، وهي لا تخصّ الشيعة وحدهم، بل جميع العباد. في الحقيقة، إن الإمام الحسين سلام الله عليه باستشهاده قد فتح مدرسة العبرة للجميع، ليقارعوا الظلم ويتحمّلوا الشدائد والمصاعب حتي يذوقوا طعم السعادة.

فالإمام سلام الله عليه أراد أن ينجي العباد من الجهل والضلال والتيه، فإذا أردنا أن نتقرّب منه أكثر علينا أن نبذل ما نملك في خدمة هذه القضية.

إنّ الإمام الحسين سلام الله عليه استشهد من أجل ثلاثة أهداف: أصول الدين، والأحكام الشرعية، والأخلاق الإسلامية، فمن أراد البرهنة علي ولائه لسيد الشهداء سلام الله عليه وأهدافه السامية عليه أن يسعي لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة التي استشهد من أجلها الإمام سلام الله عليه، وأن يضعها علي رأس أولوياته، لتقرّ عين الإمام الحسين سلام

الله عليه والإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف. ولنعلم بأنّه علي قدر هممنا في المضي في هذا الدرب، تكون عنايتهما ولطفهما تجاهنا.

نور الله

ميزة أخري للإمام الحسين سلام الله عليه نرويها هنا نقلاً عن كتاب (كامل الزيارات) وهي قول سيدتنا زينب الكبري سلام الله عليها: وَلْيَجْتَهِدَنَّ أئِمَّة الكُفْرِ وَأشْياع الضَّلالة في محوه وتطَميسِهِ فَلا يَزْدادُ أثره إلاّ ظُهوراً وَأمْرُهُ إلاّ عُلوّاً().

إنّ التصدّي والقمع يؤدّيان إلي إضعاف واضمحلال السلطة وأهمّ من ذلك الفكر أحياناً، ولكن بالنسبة لمواكب سيد الشهداء سلام الله عليه كان الأمر علي العكس، فكلما كان القمع والضغط يشتدّان، كان نورها يشتدّ ويقوي، وكلما كان عدد المعارضين والمتصدّين لهذه المواكب يزداد كانت المواكب تترسّخ وتصلب.

في الماضي كانت طقوس محرّم والمجالس الحسينية مقتصرة علي المناطق الشيعية وأحياناً بعض المناطق الإسلامية، أمّا الآن، وبسبب السياسات التي اتّبعت لمحو هذه الطقوس، نري أنّ النطاق الجغرافي لإقامة هذه الطقوس والمراسم بدأ يتّسع ليشمل مختلف أرجاء العالم بما فيها البلاد غير الإسلامية، وهذا هو معني الظهور الوارد في الرواية. ونتيجة لهذا الانتشار، أصبح الذين لم يسمعوا باسم الإمام الحسين سلام الله عليه يتعاطفون معه ومع أهدافه في الثورة ومحاربة الظلم، وبدأوا يدخلون في الإسلام، وأصبحوا هم أنفسهم عاملاً مهمّاً في إقامة هذه الشعائر.

نقطة أخري تشير إليها السيدة زينب سلام الله عليها أيضاً وهي علوّ الأمر الوارد في الرواية أعلاه (وهو كل ما يرتبط بالمواكب الحسينية). ففي الأيام السالفة كانت مجالس العزاء تقام في المحلات السكنية والحسينيات والتكايا و … إلخ، فكان الحاضرون لهذه المراسم هم الذين يشهدون وقائعها، أما اليوم، وفي ظل التقدّم الكبير في وسائل الاتصال، يمكن لجميع الناس مشاهدتها عن طريق وسائل الإعلام كالتلفزيون وغيره، وأن يشهدوا

وقائعها عن كثب، وهذا هو معني علوّ الأمر.

سبايا أهل البيت سلام الله عليهم في ساحة المعركة

حينما أراد جيش عمر بن سعد في اليوم الحادي عشر من محرّم اقتياد السبايا إلي الكوفة، كان الإمام السجّاد سلام الله عليه من شدّة ما ألمّ به من مرض لا يقوي علي ركوب الناقة، لذلك قاموا بربط رجليه من أسفل بطن الناقة. وعندما اقتيد السبايا من وسط ساحة المعركة، رمت النسوة والصبية بأنفسهم علي جثث الشهداء، أمّا الإمام السجّاد سلام الله عليه فلم يستطع فعل ذلك، ويقول في هذا الشأن: فكادت نفسي تخرج وَتَبَيَّنَت ذلك مني عَمَّتي زينب … ().

العقيلة زينب ليست ضمن المعصومين سلام الله عليهم، لكنّها صاحبة «العصمة الصغري»، ومكانتها تأتي بعد مكانة المعصوم سلام الله عليه مباشرة، لذلك عندما رأت الإمام السجّاد سلام الله عليه يوشك أن يلفظ أنفاسه، تركت جثث الشهداء وتوجّهت إليه سلام الله عليه، وذكرت له بعض الأمور - والتي طبعاً هو أعلم بها- حتي هدأ قليلاً. وقد أخبرت العقيلة زينب ابن أخيها سلام الله عليهما بأنّ هذا الحال لن يدوم، فسوف يأتي زمان يقيم أناس مجالس عزاء للإمام الحسين سلام الله عليه ويحيون ذكراه. وهكذا أسكنت روعة قلبه الشريف قليلاً.

أسأل الله ببركة سيّد الشهداء سلام الله عليه – هذا الإمام الهمام الذي هو منشأ البركات في الدنيا والآخرة – أن يوفّقنا أكثر فأكثر علي طريق خدمته سلام الله عليه وأهدافه الرفيعة ومجالسه المباركة. وصلّي الله علي سيّدنا محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة التاسعة•

سيرة الإمام زين العابدين سلام الله عليه

سيرة الإمام زين العابدين سلام الله عليه

اشارة

استعراض لخطط بني أمية للقضاء علي الإسلام

والأدوار العظيمة التي نهض بها الإمام زين العابدين سلام الله عليه

للحفاظ علي الرسالة

• تقرير المحاضرة التي كان قد ألقاها سماحته في الثامن والعشرين من محرم الحرام عام 1399ه. ذكري استشهاد الإمام زين العابدين عليه آلاف التحية والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله

رب العالمين. وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين. واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

قال الله الحكيم في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.()

مقدمة

اتفقت كلمة المسلمين بمذاهبهم المختلفة علي أن هذه الآيات المباركة نزلت في أئمة المسلمين، أي أئمة أهل البيت الاثني عشر، وهم علي وبنوه سلام الله عليهم.

ومعني الآية واضح وهو وجوب طاعة الرسول صلي الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم بعد طاعة الله تعالي، لأن المقصود بأولي الأمر من جعل الله بيدهم أمر المسلمين.

في الآية الكريمة نكتة نقف عندها ثم ننتقل للحديث عن دور الإمام زين العابدين سلام الله عليه.

لقد كررت الآية المباركة فعل الأمر ?أطيعوا? عندما ذكرت وجوب طاعة الرسول صلي الله عليه وآله ولكنها لم تكرره عند ذكر أولي الأمر سلام الله عليهم، فما هو الوجه؟

بتعبير آخر: لماذا لم تقل الآية: (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) بدون تكرار كلمة (أطيعوا)، ولا قالت: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر) بذكر الفعل (أطيعوا) ثلاث مرات، لأن الذين تجب طاعتهم ثلاثة أيضاً؟

يقول المحققون من المفسرين إن الله تعالي نبّه بهذا التفريق (إذ قال: أطيعوا الله، ثم فصل بين الرسول وأولي الأمر بفعل جديد وقال: وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) إلي أن طاعة الله تختلف عن طاعة من سواه وإن كان ممن تجب طاعته أيضاً كالرسول وأولي الأمر. فدارسو البلاغة والأدب العربي يدركون أن تكرار الكلمة في العطف (كما لو قلت جاء فلان وجاء فلان وجاء فلان) لابد وأن يرمز أو يشير إلي تغيير ما في المعني، كما أن عدم التكرار (كما لو قلت جاء فلان وفلان وفلان) ينبئ إلي عدم الفرق.

وهنا عندما قال

الله تعالي: ?أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم? فكرر كلمة الأمر بالطاعة للرسول وأولي الأمر بعد ذكر الأمر بالطاعة لله تعالي، فمعناه أن طاعة الله شيء وطاعة الرسول وأولي الأمر معاً شيء آخر، وعدم الفصل بين طاعة الرسول وأولي الأمر بفعل جديد إشارة إلي أنهما من جنس واحد، وتنبيهاً إلي أن الأصل والأساس في الطاعة هي طاعة الله سبحانه، وأن طاعة الرسول وأولي الأمر فرع طاعته عز وجل؛ وذلك لأن الله تعالي هو الذي خلقنا فجعلنا شيئاً بعد أن لم نكن شيئاً، وجعلنا ذا أشياء بعد أن لم يكن عندنا شيء، فأعطانا الصحة والقدرة والمال والجاه وكل شيء، وسخّر لنا كل الطاقات التي خلقها في الكون بعد أن أوجدنا من العدم؛ قال تعالي: ?هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً?()، وسخّر لنا الشمس والقمر والبر والبحر وكل شيء، كما صرّح سبحانه في آيات أخري()، ولهذا يجب علينا أن نطيع الله تعالي لأنه هو الذي خلقنا وأوجدنا ومنحنا كل شيء.

إذن الطاعة في الأساس هي لله سبحانه، أما رسول الله صلي الله عليه وآله فلو لم يأمرنا الله تعالي بطاعته لما كانت واجبة علينا، لأنه صلي الله عليه وآله مخلوق لله كما نحن مخلوقون لله أيضاً، ولكن الفرق بيننا وبينه صلي الله عليه وآله هو أن الله تعالي أمرنا بطاعته، فطاعته أصبحت واجبة ولازمة علينا لأن الله أمرنا بها.

إن طاعة النبي وطاعة الإمام من طاعة الله تعالي. ولو أن الله تعالي أمرنا بطاعة عبد غيرهم لأطعناه.

وهذا هو الحق فنحن إنما نعتقد بإمامة علي بن أبي طالب سلام الله عليهما ونقول بإمامة ولديه الحسن والحسين سلام الله عليهما، وهكذا إمامة سائر الأئمة من أبناء الحسين سلام

الله عليهم لأن الله تعالي هو الذي أمرنا بذلك. ولو أمرنا الله سبحانه وتعالي بطاعة آخرين بدلاً من طاعة علي بن أبي طالب وأبنائه سلام الله عليهم لامتثلنا.

إذاً طاعة الله تعالي أصلية أما طاعة الرسول والإمام فهي طاعة فرعية تتفرع علي طاعة الله. فحيث إن الله تعالي تجب طاعته، وقد أمرنا بطاعتهم، وجبت طاعتهم أيضاً؛ امتثالاً وتنفيذاً لأمره تعالي.

وحيث كانت طاعة النبي والإمام في سياق واحد، لذا لم يفصل الله تعالي بينهما بكلمة (أطيعوا) بل حذفها، خلافاً لطاعته تعالي، فقد فصل بينها وبين طاعة الرسول والأئمة، وكرر الفعل (أطيعوا) بياناً للفرق.

الأئمة نور واحد

لا شك أن الإمام زين العابدين سلام الله عليه هو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، فلابد إذن أن نزيد من معرفتنا به. فنحن في الغالب نعرف الكثير عن الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه؛ من خلال مواقفه وحروبه وشجاعته وخطبه ومختلف أدوار حياته، ونعرف الإمام الحسين سلام الله عليه بجهاده وتضحيته في سبيل الله والحق، وثورته من أجل الإسلام والإبقاء علي أحكامه، ولكن بعضاً منا قد لا يعرف عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه وسائر الأئمة من ولده شيئاً سوي أنهم أئمة مفترضو الطاعة، مع أن اللازم علينا أن نعرف دور كل إمام منهم، وأن نعلم أن اختلاف معطياتهم وأدوارهم واختلاف أساليبهم في الحياة وطريقة تعاملهم مع الناس والأحداث إنما ينبع من اختلاف الظروف، ومن ثم اختلاف الواجب الديني الملقي علي كلّ منهم حسب عصره الذي يعيش فيه.

وحيث كانت العصور متفاوتة، تفاوَت تصرف كلّ إمام حسب عصره، واختلف عن الإمام الذي يعيش في عصر آخر وظروف أخري. وهذا ما يفسر اختلاف سيرة الأئمة سلام الله عليهم دون أن يعني

أنهم مختلفون فيما بينهم، بل كلهم نور واحد، كما ورد في الحديث الشريف().

إن مثل الأئمة سلام الله عليهم ليس كمثل اثني عشر مصباحاً متماثلة بل مثلهم مثل مصباح واحد. وإذا كانوا كذلك فإن ما نلاحظه من اختلاف في سيرهم إنما يعود لاختلاف الأوامر التي تلقوها عن رسول الله صلي الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله تعالي، بسبب اختلاف ظروفهم، كما نجد مثلاً أن حياة رسول الله صلي الله عليه وآله في مكة تختلف عن حياته في المدينة مع أنه صلي الله عليه وآله رسول لإله واحد ومأمور بتبليغ مهمة واحدة وهي الإسلام، بل إن هذا الاختلاف ملاحظ حتي في آيات القرآن الكريم. فالسور المكية أي التي نزلت في مكة المكرمة، تختلف في طابعها العام عن السور المدنية أي التي نزلت في المدينة المنورة. إن السور المكية تمتاز بغلبة الطابع العقائدي وتعني بمسائل المعاد والنبوة والإمامة وأصول الدين والعقيدة، فيما تمتاز السور المدنية ببيان أحكام الإسلام وفروع الدين كمسائل التيمم و الوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج والإرث والقضاء والحدود والديات والنكاح والطلاق وسائر الأحوال الشخصية كالعقود والبيع والشراء والمعاملات وما أشبه، دون أن يعني ذلك أن القرآن مختلف بل هو قرآن واحد نزل من عند إله واحد علي صدر نبي واحد، ولكن الظروف في مكة كانت تقتضي بأن تعني الآيات بشؤون العقيدة والأصول فيما كانت ظروف المدينة تناسب بيان التشريعات والأحكام.

فكما أن اختلاف مواضيع سور القرآن لا يعني اختلاف القرآن نفسه، فكذلك الحال بالنسبة للاختلاف الموجود في سيرة النبي صلي الله عليه وآله والأئمة المعصومين سلام الله عليهم وإنما هو اختلاف نابع من اختلاف الظروف ومقتضياتها، ولذلك نحن نعتقد أنه لو كان الإمام الحسين سلام

الله عليه في مكان الإمام الحسن سلام الله عليه لهادن معاوية بلا شك ولا ريب، ولو كان الإمام الحسن مكان الإمام الحسين لحارب يزيد بن معاوية كما حاربه الحسين، وهكذا الحال بالنسبة لسائر أئمة آل البيت. وهذه حقيقة يدركها كل من له أدني إلمام بتاريخهم سلام الله عليهم.

دور الإمام السجاد سلام الله عليه

وههنا تساؤل قد يختلج في القلوب، وهو: ماذا كان دور الإمام زين العابدين سلام الله عليه في حياته الشريفة؟

وقد يتبادر إلي الذهن سؤال آخر وهو: لماذا يجب أن نعرف أدوار الإمام سلام الله عليه وسيرته؟

والجواب: لأن الإمام يعني من ينبغي لنا الائتمام والاقتداء به، يقول الإمام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه: ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه … ().

إذن يجب علينا معرفة سيرة الإمام لنهتدي بها ونقتدي به سلام الله عليه.

وفي الحديث أيضاً - عن إمام الجماعة -: إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلفُوا عَلَيْه. فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا … وَ إذا سَجَد فاسْجُدوا … ()

فما الفائدة في أن يكون السجاد سلام الله عليه إماماً لي ولك ولا نعرف عن سيرته شيئاً؟!

من الضروري إذن، أن نقرأ ولو مختصراً من سيرة أهل البيت سلام الله عليهم لتعلّق إسلامنا وإيماننا بمعرفة من أمرنا الله تعالي بطاعتهم.

ومن الكتب الجدير قراءتها كتاب «الصحيفة السجادية» للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليهما - هذا الكتاب الصغير الحجم العظيم المحتوي الذي بذل العلماء أعمارهم من أجل سبر أغواره وكشف معانيه ومازالوا- حقيق بأن يقرأ بتدبر وإمعان ليُعرف من خلاله من هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، ومن هم أهل البيت سلام الله عليهم.

أما الجواب علي السؤال عن دور الإمام السجاد فهو أنه سلام الله

عليه قام بالأدوار الثلاثة التالية:

1 شراء العبيد وتربيتهم تربية إسلامية ثم عتقهم بعد ذلك.

2 تعليم الناس المسائل الشرعية والأدعية.

3 تربية الخواص من أهل بيته وأصحابه علي الخط الجهادي.

توطئة: خطط بني أمية للقضاء علي الإسلام

ولكن قبل بيان هذه الأدوار والخطط الثلاث للإمام سلام الله عليه لابد أولاً من معرفة الظروف التي كانت تحيط الإمام في ظل حكم بني أمية.

• لقد أنكر الأمويون كلّ ما جاء به الإسلام منذ البداية أي بدءًا من شيخهم أبي سفيان الذي قال في جمعهم بعد أن اطمأن بعدم وجود أحد من غيرهم: «والذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار» ()، مروراً بابنه معاوية مؤسس الدولة الأموية الذي كان يعمل جاهداً لطمس اسم الرسول صلي الله عليه وآله وصرّح بذلك لأحد ندمائه عندما سمع المؤذن يقول: «أشهد أن محمداً رسول الله» فقال معاوية: لا والله إلا دفناً دفناً … () ثم بيزيد الذي أعلنها كفراً وفسقاً وضلالاً فكان فيما قال معلناً بذلك كفره:

لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحي نزل.()

ثم بسط مائدة القمار وشرب الخمر في المحفل العام.

أجل، لقد كان يزيد بن معاوية يشرب الخمر ويعمل المنكرات كما كان يفعل ذلك من قبله أبوه معاوية، ولكنه كان -كأبيه أيضاً- يتستر علي ذلك، فكان إذا أراد فعل المنكرات خرج من الشام إلي قرية في جنوب لبنان قريبة من النبطية وصور تسمي "حوارين" مازالت موجودة ومعروفة إلي الآن وتبعد زهاء مئتي أو ثلاثمئة كيلو متر عن الشام، ولكنه بعد أن قتل الإمام الحسين صلوات الله عليه تصور أن الجو قد خلا له، وأنه قد حقق أمنيات جدّه وأبيه، ولذلك قام بما قام علناً أمام ملأ المسلمين مدعياً في الوقت نفسه أنه خليفة رسول الله صلي

الله عليه وآله؛ يريد بذلك تشويه صورة الإسلام. وهذه كانت أولي خطط الأمويين في مواجهة الإسلام بهدف القضاء عليه.

• أما الخطة الثانية فتمثلت في العمل ضد أهل البيت سلام الله عليهم ومحاولة فصلهم عن الأمة وتشويه صورتهم، و ذلك من خلال أساليب دنيئة منها سب الإمام أمير المؤمنينسلام الله عليه من علي المنابر، روي العلامة المجلسي عن الزمخشري في ربيع الأبرار قوله: إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنّه لهم معاوية من ذلك. وفي ذلك يقول الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته:

وقد حكي الشيخ السيوطي أنه قد كان فيما جعلوه سنة

سبعون ألف منبر وعشرة من فوقهن يلعنون حيدرة()

• أما الخطة الثالثة لبني أمية فتمثلت في محاولة ترسيخ حكمهم بمختلف الطرق وأبشع الأساليب.

يقول أحد الغربيين: إن أقوي الحكومات التي حكمت البلاد الإسلامية بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله هي حكومة بني أمية أي إنها كانت أقوي من حكومات العباسيين والعثمانيين والأدارسة والحمدانيين والفاطميين وغيرهم فقد أرسي الأمويون دعائم حكمهم بنحو لا يكون القضاء عليهم أمراً هيناً، ولكنا والقول للباحث الغربي نري أن هذا الحكم كان أقصر عمراً من كل الحكومات التي تلته، وما ذلك إلا لظلم بني أمية وغيهم وانكشاف حقيقتهم بسرعة.

وكان للإمام زين العابدين سلام الله عليه الدور الكبير في تحطيم حكومة بني أمية، فقد أطلق الإمام الحسين سلام الله عليه الشرارة الأولي وتابع الإمام زين العابدين سلام الله عليه المسار حتي آل الأمر إلي انهيار هذه الحكومة الجائرة وزوالها إلي الأبد.

أدوار الإمام السجّاد سلام الله عليه

ولم يكن دور الإمام زين العابدين مشابهاً لدور أبيه الحسين سلام الله عليهما لأنه لو كان يطلق كلمة واحدة

ضد النظام فإنها كانت كفيلة بالقضاء عليه وإنهاء حياته المباركة، ولذلك انتهج سلام الله عليه أساليب أخري، منها:

1. شراء العبيد و عتقهم في سبيل الله

كان الإمام زين العابدين سلام الله عليه يشتري العبيد و الإماء بكثرة، وكانت عنده بساتين وبيوت كان معظمها ملكاً خاصاً له سلام الله عليه ومن الأراضي ما وصلته عن جده الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، والتي ساوم عليها معاوية بن أبي سفيان يوم كانت بيد الإمام الحسين سلام الله عليه فرفض أن يعطيها له، مع أن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه كان قد نحلها الإمام الحسن سلام الله عليه ومن بعده للإمام الحسين سلام الله عليه وأنه يحل لمن كانت بيده بيعها إذا احتاج إلي ثمنها، وكانت أراضي واسعة عملت فيها يد أمير المؤمنين سلام الله عليه في الزرع والحرث وإخراج الماء والسقي. وعندما انتقلت ملكية هذه الأراضي إلي الإمام زين العابدين سلام الله عليه استفاد منها في هذا المجال. فكان يملأها بالعبيد والإماء الذين لا عمل لهم، ما خلا القليل الذين يقومون بالخدمة، وكان يهدف الإمام من وراء ذلك أن يشاهدوا سيرته فيتأثروا بها حتي إذا ما حال الحول أعتق منهم من رآه قد اكتسب من أخلاقه وفكره عليه السلام و بلغ تأثره به حداً يؤهله لأن يؤدي دوراً إيجابياً في المجتمع، فكان الإمام سلام الله عليه يخلي سبيل العديد منهم بعتقهم لوجه الله الكريم. فكان هؤلاء العبيد والإماء يتحدثون عن سيرة الإمام وعبادته وزهده وتقواه وينشرون الإسلام الصحيح الذي لمسوه في سلوك الإمام بين الناس. ومن ذلك ما حدثت به إحدي جواري الإمام سلام الله عليه حين قالت: ما فرشت له في ليل فراشاً قط ولا قدمت له في نهار طعاماً قط ().

أي أن الإمام سلام الله عليه كان صائماً نهاره قائماً ليله.

من رأي ليس كمن سمع

ولا شك أن النظر غير السمع، وأن تأثير الأول يفوق تأثير الثاني كثيراً. والدليل علي ذلك ما نلاحظه من أن بعض الذين يحضرون مجالس العزاء الحسيني لا يبكون في كل مرة يستمعون المصيبة، وذلك بسبب تكرر سماعهم لتفاصيل المصيبة التي حلّت بالإمام الحسين سلام الله عليه وأهل بيته وأصحابه. فالدموع لا تجري من أعينهم لأن الألم وإن كان يعصر قلوبهم ولكن العصرة لا تبلغ من القوة بحيث تجري الدموع، ولكن لو مثلت لهم الواقعة أو جانباً منها، بل لو جيء بطفل رضيع فقط ورُفع تذكيراً للناس برضيع الحسين سلام الله عليه كما يُفعل في التشابيه عادة، فإن الدموع حينذاك ستنهمر من الأعين بمجرد رؤيتها لهذا الطفل الرضيع! وما ذلك إلا لأن للمنظر تأثيراً يفوق تأثير السمع بمراتب.

هناك مثل يقول: صورة واحدة خير من ألف كتاب. أي لو أنك قرأت عن موضوع ما ألف كتاب، ثم نظرت إلي صورة واحدة عن الموضوع نفسه، فإن التأثير الذي تتركه الصورة يفوق التأثير الذي تركته قراءة ألف كتاب؛ لأن الأثر الذي تتركه الصورة في نفسك قد لا ينمحي أبداً في حين أن الأثر الحاصل من القراءة قد لا يستمر لأكثر من أشهر أو أعوام علي أكثر تقدير!

إذا اتضح هذا، نقول: إن الإمام زين العابدين سلام الله عليه كان يأتي بهؤلاء العبيد لكي يتعلّموا عبادته وتقواه حين يبصروه بأعينهم فيتأثروا بهما، ويعكسوا ما شاهدوه بدورهم إلي المجتمع حين يعتقهم الإمام سلام الله عليه.

يقول أحد أصحاب الإمام زين العابدين سلام الله عليه: نظرت إلي الإمام وقد وقف إلي الصلاة فلما كبّر وقفت كل شعرة في بدني()، أي أن تكبيرة الإمام

وحدها كافية لخلق التحول والتغيير لدي من يراه!

إننا لم نشاهد كيف كان يكبّر الإمام ولا أسلوبه في القراءة، ولكن هذه الأمور الصادرة عن المعصوم سلام الله عليه جديرة بأن تغيّر الإنسان حقاً، وإلا لما كان هؤلاء العبيد والإماء وغيرهم يتأثرون ويتغيّرون، ثم يخرجون للناس يحملون معهم يواقيت الحكمة ولآلئ الأخلاق.

إننا نكبّر للصلاة أيضاً ولكن تكبيرة الإمام تختلف عن تكبيرتنا من حيث الإخلاص والخشوع، ولذلك تترك ذلك التأثير الذي عبّر عنه الراوي الرائي لتكبيرة الإمام سلام الله عليه.

آية الله البروجردي مثالاً

لقد أسس آية الله البروجردي رحمه الله مركزاً إسلامياً في مدينة هامبورغ في ألمانيا، وبعث مبلّغاً دينياً هناك.

قيل: فطُلب من هذا المبلّغ في هامبورغ أن يعطيهم صورة للسيد البروجردي لعرضها في (التلفزيون). ففكر المبلّغ أي صورة ستكون مؤثرة جداً لو عرضت، وانتهي تفكيره إلي أن يعطيهم صورة السيد وهو يتوضأ لأنها ستكون مؤثرة جداً في نفوس مشاهديها؛ لما تعكس من خشوع السيد حال تهيئه للقاء الله تعالي في الصلاة.

لا شك أن أفعال الوضوء التي يأتي بها السيد البروجردي لا تختلف عن الأفعال التي يؤديها سائر المتوضئين من المسلمين ممن هم علي مذهب أهل البيت سلام الله عليهم علي الأقل.

يقول هذا المبلّغ: ما إن عرض هذا الفيلم الذي يصوّر وضوء السيد البروجردي حتي أثار في نفوس المشاهدين روح الحب والولاء، وأسلم في اليوم نفسه عشرة من النصاري ممن شاهدوا الفيلم.

فإذا كان هذا تأثير مشاهدة صورة وضوء السيد البروجردي - وهو بمثابة تلميذ تلميذ تلميذ الإمام زين العابدين سلام الله عليه - فكيف بالتأثير الذي يتركه سلوك الإمام نفسه علي من يشاهده؟!

مثال آخر

لقد رأيت بنفسي في مدينة كربلاء المقدسة قديماً أحد المراجع

رحمه الله وكان شيخاً مسناً ذا لحية بيضاء، إذا حضر مجالس العزاء في أيام محرم الحرام يبكي قبل أن يبدأ الناس بالبكاء، لأنه كان رجلاً بكّاءً شديد التألم لما حلّ بالإمام الحسين سلام الله عليه، ولكنه كان يحبس بكاءه فلا يبكي بصوت عال فكان يبدأ البكاء عادة والخطيب بعد في أول ذكر المصيبة، فكان يبكي بصوت خافت ولكن وجهه كان يحمر وأكتافه تتحرك وجسمه كلّه يهتز، وعيناه تهملان بالدموع، فكان كل من يراه

وأنا من جملتهم يتأثر لبكائه فيبكي، فكان الناس يبكون لهذه الصورة أكثر مما يبكيهم

ما يذكره الخطيب!

فإذا كان لهذا العالم المسنّ كل هذا التأثير في من يراه، فكيف بالإمام زين العابدين سلام الله عليه وهو جبل العلم والتقوي؟ فلا عجب أن تكون نظرته مؤثرة، وتكبيره مؤثراً، بل لابد أن يكون مؤثراً في كل حركة من حركاته بل حتي في سكونه.

مع الإمام مرة أخري

لقد كان الإمام زين العابدين سلام الله عليه يستطلع أحوال عبيده وإمائه في كل عيد، وربما في بعض أيام الجمع. فإن وجد فيهم من بلغ تأثره وتلقيه حداً مناسباً، بادر إلي عتقه وتحريره في سبيل الله تعالي. ومن الطبيعي أن أكثر هؤلاء العبيد لم يكونوا من أهل المدينة بل كانوا كفاراً في الأصل من بلاد أجنبية أسروا في الحروب الإسلامية وجيء بهم إلي المدينة، فاشتراهم الإمام سلام الله عليه. فكان كل فرد منهم يعتقه الإمام سلام الله عليه يعود إلي بلده، وكان بعضهم يذهب إلي الشام وآخرون يذهبون إلي العراق وجماعة إلي اليمن أو البحرين والحبشة وغيرها، وكلّهم يحملون الولاء لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام. فكانوا مبلّغين أشدّاء للإسلام ولآل البيت سلام الله عليهم.

وهكذا عمل الإمام سلام الله عليه علي هذه الطريقة طيلة عمره الشريف يخرّج الدعاة العاملين ويصنع الوعاة والمحبين وينشر المبلّغين الصادقين في ربوع البلاد الإسلامية وغيرها.

وهكذا استطاع سلام الله عليه أن يقوّض حكم بني أمية بأمور أحدها هذا، دون أن يخوض حرباً عسكرية ضدهم لأنه لم يكن بإمكانه أن يجرّد السيف في ظل تلك الظروف البالغة الشدة والقساوة.

2. تخريج الفقهاء والعلماء

الدور الثاني الذي نهض به الإمام زين العابدين سلام الله عليه هو أنه ربّي فقهاء حملوا علي عاتقهم حفظ شريعة الإسلام. ولقد خطط الإمام سلام الله عليه لتربيتهم بنحو يكونون مرضيين عند الخاصّة والعامّة جميعاً. ولو راجعتم كتاب المراجعات للسيد شرف الدين رحمة الله عليه لرأيتم أنه يذكر قائمة بأسماء مئة شخصية من أصحاب الأئمة الأطهار سلام الله عليهم ممن وردت أسماؤهم في الصحاح الستة للعامة، أي من المعتمدين لديهم. ولو دققتم النظر فيهم لاكتشفتم أن أكثرهم من تلاميذ الإمام زين العابدين سلام الله

عليه ومن خرّيجي مدرسته المباركة، الأمر الذي يشير إلي أن الإمام زين العابدين سلام الله عليه عني بهؤلاء الفقهاء ورباهم تربية خاصة لكي يعتقد بهم علماء العامة أيضاً.

ومن هؤلاء الفقهاء: أبو حمزة الثمالي الذي يُنسب إليه دعاء الإمام زين العابدينسلام الله عليه في أسحار شهر رمضان المبارك المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي. فلقد كان أبو حمزة - وهذه كنيته أما اسمه كما في كتب الرجال فهو ثابت بن دينار - بطلاً في العلم والزهد، ومن الذين يعتمد عليه حتي علماء غير الشيعة من سائر المذاهب. ويقول عنه أصحاب الأسانيد في كتبهم إذا ورد اسمه: عالم، ورع، تقي، زاهد، عدل ثقة، وأمثال هذه الكلمات.

نختصر فيما يلي تجنباً للإطالة، ونعيد التذكير بأن الإمام سلام الله عليه استطاع من خلال هذه الأدوار تقويض حكم بني أمية الذي كان أقوي الحكومات ولكنه صار أقصرها عمراً، وما ذلك إلا بسبب شدة ظلمها وانحرافها، وكذلك للدور العظيم الذي نهض به الإمام سلام الله عليه في القضاء عليهم وفي نشر الإسلام الأصيل بدل الإسلام الأمويّ.

يقول الإمام الصادق سلام الله عليه بعد أن يذكر عدداً من أمثال أبي حمزة: أنه لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوة(). فهؤلاء هم الذين حفظوا آثار النبوة وأبقوا علي أحكام الإسلام ونشروا مبادئه وتعاليمه وزرعوا حب آل البيت سلام الله عليهم في النفوس.

3. رعاية الخط الجهادي

إلي جانب تأهيل العبيد، وإعداد العلماء، عمل الإمام زين العابدين سلام الله عليه علي تربية مجاهدين من أمثال ابنه زيد وحفيده يحيي وغيرهما من أولاد عمه الإمام الحسن سلام الله عليهم، فثار هؤلاء المجاهدون الأبطال في وجه حكومات بني أمية المتعاقبة حتي انتهي الأمر إلي تقويضها وانهيارها وزوالها بفضل نهج الإمام زين العابدين سلام الله عليه

وإرشاداته.

فذلكم هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، في جانب من سيرته العطرة ودوره وجهاده، فحريّ بنا أن نتعرف علي ذلك كله وأن نسير بسيرة الإمام سلام الله عليه، فإن نحن فعلنا ذلك فمعناه أننا استطعنا أن نساهم في إبقاء الإسلام وإدخال الناس إلي حظيرة الدين والعقيدة الإسلامية الحقّة وخط أهل البيت سلام الله عليهم الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلي الله عليه وآله في كتابه حيث قال: ?يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم?. وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة العاشرة•

الحجّة المنتظرعجّل الله فرجه منّة الله علي مستضعفي الأرض

الحجّة المنتظرعجّل الله فرجه منّة الله علي مستضعفي الأرض

اشارة

في ضوء الآية الكريمة

?ونريد أن نمنّ علي الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلَهم أئمّة … ?

• ألقيت هذه المحاضرة في الأول من شعبان عام 1398 ه بمناسبة ذكري

ميلاد منقذ البشرية الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه في الخامس عشر من الشهر.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: {ونريد أن نمنّ علي الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلَهم أئمّة ونجعلهم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}().

هاتان الآيتان المباركتان من الآيات الواردة في صاحب الزمان المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه وعجّل الله تعالي فرجه الشريف. يشهد علي ذلك - إضافة إلي الأحاديث الكثيرة المرويّة في تفسير الآية() - ما تحمله الآية نفسها، ونعنونه في النقطتين التاليتين:

أ. التأكيد علي المستقبل

قد لا تجد في القرآن الكريم كلّه آية مشابهة لهاتين الآيتين من هذه الجهة؛ حيث بلغ عدد أفعال المستقبل فيهما - علي قصرهما - ستّة أفعال، وهي (ونريد.. أن نمنّ.. ونجعلهم أئمّة.. ونجعلهم الوارثين.. ونمكّن لهم.. ونري..).

وما هذا التكرار في استعمال صيغة المستقبل إلاّ للتأكيد علي أنّ هذا الفعل سيقع في المستقبل وأنّ وقته لم يحن بعد، فهو لم يصدر في الماضي ولا هو صادر في الحاضر، بل إنه سيصدر في ما يأتي من الزمان ويقع لاحقاً وفي المستقبل.

ب. شمول دائرة المنّة لكلّ أهل الأرض

لقد نهانا الله عن المنّة فقال يخاطب نبيّه الكريم: ?ولا تمنن تستكثر?(). أي أنّك لو تصدّقت بمليون دينار علي الفقراء - مثلاً - فلا تستكثرها ولا تمنّ في ذلك.

وقال - يخاطب المؤمنين - في آية أخري: ?يا أيّها الذين آمنوا لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذي?(). وقال أيضاً: ?الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يُتبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذيً?().

وحيث إنّ الله تعالي نهانا عن المنّة، نراه سبحانه لم يستعمل تعبير المنّة - في القرآن الكريم - في ما تفضّل به علي عباده، إلاّ في حالات محدودة؛ منها:

الحالة الأولي: علي أنبيائه سلام الله عليهم حيث قال عزّ من قائل مخاطباً نبيّه الكريم محمداً صلي الله عليه وآله: ?ولقد منَنّا عليك مرّة أخري?().

وقال في آية أخري يمنّ علي نبيّيه الكريمين موسي وهارون عليهما السلام: ?ولقد منَنّا علي موسي وهارون?().

الحالة الثانية: منّ الله فيها علي المؤمنين في مورد واحد فقط، وذلك في قوله تعالي: ?لقد منّ الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً?().

فقد توسّعت الدائرة هنا وجُعلت المنّة علي المؤمنين ببعث الرسول الكريم صلي الله عليه وآله.

الحالة الثالثة: علي أهل الأرض كلّهم، أي أنّ الدائرة هنا أصبحت

عامّة وشملت كلّ البشرية، حيث لم يحدّد سبحانه الذين يمنّ عليهم بالمستضعفين من الأنبياء ولا من المؤمنين بل قال: ?ونريد أن نمنّ علي الذين استُضعفوا في الأرض?.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا غيّر الله تعالي الأسلوب في الحالة الثالثة، فعندما تحدّث عن بعثة الرسول الكريم صلي الله عليه وآله قال: ?لقد منّ الله علي المؤمنين? ولكن عندما وصل الدور في هذه الآية إلي صاحب العصر والزمان المهدي الموعود عجل الله تعالي فرجه الشريف وسّع من إطار منّته (تعالي) حتي شملت كلّ الكرة الأرضية؛ إذ قال: ?ونريد أن نمنّ علي الذين استُضعفوا في الأرض? مع أنّ لكلّ كلمة واستعمال في القرآن غاية وأبعاداً ينبغي التوقّف عندها؟!

والجواب واضح، وهو أنّه لم تعمّ منّة الله علي أهل الأرض كلّهم حتي اليوم، فمازال حتي الآن وفي كلّ مكان وزمان أُمم وألوف بل ملايين من الناس لم تبلغهم حجّة الله وأحكام دينه ولا عرفوا الله عزّ وجلّ. فهناك اليوم أكثر من ثلاثة آلاف مليون غير مسلم علي وجه الكرة الأرضية، فهل تمّت منّة الله عليهم؟ كلاّ بالطبع؛ إذ بأيّ شيء منّ الله عليهم؟ هل بالمال ولا قيمة له عند الله تعالي ولا ذُكِر بعنوان المنّة؟ أم بالوجود البحت ولا قيمة له عند الله أيضاً، وكذا الصحّة وكلّ الدنيا؛ لأنّ رسول الله صلي الله عليه وآله يخبرنا: إنّ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة().

إنّ الشيء الذي له قيمة عند الله تعالي ومنّ به علي البشر هو معرفته سبحانه وتعالي؛ وأن يعرف الإنسان لماذا خُلق ومن أين أتي، ولماذا جاء إلي هذا الوجود، وإلي أين سينتهي!

ولذلك نلاحظ أنّ الله تعالي لم يمنّ علي الناس لأنّه أعطاهم الصحّة، ولا يمنّ علي من

يدخلهم الجنة، بل قال تعالي: ?فمَن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنّة فقد فاز?()، في حين نراه منّ علي المؤمنين ببعثة الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله.

فحقّ لنا أن نسأل: ما هو هذا الأمر الذي يستوجب منّة الله علي الناس كلّهم كما استوجب المنّة علي المؤمنين خاصة ببعث الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله؟ أليس في هذا إشارة إلي الحجّة المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف، وأنّه كجدّه الرسول صلي الله عليه وآله تماماً إلاّ في مقام النبوّة؟!

فإن قيل: لماذا يمنّ الله علي مستضعفي الأرض كلّهم بظهوره؟

نقول: لأنّ المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف يحقّق النتيجة النهائية التي أرادها الله تعالي من وراء بعثة الرسل والأنبياء كلّهم من لدن آدم حتي الخاتم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ومن الطبيعي أن تقرن هذه النتيجة العظمي بالمنّ كما قرنت ببعثة الرسول صلي الله عليه وآله.

خلاصة الدليل

تبيّن إذن أنّ الله تعالي لم يذكر المنّة في القرآن الكريم إلاّ في عدّة مواضع؛ الأوّل علي أنبيائه في آيتين، والثاني علي المؤمنين وكلها وردت بصيغة الماضي (لقد منَنّا.. ولقد منَنّا.. لقد منّ الله علي المؤمنين..) لكن هنا (في آية القصص) تبدّلت الصيغة إلي زمان المستقبل، وكانت المنّة شاملة لكلّ أهل الأرض.

وهكذا نري أنّ هذه الآية المباركة هي من الآيات الواردة في شأن الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف، كما تؤيّد ذلك الأحاديث الشريفة().

الإمام عجّل الله تعالي فرجه ناظر إلينا

إنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالي فرجه الشريف يرانا ويري أعمالنا كما ورد في تفسير قول الله تعالي ?وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون?().

وفي الروايات أنه عجل الله تعالي فرجه الشريف مؤيّد بروح القدس، بينه وبين الله عز وجل عمود من نور يري فيه أعمال العباد، وكلّ ما يُحتاج إليه().

فهو يري كلامنا وأجسامنا وكلّ ما يظهر منّا، ويري كذلك ما وراء الكلام والأجسام والسطور كالفكر والنوايا، ويعرف فيما إذا كانت نيّاتنا وأفكارنا لله أم لغيره.

ما يحول دون تشرّفنا بلقاء الإمام المهدي عجّل الله فرجه

إنّ موضوع الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف من المواضيع العميقة والواسعة وهو متشعّب الجوانب كثير الفروع، الأمر الذي يتطلّب من كلّ منّا أن يزيد من مطالعاته في هذا الموضوع الهام، لكنّي أحببت أن أثير سؤالاً في هذا المجال، وهو: إذا كان الإمام الحجّة عجل الله تعالي فرجه الشريف موجوداً بين ظهرانينا - كما هو الحق - فلماذا لا نراه مع أنّه يرانا صلوات الله وسلامه عليه؟.

في جواب هذا السؤال أذكر لكم قصّة رواها المرحوم والدي تعود إلي الأيّام التي كان يعيش فيها في سامرّاء العراق:

يقول السيد الوالد رحمه الله: كان أحد العلماء يكثر من ارتياد سرداب الغيبة في أيام الجمع وغيرها، يخلو فيه.. يقرأ دعاء الندبة والعهد وزيارة صاحب الزمان ويدعو الله بفنون الدعوات علي أمل اللقاء بالإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف.

يحكي والدي عن هذا العالِم أنّه قال:

مرّ زمان وأنا علي هذه الحال أرتاد السرداب مشتاقاً لرؤية صاحب الزمان صلوات الله عليه. وفي أحد الأيام وبينما أنا جالس وحدي - ولم يكن في السرداب أحد غيري - منشغلاً بالدعاء والمناجاة، مفكّراً في حالي وأنّ المدّة قد طالت وأنا مواظب علي الحضور إلي هذا المكان دون أن

أوفّق للقاء الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف، متسائلاً مع نفسي عن السبب الذي يحول دون تشرّفي برؤيته، قائلاً: ما هو ذنبي ولماذا لا يمنّ عليَّ الإمام بشرف رؤية طلعته؟ … وبينما أنا ساهم في هذه الحالة إذ أُلهمت بأنّ الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف سيدخل السرداب حالاً، ولقد وقع هذا الموضوع في قلبي علي نحو اليقين لا وقوع تخيّل أو مجرّد تصوّر، بل عرفت ذلك من ضميري وأيقنت –بوجداني- أنّ الإمام سيدخل السرداب الآن، وشعرت أنّي سأوفّق للقائه.

ولكن ما إن عرضت لي فكرة قرب التشرّف والتوفيق للقاء الإمام حتي تملّكتني هيبة عصرتني عصرة لم أشعر معها إلاّ وأنا خارج من السرداب متسلقاً درجات السلّم.. وبدأ قلبي يدقّ بشدّة. فأدركت أنّه لم يحن بعد الوقت الذي أكون لائقاً ومؤهّلاً للقاء الإمام الحجّة عجل الله فرجه.

قصة الرجل المحبّ للضيف

ولكي أوضّح لكم الموضوع أكثر أنقل لكم الرواية التالية:

يحكي أن رجلاً شكا إلي النبي صلي الله عليه وآله أنه يحبّ إقراء الضيف لكن زوجته تكره ذلك وتعكّر عليه، فقال صلي الله عليه وآله قل لها: إنَّ الضَّيْفَ إذَا جَاء جَاء بِرِزْقِهِ وإذَا ارتَحَلَ ارتَحلَ بِذُنُوبِ أَهْلِ البيتِ().

أي أن الله سيضيف في رزق أهل ذلك البيت ما ينفقونه في إقرائه، ثم إذا انصرف عنهم بعد ذلك وارتحل ارتحلت ذنوبهم معه.

يقال: إن الرجل عاد ثانية إلي النبي صلي الله عليه وآله وأخبره أن ذلك لم ينفع معها. وهنا أمره النبي صلي الله عليه وآله أن يمسح بيده علي وجهها إذا حلّ الضيف.

وفعَل الرجل ذلك، فأصبحت المرأة تتمني إقراء الضيف بعد ذلك؛ لأنها رأت الأمور التي أخبرها بها زوجها عن النبي صلي الله عليه وآله علي حقيقتها، بعد أن مسح علي وجهها

بأمر النبي صلي الله عليه وآله، أي رأت الضيف عندما يدخل الدار ترافقه أنواع الأطعمة والفواكه، وعندما يخرج تخرج معه الأوساخ والعقارب والحيّات مثلاً.

نستفيد من هذا الحديث أموراً عديدة؛ منها أمران لهما صلة بموضوعنا وهما:

الأمر الأوّل: الولاية التكوينية لرسول الله صلي الله عليه وآله. فمع أنّه صلي الله عليه وآله لم يقم هنا بفعل، فلم يمسح بيده الشريفة علي وجه المرأة مثلاً بل أمر الزوج أن يمسح هو بيده علي وجهها، مع ذلك أثّر في تكوين المرأة، أي أنّ أمر النبي صلي الله عليه وآله وكلامه يكفي لتغيير الكون، ولا حاجة حتي لفعله المباشر، بل تكفي إرادته وقوله. والإمام كالنبي في هذا.

الأمر الثاني: هو أنّ الذنوب قاذورات وأوساخ وحيّات وعقارب تحيط بنا من الرأس إلي القدم وتكون مانعاً من تشرّفنا بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، أي أننا لا نكون جديرين بسببها للقائه عليه السلام فنحرم هذا التوفيق.

ويمكن تقريب هذا الموضوع بمثال:

لو أنّ رجلاً دقّ عليك الباب وأنت في غرفتك. وعند فتحك الباب رأيته كريه المنظر والرائحة لكثرة ما علق به من قاذورات ونجاسة وأوساخ وديدان وعقارب وحيات.. فهل ستسمح له بالدخول إلي المكان النظيف الذي تجلس فيه؟ كلاّ بالطبع.

هذا يعني أنّك لو كنت في مكان صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف لما أذنت بلقاء رجل يحمل كلّ هذه القاذورات العالقة بلسانه وعينه وأذنه وأنفه ويده ورجله وبطنه وفكره - وهي الذنوب -.

عرفنا إذن لماذا لا نري الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فكلّ المشكلة تكمن هنا.. فينا نحن.

إنّ ذلك العالِم الديني تهيّب للقاء الإمام فلم يره. أما كثير منا فلم يصل حتي إلي هذه الدرجة، فذلك الرجل العالِم كان

قد قطع شوطاً للقاء الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف وفينا من لم ينتهج الطريق بعد.

وكما أنّك تطلب من الشخص المنتن الذي أتي لزيارتك أن يذهب أوّلاّ ويزيل عنه الأوساخ والقاذورات ويرمي العقارب والديدان عنه ثم تقول له: تفضّل أهلاً وسهلاً فبابنا مفتوح لك، فكذلك الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف فاتح بابه لكلّ إنسان ولكنه يطلب منّا أن نتطهّر أوّلاً ثمّ نأتي للقائه.

إن الأرواح النجسة غير لائقة للقاء الإمام، والأعين الخطّاءة لا تستحقّ أن تطلّ علي حضرته، والآذان المليئة بالمعاصي غير جديرة بسماع صوته، وأنّي لهذه الشفاه التي صدرت من بينها آلاف المعاصي أن تتشرّف بتقبيل يديه!

وإلاّ فلِمَ لا يسمح لنا الإمام بلقائه وهو أهل الكرم والجود؟ ألم يلتقِ السيد الفلاني والشيخ الفلاني والبقّال الفلاني والعطّار الفلاني بل وأشخاصاً أمّيين لا يعرفون القراءة والكتابة، فلماذا لا يسمح لي ولك نحن المتعلّمين؟ إن الذنوب هي التي تحول دون لقائنا بالإمام، فإنّ الإمام لا ينظر إلي أبداننا بل ينظر إلي قلوبنا وأرواحنا وعقولنا.

فلنعاهد الله في هذه المناسبة أن نبدأ بسلوك الطريق؛ فلعلّنا نبلغ المقصود بعد زمان طال أو قصر، فإنّ من سلك الطريق لابدّ وأن يصل، وصاحب الزمان عليه الصلاة والسلام يعرف عن قلبك وقلبي إن كنّا سالكي الطريق حقّاً أم لا؛ فإن علم صدقنا فسيأخذ بأيدينا. ولو أنّ أحدنا تقدّم إليه بمقدار خمسة في المئة من الطريق فإنّه عجل الله تعالي فرجه الشريف سيتقدّم إليه في الباقي ويفتح له ذراعيه، ولكن علينا أن نجعل أنفسنا أهلاً لذلك.

ذكري المولد فرصة لمراجعة أنفسنا

لنعاهد الله سبحانه وتعالي علي أن نكون عند مرور ذكري مولد الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف، في كلّ سنة أحسن من السنة السابقة. ولنبدأ

الطريق بأن يسعي كلّ منا لتقليل نقاط ضعفه وإصلاح نفسه، فلو أصلحنا أنفسنا فإنّ صاحب الزمان هو الذي سيأتي إلينا قبل أن نذهب إليه.

لنخطّط لأرواحنا قبل أن نخطّط لبطوننا وأيدينا وبيوتنا وأهلينا ولنسِرْ قليلاً بهذا الاتّجاه لنحظي بلقيا المولي صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف.

ختاماً: بودّي أن أذكر شيئاً عسي أن نكون بذلك قد قدّمنا خدمة ولو صغيرة لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ فلعلّ كثيراً من الشيعة لا يعلم شيئاً عنه صلوات الله وسلامه عليه، والذنب في ذلك يعود علينا نحن المتعلّمين.

إننا بحاجة إلي مليارات النسخ من المطبوعات عن الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ فإنّ نفوس العالَم لم تعُد بالملايين بل بلغت المليارات، فليخصّص كلّ واحد منكم منذ الآن مقداراً من المال يطبع فيه كتاباً عن صاحب الزمان، ولا مانع من طلب العون من أهله وأقربائه ومن زوجته وابنه وأخيه وأخته في هذا المجال بأن يضع سهماً من عنده وأسهماً من أقربائه وأصدقائه ثمّ يقوم بطبع الكتاب ولا يُشترط أن يكون الكتاب ضخماً فكلٌّ حسب سعته. وإذا لم تستطع أن تعطي مبلغاً خلال يوم فقد تستطيع أن تعطيه خلال شهر وقد تستطيع من خلال الاستعانة بأهلك وأقربائك وأصدقائك.

فهذا شيء بسيط وأقلّ ما يمكن أن نقوم به لخدمة صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف.

وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين

المحاضرة الحادية عشرة•

في ذكري ميلاد منقذ البشرية المهديّ المنتظر عجّل الله فرجه الشريف لنعرف إمامنا وواجبنا بصورة أفضل

في ذكري ميلاد منقذ البشرية المهديّ المنتظر عجّل الله فرجه الشريف لنعرف إمامنا وواجبنا بصورة أفضل

اشارة

من خلال الحديث الشريف

«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»

• ألقيت المحاضرة في ليلة النصف من شعبان عام 1423 ه، ذكري

ميلاد منقذ البشرية الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي

أعدائهم أجمعين.

في هذه الأيام من شهر شعبان المبارك، التي تنتسب للمولي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، أودّ الإشارة لموضوعين؛ الأوّل: يتعلّق بمعرفة الإمام سلام الله عليه وعلي آبائه، والآخر: يتعلّق بنا وبمسؤوليتنا وواجبنا في عصر الغيبة.

1 لنعرف إمامنا أكثر

أمّا الموضوع الأوّل فقد روي عن النبيّ الأكرم صلي الله عليه وآله أنّه قال: مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية().

فكما تكون الميتة الجاهلية، علي كفر وشرك وإلحاد؛ لأنّها ليست في ظلّ الإسلام، فكذلك تكون حال مَن يموت ولا يعرف إمام زمانه، أي يموت وحكمه حكم المشرك والملحد والكافر.

قضية الإمام المهديّ عجّل الله تعالي فرجه من الأمور المسلّمة

إنّ البحث العلمي حول هذا الموضوع واسع ومتشعّب، ولكنّي لا أريد التعرّض إلي تفاصيله. فأصل وجود المولي صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، ومعرفته بصفته إماماً مفترض الطاعة، يُعدّ من أصول الإسلام، وهو من الأمور المسلّمة والمتواترة. وإذا ما بلغ أمرٌ حدّ التواتر، فإنّ الجدال فيه يكون من باب السفسطة وإنكار الوجدانيات().

إنّ المولي سيشرّفنا بحضوره إن شاء الله تعالي، ويظهر للناس كافة، ويعلن للعالم أنّه المهديّ من آل محمّد صلّي الله عليه وعلي آبائه الطيّبين أجمعين. فكيف سيكون حاله سلام الله عليه في ذلك اليوم المبارك؟ وكيف سيكون حال الناس؟!

إنّه يصدع بالحكمة والموعظة الحسنة

قال الله تعالي يخاطب نبيّه الكريم: ?ادْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة?(). فمن صفات الرسول صلي الله عليه وآله أنه يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة.

هذا التعبير نفسه، وهاتان المفردتان عينهما (الحكمة والموعظة الحسنة) وردتا في زيارة الإمام المهدي المرويّة عن المعصوم سلام الله عليه حين يصفه بأنّه الصادع بالحكمة والموعظة الحسنة().

فهو كجده صلي الله عليه وآله، يصدع بالحكمة والموعظة الحسنة.

ويسير بسيرة جدّه أمير المؤمنين سلام الله عليهما

روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: إنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام وسار بسيرة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام().

وتقول الروايات أيضاً: إنّ علياً سار بالمنّ والكفّ()، أي أنّه سلام الله عليه كان لا يعاقب بل يمنّ.

فإذا أردتم أن تعرفوا سيرة الإمام الحجّة عجل الله تعالي فرجه الشريف في التعامل مع الأصدقاء والأعداء فانظروا إلي سيرة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه. فهذا تاريخه صلوات الله عليه بين أيديكم دوّنه الشيعة والسنّة والنصاري واليهود وغيرهم في صفحات مشرقة.

لقد كان أمير المؤمنينسلام الله عليه يدفع مَن ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن، وكان يسعي للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها.. ولكن إذا وصل الأمر بالطرف الآخر أن يهجم ويريد القتال قام الإمام بدور الدفاع لا أكثر، ولكن ما إن يتراجع الخصم أو ينهزم حتّي يتوقّف الإمام عن ملاحقته ولا يسعي للانتقام منه، ولم يروَ أن الإمام بدأ أحداً بقتال أبداً. وهذا الأمر مشهود في تاريخ أمير المؤمنين سلام الله عليه.

ومع أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله يصرّح له بالقول: يا عليّ حربك حربي وسلمك سلمي() نلاحظ أنّ الإمام سلام الله عليه لم يأسر حتّي فرداً واحداً من أعدائه، ولا

صادر أو سمح لأصحابه بمصادرة أيّ شيء من أموال الخصم وإن كان ذلك الشيء رخيصاً أو عديم الثمن.

تروي في هذا المجال أمور لا نظير لها، في التاريخ، ولا في الحاضر ولا في الآتي من الزمان، إلاّ ما كان عن الإمام أمير المؤمنين وما سيكون من الحجّة المنتظر سلام الله عليهما.

فقد روي أنّ الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه لم يسمح بمصادرة حتّي «ميلغة» واحدة من العدوّ!()

ويلبس ثياب عليّ سلام الله عليه

أما عن السيرة الشخصية للإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف، فقد روي البرقي عن حماد بن عثمان قال: حضرت أبا عبد الله عليه السلام، وقال له رجل: أصلحك الله ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونري عليك اللباس الجديد؟ فقال له: إنّ عليّ بن أبي طالب كان يلبس ذلك في زمن لا يُنكر ولو لبس مثل ذلك اليوم شُهّر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام وسار بسيرة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام().

فهو عجل الله تعالي فرجه الشريف لا يرتدي طيلة عهده الشريف والمبارك حتّي حلّة ثمينة واحدة مع أنّ الله تعالي يملّكه الدنيا وما فيها. فكلّ شيء في الوجود هو من أجل المعصومين سلام الله عليهم - كما في حديث الكساء الشريف - ولكنّهم يزهدون عنها، ويعيشون في بساطة كسائر الناس العاديين بل أبسط؛ ففي كتاب الكافي كثير من المطالب حول أحوال الأئمّة وقد جمعها المجلسي رحمه الله في كتابه «بحار الأنوار الجامعة لأخبار الأئمة الأطهار»؛ منها:

عن المعلي بن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام يوماً: جُعلت فداك ذكرت

آل فلان وما هم فيه من النعيم فقلت: لو كان هذا إليكم لعشنا معكم، فقال: هيهات يا معلّي أما والله أن لو كان ذاك ما كان إلا سياسة الليل وسياحة النهار ولبس الخشن وأكل الجشب، فزوي ذلك عنا، فهل رأيت ظلامة قطّ صيّرها الله تعالي نعمة إلا هذه.()

أجل هكذا كانت حياة الأئمة سلام الله عليهم؛ وذلك كيلا يتبيّغ بالفقير فقره() كما يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه. أي لا يتأذّي الفقير بفقره إذا رأي كيف يعيش زعيم القوم وإمام المسلمين وقائدهم ورئيسهم.

عن أبي إسحاق السبيعي، قال:

كنت علي عنق أبي يوم الجمعة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخطب وهو يتروّح بكمّه، فقلت: يا أبه! أمير المؤمنين يجد الحر؟ فقال لي: لا يجد حرّاً ولابرداً، ولكنه غسل قميصه وهو رطب ولا له غيره فهو يتروّح به.()

كما يشير لمثل هذا الموضوع الإمام سلام الله عليه بنفسه في نهج البلاغة في رسالته إلي عثمان بن حنيف واليه علي البصرة عندما يقول: ألا وإنّ إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه() أي بقميص واحد وإزار واحد يرتديهما لا غير، فقد كان لباس الناس في ذلك الوقت يتألّف من قطعتين؛ قميص وإزار. ولم يكن الإمام يملك أكثر منهما، وهذا هو المقصود بقوله سلام الله عليه: بطمريه. أي ما يكفي لملبس واحد فقط.

هذه هي حياة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وهكذا ستكون حياة الإمام المهديّ عجل الله تعالي فرجه الشريف.

أهل البيت سلام الله عليهم كلّهم رحمة

هل تريدون أن تعرفوا عن حكومة المهديّ عجل الله تعالي فرجه الشريف أكثر؟ إذن انظروا إلي تاريخ الرسول وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وكيف كان حكمهما، فهكذا سيحكم المهديّ أيضاً.

إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله لم

يبدأ المناوئين له بقتال، بل إنّ العدوّ هو الذي كان يتعرّض للرسول الكريم صلي الله عليه وآله، وهكذا كان حال الإمام عليّ سلام الله عليه، وكذلك الإمام الحسين سلام الله عليه؛ فمع أنّ العدوّ كان قد حاصره إلا أنا نراه سلام الله عليه يقول: إنّي أكره أن أبدأهم().

هذا هو واقع أهل البيت سلام الله عليهم. فإن أردتم أن تعرفوا الحجّة عجل الله تعالي فرجه الشريف، فانظروا إلي هذه الوقائع عن حياة الرسول والأئمّة المعصومين من أهل بيته سلام الله عليهم أجمعين، وكيف كانوا يعيشون، وكيف كانت معاشرتهم للناس، وكيف كانوا في الحرب والسلم.

الإمام المهدي مرآة المصطفي والمرتضي صلوات الله عليهما وآلهما

والإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف هو مرآة رسول الله صلي الله عليه وآله في كلّ شيء، ما عدا مقام نبوّته. وهو عجل الله تعالي فرجه الشريف مرآة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في كلّ شيء ما عدا مقام أفضليته سلام الله عليه. فما أحلي العيش وأطيبه آنذاك: في ظلّ الإمام صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف!

حقّاً إنّ التعلّق بالإمام المهديّ وحبّه هو تعلّق وحبّ لشخصه وللحياة الطيّبة أيضاً التي تكون في ظلّ حكومته، صلوات الله وسلامه عليه.

أحوال الناس في زمن الظهور

كان ذلكم جانباً من سيرة الإمام سلام الله عليه في عصر ظهوره، أمّا عن حال سائر الناس في زمن الظهور فيروي عن الإمام الباقر سلام الله عليه أنّه قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم().

واليد هنا تعني القدرة كما في قوله تعالي: ?يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم?() أي إنّ قدرة الله فوق قدرة كلّ أحد. وهكذا الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف فإنّه يضع يد – قدرته - علي رؤوس العباد فتكمل عقولهم.

ولهذا الأمر معني طبيعي وآخر غيبيّ، ولا مانع أن يكونا معاً، أي بعض يُشمل بالأوّل وبعض بالثاني، كما في الحيوانات حيث تتآلف ويسود التعايش حتّي بين المتعادية منها. فقد يكون هذا من ضمن يضع يده أيضاً وإن كان النصّ يقول: علي رؤوس العباد لأنّه كما قلنا لا مانع أن يكون لهذا الأمر معني غيبي أيضاً، يكون هذا من مصاديقه؛ إلي جانب المعني الطبيعي للجملة - أي البشر.

وإذا كمل عقل الإنسان فإنّه لا يلهث بعد ذلك وراء حطام الدنيا، لأنّ ضعف العقل هو الذي يسوقه صوب التهافت علي الدنيا.

وإذا كمل عقل الإنسان لم يركض خلف

أهوائه، فهل سيكون ثمّة ظلم أو فقر أو بؤس حينئذ؟ كلاّ بالطبع.

وإذا كمل عقل الإنسان كملت عقيدته وكمل إيمانه بل كملت حياته أيضاً، فتكون حياة الناس هانئة طيّبة ومريحة بل أحسن حياة يحياها جيل من الأجيال. وهكذا سيكون حال معظم الناس يومذاك وليس حالة استثنائية لبعض الناس، فمعظم الناس سيحيون في راحة وهناء ورغد وعيش كريم.

2. لنعرف وظيفتنا بنحو أفضل

أمّا الموضوع الثاني الذي أودّ الإشارة إليه في هذه المناسبة المباركة، فهي معرفة وظيفتنا في عصر الغيبة.

إنّ الوظيفة شيء والرغبة شيء آخر، ويحسن الفصل جيّداً بينهما. تأمّلوا في هذا المثال: إذا مرض شخص ما، حينها تصبح بعض الأغذية مضرّة بالنسبة إليه، وهذا لا يعني أنّ هذه الأغذية مضرّة بذاتها، بل هي حسنة في الأصل، ولكنّها لا تصلح لهذا الشخص بسبب مزاحمة الأهمّ في حقّه. فتناول هذه الأغذية تشكّل رغبة لهذا الشخص، ولكنّ وظيفته شيء آخر.

فكذلك الحال بالنسبة لنا تجاه المولي صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف. إنّ لنا في لقائه سلام الله عليه رغبة، ولنا إزاءه وظيفة، فإذا كان هذان الأمران قابلين للجمع فما أحسن ذلك! أمّا إذا لم يمكن الجمع بينهما فهل علي الفرد أن يسعي لتحقيق الرغبة أم العمل بالوظيفة؟ لا شكّ أنّ الواجب هو السعي للعمل بالوظيفة.

إنّ علقتنا الشديدة - جميعاً - بوليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه هو الذي يدفعنا لأن نهتمّ ونعمل ونجدّ ونجتهد لسلوك الطريق الذي ينتهي بنا إلي التوفيق للانضواء تحت لوائه الشريف، أمّا الأمل بزيارة حضرته في عصر الغيبة، فهو مطلب مهمّ أيضاً ولكنه رغبة عظيمة؛ فمن وُفّق لها فقد نال مقاماً شامخاً وشرفاً رفيعاً، ولكنّها ليست الوظيفة.

إنّه لشرف كبير وكرامة عظيمة أن يلتقي الإنسان بإمامه عن قرب ويقبّل يده،

وهذا لا شكّ فيه ولا شبهة، ولكن هل هذا هو ما يريده الإمام منّا؟ وهل هذا هو واجبنا؟

الواجب مقدّم علي الرغبة وهو تعلّم الإسلام والعمل به وتعليمه

صحيح أنّ الذين وفّقوا أو سيوفّقون أو هم موفّقون لنيل هذا الشرف العظيم بلقاء الإمام الحجّة وزيارته في الغيبة الكبري، هم - في الغالب وحسب القاعدة – ممّن يعرفون الواجب ويعملون به، وإلاّ لما حصلوا علي هذا الشرف، ولكن هذا - أي الطموح للقائه عجل الله تعالي فرجه الشريف - ليس هو الواجب، بل من الأفضل أن نجمع بينهما، وإلاّ فإنّ الواجب مقدّم علي الرغبة، والواجب هو معرفة الواجبات الشرعية والعمل بها وتشخيص المحرّمات والاجتناب عنها، تجاه النفس والآخرين، وتعليم الجاهلين كلّ حسب قدرته ومعرفته، والسعي لكسب المزيد من المعرفة علي هذا الطريق.

إنّ المسؤولية هي تعلّم الإسلام والعمل به وتعليمه، وتقع علي عاتق كلّ فرد سواء كان رجلاً أو امرأة، زوجاً أو زوجة، أولاداً أو آباءً وأمّهات، أساتذة أو تلاميذ، وباعة أو مشترين، ومؤجّرين أو مستأجرين، وجيراناً أو أرحاماً، وفي كلّ الظروف والأحوال.

علي كلّ فرد منّا أن ينظر ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين؛ وما هي الواجبات المترتّبة عليه، وما هي المحرّمات التي يجب عليه الانتهاء عنها.

وعلي كلّ فرد منّا أن يعرف ما هي الواجبات بحقّه وما هي المحرّمات عليه. فعلي الزوج أن يعرف واجباته تجاه نفسه وتجاه عائلته، وتجاه الآخرين، وكذا المرأة عليها أن تسعي لمعرفة ما يجب عليها تجاه زوجها وأولادها والمجتمع. وهكذا الأولاد تجاه والديهم والوالدين تجاه الأبناء، وكذا الإخوة فيما بينهم، وهكذا الجيران والأرحام والمتعاملون بعضهم مع بعض.

إنّ الواجب هو أن يعرف الإنسان أحكامه - ولا أقلّ من الواجبات والمحرّمات - ثم يلتزم بها. وعلي رأس الواجبات معرفة المولي صاحب العصر والزمان

أرواحنا فداه وعجّل الله تعالي فرجه الشريف. وهذا واجب الجميع فإنّه مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية(). ولكي لا يموت أحدنا بحكم الكافر، عليه أن يعرف ما هي واجباته وما هي المحرّمات عليه، فيما يخصّ العقائد والعمل، لنفسه وللآخرين.

يقول الفقهاء إنّ علي كلّ شخص أن يسعي للحصول علي ملَكة العدالة في نفسه، وهذا من المسلّمات، وهو - علي حدّ التعبير العلمي - مقدّمة وجود الواجب المطلق.

إذن علي كلّ فرد منّا سواء كان رجلاً أو امرأة، شاباً أو شيخاً، أن يحصل علي ملَكة تحصّنه من ارتكاب المحرّمات أو التخلّف عن الواجبات، ثمّ عليه بتعليم الآخرين حسب مقدرته ومعرفته.

أمّا ما لا يعرفه فيلتعلّمه إن كان يستطيع ذلك، ثمّ يعلّمه للآخرين فإنّ نسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي العلم هي نسبة الواجب المطلق، وليس المشروط، ولكنّه واجب كفائي، فإذا لم يكن مَن فيه الكفاية صار واجباً عينياً أيضاً. أي أنّ علي كلّ شخص مكلّف أن يتعلّم الواجبات والمحرّمات التي عليه وعلي الآخرين للعمل بها وتعليمها والأمر بها للوصول إلي حدّ تتحقّق فيه الكفاية. فهذا هو الواجب، وهذا ما يسرّ الإمام الحجّة عجل الله تعالي فرجه الشريف، ويجعله يرضي عنّا. فإنّ مَن أدّي واجبه بصورة صحيحة كان مرضيّاً عند الإمام سلام الله عليه، أمّا مَن لم يؤدِّ واجبه فليس بمرضيّ عنده.

الشيخ المفيد نال أوسمة من الحجّة لم ينل مثلها أحد

لو راجعتم كلّ ما وصلنا من عبارات المدح والتقريظ من الإمام الحجّة صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الطاهرين بشأن جملة من الأفراد، وخاصّة نوّابه الأربعة الخاصّين، والسفراء الآخرين ووكلائه() قد لا تجدون في كلّ كلمات المديح والتقريظ التي تفضّل بها الإمام بحقّ هؤلاء الأشخاص ما يرتقي لمستوي ما قاله سلام الله عليه بحق

الشيخ المفيد؟

ينقل العلاّمة المجلسي في كتابه «بحار الأنوار» رسالتين عن الإمام الحجّة سلام الله عليه إلي الشيخ المفيد() يذكر فيهما بعض المطالب التي في بعضها إشارة بالمدح للشيخ المفيد، وهذا المدح قد لا تجدون له نظيراً حتّي في حقّ نوّابه الخاصّين وهم الحسين بن روح والسمري والعمريّان.

إننا نلمس تقريظاً من خلال هاتين الرسالتين والعبائر الأخري التي نُقلت عنه سلام الله عليه بحقّ المفيد ما لا نلمسه - من حيث المجموع - بحقّ أيّ شخصية أخري علي الإطلاق، ممّن تشرّفوا بلقاء الحجّة سلام الله عليه.

فمما ورد في إحدي هاتين الرسالتين الموجّهتين للشيخ المفيد رحمه الله قوله عجل الله تعالي فرجه الشريف:

للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه. من مستودع العهد المأخوذ علي العباد.

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: سلام عليك أيها المولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة علي سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك علي نطقك عنا بالصدق -: أنه قد أُذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلي موالينا قبلك - أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته - فقف - أيّدك الله بعونه علي أعدائه المارقين من دينه - علي ما نذكره، واعمل في تأديته إلي من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.

نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شي ء من أخباركم، ومعرفتنا بالذلّ الذي

أصابكم مذ جنح كثير منكم إلي ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا علي انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حمّ أجله ويحمي عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومبائتكم بأمرنا ونهينا، والله متمّ نوره ولو كره المشركون … والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته.

نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام:

هذا كتابنا عليك أيها الأخ الولي، والمخلص في ودّنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به! ولا تظهر علي خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحداً! وأدّ ما فيه إلي من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين().

أقول: إنّه لشرف كبير ومصدر فخر واعتزاز أن يمثل الشخص بين يدي الإمام ويكون في حضرته؛ يزوره عياناً ويتشرّف برؤيته وتقبيل يده. فهنيئاً - وألف هنيئاً - لأمثال الحاجّ عليّ البغدادي والسيّد بحر العلوم وغيرهما ممّن نالوا هذا الشرف الكبير وهذا المجد الرفيع وهذه الكرامة. ولكن - اعلموا أيّها الإخوان - إنّ هذا ليس هو الواجب فإنّه لم يبلغنا عن الشيخ المفيد أنّه التقي بالحجّة – لا يُعرف ما هو السبب، وربما التقاه ولم يصلنا خبره - ولكنّه مع ذلك نال هذه الأوسمة منه سلام الله عليه.

بمقدار ما نعمل بواجبنا يرضي عنّا الحجّة

علي كلّ حال إنّ مسؤوليتنا هي التي يرضي بها الإمام عنّا إن نحن عملنا بها، وإذا أردنا أن نعرف نسبة رضاه عنّا فلنفكّر مع أنفسنا في مدي معرفتنا للواجب والمسؤولية والعمل بهما - تجاه أنفسنا

والآخرين، أقرباء وأرحاماً وسواهم - هذه أهم مسألة وواجب يتحتّم علينا عمله في عصر الغيبة، وإنّ الدرجات التي تُمنح في الآخرة ستكون علي هذا الأساس أيضاً.

نسأل الله أن نبقي أحياء حتّي ندرك ظهور الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف، ونكون في خدمته وفي ركابه، ولكن اعلموا أنّه حتّي درجات ذلك اليوم تعطي علي أساس دورنا وعملنا وإنجاز وظيفتنا اليوم.

أويس القرني أفضل من كثير من الصحابة!

ولتكن لنا في أويس القرني قدوة وعبرة، فإنّ هذا العبد الصالح لم يوفّق لأن يدرك الرسول صلي الله عليه وآله، مع أنّه كان في عصره، فقد كان يعيش في اليمن، وعندما توجّه منها إلي المدينة لرؤية الرسول صلي الله عليه وآله وزيارته لم يدركه الوقت، فحينها كان صلي الله عليه وآله قد استشهد. وتأثّر أويس لذلك كثيراً. ولكن هل تعلمون أنّ أويساً هذا مقدّم علي كثير ممّن صحبوا الرسول صلي الله عليه وآله؟

فإذا أردتم التحقّق من ذلك فانظروا إلي سيرته:

يُنقل أنّه كان أحد الأشخاص يسبّ أويساً كلّما مرّ به أو التقاه. وفي إحدي المرّات رآه أويس يقبل من بعيد فغيّر طريقه.

ربّما كثير من الناس يتجنّب المواجهة مع مَن يريد سبّه، لأنّه قد تتوتّر أعصابه أو يراق ماء وجهه بين الناس. ولكن أويساً لم يغيّر طريقه لهذه الأسباب وعندما سألوه عن السبب أجاب قائلاً: لئلاّ يقع ذلك الشخص - السابّ - في المعصية().

إذن فلنقتد بمثل هذه النماذج الخيّرة لننال إن شاء الله تعالي رضا الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وأئمّتنا الطاهرين عليهم السلام لاسيما مولانا الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف.

ختاماً: ونحن في عصر الغيبة إن أردنا أن نكسب رضا مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، فعلينا أن ندرك أنّ

هذا الأمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً وأكيداً بمدي معرفتنا للمسؤولية والواجب الملقي علينا ليتسنّي لنا العمل بهما.

أرجو من الله تعالي ببركة هذه الأيام، وببركة ميلاد الإمام ووجوده المقدّس وآبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، أن يزيد في توفيق مَن كانت عنده هذه الخصلة - أي معرفة الواجب في عصر الغيبة - وأن يمنحها لمَن يفتقدها.

وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين

المحاضرة الثانية عشرة•

القيام لله أبلغ الموعظة

القيام لله أبلغ الموعظة

اعتبار نكران الذات مصدر الفضائل

في ضوء الآية الكريمة

? قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثني وفرادي ثم تتفكّروا?

• ألقيت المحاضرة عام 1421 ه، في قم المقدسة، ضمن المحاضرات

الأخلاقية التي كان يلقيها سماحته علي طلاّب العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي: ? قُل إنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَي وَفُرادَي ثُمَّ تتَفَكَّرُوا?().

مقدمة

هذه الآية الكريمة من عجائب آيات الذكر الحكيم، فإنّ الله سبحانه وتعالي يأمر نبيّه صلي الله عليه وآله أن يقول للمشركين ولعبدة الأصنام والنصاري واليهود وغيرهم: ?إنّما أعظكم بواحدة? أي لا أطلب منكم سوي الإصغاء إلي موعظة ونصيحة واحدة فقط.

لاشكّ أنّ مواعظ القرآن الكريم كثيرة، بل إنّ القرآن معظمه مواعظ، كما لا شكّ أنّ كلّ ما أتي به الأنبياء والرسل عليهم السلام وما نزل عليهم يتلخّص بالقرآن الكريم، فهو عصارة الرسالات السماوية كلّها، كما أنّ مواعظ النبي صلي الله عليه وآله تختزل مواعظ الأنبياء والرسل الذين سبقوه كافة، إلا أنّ الله سبحانه يطلب من نبيّه أن يلخّص المواعظ كلّها بكلمة واحدة؛ يقول تعالي لنبيه الكريم: ?قل إنّما أعظكم بواحدة? و(إنّما) كما هو معلوم تفيد الحصر، أي بموعظة واحدة وحسب.

فما هي تلك الموعظة التي يأمر الله نبيه صلي الله عليه وآله أن يقول للمشركين والنصاري واليهود إنّه يعظهم بها وحدها؟ تقول الآية المباركة: ?أن تقوموا لله? أي أن يكون قيامكم ونيّتكم وتوجهكم وتفكيركم خالصاً لله. ولا يراد من القيام هنا القيام للصلاة، بل المقصود التفكّر وإخلاص النية، وبتعبيرنا المعاصر نكران الذات والتجرّد عنها في الفكر والعمل، وأن يكون الله تعالي هو الهدف والنية والوجهة،

وليس الذات ومصالحها.

الإنسان بطبعه ميّال لذاته

كلّ إنسان في الأعمّ الأغلب يوقّر ذاته ويحترمها ويراها أولي من كلّ شيء، مع أنّ كلّ البلايا والمصائب وكلّ ظلم وتجاوز يأتي من حبّ الذات.

والطامّة الكبري عندما يؤثر الإنسان ذاته في مقابل الحقّ سبحانه وفي مقابل الأخلاق والمجتمع والفضائل، فأكثر الناس مع الأسف يري الله ويري ذاته معه؛ ينظر إلي المجتمع والأخلاق ويري ذاته معهما؛ ولذلك تراهم في الغالب يسحقون كلّ شيء من أجل ذواتهم.

فالذي يفعل الحرام بأكله الربا أو بظلم الناس مثلاً إنّما يفعل ذلك من أجل ذاته.. فهو يريد لها المال.. يريد لها التقدير والظهور والوجاهة والزعامة وتحقيق كلّ رغباتها ولو عبر الطرق غير الشرعية. فإذا لم يكن الإنسان يري الله وينكر ذاته تراه يسحق أحكام الله ولا يبالي، ويولّي ظهره لله ولأنبيائه ويتّخذ نفسه إلهاً من دون الله.

ومن هنا كان نكران الذات وحبّ الله أساس كلّ فضيلة، وهذه الآية تلخص هذا المعني. فكما أنّ الإنسان الذي يحبّ ذاته يرتكب كلّ رذيلة من أجلها، كما في الحديث النبوي الشريف: حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة()، فكذلك يكون معرفة الله والقيام له ونكران الذات أساس كلّ فضيلة. فمن ينكر ذاته يترفّع عن الرذائل. وإليك بعض الأمثلة علي ذلك:

مع الشيخ محمد تقي الشيرازي

كان المرحوم آية الله العظمي الشيخ محمد تقي الشيرازي رضوان الله عليه مفجّر ثورة العشرين في العراق وقائد حركة تحرّره من الاستعمار الإنجليزي وهو في الثمانين من العمر مرجعاً دينياً كبيراً عُرف بالورع والتقوي، حتي أنّ تلاميذه عندما كانوا يُسألون عن عدالته كانوا يجيبون: سلوا عن عصمته وهل هو معصوم أم لا؟ لاشك أنه غير معصوم ولكن التعبير من باب المبالغة . هذا الرجل العالِم الورع كان يفتي بأنّه لا يجوز استئجار غير العادل لقضاء ما فات

الميت من صلاة وصيام وإن كان ثقة، بل يشترط فيه العدالة. ولا يخفي أنّ الفقهاء يختلفون في هذه المسألة، فبعض لا يشترط العدالة ويري أنّ مجرّد الثقة بأنّ الشخص سيؤدّي هذه الصلوات والعبادات يكفي ولا يلزم أن يكون عادلاً، بينما يشترط آخرون - كالشيخ محمد تقي الشيرازي رحمه الله مثلاً - العدالة في الشخص الذي يستأجر لقضاء ما فات الميت من عبادات.

ينقل المرحوم الوالد رضوان الله عليه أنّ أحد المؤمنين جاء يوماً إلي الشيخ محمد تقي الشيرازي وشكا عنده الفقر والعسر وطلب منه أن يحوّل إليه قضاء صلاة أو صوم عن بعض الأموات - فإنّ الورثة والأوصياء يعطونها في العادة للمرجع لكي يحوّلها إلي مَن يراه صالحاً - ولكن الشيخ رحمه الله اتفق أنه لم يكن عنده آنذاك من العبادات الاستيجارية شيء، فاعتذر وقال: لا يوجد عندي الآن. ولما كان الرجل - السائل - قد أضرّ به الفقر وضغط عليه لم يتمالك نفسه فأخذ يسبّ الشيخَ؛ هذا العالِم الورع الذي كان تلامذته يرونه في التقوي تالي تلو المعصوم!

وبعد بضعة أيام جاء للشيخ محمد تقي بعض المؤمنين وأعطاه مالاً لاستئجار مَن يصلّي عن ميّت له. وهنا بادر الشيخ ووجّه أحد الأفراد المقرّبين منه ليذهب بهذا المال إلي ذلك الرجل الذي سبّه لاستئجاره في قضاء هذه الصلوات!

وهنا تعجّب هذا الشخص الذي هو من أصحاب الشيخ ومقرّبيه وقال: شيخنا، ألستم تشترطون العدالة فيمَن يُستأجر للقضاء عن الميّت؟ قال: بلي، فقال: ولكن هذا الرجل علي فرض أنّه كان عادلاً ولكنّه فقد العدالة عندما سبّكم وكلّنا نعلم أنّ سبّ المؤمن حرام، وارتكاب الحرام مسقط للعدالة ولا شكّ أنّه يصدق علي الشيخ أنّه مؤمن، فضلاً عن أنّه مرجع تقليد ومضرب المثل

في الورع والتقوي.

فتبسّم الشيخ ثم قال: سبّ الفقراء للعلماء غير مسقط للعدالة. اذهب وأعطه المال؛ فإنّه لم يكن ملتفتاً حينما سبّني.

أجل إنّ مَن هيمنت عليه حالة الغضب لا يشعر بما يقول، وخاصة الفقير الذي لا يدري كيف يرجع بلا قوت إلي عائلته، ولا يتوقع بعد لقائه الشيخ العودة لأسرته بلا قوت.

أجل، كلّ هذا صحيح، ولكن لو لم يكن نكران الذات عند الشيخ رضوان الله عليه لما قال إنّ الرجل لم يكن يشعر حين شتمني! خاصة وأنّه غير مستعد لتحمل مسؤولية قضاء صلاة الأموات وصيامهم من أجل فذلكة خلقية، لكنه شخّص أنّ هذا الرجل غير فاسق، وإلاّ لما أعطاه المال لقضاء الصلوات وهو المشترط للعدالة في هذا الأمر.

أمثلة علي حب الذات

هكذا فعل نكران الذات. تعالوا الآن وانظروا في الطرف المقابل إلي الرؤساء والحكّام في الدنيا. إنّ شتيمة واحدة توجّهها للحاكم كفيلة بأن تطيح برأسك، أو تعرِّضك للتعذيب، وربّما تعرِّض أبناءك وإخوتك وعشيرتك وأصدقاءك إلي التحقيق والتعذيب والاستجواب بسببها.

فما أكثر الدول التي يصدر حكّامها قانوناً بالسجن لمدة عشر سنوات أو أقلّ أو أكثر لمَن يسبّ الحاكم، وما أكثر الذين يُسجنون بالظنّة والتهمة فيها.

لقد طالعتنا مجلة معروفة أنّ أحد المجرمين الجلاوزة أذاق اثنين من المؤمنين أنواع التعذيب ولمدة شهرين حتي فارقا الحياة، ثم تبيّن له بعد ذلك أنّه كان مشتبهاً بهما!

تصوّر كيف تنقلب المعادلة عندما تصبح الذات هي الحاكمة. إنّ الاحتمال وحده يكفي لقتل الناس وظلمهم! لماذا؟ لأنّ نكران الذات غائب. والذات تقول أنا كلّ شيء. أمّا الذي ينكر ذاته فيقول: الله أكبر وهو فوق كلّ شيء.

نكران الذات مصدر كلّ الفضائل

إنّ نكران الذات مصدر كلّ الفضائل، ومن ثم لخّص القرآن الحكيم هذا الأمر فقال: ?قل إنما أعظكم بواحدة? أي لا حاجة إلي كلام كثير ومواعظ جمّة بل موعظة واحدة تكفي إن التزمتم بها؛ لأنّها خلاصة المواعظ كلّها.

إنّ مَن أنكر ذاته لا يرجّح الدنيا وملذّاتها علي حكم الله تعالي، ولا يعني هذا أن يترك الإنسان الدنيا ويتخلّي عنها؛ فإنّ الله خلق الدنيا للمؤمنين وهم أَولي بها من الظالمين وأعداء الله، ولكن المقصود أن لا تملكهم الدنيا بل يملكوها ويأخذوا منها - من طريق الحلال - ما استطاعوا علي أن يكونوا في الوقت نفسه مستعدّين للتخلّي عنها غير آسفين لو دار الأمر بينها وبين الله وأحكامه. روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه: الزهد مفتاح الآخرة، والبراءة من النار، وهو تركك كلّ شيء يشغلك عن الله من غير تأسّف علي فوتها().

والمؤمن الحقّ

يلزم جانب الله دوماً كلّما حدثت معارضة بين ذاته وبين الله. قد يجمع المؤمن الملايين من الأموال، ولكنّه بمجرّد أن يشعر أنّ هذا المال قد يؤدي به إلي جهنّم وسخط الله فإنه يترفع عنه ويتخلي عنه بكلّ سهولة ودون أسي ويصرف النظر عنه كلّه. وهكذا الحال مع الأولاد والنساء وأكل الطيّبات و…

يقول الله تعالي مخاطباً نبيه الكريم في آية أخري: ?قل الله ثم ذرهم?()، أي قل للمشركين إنّ الله وحده بيني وبينكم، فنظري وفكري كلّه منصرف إليه.

وأكرّر القول إنّ هذا لا يعني أن لا تأكل أو لا تشرب أو لا تملك أو لا تلبّي رغبات بدنك.. إنما المقصود أن لا تكون هذه الأمور معلّقة بقلبك يتوقف لها إن حُرمت منها، تضحّي بكلّ شيء من أجلها وتسحق كلّ خلق وفضيلة في سبيلها، بل أن تكون مستعدّاً للتضحية بكلّ ما تملك من أجل الله تعالي والقيم والفضائل.

مثني وفرادي

يوصينا الله تعالي: وليكن قيامكم لله مثني وفرادي. أي ليكن توجّهكم إلي الله ونكرانكم لذواتكم سواءً حال كون بعضكم مع بعض، أو بصورة انفرادية، كأن يجلس أحدكم وحده، في جوف الليل مثلاً، ويفكّر ولو قليلاً، ويتساءل مع نفسه: مَن أنا؟ أنا لا شيء وليس عندي شيء، وكلّ ما عندي فهو من الله، لم أكن أملكه يوماً، ثم ملّكني الله كلّ ما أملك. وسأعود مع كلّ ما أملك إلي الله مرّة أخري ?إنا لله وإنا إليه راجعون?().

واقعة فيها عبرة

لقد شهدتُ هذه القصة بنفسي وتركتْ أثرها فيّ حتي لكأنّي أري الحالة أمامي الآن!

كنّا جالسين علي مائدة للغداء أيام كنا في كربلاء المقدّسة، وكان يجلس شخص إلي يساري وآخر إلي يميني.

وضع الشخص الجالس عن يساري لقمة من الطعام في فمه - وكان خبزاً مع الكباب المشوي - وشرع يلوكها ثم يحضّر لقمته الثانية، حيث لفّ مقداراً من الكباب مع الخبز، ولمّا همّ برفعها إلي فمه، عندها لاحظنا يده قد سقطت تلقائياً في حجره ثم مال إلي الأرض صريعاً. عندما هرع الجالسون ليعرفوا ما الذي حدث له، رأوه قد فارق الحياة إثر سكتة قلبية، وكانت اللقمة الأولي مازال قسم منها في فمه، فأخرجها بعض الجالسين بصعوبة من بين أسنانه. وفارقَنا الرجل وفارق الدنيا منذ ذلك اليوم وإلي يوم القيامة.

أنا لا أنسي هذا المشهد ما حييت، وكلّ مَن كان بمكاني قد لا ينساه أيضاً، ولكن عندما يأتي وقت المعصية ينسي الإنسان كلّ شيء!

العمل بالآية

الآية الكريمة تدعونا إلي التذكّر والتفكّر دائماً مثني أي مع بعض، وفرادي أي إذا خلونا بأنفسنا خاصة إذا هدأت العيون. فليفكّر كلّ منا مع نفسه ويقول: مَن أكون لكي أظلِم أو أوذي الناس أو أفعل المحرّمات؟ ثم إلي ماذا سيكون مصيري؟ أين أبي وجدّي وأقربائي وأصدقائي الذين عاشرتهم ثم مضوا؟ فهل سأبقي أم سأرحل مثلما رحلوا؟ فهل كُتبَ الموت والحساب لهم دوني أم كلّنا ملاقٍ هذا المصير؟

هذا التفكير هو خلاصة مواعظ القرآن الكريم.

وحقاً إنّ مَن يصبح عنده وجدان كهذا - أي يجد هذا الشيء من نفسه - ويفكّر بهذه الصورة قد يستحيل أن يقدم علي المعصية. وهل مصدر المعصية والظلم إلاّ حب الذات؟! فالذي يتّخذ هواه إلهاً من دون الله تعالي فإنّ ذاته تهمّه

قبل كلّ شيء ولا يكترث إن عصي الله في هذا السبيل أو غيره، فالمهمّ عنده توقير ذاته و تلبية رغباتها وتحقيق احترامها! أمّا الإنسان المنكر لذاته فهو يري الله تعالي أمامه. يقول الإمام الحسين سلام الله عليه مخاطباً ربه تعالي: عميت عين لا تراك()، العين التي تري الله المقصود عين البصيرة لا تعصيه أبداً.

ويقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته(). فمع أنّ هذا الأمر – أي سلب النملة- ليس معصية، ولا يقول فيه فقيه إنّه عمل محرّم بحيث إنّ الشخص العادل يفقد عدالته لو ارتكبه، ومع ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إنّه غير مستعدّ لارتكابه حتي لو أُعطي الدنيا كلّها!

لقد عرض القوم علي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أن يوافق علي السير بسيرة الشيخين، لكي يعطي الخلافة، وكان يمكنه أن يقبل بذلك ابتداءً ثم يضرب به عرض الجدار بعد استلامه الخلافة، ولكنه سلام الله عليه رفض عرضهم وفضّل أن تخرج الخلافة من قبضته - لا بل فلتذهب الدنيا كلّها ويصبح العالَم كلّه ضده- ولا يتخلّي عن مبادئه، وهل هذا إلاّ بسبب نكرانه لذاته؟!

الخلاصة

إنّ التوجّه لله أهمّ من كلّ شيء.

النقطة التي تجبرك علي أن تتوجّه في صلاتك، وتمنعك عن أكل الحرام، والنظر الحرام والاستماع الحرام والنطق الحرام وظلم الناس وإيذائهم، والتي ركّز عليها القرآن هي ?أن تقوموا…? فهذه نقطة أساسية يجب علينا الانتباه إليها أكثر من أيّ عمل مستحبّ أو خلق مستحبّ آخر، لأنّها جامعة لكلّ الفضائل.

أسأل الله التوفيق لي ولكم.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين

المحاضرة الثالثة عشرة•

كيف نكون في نور الله تعالي؟

كيف نكون في نور الله تعالي؟

في ضوء الحديث المرويّ عن رسول الله صلي الله عليه وآله

«أربع من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم … »

• يعود تاريخ المحاضرة لعام 1398 ه. وهي من المحاضرات الأخلاقية التي

كان يلقيها سماحته علي طلاّب العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنّه قال: أربع من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم … ومَن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون … ().

معني كون الإنسان في نور الله تعالي

إذا كان الإنسان في نور الله عزّ وجلّ فلا يزلّ ولا ينحرف ولا يطغي ولا تسيطر عليه نفسه الأمّارة بالسوء، ولا يسمح للشيطان أن يغويه، وتكون الدنيا بنظره كأهون ما يكون، لأنه يري بهذا النور حقائق الأشياء، كما يري بالنور المادّي الأجسامَ ويميّز بعضها عن بعض، فيُقبل علي ما يرغب منها ويُدبر عمّا يكره.

إنّ مَن يجلس علي مائدة في ظلام لا يعلم بما وُضع أمامه هل هو من الأطعمة أم لا؟ فقد يمدّ يده وإذا بعقرب أو حشرة ضارّة أو سمٍّ وجدَ طريقه عمداً أو خطأً إلي مائدته فيتناوله وهو لا يعلم. أما الجالس في النور فهو يري الطعام الذي أمامه فيميّزه عن غيره ولا يمدّ يده إلي ما يشكّ أو يحتمل الضرر فيه.

وهكذا الحال في المعنويّات؛ إن لم يكن الإنسان في نور الله تعالي، فسيكون في تيه وظلام وحيرة وضلال وإن كان لا يدرك ذلك ويتصوّر نفسه عارفاً بما حوله.

إنّ الحديث النبوي الشريف الذي افتتحنا به الموضوع يخبرنا أنّ قول: ?إنا لله وإنا إليه راجعون? يجعل الإنسان في نور الله تعالي أي أنّ الله يمنحه النور ليري

ما ينفعه وما يضرّه، وفيم يصرف عمره، وكيف يعاشر الناس، وكيف يسيطر علي نفسه وشهواته، وكيف يتخلّص من حب الدنيا وزخارفها، بل كيف يستطيع أن يعرف ما هو اللائق فيُقبل عليه وما هو المذموم فيصدّ عنه، لأنّ هذا هو حال الإنسان الذي في نور الله عزّ وجلّ.

المقصود من الحديث الشريف

هناك أحاديث عديدة وردت في تفسير هذه الجملة من الآية الكريمة حاصلها أنّ هذه الجملة تشتمل علي كلمتين؛ الأولي: «إنا لله» والثانية: «إنا إليه راجعون». أما الكلمة الأولي فهي إقرار واعتراف بالملك لله، فكأنّ الذي ينطق بهذه الكلمة يقول: أنا لست لنفسي بل إنني وكلّ ما أملك إنما ملك لله، في حين أنّ الكلمة الثانية: اعتراف بالفناء والرجوع إلي الله تعالي.

لاشكّ أنه ليس المقصود من هذا الحديث الشريف أنّ مجرّد تلفّظ (إنا لله وإنا إليه راجعون) يجعل الإنسان في نور الله، بل الشعور بها وإنشاؤها من أعماق القلب، وذلك باستحضار الإنسان القائل لها أنّه ليس مالكاً لنفسه ولا لسانه وبصره وسمعه ولا لما بحوزته من أموال وعلاقات وشخصية وعلم وغيرها، بل يقول لنفسه: هذه كلّها لله، والله سبحانه جعلها تحت تصرّفي لينظر كيف أعمل. فالملك لله وحده وليس لي، بل لستُ أكثر من عبد أُتي به لتنفيذ ما أمره به مولاه.

فالعبد الذي يُشتري لأجل إعداد الطعام لسيّده مثلاً، عندما يؤتي به إلي المطبخ ويوضع تحت تصرّفه الماء والنار والمواد الغذائية، فهل سينفّذ ما يريده ويشتهيه مولاه، أم يتصرّف بما يحلو له؟ لا شكّ أنّه ليس للعبد أن يقدّم هواه علي هوي سيده، وإلاّ كان مصيره العقوبة والطرد. فكذلك القائل: «إنا لله»؛ إذا كان صادقاً فعليه أن يستحضر أنّه عبد مملوك ومطيع لمولاه يقرّ ويعترف علي نفسه بالعبودية، ولسيّده

بالملك.

فإذا كان كذلك وقال هذه الكلمة يكون في نور الله تعالي، فيبصر عيوبه لأنّ النور هو الذي يكون وسيطاً وسبباً لأن يبصر الإنسان نفسه ويري ما حوله وما فيه من عيوب ونقائص فيعرف حقائق الأشياء ويتجنّب ما يضرّه وما لا يعنيه وما لا يعود عليه بالنفع، ويتوجّه إلي ما يعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته.

نماذج من الواعين لمعني الحديث

• كان أحد المؤمنين في كربلاء المقدّسة إذا بلغ كلمة في زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه لا يقرأها ويقول: إني لأستحيي من الإمام أن أكذب وأنا أتكلّم معه، وتلك الكلمة في الزيارة هي عبارة «عبدُك وابنُ عبدك» فكان هذا المؤمن يقول: لا أراني بمستوي العبودية للإمام عليه السلام ولذلك لا أتمكن من إنشاء هذه الكلمة إن وصلتُ إليها.

ونحن لا يهمّنا في المقام توجيه هذا العمل بقدر ما يهمّنا انتباه الرجل إلي أنّه يكلّم الإمام ويعرف أنّ الإمام يسمع الكلام ويردّ جواب السلام()، وكان يعي أيضاً معني كلمة «عبدُك وابنُ عبدِك» ويعرف أنها درجة لم يبلغها بعد، ولذلك كان يقول: يصعب عليَّ إنشاء هذه الكلمة لأنّي أعرف أنّ علاقتي بالإمام الحسين سلام الله عليه ليست علاقة عبد بسيده كما ينبغي وإلاّ لما خالفت أوامره، وإنّي علي علم بأنّ الإمام الحسين سلام الله عليه يعلم ذلك منّي أيضاً.

فنور الله تعالي جعل هذا الرجل يبصر هذه الحقائق، وإلاّ فهناك الألوف بل الملايين الذين يزورون الإمام الحسين سلام الله عليه، وكلّهم يتلفّظ هذه الكلمات مع أنّ حال كثير منهم بعيد كلّ البعد عن فحواها.

• نُقل عن بعض العبّاد أنه كان يقول: كلما أشرع بأداء الصلاة وأبلغ قوله تعالي: ?إياك نعبد وإياك نستعين?() يقشعرّ جلدي ولا أستطيع لولا الوجوب إنشاءها؛ لذلك أقوم بقراءتها وكلّي

شعور بالتقصير؛ فإن ?إياك نعبد وإياك نستعين? تعني أن العبادة مني لك وحدك؛ إذ لا معبود غيرك.

قد لا يعرف قارئ ?إياك نعبد? عمق معناها، وقد يعرف ولكنه لا يعرف من يكلّم بها، فكلاهما قراءة سطحية! ولكن قد يعرف الشخص معني العبارة ومع من يتكلّم ومع ذلك يعبد مع الله سواه كالدرهم والدينار والزوجة والأطفال والجاه والشهوات أو يرتكب ما حرّم الله، فهذا معناه أنه أشرك بالله سبحانه ولم يصدق في دعواه، وإن لم يكن شركاً اعتقاديّاً مستوجباً للنجاسة والكفر ولكنه علي كلّ حال مرتبة من مراتب الشرك كما ورد في أحاديث الرياء.

• كان الشيخ أحمد بن فهد الحلي رضوان الله عليه من علمائنا الكبار، ألّف كتباً في الفقه وفي الدعاء والعلوم الإسلامية المختلفة وكان صاحب كرامات أيضاً. توفي قبل عدة قرون ومرقده في مدينة كربلاء المقدسة يقع في طريق الوافدين من النجف الأشرف.

وكان الشيخ ابن فهد رحمه الله مرشداً وهادياً للناس، واستبصر علي يديه جمع غفير ممن كان علي غير مذهب أهل البيت عليهم السلام في الوقت الذي لم يكن معظم أهل العراق شيعة لأهل البيت سلام الله عليهم، وتقرَّب من الحاكم يومذاك وظلّ يراجعه حتي حوّله إلي التشيّع وضُربت السكة في عصره بأسماء الأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام.

نقل لي أحد العلماء الذين كانوا يسكنون النجف الأشرف أنّه قال: لقد تأثرت كثيراً بالمرحوم ابن فهد الحلي من خلال كتبه وقضاياه فكنت كلّما آتي إلي كربلاء المقدّسة لزيارة الإمام الحسين سلام الله عليه أبدأ به فأزوره؛ لأن المحطّة الأخيرة للسيارات التي تنقل المسافرين من النجف الأشرف إلي كربلاء كانت عند مرقده رحمه الله.

وبعد عدّة سنين من استمراري علي هذه الحال رأيت في إحدي الليالي في

عالَم الرؤيا بستاناً كبيراً يكتظّ بالعلماء من السابقين واللاحقين كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضي والعلاّمة الحلّي والمحقّق صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم، ولكني لم أجد الشيخ ابن فهد الحلي بينهم فاستفسرت من أحد العلماء عنه، فقال: إنّه في بستان آخر، فذهبتُ إليه هناك وإذا بهذا البستان يكتظّ بالأنبياء ابتداءً بإبراهيم الخليل فموسي وعيسي وبقية الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين. سألت أحدهم: هل ابن فهد بينكم؟ قال نعم، ودلّني عليه. فذهبتُ إليه وسلّمت عليه وقلت له: إني أعهد قبرك وأقرأ الفاتحة لك وأزورك كلّما جئت لزيارة الإمام الحسين سلام الله عليه. قال: كلّ ذلك يصلني. فسألته: لماذا فصل الله بينك وبين سائر العلماء وجعلك مع الأنبياء عليهم السلام؟ قال: كان يقتضي بحكم دوري في الدنيا أن أُحشر مع العلماء وأكون في بستانهم، ولكنّ عملاً واحداً عملته لله تعالي رفع درجتي مع الأنبياء عليهم السلام، وهو أنّي كنت في كلّ تصرّفاتي وأعمالي أتصرّف تصرف المملوك والعبد مع سيّده، فكلّ عمل كنت أقوم به كان بهذا الدافع، ولهذا رفع الله تعالي درجتي وجعلني مع الأنبياء سلام الله عليهم.

وهذا الأمر لا شكّ يحتاج إلي استحضار دائم بأن يذكّر الإنسان نفسه في كلّ آن أنّه عبد لله، بحيث يسري إقراره لله بالملك في جميع أحواله، فإنّ الإنسان ليس معصوماً من الخطأ والزلل، ولكن كلّما ذكّر نفسه قلّت أخطاؤه حتي يلقي الله وهو مغفور له، وانطبق عليه الحديث المتقدم الذكر.

وهذا الإقرار من قبل العبد لله بالملك، وللنفس بالعبودية والرجوع إليه تعالي، يعدّ أصلاً من أصول الأخلاق؛ لأنّه يميّز المتصّف به عن غيره من حيث تصرّفاته وسلوكه، ولا تعود شهوات الدنيا وزخارفها ومشاكلها تؤثّر فيه، فلا ينفلت بعد لأنّه أضحي دائم

الشعور بكونه عبداً ومملوكاً لله تعالي، وإذا كان كذلك فإنّ الله لا يختم علي قلبه بل ينوّر قلبه فينتبه إلي المخاطر والمنعطفات والمزالق التي في طريقه فيتجنّبها.

الخلاصة

• كوننا عبيداً لله تعالي هو الواقع شئنا أم أبينا، ولكن الدوافع الأخري الموجودة تدفعنا إلي عدم الالتفات إلي هذا الواقع أي العبودية، ولذلك تبدو شيئاً نحاول إقحامه علي أنفسنا.

• الأمر الآخر الجدير ذكره في المقام أنّ مَن يقرّ بالعبودية لله ويُشعر نفسه بها لا يطرده المولي من رحمته وإن صدرت منه بعض المخالفات لأنّه سرعان ما ينتبه فيعتذر ويعزم علي أن لا يعود لمثلها.

• وكما أنّ النور المادي ينفع الإنسان في الدنيا لتمييز العدوّ من الصديق والضارّ من النافع، والهوّة عن الطريق الصحيح فكذلك الحال في المعنويات. وكما أنّ زلّة بسيطة أو انحرافاً ضئيلاً بسبب غفلة ما قد تؤدّي إلي معاناة عشرات السنين - ومثاله مَن يخيط بإبرة فتنحرف قليلاً فتدخل عينه - فكذلك الحال مع الأخطاء المعنوية، فربّ خطأ بسيط أو زلّة صغيرة تجعل الإنسان يعيش الحسرة والندامة في الآخرة أحقاباً.

ومثاله: شخص قد يكون ملتزماً بالواجبات والمستحبات، فتراه يصلّي ويصوم ويزكّي ويتهجّد، ويقوم لصلاة الليل، ولكنه مبتلي بمرض كالغرور أو التكبّر وهو غير قادر علي التخلّص منه بسبب عدم تركيزه علي العبودية، أو مبتليً بذنوب أخري تجعله لا يري هذا المرض أو لا يحسّ به، فيكون حاله في الآخرة حال ذلك الذي أُصيبت عينه لغفلة منه فظلّ محروماً منها ما تبقّي من عمره.

قال بعض الحكماء: إنّ الله تعالي قال عن الدنيا: إنّ متاعها قليل، أو عبّر عنها بالمتاع القليل، تنزّلاً عند مستوي فهم الإنسان، وتماشياً مع ضعفه، وإلاّ فإنّ الدنيا ليست بمتاع أصلاً؛ ولذلك عبّر عنها

الله تعالي في آيات أخري بأنها لعب ولهو، كما أنّنا نتكلّم مع الأطفال الذين يلهون باللعب علي قدر عقولهم ونسمّي ألعابهم أمتعة لهم، وما هي بمتاع.

فإذا كانت إبرة صغيرة تدخل عين الإنسان تجعله مستعدّاً لبذل الملايين من أجل استرجاعها، فكيف بالغفلة عن الانحراف في الأمور المعنوية والخسارة التي تلحق الإنسان بسببها في الآخرة؟ وهي الحياة الحقيقية التي عبّر الله سبحانه في القرآن الكريم عنها بقوله تعالي: ?وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ?().

نسأل الله سبحانه وتعالي أن يوفّقنا وإياكم لنكون من المشمولين بالحديث النبوي: أربع من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم: … ومَن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون …

وصلَّي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة الرابعة عشرة•

كيفية العمل لله تعالي

كيفية العمل لله تعالي

في ضوء الآية الكريمة

?ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ?

• يعود تاريخ المحاضرة لعام 1398 ه. وهي من المحاضرات الأخلاقية

التي كان يلقيها سماحته علي طلاّب العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

قال الله تعالي في محكم كتابه: ?ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ?().

مقدمة

يحاول الإنسان غالباً أن يُحسن ظاهره، بل هو مجبول علي ذلك وعلي إخفاء عيوبه ونواقصه، ولذلك فهو يسعي أن يخفي حقيقته وباطنه لئلا يكتشف الآخرون اختلافه عن ظاهره وما يتظاهر به؛ لأنّ المفترض - عادة - مطابقة الظاهر مع الباطن، وهو الانطباع المأخوذ عن كل إنسان في الوهلة الأولي إلاّ أن يثبت خلافه.

فإذا رأيت شخصاً يواظب علي الحضور في صلاة الجماعة، تحكم بأنّه إنسان خيّر وأنّه ملتزم بالحضور إلي صلاة الجماعة بدافع قلبي. وهكذا الحال إذا رأيت شخصاً عالِماً أو شخصاً يرتاد الأماكن المقدّسة أو المساجد، أو يحضر مجالس العلماء أو يختم القرآن عدة مرات في شهر رمضان، فإنّك ستحمل عن واقعه فكرة إيجابية تحاكي الظاهر نفسه. أي أنّك تعتبر ظاهره هذا دليلاً علي أنّه إنسان خيّر في مجمل جوانب حياته.

في بعض خطب الإمام أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه يصف المنافق بقوله: … وقارب من خطوه وشمّر من ثوبه … ()، أي جعل ظاهره بنحو يأخذ الناس عنه انطباعاً أنّه رجل خيّر، فيقال: إن الدليل علي ذلك التزامه بترك المكروهات فضلاً عن المحرمات، ومواظبته علي المستحبات حتي الصغيرة؛ ولذلك تراه إذا مشي لا يمشي بسرعة بل يمشي بوقار وسكينة، موحياً للآخرين أنّ ما يصدر عنه نابع من سكينة القلب في حين

إنّه ليس كذلك!

وإذا كان الإنسان قادراً علي خداع أخيه الإنسان بظاهره، فإنّه لا يقدر علي ذلك مع الله لأنّ الله سبحانه وتعالي يعلم ما في الضمائر وما تخفي الصدور، وكما في الحديث الشريف: إنّ الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أعمالكم وإنّما ينظر إلي قلوبكم().

فكأنّ الله تعالي يقول للإنسان: جمّل باطنك فأنا عالِم بالباطن وعلي أساسه سأحاسبك، وكلّ ثوابي وعقابي منصبّ علي الباطن وليس الظاهر وحده.

وهذا لا يعني البتة أنّ الظاهر لا ينبغي أن يكون جميلاً، بل المقصود أن جمال الباطن مطلوب مع جمال الظاهر. فلا عقد سلبٍ هنا للقضية - علي حدّ تعبير المنطقيين - بل لها عقد إيجاب كما في قوله تعالي: ?يَاأيّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقولونَ مَا لا تَفعَلونَ * كَبُرَ مَقتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقولوا مَا لا تَفعَلونَ?(). فهل معني الآية سقوط الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الشخص الذي يعمل بعض المنكرات؟ أو هل معناه أنّه لا يجوز لشارب الخمر مثلاً أن ينهي غيره عن شرب الخمر؟

كذلك فإن في صيغة التعبير في الآية نوع من التحريض، كما لو قيل للشخص: مادمتَ تأمر بالحسن، فمن الأَولي بك أن تأتمر به أوّلاً، أو مادمتَ تنهي عن القبيح فالأحري أن تنتهي عنه أيضاً! فلا يقال للمصلّي إذا كان شارباً للخمر: مادمتَ تصلّي من جهة وتشرب الخمر من جهة أخري، فلا تصلِّ إذاً، بل يقال له: مادمتَ تصلّي فانتهِ عن شرب الخمر. وهذا النوع من التحريض والترغيب موجود في العرف أيضاً، ومثاله أن يقال لشخص: لماذا تفعل كذا وأنت ابن فلان؟

أشدّ آية في القرآن

في مجلس ضمّ بعض العلماء والفضلاء دار الحديث عن أشدّ وأشقّ آية في القرآن علي الإنسان، فأدلي كلّ بدلوه؛ قال بعضهم:

إنّ أصعب آية وأشدّها قوله تعالي: ?فاستقم كما أُمرتَ?()، فإنّ الاستقامة شاقّة علي الإنسان، والدليل علي ذلك أنّ فئة قليلة من البشر يستقيمون، فقد روي عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله أسرع إليك الشيب؟ قال: شيّبتني هود (أي سورة هود) … (). قال ابن عباس: ما نزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله آية كانت أشدّ عليه ولا أشقّ من هذه الآية يعني ?فاستقم كما أُمرتَ?().

أقول: صحيح إنّ الاستقامة صعبة وشاقّة جداً، ولكنّها قد لا تكون كذلك بالنسبة لبعض الأشخاص. ففي بعض الظروف لا يغدو العمل بهذه الآية شاقاً كما لو كان الشخص مجبولاً علي التقشّف والزهد بأن يحبّ من أعماقه الأكل الجشب واللباس الخشن ولا يفكّر بالفراش الوثير والدعة والعيش في رفاه، بل هو مصدود عنها علي أثر معاشرته الأتقياء والزهاد. فمثل هذا الشخص إذا ابتلي مدّة في مكان لا يوجد فيه أكل لذيذ ولا فراش وثير ولا راحة، تراه يستلذّ بدلاً من التذمّر. ومن هنا لا أري أنّ هذه الآية أشق آية في القرآن علي النفس.

وقال آخرون: إنّ أصعب آية في القرآن قوله تعالي:

?قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ?().

حقاً فمن ذا الذي يترك كلّ العلائق الدنيوية ويضحّي بها من أجل الله ورسوله وجهاد في سبيله كلما حصل تعارض بينهما، خصوصاً وأنّ أغلب الناس يضحّون حتي بنفوسهم من أجل هذه الأشياء!! لا شكّ أنّ هذا الموقف يتطلّب بطولة نادرة تجعل من هذه الآية أصعب آية في القرآن.

ولكن بدر إلي ذهني أنه لا تلك أصعب آية ولا هذه بل

إنّ الآية التي تأخذ - حسبما أري - بمجامع القلوب ولابدّ أن تستوقف الإنسان كلّ يوم عشرات المرّات قوله تعالي: ?ثمَّ جَعَلنَاكمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِن بَعدِهِم لِنَنظرَ كيفَ تعمَلونَ?. ومركز الصعوبة في الآية كلمة «كيف» فإنّ الملايين من المسلمين يتّجهون إلي القبلة يومياً سواء في صلوات الجماعة أو فرادي.. وكلّهم يصلّون الصلاة نفسها، ولكن ما يختلف فيها هو كيفيّتها. ولعلّ الآلاف يقومون لأداء صلاة الليل في مدينة واحدة كما هو الحاصل في بعض المدن المقدسة، ولكنّها تختلف فيما بينها من ناحية الكيف.

أهمية الكيف

تخبرنا الآية المباركة أنّ الله تعالي لم يقبض أسلافنا لأنّه سبحانه كان ينظر إليهم نظرة سلبية، وأنّه تعالي لم يجعلنا خلائف في الأرض من بعدهم، لأنّ نظرته إزاءنا إيجابية، فلا أولئك أساءوا كافّة فاستحقّوا الإماتة ولا أننا أحسنّا جميعاً فأُعطينا الحياة من بعدهم، بل إنّ الله تعالي أعطي كلاًّ فرصة في هذه الحياة لينظر كيف نعمل.

والكيف هو المهمّ في العمل، وإلاّ فقد يتشابه عملان من حيث الظاهر، وهما مختلفان في الكيف اختلافاً فاحشاً، وخير مثال علي ذلك البون الشاسع بين صلاة أصحاب الإمام الحسين عليه سلام الله في يوم عاشوراء وبين صلاة عمر بن سعد وجماعته عليهم لعائن الله، فإنّ بينهما ما لا يُحصي من الدرجات.

إذن: الكيف أصعب ما نواجهه يومياً عشرات المرات. فالإنسان يواجه عائلته وأقرباءه وأصدقاءه وأعداءه وأساتذته وطلاّبه، وهو يواجه المال أيضاً ولكلّ منها كيفية في التعامل، كما يختلف بعض الناس عن بعض في كيفية إنفاق المال، وكذلك صرف الوقت. قد يكون هناك شخصان يقرآن القرآن الكريم في آن واحد لكن يوجد بينهما بون شاسع من حيث الكيف، فالأوّل يقرأ ليختمه، بينما الثاني يقرأه لينتبه من غفلته، ولا شكّ

أنّ بينهما فرقاً كبيراً مع أنّ كليهما يقرآن القرآن. ومن الأمثلة علي ذلك:

• رجلان أنفقا مالهما في سبيل الله، أحدهما أنفق ماله رياءً، والآخر أنفقه تشجيعاً للغير.

• رجلان أدّيا صلاة الليل وكان كلاهما فرحاً بها، الأوّل فرحته فرحة موفقية، أما الثاني ففرحه فرح عُجب! والعياذ بالله.

•ذكرتُ مرّة أنّ اثنين من أئمة الجماعة - في قصّتين مختلفتين ومن بلدين متباعدين - وقعت لهما حادثة متشابهة وهي أنهما تذكّرا في أثناء الصلاة عدم كونهما علي الوضوء، مما حدا بكل منهما أن يبطل صلاته

- لأنّها لا تعدو صلاة صورية؛ لعدم توفّرها علي شرط الصحّة وهو الطهارة - ثم استقبل كلّ منهما المأمومين وهم يواصلون صلاتهم، وقال: أيّتها الجماعة لقد تذكّرتُ أنّي لستُ علي وضوء، فأكملوا صلاتكم فرادي.

بيد أنّ الفرق بينهما -كما استمعتُ لقصّة كلّ منهما علي انفراد- أنّ الأوّل عمل ذلك فوراً لئلاّ يوسوس له الشيطان، فكان إبطاله لصورة الصلاة، عملاً خالصاً لله كما يظهر من نقله. أما الثاني فقال: عندما انتبهت أنّي لست علي وضوء خجلت أن أعلن ذلك للناس وقلت في نفسي: قد يقول الناس إنه كان متوضّئاً قبل الصلاة ولكن صدر منه أثناء الصلاة ما ينقض الوضوء؛ فتدارك الأمر بهذه الصورة!

يقول: عند هذه النقطة بالذات خطرت? في ذهني فكرة، وقلت في نفسي: لا بأس بما يظنّه المصلّون؛ إنّ هذه فرصة جيّدة قد تحقّقت لي، وذلك لأنّ المأمومين سيزداد حسن ظنّهم بي ويقولون: إنّ هذا الرجل إمام جماعة متديّن جيداً بحيث إنّه لم يخفِ علينا الواقع خجلاً بل بادر بإعلانه وتوقّف عن إمامتنا في الصلاة!

فكلا الرجلين قطع صلاته لكونها غير مستوفية لشرط الطهارة، ولكنّ الأوّل قطعها بنيّة رحمانية، بينما الثاني قطعها بنيّة شيطانية، رجاء أن يكثر

المأمومون خلفه. وقد بلغني بعد ذلك أنّ المأمومين قد كثروا بالفعل ووصل الرجل إلي مطلوبه. ولكن شتّان ما بينهما، وسيجازي كلّ حسب نيّته ولا يجازي الاثنين جزاءً واحداً مع أنّ العمل واحد!

مثال من واقع الحياة

لو اتّفق أن التقيت صديقاً فدعاك إلي وليمة مفاجئة، وكانت الدعوة مثار دهشتك لأنّه لم يدعُك طيلة عمره. ثم اكتشفتَ عند دخولك داره أنّ الوليمة كانت معدّة بالأساس من أجل صديق حميم له وأنّ دعوته لك كانت محض مصادفة، ربما لأنّه فكّر أن ينتهز فرصة متاحة لدعوتك علي هامش دعوة ذاك الصديق.. فهل سيكون امتنانك لمضيفك وشعورك بفضله كما لو كانت الدعوة موجّهة لك في الأساس واستقلالاً؟!

لاشكّ أنّ الأثر الذي ترتّبه علي كلّ حالة يختلف عن الأخري مع أنّ الصورتين واحدة في الظاهر. فكلاهما دعاك إلي موضوع واحد، وربما كان الطعام عند الأوّل أدسم، ولكنّك لا تنظر إلي الطعام أو الصورة بل إنّ نظرك يتّجه إلي القلب في حال أردتَ أن ترتّب الأثر.

من علامات الكيف المقبول

ذكر بعض علماء الأخلاق علامات للكيف المطلوب والمقبول في عمل ما، في قوله تعالي: ?لننظر كيف تعملون? منها: أن لا تتزعزع ثقة العبد بالله علي أثر تبدّل حال قدوته وشيوخه في الدين أو انحرافهم().

أعرف شخصاً كان من المؤمنين الأخيار، أو هكذا كان يبدو من أفعاله، كإنفاقه وبذله في سبيل الله وتعامله الحسن مع الناس، وتصرّفاته العامة حيث كان يظهر منها أنّها منبعثة عن نفس مؤمنة، وهذا الأمر صار سبباً لأن يتأثّر به كثير من الشباب، وكان من جملتهم شابّ تأثّر به إلي حدّ كبير حتي صار من المؤمنين الملتزمين.

ولكن اتّفق بعد مدّة أن صدرت من ذلك الشخص بعض زلاّت، فكان لها أثر سيئ في ذلك الشابّ حيث ترك الإيمان بعد أن عاش في ظلّه عدة سنوات، مما يدلّ علي أنّ كيفية ارتباطه بالله كانت مختلّة، فلم تكن خيوطه معقودة بالله بل بذلك الرجل. ولو كان ارتباطه بالله حقاً لما تغيّر، وما كان

ينبغي له أن يحدث ذلك ضعفاً ووهناً في ثقته وإيمانه بالله.

هناك ظاهرة خاطئة في المجتمع، وهي أنّ كثيرين من الناس يقولون إذا كان فلان مع ما له من المقام الاجتماعي أو العلمي أو الديني يعمل المنكرات أو في حياته زلات، فماذا تتوقّعون منّا نحن الناس العاديين؟

لا شك أن هذا الكلام ليس صحيحاً، بل هو يمثل ظاهرة خاطئة، ويدلّ علي أنّ قلب المتفوّه به غير مرتبط بالله، بل بغيره، وكأنه قد نسي أن الله سبحانه وتعالي ينظر إلي قلوبنا ولا ينظر إلي صورنا! كما تقدّم آنفاً.

إننا نتبع علماءنا وقادتنا ونتعلّم منهم، ولكن لو انحرف أيّ منهم بمقدار أنملة فلا ينبغي لنا أن ننحرف معه وإن كان هو السبب في هدايتنا؛ وذلك لأنّ القلب يجب أن يرتبط بالله تعالي والله ينظر إلي قلوبنا إن كانت مرتبطة به أم لا؟ فإن كانت مرتبطة به وحده فهو الكيف المطلوب الذي خُلقنا من أجله حيث قالت الآية: ?لننظر كيف تعملون?، وإلاّ فلا فائدة ترتجي في العمل.

مثال مادّي: والغريب أنّ هذا الأمر ندركه جيداً ونمارسه في المادّيات، ولكن إدراكنا له في الأمور المعنوية صار صعباً؛ لضعف تأمّلنا. ومثاله المادّي لو أنّ صديقاً أرشدك إلي محلّ لبيع بضاعة بسعر أرخص ونوعية أجود مما كنت تشتريها من محلّ آخر لا علم لك به، فلا شكّ أنّك ستتحوّل إلي ما أرشدك صديقك إليه وتكون شاكراً له أن هداك إليه.

ولو افترضنا أنّ صديقك امتنع بعد مدة عن التسوّق من صاحب هذا المحلّ وبدأ يطعن في بضاعته لسبب من الأسباب، فهل ستستجيب وتترك التسوّق من هذا المحلّ مع أنّ بضاعته أجود وأرخص، أم لا تكترث بتغيّر حال مَن أرشدك إليه لأنّه كان مصيباً في ما هداك

إليه، ولا تعلم سبب طعنه به مادامت بضاعته علي ما هي عليه من الرخص والجودة؟

لا شكّ أنّ تصرّفك سيكون هو الثاني؛ والسبب في ذلك أنّ ارتباطك وعلاقتك التسوّقية ليست بهذا الصديق الذي كان واسطة أوّل الأمر، بل بصاحب المحلّ نفسه، ولا داعي لتخريبها مادمت لمستَ بنفسك صدقه ورخْصَ بضاعته وجَودتها.

المؤمن يرتبط قلباً بالله لا بغيره

إذا كان الأمر هكذا في المادّيات، فلماذا إذاً تنحرف الأمم غالباً بانحراف قادتها؟ الجواب: لأنّ الناس في العادة متماثلون في المادّيات ولكنّهم قليلو المعرفة في المعنويات.

إذن، من علامات الكيف المقبول للعمل وارتباطه بالقلب هو أن لا ينحرف الإنسان حتي إذا انحرف الأشخاص الذين يعتبرهم قدوته في الإيمان والتقوي والعلم، ولا يُحدث انحرافهم أدني ثغرة في إيمانه وإن كان ارتباطه بالله قد تمّ بواسطتهم. إلا أن يكون إيمانه مستودعاً ويتقلب مع الزمن، كما روي عن الامام جعفر الصادق سلام الله عليه في تفسيره لقوله تعالي: ?فمستقرّ ومستودع? أنه قال: فالمستقر ما ثبت من الإيمان، والمستودع المعار … () وهذا يعني أنّ ارتباطه ليس بالقلب، وإنّ الله لا يقبل هذا الإيمان من صاحبه، لأنّه ليس الكيف المطلوب.

فلنختبر قلوبنا، ونتصوّر لو أنّ فلاناً الذي نعتقد بإيمانه المتفوّق علينا منذ أكثر من خمسين سنة مثلاً، ظهر لنا في يوم ما أنّه كان مرائياً، فهل سنزلّ ويتزعزع إيماننا، أم سنواصل المسير لأنّنا نعتقد أنّه هدانا إلي الطريق الصحيح وإن انحرف بعد ذلك، فنأسي لحاله دون أن يفتّ في عزيمتنا وثقتنا بالله تعالي؟!

إنّ الإنسان إذا وجد الحقيقة فهل سيكترث بالأمور الاعتبارية بعد ذلك؟ وإذا كانت الأمور الاعتبارية تتغيّر وتختلف في أسعارها وقيمها حسب العرض والطلب في السوق - كالثلج الذي يرتفع سعره في الصيف خاصة إذا اقترن بانقطاع التيار الكهربائي وينخفض

في الشتاء لقلّة الطلب عليه - فإنّ الحقيقة لا تغيّر فيها، والله تعالي هو الحقيقة المطلقة، لأنه تعالي هو غاية الغايات، ومنبع كلّ خير.

لو أنّ قلوبنا ارتبطت حقاً بالله فهي لا تتغيّر بتغيّر القلوب الأخري وإن كانت – كما كنا نراها قبل انحرافها - أحسن حالاً منا. ولئن قيل: إذا زلّ العالِم يزلّ بزلّته العالَم()، فنرجو أن لا نكون ممّن يتأثّرون بزلّة العالِم، لأنّ ذلك دليل علي خلل في كيفية ارتباطنا بالله تعالي.

إنّ مَن وجد الله تعالي لا يكترث بعد ذلك بما حصل لزيد أو عمرو. تعلّم من زيد وعمرو إن كانا أهلاً لذلك وأرشداك إلي الإيمان وبصّراكَ منبع الخير، ولكن بعد أن وجدتَ منبع الخير وهو الله تعالي وثّق اتصالك به واستعِن به دائماً واستعذ به من الشرور ومن الشيطان ومن النفس الأمارة حتي لا تتأثر حالك ونيّتك وإخلاصك بتغيرات أحوال الآخرين.

فلو كان شخص ما بنظرنا أكبر قدّيس أو عابداً ثم زلّ أكبر زلّة فيجب أن لا يتغيّر إيماننا، إلاّ أن يكون إيماناً صوريّاً، ولنعرف أنّ الله ينظر إلي قلوبنا، وأنّه بمقدار لياقتنا يعطينا توفيقاً وقابلية وسعادة، إذ ليس من الحكمة - والله أحكم الحاكمين - أن يعطي إنساناً فوق لياقته واستحقاقه.

فإذا كنّا نحن البشر علي صغر عقولنا نحاول أن لا نعمل ما ليس بحكمة فكيف نتوقع ذلك من الله سبحانه؟!

أمثلة:

? إذا لم يكن إمام الجماعة عادلاً فنحن لا نأتمّ به، وهذه من الحكمة قبل أن تكون تشريعاً فقهياً.

? إنّنا لا نسلّم ثروة بالملايين لسفيه لأنّه ليس من الحكمة فعل ذلك، فكذلك لا يسلّمنا الله الجواهر الثمينة ما لم نكن لائقين بها.

لابد أن يكتشف الإنسان في الآخرة سبب عدم استجابة دعائه في الدنيا ويعلم

لماذا لم يكن لائقاً للاستجابة.

الرب أعرف بمصلحة المربوب وحاله

من مشاهدات الحياة الاجتماعية أنّ بعض الأطفال يتوسّل إلي أبيه أن لا يسجّله في المدرسة ويقول: إنّي لا أحب الدراسة ولا أريد أن أصبح طبيباً مثلاً، فيقول له الأب: قد تصبح ذا مهنة وضيعة إذاً، فيقول الطفل: لا بأس. وهنا قد يجبر الأب ابنه وربما يضربه لحمله علي الدراسة، ولا يفهم الطفل أنّ أباه إنما يفعل ذلك من أجل مصلحته إلاّ بعد أن يكبر، وحينذاك يدرك الطفل أنّه لم يكن من الصحيح أن يستمع أبوه إلي كلامه ويعمل ما يتمنّاه بأن لا يسجّله في المدرسة ويدعه يلعب ويرتاح. ولو فعل الأب غير ما فعل واستجاب لرغبات ابنه، فلربما لعن الابن أباه حين يكبر ويرشد.

قيل إنّ حمّالاً سُئل: مَن أنت؟ فقال: ابن فلان - وكان أبوه معروفاً - فقال له السائل: نِعمَ الأب وبئس الولد.

فقال بل قولوا: نِعمَ الجدّ وبِئس الأب، وذلك لأنّ جدّي عني بشأن أبي فبلغ ما ترون، أما أبي فأهمل أمري فصرت حمّالاً.

والحقّ برأيي مع الحمّال، وكلامه أجمل من الكلام الذي قيل له.

لنهتمّ إذاً بكيفية أعمالنا وبنيّات قلوبنا لنزداد ثقة وإيماناً بالله ولا نضعف لو انكشف لنا ضعف إيمان قادتنا أو معلّمينا أو مَن عرّفونا بالله. فإنّ مَن يبلغ الهدف حقّ أن يتمسّك به ولا يكترث بمَن تخلّي عنه بعد أن أوصله إليه.

أسأل الله التوفيق لي ولكم

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين

المحاضرة الخامسة عشرة•

تكييف الإنسان نفسه مع ما كتب الله له

تكييف الإنسان نفسه مع ما كتب الله له

اشارة

بحث الزهد

في ضوء الآية الكريمة

{لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}

• يعود تاريخ المحاضرة لعام 1398 ه. وهي من المحاضرات الأخلاقية الأسبوعية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: {لِكَيْلا تَأْسَوْا

عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.()

الزهد بين كلمتين من القرآن

روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في تفسير هذه الآية المباركة أنّه قال: الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن. قال الله سبحانه: ?لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلي مَافَاتَكُمْ وَلا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ? ومَن لم يأسَ علي الماضي، ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزهد بطرفيه().

فليس الزهد أن تمتنع عن الطعام والشراب أو التملك أو النكاح، بل حقيقة الزهد أن لا تأسي ولا تحزن علي ما فاتك من ثروات وقدرات مهما كان نوعها، ولا تفرح بما أوتيت مثل ذلك.

وهذه منزلة لا يبلغها المرء بسهولة بل لابدّ له أوّلاً من تمرين متواصل وترويض مستمرّ باستحضار المعني الذي تحمله الآية المباركة دائماً في مختلف القضايا والأحداث، حتي تصبح الحالة ملكة عنده. ولا شكّ أنّ الآية لا تعني عدم التأثّر مطلقا، فإنّ الإنسان بطبعه يحزن إذا فقد شيئاً عزيزاً، كما يفرح إذا أوتي خيراً سواء كان مادياً أم معنوياً. إنما تنهي الآية عن الحالة التي تكشف عن عبودية النفس لتلك الأشياء، وتدعو الإنسان لتحرير نفسه من هذا الرق.

التغيير ممكن

إذا كان الإنسان قد جبل علي الحزن لفقد شيء ما - ولو قصيدة حفظها عن ظهر قلب ثم نساها - أو الفرح بما كسب، فهل يستطيع أن يغيّر نفسه بأن يجعلها لا تحزن علي ما فاتها ولا تفرح بما أوتيت؟

صحيح أنّ التغيير صعب ولكنّه ممكن. ولئن قيل في المثل الشعبي: «إنّ الطبع الذي في البدن لا يغيّره إلاّ الكفن» أي لا يتغيّر حتي الممات، فإنّ هذا إنما يصدق علي الإنسان المسلوب الإرادة، وليس علي العالِم صاحب الإرادة والوعي. هذا أوّلاً.

وثانياً ليس المقصود تغيير جذور الطبيعة والعنصر الثابت فيها، بل المقصود التحكّم في درجات الشدّة والضعف والآثار واللوازم التي تترتّب عليها. فنفوس الناس

ميالة في الغالب للدعة والراحة، ولا رغبة لها في الأعمال التي تتطلّب جهداً مضاعفاً كطلب العلم مثلاً، ولكنّا نري بعضهم يتغيّر بفعل الضغوط المختلفة سواء من ذاته أو من الآخرين، فيشمّر عن ساعد الجدّ ويصبح عنده شوق إلي الدراسة بحيث يتحمّل سهر الليالي وشظف العيش من أجل الوصول إلي هدفه.

أجل، يختلف الناس في سرعة التغيّر وشدّته. فبعض الطباع تتغيّر بسرعة وبعضها يتغيّر ببطء. وكلما استحضر الإنسان المنافع التي سيجنيها أو المضارّ التي سيدفعها من خلال التغيير، زاد من سرعة تغيّره.

وكما تختلف النفوس في هذا، فكذلك تختلف الغرائز والطباع في قوّتها وضعفها، فلقد أُثر أنّ آخر ما يخرج من قلب المؤمن حب الجاه، وهذا يعني أنّ حب الجاه من الطبائع الأصيلة والقويّة عند الإنسان.

وكذلك قد تختلف ظروف البيئة والتربية وعوامل الوراثة وغيرها، إلاّ أنّ الأمر المسلّم أنّ أصل التغيير ممكن.

التأسّي بأهل البيت سلام الله عليهم

لقد روي أن أحد أبناء الإمام الباقر سلام الله عليه مرض فاهتمّ به الإمام وحزن عليه، فلما مات خرج علي أصحابه منبسط الحال وقال لهم: إنّا لنحبّ أن نعافي فيمَن نحبّ، فإذا جاء أمر الله سلّمنا فيما أحَبََّ. وقريب من ذلك قضية للإمام الصادق سلام الله عليه().

الاعتبار بقصص الآخرين

أ. لا تفرحوا بما آتاكم

• روي أنّ شخصاً فقيراً وصله مال كثير، فخشي ذووه أن يصعق من الفرح إن أخبروه بالأمر دفعة، فانتدبوا طبيباً نفسياً للقيام بهذه المهمة، ففكّر الطبيب أن يقسّط عليه الخبر، وقال له: يا فلان هب أنّك حصلت علي عشرة دراهم مثلاً، فماذا أنت فاعل بها؟ قال: كذا. قال: هب عشرين درهماً؟ قال: كذا. قال: فثلاثين. قال: كذا… فمازال يصعد به حتي وصل إلي مئة ألف مثلاً. فقال: هذا لا يحصل. قال الطبيب: وما عليك أن تتصوّر ذلك؟ قال: هذا مبلغ كبير! قال: فكيف بك إن كان أكبر؟ قال: كم مثلاً؟ قال مئتي ألف. قال: لا تمزح ودعني وشأني. فقال له الطبيب المخبِر: لستُ مازحاً. فقال الفقير: ومن أين يأتيني هذا المبلغ؟ وهنا استعدّ الطبيب لإخباره بحقيقة الأمر، فقال: ماذا تعطيني لو بشّرتك بحصولك علي مليون دينار مثلاً؟ قال الفقير الذي لم يصدّق بعدُ: أعطيك نصفه. قال له الطبيب: اختم لي هذه الورقة إذاً. وما إن ختم الفقير الورقة حتي سقط الطبيب ومات، لأنّه لم يتحمل صدمة الفرحة المفاجئة بحصوله علي نصف مليون دينار غُنماً!

ويبدو أنّ هذا الطبيب كان قد تعلّم الطب النفسي لغيره فقط ولم يتعلّمه لنفسه، وبين الحالتين فرق كبير. فربّ واعظ يجيد وعظ غيره، فهو يحفظ آيات وأحاديث وقصصاً وأمثالاً وعِبَراً وينقلها بصورة مرتّبة مؤثّرة، ولكنه غير متّعظ بها لأنّه اتّخذ الوعظ مهنة أو وسيلة لتحقيق

مآرب له، فهذا علمه لغيره وليس لنفسه.

ب. لا تأسوا علي ما فاتكم

• أذكر أنّ شخصين كانا يتنازعان علي أراضٍ واسعة كلّ يدّعي ملكيتها. وانتهي نزاعهما إلي المحاكم، واستمرّا علي هذه الحال زهاء خمس عشرة سنة. وأخيراً أصدرت المحكمة النهائية حكماً لصالح أحدهما، وخسر الآخر القضية.

وكان وقْع الحكم علي خاسر القضية شديداً لدرجة أنّه شُلّ ولم يستطع حراكاً، فحُمل إلي بيته، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة!

• كما أذكر أنّي رأيتُ طفلاً يكره الذهاب إلي المدرسة - كما هو حال كثير من التلاميذ في أوّل سنة دراسية لهم، حتي أنّ بعض الأطفال كان يتمنّي موت المعلّم لكي يستريح ولو يوماً من الذهاب إلي المدرسة. وأذكر أنّ أحد أصدقاء الطفولة كان ينذر بأن يتصدّق بمصروفه اليومي إذا ما مرض المعلّم. وكان معلّم الصف واحداً في العادة، فإذا ما غاب أو انشغل عاد التلاميذ إلي بيوتهم وتعطّلت حصصهم كلّها -.

قيل للطفل: لا تذهب اليوم إلي المدرسة؛ لعذر ما. ففرح الطفل وجلس إلي المائدة لتناول الطعام، وبينما هو يأكل إذ أُخبر أنّ عليه أن يذهب إلي المدرسة؛ فربما زال العذر. فلم يستطع الطفل أن يبتلع اللقمة التي كانت في فمه وغصّ بها لأنّه شعر أنّ الراحة قد فاتته. وعندما رأي الأهل ما حلّ به قالوا له: لا بأس، لا تذهب. فجلس يأكل ثانية فرحاً مسروراً!

قد يستغرب بعض الناس من حالة هذا الطفل أو يضحك، ولكنّه إذا عاد إلي نفسه وجدها لا تختلف عنه إلاّ في الموضوع الذي يحزن بسببه أو يفرح بحصوله. فالمستوي يختلف أما أصل الطبع فواحد.

فصاحب المليون دينار قد لا يحزن إذا ضاع منه دينار واحد ولكنّه يحزن لضياع الألف. أما صاحب المئة فيحزن حتي لضياع الدينار الواحد.

السبيل إلي التغيير

إذا كان الأمر كذلك، فكيف يستطيع الإنسان أن يكيّف نفسه لكيلا تأسي

علي ما فاتها ولا تفرح بما أوتيت؟

للإجابة نقول: هناك طريق واحد، حيث كلّ الطرق ترجع إليه، وهو ما افتتحنا به الحديث، بأن يتذكّر الإنسان دائماً أنّ كلّ شيء أمانة في رقبته وعارية لديه، وأنّ الأمانة لابدّ من إرجاعها يوماً إلي صاحبها ومالكها الحقيقي. فالمال أمانة والعلم أمانة والجاه أمانة وكذا الصحّة والأولاد والأهل والزوجة والعقار وجسمه وروحه وكلّ شيء عنده هو أمانة، فلا ينبغي له أن يحزن لفقدها لأنها أمانات، حتي السفر مثلاً لو كانت وسائله مهيّأة له ولكنه لأسباب لم يتحقق لا ينبغي له أن يحزن لأنّه كان أمانة!

وإذا استطاع الإنسان أن يركّز علي هذا الأمر فستخفّ الوطأة عنده شيئاً فشيئاً حتي يبلغ مرتبة يصدق عليه أنّه لا ييأس علي ما فاته ولا يفرح بما أتاه.

فإذا تألّم الإنسان لفقدان بعض الأشياء - كالصحّة مثلاً – فهذا يعدّ أمراً فطريّاً، ولكن الرياضة النفسية تخفّف الوطأة علي الإنسان وتزيل الألم المضاعف. فتارة يتألم الإنسان بدنياً بسبب مرض ألمّ به، وتارة يتألم نفسياً نتيجة الشعور بفقدان الصحة، وهذا أيضاً شيء طبيعي، ولكن التركيز علي الألم النفسي والتحسّر وما أشبه هي الأمور التي تنهض التربية بإزالتها كلّما تذكّر الإنسان أنّ كلّ ما يملكه حتي صحّته وبدنه وروحه أمانة عنده وليس هو مالكها الحقيقي.

ينبغي أن نعرف أنّه حتي صحّتنا أمانة ينبغي المحافظة عليها من جهة، ولا ينبغي أن نقتل أنفسنا حسرة إذا ما استُرجعت منّا. ولذلك ورد في الحديث القدسي: يامحمد، احبب مَن شئت فإنّك مفارقه، واعمل ما شئت فانك ملاقيه().

وهذا لا يعني أنّ الإنسان لا ينبغي له أن يحزن لمفارقته الأحبّة، ولكن فرق بين ذلك وبين أن يحزن ويسخط أو يعترض علي حصول الحالة.

ولتوضيح المسألة أذكر لكم الصوم

مثلاً، فإنّ الإنسان الصائم يتألم ألم الجوع ولكن لا ينبغي أن يتألم علي الجوع نفسه فيقول: لماذا أنا جائع أو لماذا ينبغي أن أكون جائعاً ويتحسر علي الطعام! فألم الجوع ذاتيّ لا يمكن تغييره، ولكن الألم علي حصوله أمر غير مقبول ويمكن تغييره، بل يجب القضاء علي هذا الإحساس أو تقليله إلي أدني درجة ممكنة.

وهكذا الحال بالنسبة لمن يفقد عزيزاً أو مالاً أو جاهاً أو حتي علماً، فقد يحفظ أحدكم قصيدة أو كتاباً ثم تعرض له أمور فينساها ويتألّم. وألمه هذا ليس ذاتياً بل هو عرضيّ بسبب فقدانه ما كان يحفظه، وهذا يمكن أن يزول بتذكّر أنّ كلّ شيء لدي الإنسان هو أمانة لابدّ أن يفارقها يوماً ما.

في تربية النفس صلاح الدنيا والآخرة

• فمَن ربّي نفسه علي هذه الشاكلة صلحت آخرته ودنياه، لأنّ مشاكل الدنيا ليست بيد الإنسان، كما في قوله تعالي: ?ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة?() إلا أن آلية التعامل معها تعتبر من صميم إرادة الإنسان، وعليه فليتذكّر الإنسان أنّ كلّ بلاء ينزل عليه في الخير أو الشرّ إنما هو بقضاء من الله وقدر، وإذا ما عرف الإنسان هذا عندها يهون البلاء ويخفّ، فيشعر بالسعادة وينجح في الاختبار، فتصلح آخرته ودنياه معاً.

والشيء نفسه يصدق علي الأفراح، فإنّها قد تأتي الإنسان من دون اختياره، فليوطن نفسه علي أنّها زائلة يوماً ما وأنّها لا تعني كلّ شيء وأنّه لا ينبغي أن تستعبده وتستملكه.

فإذا كان الإنسان كذلك يكون قد جمع الزهد من طرفيه كما قال سيد العارفين الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن. فهاتان الجملتان سُلّم إلي الرضا بقضاء الله تعالي، وهو أرفع درجات الإيمان أو كما قيل هو الدرجة العاشرة من درجات اليقين.

• فما أحوجنا

لهذا التغيير وهذا الإعداد، لئلاّ يكون مثَلنا مثَل ذلك الطبيب الذي تقدّمت قصته.

فنحن من جهة لنا مشاكلنا الشخصية ونحتاج لأن نربّي أنفسنا لبلوغ درجة الرضا بقضاء الله عزّ وجلّ، فلا نقول أو نفعل ما يسخط الله نتيجة التأثّر والانفعال لما قد يصيبنا، بل علينا أن نذكّر أنفسنا دائماً بأنّ ما من خير نناله فهو من الله تعالي، بمعني أنه أمانة عندنا، لابدّ أن نفارقها يوماً ما، فلا نأسي علي ما فاتنا، ولا نفرح بما آتانا.

هذا بالإضافة إلي المشاكل الاجتماعية. فالأجواء هذه الأيام ملوّثة والنواحي الاجتماعية موبوءة، قد ضعف فيها الوازع الديني، وقوي حبّ الدنيا في النفوس، فمسّت الحاجة إلي واعظين متّعظين وعلماء دين عاملين، وأطباء روحيين أكثر فأكثر.

وهذا يعني أنّ مسؤوليتنا قد تضاعفت في المجتمع لنحول دون اغترار أفراده – وأنفسنا أيضاً - بالمال أو الجاه أو السمعة. فربما لا يُصعق بعضنا ويموت لو فاتته الملايين من الأموال أو جاءته بغتة، ولكن قد لا نكون كذلك لو امتُحنّا في الجاه والمكانة الاجتماعية.

المطلوب من كلّ إنسان أن لا يفرح أو يأسي علي شيء ما يحبه ويهواه، وعليه أن يتذكّر دائماً أنّ كلّ النعم التي عنده هي من الله عزّ وجلّ، فإن تجدّدت فهي نعمة أخري ينبغي الشكر عليها، وإن زالت فهذا شأن الدنيا ونعيمها، فكلّها أمانة عند الإنسان لابدّ أن يفارقها يوماً ما سواء تأخّر أو تقدّم.

• هذه الأمور قولها سهل، والاستماع إليها أسهل، ولكن المهم هو العمل، وهذا يحتاج إلي تمرين وتذكّر دائم، والإنسان إذا سار في طريق الله تعالي فإنّه يعينه بلا شكّ، وقد وعد الله المؤمنين ذلك، إذ وعدهم بالنصر إن جاهدوا في سبيله، سواء كان جهاد العدو الخارجي أو في الجهاد للتغلّب

علي العدو الداخلي وهو النفس، وهذا ما سمّاه النبي صلي الله عليه وآله بالجهاد الأكبر؛ فإنّ المؤمن إذا استعان بالله وسار في طريق جهاد نفسه، أتاه المدد والنصر من عند الله عزّ وجلّ.

• ولنا في أولياء الله الذين وصلوا هذه المراحل العالية – ناهيك عن المعصومين - خير دليل علي إمكان التحقق. فما الفرق بيننا وبين السيد بحر العلوم - مثلاً - أو الشيخ الصدوق أو السيد الرضي رضوان الله تعالي عليهم جميعاً؟ فقد كانوا أناساً عاديين أي غير معصومين ولكنهم بتربيتهم أنفسهم أصبحوا أولياء غير عاديين تُنقل عنهم الأعاجيب! وهم الذين عن طريقهم وصل إلينا التراث الإسلامي الموجود بين يدينا.

فكيف صاروا هكذا ولم يكونوا معصومين؟ نقول في الجواب: إنّهم ساروا في الطريق متوكّلين علي الله تعالي ومستعينين به فأعانهم ونصرهم علي أنفسهم حتي بلغوا ما بلغوا من العلم والدين.

لقد كان الشيخ آغا رضا الهمداني رضوان الله عليه عالِماً جامعاً وأستاذاً مبرّزاً، بلغ مشارف المرجعية، فأُصيب بمرض السل، ولم يتمكن بعد ذلك من التصدي للمرجعية ولا مواصلة التدريس فجلس في بيته وتفرّغ للتأليف فكتب «مصباح الفقيه» في ثلاثة مجلدات. وكان أحد تلاميذه يقول: هذا لطف من الله تعالي للشيخ لأنّه أغني بقلمه أكثر مما أفاد بلسانه.

فلنفرض الآن أنّ أحدنا درس كلّ هذه المدّة - خمسين سنة مثلاً - وأتعب نفسه وسهر الليالي يطلب العلم ويطوي المراحل، حتي إذا صار علي أبواب قطف الثمار وإغناء المجتمع أُصيب بالمرض وقعد في البيت عاجزاً عن مواصلة أيّ نشاط، فهل سيأكله الحزن أم يتذكّر أنّ كلّ ما وُهب فمن الله تعالي وأنّه كان أمانة عنده وبالتالي لا ينبغي له أن يأسي علي ما فاته؟!

لا شكّ أنّ المطلوب هو الثاني

مادام الإنسان خُلق للامتحان. فلا طريق أمام الإنسان المؤمن سوي هذا، وبه يحفظ دينه ودنياه. فما أدري المرء بما خبّأه الدهر له؟ ومَن يعلم بالآتي في حياته؟

فلنمرِّنْ أنفسنا من الآن إذاً ولنكن مستعدّين للامتحان أبداً، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين سلام الله عليه: إن صبرت جري عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جري عليك القدر وأنت مأزور().

ولا حاجة لأن تشرّق أو تغرّب بعد ذلك وقد أخبرك الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه حيث قال: الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن. قال الله سبحانه: ?لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَي مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ? ومَن لم يأسَ علي الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.

بل اسعَ لبلوغهما من خلال التذكّر بانّ كلّ ما عندك فهو أمانة وأنت مفارقها يوماً ما، فإن فكّرت هكذا فستُحلّ كثير من مشاكلك وتحتفظ بدينك ودنياك وتُسعد بهما.

أسأل الله تعالي التوفيق لي ولكم. وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين

المحاضرة السادسة عشرة•

الورع عن محارم الله تعالي

الورع عن محارم الله تعالي

في ضوء خطبة رسول الله صلي الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان المبارك

• من محاضرات سماحته في استقبال شهر رمضان، ألقيت عام 1398 ه.

علي طلاّب العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

تضمنت الخطبة الشهيرة التي ألقاها رسول الله صلي الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر شعبان في استقبال شهر رمضان المبارك فضائل كثيرة() ولكننا سنتناول في بحثنا هذا نقطتين هما:

الأولي: قوله صلي الله عليه وآله: فإنّ الشقي مَن حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

الثانية: الورع عن محارم الله، حيث سأله الإمام علي سلام الله عليه عن أفضل الأعمال في

هذا الشهر، فأجاب صلي الله عليه وآله: الورع عن محارم الله.

1- من هو الشقي

أما عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. فقد قال علماء البلاغة: إن الجملة هنا تدلّ علي الحصر، أي إن الشقيّ هو مَن حُرم غفران الله في شهر رمضان المبارك فقط، وليس في أي شهر آخر. فالشقاء منحصر في مَن شُقي في شهر رمضان وحُرم غفران الله فيه، لا غير. هذا هو الظاهر البلاغي للجملة، ومعناه أن الشقيّ كلّ الشقاء هو الذي يحرم غفران الله في هذا الشهر خاصة.

ولا عجب فإن شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالي، قد خصّ به نفسه دون باقي الشهور، فهو شهر لتنظيم حياة الإنسان والتغيير نحو الأفضل والتطهّر من كل دنس، والطاعة لله سبحانه، وفيه يغفر الله للإنسان كل يوم وليلة أضعاف ما يغفر في سواه من الشهور، كما خصّه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي يغفر الله فيها ما لا يغفر في غيرها من الليالي والأيام، وكذلك يغفر الله في أوله ووسطه وآخره. فشهر رمضان هو شهر «العفو العام». فمن لم يُشمل بالعفو فيه فهو الشقي حقاً.

أقسام الصوم ومراتبه

ونظراً لأهمية الصوم في شهر رمضان المبارك، ودوره في بناء الإنسان المسلم، فقد قسّم علماء الأخلاق الصوم إلي ثلاثة أقسام هي:

1. الصوم العام.

2. الصوم الخاص.

3. الصوم خاص الخاص.

الصوم العام: هو الكفّ عن المفطرات المذكورة في الكتب الفقهية والرسائل العملية من الأكل والشرب والكذب علي الله تعالي ورسوله والأئمّة المعصومين، والارتماس في الماء، والبقاء علي الجنابة حتي الفجر، والتقيؤ عمداً وغيرها من الأمور التي إن لم يلتزم بها المرء لا يصدق عليه أنه صائم.

أما الصوم الخاص: - وهو أرقي من الأوّل وأرفع درجة – فهو الكفّ عن المحرّمات كلّها

إضافة إلي ما ذكر، مثل: كفّ اللسان والسمع عن الغيبة، وكفّ البصر عن النظر إلي المرأة الأجنبية بريبة، وكفّ اللسان عما لا يحل له كالكذب واغتياب الآخرين، وهكذا.

وأما الصوم خاص الخاص: فلا يتوقّف حتي عند هذا الحد بل يترقي ليشمل النوايا والفكر أيضاً. فالصائم في هذه المرتبة لا يقتصر علي الكفّ عن المفطرات وعموم المحرّمات فحسب بل لا يفكر فيها ولا تحدّثه نفسه بها.

أي أن هناك فريقاً من الناس لا يتورعون عن المعصية ويكفّون عنها وعن المحرّمات فحسب بل يتورعون عن التفكير فيها أيضاً، فهم يصومون عن المفطرات العامة، وتصوم جوارحهم عن ارتكاب الذنوب، كما تصوم جانحتهم عن التفكير فيها. وهذا صوم خاص الخاص. وهو أعلي مراتب الصوم وأقسامه.

لنصمم علي بلوغ أعلي المراتب

لو أن أحداً صمم وعزم علي الالتزام بالقسم الثالث والمرتبة الأعلي من الصوم، أي نوي الكف عن المفطرات وسائر المحرّمات وكذلك التفكير فيها أيضاً، فإنه قد يوفّق لبلوغ المرتبة الثانية أي ترك المحرّمات وصوم الجوارح إلي جانب ترك المفطرات العامة للصوم، فلو راجع نفسه بعد شهر رمضان لرأي أن فكره لم يكن صائماً وأنه ربما تخلّف عدة مرات وفكّر في الحرام، لكن جوارحه قد صامت والحمد لله.

أما إذا عزم المرء علي المرتبة الثانية فيُخشي أن لا يوفَّق حتي لهذا، ولا يبلغ أكثر من المرتبة الأولي وهي الصوم العام، وذلك لأن الإنسان لا يوفَّق - عادة - إلا لما دون ما عزم عليه. يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: مَن طلب شيئاً ناله أو بعضه().

ولا نعني بذلك أن الإنسان مجبر علي ذلك، بل هو لا يملك نفسه في الغالب، وهذا أمر قد ثبت بالتجربة. فإن الشخص الذي ينوي مطالعة عشرين صفحة – مثلاً- قد لا يشعر

بالتعب إذا بلغ بضع صفحات (ثلاث أو أربع)، لكنه قد يشعر بالتعب وقد يتوقف إذا بلغ عشر صفحات أو أكثر. أما الذي يعزم علي مطالعة ثلاث صفحات فقط فإنه سيتعب بمجرد قراءة صفحتين فقط، وهذا يعني أن الإنسان يشعر بالتعب دون مقصده. وهذا حال أغلب الناس دون النادر من ذوي التوفيق الخاص.

ومن هنا ينبغي للإنسان أن يكون ذا تصميم قوي وإرادة صادقة لكي يوفّق إلي طاعة الله عزّ وجلّ في أعلي مراتبها ونيل أعلي الدرجات، لا أن يقول حسبي ترك مفطرات الصيام؛ فإنه قد يُحرم غفران الله.

فليجلس كلّ منا – ولو ساعة - قبل شهر رمضان يقلّب فكره في هذه الأقسام من الصوم ويتساءل مع نفسه: ماذا يحدث لو عزمت علي المرتبة الثانية علي أقل تقدير، ولا أترك نفسي دون تحضير واستعداد وعزْم علي ترك المحرّمات قبل أن أواجهها؟ فإن هذه الساعة من التفكير ستلعب دوراً في تغيّر الإنسان تجعله يختلف عن غيره من أوّل شهر رمضان إلي آخره. حتي إذا راجع صحيفة أعماله بعد الشهر الكريم رأي أن سيئاته قد قلّت بدرجة كبيرة واقترب من غفران الله أكثر وابتعد عن الشقاء أكثر.

وهذا ليس بالأمر الصعب فهو لا يتطلب أكثر من أن تجلس قبل شهر رمضان ساعة من الزمن تخلو فيها بنفسك وتفكّر في مراتب الصوم وتعزم علي بلوغ المرتبة الأعلي، فإنّ تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة كما في الحديث().

ولنحدّد المحرّمات التي تواجهنا

كما علينا أن ننظر ما هي محرّمات البصر وما هي محرّمات السمع وما هي محرّمات اللسان ثم نصمّم علي الكفّ عنها، ونحاول ذلك.

ففي بعض الأدعية: إلهي خلقتني سميعاً، فطالما كرهت سماعي، وأنطقتني فكثُر في معاصيك منطقي، وبصّرتني فعمي عن الرشد بصري، وجعلتني سميعاً

بصيراً، فكثر فيما يرديني سمعي وبصري().

فلننظر ما هي المحرّمات التي قد نتعرض لها ونصمم علي تركها؛ لأن كلّ إنسان معرَّض لقسم من المحرّمات، فهناك محرّمات قد لا يكون قادراً علي فعلها أو أنها ليست من شأنه. فطالب العلم الديني مثلاً لا يصدر منه شرب الخمر عادة، لأن ذلك ليس من شأنه بل لا يفكّر فيه ولا يتصوّر وقوعه في هذا الفعل الحرام، وهكذا اللواط والزنا والسرقة وتطفيف الميزان وما أشبه، ولكنه قد يقع في الغيبة أو الإيذاء أو إهانة الناس، فليحدد المحرّمات التي من هذا القبيل وليصمم علي تركها.

وليكن لنا في المتحولين عبرة

ولا بأس أيضاً أن يتذكر الإنسان أن هناك أناساً كانوا عصاة وفساقاً، ولكنهم انقلبوا - بسبب استعداد قلوبهم الرقيقة- بموعظة أو أكثر، إلي أناس ورعين عدول؛ فإن لم نتدارك نفوسنا فسوف نتحسّر كثيراً يوم القيامة؛ إذ لا مجال لإصلاح أنفسنا عندما نعرف أن إنساناً بعيداً عن المطالب الدينية انقلب طيّباً وخيّراً وأصبح أحسن منّا عند الله سبحانه وتعالي ولم نغيّر نحن أنفسنا مع أننا كنا نعرف المسائل الدينية أكثر منه.

فإن كان التأمّل في هذا الأمر يؤلمنا فلنحاول أن نصلح أنفسنا خصوصاً في هذا الشهر الكريم.

2- الورع عن محارم الله

ذكرنا في مطلع الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.

إذن علينا أن نعرف أولاً ما هي الأمور التي حرّمها الله تعالي؛ لأن الورع شيء والمحرّمات شيء آخر.

فهناك مسألة في الفقه يدور النقاش حولها وهي ما هو حكم مَن تتوفر فيه ملكة العدالة ولكنه لا يعلم كلّ المحرّمات، كالبدوي الطيب الذي لو عرف أن شيئاً بعينه حرام لتركه، ولكنه يجهله، ولنفرض أن جهله كان عن قصور لا تقصير، فهل تترتب عليه آثار العدالة أم لا؟

فلنحتمل الشيء نفسه في أنفسنا. فما أدرانا أنّا عرفنا كلّ المحرّمات؟ ولو عرفناها فما هي حدودها؟ فلعلّ بعضها غير واضح لبعضنا. إذن علينا - لاسيما نحن أهل العلم - أن نستفيد من فرصة هذا الشهر الكريم لمعرفة المحرّمات. فاحتمال عدم معرفتنا لكل المحرّمات يسوقنا إلي أن نوفر بعض الوقت لمعرفتها في هذا الشهر فهو خير فرصة لنا.

وإذا كان الورع عن محارم الله أفضل الأعمال في هذا الشهر، فمعرفة هذه المحارم مقدمة له.

والورع عن محارم الله أفضل حتي من قراءة القرآن في هذا الشهر، خلافاً لتصور

بعض الناس.

إنّ ختم القرآن الكريم فضيلة عظيمة خاصة في هذا الشهر الكريم، وينبغي للإنسان أن يختمه فيه ولو ختمة واحدة، وإن كان هناك مَن يختمه حتي ثلاثين مرة! ولكن هناك فضائل أخري كالإطعام وهداية الناس قد تكون أفضل حتي من قراءة القرآن، هذا إذا كانت تلك الفضائل مستحبة، أما إذا كانت واجبة فالقضية أعظم لأن المكلّف يأثم بتركها.

أما أفضل الأعمال - كما قال رسول الله صلي الله عليه وآله - فهو الورع عن محارم الله.

ويتطلّب أوّلاً: معرفة المحرّمات - كما ذكرنا -.

ويتطلب ثانياً: مطالعة الروايات التي عدّدت المحرّمات، لأن كثيراً من هذه الروايات تؤثر في دفع الإنسان لترك المحرّمات، بسبب توفّرها علي علل التحريم وكذلك العقوبات التي تنتظر مرتكبيها. ففرق بين أن يسمع المرء أن الغيبة حرام وحسب، وبين أن يسمع أن رسول الله صلي الله عليه وآله رأي المغتاب في ليلة المعراج ولسانه يُقرض أو يُفعل به كذا وكذا، فهذا يؤثّر في ترك الغيبة أكثر.

وهذه الروايات مذكورة في كتب الأخلاق مثل جامع السعادات والكتب التي تذكر آداب المحرّمات كحلية المتقين، والآداب والسنن في بحار الأنوار…

ويتطلّب ثالثاً: الابتعاد عن كلّ المناهي؛ لأن منها ما هو حرام ومنها ما هو مكروه، لاسيّما إذا لم يتضّح لنا بعد أن الأمر الفلاني مكروه أو حرام؛ فإنّ ذلك من مقتضيات الورع. أرأيت الذي يسير في أرض شائكة كيف يحتاط في رفع قدمه ووضعها لئلا تصيبه شوكة بل حتي ما يشكّ أنها شوكة. ولذلك قال العلماء: إن الورع درجات. سئل الإمام الصادق سلام الله عليه عن أورع الناس فقال: الذي يتورّع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء وإذا لم يتَّقِ الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه().

إن الورع عن المحرّمات أدني

درجات الورع، نسأل الله سبحانه أن يوفّقنا لأعلي درجاته ولما يحب ويرضي.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

المحاضرة السابعة عشرة•

شهر رمضان شهر بناء النفس والمجتمع

شهر رمضان شهر بناء النفس والمجتمع

في ضوء حديث رسول الله صلي الله عليه وآله

«وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله»

• ألقيت هذه المحاضرة، خلال استقبال سماحته جمعاً من طلبة العلوم الدينية، في أواخر شهر شعبان 1424ه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

مقدمة

في الخطبة التي خطبها رسول الله صلّي الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان المبارك وردت عبارة ذات أهمية قصوي وهي قوله صلّي الله عليه وآله: وجعلتم فيه من أهل كرامة الله()، فإن كلمة «كرامة الله» لم تنقل علي لسان الروايات كثيراً، ولم ترد إلا في موارد خاصة لما لها من أهمية في نظر أهل البيت سلام الله عليهم، حيث وردت في قول النبي صلّي الله عليه وآله للإمام علي سلام الله عليه في تزويجه بالزهراء سلام الله عليها: فإنّ الله تعالي أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحداً()، وقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في بعثة النبي صلّي الله عليه وآله: حتي أفضت كرامة الله سبحانه وتعالي إلي محمد صلي الله عليه وآله فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً()، وهكذا ورد في الروايات الشريفة بشأن زائر الإمام الحسين سلام الله عليه.

إذا كان بعض الناس قد بلغوا هذه المرتبة، أي صاروا أهل كرامة الله، فإن كل مؤمن في هذا الشهر الكريم (شهر رمضان المبارك) قد جُعل من أهل كرامة الله تعالي. وهذه الكرامة لا تخصّ الصائمين فقط بل هي تشمل حتي أصحاب العذر الشرعي الذين يسوغ لهم الإفطار كالمسافر والمريض. إن هذه الكرامة هي لهذا الشهر الكريم، للياليه وأيامه، وكل ساعاته. فالعناية الإلهية تشمل الجميع، ولكن بما أن إحدي صفات الله تعالي المهمة ومن أسمائه

الحسني «الحكيم» أي الذي يضع الشيء في موضعه، فهذا معناه أن التوفيق الإلهي وإن كان شاملاً في شهر رمضان لكلّ العباد، إلا أنّ قدراً منه يرتبط بمقدار همّتنا وتوجهنا وجهدنا.

أذكّر في المناسبة بموضوعين، أوّلهما عام، وهو بناء النفس - وإن كنا نحن أهل العلم مشمولين به أيضاً - والثاني خاصّ وهو التبليغ، وهذا الأمر يتعلق بنا نحن (أهل العلم) غالباً، وإن كان الآخرون مشمولين به أيضاً ولكن بدرجات متفاوتة.

1 - شهر رمضان فرصة مناسبة لبناء الذات

إن شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقيّ أيضاً.

يقول النبي صلّي الله عليه وآله: فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم(). وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتي مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقاً. وهذا هو المستفاد من الروايات، لأن بناء الذات واجب عيني في حد أداء الواجبات وترك المحرّمات. فعلي الإنسان أن يحاول في هذا الشهر المبارك أن يعمل حتي يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلاً وأنه أصبح أحسن وأفضل من السابق.

لاشك أن كل إنسان يتمني لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقق التغيير، بل هو بحاجة إلي عزم وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدمات يوفَّق في النتائج بلا شك؛ لأن هذا هو الهدف الأصلي لخلق الإنسان، وهو صريح القرآن الكريم؛ قال تعالي: ?ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم?() أي ليرحمهم. فهل يعقل أن

يضع الإنسان نفسه موضع الرحمة بأن ينبري لطاعة الله والتقرب إليه، ثم لا يرحمه الله تعالي؟! فهذا محال في منطق الحكمة والعقل، ولا إمكان له، فضلاً عن وقوعه - وحاشا لله ذلك - ولكن علي الإنسان أن يصدق مع نفسه ويسعي في هذا المجال ليتحقق له ما يصبو إليه؛ قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: من طلب شيئاً ناله أو بعضه().

إن الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان المبارك بنفسها معدّات لتحقّق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه الوقت للقيام بها كلها، بسبب تزاحمها مع مشاغل أخري قد تكون مطلوبة هي الأخري كالتبليغ مثلاً. إذن، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير علي الإنسان، ففي كتب الروايات كالكافي والبحار وغيرهما باب مستقلّ في محاسبة النفس، وهناك روايات معتبرة وصحيحة سنداً عن الأئمة المعصومين سلام الله عليهم مضمونها أنه ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل خيراً استزاد وإن عمل شراً استغفر().

إذن، فليخصص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضي منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأي وما أخذ وما أعطي، وكيف تصرّف مع زوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار: ليدقّق مع نفسه فيم صرف وقته؟ ليصمّم بعد ذلك علي أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته.

محاسبة النفس أسهل الطرق لبناء النفس

وهذا الطريق بنفسه يمكن أن يصل بالمرء في هذا الشهر إلي موقع بحيث يستوي عنده الدينار الواحد والمليار دينار بما هو مال، فلا يركض خلف الأوّل كما لا يأسي علي فقد الثاني، بل تراه يهتمّ بفقدان ثواب الله،

فلا يتهاون عن الإتيان بالفضائل التي يمكنه الإتيان بها، حتي وإن كانت الفضيلة قول (أستغفر الله) مرة واحدة أو الاستمرار علي تكرارها طيلة الشهر الكريم كله!!

يمكن للإنسان أن يصل عن هذا الطريق إلي مراتب عالية، وقد وصل كثيرون درجة حيث لم يعد يزيد الترغيب في اندفاعهم ولا يقلل التثبيط من عزمهم، مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات ويدركون معني الترغيب والتثبيط ولكن الإدراك شيء والتأثر به شيء آخر.

لاشكّ أن الترغيب يكون مفيداً خصوصاً في حالات التزاحم أو الشروع، ومثاله: أن تكون مواظباً علي قراءة دعاء ما في كل ليالي شهر رمضان، ولكن صوّر لك شخص أن دعاءً آخر أكثر ثواباً في ليلة ما من ليالي الشهر، ولم يكن عندك وقت لأداء الاثنين، فههنا يمكن أن يدفعك الترغيب للتخلي عن الدعاء الأول لصالح الثاني، فالتأثر بالترغيب هنا جاء من باب الإتيان بالأولوية للوصول إلي المراتب العليا، أمّا لو كنت متكاسلاً عن التوجه للدعاء أصلاً فيرغبك شخص بالقول إن ثواب هذا الدعاء عظيم فلا تدعه؛ فيكون ترغيبه هذا من حيث الشروع في العمل، وقد يحصل العكس – أي التثبيط - بأن يثبّطك آخر فيدعوك للسمر وترك الدعاء قائلاً إنك قد قرأته في أغلب الليالي فدعه الليلة. فمثل هذا الترغيب والتثبيط يكونان سواء عند بعض الأشخاص في عدم التأثر به في ترك العمل أو الإتيان به، فلا الترغيب يدفعهم أكثر ولا التثبيط يُضعفهم ويقلل من اندفاعهم.

ولا شك أن بلوغ هذه المرحلة يتطلّب عملاً كثيراً ومواظبة جادّة؛ فللشهوات أثرها السلبي وكذلك الشياطين وأصدقاء السوء، ولكن إذا اقتنع الإنسان بإمكانية الوصول وتوكل علي الله تعالي، فإن هذا الاعتقاد بنفسه سيوصله، ومن مفاتيحه السهلة محاسبة النفس؛ وذلك بأن يكون الشخص ملتزماً

بتحديد أوقات من اليوم يراجع فيها نفسه، بشرط أن يكون الوقت مناسباً، فلا يكون عند الجوع أو الشبع أو انشغال الذهن بأمر آخر قد يحول دون التأمل والتفكير جيداً بل يكون في وقت يمكنه الاختلاء بنفسه ومراجعة ما قد صدر منها.

يقال: إن بعض الأفاضل طلب من أستاذه العالم أن ينصحه نصيحة تنفعه طيلة عمره، وكان علي وشك مفارقته، فقال له العالم: خصص لنفسك كل يوم وقتاً تحاسب فيه نفسك، وإن قلّ. يقول ذلك الفاضل: عملت بنصيحة أستاذي العالم حتي أصبحت محاسبة النفس حاضرة في ذهني ما دمت مستيقظاً.

وهذا يدلّ علي ارتكاز الحالة في ذهنه حتي لكأنها صارت ملكة عنده.

أرأيت نفسك إذا كنت تترقب وقوع أمر محبوب لنفسك، كتعيينك في منصب مثلاً، فإن هذا الأمر لا يغيب عن ارتكازك الذهني حتي تنام – بل قد يراودك حتي في نومك –.

إنك في مثل هذه الحالات، تحاول أن لا تعمل خلال هذه المدة كل ما من شأنه أن يحول دون تحقق ذلك الأمر المحبوب لك، وقد تنجح في ذلك؛ لأن القضية حاضرة في ذهنك مادمت مستيقظاً، ويعود الارتكاز بمجرد استيقاظك من النوم مرة أخري، والدليل علي ذلك عودته إلي التأثير في تصرفاتك وعدم القيام بما يتزاحم معه.

هكذا هو حال من كان الله تعالي حاضراً عنده دائماً، فإن محاسبة النفس لا تغيب عنه ما دام مستيقظاً، وهذا ممكن بترويض النفس بأن يخصص المرء وقتاً من يومه يزيده قليلاً كل يوم، يراجع فيه نفسه وينظر إلي أعماله ونواياه، فكلما رأي خيراً شكر الله وطلب الزيادة وسعي لها، وكلما رأي شراً استغفر الله وطلب منه التوفيق للإقلاع عنه.

وشهر رمضان خير فرصة لهذه التجربة، ولو أضيف إليه عشرة أيام من شهر شوال

لتصبح أربعين يوماً فذلك خير؛ إذ إن الحالة قد تقترب من الملكة التي يصبح التخلي عنها بعد ذلك مستبعداً، لأن الشخص بعد تروّضه يحسّ بلذة لا تضاهيها أية لذة مادية أخري. فلو وضعت كل اللذات المادية في جانب، ووضعت إحدي اللذات المعنوية في جانب آخر لرجحت الأخيرة، لأن اللذة المعنوية واقعية وخالدة، أما اللذة المادية فاعتبارية مصيرها إلي الزوال – إن لم نقل إنها وهم وخيال -.

روي عن بعض من وُفِّق لزيارة ولقاء الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف أنه كان يقول: لقد بلغتُ مرحلةً المرض أحب فيها إليّ من الصحة، والفقر خير لي من الغني. ولقد كان صادقاً في قوله لأنه كان يلتذّ باللذات المعنوية بدل اللذات المادية.

ولكن القول الأصح هو ما عُرف عن أئمة آل البيت سلام الله عليهم، وهو: الرضا بما قدّر الله، فإنهم سلام الله عليهم لا يريدون المرض ولا الصحة، ولا الفقر ولا الغني بل ما قدّر الله، فهو مرادهم أيضاً.

فليصمم كل واحد منا منذ أول شهر رمضان المبارك علي تخصيص وقت لمحاسبة نفسه كل يوم، وليدعوا الذين وفقوا لذلك، لمن لم يوفقوا أو قلّ توفيقهم، عسي الله أن يوفقنا جميعاً.

2 – شهر رمضان والتغيير الاجتماعي

أما المسألة المرتبطة بأهل العلم في الغالب - وإن كانت عامة أيضاً ولكن بمراتب - فهي مسألة التبليغ والدعوة إلي الله تعالي. يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: … وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً(). والزين علي درجات ومراحل. فتارة يسعي أحد أهل العلم أن لا يفعل أو يتكلّم ما من شأنه أن يسيء للإسلام، فهذه مرحلة، وهي مرحلة مهمة ولا بد منها. وتارة يسعي أحدهم لأن يتصرف بنحو يؤثر في الناس من خلال سلوكه وتعامله مع الآخرين. وهذه

مرحلة أعلي، وهي المعنية بقول الإمام سلام الله عليه في رواية صحيحة: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم(). وهذا لا يعني ترك الدعوة باللسان، بل عدم الاكتفاء بها لأنها مطلوبة أيضاً، ولكن الدعوة بالعمل أفضل منها.

لو لاحظ ذوونا وزملاؤنا أنّا نسعي لأداء صلواتنا في أوقاتها فإنهم سيلتزمون بذلك في الغالب حتي لو لم ندعهم بألسنتنا. وهذا لا يعني عدم وجود استثناءات ولكن التبليغ العملي والتربية والدعوة من خلال العمل بطبيعتها تؤثر أكثر من الدعوة باللسان آلاف المرات. فما فائدة أن تدعو ابنك لأداء صلاته أوّل الوقت وهو يراك لا تكترث بذلك؟!

إن الذين عايشوا أشخاصاً اعتقدوا بصلاحهم - لما لاحظوهم يسعون أن لا تختلف أفعالهم عن أقوالهم - هم أفضل في الغالب من الذين استمعوا آلاف المواعظ، دون أن يروا نماذج عملية تجسّدها.

الاعتبار ببعض أهل العلم

أعرف اثنين من أهل العلم، كلاهما توفيا رحمهما الله، وكان أحدهما متقدماً علي زميله في كثير من المجالات، كالمستوي العلمي والذكاء والأساتذة و … إلا أن زميله كان أكثر تأثيراً في المجتمع بمراتب كثيرة.

أذكر نموذجين من عملهما رحمهما الله؛ كان الأول أي المتفوق علمياً، في أحد الأيام جالساً في إحدي المشاهد المقدسة منشغلاً بقراءة الزيارة أو الدعاء، وكان المكان مزدحماً بالزوار، فجاءه شخص من عامة الناس وبيده مصحف وطلب منه أن يستخير الله تعالي له، ولم يكن يحبّ أن يقطع أحد عليه خلوته ودعاءه، فأشار إلي الشخص أن يذهب إلي غيره، ولكن الشخص لم ينتبه فتصور أن العالم لم يلتفت إليه، فتقدم إليه بالمصحف مقترباً منه قليلاً وأعاد طلبه. ومرة أخري أشار له العالم بالذهاب إلي غيره. ولم يلتفت الرجل أيضاً - لأن من عنده مشكلة، لا يلتفت بالإشارة وما أشبه عادة - فاقترب

أكثر وكرر طلبه. فغضب العالم ولكنه لم يكلّم الرجل لأنه رأي أن الوقت الذي ستستغرقه الاستخارة ربما يكون أقل. وعندما أخذ منه المصحف رآه مقلوباً، وهنا لم يتمالك نفسه فشرع يصرخ في وجه الرجل قائلاً: لقد شغلتني عن قراءتي وقطعتني عن توجهي، وما أشبه من هذه الكلمات، ولكن ذلك الرجل كان غارقاً في همومه غير ملتفت إلي الموضوع أصلاً، فعجب منه وانصرف.

أما ذلك العالم الآخر- أي زميل هذا العالم – فطالما رأيته في حرّ الظهيرة، والعرق يتحدّر علي وجهه، إذ يقبل عليه شخص، فيطلب منه سؤالاً أو استخارة، وأحياناً يكون السائل صبياً أو طفلاً صغيراً، فكان رحمه الله يجيبه وهو في مكانه ولا يطلب منه التحول إلي الظل رغم أنه لم يكن يبعد عنه أكثر من مترين!

ومثل هذا الإنسان بطبيعة الحال أسعد حالاً، وأقلّ معاناة من غيره في الحياة الدنيا، لأنه لا يفكر عند النوم إلا في همّ آخرته، أما الدنيا فلا يكترث بها، فروحه لا تشعر بالألم وإن كان بدنه في بعض العناء. وهذا لا يعني أنه لا يشعر بالمشاكل المادية ولا يفكّر في حلّها، بل أنها لا تشغل ذهنه ولا تعذّبه.

ولتوضيح الحالتين نضرب مثالين: إذا سقط ابن جار لك من علي السطح أو وقع فريسة مرض عضال فإنك قد تهرع لمساعدته ولا تقصر في تقديم المعونة له، ولكن حالتك النفسية والروحية تختلف عما لو كنت أنت المبتلي أي كان المريض ولدك، فإنك في الحالة الثانية تتعرض لضغط روحي وآلام نفسية قد لا تشعر بها في الحالة الأولي.

إذا سنحت لكم الفرصة قوموا بزيارة لمستشفيات الأمراض العقلية؛ هل ترون فيهم مؤمناً حقاً؟ راجعوا التاريخ هل تجدون بين المنتحرين مؤمناً حقيقياً؟ وليس المقصود بالمؤمن من يصلي

ويصوم فقط بل ?الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون?(). إنك قد تجد من بين مرضي المصحات العقلية الشاب القوي والمرأة الجميلة، والوزير والرئيس والمليونير، ولكن لا تجد فيهم مؤمناً واحداً؛ وذلك لأن المؤمن لا يتحطم إلي تلك الدرجة؛ فما أعظم قيمة الإيمان!

وهذا بحد ذاته إحدي ثمرات التربية العملية والدعوة العملية التي نتحدث عنها. ولذلك تراني أتذكر اليوم قصة هذين العالمين رغم مرور عشرات الأعوام عليها.

وهكذا قد يتذكر الإنسان في الشدائد بعض المواقف العملية بسرعة ولا يتذكر أياً من الآيات والروايات أو المواضيع التي قرأها أو سمعها أو قالها.

لنتعلّم من أهل البيت سلام الله عليهم

فلنسعَ لتقديم النماذج العملية للناس وهو ما أراده وطلبه منا الأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين، ولا يقتصر دورنا في هذا المجال علي أنفسنا بل علينا أن نحول دون ابتعاد الناس عن الإسلام وعلماء الدين. فإذا ما صدر من أحد أهل العلم تصرف مشين نسعي لتداركه ولا نقل إنه تصرف شخصي ولا علاقة لنا به، بل علينا أن نحاول تداركه لئلا يبتعد الناس بسببه عن الدين والمذهب.

ولنا في أئمتنا سلام الله عليهم أسوة. فهذا أمير المؤمنين سلام الله عليه قد ترك حقّه مخافة أن يرتدّ الناس، فإن كنا مأمومين بالإمام سلام الله عليه - ولكل مأموم إمام يقتدي به - فلنقتد بإمامنا سلام الله عليه في هذا المجال أيضاً.

ولنا في موقف الإمام الحسين سلام الله عليه مع الحر وأصحابه في كربلاء قدوة أيضاً، فإن الإمام سلام الله عليه سقاهم الماء مع أنه كان يعلم أنهم – إلا الحرّ – قاتلوه بعد ساعة! وكانت مهمّتهم تسليم الإمام سلام الله عليه لابن زياد، فكانوا أظهر مصاديق البغاة والمنافقين والمحاربين والخوارج

والنواصب لا شك في ذلك ولا شبهة! وكانوا مسلحين لكي يجبروا الإمام

علي التسليم والاستسلام وإن لزم الأمر باللجوء إلي القوة.

ولكن تصرف الإمام سلام الله عليه هو مما أبقي التشيع حياً. فلم يكن مهماً عند الإمام أن يسقي القوم وإن اقتضي أن يترجل ويرشف خيولهم بنفسه، كما تقول الروايات، إنما كان المهم عند الإمام هو الإسلام ودعوة الناس إليه.

وهكذا كان تصرف النبي صلّي الله عليه وآله مع مشركي بدر، وكذلك سقي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أصحاب معاوية في صفين.

كلكم سمعتم بقصة خالد بن الوليد وما فعله مع بعض القبائل المسلمة، ولكن الرسول صلّي الله عليه وآله لم يكتف بالبراءة من صنع خالد، وإنما أرسل الإمام علياً سلام الله عليه ليديهم:

«عن فضالة عن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر سلام الله عليه قال:

بعث رسول الله صلي الله عليه وآله خالد بن الوليد إلي حي يقال لهم بنو المصطلق من بني جذيمة وكان بينهم وبينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية، فلما ورد عليهم كانوا قد أطاعوا رسول الله صلي الله عليه وآله وأخذوا منه كتاباً فلما ورد عليهم خالد أمر منادياً فنادي بالصلاة فصلي وصلوا. فلما كان صلاة الفجر أمر مناديه فنادي فصلي وصلوا، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب. فطلبوا كتابهم فوجدوه فأتوا به النبي صلي الله عليه وآله وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد. فاستقبل صلي الله عليه وآله القبلة ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.

ثم قدم علي رسول الله صلي الله عليه وآله تبر ومتاع، فقال لعلي عليه السلام: يا علي ائت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مما صنع خالد.

ثم رفع

صلي الله عليه وآله قدميه فقال: يا علي اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك.

فأتاهم علي عليه السلام، فلما انتهي إليهم حكم فيهم بحكم الله، فلما رجع إلي النبي صلي الله عليه وآله، قال: يا علي أخبرني بما صنعت؟ فقال: يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ولكل مال مالاً، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون و لما لا يعلمون، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله. فقال صلي الله عليه وآله: يا علي أعطيتهم ليرضوا عني؟ رضي الله عنك يا علي! إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي().

هذا هو الإسلام. فلنسع لأن نصلح ما خرّب غيرنا. ونقول للناس: إن النبي والأئمة سلام الله عليهم لم يكونوا هكذا بل كانوا صلحاء ومصلحين، فلا تتأثروا بما يصدر عن غيرهم.

في رواية صحيحة – عن الإمام الصادق عن الإمام الباقر سلام الله عليهما – أن الإمام السجاد سلام الله عليه كان مديناً لشخص بأربعمئة دينار ثم وفاه بعد ذلك. إلا أن الشخص أنكر علي الإمام ذلك وطالب بالمبلغ مجدداً أو أن يحلف الإمام بالله تعالي أنه وفاه، ولكن الإمام أمر ابنه الباقر سلام الله عليهما أن يعطيه المال ولم يكن مستعدّاً لأن يحلف. وكان الدينار الواحد يمكن أن يشتري به خروف يومذاك، ما يدلّ أن المبلغ لم يكن قليلاً، ومع ذلك لم يحلف الإمام وهو صادق! ()

نسأل الله تعالي ببركة أهل البيت سلام الله عليهم، وراعينا الإمام بقية الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء، أن يوفقنا جميعاً. وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة

الثامنة عشرة•

الباقيات الصالحات

الباقيات الصالحات

وقفة مع الآية الكريمة

?المال والبنون زينة الحياة الدنيا

والباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملاً?

• ألقيت هذه المحاضرة في عام 1398ه، ضمن المحاضرات الأخلاقية علي

طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملاً?().

ما المقصود بالزينة؟

لقد عبّر القرآن الكريم عن المال والبنين أنّهما زينة الحياة الدنيا. وإنّنا سنتناول في هذه المحاضرة الشق الأوّل وهو المال، ولكنّنا قبل ذلك نعطي شرحاً لفظياً لمفردات الآية الكريمة ونبدأها بكلمة «الزينة» فنقول:

الزينة هي المظهر الخارجي أو ما يعبّر عنه ب «الديكور» حسب الاصطلاح العصري [ولذلك يقال للحلاّق الزيّان، لأنّه يصفّف الشعر ويرتّبه].

وهذه الحياة الدنيا التي نعيشها مثَلها كمثَل الدار لها أعمدة وسقف وجدران ولها رتوش وزينة. فالأعمدة والسقف والجدران وما تألفّت منه من حديد وإسمنت وخشب وطابوق و… أساس تمثّل بناء الدار، ولا غِني عنها ليصدق علي المورد أنّه دار. أمّا المصابيح والستائر والصبغ وسائر الأمور الظاهرية فهي زينة الدار، والتي يمكن أن يقوم الدار بدونها.

إذا اتّضحت هذه المقدّمة نقول: إنّ الله تعالي عدّ المال والبنين من القسم الثاني في الحياة الدنيا؛ أي إنّ الإنسان إذا كان صحيح الجسم قويّ البنية والإرادة راضياً بما قسم الله له، فحياته كاملة من حيث الأساس ولا ينقصها إلاّ الزينة أو الديكور، كالمال والأولاد وباقي الأمور الثانوية الأخري في الدنيا التي بفقد أحدها لا ينخدش مصداق الدنيا، لذلك عبّر عنهم بزينة الحياة الدنيا لا عمادها. وهذا معني قوله تعالي: ?المال والبنون زينة الحياة الدنيا?.

المال وتحديده

المال - في اللغة - مشتقّ من (م ي ل) أي أنّ ألفه - كما يقول علماء الصرف - منقلبة عن ياء، والميل يعني الرغبة. وهذا واضح لأنّ صاحبه يميل إليه. فمَن كان عنده دنانير يميل إليها، فالدنانير مال إذاً. والسجّاد مال لأنّ القلب يميل إليه، والأراضي مال، والمزارع مال، والعقارات والدور والبساتين مال، لأنّ القلب يميل إليها، وهكذا الذهب والفضّة والأسهم في الشركات و…

فمَن كان عنده شيء من هذه الأمور مالَ قلبه إليها

وفكّر في قيمها وهل ستصعد أو تنزل في الأيام القادمة، وما أشبه.

هذا ويكون المال مع الإنسان مادام في هذه الحياة، فإذا مات انفصمت عري العلاقة بينهما. فالتوقيع الذي يخطّه مليونير علي صك بمبلغ مئات الملايين قد لا يستغرق منه ثواني، ولكن هذا المليونير نفسه لا يستطيع أن يخطّ خطاً قيمته فلس واحد، بمجرّد أن تفارق روحه بدنه. فلم يعد عنده مال بل كان عنده مال فيما مضي؛ ولذلك ورد في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

إِنَّ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ ثَلاثَةَ أَخِلاءَ. فَخَلِيلٌ يَقُولُ لَهُ: أَنَا مَعَكَ حَيّاً وَمَيِّتاً وَهُوَ عَمَلُهُ، وَخَلِيلٌ يَقُولُ لَهُ: أَنَا مَعَكَ حَتَّي تَمُوتَ، وهُوَ مَالُهُ، فَإِذَا مَاتَ صَارَ لِلْوَارِثِ، وَخَلِيلٌ يَقُولُ لَهُ: أَنَا مَعَكَ إِلَي بَابِ قَبْرِكَ ثُمَّ أُخْلِيكَ، وَ هُوَ وَلَدُهُ().

هذا إذا كان أولاده ممّن يحضرون لتشييعه، ولم يكونوا كأكثر أولاد هذا الزمان الذين قد لا يحضرون حتي تشييع أبيهم.

لقد حضرت شخصياً تشييع شخص ثريّ ولم يحضر تشييع جنازته أيّ من أبنائه، فاستأجر أحد المنتسبين إليه حمّالين لحمل نعشه!

معاني كلمة «دنيا»

الدنيا تعني الدانية أي القريبة، وربما سميت هذه الحياة ب «الدنيا» لأنّها أقرب إلينا، فهي من الدنوّ إذاً.

وقد تكون من الدناءة، فالدنيا بمعني الدنية، أي التي لا قيمة لها. وحقّ أن توصف كذلك؛ لأن الله تعالي وصفها بالمتاع القليل، أي الذي لا قيمة له، قبال الدار الآخرة التي وصفها بالحياة الحقيقية.

لقد وصف الله تعالي - في هذه الآية - هذه الحياة بأنّها دنيا ثم عدّ المال والبنين زينة لها، لا أساساً أو عماداً. فالمليونير المحكوم عليه غداً بالإعدام عنده زينة، ولكنّه لا يملك عماد الحياة الدنيا، فلا فائدة من تلك الزينة إذاً.

أمّا مَن كان يعيش راضياً مطمئنّاً فهو متمتّع بالحياة

وإن كان عديم المال أو الولد؛ لأنّ المال ليس أكثر من ميل، وحدّه مع الإنسان إلي موته. والولد زينة أيضاًً وحدّه مع الإنسان إلي قبره - كما في الحديث القدسي – هذا إن كان بارّاً.

الباقيات

تشير الآية - في المقطع الثاني - إلي المال الذي يستثمره صاحبه في هذه الحياة من أجل الحياة الآخرة، وتسمّيه باقياً. فالمليونير إذا مات لا يبقي له من ماله الذي خلّفه حتي فلس واحد، أمّا المال الذي قدّمه لنفسه في تلك الدار فهو المال الذي يبقي له.

روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه ذبح شاة في حجرة عائشة فاطّلع عليها فقراء المدينة، فجاءوا وسألوا رسول الله صلي الله عليه وآله وكان يعطيهم، فلمّا دخل الليل لم يبقَ منها إلاّ رقبتها، فسأل عن عائشة ما بقي منها؟ فقالت: لم يبقَ منها إلاّ رقبتها. فقال صلي الله عليه وآله: قولي بقي كلّها إلاّ رقبتها!()

وقفة تأمّل

لاحظ هذا المال الذي يصفه الله تعالي في هذه الآية بأنّه زينة الحياة الدنيا أي أنّه زينة أوّلاً وليس عماداً، ولهذه الحياة الدنيا ثانياً وليس للحياة الباقية العليا، هذا المال نفسه يصفه الباري بسبعة أوصاف عظيمة إذا تركته لله عزّ وجلّ!

الموصوف هنا «أل» الموصولة في قوله تعالي ?الباقيات?. أمّا الأوصاف فهي أنّها:

1 باقيات.

2 صالحات.

3 خير.

4 عند ربّك. وهذا تقويم كثير وتثمين عظيم. فهذا الذي لا يساوي شيئاً أكثر من كونه زينة للدنيا، وليس أساساً حتي للدنيا، يكون ذات قيمة عند ربّك.

5 ثواباً. أي إنّ هذه الأموال التي لا قيمة لها تنقلب إلي ثواب الله سبحانه.

6 خير؛ تأكيد.

7 أملاً.

ولو بحثتم في القرآن لرأيتم أنّه لم يستعمل كلمة أمل إلاّ مرّتين فقط، إحداهما في الشرّ، في قوله تعالي: ?ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل?() والثانية في الخير وهي هذه الآية.

وخير أملاً

يقول الله تعالي عن هذا المال الذي تنفقه في سبيله إنّه خير من جهتين، الأولي أنّه سينقلب ثواباً لك عند الله تعالي، والثانية أنّه خير أمل تعوّل عليه في حياتك؛ فإنّ كلّ إنسان يعمل عملاً يكون له من ورائه أمل يصبو إليه ويتمنّاه. فالذي يدرس يأمل أن يصبح مهندساً أو طبيباً أو فيلسوفاً أو أستاذاً في العلوم الأخري و… والذي يشتغل يكون أمله أن يكسب مالاً وفيراً. ومَن يعمل في حقل السياسة يؤمّل أن يصبح في يوم ما وزيراً أو مديراً عامّاً أو ما أشبه. ومَن يدرس العلوم الدينية يرجو أن يكون يوماً ما خطيباً بارعاً أو مرجع تقليد أو مجتهداً… وهكذا لكلّ إنسان في هذه الحياة أمل. بيد أنّ الله تعالي يخبرنا أنّ أحسن الأمل هو أن تسخّر مالك من أجل ذلك العالَم.

خير للمرء أن ينفق من ماله في حياته

في الأثر أن أحد الصحابة لما حضرته الوفاة أوصي أن يدفع ملء غرفة تمراً من ماله إلي رسول الله صلي الله عليه وآله ليتولي هو بنفسه توزيعها علي فقراء المسلمين - والتمر يومذاك طعام وإدام -. وبعد أن وزّع النبي صلي الله عليه وآله التمر بقيت حشفة (وهي أردأ التمر الذي لا لحم فيه، أو اليابس أو المنقور من الطيور والعصافير) فقال النبي صلي الله عليه وآله: لو أنه أنفقها في حياته لكان خيراً من كلّ هذا الذي أنفقه بعد مماته. (الحديث بالمضمون).

فمن اليسير علي الإنسان أن يكتب وصية يوصي فيها أن ينفقوا أمواله في سبيل الله ولكن الأهمّ أن يفعل ذلك بنفسه وفي حياته، لأنّ المهم هو قطع هذا الميل عن نفسه، وهذا هو الأصعب.

الشياطين تمسك بيد المنفق

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: الصدقة باليد تدفع ميتة السوء … وتفكّ عن لحي سبعين شيطاناً كلّهم يأمره أن لا يفعل.()

ومما يدلّ علي ذلك أنّ كثيراً من الناس عندما ينوي إخراج مبلغ من المال لمشروع خيري ويمد يده في جيبه تراه يتراجع أو يقلّل من المبلغ الذي كان ينوي إعطاءه إذا تأخّر المستعطي قليلاً.

أعرف رجلاً من المؤمنين الأخيار أعطي قولاً للمساعدة في مشروع بمبلغ (500) دينار وكان ذلك في بيت الله الحرام وعند الكعبة المشرّفة، ولكن عندما عاد إلي بلاده تراجع متذرّعاً بذرائع واهية، ولكنّه خسر بعد ذلك بأسبوعين في صفقة واحدة زهاء ثلاثة ملايين دينار!!!

الصالحات

لقد جاءت كلمة الصالحات في القرآن زهاء مئة مرّة. فما هو معني الصالح؟

الصالح يعني النافع. فإنّ المال الذي نتركه بعد الممات قد يبقي ولكنّه يكون وبالاً علينا أحياناً، أمّا ما أنفقناه في سبيل الله فهو من الباقيات الصالحات، أي التي تصلح لنا وتنفعنا.

فمَن يبني داراً للهو ويموت، فإنّها تبقي بعده، ولكن هل بقاؤها صالح أم ضارّ عليه؟!

أمّا مَن يبني مسجداً أو حسينية ويدركه الموت، أو يطبع كتاباً دينياً أو يصرف أمواله للفقراء والمساكين أو المشاريع الدينية.. فهذه باقيات صالحات.

في الحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له().

فربّ مساجد في العراق وإيران والحجاز وغيرها يعود تاريخها إلي (1300) سنة أو أقلّ، فهنيئاً لمَن ساهم في بنائها، فهي الباقيات الصالحات حقاً!

قصتان فيهما عبر

حكي المرحوم والدي رحمه الله عن تاجر مؤمن ومسنّ في كربلاء المقدسة أو النجف الأشرف سمع قصة إنفاق الرجل لبيت التمر بيد رسول الله صلي الله عليه وآله بعد وفاته وأنّه كان خيراً له لو أنفقها في حياته.. فقرّر أن يعمل بها.. فأقام لنفسه مجلس فاتحة وهو حي، أطعم خلالها الطعام ووزّع المصاحف لتُقرأ علي روحه.. و.. و …

وهكذا الحال في الأربعين والسنة، ثم توفّي بعد رأس السنة بأيام!!

إنّ عمله جميل حقاّ وإن استُهجن من قِبل بعض الناس.

كما أنّ بعض أهل الخير ممن وافاهم الأجل كان من المشتركين في بناء حسينية ومكتبتها العامة، رئي في عالم الرؤيا من قِبل بعض المؤمنين فسأله عن حاله، فقال: لقد أحسَنوا إليَّ كما أحسنت في بناء الحسينية، وها أنا الآن في مكان كبير وجميل وسط بساتين وأشجار فرحاً مسروراً.

سارعوا في الخيرات

فلنشمّر عن ساعد الجدّ، ولنضع بعض أموالنا في خدمة المشاريع والمؤسسات الخيرية. فمَن لم يستطع بناء مسجد وحده فليساهم وليبذل قدر وسعه. فهذه هي الباقيات الصالحات؛ نسأله تعالي أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضي.

وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين

المحاضرة التاسعةعشرة•

آثار الأعمال

آثار الأعمال

وقفة مع الآية الكريمة

?ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيّئة فمن نفسك?

• ألقيت هذه المحاضرة في جمادي الثانية عام 1399 ه.، ضمن

المحاضرات الأخلاقية علي طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيّئة فمن نفسك?().

مقدّمة

إنّ ما يصدر عن الإنسان إمّا أن يكون حسنة وخيراً ينتفع به، أو سيئة وشرّاً يضرّه.

هذه الآية الكريمة تخبر الإنسان أنّ ما يصيبه من حسنة ونفع وربح وخير وكلّ شيء في صالحه فإنّما هو من الله تعالي، لأنّ الله لا يريد لأحد شراً أو سوءاً. وأمّا السيّئات والمصائب التي تصيب الإنسان فهي من الإنسان نفسه. وكلّ ابتلاء يصيب الإنسان فسببه الإنسان نفسه.

وهذه الآية تخاطبنا جميعاً، فإنّ الإنسان بطبعه حسن الظن بنفسه؛ روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه(). أي إنّ أحدنا ينتبه حتي للشعرة الصغيرة في عين أخيه - أي يري عيوب الناس جيداً - لكنّه لا يري عيوب نفسه مهما كانت كبيرة.

تريد الآية أن تقول لنا: إنّ أحدكم قد يعمل شيئاً سيّئاً ولا يظهر أثره السيئ إلاّ بعد مرور عشر سنين أو عشرين سنة قلّ أو كثر، وربما تظهر الثمرة السيّئة لبعض الأعمال عند الموت! فلا ينبغي للإنسان الذي تصيبه السيّئة أن يعجب ويقول: لماذا أصبت بهذا البلاء السيّئ؟ فلعلّ جذوره تعود إلي ما قبل خمسين سنة وهو لا يدري؛ فإنّ الله تعالي جعل لكلّ شيء قدراً وحدّاً ومقياساً، ومقياس الله لا يختلف

ولا يتخلّف.

العبد الصالح الذي سأل الملك الجبار

روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: كان في زمن موسي صلوات الله عليه ملِك جبّار قضي حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح أي إنّه كان يعيش في زمن واحد - أي في زمن موسي وفي عهد ذلك الملك الطاغي - عبد صالح منشغل عن الناس بالعبادة يريد التقرّب بها إلي الله سبحانه، فيما الملك مشغول بشهواته ولذّاته وظلمه وطغيانه. فاتفق أن مات الملك وذاك العبد الصالح كلاهما في يوم واحد. ولاشكّ أنّ ذلك لم يقع مصادفة لأن لكلّ شيء سبباً عند الله تعالي وإن كنّا نجهله، وهذه الحقيقة تثبتها هذه القصة نفسها؛ يقول نص الحديث: فتوفّي في يومٍ أي في يوم واحد الملك الجبّار والعبد الصالح، فقام علي الملِك الناس أي اهتمّوا بموت الملك وقاموا بتشييعه ودفنه وتركوا أعمالهم وأغلقوا دكاكينهم ومحلاّتهم احتراماً له وحداداً عليه، وكما ورد في نص الحديث وأغلقوا أبواب السوق لموته ثلاثة أيام.

أمّا ذلك العابد فقد بقي مطروحاً كلّ هذه المدّة في بيته دون أن يعلم أو يكترث به أحد، حتي تفسّخ بدنه وعلته الرائحة الكريهة وبدأت الديدان تأكل من لحمه. تقول الرواية: وبقي ذلك العبد الصالح في بيته، وتناولت دوابّ الأرض من وجهه، فرآه موسي بعد ثلاث، فقال: يا ربّ، هو - أي الملك - عدوّك، وهذا - العبد الصالح - وليّك! فما هي العلّة؟ ولماذا جعلت موته في هذا الوقت بالذات فيُغفل عنه؟ ولماذا كان موت ذلك الطاغي وهو عدوّك في عزّ واحترام، وموت هذا العبد الصالح وهو وليّك في ذلّ وهوان؟!

فأوحي الله إليه: يا موسي إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها له فكافأته عن المؤمن.

أي أن هذا الملك كانت له عندي يد وأردت

أن أجازيه عليها، وهي أنّه يوم سأله هذا العابد - وهو وليّي - لم يردّه بل قضي حاجته، فأصبحت له يد عندي لأنّه أحسن إلي عبدي ووليّي، فكافأته بهذا التشييع والتجليل - في الدنيا - ليأتيني ولا يد له عندي وهو عدوّي فأدخله النار. وأمّا عبدي ووليّي فقد سلّطت دوابّ الأرض علي محاسن وجهه لسؤاله ذلك الجبّار().

إذا أردت أن تتصور سيّئة العابد بصورة أفضل فافرض أنّ لك خادماً أو ولداً يشتغل عندك ويأكل من طعامك، ويسكن بيتك، ويحترمه الناس بسببك، ثم احتاج مالاً زهيداً فذهب إلي عدوّك دون أن يسألك، واستغلّها العدو فرصة لكي يمنّ بواسطته عليك فلم يردّ طلبه، أرأيت كم يكون تصرّفه سيّئاً ومشيناً ومسخطاً لك؟!

فكذلك الحال عندما ذهب ذلك العبد الصالح للملك الجبّار في زمانه. فإنّ العبد الذي يعرف مولاه ويعظّمه لا يفعل مثل ذلك! ولذلك عاقبه الله بأن سلّط الديدان علي لحم وجهه تأكله لأنّه أراق ماء ذلك الوجه الذي منّ الله به عليه أمام عدوّه وعدوّ مولاه، وبذلك صفّي حسابه مع الوليّ والملك أيضاً لأنّه الرب الحكيم المقتدر، وهو القائل: ?وما أصابك من سيّئة فمن نفسك?.

ولا أحد منّا يعلم كم كانت المدّة بين سؤال ذلك العبد للملك وبين موتهما، وربما استغرقت مئة سنة، سيّما وإنّ الناس كانوا يعمّرون قديماً، ولكن العمل السيّئ أعطي ثماره السيّئة وإن طالت المدة.

ونحن قد تصيبنا في الحياة سيّئات ولا نعرف جذورها لأنّنا غافلون. فربما ظلمنا إنساناً أو غصبناه حقّه وإن لم نكن منتبهين، فإنّ الآثار التكوينية للأعمال لا تغيّرها النوايا ولا الجهل بها، فهي تترك آثارها، سواء عَلِم الإنسان بها أم لم يعلم!

فلو أخذتَ حبة شعير وتصوّرت أنّها حبة قمح وبذرتها في التربة، فهل ستنبت

حسب تصوّرك أم بحسب واقع الحبة؟ لاشكّ أنّ النبت سيكون حسب واقع الحبة. فمن يزرع قمحاً يحصد قمحاً ومن يزرع شوكاً لا يحصد إلاّ الشوك، وإن تصوّر أنّه كان غير ذلك!

الاعتبار من قصة شريك النخعي

شريك بن عبد الله بن سنان النخعي أحد علماء البلاط في العصر العباسي، كان يتصوّر نفسه عالِماً في قبال الإمام الصادق سلام الله عليه وكان يتظاهر بالعبادة والزهد والابتعاد عن الحكّام. وكان العباسيون يصرّون عليه أن يقترب منهم ولكنه كان يرفض. وفي إحدي الأيام طلبه المهدي العباسي قائلاً: علَيَّ بشريك النخعي. ولما جاءوا به قال له. أعرضُ عليك ثلاثة أمور فإمّا أن تقبل بأحدها وإلاّ فمصيرك السجن! (وكانت هذه الأمور الثلاثة تصبّ كلّها في أمر واحد وهو أن يظهر النخعي مرتبطاً بالنظام الحاكم) إن لم ترتبط بنا فسيقول الناس: "لاشكّ أنّ الحاكم غير جيد، وإلاّ لم يقاطعه النخعي وهو عالِم معروف!" لذا عليك أن تختار واحداً من ثلاثة أشياء: إما أن تقبل القضاء أي تكون قاضياً لنا، أو تكون محدّثنا ومعلّم أولادنا، أو تأكل عندنا وتكون ضيفاً علينا.

فكّر شريك قليلاً ثم قال: إذا كان ولابدّ فأختار الثالث، وإنما اختار الثالث لإنّه رأي أنّه أسهل من الأمرين الآخرين ولا يلزم منه أن يبقي كلّ حياته قاضياً للظالم أو محدّثاً له ومعلّماً لأولاده، فإنّ الأمر ينتهي بأكلة واحدة لا تترك انطباعاً كبيراً لدي الجمهور عن علاقة النخعي بالنظام.

ولكن المهدي العباسي كان أذكي من النخعي فأمر طبّاخه بأن يعدّ أطيب الأطعمة وألذّها، ولمّا قدم النخعي عليه ألهاه في الحديث لعدّة ساعات لكي يشتدّ جوعه، ثم دعاه إلي المائدة، فأكل منها حتي التخمة.

وتكمن المشكلة في أنّ النخعي لم يكن عابداً وزاهداً حقيقياً، بل كان متظاهراً بهما، وإلاّ لأكل

قليلاً من الطعام ثم اعتذر بالشبع، ولكنّه وجدها فرصة لا تعوّض، فلم يقتصر علي الضروري في تناول الأكل المحرّم الذي لا يعلم مصدره ولم يدر ما الذي فيه!

يقول المسعودي: إنّ الطباخ قال للربيع (صاحب الخليفة) بعدما خرج النخعي: لقد عملتُ له أكلة لا أراه ينجو منها بعد ذلك! وهكذا كانت بالفعل، والله وحده يعلم ماذا كان قد وضع الطباخ في تلك الوجبة مما حرّم الله من الخبائث فضلاً عن كونها مغصوبة ومن يد الظالم!

بعد بضعة أيام بعث المهدي يطلب النخعي مرة أخري، ولكنّ الأخير لبّي مسرعاً في هذه المرّة، ثم بعث خلفه ثانياً وثالثاً ورابعاً

- ومن يهن يسهل الهوان عليه - حتي بلغ به الحال أن أصبح قاضياً للمهدي ومحدّثاً، أي من علماء البلاط، ومؤدّباً لأولاده.

بل بلغ الحال بهذا الرجل الذي كان يبتعد عن المهدي العباسي وحكومته، أن يتقاضي منه مرتّباً شهرياً. وفي إحدي المرات التي كان يحمل فيها صك المرتّب للصرّاف اعتذر منه الصراف بكثرة المشترين وقلة النقود وأوكله إلي الغد. لكن النخعي اعترض قائلاً: لقد أتيتك بنفسي وأنا مَن تعلم، أفتردّني وتوكلني إلي وقت آخر؟ وتشاجرا وارتفعت أصواتهما وقال له الصراف: هل بعتني بُرّاً لتستعجلني بالثمن؟ فقال في جوابه: بل بعتك ما هو أغلي! تعجّب الصراف وقال: وما بعتني؟ قال: بعتك ديني!()

ورآه يوماً سفيان الثوري فقال له: يا شريك أبعد الإسلام والفقه والصلاح كلّما يُسأل عنك يقال عند المهدي أو الهادي العباسي؟!

وقضي شريك بقية حياته في خدمة السلاطين حتي نيّف علي المئة فطرده الرشيد العباسي في قصّة ليس هذا محلّ ذكرها. ولكن المهمّ هو النتيجة والاعتبار منها، وهي أنّ الأكلة المحرّمة الواحدة عملت عملها وأثمرت هذه الثمرة السيّئة!

الخلاصة

إذن، كلّما أصبتَ بسيّئة فابحث

عن السبب لأنّ الله عادل لا يظلم أحداً ?وما ربّك بظلاّم للعبيد?() بل هو مبعث الإحسان والكرم. ?ما أصابك من حسنة فمن الله? أمّا السوء الذي يصيب الإنسان فمن نفسه، وكلّما عدّل الإنسان سيرته في الحياة قلّت إصابته بالسيّئات.

أما الذي لا يكترث فإنّ النتيجة السيّئة ستلحقه - والعياذ بالله - طالت المدّة أو قصرت. وعلي الإنسان أن يكون حذراً ولا يغترّ. يقول أمير المؤمنين علي سلام الله عليه: يابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره(). أتدري لماذا؟ لأنّ هذا معناه أنّ الله أخّر له السوء في الآخرة. وهناك المصيبة أعظم! لأنّ الدنيا تنتهي وتنصرم والإنسان ينجو منها علي كلّ حال، أمّا السوء في الآخرة فليس فيه منجي.

نسأل الله تعالي أن يكفّر عنّا سيّئاتنا ويتوفّانا مع الأبرار.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

المحاضرة العشرون•

قصة أصحاب الحجر

قصة أصحاب الحجر

وقفة مع الآية الكريمة

?ولقد كذّب أصحابُ الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين?

• ألقيت هذه المحاضرة عام 1399 ه.، ضمن المحاضرات الأخلاقية علي

طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?ولقد كذّب أصحابُ الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين?().

مَن هم أصحاب الحجر؟

أصحاب الحجر() هم قوم النبي صالح عليه السلام، وهو مدفون مع النبي هود عليه السلام، حيث مدفن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، في وادي السلام في النجف الأشرف. ويستحبّ زيارتهما بعد الفراغ من زيارة أمير المؤمنين سلام الله عليه كما يستحبّ زيارة آدم ونوح عليهما السلام؛ فهما مدفونان هنالك أيضاً.

ولم يكن النبي صالح عليه السلام أوّل نبي يكذّبونه فلقد كذّبوا أنبياء آخرين سبقوه بعثهم الله إليهم قبل صالح عليه السلام؛ وكان هؤلاء الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم مشفوعين بالآيات والمعجزات التي تثبت كونهم مبعوثين من قِبل الله تعالي؛ ولكن ذلك لم ينفع مع أصحاب الحجر وكانوا - كما أخبر الله تعالي عنهم - معرِضين عن تلك الآيات والدلالات!

فلقد لبث صالح عليه السلام فيهم - كما في الروايات الواردة عن المعصومين صلوات الله عليهم - يدعوهم إلي الله مدّة مئة وستّ عشرة سنة، لم يؤمن به خلالها أكثر من سبعين شخصاً أي بمعدّل أقل من شخص واحد خلال كلّ سنة!

وفي هذا دلالة علي أنّنا ينبغي أن لا نتعب أو نملّ ونضجر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كانت الاستجابة قليلة والتأثير بسيطاً؛ فإنّ الله سيثيبنا علي أتعابنا مهما كانت النتيجة. فلو أنّ أحداً منّا أيقظ ولده لصلاة الفجر مرّتين وثلاثاً وأربعاً

وخمساً، دون أن يري استجابة منه، فليوقظه سادساً أيضاً ولا ييأس، فلعلّه يتأثّر ويستجيب، والله تعالي هو طرف المعاملة مع العبد وهو الذي يعطيه أجره في كلّ حال. يقول الله تعالي مخاطباً نبيه صلي الله عليه وآله: ?فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب?().

الإعراض عن الآيات

ولا يكون الإعراض إلاّ بعد أن يتبيّن الأمر، ولذلك نري القرآن الكريم يذكره بعد ذكر إيتاء الآيات والبينات. فإنّ مَن لا يعلم أنّ الحجّ واجب عليه ولا يحجّ لا يسمّي معرضاً. أمّا مَن علم بوجوب الحجّ عليه ولم يحجّ مع الاستطاعة يقال إنّه أعرض عن الحجّ. وهكذا الحال مع أصحاب الحجر فإنّهم استمرّوا في تكذيب أنبياء الله حتي بعد نزول الآيات ومشاهدة المعجزات، أي أنّهم أعرضوا عن الآيات.

آية صالح عليه السلام

وأعظم آية ومعجزة للنبي صالح عليه السلام هي الناقة. فقد طالبه جماعة من قومه أن يُخرج لهم ناقة من بطن الجبل ليتبيّن لهم صدق دعواه؛ فإنّه إن كان نبيّاً استجاب الله دعوته. ولم يردّ صالح عليه السلام طلبهم فتوجّه إلي الله تعالي وسأله ذلك، فخرج صوت رهيب من الجبل وانشقّ إلي نصفين ثم خرجت ناقة عظيمة قيل إنّها كانت تعادل في ضخامتها عشرات النوق؛ يتبعها فصيلها. وهذا ليس بعزيز علي الله، فلقد خلق آدم وحواء من قبل من دون أبوين، وخلق عيسي من أمّ فقط. يقول الله تعالي: ?إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون?().

وكانت الناقة وبراء جميلة تسير كالإنسان المؤمن الحكيم. وكانت تأكل من حشائش الأرض حتي إذا وصلت زرع الناس لم تنل منه حتي بمقدار حبة، وكانت لا تطأ في سيرها زرع أحد أو إنساناً أو حيواناً أو حشرة رغم ضخامتها بل كانت تتحاشي ذلك في مشيها وسيرها؛ وكانت الحيوانات الأخري تخشاها بقدرة الله تعالي. وهكذا كانت إعجازية في كلّ شيء، وليس في وجودها وخلقتها فقط. فلقد كانت تشرب في اليوم الواحد ماء القرية بأكمله، أي الماء الذي يشرب منه مئة ألف إنسان مثلاً، وتدع اليوم الذي يليه لأهل القرية يشربون منه.

فكان لها شرب ولهم شرب يوم معلوم كما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالي: ?قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم?(). وكانت تعطي الحليب كلّ يوم بمقدار الماء الذي شربته. وتلك معجزة أخري. فإنّ الحيوانات التي تعطي الحليب لا تعطي بمقدار ما شربته من ماء بل أقلّ منه بكثير، لكن هذه الناقة كانت معجزة في كلّ شؤونها!

عقر الناقة

أعرض أصحاب الحجر عن الآيات كلّها وقرّروا قتل الناقة بزعم أنّها تحرمهم من الماء يوماً كاملاً، مع أنّهم كانوا يستفيدون من حليبها! ولكنّه الطغيان والعياذ بالله!

ووعظهم نبيهم قائلاً: إن عقرتم الناقة فإنّ الله تعالي سينزل عليكم عذاباً من عنده. فقالوا: فلينزل علينا العذاب فلا نبالي! ولم يبالوا بتحذيرات النبي صالح عليه السلام وعقروا الناقة؛ عقرها شخص يسمّي (قيدار) كان أشقاهم. وقتلوا فصيلها أيضاً، وقيل: إنّه عاد إلي الجبل مفجوعاً! ثم تقاسموا لحم الناقة بينهم!

نزول العذاب، والعبرة من القصة

وهنا أخبرهم نبيهم عليه السلام أنّ الله سينزل عليهم العذاب بعد ثلاثة أيام، تصفرّ وجوههم في اليوم الأوّل، وتحمرّ في اليوم الثاني، وتسودّ في اليوم الثالث! ثمّ ينزل عليهم العذاب إن لم يرجعوا حتي ذلك الحين!

سبحان الله! ما أعظم رحمته! فمع أنّ هؤلاء القوم كذّبوا المرسَلين واستمرّوا في تكذيبهم حتي بعد نزول الآيات، يمهلهم الله تعالي ثلاثة أيام عسي أن يتوبوا فيعفو عنهم ويقبلهم، ولكنّهم مع ذلك لم يرجعوا واستمرّوا في غيّهم، حتي كان اليوم التالي فاصفرّت وجوه الذين لم يؤمنوا بصالح عليه السلام، فقال ضعفاؤهم لكبرائهم: لقد اصفرّت وجوهنا وإنّ صالحاً صدق فيما قال. فأجابوهم: دعوها تصفرّ! وفي اليوم الثاني احمرّت وجوه القوم، لكنّ الأشقياء أجابوا المعترضين: لعلّ صالحاً سحركم، دعوها تحمرّ. حتي كان اليوم الأخير فاسودّت وجوههم فقالوا: لن نؤمن له ولو هلكنا! فأنزل الله عليهم جبرئيل فصاح فيهم صيحة قطّعت نياط قلوبهم وأصبحوا في ديارهم جاثمين!!!

إذن علي المرء أن ينتبه إلي نفسه، فلو أنّه سقط في كلّ الامتحانات والعياذ بالله، فلا يسقطن في الامتحان الأخير. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضي وصلّي الله علي محمدٍ وآله الطاهرين

المحاضرة الحادية والعشرون•

معركة الأحزاب.. دروس وعبر

معركة الأحزاب.. دروس وعبر

وقفة مع الآية الكريمة

?وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً?

• ألقيت هذه المحاضرة عام 1399 ه.، ضمن المحاضرات الأخلاقية علي طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً?().

هذه الآية المباركة من الآيات التي نزلت بشأن حرب الأحزاب، وهي من أهمّ حروب رسول الله

صلي الله عليه وآله؛ فلقد كانت تبدو في أوّل أمرها من أصعب الحروب وأشدّها علي المسلمين لكنّها انتهت أسهل من أيّ معركة أخري، ونزلت بشأنها سورة في القرآن تسمّي سورة الأحزاب.

لقد حارب رسولُ الله صلي الله عليه وآله المشركين في عدّة حروب وانتصر عليهم، وحارب اليهود وانتصر عليهم، وواجه النصاري وتغلّب عليهم، وهكذا كان حال المنافقين فلقد جابههم رسولُ الله صلي الله عليه وآله وانتصر عليهم. فكلّما واجهت إحدي هذه الفئات أو الأحزاب الجيش الإسلامي، كانت الغلبة للمسلمين. ومن هنا فكّر قادة هذه الأحزاب أن يجتمعوا ويجمعوا عدّتهم وعددهم ليشنّوا حرباً واحدة حاسمة علي رسول الله صلي الله عليه وآله فكانت حرب الأحزاب، حيث شكّل المشركون مع اليهود، والمنافقين - الذين يمثّلون الطابور الخامس - جيشاً تعداده اثني عشر ألف رجل مسلّح اجتمعوا لحرب رسول الله صلي الله عليه وآله وحاصروا المدينة المنوّرة!

ولم يكن عدد أفراد الجيش الإسلامي - كما يذكر المؤرّخون - أكثر من بضعة آلاف، وذلك لأنّ كلّ سكان أهل المدينة آنذاك لم يزيدوا علي عشرة آلاف نسمة أي أقلّ من أفراد الجيش المحاصِر للمدينة. ولم يكن تسليح الجيش الإسلامي كاملاً، فمعظمهم كانوا راجلة لا خيول لهم أو لا يملكون السلاح الكافي. وكان من أبرز قادة جيش الأحزاب عمرو بن عبد ودّ العامري الذي كان يُعدّ بألف فارس.

هذه الحالة من عدم التكافؤ دعت بعض المسلمين لأن يطلبوا من رسول الله صلي الله عليه وآله أن يفاوض جيش الأحزاب، وقال بعضهم: نصالحهم ونرضخ لكلّ ما يقولون حتي لو أمرونا بعبادة الأصنام، فلا قِبَلَ لنا بهم وليس من العقل أن نواجههم، بل ننْزل علي رأيهم ونصبر حتي إذا قوينا في المستقبل حاربناهم!

إلي هنا قد يهون

الأمر، ويقول القائل: أنّي للمسلمين الذين كانوا قليلي العدة والعدد أن يقاوموا ذلك الجيش الكبير المدجّج بالسلاح؟ لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فإنّ الآية تصف أولئك المتخاذلين بما هو أفظع من ذلك. يقول تعالي: ?وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً? أي إنّ الأمر بلغ بهم أن يكذِّبوا الله تعالي والنبي صلي الله عليه وآله. هؤلاء الذي حكّموا عقولهم القاصرة قِبال وعد الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله لهم بالنصر، يصفهم الله بالمنافقين والذين في قلوبهم مرض.

إنّ الله تعالي أراد في هذه الحرب أن يثبت للجيش الإسلامي ولنا ولكلّ المسلمين إلي يوم القيامة أنّ الأمر بيد الله وأنّ النصر من عند الله، فإنّ المسلمين في هذه الحرب التي اجتمعت الأحزاب كلّها ضد الإسلام وبلغ جيش الكفّار أكثر من عدد المسلمين في مدينتهم المحاصَرة، تمّ النصر لهم من دون أيّة تضحيات، فلم يُقتَل من المسلمين حتي شخص واحد، الأمر الذي يثبت أنّ النصر لا يأتي إلاّ من عند الله ?وما النصر إلاّ من عند الله?().

في آية أخري قبل هذه الآية يصف الله حالة المسلمين في هذه الحرب بقوله تعالي: ?وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا?()، وذلك أدقّ تعبير عن حالة الخوف والهلع التي كان يعيشها المسلمون، فإنّ الإنسان الخائف لا تكون حركة سواد عينه منتظمة بل تدور من هنا وهناك، والزيغ يعني الميل، فإنّ عين الخائف مفتوحة علي الدوام وهو يواجهك ولكن لا يراك، وإذا سلّمت عليه قد لا يردّ جوابك، ولا ينتبه لك، بل قد يجرح الإنسان الخائف وهو غير ملتفت أنّه مجروح، وقد يصطدم بجدار أمامه دون أن يشعر به ولا يراه،

فإنّ العين تري ولكن انشغال الفكر والخوف يكون مانعاً من استيعاب الصورة التي تنقلها العين للفكر ليكون له تأثير علي حركة الشخص. وهكذا كان المسلمون في حرب الأحزاب أي أنّ أعينهم كانت تدور ولكن لا يرون شيئاً.

وهناك صورة أخري تعبّر عن الخوف الشديد هي قوله تعالي: ?وبلغت القلوب الحناجر?. كيف تبلغ القلوب الحناجر مع أنّ الفاصلة بينهما تزيد علي أربع بوصات؟ إنّ الإنسان الخائف تزداد ضربات قلبه فيشتدّ نفَسه وتنتفخ رئته أكثر من اللازم بحيث إن الهواء الداخل والخارج عنها في حالة الشهيق والزفير يحدث صوتاً مميزاً نتيجة ازدياد سرعة سحب الهواء نحو الرئة حتي ليصاب الشخص بالحشرجة وهو صوت يخرج من الصدر كما عند المصابين بضيق النفس. يقول المؤرّخون: إنّ المسلمين أُصيبوا بالحشرجة عندما عرفوا أنّهم محاصَرون بجيش الأحزاب.

وبعد ذلك يقول الله تعالي في وصف حالهم: ?وتظنّون بالله الظنونا? أي تقولون إنّ الله أخبرنا أنّ النصر من عنده، فأين النصر ونحن قليلون وهؤلاء الكفّار محدقون بنا؟

ولكن الله يفعل كلّ ذلك لامتحان العباد، ولذلك خلقهم؛ يقول تعالي: ?أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتَنون، ولقد فتنّا الذين من قبلهم?().

فكلّ هذه المظاهر امتحانية، وكثير من المسلمين فقدوا إيمانهم في هذا الامتحان وسقطوا، وهم أولئك الذين قالوا: ?ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً?.

لقد وقعت حرب الأحزاب في أخريات حياة رسول الله صلي الله عليه وآله في المدينة أي قبيل فتح مكة، ولكن الله يمهل ولا يهمل، والنصر حليف المؤمنين وإن جاء متأخراً. إذا كان في المسلمين أربعة قاموا لله بكلّ قلوبهم وأخلصوا له من أعماقهم وحاربوا من أجله وتكلّموا في سبيله ونطقوا له، فهذا يكفي لأن يحقّق الله تعالي نصره لجميع المسلمين بواسطة هؤلاء

الأربعة.

لقد كان في صفوف الجيش الإسلامي - غير الذين قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً - عدد قليل بقي ظنّهم بالله حسناً ولم يظنّوا به الظنون، بل قالوا: الأمر لله والله ورسوله وعدانا بالنصر، والنصر سيكون حليفنا وإن كان الجيش الكافر أكثر منّا عدّة وعدداً.

وهكذا كانت النتيجة ?وكفي الله المؤمنين القتال?() في أصعب حروب رسول الله صلي الله عليه وآله حتي عادت من أسهل حروبه، وتمّ النصر للمؤمنين بقتل عمرو بن عبد ودّ علي يد بطل الإسلام الخالد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه، حتي قال رسول الله صلي الله عليه وآله: برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه() وانهزم الجيش الكافر عن آخره ولم يُقتَل مسلم واحد!

وهكذا كلّما تصارع الحق والباطل وبرز من المؤمنين جماعة شجعان نذروا أنفسهم لله فإنّ الله يكتب لهم النصر كما كتبه للمؤمنين في الأحزاب، هذه سنّة الله تعالي ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.

الحكومة الإسلامية هي التي تطبّق كلّ أحكام الله

المؤسف أنّ بعض الناس يتصوّر أنّ الحكومة الإسلامية هي التي تطبّق الحدود والتعزيرات والعقوبات فقط، مع أنّ هذا لا يشكّل إلاّ جزءاً ضئيلاً من أحكام الإسلام؛ ولو أنّ الإسلام طبّق بعضه دون بعض لارتسمت له صورة غير جميلة، وهكذا تكون التعضية في الغالب. فهذا الإنسان الذي خلقه الله علي أحسن صورة، لو فصلتَ بعضه عن بعض سيتغيّر إلي أقبح هيكل. فلو أنّ شخصاً جميلاً فقئت عينه فكيف سيبدو؟! وهكذا لو رفعت عظمة قحف الرأس ماذا سيكون؟ هل ستري منظراً جميلاً، أم مقرفاً؟

مثال آخر: كلمة «لا إله إلاّ الله» في اللغة تعني كلمة التوحيد والإخلاص والخلاص وهي سبب الإيمان والإسلام والفلاح، ولكن ماذا يحدث لو فصلتَ بين جزئيها ونطقت بالجزء الأوّل وحده؟ إنّ مجرّد الفصل بين

جزئي تلك الكلمة والأخذ ببعض دون بعض يغيّر معني الإيمان إلي الكفر!

إنّ تطبيق الإسلام بصورة ناقصة يعطي صورة مشوّهة عن الإسلام. وهذا هو حال بعض الدول الإسلامية اليوم المتبجّحة بتطبيق الإسلام مع أنّها لا تطبّق إلاّ جَلْد الزاني وقطع يد السارق، فهل هذا هو الإسلام وحسب؟

عندما تراجعون الفقه الإسلامي تجدون فيه خمسين باباً أو كتاباً والكتاب الخمسون منها هو كتاب الحدود. فهو واحد من خمسين كتاباً بل هو الكتاب الأخير، فلماذا يُتصوّر أنّه الإسلام كلّه؟!

إنّ من واجبات الحكومة الإسلامية السماح لمواطنيها بالعمل وفق القانون الإسلامي المعروف ب «إحياء الموات» في المجال الزراعي، ومفاد هذا القانون هو أنّ المسلم باستطاعته أن يتملّك أيّة أرض متروكة غير مملوكة ولا مزروعة، شريطة أن يباشر بزراعتها أو إحيائها، وهذا القانون يستند إلي حديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله مسند عن الشيعة والسنّة وهو: مَن غرس شجراً أو حفر وادياً بدءاً لم يسبقه إليه أحد وأحيي أرضاَ ميتةً فهي له. قضاء من الله ورسوله صلي الله عليه وآله()، ولا يوجد لهذه الحرية التي يمنحها الإسلام للمسلمين ولغيرهم في الزراعة نظير، في أيّ بلد أو بقعة من بقاع العالَم. ولو طُبِّق هذا القانون في أيّ بلد إسلامي لأصبح ذلك البلد جنّة غنّاء، ولما بقي إنسان بلا مسكن أو جائعاً؛ لأنّ كلّ إنسان يمكنه أن يفتّش عن أرض غير مزروعة ولا تعود ملكيتها لأحد (وأرض الله واسعة)، ثم يقوم بزراعتها فيأكل من زرعه ويسكن الأرض التي ملَكها بإحيائه لها.

هذا من جهة، ومن جهة أخري فإنّ هذا القانون يمنع الاحتكار في الوقت نفسه، لأنّ أيّ إنسان لا يحقّ له أن يستحوذ علي أرض دون أن يحييها أو يزرعها وإن كانت بواراً

لا تعود لأحد؛ لأنّ شرط التملّك هو الإحياء المباشر.

ومن جهة ثالثة سوف لا تبقي يد واحدة عاطلة عن العمل.

فهل طبّقت الدول التي تدّعي الإسلام هذا البند من بنوده الكفيلة بتحقيق السعادة والتقدم والرقي، أم اكتفت منه بضرب السياط وقطع الرقاب وهذا كلّ شيء؟!

ثم بند ثانٍ من بنود الإسلام هو تحرير التجارة وعدم احتكارها من قِبل الدولة حيث تحصرها علي أناس معيّنين فيما تحرم سائر أبناء المجتمع وتفرض عليهم الجمارك الثقيلة؟!

في الإسلام مَن يملك ذكاءً أكثر يمكنه أن يعمل أكثر. أمّا في الأنظمة الوضعية التي تدّعي الإسلام فالشرط الأساسي ليس الذكاء والخبرة بل الروابط والعلاقات مع الحاكم، فمَن حظي بشيء منها مُنح امتياز عشرين نوعاً من التجارة، وإن كان من أغبي الناس! فهل هذا من الإسلام؟

لا ضرائب جمركية في الإسلام

سألني بعض الناس في العراق، والآن يسألني البعض أيضاً عن التهريب. أقول: ما هو التهريب؟ التهريب معناه أنّ الدولة منعت استيراد أو تصدير بعض المواد وإذا ضبطها مأمور الجمارك فرض عليها ضرائب باهظة. نسأل: ما هو رأي الإسلام في هذه الأمور الثلاثة: إجازة الاستيراد وإجازة التصدير والضرائب المفروضة؟ والجواب: إنّ الإسلام يرفضها جميعاً. إنّ القانون الذي طبّقه رسول الله صلي الله عليه وآله والإمام علي سلام الله عليه لم يكن فيه إجازة للتصدير ولا إجازة للاستيراد ولا ضرائب عليهما، بل علي العكس يقول الفقهاء: لا يجب بل لا يجوز العمل بالقوانين الصادرة من الدولة غير الإسلامية، لأنّ الله تعالي يقول: ?ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان?()، والمقصود بالدولة غير الإسلامية هي الدولة التي لا تحكم بالإسلام أي لا تطبّق قوانين الإسلام، وإن كانت تسمّي نفسها إسلامية، فليس المهم الاسم بل التطبيق والعمل، وكلّ حكم لا ينتهي إلي الله فهو غير مشروع

وغير إسلامي وإن كان صادراً عن دولة تسمي إسلامية؛ لأنّ المهم الواقع وليس الظاهر، فلو صنعت من الكارتون شكلاً علي هيئة إنسان فهل يصبح إنساناً مع أنّه لا روح فيه ولا يتكلّم ولا يري ولا يفكّر؟ أم أنّ الإنسان هو هذا الكائن الذي يتحرّك ويريد ويقوم ويقعد ويفكّر. وهل الأسد الذي يُخاف منه هو الأسد الحقيقي أم المنقوش علي الستار أم المكتوب بحروف ألف وسين ودال؟ لاشكّ أنّه لا النقش ولا الحروف. وكذلك الإسلام اللفظي أو الكتبي المجموع في حروف ألف، سين، لام، ألف، ميم، لا يفعل شيئاً بل الأثر هو للإسلام الحقيقي. فلا يكفي للحاكم أن يقول: إنّني حاكم إسلامي بل لابدّ أن يكون مستنداً إلي القرآن والسنّة. فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون سلام الله عليهم ويقولون إنّه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّي بالإسلام؛ قال الله سبحانه وتعالي: ?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون?().

إنّنا لا نسير خلف الأسماء والشعارات بل خلف الواقع، وقد ورد في الحديث: ويأتي علي أمّتي زمن لا يبقي من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه().

أعود إلي المسألة التي ذكرتها وهي أنّ الدولة التي لا تطبّق الإسلام بحذافيره لو أقرّت قانوناً ما فإنّ العلماء يقولون إنّه لا يجوز اتّباعها والانصياع لقانونها إلاّ في حال الاضطرار تماماً كما في تناول لحم الخنْزير أو المسكر حال الضرورة وبمقدار رفع الضرر فقط! ويضربون لذلك مثلاً بجوازات السفر التي تصدرها الدول في عصرنا الحاضر، فإنّ مَن لا ضرورة له إليها - كالرجل المسنّ أو المريض ومَن لا يستطيع السفر - لا يجوز له الرضوخ لها، لأنّه غير مضطرّ إليها.

فكما أنّ الإنسان إذا كان في مكان

منقطع وأشرف علي الموت جوعاً ولم يكن عنده ما يدفع عنه خطر الموت من الجوع إلاّ لحم الخنْزير فإنّه يجوز له ولكن لا علي نحو الشبع بل بمقدار رفع الضرورة، حتي يصل المكان الذي فيه الأكل الحلال، وكما لو أشرف الإنسان علي الموت بسبب العطش ولم يجد إلاّ الخمر فإنّه يجوز له أن يتناول منه بمقدار رفع ضرر الموت وليس أكثر حتي يبلغ المكان الذي يجد فيه مائعاً حلالاً… فإنّ حكم العمل بالقوانين غير الإسلامية كلّها هكذا – باتفاق العلماء - أي لا يجوز الرضوخ لها إلاّ بمقدار الضرورة ومواصلة الحياة. وحتي التهريب يكون حراماً ولا يجوز عند الضرورة فقط، وذلك فيما لو كانت ممارسته تؤدّي إلي إلقاء النفس في التهلكة، والله تعالي يقول: ?ولا تُلقوا بأيديكم إلي التهلكة?()، وإلاّ فهو في الأصل جائز إن لم يحمل معه خطر القتل. أمّا الخطر الأدون كالتعرّض للسجن أو الضرب؛ وحتي الإهانة فلم يقل العلماء إنّ دفعها من الضرورات لأنّ «الناس مسلّطون علي أنفسهم» ()، والله تعالي خلق الإنسان مختاراً غير مجبور، فلماذا يكون عبداً لغيره؟ بل لا يجوز له أن يكون عبداً لغير الله تعالي ولا ينبغي له أن ينصاع لغير قوانين الله. إن قوانين الله تعالي هي القوانين التي تلتزم بها الحكومة الإسلامية الشرعية المصدَّقة من قِبل القرآن، فهذه أحكامها واجبة التنفيذ علي الجميع. أمّا القوانين غير المصدَّقة من قِبل الله تعالي، والأحكام التي تصدر عن الحاكم غير المنصوب من قِبل الله فغير واجبة الاتّباع بل غير جائزة الاتّباع إلاّ في إطار الضرورة وخوف التهلكة فقط!

عود علي بدء

نخلص من كلّ ما تقدّم أنّ ما نشاهده هذه الأيّام – وعلي مرّ التاريخ- من أحداث توجب إخافة بعض المؤمنين،

لا ينبغي أن تزلزل إيمانهم بل عليهم أن يراجعوا القرآن ويقرأوه ويتدبروا آياته ليروا أيّة مواقف نصر الله تعالي فيها المسلمين وكيف نصَرَهم؟!

لقد نصَر الله المسلمين في مواقف كان النصر فيها يبدو مستحيلاً بالحسابات المادية، ومن تلك المواقف وأهمّها معركة الأحزاب.

إنّ الله وعد المسلمين النصر في صدر الإسلام، ولكن المنافقين والذين في قلوبهم مرض كذبوا الله ورسوله عندما رأوا الأحزاب وقالوا: ?ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً?، ونحن اليوم معرّضون للامتحان نفسه، أفنشكّ في وعد الله للمؤمنين بالنصر، أم نكون من الثابتين علي الإيمان، المصدِّقين وعْدَ الله، غير الظانّين به ظنّ السوء؟!

ومن المؤسف حقاً أن بعض الناس يبيع إيمانه بالتافه، فمع أنّه ليس عضواً ولا عميلاً في أجهزة الظالمين ولا يتقاضي منهم أجراً ولا مرتّباً ولكنه يعطي كلّ ما عنده لهم بلا عوض، ويجعل رقبته جسراً لهم ومعبراً؛ ويكون من الذين قال الله عنهم: ?وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً?.

نسأل الله أن يجنّبنا خطل القول والعمل وأن يوفّقنا لمراضيه.

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة الثانية والعشرون•

الحرية في الإسلام

الحرية في الإسلام

وقفة مع الآية الكريمة

?لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ?

• ألقيت هذه المحاضرة عام 1396 ه.، ضمن المحاضرات الأخلاقية علي

طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ، فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم?().

معني الطاغوت

الطاغوت من الطغيان، وطغيان كلّ شيء زيادته وتجاوزه عن الحدّ؛ قال تعالي: ?إنّا لمّا طغي الماء حملناكم في الجارية?().

ويستعمل الطغيان في الفكر أيضاً، ويراد به عادةً المناهج المنحرفة عن سبيل الله تعالي، ويُسمّي مَن كان في قمة الفكر المنحرف طاغوتاً.

العروة الوثقي

يقول تعالي: ?فمَن يكفر بالطاغوت? أي بالإفراط الفكري ?ويؤمن بالله فقد اسمتسك بالعروة الوثقي? أي الشديدة الإحكام، ثم وصفها بأنّها: ?لا انفصام لها? أي أنّها ليست ضعيفة فتنقطع بل لا انقطاع لها أبداً، لأنّها عروة حقيقية وصادقة وليست بكاذبة ومزيّفة. فإنّه لا انقطاع وانفصام في الحق والصدق، خلافاً للكذب، فحبله - كما قيل - قصير سرعان ما يقطع بصاحبه.

مثال: فلو أنّك أردت شراء دار وسألت عنها صاحبها، فأخبرك أنّها صالحة وليس فيها عيوب أو مشاكل، وكان صادقاً في إخباره، فإنّك سوف تبادر إلي شرائها دون أن تعترض عليه أو ينقطع تصديقك به. أمّا إذا كان كاذباً، فإنّك قد تصدّقه حين الشراء، ولكن هذه الحالة ستزول عندما تكتشف أنّ الأمر لم يكن كذلك. أي سيحدث انفصام وانقطاع في تصديقك به.

أمّا دين الله تعالي فلا انفصام فيه. فعندما يخبر الله تعالي الإنسان ويعده أنّه سيسعده إذا ما اتّبع سبيله، فإنّ المسلم الحقيقي لاشكّ سينعم بالسعادة ما حيي، خلافاً لبقية المبادئ التي تعِد الناس ولا تفي ثم يظهر كذبها عاجلاً أم آجلاً.

حرية اختيار الدين في الإسلام

من أصول الإسلام المسلّمة والمؤكّدة مسألة حرية اختيار الدين؛ قال تعالي: ?لا إكراه في الدين?. بل ليكن معلوماً - قبل كلّ شيء - أنّ الإسلام وحده هو دين الحرّية. فحتّي المدارس والمبادئ الأخري التي ظهرت منذ قرون وما زالت ترفع شعار الحرّية لا واقع للحرية فيها سوي الاسم. أمّا الإسلام فهو دين الحريات مبدأً وشعاراً، وقولاً وعملاً. وهذا موضوع طويل يتطلّب من الباحث أن يطالع الفقه الإسلامي بتعمّق - من أوّله إلي آخره - لكي يعرف كيف أنّ الإسلام التزم بمبدأ ?لا إكراه في الدين? في مختلف مجالات الحياة.

رسول الله صلي الله عليه وآله القدوة في تطبيق المبدأ

لقد شنّ أهل مكّة حرباً ظالمة علي رسول الله صلي الله عليه وآله قلّ نظيرها في التاريخ. فلقد عُرف صلي الله عليه وآله بينهم بالصدق والأمانة حتي لقّبوه بالصادق الأمين، ولكنهم مع ذلك حاربوه - إلاّ قليلاً منهم - عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً، حتي بلغ الأمر بهم أنّهم كانوا لا يردّون تحيّته إذا حيّاهم().

فكان الشخص منهم - وهو مشرك - يخشي إذا ردّ تحيّة النبي صلي الله عليه وآله أن يراه الرائي من المشركين فلا يتبايعون معه بعد ذلك ولا يزوّجونه ولا يتزوّجون منه.

وطردوا رسول الله صلي الله عليه وآله ومَن معه إلي أطراف مكّة وحاصروهم في شعب أبي طالب وفرضوا العزلة عليهم، فكان لا يحقّ لهم دخول مكّة، وإذا دخلها أحدهم فدمه هدر. واستمرّت الحالة هذه مدّة ثلاث سنين.

وبعدما هاجر الرسول صلي الله عليه وآله إلي المدينة شنّ عليه مشركو مكّة عشرات الحروب يساندهم فيها اليهود والمنافقون. ودامت الحالة عشرين سنة بمختلف أساليب الحروب حتي أذن الله له بالفتح.. وجاء صلي الله عليه وآله مكّة فاتحاً.. وأصبحت مكّة بعد ذلك في قبضته وتحت سلطته.

ورغم كلّ

ما فعله المشركون من أهل مكّة مع رسول الله صلي الله عليه وآله إلاّ أنّ التاريخ لم يحدّثنا أنّه صلي الله عليه وآله أجبر ولو شخصاً واحداً علي الإسلام، ولو أنّه صلي الله عليه وآله أراد أن يجبر أهل مكّة علي الإسلام لأسلموا كلّهم تحت وطأة السيف، لكنّه صلي الله عليه وآله لم يفعل ذلك ولم يجبر أحداً علي الإسلام. أمّا دعوي إسلام أبي سفيان فكان بتحريض وتخويف من العباس بن عبد المطلب (عمّ النبي) وليس من النبي صلي الله عليه وآله نفسه، فالعباس هو الذي طلب من أبي سفيان أن يُسلم حفاظاً علي دمه لئلا يقتله النبي صلي الله عليه وآله، وكلام العباس ليس حجّة ولا تشريعاً، بل كان من عند نفسه. ولو أنّ أبا سفيان لم يسلم لما أجبره رسول الله صلي الله عليه وآله علي الإسلام. فكثيرون من أمثال أبي سفيان كانوا موجودين في مكّة ولم يقتل النبيّ صلي الله عليه وآله أحداً منهم بسبب عدم إسلامه، ولا أجبر أحداً علي الإسلام، بل تركهم علي دينهم مع أنّه باطل وخرافي لكيلا يسلبهم حرية الفكر والدين.

حقاً هل رأيتم مثيلاً لسلوك نبينا صلي الله عليه وآله في التاريخ؛ يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وأمانته ونبله وكرم أخلاقه، بمختلف أنواع الحروب القاسية ويطردونه من موطنه ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحراراً وما يختارون من دين وطريقة حياة؟!

نعم كان الرسول صلي الله عليه وآله يهديهم وينصحهم ويوضّح لهم طريق الرشد ويميّزه عن طريق الغيّ ثم يترك الاختيار لهم ?فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر?()، ?قد تبيّن الرشد من الغيّ فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي?()، ?وهديناه النجدين?()، ?إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً

وإمّا كفوراً?(). هذا هو أسلوب الإسلام، لاضغط ولا إكراه فيه.

وهكذا الحال في سيرة رسول الله صلي الله عليه وآله مع اليهود والنصاري. فلقد ردّ النبي الأكرم صلي الله عليه وآله عشرات الحروب والاعتداءات التي شنّها أهل الكتاب دون أن يجبر أحداً منهم علي الإسلام. لم يسجّل التاريخ ولو حالة واحدة يكون فيها رسول الله صلي الله عليه وآله قد أجبر ذمياً علي اعتناق الإسلام، والتاريخ حافل بسيرة النبي المصطفي صلي الله عليه وآله، وسجّل وحفظ الدقائق عن حياته. فالعلاّمة المجلسي رحمه الله وحده خصّص في موسوعته (بحار الأنوار) عشرة مجلّدات ذات أربعمئة صفحة أي ما مجموعه أربعة آلاف صفحة أو أكثر كلّها عن رسول الله صلي الله عليه وآله وحروبه وأخلاقه وسيرته مع المسلمين ومع المشركين وأهل الكتاب.. لا تجدون فيها موقفاً واحداً أجبر رسول الله صلي الله عليه وآله نصرانياً أو يهودياً علي اعتناق الإسلام، بل تجدون أنّه صلي الله عليه وآله كان له صديق مسيحي أو جار يهودي دون أن يجبره علي اعتناق الإسلام مع أنّه كان الحاكم الأعلي في الجزيرة العربية وكان بيده السيف والمال والقوّة الكافية.

أمثلة من سيرة أمير المؤمنين سلام الله عليه

ولو انتقلنا من رسول الله صلي الله عليه وآله إلي أهل بيته سلام الله عليهم لرأينا الحالة نفسها. فها هو الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قد كان مبتليً بأشخاص ذوي نفسيات وضيعة تردّ عليه وتقطع كلامه وتجادله بالباطل بل حتي تتطاول عليه، وهو مع ذلك لا يأمر بقطع رؤوسهم وهو الحاكم الأعلي الذي بايعته الأمّة قاطبة ناهيك عن كونه منصّباً من قِبل رسول الله صلي الله عليه وآله وبأمر من العلي القدير، بل كان يجيبهم ويترك لهم حرية العقيدة ما لم يتآمروا ويلجأوا إلي

استعمال القوة والسيف.

فثم شخص يُسمي ابن الكوا، ملحد زنديق، مشاغب مشعوذ، ذو مشاكل ومتاعب، كان يردّ علي أمير المؤمنين سلام الله عليه ويناقشه كلّ حين، حتي والإمام علي المنبر، ومع ذلك تركه الإمام وشأنه يعيش في المجتمع دون أن يفرض عليه شيئاً.

وهناك جرثومة أخري يدعي عمرو بن حريث، من طراز معاوية وأبيه، منافق وضيع، ومهما تقل فيه من عيوب النفس ودناءة الخلق فقليل بحقّه، كان ممّن يحضر المسجد ويستمع إلي خطب أمير المؤمنين سلام الله عليه ثم يقطع حديثه متهكّماً. وإذا أخبر أمير المؤمنين سلام الله عليه عن أمور غير ظاهرة – غيبية - ترك ابن حريث أعماله وجري خلف ما أخبر به أمير المؤمنين سلام الله عليه يزعم أنّه يريد أن يكشف للناس كذب أبي تراب!! وظلّت هذه الحسرة في نفس ابن حريث تنغّص عليه حياته حتي ذهب إلي قبره همّاً ونكداً دون أن يفلح في كشف ولو كذبة – حسب ما يزعم - لأبي تراب؛ وكأنه قد غفل – حاله حال المنافقين – أنه لا يتردد علي لسان أبي تراب سوي الصدق وأصله. وعاش هذا المنافق في ظلّ عليّ سلام الله عليه وبعده، والإمام علي سلام الله عليه لم يصنع معه أيّ شيء، ولم يقل له يوماً تخلّ عمّا أنت عليه وإلاّ ضربت عنقك! لأنّه إمام الإسلام؛ دين حرية الفكر والعقيدة.

أجل، إنّ من عرف الحقّ ولم يترك الباطل فإنّ مصيره يوم القيامة إلي جهنّم وبئس المصير. أمّا في الدنيا ف?لا إكراه في الدين? ليتمّ الامتحان ويُعرف الطالح من الصالح، والخبيث من الطيّب. فإنّ ابن حريث هذا امتدّ به العمر حتي كان من الشهود ضدّ ميثم التمّار رضوان الله عليه حينما أراد الطغاة الطغام

من بني أمية قتله، فقال في حقّه - ليدلي بشهادته ضده لكونه من أصحاب عليّ الحق ومواليه -: «هذا الكذّاب مولي الكذّاب» يعني علي بن أبي طالب سلام الله عليه مولي الصادقين وإمام المتّقين.

أرأيت نفسية هذا المنافق الدنيئة؟! إنّ رجلاً مثل هذا عاش مع أمير المؤمنين سلام الله عليه ثلاثين سنة وكان سلام الله عليه رئيساً وحاكماً بيده القوّة، ومع ذلك لم ينل منه! فهل رأيتم في تاريخ العالَم رئيس دولة كعلي؟! وهل رأيتم سماحة كسماحة الإسلام؟ وهل رأيتم حرية كقوله تعالي: ?لاإكراه في الدين?؟!

عن ابن عباس قال:

مرّ أمير المؤمنين سلام الله عليه بالحسن البصري وهو يتوضأ، فقال: «يا حسن أسبغ الوضوء. فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، يصلون الخمس ويسبغون الوضوء، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟ فقال: والله لأصدقنّك يا أمير المؤمنين، لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلتُ وتحنطتُ وصببتُ عليَّ سلاحي، وأنا لا أشك في أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فلمّا انتهيت إلي موضع من الخريبة ناداني منادٍ: يا حسن إلي أين؟ ارجع فإنّ القاتل والمقتول في النار! فرجعت ذعراً وجلست في بيتي فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشكّ أن التخلف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنّطتُ وصببتُ عليَّ سلاحي وخرجت إلي القتال حتي انتهيت إلي موضع من الخريبة فناداني منادٍ من خلفي: يا حسن إلي أين؟ مرّة بعد أخري، فإنّ القاتل والمقتول في النار! قال علي عليه السلام: صدقك أفتدري مَن ذلك المنادي؟ قال: لا. قال عليه السلام: ذلك أخوك

إبليس، وصدقك إنّ القاتل والمقتول منهم في النار. فقال الحسن البصري: الآن عرفتُ يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكي» ().

مقارنة

حقاًَ هل يجرؤ أحد من الرعية أن يكلّم رئيساً بهذا الكلام - والإمام مع ذلك يلاطفه ويحاوره- حتي في عصرنا هذا؛ حيث يمضي علي صدر الإسلام أربعة عشر قرناً، وتطوّر العالَم حتي صار يسمّي عصرنا بعصر الحرّيات؟!

لقد قتل وشرّد «لينين» - رئيس جمهوريات الاتحاد السوفييتي قبل حلّها وأمين سرّ الحزب الشيوعي السوفييتي - وحده في عصر الحرية والتقدّم خمسة ملايين إنسان من أجل تطبيق مادّة قانونية واحدة من قانون المزارع الجماعية في الاتّحاد السوفياتي السابق!!

وفي العراق كان أحد رؤساء العراق يخطب فانبري أحد المواطنين ليردّ عليه ويناقشه، فقام الجلاوزة باعتقاله وسجنه وتعذيبه وقتله، لأنّه قال كلمة ينتقد فيها رئيساً في القرن العشرين!!

وحدث شبيه لهذه القصة في بلد آخر - كما طالعتنا الصحف في حينه – وحلّ به المصير نفسه!! كلّ ذلك ونحن في ما يُسمّي بعصر الحريات. فهل هذه هي الحرية حقّاً أم الحرية الموجودة في ظلّ الإسلام؟!

لقد أُقصي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه خمساً وعشرين سنة ثم توجّهت إليه الأمّة وتزاحمت علي بابه للبيعة حتي لقد وطئ الحسنان() كما قال سلام الله عليه في خطبته المعروفة بالشقشقية. ومع ذلك ذكر المؤرخون - سنّة وشيعة - أنّ الإمام بعدما بويع، ارتقي المنبر في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وكان المسجد مكتظّاً بالناس الذين حضروا لاستماع أوّل خطبة لابن عمّ رسول الله ووصيّه وخليفته الحقيقي الذي أُبعد عن قيادة المسلمين خمساً وعشرين سنة، بعد أن آل إليه الحكم الظاهري، ثم أمر جماعة من أصحابه علي رأسهم ابنه الإمام الحسن سلام الله عليه أن

يذهبوا إلي الكوفة وينظروا هل هناك مَن لا يرضي بخلافته. فقال الناس بأجمعهم: رضينا بأمير المؤمنين ونطيع أمره ولا نتخلّف عن دعوته، والله لو لم يستنصرنا لنصرناه، سمعاً وطاعة(). بل حتي طلحة والزبير لم يتخلّفا عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام عندما انعقدت له، ولكنهما نكثا بعد ذلك، ولم يعترض أيّ أحد في هذا الأمر ولو حصل لما عاقبه الإمام بالقتل أو السجن أو الضرب ولا قال له شيئاً من شأنه أن يهينه أوينال منه! فهل رأيتم أو سمعتم مثل هذا في عصر الديمقراطية الحديثة؟! والتي تعني – من جملة ما تعنيه - حكم الأكثرية، فلو حصل شخص ما علي واحد وخمسين في المئة من الأصوات فهذا يخوّله لأن يصبح رئيساً للبلاد - وهذا يعدّ من أكبر أخطاء الديمقراطية، وبحثه موكول إلي محلّه - أمّا الإمام علي سلام الله عليه فقد بايعته الأكثرية المطلقة من الناس ومع ذلك يصعد المنبر ليبحث إن كان هناك معارض له أم لا، وليبحث عن سبب معارضته له! فهل تجدون لهذا نظيراً في التاريخ؟!

لقد كتب محبّو «صلاح الدين الأيوبي» الذين يشيدون بشخصيته ويعظّمونه أنّه قتل قرابة مليون إنسان ليس لشيء إلاّ لأنّهم يختلفون معه في الرأي.

فأين هذا من الإسلام ومن سيرة النبي صلي الله عليه وآله حين حاربه قومه عشرين سنة وأخرجوه من داره، ولكنّه عندما عاد إليهم ظافراً بنصر الله وعزّته وقدرته لم يجبر أحداً منهم علي اتّباع دينه، بل قال: مَن أغلق بابه فهو آمن، ومَن ألقي سلاحه فهو آمن، ومَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن(). ولم يقل مَن أسلم وشهد الشهادتين فهو آمن، مع أنّ مهمّته صلي الله عليه وآله هي تبليغ الشهادتين.. ولكنّ حرية الرأي

في نظام الله وقانون الإسلام لا تقلّ تقديساً من الشهادتين. فالإسلام يريد أن يجعل الناس أحراراً. قال تعالي: ?يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم?().

أنت حرّ ما لم تضرّ

يقول لك الإسلام: اعمل ما تشاء، فلك حرية العمل شريطة أن لا تضرّ غيرك؛ فإنّه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام() والإسلام يضرب بشدّة علي يد الظالم ومَن يريد إلحاق الضرر بالآخرين، فإذا ضمنت ذلك فأنت حرّ في كلّ أمورك، أيّ عمل تعمل، وأيّ مكان تذهب. وأنت حرّ في ذهابك ومجيئك وسفرك وصداقاتك، فلا ضغط ولا جبر ولا إكراه ولا كبت للحرية في الإسلام، ولكن ثمة توجيهات وإرشادات تبيّن لك السلوك الأحسن، تقول: هذا صحيح وهذا مستحبّ وهذا مفضّل وهذا مكروه.

فلنقرأ عن الإسلام، ولنقرأ عن غيره أيضاً ثم نقارن بينهما. ففي القرون الوسطي كان العالِم في الغرب يُقتل لمجرّد إبداء رأيه في قضية ما وإن كانت علمية محضة لا علاقة لها بالدين وتشريعاته!!!

فقتلوا القائل بكروية الأرض، وكذلك الرجل الذي ترجم الكتاب المسمّي عندهم بالمقدّس؛ فقد كان هذا الكتاب حكراً علي رجال الكنيسة فقط ولا يعرف لغته غيرهم.

هكذا كانت حالة أوربا في القرون الوسطي أي بعد مرور أربعمئة سنة علي الإسلام. فهل يصحّ مقارنتها مع عهد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه؟ كلاّ بالطبع؛ إذ كيف يصحّ مقارنة الصفر بالكثير بل لابدّ أن يكون مقابل الكثير عدد لتصحّ المقارنة. ومن هنا قيل: مَن فضّل علياً علي معاوية فقد كفر، لأنّ معاوية لا فضل عنده ليكون علي أفضل منه. بل لا يقاس بآل محمد من هذه الأمّة - ولا من غيرها - أحد()، فلقد كانوا صلوات الله عليهم أجمعين يمثّلون القرآن.

التزم بتوجيهات الإسلام ولا تكن عبد غيرك

هناك تهمة وجّهها بعض المستشرقين إلي الإسلام ويردّدها بعض الشباب الذين لا يعرفون الإسلام حق معرفته. فهم يقولون: إنّ الإسلام كلّه محرّمات وقيود ونواهٍ. ونحن نقول لهم: بالعكس تماماً فإنّ الحرية الموجودة في الإسلام لا يوجد

لها نظير في كلّ مكان!

خذوا أكثر بلدان العالَم ادعاءً للحرية كفرنسا والولايات المتّحدة مثلاً، تري القيود الكثيرة للسفر منها وإليها وفي جوانب كثيرة أخري منها كيفية تربية الأسرة. فهذه القيود موجودة في كلّ دول العالَم وإن كانت في بلداننا أشدّ. أمّا في الإسلام فلا يوجد فيه مثل هذا! فلا يقول لك الإسلام: أين تسكن؟ وأين تذهب؟ وكيف تذهب؟ ومتي تذهب؟ بل يقول لك: إنّ الله خلقك وهو الذي أعطاك الفكر والعقل فلا تكن عبد غيرك، ولا يجب أن تخبر الدولة عن خروجك ودخولك، وإقامتك ورحيلك، وما تستورد وما تصدّر - ما لم يكن ممّا حرّمه الله - لكن الإسلام يضع لك التوجيهات ويقول لك إن التزمت بها تفلح وإلاّ تخسر!

الإسلام يهدي ويرسم الطريق، وبعده لا إكراه في الدين أي كلّ أنواع الإكراه يرفضها الدين. والحريات الموجودة في الإسلام لا نظير لها في التاريخ. وكانت تلك نماذج وهناك مئات بل آلاف النماذج في سيرة النبي وأهل بيته سلام الله عليهم.

فمَن يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها. ومَن يتمسّك بالطاغوت ويذهب وراء المبادئ الهدّامة والطواغيت البشرية والفكرية فإنّما يتمسّك بعروة منفصمة، حيث سيكتشف بعد مرور عدّة أيام أو أعوام أنّه كان مخطئاً.

إذن الحرية التي يمنحها الإسلام في مختلف المجالات ليس لها نظير ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالَم حتي في هذا اليوم المسمّي بعصر الحريات.

وصلّي الله علي محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المحاضرة الثالثة والعشرون•

حقوق المرأة في الإسلام

حقوق المرأة في الإسلام

وقفة مع الآية الكريمة

?ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة والله عزيز حكيم?

• ألقيت هذه المحاضرة عام 1399 ه.، ضمن المحاضرات الأخلاقية علي

طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة

الله علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

قال الله تعالي في كتابه الكريم: ?ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة والله عزيز حكيم?().

الشرح اللفظي للآية الكريمة

?لهن? أي للنساء، من الحقوق ?مثل الذي? يجب ?عليهنّ? تجاه الرجال. أي إنّ حقوق النساء علي الرجال مماثلة لحقوق الرجال علي النساء. وهذا حكم ?بالمعروف? وليس منكراً. ?وللرجال عليهنّ درجة? فوق النساء ?والله عزيز? في ذاته ?حكيم? في أحكامه.

في هذه المحاضرة نريد أن نبحث باختصار جانباً من قضية المرأة ومكانتها في الإسلام.

يتألف المجتمع الإنساني من شقين، الذكور والإناث. وهذه الظاهرة سارية في الحياة الحيوانية والنباتية والجمادية أيضاً. فهكذا خلق الله الكون نصفه ذكور ونصفه إناث، ?ومن كلّ شيء خلقنا زوجين?(). ولكن النصف من الذكور أقل عدداً من الإناث، فالأنثي تمثّل النصف الأكبر عدداً في المجتمع. فما هو حكم الإسلام ونظرته لها؟

"تحرير المرأة" شعار جميل الظاهر خاوي المحتوي

هناك في العالم حقائق وواقعيات، وهناك ظواهر وشكليات. قد تري شخصاً يكلمك عن موضوع ما كلاماً جميلاً جداً ولكن هذا الكلام لا عمق له في قلبه لأنه لا يلتزم به. فمثلاً يدعو الناس إلي ترك شرب الخمر بينما هو رجل سكير، أو يدعو إلي الإسلام وهو أوّل المخالفين له.

وربما تري الرجل جالساً أمامك بوجه منطلق بشوش ولكن لو شقّ لك عن قلبه لرأيته مليئاً بالهموم والمشاكل. وهذا يعني وجود ظواهر وشكليات إلي جانب الحقائق والواقعيات المخالفة والمناقضة.

إلاّ أنّ مثقالاً من الواقع والحقيقة يؤثر أكثر من قنطار من الظواهر الخاوية. فلو أنّ بين يديك الآن آلاف بل ملايين من البشر لكنهم موتي بلا أرواح، لما كلّمك واحد منهم حتي حرفاً واحداً، ولكن لو تجلب طفلاً صغيراً عمره شهر واحد فقط لملأ لك البيت ضجيجاً. وما ذلك إلاّ لأن الطفل واقع وحقيقة، أما الموتي فلا أثر لهم وإن حدّثتهم لم تسمع لهم جواباً، لأنّه لا واقع للحياة فيهم.

وهذه الدنيا صبغتها الظواهر. وعندما نأتي إلي قضية المرأة

نلاحظ أنّ الشعارات التي تُرفع باسمها ليست سوي ظواهر مزيّفة وضجيج فارغ.

فتحرير المرأة مثلاً كلمة جميلة ولكن عندما تنبش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أنّ فيها حثّاً علي ابتذال المرأة وإذلالها وليس حريتها كما يزعمون.

أما قول الله تعالي: ?ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف? فكلمة جميلة الظاهر عميقة المحتوي؛ فلو بحثت التاريخ كلّه لما وجدت كلمة في جمال هذه الآية تجمع بين الواقع العميق وبين المظهر الجميل. إنها تتألف من أربع كلمات فقط ولكن لو أُعطيت لأي عاقل ملتفت لقال إنها أحسن ما قيل في حق المرأة().

لو أردنا أن نوجز - بتفكير وعمق - كلّ ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات لما وجدنا أجمل ولا أجمع من هذه الكلمة. ولو عرضت هذه الكلمة علي عقلاء العالم وحكمائه فسيقولون لك كلّهم: إنها تعبر عن تقسيم عادل حكيم.

ولكنّا نريد في هذا البحث الإجابة علي سؤالين أو شبهتين تثاران اليوم كثيراً بخصوص أحكام المرأة في الإسلام، تقول الأولي: لماذا جعل الله حصة المرأة من الإرث نصف حصة الرجل؟ والثانية: لماذا جعل الطلاق في الإسلام بيد الرجل دون المرأة؟

قبل الإجابة علي السؤالين لابدّ من مقدمة:

الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر

لاحظوا بدن الإنسان وهيكله تجدونه مديناً في حركته إلي العظام والغضاريف، والغضروف لا هو لحم ولا هو عظم بل حالة فيما بينهما وهو الرابط بين مفاصل العظام. فلو أنّ جسم الإنسان كان كلّه عظماً لما تمكن أن يدير رأسه ولا أن يرفع يده ولا أن يمشي بل سيكون مضطراً لأن يبقي ممدداً طيلة الوقت في حالة واحدة، لأنّ الغضروف هو الذي يساعد المفاصل علي الحركة والقبض والبسط، وهذا شيء واضح.

كذلك إذا كان بدن الإنسان

كلّه غضاريف ولا عظم في جسمه، فإنّه أيضاً لا يقوي علي الحركة بل سيظل كتلة ملقاة علي الأرض لا يتمكن أن يجلس أو يسير لأنّ قوة العظم وشدته هي التي تحمل الإنسان وتجعله يقوي علي القيام والقعود وحمل الأشياء و…

ومن ثم كان بدن الإنسان محتاجاً إلي العظم والغضروف معاً ليكمل أحدهما الآخر في مهمة الحركة والقيام بأعباء الحياة.

إنّ مَثل الرجل والمرأة في الحياة مَثل العظم والغضروف في بدن الإنسان، وثم مثل آخر نضربه لتوضيح الموضوع - والأمثال كلّها من الطبيعة وكم لها من نظير - وهو أنّ الحياة مزيج من العقل والعاطفة، فإنّ الحياة لا تبني بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها. فلو أنّ الحياة سُلب منها العقل عادت فوضي لا نظام فيها، ولا وجدتَ مجلساً منعقداً بعض يتكلّم وبعض يستمع، فإنّ العقل هو الذي يحدد العاطفة ويؤطّرها.

كذلك لا تستقيم الحياة لو كانت خلواً من العاطفة وكانت كلّها عقلاً. ولا انعقد مجلس كمجلسنا هذا أيضاً، فلا أنا كنت مستعداً لأن أتكلّم في مجلس كهذا ولا أنتم كنتم مستعدين للحضور في مثل هذا المجلس والاستماع إليَّ. لأنّ كلاًّ منّا كان يفكر أنّه ينبغي أن يكون رئيساً أعلي لدولة كبيرة أو مرجع تقليد كبير؛ أو علي الأقل متحدثاً لجمهور كبير. فبالعقل المجرد عن العاطفة يبحث كلّ إنسان عن طريق يسود فيه ويفرض شخصيته علي الملايين. لكن الحياة بقيت متوازنة بوجود العقل والعاطفة معاً.

ومَثل المرأة والرجل في الحياة كمثَل العاطفة والعقل، ولكن ذلك لا يعني أنّ المرأة عاطفة بلا عقل، وأنّ الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعني أنّ المرأة كيان عاطفي تترجّح فيه كفة تأثير العاطفة خلافاً للرجل - في الغالب - فهو كيان يتغلب فيه العقل علي العاطفة.

فلو قلنا إنّ مجموع العقل والعاطفة مئة فإنّ عاطفة الرجل 40? وعقله 60? أمّا المرأة فتأثير عقلها 40? وعاطفتها 60? مثلاً من أجل تسيير الحياة.

ومن الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما كما تختلف واجبات الغضروف عن العظم، والعاطفة عن العقل. فاستقامة البدن بالعظم وحركته بالغضروف ولو أردتَ أن تساوي بينهما فمعناه أنّك شللت البدن. وفي الحديث لو أن الناس تساووا لهلكوا.

أو مثَل آخر: لو أردتَ أن تساوي بين المرأة والرجل في كلّ الأمور تكون كمَن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة كيلوات من أجهزة دقيقة. فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة علي حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات استُفيد منها بالوجه الصحيح.

ومثال آخر -والأمثلة كما قلت كثيرة -: لو ساويت في الأكل الذي تقدمه لببغاء صغير وأسد ضخم، فربما مات الببغاء خنقاً والأسد جوعاً.

ولذلك قال الله تعالي: ?ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف? أي بما يتناسب وطبيعة كلّ منهما. فإذا أردنا أن نُدخل النساء المعامل الثقيلة أو نُسكن الرجال البيوت للقيام بالمهام المنْزلية، فكلا الفرضين يحدث شللاً في الحياة. والدليل علي ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية. فمن أين جاءت هذه المشاكل مع أنّ البشر هم البشر والرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة؟ الجواب: لأنّ واجبات المرأة أُخذت منها وخُوّلت بواجبات الرجل، وواجبات الرجل أُخذت منه وأُعطيت للمرأة، لذلك حدث شلل في الحياة الأسرية ومشاكل، وبدأ الرجال يزدادون تنفراً من زوجاتهم، والنساء يزددن تنفراً من أزواجهن، وأخذت نسبة الطلاق تتزايد يوماً بعد يوم.

انظر إلي الدراسات التي أجريت علي إحصائيات نسبة الطلاق في أيّ بلد من البلاد الغربية المتمدنة منذ عام 1900م والعقود التالية ترَ معدّلاتها في

تصاعد مستمر. فالعلم يتقدم بالبشر إلي الفضاء ولكن مشاكله تتقدم به إلي الطلاق وانهدام الأسرة وتفككها وتفاقم المشاكل الزوجية، لماذا؟ لأنّ كلاًّ تخلّي عن بعض واجباته وقام بواجبات الآخر، مع أنّه ليس كفئاً لها، والحياة حياة الأكفّاء، كما هو الحال في الحياة المادية. فالمهندس يدرس أكثر من عشرين سنة لكي يتخصص في مجال ما ويعطيك رأيه في الخصائص التي ينبغي أن يتحلي بها سقف ما - مثلاً - لكي يتحمّل وزناً ما.

فإذا كان جانب صغير من الحياة المادية يحتاج لكلّ هذه الدراسة والكفاءة، أفيصحّ بعد ذلك أن يكون حال البشر المؤلَّف من المادة والمعني، ومن الواقع والظاهر، هكذا هملاً ومن دون تقدير.

خذ مثلاً آخر علي نتائج الابتعاد عن أحكام الله تعالي في حياة البشر، من الحضارة الغربية نفسها وهو مستشفيات الأمراض العصبية فهي أكثر عدداً من المستشفيات الأخري في الغرب، علي العكس من بلادنا! ومن الواضح أنّ 90? من أمراض الأعصاب تنشأ من المشاكل، فمن أين تأتي المشاكل؟ هل تأتي من الله - سبحانه - ينزلها مع أشعة الشمس علي البشر؟ أم يفيض بها البحر علينا؟ كلاّ! بل تأتي من أفكارنا نحن، حينما يضع كلّ منا نفسه في غير موضعه.

لقد صعدوا بالمرأة من جانب ونزلوا بها من جانب آخر فتولدت المشاكل. إنّ المرأة مثال العاطفة في الحياة، فالأمور التي تحتاج إلي العاطفة مخوّلة للمرأة، بينما الرجل مثال العقل ولذلك أوكلت إليه الأمور التي تحتاج إلي عزم وتصميم، ومن هنا قال الله تعالي: ?وللرجال عليهنّ درجة?.

قد يثار هنا سؤال هو: هل العقل يسيّر العاطفة أم العاطفة تسيّر العقل؟

نقول في الجواب: إنّ العقل هو الذي يسيّر العاطفة. يقولون: إنّ كلّ الثورات التي تحدث في العالم تحتاج إلي

أمل وألم.. بل كلّ حركة وراءها أمل وألم. فالألم يحرّك الإنسان والأمل مظهر العقل، والعقل يحدد الأبعاد، فمثلاً الإنسان الشبعان الذي لا يعاني من ألم الجوع لا يبالي بترك أيام من العمل. أمّا الإنسان الذي لا يجد غذاء يتناوله ويشبع بطنه إن لم يخرج للعمل، فهو لا يترك حتي يوماً واحداً من العمل وإن كان عمله الاستجداء والسؤال من الناس، فالألم هو الذي يحرّك الإنسان، ولكن الأمل هو الذي يضع إطاراً وحدوداً للحركة.

لماذا كان نصيب المرأة من الإرث نصف نصيب الرجل؟

بعد عرض هذه المقدّمة الطويلة نسبياً نأتي إلي ذي المقدمة وهو قضية المرأة والإجابة علي السؤالين المتقدمين، وأوّلهما: لماذا جعل الله نصيب الرجل من الإرث ضعف نصيب المرأة؟

لكي يتضح الجواب، لابدّ من مراجعة أحكام الإسلام المالية فيما يخص الرجل والمرأة، فإنّ الإسلام جعل نفقات المرأة علي الرجل سواءً كانت بنتاً أم زوجة أم أمّاً. فحتي أدوات التجميل يحقّ لها تقاضي ثمنها من الزوج بما يتناسب وشأنها، ناهيك عن الغذاء والمسكن والملبس والدواء والترفيه وحتي كفن الزوجة إذا ماتت وماء غسلها وثمن الأرض التي تُدفن فيها وأجور الدفن و…، كلّ ذلك علي الزوج حتي إذا كانت الزوجة ثرية تملك الملايين والزوج معسراً، ولكن في حدود المعروف، كما قيَّدت الآية.

إذن لو مات أب وخلّف أولاداً ذكوراً وإناثاً فالإناث ليس عليهن مصارف لأنّ مصارفهن كلّها علي الرجال، أما الرجال فيتحملون مصارف أنفسهم ومصارف النساء التي تعود نفقتهن عليهم كالزوجة وهكذا الأخت والأم المعسرتين!

حقاً لولا لطف الإسلام ورفقه بالمرأة لاقتضي أن يجعل الإرث كلّه للرجل كما كان الأمر في الجاهلية - قبل الإسلام - وكما هو موجود في بعض الجاهليات الحديثة. ولو تُركنا وعقولنا ولم نستضئ بهدي الإسلام لبدا لنا اختصاص الرجل بالإرث كلّه معقولاً، فلماذا

نعطي المال للمرأة والرجل يصرف عليها كلّ ما تحتاجه؟ ولكن الإسلام لم يغفل أنّ المرأة قد تحتاج ولا تطلب من الرجل حياءً ولا يريد الإسلام للمرأة أن تبذل ماء وجهها، ولذلك فرض لها حصة من الإرث. هذا بالإضافة إلي أنّ في منحها حصة من الإرث نوعاً من تطييب نفسها سيما وهي مفجوعة أيضاً بموت قريبها.

فهل يعدّ حكم الإسلام في إرث المرأة بعد هذا ظلماً في حقها وحطّاً من كرامتها أم أنّ الأمر ببساطة ووضوح يتناسب مع الأحكام المالية الأخري للمرأة في الإسلام مع أخذ عاطفة المرأة بنظر الاعتبار، لأنّ الإسلام يلاحظ العواطف أيضاً؟!

لماذا وضع الإسلام الطلاق بيد الرجل؟

أمّا السؤال الثاني وهو: لماذا وضع الإسلام الطلاق بيد الرجل دون المرأة؟

فنقول في الإجابة عليه: لما كان كلّ فكرين يصطدمان بطبعهما، حتي الأخوين قد يختلفان أو الأب والابن، فكذلك حال الرجل والمرأة فإنّ الاختلاف أمر طبيعي في الحياة، وإلاّ لو لم يكن الاختلاف فلماذا يحصل الطلاق؟ وهل يصح أن نقول للزوجين المختلفين، تفاهما وقررا الطلاق معاً فهو بيدكما معاً وليس لأحد منكما دون الآخر، فكيف يتصوّر أن يتّفقا ويتفاهما وهما مختلفان؟ فأكثر حالات الطلاق إنما تنتج لأنّ الزوجين غير متناغمين، فالزوج قد يكون ثائراً إلي حد الرغبة بالطلاق أما الزوجة فغير ثائرة إلي ذلك الحد. وربما كان الأمر بالعكس، فكيف يتفقان علي الطلاق وهما مختلفان. إن التشاجر والنّزاع والصدام هو الذي يؤدي إلي الطلاق، فإذا كان هناك تشاجر ونزاع وصدام فكيف يتصور التفاهم وهو علي النقيض من تلك الحالات؟

إذن لابدّ أن يكون الطلاق بيد أحدهما أو بيد شخص آخر غيرهما ولا احتمال آخر. أمّا الاحتمال الأخير وهو أن يكون الطلاق بيد شخص أو جهة غيرهما، فهذا أمر مرفوض بالكامل لأنّ أياً من

الزوجين قد لا يبدي كلّ ما في قلبه تجاه الآخر للغير كما يبديه لزوجه، فكيف نترك شأن حياتهما المشتركة بيد شخص ثالث لا يعيش تجربتهما؟!

يبقي عندنا أحد احتمالين، إما أن يكون الطلاق بيد المرأة أو بيد الرجل وقدّمنا أنّ المرأة عاطفية أكثر من الرجل، وهذا التكوين العاطفي للمرأة قد يدفعها لاتخاذ قرار عاجل بالطلاق سرعان ما تندم عليه بعد زوال أسباب الإثارة، علي العكس من الرجل فطبيعته - في الغالب - لا تجعله يثور بسرعة وإذا ثار واتّخذ قراراً فلا يتراجع عنه بسرعة لأنّه لم يتخذه بتأثير عاطفي سريع الزوال؛ فثورة الرجل عن خلفية وامتداد وإذا حدثت تعمقت وتجذرت، أما ثورة المرأة فكزبد البحر أو الرغوة التي تعلو غسيل الثياب، فلو وضع الإسلام الطلاق بيد المرأة لكان خلاف الحكمة والتكوين الطبيعي لها.

انظر إلي نسب الطلاق في الغرب واستخلص منها العِبر، فحسب بعض التقارير أنّ 87? من النساء اللاتي طلَّقْنَ في الغرب تُظهر الندم في غضون شهر بعد الطلاق، ناهيك عن اللواتي لم يعلنَّ ذلك تجلّداً، أما الرجال فلم تبلغ النسبة من النادمين علي قرارهم بالطلاق 17?.

يتبين أنّ حكمة التشريع في وضع الطلاق بيد الرجل هو التقليل من حالات الطلاق ودعماً لأواصر المحبة بين الزوجين واستمراراً للحياة الزوجية.

هذا ولم يتجاهل الإسلام كرامة المرأة واختيارها حتي في هذا المجال، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج، والحرية في أن لا تتزوج إلاّ بشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، فيصبح لها هذا الحق كما للزوج، ولكنه مع ذلك يشجع في خطه العام علي الزواج، ويقول للمرأة: أنا أضع أمامك طريق الحياة السعيدة حتي مع كون الطلاق بيد الرجل، ولكن في الوقت نفسه، ولكي لا تشعري بالإجبار

والإكراه، لا أجبركِ علي شيء، وبإمكانك أن تضعي هذا الشرط قبل الزواج. وهذه المسألة طرحت في عهد الإمام الصادق سلام الله عليه.

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

المحاضرة الرابعةوالعشرون•

الإصلاح الزراعي في الإسلام

الإصلاح الزراعي في الإسلام

وقفة مع الآية الكريمة

?ولو أنّ أهل القري آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض?

• ألقيت هذه المحاضرة عام 1398 ه.، ضمن المحاضرات الأخلاقية علي طلبة العلوم الدينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

?ولو أنّ أهل القري آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون? ().

القرية في الاستعمال القرآني

القري جمع قرية، والقرية قد تُطلق ويراد بها معناها العرفي وهو ما يقابل المدينة فيكون المقصود من القري البلدان الصغيرة خارج المدن. وقد يراد منها معناها اللغوي وهو المصر الجامع وكلّ مكان اتّصلت به الأبنية واتّخذ قراراً، فتقع علي المدن وغيرها.

الاستعمال القرآني للكلمة يلحظ المعني اللغوي، فعندما يطلق القرآن كلمة قرية فإنّما يريد بها المدن والبلدان والأمصار. فالكويت مثلاً قرية في الاستعمال القرآني وكذلك بغداد والقاهرة ومكة المكرمة التي أسماها القرآن الكريم أمّ القري بهذه المناسبة.

معني البركة

البركة في اللغة: نماء وزيادة، أو هو الخير الدائم. فلا يقال عن شرّ أو سيّئ ولا عن الخير المنقطع أنّه مبارك().

فعندما نبارك لشخص تزوّج حديثاً فإنّما نتمنّي له دوام السعادة في زواجه، وكذلك عندما نبارك لشخص اشتري داراً فهذا يعني أنّنا نتمني له دوام هذه النعمة عليه ونماءها وزيادتها وارتقاءها، ويقول الله تعالي عن كتابه أنّه ?ذكر مبارك?() لأنّ القرآن خير نامٍ ومستمرّ.

لنزول البركات سببان؛ تكويني وتشريعي

إنّ الله تعالي هو خالق الإنسان وهو أعرف بما يصلحه، سواء من الناحية التكوينية أو التشريعية ?ألا يعلم مَن خلقَ وهو اللطيف الخبير?(). ولذلك سنّ الله تعالي قوانين لمصلحة الإنسان ونظام حياته بعضها تكويني هو مجبر عليها، وبعضها الآخر تشريعي ترك للإنسان تنفيذه. فإذا التزم الإنسان بتشريعات الله وما سنّه له من قوانين تصلح حياته نزلت عليه البركات التي مفتاحها القوانين التشريعية - إضافة إلي البركات التي أنزلها عليه بإرادته التكوينية التي لا دخل للإنسان فيها - وإلاّ عاش في خبط وظلام، وقد يحرمه الله من بركاته التكوينية أيضاً.

مثال البركات التكوينية

كان في انجلترا جسر يسمي بجسر الانتحار، يقصده الشباب الذين سُلبوا العقل والعاطفة ليلقوا بأنفسهم من علي مرتفع منه صوب الجهة التي يتدفّق الماء فيه بسرعة وقوّة ليتلقّفهم ويضرب بهم يميناً وشمالاً بالصخور ثم يموتون!

عندما لاحظ المهتمّون هناك أنّ معدّلات الانتحار في حالة ارتفاع مستمرّ، فكّروا في إيجاد طريق لتقليله - وهذا هو الفرق بين الإسلام وغيره، فإنّ الإسلام يستأصل المشكلات والأمراض من الجذور، أمّا الأنظمة الأخري فتفكّر في تقليله، وهي لا تنجح حتي في ذلك.

وبعد أن اجتمع المهتمّون من الخبراء والمفكّرين والعلماء وقاموا بتجارب كثيرة اهتدوا إلي شيء خلقه الله عزّ وجلّ منذ بدء الخليقة، حيث اكتشفوا أنّ اللون الأخضر أكثر الألوان تأثيراً في مخّ الإنسان، فالخضرة أقوي وأجمل لون يناسب المخّ. فقاموا بصبغ الجسر باللون الأخضر. وكانت النتيجة تدنّي معدلات الانتحار في السنوات القادمة بنسبة ثمانين في المئة.

والآن تعال إلي الطبيعة وانظر بأيّ لون كساها الله تعالي، لكي تطرد القلق والسأم عن الإنسان؟ إلاّ اللون الأخضر للأشجار؟

فكما أنّ خالق الطبيعة خلقها وفق نظام وقوانين تصلح للإنسان، فكذلك تشريعات الله! ولكن مع فرق أنّ الله

تعالي ترك الإنسان حرّاً في تطبيقها! ولذلك يقول الله تعالي: ?ولو أنّ أهل القري آمنوا…? الآية.

الإصلاح الزراعي في الإسلام لا غيره

ينطلق الإصلاح الزراعي في الإسلام من هذه الآية الكريمة التي صدّرنا بها البحث، ومن كلمة الرسول الخالدة، المذكورة في كتب الحديث كافة، حيث قال صلي الله عليه وآله مَن غرس شجراً أو حفر وادياً بدياً لم يسبقه إليه أحد وأحيي أرضاً ميتة فهي له؛ قضاء من الله عز وجل ورسوله(). ومعني الحديث أنّ الأرض لله تعالي وللإنسان الذي يعمر تلك الأرض؛ وأنّ هذا هو حكم الله ورسوله.

وفي الحديث الشريف: فإنّ الأرض لله عز وجل ولمَن عمَّرها().

يمرّ اليوم أكثر من أربعة عشر قرناً علي صدر الإسلام، وبسبب التطوّر العلمي الحاصل خلال هذه الفترة تطوّرت الزراعة وأساليبها. ولكن مقارنة بين أوضاع الزراعة في العصور الإسلامية وعصرنا الحاضر تكشف لنا بوضوح أنّ الإصلاح الزراعي موجود في الإسلام وليس في التشريعات الأخري، لأنّ مشرّع الإسلام هو الله سبحانه، وما عداه فهو فكر بشري قاصر لم يحقّق سوي إفساد الزراعة والنظام الزراعي!

يقول جرجي زيدان - الكاتب العربي المسيحي المعروف - في كتابه «تاريخ التمدّن الإسلامي»: إنّ الأراضي المزروعة في مصر اليوم تبلغ ستة ملايين فدّان. ثم ينقل عن الاصطخري: أنّ الأراضي المزروعة في مصر في القرن الرابع الهجري (أي قبل ألف سنة) بلغت ثلاثين مليون فدّان.

ثم يذكر نموذجاً آخر عن السدود المنشأة علي نهر دجلة في العراق من بداية دخوله عبر تركيا إلي العراق في مدينة الموصل في شمال العراق حتي بغداد في وسط العراق فيقول نقلاً عن الاصطخري أيضاً: أنّها كانت تبلغ علي هذا النهر في هذه المسافة التي تبلغ حوالي (500كم) زهاء أربعين سدّاً، فيما لا نعلم اليوم بوجود أكثر من سدّين

هما سد سامراء وسد الثرثار!!

إنّ المفروض في كمية الأراضي المزروعة في مصر اليوم - ومصر نموذج ومثال وإلاّ فهذا حال كلّ العالم الإسلامي - أن تكون أضعاف ما كانت عليه في العصر الإسلامي لو أخذنا بنظر الاعتبار التقدّم الحاصل في الآلات والمكائن الزراعية، بل إنّ أكثر الأعمال الزراعية كانت في العصور الإسلامية الأولي باليد. ومع ذلك فإنّ الزراعة كانت تغطّي معظم أراضي مصر التي تبلغ مساحتها ستّة وثلاثين مليون فدّان فقط. والشيء نفسه يقال بالنسبة للسدود المقامة علي نهر دجلة في العراق.

هذان نموذجان لأفضلية النظام الإسلامي من خلال أفضلية النتائج المحقّقة علي أرض الواقع اللذان ذكرهما جرجي زيدان في كتابه، وأنا أضيف إليهما مثالاً ثالثاً، وهو السدّ العالي في مصر. فقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما أنشأوا هذا السد، والذين عاصروا تلك الفترة يتذكّرون الضجيج الذي ملأ الآفاق عن السد العالي وأنّه خدمة للبلاد وإنجاز للأمة العربية، وتحدّثتْ الإذاعات وتناقلت الصحف أنباء بنائه، وبالفعل فقد ازدهرت الزراعة في مصر نسبياً فوصلت إلي سبعة ملايين وثمانمئة ألف فدّان، أي لم تبلغ الثمانية ملايين فدّان.

أقول: مع الأجهزة الحديثة والجرارات والأدوات، ومع السدّ العالي لم تصل نسبة الأراضي المزروعة في مصر إلي ثمانية ملايين فدّان؛ بينما وصلت في العهد الإسلامي رغم بداءة الوسائل إلي ثلاثين مليوناً!

الإسلام أفضل نظام

عندما نقارن هذه النتائج سنكتشف صلاحية النظام الذي أثمر النتائج الأفضل؟ إنّ هذا دليل علي صلاحية الإسلام وأنّه عرَف كيف يصلح الزراعة ويسير بها نحو الأفضل.

الإسلام ليس مجرّد نظريات بل كلّه فكر قابل للتطبيق، ولقد طُبّقت تشريعاته في العهود الإسلامية وأعطت نتائج باهرة.

ينقل المؤرّخون أنّه كانت توجد في مدينة البصرة أنهار تسير فيها الزوارق؛ بلغ عددها - أي الأنهار - اثني عشر

ألفاً!

وروي أيضاً أنّ رجلاً قدم العراق - قبل زهاء ألف سنة - وصنع للعراقيين شيئاً، وعندما أراد أن يعود إلي بلده قالوا له: نريد أن نكافئك علي صنعتك، فاطلب ما بدا لك. فقال: أريد منكم جريباً من أرض جرداء في العراق أزرعها (والجريب ألف متر مربع). فتعجّبوا من قوله، وقالوا: هذا هيّن، اطلب ما هو أعظم منه. ولكنه أصرّ علي طلبه. وعندما بحثوا لم يجدوا في العراق جريباً خالياً من الزرع!

ولعلّ الرجل كان يريد أن ينبّههم إلي النعمة التي يرفلون فيها. والقصّة ليست قصّة العراق أو مصر بل قصّة الوطن الإسلامي برمّته. اقرأوا التاريخ لكي تعلموا أنّ كلّ الوطن الإسلامي كان هكذا؛ لأنّ الله تعالي يقول: ?ولو أن أهل القري آمنوا…?. لاحظوا كتب الفقه والحديث عند الشيعة والسنة علي السواء، تجدون حرية في الزراعة لا توجد في أيّ نظام وتشريع، وإليها يعود الازدهار الزراعي في الإسلام.

فكلّ شخص يزرع أرضاً فهي له سواء كان مسلماً أم يهودياً أم نصرانياً أم مشركاً أم عابد وثن. يقول الإسلام: الأرض لله فمن يزرعها فهي له، ولا يسأل عن الزارع بعد ذلك؛ ما دينه؟ وما لونه؟ وما هي جنسيته؟ ومن أيّ منطقة هو؟ وهل هو من أهل البلد أم لا؟ ولا يسأل عن عمره، وعن المادة التي يريد زراعتها. يقول لك الإسلام: ازرع ما شئت ومهما شئت ما لم يكن من الأمور المحرّمة الضارة بالمجتمع فإنّه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

ابحث في كلّ الحضارات المعاصرة والبائدة هل تجد مثل هذه الحرية وهذا التمليك؟ أم ستلاحظ وجود مئات القيود والمواد القانونية التي تحرم الكثيرين من زراعة الأرض وإعمارها؟

يقول الإسلام: مَن أحيي أرضاً مواتاً فهي له()، والأرض الموات هي الأرض الجرداء

غير المزروعة والتي لا يوجد فيها نهر ولا قناة وغير محاطة مثل أكثر الأراضي المتروكة في البلاد الإسلامية.

وهذا النص سلاح ذو حدّين. فمن جهة هو يمنع الاحتكار، فلا يحق لك أن تحتكر هكتاراً من الأرض وتتركها جرداء، ومن جهة أخري يدفع نحو الإعمار الزراعي؛ فإنّك إن استطعت أن تزرع الأراضي الجرداء مهما بلغت مساحتها فهي لك. إنّ الإسلام يريد أن تنتشر الزراعة وأن تعمّ البركات الأرض كلّها.

لم يخلق الله تعالي الأمطار لتنزل علي أراضٍ جرداء وتذهب هكذا هباءً؟! ولكن لكي تسقي الأرض ويستثمرها الإنسان. لقد خلق الله تعالي الأرض والمطر والإنسان وربط بينهم وأطلق يد الإنسان ليحصل علي بركات السماء والأرض.

لقد وزّعت إحدي الحكومات الأراضي علي الناس فأعطت كلّ مواطن هكتاراً من الأرض، وعدّت ذلك إنجازاً عظيماً وتقدّماً وإصلاحاً، بينما هو خطأ من جهتين: فإنّ إعطاء شخص ما هكتاراً وهو لا يستطيع زراعة أكثر من جريبين مثلاً، تبديد للثروة وحرمان لغيره الذي يستطيع أن يزرعها كلّها.

كما أنّ إعطاء هكتار واحد فقط لمن يستطيع أن يزرع أكثر منها تبديد للطاقات وحرمان المجتمع منها، فكيف يساوي مَن عنده مال وطاقة وكفاءة ويستطيع إحياء عشرة هكتارات مثلاً بمَن لا يستطيع إحياء هكتار واحد؟!

إنّ في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مفاتيح لتنظيم معايش الناس بصورة صحيحة سواء في مجال السياسة أو الاجتماع أو التربية أو الاقتصاد أو الأسرة أو علاقات الأفراد بعضهم مع بعض، ولا طريق لنا إلاّ بالعودة إلي تعاليم الإسلام، فإنّ في كلّ آية وحديث إنقاذاً لنا من أبواب المشاكل التي نعاني منها. فلنرجع إلي القرآن ونطبّقه حرفياً علي وضعنا المعاصر ليُنزل الله علينا بركات من السماء والأرض.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وصلّي الله علي محمد وآله

الطيبين الطاهرين.

الفهارس

1. آيات القرآن الكريم.

2. الأحاديث والروايات الشريفة.

3. المصادر.

4. محتويات الكتاب.

آيات القرآن الكريم

الآية ورقمها السورة رقم الصفحة

الفاتحة

إياك نعبد وإياك نستعين 4 210

البقرة

هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً 29 143

إنا لله وإنا إليه راجعون156 201، 208

ولا تُلقوا بأيديكم إلي التهلكة 194 93، 314

ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال 229 335، 337،340، 341

لا إكراه في الدين … فقد استمسك بالعروة 256 62، 319، 320، 323، 325

الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله … بالمنّ والأذي 262 - 264 162

آل عمران

إن الدين عند الله الاسلام 19 36

وما النصر إلاّ من عند الله 126 307

لقد منّ الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً 164 163

فمَن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنّة فقد فاز 185 164

النساء

ولا تقتلوا أنفسكم 29 93

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول 59 43، 141، 142، 158

ما أصابك من حسنة فمن الله 79 287، 290 293

لا يحبّ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول إلاّ مَن ظُلم 148 35

المائدة

ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان 2 313

اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ 3 42، 43

أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله 16 28

والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما 38 84

ومن لم يحكم بما أنزل الله 44 313

إنّما وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ والّذينَ آمَنوا الّذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ 55 46

وَلَوْ أنَّهُمْ أقاموا التَوْراةَ … يا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ ما أنزِلَ إلَيْكَ 66- 67 44

لتجدّن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود 82 19

الأنعام

فمستقرّ ومستودع 98 227

قل الله ثم ذرهم 91 201

ولا تزر وازرةٌ وزر أخري 164 27

الأعراف

ولو أن أهل القري آمنوا 96 349، 354،351

يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم 157 329

ولله الاسماء الحسني فادعوه بها 180 49

الأنفال

الذين إذا ذكر الله

وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته 2 268

ليهلك من هلك عن بيّنة 42 26

التوبة

قل إِن كان آباؤكم وأبناؤكم … أحبّ إَِليكم مِنَ الله 24 220

وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون 105 166

يونس

ثمَّ جَعَلنَاكمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِن بَعدِهِم لِنَنظرَ 14 217، 221، 224، 225

هود

فاستقم كما أُمرتَ 112 219، 220

ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم 118-119 261

الرعد

فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب 40 298

إبراهيم

ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت 17 113

الحجر

ذرهم يأكلوا ويتمتعوا 3 279

ولقد كذّب أصحابُ الحجر المرسلين 80-81 297

النحل

إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون 40 299

ادع إِلي سبِيلِ ربكَ بِالحِكمةِ والموعِظةِ الحسنة 125 176

الكهف

فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر 29 323

المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير 46 275، 276

طه

ولقد منَنّا عليك مرّة أخري 37 163

الأنبياء

لَوْ كانَ فيهما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا 22 47

وجعلنا من الماء كلّ شيء حي 30 350

ونبلوكم بالشر والخير فتنة 35 240

ذكر مبارك 50 350

الشعراء

قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم 155 300

القصص

ونريد أن نمنّ علي الذين استُضعفوا في الأرض 5-6 161، 163-165

العنكبوت

أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتَنون 2 - 3 308

وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ 64 214

لقمان

ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض 20 143

الأحزاب

إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا 10 307، 308

وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض 12 305، 306، 308، 315، 316

وكفي الله المؤمنين القتال 25 309

سبأ

قُل إنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا للهِ 46 195، 196، 200، 204

فاطر

إنّما يخشي الله من عباده العلماء 28 75

الصافّات

ولقد منَنّا علي موسي وهارون 114 163

فصّلت

وما ربّك

بظلاّم للعبيد 46 293

الشوري

شرع لكم من الدين ما وصّي به نوحاً … أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا 13 99، 100

الفتح

يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم 10 182

ليظهره علي الدين كله 28 17، 23

ق

ونحن أقرب إليه من حبل الوريد 16 85

الذاريات

ومن كلّ شيء خلقنا زوجين 49 336

النجم

ثم دنا فتدلّي. فكان قاب قوسين أو أدني 8-9 101

لقد رأي من آيات ربه الكبري 18 101

الحديد

لِكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بِما آتاكم 23 233، 243

الحشر

وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا 7 92

الصف

يَاأيّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقولونَ مَا لا تَفعَلونَ 2-3 219

الملك

ألا يعلم مَن خلقَ وهو اللطيف الخبير 14 350

الحاقّة

إنّا لمّا طغي الماء حملناكم في الجارية 11 319

ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل … فما منكم من أحد 44-47 73، 84-87

المعارج

في يوم كان مقداره 4 126

الجن

وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً 18 84

المدثر

ولا تمنن تستكثر 6 162

الإنسان

إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفورا 3 323

البلد

وهديناه النجدين 10 323

النصر

ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً 2 11، 13 20

الأحاديث والروايات الشريفة

آخر فريضة أنزلها الله الولاية فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها 42

آخر ما يخرج من قلب المؤمن حب الجاه 235

أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله صلي الله عليه وآله؟ 62

اخرُج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلا 92

إذا زلّ العالِم يزلّ بزلّته العالَم 227

إذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد 182

إذا لم يتَّقِ الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه 255

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث 282

أربع من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم 207،214

استعملتموه حتي إذا كبُر وعجز منعتموه! 22

أفِد يا مفيد، منك الفتيا ومنّا التسديد 88

أفضل الأعمال

في هذا الشهر الورع عن محارم الله 33، 248، 253

ألا وإن الله سائلكم عن أعمالكم حتي عن مسّ أحدكم ثوب أخيه 94

ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه 45، 180

ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه 147

إلهي خلقتني سميعاً، فطالما كرهت سماعي 252

أما والله أن لو كان ذاك ما كان إلا سياسة الليل وسياحة النهار 180

إن أرض الكعبة قالت: من مثلي و قد بني بيت الله علي ظهري! 118

إن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا 50

إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن لمكانك منّا 134

إن الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة 102، 105، 106

إنّ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة 164

إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين عليه السلام 125

إنَّ الضَّيْفَ إذَا جَاء جَاء بِرِزْقِهِ وإذَا ارتَحَلَ ارتَحلَ بِذُنُوبِ أَهْلِ البيتِ 168

إنّ الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أعمالكم وإنّما ينظر إلي قلوبكم 218

إن صبرت جري عليك القدر وأنت مأجور 243

إنّ علياً سار بالمنّ والكفّ 177

إنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ 177، 179

إِنَّ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ ثَلاثَةَ أَخِلاءَُ 277

أنا عبدٌ من عبيد رسول الله صلي الله عليه وآله 12

إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم 188

إنّا لنحبّ أن نعافي فيمَن نحبّ، فإذا جاء أمر الله سلّمنا فيما أحَبََّ 235

أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي 271

إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ 147

أنه لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوة 157

إنّي أكره أن أبدأهم 181

إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور 49

برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه 309

بعث رسول الله صلي الله عليه وآله خالد بن الوليد إلي حي

270

بمثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركاتها 91

بينه وبين الله عز وجل عمود من نور يري فيه أعمال العباد 166

تدمع العين ويحزن القَلْبُ ولا نقول ما يُسخط الرب 115

تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة 252

ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطا وزعافاً ممقرا 68

حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة 197

حتي أفضت كرامة الله سبحانه وتعالي إلي محمد صلي الله عليه وآله 259

حتي لقد وطئ الحسنان 327

حسين منّي وأنا من حسين 106، 107

رحم الله عبداً أحيي أمرنا 69

الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن 233، 240، 243

الزهد مفتاح الآخرة، والبراءة من النار 200

الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم 248

شيّبتني هود 220

الصادع بالحكمة والموعظة الحسنة 177

الصدقة باليد تدفع ميتة السوء … وتفكّ عن لحي سبعين شيطاناً 281

علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار 61، 65

عميت عين لا تراك 203

فاجعل اللهم صباحي هذا نازلاً عليّ بضياء الهدي 35

فأجيبوني تكونوا ملوكاً في الدنيا وملوكاً في الآخرة 23

فالمستقر ما ثبت من الإيمان، والمستودع المعار 227

فإنّ الأرض لله عز وجل ولمَن عمَّرها 352

فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم 248، 261

فإنّ الله تعالي أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحدا 259

فإن اليوم عمل ولا حساب، وإنّ غداً حساب ولا عمل 127

فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم 126

فزجَّ بي في النور زجّة حتي انتهيت إلي حيث ما شاء الله من علوّ ملكه 101

فعلي الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك 17

فكادت نفسي تخرج وَتَبَيَّنَت ذلك مني عَمَّتي زينب 136

فليشرّق وليغرّب 45

قد قال لي إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا 92

قد كان ما رأيت فما منعك

أن تعين علينا عدوّنا؟ 326

قولي بقي كلّها إلاّ رقبتها 278

كان في زمن موسي عليه السلام ملِك جبّار قضي حاجة 288

كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم 266

كونوا زيناً ولا تكونوا شينا 266

كيلا يتبيّغ بالفقير فقره 180

لا تتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا 28

لا ضرر ولا ضرار في الإسلام 329

لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو كافر 65

لأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً 92

لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الاولون، ولا يدركه الآخرون 50

لكل مأموم إمام يقتدي به 269

للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد 187

لما اختلف في هذه الأُمّة سيفان 67

لو أُعطيت الأقاليم السبعة … علي أن أعصي الله في نملة أسلبها 47، 48، 203

لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة 52

لو قتلت الأحبة لقتلت من في تلك الدار 63

لولاك لما خلقت الأفلاك 73، 102

لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَة 134

ما استغفاري وتضرعي لله سبحانه وتعالي إلا لأستقرّ في قبري 28

مَن أتي الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه كتبه الله في أعلي علّيين 102

مَن أحيي أرضاً مواتاً فهي له 355

مَن أغلق بابه فهو آمن، ومَن ألقي سلاحه فهو آمن 329

من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته 15

من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه وكان محدّثه الحسين عليه السلام 126

مَن طلب شيئاً ناله أو بعضه 251، 261

مَن غرس شجراً أو حفر وادياً … وأحيي أرضاَ ميتةً فهي له 311، 352، 355

من كنت مولاه فعليّ مولاه 42

مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية 175، 185

الناس مسلّطون علي أموالهم 93

نَفَسُ المَهموم لِظُلْمِنا تَسْبيحٌ، وَهَمّهُ لَنا عِبادَة 122

هذا كتابنا عليك أيها الأخ الولي، والمخلص في ودّنا 188

هذا

وليكم من بعدي 67

هلك فيَّ رجلان محبّ غال، ومبغض قالٍ 29

واعلموا أنّ الدُّنيا حُلْوُها وَمُرُّها حُلم 129

والله لقد قُتل قتلة الحسين عليه السلام ولم يُطلب بدمه بعد 117

وإن أرض كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدّس الله 118

وإنّ لك في الجنة درجات لا تنالها إلاّ بالشهادة 78

وإنما العيش الرغد في الجنة 66

وجعلتم فيه من أهل كرامة الله 259

وحال بينك وبين مواهب الله لك 56

وذلك في سلامة من ديني 33، 34، 35

وقارب من خطوه وشمّر من ثوبه 218

وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين عليه السلام 89

وكانت الولاية آخر الفرائض 42

ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص 45

ولو دنوت أنملة لاحترقت 101

وَلْيَجْتَهِدَنَّ أئِمَّة الكُفْرِ وَأشْياع الضَّلالة في محوه 135

وما كان سببُ إسلام عامّة اليهود إلا من بعد هذا القول 18

ومن ترك دَيْناً أو ضياعاً فإليَّ أو عليَّ 16

ويأتي علي أمتي زمن لا يبقي من الإسلام إلا اسمه 23،313

يا رب برئت اليك مما ادعي فيّ الأجدع عبد بني أسد 27

يا علي ائت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مما صنع خالد 271

يا علي أعطيتهم ليرضوا عني؟ رضي الله عنك يا علي! 271

يا عليّ حربك حربي وسلمك سلمي 178

يابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره 293

يامحمد، احبب مَن شئت فإنّك مفارقه، واعمل ما شئت فانك ملاقيه 239

يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه 287

يعزّ علي رسول الله صلي الله عليه وآله مصرعهم 115

يوم غدير خم … هو عيد الله الأكبر 67

يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي 41

المصادر

القرآن الكريم.

نهج البلاغة.

أ –

الإحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي / من أعلام القرن السادس الهجري

/ ط. مطابع النعمان – النجف الأشرف.

الإرشاد: للإمام المحقّق محمّد بن النعمان النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالمفيد / ت413ه / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

إرشاد القلوب للشيخ أبي محمّد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي / من أعلام القرن الثامن الهجري / ط. منشورات الرضي – قم.

أعيان النساء للشيخ محمّد رضا الحكيمي / معاصر / ط. مؤسّسة الوفاء – بيروت.

إقبال الأعمال لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن جعفر بن طاووس / ت664ه / ط. مكتب الإعلام الإسلامي – قم.

الأمالي للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي / ت460ه / ط. منشورات مكتبة الداوري – قم.

أمالي الصدوق الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

أمالي المفيد الإمام الفقيه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي / ت413ه / ط. منشورات مكتبة بصيرتي – قم.

الإمام والتبصرة للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. مدرسة الإمام المهدي «عجّل الله فرجه» - قم.

الإمامة والسياسة لأبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري / ت276ه / ط. انتشارات الشريف الرضي – قم.

أنساب الأشراف لأحمد بن يحيي بن جابر بن داود البلاذري / ت279ه / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

- ب -

بحار الأنوار للعلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي بن المقصود علي الملقّب بالشيخ المجلسي / ت1111ه / ط. مؤسّسة الوفاء – بيروت.

- ت -

تاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر / ت571ه / ط. دار الفكر – بيروت.

تاريخ الطبري لأبي جعفر محمّد بن جرير / ت310ه / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

تفسير

الإمام الحسن العسكري منسوب للإمام الحسن بن علي العسكري / ط. مدرسة الإمام المهدي «عجّل الله فرجه» - قم.

تفسير العيّاشي للمحدّث أبي النصر محمّد بن المسعود بن محمّد بن العياش التميمي المعروف ب (العيّاشي) / ت320ه / ط. المكتبة العلمية الإسلامية – طهران.

تفسير فرات الكوفي لأبي القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات / ت352ه / ط. مؤسّسة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران.

تفسيرالقمّي لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم أبي إسحاق القمّي / ت329ه / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

تفسير مجمع البيان للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي / ت560ه / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

تفسير نور الثقلين للعلاّمة الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي / ت1112ه / ط. دار الكتب العلمية – قم.

تهذيب الأحكام للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي / ت460ه / ط. دار الكتب الإسلامية – طهران.

توحيد الصدوق للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. مكتبة الصدوق – طهران.

- ث –

ثواب الأعمال للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. مكتبة الصدوق – طهران.

- ج –

جامع الأخبار للشيخ أبي الحسن علي بن أبي سعيد بن أبي فرج الخياط / ت585ه / مخطوط.

جامع المدارك في شرح المختصر النافع للسيّد أحمد بن السيّد العلاّمة يوسف الموسوي الخوانساري / ت1405ه / ط. مكتبة الصدوق – طهران.

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمّد حسن بن الشيخ باقر بن الشيخ عبدالرحيم النجفي / ت1266ه / ط. دار الكتب الإسلامية – طهران.

جواهر المطالب في مناقب الإمام الجليل علي بن أبي طالب عليه السلام لشمس الدين أبي البركات

محمّد بن أحمد الشافعي المعروف بابن الدمشقي / ت871ه / ط. مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم.

- ح –

حلية الأبرار للسيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني / ت1107ه / ط. مؤسّسة المعارف الإسلامية – قم.

- خ –

الخصال للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. جماعة المدرّسين – قم.

- د –

دعائم الإسلام لأبي حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي / ت363ه / ط. دار المعارف – بيروت.

دلائل الصدق للشيخ محمّد حسن بن الشيخ محمّد بن عبدالله المظفّر / ت1375ه / ط. مكتبة بصيرتي – قم.

- ذ –

الذريعة إلي تصانيف الشيعة للعلاّمة آقا بزرك الطهراني / ت1389ه / ط. المكتبة الإسلامية – طهران.

- ر –

رجال الكشي لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز.

روضات الجنّات للسيّد مير محمّد باقر بن زين العابدين بن أبي القاسم بن حسين بن أبي القاسم جعفر المشتهر بالمير الكبير / ت 1226ه / ط. مكتبة اسماعيليان – قم.

روضة الواعظين للشهيد محمّد بن الفتال النيسابوري / ت508ه / ط. منشورات الرضي – قم.

- ش –

الشافي في الإمامة لأبي القاسم علي بن أبي أحمد الحسين المعروف بالشريف المرتضي علم الهدي / ت436ه / ط. ايران.

شرح أصول الكافي للمولي محمّد صالح السروي المازندراني / ت1081ه / ط. المكتبة الإسلامية – طهران.

شرح نهج البلاغة للشيخ عزّ الدين أبي حامد عبدالحميد بن أبي الحديد / ت655ه / ط. دار إحياء الكتب العربية – القاهرة.

- ص –

صحيح البخاري للإمام أبي عبدالله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة / 256ه / ط. دار الفكر – بيروت.

- ط –

الطرائف في معرفة مذاهب

الطوائف لعلي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس / ت664ه / ط. مطبعة الخيّام _ قم.

- ع –

العدد القوية لرضي الدين علي بن يوسف المطهّر الحلّي / من أعلام القرن الثامن الهجري / ط. مطبعة سيّد الشهداء – قم.

العروة الوثقي للسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي / ت1337ه / ط. مؤسّسة النشر الإسلامي – قم.

علل الشرائع للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. منشورات الداوري – قم.

عوالي اللئالي للشيخ محمّد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الإحسائي / ت نحو 880ه / ط. سيّد الشهداء (عليه السلام) – قم.

عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. منشورات دار الفنون – بيروت.

- غ –

الغيبة للطوسي الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن / ت460ه / ط. منشورات مكتبة بصيرتي – قم.

الغارات أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال المعروف بابن هلال الثقفي / ط. دار الأضواء – بيروت/ لبنان.

الغيبة للنعماني الشيخ أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم الكاتب المعروف بابن أبي زينب / من علماء القرن الثالث الهجري / ط. مؤسّسة الأعلمي – بيروت.

- ف –

فرائد الأصول للشيخ مرتضي بن محمّد أمين الأنصاري / ت1281ه / ط. مجمع الفكر الإسلامي – قم.

- ق –

قرب الإسناد لأبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري / ت300ه / ط. مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – قم.

قصص الأنبياء لقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي / ت573ه / ط. مؤسّسة الهادي – قم.

- ك –

الكافي للشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق

الكليني / ت328ه / ط. دار الكتب الإسلامية – طهران.

كامل الزيارات للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي / ت368ه / ط. مؤسّسة النشر الإسلامي – قم.

الكامل في التاريخ لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمّد الشيباني المعروف ب (ابن الأثير) / ت630ه / ط. دار الكتب العلمية – بيروت.

كتاب سليم بن قيس لسليم بن قيس الهلالي العامري / ت90ه / ط. منشورات دار الفنون – بيروت.

كتاب الغايات للشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي المعروف ب (ابن الرازي) / من علماء القرن الرابع الهجري /.

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة للعلاّمة أبي الحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح الإربلي / ت693ه / ط. دار الكتاب الإسلامي – بيروت.

كفاية الأثر لأبي القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي / ت400ه / ط. مطبعة الخيّام – قم.

الكني والألقاب للشيخ المحقّق والمؤرّخ عبّاس القمّي / ت1359ه /.

- ل –

اللهوف في قتلي الطفوف لعلي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن طاووس / ت664ه / ط. منشورات الرضي – قم.

- م –

مئة منقبة (المناقب) لابن شاذان أبي الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن القمّي / من أعلام القرن الرابع والخامس الهجريين / ط. مدرسة الإمام المهدي «عج» - قم.

مجموعة ورّام لأبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري / ت605ه / ط. دار الكتب الإسلامية – طهران.

مدينة المعاجز للمحدّث السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني / ت1107ه / ط. مؤسّسة النعمان – بيروت.

مروج الذهب لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي / ت346ه / ط. دار الهجرة – قم.

مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي / ت1405ه /

ط. جامعة المدرسين – قم.

مستدرك الوسائل للشيخ ميرزا حسين بن محمّد تقي الطبرسي النوري / ت1320ه / ط. مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – بيروت.

المسترشد في الإمامة للشيخ محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي / ت أوائل القرن الرابع الهجري / ط. سلمان الفارسي _ قم.

مصباح الشريعة للشيخ شفيق البلخي.

مصباح المتهجّد للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي / ت460ه / ط. مؤسّسة فقه الشيعة – بيروت.

معاني الأخبار للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. جامعة المدرّسين – قم.

المعتبر للمحقّق الحلّي نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن / ت676ه / ط. مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام – قم.

معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه للشيخ علي الكوراني / معاصر / ط. مؤسّسة العارف الإسلامية _ قم.

معجم البلدان للشيخ شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي / ت626ه / ط. دار إحياء التراث العربي – بيروت.

مفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي / ت1359ه / ط. مؤسّسة الوفاء – بيروت.

مقتضب الأثر لأحمد بن عبيدالله بن عياش الجوهري / ت401ه / ط. العلمية – قم.

مقدّمة ابن خلدون لعبدالرحمن بن خلدون/ ت808ه / ط. إحياء التراث العربي – بيروت.

المكاسب للشيخ العلاّمة الأنصاري مرتضي ابن المولي محمّد أمين الدزفولي / ت1281ه / ط. مجمع الفكر الإسلامي – قم.

من لا يحضره الفقيه للشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / ط. دار الكتب الإسلامية – طهران.

مناقب آل أبي طالب للشيخ رشيد الدين أبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني / ت588ه / ط. المطبعة الحيدرية

– النجف الأشرف.

مناقب الخوارزمي للموفّق بن أحمد بن محمّد البكري المكّي الحنفي / ت568ه / ط. مؤسّسة النشر الإسلامي – قم.

المنجد في اللغة لويس معلوف / معاصر / ط. دار المشرق – بيروت.

نهج الحقّ وكشف الصدق للعلاّمة الحسن بن يوسف الحلّي / ت726ه /.

- ه -

الهداية للشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي / ت381ه / مؤسّسة الإمام الهادي – قم.

- و –

وسائل الشيعة للعلاّمة الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي / ت1104ه / ط. دار إحياء التراث العربي – بيروت.

پي نوشتها

() مقطع من دعاء الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليهما السلام في أسحار شهر رمضان المبارك المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي (مصباح المتهجد، للشيخ الطوسي: 588).

() بحار الأنوار: 1 / 204 ح24 باب4 – مذاكرة العلم ومجالسة العلماء -.

() كنز الفوائد: 13 الفصل الأوّل – مختصر الكلام في أنّ للحوادث أوّلاً -.

() مستدرك سفينة البحار: 9 / 28 – باب فضل كتابة الحديث وروايته -.

() مكاتيب الرسول صلّي الله عليه وآله: 1/371 ح39.

() منية المريد: 340 – آداب الكتابة والكتب وما يتعلّق بها -.

() النصر: 2.

() الكافي: 1 / 90 ح 8 كتاب التوحيد.

() الكافي: 1/ 406 ح6 باب ما يجب من حقّ الإمام علي الرعية، وحقّ الرعية علي الإمام.

() كتاب الغايات: 69 عنه بحار الأنوار: 100 / 153 ح25 باب إنظار المعسر وأن علي الوالي أداء دينه.

() الكافي: 1 / 407 ح7 باب ما يجب من حقّ الإمام علي الرعية.

() الكافي: 1 / 406 ح 6 كتاب الحجة.

() المائدة: 82.

() تهذيب الأحكام للطوسي: 6 / 292 ح 18 باب من الزيادات في القضايا والأحكام .

() بحار الأنوار: 18

/ 185 ح15 باب المبعث وإظهار الدعوة وما لقي صلي الله عليه وآله من القوم.

() كفاية الأثر: 15 باب ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله في النصوص علي الائمة.

() الفتح: 28.

() الأنفال: 42.

() مستدرك الوسائل: 9/ 198 باب 39 ح3.

() الأنعام: 164.

() مستدرك الوسائل: 9 / 197 ح3 باب نوادر ما يتعلق بأبواب الإحرام .

() المائدة: 116.

() الاحتجاج: 2 / 233 فيما روي عنهم صلوات الله عليهم في ذمّ الغلاة والبراءة منهم .

() نهج البلاغة: 4 / 28 رقم 117.

() عيون أخبار الرضا سلام الله عليه: 2 / 265 ح 53.

() انظر كتاب سليم بن قيس الكوفي: 72-74.

() يقول الله تعالي: ?لا يحبّ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول إلاّ مَن ظُلم? (النساء: 148) وهذا معناه أن المظلوم تجوز له غيبة ظالمه، و هذا من مستثنيات الغيبة.

لقد سألت المرحوم الوالد عن حد الاستثناء ما هو؟ أي ما هي الحدود التي تجوز للمظلوم أن يتحدث فيها عن ظالمه؟ فهل يجوز له أن يتحدث عن سيئاته الأخري خارج دائرة ظلمه؟ فقال رحمه الله: له الحق في الحديث عن المحور الذي ظُلم فيه فقط، ثم ضرب لذلك مثالاً، فقال: لو أن شخصاً أكل مالك فهذا لا يعطيك الحق أن تفضحه عند الجميع!.

() مفاتيح الجنان للقمي: 165- 167، دعاء الصباح.

() آل عمران: 19.

() أمالي الصدوق: 109 ح 8.

() فروع الكافي: 4/ 149 ح3 باب صيام الترغيب.

() المائدة: 3.

() تفسير العيّاشي: 1/292 ح20.

() دعائم الإسلام للقاضي المغربي: 1 / 15، ذكر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

() النساء: 59.

() البقرة: 150؛ المائدة: 3 و6؛ يوسف: 6؛ النحل: 81؛ الفتح: 2.

() المائدة: 66.

() المائدة: 67.

() راجع مستدرك الوسائل: 17 /

274 ح 21 باب وجوب الرجوع إلي المعصومين عليهم السلام.

() نهج البلاغة: 416، من كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف، رقم 45.

() المصدر السابق.

() من جملة ما أنكره هؤلاء المنتقدون قصّة تصدّقه سلام الله عليه بالخاتم راكعاً، رغم أنّ معظم المفسّرين قد أقرّوا بأنّ الآية الكريمة: ?إنّما وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ والّذينَ آمَنوا الّذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ وَيُؤتونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعون? نزلت في شأنه سلام الله عليه، وهو مصداقها الوحيد.

() نهج البلاغة: 346 خطبة رقم 224.

() الأنبياء: 22.

() راجع تاريخ الطبري 2 / 502 – 504، ذكر البطاح وغيره.

() نهج البلاغة: 421، من وصية له للحسن والحسين عليهم السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.

() عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول في قول الله عز وجل (ولله الاسماء الحسني فادعوه بها) الأعراف: 180: نحن والله، الأسماء الحسني التي لا يقبل الله من العباد إلا بمعرفتنا. تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني: 1 / 189.

() كان عليه السلام يقول: «أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا وليّ دمي، فإمّا عفوت وإمّا اقتصصت، وإن أمت فألحقوه بي، ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين». انظر أنساب الأشراف، للبلاذري: 495 والإمامة والسياسة للدينوري: 1/181. وفي رواية أخري: «أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن أنا عشت فأنا أولي بحقّي، وإن متّ فاضربوه ولا تزيدوه». المناقب للخوارزمي: 280 (ط. مكتبة نينوي – طهران).

() نهج البلاغة: 378، من كلام له عليه السلام قاله قبل موته علي سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه الله، رقم 23.

() خصائص الأئمة للشريف الرضي: 79.

() راجع مقدمة ابن خلدون: 204.

() إقبال الأعمال لابن طاووس: 468، فضل يوم عيد

الغدير.

() بحار الأنوار: 97 / 362 ح 6، زيارات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام المختصة.

() راجع الهداية للصدوق: 157 – 162، حديث المنزلة والاستدلال عليه.

() نهج الحق: 289.

() روي عن عبد الرحمن بن عبد الباري قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلي المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: اني أري لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم علي أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخري والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه. عن دلائل الصدق للمظفّر: 3 / 78. صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 342.

() راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2 / 460 أحداث سنة 23.

() الشافي في الإمامة للشريف المرتضي: 1 / 202.

() روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: لمّا قدم أمير المؤمنين سلام الله عليه الكوفة أمر الحسن بن علي سلام الله عليه أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادي في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما السلام، صاحوا: وا عمراه وا عمراه! فلمّا رجع الحسن إلي أمير المؤمنين عليه السلام، قال: ما هذا الصوت؟ … فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلّوا. تهذيب الأحكام: 3 / 70 ح 30.

() البقرة: 256.

() راجع أمالي المفيد: 14 مجلس3.

() انظر تفسير فرات الكوفي: 111 ح113 الآية69 من سورة النساء.

() المصدر نفسه.

() قال عليه السلام: «كلمة حقّ يراد بها باطل»! انظر نهج البلاغة: 82، رقم40 من كلام له عليه السلام في الخوارج لمّا

سمع قولهم «لا حكم إلاّ لله».

() راجع بحار الأنوار: 33 / 343 - 419 باب23 قتال الخوارج واحتجاجاته صلوات الله عليه.

() راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/490، عنه بحار الأنوار: 33/343 باب23 رقم587.

() تاريخ دمشق لابن عساكر: 2/209 ح703 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام _ المحمودي _.

() كتاب سليم: ص252.

() بحار الأنوار: 6 / 215.

() التهذيب: 3 / 143 ح1 باب صلاة الغدير.

() راجع أعيان النساء للحكيمي: 349، ترجمة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.

() الكافي: 1 / 253، ح9.

() حلية الأبرار للبحراني: 2/76 ح1 الباب9 من خطبة الإمام الحسين عليه السلام.

() راجع معاني الأخبار للصدوق: 336 _ 338، باب معني قول فاطمة عليها السلام لنساء المهاجرين والأنصار في علّتها.

() معاني الأخبار: 180، باب من تعلّم علماً ليماري به السفهاء.

() الحاقّة: 44 - 47.

() بحار الأنوار: 16 / 402، ضمن ح 1 باب 12.

() فاطر: 28.

() بحار الأنوار: 58 / 182 ح 46، عن مجالس الصدوق: 217 المجلس الثلاثون.

() الحاقة: 44-47.

() يقول الله تعالي في آيات أخري: ?والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما? (المائدة: 38) وهذا الحكم إنما يكون طبعاً بعد توفر الشروط الكثيرة المذكورة في الكتب الفقهية كشرح اللمعة والتبصرة وتسهيل الأحكام وغيرها.

وأوّل ما تقطع يمين السارق، ولا يكون القطع من الزند، بل تقطع الأصابع الأربعة فقط ويترك له الكف ليستعين به علي السجود؛ قال تعالي: ?وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا? (الجن: 18)

فمَن قطع يد سارق من الزند فهو أعظم جرماً عند الله من السارق نفسه، لأنّ السارق تحدي بصورة فردية حكماً شرعياً واحداً، أما مَن طبّق حكماً من عند نفسه ونسبه إلي الله تعالي فقد ارتكب

وزراً عظيماً دونه السرقة بكثير..

() سورة ق: 16.

() بحار الأنوار: 53/ 255 في ذكر من فاز بلقاء الحجة عليه السلام، الحكاية الخامسة والعشرون.

() انظر روضات الجنات للخونساري: 6 / 153 – 178 رقم 576 ترجمة الشيخ المفيد.

() انظر كتاب قصص العلماء للتنكابني.

() راجع كشف الغمّة للأربلي: 3 / 108 - 117 نصّ القصيدة.

() تهذيب الأحكام للطوسي: 8 / 325 ح 23 باب الكفارات.

() جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للفقيه العلاّمة الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر بن المولي الشريف الكبير. راجع الذريعة لآغا بزرك الطهراني: 5/275 رقم 1296.

() الكافي: 5 / 290، عنه بحار الأنوار: 47 / 375 ح 98.

() الحشر: 7.

() اللهوف في قتلي الطفوف لابن طاووس: 28 (ط. منشورات الشريف الرضي- قم).

() البقرة: 256.

() عوالي اللآلئ للأحساوي: 1 / 222 ونهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي: 494 وغيرها.

() البقرة: 195.

() النساء: 29.

() ثواب الأعمال للصدوق: 346 ح 1، مقطع من عقوبات الأعمال.

() الشوري: 13.

() النجم: 8 - 9. انظر الكافي: 1 / 442، ح 13، وفيه: « … فقال أبو بصير للإمام أبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، ما قاب قوسين أو أدني؟ قال: ما بين سيّتها إلي رأسها … ».

() مناقب آل أبي طالب للمازندراني: 1 / 135 – 156 عنه بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج18، ص286.

() علل الشرايع للصدوق: 1 / 5 ح 1 باب 7 العلّة التي من أجلها صارت الأنبياء والرسل والحجج صلوات الله عليهم أفضل من الملائكة.

() النجم: 18.

() مدينة المعاجز، للبحراني: 2 / 327 رقم 116.

() ثواب الأعمال للصدوق: 110 ح 2.

() مناقب آل أبي طالب: 1 / 148 - 157، عنه بحار الأنوار: 16

/ 403 ح 1.

() المسترشد للطبري: 680.

() الاحتجاج: 2 / 34.

() جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام لابن الدمشقي: 2 / 301.

() الكامل في التاريخ: 4 / 467 ذكر بيعة الوليد بن يزيد.

() راجع شرح أصول الكافي: 5 / 143.

() كشف الغمة: 2 / 218.

() إبراهيم: 17.

() منطقة قرب كربلاء، تنطلق منها في يوم عاشوراء كلّ عام وفود المعزّين نحو الحرم الحسيني حفاة مردّدين هتافات: حسين حسين، وضاربين بأيديهم علي رؤوسهم.

() السيد محمد مهدي بن مرتضي بحر العلوم (1155- 1212ه) من مشاهير العلماء الذين عُرفوا بالزهد والورع، وأحد تلامذة الشيخ وحيد البهبهاني قدس سره، انتقل إلي جوار ربه وهو في الخامسة والسبعين من عمره، ودفن بجنب باب المسجد الطوسي في النجف الأشرف. راجع الكني والألقاب للقمّي: 2 / 67، ترجمة بحر العلوم.

() مصباح المتهجّد للطوسي: 724 زيارة أُخري في يوم عاشوراء.

() الكافي: 3 / 262 ح45 باب الجنائز.

() أحد المصادر المعتبرة والقيّمة لدي الطائفة.

() كامل الزيارات لابن قولويه: 61 _ 62 ح8 الباب17.

() كامل الزيارات، ص63، الباب 88، ح2.

() إنّ الكعبة وسائر الأشياء التي تحيط بنا هي مخلوقات الله تعالي، وجميعها لها إحساس وشعور، لكن معظم البشر لا يستطيعون درك ذلك، وقد ورد في القرآن الكريم أن جميع الخلائق تسبّح لله لكنّا لا نفقه تسبيحها.

() كامل الزيارات: 449 ح2، فضل كربلاء.

() المصدر نفسه: 455 ح17.

() الأمالي للطوسي: 1 / 114 _ 115 المجلس4.

() الرؤيا ليست دليلاً ولكن عُبِّر عنها أحياناً في الروايات بالمبشرات، فقد روي عن رسول الله صلّي الله عليه وآله أنّه إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشّرات؟ يعني الرؤيا. نقله الكليني في الكافي 8 / 90 ح59، حديث الأحلام والحجّة علي

أهل ذلك الزمان.

() معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف للكوراني: 4/90.

()كامل الزيارات: 125، الباب 45 ثواب من زار الإمام الحسين سلام الله عليه.

() المعارج: 4.

() نهج البلاغة: 62، الخطبة 20.

() الكافي: 8 / 58 ح21.

() سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي قدّس سرّه.

() روي عن عبدالله بن سنان، أنّه قال: دخلت علي سيدي أبي عبدالله، جعفر بن محمّد عليهما السلام في يوم عاشوراء … قال: ياعبدالله بن سنان، إنّ أفضل ما تأتي به في هذا اليوم _ يعني يوم عاشوراء _ أن تعمد إلي ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلّب. قلت: وما التسلّب؟ قال: تحلّل ازرارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب، اُنظر مصباح المتهجّد للطوسي: 782، زيارة أُخري في يوم عاشوراء.

() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 1 / 21 ح101.

() العدد القوية لرضي الدين الحلي: 153.

() التهذيب للشيخ الطوسي: 6 / 113، ح 17.

() كامل الزيارات: 262 الباب 88.

() كامل الزيارات: 261 الباب 88.

() النساء: 59.

() البقرة: 29.

() منها قوله تعالي: ?ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة? لقمان: 20.

() عن جابر قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب يحدث أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بمكة قال: سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إن الله عز وجل أوحي إلي ليلة أسري بي: يا محمد من خلفت في الأرض علي أمتك؟ وهو أعلم بذلك. قلت: يا ربّ أخي. قال: يا محمد، علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد إني اطلعت إلي الأرض اطلاعة

فاخترتك منها فلا أُذكر حتي تُذكر معي، أنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت إلي الأرض اطلاعة أخري فاخترت منها علي بن أبي طالب فجعلته وصيك، فأنت سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء. ثم اشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي، يا محمد إني خلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين و الأئمة من نور واحد ثم عرضت ولايتهم علي الملائكة، فمن قبلها كان من المقربين، ومن جحدها كان من الكافرين. يا محمد لو أن عبداً من عبادي عبدني حتي ينقطع ثم لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته ناري … مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش، عنه: بحار الأنوار: 36 / 222 ح 21.

() نهج البلاغة 416 رقم 45 من كتاب الإمام عليه السلام إلي عثمان بن حنيف عامله علي البصرة.

() مستدرك الوسائل: 6/492 باب 39 وجوب متابعة المأموم الإمام.

() قال الشعبي: فلما دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أمية حتي امتلأت بهم الدار ثم أغلقوها عليهم فقال أبو سفيان بن حرب: أ عندكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا. قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة. (شرح نهج البلاغة للمعتزلي: 9 / 53 من أخبار يوم الشوري وتولية عثمان).

() كما مرّ تفصيله في صفحة 103 – 104 من هذا الكتاب، وانظر كشف الغمة: 2 / 44 - 45.

() قال الراوي: ثم دعا يزيد عليه اللعنة بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين سلام الله عليه ويتمثل بأبيات ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثم قالوا يا يزيد لا تُشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلْناه

ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

اللهوف: 79.

() بحار الأنوار: 33 / 178 باب 17 ماورد في معاوية وعمرو بن العاص وأوليائهما .

() روي في علل الشرايع: 232 ح 9، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، أنّه قال: سألتُ مولاة لعلي بن الحسين عليهما السلام بعد موته فقلت: صفي لي أمور علي بن الحسين عليهما السلام؟ فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقلت: بل اختصري. قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، ولا فرشت له فراشاً بليل قط.

() روي النوري في مستدرك الوسائل: 3 / 411، عن أَبي حَمْزَةَ الثُّماليِّ قال: بَيْنَا أَنَا قَاعدٌ يَوْماً في الْمَسْجد عند السَّابعة إذا برجُلٍ ممَّا يلي أَبوابَ كِنْدَةَ قَدْ دَخَلَ، فَنَظَرْتُ إلي أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وأَطْيَبِهِمْ ريحاً وَأَنْظَفِهِمْ ثَوْباً مُعَمَّمٍ بِلا طَيْلَسَانٍ وَ لا إزارٍ، عَلَيه قَميصٌ ودُرَّاعَةٌ وعمامةٌ وفي رجلَيه نَعْلانِ عَرَبِيَّانِ، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ عندَ السَّابِعَةِ ورَفَعَ مُسَبِّحَتَيْهِ حَتَّي بَلَغَتَا شَحْمَتَيْ أُذُنَيْه ثُمَّ أَرْسَلَهُمَا بِالتَّكْبِير،ِ فَلَمْ تَبْقَ في بَدَنِي شَعْرَةٌ إِلا قَامَتْ، ثُمَّ صَلَّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَحْسَنَ رُكُوعَهُنَّ وسُجُودَهُنَّ وقَال: إِلَهِي إنْ كُنْتُ قَدْ عَصَيْتُكَ… الدُّعَاءَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ. فَتَأَمَّلْتُهُ فَإِذَا هُوَ مولايَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَانْكَبَبْتُ عَلَي يَدَيْهِ أُقَبِّلُهُمَا. فَنَزَعَ يَدَهُ منِّي وأَوْمَأَ إِلَيَّ بالسُّكُوت. فَقُلْتُ: يا مَولايَ أَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَهُ فِي وِلائِكُمْ، فَمَا الَّذِي أَقْدَمَكَ إِلَي هَاهُنَا؟ قَال: هُوَ لِمَا رَأَيْتَ.

() فرائد الأصول للأنصاري: 1 / 354.

() القصص: 5 - 6.

() عن الإمام محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن جده أمير المؤمنين سلام الله عليهم في قوله تعالي: ?وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذينَ

اسْتُضْعِفُوا في الأَرْض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ? قال: هم آل محمد يبعث الله مهديّهم بعد جهدهم فيعزّهم ويذلّ عدوّهم. ذكره الطوسي في كتاب الغيبة: 113.

() المدّثر: 6.

() البقرة: 264.

() البقرة: 262.

() طه: 37.

() الصافات: 114.

() آل عمران: 164.

() راجع مستدرك الوسائل: 2 / 419 باب 64: استحباب الصبر علي البلاء.

() آل عمران: 185.

() عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله يوماً فلما نظر إليّ قال: يا سلمان … ليحضرن إبليس وجنوده وكلّ من محض الإيمان محضاً، ومحض الكفر محضاً، حتي يؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث ولا يظلم ربك أحداً، ويجري تأويل هذه الآية ?ونريد ان نمنّ علي الذين استضُعفوا في الأرض … ? الآية. مقتضب الأثر لأحمد بن عياش الجوهري: 7.

() عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عزّوجلّ: ?وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون? قال: هم الأئمة. الكليني في الكافي: 1 / 219 ح 2.

() بحار الأنوار: ج25، ص117 باب 4 - جامع في صفات الإمام …

() مستدرك الوسائل: 16 / 259 ح 11 باب 23: كراهة كراهة الضيف.

() رجال الكشي: 266 - 267، عنه بحار الأنوار: 23 / 89 ح 35، باب وجوب معرفة الإمام.

() هناك أشخاص تضخّمت عندهم قوة التخيّل حتّي صاروا ينسبون كلّ شيء إلي الخيال وينكرون الوجدانيات والأمور المتعلّقة بالعلم الوجداني كالمتواترات؛ فلا شيء عندهم يسمي العلم؛ وإنكارهم لوجود المولي صاحب الزمان من هذا القبيل، أي هو إنكار للوجدانيات والمتواترات. (عنه، دام ظلّه).

() النحل: 125.

() بحار الأنوار: 99 / 102 باب زيارة الإمام الحجة بن الحسن صلوات الله عليه.

() بحار الأنوار: 47 / 54 ح 92 باب

3 النص عليه صلوات الله عليه .

() بحار الأنوار: 53 / 353 باب 27 - سيره وأخلاقه -.

() بحار الأنوار: 34 / 261 باب 63 ح 16.

() الميلغ، والميلغة والجمع مبالغ: الإناء يلغ فيه الكلب أو يسقي فيه. (المنجد في اللغة: 918، مادّة ولغ). وكان الناس آنذاك إذا كسرت كيزان الماء الخزفية لم يرموا بكعوبها بل يتّخذون منها أوعية للماء الذي تلغ فيه الكلاب.

فقد روي أنه بعث النبي صلي الله عليه وآله خالد بن الوليد علي صدقات بني المصطلق حيّ من خزاعة، وكان بينه وبينهم في الجاهلية ذحل فأوقع بهم خالد فقتل منهم، واستاق أموالهم، فبلغ النبيّ صلي الله عليه وآله ما فعل فقال: «اللّهمّ أبرأ إليك ممّا صنع خالد» وبعث إليهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام بمال وأمره أن يؤدي إليهم ديات رجالهم وما ذهب لهم من أموالهم، وبقيت معه من المال زعبة، فقال لهم: هل تفقدون شيئاً من متاعكم؟ فقالوا: ما نفقد شيئاً إلاّ ميلغة كلابنا، فدفع إليهم ما بقي من المال فقال: هذا لميلغة كلابكم، وما أنسيتم من متاعكم، وأقبل إلي النبيّ صلي الله عليه وآله فقال: ما صنعت؟ فأخبره بخبره حتّي أتي علي حديثه، فقال النبيّ صلي الله عليه وآله: أرضيتني رضي الله عنك يا عليّ أنت هادي أمّتي، ألا إنّ السعيد كلّ السعيد مَن أحبّك وأخذ بطريقتك، ألا إنّ الشقي كلّ الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلي يوم القيامة. بحار الأنوار 21 / 143 ح6 ذكر الحوادث بعد فتح مكّة.

() بحار الأنوار: 47 / 54 ح 92 باب 3 النص عليه صلوات الله عليه .

() الكافي للشيخ الكليني: 1 / 410 ح 2 باب سيرة الإمام عليه السلام

في نفسه وفي المطعم …

() نهج البلاغة: 324 رقم209 من كلامه عليه السلام بالبصرة وقد دخل علي العلاء بن زياد الحارثي يعوده.

() الغارات لابن هلال الثقفي: 62.

() نهج البلاغة، من كتاب له سلام الله عليه إلي واليه علي البصرة عثمان بن حنيف.

() الإرشاد للمفيد: 234 في مكالمة الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء مع الطغاة.

() الكافي: 1/25 ح21 كتاب العقل والجهل .

() الفتح: 10.

() بحار الأنوار: 23 / 89 ح 35، باب وجوب معرفة الإمام.

() إنّ السفراء هم غير النوّاب الأربعة، فقد سمي غير هؤلاء الأربعة سفراء وإن أُطلق عليهم أيضاً، فهم السفراء المطلقون، وكان هناك للإمام سفراء محدّدون كمَن كاتبوا الإمام سلام الله عليه وأجابهم، وثمّة بعض الكتب التي كتبها الإمام ابتداءً لبعض أصحاب أبيه وجدّه عليهم السلام (عنه، حفظه الله).

() قال المجلسي وآخرون إنّ هذه الرسائل كانت ثلاثاً ضاعت واحدة منها ولم تصلنا (عنه حفظه الله).

() الاحتجاج للطبرسي: 2/318 _324، توقيعات الناحية المقدّسة.

() انظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 9/421.

() سبأ: 46.

() إرشاد القلوب للديلمي: 21، باب الزهد في الدنيا.

() مصباح الشريعة للبلخي: 22 - 23، عنه بحار الأنوار: 67 / 315.

() الأنعام: 91.

() البقرة: 156.

() بحار الأنوار: 64 / 142. دعاء الإمام الحسين سلام الله عليه يوم عرفة.

() نهج البلاغة: 346 (ط: منشورات دار الهجرة - قم).

() الخصال: 1/222 ح49.

() راجع بحار الأنوار: 99/145 باب الزيارات الجامعة، وفيه: «وأعلم أن رسلك وخلفاءك أحياء عندك يرزقون، يرون مكاني في وقتي هذا وزماني، ويسمعون كلامي، ويردّون علي سلامي».

() الفاتحة: 6.

() العنكبوت: 64.

() يونس: 14.

() نهج البلاغة: 74 رقم 32، أصناف المسيئين.

() شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام، لابن ميثم البحراني: 36.

() الصف: 2-3.

()

هود: 112.

() الخصال: 1 / 199 ح10 باب الأربعة، عنه تفسير نور الثقلين للعروسي: 4 / 334 تفسير سورة هود.

() مجمع البيان للطبرسي: 5 / 199 عنه بحار الأنوار: 17 / 52.

() التوبة: 24.

() لا شكّ أنّ المعصومين سلام الله عليهم مستثنون من هذا الأمر أي من الزلّة والانحراف لأنّ الله تعالي هو الذي عصمهم وطهّرهم فلا يتصوّر انحرافهم أصلاً؛ روي أنّ النبي صلي الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر: يا عمار إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس كلّهم وادياً فاسلك مع علي فإنّه لن يدليك في ردي ولن يخرجك من هدي (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس: 24- 25، عنه بحار الأنوار: 38 / 38)؛ ما يعني أنّ المعصوم هو مقياس الحقّ، لكنّ هذا لا يصدق في غير المعصوم، فلا ينبغي للمؤمن أن يتغيّر وتضعف ثقته بالله إذا رأي بعض الكبراء في الدين يزلّ أو ينحرف أو تضعف ثقته بالله.

() قرب الإسناد لأبي العباس القمي: 203، عنه بحار الأنوار: 66 / 212، ح6.

() قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «إنما أتخوّف علي أمّتي من بعدي ثلاث خصال: أن يتأوّلوا القرآن علي غير تأويله، أو يتّبعوا زلّة العالِم أو يظهر فيهم المال حتي أنّه يطغوا ويبطروا» الخصال: 1 / 164، ح216.

() الحديد: 23.

() نهج البلاغة: 553 رقم 439، الكلمات القصار.

() الكافي: 3 / 226 ح 13 و 14.

() أمالي الطوسي: 2 / 203، مجلس يوم الجمعة السادس عشر من ربيع الأوّل سنة سبع وخمسين وأربعمئة.

() الأنبياء: 35.

() نهج البلاغة: 527 رقم291 الكلمات القصار.

() مما جاء في هذه الخطبة الشريفة:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَة والرَّحْمَة والْمَغْفرَة شَهْرٌ

هُوَ عنْدَ الله أَفْضَلُ الشُّهُور وأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّام ولَيَاليه أَفْضَلُ اللَّيَالي وسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَات. هُوَ شَهْرٌ دُعيتُمْ فيه إلَي ضيَافَة اللَّه وجُعلْتُمْ فيه منْ أَهْل كَرَامَة الله. أَنْفَاسُكُمْ فيه َتسْبيحٌ ونَوْمُكُمْ فيه عبَادَةٌ وعَمَلُكُمْ فيه مَقْبُولٌ ودُعَاؤُكُمْ فيه مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا الله رَبَّكُمْ بنيَّاتٍ صَادقَةٍ وقُلُوبٍ طَاهرَةٍ أَنْ يُوَفّقَكُمْ لصيَامه وتلاوَة كتَابه، فَإنَّ الشَّقيَّ مَنْ حُرمَ غُفْرَانَ اللَّه في هَذَا الشَّهْر الْعَظيم، واذْكُرُوا بجُوعكُمْ وعَطَشكُمْ فيه جُوعَ يَوْم الْقيَامَة وعَطَشَهُ، وتَصَدَّقُوا عَلَي فُقَرَائكُمْ ومَسَاكينكُمْ ووَقّرُوا كبَارَكُمْ وارْحَمُوا صغَارَكُمْ وصلُوا أَرْحَامَكُمْ واحْفَظُوا أَلْسنَتَكُمْ وغُضُّوا عَمَّا لا يَحلُّ النَّظَرُ إلَيْه أَبْصَارَكُمْ وعَمَّا لا يَحُلُّ الاسْتمَاعُ إلَيْه أَسْمَاعَكُمْ، وتَحَنَّنُوا عَلَي أَيْتَام النَّاس يُتَحَنَّنْ عَلَي أَيْتَامكُمْ، وتُوبُوا إلَي الله منْ ذُنُوبكُمْ وَارْفَعُوا إلَيْه أَيْديَكُمْ بالدُّعَاء في أَوْقَات صَلاتكُمْ؛ فَإنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَات، يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ فيهَا بالرَّحْمَة إلَي عبَاده يُجيبُهُمْ إذَا نَاجَوْهُ ويُلَبّيهمْ إذَا نَادَوْهُ ويُعْطيهمْ إذَا سَأَلُوهُ ويَسْتَجيبُ لَهُمْ إذَا دَعَوْهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بأَعْمَالكُمْ فَفُكُّوهَا باسْتغْفَاركُمْ، وظُهُورَكُمْ ثَقيلَةٌ منْ أَوْزَاركُمْ فَخَفّفُوا عَنْهَا بطُول سُجُودكُمْ، واعْلَمُوا أَنَّ الله أَقْسَمَ بعزَّته أَنْ لا يُعَذّبَ الْمُصَلّينَ والسَّاجدينَ وأَنْ لا يُرَوّعَهُمْ بالنَّار يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لرَبّ الْعَالَمينَ. أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ فَطَّرَ منْكُمْ صَائماً مُؤْمناً في هَذَا الشَّهْر كَانَ لَهُ بذَلكَ عنْدَ الله عتْقُ نَسَمَةٍ ومَغْفرَةٌ لمَا مَضَي منْ ذُنُوبه.

قيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه فَلَيْسَ كُلُّنَا نَقْدرُ عَلَي ذَلكَ.

فَقَالَ صلي الله عليه وآله: اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بشقّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بشَرْبَةٍ منْ مَاءٍ. أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ منْكُمْ في هَذَا الشَّهْر خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَي الصّرَاط يَوْمَ تَزلُّ فيه الأَقْدَامُ، ومَنْ خَفَّفَ في هَذَا الشَّهْر عَمَّا مَلَكَتْ يَمينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْه حسَابَهُ، ومَنْ كَفَّ فيه شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ

يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ أَكْرَمَ فيه يَتيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ وَصَلَ فيه رَحمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ برَحْمَته يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ قَطَعَ فيه رَحمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ومَنْ تَطَوَّعَ فيه بصَلاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً منَ النَّار، ومَنْ أَدَّي فيه فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّي سَبْعينَ فَريضَةً فيمَا سوَاهُ منَ الشُّهُور، ومَنْ أَكْثَرَ فيه منَ الصَّلاة عَلَيَّ ثَقَّلَ اللَّهُ ميزَانَهُ يَوْمَ تَخفُّ الْمَوَازينُ، ومَنْ تَلا فيه آيَةً منَ الْقُرْآن كَانَ لَهُ مثْلُ أَجْر مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ في غَيْره منَ الشُّهُور.ِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ أَبْوَابَ الْجنَان في هَذَا الشَّهْر مُفَتَّحَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُغَلّقَهَا عَنْكُمْ وأَبْوَابَ النّيرَان مُغَلَّقَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُفَتّحَهَا عَلَيْكُمْ، والشَّيَاطينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلّطَهَا عَلَيْكُمْ.

قَالَ أَميرُ الْمُؤْمنينَ عليه السلام: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا أَفْضَلُ الأعمَال في هَذَا الشَّهْر؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَن أَفْضَلُ الأَعْمَال في هَذَا الشَّهْر الْوَرَعُ عَنْ مَحَارمِ اللهِ.

عن وسائل الشيعة: 10/313 باب 18 ح13494.

() نهج البلاغة: 544 رقم 386 الكلمات القصار.

() بحار الأنوار: 66 / 293 باب صفات خيار العباد وأولياء الله.

() إقبال الأعمال لابن طاووس: 29.

() معاني الأخبار للصدوق: 252 ح1 باب معني الورع من الناس.

() وسائل الشيعة: 10/313 ح13494 باب 18.

() روضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص144 مجلس في ذكر تزويج فاطمة عليها السلام.

() نهج البلاغة: 139 رقم94 وفيها يصف الله تعالي ثمّ يبيّن فضل الرسول الكريم وأهل بيته.

() انظر هامش محاضرة: الورع عن محارم الله.

() هود: 118-119

() نهج البلاغة: 544 رقم 386 الكلمات القصار.

() منها: عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه، وحمد

الله عليه، وإن عمل شرّاً استغفر الله منه وتاب إليه. بحار الأنوارللعلامة المجلسي: 76 / 72.

() الكافي: 2/77 ح9 باب الورع.

()الكافي: 2/78 ح14 باب الورع.

() الأنفال: 2.

() بحار الأنوار: ج 18 ص 366 باب 20.

() انظر: رياض المسائل: 2 / 403 (طبعة قديمة).

() الكهف: 46.

() وسائل الشيعة: 16 / 106 ح2 باب 100 وجوب الاشتغال بصالح الأعمال.

() مستدرك الوسائل: 7 / 266 ح 14.

() الحجر: 3.

() من لا يحضره الفقيه للصدوق: 2 / 66 ح 1731.

() المعتبر للمحقّق الحلّي: 1 /341.

() النساء: 79.

() الإمامة والتبصرة للقمي: 176.

() قصص الأنبياء: 157 ح 166 فصل 2.

() راجع مروج الذهب للمسعودي: 3 / 310 – الرواية مفصّلة -.

() فصّلت: 46.

() نهج البلاغة: 4 / 7.

() الحجر: 80 - 81.

() اسم ديار ثمود أي اسم المنطقة التي بُعث إليها النبي صالح عليه السلام فسمّوا بها، وتقع بوادي القري بين المدينة والشام. انظر: معجم البلدان للحموي: 3 / 220.

() الرعد: 40.

() النحل: 40. ورد في تفسير هذه الآية: أنّ الله تعالي لا يحتاج حتي إلي قول: «كن» فإنّ إرادته تكفي ولكن التعبير الوارد في الآية لغرض التفهيم؛ لأنّنا بحاجة إلي مراحل ثلاث لإيجاد الشيء؛ هي: الإرادة والتعبير عنها ومرحلة العمل. فلو أنّك أردت أن تبني مسجداً مثلاً، فإنّك تريد ذلك أوّلاً ثم تعبّر عنه ثانياً وفي المرحلة الثالثة تبذل المال وتوفّر المواد والبناء، وهكذا. أمّا الله سبحانه فلا يحتاج إلي التعبير ولا إلي العمل الخارجي بل إنّ إرادته وحدها تكفي لتحقّق ما يريد. (عنه دام ظلّه).

() الشعراء: 155.

() الأحزاب: 12.

() آل عمران: 126.

() الأحزاب: 10.

() العنكبوت: 2 - 3.

() الأحزاب: 25.

() بحار الأنوار: 29 / 11 باب 23.

() الكافي: 5

/ 280 ح 6.

() المائدة: 3.

() المائدة: 44.

() كفاية الأثر للرازي: 15.

() البقرة: 196.

() المكاسب: 6 / 216، وجامع المدارك للسيد الخونساري: 3 /187.

() البقرة: 256.

() الحاقة: 11.

() لاشكّ أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله لم يكن يحيّيهم بتحية الإسلام – وهي: السلام عليكم - بل كان يحييهم بأنواع التحيات الأخري؛ لأنّ ههنا مسألة وهي: أنّه يجوز للمسلم أن يحيّي الكفّار بمختلف التحيات باستثناء تحيّة الإسلام، ولا يجوز له أن يقولها إلا لمسلم، بل أن يقول له: أنعِم صباحاً أو أنعِم مساءً، أهلاً وسهلاً، تحية طيّبة، وما أشبه، لأنّ كلمة «السلام عليكم» مختصّة بالإسلام والمسلمين دون غيرهم، ووردت فيها أحاديث عن النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم الصلاة والسلام، تؤكّد أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله كان يحيّي المشركين بمختلف التحيات إلاّ كلمة «السلام عليكم»، فلقد وُضعت للمسلمين خاصة. فإذا حيّي مسلم مسلماً قال له: «السلام عليكم» والحديث المعروف الذي لابدّ وأنّ كثيراً منكم سمعه وهو «تحية الإسلام السلام» يعني أنّ هذه التحيّة خاصّة بالإسلام. (عنه حفظه الله).

() الكهف: 29.

() البقرة: 256.

() البلد: 10.

() الإنسان: 3.

() الاحتجاج للطبرسي: 1 / 250.

() نهج البلاغة: 48، الخطبة الشقشقية. الحسنان - بسكون السين - الإبهامان من القدمين. وقرأ بعضٌ: الحسنان - بفتح السين - أي الحسن والحسين سلام الله عليهما.

() راجع: الأمالي للطوسي: 325 – 331 ح 23.

() تفسير القمّي: 2 / 295 تفسير سورة الحجرات.

() الأعراف: 157.

() مستدرك الوسائل: 12 / 308 باب 13 ح 4.

() روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: نحن أهل بيت لا نقاس بالناس (بحار الأنوار: 38 / 8 ح 13 باب 56).

() البقرة: 229.

() الذاريات:

49.

() روي النمازي في مستدرك سفينة البحار: 9 / 250 في باب الشعر، عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله: لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه. أي أن العاقل يفكر أولاً ويأخذ تصوراً كاملاً عن الموضوع ثم يتكلم، أي أن الكلام ينطلق من مخزن القلب إلي اللسان، أما الأحمق فبالعكس، أي أنه يتكلم أولاً ثم يفكر في ما قال. (عنه حفظه الله).

() الأعراف: 96.

() وسُمّيت البِرْكة بِركة لاستمرار الماء فيها وهو خير ونماء؛ قال تعالي: ?وجعلنا من الماء كلّ شيء حي? الأنبياء: 30.

() الأنبياء: 50.

() الملك: 14.

() تهذيب الأحكام للطوسي: 7 / 151 ح670.

() المصدر نفسه: 7 / 152 ح672.

() تهذيب الأحكام: 7 / 152 ح673.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.