لكي لا تتنازعوا

اشارة

اسم الكتاب: لكي لا تتنازعوا

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: دفاعيه

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الجواد

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1425 ق

الطبعة: اول

في البدء كانت كلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الخلق وخاتم المرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال سبحانه وتعالي: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَي عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ().

حينما سمع الحسن البصري بمقتل طاغية العراق في زمن الأمويين الحجاج بن يوسف الثقفي سجد لله شكراً، وقال: اللّهم كما أمتَّه فأمت عنّا سنته.

واليوم وبعد زوال أعتي نظام وأكبر طاغية عرفه التاريخ المقروء في العراق صدام التكريتي والذي يسمّيه البعض بمجمع الطواغيت، الذي أهان المقدسات، وسحق الكرامات، وسلب الشعب حقوقه، وقتل من شيعة العراق صبراً خمسة ملايين وثمانمائة ألف إنسان، عدا من زجّهم بحروبه ومعاركه مع دول الجوار، والذي لم يبنِ للعراق سوي المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات.

علينا أن نعمل سوياً لإماتة بدعه بفضحه ومن آزره وناصره في مسيرته الإجرامية من دول ومنظمات وأزلام عبر تدوين جرائمهم وطغيانهم ونشرها عبر كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وبذلك نكون قد أوجدنا الوعي في الشعب حتي تكون له حصانة لعدم تكرار مآسيه، ونكون قد أدينا ما علينا من مسؤولية تجاه الأجيال والتاريخ والحق والحقيقة، ونكون قد أوجدنا وسيلة ردع إضافية أمام الحكام الظلمة علي أن ما يقترفونه سيكون مآله الكشف والفضح، فلو عمل الشعب العراقي في الماضي علي فضح الحكومات الاستبدادية لما وصل الأمر إلي تسلط صدام وزمرته، ولو لم يُفضح اليوم صدام ونظامه فسيأتي هدّام في المستقبل.

ويقترح في هذا الصدد تحويل بعض السجون ووسائلها التعذيبية وملفاتها إلي متاحف ليطّلع عليها العالم، وأن تصدر جريدة عراقية بالتعاون مع

منظمات حقوق الإنسان هدفها استقصاء جرائم النظام البائد، وأن تحوّل المقابر الجماعية في محافظات العراق إلي نصب تذكارية يلاقون الاحترام والإجلال.

علينا أن نقبر ما جاء به صدام من أفكار ومفاهيم كالقومية والعنصرية والطائفية وحكومة الأقلية، وما مارسه من نظام الحزب الواحد والحاكم الواحد، وما عمله من تقسيم للمواطنين من الدرجة الأولي والثانية والثالثة، وعلينا أن نزيل من نفوسنا أدران التفرد والعنف والسلوك الانتقامي في التعامل، هذه الأدران التي أوجدتها جمهورية الخوف، حيث حولت الناس إلي أذلاء يتكالبون علي النفاق وعلي إيذاء بعضهم البعض وعلي الانتقاص من القيم الأخلاقية والاجتماعية فضلاً عن الإنسانية.

إنّ إماتة بدع صدام تحتاج إلي إزالة كوابيس التقاعس والتماهل واللامبالاة التي منينا بها، ونحتاج إلي جمع الهمم والسواعد وإلي وحدة الصف والهدف، ومسؤوليتنا الشرعية والعقلية تحتم علينا العمل سوياً من أجل عراق استشاري

ديمقراطي يضمن حقوق الأكثرية، ويحمل القيم الإسلامية ومبادئ أهل البيت ? مع الحفاظ علي حقوق الأقلية، وهذا يتطلب منّا ما يلي:

1: نبذ الخلافات والصراعات الداخلية. قال سبحانه وتعالي: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ()، وقال سبحانه وتعالي: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا () وأن نركّز علي القواسم المشتركة، فإنّ: المسلمون إخوة، يد واحدة علي من سواهم، تتكافأ دماؤهم، يسعي بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم () كما جاء في الحديث، وأن نعي أساليب الاستعمار وخططه ودسائسه في تمزيق الشعوب والمجتمعات.

2: أن نشخّص أعداءنا من الدول التي لا ترغب بقيام حكومة ديمقراطية في العراق، معللين ذلك بسيطرة الأكثرية في الحكم، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي في بعض تصريحاته، ويسعي له بعض الحكام من تحركات مشبوهة.

3: أن نحدد الهدف ونتمحور حوله حتي تتضح لنا الرؤية في العمل، ونعرف ما ينبغي وما

لا ينبغي.

4: أن نلتف حول قياداتنا الدينية والوطنية الصالحة والمتقية التي يهمها مصلحة العراق وشعبه.

5: أن نعمل جميعاً وباستمرار وفاعلية وبالطرق السلمية من أجل نيل الحقوق، فالاعتقاد بالحقوق دون السعي لها لا يحقق المنال، وهذه سنة الأنبياء والمرسلين والصالحين.

6: أن تكون أعمالنا نخبوية ومرّكزة، هدفها تنمية القدرات العلمية والتنظيمية والوحدوية للجماهير.

7: أن نجعل لأعمالنا ضوابط وأطراً، فبدون ذلك مآلها التصادم والتناحر، ومن تلك الضوابط احترام حقوق الآخرين وعدم السعي لتحجيم أو إسقاط أي طرف وترك حالة الاستعلاء والاستبداد، فإنّ: من استبدّ برأيه هلك ()؛ كما قال الإمام علي عليه السلام.

8: أن نعمل من أجل صياغة دستور تقوم به لجنة من الأخصائيين الدينيين والأكاديميين من ذوي الاختصاص، يراعي حقوق الأكثرية والدين الإسلامي والعرف الاجتماعي والخصوصية العراقية، وعرض هذا الدستور علي الاستفتاء العام، علي أن يكون بين فترة تحضيره والاستفتاء عليه فترة زمنية يتخللها إقراره من المراجع العظام وعقد مؤتمرات تقييمية من قبل النخبة العراقية.

9: أن نفهم البُعد الديمقراطي وحقوق الأكثرية، وأن نطالب بتلك الحقوق، ويتجسد ذلك بأن يكون الرئيس مسلماً ومن الأكثرية، وكذا الوزارات والوظائف الحكومية والجيش ومجالس البلدية والمناهج التعليمية والتربية الدينية والأوقاف وألف شيء وشيء. وبغير ذلك نكون قد كررنا التجربة المأساوية للماضي من بعد ثورة العشرين من تسلط المتعصبين من الأقلية علي البلاد والتحكّم بمصير غيرها، ويكون مصيرنا كما قال الشاعر أحمد شوقي:

فوردنا الوغي فكنا الغنائما

قد أردنا من المغانم حظاً

10: ومن المناسب هنا أن أدون هذه الملاحظة: أن ما يفعله البعض من تقسيم السلطة علي أساس نسبة الطوائف وبعض القوميات في آن واحد، فيه التفاف لهضم حقوق الأكثرية؛ لأن المسلمين في العراق إما شيعة أو سنة، وتقسيمهم كذلك إلي أكراد وتركمان، وتَرْكُ العرب

من التقسيم القومي، فإن الأولين الأكراد والتركمان يدخلون في التقسيم الأول، فالمفترض هو إعطاء الشيعة حسب نسبهم 80% سواء كانوا عرباً أو أكراداً أو تركماناً، وإعطاء السنة نسبة 15% سواء كانوا عرباً أو أكراداً أو تركماناً.

11: أن يتقيد الرئيس المنتخب عبر استفتاء عام لكل عراقي صوت واحد ببرلمان حر منتخب، وأن تكون السلطة بالتداول عبر المنهج السلمي بعيداً عن الانقلابات العسكرية علي أن يكفل الدستور ذلك.

12: أن نعمل من أجل إيجاد قوانين تحقق الاستقلال القضائي في كل أبعاده ومفاهيمه الإدارية والمالية والفنية كما كان في زمن الإمام علي عليه السلام، وأن يكون هذا القضاء قادراً علي حماية المواطن وحرياته وحقوقه المدنية والسياسية.

13: أن نعمل من أجل خلق رأي عام عبر حرية الصحافة السلطة الرابعة وحرية تشكيل التنظيمات والأحزاب، وحرية التظاهر والاحتجاج، وحرية عقد المؤتمرات والندوات، لأجل إخراج العراق من واقعه المأساوي، ونشر الوعي والتثقيف الديني وتحديد مصير الشعوب بنفسها دون تدخل القوي الأخري.

14: أن نعمل لوضع خطة اقتصادية متكاملة، تكفل لنا الاكتفاء الذاتي وإزالة التبعية للغرب.

15: أن نسعي جميعاً لتقوية الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية التي سعي النظام السابق للقضاء علي رموزها وتصفيتها.

وهذه الأمور وغيرها قد أكد عليها الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في لقاءاته وحواراته وخطاباته وكتاباته، وكان يسعي دائماً لإزالة الاستبداد من أرض المقدسات والحضارات، صحيح أنه رحمة الله عليه انتقل إلي جوار ربه ولكن كتاباته بين الأيدي وأمانيه واضحة فاسعوا لتحقيقها لتنالوا الاستقلال والسيادة وتورثوا أبناءكم عزّاً وسعادة.

وأود أن أنشر إحدي الرسائل التي بعثها إليّ قبل خمس سنوات من سقوط الطاغية وأنا في المهجر والتي هي بمثابة رسالة لكل عراقي وكل مسلم يحترم مقدساته وقيمه.

من جوار عقيلة الهاشميين عليها السلام

صاحب مهدي

جمادي الآخرة 1424ه

نص

الرسالة المعنونة بقلم سماحته رحمة الله عليه:

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام علي أشرف الخلق محمد وعلي آله الطاهرين.

وبعد.. ممّا يؤسف له حقاً، حال العالم الإسلامي اليوم بسبب الهيمنة والتسلط الاستبدادي الذي يخيّم علي ربوعه، وما نجم عن ذلك من تمزق وصراعات وانقسامات، طالت كتلته الجغرافية والاجتماعية.

فأنظمة الحكم المنحرفة، والمتسترة بشعارات الوطنية والقومية، وما أشبه ذلك، إنما جاءت واستمدت سياستها الجائرة، من نفس سلوك وسياسات تلك الأنظمة التي استعبدت المسلمين باسم الإسلام، لتخلق عبر كل تلك القرون الطويلة من التاريخ الإسلامي مناهج الظلم والتفرقة والتجزئة، ولنا في حكام بني أمية وبني العباس وآل عثمان، وصولاً إلي صور الاستعمار الحديث، وصنيعته من الأنظمة الحالية، أمثلة تشهد علي انحرافها وممارساتها الظالمة حيال الشعوب المتعاقبة.

ولا يفوتنا من أن الجهل وعدم الوعي من لدن قطاعات واسعة من أبناء الأمة، وفي خطط الاستعمار والحكام الظلمة، كانا من جملة عوامل، ساهمت بوضوح في تمكين الطغاة من التلاعب بمقدّرات الشعوب المسلمة، والتحكم بمصائرها وفق نزواتهم ونزعاتهم، والسير بها بعيداً عن خط الإسلام الصحيح، ومبادئ رسالته السمحاء، وسنة نبيه الكريم محمد صلي الله عليه و اله وتعاليم أهل بيته ?.

إن الاستعمار لعب دوراً واسعاً في تمزيق وحدة العالم الإسلامي، علي الصُّعد الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإضعافه كقوة عالمية، تقف بالمرصاد لمخططاته ومشاريعه التوسعية العدوانية.

ولا سبيل للمسلمين للرجوع إلي عزِّهم ومجدهم العريق إلاّ بالعودة إلي الإسلام الصحيح والانتهال من ينابيع المعرفة والعلم التي أفاض بها القرآن الكريم وما رسمته السيرة النبوية الشريفة وأحاديث ووصايا أئمة أهل البيت ?.

وأول ما ينبغي علي المسلمين فعله هو الوحدة، روحاً ومضموناً، وتجسيد شعاراتها بالعمل علي أرض الواقع، فالوحدة أساس القوة والمنعة، قال سبحانه وتعالي:

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ().

وقد دعا الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في هذا الكتاب المسلمين للعودة إلي جوهرهم وفطرتهم الإيمانية وروح الإسلام، ولأهمية هذا الموضوع ومدي اتصاله بحياة المسلمين ومستقبلهم وما يمر به الشعب العراقي اليوم من ظرفٍ حساس، الذي يحتاج فيه إلي بناء مجتمع متماسك قوامه التعايش والتآلف ووحدة الصف والهدف واتخاذ الخيار السياسي الذي يسعي الاحتلال إلي القضاء عليه ليقضي علي قيمنا ووجودنا؛ فقد ارتأينا طبع هذا الكتاب القيّم، عسي أن تنتفع به الأمة، ويسترشد به المسلمون. والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مؤسسة الوعي الإسلامي

بيروت لبنان

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام علي محمد وآله الطاهرين.

وبعد: فقد وجدت في حكايات الذين تنازعوا ففشلوا، وحكايات الذين توحّدوا وتعاونوا فتقدّموا، دروساً وعبراً لمن يريد التقدم ويخشي التأخر، ووجدت في قصص هؤلاء وأولئك عاملاً مهماً في التقليل من الخصومات والنزاعات بين أبناء الأمة الواحدة، تلك المنازعات التي انتشرت وتعاظمت حتي بلغت حالة خطرة في النصف الثاني من هذا القرن()، وقد تفشّّت حتي عمّت الجميع من حاكمٍ ومحكومٍ ومؤسسةٍ وجماعةٍ وجمعيةٍ إلاّ من عصم الله سبحانه وتعالي .

ولأهمية هذا الموضوع فقد قرَّرتُ أن أكتبه علي شكل كتاب؛ لتعمَّ الفائدة الجميع، علَّهُ يساهم في فتح عيون البعض علي حقائق الأمور فيتركوا التنازع ويأخذوا بوحدة الصف.

فنحن لا نريد بهذا الكتاب أن ننهي الخلافات والنزاعات لأنها من طبيعة البشر، بل قال بعض العلماء: مثلما لا تستطيع أن تجد إنسانين متشابهين في كل التفاصيل، كذلك لا تجد إنسانين متشابهين في الآراء ووجهات النظر، وقلَّما تجد إنسانين علي رأي واحدٍ.

وهذا لا يعني أنَّ الاختلاف أدّي بهما إلي حدِّ الخصومة والنزاع، فليس المقصود بتعدد الآراء تعدد النزاعات.

وليس المقصود أيضاً دعوة أصحاب الآراء المختلفة أن يتركوا آراءهم ويأخذوا بآراء الغير بصورة مطلقة فليس كلامنا في هذا الاتجاه، بل ما نريد قوله هو:

1: اجتهدوا لتحرّي الحقيقة من بين الآراء المختلفة والمتناقضة.

2: وإذا تمَّ التمسك برأي ما، بعد طول اجتهاد وعناء، فلا يعني اختلاف الرأي انتشار البغضاء والعداء.

3: وإذا أظهرتم العداء لا سمح الله فيجب أن يكون لهذا العداء حدّ معقولٌ، فالشيء إذا جاوز حدَّه، انقلب إلي ضدِّه.

4: ثم إذا أظهر أحد الطرفين العداء فلا موجب للطرف الآخر أن يردّ علي العدوان؛ لأنّه الأفضل في قانون الإسلام: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ()، وأيضاً جاء في القرآن الكريم:

وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ().

فالموقف الإيجابي سيقلل من المشكلات الناجمة عن الصراعات الاجتماعية، وسيقلل من نتائج المواجهة بين الأطراف المتناقضة.

5: وليعلم الذي يُظهر العداء ويغالي فيه بالاتهام والكيد أنّه أولاً: سيؤدي بعمله هذا إلي تحطيم نفسه، وبعد أن يتحطّم هو، تتحطّم المجموعة التي ينتمي إليها، ويكون تحطيمه لنفسه أكثر من تحطيمه للمجموعة التي ينتمي إليها.

ثانياً: الطرف الثالث الذي يستفيد من صراعات الطرفين هو الغالب والرابح؛ لأنّ قواه مكتملة بعد أن تهشَّمت قوة الطرفين.

وحسب قاعدة التنازع، فإنّ الأقوي سيتغلّب علي القوي.

وقد ذكر الشاعر الإيراني هذه الحكمة، ما ترجمته:

وبينما كانا مشغولين بالنزاع

الفرصة فحصد الذهب وذهب()

سرق لصان ذهباً فتنازعا عليه

تدخل الطرف الثالث واغتنم

وعلي من يريد التنازع أن يطرح علي نفسه هذا السؤال؛ ما هو مصدر التنازع، هل هو الجهل أو الكبر أو الحسد؟.

إذ ربما كان مصدر النزاع هو الجهل، كأنْ يتصور الإنسان أنّ قرينه قد التفّ حوله الناس أكثر من التفافهم حوله، ويتسبب ذلك تبطين الحقد في نفسه فيبدأ

بمخاصمته وإعطاء مبرر غير حقيقي للمخاصمة.

وتنتهي هذه الخصومة إلي نتائج غير محمودة علي الشخص نفسه، أما القرين فلا يتأثر كثيراً بهذه الخصومة.

ولربما كان السبب من وراء الخصومة الشخصية الكِبر، مثلاً عند ما يتكبَّر إنسان عن طاعة مَنْ فوقه، وحيث لا يجد سبيلاً للفرار من واجبه يلتجئ إلي المخاصمة ليحطّ من قدره، ويبرِّر عند المجتمع عصيانه له.

ولربما يكون المنطلق نحو الخصومة هو الحسد، فقد يحسد إنسان إنساناً آخر، أعلي شأناً منه، وتصبح النتيجة هو حدوث الخصومة بين الحاسد والمحسود، وإذا سألت أحدهما لأي سبب تختصمان؟، فإنك لا تشعر بوجود سبب معقول للاختلاف سوي الحسد، والحسد يضع صاحبه؛ لأنه سيجعله صغيراً في أعين الآخرين.

من هنا، فإذا كان منطلق النزاع هو الجهل، يجب أن يكفّ عن ذلك؛ لأن نزاعه لا مورد له، وهو هواءٌ في شبك.

وإذا كان منشأ النزاع هو الكِبر، فليعلم أن التكبر مذموم في الشريعة، ولذا يجب الابتعاد عنه.

وأما إذا كان الباعث هو الحسد، فليكن في علمه أن الحسود لا يسود () وأن العامل بالحسد مصيره النَكَد ().

وقد شاهدت في حياتي هذه الأقسام الثلاثة من أقسام التنازع، وشاهدت نهاية تلك المنازعات التي كانت تنتهي إلي لا شيء، ولم يكن من نصيب أصحابها سوي الخسارة والفضيحة.

ولم يكن قصدي من هذه النتيجة التي انتهيت إليها القول: بأنّ كل اختلاف منشأه غير شريف، ومردّه إلي العوامل النفسية الثلاثة التي ذكرتها.

فهناك صراع الحق مع الباطل، وهو صراعٌ مبدئي ولابدّ منه؛ لأنّ الحياة لا تستقيم إلاّ بمواجهة الحق للباطل.

أمّا خصائص صراع الحقّ مع الباطل فهي:

1: إنّ نزاع الحق والباطل لا ينطلق من العوامل النفسية التي ذكرناها.

2: إنّ صراع الحق والباطل مؤطرٌ بإطار الحق لا بالزيادة ولا التعدي.

3: إنَّ الحق دائماً يدفع

بالتي هي أحسن وهي الإيجابية المطلقة، كما ورد في القرآن الكريم ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ().

هذه القواعد هي حصيلة تجارب وقصص وحكايات، شاهدتها بنفسي طيلة حياتي أو طرقت مسامعي أو قرأتها في بعض الكتب.

والله المسؤول أن ينفع المسلمين بهذا الكتاب، والله المستعان.

الكويت

18 شعبان 1395 ه

محمّد الشيرازي

العلماء يتحدّون الطغاة

غضب ناصر الدين شاه القاجاري() علي العالم الديني المشهور الفشاركي رحمة الله عليه()، فأمر بإحضاره إلي العاصمة طهران، وكان الفشاركي يقطن مدينة أصفهان، والسبب في استدعائه هو التزامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفضه الانصياع إلي السلطات ودعوته الملحة لتطبيق القوانين الإسلامية؛ وكان يعيش في طهران عالمان جليلان، يرجع الناس إليهما في التقليد، وكان بينهما نوع من التنافس إلاّ أن مع قيام الشاه بجلب الفشاركي تناسي العالمان خلافاتهما وقررا أن يتحركا لمنع الشاه من تنفيذ مخططه، وفي لحظة من الإخلاص، قام أحد العالمين بزيارة العالم الآخر في منتصف الليل، ولم تكن دهشة هذا العالم قليلة عندما شاهد خصمه علي باب داره في ذلك الوقت المتأخر من الليل، فسأل عن سر هذه الزيارة، فذكر له قصة نفي الفشاركي من أصفهان إلي طهران، ثم أضاف: حتي لو كان بيننا شيء من القطيعة والتباعد لكن مسؤوليتنا الشرعية تحتم علينا الوقوف قبال خطة الشاه وأن نكون يداً واحدة وصوتاً واحداً وفعلاً واحداً.

وبعد مناقشة الطرق الكفيلة بردِّ الشاه، قررا الطلب من أصحاب المحلات والدكاكين إغلاقها والخروج لاستقبال الفشاركي، وفعلاً خرجت جموع الأهالي لاستقبال الضيف المبعد يتقدَّمهم العالمان الجليلان.

ولما سمع الشاه بهذا الموضوع أشرف من نافذة قصره، فرأي الجماهير الهائلة وهي تهدر من كل مكان لاستقبال الفشاركي، فخشي الشاه أن يقوم الناس بمحاصرته في قصره، فجمع وزراءه

واستشارهم وطلب منهم أن يوجدوا له حلاً.

فقالوا له: إنّ أفضل وسيلة لإسكات الجماهير هو أن يسير الشاه ووزراؤه لاستقبال العالم ويظهروا أن استدعاءه لم يكن بعلم الملك.

وقال الملك لوزرائه: أرأيتم كيف اتحد رجال الدين ضدي، وأجبروني علي تغيير موقفي من الفشاركي؟.

وعندما وصل العالِم المبُعد إلي طهران كان الشاه أول من عانقه، واستفسر منه عن سبب مجيئه إلي طهران، فقال العالم: بأنّ موظفيه طلبوا منه ذلك. فأنكر الشاه ذلك واعتذر إليه، ثم أمر باستضافته في أضخم القصور، وازدحم الناس حوله، وأخذت الوفود تأتيه من كل مكان، وظلّ أياماً في طهران بين حفاوة لا نظير لها، وبعد أيام جاءه الشاه مرةً أخري وقدّم له الهدايا الثمينة وخيّره بين البقاء في طهران أو الرحيل، فاختار الرحيل والعودة إلي أصفهان بعد أن يكمل الزيارة().

وهكذا، نجد كيف استطاع العالمان الجليلان باتفاقهما إنقاذ الموقف وتخليص الفشاركي رحمة الله عليه من عقوبة الإبعاد وتغيير موقف السلطة إلي الجهة المعاكسة؛ كل ذلك حدث بفضل تعقّل أحد العالمين وترك الخصومة واتخاذ ذلك القرار المهم في زيارة العالم الآخر.

قال سبحانه وتعالي: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ().

فقد ألغيا ما بينهما من برود وقررا أن يعملا معاً.

وهذا درس يعطينا العبرة في أهمية الاتحاد، وكيف إذا تضافرت جهود العلماء في عمل ما فإنهم سيتمكنون من تحقيق ذلك العمل.

إنّ صرف النظر عن المنازعات الشخصية وترك الخصومات وملاحظة المصلحة العامة لهو مفتاح نجاح كل شيء، وبالعكس فإن الانشغال بالنزاعات الشخصية والبقاء علي الفرقة والتنابذ لا يجني منه سوي الخيبة والخسران.

فكان لابد من أن نصبّ كل اهتمامنا للمصلحة العامة، ونبذ المصالح الشخصية التي لا يأتي منها إلاّ البوار.

لأجل هذا انتصر اليهود

انظر إلي اليهود كيف تناسوا خلافاتهم، وقرروا العمل سويةً، فكان نتيجة اتحادهم

انتصارهم في حرب حزيران سنة 1967م()، بينما ليس لليهود سوي حكومة واحدة، أمّا المسلمون فلهم أكثر من عشرين حكومة؟!.

وقد سألني سائل في إحدي المرات عن سبب انتصار اليهود وهزيمة المسلمين في حرب 1967م مع أنّ أولئك كانوا يهوداً أما هؤلاء فمسلمين، ومع أن أولئك لهم حكومة واحدة ولهؤلاء عشرون حكومة.

فقلت للسائل: إنك أجبت علي سؤالك.

فقال لي: كيف ذلك؟.

فقلت له: ألم تقل إن لليهود حكومة واحدة وللمسلمين عشرين حكومة، فهذا يعني أن اليهود متحدون أما المسلمين فمختلفون.

ثم نقلت له قصة القافلة المشهورة، والقصة هي:

خرجت قافلة من بلدها وقصدت بلداً آخر لمزاولة التجارة، لكنها رجعت بعد مدة قصيرة إلي بلدها منكسرة؛ لأنّ قطاع الطرق هجموا عليهم ونهبوا ما في حوزة القافلة من البضائع، وكانت القافلة تتألف من مائة شخص بينما لم يكن عدد اللصوص يتجاوز الاثنين، فتعجب الناس من ذلك واندهشوا كيف استطاع اثنان من هزيمة هذا العدد الكبير؟!.

فقالوا لهم: كيف انهزمتم وأنتم مائة شخص؟

قال أحدهم وكان حكيماً : نعم، إنهم كانوا اثنين لكنهم كانا متحدين، ونحن كنّا مائة لكن كنّا متفرقين، وهذا الاختلاف الذي كان بيننا وبينهما، والاثنان عندما يكونان متحدين، يكونان أقوي من كل واحد واحدٍ منا حتي لو كنا مائة.

أجل، فالمسلمون اليوم أكثر من مليار نسمة، أما اليهود فلا يزيد مجموعهم عن عشرين مليون في جميع أنحاء العالم، ولا يزيد عددهم في فلسطين عن ثلاثة ملايين() لكنهم جميعاً صفٌ واحدٌ مقابل المسلمين.

إني لا أزعم أن هذا هو السبب الأول لهزيمة المسلمين في حرب حزيران عام 1967م، فهناك أسباب أخري، من أهمها:

إهمال المسلمين للتقدم العلمي، وعدم أخذهم بمكتسبات العصر، من حيث بناء المؤسسات وإقامة الصناعات وما أشبه ذلك. لكن هنا أريد أن أبيّن الأسباب الرئيسية

للهزيمة، وهي بخط عريض: «التفرُّق والتشتت»، فالمسلمون من غير العرب لم يشتركوا في حرب حزيران؛ لأن الحرب كانت عربية صرفة، والعرب ليس بمقدورهم الانتصار؛لأنهم في الأساس مختلفون وغير منتظمين بل إنهم جماعات متناحرة يعادي بعضهم بعضاً،فكيف يمكن أن يتحقّق النصر في مثل هذه الظروف؟!.

المجدد الشيرازي واتّحاد الأمّة

وقصة أخري من قصص الاتحاد هي قصة التّنباك()، لما أقدم المجدد الشيرازي رحمة الله عليه() علي تحريم استعمال التنباك بسبب احتكار البريطانيين لهذا المنتوج. فقد توسل الإنجليز بكل الوسائل الممكنة لإفشال التحريم، ومن جملة أساليبهم أنهم حاولوا إلقاء الفتنة بين العلماء الأعلام؛ حتي ينقض بعضهم فتوي المجدد، ويكون ذلك حجة لدعاية مضادّة ضد المجدد ولإلقاء البلبلة في صفوف المسلمين.

فقد حاول الاستعمار البريطاني أن يشعل الفتنة بين المجدد الشيرازي وأحد كبار المراجع هو الشيخ زين العابدين المازندراني() الذي كان له مقلدون كما للمجدد الشيرازي وكلمته مسموعة عند الناس، يومها كان الشيخ المازندراني في مدينة كربلاء المقدسة، بعث إليه السفير البريطاني رسالةً خاصةً، يبدي فيها رغبته في زيارة الشيخ، في الوقت نفسه أوعز السفير البريطاني إلي جماعة من رجالاته المرتبطين بالسفارة الحضور في بيت المازندراني وتأييد ما يقوله السفير.

وبالفعل حضر السفير في اليوم المقرر للزيارة إلي بيت الشيخ المازندراني وبعد المجاملات الدبلوماسية، توجّه السفير إلي الشيخ قائلاً له: إني سمعت أن هناك حديثاً عن رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله يقول فيه: (إن حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرامٌ إلي يوم القيامة)() فهل هذا الحديث صحيح؟

قال الشيخ: نعم، ومؤكد أيضاً.

عند ذلك قال السفير منتهزاً الفرصة: فهل التنباك حلال أم حرام، فإن كان حلالاً في الشريعة الإسلامية فكيف يحرّم اليوم، وإن كان حراماً فكيف حلّل قبل ذلك؟

فانبري المرتزقة الذين أحضرهم السفير، فأيَّدوا كلام السفير؛ ليؤثّروا في جواب الشيخ المازندراني. ولم تنطل الخدعة علي الشيخ المازندراني، فقد كان أذكي من السفير البريطاني، فقد أجابه بهذا الجواب:

إن الحديث صحيح، والتنباك كان حلالاً إلي ما قبل فتوي المجدد، أما بعد الفتوي فهو حرام، ذلك لأن هناك حديثاً آخر عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وهو أن (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)() فإذا صار الواجب أو الحلال ضررياً، ارتفع حكمه، ومثاله: أن الصوم واجب لكن إذا صار ضررياً، سقط وجوبه، والوضوء والغسل والحج كلها واجبات ما لم توجب الإضرار، والتنباك قبل الانحصار() كان حلالاً، لكن بعد منح الامتياز للبريطانيين، صار مضراً للمسلمين، ولذا أصبح حراماً، وأفتي بذلك المجدد، ونحن نؤيده ومتي ما تم إلغاء الامتياز، عاد الحكم إلي حالته السابقة من الحلية.

وبهذا الجواب القاطع ألقم السفير ومرتزقته حجراً، وسكتوا ولم ينبسوا ببنت شفة. وهكذا فشلت محاولات البريطانيين في إيجاد ثغرة بين العلماء ببركة اتحادهم وتعاونهم وتآزرهم، وبهذا الاتحاد العظيم والامتثال لفتوي الشيرازي اضطر الإنجليز أخيراً إلي الانسحاب وإلغاء الامتياز.

إسرائيل وسياسة التفريق

قال أحد زعماء الكيان الصهيوني الغاصب للأرض الإسلامية في فلسطين: إن دولته تصرف أكثر الميزانية المُعَدَّة للأمن الإسرائيلي في تفريق البلاد العربية وتشتيت شمل الفلسطينيين، حتي لا تقوم لهم قائمة.

أما كيف يتسني لهم ذلك؟.

في الإجابة نقول: اختار اليهود أسلوب الوقيعة بين الرؤساء، وإرشاد العملاء وتوجيه الصحف والإذاعات لتحفيز العرب ضد العرب ولإثارة الخلافات العربية العربية.

وقد بذل اليهود الأموال الطائلة لشن الحرب النفسية والدعائية. وقد عزفوا في إعلامهم علي وتر القومية والإقليمية والعرقية واللونية وإلي غيرها. فلماذا نبقي نحن المسلمين في غفلة عن أحابيل اليهود ومخططاتهم الجهنمية.

من هنا، فكل صوت يدعو إلي التفرقة فهو

صوتٌ مرفوض عند المسلمين ذلك لأن الوحدة فوق كل شيء، كما الإنسان الملزم بالوحدة العامة كذلك ملزم بالوحدة الخاصة.

من هنا، كان اللازم أن نتمسك بالوحدة الخاصة: أي أن يطبق الوحدة كل واحد منا علي أسرته. فالأسرة هي نواة المجتمع، فإذا كانت الأسرة متحدة أصبح المجتمع متحداً أيضاً.

والدائرة الأخري غير دائرة الأسرة هي دائرة العمل وهي التي تضم جميع العاملين، وكلّما توسعنا في المجتمع توسعت الدائرة، فدائرة الأقرباء ثم دائرة العشيرة ثم دائرة القرية ثم دائرة المدينة ثم دائرة الدولة.

والوحدة تبدأ من الدائرة الصغيرة لتنتهي إلي الدائرة الأكبر.

من وحي التاريخ

وقد جاء في قصص الحكماء عن نتائج الاختلاف قصة البقرات الثلاث:

البقرة السوداء، والبقرة البيضاء، والبقرة الصفراء، وقد اجتمعت هذه البقرات الثلاث في مرعي وكنَّ في أمن من كل خطر، عشن هكذا مدة من الزمن، لا يعكر صفو حياتهن أيّ خطر، حتي داهم المرعي أسدٌ جائع، قرر في نفسه التهام هذه البقرات ولكن كيف؟ وهن ثلاثة وهو لا يستطيع علي البقرات الثلاثة.

فلاح في خاطر الأسد فكرة تفريقهن ليتمكن من التهامهن، وبعد تأمّل طويل جاء الأسد إلي البقرتين البيضاء والصفراء وأخذ يقول لهنّ: كنت أمرُّ في المرعي وقد شاهدت بقرة سوداء بلون الليل الداكن، فهذه البقرة السوداء ستجلب لكُنّ الشرّ وسيطمع فيكما الحيوانات الأخري. فإن أذنتما لي وسمحتما بافتراسها حتي تتخلصان منها. فيرفع عنكن الشر ويصبح المرعي لكما أنتما فقط.

وجدت البقرتان هذه الفكرة حسنة حيث إنهما ستتخلصان من هذه البقرة السوداء وتصبح المرعي لهما فقط دون مشاركة ثالث. فوافقتا علي اقتراح الأسد الذي أسرع وانقضّ علي البقرة السوداء، وما هي إلاّ لحظات حتي تحولت إلي لقمة سائغة في فم الأسد الجائع.

وبعد أيام جاء الأسد مرّة الأخري وهو يحمل جوعه إلي

مرعي البقرتين، فاتخذ الأسلوب نفسه، فقال للبقرة الصفراء: إن وجود البقرة البيضاء فيه ضرر كبير عليك، فهي تكشف للأعداء عن مكان وجودكما لأن بريقها يجلب الانتباه، كما وأنها تنافسك في طعام المرعي. فلو أذنت لي وسمحتي لي بالتهامها والقضاء عليها قبل أن تفتك بكما حيوانات الغابة، فأذنت البقرة الصفراء في ذلك.

فقفر الأسد نحو البقرة البيضاء والتهمها. ولم يبق له إلاّ البقرة الصفراء التي جعلها طعامه القادم إذا جاع.

ولم يكن أمامه مانع في افتراس البقرة الصفراء؛ إذ بقيت هذه البقرة وحيدة لا تستطيع الدفاع عن نفسها.

وعندما حان الوقت لافتراسها واعتقدت البقرة الصفراء أنّ يومها قد حان فعلاً صاحت بأعلي صوتها: أُكلتُ يوم أُكِلَتْ البقرة السوداء.

وهذه القصة فيها من المعاني الكبيرة التي لو تدبرنا فيها لكفتنا تمسكاً بالوحدة.

وقد قال الشاعر:

فليسكب الماء علي لحيته

من حلقت لحية جارٍ له

وقال شاعرٌ آخر:

إذا احترقت دارٌ لجارك فاستعد

لهيب اللظي يسري لمن بجوارها

هكذا أوقع الفرقة بينهم

يقال: إنّ رجلاً زعم أنه من ذرية رسول الله صلي الله عليه و اله، ورجلاً آخر كان يرتدي العمامة ويدّعي أنّه طالب علم، ورجلاً ثالثاً كان يعمل موظفاً في جباية الضرائب. فوردوا بستان أحد المزارعين وأخذوا يقطفون الثمار ويأكلونها، فرآهم صاحب البستان علي تلك الحالة وعلم أنه لا يطيق الثلاثة سويةً، فأراد إلقاء الفرقة بينهم؛ ليتخلّص منهم واحداً بعد آخر.

تقدم إليهم، وقال من أنتم؟ ولماذا دخلتم البستان وأكلتم من ثمره دون استئذان.

فأجاب الأول: إنه يأكل حقه من الخمس! باعتباره سيداً من ذرية رسول الله صلي الله عليه و اله.

وقال الثاني: إنه يأكل حقه من الزكاة.

وقال الثالث: إنه يأكل ما يجب علي صاحب البستان من ضرائب.

فقال البستاني للأولين: أما أنتما فهنيئاً لكما.. فالحق الشرعي لا مفرّ منه فكلا ما شئتما، ثم

توجه إلي الثالث وقال له: من قال لك إني لم أدفع الضريبة إلي الحكومة؟ ثم أخذه ودفعه إلي خارج البستان وأوسعه ضرباً وركلاً، أما الصديقان فقد وقفا يتفرجان لأنه أرشاهما بكلامه وتركهما وشأنهما يأكلان، ويعبثان بالبستان.

ثم بعد ذلك تقدم إلي السيد وقال له: نعم سيدنا، إن لك الحق في الخمس فكل هنيئاً مريئاً. أما أنت أيها الشيخ المحترم، من قال لك إن ثمر البستان قد بلغ النصاب حتي يستحق الزكاة؟!.

أليس شرطاً أن تكون الثمرة خمسة أوسق()، وهل تعلم أن هذا البستان فيه عدة شركاء لا تصل حصة أحدهم حتي وسقاً واحداً، إذاً أيها الشيخ الكريم، ليس علي البستان وثمره زكاة، ثم أخذ بيد الشيخ وأخرجه من بستانه.

وبعد أن تخلص من الشيخ وموظف الضرائب، جاء إلي السيد وقال له: أجل إن للسيد خمس أرباح الناس، وهذا ما ورد في القرآن الكريم، لكن هل ورد في القرآن أيضاً أن للسيد الحق في أن يسرق وأن يدخل بستان الناس بغير إذنهم، ثم أخذ يسحبه حتي أخرجه من البستان بصورة ذليلة، وتخلص البستاني من الثلاثة بإلقاء الفرقة والاختلاف بينهم.

وهذه هي نتيجة كل فرقة وعاقبة كل اختلاف. فمصير كل اختلاف وفرقة هو الذل والهوان للمختلفين.

زُوَّار الأربعين

عندما احتلّ الإنجليز أرض العراق قبل نصف قرن() سأل القائد البريطاني أحد شيوخ العراق عن عدد الذين يزورون الإمام الحسين عليه السلام الأربعي، العشرين من صفر؟

قال الشيخ: لا أعلم.

قال القائد الإنجليزي: ولماذا لا تعلم بعددهم؟.

قال الشيخ: لأن عددهم هو أكثر من أن يحصي.

قال القائد الإنجليزي: لكنني سأقوم بإحصائهم، فأمر جماعة من معاونيه أن يقفوا في الطرق الرئيسية المؤدية إلي كربلاء المقدسة في أول شهر صفر ليحصوا عدد الوافدين إليها، ووضع علي كل مدخل من مداخل

المدينة محاسباً ومشرفاً ومساعداً، وبدأ هؤلاء في العدّ وتمكنوا من عدّ الزوار إلي يوم العاشر، أما بعد العاشر من صفر فاتصلت المواكب ليل نهار كالسيل المتلاطم، الأمر الذي أصبح من غير الممكن حسابهم، فرفعوا تقريراً عن عجزهم. فقال القائد الإنجليزي فلنعمد إلي أسلوب آخر في الإحصاء، وأخذ يفرِّق الناس في أجناسهم وألوانهم، فهذا عربي، وذلك إيراني، وهذا هندي، وهذا تركي، وهكذا دواليك، ثم منع السفر من بلدٍ إلي بلد آخر داخل العراق، وأمر كل مسافر يريد السفر بأن يحصل علي الموافقة الخطية من حكام البلاد المختلفين، ونشر الجواسيس والعيون بين الناس وكانت مهمتهم تتَّبع أمورهم، وأمر الحاكم العراقيين بعدم التدخل في شؤون بلادهم، وهكذا أخذ يفرِّق الناس بأساليب مختلفة حتي ثارت العشائر العراقية وقامت ثورة العشرين() بقيادة آية الله العظمي الإمام الثائر الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه() الذي استطاع أن يُخرج الإنجليز من أرض العراق ونزع الاستقلال منهم بالقوة بعد أن أعاد للعراقيين وحدتهم، وبثَّ فيهم روح الجهاد والفتوّة والبسالة، وخرج الإنجليز من البلاد صاغرين مستسلمين لإرادة العلماء والجماهير الملتفّة حولهم مع أنهم في ذلك اليوم لم يتجاوزوا الثلاثة ملايين نسمة، بينما كان الإنجليز قد استقوا بألف مليون شخص موجودين في الهند والصين والمستعمرات الأخري، كما وأن بريطانيا كانت تمتلك يومذاك أحدث الأسلحة والأعتدة المتطورة، بينما كان الشعب في العراق أشبه ما يكون بالأعزل عن السلاح، لكنهم بتمسكهم بقوله سبحانه وتعالي: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا () أنزل الله سبحانه وتعالي عليهم النصر.

وإلي يومنا هذا يحتفل العراقيون بعيد الاستقلال في الثلاثين من حزيران؛ إحياءً لتلك الثورة الباسلة، رغم أن الحكومة البعثية تحاول إلغاء دور قائد الثورة الإمام الشيرازي رحمة الله عليه.

وهنا ينبغي

الإشارة إلي حقيقة مهمة هي: أنّ الشيعة تأخروا في العراق منذُ الاستقلال تأخراً مشيناً، فتقاعسوا عن العمل الدؤوب حتي أصبحت أجهزة الدولة كلها تقريباً بأيدي السنة المتعصبين المعارضين للشيعة. بينما بذل الشيعة التضحيات وهم الذين قاموا بثورة العشرين، وعلي أكتافهم قامت الدولة العراقية الحديثة، وبعد تلك التضحيات الجسام، جاء غيرهم وجني المرابح، فكانت الأجهزة الثقافية، والوظائف الرئيسية، وقيادات الجيش، والأوقاف، والإعلام، وكل شيء، بأيدي السنة المتعصبين؛ وهم لا يشكلون سوي خمسة عشر بالمائة من عدد سكان العراق، وحرمت الأكثرية من إدارة دفة البلاد().

إشكالات وردود

وقد سمعتُ من عدد من شباب الشيعة أنهم يلقون بمسؤولية ذلك علي علماء الشيعة، فيقولون: إنهم فرَّطوا في حقِّنا، فلماذا جاؤوا بفيصل الأول() لحكم العراق ولم يفوضوا الحكم إلي رجل شيعي منهم؟

ولماذا حرّموا علي الناس دخول المدارس والوظائف والجيش؟ فلم تتكون لدينا المؤهلات المطلوبة للحكم، بينما حصل السنّة علي كافة المؤهلات التي أتاحت لهم الدخول في كل مسلك وإدارة ومرفق؟

ولماذا قاطعوا الحكومات والأنظمة المتعاقبة علي حكم العراق، ولم يتعاونوا مع السلطات، ولم يفتحوا جسراً للتفاهم بينهم وبين المسؤولين علي شؤون الدولة حتي يتمكنوا من إسناد بعض الوظائف إلي الشيعة؟

إنَّ هؤلاء الشباب، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، يرددون كلمات المستعمرين الذين أخذوا يلفِّقون التهم ضد الشيعة وضد علماء الشيعة حتي لا تقوم لهم قائمة في العراق. شأن كل المستعمرين في كل زمانٍ ومكان الذين يسعون إلي التفريق بين الأمة وقادتها المخلصين.

واختصاراً نوجز الرد علي الإشكالات الثلاثة؛ لتبدو الحقيقة واضحة، شاخصة للعيان:

أولاً: أمّا قولهم لماذا جاؤوا بفيصل وهو ليس بشيعي؟

فالجواب: أن الإمام الثائر محمد تقي الشيرازي لما انتزع العراق من براثن الإنجليز، جمع شيوخ العشائر الذين شاركوا في الثورة، واقترح عليهم أن ينتخبوا

واحداً من أنفسهم، يكون ملكاً عليهم، فأبوا أن يلبّوا هذا الطلب؛ إذ أنف كل واحدٍ منهم أن يملَّك عليه أحدهم مساوياً له في الرتبة والشخصية والثقافة.

فقال لهم: وما تقولون في القرعة: إنها لكل أمرٍ مشكل ()؟

فلنقترع بينكم فأيُّكم خرجت القُرعة باسمه فهو الملك أو الرئيس؟

قالوا: كلا، فإنّا لسنا علي استعداد لأن نؤَمِّر أحدنا علينا.

فاقترح عليهم: إذاً، فاقبلوا ب فرمان فرما () وهو شخصية مرموقة، وله مؤهلات إدارية وقيادية وهو رجل شيعي.

قالوا: لا، إنه ليس من عنصرنا.

وهنا تحدّث السيد محمد علي الطباطبائي()، وهو من رجال ثورة العشرين المشهورين، قال كلمته المشهورة تهكماً بمن قال: إنه ليس من عنصرنا.

وأخيراً، أجبروا الشيخ الشيرازي علي الموافقة علي تعيين فيصل ملكاً علي العراق.

وإني أظن أنّ هذه الخطة كانت استعمارية، مرّرت علي العراقيين بتدبير من بريطانيا ونُسجت خيوطها في الظلام. وقد كشف لورنس العرب () الجاسوس البريطاني المشهور في كتابه «أعمدة الحكمة السبعة» عن ذلك.

من هنا، فعلماء الشيعة أرادوا سيادة العراقي الثائر الشيعي ولم يكونوا يرغبون بفيصل ومن هو علي شاكلة فيصل، لكن الشيعة عصوا أمر علمائهم ولم يريدوا ذلك، وقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لا رأي لمن لا يُطاع)()، ولم يرشح الشيرازي نفسه لأمور خاصة.

ثانياً: وأما استنكارهم عليالعلماء تحريمهم للمدارس، والوظائف، ودخول سلك الجيش.

فالجواب علي هذا الاستنكار هو:

1 لم يقل أحد بتحريم الدخول إلي المدارس أو الوظائف أو الجيش.

أليس العلماء أنفسهم، دخلوا الوظائف، فهذا السيد محمد الصدر() أصبح رئيساً لمجلس الأعيان ورئيساً للوزراء، والشيخ الشبيبي() أصبح وزيراً للمعارف، والشيخ محمد حسن أبو المحاسن() أيضاً وزيراً للمعارف.

أضف إلي ذلك السيد هبة الدين الشهرستاني() والشيخ علي الشرقي() وغيرهم()، هؤلاء كلُّهم من أهل العلم، ودخلوا سلك الوظيفة، وارتقوا حتي وصلوا إلي

المناصب العالية.

أما عن الجيش، فقد تأسست أول فرقة في الجيش العراقي علي اسم الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، وكان تأسيسها في مدينة النجف الأشرف، وتم ذلك تحت سمع العلماء وبصرهم وبتشجيع منهم، وعلي هذا فقس ما سواه.

ثم إننا لا ننكر أنهم اعتزلوا الحكومة لما رأوا فيصل وهو أخذ يتعاون مع الإنجليز، ولا يهتم بمطالب الشعب المشروعة، ثم إنهم قاطعوا الحكومة كما تقاطع الأحزاب الحكومات المتعاقبة().

وقد تصدّي العلماء لحكومة فيصل الذي تحوّل إلي رداء يخفي تحته أذيال الاستعمار البريطاني. وقد بلغت المواجهة حدّاً إلي أن قام فيصل بنفي العلماء من أمثال الشيخ مهدي الخالصي()، والسيد أبو الحسن الاصفهاني()، والميرزا محمد حسين النائيني()..

والسيد الحجة الكربلائي()..

وغيرهم().

وفي الحقيقة إنَّ علماء الشيعة قاموا بهذه المقاطعة بغية إصلاح الأمور، وبالفعل فقد نالوا بعض ما أرادوا.

2 لنفرض جدلاً أن علماء الشيعة حرّموا كل هذه الوظائف وحرّموا الدخول إلي المدارس والجيش، فنتساءل ونقول: أو ليس قد دخل بعض الشيعة كل هذه الوظائف حتي إنهم وصلوا إلي بعض المراتب في الدولة والجيش ومجلس الأمة والشيوخ وغيرها. فلماذا لم يخدموا الشيعة؟ ولماذا كل المؤسسات والدوائر صارت تُدار من قبل متعصبي السنة وهم أقلية في الأقلية السنية؟

فهل ما حدث هو ذنب العلماء أم ذنب الذين لم يطيعوا العلماء بل وخالفوا أوامر العلماء ورغبتهم في اختيار أحدهم للقيادة العليا في العراق.

ثالثاً: وأما قولهم: لماذا قاطعوا الحكومات المتعاقبة علي بلادهم ولم يتعاونوا مع السلطات ولم يفتحوا جسراً للتفاهم … إلخ؟

فالجواب: إنهم قاطعوا بعض الحكومات لا جميعها، وهل يُعد ذلك ذنباً من قبلهم. ثم لماذا لا يسألون لِمَ قاطع العلماء الحكومات، أليس لكونها عميلة للاستعمار؟، وبالتالي هل يعتبر هذا الموقف خاطئاً أم أنه موقفٌ سليم؟!.

أما عن مدّ جسور

التفاهم مع الحكومات، ففي التاريخ أمثلة عديدة عن قيام العلماء بمدّ جسور التفاهم والحوار مع بعض الحكومات، وكلّما أحسّ العلماء بفائدة ولو ضئيلة للإسلام والشيعة في الاتصال بالحكومة، أقدموا علي ذلك، وإني لأذكر الوزراء، والنواب، والضباط الكبار، وسائر شخصيات الدولة الذين كانوا يزورون العلماء في بيوتهم، وكان العلماء يستغلون تلك الفرصة فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وينصحون الحكام إلي ما فيه صلاح الأمة وخيرها. ويطالبون الحكومات بالإخلاص في العمل لما فيه خير العراق والعراقيين والإسلام والمسلمين عامة.

وفي هذا يقول الشاعر:

أيتها النفس أجملي جزعاً

إن الذي تحذرين قد وقعا

فالمشكلة كما يتصوّرها الشاعر قد وقعت فعلاً، والأكثرية في العراق صاروا محرومين من أبسط حقوقهم، فليس العلاج أن يكيل بعضنا التّهم ضد البعض الآخر، يوزّع الشتائم علي هذا وذاك، فلنعتبر بالماضي، ونعمل للمستقبل، والكلام الآن في كيفية العمل، وهي بنظري:

1 تثقيف المسلمين عامة والشيعة بصفة خاصة تثقيفاً حضارياً يتلاءم وثقافة العصر، ويستقي جذوره من الدين الإسلامي.

2 نشر الوعي في طبقات الأمة، عبر تنظيمهم في منظمات مختلفة متوزعة علي مساحة الشؤون الدينية والدنيوية.

3 توحيد الصفوف ونبذ الفُرقة والانقسامات والتفرقة والعصبيات القبلية.

4 النهوض بالمجتمع عمرانياً واقتصادياً.

5 العمل علي استرجاع الحقوق المغتصبة من الشعب، وذلك باعطائه زمام الأمور، واحترام إرادة الأكثرية، فمن دون استعادة حقوق الأكثرية التي لخّصناها في النقاط السابقة، لا يمكن لأوضاع العراق أن تستقر، ولمشاكله أن تنتهي وتزول.

وما نقوله ليس غريباً؛ لأنه مقبول دينياً، ويسمّي بالشوري، وهو مستحسن دنيوياً ويسمّي بالديمقراطية وهو مطلوب بموازين العقل والشرع.

لا لتقسيم العراق

قامت ثورة العشرين في العراق بقيادة القائد الإسلامي الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه علي أكتاف الشيعة، والشيعة وحدهم، لكن قائد الثورة المتّصف بالحكمة، رأي من الضروري إشراك السُّنّة في الثورة ولو

بشكل صوري؛ ليقطع سبيل المراوغة علي الإنجليز.

والإنجليز قاموا بعدة محاولات لإجهاض الثورة، وكانت من جملة تلك المحاولات الفاشلة:

1 فصل السُّنّة عن الشيعة وإلقاء الفُرقة بينهم()، ثم ضرب بعضهم ببعض؛ لتبقي سيطرتهم علي البلاد، كما هي عادتهم قديماً وحديثاً مع مستعمراتهم، فقد كانوا في الهند يذبحون البقرة ويرمون بلحمها في مناطق الهندوس. وفي الوقت نفسه كانوا يلطخون مساجد المسلمين بالنجاسة ويتركون عليها علامات تدل أنّ الفاعلين هم الهندوس، فتقوم المذابح الجماعية، ويتنفس الإنجليز الصُّعداء لمدة من الزمن، وهكذا.

وقد قطع الإمام الشيرازي رحمة الله عليه الطريق علي الإنجليز عندما اختار السنة إلي جانب الشيعة ولو بصورة اسمية، وكلَّما حاول الإنجليز إثارة موضوع السنة والشيعة، كان تدبير الشيرازي أقوي من مؤامراتهم.

2 تقسيم العراق إلي منطقة شيعية هي النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وما حولها، ومنطقة سُنيَّة. كما كان لهم رأي في إيجاد منطقة ثالثة هي منطقة الأكراد في شمال العراق، كما فعلوا ببلاد الشام؛ حيث قسموها إلي خمس حكومات.

وأخذ الإنجليز يروجون لفكرة تقسيم العراق بين الناس، وفرح البسطاء من الجانبين بها، وأخذوا يقولون: هل هناك أفضل من وجود حكومة شيعية لا يضطهدها السنّة؟.

وهل هناك أفضل من حكومة سنيَّة لا تشغل بالها بالشيعة؛ لكن قائد الثورة وقف بكل حزمٍ ضدَّ هذه الخطَّة قائلاً: (إنَّ المسلمين كلَّهم وحدة واحدة وإنْ اختلفوا في بعض الأمور)().

من مكر الإنجليز

جاء قائد الحملة الإنجليزية العام إلي الإمام الثائر الشيرازي رحمة الله عليه ليقول له: إنَّ الحكومة البريطانية ترحّب بمطالب الثوار وإنها تريد إعطاء الشيعة حقوقهم المشروعة، ولما قامت الثورة علي أكتافهم فهي تريد أن تمنح الاستقلال لهم دون سواهم.

قال الشيرازي: كلا، إن العراق وحدة واحدة، والاستقلال يجب أن يكون للجميع، ويجب علي الجميع أن يشتركوا ويُساهموا في

الحكم.

فأيقن الشيرازي أن ما قاله هذا البريطاني، ظاهره الحق وباطنه الباطل، والإنجليز بعملهم هذا، يريدون تقسيم العراق وإبقاء الاستعمار حاكماً ومسيطراً. وهكذا أنقذ الإمام الشيرازي رحمة الله عليه بلاد العراق من براثن الاستعمار، عندما رفض مقترحات المستعمرين.

ولو طبّق قادة المسلمين هذا اليوم ما طبّقه الإمام الشيرازي بالأمس، لكان وجه بلاد المسلمين غير ما نراه اليوم من تمزُّق وتشتّت وتباعد، ولأصبح للمسلمين وزنٌ في الميزان الدولي، لا ينقص عن وزن أمريكا وروسيا إن لم يكن أثقل منهما وزناً().

استقلال العراق ثمرة الاتّحاد

لاشك أن الشيعة بعد ثورة العشرين هم الذين دعموا الملك فيصل ليصبح ملكاً عليهم، وقد اتّفق الشيعة علي تشكيل حكومة أمام المستعمر البريطاني الذي أراد أن يجعل العراق مستعمرة لبريطانيا، ولكنَّ «فيصل» لم يراعِ خدمة الشيعة له، وقلب لهم ظهر المجن، وأوغل في إبعادهم عن المراكز الحسّاسة، وعن المناصب الحكومية المهمّة.

بل ازداد في سلب حقوق الشيعة عندما أوعز إلي شرطته بتسفير علمائهم وخطبائهم إلي إيران، الأمر الذي جعل الحكم من أوَّله متزلزلاً، فالأكثرية الفاعلة أصبحت في خبر كان، أما الأقلّية الجامدة التي لم يكن لها في يوم ناقة ولا جمل في عملية الاستقلال، أخذت تسيطر علي الأوضاع()، ولو كان الملك فيصل قد رعي الحقوق الوطنية للشيعة، لم يسقط الحكم الملكي في أقل من نصف قرن، بينما استمرت الحكومات الملكية في بلدان أخري قريبة من العراق لسنوات طويلة.

وهكذا أية حكومة تخالف سنة الله في الحياة، ولا ترعي حقَّ الأكثرية الشيعية في العراق، سيكون مصيرها الفشل والفشل الذريع، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً ().

ومراعاة قانون الأكثرية لا يعني إلغاء الوحدة، بل إنه السبيل إلي تمتين دعائم الوحدة.

أجل، إنَّ فيصلاً شكَّل أول حكومة سُنّية وسلّم زمام

الأمور إلي السّنّة، وذلك ما أثار غضب الشيعة فقاطعه العلماء، وقد بعث برسالة إلي أحد العلماء، جاء فيها: (أنتم قمتم بالثورة، وجئتم بي إلي بلدكم، فلماذا قاطعتموني)، ولمّا جاء الرسول إلي ذلك العالم، قال العالم له: قل لفيصل: إنّا نقاطعك لتجاهلك حقوق الأكثرية الشيعية الذين جاؤوا بك إلي البلاد وسلّموك مقاليد الحكم، لكنك سلّمت الأمور إلي الأقلية، مع أنك تعلم وتعترف أن الذين جاؤوا بك والذين بنوا العراق علي جماجمهم هم المسلمون الشيعة، وإنِّي لا أقول ذلك من باب الإحساس الطائفي بل من جهة الأكثرية والأقلية، ومن جهة إعطاء لمن لا حق له الحق كله، فهل موقفنا يخالف الإنصاف أيّها الملك؟!.

قال الرسول: لمّا أبلغت الملك مقالة العالم، قال: الآن أريك الجواب عملاً لا قولاً، ثم إنه قال للرسول: هل تعرف أن رئيس الوزراء والمدير الفلاني كلاهما سنّيان؟ قال الرسول: نعم، قال: وهل تعلم هناك خصومة بين الرئيس والمدير؟ قال الرسول: نعم، قال: فانظر الآن.

وأمر الملك سكرتيره أن يحضر المدير، ولمّا حضر المدير قال له فيصل: إن رئيس الوزراء لا يقوم بأداء واجباته خير قيام، والناس غير راضين عنه وإني أريد أن أعزله وأجعلك مكانه فماذا تري؟ قال المدير: إني لا أرفض لك أمراً، لكن الذين قالوا للملك هذه المقالة حول رئيس الوزراء مخطئون، فإنّ الرئيس يدير البلاد علي ما يُرام وإني لا أحب أن احتلّ موقعه، أمّا ما سوي ذلك فأي أمر يأمرني الملك فإني أمتثل له بكمال الترحيب.

ثم إنّ فيصلاً أذِن للمدير بالانصراف، قال الملك لسكرتيره ثانياً: أحضر لي المدير الفلاني، وحين خرج السكرتير من عنده قال فيصل للرسول: هل تعلم أن الوزير الفلاني والمدير الفلاني اللذين أمرت بإحضارهما كلاهما شيعيان؟ قال الرسول: نعم،

قال فيصل: وهل تعلم أنهما صديقان لا يفارقان أحدهما الآخر؟ قال الرسول: نعم، قال فيصل: فانظر ماذا ستكون النتائج؟.

وبعد فترة من الزمن جاء المدير وسلّم وجلس، ثم قال الملك له: أبلغت أن الوزير الفلاني لا يؤدي مهامه حسب الأصول والناس يشكون منه، ولذا فكرت في إقالته وأن أجعلك مكانه فأنا أجد فيك الكفاءة المطلوبة وأجد عندك سداد الرأي.

قال المدير: نعم سيدي الملك، إن كل الناس متعجبون من جعل هذا الرجل وزيراً وهو لا يقدر علي إدارة مدرسة ابتدائية، فكيف بالوزارة، وسأكون عند حسن ظنك، ثم أذن له فيصل بالانصراف ثم توجه للرسول قائلاً له: قل للعالم الذي أرسلك: إن الشيعة لا يصلحون للحكم بخلاف السنّة، وهذا هو الذي دفعني إلي الاستعانة بأهل السنّة؛ لأن الحكم يحتاج إلي التماسك والاتفاق والتعاون، وهذا ما لا يوجد عند الشيعة، بينما هو متوفرٌ لدي أهل السنّة.

أقول: لا أعلم مدي صدق هذا الخبر أو كذبه، وهل هو من نسج الخيال أو من الحقائق، لكن لنفترض أن القصة حقيقية من ألفها إلي يائها، فلنا فيها عدّة ملاحظات:

1 إذا كان الشيعة لا يصلحون للحكم، لأنهم لا يتّحدون، فكيف اتحّدوا لطرد الإنجليز من البلاد وهم أقل من ثلاثة ملايين، والإنجليز خلفهم ألف مليون أو يزيدون.

2 من المعروف لدي كل العقلاء هذه القضية المنطقية: الجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً، فهل خيانة مدير لصديقه بظهر غيبه يجعل كل الشيعة هكذا خونة، وهل وفاء وزير سني واحد يجعل من السنة كلهم أوفياء؟!.

3 إذا لم يصلح الشيعة للحكم، فكيف حكموا في أزمنة مختلفة وفي بلاد كثيرة، منها: العراق أيام البويهيين()..

وسوريا أيام الحمدانيين()..

ومصر أيام الفاطميين()،

وإيران أيام الصفويين()..

والمغرب أيام الأدارسة()، وما أشبه ذلك.

4 إذا كان السنة متّحدين فما

هو تبرير الانقلابات العسكرية المتتالية التي قادها بعضهم ضد بعض، وقد سفكت فيها الدماء الكثيرة()؟.

إنّ الجواب الصحيح علي جميع تلك التساؤلات هو:

1 إنّ المسلمين الشيعة رفضوا مساعدة فيصل؛ لأنه اتّضح لهم فيما بعد أنّه سِتارٌ للاستعمار بعد أن ظنوا فيه خيراً، ولنعم ما صنعت الشيعة حيث وقفت ذلك الموقف النبيل، فالملك لا يصدر أوامره إلاّ بمشاورة المندوب السامي البريطاني، ومثل هذا الملك لا يستحق التعاون معه.

2 إن فيصل لم يرغب في معاونة الشيعة؛ لأنّه كان متطرفاً في التّسنُّن، ولأنه كان ينفذ أوامر الإنجليز، والشيعة يرفضون حكماً يرتبط بالأجنبي، فهم الذين طردوا الإنجليز فكيف يقبلون به يدخل تحت عباءة أخري؟!.

والحكمة في هذه القصة هي:

كيف أنّ تصرف إنسان واحد وهو المدير الشيعي علي فرض صحة القصة يكون حجة علي بني نوعه، ومعرفة مدي تأثير ذلك في أمور الحياة، كما أني بهذا الدفاع لا أريد تبرئة مواقف كل الشيعة، بل لا شك أنّه هناك لائمة قصور وتقصير في عدم جني الشيعة ثمار ثورتهم التي قادوها حتي يوم استقلال العراق.

وإني أظن أن اختلاف زعماء الفرات والشيوخ في مجلس الإمام الثائر الشيخ الشيرازي رحمة الله عليه، حول نصب أحدهم ملكاً، كما أشرنا إلي ذلك سابقاً لم يكن هو السبب الأول والأخير في عدم وصول الشيعة إلي سدّة الحكم بل هو سببٌ من الأسباب.

ويدلُّ علي ذلك أيضاً عدم وصول الشيعة إلي الحكم في انقلاب 14 تموز() و14 رمضان()، و17 تموز()، كما يدل علي ذلك عدم دخول الشيعة في العهد الملكي() في المؤسسات المهمة كالإذاعة والتلفزيون والمدارس والصحف والأوقاف والقضاء وغيرها، مع أن الحكم كان ديمقراطياً ولو صورياً .

أمّا السبب الحقيقي حسب ظني فهو التعصب الشديد في الخلافة العثمانية ضد الشيعة، تعصبهم

لأنّهم أتراك، والشيعة عرب، فقد أهملوا العراق أشدّ الإهمال، وخصوصاً المناطق الشيعية منها()، ممّا أثار حفيظة الشيعة وثاروا ضد الحكم العثماني في عدة جولات، ففي كربلاء والحلة والنجف ثار الشيعة ضد الحكم العثماني، ولكن الشيعة ونظراً لغياب الوعي السياسي لإدارة البلد بعد أن أهملهم العثمانيون لقرون متطاولة فلم يتقدموا لممارسة هذا الدور بعد استقلال العراق.

وممّا زاد في الطين بلّة، سياسة الملك فيصل بدعم من الاستعمار البريطاني، والقاضي بإبعاد الشيعة عن مراكز الحكم، كما يظهر ذلك من مذكرات (مس بيل)()، الجاسوسة البريطانية، والكلام في هذا المقام كثير، وهو خارج من موضوع هذا الكتاب وإنما ذكرناه للعبرة والاتّعاظ.

نوري السعيد وتمزيق الشيعة

حكم نوري السَّعيد() العراق مدّة طويلة، وكان من حلفاء الغرب ويعتبر أيضاً من أعداء الشرق. لذا كان الهجوم الشيوعي موجّهاً بالدرجة القصوي نحوه، وانتهي أمر نوري السعيد بأنْ قتله الشيوعيون، وسحبوه في شوارع بغداد، وداسوا جثته بالسيارة. وقيل: إنهم أحرقوا ما تبقي من جثته.

وكان نوري السعيد شديد العداء للشيعة، ولذا لم يكن يسمح لهم بالتمتع بأي مركز إداري مهم، وتجاهل إعطاءهم حتي أبسط الحقوق، بل إنه بذل ما بوسعه ليمنع الشيعة من الوصول إلي الحكم، بل رتب الأمر بحيث لايصل الحكم إلي الشيعة مهما تطورت الظروف، فضلاً عن حرمانهم من الأمور البسيطة كالأوقاف والإعلام.

ولم يأذن نوري السعيد بالترويج للثقافة الشيعية، ولم يسمح بتدريس التاريخ الشيعي في المدارس، علماً بأن أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب العراقي هم من الشيعة.

وكان يقول دائماً: مثلُ الشيعة مثل (البيض في السلّة)، فإذا حرّكت السلّة، كسَّر البيض بعضه بعضاً. وكان يريد بهذا المثل وضع منهاج لضرب الشيعة بعضهم للبعض الآخر.

ولمّا كان نوري السعيد يخشي نفوذ الشيعة؛ عمل علي زرع الفتن والخلافات فيما بينهم ليشغل

بعضهم بعضاً ().

والمثل الذي ذكره نوري السعيد لا ينطبق علي الشيعة وحسب، بل حتي السنّة أنفسهم حيث بالإمكان إلقاء الفتنة في أي وسط اجتماعي، وذلك لوجود حالة التخلف واللاوعي في البلاد آنذاك.

فأي بلدٍ متخلّف وشعبه غير واقعي، يكون صيداً وفيراً لشباك المستعمرين الذين ينفِّذون خططهم في الظلام.

ومثال علي ذلك الهند، فإن الإنجليز كانوا يثيرون الفتن الطائفية والاختلافات العرقية بين المسلمين والهندوس، وكانت عملية إثارة الفتنة عملية سهلة ولا تتطلب جهداً من الإنجليز، فبمجرد ذبح بقرة أو تدنيس مسجد، كافٍ لإشعال نار الفتنة.

ولم يكتف الاستعمار بزرع بذور الفتنة بين أبناء الديانة الواحدة أو بين أبناء الشرق، بل امتدت مؤامراته حتي بلادهم فإيرلندا لازالت تعاني من الفتن الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت.

وذكرنا هذه الحكاية لنكون علي أتمَّ حذرٍ ويقظة لما يُدبّر لنا في الظلام حتي لا نصبح ألعوبة بأيدي المستعمرين وأذنابهم، أو بأيدي أصحاب الأهواء الباطلة أو الجهلاء والمتطرفين، فيحارب بعضنا بعضاً، حرباً كلامية في أول خطوة ثم حرب الانقسامات وتفريق الصف بأساليب رخيصة لا تكلِّف المستعمرين أيَّ ثمنٍ يُذكر.

فإنَّ التحفُّظَ علي وحدة الصف ووحدة الكلمة من أهم ما يقرر مصير الشعوب والأفراد، فكلّما كان التآلف بين أفراد الشعب متيناً، كان ذلك دليلاً علي وعي الشعب، وبالعكس كلَّما زادت الفُرقة والضغينة كان ذلك دليلاً علي قلة الوعي.

وبالطبع فإن التآلف نتيجته الشوكة والمنعة والقوة.

أمَّا الاختلاف فنتيجته السقوط والهوان والتأخر، أي يُصبح الشعب نهزة الطامع ولعبة لكل منتفع.

عداء الشيعة خدمةً للاستعمار

من الأعمال التي قامت بها الحكومة الملكية في العراق ضد الشيعة، أنها عمدت إلي هدم آثار() الشيعة في مدينة كربلاء المقدسة تحت ذريعة توسيع الروضة الحسينية المباركة.

وهذه كانت كلمة حق أُريد بها باطل، إذ كان بإمكانها لو كانت تريد التوسعة فعلاً لأقامت

هذه التوسعة مع الحفاظ علي الآثار من عمليات الهدم المنظمة.

فقد هدمت (مسجد رأس الحسين عليه السلام) و(مدرسة الصدر) و(المسجد الناصري) و(المدرسة الزينبية) و(مقبرة الميرزا موسي)() و(مدرسة حسن خان) و(مسجد حسن خان) و(مقبرة جملة من العلماء العظام كالسيد صاحب الضوابط رحمة الله عليه وغيره)، و(مقبرة سلاطين آل بويه) الذين أسدوا للإسلام أجلّ الخدمات، والذين عمّروا البلاد طيلة أكثر من قرن من الزمن. و(الصحن الصغير) أيضاً تم هدمه.

كما وقام ياسين الهاشمي() الذي يُعدّ من خَدَمَةِ التاج البريطاني ومن ألدّ أعداء المسلمين الشيعة، قام بهدم (منارة العبد) في حرم الإمام الحسين عليه السلام.

وكان وراء ذلك سياسة طمس آثار الشيعة حتي لا تقوم للشيعة أية قائمة، وإني لأري أن من واجب المسلمين إعادة بناء كل تلك الآثار الإسلامية المهدمة، وحديثنا حول الآثار الشيعية في كربلاء المقدسة، جاء كمقدمة للحديث عن موضوع مهم هو الموقف من ذلك الهدم.

عندما يختلف العلماء!!

قام المرحوم الوالد رحمة الله عليه() مع جملة من العلماء الأعلام بالإضراب عن التدريس، وإيقاف جميع الأنشطة الاجتماعية والدينية كصلاة الجماعة ومقابلة الناس، الأمر الذي أدي إلي نتائج إيجابية حيث مارست ضغطاً كبيراً علي الحكومة التي أجبرت وكفّت عن ممارسة سياستها ضد الآثار الشيعية.

لكن وللأسف الشديد ضاع جميع ما تمَّ إنجازه من خلال الإضراب عندما بدأ عالمان بخرق تعاهد العلماء علي الإضراب، فقد أغرت السلطات هذين العالمين، وحرَّضت العلماء الباقين علي إيقاف الإضراب، فانقسم العلماء إلي جبهتين، جبهة مع الإضراب وجبهة ضد الإضراب، ووقعت مصادمات كلامية بين الطرفين، الأمر الذي حقّق للسلطة ما كانت تبغيه. وهكذا نجحت الحكومة في تطبيق قاعدة «فرِّق تسد»، عندها قرّرت الحكومة مواصلة هدم ما تبقي من الآثار الشيعية، وهكذا كلّما اجتمعت الكلمة وتوحَّدت السواعد، شكّل ذلك أكبر

تهديد للحكومة، وكلَّما اختلفت الأصوات، وقع الفشل، وتفرَّقت الأمة تبعاً لذلك.

ولكي لا تقع مثل تلك الحوادث، أري من الواجب في ظرفنا الراهن في ظلِّ تمزُّق المرجعية وتفرُّقها، أن يكون لعلماء كلِّ بلدٍ مجلسٌ استشاريٌ، يكون سنداً لهؤلاء العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تقديم الإسلام إلي الأمام.

وهذا؛ لا يتحقق إلاّ بقيام الأطراف بتقديم بعض التنازلات من أجل الهدف الكبير، وبالطبع فإنّ الفوائد التي تجنيها الأطراف المرجعية أكبر من خسائرها عند تنازلها عن أهدافها وطموحاتها الشخصية.

وقد قامت علي هذا المبدأ جماعة العلماء () في سنة 1378 للهجرة في مدينة كربلاء المقدسة للقيام بالخدمات الاجتماعية، وكما نشأ (مجلس المبلغين)، لتوحيد جهود العلماء، وصبّها في الهدف المشترك، كما واستهدف مجلس المبلغين توحيد الطاقات الخطابية، ووضع استراتيجية للتبليغ الحسيني، وقد كان لهاتين المؤسستين دورٌ مهم في تاريخ كربلاء.

الأيوبي وسلاح التفرقة

لقد منيت الأمّة الإسلامية بخسائر فادحة إثر الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها صلاح الدين الأيوبي()، والتي انعكست آثارها ونتائجها السياسية إلي الوقت الراهن، ومراجعة سريعة للتاريخ، نشاهد بوضوح تلك الخسائر الجسيمة والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

1 إنّ صلاح الدين الأيوبي كان من قادة الدولة الفاطمية في مصر حيث أوكلت إليه مهمة محاربة الصليبيين() الغزاة، لكنه عندما وجد الفرصة المناسبة قلب لها ظهر المجن، وانقلب علي الفاطميين، وأسقط دولتهم، وقام بتقسيم البلاد في وقت كانت فيه بأحوج ما تكون إلي الوحدة، حيث تواجه مصر أخطار القوي الصليبية الغازية، بل إنه سعي إلي تمزيق العالم الإسلامي.

2 كما وأنّ صلاح الدين لم يكتف بتقسيم البلاد إلي مصر وسوريا بل قام أيضاً بنقل الحرب الخارجية التي كانت ضد الصليبيين إلي حرب داخلية بين السنّة والشيعة، فأخذ بمطاردة الشيعة وقتلهم وتشريدهم وحرق مكتباتهم وأسر واغتصاب

نسائهم()، وكانت المحصلة النهائية هي إضعاف البلاد داخلياً حتي عجزت عن مواجهة القوي الصليبية.

3 ثم إنه لم يكتف بهذا القدر من تفريق الأمة وتشتيت طاقاتها، بل إنه عمد عند موته إلي توزيع ما تحت يده من البلاد بين أبنائه، وكأنّ البلاد الإسلامية هي ميراث لأجداده وآبائه، ضارباً بعرض الحائط كل القوانين الإسلامية التي تؤكد علي ضرورة الانتخابات الحرة والشوري وما أشبه ذلك().

وبهذه الخطوة الجديدة ضعفت البلاد الإسلامية أكثر فأكثر؛ لأنَّ أبناء صلاح الدين أخذوا يتنازعون، وأخذ بعضهم يكيد للبعض الآخر كما هو مألوف عند أبناء الملوك في العادة، وبدلاً من أن يجمعوا قواهم ويستعدوا لمحاربة الصليبيين ولإيقاف زحفهم الغادر استنزفوا قواهم في صراعات داخلية لم يجنوا من ورائها سوي الخيبة والعار الأبدي.

وإني لأظن استنتاجاً من المقدمات والأشباه والنظائر أنّ صلاح الدين كان من عملاء الصليبيين الذين تآمروا علي المسلمين في تمزيق صفّهم()، وأمثال صلاح الدين الأيوبي كثيرٌ في بلادنا الإسلامية الذين يعملون لصالح الصهيونية والغرب؛ في الوقت نفسه يظهرون العداء للصهاينة.

وقد كشفت الصحف والإذاعات قسماً كبيراً من هؤلاء العملاء والجواسيس، بينما لم يكن في الزمن السابق تلك الصحف والإذاعات التي تكشف عن تلك العلاقة الخفية بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين.

وقد ظهر بعض آثار تلك العلاقة من خلال تصرفاته وأعماله التي كان حصيلتها ما يلي:

1 أظهرت حروب صلاح الدين المسلمين علي أبشع الصور، وأبرزتهم قوة متخلِّفة متطاحنة وممزّقة، فلم يترك صلاح الدين جريمة إلاّ وارتكبها من قتل العلماء، وهتك الأعراض، وتشريد المفكرين، وإحراق المكتبات، ومصادرة أموال وعقارات الناس، وأخذ الضرائب العالية من العمال والفلاحين والمزارعين، وكل هذه الأعمال التصقت بالإسلام، وكان لها رد فعل سيئ عند غير المسلمين.

لقد أعاد صلاح الدين الأيوبي ذكري الجرائم البشعة التي

اقترفها كلٌّ من: بُسُر بن أرطأة ()..

ومسلم بن عقبة المري()..

والحجاج بن يوسف الثقفي()..

وزياد بن أبيه()..

وخالد بن عبد الله القسري ()..

والمهدي بن المنصور العباسي ()..

والمتوكل العباسي()..

ومن علي شاكلتهم.

2 أدت أعمال صلاح الدين إلي إضعاف القوة الإسلامية إلي أبعد الحدود، بينما زادت تلك الأعمال من قوة الصليبيين، وعندما مات صلاح الدين كانت أجزاءٌ من فلسطين في أيدي الكفار، أعداء الدين.

لم تكن حرب صلاح الدين ضد الدولة الفاطمية خاصة بل كانت ضد الإسلام بصورة عامة، فقد أعلن مخالفته الصريحة للإسلام بأعماله المخلّة بالإسلام، وأعلن عن خيانته لسيّده عندما تجاوز علي الحلف والعهد الذي بينه وبين سيده، ولم يكتف بقتل المسلمين بدون ذنب وحسب بل زاد في تماديه بأن سلّم البلاد إلي أولاده الذين تناحروا فيما بينهم.

3 أدت أعمال صلاح الدين الأيوبي إلي إيجاد الفرقة والفتنة بين الشيعة والسنة، التي لم تلتئم جراحها حتي يومنا هذا، فقد أولد النزاع المذهبي بين الشيعة والسنة ضعفاً عاماً في الكيان الإسلامي().

وربما يبرر البعض ما ارتكبه صلاح الدين من مخالفات ومن تقتيل للشيعة نتيجة لانحراف بعض الحكام الفاطميين كالحاكم بأمر الله().

أقول: أولاً: وقبل كل شيء، إن ما يُقال عن انحرافات (الحاكم بأمر الله) هو كذب محض بل هو جزءٌ من دعايات العباسيين المخالفين للفاطميين، وقد صدرت كتب عديدة تنفي هذه الافتراءات عن الحاكم بأمر الله.

ثانياً: ولنفترض جدلاً أنّ ما ذكره بعض المؤرخين بحق الحاكم بأمر الله كان صحيحاً، فهل ذلك يبرر ما قام به صلاح الدين الأيوبي من إضعاف القوة الإسلامية أمام القوي الصليبية، ثم بماذا يبررون أعمال صلاح الدين الأخري التي أشرنا إلي بعضها بصورة موجزة؟

والحقيقة أنّ الخلافة الفاطمية اتهمها المتعصبّون من السُّنّة وعملاء الخلافة العباسية بتلك التهم التي لا أساس لها

من الصحة، وإلاّ فالاتهام كلّه كذب وعارٍ عن الصحة، ويشهدُ التاريخ علي كذب أولئك المتقولين ممن كانوا يعملون لصالح الدولة العباسية، ومن هؤلاء (ابن حجلة)() فهو يتكلم حول الخلفاء الفاطميين وكأنهم خارجون عن الإسلام فينسب إليهم الرفض تارةً والزندقة أخري وثالثة ورابعة مما يظهر من كلامه أنه حاقد أو مرتزق أو الاثنان معاً.

وقد ردّ المقريزي() علي جميع هؤلاء، وردّ الاعتبار إلي الدولة الفاطمية في كتاباته التي كتبها عن مصر.

لقد خدم الفاطميون الإسلام كثيراً وهم الذين أسدوا إلي المعرفة صنوف الخدمات، ففتحوا المكتبات، وأنشؤوا قاعات التدريس، ولم يكتفوا ببناء جامع الأزهر() وحسب، بل إن أحد الخلفاء الفاطميين حوّل قصره إلي قاعة للتدريس وإلي مكتبة كان يرتادها العلماء من كل مكان، أضف إلي ذلك اهتمامهم بالعمران والزراعة والصناعة().

صفاء القلوب

كان الشيخ البهائي() والسيد الميرداماد()، وزيرين للحكم

الصفوي() الذي أقيم في إيران، وكانا في غاية العلم، والتقوي، والفضيلة، والتدبير، وكانا يديران أمور البلاد بالعدل والرفاه والإيمان، وفي عصرهم ازدهرت إيران ازدهاراً علمياً، وبلغت أوج حضارتها في العمران والاقتصاد، وساد الأمن والاستقرار ربوع البلاد من أقصاها إلي أقصاها، وذات مرة كان الملك بصحبة هذين العالمين الجليلين في رحلة إلي خارج البلاد، وكان الجميع يركبون الخيول كما هي العادة في ذلك الوقت.

ولقد لاحظ الملك أنّ الشيخ البهائي كان أسرع في الحركة من السيد الميرداماد الذي كان يسير علي فرسه بهدوء وتؤدة، فأراد الملك أن يختبر العالمين، ووجد في ذلك فرصة للاختبار، فتقدّم إلي أن وصل إلي الشيخ البهائي الذي كان في مقدمة ا لركب، وقال له: إنك عالم ليس فيك مسحة من الكبر والرياء، ولذا تطارد فرسك بسرعة، أما السيد فيمشي مشية المتكبرين، ألم يكن الأفضل له أن يسير سيراً طبيعياً كما

تسير أنت بكل حرية وانطلاق تاركاً المجاملات وما شابه ذلك؟.

ففوّت الشيخ الفرصة علي الملك قائلاً له: كلا، إن الأمر معكوس، ففرس السيد متعب لثقل ما يحمله فوق ظهره. فالعلم الذي يحمله السيد الميرداماد جعل الفرس لا يطيق الْعَدوَ بسرعة، وأنا لأ تعجب كيف لا تغرز أقدام الفرس في الأرض لثقل ما تحمله؟!.

ترك الملك الشيخ البهائي وذهب إلي السيد الميرداماد وقال له: إنك لتمشي بوقار أهل العلم والفضيلة، لكني أتعجب من الشيخ البهائي كيف يسير هكذا مثل الشباب، ألا تري كيف يطارد ويكر ويفر؟.

قال السيد: إنّ الأمر معكوس تماماً: إنّ فرس الشيخ يكاد يطير فرحاً، فهو مزهوٌ بمن يحمله علي ظهره ولا يتمكن هذا الفرس من السيطرة علي نفسه لما ناله من الغبطة والفرح والسرور.

عندما سمع الملك قول السيد والشيخ، نزل من فرسه إلي الأرض وسجد لله شكراً؛ حيث أنعم الله عليه بوزيرين، بلغ الحب بينهما حداً أن الواحد منهما لا يسمح لنفسه أن ينال من الآخر إلاّ بالنعت الجميل().

وهكذا، إذا صفت قلوب العلماء في كل زمان ومكان، ازدهرت البلاد وتقدّم المجتمع، وبالعكس إذا شحنت القلوب بالضغائن، تأخرت البلاد وتراجعت إلي الوراء، وقد قيل: إذا فسد العالِم فسد العالَم.

إلاّ أن التوافق وعدم إظهار العداء وتطهير القلوب يحتاج إلي سعة في الصدر وإلي صبر طويل. وقد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: (آلة الرئاسة سعة الصدر)().

وفي ذلك عبرة

يقال: إنّ ابن طولون()، الذي حكم مصر، مرّ ذات يوم علي صياد معه ولده، فرأي رثاثة حال الصياد وفقره وفاقته؛ لذا مدّ يده في جيبه وأخرج ديناراً وأعطاه للصياد، وإذا بهذا الصياد يموت فجأة.

فتعجب ابن طولون لموته، وسأل بعض مَنْ معه عن سبب موته؟

قالوا له: إنه مات فرحاً؛لأنه لم يكن ينتظر

حصوله علي هذا المبلغ الكبير أبداً.

ثم إنَّ ابن طولون أراد أن يعطي الدينار لولد الصياد، لكنه أبي أن يأخذ ذلك المبلغ وهو لا يعرف الدينار ولم يره في حياته، ولما سأله عن سبب رفضه؟ قال: إنّ هذا هو الذي قتل والدي يقصد الدينار وإني أخشي علي نفسي منه.

أقول: وهكذا، علي الإنسان أن يأخذ العبرة ممن سبقه وألاّ يغتر بالدنيا؛ لأنها سبب كل المآسي ومنشأ كل اختلاف.

عشاء التبن والشعير

شخصان ممن تزيّا بزي رجال الدين، يسافران من بلد إلي بلد فنزلا في ضيافة شيخ عشيرة فاستقبلهما المضيِّف استقبالاً حاراً، ثم إنه أراد أن يختبرهما فسأل أحدهما عندما خرج إلي حاجة له فقال له المضيِّف: أريد أن أسألك عن صاحبك ما منزلته في العلم؟

قال الرجل: إن صديقي لا يفهم شيئاً، إنه حمار.

ثم مضي إلي سبيل حاجته فجاء إلي الآخر، وقال له مثل ما قال للأول، فقال الثاني: إن صديقي لا يفهم شيئاً، إنه كالثور.

وعند الظهيرة قدّم المضيّف إليهما صحنين من الطعام وقد غطاهما حتي لايعرف نوع الطعام المقدَّم لهما، فلمّا رفعا الغطاء عن الصحنين، وإذا بهما يريان شيئاً غريباً، رأي الأول في صحنه التبن، ورأي الثاني في صحنه الشعير، فتعجبا واغتاظا غيظاً شديداً واعترضا علي صاحب المضيف لسوء أدبه.

فقال صاحب المضيف: إني لم أكن أعلم ماذا تأكلان واستفسرت منكما فقال أحدكما عن صاحبه: إنه حمار، وقال الآخر عن صاحبه: إنه ثور، والحمار والثور لا يأكلان إلاّ الشعير والتبن، ولذا فإني قدمت إليكما طعامكم حسب ما قال أحدكما عن صاحبه.

وكان ذلك تنبيهاً مهماً من صاحب المضيف علي خطأهما، فخجلا ونكَّسا رأسيهما ولم يتمكنا من الإجابة.

لذا؛ لابد وأن نعرف أنّ تهجّم بعضنا علي البعض الآخر سيؤدي إلي نفس النتيجة.

والحصيلة هي ازدراء

المجتمع بالعلماء وذهاب شوكة المسلمين واجتراء الأعداء عليهم، قال سبحانه وتعالي: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ

رِيحُكُمْ ()، والفشل هنا هو الفشل الكبير في تحقيق الهدف، وذهاب الشوكة والعزة.

من هنا، كان من الضروري علي الإنسان أن يتوجّه إلي هذه الملاحظة، ويترك الكلام عن الآخرين؛ لأنَّ الكلام عن الآخرين ليس مردوده علي الشخص المقابل وحسب، بل علي الشخص المتكلم أيضاً.

فالذي يستر علي صاحبه، يستر علي نفسه أيضاً.

ردُّ الإساءة بالإحسان

حدث في بغداد في عهد الحكومة العثمانية، أنّ قاضي القضاة في هذه المدينة ألقي القبض عليه متلبساً بجريمة شرب الخمر ووجود امرأة مومس معه في البيت، فأُودع في السجن، واطّلع الوالي علي أمره فاغتاظ منه غيظاً شديداً، وكتب إلي الأستانة في تركيا في حكم هذا القاضي الذي هتك حرمة الدين ولم يراع منصبه الرفيع في الدولة؟.

وكان هناك أحد القضاة يمارس وظيفته تحت إمرة قاضي القضاة()، وكانت بينه وبين قاضي القضاة مخاصمة، وبعد الحادث ذهب هذا القاضي إلي دار قاضي القضاة وأمر زوجته بأنْ تطبخ طعاماً وتهيئ قناني من العصير، ثم أمرها أن تحمل الطعام والشراب علي رأسها وتأتي معه، وهكذا جاءا حتي وصلا إلي باب السجن.

قال القاضي للسجّان: إني نذرت أن أقدم الطعام إلي آخر سجين أودع في السجن، وأرشا السجّان بالمال، ففتح له السجّان باب الزنزانة التي فيها قاضي القضاة، فدخل هو وزوجة قاضي القضاة السجن، وقدم له الطعام والشراب ثم إنه عند خروجه من السجن أمر المرأة المومس أن ترتدي ثياب زوجة القاضي وأخذ صحون الطعام وقناني الخمر بدلاً من القناني التي جاء بها؛ حيث إن قاضي القضاة كان مسجوناً مع المومس وقناني الخمر، وخرج القاضي بالمومس وقناني الخمر تاركاً عند قاضي القضاة زوجته وقناني العصير، ثم إن قاضي

القضاة كتب إلي الوالي يسترحمه في تحقيق أمره وأنه مظلوم أودع السجن بلا ذنب وأن الوشاة هم الذين سعوا به، جاء الوالي وحقق في الأمر وإذا به يري صدق ما كتبه قاضي القضاة، فقد رأي أن المرأة هي زوجته وأن القناني كانت لعصير الفواكه وليس للخمر فتعجب الوالي أشد العجب وأخرج قاضي القضاة من السجن بكل احترام وتقدير وعاقب الوشاة أشد معاقبة.

وفي اليوم الثاني من خروج قاضي القضاة من السجن جاء إلي دار القاضي المخلِّص الذي خلَّصه من السجن ليعتذر له علي ما فعل به في السابق وليشكره علي صنيعه الحميد.

قال القاضي في تبرير عمله: إني وجدت من اللازم عليّ أنْ أنقذ سمعة القضاء بإنقاذك من ورطتك ولكيلا يساء الظن في المستقبل بأمثالك، ولولا ذلك لبقيت أخاصمك ولم أقدم علي هذا الفعل.

أقول: لاشك أن عمل قاضي القضاة كان جرماً كبيراً، لكن عمل القاضي وتداركه الأمر وحفاظه علي سمعة القضاء كان أهم من ذلك، فالمسألة فيها أهم ومهم، وهكذا رأي القاضي.

إذاً، ليس كلامنا الآن في أن عمله كان صحيحاً أم لا.

هكذا نلقي الفتنة!

قال رجل: كنت أسير في الشارع مع شخصية سياسية بريطانية رفيعة المستوي، فسألته: إنّكم معاشر الإنجليز، كيف تحكمون ألف مليون إنسان في الهند والصين وسائر المستعمرات مع أنكم قلة قليلة لا تعدون الخمسين مليون نسمة وليست لكم موارد مالية ضخمة؟.

قال الإنجليزي مجيباً علي سؤالي: إنّا نستخدم سياسة (فرّق تسد)، فنلقي المنازعات بين الشعب الواحد، وهذا ما يجعلنا قادرين علي السيادة عليهم لأنهم بعد الفرقة والاختلاف، يقلُّ عددهم ويصبحون أقلّ منّا عدداً، فإنّا لا نحكم علي ألف مليون، بل نحكم علي مليون ومليونين فقط بسبب تفرُّقهم واختلافهم.

فإذاً، خمسون مليون أكثر وأقوي من مليون ومليونين وثلاثة ملايين.

قال

الرجل: وكيف تستطيعون إلقاء النزاع والتفرقة بين الشعب الواحد والأمة الواحدة التي تعيش علي أرض واحدة وتنتمي إلي حضارة واحدة وإلي دين واحد؟.

قال الرجل السياسي البريطاني: إنه من أبسط ما يكون، وسأريك الآن كيف ألقي النزاع، ثم جاء به حتي وصلا إلي فقيرين مكفوفي البصر، كان أحدهما جالساً في طرفٍ من زقاق، وكان الآخر جالساً في الطرف الآخر. فسأل البريطاني أحدهم: كم مدة أنت جالس هنا، قال الأعمي: مدة خمسٍ وعشرين سنة.

قال الإنجليزي: وكم مدة جلوس الأعمي الثاني أمامك؟ قال: إنه قريب لي وصديقٌ معي وجلوسه يُقارب المدة نفسها.

قال راوي الحكاية: ثم إن الرجل البريطاني، وقف وسط الزقاق، وقال: أيّها الفقير، هذه الليرة التي أعطيتك إياها، نصفها لك ونصفها لصديقك، الذي هو أمامك. قال هذه المقالة، وهو لم يعط أحداً شيئاً.

فظنّ كلُّ واحدٍ من الفقيرين أنَّ المتكلم أعطي صديقه الليرة، فقال للآخر: أين نصف الليرة التي أعطاك الرجل المحسن إياها، قال الآخر: إنه لم يعطني، وإنما أعطاك إياها، فأخذ كل واحد منهما يتهم الآخر بأنه هو الذي أخذ الليرة، وأنه يريد الاستئثار بها لنفسه، ثم شرعا في الشتم والسبّ، وقاما من مكانهما، وأخذ أحدهما يدفع الآخر، حتي دبّ الشجار بينهما بالأيدي، ثم بالعصي حتي سالت الدماء بينهما.

عندها قال الإنجليزي: أرأيت كيف ألقينا الفتنة بين هذين الأعميين، هكذا نلقي الفتنة بين أبناء الشعب الواحد().

الأندلس وكيف خسرناها؟

الأندلس() هذه البلاد الجميلة التي كانت بأيدي المسلمين هي عبرة لنا، إنها كانت بلاداً زاهرة عامرة جميلة، افتتحها المسلمون في واقعة شهيرة في التاريخ، ثم لم يلبث حكام الأندلس أن دبّ بينهم الاختلاف وأصبحوا متفرقين متشتتين، يحكم الأندلس مجموعة من الملوك سُمّوا بملوك الطوائف، في كل بلدٍ كان هناك ملكٌ يحكمه، وعمل

الإفرنج() علي توسيع شِقّة الخلاف بين هؤلاء الملوك، كما أنهم استأصلوا ما تبقي في نفوسهم من الإيمان، حتي ورد في التاريخ أنهم أوقفوا بساتين العنب من أجل صناعة الخمر؛ ليوزع مجاناً بدلاً من الماء.

وانتشرت الميوعة وتفشي الفساد في مدارس الأولاد، فأخذ النشأ ينشأ علي الطريقة الإفرنجية.

وكان الإفرنج يرشون كبار المسلمين بإرسال فتياتهم الجميلات إليهم، فيقعون تحت مخدِّر الجنس، فيفعلون ما تأمرهم هذه الفتيات، وهكذا أخذوا يُبعدونهم عن الإسلام رويداً رويداً.

وعندما نشأ الشباب في ظل تلك الأوضاع، أخذوا ينظرون إلي الإسلام بنظرة الريبة والشك، وأخذوا يقولون:

(المهم هو القلب، فإذا كان قلبك طاهراً ونظيفاً فلا تخشَ شيئاً)!.

وعلي الجانب الآخر، امتدت الخلافات إلي قطاعات كبيرة من رجال الحكم، من الملوك والأمراء، وكل واحد منهم يستنجد بالإفرنج ضدَّ ملوك المسلمين الآخرين، وقد تفشي المنكر بينهم، فضعفت كلمة الدين.

ومن ناحية أخري، وهنت العقيدة الإسلامية في قلوب الشباب، فلما بدأ التململ فيهم، وأخذت الصراعات تطفح؛ لتُغرق البلاد بالخلافات، حينها اتحدت كلمة الإفرنج، وقرّروا الانقضاض علي الإسلام والمسلمين.

وبدأت أصوات الغياري تعلو لتدعو المسلمين إلي نبذ الخلافات، لكن لا جدوي من ذلك، فقد وصل السيل الزُّبي.

وبدأ هجوم الإفرنج علي بلاد المسلمين، فأخذوا يُغيرون علي المدن، مدينة بعد أخري، فيقتلون الناس بلا أدني رحمة أو إنسانية.

وأخذوا ينشرون محاكم التفتيش في طول البلاد وعرضها، وأجبروا المسلمين علي ترك الإسلام والدخول في المسيحية. ومن كان يرفض ذلك، يتعرض إلي أشد وأقسي أنواع التعذيب، حتي إنهم أحرقوا في ميدانٍ واحد وفي يومٍ واحدٍ أربعين ألفاً من المسلمين.

وأخرجوا بني الأحمر آخر ملوكهم من البلاد بصورة ذليلة ومهانة()، وهكذا لقي المسلمون الدمار والعذاب جرّاء تفرّقهم واستخفافهم بدينهم.

يقول (غوستاف لوبون)():

لم ترجع تلك البلاد إلي ما كانت عليه من العمران والازدهار

علي الرغم من مرور قرون وقرون.

من هنا، كان لزاماً علي الحكومات الإسلامية أن تُدرِّس مادة (تاريخ الأندلس) في كل المدارس، لكي يعرف الناشئون من المسلمين كيف فقد المسلمون تلك البلاد الإسلامية نتيجة التفرقة والاختلاف.

حادثة في قطار

نقل أحد المسلمين أنه كان راكباً القطار للسفر من بلد إلي آخر، وكان في غرفة القطار معه رجل بريطاني، وآخر إسباني، وثالث هولندي، وكانت زوجة الإسباني جالسة بين الرجل الهولندي والإسباني.

يقول الرجل المسلم: صادقت البريطاني لآمن شرّه، فكان البريطاني يستهزئ طول الطريق بالرجلين الإسباني والهولندي، ويضحك منهما. وبينما هو كذلك، وإذا بالتيار الكهربائي قد انقطع وساد الظلام القطار؛ لأن الوقت كان ليلاً. فقال لي الرجل الإنجليزي: هل تحب أن أوقع بين هذين الرجلين؟، قال ذلك ثم قام من مقامه حتي قابل الزوجة وقبَّل يده تقبيلاً بصوت مرتفع، وإذا بالرجل الإسباني، ينتفض من مكانه ظناً منه أنه قد قبل زوجته، وأخذ يشتم الهولندي، وكلّما أراد الهولندي أن يفهمه الأمر، لم يعطه المجال لشدة تأثيره واضطرابه، واشتد النزاع بينهما حتي بلغ منهما مبلغاً كبيراً، وفي أثناء ذلك عادت الكهرباء فاشتعلت الأنوار، فتدخل الناس في الأمر، ولولا تدخلهم لتصاعد الصراع بينهما إلي حدٍ لايحمد عقباه. وظلّ في نفس كل واحدٍ منهما شيء علي طول الطريق.

من هنا، فإنَّ كثيراً من عوامل العداء والبغضاء لا أساس لها، وهي تأتي نتيجة الجهل وسوء الظن، ولذا وجدنا القرآن الكريم ينهي عن ذلك فيقول سبحانه وتعالي: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (). ويقول أيضاً: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ().

سوء الظن

مرّ رجل علي إحدي الخانات وهو محل تجمع المسافرين أثناء سفرهم، فسمع صوت شاب يتوسّل بصوت حزين في إحدي غرف تلك الخانات، كان يتوسل بشخص آخر ويقول له: لا تفعل بي ذلك، بينما كان الشخص الآخر يزجره قائلاً: اصبر.. الآن سوف يتم العمل، ولك كذا وكذا من المال.

فظن السامع أن ذلك الصوت، يدل علي وجود فاعل ومفعول به.

فقام غاضباً، كي يقتحم تلك الغرفة؛ لينقذ الشاب من أيدي الفاعل قبل أن يرتكب جريمته.

لكنه وقبل أن يُقدم علي اقتحام الغرفة، أخذ ينظر من ثقب باب الغرفة ليعرف أو يري ما يجري في داخلها، فإذا به يري رجلاً جالساً علي الأرض، ينظف بعض الدَّمامل التي أُصيب بها الولد في الطريق، وما هي إلاّ لحظات حتي تبيّن له أن الولد ولده، فتذكر قصة أمير المؤمنين عليه السلام مع ذلك القصّاب الذي خرج من الخربة وبيده سكين ملطخٌ بالدم، وقد وجد الناس إلي جانبه قتيلاً..() والقصة مشهورة.

إذاً، من المفترض ألاّ يسيئ الإنسان الظن بالآخرين، وألاّ يتنازع، ولايعادي الآخرين، وألاّ يتهمه بالظنة وما شابه، وإذا سمع كلاماً ينال من أحد، عليه أن يتحقق من ذلك، فلعله ظنٌ من الظنون.

كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة

قال المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(): بُني الإسلام علي كلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

وهذه العبارة هي من أوسع العبارات، وأكثرها دلالة وقوة، ذلك لأنّ التوحيد هو الجوهر والُّلب. وتوحيد الكلمة هو الحارس والإطار، فمن دون توحيد الكلمة يجد أعداء الإسلام منفذاً للقضاء علي الإسلام.

ومن المؤسف أنَّ المسلمين قد تشتّتوا تشتّتاً كبيراً حتي لم يعد من السهل جمع حتي عشرة أشخاص منهم تحت راية واحدة. فقد اعتاد الكثير من المسلمين علي الحالة الفردية وعلي الاستبداد وعدم التنازل للآخرين حتي لو كان الحقّ معهم، واعتادوا علي عدم احترام آراء الآخرين، وعدم الاعتناء بأفكارهم، بينما الأساس في الإسلام يقوم علي مبدأ الشوري والمشورة في كل شيء إلاّ فيما ورد فيه نص صريح.

والشوري تقوم علي الروح الجماعية، وبدون هذه الروح لا يمكن أن تتحقق الشوري. وبالشوري تتلاقح الأفكار وتتبلور وتشذّب تشذيباً جيداً.

وبالشوري يأخذ كل رأي حجمه الطبيعي في زحمة الآراء، لاحجمه في

حالة الانفراد بالرأي.

فإذا قلنا إن منظمة مكوَّنة من عشرة أعضاء لابد وأن يكون نصيب كل رأي عشرة في المائة، أو ليس من حق كل إنسان أن ينفّذ رأيه مائة في المائة، فالقابل للتنفيذ هو القابل للتصديق أيضاً.

نتيجة الاستبداد في الرأي

يقال: إنّ ريفياً مرض، فأشار عليه أقرباؤه وأصدقاؤه بأن يدعوا له طبيباً؛ ليعالجه. فقال المريض: ائتوني بطبيبي الخاص (حكيم باشي)، فأخذوا يبحثون عن حكيم باشي، فلم يجدوا له أثراً يُذكر، فجاؤوا إلي المريض، وقالوا له: إن حكيم باشي قد ترك القرية، فقال المريض: إما أن تأتوني بحكيم باشي أو لا أريد طبيباً. وأصرّ علي رأيه، وبقي مريضاً حتي مات.

لقد مات هذا الريفي؛ لسذاجة رأيه، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: من استبدّ برأيه هلك ().

وأمثال هذا الرجل المريض كثيرون عندنا، وهم القائلون: إما أن نعمل معكم حسب آرائنا، أو أن نترك العمل ولو كان في ذلك تأخر الإسلام وتأخّرنا. وكم رأينا من منظمات وهيئات تتشكل ثم تتفرق؛ لأن أعضاءها اختلفوا فيما بينهم وتعدّدت آراؤهم وانقسموا أخيراً علي أنفسهم، فيتباطؤون في تنفيذ الآراء، ثم ينسحب الواحد تلو الآخر حتي تنهدم تلك الهيئة وتنهار تلك المنظمة، ونتيجة للانقسام يسعي أحد أفراد الهيئة أو المنظمة بإثارة النعرات والاختلافات ضد الهيئة أو الجمعية إذا انسحب من عضويتها ويبرر عمله بأنه لم يُؤخذ برأيه. وهكذا حيث تركنا العمل ب توحيد الكلمة، خسرنا كلمة التوحيد»، ومصداق ذلك نجده في البلاد الإسلامية التي اقتطعها الاستعمار وسيطر عليها واعتبرها جزءاً من مستعمراته وامتداداً لخريطته الجغرافية.

المسيحية والشباب

قال لي أحد الأصدقاء الذين ذهبوا إلي ألمانيا الغربية: إن هناك منظمة للشباب المسيحي، تضم عشرة ملايين مشترك.

وقال لي صديق آخر من الذين زاروا إنجلترا: إن الكنيسة احتضنت أغلب شباب بريطانيا.

أقول: وهذا هو السر وراء عدم انسياق شبابهم وراء الشيوعية وما أشبه.

الشباب والهيئات الدينية

قرأت في إحدي الكتب أنَّ الصهيونية تحتضن بمنظماتها أغلب يهود العالم.

هكذا يجب علينا نحن أنْ نوحِّد الكلمة، فإن (توحيد الكلمة) يعني تربية نفسية، وعملاً دؤوباً، وحزماً متزايداً، فاللازم أنْ نشرع بتنظيم أنفسنا تاركين خلف أظهرنا كل السلبيات الموروثة، وكنا قد جربنا تجربة رائدة إلاّ أنها سقطت في الاضطرابات التي قامت في العراق، ولم يبق من التجربة سوي القليل من فوائدها، ومن تلك التجربة تشكيل الهيئات في المساجد والحسينيات، وكنا نجمع تحت لواء هذه الهيئات مجموعة من الشباب المؤمن، ففي كل مسجد من مساجد كربلاء المقدسة والحسينيات والمكتبات كانت تقام هيئة من الهيئات، فكانت هيئة باسم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وهيئة باسم الإمام علي عليه السلام وهيئة باسم الزهراء عليها السلام وسائر الأئمة ?. وقد بلغ عدد هذه الهيئات زهاء مائتي هيئة، وكانت تحتضن عدداً كبيراً من الشباب، فلو كان في كل هيئة مائة فرد، لبلغ عددهم ألفي فرد. وكنا نعبّر عن هذه الهيئات بالهيئات المنظمة، وكانت تجتمع في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبرنامج الهيئة كان يتلخَّص في قراءة القرآن الكريم، ثم يلي القرآن محاضرة دينية، ثم أسئلة وأجوبة في الأحكام الشرعية، ولولا الاضطرابات التي انتشرت في العراق، لاستمرت هذه التجمعات والهيئات في أداء وظيفتها الاجتماعية والثقافية.

ومما يُذكر أنّ هذه الهيئات بدأت تمتد إلي أماكن أخري من العراق كالنجف الأشرف وبغداد والكاظمية والحلة.

وكانت هناك هيئات نسائية، تضم أعداداً كبيرة من

الطالبات الجامعيات، والطالبات المثقفات، وبدأت الأنشطة المختلفة من خلال هذه الهيئات، مثلاً بدأت طباعة الكتب، ومن خلالها بدأنا بنشر الكتب والمجلات المتنوعة، وقمنا بتشكيل اللجان المختلفة كلجنة لتزويج العُزَّاب والعازبات،ولجنة لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وعيادة المرضي، ولجنة لتنظيف المدينة، وما أشبه ذلك.

واكتشفنا بعد تجربة رائدة في عمل الهيئات، أنّ هذه الهيئات هي الأسلوب الأمثل لجمع الشباب وتوحيد الطاقات وتفجيرها إلي ما فيه الخير والصلاح.

ويا حبّذا لو تتبني جميع المناطق في العراق هذا الأسلوب ويبدؤون بتشكيل الهيئات كمقدمة لجمع الشباب.

النتائج الإيجابية للهيئات

لقد استطاعت هذه الهيئات أن تحقق أمرين هامين:

الأول: الوقوف بوجه الفساد الاجتماعي.

الثاني: التصدي للأحزاب غير الإسلامية؛ الشرقية منها والغربية، ولما كان من الواجب علينا الوقوف بوجه الفساد المستشري والوقوف قبال الأحزاب الكافرة، كان علينا أن نبدأ الخطوة الأولي في هذا المجال بتشكيل الهيئات فإنها المنطلق لتأسيس أي عملٍ تقدمي.

ويمكن تحقيق ذلك بثلاثة أمور:

أولاً: القيادة القوية والمتطورة المتفهمة لحاجات الأمة، والواعية بملابسات العصر الحديث وتعقيداته، ففي العهد الإسلامي الأول؛ لمّا توفرت القيادة الحكيمة والمتمثلة برسول الله صلي الله عليه و اله، انضوت الشعوب تحت راية الإسلام، وعندما افتقدت الأمة لهذه القيادة الحكيمة، تفرّقت الأمة، وانفرط عقد وحدتها.

ثانياً: وجود المؤسسات الدينية والاجتماعية البديلة عن المؤسسات المضادة، ويجب أن يكون منطلق هذه المؤسسات من المساجد والحسينيات والمكتبات والمدارس والنوادي والمسارح في الدول التي يسمح فيها للعمل الإسلامي، أما في الدول التي لا يسمح فيها بالعمل، فلابُد أن تتحلي هذه المؤسسات بالكتمان؛ استناداً للحديث الوارد: استعينوا علي قضاء حوائجكم بالصبر والكتمان ().

ويجب أن تعتمد هذه المؤسسات علي نفسها في الموظفين والمال، فالمؤسسة التي تحظي بالاكتفاء الذاتي هي المؤسسة الناجحة والقادرة علي حل مشكلات الشباب المختلفة.

ثالثاً: إقامة لجان تتولي مسؤولية وضع حلول

لمشاكل الشباب، مشاكلهم العاطفية، وذلك بدعم مشروع الزواج، والمشاكل السياسية كمشكلة الانتماء إلي الأحزاب، أو المشاكل الاقتصادية كالفقر والفاقة، أو المشاكل المرضية التي يبتلي بها الشباب، فالناس لا يؤمنون إلاّ بمن يحلّ لهم مشاكلهم، وقد ورد في القرآن الكريم إشارة إلي هذه الحقيقة الهامة في سورة قريش، حيث يقول سبحانه وتعالي: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ()، فقد عبدوا الله بعد أن أمّن لهم الخير والأمن.

أمور لا بدَّ منها

ولا يخفي بعد ذلك أن أمر الهيئات المنظمة، يحتاج إلي أخذ الموضوع من جميع جوانبه، فهناك الحاجة المالية، وهناك الحاجة الدعائية، والحاجة الدفاعية، فضلاً عن الحاجة الثقافية، فلولا المال لا يُمكن الاستمرار في الهيئات، ولولا الإعلام، لن يتم نمو الهيئات وانتشارها، ولولا الدفاع لتغلبت الجهات المناوئة للهيئات عليها.

ولولا الثقافة الدينية والدنيوية التي تبثُّ في الشباب روح الطموح والتطلع إلي المستقبل من ناحية، وتقوي فيهم الفضيلة والإيمان من ناحية ثانية كالمنابر والكُتب والندوات والمجلات،لركدت الهيئات ثم أخذت في الانهيار والذوبان، وقد أكّد الإسلام علي النظام أبلغ تأكيد كما يظهر ذلك من القرآن الحكيم والسنة المطهرة، فضلاً عن أنّ النظام هو مصدر القوة في مواجهة الأعداء، وقد قال سبحانه وتعالي: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ()،وأن أي تأخير عن تشكيل تلك اللجان والمنظمات والهيئات الخيرية سيمنح الفرصة للتيارات المعادية أن تضع بديلاً للإسلاميين. ثم إنه من الضروري جداً دفع هذه الهيئات المنظمة إلي العمل في مختلف ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والزراعية والعسكرية والثقافية والدينية وغيرها، لأن الإسلام دين لجميع جوانب الحياة، وجاء لمعالجة كل الأمور، ولا يمكن الأخذ به مجزءاً، هذا إذا كانت أحوال البلد تسمح القيام بمثل هذه الأعمال وإلاّ فلابد من الاستعانة بالصبر والكتمان.

أما في الدول

الاستبدادية فلابُد من وجود عمل منظّم وسرّي، ويجب أن يبتعد هذا التنظيم عن العمل العلني الذي يسلط الأضواء علي الأشخاص القائمين عليه.

شمولية الأدوار

وباستطاعة الهيئات في البلاد الحرة أن توسّع دائرة أنشطتها لتشمل العمل السياسي، فهي ترشِّح أفراداً في الانتخابات وتعارض الدولة إذا ما قامت بإجراء مخالف للإسلام والإنسانية، وتمارس ضغوطاً علي الدوائر الحكومية لمنعها من مزاولة الأعمال المنافية والمعاكسة لإرادة الأمة. وتعمل هذه الهيئات أيضاً من خلال نشراتها ومجلاتها ومن خلال حملتها في المجالس بتغيير القوانين الوضعية في البلاد واستبدالها بالقوانين الإسلامية، حيث قال سبحانه وتعالي: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ له مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَي ().

من هنا، كان من الضروري علي هذه الهيئات أن تمارس كل الأدوار كما هو الإسلام يمارس كل الأدوار في الحياة فلا تترك مجالاً فارغاً.

فإذا كان المجال مباحاً شرعاً بذاته كان الدخول فيه مباحاً أولياً. وإذا كان المجال محرماً شرعاً كالمكوس والبنوك الربوية وما أشبه ذلك، دخلوا فيه بقصد الإصلاح، وتجنبوا الحرام قدر المستطاع. قال سبحانه وتعالي: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ().

فإن أهمية إنقاذ البلاد من براثن المستعمرين وعملائهم، تفوق أهمية المحرمات الذاتية في بعض الأحيان لما قرره الشرع من قانون (الأهم والمهم).

كما وأنه يلزم علي الهيئات المنظمة أيضاً محاربة المنكرات والمفاسد كالخمور والسفور والقمار والربا والاحتكار، وكذلك يلزم علي الهيئات المنظمة أن تتبني الشؤون الاجتماعية بمختلف قطاعاتها كشؤون العمال والفلاحين وقضايا العمران والمسائل الأمنية ومسائل الرفاه العام وأموراً تتعلق بتسليح البلد وتقويته في مواجهة الأعداء.

والحاصل، فإن برنامج الهيئات برنامج حافل بالأنشطة المختلفة، ومسؤولية الهيئات هو العمل علي تطبيق الشريعة الإسلامية قدر المستطاع لا العمل بجزء وترك الجزء الآخر.

وحدة العلماء

توحيد صفوف أهل العلم له دورٌ كبيٌر في تقديم البلاد الإسلامية، كما وأن اختلافهم له دور كبير في تأخير البلاد.

ولا يتوحّد أهل العلم طالما ظل المال مبعثراً.

وما دامت الدراسة الدينية فوضي.

ومادام

النظام السياسي لا يتفق وطموح أهل العلم.

ولا يمكن علاج هذه الأمور الثلاثة إلاّ بوضع معايير تقويم للرئاسة وقواعد لإيجاد الرئاسة، ولا يتم ذلك إلاّ بتكوين مجلس استشاري يتكون من أهل الحل والعقد من علماء الدين العدول لاختيار الأصلح من المراجع القائمين، ومن الطبيعي أن يلاحظ المجلس مؤهلات المرجع وقدراته الإدارية إلي جانب المزايا والمؤهلات الدينية الأخري التي تجعله قادراً علي القيام بدور الريادة في المجتمع. وبمقدور المجلس تعيين معاونين للمرجع يُساعدونه علي القيام بالمهمات الثانوية مثل تنظيم الدراسة، وتنظيم شؤون القضاء، وتنظيم أمور المال، وغيرها من الأمور الأخري.

وإذا كان للأمة مراجع متعددين كما هو الغالب كان المجلس الأعلي المتشكّل من المراجع هو السّلطة العُليا، إذ لا يحق لمرجع أن يضغط علي مقلد مرجع آخر ويفرض رأيه عليه.

وهناك أمور لابُد من استدراكها:

أولاً: هل أهل العلم يرضون بتنفيذ هذه النظرية؟

في الإجابة علي هذا السؤال لابد من القول: إنّ أهل العلم يصنَّفون أمام هذه النظرية إلي صنفين اثنين:

صنفٌ يؤيِّد النظرية ويعمل من أجل تنفيذها.

وصنفٌ يحاربها ويعمل علي هدمها.

وهذا التصنيف أمرٌ طبيعي، تجده في جميع المجالات الحياتية، فحول أي موضوع ينقسم الناس بين مؤيد ومعارض.

وطالما علّمنا الإسلام أدب الحوار والمناقشة، يجب أن نعمل وفق الأدب الإسلامي، ففي تاريخ أهل البيت ? حكايات كثيرة لمناقشة الأئمة ? مع الزنادقة والمنحرفين وغيرهم. فكان لابُدّ من التحلِّي بالأخلاق الحسنة، فبالأخلاق الحسنة وحدها تنتهي المشاكل، وبالأدب الإسلامي الرفيع يستطيع أي إنسان أن يناقش آراء الآخرين حتي لو كانت مضادة له.

ثانياً: ما هي نظرة الحكومات إلي هذه النظرية؟

في الجواب نقول:

1: من الضروري انتزاع اعتراف الحكومات إذا كانت ديكتاتورية بالنظرية، ليكون لها شأنٌ خاص تقرّه الحكومات وتعترف به حتي يتم السماح لأصحاب هذه النظرية بالحركة

في الأفق الاجتماعي والمالي وفي تعيين القضاة وأئمة المساجد والمبلغين داخل الجيش.

2: وإذا كانت النظرية في ظل حكومة حرة، فالحكومة لا شأن لها بها مع الافتراض أنها حرة.

ومختصر الكلام أن الحركة يجب ألاّ ترتبط بالحكومة، وإنما يجب عليها أن تحصل علي اعتراف الحكومة.

أما السؤال الوارد: هل الحكومة ينبغي أن تتدخل في شؤون الحركة بما ينفعها أم لا؟. وهل إمكانيات تدخُّل الحكومة في شؤون المرجع الفرد أكثر أو إمكانيات تدخل الحكومة في شؤون المرجع الاستشاري أكثر؟.

لابُدَّ أن يكون الجواب في الشق الثاني من السؤال: فلا خوف إذاً علي الحركة من هذه الجهة.

ثالثاً: هل هناك لكل الشيعة مرجع أو مراجع حينئذ؟.

والجواب: إنّ من الصعب جداً أن يكون للشيعة مرجعٌ واحدٌ، بعد تقسيم البلاد إلي خرائط جغرافية سياسية. وإن لم يكن ذلك بمستحيل في نفسه، ويدلُّ علي صعوبته البالغة الأشباه والنظائر كالرئاسة المسيحية والرئاسة السنية؛ حيث إن التقسيمات السياسية للبلاد لا تسمح لسيطرة رئيس ديني واحد علي كل البلدان. أمّا إذا تمكن المجلس الاستشاري بالإقناع علي توحيد المرجعية في كل الأقطار بمرجع واحد يقود المسلمين؛ فبها ونعمت، ولا شيء أحسن من هذا الأمر.

وإذا لم يكن المجلس الاستشاري قادراً علي ذلك، فسيظهر هناك مرجعان في قطرين، أو مراجع في أقطار متعددة، ولا بأس بذلك مادام أنَّ التوحُّد غير ممكن، ومن ثمَّ يكون بين المرجعين أو المراجع نوع من الاتحاد الحركي والعملي حتي يوجب التنسيق بصورة مماثلة لجامعة الدول العربية أو مؤتمر القمة الإسلامي أو اتحاد الدول الإفريقية، ولا مناقشة في الأمثال والوسائل.

وعلي أيّ حال: (لابُدّ من صنعا وإن طال السفر) كما قال الشاعر، وإني لأظن أنه لو ابتدأت مثل هذه الحركة بكل همّة وجدٍ وإخلاص سوف لايمضي ربع قرنٍ

إلاّ وتظهر النتائج المطلوبة كما هو متوقع.. ومن تلك النتائج المرجوّة:

1: ألاّ يكون طالب العلم الديني مهاناً في المجتمع.

2: ألاّ يكون راتبه الشهري أقل من راتب الموظف الإداري.

3: ألاّ تكون مدة دراسته مجهولة.

4: ألاّ تكون بداية دراسته كآخرها مجهولة، إذ لابد من منهاج دراسي واضح ومحدد.

5: ألا يكون هدف الطالب مجهول المصير، فلابُدّ من تحديد مستقبلي لكل طالب علم، ولابد من برنامج يتم من خلاله استثمار طاقة الأفراد.

6: ألاّ يكون هناك صراع ونزاع بين حواشي المراجع بل تكون الحواشي نظيفة وبعيدة عن الصراعات والنزاعات.

7: أنْ تكون الإدارة في المجتمع العلمي إدارة قوية وواعية، وبعيدة عن الفوضي.

8: أن يكون هناك توزيعٌ عادلٌ لرجال العلم بين المُدن الإسلامية، كذلك أئمة الجماعة والموجّهين الدينيين.

9: يجب الاهتمام بالتبليغ الديني بنفس الحجم الذي نهتم به في الأمور الأخري.

10: وألاّ يحدث فراغ عند موت المرجع، ونهوض مرجع آخر، والناس في حيرة من تقليدهم وسائر شؤونهم الدينية.

11: وألاّ يكون بموت المرجع موت للمؤسسات المرجعية التي بناها هو وحاشيته، بل علي كل مرجع أن يقيم المؤسسات، فمتي ما مات، تبقي المؤسسات لتواصل خدمتها للدين، وأنها لا تتوقف بتوقفه عن الحياة. وعندما تكون هناك مؤسسات، فالمرجع الذي يأتي بعد موت المرجع الأول سوف لا يبدأ من الصفر.

12: وأن تصرف الحقوق الشرعية في الموارد الصحيحة، وألاّ تجمّد في أمور لا فائدة ترتجي منها أو أن تصرف في موارد غير مواردها الشرعية.

13: وعلي عالم الدين أن يعطي صبغة الفاعلية لمجمل أعماله.

14: وأن يتوقف هدر الأموال الكثيرة والطاقات الكبيرة علي الدعاية للمرجع وحاشيته ووكلائه.

15: الحفاظ علي النظرة القدسية نحو المراجع، وألاّ تتحوّل المرجعيات إلي ملوك الطوائف في نظر الناس.

16: تفعيل الإدارة المسؤولة عن تدريس الطلبة بما يضمن

التقدم المستمر لطالب العلم.

17: وأن يمنح طالب العلم شهادة كما حال كل الجامعات في العالم، فعصرنا اليوم هو عصر الشهادات.

18: ولا يكون المرجع مكتوف الأيدي قبال تعيين أو عزل وكيل، وألاّ يترك الأمور إلي الحاشية لتفعل ما تريد.

19: ويُضاف إلي المواد التدريسية في الحوزة الفقه والأصول، العلوم الإنسانية المرتبطة بالمجتمع كالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والإدارة والإعلام مما يحتاجها طالب العلم، لئلا يصيب الناس الازدراء من أهل العلم والدين.

20: ولا يكون للمرجعية وكيلان في مدينة واحدة، خصوصاً إذا كان الوكيلان يوجهان الأمة توجيهين مختلفين فحينئذ ستختل الموازين ويحدث الاختلاف حتي في تعيين أوائل الأشهر().

ولاشك أن عصارة ما تبقي اليوم من الإسلام هو الذي يتمثل بالمرجعية، فالتطور الذي طرأ في العالم اكتسح جميع الأساليب السابقة التي كانت تتبناها المرجعيات التقليدية. فلو لم تغيّر المرجعية من أساليبها في العمل مع الحفاظ علي الجوهر، سوف لا تتمكن من أداء رسالتها كما هو مطلوب.

المرجعية الواعية

لا ريب أن استقلال العراق السياسي قد ارتبط بثورة الإمام الشيخ الشيرازي رحمة الله عليه، كما أن استقلال إيران الاقتصادي ارتبط بفتوي الإمام المجدد السيد الشيرازي رحمة الله عليه.

وإذا ما قسنا قدرات المرجعية قبل نصف قرن مع قدراتها في هذا اليوم كان التفاوت كبيراً جداً، فاللازم علاج ذلك قبل أن تزداد درجات هذا التفاوت.

إنَّ الكنيسة حينما اضمحلت هيبتها أمام الحضارة الغربية جمعت نفسها، وأعادت نشاطها، بل وتوسعت باستخدامها للوسائل الحديثة، مع العلم أنّ الكنيسة وبصورتها التقليدية هي نمط من التخلف؛ حيث إنها أجرمت بحق العلماء وأصحاب الفكر والرأي.

أمَا علينا أن نأخذ عبرة من ذلك؟!

أمَا يجب علي المرجعيات الشيعية أن تستعين بهذه الوسائل المتطورة مع أنها مرجعيات صحيحة وسليمة وتقدمية من أصلها، وقد ساهمت في تحرير البلاد

ونشر العلوم، وأسدت للناس أجلّ الخدمات منذُ زمنٍ بعيد حتي يومنا هذا؟!

إنّ أشد ما يثير دهشتي التناقض الحاد في نفوس بعض الناس! فثمة جماعة من الناس تؤكد علي نبذ الجمود وتدعو إلي توحيد الكلمة وتشجب التشتت والضياع وتفرّق الكلمة بلسانها، وتخالف كل هذه الأمور بعملها!

إنَّك لتجد في نوادي هؤلاء الأشخاص واجتماعاتهم كلاماً معسولاً، يدور حول التطوّر والتقدم والمشاريع الحديثة، ولكنك ستفاجأ بعدائهم الشديد بمجرّد قيام تلك المشاريع.

من تجارب الأصدقاء

واجهت جماعة من الأصدقاء الذين نذروا أنفسهم لتقديم الحياة الدينية والاجتماعية إلي الأمام واهتموا بتوحيد بعض الفئات، فلاقت أشد الصعوبات؛ إذ أقدمت هذه الجماعة علي القيام بفتح مكتبة في مدينة كربلاء المقدسة، ثم أخذوا ينشرون «مجلة» ثم أنشؤوا جمعية، ثم أسسوا مطبعة ثم مدرسة أهلية، وقد تم إنجاز هذه الأمور الخمسة في زمنٍ متقاربٍ، ومع أول خطوة نحو تنفيذ تلك المشاريع الخمسة، لقوا معارضة شديدة من لدن أولئك الذين كانوا يتوقون القيام بهذه الأعمال، وكان الباعث علي اعتراضهم ونقدهم هو الحسد و ما أشبه.

وأخذ هؤلاء يبثّون التّهم والدعايات المضلّلة ضدّ العاملين، وأصبحوا يؤلّبون الناس ضدَّهم؛ حتي إنهم سعوا بالوقيعة بهم لدي السلطات الظالمة، فقد اتهموهم بالشيوعية، وطلبوا من السلطات قطع دابرهم والتخلص منهم، وقد اقتنعت الحكومة بتلك الاتهامات الموجهة ضد الأصدقاء وأمروا أزلامهم باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدَّهم.

والبعض من المناوئين اتهم الأصدقاء بأنهم قوميون ومخربون، فالواجب إيقاف نشاطاتهم، وقد قررت السّلطة آنذاك إلقاءهم في السجن بعد وشاية المناوئين، إلاّ أن الله سبحانه كفاهم شرّ المشكلتين، والغريب في الأمر أن الذين كانوا يُعارضون تلك النشاطات، لم يمضِ زمان إلاّ واقتطفوا بأنفسهم ثمار تلك النشاطات، وكانت لهم سيادتها وعنوانها.

المجتمع وتوحيد الكلمة

وحول (توحيد الكلمة)، ففي المجتمع ثلاث طوائف، هم: أهل العلم، والكسبة، والموظفون. ومع الأسف، في مجتمعنا إن هذه الطوائف الثلاثة متباعدة ومتنافرة، وجاءت هذه المنافرة نتيجة التفكك والضعف في الأمة الإسلامية، فكان أهل العلم يرون الطائفة الثالثة وكأنهم خارجون عن الإسلام، وتنظر الطائفة الثالثة إلي أهل العلم وكأنهم خرافيون ورجعيون، لايفهمون شيئاً، وهم السبب في تأخر البلاد، وتجميد المسلمين.

أمّا الطائفة الثانية: فكانت تقف موقف الوسط، فأحياناً تنتصر إلي هؤلاء وأخري إلي أولئك، ولذا ما كُنت تري في تلك الأيام

حتي طالباً واحداً أو موظفاً واحداً في صلوات الجماعة أو مجالس التعزية أو بيوت العلماء، وكانت المهاترات تنهش بأظافرها جميع الأطراف، وكان أولئك العاملون يدعون إلي وجوب التقارب بين الطوائف وإيقاف التهم والمهاترات، كما كانوا يقيمون الهيئات لأجل تحقيق المشاريع، أو لأجل التثقيف الإسلامي، وكانوا يلاقون بذلك مشاكل جمة من الأصدقاء قبل أن يلاقوها من المناوئين، وكانت أجمل هدية يتلقونها من الأصدقاء هي التُّهم، ووضع العراقيل في طريقهم.

ولم يكونوا يبدون أيَّ تعاون، وإذا تكلموا معهم حول عمل مشترك أو تعاون، كانوا يفتحون الحسابات القديمة، لماذا فعلتم كذا؟ ولماذا قُلتم كذا؟ واعملوا مع من كنتم تعملون سابقاً؟ ولماذا أخفيتم عنّا؟ ولماذا لم تشاركوننا في سابق أعمالكم؟ وأسئلة أخري ساذجة، يطرحها من يريد العمل في الحقلين: حقل التطوّر، وحقل التوحيد، ولو كان ذلك التطور بتأسيس مدرسة أو إيجاد فرصة لتوحيد النشاطات وإن كان في جمع عشرة أفراد لتأسيس هيئة يجتمعون فيما بينهم لتجويد القرآن الحكيم.

فاللازم أن يعلم الفرد العامل أن الطريق ليس مفروشاً بالأزهار، وأن أول المتحمسين للعمل سينقلب إلي أول المعارضين له وصدق سبحانه وتعالي حيث قال: وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ()، بينما كلّنا يعلم أن النبي صلي الله عليه و اله لم يرد إلاّ خيرهم وصلاحهم بتقديمهم إلي الأمام وبتوحيد كلمتهم بما فيه عزتهم وشوكتهم وسعادتهم، ولم يكن البشر في ذلك اليوم يختلف عن البشر في هذا اليوم، وإن لم يكن نبيٌ ولا وصيٌ في الظاهر اليوم.

ثم إن الذين يُعارضون الإصلاح هم علي أشكال غالباً فإمّا حسّاد مفترون، أو عاملون لإرضاء كبريائهم، أو جهّال سطحيون، وهؤلاء هم المعارضة، ثم إنهم يسحبون معهم جماعات من طيبي النفوس، ويتخفّون وراءهم؛ لنيل أهدافهم.

وبعد هؤلاء الأفراد الذين غالباً

ما نجدهم في الأصدقاء، يأتي دور الذين يناوئون الإنسان ومشاريعه لأهداف خاصة ووقتية مختلفة عن أهداف الإنسان، مثل أن تكون أنت في جانب الإسلام وهم في جانب الإلحاد، أو تكون أنت من أتباع مذهبٍ خاص، وهم من أتباع مذهبٍ آخر.

فالمفترض بالذي يريد التقدُّم أو توحيد الصف أنْ يتّصف بالحزم، ويتحلي بالأخلاق والدفع بالتي هي أحسن، وبمداراة الناس، إن أراد نجاح مشروعه.

العلماء حصون الأمة

زار الملك ناصر الدين شاه القاجاري إحدي الدول الغربية المعروفة باستغلالها للشعوب، يصحبه رئيس وزرائه، وقد استعدّ رئيس تلك الدولة استعداداً عسكرياً كاملاً لإظهار قوة بلاده أمام ناصر الدين شاه ولإدخال الرعب في قلبه. فأمر الجيش بالقيام باستعراض عسكري واسع أمام موكب الشاه.

وكان الجيش يتكون من قوة عسكرية كبيرة ومدرّبة ومجهّزة بأحدث الأسلحة، ممّا أعجب الشاه بهم إعجاباً كبيراً بالاستعراض الرائع في وقت كان فيه الجيش الإيراني يعاني من الانهيار والتفكك وضعف السلاح.

ولما انتهي العرض العسكري، التفت رئيس تلك الدولة؛ ليسأل الشاه عن عدد قواته العسكرية؟

يقول الصدر الأعظم رئيس الوزراء الذي كان يرافق الشاه في سفره: أخذ قلبي ينبض وارتعدت فرائصي من ذلك السؤال، واشتدّ قلقي من جواب الشاه؟، فهل يجيب بما هو واقع وذلك إهانة كبيرة لإيران، وتطميع أكبر بتلك الدولة الاستعمارية، والمثل يقول: (المال المتروك يدفع السارق إلي السرقة)، أو يقول كذباً، وهو فضيحة أمام كل الأطراف التي تعلم بقدراتنا العسكرية؟!

إلاّ أنّ الشاه، برع في الجواب حيث قال: إن جيشنا لا يتعدّي في أيام السلم عشرة آلاف شخص لحماية البلاد من المخربين والمجرمين والسارقين، وهذا العدد كافٍ في بلادنا لردع أولئك العدد القليل من المجرمين في مجتمعاتنا الإسلامية؛ لأن الإسلام يطهّر النفوس ويمنع عنها الإجرام، فيكون وازعاً داخلياً عند عامة الناس، إلاّ

من شذّ وندر.

أمّا في أيام الحرب، فيصبح جيشنا متكوناً من عشرة ملايين! ويشمل جميع البالغين من الرجال والنساء من الشعب الإيراني.

قال رئيس الدولة الغربية: وكيف يمكن أن يكون الجيش الاحتياطي كل الشعب وقد قاس الأمر في فكره حسب موازين الجيوش النظامية ؟.

قال الشاه: نعم، إن ذلك مستحيل في موازينكم.

أمّا بالنسبة إلي بلادنا، فعندنا العلماء ممثلون للإمام المعصوم عليه السلام، وأمرهم مطاع لدي جميع الناس، وإذا ما أفتي العالم فتوي (الجهاد المقدس)، فلن تجد من لا يُلبي هذا النداء، فطاعة العالم في فتواه كطاعة الله سبحانه، وعلي جميع المسلمين ومن بلغ سن الرشد الامتثال لأوامرهم.

قال الصدر الأعظم: فانخطف لون رئيس الدولة الغربية، وظهرت عليه آثار الدهشة والاضطراب.

نعم، إنّ ما قاله الشاه صحيحٌ في ذلك الزمن الغابر، إنّه هكذا يكون الدفاع الإسلامي، في زمان لم تتوفر فيه الوسائل الحديثة التي تؤمّن الدفاع.

أمّا اليوم، فإنّ الجيش والدفاع أصبح مؤسسة حديثة تقوم بتدريب الناس علي السلاح وتنظمهم علي شكل المقاومة ليصبحوا علي استعداد كامل، متأهبين لساعة الصفر.

فالجهاد الذي هو من أقسام الدفاع واجبٌ علي كل مكلف مثل وجوب الصلاة والصيام،ولذا عُدَّ من فروع الدين.

شهادة جاسوس

(كينيازدال كوركي)()، وهو الجاسوس الروسي القيصري الشهير الذي بعثوا به إلي إيران إبان الحكم القاجاري.

يقول دال كوركي في مذكراته(): إنّ روسيا كانت معجبة بإيران ومواقفها الصلبة أمام الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية بالرغم من ضآلة عدد سكانها وانعزالها.

ويواصل دال كوركي: وكنا نسأل أنفسنا، ما هو سرّ قوتها، حتي تبين لنا أن سرَّ قوتها في وحدة كلمتها وطاعة الدولة والشعب لعلمائها الذين يعتبرون أفضل حماة للقانون والاستقلال.

ولذا كنت والكلام لدال كوركي موفداً من قبل دولتي لتفريق كلمة هؤلاء العلماء، وقد كنت أبذل ستين ألف ليرة ذهبية لجلب ضعاف

النفوس والعقول إلي جانبي لتنفيذ أهدافي، فكنتُ أكفّر بعضاً، وأفسّق بعضاً، وأقتل بعضاً، وكنت أنفّذ جميع ذلك بصرف الأموال الطائلة ومن تحت الستار. وأخيراً توصلت إلي أقوي سلاح وهو استخدام الدين كوسيلة لتفريق صفوفهم وتمزيق ألفتهم، فوجدت في (علي محمد الباب) خيرَ مطيَّة لتنفيذ ذلك. فقد ادّعي الرجل أنه باب (الإمام المهدي) ثم قال عن نفسه بأنه (الإمام المهدي) ثم ادّعي بأنه أكبر من ذلك، وقد تمكّنا بواسطة هذا الرجل وبعملنا الدؤوب الذي لا يعرف الانقطاع أن نفرّق كلمتهم، وأن نحدث شرخاً كبيراً في صفوفهم.

أقول: هكذا عمل المستعمرون في تمزيق أواصر المسلمين، وتضعيف القوة الإسلامية. حدث ذلك في غياب الوعي لدي السلطات التي كانت تحكم البلاد الإسلامية. وعلي إثر ذلك، جرت حروب وسالت الدماء، وظهر الحزب البهائي() في إيران، وبعد زوال روسيا القيصرية وسقوطها علي أيدي الشيوعيين، انتهزت بريطانيا الفُرصة فاحتضنت الحركة، وغذّتها بالمال والخطط، وحين ضعفت بريطانيا، قامت الولايات المتحدة الإمريكية بالدور نفسه، وأخيراً قامت الصهيونية العالمية بمدّ يد العون والمساندة إلي البهائية، وهكذا امتد الأخطبوط في إيران وغير إيران، وكان بلاءً طالت مدّته، وستطول أكثر طالما ظلّ المسلمون غير متحدين حكومة وشعباً من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وقطع دابر المفسدين.

وكل من أراد المزيد من الاطلاع علي المخططات الاستعمارية للفتك بوحدة المسلمين، عليه أن يقرأ كتاب «مذكرات كينياز دال كوركي».

ومن الكتب المفيدة في هذا المضمار: «لعبة الأمم» () و «أعمدة الحكمة السبعة» ()،و «التبشير والاستعمار» ()، و «بروتوكولات حكماء صهيون» ()، و «تشريح جثة الاستعمار»، و «مذكرات مس بيل» ()، و «مذكرات مستر همفر» () الجاسوس البريطاني، و «مجلة ملي تركستان»، و «الإسلام في قبال الزحف الأحمر»، و «ظلام من الغرب»، و «تركستان في

ظل الشيوعية»، وغيرها من الكتب المهتَّمة بالهجمة الاستعمارية ضد البلاد الإسلامية().

الصبر يصنع الانتصار

كان لأحد مراجع طهران ابنٌ، بعثه إلي مدينة سامراء لتلقي الدراسة الدينية؛ وذلك في عهد الإمام المجدد السيد الشيرازي رحمة الله عليه، وكان هذا الابن سيئ الأدب بحكم كونه شاباً غنياً، ولعدم تلقيه تربية سليمة في بلاده، فكان يسيء للسيد الشيرازي بلسانه ويهمزه ويلمزه في أعماله، وكلّما نُهي عن ذلك لم ينته حتي وصل الخبر إلي الشيرازي، وطلب من الشيرازي بعضُ حواشيه أن يأمر بإرجاع هذا الشاب إلي بلده، لكن الشيرازي لم يوافق علي الطلب، وكان الولد مع إحسان الشيرازي إليه وإعطائه الراتب الشهري وهو لا يستحقه، ومع ذلك ظل يتمادي في غيِّه. وهكذا طال الأمر، فأصرّ بعض الحواشي علي إرجاعه إلي إيران، لكن الشيرازي ظلَّ ساكتاً لا ينبس ببنت شفة.

ومرّت الأمور علي هذا المنوال عدَّة سنوات، وحدث تغيّر طفيف في ثقافة وأخلاق هذا الشاب حتي جاء وفدٌ من طهران إلي سامراء، وتشرّف الوفد بزيارة الشيرازي رحمة الله عليه، فسأل منهم هل عندكم في محلتكم عالم؟

وهل ترغبون في إرسال عالم إلي بلدكم؟

فأجابوه بالترحاب.. فبعث الشيرازي إلي ذلك الشاب وطلب منه العودة إلي إيران ليصبح عالماً في منطقة الوفد القادم. فلبّي الشاب ما طلب منه، فرافق الوفد وعاد إلي إيران معزّزاً مكرّماً. وتعجب الناس كيف قابل الشيرازي إساءة هذا الشاب بهذا الإحسان. ولم يمضِ وقت طويل حتي أصبح هذا الشاب عالماً مرموقاً في مدينته، ثم أصبح مستشاراً ل (ناصر الدين شاه).

وعندما كان في معية الشاه وقعت (حادثة التنباك) المشهورة التي أفتي فيها السيد الشيرازي بتحريم التّنباك، فأوصدت الأبواب أمام الشاه، ففكر ذات مرة أن يجمع العلماء في مكانٍ واحد لعلّه يتمكن من إغوائهم في نقض

فتوي الشيرازي. فأوعز إلي مستشاره وكان عالماً وهو الشاب الذي كان في سامراء أوعز إليه أن يقوم بجمع العلماء في داره ويقول لهم بأن الشاه يريد زيارتكم.

وبالفعل جمع العلماء وحضر الشاه ذلك المجلس، ثم إنه تكلم حول فتوي الشيرازي قائلاً: (هل يحق لإنسان أن يُحرِّم ما أحلّه الله؟، مَنْ هذا الرجل المسمّي ب (محمد حسن الشيرازي) القابع في سامراء؟

وكيف يُحرِّم ما أحلّه الله؟

فأطرق الجميع برؤوسهم، إلاّ العالم المذكور الذي جمعهم، والذي قال خلافاً للجميع الذين سكتوا ولم ينبسوا ببنت شفة.

قال: أيها الملك، إنَّ الإمام آية الله العظمي السيد محمد حسن الشيرازي هو مرجع تقليد الشيعة في كل العالم.

فغضب الشاه من هذا الجواب غضباً شديداً، وقال: ثم ماذا؟!،

قال العالم: إننا نتوقَّع منك أن تنفّذ أوامر هذا المرجع وإلاّ فنحن سننفذ أوامره بالسيف.

فقام الشاه وهو في أشدّ غضب وتوتر، وهمهم مع نفسه قائلاً: تراني أين جئت، جئت إلي بيت أي حمار!!

فغضب العالم منه وقال له بصوت مرتفع: يا صاحب الشارب الغليظ، ليس من حقِّك أن تتكلم حول مرجع تقليد الشيعة بمثل هذا الكلام.

وانتفض المجلس، وفشلت خطة الشاه، بل باءت بالفشل الذريع. وانتشر الخبر، فكتب بعض الناس القصة إلي الشيرازي في سامراء، وطلب الشيرازي أولئك الذين أشاروا عليه بإخراج الشاب لسوء أدبه، ثم إنه وضع إصبعه فوق اسم ذلك الشاب حتي لا تعرف حاشيته اسم الشخص الذي انتفض بوجه الشاه. وقال لبعضهم: إقرأ الكتاب، فلمّا قرأه، استحسن الجميع عمل هذا العالم الجسور المضحّي، وبالغوا في الثناء عليه، وبعد ذلك رفع الشيرازي إصبعه عن الاسم، وكم كانت دهشة أولئك الذين طلبوا منه طرد الشاب وإعادته إلي بلده.

فقال لهم: أ رأيتم فوائد ذلك السكوت والصبر، فاعترفوا بحسن سياسة الشيرازي، ونظرته

الثاقبة، العميقة، البعيدة المدي.

وهكذا يجب الحفاظ علي العلاقة مع الناس مهما اختلفت أعمالهم ونظرتهم وأفكارهم إلاّ في حدود معصية الله سبحانه، وقد قال سيد البلغاء أمير المؤمنين عليه السلام: عاشروا الناس بالمعروف معاشرةً إن عشتم حنّوا إليكم وإن متُم بكوا عليكم ().

فالناس يختلفون في أذواقهم وأفكارهم وآرائهم فلا نتوقع منهم أن يأتي رأيهم مطابقاً لرأينا مائة بالمائة، حتي لو كان هناك تطابق بمقدار واحد بالمائة، علينا أن نستثمر هذا المقدار لنربح المجتمع. وهذا ما قصده أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه المذكور.

الرسول صلي الله عليه و اله ولمّ الشمل

وعلي غرار ذلك هناك من يسأل: لماذا لم يطرد رسول الله صلي الله عليه و اله المنافقين من حوله؟. وقد غفل هؤلاء السائلون عن أمرٍ مهم هو أنه هل كان الأفضل لرسول الله صلي الله عليه و اله أن يقوِّي المسلمين في الشكل والجوهر أم يقوِّي جبهة الشرك؟.

فإذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله قد طرد المنافقين، لكان قد أضاف عدداً جديداً إلي المجتمع الجاهلي. ومعني ذلك: توسع في الجبهة المعادية للإسلام. فقد تخلّص الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله بحكمته البليغة من شريحة، كان يمكن أن تنصب له العداء السافر، فاستطاع بأخلاقه أن يُفرّق صفوف المشركين، فكسب أعداداً كبيرةً منهم، وواصل عملية الكسب.

وقد قال أحد الحكماء: دع المنافق في نفاقه، فإن لم تقدر علي إصلاح سريرته لا تُفسد صلاح ظاهره، فإذا مرّ عليك، أليس من الخير أن يسلّم عليك بدلاً من أن يشتمك. ثم لعلّ الله يهديه سواء السبيل، فينقلب صالحاً بعد أن كان طالحاً.

وهذا هو دأب المسلمين من قديم الزمان، فهم يقلّبون ويحولون من هو عدوٌ لهم، ليصبح ولياً حميماً. وقد قال سبحانه وتعالي: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ().

كما أن الله سبحانه وتعالي قال أيضاً: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ().

الناس سواسية

الناس سواسية كأسنان المشط()، بهذا المنطق الرفيع حكم المسلمون مساحة واسعة من العالم، وتقدّموا أكبر تقدم في تطبيق ونشر الشريعة الإسلامية، وهو منطق العقل والعلم أيضاً.

فليس ثمة اختلاف بين الناس من حيث الفضل إلاّ بالكفاءة، والكفاءة الحقيقية تتجلي بالتقوي. ومعني التقوي اجتناب المحرمات والتحلّي بالفضائل، حيث قال سبحانه وتعالي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ().

ومن مصاديق التقوي أن يري الإنسان نفسه في مرتبة أخيه الإنسان، ولايري أخاه دونه، وأصدق مثال علي هذه الرؤية الصادقة صلاة الجماعة، حيث يقف المسلمون جميعاً جنباً إلي جنب كأنَّهم بنيانٌ مرصوصٌ، ولا يشعر أحدهم بفضل علي الآخر.

وإذا ما نظرنا إلي صلاة الجماعة التي يؤديها المسلمون، لرأينا في صفوف الصلاة الهندي إلي جانب الإيراني، وإلي جانبهما العربي، وإلي جانبهم التركي، وتري الأسود يقف إلي جانب الأبيض، والفقير إلي جانب الغني، ولا تشعر بوجود فرق بينهم إلاّ بالتقوي. وتلاحظ الشيء نفسه في أيام الحج حيث يتساوي الشريف والوضيع والرئيس والمرؤوس، ونجد المالك والفلاح كلَّهم بزيٍّ واحدٍ مُرتدين قطعتين من القماش.

والسؤال المطروح هو: هل نجد هذه المساواة في المرافق الحياتية الأخري؟، ويمكن طرح السؤال بصيغة المصاديق:

هل يمكن لأي إنسان:

1: أن يُسافر أينما يُريد بدون حدود وبدون جواز سفر وتأشيرة؟.

2: وأن يبقي في أي بلدٍ يرغب فيه بدون ترخيص، حاله حال إنسان ذلك البلد؟.

3: وأن يشتري ويبيع كأصحاب البلد دون تفريق؟.

4: وأن يتاجر، فيستورد ويصدّر أية بضاعة يريدها إلي أي بلدٍ يشاء، وبأية كيفية يرغب إليها، باستثناء الأشياء المحرَّمة؟.

5: وأن يؤلّف ويكتب ويبدي رأيه كإنسان له مطلق

حرية التعبير؟.

6: وأن يعمل أي عمل شاء بالكيفية التي يُريدها؟.

7: وأن يدرس كيفما شاء، وفي أي معهدٍ علمي أو أكاديمية، وأن يدرِّس كذلك؟.

8: وأن يخطب ويتزوج كما يشاء، ومثلما يريد بلا شروط ولا مضايقات ولا إجازة من السلطات؟.

9: وأن يقيم الشعائر الإسلامية حسب ما أمر الله سبحانه وتعالي به بدون محظور أو تهديد أو إجازة من السلطات؟.

10: وأن يعمل بقوانين الإسلام حسب ما أنزل الله سبحانه وتعالي، لابحسب القوانين الوضعية؟.

وفي اليوم الذي يستطيع فيه المسلمون من تحقيق هذه الأمور العشرة وغيرها، فسيكون يوم الخلاص ويوم الانعتاق من الاستعمار، إذ لم يكن الإسلام يوماً مجرد عبادات، بل الإسلام عبارة عن مجموعة قوانين حياتية ومجموعة نُظم اقتصادية وتنظيمات سياسية وقوانين تجارية وأنظمة قضائية وأحوال شخصية وأوضاع اجتماعية وطرق زراعية ومعايير أخلاقية.

وتأتي العبادات لتقوّم تلك الأنشطة الحياتية ولتمنحها الأهداف

السامية.

إلاّ أننا ومع الأسف لانجد تلك القوانين والنُظم هي الحاكمة في مجتمعاتنا الإسلامية، بل بالعكس نجد ما هو عكس ذلك، نجد ما يخالف الشرع المبين وما يتناقض وأحكام القرآن.

فقد قال الإسلام: أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ()، ولكن تري التعامل مع البنوك الربوية التي تنتشر في عرض البلاد الإسلامية وطولها.

وقال الإسلام: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ()، وإنك لتري في البلاد الإسلامية عكس ذلك، تري محلات بيع الخمور منتشرة وتباع كما يُباع الخبز.

وقال الإسلام: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ (). أما في البلاد الإسلامية فتري بيوت البغاء وأماكن الدعارة منتشرة في كل مدينة وحي.

وقال الإسلام: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ

حِجَابٍ (). أمّا في البلاد الإسلامية، فتري النساء السافرات في كل مكان، وتري السفور حتي بلغ مبلغ التعرّي، وينتشر في البلاد الإسلامية

الاختلاط بشكل عجيب.

وقال الإسلام: تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (). أما في البلاد الإسلامية فتري القوانين الوضعية وقد أخذت مكان القوانين الإلهية.

وقال الإسلام: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إليه شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ (). أمّا اليوم، فيقولون أكثر مما قالوا في السابق، فاليوم يقولون: (إنّ ما عندنا أفضل مما أنزل الله)، فالذين يسنّون القوانين الوضعية يقولون: (بأن قوانينهم أفضل من قوانين السماء)!.

وقال الإسلام: كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (). أمّا المسلمون اليوم، فكلهم فقراء، ولا تجد بينهم غنياً إلاَّ ما شذَّ وندر، وستجد بين المسلمين من هو دون مستوي الفقر.

وقال الإسلام: لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ()، أمّا في عالمنا الإسلامي، فلا نجد بقعة خالية من الظُلم، وكأنّ الظلم هو القاعدة السائدة، أما العدل فهو الاستثناء، فصاحب المُلك يظلم المزارع. وربّ العمل يظلم العامل، وكأنّ الإسلام لم يأت بقوانين إنسانية لحماية العامل والفلاح، ويعطي لكل صاحب حقٍّ حقَّه.

وقال الإسلام: الناس مسلطون علي أموالهم وأنفسهم (). أمّا في البلاد الإسلامية، فلا نجد رائحة للحرية، بل نجد الاستبداد والظلم والديكتاتورية والتسلط علي قدم وساق، فأصبح الناس لا سلطة لهم علي أموالهم، وهم عرضة للنهب والسلب علي أيدي السلطة بمختلف المعايير والحجج الواهية.

وقال الإسلام: لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ().أما في البلاد الإسلامية، فماذا تجدون؟! تجدون الحكومات، تلهث خلف الدول الاستعمارية الكافرة، وتشنُّ الحروب ضدَّ دول إسلامية لحساب دول ملحدة أو كافرة.

وقال الإسلام: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (). هذا ما تجده في القرآن الكريم. أمّا ما تجده في البلاد الإسلامية، فهو السجون ووسائل التعذيب بأشدّ أنواعها، والإعدامات ومصادرة

الأموال وانتهاك الأعراض.

وقال الإسلام: (الأرض لله ولمن عمّرها)(). أما في البلاد الإسلامية، فتجد القوانين التي تمنعك من الاستفادة حتي من أرضك، فإذا أردت البناء أو الزراعة فعليك أن تأخذ إجازة لذلك، فكيف لو كانت الأرض للدولة؟!.

وكان من نتائج عدم تطبيق حكم الله سبحانه في الأرض، أن أصبح الملايين من المسلمين بلا مسكن وبلا طعام.

وأصبحت مساحات شاسعة من البلاد الإسلام بائرة.

وقال الإسلام: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (). أمّا في البلاد الإسلامية فلاتجد ذلك، بل نجد اليهودي مفضلاً علي المسلم، كونه يحمل جنسية ذلك البلد، أما المسلم، فيُعتبر أجنبياً، فلا حقَّ له بالحياة.

وقال الإسلام: يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (). أما في العالم الإسلامي، فقد وضعوا قوانين لم ينزل الله بها من سلطان، وأصبحت هذه القوانين هي المطبّقة في البلاد الإسلامية، وهي التي تقيّد حرية الإنسان، وتمنعه من ممارسة أنشطته الاقتصادية والثقافية والسياسية.

وقال الإسلام: (المسلمون كالجسد الواحد)(). أمّا واقع المسلمين، فمختلف تماماً، فقد أصبحوا أجساداً متفرقة وعناصر متشتتة، فهذا من عنصر فارسي يمجد القومية الفارسية، وذاك كردي يمجّد القومية الكردية. وذاك من عنصر عربي يمجِّد القومية العربية.

وقال الإسلام: (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع)(). أمّا في البلاد الإسلامية، فلا تجد سوي الجياع، وهم يعيشون جنباً إلي جنب مع المتخمين.

وقال الإسلام: جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ (). أمّا الواقع، فلا تجد من يجاهد حتي بلسانه، وكان من نتائج ذلك الذل والهوان.

وقال الإسلام: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (). و فَأَنَّ للهِ

خُمُسَهُ (). أما الواقع، فيشهد أن هناك أعداداً لا يصلّون ولايزّكون ولا يُخمّسون؟

وقال الإسلام: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (). أتري هل يُحسن الأبناء بحق آبائهم، وكم هم عدد الذين يبرّون آباءهم في هذا الزمن الذي انعدمت فيه أخلاق الأسرة؟.

وقال الإسلام:

وَأَنْكِحُوا الأيَامَي مِنْكُمْ ()، فهل نجد ذلك في مجتمعاتنا الإسلامية أم نجد العكس تماماً، نجد العزوف عن الزواج؛ لأسباب تافهة وأعذار واهية، ونجد انصراف الشباب والشابّات في اللهو والمجون، ولا يفكرون بالزواج صارفين طاقاتهم الجنسية في أمور محرمة.

وقال الإسلام: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (). أمَّا الواقع، فإنَّ الملايين من المسلمين حُرموا من الحج بسبب القوانين الجائرة.

وقال الإسلام: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ()، وتري كثيرين يتركون الأمر بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وربّما يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وهم في عصرنا كثيرون.

وقال الإسلام: (علي الوالد أن يحسن اسم ولده، ويحسن تربيته، ويزوّجه إذا بلغ)()، وتري الأسماء القبيحة حين تسمية الأولاد، وتري الإهمال في تربيتهم وعدم رعايتهم عندما يكبرون، وعدم السعي لتزويجهم بأعذار واهية.

وقال الإسلام: (النظافة من الإيمان)()، وتري الأوساخ تنتشر في الشوارع، والأزقّة، والبيوت، وسائر الأماكن الأخري.

وقال الإسلام: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ()، وتري المسلمين يفتقرون إلي تصنيع أبسط أنواع الأسلحة.

وقال الإسلام: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (). أما في الواقع، فتجد الإذاعات، والصحف، وقد مُلئت بالمهاترات والمنازعات، فالبعض يتهم البعض الآخر بأسوأ التُّهم.

وقال الإسلام: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ (). أما في الواقع، فلاتجد سوي العمل بالظن السلبي، وهو متفشٍ في أغلب الناس.

وقال الإسلام: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (). أما في الواقع، فتجد ظاهرة الانتحار وقد انتشرت في بلاد الإسلام.

وقال الإسلام: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً (). أما في الواقع، فتجد الإبادة الجماعية والقتل علي العقيدة، وسياسة التصفيات الجسدية للمواطنين؛ لمخالفتهم للسلطات الحاكمة.

وقال الإسلام: وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (). وفي الواقع تري

المسلم، يتجسّس علي أخيه المسلم، وتري ظاهرة الغيبة متفشية في كل مكان، وقد قال الله سبحانه عنها: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ().

وقال الإسلام: (إن الله جميل يحب الجمال)(). فالجمال هو جمال الطبيعة، وهو الجمال الحقيقي الذي أنعم الله سبحانه به علي البشرية، لكن في الواقع أن البشرية، تلهث خلف الجمال المُزيف الذي لا قيمة له.

وقال الإسلام: (المسلمون إخوة يدٌ واحدة علي من سواهم)(). أما الواقع، فنقيض ذلك، فالمسلمون أياد متفرِّقة بعضها ضد بعض.

وقال الإسلام: (الإسلام يعلو ولا يُعلي عليه)(). بينما واقع المسلمين، يشهد عكس ذلك، فالمسلمون في تراجع مُستمر، وتدهور في المستوي الحضاري.

وقال الإسلام: وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ (). أما في الواقع، فأمرهم يسوده الاستبداد والديكتاتورية.

وقال الإسلام: (طلب العلم فريضةٌ علي كل مسلم ومسلمة)(). أما في الواقع، فنسبة كبيرة من المسلمين يعيشون حياة الأمية المطبقة، كما وأنَّ الجهل والتخلف هما صفتا العالم الإسلامي.

وقال الإسلام: (أشبهكم بي أحسنكم خلقاً)(). أما الواقع، فيشهد علي سوء الخلق، وتدنّي مستوي الثقافة الأخلاقية عند الكثير من المسلمين.

وقال الإسلام: تَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ()، لكن في الواقع، تجد عكس ذلك، تجد التعاون علي الإثم والعدوان يسود العلاقات بين الدول الإسلامية بدلاً من التعاون علي البرّ والتقوي.

وهكذا، فإن الإسلام قال الكثير الكثير، لكن المسلمين عملوا بالقليل القليل. أمّا ما وافق عملهم لقول الإسلام فهو أشدُّ سوءاً مما لم يوافقه!، فقد قال الإسلام: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً () فقد عمل المسلمون بذلك.

وهي الآية التي وجدنا لها أكثر من مصداق في الواقع المعاش. فقد هجر المسلمون القرآن، ولم يرعوا له ذماماً، ولم يعطوه أية قيمة، فأصبحوا لعنةً علي التاريخ، وباتوا

نهباً لليهود والحكام المأجورين، ففي ذات يوم رأي أمير المؤمنين عليه السلام جنازة وشاهد إلي جانب الجنازة وخلفها رجلين يضحكان، فقال عليه السلام: (كأن الموت فيها علي غيرنا كُتب)().

أجل.. كأننا لسنا المستهدفين.. وكأن الإسلام نزل علي قومٍ غيرنا.. وكأننا لسنا بمسلمين. وكأننا لم نرَ من الإسلام خيراً فتركناه وراء ظهورنا. وكأن الخير قد جاءنا من غيره فاتّخذناه سبيلاً.

لقد سلب منّا الكفار حضارتنا الإسلامية، وكادوا يسلبوننا الحياة أيضاً، لكننا مع ذلك نتبعهم في كل شيء. فهل وجدت ضحية تتبع الجلاد باختيارها إلي الذبح أكثر من المسلمين؟!، هذا هو حال المسلمين اليوم().

ألم يقل الشاعر (المسلم) متنكراً لإسلامه:

إنَّنا معشر الشبيبة قومٌ

قد رفضنا الشريعة الأحمدية

ألم يقل شاعر ثانٍ:

سلامٌ علي كفر يوحِّد بيننا

وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

وقال شاعر ثالث:

آمنت بالبعث() ربَّاً لا شريك له

وبالميشيل نبيَّاً ما لهُ ثان

وفي (سبيل)() كتابي جلَّ منزله ضربت بالذكر() عمداً عرض حيطان

فإننا أمة لا ينفعنا سوي الإسلام، ولا نجاة لنا إلاّ بالإسلام، فلابُدَّ من إعادة الإسلام إلي الحياة.

لابُدَّ من إنقاذ الإسلام من براثن المستعمرين ودسائسهم.

لابُدّ من تطبيق الإسلام بصورة عملية في كل مرفقٍ من مرافق حياتنا.

وإنّ أي تأخير في ذلك إنّما هو ضياعٌ لحقوقنا..

وإن أي تبرير فهو تعزيز لسقوطنا مهما كانت تبريراتنا: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ().

الاستعمار والنزاعات

طلبت بريطانيا من الحكومة العراقية إبَّان العهد الملكي أنْ تسنَّ قانوناً جديداً، يدعم المصالح البريطانية في العراق، لكن الحكومة العراقية امتنعت عن تلبية الطلب خوفاً من رد فعل الشعب.

وذات يوم وقع نزاعٌ في أكثر شوارع بغداد ازدحاماً بالمارة والسيارات وهو شارع الرشيد، وكان وراء هذا النزاع أسباب طائفية، حيث جُرح عدد كبير من المتشاجرين من السنّة والشيعة، وكان كل طرف يتّهم الطرف الآخر بأنَّه تعرَّض لمقدساته بالإهانة

والسب، وكادت هذه الفتنة الطائفية أن تنتشر في أرجاء العراق، لولا قيام السلطات بالإسراع لإخمادها، وإلقاء القبض علي المسببين لها.

وعندما تم استجواب المعتقلين، أبدوا عدم علمهم بأسباب النزاع، وقالوا بأجمعهم: إنهم لا يعرفون خلفية النزاع إلاّ أنهم مرّوا بالمكان فوجدوا نزاعاً بين السنّة والشيعة فلم يتمالكوا أنفسهم، حيث وجدوا أنفسهم مشتركين في النزاع دون إرادتهم.

وبعد التحقيق الطويل، توصلت السلطات أن السبب المباشر للنزاع هو شخصان أحدهما سبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والثاني سبّ عمر بن الخطاب، وبعد التحقيق مع هذين الشخصين تبين للشرطة أنّهما مسيحيان. وأنهما ليسا من أنصار الإمام علي عليه السلام ولا من أنصار عمر. لذا أطلقت الحكومة جميع المعتقلين الأبرياء ممن ألقت القبض عليهم والذين أصبحوا ضحية لكيد هذين المسيحيين.

وفي نهاية المطاف تبين للناس أن السفارة البريطانية هي وراء هذين المسيحيين، وأن النزاع هو أمرٌ مفتعل قامت به السفارة البريطانية؛ انتقاماً من الحكومة الملكية؛ لرفضها الطلب البريطاني().

الأحزاب الكافرة والتفرقة

روي لي أحد علماء الأقطار الإسلامية، هناك في بلدته حزبان متنافسان يكنَّان لبعضهما العداء. وكان ابن أخي والقول للعالم منتمياً لأحد الحزبين، وكانت له علاقة خاصة برئيس الحزب الذي كان علي مستويً كبيرٍ من الوطنية، وعلي درجة من العداء للحزب الآخر.

قال العالم: وتبين لي من حديث ابن أخي: أن زعيم الحزب عميل للاستعمار، فذكرت ذلك لابن أخي، لكنَّه لم يقتنع بقولي، فقد كان قليل التجربة، وعديم النضج، وهو أقرب إلي المراهقة من الرُشد.

وعندما قلتُ له ذلك تفجّر غيظاً من كلامي، ودخل معي في نقاش تافه، تمليه عليه مداركه القليلة، ومعلوماته الضحلة.

قال هذا العالم: ذات مرة جاء الشاب مرعوباً إلي دارنا وطلب مني إخفاءه عن الأنظار، وبعد أن أخفيناه وهدّأنا من روعه

قال: إن الحكومة اقتحمت مقرّنا، وطاردت أعضاء الحزب، فهربنا بأنفسنا، وإذا بنا نشاهد في زحمة المطاردة أن رئيس الحزب يلتجئ إلي السفارة البريطانية، فعلمنا حينذاك أن الرجل كما قلت أيها العم: إنه عميل بريطاني.

أقول: هكذا تقوم السفارات بإيجاد الأحزاب الكافرة في البلاد الإسلامية، وتقوم هذه الأحزاب بدور خبيث في تمزيق المجتمع الإسلامي، ولكي لا تنكشف ارتباطاتهم بالإنجليز، حاولوا أن يصبغوا أنفسهم بصبغة وطنية.

فالواجب علينا أن نتجنب كلَّ أشكال التفرقة مهما كانت المبررات ونحافظ علي وحدة الصف مهما كان الثمن غالياً.

فرعون وسياسة فرِّقْ تَسُدْ

يقول الله سبحانه وتعالي: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ()، وفرعون() حسب التاريخ الذي بأيدينا هو أول من باشر بتطبيق تلك القاعدة الاستعمارية (فرِّق تسد)، وإن كان الإنسان بطبيعته، يميل إلي هذه القاعدة في غياب الدين والضمير والخوف من العقاب الأخروي.

ولا يخفي أن مكروب الفُرقة سريع الانتشار وسريع النفوذ إلي النفس البشرية. إذ كل إنسان يُعِدُّ نفسه أفضل وأحسن من غيره، وكل شعب يري نفسه أفضل من الشعب الآخر.

وبعض الناس يرون أن الشخص الرفيع المستوي إنما تسنّم هذه المكانة الرفيعة بالاحتيال وبالطرق الملتوية، وقليلٌ من يعقل الأمور، وقليلٌ من يقدّر الظروف حقّ قدرها، وقليلٌ من يعلم أنّ الفرقة تعود بالسوء علي المفرّق نفسه، فهو أول ضحايا الفُرقة.

علي عكس التوحيد، فإنه عمل صعبٌ وشاق، بل إن الأصعب أن يلتزم الإنسان موقف الحياد بين الأطراف المتنازعة.

من تجاربي الشخصية

وقد قمت بنفسي بتجربة ذلك في حياتي؛ ففي جميع الهيئات والتجمعات التي شاركت فيها، كنت أري الاتجاهات المختلفة في هذه الهيئات، وكل اتجاه ينسب لنفسه الحق، وكان هؤلاء يأتون إليّ ويطلبون مني في الخفاء مقاطعة الاتجاه الآخر أو عدم الاعتناء به.

وكثيراً ما كان بعض أولئك يدعونني لأن أقف إلي جانبه في التظاهر ضد التيار الآخر، أو طرد ممثلي ذلك التيار من الهيئة أو الجمعية، وإذا تباطأت في الامتثال لأمانيهم، كانوا يظهرون البرود نحوي وأحياناً كان بعضهم يهاجمني بل ويقف مني في بعض الأحايين موقف الخصم.

هكذا كانت حالتي وموقفي صعباً للغاية. فإذا ذهبت إلي بيت أحد الأطراف، كان الطرف الآخر، ينزعج مني، وإذا أعنت أحدهم في مشروعه، أو رحّبت به في مجلس أو ندوة كنتُ ألاحظ علامات الامتعاض علي وجوههم.

وهكذا كان الأمر، إذا ما أقدمت علي

تعيين أحد الإخوة في إحدي المؤسسات وكان هذا الآخر ينتمي إلي طرف، كان أفراد الطرف الآخر يشتدُّ امتعاضهم مني. كذلك إذا ما أبديتُ تعاطفاً نحو مدرسة دينية تابعة لطرف من الأطراف، حيث كانت مدارس علمية كثيرة في كربلاء يومذاك أو إذا لم أكن أبدي التعاطف الزائد لمدرسة تابعة إلي جهة أخري.

وفي بعض الأحيان، كان يقع نزاع بين طالبين، فكان كل واحد منهما، يطلب مني أن أقطع راتب مناوئه، وإذا لم أفعل أبدي فتوراً نحوي. لذا كنت دائماً أقف موقف المسالم، وأتبني موقف الحياد إن لم أكن أستطيع الإصلاح، كل ذلك مع العلم أني لم أكن سوي فردٍ لا يملك سلطة أو مالاً أو مقاماً.

الأصفهاني وثقافة الوحدة

نقل لي أحد الثقات من وكلاء المرحوم الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه، أنه كان وكيلاً عنه في إحدي المُدن العراقية، وذات يوم جاءه تاجر وأعطاه ثلاثمائة دينار، وقال: ادفع هذا إلي السيد إذا ذهبت إلي النجف وائتني بالوصل، وكان ذلك في شهر ذي الحجة الحرام.

قال الوكيل: وبعد أيام صادف أن شاهدتُ التاجر في مكان ما وإذا به يُسلِّم عليّ، ويقول لي: إني أشكرك علي إسراعك في إيصال الحقوق الشرعية للسيد، ثم أخرج من جيبه الوصل وكُتب عليه بخط السيد وتوقيعه: إن المال قد وصل بيده عن طريق وكيله فلان.

قلت للتاجر: وكيف حصلت علي هذا الوصل؟

قال: كانت لنا جنازة فذهبت إلي النجف الأشرف لدفنها ولقيت السيد في الطريق وأخذتُ منه الوصل.

قال الوكيل: فقلتُ للتاجر: وهل لك أن تعطيني الوصل؟ قال: لا بأس وأعطاني إياه.

وقد امتلكتني الدهشة: كيف أن السيد أعطاه الوصل لمبلغ لم يصل إليه، وبعد أيام وفي شهر صفر الخير سافرت إلي النجف الأشرف وتشرفت بزيارة السيد في

بيته، وبعد أن تفرّق الناس من حوله، أخرجتُ من جيبي الوصل وأعطيته للسيد وقلت له: هل هذا خطكم وتوقيعكم؟

قال السيد: نعم.

قلت: ومن أعطاكم المبلغ؟

قال السيد: لم يصلني المبلغ.

قلت: فكيف كتبتم الوصل؟

قال السيد: ليس هناك فرق بين يدك ويدي.

ثم أضاف السيد: إن التاجر جاء عندي وقال: هل وصلك المال؟

قلت له: أي مال؟

قال: المال الذين أرسلته بيد الوكيل الفلاني، وكان قدره كذا.

قلتُ له: وهل تُريد الوصل؟

قال التاجر: نعم، ولذا كتبت له هذا الوصل.

قال الوكيل: فقلت للسيد: لماذا لم تقل للتاجر إن المبلغ لم يصلني بعد؟.

قال السيد: خشيت أن تضعف ثقته بك، ومن جراء ذلك تضعف ثقته بكل عالم. ثم قال السيد: قلتُ في نفسي: إنه إما أن تعطيني المال، فقد أديت ما عليك. وإذا لم تعطني فإنك بحاجة إلي المبلغ علي ذلك التقدير ولا فرق بين استلام المبلغ بنفسي وأدفعه إلي المحتاجين أو تستلمه أنت وتسدّ به حاجتك وحاجة غيرك.

قال الوكيل: فتعجبتُ من تدبير السيد، وثقافته الدينية العالية، وحكمته، وعمق نظره، وبُعد رأيه، ثم أخرجت المال وقدمته إليه، فأخذه السيد وأعطاني نصفه، وكنتُ محتاجاً إليه فعلاً، وكلّما ألححت عليه بعدم أخذ النصف، لم يوافقني قائلاً: لابدّ وأن تكون لك مصاريف ونفقات عائلية أو اجتماعية، والأفضل أن تنفقها في مواردها.

وهكذا كان السيد، يحفظ كرامة الدين، وكرامة وكلائه، ويُراعي وحدة الصف وتماسك المجتمع.

العمل من أجل الوحدة

بعض الناس وهم البسطاء يظنون أن توحيد الصف ولو علي مستوي محدود، يمكن تحققه بمجرد القيام ببعض الأعمال اليسيرة، وهذا وهمٌ وخطأٌ محض وناتج عن فقدان معرفة الحياة والبصيرة بأحوال الآخرين وبقضاياهم الاجتماعية.

إنّ توحيد الصف ليس مُعلقاً في الفراغ بل هو كسائر الأمور الاجتماعية، يحتاج إلي مسائل كثيرة، منها: التدبير والدعاية والخلق الرفيع وإنفاق الأموال والرعاية

والحزم، إلي غير ذلك من المسائل.

فلننظر إلي رسول الله محمد صلي الله عليه و اله، كيف أوجد وحدة المسلمين بالأخلاق والمال والتبليغ والمعاهدات مع الأعداء، وإعطاء المؤلفة قلوبهم، والإصلاح بين المتنازعين، ورعاية الأمور والأحداث بدقّة وحزم.

قال أحد العلماء: لقد استفدت شخصياً من هذه الخطوة قدر المستطاع في مشاريع مختلفة، ونجحتُ إلي حد بعيد في توحيد الصف، فكنت أبذل المال للصديق والمناويء، وأبذل الهدايا وأضيّف خصومي، وأدفع بالتي هي أحسن، وأذهب لزيارة من لا يستحق، وكنت أعطي بعض أعضاء جهاز الأمن الراتب الشهري دفعاً لضررهم.

ويُضيف هذا العالم: إنني لا أذكر ذلك لداعي الفضل والمفخرة، بل أريد أن أشير إلي أنَّ تجاربي الشخصية قادتني إلي الحقيقية التالية: أنَّ العمل الوحدوي ليس معلَّقاً في الفراغ.

ويواصل هذا العالم: ذات مرة اطّلع أحد الأصدقاء أني أعطيت مالاً لأحد، وهو يواجهني بعداء شديد فتعجب، وقال لي باستغراب: بأي قانون تعطي المال لهذا؟!.

قلتُ متبسماً: بقانون كُل والعن، ثم نقلتُ له القصة التالية:

كُلْ والعنْ

قال لي أحد الخطباء: استدعتني دائرة الأمن في إحدي البلاد، وقدَّمت لي مبلغاً من المال، ثم قال رئيس دائرة الأمن: وقّع أنَّ المال وصل إليك.

قلتُ: لا أوقّع. قال: لا بأس بذلك، ولكن امدح رئيس الدولة من علي أعواد المنبر. قلتُ: لا أمدح أحداً. قال: أشر إلي إنجازاته ولو بدون ذكر اسمه. قلتُ: لا أفعل. قال: إذاً فأكرمنا بسكوتك، ولا تذكره بشرّ. قلت: لا أغيِّر طريقتي.

قال رئيس دائرة الأمن: إذاً، بأي عنوان تأخذ المال؟ قلت: بعنوان «كُلْ والعن» آكل ماله وألعنه. قال الخطيب: فقهقه الرئيس، وقال: لابأس.

ثم أردف العالم لمن اعترض عليه: إن الإمام علي عليه السلام كان يعطي المال للخوارج متأسياً برسول الله صلي الله عليه و اله، حيث كان

يعطي المال للمؤلفة قلوبهم متخلقاً بأخلاق الله سبحانه وتعالي، حيث ورد في الدعاء: (عادتك الإحسان إلي المسيئين)()، ثم قلتُ: ألا تري، إنّ فلاناً يخفف من عدائه إذا أخذ مني المال، إنه كان يقف بوجه مشاريعي لكنه بعد أخذه المال أصبحت مواجهته لي بنسبة 50% بعد أن كانت 100%، وفي هذا ربحٌ كبير.

قال العالم: وهكذا، فقد خفّف الرجل من موقفه ضد مؤسساتي وأراحني من مشكلات جمّة.

إنّ الوضع المتردي للمسلمين محزنٌ جداً، فأعداء الإسلام مسلطون، وهم يشنّون الحروب والانقلابات في كل مكان.

كما وأن إمكانات المسلمين علي كثرتها، تذهب هدراً، والانشقاق والنزاع قائم في كل مكان علي قدمٍ وساق، والفقر والمرض والجهل والفوضي، تغزو قطاعات كبيرة من المجتمع الإسلامي، كما وأنّ المنكرات متفشية في كل مكان بأبشع الصور، والقوانين أصبحت غير إسلامية، أمّا المصلحون فقد كُمّت أفواههم وكُبّلت أيديهم (عالمها ملجم، وجاهلها مكرّم) علي قول المثل.

أمّا الجهة الدينية المتمثلة بعلماء الدين والمتدينين، فهم مهانون ومطاردون إلي حد كبير، بينما الأجواء أصبحت ملائمة ومناسبة لأعداء الإسلام من الملحدين والصليبيين والصهاينة، فالإصلاح وتوحيد الكلمة والتغلب علي السلبيات وزرع الأمل في النفوس وإيجاد الوعي بحاجة إلي جهود وجهاد طويل.

وإنِّي لأظنُّ أن الأوليات التي نحتاجها في هذا الصدد هو الإعلام والتثقيف، فمن أجل التخفيف من غلواء العداء السافر، لابدّ من توزيع مليار كتاب في العالم بمختلف اللغات ولمختلف المستويات. في هذه الكتب لابدّ من تبيان ماهية الإسلام، وماهيّة أعداء الإسلام.

دور المؤسسات في الحياة

كما ولابُدّ من تأسيس مليون مؤسسة دينية كالمساجد والحسينيات والمستشفيات والمدارس والمكتبات والجرائد والنوادي، ويجب إقامة ما لا يقل عن مليون منظمة، ينتظم إليها المسلمون، وفيها يتمّ استثمار طاقات الأفراد، وتقوم هذه المنظمات بأعمال سياسية وثقافية واجتماعية.

فلابُد من إيجاد منظمات تخصصية للقيام

بأعمال محددة.

مثلاً: منظمة لتشغيل العاطلين عن العمل.. ومنظمة لتزويج العزّاب.

ومنظمة للتنظيف.. ومنظمة لتجميل المدينة.

ومنظمة لجمع المال.. ومنظمة للإصلاح الاجتماعي.

ومنظمة لتفعيل الاقتصاد وتصنيع البلاد.

ومنظمة لمكافحة المنكرات.. ومنظمة لتربية الكوادر.

ومنظمة للتفكير والإعداد للمستقبل.

وكان المسلمون في السابق، يعملون علي شكل منظمات، فالفرد المسلم كان في تعاونه ومؤازرته للآخرين منظمة بحد ذاته، ويومذاك تقدم المسلمون أشواطاً كبيرة إلي الأمام.

وتنبع أهمية تشكيل هذه المنظمات هو أننا بحاجة إلي تجذير تكويننا الحضاري علي أرض صلبة، والبناء لا يقوم إلاّ علي أساس متين، كما وأنّ الشجرة لا تقوم إلاّ بجذورها والحركة لا تكون إلاّ بخلفية متينة كذلك؛ فإنّ الله سبحانه وتعالي قد أبي أن تجري الأمور إلاّ بأسبابها().

وما ذكرناه قليل بالنسبة إلي عوامل الهدم التي يمارسها الغرب() والشرق ضد المسلمين. فمثلاً في سنة واحدة طبع الاتحاد السوفياتي خمسين مليون كتاب في أربعمائة وثمانين لغةً عن حياة لينين().

أما (ماوتسي تونغ)()، الرئيس الصيني السابق، فقد صنعوا له من التماثيل بعدد سكان الصين كما ذكرت ذلك مجلة الحوادث اللبنانية.

فهل يمكن أن يتم النهوض في العالم الإسلامي بدون وجود تشكيلات ومنظمات وكتب ومدارس وما أشبه؟!

نموذج الوحدة

ضرب الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله أروع الأمثلة في الوحدة، فمن أراد الوحدة الإسلامية فليستعن بتراث الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله في هذا المضمار، فإنه صلي الله عليه و اله استطاع أن يجمع الناس بكل الوسائل الممكنة، بالمال والأخلاق والمعاهدات. فتارة بالترهيب والتحذير، وطوراً بغرس روح الفضائل في أصحابه.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله قد أعطي كل تجمع دوراً سياسياً واجتماعياً، مع علمه الكامل بما تضمره نفوسهم ودخائل أمورهم، وبذلك استطاع خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه و اله إدارة الأمور علي أحسن وجه، ولمَّ

الشعث مهما كلَّفه ذلك من الثمن.

وقد يتساءل من لا اطلاع له ويقول: لماذا لم يفعل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذلك وهو الذي عاصر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وكان أقرب الناس إليه وهو تلميذه، وقد رأي كيف عامل الرسول صلي الله عليه و اله أعداءه، أما كان الأفضل لأمير المؤمنين عليه السلام أن ينتهج النهج نفسه، حقناً لدماء المسلمين، وحفاظاً علي وحدتهم؟.

الجواب: إن عمل الإمام عليه السلام كان امتداداً لعمل الرسول صلي الله عليه و اله، فلو كان الرسول في مكان أمير المؤمنين لفعل الفعل نفسه.

لقد كان عملُ الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله هو تأسيس الدولة والمجتمع الإسلاميين، والتأسيس بحاجة إلي جمع الأفراد، فالكثرة العددية ذات أهمية بمرحلة التكوين، فقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله يكتفي بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، حتي لو كان المتشهد متناقضاً مع نفسه. وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يغض طرفه عن أخطاء وتجاوزات أصحابه، فلو لم يفعل ذلك لكان أكثر الناس في صف الكافرين، ولتكاتفت أيدي الأعداء ضد الإسلام، وقضت علي الحركة الوليدة وهي في مهدها.

أمّا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقد قام بثورة تصحيحية إن صح التعبير لتصفية ما علق بالإسلام خلال عقدين من الزمان. فالإسلام قد ترسَّخ في نفوس الذين أحبوا الإسلام، والذين لايريدون الإسلام كان عليهم أن يحددوا موقفهم، فإذا كانوا معادين للإسلام، فالمواجهة هي الأسلوب الأمثل معهم، أما إذا لم يشهروا العداء ضد الإسلام، فالإسلام يحترمهم، ويحترم حقوقهم.

فكانت حركة أمير المؤمنين عليه السلام حركة تصحيحية لإزالة الأدران عن الجسد الإسلامي، ولو لم يفعل ذلك لبقي الجوهر والحصي مخلوطاً، ولفقد المسلمون

الرؤية الصحيحة للإسلام.

فلو لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعله، لكنت قد رأيت المؤمن والمنافق، وأرباب الدنيا وأرباب الدين، وعباد الله وعباد الشهوات كلَّهم في صفٍ واحدٍ، ولكان معاوية() بن أبي سفيان..

والمغيرة بن شعبة() قدوات للمسلمين.

ولما كان هناك فرقٌ بين أبي ذر الغفاري()..

وعمرو بن العاص()..

فقد استطاع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وخلال السنوات القليلة من حكومته أن يضع فاصلاً بين الناس الخيرين والناس الأشرار، وأن يفصل بين من علي شاكلة أبي ذر الغفاري ? ومن علي شاكلة عمرو بن العاص.

أما في زمن رسول الله صلي الله عليه و اله فقد كان إعلاء كلمة الإسلام هو الهدف الأسمي في قِبال كلمة الوثنيين التي كان لابدَّ من إسقاطها وزوالها، وفعلاً لم يذهب رسول الله صلي الله عليه و اله إلي بارئه حتي أزال كابوس الوثنية، وأقام صرح التوحيد، وفي زمن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن هناك خوف علي كلمة التوحيد، ولم يكن هناك خوف علي الموحّدين، حيث ترسخت جذور التوحيد في نفوس المسلمين.

وفي عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حان الوقت الذي يجب فيه تمييز الشرير عن الخيِّر.

إن إعلان رسول الله صلي الله عليه و اله الحرب ضد أبي سفيان()..

وعمرو بن العاص..

وخالد بن الوليد()..

كان سيؤدي حتماً إلي تضعضع المسلمين ممّا يُنتج تقوية جبهة الوثنيين.

أمّا في عهد أمير المؤمنين عليه السلام فلم يكن هناك خوف من نتائج هذا الصراع، فكان علي الإمام أن يقف ليكشف زيف المزيفين حتي يعرف المسلمون الدين الصحيح ويميزونه عن الدين المزيف.

وما معاوية بأدهي مني

أما قصة دهاء معاوية، ونعت أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام بالضعف السياسي فهذا كلام الأعداء وكلام من لا يعرف علياً عليه السلام، ولا يدرك حقائق الأمور، فعليٌّ عليه السلام

كان رجلاً سياسياً من طراز الإسلام()، أمّا معاوية فقد كان رجلاً سياسياً من طراز الدنيا() وهنا تكمن الفروقات في سياسة علي عليه السلام وسياسة معاوية.

لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يتحرك بأفق أوسع من أفق معاوية الذي كان لا همّ له سوي أن يعيش لأيام معدودات في بحبوحة من العيش الرغيد.

ولذا وجدنا علياً عليه السلام يبقي خالداً في النفوس بينما ذهب معاوية إلي سلّة المهملات، تلاحقه اللعنة الأبدية حتي من عشيرته وقبيلته().

فهل هذه هي السياسة؟!

اللعنة الأبدية التي تلاحقه مدي الدهر، أم التفاخر به علي كل لسان؟

لقد تمكن عليّ عليه السلام من امتلاك القلوب، ولم يكن هناك أذكي منه في امتلاك القلوب إلاّ رسول الله صلي الله عليه و اله، وبعد شهادته جاء أبناؤه وأبناء أبنائه، وشكلوا الحكومات تلو الحكومات في المغرب ومصر والكوفة وطبرستان.

لقد استطاع معاوية أن يعبّئ أهل الشام؛ ليسبُّوا علياً عليه السلام، فسبُّوه طيلة حكمه()..

وحكم من جاء من بعده() حتي عهد عمر بن عبد العزيز()، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ هل نقص شيءٌ من علي عليه السلام؟، لقد ارتفع سبّ عليّ عليه السلام وحلّ محله الثناء والتبجيل، والملاحم الشعرية التي قيلت فيه، لكن ماذا كان مصير معاوية؟. لقد تحوّل إلي مسبَّة حتي يومنا هذا().

علي أيّ حال: فإنّ الإمام عليه السلام نفّذ دوره الذي أراده له الله سبحانه أن ينّفذه، واستطاع أن يفصل بين الخير والشر، بين النور والظلام، بين الصدق والكذب، وبين العدل والظلم، بينما معاوية لم يستطع أن يحقق حلم أبي سفيان بتأسيس الدولة الأموية القوية التي تستمر إلي آخر الدهر().

استطاع معاوية بالدهاء أن يحقق بعض المكتسبات الدنيوية المادية إلاّ أنّه خسر كلَّ شيء، وأصبح لعنة إلي آخر الدهر.

فإذا كان مقياس النجاح

والفشل هو بقاء الذكر الحميد فإنّ معاوية قد خسر معركته مع أمير المؤمنين عليه السلام الذي لازال ذكره يعلو فوق الأسماء، بل إنه خسر معركة الحياة.

أما عن شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كانت شهادته تتمة للأدوار التي قام بها في حياته، فقد كشفت شهادته زيف الدعايات الأموية المضللة، كما وأنّ الموجة العاطفية التي أوجدتها شهادته، كان لها فاعلية في الارتباط بالإمامة؛ حيث إنّ القائد بحاجة إلي العقل والعاطفة، والإمام عليه السلام بشهادته كوَّن أعظم عاطفة حول نفسه.

أمّا ما عُرف عن الإمام عليه السلام بشكواه من أهل العراق ومن أصحابه() فهو ليس دليلاً علي ضعف سياسة الإمام، بل جاءت هذه الشكوي بمثابة الإدانة لأهل الشر، وهو جزء من سياسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الكشف عن النماذج البشرية الخيِّرة والشريرة، فقد استخدم أمير المؤمنين عليه السلام كلا الأسلوبين: الكلام والعمل؛ للكشف عن المتخاذلين عن أداء التكليف الشرعي مع الإمام عليه السلام.

فالكلام يُفسر بمرماه لا بمعناه، ولذا لا يُفسر قوله تعالي: ومَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَي فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَي وَأَضَلُّ سَبِيلاً ()، بالعمي الظاهري، وما قلناه ليس إلاّ ضمن المقارنات الزمنية، أما نحن فنعتقد أن علياً عليه السلام كانت له جهة ملكوتية، فلا يعمل عملاً، ولا يتكلم بكلمة إلاَّ عن إرادة الله سبحانه:

عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ? لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ().

ثمّ إنَّ حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مقسمة إلي قسمين:

القسم الأول: حياته في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله، وفي هذه المرحلة قام الإمام عليه السلام بمساعدة ابن عمه الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله في هدم بنيان الكفر، حتي إنَّ أحد علماء السنة قال شعراً:

ألا إنما الإسلام

لو لا حسامه

كعفطة عنز أو قلامة ظافر

أمّا أولئك الذي يعتِّمون علي دور الإمام عليه السلام في غزوات رسول الله صلي الله عليه و اله فهم جاهلون لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، أو متجاهلون نواصب.

ومثلهم مثل من يأخذ بفقه أبي حنيفة()، وينسي تشريع رسول الله صلي الله عليه و اله، (فلولا سيف علي لما قام للإسلام قائمة) () كما قاله رسول الله صلي الله عليه و اله.

القسم الثاني: حياته عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله، فقد قضاها أمير المؤمنين عليه السلام بالعمل الدؤوب لتصحيح الوضع الإسلامي. وكان مما قام به في هذه المرحلة:

1: نسف الانحراف ديناً ودنياً المتمثل بحرب الجمل أي الحرب مع الناكثين.

2: مواجهة حالة الإفراط في الدنيا، وهي المتمثلة في حرب صفين، وهم القاسطون من أعوان معاوية طلاّب الدُنيا.

3: مواجهة الإفراط في الدين المتمثل في النهروان، وهم المارقون().

وقد أدي الإمام عليه السلام جميع تلك الأدوار، بإخلاص حتي أصبح قدوة حسنة.

وكانت هذه الساحات الأربعة التي خاضها أمير المؤمنين عليه السلام هي سلسلة واحدة، فلو لم يقم الإمام عليه السلام بدور واحد من هذه الأدوار، لجاءت حياته ناقصة ولاحتاج الإنسان إلي قدوة أخري، تبيّن له الدور الذي لم يكمل.

العلماء وأخلاق الوحدة

يحكي عن المجدد الشيرازي رحمة الله عليه أن رجلاً طلب منه بعض المال؛ ليقضي به حاجته، وبما أنه كان ينوي الذهاب إلي بغداد، وكان هذا الشخص يسكن مدينة بغداد، فطلب منه أن يعطيه حوالة لأحد التجّار؛ خوفاً من ضياع المال في الطريق.

واستجاب المجدد الشيرازي لطلب هذا الرجل وكتب له حوالة بثلاث ليرات عثمانية إلي أحد التجّار في بغداد، وقام الرجل بتزوير الحوالة بوضع نقطة أمام الرقم ثلاثة، ليصبح المجموع ثلاثين ليرة، وجاء

بالحوالة المزوّرة إلي التاجر، إلاّ أن التاجر استغرب من مبلغ الحوالة، فشكَّ فيها، لذا استمهل الرجل حتي يهيئ المال.

أخذ التاجر الحوالة، وبعث بها إلي المجدد، يسأله عن مقدار المبلغ، أعاد المجدد الحوالة إلي التاجر وقد أمضي علي المقدار وهو ثلاثين ليرة.

وهكذا أخذ هذا الشخص ثلاثين ليرة بدلاً من ثلاث ليرات، وهو لايعلم بما دار بين التاجر والمجدد.

وبعد أيام ذهب هذا الرجل إلي سامراء، حيث قابل المجدد فأمره بأن ينتظر حتي يفرغ المجلس، ولمّا فرغ المجلس انفرد المجدد بالشخص وقال له بلسان المعاتب: هل تجوز السرقة من الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ألا تعلم أنّ المال هو مال الإمام المهدي عليه السلام، فانفعل الرجل انفعالاً شديداً، عندما عرف أن السيد علي اطلاع بما فعل. فلم يستطع أن يُجيب.

ثم واصل المجدد الشيرازي كلامه للرجل: إنِّي حفظت ماء وجهك وصدّقت علي الثلاثين، ولكن هل كان تصرُّفك صحيحاً؟

هذه نبذة من أخلاق العلماء الذين استطاعوا بواسطتها أن يجمعوا الصفوف، فيقرّبوا البعيد.

وقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: آلة الرئاسة سعة الصدر ()،وهذا الكلام مطلق وهو يشمل كل أقسام السعة، سعة الصدر في البذل، سعة الصدر في الستر علي الناس، سعة الصدر في الحلم، سعة الصدر في تحمّل أذي الناس، سعة الصدر في الصبر.. وهكذا.

وللنظرات تفسير

نقل لي أحد المثقفين أنه ذات مرّة زار أحد مراجع التقليد في داره، وكان الرجل المثقف يُقلّد ذلك المرجع لكنه ومنذ تلك الزيارة ترك تقليده بسبب نظرة استغراب، وجّهها إليه المرجع ولم يعرف هو تفسيرها.

أقول: لكنني فهمت معني ومفهوم تلك النظرة، وإني لأقطع أنها من أجل غاية صحيحة.

مداراة الناس

وسمعتُ أنّ عالماً لم يعطِ يده لمقلدٍ له أراد تقبيلها، فعدل ذلك المقلد عن تقليده له.

وعالمٌ آخر أبعد مقلداً له في يوم ممطر، لئلا يقبّل يده؛ احتياطاً وخوفاً من الطهارة والنجاسة، فترك ذلك المقلِّد تقليده.

وهناك قصص وقصص، وهي كلُّها تعطي الإنسان دروساً بليغةً في آداب المعاشرة والسلوك وحشد الصفوف، منها:

حذاء يحوّل الصديق إلي عدوّ

جاءني اثنان يتنازعان علي (حذاء)!، وكان أحد المتنازعين صديقاً لي، والآخر ليست بيني وبينه صداقة، وقد رأيتُ أن الحقَّ مع الثاني، فأعطيتُه الحقَّ، ولم أكن أعلم أن هذا الحكم سيغيظ ويُغضب صاحبي وصديقي، وبسبب ذلك قاطعني مقاطعةً صارمةً، وانقلب يهاجمني كأنَّه عدوٌّ لدودٌ، وظل علي موقفه حتي يومنا هذا، وقد مرّ علي الحادثة ما يقارب العشر سنوات، لو كنت أعلم أن الأمر سيصل إلي هذا الحدّ، لكنت علي استعداد أن أمنحه ثمن الحذاء من جيبي الخاص، وهو لا يساوي يومذاك أكثر من نصف الدينار.

من الصداقة إلي العداوة

كان لي صديقٌ آخر من الكسبة، يعتقد بي ويقلّدني ويدفع لي الحقوق الشرعية وكان عضواً في بعض مؤسساتنا الخيرية، وذات مرة وقعت منازعة بينه وبين زوجته، وحضرا عندي لحل هذا النزاع، فقلت له: إن كان الحقُّ مع زوجتك فاللازم أن تتنازل، وإن كان الحقُّ معك، فعلي الرجل مسؤولية إدارة زوجته؛ لأنّ الله تعالي يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاءِ ().

ثم نصحتهما قائلاً لهما: إني لأرجو أن تجتمعا ثانيةً علي ما كُنتما عليه، وقبلا النصح ورجعا إلي حالتهما الطبيعية، لأنَّ النزاع بينهما قد حصل لأمورٍ تافهة. ثم تبين أنَّ الرجل المذكور ثارت في نفسه فيما بعد ثورة عنيفة. من كلمتي (إن كان.. وإن كان)، وتبين لي أنّهُ كان يُريد أن أقول له: إنَّ الحق معك مائة في المائة، وكان هذا اللقاء هو آخر لقائي به وانتهي معه عمر صداقتنا، وكان أيضاً آخر يوم من عضويته في مؤسستنا. ثم إنّه لم يكتف بهذا القدر بل صار في صف المناوئين المهاجمين، وهو كذلك إلي يومنا هذا، وقد مضي علي الحادثة حتي الآن زهاء سبع سنوات.

وهناك قصص كثيرة أخري وقعت لي في المجتمع، وكلما وقعت لي

حادثة من هذا القبيل كنت أقول لنفسي: إنني لازلت في أول الطريق فلم أصل إلي عمق المجتمع، مع العلم أني كنت أتجنَّب الكلمات الغليظة وأستعين دائماً بالعبارات اللينة.

كيف نفهم المجتمع؟

وهناك قصة واقعية أخري أسردها؛ لكي تدركوا مدي ضآلة عقلية بعض الناس، لقد كنتُ في محضر بعض المراجع، فجاءه شخصان، يتنازعان حول (بئر بالوعة)، وكان كل طرف يدّعي أن البالوعة له. وكنت أعرف أحدهما أنّهُ متدين وخيّر ويحب الصلاح، وتحدث كل واحدٍ منهما فأدليا بأدلتهما وحججهما.

وأخذ المرجع يشرح للرجلين شرحاً حيادياً: إنه إن كان كذا، فالبئر لهذا، وإن كان كذا، فالبئر لذاك، ولم يحكم العالم بشيء، وإذا بهذا الإنسان الذي كنتُ أعرفه بالصلاح، يقول بالحرف الواحد: (إنْ كان الإسلام يحكم بأن البئر له، وليست لي، فأنا بريءٌ من هذا الإسلام)!.

وأضاف إلي حديثه كلمات كفر؛ لا أريد نقلها.

وهنا يستطيع الباحث أنْ يكتشف السبب الكافي خلف المقاصد الذاتية لبعض الأفراد علي غرار (شهيد الحمار)، و(شهيد أم جميل)()، وسائر الذين كانوا يرتدّون لأتفه الأسباب، أو الذين جاؤوا لقتل الإمام الحسين الشهيد عليه السلام من أجل حفنة من المال. فليس غريباً أن تنقلب الصداقة إلي عداوة من أجل حذاء، أو بسبب كلمة، ولا عجب أن يتبرأ الإنسان من دينه بسبب بالوعة، فلا عجب في ذلك.

لو كنت أعلم الغيب

حصل لي مع صديق كان يُقلدني، ويعطيني الحقوق الشرعية، ويحضر صلواتي في الأوقات الثلاثة، ويدافع عنّي أشدّ دفاع، وكنت أمرُّ علي دكانه في طريقي إلي حرم الإمام الحسين عليه السلام. وذات مرة مررتُ به فسلمتُ عليه علي عادتي إلاّ أنّهُ ردَّ سلامي بفتور، وقد حملت فعله هذا علي خير، لكنني سلمت عليه مرةً ثانيةً وثالثةً ورابعةً، وكررتُ السلام؛ في كلِّ مرة كنتُ أمرّ فيها علي دكانه، وكان يتلقاني بنفس الفتور السابق، فتعجبتُ من أمره لأني لاأعرف أنني قصّرتُ بحقِّه، فرأيت أحد أصدقائي؛ فطلبت منه أن يذهب إليه، ويسأله عن سبب هذا الفتور؟.

وبعد مدّة جاء

الصديق، وقال: نعم، إنّه ممتلئٌ منك غيظاً.

قلت: لماذا؟!.

قال: لأنه أقام مأتماً حسينياً في بيته ولم تحضره.

قلت: ولكنني لم أكن أعلم بوجود المأتم، فهل أخبرني حتي يلومني علي عدم الحضور؟!.

قال الصديق: قلتُ له ما ذكرته لي إلاّ أنّه ردَّ قائلاً: صحيح إني لم أخبره، ولكن لماذا هو لم يعلم بوجود المأتم؟!

فيا للعجب! هل أعلم الغيب؟ أو عندي أجهزة تنصُّت تكتشف المآتم قبل وقوعها؟.

وطالت فترة ابتعاده عني، إلي أن اكتشف أن الخطأ منه وليس مني، فعاد إليّ معتذراً وتحسنت الصداقة بيننا وبينه، وجزاه الله خير الجزاء.

مقابلة الهجر بالإحسان

كنت أمرّ علي صاحب دكان في طريقي إلي حرم الإمام الحسين عليه السلام، وأسلّم علي صاحبه كما كانت عادتي في السلام علي صاحب كل دكان يقع دكانه في طريقي، وذات مرَّة سلمتُ علي صاحب الدكان، وإذا به يصرف وجهه عني ولا يُجيب، وتكرَّرت القصَّة مرّات ومرّات حتي تأكدت أنه لا يريد الإجابة علي سلامي، ولم يكن بيني وبينه صداقة حتي أبعث إليه برسول يستفسر منه عن السبب، لكنني واصلت السلام، وهو واصل تجاهله للردِّ علي السلام.

فتأمّلت كثيراً، وفكرت بعدم السلام عليه، لأنَّ سلامي عليه ليس بواجب وإني أحمّله تكليفاً شرعياً في الرد علي السلام، كما أن عدم رده للسلام بمثابة الإهانة لي، وأنا أفكر في تغيير موقفي منه وإذا بي أتذكر قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (لا يكونن أخوك علي قطيعتك أقوي منك علي صلته)(). وتذكرت قول الإمام السجاد عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق: (وسددني لأن أعارض من غشّني بالنصح وأجزي من هجرني بالبرِّ)()، ولذا أخذتُ أكرِّر قول الإمام عليه السلاممرّات ومرّات وأسلم عليه حتي استحيا وأجاب ببرود، ثم بعد مدة أجابني بحرارة قليلة. وهكذا حتي رجع

إلي سابق عهده.

ولمّا استفسرت عن حاله، قيل لي: إن شيوعياً من أصدقائه أثرّ عليه وحوّله ضدي، لكن إصراري علي السلام أعاده إلي رشده؛ لأنه كشف له عن عظمة الإسلام.

العلماء في مواجهة الإلحاد

استغلّ الشيوعيون انقلاب عبد الكريم قاسم()؛ فقفزوا إلي السلطة، وسيطروا علي المراكز الحساسة في الدولة، وشرعوا في القيام بأي عمل مخالف، للشرع والعقل والقانون؛ فقتلوا خصومهم وسحبوهم في الشوارع وهَتكوا أعراض الناس ونهبوا الأموال، وقام عبد الكريم قاسم بفسح المجال أمامهم؛ لأنهم ادَّعوا حمايته من عبد الناصر()، ومن الأحزاب القومية الموالية له، هذا أولاً، وثانياً أراد عبد الكريم بمؤازرته للشيوعيين أن يُفهم الغرب أن الشيوعيين سند له حتي لا يقوم الغرب بانقلاب ضدّه هكذا كان يقول الناس . وثالثاً أراد عبد الكريم أن يكسب ودَّ الاتحاد السوفياتي، ويحظي بحمايته له من خلال دعمه للحزب الشيوعي في العراق.

هذا في الظاهر، أمَّا في الحقيقة، فإن حكم عبد الكريم قاسم لم يكن إلاّ حكماً إنجليزياً برداء من الشيوعية، وذلك لإخراج أمريكا من المنطقة.

وقد ذكر ذلك سفير بريطانيا في مذكراته، ونقلتها مجلة الحوادث اللبنانية، والموضوع لا يستحق الإطالة؛ لأنه ليس في صلب موضوعنا()، لكن ما نريد أن نقوله: إن أحد أسباب التفرقة هو طغيان الإلحاد والفساد في العراق طغياناً هائلاً، وقد فكّر والدي رحمة الله عليه في التصدّي لهذا الطغيان والفساد بما يستطيع، وبأمر منه شكّلنا وفداً من علماء وخطباء كربلاء المقدسة وذهبنا إلي النجف الأشرف، والتقينا بجمع من العلماء والخطباء، ودعوناهم إلي توحيد الجهود لصدّ التيار الإلحادي، وكانت النتائج كما أردناها.

ومرةً ثانية، أرسل والدي وفداً إلي النجف الأشرف؛ لزيارة السيد الحكيم رحمة الله عليه() وداعياً إياه لزيارة كربلاء المقدسة؛ لأجل توحيد الجهود، وتكتيل الطاقات في مواجهة السلطة، ولإثارة الناس

ضد الحكم وأعوانه، وقد لبّي السيد الحكيم رحمة الله عليه هذه الدعوة فجاء إلي كربلاء واستقبلناه استقبالاً جماهيرياً كبيراً، وقدّم له والدي رحمة الله عليه مكانه في إمامة الناس في حرم الإمام الحسين عليه السلام.

وقمنا أيضاً بزيارة المسؤولين في بغداد لأجل نصيحتهم وإنذارهم بخطورة الشيوعيين وخطورة الأوضاع، ابتداءً من (عبد الكريم قاسم) رئيس الوزراء آنذاك و(نجيب الربيعي) رئيس مجلس السيادة، وانتهاءً بسائر الوزراء وذوي النفوذ أمثال (أحمد صالح العبدي) الحاكم العسكري العام و(محسن الرفيعي) رئيس الاستخبارات و(أحمد محمد يحيي) وزير الداخلية و(فؤاد عارف) وزير الدولة وغيرهم().

وقمنا أيضاً من أجل تكتيل الناس، وجمع طاقاتهم بإقامة مهرجان أمير المؤمنين عليه السلام الكبير في الثالث عشر من رجب، يوم مولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان مهرجاناً خطابياً سياسياً إعلامياً، وكان يمثل صوت الشيعة المعبّر عن أحاسيسهم و أمانيهم، وكان يحضر المهرجان مسؤولون من بغداد، فيستمعون إلي الخطب والقصائد التي تشيد بمواقف العلماء، وتطالبهم بموقف صلب من أعداء الإسلام.

وقد استفدنا من هذه البرامج والمناسبات في لمّ شعث المتدينين، وتوحيد كلمة العلماء والخطباء ضد الأوضاع السيئة آنذاك، ممّا كان له أبعد الأثر، لا في ذاك اليوم بل حتي يومنا هذا، وفي المستقبل أيضاً، وهكذا أصبح للوحدة ورصّ الصفوف أعظم الأثر في حفظ البلاد من التيارات المعادية.

وقد نوّهتُ إلي ذلك: لأشير إلي حقيقة مهمة أن أسلوب مقابلة الغرب والشرق بادئ ذي بدء يكون برصِّ الصفوف وتوحيد العاملين علي الساحة الإسلامية.

العمل الفردي والجماعي

من الحقائق الثابتة في العمل أن ثمن التوحيد باهظ، بينما ثمن التفرقة أكثر غلاءً، فالإنسان إذا انخرط في وحدة ما، وإن كانت مكوَّنة من عشرة أفراد مثلاً، فإنه لو قام بتشكيل هذه الهيئة بنفسه، فإنّها تأخذ من أعصابه وراحته؛ نظراً

للمضايقات التي يتلقاها من بعض الأفراد، كما نشاهد في الهيئات والجمعيات والبرلمانات ومجالس الشيوخ وغير ذلك.

لكن لو انفرد الإنسان، وأراد تفادي هذه المشاكل، لابد وأن يقع في مشكلة التأخر ومشكلة غلبة الآخرين عليه، وهاتان المشكلتان تأخذان أكثر من واقعه وسيادته وفكره وأعصابه، وإنّ هذه حقيقة يجب أن يفهمها كل إنسان تقدمي، وكل إنسان له هدف في هذه الحياة.

نعم، من لا يفهم من الحياة إلاّ الأنانية والاستئثار، لا يسير إلاّ وراء الغرور والشخصية الموهومة، ولا يصل إلي تحقيق المفاهيم السامية بل المفاهيم الخاطئة.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لا وحشة أوحش من العجب)().

ذلك؛ لأنَّ العجب والغرور، يجعلان الإنسان، يعيش في أتعس حالة، فهو وإن كان يعيش بين ألف إنسان إلاّ أنّه يبقي غريباً عنهم في واقعه المعيشي والاجتماعي.

فلو صلّيت صلاة الجماعة وصلّي خلفك مائة ألف إنسان، ولو ارتقيت المنبر واستمع إليك عشرات الألوف، ولو جاءت المليارات من الأموال واستطعت أن تعطي من هذه الأموال رواتب طلبة العلوم الدينية ورواتب للفقراء والمساكين. لو استطعت أن تكوّن بساعدك الشخصي المدارس والمستشفيات، ثم إنّك ألفت المئات من الكتب في شتي الموضوعات العلمية والفنية ولو.. ولو …

لو فعلت جميع ذلك، عليك أن تعرف بعد ذلك أن عملك كله لم يخرج من كونه عملاً فردياً، وخليقٌ به أن ينهار؛ لأنّ كل عملٍ فردي مآله إلي الانهيار.

وبالعكس، لو كوّنت هيئة للعلماء للنظر في شؤون الناس، وللنظر في شؤون العلماء.

ولو كوّنت جماعة للخطباء، لوضع برنامج متطور للخطابة.

ولو كوّنت جمعية، لأي أمرٍ من الأمور الدينية والاجتماعية أو ما أشبه ذلك، فعليك أن تطمئن أنك أنجزت عملاً اجتماعياً ليس بقاؤه ببقائك، ولا ذهابه بذهابك.

لذا من الواجب علي الإنسان أن يكون بعيد المدي، عميق التفكير، وأن

يحمل مشاريعه علي أكتاف المجتمع، فإن ذلك سوف ينفعُه أولاً؛ لأنه الضمانة علي بقائها مهما تقلَّبت الظروف، وينفعه ثانياً بتوفير الوقت له في أنْ يعمل مشاريع ومؤسسات أخري حيث لا يقدر علي مثلها.

مثلاً: إذا قام بمشروع لوحده، فإنّ المشروع الواحد، يأخذ كل وقته ولا يدع له مجالاً في تكوين مشاريع أخري.

اليهود والتنظيم

يُقال: إن في أمريكا ثلاثة ملايين من اليهود، كما وأن في أمريكا ثلاثة ملايين من العرب()، وكلنا يعلم أن يهود أمريكا، قبضوا علي زمام الاقتصاد والجامعات والإعلام في هذا البلد بالرغم من كره الأمريكيين لهم.

ومع أن نسبة العرب مساوية إلي نسبة اليهود إلاّ أن تأثير العرب في الحياة الأمريكية لايعدّ شيئاً يُذكر، فقد عجزوا عن الدفاع عن عدالة قضيتهم في فلسطين.

والسبب في ذلك أن يهود أمريكا منظَّمون ويعملون في نطاق مؤسسات قوية تبلغ في تعدادها ثلاث عشرة منظمة، وتشكّل هذه المنظمات مجموعة واحدة تسيطر علي الاقتصاد والإعلام. بينما يعيش العرب مبعثرين ومشتّتين لا يجمعهم جامع.

من هنا، كان اتحاد اليهود سبباً في تقدمهم وازدهارهم وسيطرتهم.

بينما تحوّل تفرق العرب إلي عامل للضعف والعجز والشعور بالمهانة.

والغريب حقاً أن يتفرّق المسلمون أشتاتاً وفي ثقافتهم الإسلامية تركيز علي الاتحاد والتعاون، وقد قال سبحانه وتعالي في كتابه الكريم: تَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ().

والأعجب من ذلك أن الأعداء الذين لا يجمعهم جامع إلاّ المال والمصلحة، قد اتحدوا ووحّدوا صفوفهم، وقد وصفهم الله تبارك وتعالي بقوله: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّي ()؛ لأنهم يندفعون بدوافع المصلحة التي تُلغي ولو مؤقتاً جميع الخلافات وعوامل الفُرقة.

أرجو من الله سبحانه التوفيق، وأن نكون أهلاً لإقامة الوحدة الإسلامية، وأملنا كبير بذلك؛ لأن الوقت لم يفت بعد، وقد جاء في المثل: (السمكة كلّما

أخذتها من الماء كانت طازجة).

الحفاظ علي الأمثولة

عاصر المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه فترة الهجوم الاستعماري علي الدين بكل مظاهره، فكانت السلطات العميلة تهاجم رجال الدين المخلصين، وتنزع عمائمهم بالقوة، وعندما لم تفلح سياسة القوة في تحطيم الحوزات العلمية، قام الاستعمار بإعداد جمع من رجال الدين المزيفين، الذين كانوا يفعلون كل منكر أمام مرأي ومسمع من الناس، فلم يتركوا رذيلة إلاّ وارتكبوها؛ ليشكك الناس برجال الدين، وينحرفوا عنهم.

وقد أدرك السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه خطورة هذه السياسة، وكان علي قدرٍ كبيرٍ من الذكاء والفطنة، فاختار أُسلوباً فريداً في مقاومة تلك السياسة الغربية؛ إذ أخذ يُشجّع الناس علي ارتداء العمائم، وكان يضع العمامة بنفسه علي رؤوس الأشخاص اللائقين والذين يتحمسون لطلب العلم، حتّي ازداد أصحاب العمائم عشرات الأضعاف.

قال لي الخطيب سلطان الواعظين رحمة الله عليه(): (لقد ازدادت الانتقادات الموجهة نحو السيد نتيجة سياسته تلك، فذهبتُ إليه وقلتُ له: إنَّ الناس ينتقدون عملكم هذا، ألا ترون أن بعض من ارتدي العمامة علي أيديكم لا يستحقها؟ أليس من الأفضل الكف عن هذا العمل؟

تبسّم السيد، وقال: ما أشبه كلامك هذا بكلام أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله الذين جاؤوا إليه يستنكرون عليه وجود بعض المسلمين غير اللائقين! فهل كفَّ الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله عن قبول إسلام من جاء يُريد الإسلام؟!

ثم واصل السيد الأصفهاني: إنّنا أصبحنا في زمن يجب علينا أن نستمر في هذا العمل، لتلافي بعض النقص الذي أوجده الاستعمار في صفوف أهل العلم، فإذا مضي الاستعمار في تنفيذ مآربه، وتمكن من تشويه سمعة علماء الدين، فإنّه لا يسقط أهل العمائم وحسب، بل سيكون سبباً لإسقاط لواء الإسلام، فهل نرضي بهذه

النتيجة؟!. وأنت تذكر بعض الذين ظهروا غير لائقين، فلماذا لا تذكر الذين ظهروا لائقين، وسدّوا فراغاً في الدين، أما تري البُستاني وهو يعطي الماء للأشجار فترتوي منه الزهور والأشواك معاً، ولما لم تكن لرسول الله صلي الله عليه و اله سلطة علي إبقاء الناس هداة مهديين لدين الله سبحانه، حيث ورد في القرآن الكريم: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ().

فهل لي أنا سلطة الهداية؟.

ثم واصل السيد قائلاً علي سبيل اللطيفة : إنك سلطان الواعظين، فإذا ذهب الواعظون فهل يبقي لك سلطان؟ كلا، وإني سلطان أهل العلم، فإذا ذهب أهل العلم فهل تبقي سلطتي؟!.

أقول: وكان السيد الأصفهاني رحمة الله عليه بهذا الموقف ينظر بعيداً جداً، ولذا قاوم الاستعمار بهذا الأسلوب، كما وضع أشخاصاً واعين علي رأس الأمور، كالسيد هبة الدين الشهرستاني؛ الذي كان يرأس مجلة العلم، والشيخ محمد رضا المظفر()؛ الذي فتح المنتدي، والشيخ محمد جواد البلاغي()، الذي كان يجاهد الأفكار الهدَّامة، والشيخ الأميني()، الذي بحث في نظرية الإمامة عند الشيعة من خلال موسوعة (الغدير)، والشيخ أغا بزرك الطهراني()، الذي أردف الحوزة العلمية بأبحاث أساسية في الرجال والمصنفات. فهؤلاء بأجمعهم كانوا يشكلون مجموعة عمل قوية، كانت تتولي تحريك المرجعية الدينية في زمن كثرت فيه التحديات.

القمّي وجمعه للعلماء

لقد أفسد الاستعمار بلاد إيران، ونشر المنكرات، وقيّد الحريات، وصادر الأموال، وعمّ الفساد في أرجاء البلاد، مما حدا بالسيد حسين القمي رحمة الله عليه() أن يقوم بنهضة في إيران، وقد اتّخذت الحكومة أسلوب التهجير للتخلّص منه، فسُفِّر من إيران إلي العراق واستقر في مدينة كربلاء المقدّسة، فقام بتجديد الحوزة العلمية في كربلاء، بعد أن آلت إلي الاندراس، فجمع السيد القمي حوله فريقاً من العلماء الواعين العاملين، الذين كانوا يُساعدونه

في الأمور العلمية والدينية.

وبعد زوال الاستعمار العسكري من إيران في أعقاب الحرب العالمية الثانية، رأي السيد أن يذهب إلي بلده؛ ليطالب السلطات بإرجاع الأمور إلي نصابها، فذهب يرافقه المرحوم والدي رحمة الله عليه ومعهم مجموعة من العلماء إلي إيران وبقي في طهران فترة من الزمن، مصراً علي السلطات هناك بإرجاع الأمور إلي نصابها، وقد وفّقه الله سبحانه وتعالي لإنجاز ما أراد، وإلي اليوم ينعم الإيرانيون بنتائج الأعمال الجبارة التي قام بها في إيران.

ولعل أهم عمل قام به السيد القمي رحمة الله عليه توحيد كلمة العلماء للمطالبة بالحقوق الإسلامية، ورصُّ الصفوف مما أفزع السلطات التي تيقنت أنّها إنْ لم تمنح العلماء تلك الحقوق فالثورة في طريقها لقلع قصورهم وقلاعهم.

فاتّعظوا يا أولي الألباب

لأجل إعطاء نموذج عن تضامن العلماء؛ نذكر هذه القضية التاريخية:

كان للسيد حسين البروجردي رحمة الله عليه() مجموعة كبيرة من المسلحين، من عشائر (الألوار) وهي تعدُّ بمئات الألوف. وكانت هذه العشيرة رهن إشارة السيد البروجردي. وعندما قام السيد حسين القمي رحمة الله عليه بإعلان مطالبه، وضع السيد البروجردي هذه العشيرة المسلّحة تحت تصرف القمّي، وكان لهذا القرار أثرٌ في تراجع السلطات، وإسراعها في منح العلماء الحقوق التي كانوا يطالبون بها.

وقف أيضاً إلي جانب السيد القمّي بقية العلماء الأعلام، كل ذلك نتيجة لجهوده التي أثمرت في توحيد كلمة العلماء، واستثمار هذه الوحدة في المطالبة بالحقوق المشروعة.

لذا يجب علي العلماء مهما كانت ظروفهم الشخصية، وكيفما كانت آراؤهم الفردية أن يوحّدوا صفوفهم لتقديم الإسلام ولصد التيارات التي تهبّ من بلاد الكفر والملحدين، ولإزالة المنكرات التي تتفشي في المجتمع بين آونة وأُخري. ولقد قال سبحانه وتعالي: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ()، فيوم للدين ولأهل الدين، ويوم يتغلب فيه الباطل،

ولكن الكلمة الأخيرة ستكون حتماً للدين وأصحابه.

وإن تعجَّل فيها الظالم الأثم

للمتقين من الدنيا عواقبها

ذكريات سفير

قبل أعوام قرأت كتاباً لأحد سفراء ألمانيا وكان ممثلاً لبلاده في إيران، يذكر في هذا الكتاب ذكرياته عن إيران، ولا أتذكر هل تُرجم الكتاب إلي العربية أم أن الكتاب كتبه باللغة العربية؟.

يقول السفير تحت عنوان (الملاّ والبازار) أي العالم الديني والسوق، ما ملخصه:

«إنّ الإيرانيين يقلّدون ويتَّبعون مرجعاً لهم وهو يمثل نبيَّهم، وهذا المرجع أمره نافذ فيهم، فعلي كل مسلم أنْ يطيع المرجع إذا أراد الآخرة، ومجتمعهم متماسك بحيث إنَّ أي إنسان لا يجرؤ أنْ يخالف المرجع، لا خوفاً من الآخرة فحسب، بل خوفاً من الناس المسلمين أيضاً، إذ يعدّ المخالف للمرجع خارجاً عن الدين، وعندهم أنّ الخارج عن الدين، لا يحلّ لهم أن يؤاكلوه أو يتعاملوا معه، ولا حتي يزوّجوه ويعاشروه، هذا حال (الملاّ) وهناك في طهران مكان يسمي البازار وفي البازار أعاظم التجّار، وعلي أكتافهم تدور رحي الاقتصاد والتجارة، وكل الكسبة متصلون بهؤلاء التجّار الكبار ويحترمونهم احتراماً بالغاً».

وبعد وصف كامل لهم، يستطرد قائلاً:

«فإذا أرادت الدولة أنْ تسنّ قانوناً القانون الوضعي اطّلع (الملاّ) علي ما تنويه الدولة فيوعز إلي البازار بإغلاق المحلات احتجاجاً علي القانون وإضراباً سلمياً عن العمل، وإذا تعطّل البازار تعطلت طهران كلها وتوقفت الحياة التجارية والاقتصادية. وساد الهرج والمرج والفوضي في كل البلد؛ مما تضطر الدولة علي الانسحاب من القرار».

ثم واصل قائلاً: «ولذا فإن أردنا أن نحصل علي النفوذ في هذا البلد، فيجب علينا أن نتخذ خطوتين:

1: أن نسقّط «الملاّ»، بأنْ نزيل مكانته من القلوب بمختلف الوسائل حتي لا يكون أمره واجب الطاعة عند الناس.

2: أن نُسقط البازار، بأنْ نفرّق التجار، ولا نجعل لهم مجمعاً واحداً حتي إذا

فرض أن جماعة من التجار أطاعوا الملاّ كانت هناك أسواق ومحلات أُخري فتكافح مفعول البازار فلا يؤثر فينا إضراب البازار علي الاقتصاد والتجارة، وبالنتيجة تتمكن الدولة أنْ تمرّر قانونها بدون الاصطدام بالملاّ والبازار».

أقول: وهذا ما فعلوه في إيران وغير إيران من سائر البلاد الإسلامية، فقد أضعفوا سُلطة الدين وشتتوا جمع المسلمين ثم مرّروا قوانينهم بسلام، وبلا أية معارضة أو بمعارضة ضعيفة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولنحاسب، ثم نفكر في العلاج؟.

أليس في كل بلاد الغرب توجد نقابات وأحزاب، فإذا أرادت الحكومات تمرير قوانين ضارة بالبلد، يوعز رؤساء تلك الأحزاب والنقابات إلي أفرادها وأجهزتها الإعلامية ونحوها بالإضراب، فيشلّ المجتمع وتعمّ فيه الفوضي، وأخيراً تجبر الحكومة علي الانسحاب؟.

أليس علماء المسلمين هم في طليعة المخلصين للوطن الإسلامي ويضحّون في سبيل مصالح المسلمين؟

أما العلاج، فليس المهم البازار بذاته بل سيطرة العالِم علي المجتمع، بحيث إنَّه متي شاء تمكن من شلِّ الاجتماع، ليكون ذلك سيفاً بيده ضد القوانين التي تضر الدنيا أو الدين. وكل ضرر علي أحدهما ضررٌ علي الآخر، فضرر الدنيا ضررٌ للدين، لأنّ (من لا معاش له لا معاد له)، وضرر الدين هو ضرر الدنيا، لأنّ الدين وُضع لمصلحة الإنسان، والمجتمع في يومٍ ما كان منظماً تلقائياً بحيث إنَّ أمراً واحداً من العالِم كان يحرك المجتمع تحريكاً يجعله ينفذ ما يُريد.

أما اليوم فلا يتحرك المجتمع حتي بألف أمرٍ؛ لضعف الوازع الديني عند الناس ولتشتت المجتمع وانقسامه إلي تيارات وجبهات، فعلي المتدينين أنْ يقوموا بالمهمة المزدوجة:

أولاً: أن يهتموا بكل الوسائل والسُبل بزرع الإيمان في النفوس حتي يُخرج ثماره في إقبال النفوس علي طاعة العلماء.

ثانياً: أن ينظموا المجتمع تنظيماً إسلامياً حتي يُعطي ثماراً في العمل علي الساحة السياسية، وكلا

الأمرين ممكن في البلاد الحرة، أما البلاد التي ترزح تحت نير الديكتاتورية، فكلا الأمرين صعبٌ وبحاجة إلي التضحية، لكن ليس بمستحيل، فمهما كان الجو خانقاً فالإنسان يتمكن من أن يتنفس ولو بصعوبة، وحيث إنَّ الوسائل والسبل في العالَم اختلفت، فزرع الإيمان بحاجة إلي وسائل حديثة وأساليب جديدة، كما وأنّ التنظيم بحاجة إلي ألف مقوّم ومقوّم، فليس مجرد أنْ دُعي الناس إلي شيء أجابوا، مهما كانوا مؤمنين؛ وإن كان الداعي من أبرع الأشخاص وأكثرهم علماً وفضلاً.

انهيار القوّة

لقد كان غريباً حقاً انهيار الجبهة الدينية، وتشتت كلمة العلماء في العراق، فبمجرد قيام انقلاب 14 تموز سنة 1958م، رمي الجميع اللَّوم علي العلماء وأخذوا يتسآءلون لماذا لم يقفوا؟ ولماذا لم يتصدوا؟ ولماذا؟.

لكن النظر العميق في التأريخ الإسلامي يهوّن الخطب، أما انهارت الجبهة الإسلامية بعد الرسول صلي الله عليه و اله وارتد الناس إلاّ القلة؟

وهل يُشك في بناء الرسول صلي الله عليه و اله؟ أما انهارت جبهة المسلمين بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وصفا الجو لمعاوية، بعد ما قاومت جبهة الإمام وخاضت الحروب؟. أما انهارت جبهة الكوفة أيام الإمام الحسين عليه السلام بمجرد أن جاء إليهم الإمام بعد تلك الرسائل والمكاتيب؟.

إنّ كلَّ ذلك معللٌ بعلة واحدة في الجميع هي انهيار القوة، فانهارت الجبهة، والقوة كانت متمثلة بالنبي والوصي ?، وبموتهما انهارت القوة فانهارت الجبهة والقوة التي كانت متمثلة في عشائر الكوفة، وبتدخل الشام انهارت قوة الكوفة، لأن الشام كانت أقوي، ولذا انهارت جبهة الإمام الحسين عليه السلام، وكذا حدث الشيء نفسه في العراق، فقوة الدين كانت تكمن في عشائر العراق الذين كانوا يملكون السلاح، فإذا أرادت الحكومة شيئاً خلاف الدين، التجأ العلماء إلي العشائر، وتدخّل السلاح في المعركة

إلي جانب العلماء، ولذا كانت الحكومة تخشاهم لا لأنفسهم، ولا لأنّ الحكومة كانت متدينة، بل لأنّ عالم الدين كان مزوداً بالسلاح، ومن قرأ تاريخ العراق الملكي، رأي كيف وكم مرة تدخلت القوة العشائرية لنصرة كلمة العلماء، مما دفع بالسلطة إلي التراجُع.

سياسة قاسم

أمّا عبد الكريم قاسم فقد ضرب العلماء بإشارة من الانجليز، بغية عزل العلماء عن المجتمع العراقي وفسح المجال أمام الشيوعيين الروس. وليستطيعوا في غياب العلماء تمرير قوانين جديدة ضد العراق وشعبه، وليتمكنوا من إخراج الأمريكان من البلاد.

وكانت أول خطوة قام بها عبد الكريم قاسم، هو تجريد العشائر من السلاح تحت ذريعة المؤامرة.. والعشائر هي ذراع المرجعية في كل زمان.

ثم فصل بين رؤساء العشائر وأتباعهم من الفلاحين تحت ذريعة الإقطاع وتحت ذريعة الإصلاح الزراعي. ونحن نعرف أنّ الإصلاح الزراعي تحوّل إلي إفساد زراعي. ثم ضرب أصحاب رؤوس الأموال الشيعية، الذين كانوا يموّلون المرجعية تحت ذريعة التلاعب بالأسواق.

وبتجريد العلماء من قوة العشائر ومن قوة المال، أصبحوا بلا حول ولا قوة، فانهارت الجبهة الدينية بسهولة كما هي القاعدة: فَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَحْوِيلاً ().

ومما هو جدير بالذكر، أن الدكتور عبد الصاحب علوان، وهو وزير في الحكم القاسمي، كتب كتاباً حول الإصلاح الزراعي يراه أمراً حسناً، وألّف الأخ السيد الصادق() كتاباً في الإصلاح الزراعي الإسلامي، سمّاه (الإصلاح الزراعي في الإسلام)؛ بيّن فيه خطوط الإصلاح الزراعي الإسلامي، وقارن بينه وبين الإصلاح الزراعي السائد في العراق، وفي غير العراق مقارنة عقلائية، مما أظهر لكل باحث أنْ لا نسبة بين الأمرين، وأن الإصلاح الزراعي الإسلامي ليس هو الأفضل وحسب، وإنما الإصلاح الزراعي السائد في البلاد اليوم ضارٌ بالزراعة، وهو الذي جلب الويلات للفلاح والأرض مما أدي

إلي نزوح الفلاحين من الريف وتركهم لأراضيهم.

وقد منعت الرقابة علي المطبوعات طباعة هذا الكتاب، ثم بعد ذلك أجازت طباعته وقامت بعد انتشاره بشراء كمية كبيرة منه؛ لئلا يقع بيد الناس. وقد وصل كتاب الأخ إلي يد الدكتور الوزير فيما بعد، عن طريق أحد العلماء الذي يعتبر صديقاً للطرفين.

لما رأي الدكتور كتاب السيد صادق، تعجب كثيراً، عن جرأة السيد صادق في الرد عليه وهو وزير، لكنه وبحكم موضوعيته كدكتور، كان عليه أنْ يرد علي آراء السيد صادق، وهذا الذي وعد به، وبعد مدة سأله العالم الذي يكن له صداقة قوية، وقال في زيارته: هل كتبت رداً علي كتاب السيد صادق، ضحك وقال: أنا مأمور بتنفيذ هذه الخطة، وليس لنا حق في اختيار إصلاح زراعي آخر، وكان هذا هو جوابه لصديقه!

وتكرر نفس الموضوع معي عند لقائي بالدكتور عبد الرحمن البزاز()، رئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف().

فقد جاء إلي كربلاء وزارني في مقبرة المرحوم الوالد رحمة الله عليه، وكان برفقته جمع كبير من الساسة والوزراء والضباط.

كما كان برفقتي جمعٌ من العلماء والخطباء.

قلتُ له فيما قلتُ: إنّ قانون العقوبات البغدادي () قانون، وضعهُ قائد الحملة البريطانية، والعراق اليوم مستقل، وعليه أنْ يرمي من علي كاهله كل ما يمتُّ بالاستعمار بصلة، فلماذا هذا القانون ساري المفعول، مع العلم أنه طُبع في أوله: أنّ القانون من وضع قائد الحملة؟

وأضفت: هذا القانون فيه سيئات لا يوجد مثلها في القانون الإسلامي.

أليس من الأفضل والحال هذه أن يُغيّر هذا القانون إلي قانون إسلامي في باب العقوبات؟!

ضحك عبد الرحمن البزاز، وألمع إلي أننا مجبورون علي تنفيذ هذا القانون، وإن لم يصرّح بهذا اللفظ تخوفاً ممن كان معه().

من نتائج الفرقة

إنّ الفرقة التي أحدثها عبد الكريم قاسم

بين العلماء والعشائر، وبين ملاّك الأراضي والمزارعين، أوقعت العراق في مآسٍ ومهالك كبيرة. ولم يزد في العراق شيء ولم ينقص، إلاّ أنّ الإنجليز أرادوا استبدال عملائهم، خوفاً من انتشار النفود الأمريكي، وكان الضحية لهذه السياسة هو الدين والمسلمين.

وإن العراق لا يرجع إلي السعادة والرخاء إلاّ بالتمسك بحبل الله المتين ونبذ الخلافات والنزاعات والتبصُّر بدسائس الاستعمار ومكائده.

قصة الحاج عبد

يُقال: إنه كان في قديم الزمان مكاري () اسمه الحاج عبد يأتي بالزوار إلي مدينة كربلاء المقدسة، وكان سيئ الأخلاق، وكان هناك رجلٌ من أهل العلم يزور الإمام الحسين عليه السلام كل عام في الأربعين، وكان ينزعج من أخلاق الحاج عبد كثيراً، لكنه كان يضطر إلي تحمّله، حيث إنَّه المكاري الوحيد الذي كان يأخذ نصف المبلغ من المسافرين.

وفي إحدي الرحلات غمرت المياه الطريق، وكانت يومها بحيرة الرزازة متصلة بكربلاء، فأخذت السفن بحمل الناس إلي كربلاء، ففرح ذلك العالم الذي كان يأتي لزيارة الأربعين بالوسيلة الجديدة للوصول إلي كربلاء، وكانت فرصة كبري أن تخلّص من (الحاج عبد) وأخلاقه السيئة.

ومع اقتراب موعد زيارة الأربعين جاء هذا العالم إلي البحيرة وأراد أن يركب السفينة وإذا به يفاجأ بأنّ ربان السفينة هو (الحاج عبد) نفسه فاسترجع قائلاً إنا لله وإنا إليه راجعون ركب السفينة علي مضض، وعلي طول الطريق كان مبتلياً بالحاج عبد.

ومرّت السنوات، ومضت الأيام وإذا ب العربانة التي تجرّها الخيول تظهر ويبدأ باستعمالها بين كربلاء والمدن الأخري.

ففرح هذا العالم أن أنقذته العربانات من الحاج عبد، ففي الرحلة القادمة سيكون علي متن إحدي هذه العربانات. وازداد تعجبه وتألّمه عندما وجد صاحب العربانة هو الحاج عبد أيضاً، وما حيلة المضطر إلاّ ركوبها.

ومرّت الأيام وتحولت وسائل النقل وظهرت السيارات في مدينة كربلاء وبدأ باستخدام

السيارات بين كربلاء والمدن الأخري، فشكر الله صاحبنا علي هذه النعمة، وفرح أنه قد تخلص من الحاج عبد، لكن لم تطل فرحته كثيراً عندما عرف أنّ سائق السيارة هو الحاج عبد أيضاً.

أقول: وقصتنا نحن العراقيين مع الحكومات المتعاقبة في العراق، هي قصة هذا العالم مع الحاج عبد، ففي العهد الملكي كان الحكم في الظاهر بيد الملك فيصل الأول، ثم ولده غازي() ثم ولده فيصل الثاني()، ثم انتقل إلي عبد الكريم قاسم، ثم إلي عبد السلام عارف()، ثم إلي عبد الرحمن عارف، ثم إلي البكر()، ثم إلي …

فالوجوه كانت تختلف، لكن الحاكم الرئيسي هو الاستعمار، وفي كل مرة له لباس وشكل جديدان. فلا عجب أن بقي الاستعمار كل هذه الفترة كما بقي الحاج عبد، لأننا لم نعمل علي التخلص منه.

وسائل الإنقاذ

فإذا أردنا التخلُّص من ا لاستعمار كان لابد من تحقيق الأمور التالية:

أولاً: الوعي الجماهيري، فبدون الوعي الجماهيري يتشكل «الحاج عبد» كل يوم بأشكال مختلفة مستفيداً من جهل الناس، وقد قرأنا في المنطق عن الجن أنّه: جسمٌ خفيف ناري، يتشكل بأشكال مختلفة حتي الكلب والخنزير إلاّ الأنبياء والأولياء؟

ثانياً: بالاتحاد ونبذ كل أنواع الفُرقة، فما دامت الفُرقة، ف «الحاج عبد» تبقي بيده مقاليد الأمور، وفي المثل مادام الطمع موجوداً تعيش الكلبجة ().

وكل من يشتكي من «الحاج عبد» وهو في الوقت نفسه يفرّق بين الناس، مثله مثل من يدفع ويسحب بيد.

ثالثاً: بالاكتفاء الذاتي وقطع دابر كل حاجة إلي الأجانب من جهة الأموال والسلاح والصناعة وغيرها، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلمته التي لا تُثمن: (احتج إلي من شئت تكُن أسيره)().

وطالما فقدت هذه الأمور الثلاثة، فلا رجاء في التخلص من «الحاج عبد» وقيل في المثل: مادام ليلك كذا

فنهارك هكذا.

إننا نفتقر اليوم إلي هذه المقومات الثلاثة، لا في بلدنا العراق وحسب، بل في أغلب بلاد المسلمين، فالمفترض أنْ نشرع في ذلك كلٌ بقدره وبقدرته لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ().

فالمرء مكلّف بما يتمكن، فإذا لم يقدر علي إيجاد الوحدة العامة، عليه أن يجمع علي الأقل عشرة أنفار في هيئة أو جمعية؛ لتصبح هذه الهيئة نواة للاتحاد الكبير.

والمرء الذي لا يقدر علي تصنيع البلاد، عليه أن ينجز ما هو أقل من ذلك. وأن يوجد مصنعاً صغيراً بدلاً من المصنع الكبير، فإذا عمل كل واحد منا بهذا المنطق فسيكون هناك تقدمٌ في البلاد.

وكيف كان الأمر، فإنّ الهدف من هذا الكتاب هو توحيد الصف، وبالمناسبة يقول الشاعر الإيراني: (اتحدت فيك الملاحة والجمال.. ولذا غزوت العالم)()، نعم بالاتحاد يُغزي العالم.

المكر البريطاني

نقل لي أحد الثقات: أنّ إيران كانت تقترب بخطوات سريعة نحو الولايات المتحدة وتبتعد بنفس المسافة عن بريطانيا.

فدبّرت بريطانيا خطة زرع الاختلاف بين الطرفين؛ لتقع القطيعة ولتستفرد بريطانيا بإيران مجدداً، وكانت هناك سقاية ماء، بناها رجلٌ من أهل الخير يُسمي نوروز خان، وكانت هذه (السقا خانه) لقدمها معروفة لدي أهل المنطقة، وإلي جانب هذه «السقا خانه» رجل أعمي يتكفف بالقُرب منها، فعزم هذا الرجل المكفوف زيارة أقربائه في بلدته هذا في ظاهر الأمر أما في واقع الأمر فإنّ الأخبار السرّية ترددت أن البريطانيين أخذوه إلي لندن.

وفي لندن أجريت له عملية جراحية عاد بعدها بصيراً، ثم أرجعوه بعد أن شفي إلي محله في طهران، وجلس في مكانه المعتاد بالقُرب من «السقا خانه» يتكفف، وتعجب الناس الذين كانوا يعرفونه وأخذوا يختبرون بصره فوجدوه شيئاً آخر غير ذلك الأعمي الذي عرفوه في السابق، ولمّا سألوه ماذا حدث لعينه وكيف

عاد بصيراً؟

خطب في الجماهير وقال بشكل مختصر: رأيت البارحة في منامي أنّ سيداً جليلاً وقف بالقرب من السقا خانه وقال لي: أنا الموكّل بهذه «السقا خانه» فهل لك من حاجة؟

قلت: نعم أريد أن أبصر بعيني.

قال لي: امسح يدك علي (السقا خانه) ثم ضع يدك علي عينك ففعلت كما طلب مني وإذا بي أرتد بصيراً، وانتشر الخبر في الأرجاء أنّ «سقا خانه نوروز خان» تُشفي من الأمراض وتأتي بالمعجزات! فازدحم الناس حولها وأخذ عملاء الإنجليز يبثون الدعاية، ثم في الأثناء شفت «السقا خانه» أعرج معروفاً بالعرج فعاد سليماً، طبعاً بواسطة عملية في لندن، وآخر مشلول اليد بواسطة عملية في لندن أيضاً.

وأخذ الناس يأتون إلي السقا خانه زرافات زرافات، بقصد الشفاء، واعتكف المرضي حولها لا يبرحونها، ليل نهار.

وذات مرة زار السفير البريطاني السفير الأمريكي وأخذا يتجاذبان الحديث حول سخافة عقلية المسلمين، كيف أنّ السقا خانه تتحول إلي طبيب لشفاء المرضي، ومن فرط ما سمعا قررا أن يذهبا إلي «السقا خانه» ليأخذا من الناس الملتفين حولها صوراً يبعثانها إلي بلديهما،ليتعرّف الغرب علي سخافة المسلمين وزارا كما قرر «السقا خانه»، وعند وصول عربتهما قرب «السقا خانه» سرت شائعة بين الناس أنّ سفير أمريكا جاء لهدم «السقا خانه» فاستعدّ له الناس البسطاء، وحسب الخطة المدبرة من قبل السفير البريطاني، ولما نزل من (العربانة)() وبيده جهاز التصوير الذي ظنّه البعض أنه قنبلة، فأسرع صاحب المقهي الذي كان قد هيأ نفسه للهجوم علي السفير الأمريكي، وحمل (سماوره)() المملوء بالماء المغلي، وأفرغه علي رأس السفير الأمريكي فهرب السفير البريطاني ب (العربانة) تاركاً السفير الأمريكي بين أيدي الناس، الّذين وسعوه ضرباً بالعصي والسكاكين حتي قتلوه في مكانه ولم تفلح محاولات الشرطة في إنقاذ حياته،

وكل ما استطاعوا أن يفعلوه أنهم أنقذوا جثته من الإحراق.

وبهذه الخطة المحكمة والمُدّبرة وقعت أسوأ قطيعة بين أمريكا وإيران، وكسب البريطانيون الجولة.

ولا يخفي: أن للإنجليز في كل مكان من العالم الإسلامي «سقا خانه نوروز خان»، ففي العراق صنعوا الصنيع نفسه، وقد نقل لي من شاهد ذلك مباشرة ورأي بعض مكفوفي البصر الذين شفوا ببركة «الإنجليز» في الخفاء وببركة الشيء في الظاهر.

ولم أستطع أنْ أتعرّف علي أهداف هذه السياسة البريطانية في العراق آنذاك.

قصة من البحرين

نقل لي بعض الثقات أن الإنجليز حرّكوا خفية قاضياً من قضاة البحرين المحترمين أن يسبّهم في مجالسه لقاء أجر كبير، وفعل القاضي المغفل ذلك، وإذا بالناس يفاجؤون باحتجاج الحكومة البريطانية علي البحرين، وتبين بعد ذلك أنهم أرهقوا كاهل البحرين بمعاهدة مذلة، أسندت هذه المعاهدة إلي إهانة حكومة بريطانيا في البحرين علنا، فكان جزاء ذلك علي البحرين أن تؤدي ثمن هذه الإهانة.

أقول: إنّ الشرق والغرب بمختلف حكوماتهم لا يزالون كالسابق، يكيدون للمسلمين ليفرقوا كلمتهم ويضربوا بعضهم ببعض، ويضطروهم للانضواء تحت نير المعاهدات والأحلاف، والمسلمون لا يزالون علي سابق عهدهم من البساطة وحسن الظن، والتسامح والغفلة، ولا علاج إلاّ بتطبيق ما ذكرناه في (حكاية الحاج عبد).

من هنا، كان يجب علينا أن ننظر إلي مصالحنا لا إلي ما تفرضه علينا سياساتهم، ويجب علينا أن نوحّد كلمتنا، وألاّ ننخدع وإنْ رأينا أنّ الأعمي قد أبصر، أو الأعرج أصبح سليماً في مشيه، وأنَّ الأبكم نطق فجأة، إلاّ بعد أنْ نتحقق، هل ذلك ببركة «حيلة مخفية» أو ببركة كرامة ظاهرة.

وصدق الشاعر الفارسي الذي قال ما ترجمته: إلي الوقت الذي لا يفيق الشيخ من غفلته فإنّ القافلة ستبقي جاثمة في مكانها().

ناصر الدين والوحدة

عندما أعلن المجدد الكبير رحمة الله عليه عن تحريمه للتنباك في إيران، وفشل محاولات الإنجليز في منع تحقق هذه الفتوي، فكّر الإنجليز في إيجاد ضغط من جانب الحكومة العثمانية علي الحكومة الإيرانية في عدم نقض المعاهدة أو علي المجدد لنقض الفتوي، ولذا ذهب سفير بريطانيا إلي السلطان عبد الحميد() الخليفة العثماني المشهور، وقال له في أول كلامه:

هل في البلاد الإسلامية الشرقية أو الوسطية أكثر من إمبراطوريتين، إمبراطورية الخلافة وإمبراطورية الشاه؟

قال عبد الحميد: كلا، فلا حكومة ثالثة للمسلمين!

قال السفير: فمن هذا الرجل

الذي يسمّي محمد حسن الشيرازي الذي يُقيم في سامراء وما هو شأنه؟ وكم جيشه؟ أليس هو في بلدٍ من بلادكم، وكيف يتمكن من الإتيان بجلائل الأعمال التي هي من اختصاصات الحكومات الكبيرة!

فأحسّ السلطان عبد الحميد بالمكيدة، وقال له بالحرف الواحد: إنه عالم ديني ليس له جيش ولا سلاح ولا مملكة وإنما له خادمان ينفذان أوامره، وهذا هو كل ما يملك؟

قال السفير متلهفاً: ومن هما ذانك الخادمان؟

قال عبد الحميد هما: ناصر الدين شاه وعبد الحميد فانقطع السفير وبُهت ولم يحر كلاماً، وعلم أنّ خطته فاشلة، وكان موقف ناصر الدين شاه في دعم العالم الجليل المجدد الشيرازي هو من ثمرات الوحدة الإسلامية، وقد أفهم السلطان عبد الحميد أنه متمسك بهذا المبدأ.

أقول: وبقدر ما كانت الوحدة الإسلامية قوة ومنعة، كان التفرّق ضعف وانحطاط. ولا يخفي أنّ عبد الحميد كان إلي جانب ألمانيا، ولذا قال هذه الكلمة لسفير إنجلترا.

وقد سمعت أحداً يقول بحسرة: إن فتوي المجدد الشيرازي في تحريم التنباك كشفت قوانا، وكانت هذه القوة مخفية؟. قلت له: أبهذه البساطة تؤخذ الأمور؟.إنّ ألف خطةٍ وخطةٍ، وألف تدبيرٍ وتدبير استُخدمت ضد المسلمين وحطمت قِواهم وسلبت دينهم ودُنياهم.

إنّ الغربيين والشرقيين علي اختلافهم متفقون علي تحطيمنا، وكانت أول وصايا (لينين) هدم الخلافة العثمانية وغزو إيران.

ولم تتوان جمعية الاتحاد والترقي() في تنفيذ مآرب لينين، وكانت الجمعية مرتبطة بالاستعمار الغربي.

وجاء في أحد بنود المعاهدة السرّية بين حكومة أمريكا وحكومة الشاه بتقويض صلاحيات رجال الدين في إيران.

أتري كيف أن الشرق والغرب علي ما بينهما من عداء ظاهري متفقان علي تحطيم بلادنا وهدم كياننا وسلب ديننا؟.

وما ذكرناه ليس إلاّ سطراً من كتاب ضخم من تاريخ الكفار وكيدهم للمسلمين.

إنّهم علي اختلافهم في الأفكار متفقون علي تحطيمنا، أليس

ذلك حافزاً لنا علي الاتفاق مع وحدتنا في المبدأ والعقيدة والشريعة؟.

وقد قال الشاعر:

وهل ينفع العطشان إلاّ فراتها

ومادام لم نفعل نبوء بغصة

هكذا تفعل الدنيا بأبنائها

كان السيد المسيح عيسي عليه السلام يسافر من بلدٍ لآخر، وكان معه ثلاثة من الذين أظهروا الإيمان به، وفي الطريق مرّوا بمكانٍ فوجدوا ثلاث قطع من الذهب، ولما رأي الأصدقاء الذهب ارتخت أرجلهم ولم يتجرؤوا أن يأخذوها أمام السيد المسيح عليه السلام، إذ كان السيد المسيح رمزاً للزهد، وقد علَّمهم الزهد والعزوف عن الدنيا، ففكّر كل واحدٍ في حيلة للانفصال عن المسيح عليه السلام.

وبدأ كل واحد يتخلي عن السيد المسيح عليه السلام بشكلٍ أو آخر. الأول اعتذر واستأذن السيد المسيح بالعودة والرجوع.. والمسيح عليه السلام يأذن له وينصحه بأن لا تغره الدنيا ولا يرتكب حراماً من أجلها. وهكذا الآخران.

ولما انفصلوا عنه جاؤوا واجتمعوا علي الذهب يتنازعون عليه، وأخيراً قرروا تقسيمه بالسوية، وعندما جلسوا للتقسيم قالوا: نحن جياع ونخشي إنْ ذهبنا بالذهب إلي المدينة سينكشف أمرنا، فليذهب أحدنا إلي المدينة ويشتري لنا طعاماً، قال أحدهم: أنا آتيكم بالطعام، فقد وجد هذا الثالث أنّ هذه أفضل وسيلة للتخلص من الاثنين، حيث سيضع السمّ في الطعام، فيموتا ويصبح الذهب له وحده.

وعندما ذهب إلي المدينة اتفق الإثنان أن يقتلا صاحبهما، ليخلص الذهب لهما فيقسمانه نصفين، بدل أن يكون نصيب كل واحد منهما الثلث.

وهكذا كان، فقد وضع الثالث السّم في الطعام، وجاء به إلي صديقيه، وما إنْ وضع الطعام علي الأرض، حتي هجما عليه وقتلاه، ثم جلسا يأكلان الطعام، فانتشر السم في جسميهما، وماتا في الحال.

وعندما عاد السيد المسيح عليه السلام ومرّ بذلك المكان وجد الذهب في مكانه، والثلاثة إلي جانب الذهب ممددين، فحركهم فلم يتحركوا، فعرف أنّهم ميتون،

حينها قال عيسي عليه السلام لتلاميذه: هكذا تهلك الدنيا أبناءها وتبقي هي في مكانها.

وقال الشاعر:

إنّما الدنيا فناء ليس في الدنيا ثبوت

إنّما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت

ولقد يكفيك منها أيها الطالب قوت

ولعمري عن قريب كل من فيها يموت

أقول: وهذه هي عاقبة الاختلاف، في الدنيا العار، وفي الآخرة النار.

وعلي العاقل أن يعتبر بهذه القصة أكبر اعتبار إن كان له قلبٌ أو ألقي السمع وهو شهيد. إنّ عاقبة الاختلاف الفشل وعاقبة الاتحاد التقدّم واقتطاف الثمر، يقول الشاعر:

لسانك لا تُبدي به سوءة امرئٍ

فكلك سوءآتٌ وللناس ألسن

وعينك إنْ أهدت إليك معايباً

من الناس قل يا عين للناس أعين

وفي كلمة ذهبية عن السيد المسيح عليه السلام قال: (ما لكم لا ترون الجذع في أعينكم، وترون القذي في أعين أخيكم). وفي الحديث: (ضع أمر أخيك علي أحسنه)().

وفي حديث آخر: (إنْ شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً، فصدّقه وكذبهم)()، أي لا ترتّب أثراً علي كلامهم، في غير مورد الشهادات الشرعية.

وبهذه الخطوات يتمكن الإنسان من أن ينظر إلي الناس بمنظار صحة أعمالهم وحسن نياتهم وسلامة أهدافهم، وهكذا يخطو خطوة كبيرة نحو الألفة وتوحيد الكلمة.

أما إذا نظر إلي الناس بمنظار سوء الظن، وحمل أعمالهم علي الفساد بأنهم خونة لصوص سُراق فاسدو العمل، فإنّه لا يجتني من ذلك إلاّ الإهانة لنفسه أولاً، وتفكك عُري الاجتماع ثانياً، إذ: (لا يجتني الجاني من الشوك العنب، ولا من الحنظل يُجتني الرُطب).

لا تزكّوا أنفسكم

ذات مرة كان أحد المؤمنين في حرم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ورأي زائراً يضجّ ويبكي بكاء مراً ويتوسّل بالإمام عليه السلام بأن يرد إليه نفقته المسروقة قائلاً بحرقة: يا أمير المؤمنين، ليس لي مال غيره، وأنا هنا غريب وإذا لم أحصل علي مالي، كان معني ذلك أن أتكفف،

وهل ترضي أنت بذلك وأنا ضيفك، وهكذا كان يقول ويكرر هذا الكلام بأسي ولوعة، وأخذ يدعو ويلحّ ويتضرع.

فتأثر هذا المؤمن من هذا المشهد تأثراً بالغاً، وتوجه إلي الإمام وأخذ يخاطبه كالمعترض يا أمير المؤمنين إذا لم تستجب دعاء هذا الرجل ولم تكشف له عن سارقه، فمتي وأين يُستجاب دعاء المؤمنين بكم؟.

وفي الليل رأي هذا الرجل الإمام عليه السلام في المنام: ويظهر أنّه كان قابلاً لهذا المقام حتي يري الإمام ليسمع جواباً، فقال له الإمام عليه السلام: إن كان شأننا كشف اللصوص لكشفناك أولاً وقبل سارق هذا الزائر!.

قال: وكيف يا أمير المؤمنين، وهل أنا سارق؟

قال الإمام عليه السلام: أجل، ألم تأخذ من فلان مقداراً من المال أجرة علي قضاء صلاة الميت، ولم تأت بالصلوات إلي الحال؟

نكّس الرجل رأسه أمام الإمام عليه السلام وقام من منامه فزعاً مرعوباً، وتاب إلي الله تعالي عن ذنبه، وأدّي ما كان عليه من قضاء العبادة.

نعم، أيّنا منزّه حتي نحاسب الناس علي أعمالهم؟

(وأي عبدٍ لك ما ألمّا)، وإني لا أتكلم في هذا الموضوع الآن من الوجهة الدينية والأخلاقية، بل بالنظرة الاجتماعية، وإن الإغضاء عن سيئات الآخرين أول الطريق إلي الألفة والمودة.

حزب المؤتمر وتوحيد الهند

انظر إلي الهند، فقد كان المسلمون يحكمون فيها، وقد أخذها الإنجليز من المسلمين وأعطوها إلي الهندوس، وهذه الحقيقة تظهر لمن طالع تاريخ الهند().

وإني لأتعجب كثيراً كيف أن المسلمين طيلة ألف سنة لم يتمكنوا من إدخال جميع الهند في الإسلام، فهل كان الشعب الهندي غير راغب في الإسلام، أم أنّ هناك تقصيراً من قبل القادة؟ فإيران والعراق ومصر وسوريا وتركيا وإندونيسيا وغيرها من البلاد الإسلامية دخلت في الإسلام بمجرد أن حكمها الإسلام، وقد قبلت بالإسلام طواعية لا جبر ولا إكراه، وإنما كانت

الحكومة التي تأخذ البلاد ترفع الموانع التي تحول دون دخول غير المسلمين إلي الإسلام.

أمّا القسم الإسلامي من الشعب الباكستاني والشعب الهندي فليس الكلام حولهم، بل الكلام حول كل الشعب، والكلام حول هذا الموضوع طويل وله محلٌ آخر.

وإنما الكلام الآن في أن حزب المؤتمر()عندما تشكّل لتحرير الهند بزعامة (غاندي) كان يتعامل مع شعب يتكون من ثلاثمائة دين ومئات الولايات، وثلاثمائة لغة ولهجة، وكان صعباً علي حزب المؤتمر استيعاب هذا الكم الهائل والمتناقض من الشرائح الاجتماعية، إلاّ أنه في أول خطوة قام بها هو توحيد الجمع الهائل من اللهجات والقوميات في بوتقة واحدة، وبعد خمسين عاماً من الجهود المضنية، استطاع أن يوحّد البلاد وينقذ العباد من الاستعمار.

إلاّ أن حالنا نحن وبعد خمسين سنة من الاستعمار، ومن العمل لأجل إزالته، لانزداد إلاّ انقساماً، وبالاستعمار إلاّ تمسكاً. والحال أنّ ديننا يأمرنا بالوحدة والتعايش والألفة، يقول القرآن الكريم: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً () ويقول:

وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ().

والحال أنّ ديننا واحد ولغتنا هي القرآن، وإن كانت لنا لغاتٌ شتي.

ولا قوم أفضل من قوم في ديننا.

ألم يحن الوقت لأن ننبذ كل أنواع التفرقة، ونوحّد الصف ونقوم بنهضة جبارة نطرد فيها الاستعمار الاستيطاني والاستعمار الاقتصادي والاستعمار الفكري من بلادنا لترجع إلينا سعادتنا وسيادتنا، ولا تُنهب ثرواتنا، ولا نقوّي الكفار علي أنفسنا، ولا يصافح بعضنا الشرق وبعضنا الغرب، وتكون بيننا الحروب والمهاترات بصورة مستمرة.

والوحدة المنشودة هي التي تتم في ظل الدين فقط.

أما الوحدة التي يريدونها تحت ظل القومية فهي سيف يقطع أوصال الأمة ويمزق الجسد الواحد().

والوحدة في ظل حزب واحد أو مبدأ واحد هو التشتت والتفرقة والتمزّق.

أمير المؤمنين عليه السلام والوحدة

يتساءل البعض عن مغزي عدم تجريد

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لسيفه بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله ومطالبته بحقه من أعدائه وانتقامه ممن اعتدي علي فاطمة الزهراء عليها السلام؟

في الجواب نقول: إنّ علياً عليه السلام لو فعل ذلك لذهب الإسلام ولم يبق من الإسلام حتي الاسم. كما قال ذلك لزوجته فاطمة الزهراء عليها السلام. ذلك بأن أكثر المسلمين كانوا جديدي العهد بالإسلام، وكان المسلمون محدقين بأعداء كثيرين يحيطون بهم من كل جانب، فالفرس من جانب والروم من جانبٍ آخر، كانوا يتحينون الفُرص للانقضاض علي المسلمين.

فلو كان عليّ عليه السلام قد جردّ سيفه، كان يؤدي ذلك إلي انقسام الجسم الإسلامي، وكان هذا الانقسام سيؤثر علي ضعيفي الإيمان الذين كانوا سيتركون هذا الدين مع أول انقسام، حينذاك لكانت الدولتان الفارسية والرومية، قد انتهزت الفُرصة وانقضّت علي الدولة الفتية وقضت علي المسلمين، ولكان حال الدولة الإسلامية حال دولة الأندلس فيما بعد.

لذا كان قرار أمير المؤمنين عليه السلام بعدم المطالبة بحقه وجلوسه في البيت هو عين الصواب كما كان له في نهوضه أول الدعوة الإسلامية فضل بدء الإسلام.

من هنا، يجب علينا أن نجعل هذه المنطلقات أمام أعيننا في كافة تحركاتنا وسكناتنا. ثم نتقدم لتوحيد الصف وتقديم الإسلام إلي الأمام، دون الاهتمام بالامتيازات والاعتبارات الأُخري.

مَن فرَّق المسلمين؟

قال أحد الغربيين فيما قرأته في إحدي الكُتب: إنّ علينا نحن أنْ نصنع تمثالاً من ذهب لمعاوية بن أبي سفيان، ونضع له تمثالاً في كل بلد، لأنه هو الذي لم يدع علياً عليه السلام أن يتقدم، وأنْ يحكم البلاد وينشر الإسلام في الأصقاع().

أقول: من حقهم أن يثنوا علي معاوية لأنه استطاع أن يشق عصا المسلمين وأن يمزّق وحدتهم ويقطع أوصالهم بحربه مع الإمام أمير المؤمنين علي عليه

السلام، تلك الحرب التي حالت دون أن يتقدم المسلمون خطوة واحدة.

فلولا معاوية لكانت البشرية قد عرفت الإسلام بصورة أوضح ولاكتشفت العدالة، عدالة أمير المؤمنين عليه السلام ومساواته بين نفسه وأبسط رعيته، ولكان الإسلام قد انتشر تحت ظل هذا الإشعاع النير. وقبل معاوية هناك أيضاً من شوّه صورة الإسلام ومنع من انتشاره.

إلاّ أنّ ما يسلي الفؤاد أنّ القرآن الكريم وعد المستضعفين بأنهم سيورَّثون الأرض من أيدي الكفّار، وأنهم سينتصرون بقيادة مهدي هذه الأمة (عجل الله فرجه) علي الشرق والغرب فيدخل الجميع تحت ظل الإسلام العظيم.

من أخلاق الوحدويين

جاء أحد تجار إيران إلي كربلاء المقدسة في زمن المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه وكانت معه حقوق شرعية للسيد، وكان الرجل لم ير السيد ولم يعرفه من قبل ولا حتي يستطيع أن يميّز صورته عن الآخرين.

وفي ليلة وصوله سأل عن السيد فأرشده بعضهم إلي عالم آخر كان جالساً في حرم الإمام الحسين عليه السلام، فسلّم لهذا العالم الحقوق الشرعية التي كان يجب أن يُسلمها إلي السيد أبو الحسن الأصفهاني وهو يظن أنه السيد نفسه.

قال التاجر: في صباح ذلك اليوم ذهبتُ إلي الحرم الشريف وتوجهتُ إلي المكان الذي يصلي فيه السيد داخل الحرم، وإذا بي أراه مختلف الوجه عن ذلك العالم الذي سلمته المال في البارحة، لكنني قلتُ في نفسي لعلي علي خطأ فيما أري وأشاهد من المخالفة بين العالم وبين السيد، لأن وقت تسليم المال كان في الليل ولم يكن في الحرم في ذلك الوقت النور الكافي.

علي أي حال: تقدمتُ إلي السيد وطالبته بورقة إيصال بالمال الذي قدمته له البارحة، وقلتُ في نفسي إذا أعطاني السيد الإيصال فإن ذلك دليل أنه هو الذي قبض مني المال وإذا لم

يعطني فإنّ ذلك دليل علي أن المال أخذه غيره.

قال السيد: لا بأس تعال إليّ بعد شروق الشمس في الدار.

ذهبتُ إلي السيد في الموعد المقرر في الصباح في داره، فقال لي: كم كان المال؟ لأن الأموال التي استلمتها مختلفة.

فقلت له المقدار، فكتب السيد إيصالاً بالمقدار الذي ذكرته وأعطاني الوصل.

قال التاجر وفي الليلة التالية شاهدتُ العالم الذي أعطيته المال عوضاً عن السيد في الحرم، حينها تيقنت أنّ المال لم يصل إلي السيد.

وفي الغد ذهبتُ إلي السيد وقلت له: سيدنا كيف تعطيني الوصل بما لم تستلمه، ونقلت له حكايتي مع السيد.

فردّ السيد الأصفهاني: نعم، إني عرفت أنّك اشتبهت وأعطيت المال لفلان لأنه يشبهني لكن ما الفرق بيني وبينه؟ أليس هو أيضاً عالمٌ ووكيلٌ للإمام الحجة عليه السلام وأنت لم تقل لذلك العالم إنّ المال للسيد أبو الحسن حتي لا يأخذه منك.

قال التاجر: خرجتُ من عند السيد وأنا متعجب من أخلاقه الرفيعة كيف يحافظ علي سمعة العلماء، وكيف يواظب علي وحدة الصف وإن كان فيه تنازل عن قدر كبير من المال؟

وهكذا، يجب أن يكون كل إنسان يُريد الحفاظ علي وحدة الصف، فالحفاظ علي الوحدة ليس بالشعار والكلام المعسول الخالي من العمل، بل بالسيرة الحسنة والأخلاق الحميدة وبالتغاضي عن الأمور الجزئية والابتعاد عن نقاط التشنج. وهي أمور ليست بسهلة، وليس كل واحد قادراً علي التمسك بها، لذا تري القائلين بالوحدة كثيرين والعاملين به قليلين، بل أقل من

القليل.

وحدة صفّ المقاتلين

استغرب القادة العسكريون في بلاد فارس من تقدّم المسلمين وانتصارهم عليهم بالرغم من قلتهم عدداً وعدةً، وضعف كفاءتهم العسكرية، في وقتٍ كان الجيش الفارسي يتفوق عليهم في العدَّة والعدد، وفي الكفاءة العسكرية وفنون القتال، ومن الخبرات الكثيرة التي اكتسبها في حروبه الماضية مع

الروم وغيرهم.

فكان انتصار المسلمين عليهم مدعاة لأن يعيدوا النظر والتفكير في أساليبهم وخططهم، فاجتمعوا للتشاور فيما بينهم وأخذوا يدلون بدلوهم ويطرحون آراءهم.

قال أحدهم: إنَّ السبب هو الدين الذي يقاتلون باسمه؟

وجاء الجواب من أحدهم: كلا إنّ دينهم مزيّف حسب عقيدة الفرس يومذاك ثمَّ إنَّ الدين لا يُوجب أي تقدم، أليس الرومان أصحاب دين، والفرس قد انتصروا عليهم؟

قال آخر: إنّهم سحرة.

فأجابهم آخر: كلا، فالسحر لا يوجب انتصاراً في الحرب، ولا يتسبب في هزيمة جيش بأكمله.

وقال ثالث: إنّه بالصدفة انتصر المسلمون وليس هناك سبب حقيقي وراء انتصارهم.

فأجابه البعض: كلا لا يمكن أن نؤمن بالصدفة، فالصدفة لا تكرر الشيء نفسه، ثم هل التكتيك الحربي يعرف الصدفة؟ وهكذا دواليك.

وقال أحدهم: أري من الأفضل أن نسأل المسلمين أنفسهم وذلك بأن نختطف أحدهم ونسأله عن علة انتصارهم علينا، فاستحسن الجميع هذا الرأي. فبعثوا بقوة عسكرية لخطف أول مسلم يجدونه منفرداً ويأتون به إليهم.

وفعلاً تم خطف جندي من جنود المسلمين وجاؤوا به إلي خيمة القيادة، ولما أراد المسلم الجلوس، جمع ما تحته من الفراش وجلس علي الأرض، فأثار ضحك واستهزاء الجميع.

ثم إنهم قالوا له: كان عندنا سؤال أردنا أن نسألك به، والآن صار السؤال سؤالين؟

قال المسلم: وما هما؟.

قالوا: أما السؤال الأول فهو: لماذا جمعت الفراش من تحتك وجلست علي الأرض؟.

السؤال الثاني: كيف استطعتم أنتم معاشر المسلمين أنْ تحققوا النصر علينا مع قلة عددكم وعُدتكم؟.

أجاب المسلم: أما الجواب عن السؤال الأول فهو، إننا نعمل بتوصيات نبينا صلي الله عليه و اله بأنْ نساوي بين أنفسنا وبين الآخرين سواء في الحضر أم في المغيب، وإخواني المسلمون في جبهات القتال لا فراش لهم، فكلهم عندما يجلسون، يجلسون علي الأرض، وكان حرياً بي أن أتأسي بهم، وأشاركهم

هذا الأمر، بأنْ أمتنع عن الجلوس علي الفراش.

أما الجواب علي السؤال الثاني: نحن وحدة واحدة ليس بيننا من يشعر أنّه فوق الآخرين، ولذا إذا أجار جيش العدو أحدنا كأنما أجاره القائد،.وبهذه الروح تتقوي عزائمنا وتتضاعف إرادتنا وتشتد سواعدنا علي القتال فنغلب الأعداء.

قالوا: وهل بإمكانك أنت أن تجير جيشنا؟

قال: نعم.

قالوا: فأجر حتي نشاهد صدقك عن كذبك؟.

قال: لا بأس، ثم أخذوه إلي ساحة المعركة فصاح في المسلمين: أيها المسلمون، إني قد أجرت جيش الفرس يوماً وليلة، فقبل قادة الجيش الإسلامي إجارته لهذا الجيش، وكفوا عن القتال في المدة المقررة.

وهنا أخذ القادة من الجيش الفارسي ينظر بعضهم إلي بعض، ثم يشيرون إلي حقيقة لم يكن باستطاعتهم طمسها هي أنّ وحدة المسلمين المتماسكة والصادقة، هي السبب في تقدمهم وانتصارهم.

الهيئات نواة الوحدة

تقدّم الكلام في السابق أنّ توحيد الصف يحتاج إلي الوعي الكامل وإلي انخراط المسلمين ومشاركتهم في هيئات وانتظامهم في منظمات عامة في الحقول المتنوعة، كحقول تتعلق بأمر الدين وأمر الدنيا، ثم وجود تناسق وتناغم مشترك بين هذه الهيئات والمنظمات بحيث تشكل بمجموعها نسيجاً واحداً متكاملاً، كنسيج الجيش الواحد الذي يتكون من رتل مدرعات ورتل طيارين ورتل مظليين ورتل مشاة وهكذا.

وممّا هو جديرٌ بالملاحظة أن أسوأ ما تُمني به الهيئات العاملة هو سوء ظن بعضها بالبعض الآخر، وكيل التُّهم جزافاً، ثم المقاطعة ثم عمليات التخريب، مما يصرف كل الطاقات أو أغلبها في الهدم عوضاً عن البناء، ولذا يصبح ضرر هذه الهيئات في مثل هذه الحالة أكثر من نفعها في بعض الأحيان.

لنفترض أنّ هناك في بلدٍ إسلامي جمعية عاملة ومجلة ومدرسة ومكتبة ونادياً، فالجمعية تقوم بتوجيه اتهام الجمود إلي أصحاب المجلة، وأعضاء المجلة يتهمون طلاب المدرسة وأساتذتها بالعجز عن أداء الخدمة الإعلامية

المطلوبة، وطلاب المدرسة يتهمون أعضاء المكتبة باستغلال المكتبة لأغراضهم الشخصية، وأعضاء المكتبة يتهمون المنتسبين إلي النادي بانحرافهم عن الخط الإسلامي، وما ذكرناه من باب المثال، كما هو واضح.

لماذا هذا الاختلاف؟

لماذا هذا التنافر؟ لماذا هذا التراشق بالاتهامات؟

أليس الجميع يعملون لهدف واحد؟

أليس الواحدة من هذه الهيئات تكمِّل الأُخري؟

وهل مساحة العمل باتت ضيقة إلي الحد الذي لا تتسع للآخرين حتي يتكالب كلٌ ضد الآخر، فباستطاعة أصحاب الجمعية أن يفتحوا مدرسة، وأصحاب المدرسة أن يفتحوا مكتبة، وأصحاب النادي أن يفتحوا مدرسة وهكذا، فالبلاد الإسلامية هي من السعة بحيث لو أضفنا جميع هذه الأنشطة لما استطعنا أن نستوعبها بكاملها، فالبلاد الإسلامية بحاجة إلي مئات الألوف من المؤسسات والهيئات وغيرها.

وعندما يدخل أيّ مسافر إلي مدينة ما ويري الأنشطة المكثفة يفرح من قلبه، ويقول: كم هذه المدينة ممتازة وفيها أنشطة كثيرة، لكن ما أن يدخل مدينة أخري خالية من الأنشطة حتي تشمئز نفسه مما يري فيقول: يا ليت بيني وبينها بُعد المشرقين، فالذي يراه هو المهاترات والتخريب وكيل الاتهامات والقطيعة.

سألتُ أحد العلماء وقد زار مدينة من هذا القبيل، كيف وجدتها؟ قال: وجدتها معملاً للغيبة والتهمة.

أقول: إنّ أية هيئة عاملة إنْ أرادت التقدم السريع واستقطاب أنظار الناس فليس عليها إلاّ أن تشتغل بعيوب نفسها عن عيوب الآخرين سواء كانت هذه العيوب عيوباً حقيقية أو عيوباً وهمية، فإنّ من عادة الناس تعظيم العامل الصامت واحتقار العامل المهاجم، مهما كان له من مبررات التهجم.

إنّ الهيئة إذا لم تتمكن من قطع الطريق أمام المهاترات لا تستطيع العمل بصورة دؤوبة، وهنا تتحقق نصف المهمة وهي إيقاف نصف الحملات؛ لأنّ كل هيئة إذا امتنعت عن المهاترات معناه: زوال نصف هذه المهاترات، ويبقي النصف الآخر من مسؤولية الطرف الآخر.

حكمة بهلول

يُقال في التاريخ: إنّ كفَّاً خرجت من دجلة في زمن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام حيث كان سجيناً ببغداد، وقد تفرّجت أصابع الكف، وتحيّر الناس في أمرها لمن هي؟ وما المقصود منها؟ وخافوا أن يذهبوا قريباً منها وازدحم الناس حول النهر ينظرون إليها باندهاش كبير، وأُخبرت السلطة العباسية بذلك، فأرسلت من يذهب إلي الماء ليجد أصل الكف؟ لكنهم فوجئوا بأنّ الكف متصلة بذراع كأنها حديد لا تتحرك ولا تتزحزح، قال البعض: إنّ ذلك من الغيب، وقال آخرون: إنّه سحرٌ، وفسّر كل واحد منهم تفسيراً.

وبينما هم في اختلاف واضطراب، مرّ بهلول() فوقف قبال الكف ورفع يده وقد قبض أصابعها إلاّ إصبعي السبابة والوسطي، وإذا بالكف الخارجة من دجلة تغوصُ في الماء وتغيب، فتعجب الناس من هذا الحادث وسألوا بهلولاً عن السبب؟.

قال: إنّ الكف كانت تشير إلي أنه لو اتحدّ خمسة تمكنوا من التقدم، لكني أشرت اليها بأنه لو اتحد إثنان تمكَّنا من التقدم، ولما رأت الكف صدقي غابت بعد أن وصلت إلي مرادها من توعية الناس إلي طريق التقدم.

فهل هذا صحيح؟ نعم مائة في المائة، ولكن بشرطها وشروطها.

من المعروف أنّ كفاً واحدة لا تُحدث صوتاً إلاّ إذا انضمت إليها أكفٌ أخري، وهذا غير صحيح.

جرّب: اضرب يدك علي الحائط أو أي جسم صلب ثم انتظر هل تُحدث اليد الواحدة صوتاً؟ أليس أول كل حركة فكرة إنسان ثم إنسان ثان ثم ثالث، وهلمّ جرّا.

الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله كم فرداً كان أول ما نزل عليه الوحي؟ وكم فرداً كان السيد المسيح عليه السلام، وكم فرداً كان موسي عليه السلام،وكم فرداً كان غاندي()؟.

فكل الأديان والمذاهب والتيارات، حقاً كانت أو باطلاً، ابتدأت بفرد، أما شرطها وشروطها، فالشرط

الأساسي هو الاستقامة، والشروط هي: الحزم والصبر ومعرفة الظروف والاستفادة من الفُرص.

ولعلّ الكفّ التي ظهرت في نهر دجلة إن كان الأمر واقعاً كانت تُشير إلي إمكان التخلص من هارون وظلمه بالاتحاد أو كانت تشير إلي إمكان خلاص الإمام عليه السلام من السجن بالاتحاد، وسواء أكان هذا أم ذاك فلم يعمل المسلمون للتخلص من هارون وعصره المُظلم الأسود.

ولم يُقدم الشيعة علي تخليص الإمام عليه السلام من السجن فذاقت كلتا الطائفتين وبال عدم عملهما.

ربَّ مشهور لا أساس له

اشتُهر عند جماعة من المغفلين تسمية عصر هارون العباسي() بالعصر الذهبي، لنري هل صحيح هذا أم مغالطة؟ أم أنّ ذلك من قبيل قلب المفاهيم كما يُسمي الأسود أبيض والأعمي بصيراً؟.

إنّه يكفي للدلالة علي ظلم هارون أن نعرف أنه أقام حكومته علي أجساد العلويين، وكان يقتل في كل ليلة ستين علوياً بين شيخ وشابٍ ويلقي بجثثهم في البئر()، لا لظُلم اقترفوه إلاّ لأنّهم قالوا له: قف عند حدّك ولا تتخذ مال الله دولاً وعباده خولاً، ويكفي قتله للإمام موسي بن جعفر عليه السلام بعد أن سجنه وقد أطال سجنه لا لجرم ارتكبه، إلاّ لأنه عالمٌ عابدٌ مصلٍ صائمٌ يهدي إلي الحق، ويرشد إلي الصواب..

وفي دولة هارون كان الفجور والخمور والخلاعة المنتشرة في البلاط العباسي، وكان هارون أول من يعقر كاسات الخمر مع ندمائه من أمثال أبي نُواس()، ولا مكان للأخيار في حكم هارون العباسي، ثم ماذا كانت حصيلة ذلك المُلك العريض الذي يُقال عنه إنه كان يقول للسحابة: «أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك» ().

فهل كان في عهد هارون اختراعٌ علمي بالمستوي المطلوب؟.

أم تقدمٌ فكري؟.

أم تقدّم حضاري؟.

هل تم اكتشافٌ علمي في عهد هارون العباسي بالمستوي المطلوب؟.

إنّ من المخجل حقاً أنْ يُسمّي عهد هارون بالعصر الذهبي

وهو الذي يسهر الليالي مع الغلمان والجواري، يعقر الخمور ويرتكب الفجور، لقد فاتت هارون الفرصة الذهبية. فكان باستطاعته أن يجهِّز الجيوش لنشر دين الله الحنيف، وكان بمقدوره أن ينشر الفضيلة والتقوي، وكان باستطاعته أن يفتح في كل قرية مدرسة لكثرة العلماء ولوفرة الأموال، فماذا فعل هارون حتي يستحق هذا اللقب؟.

هل ترك شيئاً يستحق الذكر والتفاخر؟!، فهؤلاء البابليون والكلدانيون والفينيقيون والسومريون والآشوريون والفراعنة والساسانيون وغيرهم وغيرهم ذهبوا وتركوا لنا آثاراً تدل علي حضارتهم وتقدمهم.

أما هارون فماذا ترك لنا وذهب؟.

أجل ترك لنا قصائد المجون التي كانت تُتلا في مجالسه.

ترك لنا حفلات الرقص والغناء والزنا وصنع المخنثين وشرب الخمور ولعب القمار.

ترك لنا كبت الحريات وخنق الأنفاس وإشاعة الفوضي وقتل الأبرياء.

لقد بيّض هارون العباسي وجه جنكيز خان()..

ونيرون()، وهتلر()، وموسوليني()، وستالين() وأضرابهم.

إن من المخجل حقاً أن يأتي أديسون() بموارده المحدودة بثلاث آلاف اختراع، أحدها الكهرباء ويؤتي بمُلك هارون الواسع والعريض ببضع ترجمات لبعض الكتب وساعة إن صحت هذه المقولة، فعلي أي منطق يُسمي هذا العصر بالعصر الذهبي؟!

إقصاء العلماء عن الحياة

برع الغربيون وعملاؤهم في العراق في ابتكار آخر الأساليب والطرق التي تكفل لهم إزاحة علماء الدين والمتدينين عن مراكز الحكم، مستخدمين شتي الحيل في ذلك، مثل: أسلوب الاتهام وأسلوب التجميد وأسلوب القتل والتشريد وأسلوب الإغراء.

فقد كان العلماء مُتّهمين بمختلف التّهم المزعومة، اتُهموا بالتجسس والعمالة كما كان يحدث في زمن الملكيين والجمهوريين في العراق، وكان الإنجليز إذا أرادوا تحطيم سمعة عالم من العلماء، اتهموه بالعمالة لهم.

واستخدموا أساليب التجميد، فقد رأيتُ شخصاً كبيراً، التفّ حوله جماعة من المرتزقة، وأدخلوا في روعه أنهم ثقات، ثم جمّدوه عن التحرك بوحي من عملاء المستعمرين.

وأما أسلوب القتل والتشريد، فالجميع يعلمون، كم قتلوا، وكم شردوا من رجال العلم ومن المتدينين؟.

وأما

أسلوب الإغراء؛ فأتذكر أن السلطات كانت تمدح كل رجل دين لايأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر ولا يتدخل في الأمور الاجتماعية، وكان الرؤساء والمسؤولون يزورون كل من هو علي هذه الشاكلة، بينما كانت الحكومة تهمل زيارة العالم النشط وتذمُّه قائلةً له: ما له والتدخل في الشؤون السياسية؟! فالواجب عليه أن يصلّي جماعة وأن يستخير ويُجيب عن الأسئلة الفقهية فقط.

وفي نظر السلطة أن واجب الخطيب هو وعظ الناس وإرشادهم فقط وتعليمهم الصلاة والصيام ثم ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام.

وأخذت هذه الفكرة، تنتشر في المجتمع، فالناس علي دين ملوكهم، وهكذا حتي وصلت الحالة إلي أن (ذكر المقارنة بين الدجاجة المحلية والدجاجة الأمريكية) صار سياسة. وأن التكلُّم حول تحريف اليهود للقرآن، صار سياسة، وهي أمور محظورة!.

وقامت السلطات باعتقال أحد الكتّاب؛ لأنه كتب كتاباً حول تحريف اليهود للقرآن الكريم()!.

الاستعمار ورجال الدين

ومن باب الطريفة: أنّ خطيباً صعد المنبر وقال: أيها الناس، إن الإمام الحسين عليه السلام، أصابه الزكام في المدينة المنورة في يوم من الأيام، ثم اشتدّ مرضه، ولم ينفعهُ معالجة الأطباء حتي ابتلي بمرض ذات الرئة، وتوفي هناك!، ثم شيع جثمانه تشيعاً لائقاً به وصلي عليه ولده الإمام السجاد عليه السلام، وأودع في البقيع علي رسم الأمانة، ثم نقُل جثمانه الطاهر إلي كربلاء المقدسة!.

ثم نزل الخطيب من المنبر بعد أن أدّي مراسم الدعاء، فضج الناس لكلامه هذا، مستنكرين هذا التحريف، وانتشر خبر الخطيب في الأرجاء، فاستدعي من قبل السلطة؛ يسألونه عن كلامه هذا وما مغزاه، وأرادوا إدانته؛ لأنه تسبب في البلبلة.

قال لهم الخطيب: إنكم تمنعون الخطباء من التكلم في هذا الموضوع، فإذا قلتُ: يزيد بن معاوية الخمار، أو يزيد المستبد، أو يزيد اللاعب بالكلاب قتل الحسين عليه السلام العابد،

الزاهد، المصلّي، الصائم، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، والمجاهد في سبيل الله، قلتم: لِمَ ذَكَرت الخمر، وذكرت الاستبداد، وذكرت لعب الكلاب، وذكرت الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكرت الجهاد؟! وإذا لم أذكر هذا وذاك، فعلموني كيف أذكر مصاب الإمام الحسين عليه السلام، وماذا أقول فوق منبري؟ وهل تأمرون بأن أترك المنبر وأصبح بقالاً؟!

هكذا استطاع المستعمرون وأذنابهم، أن يصادروا الوعي من عند المسلمين، وتبعاً لانعدام الوعي أصبح المسلم يظنّ أنه غير مسؤول، ولذا أخذ كلٌّ جانباً، وتجنّب العمل، خصوصاً العمل الاجتماعي الذي هو المقصود في ما نحن فيه، وإذا أراد الإنسان العمل، نصحه أصدقاؤه بترك العمل؛ خوفاً من المشاكل، وحتي إذا تبني العمل، فإنما يتبناه إذا كان عملاً سطحياً، ويتجنب الأعمال التي فيها عمق.

إنِّي رأيتُ أشخاصاً، يتجنّبون التفاف الشباب حولهم خوفاً من أن يُقال لهم: إنّه (حزبي)، كما رأيت شباباً يتجنّبون العمل خوفاً من التهمة نفسها، كما رأيت أناساً يتجنبون التكلُّم حول الاقتصاد،والحريات الإسلامية،وحقوق العامل والفلاح؛ خوفاً من أن ينسب إليهم التبعية للرأسمالية أو الشيوعية.

إنَّ عملية الإنقاذ بحاجة ماسَّة إلي العمل، والعمل لا يثمر إلاّ عندما يصبح عملاً جمعياً، فالعمل الفردي فوائده قليلة جداً ف يد الله مع الجماعة ()، والعمل الجمعي لا يكون إلاّ بالوعي، والوعي له مقومات من أهمها: الرؤية الثاقبة، والممارسة الصحيحة. فبدون الرؤية، لايتحقق الوعي، كما وأنه بدون الممارسة لا تكمل الرؤية، قال الله تعالي: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا () فالهداية الكاملة إنما تكون بممارسة الجهاد.

إنَّ مَثل الهداية مثل الاكتشاف، فكل اكتشاف يفتح للإنسان الباب لاكتشافٍ آخر مكمّل للاكتشاف الأول. كذلك الجهاد، وهو من ثمرات الهداية البدائية فهو سببٌ للهداية الكاملة، ولذلك قال سبحانه: سُبُلَنَا بلفظ الجمع لا بلفظ المفرد.

وكيف كان،

فاللازم علي المتدينين أن يزدادوا وعياً، وأن يعودوا بقوة إلي مزاولة الحياة، سياسياً، واقتصادياً، وغير ذلك من سائر الحقول، وإلاّ فمادام المتدينون منسحبين عن الحياة لا يتمكنون من إقامة كلمة الله وحكم الله في الأرض، فالكلمة والحُكم لمن سيطر، محقَّاً كان أم علي باطل.

من مقومات الحركة

من أهم مقومات أية حركة هم الجماهير، فمن فقد الجماهير؛ لا يتمكن من الحركة، ومن وحّد الجماهير، تمكّن من الحركة، والجماهير كانوا ولا يزالون علي نمط واحد، فبمقدار ما تتمكن الحركة من كسب الجماهير، تتمكن من الوصول إلي أهدافها، وإلاّ فهي لا تقدر علي شيء.

إنَّ العالِم الديني الذي لا جماهير له، لا مقلِّدين له أيضاً، والخطيب الذي لا جماهير له، لا يُسمّي خطيباً، والمؤلف الذي لا جماهير له، لا قيمة لكتبه، والإمام الذي لا جماهير له، لا يتمكن من إقامة صلاة الجماعة، وحتي الحاكم الذي لا جماهير له يسقط بصورة طبيعية، أو يُسقطونه بالقوة، لذا فإنّ من أراد العمل، أول ما عليه هو الحفاظ علي الجماهير بكل ثمن، والإنسان إذا لاحظ المصلحين والمراجع الكبار، رأي أهم ميزة فيهم أنَّهم يلاحظون الجماهير، حتي قال رسول الإسلام صلي الله عليه و اله: (إنه ما من مرة نزل عليّ جبرائيل إلاّ وأمرني بمداراة الناس)().

فمن تبجّح بأنه صريح، وأنّهُ لا يعرف المداراة، يجب عليه أن يعيد النظر في تعامله، فالمداراة هي أساس النجاح في العمل، مثلاً الخطيب الصريح الذي يستمع إلي مواعظه ألف إنسان؛ يجب أن يعلم أنه إذا كان مُدارياً، كان سامعوه خمسة آلاف.

كما وأن توحيد الفئات، ورصَّ الصفوف بحاجة إلي المداراة، والمداراة لا تعني ألاَّ يكون الإنسان صريحاً بل يجب أن يكون صريحاً بتعقل وحكمة. وهذا معني المداراة().

مداراة المجدّد الشيرازي

يُنقل عن المجدد الشيرازي رحمة الله عليه أنّهُ وكَّل عالماً علي بلدة، وبعد مدة قصيرة تصرَّف ذلك العالم ببعض التصرفات غير اللائقة، وجاء بعض الثقات إلي المجدد، وأخبروه بتصرف ذلك العالم المشين، وطلبوا منه عزله، لكن المجدد لم يعزلْه. وتكرّر الأمر في المرة الثانية والثالثة، وفي كلِّ مرَّةٍ، كانوا

يراجعون المجدد، و المجدد لا يحرك ساكناً حتي طار صوابهم، فقالوا للمجدد بعد نفاذ صبرهم: هل أنتم في شك من كلامنا؟!.

قال المجدد: كلا، فإني أعتقد بما تقولون، ولكني أفكرُ في شيء وهو أنّ هذا العالم، كان له من المنزلة عند الناس مقدار خمسين في المائة مثلاً ووكالتي له زادته خمسين في المائة أخري، فصار اعتباره مائة في المائة، فإذا عزلته أخذتُ منه ما كان له وما زدته أنا، ولا يحقّ لي شرعاً أن آخذ ما كان له، ولذا أفكرُ في طريقة أستطيع بها أن آخذ ما زدته وأبقي ما كان له من الخمسين مثلاً.

أقول: مثل هذا المرجع المداري للناس إلي هذا الحد، يستطيع أن يحقق وحدة الصف، وبالتالي يتمكن ومن خلال الوحدة أن ينسف المستعمر بفتوي واحدة.

جاسوس بزيّ راهب

روي لي أحد الثقات، قال: جاء إلي مدينة كربلاء المقدسة أحد الوزراء في العهد القاجاري()، وكان صديقاً لي، وإنّه حكي لي هذه الحكاية:

قال الوزير: كان في بعض الجبال الموجودة في أطراف طهران راهب مسيحي، يتعبّد لله في صومعته منذ عشرات السنين، وكان بمرأي ومسمع من القوافل الذاهبة والعائدة، وكان الناس معجبين بعبادته وانقطاعه عن الناس.

وفي ذات يوم جاءني إنسان وقال: إنّ الراهب الفلاني يدعوك في يوم كذا في صومعته، قال الوزير: فتعجبتُ وقلتُ في نفسي: ما للراهب ولي؟ ولكني لبّيت دعوته.

وفي اليوم المحدد، ذهبتُ إليه، وإذا بي أري جماعة من الشخصيات أيضاً عنده مما تبين أنهم كانوا مدعوين، مثلما أنا مدعوٌ، وكل من جاء كان متحيراً من هذه الدعوة غير المرتقبة.

قال: فتكلّم الراهب، وبلغ عمره مائة ونيفاً، حسب ما يظهر من تقاطيع وجهه.

قال: قد انقضي عمري وقرب موتي، ولا أظن أنّه بقي من عمري إلاّ أيامٌ معدودات، وأني

دعوتكم لأمرين:

الأمر الأول: أن أظهر الإسلام أمامكم؛ لتشهدوا لي يوم القيامة عند رسول الله صلي الله عليه و اله بإسلامي، فإذا متُّ جهّزوا جنازتي حسب المراسيم الإسلامية، فإني بمطالعاتي اقتنعتُ أنَّ الإسلام علي حقٍّ، وأنَّ المسيحية منسوخة.

الأمر الثاني: أُريد أن أُبيّن لكم حقيقة مهمة، وهي:

أني ومنذ شبابي أسكن هذا الجبل وفي هذه الصومعة، وفي الظاهر أنا راهب، ولكن في الباطن كنتُ جاسوساً بريطانياً علي إيران، وكنت مركزاً للأخبار التي أجمعها بواسطة عملائي عن العشائر والبلاد، وكنتُ أراقب تحركات إيران، وأُقدم التقارير حول هذا الأمر، وقد تبتُ إلي الله عزوجل، بعدما عرفت أحقِّيَّة الإسلام عن سالف أعمالي وإني أعلمكم أن هناك من أمثالي الكثير في البلاد الإسلامية وهم جواسيس متلبسون بلباس الرهبانية أو الأطباء أو ما أشبه ذلك، وأعمالنا الرئيسية هي الاستطلاع وإيجاد

الفرقة والاختلاف بوسائلنا الخاصة،فلا تعتمدوا بعد ذلك علي مظهرنا الخارجي.

قال الوزير:

إن الرجل قال كلامه هذا وقد تعجب الجميع من ذلك، وكان عجبهم من الأمر الثاني أكثر من عجبهم من الأمر الأول؛ إذ ليس هناك من يستطيع أن يستوعب أن مثل هذا الراهب المنقطع في هذا الجبل لعشرات السنين، يصبح جاسوساً بهذا الزّي.

قال الوزير:

ولم تمض بعد ذلك إلاّ مدّة قليلة حتي أُخبرنا بأنَّه قد مات، وعمل بحسب وصيته من تجهيزه ودفنه في مقابر المسلمين().

أقول: المشكلة ليست في بعث الجواسيس إلي بلادنا، المشكلة تكمن في ضعف الجسد الإسلامي وتمكن الجواسيس من اللعب بمقدرات المسلمين، فالميكروب موجودٌ في الهواء دائماً لكن لا يصيب إلاّ الإنسان الضعيف قليل المناعة، أما قويّ المناعة فلا يُصاب بالميكروب أبداً.

فالحكومة العثمانية() والحكومة القاجارية، لم تكونا بالمستوي المطلوب، ولم تكونا بالدرجة المثلي، فبينما كان الغرب يتقدم أشواطاً إلي الأمام، كانت الحكومتان ترقدان في

نومٍ عميقٍ، وكانتا تكرران عبارة (الإسلام يعلو ولا يعلي عليه)()، وكان حكامهما يعتقدون أنّ هذه العبارة كافية لصنع التفوّق، ناسين أو متناسين الآية الكريمة: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (). والآية الكريمة ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (). والحديث الوارد عن أبي عبد الله عليه السلام: (أبي الله أن تجري الأشياء إلاّ علي الأسباب)().

لقد ولّي ذلك العهد، ولم يعد للحكومة القاجارية، ولا للحكومة العثمانية وجودٌ بيننا.

وهلُمّ إلي واقعنا اليوم:

فهل حكوماتنا اليوم بالمستوي اللائق؟

وهل شعوبنا حسب الوصف المطلوب؟

ذلك سؤالٌ يُجيب عليه منطق تأخر المسلمين القاتل. ومنطق تفوُّق الغرب والشرق الساحق.

فمن غير المشكوك إخلاص بعض الجماعات في الشعوب، ولكن هل الإخلاص وحده ينفعنا؟، إنَّه ما لم نأخذ نحن المسلمين بكل أسباب الدنيا، بالإضافة إلي الأخذ بأسباب الدين، لا يمكن أن نتفوق مطلقاً، فإذا أخذنا بالدنيا وحدها، وعلي فرض تمكننا الكبير في مجال الدُنيا وإحاطتنا الكاملة بها، إلاّ أننا سنكون حينذاك مساوين لغيرنا في هذا المجال، أما إذا أخذ بالدنيا وبالدين معاً فسنتفوّق علي الآخرين، ولَتقدمنا علي الآخرين؛ لأن ما عندنا ونحن متحدّون أكثر مما لدي الآخرين.

فلو جمعنا الموارد في بلادنا الإسلامية لكانت أكبر من موارد الولايات المتحدة وأكبر من موارد أية دولة عظمي أخري.

ومعني ذلك سيكون عالمنا الإسلامي هو القوة العظمي لكن هذا لا يتحقق إلاّ من خلال الدين.

فالدين وحده يوحدنا ويرتب صفوفنا.

أمّا إذا تخلينا عن الدين، فسنبقي متفرِّقين متمزّقين، والتمزّق لا يأتي إلاّ بالتراجع إلي الخلف، بالإضافة إلي أنّ البعثرة والتشتت ستزيدنا ضعفاً علي ضعفنا؛ لأن الواحد منَّا سيُحارب الآخر، وهذه هي النتيجة الحاسمة لكل بعثرة وتشتّت.

تطويق الخلافة العثمانية

لقد اشتركت الحكومات الغربية بأجمعها في تمزيق الخلافة العثمانية، وبالأخص دولة بريطانيا()، ومن شاء المزيد من المعلومات في هذا المجال

عليه بكتاب (أعمدة الحكمة السبعة) للورنس العرب، وسيجد أن الدور الذي كان يقوم به لورنس هو توجيه فيصل بن الحسين توجيهاً مباشراً()، وفيصل يومذاك كان من أبرز القادة العرب الذين قاموا بالثورة ضد العثمانيين.

إنّ فيصلاً وأمثاله، كانوا يعملون من الداخل، أمَّا الإنجليز والفرنسيون والروس، فكانوا يعملون من الخارج، حتي تمكنوا من هدم الإمبراطورية الواسعة الأرجاء().

وممّا يذكره لورنس: لمّا دخل فيصل سوريا فاتحاً، ضرب موعداً بينه وبين (الجنرال أللنبي)()، ذهب فيصل إلي (أللنبي) برفقة لورنس().

فكان ممّا قاله لورنس عند لقاء الطرفين: (لقد قُدتُ الهلال إلي الصليب بعد حرب دامت ألف سنة)().

والإشارة إلي الحروب الصليبية التي فتكت بالأمة الإسلامية، والتي انتهت إلي انتصار الصليب علي الهلال، ذلك الانتصار الساحق؛ وأي انتصارٍ كان أعظم من انتصار الكفار علي المسلمين، انتصاراً فكرياً وعملياً، ذلك الانتصار الذي هدَّم دنياهم، وجعلهم يتركون دينهم، وهذا ما يُعبَّر عنه بالاستعمار الفكري. وتتكرر المأساة اليوم مرّةً أخري ومرّةً ثانية وثالثة.

فالمسلمون؛ تراهم اليوم أكثر سرعة من الغرب في تمزيق الإسلام، فهل كانوا مجبرين علي وضع القوانين المخالفة للإسلام؟!

وهل كانوا مجبرين علي إباحة الخمور وبيعها بصورة علنية في أسواق المسلمين؟!

وهل كانوا مجبرين علي إباحة الربا في البنوك؟!

وهل كانوا مجبرين علي أن يميز الواحد منهم الآخر، هذا كردي، وهذا عربي، وهذا تركي، وهذا فارسي؟!

لقد اتجهت حكوماتنا الإسلامية إلي الأمور الجزئية، وتركت الأمور الرئيسية، اتجهت الحكومة العثمانية إلي سياسة التتريك بدلاً من سياسة نشر الوعي الديني.

وأخذ الولاة المسلمون، يحتقرون المسلمين من غير الترك، كما أخذوا يُضيِّقون الخناق علي الشيعة في العراق() وغير العراق، ولذا وجدنا الجميع، قد ثاروا ضد الخلافة العثمانية؛ لأنَّها كانت حجر عثرة أمام تقدّم المسلمين في عصر كانت فيه كل الشعوب تتسابق نحو التقدم.

وبسبب هذه

السياسة الهوجاء، قامت الشعوب بالثورة علي الخلافة العثمانية، وقد تصدّي العثمانيون للثوّار بشكلٍ قاسٍ فنصبوا المشانق، وساقوا الناس إليها.

فكل من اطّلع علي حياة «بالدز» في تركيا، ومجازر جمال باشا السفاح في لبنان وسوريا، ومجازر حمزة بك في العراق، يدرك حجم ذلك؛حيث إنهم قتلوا ونكّلوا وعذّبوا الأبرياء وسجنوا الصالحين وصادروا أموال الناس.

وكان الأمر يزداد سوءاً علي سوء، وقد اغتنم الغرب والشرق تلك الفُرصة الذهبية للانقضاض علي الخلافة العثمانية، وتمكّن الغربيون من تحطيم هذا الكيان خلال بضع سنوات بينما استغرق بناؤه أكثر من خمسة قرون.

ويعود السبب في ذلك إلي التفرقة، وصدق الله سبحانه وتعالي حيث يقول: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ () و وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ().

كانت سوريا الكبري جزءاً من الخلافة العثمانية، وكانت تضم كلاً من لبنان وفلسطين والإسكندرونة وسوريا والأردن، فكل هذه الدول كانت تشكل بلداً واحداً، ولمّا جاء المستعمرون في الحرب العالمية الأولي()، قسّموا هذه البلاد، فأعطوا لبنان للمسيحيين، وفلسطين لليهود، والإسكندرونة للأتراك، وجعلوا سوريا والأردن دولتين مستقلتين، ولكل دولة حُماة، وقادة، ودُعاة، وعندما أعلنت عصبة الأمم() عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، تشكل وفدٌ من هذه البلاد وذهب إلي عصبة الأمم لتقرير مصير شعوبها وإرجاع بلادها واحدة كما كانت.

ألف سنة لتفريق المسلمين

وكان من جملة الوفد شخصٌ مسيحي اسمه بطرس، يقول هذا الرجل: (فجئنا، وذهبنا، ولقينا من لقينا، وتكلّمنا. ولكن كانت النتيجة التسويف، والمماطلة، والوعود، والكلام المعسول) كما هو الحال الآن حول فلسطين.

قال بطرس: وفي ذات يوم، استدعاني أحد زعماء الغرب، والذي بيده زمام الأمور، وقال لي بالحرف الواحد: (عزيزي بطرس، أنت لماذا؟ قلت: ولِمَ؟، قال: إنّا تعبنا ألف سنة منذ الحروب الصليبية كي نفرِّق هؤلاء المسلمين()، والآن تمكَّنا من ذلك، فالمسلمون إذا كانوا

يطلبون الوحدة، كان لهم الحق في ذلك، أما أنت المسيحي، لماذا جئت معهم()؟!

أغرقوهم بالفرقة

قال أحد الزعماء الصليبيين لأعوانه بالنسبة للمسلمين: «أغرقوهم بالفُرقة»، وكان الأمر كما قال؛ حيث انتشرت التفرقة في بلاد المسلمين بكافة صنوفها وأشكالها:

1: التفرقة في العنصرية.

2: التفرقة في الإقليمية.

3: التفرقة في لون البشرة.

4: التفرقة في القُطر.

5: التفرقة في البلد.

6: التفرقة بين المالك والفلاح والعامل.

7: التفرقة بين السياسة والدين.

8: التفرقة بين الأقوام والأعراق.

9: التفرقة بين أبناء المحلة وأبناء المحلة الأخري.

10: التفرقة بين الحكومة والشعب.

11: التفرقة بين هذه الفئة وتلك، وبين هذا الحزب وذاك.

شعار عدم التفرقة

من يريد العمل من أجل إنقاذ بلاد المسلمين من براثن الغرب، عليه أولاً وقبل كل شيءٍ أن يرفع شعار (عدم التفرقة)، فإنَّ رسول الله صلي الله عليه و اله انتصر عندما رفع هذا الشعار وطبّقه علي واقعه، فقد جمع بين بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وأبي ذر العربي، فلا فرق في الإسلام بين اللون والجنس واللغة.

كما كان المدني، والمكي، واليمني، والبحراني بمنزلة واحدة، وهكذا كانت جميع الشعوب والطوائف منصهرة في بوتقة واحدة تحت لواء الناس سواسية ()، و إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ().

ولو كان رسول الله صلي الله عليه و اله يفعل ما يفعله المسلمون اليوم، لما كان قد بقي من الإسلام شيءٌ، ولم يحقق الانتصار الكبير علي دول الشرق والغرب، لقد أصبح حالنا ونحن نختلف لأبسط الأمور، نختلف حول هلال شهر رمضان، وهلال شهر شوال، وهلال شهر ذي الحجة، مع أن الشهر يثبت برؤية الهلال؟ وطالما للرؤية ميزان ومعيار، فلماذا هذا الاختلاف؟!.

إنّ منشأ جميع هذه الاختلافات غالباً هو الهوي().

قلت: (غالباً)، لأنه نادراً ما يكون الاختلاف حسب الاجتهاد.

ثم إنّ ثقة الشهود لا تعتبر عند بعض طوائف المسلمين، بالإضافة إلي ذلك يمنحون جائزة لمن رأي الهلال، وماذا ستكون النتيجة؟ طبعاً عيداً سعيداً في

كل عيد، عيداً بلا اختلاف، وصوماً بلا اختلاف.

عدم رعاية الموازين

ذات مرّة حكم القاضي بهلال شهر شوال، ولما استفسر عن الشهود، قيل: إنّ شاهداً واحداً شهد الهلال، فذهب جمعٌ إلي ذلك الشاهد وسألوه: هل أنت رأيت الهلال؟، قال: نعم.

فأقسموا عليه بدينه ومذهبه إن هو شاهد الهلال.

قال: لم أر الهلال؟.

فقالوا له: ولِمَ قلت ذلك؟.

قال: رأيت أنّ أمة محمد قد هلكت من الصوم، فقلت: أفرّج عنهم قليلاً.

إن مثل هذا الرجل مثل ذلك الجاهل الذي سرق خبزاً ورماناً، ثم تصدق بهما، ولما سئُل عن ذلك؟ قال: السرقة سيئة واحدة، والتصدّق بعشر حسنات، وإذا طرحنا السيئة الواحدة عنها، بقيت لي تسع حسنات.

إنَّ الاختلاف حول الهلال، ينشأ غالباً من عدم الخوف من الله عزوجل، ومن عدم رعاية الموازين الإسلامية في الشهادة.

إني لا أقول بتوحيد بلاد المسلمين في أول الشهر، فإنَّ استظهاري الفقهي علي خلاف ذلك، كما ذكرناه في الفقه()، فحال الصيام حال الصلاة في اختلاف الأفق، وإنّما أقول: لماذا الاختلاف في قطرٍ واحدٍ وبلدٍ واحدٍ؟

أليس هذا الأمر يُوجب الأسف الشديد، وكثيراً ما يصبح النزاع علي شيءٍ وهمي.

لك وحدك الربح

ومن الحكايات التي مرّت علينا في حياتنا، ذات مرّة كنا مُسافرين من بلدٍ إلي بلدٍ آخر وكان للسيارة دلاّلان، قد جمعا أجرة الركاب، وكل واحد منهما توهّم أن الآخر هو الذي فاز بحصة الأسد ثمناً للدلالة، فتنازعا داخل السيارة ونحن سائرون حتي وصل الأمر إلي الضرب، وتوسط الركاب بينهما، وأقنعوهم بالحل الوسط، وهو أن ننزل في أول محل استراحة، ويكون الربح بينهما بالتناصف، قبل كل واحدٍ من الدلالين هذا الحل علي مضض، ونزلنا في أول موقف لحل المشكلة، وبعد أنْ أجرينا الحساب تبيّن أن الربح لا يزيد عن أربعة فلوس عراقية فقط، وكانت الأجرة المقررة لكل راكب في ذلك الوقت في العهد الملكي

هي عشرون فلساً.

أُغرق الجميع في الضحك لهذه النتيجة، أما الدّلالان وبعد أن شرب كل واحد منها جرعة كبيرة من الخجل، قال للآخر: لك وحدك الربح، أنا لا أريده.

سوء الظن بالآخرين

ويذكر في التاريخ أنّ فقيرين أحدهما أعمي والآخر بصير،كانا يستعطيان، فقدّم لهم أحد الخيّرين سلَّة من العنب، فأخذ الأعمي يأكل حبّة حبّة، ثم أخذ يُسرع في التهام السلّة حبتّين حبّتين، ثم أخذ يلتهم العنقود مرّة واحدة، ثم أخذ السلّة بعده وقال لزميله: ما لك قد أكلت كلّ العنب، وقد حرمتني منه؟ والحال أن صديقه المُبصر لم يأكل بعد ولا حبّة واحدة.

أقول: إنّ أغلب المنازعات التي تقع بين الأفراد هي من هذا القبيل، فإمّا أن يكون النزاع علي شيء تافه جداً أو علي لا شيء.

إنّ بعض الظن إثم

شاهدتُ في حياتي الكثير من هذه المنازعات، فذات مرّة حضرت مجلساً لأحد الخطباء، وشاهدت الحاضرين وكأنَّهم لا يعرفون اللغة الفارسية، وكان الخطيب يُلقي خطبته باللغة الفارسية.

وبعد ليلة حضرت مجلس خطيب ثانٍ، وكان الحاضرون كلهم من الشباب، ولا يعرفون إلاّ العربية، والخطيب يُلقي عليهم باللغة العربية.

وبعد انتهائه من الخطاب اشتكي لي الخطيب أن زميله قد سحب أهل مجلسه، فقلت له: من حسن الصدف أني كنت حاضراً مجلس زميلك الليلة البارحة، وكان الأمر خلاف ما تقول، وبعد توضيح من قبلي، قبل هذا الكلام علي مضض.

الخبر الكاذب

وهنا تذكرت قصة من اصطدمت سيارته، فأشيع أنّه قد مات، وأقام بعض أصدقائه مجلس الفاتحة إلي روحه، وينقل لي القصة نفس الميت المزعوم. وهو حالياً حيّ يُرزق.

قال: دخلتُ مجلس فاتحتي وأنا أعلم لمن الفاتحة، وإذا بالجميع يندهشون، ويتفاجؤون بميتهم يرونه حياً، وأخذ الجميع يسألونني: ألست متّ في حادث السيارة؟

قلتُ: كلا، وإني الآن حيُّ والحمد لله.

قال أحدهم: عجيب، لقد نقل لي شخص أثق به أنك قد متَّ!.

اختلاف في محل اختفائي

لظروف أمنية، اختفيت فترةً من الزمن في عهد الاستبداد البعثي في العراق، الذي جاء بقطار أنجلوأمريكي() وكنت خلال فترة اختفائي علي اتصال دائم بالمجتمع عبر الأقرباء والأصدقاء الخاصّين().

وقد راحت حول اختفائي تسعة أقوال:

قسم قالوا: إنني في كربلاء المقدسة في محلة حي الحسين عليه السلام.

وقسم قالوا: إنني في قرية الجرية القريبة من كربلاء في إحدي البساتين.

وقسم قالوا: إنني في النجف الأشرف.

وقسم قالوا: إنني في بغداد.

وقسم قالوا: إنني في الكاظمية.

وقسم قالوا: إنني في الكويت.

وقسم قالوا: إنني في سوريا.

وقسم قالوا: إنني في لبنان.

وقسم قالوا: إنني في إيران.

وكان بعض الناقلين لهذه الروايات، يقولون: إنهم رأوني في المكان المعين.

وكل هذه الأقوال لا أساس لها من الصحة إطلاقاً،فإني لم أمرّ علي تلك المناطق التي ذكروها حتي مرور الكرام، فكيف البقاء فيها؟!.

التجربة أكبر برهان

إنَّ الأخبار التي تتناقلها الألسن لا تتطابق مع الحقيقة مائة بالمائة، فهناك إضافات علي كل خبر، يضيفها الشخص الناقل، بناءً علي حالته النفسية والاجتماعية، ويمكن أن نجرّب ذلك في أية حادثة تقع، من موتٍ، أو عرس، أو دهسٍ، أو ما شابه ذلك، فلو كان خمسة أشخاص شاهدوا الحادث، لكان لكل واحد من هؤلاء الخمسة رواية خاصة به، تختلف عن رواية الشخص الآخر.

ولو أردت أن تجرِّب هذه القضية بصورة عملية، اهمس في أذن شخص كلاماً معيناً، واطلب منه أن ينقل هذا الكلام همساً في أذن شخص ثانٍ، ثم الثاني ينقل للثالث، ثم الثالث ينقل للرابع، ثم الرابع ينقل للخامس، ثم إسأل الشخص الخامس ماذا وصل إليك عن ذلك. فحتماً سينقل شيئاً غير الذي همست في أذن الأول، إما يُنقِص من الكلام أو يُضيف عليه.

وهذا هو السر وراء هذا الاختلاف الذي نشاهده في أرقام التاريخ وفي حوادث الحياة.

حتي نجد هذا الاختلاف في

تاريخ مواليد ووفيات الأئمّة ?، مما هو ليس محل الكلام الآن.

والمقصود: أنه كثيراً ما يكون سبب النزاع والاختلاف، سوء الظن والأخبار الكاذبة عن عمدٍ أو اشتباه، فاللازم علي الإنسان أن يُحقق ولايبني عمله علي شفا جُرفٍ هارٍ فانهار به في نار الفُرقة والاختلاف، الأمر الذي يحرق أولاً من أساء الظنّ ثم يحرق غيره. قال الله تعالي: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ().

وفي آية أخري: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ().

نازع الأسد دون الهرّة

أحد الحكماء أوصي ولده قائلاً له: لا تُنازع أحداً، وإن نازعت، فاحفظ هذه الحكمة: (لا تُنازع هراً بل نازع الأسد)، معللاً ذلك: أنك إن نازعت الهرة سواء غَلبت أو غُلبت، فأنت مغلوبٌ لا محالة، أما إذا غَلبت قال الناس: ألا يخجل فيُنازع الهرّة؟، وأما إذا غُلبت فأنت مغلوبٌ ومهان.

أمّا إذا نازعت الأسد، فإنك غالبٌ، سواءٌ غَلبت أو غُلبت، قال الناس: إنه عظيم حيث يستعدّ لمنازعة الأسد.

لا طاقة لي بالنزاع

تنازع اثنان في أمرٍ من الأمور، ثم أنهي أحدهما النزاع، بينما كان الآخر يستمر في النزاع، قيل للذي أنهي النزاع: لماذا أنهيت؟

قال: لأني عرفتُ أني لا أطيقُه، فإنّ طاقتي في الخصام نصف طاقته، قلتُ في نفسي: مادام الأمر كذلك لماذا أصرف طاقتي عبثاً.

أقول: إنّ الإنسان يجب أن يتنكب النزاع بكل قواه الضابطة، وإذا اضطر اضطراراً شرعياً، عليه رعاية هذه الأمور المهمة:

1: لا يخرجه سخطه عن طاعة الله سبحانه وتعالي.

2: قيل لأحد المعصومين ?: وما الحيلة؟ قال عليه السلام: (ترك الحيلة)().

3: أن لا ينازع هراً بل يُنازع الأسد، فالذي يُنازع من هو دونه لا فخر له.

4: إذا شاهد أن خصمه أقوي منه في النزاع، فالأفضل أن يُلقي سلاحه.

موازين النزاع

أمّا مقام «الجهاد»، و «مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ومقام «التضحية المشروعة»، فهي نزاعات لها موازينها الخاصة المذكورة في الكتب الفقهية، وليس كلامنا هنا في مثل هذه النزاعات، بل في النزاعات العُرفية المنتشرة في كل مكان وكل زمان.

ويجب علي الإنسان أن يعلم أن لكل قصة زوايا متعددة، فاللازم عليه أن يتجنَّب الزوايا الحادّة، فالزوايا الحادّة تُحرج الإنسان، وقد تكون الزاوية الحادّة في كلمة، وقد تتجلّي في حركة، وقد تظهر في إشارة صغيرة، أو في بسمة عريضة من الشفاه، أو في جواب علي سؤال.

الابتعاد عن المحذور

يُذكر عن المرحوم الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه قائد ثورة العشرين في العراق أنه قلّما كان يُجيب علي سؤال إذا كان يري محذوراً في ذلك، بل كان يري اللازم علي الإنسان العاقل ألاَّ يسأل سؤالاً قد يكون في جوابه المحذور، ولذا قال سبحانه وتعالي: لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ().

ويقول الشاعر الفارسي:

لماذا يفعل العاقل عملاً يُوجب الندم

فقد ندمت زليخا أشدّ الندم علي سجن يوسف().

تحمُّل الآخرين

منذ عهدٍ طويل، كنت عضواً في لجنة تقوم بالإجابة علي الأسئلة التي ترد إلي إحدي المجلاّت، وقد وُجّه إليّ سؤال، وقمتُ بالإجابة عليه، إلاّ أن هذا الجواب لم يُقنع أحد الإخوة الذي لا علاقة له بالمجلّة، فأخذ يهاجم جوابي علي السؤال، ويهاجم المجلّة أيضاً.

أمّا أعضاء اللجنة، فأخذوا يُدافعون عن الإجابة.

لكن ذلك الصديق أصرَّ علي رأيه!.

فقلتُ له: حسناً تفضلوا أنتم، وأجيبوا علي الأسئلة، ونحن نقوم بوضع جوابك محل جوابي في المجلة التي لم تزل في مرحلة الإعداد ولم تُطبع بعد.

أخذ صاحبنا القلم بيده وأخذ يُفكر ملياً ثم قال: أنا الآن مشغول الفكر، ولا أستطيع الإجابة علي السؤال، وهكذا انسحب من الميدان.

لا تخسر أصدقاءك

واتفق مرّة أنْ كان لي صديق، كنت أحافظ علي صداقته رغم رفض الأصدقاء الآخرين له،بل ممارستهم الضغط عليّ بأن أتركه، وبعد مدّة قليلة، حدثت لنا مشكلة، فقلتُ: من يستطيع حلَّها؟

من يتمكن أن يذهب إلي الموظف الحكومي ويطلب منه حل المشكلة؟.

الجميع لم ينبسوا ببنت شفة، فقلت لهم: إنّ صديقنا الذي طلبتم مني تركه، هو القادر علي لعب هذا الدور، وبالفعل أنجز المهمة التي وكلت إليه.

وكان لنا صديق آخر لا يرغب فيه بقيَّة الأصدقاء، وكانوا يتمنَّون أن أتركه أو أطرده أو أبعده عني، وكنت أفعل العكس، وصادف أن جاء أهل قرية في شهر رمضان، وكانوا يريدون خطيباً، فأحجم الجميع عن الذهاب إلاّ هذا الصديق الذي وافق علي المقترح سريعاً، وذهب إلي القرية ونجح فيها.

فقلت لهم: إذا كنّا قد طردناه، ماذا كانت النتيجة!!.

وهناك الكثير من القصص المشابهة التي اتفقت لي، وللقارئ طبعاً قصصاً مشابهة أيضاً، وكلها تُشير إلي حقيقة واحدة هي: أن فائدة توحيد الصف والصبر علي نقاط الضعف، خيرٌ من التفرقة والتشتُّت، والناس الذين لايتحملون المسؤولية، تجذبهم

السلبيات أكثر من الإيجابيات.

أمّا الذين هم أهلٌ للمسؤولية، فهؤلاء إيجابيون دائماً في الحياة، وكان علي أصحاب المسؤولية إقناع من لا مسؤولية عنده أن يتوقف عن ممارسة السلبيّات حتي يعم الخير أرجاء الكون، ويخف وطء الشر والأشرار.

وحدة الوعي

وممّا يوجب توحيد الصف، توحيد الوعي الموجب لتوحيد الاندفاع، فإنّ الوعي كالجوع الذي يجمع الناس حول الخباز في وقت الظهيرة لشراء الخبز بدون مقدمات، وتوحيد الوعي شيءٌ صعب، لذا تضع له الدول ميزانية وموظفين، وتُخطط له تخطيطاً واسعاً.

وتوحيد الوعي الإسلامي في البلاد الإسلامية وغيرها بحاجة إلي مقومات كثيرة، منها: نشر المفاهيم الإسلامية في الأصول والفروع، ومن أساليب نشر المفاهيم أسلوب الكتابة ونشر الكتاب.

وأري أننا بحاجة إلي ما يلي:

1: تحقيق وطباعة الكتب المخطوطة الموجودة في المكتبات والبيوت، فهناك عشرات الألوف من الكتب المخطوطة التي لم تُطبع بعد، وتعتبر هذه المخطوطات تراثاً حضارياً، لابُد من الاهتمام به.

فمثلاً للشيخ عبد الله الأفندي كتاب «العوالم» في مائة مجلد.

وللشيخ الكاظمي كتاب «الهداية» في زهاء مائة مجلد.

وللشيخ البرغاني كتاب في «التفسير» زهاء مائة مجلد، هذا إذا طبعت هذه الكتب علي أسلوب البحار طبعة حديثة، وهكذا وهلُمّ جرّا.

2: طبع الكُتب المطبوعة بإخراج جديد في التبويب والشرح والتعليق، فمثلاً (بحار الأنوار) بحاجة إلي شرح تفصيلي حتي تظهر قيمة الكتاب، فالمجلسي ?، قام بشرح الآيات والأحاديث علي أسلوب وعلي علوم عصره، سواء في الأصول أو الفروع، أو الفلك أو التشريح أو علم الاجتماع، أو الطب، أو علوم الكون أو غيرها، وقد تغيّر كثير من هذه العلوم، كما تغير مصدر النور من الشمعة إلي الكهرباء، وكما تغيرت وسائل النقل من الحمير إلي الطائرة، فكلّيات الآيات والروايات تحتاج إلي التطبيقات الجديدة.

3: تأليف وطبع عشرات الآلاف من الكتب المرتبطة بمختلف الشؤون

الإسلامية السابقة والحاضرة، فلكل زمان أسلوب وطريقة وإطار، وإذا لم يكمل الأسلوب والهيكل، لم يلائم الكتاب العصر، مما يُوجب التفاف الناس حول ما يلائم العصر، فإن واقع المعرفة يشبه واقع الموضة، فالقماش نفسه ولكنه إذا فُصّل علي موضة قديمة رُفض، ولم يرغب فيه أحد.

4: تأليف وطبع الكتب التي تسلط الضوء علي أوضاع المسلمين في مختلف أنحاء العالم، مثلاً: كم هو عدد المسلمين في العالم، وأين يقطنون، وما هي مقوماتهم الحضارية، وما هي إمكاناتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية؟.

وكم عندهم من أوقاف ومساجد ومزارات وحسينيات ونوادٍ ومكتبات ومدارس وجرائد ومجلات ومطابع و …

وما هي طريقتهم في التنظيم، في تنظيم الجمعيات والهيئات والأحزاب، وما هي مشاكلهم وكيف يمكن حلها؟

وربما يستغرب القارئ من هذا الكلام، ويتساءل: هل هناك إمكانيات بشرية ومادية تكفي لمثل هذه المشاريع؟

الجواب: التكلم ليس علي مستوي الأفراد والهيئات المحدودة الطاقات، بل علي مستوي الأمة ككل، يقول الشاعر:

لو لا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والإقدام قتّال

والكلام هنا ليس حول إنشاء جمعية خيرية أو فتح مدرسة أو تأسيس مؤسّسة، بل الكلام يُصب باتجاه إنهاض الأمة، ويبقي بعد ذلك أن نشرع في الأمر شروعاً جدِّياً، وما كان لله ينمو.

وإذا شرعنا في هذا المشروع من الآن، فلعلّه لا يمرّ ربع قرن إلاّ وقد أنجز المشروع بإذن الله سبحانه.

ظاهرة انتشار السفور

زارني عالم من إحدي البلاد الإسلامية، وشكي إليّ وجود السفور والخلاعة في بلاده.

قلتُ له: منذ متي والسفور منتشرٌ في بلادكم؟.

قال: منذُ نصف قرن.

قلتُ: وكم كتاباً نُشر ضد السفور بلسان يفهمُه الإنسان العصري؟

فكَّر العالم قليلاً، ثم قال: لعلّه زهاء عشر كُتب كُتِبت في هذا الموضوع.

قلتُ: لنفرض أنَّ كل كتابٍ طُبع منه عشرة آلاف نسخة، فالمجموع يصبح مائة ألف نسخة ولمدة خمسين سنة، إنّ بلدك

نفوسه أكثر من ثلاثين مليوناً.

ثم واصلت الحديث: ولكن هل تعلم كم من الكتب والمجلات والجرائد قد طُبعت ونُشرت ضد الحجاب والعفّة، وإذا أضفنا إلي نشر وسائل الأعلام الأخري كالإذاعة والتلفزيون، والمدارس التي تشجّع أيضاً علي السفور لكان الخطب أشدّ وقعاً.

فإذا كانت الفتاة المسلمة تعيش في مثل هذه الأجواء التي تشجعها علي السفور، وليس هناك ما يمنعها أو يحذِّرها من مخاطره فكيف نتوقع من الناس الانضواء تحت لواء الحجاب؟

يقول الشاعر:

نفسي وشيطاني ودنيا والهوي

كيف الخلاص وكلهم أعدائي

وليس كلامنا الآن في ظاهرة السفور والحجاب، بل في إنهاض الأمة في مختلف جوانب حياتها، فعملية النهوض بحاجة إلي مقومات كثيرة..

كما قال الشاعر:

إسلامنا لا يستقيم نظامه

بكلام شخصٍ في زوايا مسجد

فإذا وفّرنا هذه المقومات، نهض الإسلام، وإلاّ انتظر من يحصل علي تلك المقومات، وليس الأمر مستحيلاً بل قام الناس بأكثر من ذلك، ألم تنهض الهند بعد استعمار دام ثلاثة قرون، ألم تنهض الجزائر بعد استعمار دام قرناً كاملاً.

إنَّ الأمل كبير وكبير جداً بالنهوض إذا ما قررت الأمة ذلك واستعدت إليه بكافة طاقاتها الخلاّقة.

الخاتمة

قبل أكثر من عشرين سنة كنت أكتب وأظن أني أملك سلَّة من الأقلام، وكنتُ أعلم أني لا أملك غيرها، ولذا كتبتُ في بعض مؤلفاتي ذلك. لكن الظروف تغيرت وعلمت بعد ذلك وعند انقلاب عبد الكريم قاسم في العراق، أني لا أملك حتي قلم واحد.وكما يقول الشاعر: وهل يملك الموتور قائم سيفه.

ما يطالعه زائر هذا الكتاب ليس إلاّ رُبع ما ينبغي أن يُكتب: فإنّ نصف الموضوع يحوم حول السياسة التي حرَّمناها علي أنفسنا منذأن فشت في المسلمين وبإيعاز من المستعمرين، الكلمة القائلة: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)!.

وربع الموضوع الذي يتناوله هذا الكتاب يُثير الحساسيات بحيث يصبح ضرره أكثر

من نفعه، فلم يبق إلاّ الربع.

والربع المتبقي بالطبع لا ينفع كثيراً، أو أن نفعه قليلٌ جداً.

فحال الربع هو حال ربع الإنسان فإذا أفاد ربع الإنسان: الذي اجتث ثلاثة أرباعه، أفاد ربع الموضوع أيضاً.

إلاّ أني أكتب ما أستطيع عليه، و لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ().

و لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا (). و(الميسور لا يسقط بالمعسور)().

وليس تركي للأرباع الثلاثة جُبناً، وإن كنت لا أُبَرِّئُ نَفْسِي ()، وإنما لأنّ القسم المتروك تركته لأنّه إما ما لا يمكن أن يري النور، أو يثير الحساسيات، فضرره أكثر من فائدته. لذا آثرت تجاوزه لوقتٍ وظروفٍ أُخر إن شاء الله تعالي.

والمسؤول هو الله سبحانه، نرجوه أن يوفِّق الجميع لما فيه رضاه.

وأن يتقبّل هذا الجهد القليل بقبول حسن، تأسياً منّا بزينب عليها السلام عندما رفعت جثة أخيها الحسين عليه السلام، وقالت: (اللّهم هذا قربان نبيك فَتَقَبّلْهُ أحسن القبول)(). وقد قال تعالي في كتابه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ().

وقال أيضاً فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ().

نرجو قبوله إنه هو الموفق وهو المستعان.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلاَمٌ عَلَي الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (). 1395ه

محمد الشيرازي

المحتويات

پي نوشتها

() سورة التوبة: الآية 105.

() سورة الأنفال: الآية 46.

() سورة آل عمران: الآية 103.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج17 ص281.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: ص500 ح161، خصائص الأمة: ص108.

() سورة آل عمران: الآية 103.

() حيث كتب سماحة الإمام الراحل رحمة الله عليه هذا الكتاب قبل ثلاثين سنة وبالتحديد سنة 1395ه (1975م).

() سورة فصلت: الآية 34.

() سورة التغابن: الآية 14.

() وأصل الشعر بالفارسية:

سر تقسيم بهم جنكيدند

سومي آمد وزر را زد وبرد

دو نفر دزد زري دزديدند

آن دو بودند جه كرم زد وخورد

() إشارة

إلي الحديث الوارد: الحسود لا يسود غرر الحكم ودرر الكلم: ص 299 ح6795، مستدرك الوسائل: ج12 ص21 ب 55 ح13401.

() فقد ورد في هذا الصدد أحاديث عديدة منها: الحسد ينكد العيش غرر الحكم ودرر الكلم: ص300 ح6826، لا عيش أنكد من عيش الحسود والحقود غرر الحكم ودرر الكلم: ص300 ح 6828، أسوأ الناس عيشاً الحسود غرر الحكم ودرر الكلم: ص300 ح6827.

() سورة فصلت: الآية 34.

() ناصر الدين شاه، رابع ملوك القاجار، الذين حكموا إيران مدة 133سنة من 1210ه

(1795م) وإلي سنة 1343ه (1925م)، ولد سنة 1247ه (1831م)، وحكم من سنة 1264ه (1848م) وإلي سنة 1286ه (1869م)، اتّسم حكمه بالظلم والاستبداد والتبعية للغرب؛ فقد منح امتياز التنباك للإنجليز مقابل مبلغ زهيد من المال، ومن مقولاته في الحكم:

أود أن أكون محاطاً بحاشية من الأغبياء لا يعرفون عن بروكسل هل هي مدينة أو نوع من الخس؟. أُلّف باسمه الكثير من الكتب باللغة الفارسية، منها: مرآة البلدان، ناسخ التواريخ، سعادة ناصري.

() نسبة إلي فشارك، من قري مدينة أصفهان الإيرانية التي بزغ منها عدة أعلام، منهم:

1 المولي محمد باقر بن محمد جعفر الفشاركي المتوفي سنة 1315ه، عالم جليل، له عدة مؤلفات، منها: آداب الشريعة، أسباب الفقر والغني.

2 السيد محمد بن المير قاسم الطباطبائي الفشاركي، ولد سنة 1253ه وتوفي في شهر ذي القعدة سنة 1316ه، عالم قدير وفقيه مجد، له عدة مؤلفات، منها: رسالة في حكم الجاهل في العبادات، رسالة في حكم المبتدئة والمضطربة في الحيض، رسالة في أصالة البراءة، رسالة في الخيارات، رسالة في الإجارة. تتلمذ عند أخيه (السيد إبراهيم) والفاضل الأردكاني والمجدد الشيرازي. ترجمه نقباء البشر في القرن الرابع عشر.

3 المولي محمد حسين الفشاركي الأصفهاني، الذي توفي سنة 1353ه في

أصفهان عن عمر يناهز التسعين سنة، وكان فقيهاً أصولياً معروفاً، له باع واسع في الإحاطة بالفروع الفقهية، يعد من تلاميذ الشيخ زين العابدين المازندراني والمجدد الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي، ترجمه أعيان الشيعة: ج9 ص232.

() أي زيارة السلطان عبد العظيم أخي الإمام الرضا عليه السلام.

() سورة الأنفال: الآية 46.

() حرب النكسة الهزيمة التي نشبت بين إسرائيل والدول العربية المحيطة بفلسطين؛ حيث بدأت إسرائيل الحرب بهجوم جوي كثيف ومباغت في صبيحة الخامس من حزيران سنة 1967م عندما هاجمت طائراتها مصر وهاجم الجيش الإسرائيلي صحراء سيناء والأردن برّاً، وفي هذه الحرب احتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية وسيناء المصرية وكل ما بقي من فلسطين تحت الانتداب بعد سنة 1948م بالإضافة إلي قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، ووصلت القوات الإسرائيلية إلي شاطئ قناة السويس جنوباً وإلي الطريق المشرف علي دمشق شمالاً وإلي نهر الأردن شرقاً، وتعرف هذه الحرب بحرب الأيام الستة، وبلغت خسائر مصر وحدها خمسة عشر ألف شهيدٍ وستة آلاف أسير و800 دبابة و300 طائرة، وبلغت خسائر مصر وفق النسب: من المعدات العسكرية 85% من القوة الجوية والدفاع الجوي ومن القوات البرية،

و100% من القاذفات الثقيلة والقاذفات الخفيفة، و87% من المقاتلات، وعندما دخلت قوات إسرائيل القدس سنة 1967م، تجمهر الجنود اليهود حول حائط المبكي، وأخذوا يهتفون مع موشي دايان: «هذا يوم بيوم خيبر». وتابعوا هتافاتهم:

حطوا المشمش علتفاح

دين محمد ولي وراح

وهتفوا أيضاً: «محمد مات، خلف بنات». وفي حينها طبعت إسرائيل بطاقات معايدة، كتب عليها: «هزيمة الهلال» وبيعت بالملايين لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبين الأوربيين وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين.

() هذا وفق الإحصاءات السابقة، أما الإحصاءات الفعلية فقد بلغوا قرابة الخمسة ملايين يهودي في إسرائيل حالياً، وقلّت نسبتهم

عالمياً.

() التّنباك: أحد أنواع التبغ الذي كان شائعاً في إيران في القرن التاسع عشر الميلادي، وكان يوضع في النرجيلة لتدخينه. قامت ثورة التنباك بعد أن منح ناصر الدين شاه امتياز التبغ إلي شركة بريطانية لبيعه داخل إيران وخارجها. ونتيجة لفتوي الإمام الشيرازي رحمة الله عليه بتحريم استعمال التبغ، اضطر الشاه أن يلغي الاتفاقية بعد أن امتنع الناس من التدخين وساروا في تظاهرات صاخبة، عمّت جميع المدن الإيرانية للتنديد بالشاه وبالاتفاقية، كما اضطر الإنجليز إلي سحب جيوشهم من إيران التي كان قوامها أربعمائة ألف مقاتل.

() السيد محمد حسن الشّيرازي، المعروف بالمجدّد، عميد الأسرة الشيرازية، ولد في مدينة شيراز سنة 1230ه (1815م)، ودرس في أصفهان والنجف الأشرف، وتوفي في مدينة سامراء سنة 1312ه (1894م) إثر دس البريطانيين السم إليه، ودفن في النجف الأشرف. تتلمذ عند السيد حسن المدرّس والمحقق الكلباسي والشيخ محمد حسن الجواهري والشيخ الأنصاري، آلت إليه المرجعية بعد وفاة الشيخ الأنصاري. له ثمانية مؤلفات، يقول عنه الأميني في كتابه شهداء الفضيلة ص288: «مجدد المذهب في القرن الرابع عشر، الإمام المؤتمن … لم يثبت التاريخ نبأ زعيم ديني أكبر منه في القرون الإسلامية»، قاد ثورة التنباك ضد الإنجليز وحكومة ناصر الدين شاه القاجاري بعد أن قادت بريطانيا جيوشاً جرّارة علي إيران في ربيع الثاني سنة 1309ه الواقع في تشرين الثاني من عام 1891م، وكان قوامها 400 ألف مقاتل، وكان هدفهم الحصول علي امتيازات التبغ، زراعة وشراءً وتصديراً مقابل 250 ألف ليرة إنجليزية تقدمها لندن لناصر الدين شاه، وقد أحبط الشيرازي هذه المؤامرة وأحزمت الجيوش الإنجليزية حقائبها ثم ولّت منهزمة تجر أذيال الخيبة والانكسار، كما ألهمت هذه الثورة المسلمين الوعي السياسي في تاريخه الحديث ونبهتهم للأخطار التي

يسببها النفوذ الأجنبي في بلاد المسلمين. ومن مواقفه السياسية أيضاً: وقف بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان وبتخطيط من الإنجليز؛ حيث أخذ هذا الملك يذّبح رجال المسلمين الشيعة وأطفالهم ويستحيي النساء ويعتبرهم أسري حرب ويبيعهم بأبخس الأثمان. راجع أسرة المجدّد الشيرازي لنور الدين الشهرستاني.

() الشيخ زين العابدين المازندراني، عالم فاضل وفقيه متبحّر، ولد في مدينة مازندران الإيرانية وهاجر منها إلي مدينة كربلاء المقدّسة، ودرس عند المولي محمد سعيد المازندراني الشهير بسعيد العلماء والسيد إبراهيم الطباطبائي صاحب (ضوابط الأصول)، ثم هاجر إلي مدينة النجف الأشرف ودرس عند الشيخ محمد حسن الجواهري والشيخ مرتضي الأنصاري، اشتهر أمره في التقليد في بعض البلدان ولا سيما في بلاد الهند، توفي في 16 ذي القعدة سنة 1309 ه، ودفن في حرم الإمام الحسين عليه السلام، من مؤلفاته: زاد المتقين، زينة العباد الكبري، الدرّة النجفية، مناسك الحج.

() بصائر الدرجات: ص148 ب13 ح7، وورد في الكافي (أصول): ج1 ص58 ح19 (حلال محمد حلال أبداً إلي يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلي يوم القيامة لا يكون غيره ولا يجيئ غيره).

() وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32382، معاني الأخبار: ص281، مصباح الكفعمي: ص346، نهج الحق: ص489 وص506، غوالي اللآلي: ج1 ص220 ح93.

() منح الامتياز للأجانب.

() جمع وسق، والوَسْقُ والوِسْقُ: مِكْيَلَة معلومة، وقيل: هو حمل بعير وهو ستون صاعاً بصاع النبي صلي الله عليه و اله، وهو خمسة أَرطال وثلث، فالوسْقُ علي هذا الحساب مائة وستون مَناً؛ قال الزجاج: خمسة أَوسق هي خمسة عشر قَفِيزاً، قال: وهو قَفِيزُنا الذي يسمي المعدّل، وكل وَسْق بالمُلَجَّم ثلاثة أَقْفِزَةٍ، قال: وستون صاعاً أَربعة وعشرون مكُّوكاً بالمُلَجَّم وذلك ثلاثة أَقفِزَةٍ، لسان العرب: ج10 ص378.

() احتلت

القوات البريطانية مدينة الفاو الواقعة جنوب العراق، سنة 1333ه وبالتحديد في السادس من تشرين الثاني سنة 1914م وأكملوا احتلال العراق سنة 1337ه (1918م)، وقد عاملوا الناس عند احتلالهم أسوأ معاملة فكانوا يقتلون الجرحي ولا يرحمون الأسري ويخرجون الجثث من القبور، طمعاً في الثياب والملابس. وكانوا يقطعون الرؤوس ويرسلونها إلي لندن ليجعلوا من جماجم المسلمين مطافئ لسجائرهم.

() بعد احتلال الإنجليز لأرض العراق سنة 1337ه (1918م)، وتعيين بيرسي كوكس حاكماً علي العراق، تصدي لهذا الاحتلال العلماء الأعلام بقيادة الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليهسنة 1338ه (1920م)، فقد أصدر الشيرازي فتواه قائلاً: «مطالبة الحقوق واجبة علي العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن ويجوز التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنجليز من قبول مطالبهم»، وأخرجوا القوات الإنجليزية من أرض الرافدين بعد أن كبدوها خسائر جمة في الأرواح والمعدات، وقد انطلقت شرارتها في 30 حزيران سنة 1920م، عن هذه الثورة راجع كتاب: (الحقائق الناصعة) للفريق مزهر آل فرعون، و(الثورة العراقية الكبري) للسيد عبد الرزاق الحسني، و(ثورة الخامس عشر من شعبان) لعباس محمد كاظم، و(تاريخ الحركة الإسلامية في العراق بين 1900 1924م) لعبد الحليم الرهيمي، و(تاريخ العراق السياسي الحديث) للسيد عبد الرزاق الحسني، و(تاريخ القضية العراقية) لمحمد مهدي البصير، و(لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) للدكتور علي الوردي، و(دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث) للدكتور عبد الله النفيسي، و(البطولة في ثورة العشرين) للدكتور عبد الشهيد الياسري، و(دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري) لمجموعة من الباحثين.

() آية الله العظمي الشيخ محمد تقي الشيرازي، قائد ثورة العشرين التحرّرية في العراق ضد الاستعمار البريطاني، ولد في شيراز سنة 1256ه (1840م) واغتيل بالسم في الثالث عشر من ذي الحجة سنة 1338ه (13/8/1920م)،

ودفن في حرم الإمام الحسين عليه السلام، تتلمذ في سامراء عند المجدد الشيرازي، وفي كربلاء عند الشيخ حسين الأردكاني والسيد علي نقي الطباطبائي، له باع طويل في حفظ الحوزات العلمية ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام. من مواقفه السياسية: إصداره فتوي ضد الاحتلال الإنجليزي للعراق سنة 1914م وتخطيطه للثورة ضدهم، وإصداره فتوي في العشرين من ربيع الثاني سنة 1337ه (23/1/1919م) ضد المعتمد السامي البريطاني بيرسي كوكس، الذي نصب نفسه حاكماً علي العراق عبر الانتخابات الصورية، كما أصدر فتوي أخري، جعل الإنجليز يجرون أذيال الخيبة والانكسار ويسحبون جيوشهم من أرض الرافدين، ومن مواقفه أيضاً استنكاره للمعاهدة البريطانية الإيرانية سنة 1336ه؛ والذي أدّي موقفه إلي إلغائها، قال عنه السيد حسن الصدر في التكملة: عاشرته عشرين عاماً فما رأيت منه زلة ولا أنكرت عليه خلة، من مؤلفاته: (حاشية علي المكاسب)، (رسالة في صلاة الجمعة)، (رسالة في أحكام الخلل). ترجمه طبقات أعلام الشيعة، أعيان الشيعة، معارف الرجال، نقباء البشر في القرن الرابع عشر.

() سورة آل عمران: الآية 103.

() وكشاهد علي مقدار التعصّب الذي يكنه الاستعمار للمسلمين الشيعة، يقول السيد جواد هبة الدين الشهرستاني: «عندما طلب فيصل الأول قبل تتويجه اللقاء بوالدي، قال فيصل: إن كافة الإجراءات قد تمت علي يوم تتويجه وإنه يرغب أن يتوج بحضور كبار العلماء في العتبات المقدسة ويتوسم البركة واليُمن في حضورهم الحفلة، فاعتذر والدي لفيصل عن حضور كبار العلماء وإنما في الإمكان حضور من ينوب عنهم من الأجلّة، ولكن متي سيكون التتويج؟ قال فيصل: يوم السبت 20 آب. ولما أحسّ فيصل أن التاريخ الميلادي غير واضح لعدم التعامل به، قال: ثاني يوم بعد انتهاء فترة عطلة عيد الأضحي. قال والدي: ولم اخترتم هذا اليوم؟

قال فيصل: هذا اختيار وزارة المستعمرات في لندن ولا يمكن تغييره! قال والدي: بالعكس يمكن تغييره إلي ثلاثة أيام بعده بدل السبت يوم الثلاثاء، قال فيصل: وما هو الفرق بين اليومين؟ أجابه: اليوم الأول السبت يوم نحس لدي العارفين ويوم الثلاثاء يوم سعد. وأنتم في التتويج إلي اليوم الثاني أحوج. وطال النقاش حتي اقتنع فيصل بضرورة تغيير يوم التتويج من 20 آب إلي 23 آب وأن يطالب المندوب السامي مرجعه في لندن بضرورة تغييره بناءً علي إصرار الملك عليه. وتم له ما أراد وجري التتويج عليه. وكان والدي قد اقترح أن يتم تتويج الملك رسمياً في بغداد صباح الثلاثاء 23 آب وحضره مع نخبة من علماء كربلاء والنجف وأن يجري التتويج الشعبي عصراً في الصحن الكاظمي، واحتلفت البلدة بمقدمه، وحين حضر الحفل الُمقام في الصحن الشريف، وجد البلدة في أبهي زينتها ممّا أذهله روعة ما شاهده بحضور كبار علماء الكاظمية وأشرافها إلي جانب كبار الدولة الرسميين وغيرهم مما لم يشهد مثيله في بغداد وألقيت القصائد والكلمات، أشادت بيوم الغدير يوم تتويج الإمام علي عليه السلام من قبل رسول الله صلي الله عليه و اله بأمر من الله سبحانه وتعالي. وهو اليوم الذي يحتفل فيه فريق كبير من المسلمين بميمنته والتبرك به. وانتبه المسؤولون من الحاضرين كيف غفلوا عن هذه الناحية وكيف فات علي نقيب الأشراف رئيس الوزراء عبد الرحمن الجيلاني وهو العارف بمثل هذه الأمور. كيف جعل كل قراراته في هذا التاريخ 18 ذي الحجة الحرام، ومعناه أن هذا التاريخ سيخلد إن اتخذناه رسمياً وطال النقاش والملامة حوله. حتي اتفقوا علي عدم الاحتفال في العام المقبل وفق التاريخ الهجري وإنما يكتفي باتخاذ التاريخ الميلادي 23آب

هو الجاري عليه بينما استمروا علي المحافظة بالتاريخ الهجري وحده في كافة المقررات ولعدة سنوات والاحتفال بعيد 9 شعبان من كل عام ماعدا يوم التتويج وحده الذي أبقوه عليالتاريخ الميلادي للسبب المذكور، راجع كتاب الشيخ كاظم آل نوح ص32 33 للمؤلف د. جمال عبد الرسول.

() فيصل بن حسين حاكم مكة، ولد في الطائف سنة 1301ه (1883م) وتوفي سنة 1352ه

(1933م) في سويسرا ودفن في بغداد، كان ضابطاً في الجيش العثماني في إسطنبول ونائباً في مجلس النواب العثماني سنة 1331ه (1913م)، وعاد إلي مكة بعد نشوب الحرب العالمية الأولي، وكان من عملاء الإنجليز؛ إذ تربّي علي يد لورنس الجاسوس البريطاني، نصّبه الإنجليز حاكماً علي سورية بعد تكوينها من قبلهم في 17 جمادي الآخرة 1338ه (8/3/1920م) كما عينوا أخاه عبد الله علي شرق الأردن ثم نصبوه حاكماً علي العراق سنة 1339ه (1921م) بعد أن طرده الألمان من سوريا عند احتلالهم لها، واستمر في الحكم إلي سنة 1352ه (1933م). يقول فريتزا غرويا المفوض الألماني في العراق في مذكراته عن طريقة تنصيب فيصل حاكماً علي العراق: «تسلم الملك فيصل في كانون الثاني من سنة 1921م دعوة من ملك بريطانيا لزيارة لندن، حيث كان سيعرض عليه عرش العراق وكان يرافق فيصلاً كل من: رستم حيدر والأمير عادل أرسلان ومرافقه الشخصي تحسين قدوري»، راجع العراق في مذكرات الدبلوماسيين الأجانب لنجدة فتحي صفوة: ص128، أولي جُلَّ اهتمامه علي إرضاء الإنجليز وكسب ودّهم، وقال في خطبة التتويج: «وقد صرحت مراراً بأن ما نحتاج إليه لترقية هذه البلاد يتوقف علي معاونة أمة تمدنا بأموالها ورجالها وبما أن الأمة البريطانية أقرب الأمم إلينا وأكثرها غيرة علي مصالحنا فإننا سنستمد منها ونستعين بها وحدها علي الوصول إلي

غايتنا المنشودة في أسرع وقت».

() إشارة إلي الحديث الوارد عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: (القرعة لكل أمر مشكل). فتح الأبواب: ص292، غوالي اللآلي: ج2 ص112 وص285 وج3 ص512.

() أحد الشخصيات التي قارعت الاستعمار الإنجليزي، له باع طويل في ثورة العشرين، رشحه الإمام الشيرازي رحمة الله عليه لإدارة العراق.

() السيد محمد علي بن مهدي الطباطبائي الحائري، ينتهي نسبه إلي الإمام الحسن عليه السلام، ولد في كربلاء المقدسة سنة 1302ه (1884م) وتوفي سنة 1381ه (1961م) ودفن في كربلاء. تتلمذ عند الميرزا جعفر الحائري والسيد هادي الخراساني والشيخ محمد تقي الشيرازي. شارك في ثورة العشرين وتعرض للاعتقال عدّة مرات، نفاه الإنجليز إلي جزيرة (هنجام) مع رجالات الثورة، ترجم له في تراث كربلاء: ص289 للسيد سلمان هادي آل طعمة.

() توماس أدوَرد لورنس، المشهور ب لورنس العرب، ولد بمقاطعة ويلز سنة 1888م، درس في أكسفورد تحت إشراف دايفيد ج هوغارث ضابط المخابرات المتخصص بشؤون الشرق الأوسط الذي كانت معلوماته عن أوضاع البلدان العربية في ظل الحكم العثماني لا تضاهي في ذلك الحين، قام لورنس برحلة علي الأقدام في عدد من البلدان الإسلامية، تخرج سنة 1910م من الجامعة في أكسفورد والتحق بمدرسة الإرساليين الإمريكيين في لبنان لتحسين لغته العربية. انخرط رسمياً في سلك المخابرات العسكرية البريطانية سنة 1914م وتسلّم قيادة العمليات العسكرية لاحتلال العراق سنة 1917م واستولي علي مدينة بغداد في 11/ 3/ 1917م، أصبح مستشاراً للرئيس البريطاني تشرشل في شؤون الشرق الأوسط، ويعد مهندس تمزيق الأمة الإسلامية ومهندس تجزئة أراضيها، وقام برسم الحدود بين العراق وإيران. يصف لورنس أهدافه قائلاً: أهدافنا الرئيسية تفتيت الوحدة الإسلامية ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها … وإذا عرفنا كيف نعامل العرب وهم الأقل

وعياً للاستقلال من الأتراك فسيبقون في دوامة من الفوضي السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة ومتنافرة غير قابلة للتماسك إلاّ أنها علي استعداد دائم لتشكيل قوة موحدة ضد أية قوة خارجية. قتل بحادث دراجة نارية سنة 1935م إثر انهيار في دماغه. من مؤلفاته: أعمدة الحكمة السبعة. راجع الوقائع السرية في حياة لورنس العرب ص 52 53 للمؤلفين: فيليب نايتلي وكولين سمبسون، وكتاب أعمدة الحكمة السبعة للورنس.

() الكافي (فروع): ج5 ص6 ح6، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص74.

() السيد محمد حسن الصدر، ولد في مدينة سامراء سنة 1304ه(1887م)، أسّس حزب الاستقلال سنة 1337ه (1919م) والذي عرف بحرس الاستقلال في فترة العمل السّري، لعب دوراً بارزاً في ثورة العشرين، فكان الرابط بين قيادة الثورة والعشائر المحيطة بلواء الدليم وسامراء، نفاه الإنجليز سنة 1341ه (1922م) مع بعض العلماء الأجلاء إلي خارج العراق وعاد إليه سنة 1343ه (1924م)، ترأس مجلس الأعيان في العهد الملكي لدورته الأولي والرابعة، وترأس مجلس الوزراء سنة 1367ه (1948م)، ومن المهام التي عملها في وزارته: إلغاء معاهدة «بورتسموث» التي تضمنت إقامة تحالف دفاعي مشترك مع بريطانيا، وكذلك ألغي المعاهدة الموقعة مع الإنجليز سنة 1349ه (1930م)؛ ولأجل ذلك لم تدم وزارته أكثر من خمسة أشهر، توفي في 4 نيسان 1956م.

() الشيخ محمد رضا بن محمد جواد الشبيبي، عالم وشاعر وسياسي، ولد في النجف الأشرف سنة 1307ه (1889م)، وتوفي في بغداد سنة 1386ه (1966م)، ودفن في النجف الأشرف، تتلمذ عند السيد مهدي بحر العلوم وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد عبد الهادي الشيرازي، أحد الأعضاء البارزين لحزب الاستقلال، الذي أسسه السيد محمد الصدر، شارك في ثورة العشرين، وكان رابطاً مع شيوخ العشائر في الفرات الأوسط، تقلّد وزارة المعارف

في خمس دورات ورئاسة مجلس الأعيان في دورته الثالثة سنة 1937م، وأصبح عضواً لمجلس النواب في ثماني دورات ورئيساً للمجمع العلمي العراقي، وعارض حلف بغداد والتبعية للغرب، وفي سنة 1385ه (1965م) رفع مذكرة احتجاج إلي عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء في عهد عبد السلام عارف، طالب فيها ردم الهوة الطائفية في مرافق الدولة والوظائف الحكومية. له عدّة مؤلفات، منها: تأريخ الفلسفة، أدب النظر في فن المناظرة، المأنوس في لغة القاموس، ديوان الشبيبي، تاريخ النجف. ترجمه أعيان الشيعة: ج9 ص287.

() الشيخ محمد حسن حمادي محسن الجنابي الحائري، المشهور ب أبي المحاسن، ولد في مدينة كربلاء سنة 1293ه (1876م)، وتوفي في الجنابية سنة 1344ه (1925م)، شارك في ثورة العشرين وكان شاعراً للثورة وممثلاً للإمام الشيرازي رحمة الله عليه في المجلس الملّي، تعرض للاعتقال عدّة مرات، تقلّد وزارة المعارف سنة 1341ه (1923م)، له ديوان شعري يعرف ب ديوان أبي المحاسن وقد حقق من قبل تلميذه الشيخ محمد علي اليعقوبي. ترجمته في كتاب كربلاء في الذاكرة، وكتاب (أبو المحاسن الشاعر الوطني الخالد) للسيد سلمان آل طعمة، وكتاب شاعرية أبي المحاسن للأديب خضر عباس الصالحي.

() السيد محمد علي الشّهرستاني، المشهور ب هبة الدين، ولد في مدينة سامراء سنة 1301ه

(1884م) وتوفي سنة 1386ه (1967م)، أصدر في العهد العثماني مجلة العلم في فترة إقامته في النجف الأشرف وذلك سنة 1328ه (1910م) ثم تبعها بمجلة المرشد في فترة إقامته في الكاظمية، شارك في ثورة العشرين وأصبح رئيساً للمجلس العلمي الذي شكلّه الإمام الشيرازي رحمة الله عليه لقيادة الثورة، حكم عليه الإنجليز بالإعدام بعد الثورة لكنه لم ينفذ نتيجة للضغط الشعبي، تقلّد وزارة المعارف في وزارة الجيلاني الثانية واستقال منها احتجاجاً علي فترة الانتداب.

أعماه الإنجليز سنة 1343ه (1924م) عندما كان يرقد في إحدي المستشفيات للعلاج، تقلّد رئاسة مجلس التمييز الشرعي الجعفري بين سنة 1342ه 1353ه (1923م 1934م)، أصبح نائباً عن مدينة بغداد سنة 1354ه (1935م) ثم ترك الحياة السياسية، له 28 كتاباً ورسالة مطبوعة، من أبرزها: الهيئة والإسلام، المعجزة الخالدة، نهضة الحسين عليه السلام، وله 234 كتاباً ورسالة غير مطبوعة.

() الشيخ علي بن جعفر بن محمد حسن بن أحمد الشرقي، ولد في النجف الأشرف سنة 1309ه (1892م) وتوفي سنة 1384ه (1964م)، شاعر وسياسي، قارع الاحتلال الإنجليزي للعراق في الحرب العالمية الأولي؛ فكان يحمل كتب الدعوة والفتاوي التي تحث علي الجهاد إلي العشائر العراقية. تولّي القضاء الشرعي في مدينة البصرة، وتولّي رئاسة مجلس التمييز الشرعي فترة من الزمن، وأصبح عضواً في مجلس الأعيان، وتقلد الوزارة عدة مرات، منها: وزيراً بلا وزارة في وزارة أرشد العمري الثانية التي تألفت في 29 نيسان 1954م واستقالت في 17 تموز 1954م، من مؤلفاته: العرب والعراق، ذكري السعدون، تاريخ اليزيدية، الأحلام، عواصف وعواطف وهو ديوان شعري. ترجمه حسن الأمين في موسوعته الإسلامية: ج6 ص97.

() كالدكتور عبد الرزاق محيي الدين الذي شغل وزارة الوحدة في وزارة طاهر يحيي وعارف عبد الرزاق وعبد الرحمن البزاز وعبد الرحمن عارف، وأصبح عضواً في مجلس الرئاسة المشتركة بين العراق ومصر سنة 1965م وانتخب سنة 1966م أميناً عاماً للقيادة السياسية الموحدة بين العراق والجمهورية العربية المتّحدة.

() يقول الباحث الدكتور علي باباخان في كتاب (كربلاء ودورها الحضاري): ص560 حول موقف العلماء تجاه فيصل: «لم يكن موقف العلماء موحداً إزاء ترشيح فيصل حيث برز اتجاهان رئيسيان مختلفان، فالمعارض مثله اثنان من كبار المجتهدين وهما المرجع الأعلي السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد

حسين النائيني، أما الاتجاه المؤيد فقد مثله السيد محمد الصدر والشيخ مهدي الخالصي، لكن بيعة الخالصي لفيصل كانت بشرط: أن يسير فيصل بالحكم سيرة عادلة وعلي أن يكون الحكم دستورياً ونيابياً وأن لا يتقيد العراق في عهده بأية قوة أجنبية». ثم يضيف: «إن الخالصي سحب بيعته للملك فيصل عندما أخل هذا الأخير بوعوده، وعلي أثرها هُجّر من العراق إلي إيران بحجج كاذبة وملفقة في عام 1923م».

() الشيخ مهدي بن محمد حسين الخالصي، عالم وفقيه وشاعر، ولد في مدينة الكاظمية سنة 1276ه وتوفي في مدينة مشهد الإيرانية سنة 1343ه، ودفن قرب مرقد الإمام الرضا عليه السلام، ينتمي إلي أسرة تعيش في مدينة الكاظمية وتعد من الأسر العلمية التي أنجبت عدداً من العلماء الفطاحل، درس في مدينة الكاظمية والنجف وسامراء عند الشيخ عباس الجصاني والشيخ محمد حسين الكاظمي والميرزا حبيب الله الرّشتي والمجدد الشيرازي، من مواقفه السياسية: أفتي بوجوب جهاد الإنجليز في الحرب العالمية الأولي وسار مع جماعة من العلماء لساحات الوغي واشترك في جبهة الحويزة، وكذلك شارك في ثورة العشرين وقاد خلالها الكتائب القتالية. أصدر الإنجليز بعد انتهاء الثورة أمراً باعتقاله ولكنه اختفي. وقاطع المجلس التأسيسي في زمن فيصل الأول ممّا حدا بفيصل أن نفاه مع لفيف من العلماء إلي خارج العراق فذهب إلي مدينة عدن اليمانية ثم إلي مكة المكرمة ومنها إلي إيران وبقي هناك إلي أن وافاه الأجل. له منظومات في العلوم العربية المختلفة تبلغ الألف بيت، وله ما يقارب عشر رسائل مختصرة وكتاب العناوين في الأصول وكتاب القواعد الفقهية وكتاب الشريعة السمحاء وغيرها، للمزيد راجع أعيان الشيعة: ج10 ص157 للسيد محسن الأمين وذكري الخالصي لعبد الرزاق الأمين وزعيم الإسلام الخالد من إصدارات جامعة

مدينة العلم سنة 1369ه. ولا يخفي أن العلماء الذين بايعوا فيصلاً كان قسم منهم قد راهن علي قابلية حكومته للانعتاق من الهيمنة والوصاية البريطانية، وقسم آخر كما فعل الخالصي أراد أن يعلّم العراقيين كيف يبايعون ليبقي حق العراق محفوظاً متي ما طالب العراقيون به ومتي ما أخل به الحكام. فبيعة الشيخ الخالصي هدفها كان؛ كما عن ولده محمد: «خشيته من أن يبايع الناس فيصلاً».

() السيد أبو الحسن بن محمد بن عبد الحميد الموسوي الأصفهاني، ولد في مدينة أصفهان الإيرانية سنة 1277ه، وتوفي في الكاظمية سنة 1365ه، ودفن في النجف الأشرف، يعد من تلاميذ الميرزا حبيب الله الرّشتي والشيخ كاظم الخراساني، شارك في ثورة العشرين وعارض تعيين فيصل الأول ملكاً علي العراق، تصدّي لمهام المرجعية بعد وفاة الشيخ محمد حسين النائيني سنة 1355ه، كما شارك في الحركة الدستورية في إيران، له عدة مؤلفات، منها: وسيلة النجاة، منتخب المسائل، شرح كفاية الأصول، حاشية علي تبصرة المتعلمين، حاشية علي العروة الوثقي.

() الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم النائيني الملقب بشيخ الإسلام، ولد في نائين في حدود سنة 1273ه (1857م)، وتوفي سنة 1355ه (1936م) عن عمر يناهز الثانية والثمانين سنة، عالم فاضل ومحقق مدقق وفقيه وأصولي بارع وأديب متميّز، هاجر إلي العراق سنة 1303ه، ودرس في سامراء عند المجدد وحتي وفاة الأخير سنة 1312ه، ثم هاجر منها إلي كربلاء والنجف بعد أن بذلت الدولة العثمانية ما بوسعها لإضعاف الحوزة العلمية في سامراء، عارض مع السيد أبو الحسن الأصفهاني المجلس التأسيسي الذي شكله فيصل الأول باعتباره لا يفي بالغرض لإنقاذ الشعب العراقي. يعد من تلامذة الشيخ محمد باقر الأصفهاني ومحمد حسن النجفي والمجدد الشيرازي والسيد محمد الفشاركي والشيخ محمد تقي

الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني، آزر الخراساني في الحركة الدستورية. أبعد إلي إيران مع لفيف من العلماء سنة 1341ه ثم أعيد إلي العراق بعد أن شرط الإنجليز وفيصل عليه ألاّ يتدخل في الأمور السياسية، آلت إليه المرجعية بعد وفاة شيخ الشريعة الأصفهاني، من تلامذته: السيد الخوئي والشيخ محمد علي الكاظمي صاحب كتاب فوائد الأصول والشيخ موسي الخونساري صاحب كتاب منية الطالب في شرح المكاسب، من مؤلفاته: تنبيه الأمة وتنزيه الملّة، رسالة لعمل المقلدين، أجود التقريرات، رسالة في أحكام الخلل في الصلاة، رسالة في اللباس المشكوك، رسالة في التعبدي والتوصلي، رسالة في نفي الضرر. للمزيد راجع موسوعة طبقات الفقهاء: ج6 ص54 للسبحاني.

() السيد عبد الحسين بن علي بن أبي القاسم الطباطبائي، الملقّب ب الحجّة، عالم جليل وفقيه فاضل ومرجع معروف، ينتمي إلي أسرة عرفت بالعلم والزعامة والشرف، وهو من أحفاد السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، تتلمذ علي السيد محمد كاظم الخراساني، توفي سنة 1363ه. ترجمه نقباء البشر في القرن الرابع عشر.

() أمثال السيد حسن الطباطبائي والسيد عبد الحسين الطباطبائي والجواهري والشهرستاني، وقد بلغ عددهم ستة وعشرين عالماً وفاضلاً، وكان ذلك سنة 1341ه (1923م) في وزارة السعدون الأولي، عندما وقف هؤلاء بحزم ضد الهيمنة الإنجليزية وضد انتخابات المجلس التأسيسي، الذي كان يراد به المصادقة علي المعاهدة العراقية البريطانية، التي تجعل العراق تحت الهيمنة البريطانية. للمزيد راجع كتاب تاريخ العراق السياسي: ص87 لطفي جعفر فرج، وكتاب لمحات من تاريخ العراق السياسي: ج6 ص252 للدكتور علي الوردي. يقول إسحاق النقاش في كتابه شيعة العراق: أشارت بعض التقارير البريطانية بأن الملك فيصل كان متلهفاً بصفة خاصة علي إضعاف نفوذ العلماء الذين اعتبرهم غير مخلصين للإنجليز.

() مثلاً حينما التقي الحاكم البريطاني

(لجمن) مع بعض عشائر الدليم السنية. قال لجمن: هناك اضطرابات في النجف وما حولها ونريد التعرف علي آرائكم بشأنها وأن حكومة صاحبة الجلالة بريطانيا في حيرة من أمرها، هل تجعل حكومة العراق شيعية أم سنية؟ وأن هذه الحكومة قررت أن تأخذ رجال الدين في النجف بالعقاب الشديد بجريمة التحريض علي الاغتشاش …، فردّ الشيخ ضاري الذي قتل لجمن لاحقاً أمام الحاضرين بالآتي: إن أهل النجف يريدون حكومة وطنية لعموم العراق ونحن نتفق معهم بذلك وليس في الأمر مشكلة، وفي العراق لا يوجد شيعة.. سنة، أكو إسلام عرب. أما عن رجال الدين في النجف فقال الشيخ ضاري: لكنهم أولوا أمرنا في الوقت الحاضر لعدم وجود حكومة شرعية في العراق وطاعتهم واجبة علي كل مسلم أياً كان مذهبه، وإذا اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات ضدهم فسوف نكون إلي جانبهم مهما أصابنا من جراء ذلك من أذي. راجع دراسات حول كربلاء: ص459 460 ومصدره المعتمد عليه: مصرع الكولونيل لجمن للمؤلف عبد الجبار عمر: ص 49 50.

() تقع علي عاتق الشعب العراقي اليوم، وبعد سقوط أعتي طاغية، عرفه التاريخ المقروء والمسموع، مسؤولية عظيمة وخطيرة، تتعلق بمستقبله ومستقبل أحفاده من الأجيال القادمة. فعليه أن يتوجَّه إلي حقوقه المشروعة التي هضمت منذ مئات السنين ويطالب بها مهما كلفه ذلك من تضحيات؛ إذ تلوح في الأفق مؤامرة لهضم الحقوق وتكرار المآسي التي حدثت في مطلع القرن الماضي، عندما سعي الإنجليز بعد احتلال العراق عام 1918م إلي فرض نموذج تقسيمي له وصياغة المناهج التربوية والتعليمية وفق الأسس البريطانية وحصر الإشراف العام في المدارس والجامعات علي عاتقهم والحصول علي امتيازات البترول من تنقيب واستخراج واستهلاك وتحويل العراق إلي سوق لمنتجاتهم الصناعية. فعلي العراقيين أن يكونوا

يقظين وأن يتسلَّحوا بثقافة مطالبة الحقوق عبر الحوار والتفاهم ثم المطالبة بدستور يضمن حقوق الأكثرية ويأخذ بنظر الاعتبار الدين ومذهب الأكثرية والخصوصية العراقية.

فقد وقّع أعضاء مجلس الحكم الانتقالي المعيّن مؤخراً قانون الدولة العراقي المؤقت، ولنا بعض التساؤلات والتحفظات علي بعض بنوده، نذكرها بإيجاز:

1: مدي مشروعية القانون المدني في ظل الاحتلال العسكري؟.

2: مدي مشروعية قانون التوافق الحصصي بدون انتخابات حرة ونزيهة، لكل عراقي صوت واحد.

3: مدي مشروعية هذا القانون الذي تحفظ عليه اثنا عشر عضواً، وأُكرهوا علي توقيعه.

4: إن هذا القانون مبني علي عقلية غربية، وهي تكريس نظام الفردية وليس عقلية شرقية إسلامية، وهي تكريس نظام الأسرة.

5: إن هذا القانون يجعل العراق بلداً، تحكمه الضرورات والإملاءآت وليس الحلول الإساسية التي قوامها الثوابت والقيم.

6: إن نظام الفيدرالية هو إحدي الطرق لجمع المتجزئ والمتفرِّق. والعراق ليس من هذا القبيل بل العراق بلد إسلامي، يعتنق شعبه الإسلام، الذي يكفل صهر القوميات والطوائف في بوتقته. فطرح الفيدرالية في ظرف المتجمِّع، هو زرع لبذور التجزئة ودعوة مفتوحة للانفصال، والعراق اليوم بحاجة إلي من يضمد جراحه لا من يسكب الملح عليها. ولو قيل: إنَّ حق النقض صمام أمان لحقوق الأقلية. قلنا: هناك وسائل أكثر نزاهة وأكثر فاعلية ولا تمس حقوق الأكثرية، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار شراكة الأكراد للشيعة في تعرّضهم للظلم والقهر والمقابر الجماعية التي لحقت بهم.

7: إنه لم يحدد نوع الفيدرالية علي أي نحو، هل فيدرالية عرقية أم مذهبية أم جغرافية أم لغوية؟!.

8: إن البند (ج) من المادة 61، يتناقض مع الثوابت الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير، كما يتناقض مع صميم الإسلام؛ لأنَّ إعطاء حق النقض للأقلية معناه الحيلولة دون تمكين الأكثرية من ممارسة رغباتها وحقوقها؛ وهذا يؤدي إلي عرقلة

العملية السياسية، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار جهاد الأكثرية ودماءهم التي أريقت عبر التاريخ للحفاظ علي استقلال العراق ووحدته، بَلْهِ إذا نظرنا إلي المعاناة التي لحقت بالأكثرية من حكومة الأقلية في العهد السابق من ظلم وقهر ومقابر جماعية ومصادرات للأموال والحقوق والكرامات والتهجير الجماعي والإبادة الجماعية في السجون والحروب.

9: إن تحديد نسبة تمثيل المرأة في المجلس ب25% غير منطقي؛ فإن التمثيل يجب أن يكون وفق الكفاءة بغض النظر عن الذكورة أو الأنوثة، فلو كانت كفاءة المرأة أكثر من هذه النسبة فتحديدها بالربع هو انتهاك لحقوقها، ولو كانت أقل من الربع فيلزم تقديم المفضول علي الفاضل!.

10: إن لهذا القانون انعكاسات سلبية في النتائج، منها: القضاء علي التعايش القائم، ليس في العراق وحده بل في الدول المجاورة للعراق، ومنها: تقنين الانقسام علي أساس قومي وطائفي بعد أن كان في زمن صدام واقع قومي طائفي، ومنها أنه: يعطي الشرعية لكل منطقة فيدرالية أن تقنن الضرائب والرسوم حسب ماتراه دون النظر إلي خصوصية الدين الإسلامي وإلي مصلحة العراق كمجموع.

11: يلوح من تصريحات بعض أعضاء المجلس أن الكثير من بنود هذا القانون لها صفة الإلزام والدوام، والسلطات البعدية ملزمة بتنفيذها، وهذا يتنافي مع اعتباره مؤقتاً. ونقترح في هذا الصدد:

أ ندعو كل حقوقي عراقي، تهمه مصلحة العراق أن يساعد الشعب في توضيح ملابسات وأخطاء هذا القانون.

ب تشكيل مظاهرات سلمية للإعراب عن السخط لبعض بنود هذا القانون المؤقت.

ج ندعو العلماء والمثقفين والأحزاب والتنظيمات إلي طرح بدائل دستورية لمساعدة اللجنة التي ستنتخب من قبل الشعب لوضع دستور دائم للعراق.

د ندعو المنظمات الحقوقية الدولية للوقوف إلي جانب الشعب العراقي في محنته ومساعدة الأكثرية للحصول علي نسبتها في التنفيذ السياسي والإداري.

() من سياسة الاستعمار البريطاني

تأجيج الصراعات بين الدول الإسلامية؛ وكشاهد علي ذلك فقد نقل لي أحد الأصدقاء الذي اتّخذ في الثمانينات من القرن العشرين بريطانيا سكنيً له، قال: كنت أبحث عن عمل يتناسب مع تخصصي باعتباري مهندساً تكنولوجياً، فذهبت في إحدي الأيام لأحد المصانع العسكرية المتخصصة في صناعة الصواريخ، والتقيت بمدير المصنع؛ الذي أصبح فيما بعد من أصدقائي. قال لي ذات يوم: إن مصنعنا هذا، يصنع الصواريخ، ومنتوجاتنا نبيعها للبلدان الإسلامية وغيرها وعلي الخصوص المتنازعة منها. وأضاف: في هذه الغرفة التي أنت جالس فيها، يأتينا وفد من بلدين إسلاميين متحاربين، ونحن نبيع السلاح لكلا البلدين، حتي إنه في بعض الأحيان يتزامن مجيئهما في وقت واحد. فنحن نقسّم الصالة إلي نصفين بستائر ونحاور الطرفين، ثم نقول لهما: إذا كنتم في حرب، فهذه الأسلحة نبيعها لكم، ولتقتصر نزاعاتكم علي أراضيكم، أما هنا فلا صراعات ولا نزاعات!.

() أمثال السعدون وجعفر العسكري وعبد الرحمن الجيلاني ونوري السعيد.

() سورة فاطر: الآية 43.

() الدولة البويهية، نسبةً إلي مؤسسها بويه بن فنّا خسرو بن حام، حكموا مائة وسبع وعشرين سنة، من سنة 321ه (923م) واستمروا إلي سنة 448 ه (1056م) عندما أسقط حكمهم السلاجقة الأميون بقيادة طغرل بك، وعدد سلاطينهم خمسة عشر، أولهم أبو الحسن علي بن بويه عماد الدولة، وأشهر ملوكهم فنّا خسرو، عضد الدولة، الذي استولي علي بغداد وعمّرها، وآخرهم خسرو شاه. وشمل حكمهم العراق وإيران وقسماً من بلاد الشام، وقد اهتموا ببناء المدارس والمساجد والمستشفيات والجسور وإصلاح الطرق والأسواق، وأنشؤوا المكتبات والمرافق العامة كمكتبة الوزير أبي نصر سابور بن أردشير التي كانت تحتوي علي عشرة آلاف مجلد من جلائل الآثار ومهام الأسفار والتي جمعت من فارس والعراق والهند والصين والروم، وكان فيها مائة مصحف

بخط ابن مقلة، وقد بنيت في الكرخ في بغداد سنة 381ه، وقاموا بإكرام أهل العلم والمعرفة، وقد حظي الشيخ المفيد والسيد المرتضي والسيد الرضي والشيخ الطوسي بمنزلة مرموقة عندهم.

() حكمت الدولة الحمدانية الموصل وحلب والمناطق المحيطة بها وشمال سورية من سنة 276ه

(890م) وإلي 395ه (1004م)، مؤسّسها أبو الهيجا، حمدان بن حمدون، الذي كان والياً علي الموصل من قبل العباسيين، واتّخذ ماردين قاعدة له سنة 279ه (892م)، وتولّي بعد حمدان الحكم ابنه الحسن؛ ويعبّر عنه ب ناصر الدولة، الذي حكم من سنة 317ه

(929م) واستمرّ إلي 358ه (969م)، ثم جاء بعده علي بن عبد الله بن حمدان «سيف الدولة»؛ وقد وسّع حكمه ليشمل حمص، والذي اشتهر بثقافته الرفيعة ورعايته للعلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء، وكان يحضر بلاطه أبو الفرج الأصفهاني والمتنبي والفارابي وابن خالويه، كما خاض جهاداً ضدّ البيزنطينيين وحمي الإسلام بذلك، وبلغت حلب في عهده أوج تقدمها وازدهارها، وتوفي علي بن حمدان سنة 356ه (967م)، وانهارت دولتهم علي أيدي البزنطينيين (الروم).

() الدولة الفاطمية، مهّد لقيامها أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد، المعروف بأبي عبد الله الشيعي، المولود في صنعاء، حكمت من 297 ه (909م)، واستمرّ حكمها إلي 567ه (1171م)، وكان عدد حكّامها أربعة عشر؛ ابتداءً بعبد الله المهتدي بالله وانتهاءً بعبد الله العاضد لدين الله، ويري المحقق حسن الأمين في كتابه صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين أن خلافة الفاطمية انهارت في زمن المستنصر بالله عندما استولي بدر الجمالي أمير الجيش سنة 466ه علي البلاد وأصبح الخليفة محكوماً عليه بالإقامة الجبرية، ثم عين بدر الجمالي بعده الأفضل ثم الحافظ . وابتدأ سلطانهم بأن حكموا تونس ثم أخضعوا الشمال الإفريقي كلَّه ثم مصر؛ في عهد

الخليفة المعز لدين الله، الذي مدّ حدود حكمه إلي شواطئ الأطلسي وأنشأ مدينة القاهرة وبسط نفوذه علي سورية وفلسطين ولبنان، ومجموع خلافتهم مائتا سنة واثنتان وسبعون وبضعة أيام، منها مائتان وثمان سنين في القاهرة، ومن إنجازاتهم: إيجاد وحدة التكامل السياسي بين المغرب والمشرق؛ فأصبح المغرب وملحقاته: صقلية وقوصرة وفلورية، ومصر وملحقاتها: وهي الشام والحجاز واليمن؛ وحدة سياسية قاعدتها القاهرة، بعد أن كانت كيانات مجزأة، ومن إنجازاتهم أيضاً: وقوفهم في وجه الدولة البيزنطية والصليبيين، كما أسّسوا جامع الأزهر وجامع الحاكم ودار الحكمة. ولهم الفضل في تعريب القسم الإفريقي وفي حماية الشواطئ الإفريقية الشمالية من الغزو الصليبي، وبنوا لأجل ذلك قاعدة عسكرية قوية، تضم خمسة آلاف ربان و200 سفينة، وأضحت المهدية والسوسة ومرافئ صقلية مركزاً لهذه السفن، وكان لهما إسطولان في البحر المتوسط والبحر الأحمر ولهم موانئ علي البحر المتوسط هي الإسكندرونة ودمياط في مصر، وعسقلان وعكا وصور وصيدا في الشام، وعيذاب علي البحر المتوسط. راجع «المجالس والمسايرات» للقاضي النعمان، «تأريخ الخلفاء الفاطميين في المغرب»، «أعيان الشيعة» لمحسن الأمين، «اتعاظ الخلفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء» للمقريزي.

() الدولة الصفوية: وهي سلالة إسلامية شيعية، تأسست علي أنقاض الحكم المغولي التيموري، وتنسب إلي صفي الدين الأردبيلي، المولود سنة 650ه (1252م) والمتوفي سنة 735ه

(1334م)؛ والذي قضي علي الآق قيونلو واتخذ تبريز عاصمة له، ولقّب بشاه، وحكمت هذه السلالة إيران مدة مائتين وخمس وثلاثين سنة منذ سنة 905ه (1500م) وإلي 1140ه (1728م)، وبعد الأردبيلي، جاء شاه إسماعيل بن حيدر الصفوي، المولود سنة 893 ه (1488م)، والذي حكم من سنة 905ه (1500م) واستمر إلي 930ه (1524م)، وقد خاض حروباً متعددة مع العثمانيين؛ والذين هزموه في معركة جالدران قرب مدينة تبريز سنة 920ه (1514م)،

ثم حكم من بعده ابنه طهماسب الأول، الذي اتّخذ قزوين عاصمة له سنة 962ه (1555م)، والذي حكم 54 سنة، ثم جاء بعده إسماعيل الثاني وحكم سنتين، ثم من بعده محمد خدابنده بن طهماسب الأول وحكم عشر سنوات، ثم شاه عباس الأول ابن محمد، الذي نقل العاصمة إلي «أصفهان» سنة 1001ه (1593م)، وحكم أربعاً وأربعين سنة، ثم جاء بعده «شاه سليمان»، حفيد شاه عباس الأول. وكان آخر ملوكهم شاه حسين، الذي حدثت في عهده فتنة «الأفغان»؛ عندما احتلّ ملكها شرف الأفغاني أصفهان، واعتقل شاه حسين وقتله سنة 1140ه (1728م) وتركه ثلاثة أيام بدون غسل ولا كفن، وأمر ملك الأفغان بهدم المدارس والمساجد والمكتبات في إيران حتي قيل: إن حمّامات وأفران العاصمة أصفهان كانت تسخن لأكثر من شهر بواسطة كتب مكتبات الصفويين.

() دولة الأدارسة: سلالة حكمت المغرب من سنة 172ه (789م) وإلي 375 ه (985م)، مؤسّسها إدريس بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، الذي نجا من مجزرة فخ التي حدثت في عهد الهادي العباسي سنة 169ه، بعد أن حاصرت قواته مجموعة من العلويين بالقرب من مكة في منطقة اسمها فخ، وقتل أكثر العلويين ولم ينج منهم إلاّ عدد قليل، كان إدريس منهم، الذي هرب إلي مصر ثم إلي مدينة وليلي في المغرب، واستقبله زعيم قبيلة «أورَبه سنة 172ه (788م) وبايعه علي الزعامة وتبعته بقية القبائل؛ فاتّخذ مدينة وليلي عاصمة له، ثم وسّع نشاطه ودولته في المغرب حتي شملت شمال إفريقيا؛ ممّا أغاظ هارون العباسي، الذي رأي أنّ لا قبل له بهزيمته عسكرياً؛ ففكّر باغتياله بالسُّم سنة 177ه (793م) بواسطة سليمان بن جرير المعروف ب «الشماخ»، وقد حكم خمس

سنوات ثم تولّي الحكم مولي الأدارسة راشد حتي وفاته سنة 186ه (802م) ثم حكم أبو خالد العبدي إلي أن بلغ إدريس الثاني الذي كان حملاً عند مقتل والده، ولمّا بلغ إدريس الثالثة عشرة من عمره، بويع بالخلافة وكان ذلك سنة 192ه (808م)، واستمر في الحكم إلي موته سنة 215ه (830م)، وعاش ستاً وثلاثين سنة، ثم تبعه محمد بن إدريس، وفي عهده قُسّمت البلاد بين إخوانه، واستقلّ كل واحد منهم بجزء من البلاد ممّا حدا بالأمويين في الأندلس والفاطميين في مصر من السيطرة علي بلادهم، وقد صالح آخر حكامها يحيي بن إدريس علي البيعة للحاكم الفاطمي عبد الله المهدي. وبفضل الأدارسة انتشر الإسلام في كثير من مناطق العالم، وأسست الكثير من المدن وعلي رأسها مدينة فاس، وبفضلهم أنشئت المدارس والمكتبات وتوسع العمران؛ حيث رفعوا شعار «الأرض لله ولمن عمرها» وازدهرت الصناعات والحرف؛ ممّا أوجب زيادة التجارة، وأصبحت عملتهم سارية في جميع الأمصار، وهذه الأمور أدت إلي تحضّر البلاد وازدهارها. للمزيد راجع الموسوعة الإسلامية: ج4 ص105 لحسن الأمين، روض القرقاس لابن أبي زرع. وقد قامت حكومات شيعية أخري في التاريخ كالدولة الجلائرية التي أسّسها حسن الجلائري، التي حكمت العراق من سنة 740 ه وإلي 813 ه، وأشهر سلاطينها إدريس الجلائري، ودولة بني حمود في المغرب وهم أحفاد الأدارسة الذين ساهموا وبشكل فعال في إسقاط الدولة الأموية في الأندلس.

() مثلاً: قاد عبد الكريم قاسم سنة 1958م انقلاباً عسكرياً علي فيصل الثاني، وقاد عبد السلام عارف انقلاباً علي عبد الكريم قاسم سنة 1963م، وقاد أحمد حسن البكر سنة 1968م انقلاباً علي عبد الرحمن عارف، وقاد صدام التكريتي سنة 1979م انقلاباً علي البكر.

() الذي قاده عبد الكريم قاسم سنة 1958م.

()

الذي قاده عبد الرحمن عارف سنة 1963م.

() الذي قاده أحمد حسن البكر سنة 1968م.

() دام العهد الملكي قرابة ثمان وثلاثين سنة من 25 تشرين الأول 1920م واستمر إلي 17 تموز 1958م وبلغ عدد الوزارات فيه تسعاً وخمسين وزارة، احتوت علي 575 مقعداً وزارياً، تناوب علي شغلها 175شخصاً، وبلغ عدد رؤساء الوزارات 23 شخصاً أولهم عبد الرحمن الجيلاني وآخرهم أحمد مختار بابان. وتناوب علي هذه الوزارات أربعةٌ وعشرون شخصاً، عشرون منهم من الطائفة السنية وأربعة من الشيعة، وحصل السّنة علي رئاسة الوزراء أربعاً وخمسين مرّة بما فيها الحكومة المؤقتة برئاسة الجيلاني، مقابل خمس مرات للشيعة، وحكم السُّنّة أكثر من ست وثلاثين سنة في حين حكم الشيعة أقل من سنتين. وشغل العسكريون من الوزارات ثماني وثلاثين وزارة مقابل إحدي وعشرين وزارة شغلها المدنيون، وتناوب علي الوزارات أحد عشر شخصاً من العسكريين في حين تناوب ثلاثة عشر شخصاً من المدنيين، علماً أن جميع الوزارات العسكرية كان يقودها السنة في حين أنّ الوزارات الشيعية الخمس كانت مدنية. للمزيد راجع كتاب تلك الأيام للمؤلف رحمة الله عليه وتاريخ الوزارات العراقية: ج10 للسيد عبد الرزاق الحسني.

() كمناطق جنوب العراق ووسطه وعلي الخصوص العتبات المقدسة.

() جرترود لو شبان بيل، ولدت سنة 1868م وماتت في الثاني عشر من تموز سنة 1926م، درست في جامعة أكسفورد، ثم أرسلت من قبل وزارة المستعمرات البريطانية إلي سورية ونجد والعراق، ودخلت العراق سنة 1909م و1910م و1911م و1914م لمهام تجسّسية، وفي سنة 1916م التحقت بالهجوم البريطاني علي العراق وعملت كمستشارة للمندوب السّامي البريطاني وظلت في منصبها حتي وفاتها ودفنت في بغداد في مقبرة المسيحيين. من مؤلفاتها:

العراق في رسائل المس بيل؛ ترجمة جعفر الخياط، و «فصول من تأريخ العراق

القريب»؛ ترجمة جعفر الخياط، و سورية البادية المعمورة وكتاب رابع يحتوي علي عشائر العراق وأصولهم ومشجرات أنسابهم.

() نوري سعيد صالح السعيد، من تلاميذ لورنس، ضابط في الأركان البريطانية، حيث كان معه منذ صباه واشترك معه في الحرب ضد العثمانيين، بعد أن كان ضابطاً في الجيش العثماني، ويعد من ركائز بريطانيا في الشرق الأوسط كما وصفه الرئيس المصري جمال عبد الناصر بذلك، ومؤيداً ومخلصاً للعلاقات مع بريطانيا؛ كما وصفه السير موريس بيترس السفير البريطاني في العراق بين عام 1938 1939م في كتابه «جانبا الستار».

ولد في بغداد سنة 1306ه (1888م) وقتل سنة 1377ه (1958م)، أصبح رئيساً للوزراء بين سنة 1349ه 1377ه (1930م 1958م) لأربع عشرة دورة، ووزيراً للدفاع لخمس عشرة دورة، ووزيراً للخارجية في إحدي عشرة دورة، ووزيراً للداخلية في دورتين، وضع إمكانات العراق وقدراته تحت تصرف البريطانيين عبر التحالف معهم، وقد جعل العراق ضمن التكتلات الدولية والتبعية الاقتصادية وسوقاً لمنتجات الدول الاستعمارية، يقول عنه فيصل الأول: «إن نوري السعيد كان يعتمد علي الوحي الذي يأتيه من الخارج أكثر من اعتماده علي رأيه أو رأي إخوانه». ويقول أحمد مختار بابان، آخر رئيس وزراء في العهد الملكي في مذكراته ص55: كان نوري متمسكاً بصداقة الإنجليز اعتقاداً منه بأن بلادهم هي الدولة الوحيدة التي يجب أن يركن لها العراق. ويقول ولدمار غولمان السفير الإمريكي في العراق من سنة 1954 1959م في كتابه «العراق في عهد الجنرال نوري» عن علاقة نوري بإسرائيل: «إن تصريحات نوري السعيد العلنية عن إسرائيل كانت تختلف اختلافاً شديداً عما كان يقوله في مجالسه الخاصة. كان نوري يقول في مجالسه الخاصة: «إن وجود دولة إسرائيل حقيقة يجب أن تقبل». وكان نوري السعيد يكره المعارضة ولا يتحمل

تأسيس الأحزاب، يقول بابان في مذكراته ص58 في هذا الصدد: يكره المعارضة … ولا يتحمل تأسيس الأحزاب المعارضة … وما كان يميل إلي حرية الصحافة. وفي مكان آخر من نفس الصفحة يقول: «عليّ أن أقر أيضاً كان نوري السعيد ارتكب خطأً سياسياً آخر حين أقدم علي غلق الأحزاب السياسية، فإن الأحزاب المذكورة بقيت تمارس أعمالها في الخفاء، فيما كان وجودها العلني أضمن لصيانة الأمن والنظام». راجع للحيطان آذان وللشوارع ألسنة للنشاشيبي ص18، «العراق صفحات من التاريخ السياسي» للدكتور كاظم الموسوي ص 15، «مذكرات أحمد بابان» لأحمد بابان ص55، 58. و أعمدة الحكمة السبعة للورنس، «العراق في مذكرات الدبلوماسيين الأجانب» لنجدة فتحي صفوة.

() لم تكن سياسة نوري السعيد تقتضي إلقاء الفتن بين الشيعة فقط، بل إلقاء الفتن بين السنة والشيعة، يقول طه الهاشمي في مذكراته ليوم 7 آذار 1940م: «وأذكر أني قلت لنوري يوماً إني أرتاب من علاقة الرتل الخامس في حادثة الاغتيال اغتيال رستم حيدر ومن الجائز أن عملاء الألمان حرضوا القاتل علي الاغتيال ليحدثوا شغباً بين الشيعة والسنة، وكان قد شاع أن القاتل كان من ألمانيا، فلما سمع نوري بهذا الخبر ارتاح له وكادت تحدث فتنة طائفية. حيث نشر نوري أن قتل رستم حيدر هو لحزازات طائفية».

() وقد تطرق الإمام المؤلف رحمة الله عليه إلي تلك الآثار في مذكراته (تلك الأيام).

() وقد دفن في هذه المقبرة علماء أجلاء أقامت السلطات الحكومية عليها إحدي الأبواب الرئيسية للروضة.

() ياسين حلمي سلمان الهاشمي، ولد في بغداد سنة 1884م ومات في 21 كانون الثاني سنة 1937م، ودفن في سوريا بجوار صلاح الدين الأيوبي، أحد أعضاء جمعية العهد، تولّي قيادة أحد فيالق العثمانيين، كان علي ارتباط بفيصل الأول، وقد

عيّنه فيصل رئيساً للأركان أيام حكومته في سوريا سنة 1918م، دخل العراق سنة 1922م، وشغل عدة مناصب وزارية فيه كالأشغال والمواصلات والأوقاف والمالية، وشغل منصب رئيس الوزراء سنة 1924م وسنة 1935م. يعد من أعمدة الاستعمار البريطاني في العراق، تقول عنه الجاسوسة البريطانية، المس بيل: أعتقد أن ياسين رجل القدر. أطلق عليه العراقيون لقب أتاتورك العراق، لقساوته وعنفه وطغيانه، فقد أخذ علي عاتقه تصفية الحوزات العلمية وحل جميع الأحزاب ومنع إجراء مراسم الشعائر الحسينية حتي إنه هدم مأذنة حرم الإمام الحسين عليه السلام سنة 1357ه واستخدم العنف في تطبيق التجنيد، هرب إلي بيروت سنة 1936م وبقي هناك إلي موته.

() السيد ميرزا مهدي بن حبيب الله الشيرازي، ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1304ه وتوفي في شهر شعبان من سنة 1380ه عن عمر يناهز الست والسبعين سنة، تنقل في طلب العلم بين كربلاء وسامراء والكاظمية والنجف، تتلمذ عند الشيخ الخراساني والسيد اليزدي والشيخ محمد رضا الهمداني والسيد علي نجل المجدّد الشيرازي والميرزا النائيني والشيخ محمد تقي الشيرازي، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد حسين القمي سنة 1366ه، شارك في ثورة العشرين، وفي سنة 1360ه (1941م) أفتي بطرد الإنجليز من العراق، وفي نهاية الخمسينات وقف بوجه المدّ الشيوعي وأصدر فتوي بتكفيرهم، وتصدي سنة 1360ه لانحرافات الشاه الذي سعي لنشر التبرّج والخلاعة في إيران، ودعاه إلي الالتزام بالأحكام الشرعية في الأوقاف وفي منع الاختلاط في المدارس ووجوب تدريس الأحكام الشرعية في المدارس وتحسين الوضع الاقتصادي العام، كما وقف بوجه المدّ القومي في زمن عبد السلام عارف. من مؤلفاته المطبوعة: ذخيرة العباد، ذخيرة الصلحاء، الوجيزة، تعليقة علي العروة الوثقي، تعليقة علي وسيلة النجاة. ترجمته في كتاب أسرة المجدّد الشيرازي لنور

الدين الشاهرودي وكتاب أضواء علي حياة الإمام الشيرازي، وكتاب «تراث كربلاء» للسيد سلمان آل طعمة.

() أسّسها الإمام الشيرازي رحمة الله عليه إبان الامتداد الشيوعي علي أرض الرافدين وهي تضم شخصيات وعلماء من مدينة كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، وعقدت أول جلساتها في جمادي الأولي من نفس السنة، وقد حظيت هذه الجماعة بمباركة الإمام السيد مهدي الشيرازي رحمة الله عليه والإمام السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه وغيرهم، للتفصيل عن تشكيل هذه الجماعة راجع مذكرات الإمام المؤلف رحمة الله عليه: تلك الأيام ص126 تحت عنوان: هكذا شكلت جماعة العلماء.

() صلاح الدين يوسف بن نجم الدين بن شادي الأيوبي، ينحدر من سلالة فرنسية من جهة الأم؛ كما صرح بذلك الدكتور الفرنسي لويس بوزيه في محاضرة ألقاها في مؤتمر صلاح الدين الأيوبي في نيسان من سنة 1994م، هاجر جدّه شادي مع ولديه نجم الدين وأسد الدين إلي بغداد وعيّن علي قلعة تكريت، ويعد مؤسس الدولة الأيوبية والتي أسماها باسم عائلته واستمر حكمها من سنة 564ه (1169م) وإلي 648ه (1250م)، وأطيح بها من قبل المماليك، وقد حكموا مصر وبلاد الشام وبعض بلاد العراق والجزء الجنوبي من شبه جزيرة العرب اليمن، وعدد حكامها ثمانية أشخاص، أولهم: صلاح الدين وآخرهم نوران شاه، ولد صلاح الدين في تكريت سنة 532ه (1137م)، وعاش في الشام عشر سنوات، في عهد نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي ثم ذهب مع عمه أسد الدين شيركوه إلي مصر مع ثمانية آلاف فارس حيث أرسلهم نور الدين زنكي، استجابةً لدعوة الخليفة الفاطمي العاضد الذي طلب مساعدته كراراً للردّ علي الصليبيين، الذين زحفوا علي عسقلان حتي وصلوا إلي «بليس» وهددوا القاهرة ثم تقهقروا عنها دون قتال، وأن نور الدين

قبل مساعدة العاضد بشرط أن يمتلك ثلث مصر، وعندما وصل شيركوه إلي القاهرة، عهد إليه العاضد منصب الوزارة والذي بقي فيها مدة شهرين وخمسة أيام، حيث وافاه الأجل، ثم عهد من بعده لصلاح الدين، ولكن صلاح الدين سعي للتخلص من العاضد، فانقلب علي الحكم وقضي علي الدولة الفاطمية وخطب للعباسيين واعترف بسلطة الحاكم العباسي صورياً سنة 566 ه

(1171م)، وقد حكم مصر أربعاً وعشرين سنة من 564ه (1169م)، ومات سنة 589 ه

(1193م) عن عمر يناهز السبع والخمسين سنة، واشتهر صلاح الدين بالإدمان علي الخمر وارتكاب الفواحش؛ وهذا ما صرح به أحد أعوانه وهو ابن شدّاد في كتابه النوادر السلطانية، وكذا ذكره سير أعلام النبلاء ج1 ص279 وزبدة الحلب في تاريخ حلب المجلد الثاني، اتّسم حكمه بالديكتاتورية والاستبداد وأجبر الناس علي اعتناق المذهب الشافعي، وحارب مذهب الشعب المصري وهو مذهب التشيع، وحبس علماءهم وكان يتتبع آثارهم لقتلهم، فقد قتل الفيلسوف السهروردي، وعزل قضاة الشيعة وصلب بعضهم، أمثال: هبة الله بن كامل وعبد الصمد الكاتب وداعي الدعاة بن عبد القوي، وكان يقتل كل من يمدح أهل البيت عليهم السلام أو يذكر فضائلهم فيقطع لسانه ويديه ثم يرجمه، كما قتل الشاعر عمارة اليمني، وكان يأخذ الضرائب والمكوس من الشيعة لتشيعهم وأقلها خمسمائة ألف درهم، وقد أحرق المكتبات سنة 574ه بعد أن أضرم النار فيها. وألقي بعضها الآخر في نهر النيل وترك قسماً منها في صحراء سيناء فسفت عليها الرياح حتي صارت تلالاً، عرفت بتلال الكتب، كما أن حمّامات القاهرة بقيت ستة أشهر تحرق الكتب لتسخين المياه في مراجلها وبعض هذه الكتب بيع وبعضها أخذه العبيد والإماء متّخذينها أحذية لهم!. ومن المكتبات التي أحرقها خزانة الكتب التي أنشأها (العزيز بالله)

سنة 365 ه؛ وكانت تحتوي علي مليونين وستمائة ألف كتاب في جميع العلوم، يقول جرجي زيدان في تأريخ التمدن الإسلامي: ج2 ص229: «كانت تحتوي علي ثمانية عشر ألف كتاب في العلوم القديمة وستة آلاف وخمسمائة جزء من كتب النجوم والهندسة والفلسفة، وكان فيها 340 ختمة قرآن بخطوط منسقة مزينة بالذهب ومجلدة بشكل نفيس وكان فيها 1200 نسخة من تأريخ الطبري»، وأحرق دار الحكمة التي أنشأها الآمر بالله سنة 395 ه وكانت تضم أكثر من مائة ألف كتاب. ويقول الدكتور ألكسندر ستيفيتش في كتابه تاريخ الكتاب القسم الأول: ص143 ما نصه: وقد سجلت نهاية العصر الفاطمي بداية انهيار المكتبات الكبري في القاهرة فقد أدي النهب والحرائق واللامبالاة إلي القضاء علي قسم كبير من ثروة المكتبات التي كان الخلفاء الفاطميون وهم من محبي الكتب قد أنفقوا عليها الكثير من اهتمامهم وثروتهم، ومن الجرائم التي تفرد بها أنه فرق بين رجال الشيعة ونسائهم بعد أن سجنهم مصفدين بالسلاسل والقيود حتي لا يتناسلوا، وجعل يوم العاشر من المحرم يوم استشهاد سبط الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله يوم عيد، نكاية بالإمام الحسين عليه السلام، ومنع ذكر حيَّ علي خير العمل في الأذان وصادر أموال الناس وأعطاها لجنده وغير ذلك ممّا يندي له جبين كل صاحب شرف وغيرة ودين وإنسانية، لمزيد من التفصيل راجع كتاب (صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والصليبيين والفاطميين) للباحث حسن الأمين.

() مجموعة حروب شنها الغربيون علي بلاد الإسلام، عرفت بالحروب الصليبية واستمرت طيلة قرنين من الزمن منذ سنة 490ه (1096م) وإلي سنة 691ه (1291م)، وكان ذلك في زمن البابا أُربان الثاني وبمساعدة بطرس الناسك بعد أن دعا الأول إلي مؤتمر «كلير مون» الذي عقد في

فرنسا في ذي القعدة سنة 488ه (تشرين الثاني 1095م)؛ لتأليب المسيحيين ضد المسلمين والتحريض لهذه الحروب، واستجاب ملك فرنسا لأربان الثاني. وعدد هذه الحروب ثمانية، واشتركت فيها أغلب الدول الأوربية كفرنسا وألمانيا وإنجلترا وأسكتلندا وإيطاليا، وإن الدوافع لهذه الحروب عند الأوربيين تتجسد في النزعة الدينية والتخلص من المشاكل التي يثيرها رجال الشمال ومن نظام الإقطاع وسيادة الملاّك، حيث رأي الفلاحون والعبيد مشاركتهم في الحرب تعني التخلص من أسيادهم وفرصة للنجاة من الفقر والمجاعة والعوز، والذهاب إلي بلاد الشرق التي عرفت بامتلاك الخيرات، وخلال هذه الحروب ذهب الكثير من المسلمين بين قتيل وأسير ومعاق، وانتهكت الأعراض وأحرقت المكتبات وهدمت البلاد، وعبر هذه الحروب بث الغربيون فكرة فصل الدين عن السياسة حتي يتساوي الذّمي والمسلم، وعبرها كذلك نقل الغربيون الهندسة الحربية والنمط الهندسي المعماري الإسلامي والحرير والأنسجة الدمشقية والأرجوان والمرايا والكثير من الكتب الإسلامية إلي بلادهم. راجع: الحروب الصليبية للدكتور حسن حبش.

() فقد قتل صلاح الدين مليون مسلم شيعي وسجن عشرة آلاف شخص منهم ذكوراً وإناثاً وبكافة الأعمار بعد أن صادر ما يملكون؛ حيث سجن الذكور كهولاً وشباباً وأطفالاً في سجن مدي الحياة، مصفّدين بالسلاسل والقيود، وسجن النساء عجائز وصبايا في سجن آخر وبنفس الصفة والطريقة، ومنعوهم من التناسل؛ لتنقطع ذرية الشيعة، واستمر هذا الحال بالمساجين سنوات متتالية حتي انقرضت الدولة الأيوبية.

() مثلاً أعطي لولده عثمان الملقب بالعزيز مصر، وأعطي لأكبر أولاده، الأفضل دمشق وما حولها، ولولده، الظاهر حلب وما إليها، ولابن أخيه المنصور، حماه، ولابن عمه محمد بن شيركوه، حمص والرحبة، ولأخيه العادل أبو بكر، الجزيرة وما حوتها، ولأخيه طغتكين اليمن ومعاقلها، وأعطي لأمجد بهرام شاه بعلبك وأعمالها، وأعطي للظافر بن الناصر بصري وأعمالها، وأن ورثته

لم يقتنعوا بما تحت أيديهم بل تنازعوا وتقاتلوا، وبدل أن يحاربوا الزحف الصليبي، حارب بعضهم بعضاً، بل استعانوا بالصليبيين علي بعضهم، مثلاً: الكامل والأشرف ولدا عادل أخي صلاح الدين تبادلا الرسل مع الملك الصليبي فردريك الثاني إمبراطور الروم؛ ليساعدهما علي أقربائهما لقاء صفقة تسليم القدس وما حولها ومعها الناصرة وبيت لحم وطريقاً يصل بين القدس وعكا وذلك سنة 625ه (18 شباط 1229م).

() مثلاً: إن صلاح الدين كان يراسل الصليبيين لعقد الصلح معهم وكان الوسيط بينه وبينهم أخاه العادل.

() بسر بن أرطأة العامري، ولد بمكة قبل الهجرة وأصابه الجنون أواخر حياته وهلك سنة 86 ه، عرف بقساوة قلبه وسفكه للدماء، شارك مع معاوية في واقعة صفين وضربه الإمام علي عليه السلام فصرعه ولكن بسراً كشف عن عورته فكفَّ عنه الإمام عليه السلام، وقال مالك الأشتر للإمام عليه السلام حين سقط بُسر علي الأرض: «هذا بسر بن أرطأة، عدو الله وعدوك. فقال عليه السلام: دعه، عليه لعنة الله، أَبَعْدَ أن فعلها؟» وفي ذلك يقول الحارث بن النضر:

أفي كلِّ يوم فارس غير مُنتهٍ

وعورته وسط العجاجة بادية

يكفُّ لها عنه علي سنانه

ويضحَكُ منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنّع رأسه

وعورة بسرٍ مثلها حذو حاذية

ولا تحموا إلاّ لحَيَا وخصاكُما

هما كانتا والله للنفس واقية

أرسله معاوية لمحاربة أهل المدينة ومكة سنة 40ه بثلاثة آلاف مقاتل؛ حيث قال له: «سر حتي تمرّ بالمدينة فاطرد الناس وأخف من مررت به وانهب أموال كل من أصبت له مالاً ممّن لم يكن قد دخل في طاعتنا، وكذلك قال له: «من لا يبايع اقتله» كما ذكر ذلك أبو إسحاق في كتابه الغارات: ص415، وعندما دخل المدينة، هدم بيوتها وقتل الرجال والأطفال وأحرق بعضهم بالنار، وسبي النساء؛ فكن

أول مسلمات سبين في الإسلام، وقد باع معاوية النساء المسلمات المسبيات في الأسواق، فكان يكشف عن سيقانهن فأيّها أعظم ساقاً تشتري بثمن غالٍ، وقد أكره الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري علي البيعة لمعاوية، وعندما أرسل معاوية بسر بن أرطأة إلي اليمن ليقتل شيعة علي عليه السلام ويأخذ البيعة لمعاوية وكان عليها عبيد الله بن العباس والي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، هرب عبيد الله حين أحسّ بهجوم بُسُر عليه وعندما دخل بُسُر اليمن، فعل ما فعل بأهل المدينة، وسبي النساء وقتل الأطفال حتي إنه ذبح القثم وعبد الرحمن، طفلي عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وكانا في حجر أمهما، جويرية الكناني، وعندما شاهدت أمهما هذا المنظر انهارت وأخذت تنشد:

سمعي وعقلي فعقلي اليوم مختطف

من قبلهم ومن الإثم الذي اقترفوا

مشحوذة وكذاك الإثم يقترف

يا من أحس بابني اللذين هما

حدثت بسراً وما صدقت ما زعموا

أنحي علي ودجي ابني مرهفه

راجع تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: المجلد العاشر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص17، أسد الغابة: ج1 ص179، مروج الذهب: ج3 ص30، الاستيعاب: ج1 ص242، الغارات: ص404، وقعة صفين: ص316، السيرة النبوية: ج3 ص40.

() مسلم بن عقبة المرّي، وسُمّي ب مسرف؛ لكثرة سفكه للدماء، قاد جيشاً من أهل الشام لقتال أهل المدينة قوامه خمسة آلاف في 28 ذي الحجة سنة 64ه، وقيل: 63ه، حيث قال له يزيد بن معاوية تنفيذاً لوصية أبيه: واجعل طريقك علي المدينة فإن حاربوك فحاربهم وإن ظفرت بهم فأبحهم ثلاثاً. وتقاتل مع أهل المدينة وكان أميرهم عبد الله بن حنظلة، غسيل الملائكة، وقُتل عبد الله مع سبعمائة من المهاجرين والأنصار والموالين؛ كما ذكر ذلك في البداية والنهاية: ج8 ص222، بالإضافة إلي

عشرة آلاف شخص من الرجال والنساء والأطفال، ودخل (مسرف) المدينة وأباحها ثلاثة أيام لجنوده وسرقوا أموالهم وممتلكاتهم وهتكوا أعراضهم. وقد ورد في التاريخ أنهم زنوا في المسجد النبوي حتي وَلَدت ألف امرأة بكر من الزنا بعد الواقعة وعرفوا بأولاد الحرّة، وأخذوا الناس علي أن يبايعوا أنهم عبيد ليزيد؛ فكان الرجل من قريش يؤتي به فيقال: بايع علي أنك عبد قن للخليفة، فيقول: لا، فيضرب عنقه، وبعد أن فعل الأفاعيل بالمدينة، توجه إلي مكة لقتال عبد الله بن الزبير الذي رفض البيعة ليزيد بن معاوية، ومات في الطريق في منطقة تعرف ب الغدير، واستخلف الحصين بن النمير لقيادة الجيش والذي رمي الكعبة بالمنجنيق وانهدمت واحترقت.

() الحجاج بن يوسف الثقفي، ولد في الطائف سنة 41ه (661م)، وانتقل إلي الشام ودخل في خدمة الدولة الأموية؛ فاشترك في الجيش الذي قاده عبد الملك بن مروان لقتال مصعب بن الزبير، وفي سنة 70 ه (689م) ولاّه عبد الملك قيادة الجيش الذي أرسله لقتال عبد الله بن الزبير في الحجاز فسار نحو مكة وضرب الكعبة بالمنجنيق من جبل أبي قبيس وتغلب علي ابن الزبير وصلبه، وظلّ بالحجاز حتي سنة 74ه (694م)، ثم ولاّه عبد الملك بن مروان الكوفة، وقتلته بعوضة سنة 95 ه (714م)، وعاش 53 سنة، يعدُّ من أسوأ عمّال بني أمية، أسهم في توطيد حكمهم، وقد وصف الحجاج نفسه كما عن ابن سعد في الطبقات ج6 ص66: «ما أعلم اليوم رجلاً علي ظهر الأرض هو أجرأ علي دمٍ مني»، وقد وصفه خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام: وكان سفاكاً سفاحاً باتفاق معظم المؤرخين، وقال عنه اليافعي في مرآة الجنان: إنّ أكبر لذّته سفك الدماء، ووصفه عمر بن عبد العزيز

قائلاً: «الوليد بالشام والحجّاج بالعراق وقرّة بمصر وعثمان بن حيان بالحجاز، امتلأت والله، الأرض جوراً»، اتّسم حكمه بالقتل والبطش، ومثال علي ذلك: قال الحجاج لخالد بن يزيد بن معاوية: ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف، كلهم يشهد أنك وأباك وجدك من أهل النار انظر مسالك الابصار: ص123، كما ذكر المسعودي في التنبيه والإشراف ص318: إن عدد من قتلهم الحجاج صبراً بلغ مائة وثلاثين ألفاً، عدا من قتل في زحوفه وحروبه، وفي «تاريخ الخلفاء» للسيوطي و الإمامة والسياسة لابن قتيبة، أن عبد الملك لما كتب إلي الحجاج يأمره بالمسير إلي العراقيين ويحتال لقتلهم، فلما دخل المسجد في البصرة وقد حان وقت الصلاة صعد المنبر فحمد الله ثم قال: أيها الناس، إن الأمير عبد الملك قلدني بسيفين حين توليته إيايّ عليكم سيف رحمة وسيف عذاب ونقمة، فأما سيف الرحمة فسقط في الطريق، وأما سيف النقمة فهو هذا، فجعل السيوف تبري الرقاب فقتلوا من المسلمين بضعة وسبعين ألفاً حتي سالت الدماء إلي باب المسجد وإلي الطرق. وقد ذكر الميرزا حبيب الله الخوئي في «منهاج البراعة»: ج3 ص 359 ما لفظه: وأحصي من قتل بأمره الحجاج سوي من قتل في حروبه فكان مائة ألف وعشرين ألفاً ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، ولم يجب علي أحد منهم قتل ولا قطع، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد لا سقف له، فإذا آوي المسجونون إلي الجدران؛ يستظلون بها من حرّ الشمس، رمتهم الحرس بالحجارة، وكان طعامهم خبز الشعير مخلوطاً بالملح والرماد. وقريب من هذا المعني في كتاب: (شجرة طوبي: ج1 ص128)، وقال الشيخ عباس القمي في (وقائع الأيام): إنّ 15 ألف امرأة من سجنائه كن

حافيات عاريات. وقد أذلّ المسلمين بتصرفاته؛ يقول صاحب كتاب «أُسد الغابة» عندما ولي الحجاج المدينة ثلاثة أشهر، عبث فيها واستهزأ بأصحاب الرسول صلي الله عليه و اله فقد: «ختم الحجاج في عنق سهل الساعدي وأنس بن مالك وفي يد جابر، يريد إذلالهم». وقتل: كميل بن زياد وسليم بن قيس وقنبر مولي الإمام علي عليه السلام وسعيد بن جبير الذي كان عمره 99 سنة والذي وصفه أحمد بن حنبل قائلاً: «ما علي وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلي علمه»، وقتل عبد الرحمن بن أبي ليلي وابن أم طويل وهو من حواريي الإمام السجاد عليه السلام بعد أن قطع يديه ورجليه. وكان الحجاج يأمر بالشخص فيقتل ثم يمد علي جسمه السماط ويأكل ويقول: إني ألتذّ أن أري أطراف السماط تتراقص أمامي علي أجساد القتلي وأن آكل علي مثل هذا السماط. وقد ذكر في التاريخ أنه نبش اثنين وعشرين ألفاً من القبور في ضواحي الكوفة، ويروي أن موظف الضرائب من قبل الحجاج دخل علي إنسان وطالبه بزكاة أغنامه فقال له الرجل: ليس عندي زكاة لأن ماشيتي ماتت بسبب البرد، فرجع الموظف إلي الحجاج وبدل أن يخبره بالحقيقة، ذكر أن الرجل يرفض الإيمان بالزكاة. واستغل الحجاج الموقف فأمر بإحضار الرجل. وقال له: كيف لا تؤمن بالزكاة؟ قال الرجل: والله، إني مسلم ولا يسع المسلم إلاّ أن يؤمن بالزكاة. فقال له الحجاج: إذاً كيف قلت إنك لا تؤمن بالزكاة؟ قال الرجل: لم أقل ذلك، إنما قلت: ليس عندي ما يتعلق به الزكاة. ولم يقتنع الحجاج، فقال للرجل: لابد أن يكون لك قلب أكبر من قلوب الآخرين ولهذا تجرأت علي رد كلامي. ثم صاح: أيها الجلاد، أخرج لي قلبه. وبعد

لحظات كان النطع ينتظر الرجل حيث شدّوا يديه وربطوا رجليه ثم مدّوه وشقّوا صدره وأخرجوا قلبه وقدّموه إلي الحجاج، وكان القلب لا يزال يضطرب. ولما أخذه الحجاج ضحك ضحكة صفراء ثم قال: لا، لم يكن قلبه أكبر، ردّوا إليه قلبه وادفنوه. للمزيد من المعلومات عن جرائمه راجع كتاب (الشيعة والحاكمون) وكتاب (الشيعة في الميزان) لمحمد جواد مغنية، البداية والنهاية لابن كثير: المجلد التاسع، مروج الذهب للمسعودي: المجلد الثالث، تهذيب التهذيب: المجلد الثاني، مستدركات أعيان الشيعة المجلد الأول، الصياغة الجديدة: ص546.

() زياد ابن سمية والمشهور ب(زياد بن أبيه)، ولد في السنة الأولي للهجرة (622م)، ينتسب تارة إلي العبد الرومي عبيد الثقفي لقول الرسول صلي الله عليه و اله: (الولد للفراش وللعاهر الحجر). وكان عبيد زوجاً لسمية وواقعها أبو سفيان سفاحاً وأخري إلي أبي سفيان، استلحقه معاوية سنة 44ه (664م) عندما رآه معاوية من طلاب الدنيا لقصة مفادها: أن أبا سفيان أتي الطائف فنزل علي رجل يبيع الخمر يقال له: أبو مريم، فقال له أبو سفيان: قد اشتهيت النساء. فقال أبو مريم: هل لك في سمية؟ فقال أبو سفيان: هاتها علي طول ثدييها ووفر بطنها، فواقعها فولدت زياداً. وقال معاوية: نزل من ظهر أبي، وشهد أبو مريم عند معاوية عندما أراد إلحاق زياد قائلاً: إني رأيت إستي سمية يقطران من مني أبي سفيان، ولاّه معاوية الكوفة ثم البصرة وخراسان والهند وعُمان، وقال له: «اقتل من كان علي دين عليٍّ ورأيه»، وكان يأخذ بالظنة ويعاقب بالشبهة، وقد حمل الصحابي حجر بن عدي وأصحابه إلي معاوية في سلاسل علي جمال، اكتراها لهم صعاباً، وكان يبطش بشيعة أهل البيت عليهم السلام، يقول الميرزا حبيب الله الخوئي في كتابه منهاج البراعة:

ج7 ص 141 142 ما لفظه: قتل زياد من شيعة العراق تحت كل كوكب وتحت كل حجر ومدر وأغاضهم وقطع الأيدي والأرجل منهم وصلبهم علي جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشرّدهم حتي انتزحوا من العراق فلم يبق بها أحد منهم إلاّ مقتولاً أو مصلوباً أو طريداً أو هارباً، ومات سنة 51ه (671م)؛ كما ذكره اليعقوبي، وقيل: سنة 53ه (673م). للتفصيل راجع: لسان الميزان: ج2 ص493، سير أعلام النبلاء: ج3 ص494، شذرات الذهب: ج1 ص59، مرآة الجنات: ج1 ص 126، ميزان الاعتدال: ج2 ص86، الطبقات الكبري: ج7 ص99، منهاج البراعة: ج7 ص141، العقد الفريد: ج5 ص6، الكامل في التاريخ: ج2 ص474.

() خالد بن عبد الله القسري، الذي عرف بالقتل والبطش والدهاء والقسوة، ولاّه الوليد بن عبد الملك مكة والمدينة، وكان علي صلة بالحجاج في مطاردة أصحاب الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم، وكان يسب ويلعن أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله علي المنبر، وفي فترة ولايته أخذ يطارد محبّي أهل البيت عليهم السلام فأصدر أمراً لأهل الحجاز وتوابعها يحملهم فيه مسؤولية إيواء كل من يأتي فارّاً من حكومة الحجاج وتعريضهم لأقسي العقوبات، وفي فترة ولايته، صادر أراضي الناس وجعلها ملكاً له، أخذ يتعطف علي النصاري ويعيّنهم في سلك الدولة، محاباة لأخواله؛ إذ كانت أمه نصرانية. قتل سنة 120ه (738م) من قبل هشام بن عبد الملك.

() محمد بن المنصور ثالث حكام بني العباس، ولد سنة 127ه (744م) ومات سنة 169ه

(785م) وعاش 43سنة، حكم عشر سنوات وشهراً واحداً من سنة 158ه (775م) وإلي 169ه (785م)، اتّسم حكمه بالاستبداد والديكتاتورية وقتل أهل البيت عليهم السلام وقد سعي لقتل عيسي بن زيد بن الإمام زين العابدين عليه السلام ولكنه تواري

عنه وتنكر في لباسه وعمله ونسبه؛ فلبس لباس السّقّائين وامتهن مهنة السِّقاية فلم يعرف أهل الكوفة حقيقته وأخفي أمره حتي علي زوجته وأولاده.

() جعفر بن المعتصم بن هارون، عاشر حكام بني العباس، ولد سنة 207ه (822م)، وحكم سنة 232ه (846م)، وقُتل سنة 247 ه (861م) من قبل ولده المنتصر في مجلس لهوه وطربه بين العود والناي. اتّسم حكمه بالقتل وسفك الدماء وعلي الخصوص لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، يقول ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» في حوادث سنة 236ه: وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب وأهل بيته، وكان من يبلغه عنه أنه يتولي علياً يقتله ويصادر أمواله، وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) ما معناه: إن المتوكل أمر واليه علي مكة والمدينة أن يعاقب كل من يساعد آل أبي طالب بالإحسان، وقد بلغ بهم الفقر حداً أن العلويات كُنَّ يرتدين ملابس رثة وممزقة، ولم يكن عندهن سوي ثوبٍ واحدٍ، كن يتناوبن عليه وقت الصلاة، واستمر هذا الوضع إلي مقتل المتوكل، وكان يبذل الأموال للشعراء الذين يذمّون الشيعة فقد أعطي لأبي السمط ثلاثة آلاف دينار وعقد له علي البحرين واليمامة وخلع عليه أربع حلل؛ لأنه هجا الشيعة، وكان المتوكل أول خليفة يسخر في مجالس لهوه من سبطي رسول الله صلي الله عليه و اله؛ كما ذكر ذلك المسعودي. وسعي لهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام وما حوله من المنازل والمباني أربع مرات؛ لمنع الناس من الزيارة، أُولاها سنة 233ه، وثانيها سنة 236ه، وثالثها 247 ه، وقد قتل العالم اللغوي يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السُّكيت سنة 244ه (858م)؛ لأجل تشيعه. للمزيد راجع مروج الذهب: ج4 ص 47، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص137،

ثمار القلوب للثعالبي: ص134، مقاتل الطالبيين: ص385.

() وممّا يؤخذ علي صلاح الدين الأيوبي:

1: أنه جني علي التاريخ والأدب والثقافة العربية والإسلامية، بهدمه لدور العلم والمعرفة وإحراقه للكتب وقتله للعلماء والفلاسفة والشعراء.

2: بعد استرداده للقدس في معركة حطين، أصدر مرسوماً سنة 586ه (1190م)، يدعو فيه اليهود لاستيطان القدس الذي كان محظوراً عليهم من قِبَل المسيحيين.

3: أن تصرفاته بعد استرداد القدس، أبطلت نتائج الانتصار؛ لأنه أعاد للصليبيين المدن الفلسطينية جميعاً باستثناء القدس، وبهذا العمل جعل دماء المقاتلين الشرفاء وثروات المسلمين تذهب سديً.

4: عقده للهدنة مع قلب الأسد، الزعيم الصليبي، والتي لا مبرر لها سوي تكريسه لمصالحه الشخصية علي حساب مصالح الأمة الإسلامية، حيث منح بموجبها الصليبيين مدينة حيفا ويافا وعكا وصور وطرابلس وأنطاكيا وقيساريا. وبموجب هذه الهدنة، اعترف ضمنياً بسلطة الصليبيين علي البلاد الإسلامية التي كانت في أيديهم، كما أدت إلي تثبيط عزائم المسلمين في محاربة الصليبيين وتحرير أراضيهم.

5: حال دون قيام دولة إسلامية موحدة، تتجلي فيها قوة المسلمين علي غيرهم. يقول الباحث حسن الأمين في كتابه: (صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين): ص187 في هذا الصدد: «كان ما يسيطر عليه، صلاح الدين، يشمل بلاد الشام امتداداً إلي جبال طوروس، ويشمل مصر واليمن. وبانضمام هذه الأقطار إلي حكومة بغداد، تقوم الدولة العربية الكبري برعاية الخلافة الإسلامية المرتبط بها العالم الإسلامي كله ارتباطاً معنوياً حتي في حالة ضعفها. أما حين تكون بهذه القوة فإن ارتباط هذا العالم بها يكون الارتباط المتماسك المتضامن بالطبع».

6: وقف الأيوبي بوجه الجيوش الإسلامية في زمن نور الدين زنكي الذي طلب منه أن يزحف من مصر لمحاربة الصليبيين علي أن يزحف هو من الشام، ولكن الأيوبي رفض ذلك، مما حدا بالزنكي أن يؤدّبه،

ولكن الأيوبي احتمي بالصليبيين. يقول ابن الأثير: «وكان المانع لصلاح الدين من غزو الإفرنج الخوف من نور الدين، فإنه كان يعتقد أن نور الدين متي زال عن طريقه الإفرنج أخذ البلاد منه، فكان يحتمي بهم عليه ولا يؤثر استئصالهم، وكان نور الدين لا يري إلا الجد في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأي إخلال صلاح الدين بالغزو وعلم غرضه، تجهّز عليه، فأتاه أمر الله الذي لايرد».

ويقول الأمين في ص199 من نفس الكتاب: «إن الاحتلال الصليبي لفلسطين كان يعطي صلاح الدين انفصالاً كاملاً عن المملكة المتحدة، وتبقي تبعيته لها إسمية فقط، فإذا زال الكيان الصليبي من فلسطين، تم الاتصال بين بلاد الشام وبين مصر وتصبح مملكة واحدة، يكون لصلاح الدين المكان الثاني فيها بعد نور الدين، بل يصبح مجرد حاكم لمصر، تابعاً فعلياً لا إسمياً لنور الدين، وهذا ما لا يرضي مطامع صلاح الدين الشخصية، لذلك آثر التمرد علي نور الدين وإخراج مصر من الحرب المأمولة لاستئصال الصليبيين. وغضب نور الدين لذلك، وصمم علي التفرغ لصلاح الدين أولاً وتسليم حكم مصر لمن يعيد مصر إلي حال الحرب مع الصليبيين، ولما أعدّ عدّته للزحف علي مصر وإزاحة صلاح الدين، فاجأه الموت».

وكذلك وقف الأيوبي بوجه الجيوش الإسلامية في زمن الخليفة العباسي الناصر الذي أراد هو الآخر أن ينازل الصليبيين بمائة وعشرين ألف مقاتل في فلسطين وطلب من الأيوبي أن يشاركه في الحرب، ولكن الأيوبي رفض؛ لاعتقاده أنه سيصبح والياً وتابعاً للناصر، ثم احتمي بعد ذلك بالصليبيين. ويذكر الأمين في كتابه: ص187: «وخوفاً من أن يصر الخليفة الناصر علي إرسال جيشه، بادر صلاح الدين إلي التحالف مع الصليبيين وتوحيد جيوشه مع جيوشهم لصدّ جيش الخلافة إذا تقدم إلي بلاد الشام.

ورأي الصليبيون حاجة صلاح الدين إليهم فأخذوا يشترطون في شروطهم لعقد هذا التحالف. وكان أهم ما في شروطهم إعادة فلسطين إليهم واسترجاعهم لكل ما أخذه منهم صلاح الدين فيها من المدن. فخضع صلاح الدين لشروطهم وسلم لهم بكل ما طلبوا، مستثنيا ًالقدس؛ لأن احتفاظه بها سيديم النشوة التي غرّت المسلمين باسترجاعها فيغطي ذلك علي استسلامه للصليبيين. فلا يدرك المسلمون في فرحتهم حقيقة ما يجري حولهم».

ويضيف أيضاً في ص188: «إن رفض صلاح الدين قبول نجدة الناصر وما بلغ الناصر من عزم صلاح الدين علي قتال جيوشه في تقدمها إلي فلسطين، حال بين الناصر وبين تنفيذ ما عزم عليه، فلم يكن ليقدم علي الاشتباك في حرب أهلية بين المسلمين».

7: فضّل مصلحته الشخصية علي المصلحة الإسلامية العامة عند عدم موافقته لخوض الحروب ضد الصليبيين بل وتسليمهم للبلاد الإسلامية؛ معللاً ذلك أن الحروب معهم تحدُّ من نفوذه وتقلِّل من هيمنته ومطامحه وتتنافي مع تفرّده بالسلطة.

8: أنكر الجميل علي نور الدين زنكي الذي كان سبباً في سيطرته علي مصر والذي طلب منه الزحف علي الصليبيين ثم ختم إنكاره للجميل أن قتل ابن الزنكي، حاكم حلب البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة ثم زنا بزوجة زنكي ليلتين، نكاية بزوجها.

9: هيأ الظروف لأولاده وورثته لتنفيذ ما عجز هو عن تنفيذه عندما سلموا القدس للصليبيين في عهد فردريك الثاني سنة 655ه، وكذلك بقايا أنطاكيا وطرابلس وعكا والناصرة وغيرها. يقول الباحث حسن الأمين في كتابه (صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين): ص132 133 ما نصّه: «ففي سنة 638ه، سلّم الصالح إسماعيل صاحب دمشق للصليبيين صيدا وهونين وتبنين والشقيف؛ ليساعدوه علي ابن أخيه الصالح أيوب صاحب مصر. وفي سنة 625ه (شباط سنة 1229م)، سلّم

الكامل والأشرف ولدا العادل أخي صلاح الدين، سلّما القدس وما حولها للملك الصليبي فردريك الثاني، وسلّماه معها الناصرة وبيت لحم وطريقاً يصل القدس وعكا. ويصف ابن الأثير وقع هذه الرزية علي العالم الإسلامي بقوله: واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه ووجدوا له من الوهن والتألم ما لايمكن وصفه».

() المنصور بن عبد العزيز، سادس خلفاء الدولة الفاطمية البالغ عددهم أربعة عشر خليفة، الذين حكموا من سنة 297ه (909م) وإلي سنة 567ه (1171م)، ولد في القاهرة سنة 375ه (985م) ومات سنة 411ه (1020م)، تسلم الحكم سنة 386ه (996م) وهو في الحادية عشر من عمره فقام عليه بالوصاية «برجوان الخادم» بوصية من أبيه واستمر في الحكم خمساً وعشرين سنة واتبع خلال حكمه سياسة متوازنة، وكان يتجول في الأسواق لإجراء الحسبة، وقد ازدهرت في عهده البلاد بالعمران وبناء المساجد والمكتبات والجامعات، وقد أنشأ دار الحكمة سنة 395ه (1005م) وجعلها جزءاً من قصره وحمل إليها الكتب من خزانة القصر من سائر العلوم والآداب ممّا لم ير منه مجتمعاً قط لأحد من الملوك، وكان فيها أكثر من مائتي ألف مجلد من نفائس الكتب، وكان يقدِّم للقراء الورق والمحابر بالمجان، وقد حظي عنده العلماء والأدباء والشعراء بالاحترام والعطاء، أمثال: ابن الهيثم وأبي بكر الأنطاكي، ونتيجة لمواقفه الصلبة وحروبه مع المسيحيين والأموييين في الأندلس والعباسيين في بغداد؛ تعرض للافتراء من قبل أعوان هؤلاء وعلي الخصوص الكاتب الأموي أبو ركوة ويحيي بن سعيد العباسي. للمزيد راجع: الموسوعة التاريخية للخلفاء الفاطميين ج6؛ دكتور عامر تامر، الحاكم بأمر الله الخليفة المفتري عليه؛ دكتور عبد المنعم ماجد، الرسالة الواعظة في نفي دعوي إلوهية الحاكم بأمر الله؛ أحمد حميد الدين الكرماني، تلخيص الحضارة الإسلامية للإمام السيد محمد الشيرازي رحمة الله

عليه.

() ومن هؤلاء أيضاً: يحيي بن سعيد وابن كثير وأبو شامة.

() تقي الدين أبو محمد، أحمد بن علي بن عبد القادر المشهور بالمقريزي؛ نسبة إلي حارة في بعلبك اللبنانية تعرف بحارة المقارزة، ولد في القاهرة سنة 766 ه (1364م)، مؤرخ وكاتب وأستاذ في علم التاريخ، تصدّي لأمور الحسبة والإمامة في بعلبك لفترات متعددة، اتصل بالخليفة الفاطمي الثاني عشر الظافر بالله فهاجر إلي دمشق سنة 810 ه (1407م)، توفي سنة 845 ه (1441م) عن عمر يناهز التسعة والسبعين، من مؤلفاته: السلوك في معرفة دول الملوك وهو مصدر مهم في دراسة تاريخ الأيوبيين والمماليك، جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، التاريخ الكبير، اتّعاظ الحنفاء في أخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، إغاثة الأمة بكشف الغمة، المقفي الكبير، البيان والإعراب عمّا بأرض مصر من الأعراب، شذور العقود في ذكر النقود، الطرفة الغريبة في أخبار حضرموت العجيبة، النزاع والتخاصم فيما بين أمية وهاشم، درر العقود المفيدة، إمتاع الأسماع بما للرسول صلي الله عليه و اله من الأنباء.

() بدأ إنشاؤه في السابع عشر من شهر شعبان سنة 358ه واستغرق بناؤه سنتين وثلاثة أشهر وبضعة أيام، وافتتح للصلاة يوم الجمعة الواقع في السابع من رمضان سنة 361 ه (شباط 972م) وأضحي هذا الجامع مقراً للدعوة الإسلامية، ودعيت المذاهب الإسلامية للتدريس فيه، فكان للمالكية خمس عشرة حلقة درس، وللشافعية مثلها، وللمذهب الحنفي ثلاث حلقات، وكان فيه صالات لعقد مجالس خاصة بالنساء. راجع الموسوعة الإسلامية: ج4 ص154 لحسن الأمين.

() للمزيد عن هذا الموضوع راجع أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين، والتمدن الإسلامي لجورج جرداق، ومن التمدن الإسلامي للمؤلف رحمة الله عليه، والموسوعة التاريخية للخلفاء الفاطميين للدكتور عامر تامر، والمواعظ والاعتبار بذكر

الخطط والآثار للمقريزي.

() الشيخ محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد الجبعي العاملي، المشهور بالشيخ البهائي أو بهاء الدين العاملي، ولد في بعلبك اللبنانية في شهر ذي الحجة من سنة 953ه (1547م) وتوفي في أصفهان في شهر شوال من سنة 1030ه (1621م) ودفن في مشهد الإمام الرضا عليه السلام، عالم وشاعر ومفكر وفقيه وسياسي وفيلسوف ورياضي وفلكي، وقد كتب في الرياضيات والفلك وغيرها، وأضحت كتبه مرجعاً للعلماء والمحققين. وبلغت الخمسين، منها: خلاصة الحساب، كشكول البهائي، مشرق الشمسين، الحبل المتين، الوجيزة، الزبدة، الفوائد الصمدية، تهذيب البيان، رسالة الهلالية، تشريح الأفلاك، توضيح المقاصد.

ترجمه الكني والألقاب: ج2 ص100، الموسوعة الإسلامية: ج5 ص82 حسن الأمين، روضات الجنات: ج7 ص56، خلاصة الأثر: ج3 ص440، سلافة العصر للسيد علي خان: ص289، أمل الأمل: ج1 ص155، أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج9 ص234.

() السيد محمد باقر بن محمد بن محمود بن عبد الكريم الحسيني الأسترابادي، والمشهور ب(الداماد) الصهر؛ ولقّب بذلك، لأن أباه كان صهراً لعلي بن عبد العالي الكركي، المعروف بالمحقق الثاني، ولقّب هو بذلك تبعاً لأبيه، ولد سنة 970ه (1563م) وتوفي سنة 1041ه (1632م)، فيلسوف ورياضي وفقيه وسياسي وشاعر ومؤلف ومدرس، جامع للعلوم والفنون، وقد نال حظوة كبيرة عند ملوك الصفويين، وكان معاصراً للشيخ البهائي، آلت إليه الرئاسة الدينية بعد وفاة الشيخ البهائي سنة 1030ه، من تلامذته: صدر المتألهين، السيد حسين الكركي، محمد تقي الأسترابادي. من مؤلفاته: رسالة في المنطق، سدرة المنتهي في تفسير القرآن الكريم، تقويم الإيمان في الكلام، السبع الشداد، القبسات، رسالة في ضوابط الرضاع، رسالة في اختلاف الزوجين قبل الدخول. للمزيد راجع أمل الأمل: ج2 ص249، رياض العلماء: ج5 ص40، لؤلؤة البحرين: ص132، الفوائد الرضوية: ص418، روضات

الجنات: ج2ص62، الكني والألقاب: ج2 ص226، أعيان الشيعة: ج9 ص189، ريحانة الأدب: ج6 ص56، طبقات أعلام الشيعة: ج5ص67، مصفي المقال: ص9، موسوعة طبقات الفقهاء للسبحاني: ج11ص315.

() وكان ذلك في عهد شاه عباس الصفوي المولود سنة 979م وتسلم الحكم سنة 996م وتوفي سنة 1037م.

() وقد ذكرت هذه القصة بألفاظ قريبة في أعيان الشيعة: ج9 ص242 للسيد محسن الأمين، وذكر إجمالها في روضات الجنات لمحمد باقر الخونساري: ج7 ص69 في ترجمة الشيخ البهائي.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص342 ح7825، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص407 ب 178، بحار الأنوار: ج72 ص357 ب81 ح70 ط بيروت.

() أحمد بن طولون الفسطاط التركي، وكان والده مملوكاً تركي الأصل، أُسر في إحدي الغزوات في تركستان، أهداه نوح بن أسد الساماني إلي الخليفة العباسي سنة 200ه مع ما أهداه من الرقيق والهدايا، مؤسّس الدولة الطولونية، وكلمة طولون باللغة التركية بمعني البدر، ولد سنة 220ه (835م)، كان نائباً لزوج أمّه حاكم مصر بايكباك سنة 254ه (868م)، تولّي الحكم بعد وفاة بايكباك سنة 254ه (868م)، وانفصل عن الدولة العباسية واستطاع توحيد مصر والأسكندرونة وحمص وحماه وحلب وأنطاكيا تحت حكمه، وقد حكم ست عشرة سنة وتوفي سنة 270ه (884م)، وقد خلفه بعده ابنه خمارويه، وخلال حكمه شيد جامعاً في القاهرة يحمل اسمه، وبني مدينة القطائع علي مقربة من القاهرة.

() سورة الأنفال: الآية 46.

() هو منصب قضائي يعادل اليوم وزير العدل.

() يقول لورنس في كتابه أعمدة الحكمة السبعة: ص53 عن استخدام هذه السياسة: «كانت حلقتنا مزيجاً غريباً، فهي تضم نفراً من الأشراف والوجهاء وشيوخ القبائل من جهينة وعتيبة، وكنت أثير عمداً موضوعات الخلافات الحادّة بينهم كي أتعرف إلي مشاربهم وعقائدهم دون إبطاء».

ويضيف في ص296

من نفس الكتاب : «عندما ذاع صيتي في الآفاق، انتخبت تسعين شخصاً لحراستي الشخصية وهؤلاء ينتسبون إلي ثلاثين قبيلة مختلفة، بينها دماء ثأر، وكان تباغضهم يمنعهم من التكتل ضدي كما كان الخلاف المستحكم بينهم يبشر لي ولمبعوثي إيجاد جواسيس لنا في كل مكان بين العقبة ودمشق وبئر السبع وبغداد، وستون منهم ماتوا في خدمتي».

() تقع في الجزء الجنوبي من إسبانيا الحالية، حكمها الأمويون؛ عندما استطاع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك المشهور بالداخل أن يشكل حكومة فيها بعد أن فرّ من بني العباس إلي قرطبة سنة 138ه (756م) واتخذ قرطبة عاصمة له، واستمرت هذه الحكومة إلي 423ه

(1031م) عندما خلع آخر حكامها هشام الثالث، وقد مات عبد الرحمن في الأندلس سنة 172ه (788م). وبعد سقوط الأندلس، قام المسيحيون بحرمان أهلها من استخدام اللغة العربية والأسماء العربية وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك، كان يحرق بالنار بعد أن يعذب أشد العذاب. عن تاريخ الأندلس راجع الموسوعة الإسلامية: ج4 ص252 حسن الأمين.

() تطلق كلمة الإفرنج علي الغربيين باعتبار أن الطابع الفرنسي يغلب علي بلاد الشام، وباعتبار أن أغلب الحكام علي البلاد كانوا من أصول فرنسية أو ميول فرنسية، وهذا ما جعل المسلمين عندما يتحدَّثون عن الغربيين يسمونهم الإفرنج.

() كان ذلك عندما دخل الملك الإسباني فرناندو مدينة غرناطة عاصمة بني الأحمر سنة 897 ه (1492م) وأسر ملكهم أبا عبد الله، وبذلك انهار الحكم الإسلامي في جميع الأندلس.

() غوستاف لوبون، ولد في النورماندي سنة 1841م ومات في باريس سنة 1931م، طبيب وعالم اجتماعي ومفكر فرنسي، دعا إلي تفسير السلوك الاجتماعي بالمقارنة بين نفسيات فردية، وكتب في مجالات علمية كثيرة، وبلغت مؤلفاته الخمسين، منها: سيكولوجية الجماهير، علم النفس

في الأزمنة الجديدة، حضارة الهند، الحضارة الأولي، الآراء والعقائد، حياة الحقائق، الثورة الفرنسية وسيكولوجية الثورات، القوانين النفسية لتطور الشعوب، حضارة العرب؛ وقد اختصره الإمام المؤلف رحمة الله عليه باسم موجز تاريخ الإسلام.

() سورة الإسراء: الآية 36.

() سور ة الحجرات: الآية 12.

() فقد ورد عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ أُتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِرَجُلٍ وُجِدَ فِي خَرِبَةٍ وَبِيَدِهِ سِكِّينٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ وَإِذَا رَجُلٌ مَذْبُوحٌ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: مَا تَقُولُ؟

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا قَتَلْتُهُ.

قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْتُلُوهُ بِهِ.

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ لِيَقْتُلُوهُ بِهِ أَقْبَلَ رَجُلٌ مُسْرِعاً فَقَالَ: لا تَعْجَلُوا وَرُدُّوهُ إِلَي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَرَدُّوهُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا صَاحِبَهُ أَنَا قَتَلْتُهُ.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لِلأَوَّلِ مَا حَمَلَكَ عَلَي إِقْرَارِكَ عَلَي نَفْسِكَ وَلَمْ تَفْعَلْ؟!

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا كُنْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيَّ أَمْثَالُ هَؤُلاءِ الرِّجَالِ وَأَخَذُونِي وَبِيَدِي سِكِّينٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ وَالرَّجُلُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَأَنَا قَائِمٌ عَلَيْهِ وَخِفْتُ الضَّرْبَ فَأَقْرَرْتُ، وَأَنَا رَجُلٌ كُنْتُ ذَبَحْتُ بِجَنْبِ هَذِهِ الْخَرِبَةِ شَاةً وَأَخَذَنِي الْبَوْلُ فَدَخَلْتُ الْخَرِبَةَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ فَقُمْتُ مُتَعَجِّباً فَدَخَلَ عَلَيَّ هَؤُلاءِ فَأَخَذُونِي.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: خُذُوا هَذَيْنِ فَاذْهَبُوا بِهِمَا إِلَي الْحَسَنِ وَقُصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا وَقُولُوا لَهُ: مَا الْحُكْمُ فِيهِمَا؟

فَذَهَبُوا إِلَي الْحَسَنِ عليه السلام وَقَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا، فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام: قُولُوا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِنَّ هَذَا إِنْ كَانَ ذَبَحَ ذَاكَ فَقَدْ أَحْيَا هَذَا؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً، يُخَلَّي عَنْهُمَا وَتُخْرَجُ دِيَةُ الْمَذْبُوحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

راجع الكافي (فروع): ج7 ص289 ب2، وسائل الشيعة: ج29 ص142 ب4 ح35343.

() الشيخ محمد حسين بن

علي آل كاشف الغطاء، عالم وفقيه وأديب وسياسي، ولد سنة 1294ه (1877م) وتوفي في كرند سنة 1373ه (1954م)، تتلمذ عند السيد اليزدي صاحب (العروة الوثقي) والشيخ الخراساني صاحب (الكفاية)، ولازم درسهما من سنة 1312ه وإلي وفاتهما، كما درس عند الشيخ الهمداني صاحب مصباح الفقيه، ومن نشاطاته أنه عندما كتب جرجي زيدان كتابه تاريخ آداب اللغة العربية، ذكر في الجزء الثاني منه ص384: أن الشيعة طائفة صغيرة لم تترك أثراً يذكر وليس لها وجود في الوقت الحاضر؛ فتصدي الشيخ كاشف الغطاء والشيخ أغا بزرك الطهراني والسيد حسن الصدر لهذه الفكرة الخاطئة وهذا الكذب والافتراء والخروج عن الموضوعية في البحث، فبحث السيد الصدر في الآثار العلمية التي خلفها علماء الإمامية والتي كان لها دور بارز في تأسيس ورفد العلوم الإسلامية، ووضع نتائج بحثه في كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، وكتب الشيخ الطهراني الذريعة إلي تصانيف الشيعة حيث فهرس فيه أسماء ومؤلفات علماء المذهب الشيعي، وتصدي الشيخ كاشف الغطاء لنقد جرجي زيدان مباشرة، من مؤلفاته: أصل الشيعة وأصولها، الفردوس الأعلي، العبقات العنبرية في طبقات الجعفرية، الأرض والتربة الحسينية، المراجعات الريحانية، نزهة السحر ونهزة السفر، الدين والإسلام، التوضيح في الإنجيل والمسيح، جنة المأوي.

() نهج البلاغة قصار الحكم: 161، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص443 ح10111، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص382 ب163، خصائص الأمة: ص108، وسائل الشيعة: ج12 ص40 ب21 ح15587، بحار الأنوار: ج72 ص104 ب49 ح38 ط بيروت.

() فقد ورد عن الرسول صلي الله عليه و اله: استعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود، مجموعة ورام: ج1 ص 126 127، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص316 ب23.

() سورة قريش: الآية 4.

()

سورة الأنفال: الآية 60.

() سورة طه: الآية 124.

() سورة التغابن: الآية 16.

() وقد أسهب الإمام المؤلف رحمة الله عليهلحديث عن هذه الأمور وأشباهها في كتابه «المرجعية الإسلامية».

() سورة البقرة: الآية 41.

() جاسوس روسيا القيصرية في البلاد الإسلامية، درس العلوم العسكرية والسياسية والحقوق في روسيا، أنيطت به مهمة التجسس علي إيران؛ فدخلها سنة 1834م وعمل كمترجم في السفارة الروسية في طهران تحت اسم مستعار هو عيسي اللنكراني، ثم عين سفيراً لها سنة 1844م وتنقل بين إيران والعراق وبلاد الشام لأجل ترسيخ النفوذ الروسي في المنطقة بدل النفوذ البريطاني وكانت مهمته القضاء علي وحدة المسلمين عبر إيجاد مذاهب مصطنعة وشخصيات مزيفة، والترويج لفكرة القوميات، وقد ربّي لهذا الغرض علي محمد الشيرازي؛ الذي ادّعي المهدوية. وقد ابتدع المذهب البابي عبر حسين علي بهاء وأخيه ميرزا يحيي في إيران، وقد أخذ الروس علي عاتقهم الدعم السياسي والتمويل المادي لدعاة هذا المذهب وطبع كتبهم ومنشوراتهم.

() وقد نشرت مجلة الشرق هذه المذكرات بعد انهيار روسيا القيصرية وتأسيس الاتحاد السوفياتي السابق بين سنة 1924 1925م. وقد ترجمت هذه المذكرات إلي اللغتين الفارسية والعربية.

() من المذاهب التي ابتدعتها السياسة سنة 1280ه (1863م) بواسطة حسين علي نوري المشهور ب بهاء الدين المولود في مازندران الإيرانية سنة 1232ه (1817م) والمتوفي في مدينة حيفا الفلسطينية سنة 1310ه (1892م)، الذي كان أحد أبرز أتباع الباب علي بن محمد الشيرازي بعد إعدامه وادّعي أنه المُظهر الأول للإرادة الإلهية. من مؤلفاته: الكتاب الأقدس وهو باللغة العربية، وكتاب الإيفان وهو باللغة الفارسية، وكتاب الهيكل وهو خليط بين العربية والفارسية. عن نشأتهم وخرافاتهم ورّدها راجع كتاب: مفتاح باب الأبواب للميرزا محمد مهدي خان التبريزي، وكتاب: البهائية حزب لا مبدأ للسيد أحمد

الفالي، وكتاب «نصائح الهدي في الردّ علي البهائية» للشيخ محمد جواد البلاغي.

() للمؤلف: مايلز كوبلاند.

() للمؤلف: توماس أدورد لورنس.

() للمؤلف: عمر فرّوخ.

() الخطر اليهودي أو بروتوكولات حكماء صهيون. ترجمة محمد خليفة التونسي، والكتاب ترجم إلي عدة لغات، منها: الفرنسية والروسية والإنجليزية والعربية والفارسية والأُردية.

() العراق في رسائل المس بيل، وكتاب فصول من تأريخ العراق القريب للجاسوسة البريطانية المس بيل، ترجمة جعفر الخياط.

() للمؤلف الجاسوس البريطاني همفر، وقد طبع الكتاب عدَّة طبعات، وترجم إلي عدَّة لغات.

() وكذا من الكتب المفيدة في هذا المضمار: كتاب «سبز آباد ورجال الدولة البهية» للمؤلفة مي خليفة، وكتاب شيعة العراق لإسحاق النقّاش، وكتاب «العراق في مذكرات الدبلوماسيين الأجانب» لنجدة فتحي صفوة، وكتاب «الحج قبل مائة سنة» للمؤلف يفيم ربرفان الرحلة السرية للضابط الروسي عبد العزيز ورلتسشين إلي مكة المكرمة.

ومن نافلة القول: نذكر القصة التالية التي ذكرها المؤلف رحمة الله عليه في كتابه «الكتاب من لوازم الحياة» ص42: «كنت في العراق مهتماً في أمر معرفة الناس لما وراء الكواليس الذي انتهي إلي هذه الحالة المتردية للمسلمين، وبهذا الصدد كنت أنشر الكتب التي توضِّح هذه الحقيقة، مثل كتاب «التبشير والاستعمار» وكتاب «مذكرات الدال كوركي» وكتاب «مذكرات مستر همفر» وكتاب «بروتوكولات حكماء صهيون». وصرفت بعض اهتمامي لطبع الكتاب الأخير، وبعد أن نشرناه في المكتبات نفذ بسرعة ممّا آثار تعجّبي، كيف ينفذ هذا الكتاب بهذه السرعة؟ وأوعزت لإعادة طبعه ثانيةً، وبعد أقلّ من شهر نفذ أيضاً، وفي مرّة ثالثة طبعته ووزعته علي المكتبات. ثمّ بعد أسبوع جاءني شاب مثقّف فأرشدته إلي شراء هذا الكتاب، وبعد أن ذهب رجع، وقال قد بحثت في المكتبات فلم أجد منه نسخة واحدة. وتحقّقت بنفسي الأمر، بعد أن أثار استغرابي نفاذ

الكتاب بهذه السرعة في مدّة قصيرة، وأخيراً اكتشفت أنّه كلّما طبع الكتاب جاء البعض إلي المكتبات فيشترون جميع النسخ، وبالقرائن عرفت أنّ المشترين هم عملاء اليهود، فإنّ اليهود وإن تركوا العراق وغيره من البلدان الإسلامية بعد اغتصاب فلسطين لكن أبقوا عملاءهم من أجل تنفيذ أمثال هذه الأمور، ثمّ بعد ذلك منعت رقابة السلطة في العراق هذا الكتاب».

ومن الشواهد الأخري التي تدلل علي ذلك: «بعد أن هاجر من العراق 115ألف يهودي سنة 1951م إثر تحريض إحدي المنظمات اليهودية بعد إلقائها قنبلة يدوية قرب كنيست يهودي وبعض الأماكن الأخري وقُتل جراء ذلك يهوديان وجرح عدد آخر، وقد اكتشفت الشرطة العراقية تلك المنظمة السرية، التي كانت تعمل علي حثّ اليهود العراقيين للهجرة إلي إسرائيل، وقد ألقي القبض علي أعضاء هذه المنظمة وحكم علي اثنين منهم بالإعدام وسجن بعضهم بأحكام تترواح ما بين 5 إلي 8 سنوات. وقد جمع وقائع المحكمة والأحكام الصادرة وتصاوير المجرمين والأسلحة التي وجدت معهم مدير شرطة بغداد عبد الجبار فهمي في كتاب، سمّاه «سموم الأفعي الصهيونية»، وقد فقد هذا الكتاب في بغداد وجميع أنحاء العراق بعد أن جمعته الصهيونية».

() بحارالأنوار: ج75 ص76 ب16 ح47 ط بيروت، وورد أيضاً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن غبتم حنوا إليكم) وسائل الشيعة: ج12 ص12 ب2 ح15514. وورد كذلك عن علي عليه السلام: (خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص107 ب10، بحار الأنوار: ج71 ص 167 ب10 ح35 ط بيروت. وورد أيضاً: (يا بني، عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن فقدتم بكوا عليكم) بحار

الأنوار: ج42 ص247 ب127 ح50 وج71 ص163 ب10 ح26 ط بيروت.

() سورة فصلت: الآية 34.

() سورة فصلت: الآية 35.

() إشارة إلي الحديث الوارد بعدة ألفاظ منها: (الناس كأسنان المشط سواء) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص379 ب2 ح5798. و(الناس سواء كأسنان المشط) تحف العقول: ص368، بحار الأنوار: ج75 ص251 ب23 ح108ط بيروت. و(المؤمنون كأسنان المشط يتساوون في الحقوق بينهم) مستدرك الوسائل: ج8 ص 327 ب10 ح9568. و(إن الناس من عهد آدم إلي يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربي علي العجمي ولا الأحمر علي الأسود إلاّ بالتقوي) مستدرك الوسائل: ج12 ص89 ب75ح13598.

() سورة الحجرات: الآية 13.

() سورة البقرة: الآية 275.

() سورة المائدة: الآية 90.

() سورة النور: الآية 2.

() سورة الأحزاب: الآية 53.

() سورة البقرة: الآية 229.

() سورة الأنعام: الآية 93.

() سورة الحشر: الآية 7.

() سورة البقرة: الآية 279.

() نهج الحق: ص494 وص502، غوالي اللآلي: ج1 ص222 ح99 الفصل التاسع وج2 ص138 ح383 وج3 ص208 ح59، بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7 ط بيروت. و(أنفسهم) مستفاد من قوله تعالي: النَّبِيُّ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ سورة الأحزاب: الآية 6.

() سورة المجادلة: الآية 22.

() سورة الإسراء: الآية 70.

() الكافي (فروع): ج5 ص279 ح2، الاستبصار: ج3 ص108 ب72 ح3، تهذيب الأحكام: ج7 ص152 ب22ح21، وسائل الشيعة: ج25 ص414 ب3 ح32245.

() سورة الحجرات: الآية 10.

() سورة الأعراف: الآية 157.

() فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام عن جده رسول الله صلي الله عليه و اله قائلاً: (أيها الناس، حلالي حلال إلي يوم القيامة وحرامي حرام إلي يوم القيامة ألا وقد بينها الله عزوجل في الكتاب وبينتهما لكم في سيرتي وسنتي وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح

له أمر دينه وصلحت له مروءته وعرضه، ومن تلبس بها وقع فيها واتبعها كان كمن رعي غنماً قرب الحمي، ومن رعي ماشيته قرب الحمي نازعته إلي أن يرعاها في الحمي، ألا وإن لكل ملك حمي ألا وإن حمي الله عزوجل محارمه فتوقوا حمي الله ومحارمه، ألا وإن أذي المؤمن من أعظم سبب سلب الإيمان، ألا ومن أحب في الله عزوجل وأبغض في الله وأعطي في الله ومنع في الله فهو من أصفياء المؤمنين عند الله تبارك وتعالي ألا وإن المؤمنين إذا تحابا في الله عزوجل وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد إذا اشتكي أحدهما من جسده موضعاً وجد الآخر ألم ذلك الموضع)، كنز الفوائد: ج1 ص352.

وفي حديث آخر: (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا سقط منه شيء تداعي سائر الجسد)، المؤمن: ص38 ح85.

وورد أيضاً عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكي شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة وإن روح المؤمن لأشد اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها ودليله لا يحزنه ولا يظلمه ولا يغتابه ولا يعده عدة فيخلفه)، الكافي (أصول): ج2 ص166، مصادقة الأخوان: ص48.

وورد أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكي شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده لأن أرواحهم من روح الله تعالي، وإن روح المؤمن لأشد اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها)، الكافي (أصول): ج2 ص 166 ح4، المؤمن: ص38 ح86، بحار الأنوار: ج58 ص148 ب43 ح25 ط بيروت.

وورد أيضاً: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكي بعضه تداعي

سائره بالسهر والحمّي)، بحار الأنوار: ج58 ص150 ب43 ح29 ط بيروت.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (المؤمنون في تبارِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي تداعي له سائره بالسهر والحمي)، مستدرك الوسائل: ج12 ص 424 ب32 ح14506.

() إشارة إلي الحديث الوارد في مستدرك الوسائل: ج16 ص264 ب38 ح19817 وقريب منه في الكافي (أصول): ج2 ص668 ح14، ووسائل الشيعة: ج9 ص52 ب7 ح 11501 وج12 ص130 ب88 ح15849.

() سورة التوبة: الآية 41.

() سورة البقرة: الآية 43.

() سورة الأنفال: الآية 41.

() سورة البقرة: الآية 83، سورة النساء: الآية 36.

() سورة النور: الآية 32.

() سورة البقرة: الآية 114.

() سورة آل عمران: الآية 104.

() من وصايا الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله للإمام علي عليه السلام: (يَا عَلِيُّ حَقُّ الْوَلَدِ عَلَي وَالِدِهِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ وَأَدَبَهُ وَيَضَعَهُ مَوْضِعاً صَالِحاً، وَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَي وَلَدِهِ أَنْ لا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ وَلا يَمْشِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلا يَجْلِسَ أَمَامَهُ وَلا يَدْخُلَ مَعَهُ فِي الْحَمَّامِ) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص372 ب2 ح5762، وسائل الشيعة: ج21 ص389 ب22 ح27377، مكارم الأخلاق: ص443.

وورد أيضاً عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: (مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَي وَالِدِهِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ إِذَا وُلِدَ وَأَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ إِذَا كَبِرَ وَأَنْ يُعِفَّ فَرْجَهُ إِذَا أَدْرَكَ) مستدرك الوسائل: ج15 ص169ب63 ح17888. وورد أيضاً: (من حق الولد علي والده ثلاثة: يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ). وسائل الشيعة: ج21 ص482 ب86 ح27646، مكارم الأخلاق: ص220، روضة الواعظين: ص369، بحار الأنوار: ج71 ص80 ب2 ح83 و ج101 ص92 ب2 ح19 ط بيروت، مستدرك الوسائل: ج15 ص166 ب60 ح17876.

() مستدرك الوسائل: ج16 ص319 ب92، طبّ النّبي صلي الله

عليه و اله: ص21، بحار الأنوار: ج59 ص291 ب89 ح72 ط بيروت.

() سورة الأنفال: الآية 60.

() سورة الأنفال: الآية 46.

() سورة الحجرات: الآية 12.

() سورة النساء: الآية 29.

() سورة المائدة: الآية 32.

() سورة الحجرات: الآية 12.

() سورة الحجرات: الآية 12.

() الكافي (فروع): ج6 ص438 ح1، وسائل الشيعة: ج5 ص35 ب19 ح5827، مكارم الأخلاق: ص103، مستدرك الوسائل: ج3 ص235 ب1 ح3466، الخصال: ص613، بحار الأنوار: ج76 ص298 ب109 ح3 ط بيروت.

() فقد ورد هذا الحديث بألفاظ عديدة، منها قول الرسول صلي الله عليه و اله: (المسلمون إخوة يد واحدة علي من سواهم تتكافأ دماؤهم يسعي بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج17 ص281 ب64، وورد أيضاً عن الرسول صلي الله عليه و اله أنه قال: (المسلمون إخوة تتكافاً دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم هم يد علي من سواهم) وسائل الشيعة: ج29 ص75 ب31 ح35185، كما ورد عن الرسول صلي الله عليه و اله أنه قال: (المؤمنون تتكافاً دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم وهم يد علي من سواهم) مستدرك الوسائل: ج18 ص237 ب28 ح22616، وورد أيضاً عنه صلي الله عليه و اله: (المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم وهم يد علي من سواهم يسعي بذمتهم أدناهم) الكافي (أصول): ج1 ص403 ح2، مستدرك الوسائل: ج18 ص238 ب28 ح22617.

() متشابه القرآن: ج2 ص212، نهج الحق: ص515، من لايحضره الفقيه: ج4 ص 334 ب2

ح5719، وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383 وص125 ب15 ح32640، غوالي اللآلي: ج1 ص226 ح118 وج3 ص496 ح15، مستدرك الوسائل: ج17 ص142 ب1 ح20985.

() سورة الشوري: الآية 38.

() كنز الفوائد: ج2 ص107، غوالي اللآلي: ج4 ص70 ح36، مستدرك الوسائل: ج 17 ص249 ب4 ح21250، مجموعة ورام:

ج2 ص14 وص176، مشكاة الأنوار: ص133، مصباح الشريعة: ص22، عدة الداعي: ص72، بحار الأنوار: ج1 ص 177 ب1 ح54 وج2 ص31 ب9 ح20 وج105 ص15 ط بيروت.

() فقد ورد عن علي بن موسي الرضا عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: (مَنْ كَانَ مُسْلِماً فَلا يَمْكُرُ وَلا يَخْدَعُ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ يَقُولُ إِنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ. ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ مُسْلِماً وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ خَانَ مُسْلِماً. ثُمَّ قَالَ صلي الله عليه و اله: إِنَّ جَبْرَئِيلَ الرُّوحَ الأَمِينَ نَزَلَ عَلَيَّ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ فَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ ذَهَبَ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَلا وَإِنَّ أَشْبَهَكُمْ بِي أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً) وسائل الشيعة: ج12 ص241 ب137ح16198، الأمالي للصدوق: ص270 ح5، عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص50 ح194، بحار الأنوار: ج68 ص387 ب92 ح35 و ج72 ص284 ب72 ح2 ط بيروت.

() سورة المائدة: الآية 2.

() سورة الفرقان: الآية 30.

() تبع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال عليه السلام: (كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَي غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَي غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَي مِنَ الأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ وَنَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَوَاعِظَةٍ وَرُمِينَا بِكُلِّ جَائِحَةٍ، طُوبَي لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَطَابَ كَسْبُهُ وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَي بِدْعَةٍ) نهج البلاغة: ص490، مستدرك الوسائل: ج2 ص377 ب53 ح2236، تفسير القمي: ج2 ص70، خصائص الأئمّة: ص99، روضة الواعظين: ج2 ص490، شرح

نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص311 ب118، بحار الأنوار: ج6 ص136 ب4 ح38.

() للتفصيل عن أسباب سقوط المسلمين، دينياً ودنيوياً؛ راجع كتاب: (سقوط بعد سقوط) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() أي حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي حكم الشعب العراقي بالحديد والنار.

() المقصود كتاب في سبيل البعث لميشيل عفلق.

() المقصود القرآن الكريم.

() سورة البقرة: الآية 9.

() وقد جاء في التاريخ أنه عندما قتل الإنجليز الملك غازي، استغل اليهود هذه الفرصة لهيجان الرأي العام؛ لتحريض الشعب العراقي علي الألمان باعتبارهم القاتلين، وكان الإنجليز يرحبون بنشاط اليهود لأنه يبعدهم عن الاتهام. وكانوا يتخذون الاتهامات التي تكال ضدهم وسيلة لحمل الحكومة العراقية علي اتخاذ إجراءات مقابلة ضد أعدائهم الألمان وتكون الحكومة العراقية مضطرة للإذعان لرغبات الإنجليز وإن لم تكن مؤيدة لها أو راضية عنها.

() سورة القصص: الآية 4.

() الوليد بن مصعب، ويكني بأبي مصعب وهو فرعون موسي، الطاغوت والجبار والمتكبر والظالم والساحر والباغي الذي قال: أنا ربكم الأعلي?، وقد اختلف أرباب التاريخ في نسبه، فبعض قال: إنه من اليمن، وآخر: إنه من العمالقة، وثالث: إنه من أقباط مصر؛ كما ذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه ج1 ص 186، وكلمة فرعون? في اللغة المصرية القديمة تعني الملك المتصرّف أو الربّ الذي له حق الأمر والنهي في شعبه أو من هم تحت سلطته، وقد ورد اسم فرعون في القرآن 74 مرة، وتحدث عنه الباري سبحانه وتعالي في 27سورة، وقد حكم مصر وفلسطين وبلاد الشام وبلاد ما بين الرافدين في العراق واستمر حكمه علي أقل التقادير 200 عام، وقد استعان في ترسيخ حكمه ببعض الكهنة والسحرة واستخدام سياسة «فرّق تسد»، وصفه القرآن الكريم: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ

طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ سورة القصص: الآية 4، و إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ سورة يونس: الآية 83. و إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ سورة الدخان: الآية 31. أرسل الله سبحانه وتعالي إليه موسي النبي عليه السلام وآزره بأخيه هارون عليه السلام وبعث معه آيات عديدة، منها: العصا، والجراد، والقمل، والضفادع. لكن فرعون استكبر ولم يؤمن؛ فأغرقه اللهُ وجنودَه، والبالغ عددهم مليون شخص في نهر النيل.

() إقبال الأعمال: ص643 في دعوات أيام رجب، جمال الأسبوع: ص423، الصحيفة السجادية: ص204 دعاء رقم 46، مصباح الكفعمي: ص433، مصباح المتهجد: ص369، بحار الأنوار: ج95 ص389 ب23 ط بيروت.

() إشارة إلي الحديث الوارد: (أبي الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب فجعل لكلّ شيء سبباً وجعل لكلّ سبب شرحاً وجعل لكلّ شرح علماً) الكافي (أصول): ج1 ص 183 ح7.

() فعلي سبيل المثال أن التبشير المسيحي في الوقت الحاضر يرتكز علي خمسة ملايين مبشر، وخمس وعشرين ألف منظمة تنصيرية وعشرين ألف منظمة تعمل في مجال الخدمات ومائة ألف معهد لنشر الفكر المسيحي، وألفين ومائتين وسبعين مجلة ونشرة تنصيرية، ومائة وتسعين محطة بث إذاعي وتلفزيوني. ويكلّف البابا كلَّ مبشر مسيحي يبقي في منطقة معينة مدة خمس سنوات أن يؤسس مؤسسة تبشيرية؛ هذا ما ذكرته جريدة الرأي العام الكويتية.

() فلاديمير إيليتش أوليانوف، المشهور ب(لينين) نسبة إلي اسم نهر لينا؛ حيث كان منفياً علي ضفافه في العهد الملكي الإمبراطوري، زعيم وكاتب روسي، ولد سنة 1870م ومات سنة 1924م، دخل المعترك السياسي بتأسيس الحزب الشيوعي في روسيا وقاد الثورة البلشفية سنة 1917م وأطاح بحكومة كيرنسكي، أسس الاتحاد السوفياتي السابق وأصبح رئيساً للبلاد بين سنة 1917م 1924م،

أهم مؤلفاته: الاستعمار أعلي مراتب الرأسمالية.

() زعيم صيني، ولد سنة 1893م، ومات سنة 1976م، قاد ثورة علي الحكم سنة 1927م وقاد مسيرة سنة 1934م ثم تراجع أمام الجيش، مؤسس الحزب الشيوعي الصيني، أصبح رئيساً للصين الشعبية سنة 1954م، واستمر في الحكم إلي سنة 1959م، نادي بالثورة الثقافية سنة 1966م، من مؤلفاته: (الكتاب الأحمر).

() معاوية بن صخر بن حرب بن أمية الأموي، مؤسس الدولة الأموية في بلاد الشام، وأمّه هند بنت عتبة، المشهورة بالزنا التي كانت من أصحاب الرايات الداعرة، وقد هجاها الشاعر حسان بن ثابت بالزنا وبمحضر الرسول صلي الله عليه و اله ولم ينكر صلي الله عليه و اله عليه ذلك، والملقبة ب(آكلة الأكباد)؛ لأكلها كبد سيدنا حمزة عليه السلام عم النبي صلي الله عليه و اله، ولد بمكة سنة 20 قبل الهجرة، وأسلم يوم الفتح سنة 8 ه، لعنه الرسول صلي الله عليه و اله في عدة أحاديث، منها: (إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه) و(إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب علي منبري فاضربوا عنقه)، ولاّه عمر بن الخطاب الأردن ثم دمشق معها، وولاّه عثمان بن عفّان كلّ بلاد الشام، عزله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من منصبه ثم حاربه في واقعة صفين، التي كانت الميزان في تشخيص الباغي لدي الصحابة، حيث قال النبي صلي الله عليه و اله لعمار بن ياسر: (يا عمار، تقتلك الفئة الباغية)، مات في دمشق في شهر رجب من سنة 60ه (680م) بعد أن حكم 20 سنة في الخلافة وحكم أربعين سنة في الإمارة، أشهر فضائله؛ كما عن ابن خلكان في ترجمة النسائي، عندما سئل عن معاوية وما روي من فضائله، قال: ما أعرف له فضيلة إلاّّ

(لا أشبع الله بطنه)؛ وهذه الكلمة قالها الرسول صلي الله عليه و اله في حقّه، انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص55، البداية والنهاية: ج8 ص119.

من مثالب معاوية أنه تعاطي الخمر وارتكب المجون وعطل أحكام الله ونهب أموال الناس وأكثر من وضع الحديث، وكان أول من استعمل الولاة النصاري أمثال ابن آثال علي خراج حمص، وأول من استكتب النصاري، وأول من رفع الرؤوس علي الرماح بعد احتزازها في الإسلام، وأول من دفن المسلمين أحياءً. كتب إلي عماله في جميع الأمصار أنْ يسبّوا الصحابة أمثال علي بن أبي طالب عليه السلام ومالك الأشتر وابن عباس والحسن والحسين ? وعبد الله بن جعفر، كما أنه حوّل الحكومة إلي استبدادية وشخصية وجعل البلاد إرثاً له ولأقربائه، وجمّد الحركة الفكرية الإسلامية عبر القضاء علي الصحابة؛ فقد قتل عمار بن ياسر وحجر بن عدي الكندي وأصحابه ومحمد بن أبي بكر ومالك الأشتر وعمرو بن الحمق الخزاعي ? والإمام الحسن عليه السلام، وقضي علي المعارضة الداخلية بتوجيه الناس إلي الحروب الخارجية؛ وقد أشار لعثمان بذلك حيث قال له: رأي لك يا أمير المؤمنين، أنْ تأمرهم بالجهاد يشغلهم عنك وأن تجمهرهم في المغازي حتي يذلّوا لك فلا يكون همُّ أحدهم إلاّ نفسه، وكان يأخذ علي التهمة والظنة حتي كان الرجل يسقط بكلمة فيضرب عنقه، وكتب إلي عماله وولاته في جميع البلاد والأمصار أمثال بسر بن أرطأة، واليه علي المدينة ومكة واليمن؛ والغامدي واليه علي الأنبار أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي عليه السلام ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته، الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادةً، وكتب أيضاً: «انظروا من يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ولا

تجيزوا له شهادة»، وفي كتاب آخر: «من اتهمتموه أنه محب لعلي ولم تقم عليه بينة فاقتلوه، وأمر سفيان بن عون الغامدي حين أرسله للعراق: اقتل من لقيته ممّن هو ليس علي مثل رأيك وأخرب كل ما مررت به من قري، وأخرج ابن الجوزي من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، سألت أبي: ما تقول في معاوية؟ فأطرق ثم قال: اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوه، فهُدوا إلي رجل قد حاربه فأطروه؛ كيداً منهم لعلي، فأشار بهذا إلي ما اختلقوه لمعاوية من فضائل مما لا أصل له. فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج7 ص83، للمزيد راجع تاريخ بغداد: ج1ص207، أسد الغابة: ج4 ص385، الإصابة: ج3 ص33، شذرات الذهب: ج1ص65، تهذيب التهذيب: ج5 ص110 وج10 ص207، الكامل في التاريخ: ج3، وفيات الأعيان: ج1 ص77، منهاج البراعة: ج7 ص142 143، تأريخ الخلفاء: ص205، البداية والنهاية: ج8 ص124، العقد الفريد: ج6 ص95، الأغاني: ج9 ص53، السيرة النبوية لابن كثير: ج3 ص96، أنساب الأشراف للبلاذري: ج3 ص126، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ص1420، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج11 ص4447.

() المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، ولد بالطائف وأسلم سنة 5ه (626م)، وجاء في التاريخ أن سبب إسلامه ذهابه إلي المقوقس مع جماعة من بني مالك وكان عددهم ثلاثة عشر رجلاً، فلما رجعوا، فتك بهم؛ طمعاً في أموالهم، فهرب منهم ولاذ بالإسلام، وفي ذلك يقول الإمام علي عليه السلام: (وما المغيرة إنّما كان إسلامه لفجرة وغدرة)، ذهبت عينه في معركة اليرموك وشهد القادسية ونهاوند وهمدان، ولاّه عمر بن الخطاب علي البصرة ثم عزله عنها بعد زناه ولم

يقم عليه الحد ثم ولاّه الكوفة وأقرّه عثمان عليها ثم عزله عنها، وقال الإمام علي عليه السلام: (لئن ملكت لأرمينه بالحجارة)، وكان من أشد المبغضين لعلي عليه السلام، وفي عهد معاوية تولّي الكوفة إلي أن مات سنة 50ه بمرض الطاعون. راجع: أسد الغابة: ج4 ص407، طبقات ابن سعد: ج4 ص284، الاستيعاب: ج4، أنساب الأشراف: ج13 ص348، المغازي: ج5 ص595، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص453.

() جندب بن جنادة، من بني غفار، سمّاه رسول الله صلي الله عليه و اله عبد الله، وهو أول من حيّاه الرسول صلي الله عليه و اله بتحية الإسلام، جهر بإسلامه في مكة فضرب حتي أغمي عليه فأمره الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله بالرجوع إلي قبيلته؛ يدعوهم إلي الإسلام. يعد من خيار الصحابة، قال في حقه الرسول صلي الله عليه و اله: (والله، ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، حضر غزوة تبوك، لازم الرسول صلي الله عليه و اله إلي أن وافاه الأجل فقال: لقد تركنا رسول الله صلي الله عليه و اله وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلاّ ذكّرنا منه علماً، اشتهر بتقواه وبساطته، عارض بيعة أبي بكر، ثم عاش في بلاد الشام بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله قرابة عشر سنوات، وكان يجمع الناس حوله ويحدثهم بأحاديث الرسول صلي الله عليه و اله في فضائل علي عليه السلام، ونعي علي معاوية الترف والإسراف واللعب بأموال المسلمين، ولما بني معاوية قصراً له، بعث أبو ذر إليه أحداً يقول له: يا معاوية، إن كان هذا من مال المسلمين فهي الخيانة، وإن كان من مالك فهو الإسراف؛ فضاق

معاوية به ذرعاً واشتكاه لعثمان فأرسله إلي المدينة بصورة يندي لها الجبين. يقول المسعودي في مروج الذهب: رد إلي المدينة علي بعير عليه قتب يابس معه خمسمائة من الصقالية يطردون به حتي أتوا به المدينة وقد تسلخت بواطن أفخاذه وكاد يتلف، وقف بوجه عثمان، الذي تسلط هو وأقرباؤه من بني أمية أمثال مروان بن الحكم علي رقاب المسلمين، الذين اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً ودين الله دخلاً، وكان يمر بالطرقات والأزقّة يحرض المسلمين علي عثمان ويقول: ?الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?، فمنعه أعوان الخليفة من ذلك، فقال?: أتنهونني عن قراءة القرآن؟ وأضاف: والله، لئن أرضي الله بسخط عثمان أحب إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضا عثمان. ودافع عن المحرومين وكان يصرخ في وجه الحكام قائلاً: أتتكم القطار بحمل النار، اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له كما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج8 ص257. ومن وصاياه ?: إن الله قد فضلك فجعلك إنساناً فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعاً. نفاه عثمان إلي الربذة قائلاً له: اخرج عنا من بلادنا وجوارنا، وتوفي فيها غريباً سنة 32ه (652م). للمزيد راجع الإصابة، فرائد السمطين، تاريخ اليعقوبي، تاريخ الطبري، الاستيعاب، أعيان الشيعة، الغدير للأميني، البداية والنهاية لابن كثير، الموسوعة الإسلامية لحسن الأمين، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

() عمرو بن العاص بن وائل السهمي، اشتهرت أمّه (نابغة بنت حرملة) بالبغاء؛ فقد زنا بها أبو لهب وأمية بن خلف وهشام بن المغيرة وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل وكلهم في طهر واحد؛ فحملت بعمرو فتنافسوا جميعاً علي مولودها وأرجعوا

الحكم إليها فاختارت العاص فقالوا لها: ابنك أشبه بأبي سفيان فلماذا اخترتي العاص؟ فقالت: بخل أبي سفيان، والعاص أقدر علي دفع النفقة.

وقد قال له الإمام الحسن عليه السلام تعريضاً به: (تحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزارها، ألأمهم حسباً، وأعظمهم لؤماً، فإياك عني فإنك رجس). راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص28.

وقد هجاه حسان بن ثابت قائلاً:

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت

لنا فيك منه بينات الدلائل

ففاخر به أما فخرت ولا تكن

تفاخر بالعاص الهجين ابن وائل

وأن التي في ذاك يا عمرو حكمت

فقالت رجاءً عند ذلك لنائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلما

تجمعت الأقوام عند المحافل

عرف بالمكر والخديعة والغدر حتي ضرب به المثل، عادي رسول الله صلي الله عليه و اله وكان يؤذيه ويضع في طريقه الحجارة وقد هجاه بسبعين بيتاً وكان يعلمها للصبيان فإذا مرّ بهم رسول الله صلي الله عليه و اله رفعوا أصواتهم فلعنه الرسول صلي الله عليه و اله بعدد كل بيت لعنة بعد صلاته في الحجر، وفي مكان آخر لعنه الرسول عليه السلام قائلاً: «اللهم العن عمرو بن العاص». روّع زينب بنت الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله عندما خرجت مهاجرة من مكة إلي المدينة وأسقط جنينها. وكان مبعوث قريش إلي الحبشة لتحريض النجاشي علي قتل المسلمين وطردهم منها أو تسليمهم لقريش. قاتل المسلمين في بدر وأحد والخندق، أسلم سنة 8 ه (629م) مع خالد بن الوليد، شهد فتح الشام، ولاّه عمر بن الخطاب فلسطين ثم مصر، عزله عثمان عن مصر وعين مكانه عبد الله بن سعد، وأضحي يؤلب الناس علي عثمان، وعندما قتل عثمان قال ابن العاص: أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها، قتلته وأنا بوادي

السباع. وقال لولده: لقد حرّضت علي عثمان حتي الراعي في الصحراء، وفي حكومة معاوية أضحي من المقربين والمناصرين له وقد ناصره في حروبه ضد الإمام علي عليه السلام كحرب صفين والتي نجي منها بكشف عورته، مات في مصر سنة 43 ه (663م) بعد أن ولاه معاوية عليها، ودفن في المقطم من ناحية الفج عن عمر يناهز التسعين سنة. وقال لابنه حين وفاته: «أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمِّي عليّ رشدي حتي حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوي مالي وأساء فيكم خلافتي». ?

?ترجمه شذرات الذهب ج1ص 53، تهذيب التهذيب ج8 ص56، أسد الغابة ج4 ص 115، سير أعلام النبلاء ج3 ص54، مروج الذهب ج3 ص32، ربيع الأبرار: ج3 ص550، تذكرة الخواص: ص186، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص130، السيرة النبوية: ج3 ص270، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص100.

() صخر بن حرب بن أمية، قاد المشركين في حروبهم ضد الرسول صلي الله عليه و اله كحرب بدر وأحد والخندق، وما من فتنة إلاّ وشارك فيها، أسلم مضطراً يوم الفتح وكان يشتهر بالنفاق؛ كما ذكر ذلك الأغاني: ج6 ص343، يقول الزبير لولده عبد الله في حق أبي سفيان: قاتله الله يأبي إلاّ نفاقاً، عندما أصبح عثمان خليفة، ذهب بنو أمية إليه ليباركوا له خلافته، فقام أبو سفيان خطيباً قائلاً: هل بيننا من غير بني أمية؟ فقالوا: لا، فقال: تلاقفوها يا بني أمية، تلقف الكرة، فالذي يحلف به أبو سفيان، لا عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا حشر ولا قيامة، مات أبو سفيان سنة 31ه (652م).

() خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، ابن خالة عمر بن الخطاب، أسلم برفقة عمرو بن العاص سنة

8ه (629م)، أرسله أبو بكر إلي العراق سنة 12ه (633م) لفتح الحيرة، ثم عينه قائداً في الشام، وقد خلعه عمر بن الخطاب من سمته. مات بحمص سنة21ه (642م). ارتكب عدة جرائم؛ ففي عهد الرسول صلي الله عليه و اله قتل الكثير من بني جذيمة المسالمين بعد أن كتّفهم، وعندما أخبر الرسول صلي الله عليه و اله بذلك، رفع يديه إلي السماء قائلاً: اللَّهم إني أبرأ إليك مّما صنع خالد بن الوليد، ثم أرسل الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله الإمام علي عليه السلام لبني جذيمة قائلاً له: يا علي، اخرج إلي هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج الإمام علي عليه السلام حتي جاءهم ومعه مال فد، بعث به رسول الله صلي الله عليه و اله فودي لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتي إنه ليدي لهم ميلغة الكلب، إذ لم يبق شيء من دم ولا مال إلاّ وداه، بقيت معه بقية من المال. فقال لهم علي عليه السلام حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يودَ لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله صلي الله عليه و اله مما لا يعلم ولاتعلمون. ففعل، ثم رجع إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبره الخبر. فقال الرسول صلي الله عليه و اله: أصبت وأحسنت. ثم قام رسول الله صلي الله عليه و اله فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتي إنه ليري ما تحت منكبيه، يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد. ثلاث مرات.

وفي زمن أبي بكر هجم خالد علي بني سليم الذين لم يقبلوا بخلافة

أبي بكر، وجمع رجالهم في الحضائر وأحرقهم بالنار. وكذلك هجم علي مالك بن نويرة وعشيرته الذي يعد من الأشراف في الجاهلية والإسلام وقد عاشر الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وأحسن معاشرته واستعمله الرسول صلي الله عليه و اله لبرهة من الزمن علي صدقات قومه بعد أن رفض مالك إعطاء الزكاة لأبي بكر ممّا حدا بخالد أن يقتل مالكاً والكثير من أصحابه، وزنا بزوجته أم تميم، وسبي الكثير من النساء، ونهب الأموال، ثم أمر بحزّ رؤوس القتلي لتجعل أثفية للقدور، فما من رأس إلاّ وصلت النار إلي بشرته ما عدا مالكاً فإن القدر نضجت وما نزح رأسه من كثرة شعره وقد وقي الشعر البشرة حرها أن يبلغ منه ذلك. وقال عمر بن الخطاب لخالد بعد هذه الفجيعة: قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت علي امرأته، والله، لأرجمنك بأحجارك. ثم عندما نكح خالد بن الوليد ?ابنة مجاعة بن مرارة قسراً، كتب إليه أبو بكر: يا ابن أم خالد، إنك لفارغ، تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد. للمزيد راجع الرياض النضرة: ج1 ص 100، شرح نهج البلاغة: ج4 ص187، الغدير للأميني: ج7 ص155 169، الموسوعة الإسلامية: ج5 ص174 175 للباحث حسن الأمين، الكامل في التاريخ: ج2 ص173.

() يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَي مِنِّي ولَكِنَّهُ يَغْدِرُ ويَفْجُرُ ولَوْلا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَي النَّاسِ، ولَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ولِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ واللهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ ولا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ). نهج البلاغة: الخطبة 200.

() ذكر البلاذري في أنساب الأشراف: ج5 ص239 عن دهاء معاوية أنه كتب إلي زياد بن أبيه: «انظر

أهل اليمن فأكرمهم في العلانية وأهِنهم في السر». وذكر اليعقوبي في تاريخه ج2 ص150: «أن معاوية إذا بلغه عن رجل ما يكره، قطع لسانه بالإعطاء وربما احتال عليه فبعث به إلي الحروب وقدّمه، وكان أكثر الناس ما فعله المكر والحيلة». وذكر المسعودي في مروج الذهب: «إن رجلاً من أهل الكوفة دخل علي بعير له إلي دمشق في حالة منصرفهم عن صفين، فتعلق به رجل من دمشق. فقال: هذه ناقتي، أخذت مني بصفين، فارتفع أمرهما إلي معاوية، وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بينة، يشهدون أنها ناقته، فقضي معاوية علي الكوفي، وأمره بتسليم البعير إليه. فقال الكوفي: أصلحك الله! إنه جمل وليس بناقة، فقال معاوية: هذا حكم قد مضي، ودسّ إلي الكوفي بعد تفرقهم فأحضره، وسأله عن ثمن بعيره؟ فدفع إليه ضعفه، وبرّه، وأحسن إليه،وقال له: أبلغ علياً أني أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل، وقد بلغ من أمر أهل الشام في طاعتهم لمعاوية أنه صلّي بهم عند مسيرهم إلي صفين الجمعة في يوم الأربعاء. وذكر أيضاً في ج5 ص92: «قال زياد لم يغلبني معاوية في السياسة إلاّ في رجل من بني تميم، استعملته فكسر الخراج ولحق به فآمنه، فكتبت إليه: إن في هذا مفسدة للعمال وحملاً علي سوء الأدب، فابعث به إليّ، فكتب إليّ معاوية: إنه لا يصلح أن أسوس ?وتسوس الناس سياسة واحدة، إنّا إن نشتد جميعاً، نهلك الناس ونخرجهم، وإن نلن جميعاً، نبطرهم، ولكن تلين وأشتد وتشتد وألين، فإذا خاف أحدهم وجد باباً فدخله». وذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص150 مايلي: «قال رجل دعي إلي البيعة لمعاوية اللهم إني أعوذ بك من شر معاوية. فقال معاوية: تعوذ من شر

نفسك، فإنه أشد عليك، بايع، فقال: إني أبايع وأنا كاره للبيعة؟ فقال معاوية: بايع. فإنَّ الله يقول: فَعَسَيَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً سورة النساء: الآية 19. وذكر في وقعة صفين ص495، أن معاوية قال: «والله، لأستميلن بالأموال ثقات علي ولأقسمن فيهم الأموال حتي تغلب دنياهم آخرتهم». ومن دهائه أنه قتل أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله بالسم، وكان يقول: «إن لله جنوداً من عسل». فقد قتل الإمام الحسن عليه السلام ومالك الأشتر وعبد الرحمن بن خالد وسعيد بن أبي وقاص وحجر بن عدي الكندي وأصحابه وعمرو بن الحمق الخزاعي. وقال الجاحظ في رسالته ص365: «كان معاوية خلاف الكتاب والسنة ويستعمل جميع المكايد وجميع الخدع حلالها وحرامها، وكان علي عليه السلام لا يستعمل في حربه إلاّ عدله، ووافق الكتاب والسنة».

() إن أول من تبرأ منه حفيده، معاوية الثاني، الذي تنازل عن الخلافة قائلاً: (إن الخلافة ليست لهم وإنّ جده اغتصبها من علي وإن أباه اغتصبها من الحسين).

() قال الواقدي: «إن معاوية عندما عاد من العراق إلي الشام بعد بيعة الحسن عليه السلام واجتماع الناس إليه، خطب، فقال: أيها الناس، إن رسول الله قال لي: إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة، فإن فيها الأبدال وقد اخترتكم. فالعنوا أبا تراب. فلعنوه … ». راجع نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص72.

وأضاف ابن أبي الحديد في ج11 ص44 45 قائلاً: «وروي أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلي عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روي شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة وعلي

كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد ابن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم علي جذوع النخل وأطرافها وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم … وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق ألاَّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله. فقرئت كتبه علي الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتي أشادوا بذكر ذلك علي المنابر وألقي إلي معلّمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتَّي علَّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. ثم كتب إلي عماله نسخة واحدة إلي جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه. وأشفع ذلك بنسخة أخري: ?من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به وأهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة حتي إن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه

من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضي علي ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتي انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلي أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. فلم يزل الأمر كذلك حتي مات الحسن بن علي ? فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاَّ وهو خائف علي دمه أو طريد في الأرض». وذكر ابن أبي الحديد في الجزء الرابع ص73 ما يلي: «وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي عليه السلام وعاقبوا علي ذلك الراوي له حتي إن الرجل إذا روي عنه حديثاً لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر علي ذكر اسمه فيقول عن أبي زينب. وروي عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً إلي الليل وأن عنقي هذه ضربت بالسيف. قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلي غاية بعيدة لانقطع نقلها للخوف والتقية من بني مروان مع طول المدة وشدة العداوة. ولولا أن لله تعالي في هذا الرجل سراً يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث ولا عرفت له منقبة ألا تري أن رئيس قرية لو سخط علي واحد من أهلها ومنع الناس أن

يذكروه بخير وصلاح لخمل ذكره ونسي اسمه وصار وهو موجود معدوماً وهو حي ميتا». كما ذكر صاحب كتاب تهذيب التهذيب: ج7 ص319: «إن بني أمية إذا سمعوا بمولود، اسمه عليّ قتلوه».

() يقول الزمخشري في ربيع الأبرار: ج2 ص186: «وإن بني أمية لعنوا علياً علي منابرهم سبعين سنة ما زاده الله إلا رفعة ونبلاً».

() عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، ثامن خلفاء بني أمية، ولد سنة 61ه

( 681م) وقتل في دمشق بالسم سنة 101ه (720م)، حكم من سنة 99ه (717م) وإلي سنة ?101 ه (720م) وقد حكم سنتين وخمسة أشهر وأربعة عشر يوماً، وممّا يؤخذ عليه في فترة حكمه تغاضيه عن بني مروان مما اغتصبوه ونهبوه من أموال وأراض في أيام الحكام السابقين والتي تقدر بثلث ما بحوزة الناس من أموال، وإقراره ببقاء يزيد علي ولاية العهد الذي عرف باللهو واللذات، وممّا يؤخذ عليه أيضاً تسامحه مع اليهود والنصاري الذين سعوا في الأرض فساداً، ولم يستطع المظلومون في عهده من الاحتجاج علي الأعمال التي اقترفها بنو أمية أو ذكرهم بسوء أو كشف حقائقهم ومثالبهم ومظالمهم. للتفصيل راجع: العقد الفريد: ج4 ص206، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج17ص103. وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه: ج4 ص58 59 قصة عمر بن عبد العزيز ونهيه عن سب الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قائلاً: «كنت غلاماً أقرأ القرآن علي بعض ولد عتبة بن مسعود، فمرّ بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان، ونحن نلعن علياً. فكره ذلك ودخل المسجد فتركت الصبيان، وجئت إليه لأدرس عليه وردي، فلما رآني قام فصلّي وأطال في الصلاة شبه المعرض عني حتي أحسست منه بذلك، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي،

فقلت له: ما بال الشيخ؟ فقال لي: يا بني، أنت اللاعن علياً منذ اليوم؟ قلت: نعم. قال: فمتي علمت أن الله سخط علي أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ فقلت: يا أبت، وهل كان عليّ من أهل بدر؟ فقال: ويحك وهل كانت بدر كلها إلاَّ له؟! فقلت: لا أعود. فقال: والله أنك لا تعود. قلت: نعم. فلم ألعنه بعدها، ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينئذٍ أمير المدينة، فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه حتي يأتي إلي لعن علي عليه السلام فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به، فكنت أعجب من ذلك. فقلت له يوماً: يا أبت، أنت أفصح الناس وأخطبهم، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك حتي إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن علياً؟ فقال: يا بني، إنَّ من تري تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد، فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري، فأعطيت الله عهداً لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنه، فلما منَّ الله عليَّ بالخلافة أسقطت ذلك، وجعلت مكانه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسانِ وإِيتاءِ ذِي الْقُرْبي ويَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وكتب به إلي الآفاق فصار سنَّةً.

() يقول فلهوزن في كتاب (الخوارج والشيعة) ط القاهرة سنة 1968 عن بني أميّة: (لن تجد اليوم أموياً يقول بأني أموي. فقد تحوّلت الأموية إلي ظاهرة ضد الدين وضد الإسلام؛ وذلك نتيجة ما ارتكبه معاوية من مخالفات ضد الإسلام).

() وقد عبّر أبو سفيان عن ذلك في مقولته لعثمان بن عفان:

يا عثمان، إن الأمر أمر عالمية والملك ملك جاهلية فاجعل أوتاد الأرض بني أمية. راجع الأغاني: ج6 ص 354.

() كقول الإمام عليه السلام لأصحابه: «يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ ولا رِجَالَ، حُلُومُ الأَطْفَالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ ولَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً، واللهِ جَرَّتْ نَدَماً وأَعْقَبَتْ سَدَماً، قَاتَلَكُمُ اللهُ لَقَدْ مَلأتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ والْخِذْلانِ». نهج البلاغة: الخطبة 27.

وقوله عليه السلام: «صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللهَ وأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ واللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ». نهج البلاغة: الخطبة 97.

() سورة الإسراء: الآية 72.

() سورة الأنبياء: الآيتان 26 27.

() النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه، التميمي بالولاء، من سبي كابل، مؤسس المذهب السني الحنفي، ولد سنة 80 ه (699م) ونشأ في الكوفة وكان يبيع الخز ثم انقطع للعلم، قيل: قتله المنصور بالسم، وقيل: حبسه ومات في السجن، مات سنة 149ه (766م) وقيل: 150ه

(767م)، من مؤلفاته: مسند أبي حنيفة، المخارج، الفقه الكبير. ترجمه تاريخ بغداد: ج13ص323 وفيات الأعيان: ج2 ص 163 الجواهر المضيئة: ج1ص26، الإمام الصادق عليه السلاموالمذاهب الأربعة: ج1ص288 330، مرآة الجنات: ج1ص309، روضات الجنات: ج8 ص167 176، الطبقات الكبري لابن سعد: ج7 ص322، الجرح والتعديل: ج8 ص449، المنتظم لابن الجوزي: ج8 ص128، البداية والنهاية: ج10 ص110، شذرات الذهب: ج1 ص 227.

() يقول السروجي في هذا الصدد كما عن المناقب: ج3 ص95:

صنو النبي أمير المؤمنين علي

و أسمحها كفا لمبتذل

ولا استقام طريق غير مشتكل

كلا وحق أمير النحل حيدرة

خير البرية آباء وأشرفها قدرا

لولاه ما قام للإسلام قائمة

() وهؤلاء الثلاثة أمر النبي صلي الله عليه

و اله المسلمين بقتالهم: فعن أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول الله صلي الله عليه و اله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر. راجع تاريخ مدينة دمشق: ج3ص213، أسد الغابة: ج4 ص33. وقال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: ج3 ص208: إن أم سلمة قالت: إن رسول الله أمر علياً بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإن من لقي الله وهو مبغض لعلي أكبّه الله علي منخريه في النار.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص342 ح7825، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص407 ب178، بحار الأنوار: ج72 ص357 ب81 ح70 ط بيروت.

() سورة النساء: الآية 34.

() ونظير هذا قصة قزمان في معركة بدر حيث قال: والله، ما قاتلت إلا علي الحفاظ حتي لا تسير قريش فتطأ سعفنا. راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج14 ص260 261.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص392، وسائل الشيعة: ج12 ص174 ب113 ح15999.

() الصحيفة السجادية: ص92، الدعاء والزيارة للمؤلف رحمة الله عليه: ص93.

() ولد عبد الكريم قاسم في بغداد سنة 1332ه (1914م)، تسلم الحكم في العراق سنة 1377ه (1958م) بعد أن أطاح بالنظام الملكي، وأعلن النظام الجمهوري، وشكل مجلس السيادة لإدارة البلاد، استمر في الحكم لسنة 1382ه (1963م)، وأعدم إثر تعرضه لانقلاب عسكري؛ قاده عبد السلام عارف.

ومن المثالب التي تؤخذ عليه: إلغاؤه للمظاهر الديمقراطية كالبرلمان والتعددية الحزبية، وتجريد العشائر من السلاح، ومحاربة الحوزة العلمية ومؤسساتها، وإعلانه للأحكام العرفية.

() ولد جمال عبد الناصر سنة 1336ه (1918م) وتوفي سنة 1390ه (1970م)، قاد ثورة تموز 1952م، تولّي رئاسة الوزراء سنة 1373ه (1954م)، واتّخذ الاشتراكية كنظام

لإدارة البلد، تولّي رئاسة الجمهورية سنة 1375ه (1956م)، واستمر حكمه إلي سنة 1390ه (1970م).

() تطرق الإمام المؤلف رحمة الله عليه إلي تفصيل ذلك في مذكراته (تلك الأيام): ص148-224.

() آية الله العظمي السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه، ولد في النجف الأشرف سنة 1306ه (1889م) وتوفي في بغداد سنة 1390ه (1970م)، تتلمذ عند الشيخ محمد كاظم الخراساني والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين النائيني والسيد محمد سعيد الحبوبي، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد أبي الحسن الأصفهاني والسيد البروجردي، أصدر فتواه الشهيرة بتكفير الشيوعية والكشف عن صبغتها الإلحادية في السابع عشر من شهر شعبان سنة 1379ه (أيار 1960م)، واعتبر أن الشيوعية كفر وإلحاد، ونُشر البيان آنذاك في جريدة العراق. من مؤلفاته: حقائق الأصول، المستمسك وهو شرح علي العروة الوثقي يقع في اثني عشر مجلداً، منهاج الصالحين، شرح تشريح الأفلاك.

() وقد تطرق الإمام المؤلف رحمة الله عليه إلي تفاصيل بعض تلك الزيارات في مذكراته «تلك الأيام» الجزء الأول والجزء الثاني.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص372 ب2 ح5762، كشف الغمة: ج1 ص384، غرر الحكم ودرر الكلم: ص308 ح7088، بحار الأنوار: ج1 ص88 ب1 ح13 وج69 ص 315 ب117 ح18 ط بيروت.

() هذا وفق الإحصاءات السابقة، ووفق إحصاء سنة 1997م، بلغ عدد المسلمين في إمريكا أكثر من اثني عشر مليوناً وعدد مساجدهم 1500 مسجد و250 مدرسة.

() سورة المائدة: الآية 2.

() سورة الحشر: الآية 14.

() السيد محمد بن علي أكبر بن قاسم بن حسن الموسوي الشيرازي المشهور ب «سلطان الواعظين»، عالم قدير وباحث متميز وخطيب بارع، ولد في 7 ذي القعدة من سنة 1314ه (1897م) في مدينة طهران، توفي في 20 شعبان من سنة 1391ه (11/10/1971م)، هاجر إلي

كربلاء المقدسة سنة 1326ه فدرس عند السيد علي الشهرستاني والشيخ غلام حسين المولوي والشيخ موسي الكرمانشاهي ثم أكمل دراسته في مدينة قم المقدسة عند الشيخ عبدالكريم الحائري، له مساعٍ حميدة في الحوار الفكري لإثبات الحق ونشر عقائد أهل البيت عليهم السلام، منها: حواره مع البراهمة وعلماء الهندوس في مدينة دلهي وبحضور الزعيم غاندي، وكان يتنقل بين البلدان ?الإسلامية لنشر مذهب أهل البيت عليه السلام، من مؤلفاته: ليالي بيشاور، الفرقة الناجية، مائة مقالة سلطانية.

() سورة الغاشية: الآيتان 21 22.

() الشيخ محمد رضا محمد عبد الله المظفر: ولد في النجف الأشرف سنة 1322ه (1904م)، وتوفي في شهر رمضان من سنة 1383ه (كانون الثاني 1964م)، تتلمذ عند الشيخ ضياء الدين العراقي، والشيخ النائيني، والشيخ محمد حسين الأصفهاني، والسيد عبدالهادي الشيرازي، أسّس جمعية النشر والتأليف، وجمعية منتدي النشر سنة 1354ه، وكلية الفقه سنة 1376ه (1956م) والتي أجيزت سنة 1378ه (1958م) والتي حولها صدام التكريتي إلي فندق باسم فندق قبا. وآزر السيد الشيرازي في تأسيس جماعة العلماء سنة 1378ه (1958م)، التي أخذت علي عاتقها مقاومة المد الشيوعي. من مؤلفاته: أحلام اليقظة، السقيفة، فلسفة ابن سينا، منطق المظفر، أصول المظفر، عقائد الإمامية.

() الشيخ محمد جواد بن حسن بن طالب بن عباس بن إبراهيم البلاغي، عالم فاضل وأديب شاعر، يعود نسبه إلي قبيلة ربيعة، ولد سنة 1282ه (1865م) علي ما اختاره الشيخ أغا بزرك الطهراني في نقباء البشر، وقيل: 1285ه (1868م) علي ما اختاره السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، توفي في شعبان من سنة 1352ه (1933م) بعد مرض ابتلي به يسمّي بذات الجنب، يعد من تلامذة الشيخ رضا الهمداني والشيخ محمد طه نجف والشيخ محمد كاظم الخراساني والشيخ محمد تقي الشيرازي

والشيخ محمد الهندي والشيخ محمد حسن الأفغاني، شارك في ثورة العشرين ضد الاستعمار الإنجليزي، وقاد معركة فكرية ضد التحديات الصليبية واليهودية والطوائف المنحرفة وضد الإلحاد والكفر، ودافع عن العقيدة الإسلامية النقية بشكل جدي ومتواصل، تتلمذ عنده السيد محمد هادي الميلاني والسيد الخوئي والسيد المرعشي والسيد صادق بحر العلوم، بلغت مؤلفاته 38 مؤلفاً؛ أبرزها: الهدي إلي دين المصطفي، الرحلة المدرسية، في الرد علي التبشير، آلاء الرحمن في تفسير القرآن، نصائح الهدي، رسالة إلي من كان مسلماً فصار بابياً، رسالة في رد الوهابية، التوحيد والتثليث، أعاجيب الأكاذيب، أنوار الهدي، إبطال فتوي الوهابيين. ترجمه أعيان الشيعة: ج4 ص255.

() الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني، أديب ومؤرخ وفقيه، ولد في إيران سنة 1320ه وتوفي سنة 1390ه، هاجر إلي النجف الأشرف ودرس عند السيد محمد الفيروز آبادي والسيد أبو تراب الخونساري والميرزا علي الشيرازي، أسس في النجف الأشرف مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام سنة 1373ه (1953م) وكانت تحتوي منذ بدء تأسيسها علي خمسة عشر ألف كتاب ثم توسعت حتي بلغت لأكثر من نصف مليون كتاب، وقد ضيق النظام البعثي في العراق الخناق علي متولّيها. من مؤلفاته: الغدير، شهداء الفضيلة، رياض الأنس، سيرتنا وسنتنا، ترجمه أعيان الشيعة في مستدركه ج1 ص82.

() الشيخ محمد محسن الطهراني الملقب ب آغا بزرك أي السيد الكبير؛ وهذا اللقب يمنح في المجتمع الإيراني لكبير العائلة، ولد في طهران سنة 1293ه (1876م) وتوفي في ذي الحجة من سنة 1389ه (شباط 1970م) إثر مرض عضال، انتقل إلي النجف الأشرف لتحصيل العلوم الدينية سنة 1315ه (1897م) وتتلمذ عند الميرزا حسين النوري والسيد مرتضي الكشميري والشيخ محمد طه نجف والميرزا حسين الملكي والشيخ كاظم الخراساني والسيد كاظم اليزدي وشيخ

الشريعة الأصفهاني والشيخ محمد تقي الشيرازي ودرس عند الأخير قرابة خمس وعشرين سنة، اشترك في ثورة العشرين ضد الاستعمار الإنجليزي، ألف أكثر من مائتين وخمسين كتاباً ومخطوطاً؛ منها: الذريعة إلي تصانيف الشيعة ثلاثين مجلداً يتناول فيه فهرست ما ألّفه علماء الشيعة طوال أربعة عشر قرناً، طبقات أعلام الشيعة ويتألف من أحد عشر مجلداً، مصفي المقال في مصنفي علم الرجال يتناول فيه تراجم لخمسمائة من رجال الشيعة الذين ألّفوا في علم الرجال، توضيح الرشاد في تاريخ حصر الاجتهاد، النقد اللطيف في نفي التحريف، نقباء البشر في القرن الرابع عشر ويحتوي علي أربعة مجلدات، الكواكب المنتثرة في القرن الثاني بعد العشرة، ظلال الخصب في عوالي النسب، ضياء المغازات في طريق مشايخ الإجازات.

() السيد حسين بن محمود بن محمد بن علي الطباطبائي القميّ، ولد في مدينة قم المقدسة سنة 1282ه ودرس فيها المقدمات وكذلك درس في طهران ثم انتقل إلي النجف الأشرف سنة 1311ه لحضور درس الشيخ حبيب الله الرشتي والشيخ النهاوندي والشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي، ثم هاجر إلي سامراء سنة 1321ه لحضور درس الشيخ محمد تقي الشيرازي وبقي هناك عشر سنوات. وفي سنة 1331ه انتقل إلي مشهد الإمام الرضا عليه السلام وبدأ بالبحث والتدريس. من مواقفه السياسية: تصدي لرضا شاه البهلوي سنة 1354ه الذي أهان العلماء ونشر الخمور وأجبر النساء علي التبرج والسفور ومنع إقامة الشعائر الدينية. رُشّح للزعامة الدينية بعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني، ورجع الناس إليه في التقليد ونُشرت رسالته العملية في أرجاء إيران ثم هاجر إلي كربلاء المقدسة، وزادت وجاهته وعظم شأنه ثم هاجر إلي النجف الأشرف وتوفي بعد عدّة شهور في بغداد وذلك في 14 ربيع الأول سنة

1366ه عن عمر يناهز الرابعة والثمانين سنة. من مؤلفاته: مجمع المسائل، الذخيرة الباقية في العبادات والمعاملات، مختصر الأحكام، طريق النجاة، منتخب الأحكام، مناسك الحج، هداية الأنام. ترجمه نقباء البشر: ج2 ص653.

() السيد حسين بن علي بن أحمد بن علي نقي الطباطبائي البروجردي، ولد في بروجرد سنة 1292ه، وينتهي نسبه إلي الإمام الحسن عليه السلام، توفي سنة 1380ه في مدينة قم المقدسة ودفن في الجامع الذي بناه في حياته إلي جانب مرقد السيدة معصومة عليها السلام. هاجر إلي النجف الأشرف سنة 1320ه وتتلمذ عند الشيخ محمد كاظم الخراساني، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني سنة 1365ه. قاوم الظلم والطغيان في إيران أيام رضا بهلوي وكذلك قاوم المد الشيوعي. ترك تراثاً فكرياً قوامه خمسون كتاباً ورسالة؛ منها: تجريد أسانيد الكافي، حاشية علي كفاية الأصول، حاشية علي العروة الوثقي، بيوت الشيعة، إصلاح واستدراك رجال الطوسي، جامع أحاديث الشيعة، دار السلام في فروع الإسلام وأحكامه.

() سورة آل عمران: الآية 140.

() سورة فاطر: الآية 43.

() السيد صادق بن مهدي الحسيني الشيرازي، من الأعلام المعاصرين والفقهاء المتميزين، ولد في كربلاء في العشرين من ذي الحجة سنة 1360ه وتربّي في بيت ملؤه العلم والمعرفة، وترعرع في أحضان أبوين صالحين فاغترف من معينهما الحب والحنان والأدب ومكارم الأخلاق، واشتهر في الأوساط العلمية بالفقاهة والتحقيق والتدقيق والذوق الرفيع وقوة الاستدلال والزهد والورع والتقوي، تتلمذ عند والده السيد مهدي الشيرازي وأخيه السيد محمد الشيرازي والسيد محمد هادي الميلاني والشيخ محمد رضا الأصفهاني والشيخ يوسف الخراساني، آلت إليه المرجعية بعد وفاة أخيه السيد محمد الشيرازي في الثاني من شوال من سنة 1422ه، ولا زال يمارس نشاطه الإسلامي، بلغت مؤلفاته خمسةً وثمانين كتاباً وكراساً

لمختلف المستويات، طبع منها: بيان الأصول قاعدة لاضرر والاستصحاب، الموسوعة القرآنية: علي في القرآن، فاطمة في القرآن، المهدي في القرآن، الشيعة في القرآن، أهل البيت في القرآن، ومجموعة كتب شرحية: كشرح العروة الوثقي بحث الاجتهاد والتقليد وشرح السيوطي، وشرح تبصرة المتعلمين، وتوضيح شرائع الإسلام، ومجموعة كتب تتضمن مواضيع أخري، منها: السياسة من واقع الإسلام، القياس في الشريعة الإسلامية، الطريق إلي البنك الإسلامي، العقوبات في الإسلام، مساوئ السفور.

() عبد الرحمن البزّاز، ولد سنة 1332ه (1913م) في منطقة الرمادي وتخرّج من كليّة الحقوق سنة 1349ه (1934م) ثمّ قضي أربع سنوات في إنجلترا لدراسة القانون في كليّة الملك بجامعة لندن وعاد إلي العراق سنة 1349ه (1934م)، ناصرَ رشيد عالي الكيلاني بانقلابه سنة 1360ه (1941م) وسجن حتي نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب عمل في وزارة العدل، ثمّ أصبح عميداً لكليّة الحقوق سنة 1374ه (1956م) وعمل في القضاء في محكمة التمييز. في بداية انقلاب عارف عيّن سفيراً للعراق في القاهرة ثمّ لندن وجنيف وعمل بالمحاماة ثمّ تولّي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والنفط في وزارة طاهر يحيي الثانية ثمّ رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية سنة 1383ه (1964م) ولدورتين في عهد الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف، اعتقل بعد انقلاب البعثيين سنة 1388ه (1968م) وعُذّب ولم يطلق سراحه إلاّ بعد أن شُلّ جسده وفقد النُطق فسافر إلي لندن ومات هناك. ترك سبعة مؤلفات، منها: «العراق من الاحتلال حتي الاستقلال» «صفحات من الأمس القريب» «الإسلام والقومية العربية».

() عبد الرحمن عارف العاني: ولد سنة 1334ه (1916م)، أصبح رئيساً للعراق سنة 1385ه (1966م)، بعد مقتل أخيه عبد السلام، نحي عن السلطة سنة 1388ه (1968م)؛ إثر انقلاب دبّره أحمد حسن البكر، ونفي إلي تركيا.

()

قانون خليط من قانون العقوبات الفرنسي الذي عمل به العثمانيون في العراق وقانون العقوبات المصري الذي أضافه الإنجليز له والذي هو بدوره مأخوذ من القانون الفرنسي، ألزمه الإنجليز علي العراق سنة 1337ه (1918م) عندما احتلوه. وهذا القانون اصطدم مع الروح الدينية والمشاعر الشعبية للعراقيين، أدخلت عليه بعض التعديلات الطفيفة، كان آخرها سنة 1399ه (1979م) للتفصيل عنه راجع كتاب مذكرات المس بيل: ص76 79، ترجمة جعفر الخياط.

() وقد فصّل الإمام المؤلف رحمة الله عليه مجريات الحوار مع رئيس الوزراء العراقي في العهد العارفي في مذكراته الموسومة ب (تلك الأيام) ص229 234.

() يقوم بتأجير الحيوانات لغرض الركوب للسفر والانتقال من مكان إلي آخر.

() غازي بن فيصل الأول، ولد في مكة سنة 1331ه (1912م)، دخل العراق وهو في السن السادسة من عمره برفقة والده الذي نُصّب ملكاً علي العراق، حكم العراق بعد موت والده سنة 1352ه (1933م) واستمر في الحكم إلي سنة 1358ه (1939م)، قتل من قبل الإنجليز؛ إثر اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه بعمود كهربائي بالقرب من قصر الحارثة ليلاً.

() فيصل بن غازي والمشهور بفيصل الثاني، ولد في بغداد سنة 1354ه (1935م)، عين ملكاً بعد وفاة أبيه، ابتدأ حكمه سنة 1358ه (1939م) وكان عمره آنذاك خمس سنوات؛ ونتيجة لعدم بلوغه الرشد القانوني 18سنة؛ عين خاله عبد الإله وصياً عليه لإدارة شؤون البلاد، قتل مع أغلب أعضاء العائلة الملكية سنة 1377ه (1958م) إثر إنقلاب عسكري دبّره عبد الكريم قاسم.

() عبد السلام عارف: ولد سنة 1339ه (1921م)، تسلم الحكم في العراق سنة 1382ه

(1963م)، قتل سنة 1385ه (1966م)؛ إثر سقوط طائرته في جنوب العراق.

() أحمد حسن البكر: ولد في تكريت سنة 1333ه (1914م)، تسلم الحكم في العراق 1388ه (1968م)؛

إثر انقلاب دبّره علي عبد الرحمن عارف، واستمر في الحكم إحدي عشرة سنة، وأقصي سنة 1399ه (1979م)؛ إثر انقلاب دبّره صدام التكريتي. وقتله صدام سنة 1402ه (1982م) بحقنة سبّبت ارتفاع نسبة السُّكر لديه بواسطة الدكتور صادق علوش. وقيل: الدكتور فاروق كما عن كتاب جمهورية العراق الديكتاتوري: ص145.

() الكلبجة: كناية عن الأصفاد التي توضع في يد المجرم.

() الخصال: ج2 ص420، الإرشاد: ج1 ص303، روضة الواعظين: ص109، أعلام الدين: ص159، كشف اليقين: ص183، كنز الفوائد: ج2 ص194، معدن الجواهر: ص67، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ص255 ب4، بحار الأنوار: ج71 ص411 ب30 ح21، وج72 ص107 ب49 ح9 وج74 ص423 ب15 ح 40 وج100 ص20 ب2 ح8 ط بيروت.

() سورة البقرة: الآية 286.

() وأصل البيت باللغة الفارسية:

حُسنت به اتفاق ملاحت جهان كرفت

آري به اتحاد جهان ميتوان كرفت

() مفردة عراقية، كنايةً عن العربة التي تجرّها الخيول.

() مفردة فارسية الأصل، وهي عبارة عن أداة من أدوات المطبخ، تستخدم لإعداد الشاي.

() أصل البيت بالفارسية:

تا كلّه شيخنا ملنك است

اين قافلة تا به حشر لنك است

() عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد محمود العثماني، ولد سنة 1258ه (1842م) ومات سنة 1336ه (1918م) ويعد الرابع والثلاثين من سلاطين العثمانيين البالغ عددهم سبعةً وثلاثين خليفة، تولّي العرش سنة 1293ه (1876م) خلفاً لأخيه مراد الخامس، ونظراً لعصبية مزاجه وظلمه واستبداده؛ أدت سياسته إلي تقسيم البلاد فقد احتلت النمسا البوسنة والهرسك كما انفصلت البرتغال عن الجسم الإسلامي، وقد أكثر من سفك دماء المسلمين حتي لقب ب الأحمر، وكان يمنع كل شخص أن يسمي نفسه باسم «عبد الحميد»، وأضحت الوظائف في عهده تباع بالأموال، وفي سنة 1296ه (1878م) أوقف العمل بالدستور، خلع عن العرش سنة 1327ه

(1909م) ونفي إلي سالونيك وعين مكانه أخوه محمد رشاد ثم نقل من منفاه إلي إسطنبول؛ خشية أن يقبض عليه الأعداء وبقي في إسطنبول إلي أن وافته المنية.

() جمعية الاتحاد والترقي: تعد أول تشكيلة حزبية قومية، تأسست سنة 1307ه (1890م) وبلغت ذروة نشاطها سنة 1325 ه (1907م)، دعت إلي الأمة الطورانية النزعة القومية ?العدائية تجاه العناصر غير التركية في الدولة العثمانية وسعت إلي تغريب الدولة العثمانية والقضاء علي المفاهيم الإسلامية، وإن أغلب أعضائها من العسكريين وتسمّي الجمعية بأسماء أخري منها: العثمانيون الجدد، تركيا الفتاة.

يقول صاحب كتاب نشوء القومية ص86 عن قيادات هذه الجمعية ما لفظه: «أحدهم بولوني اعتنق الإسلام واثنان يهود ورابع بلغاري غجري اعتنق الإسلام وخامس نصفه شركسي ونصفه مجري».

عن هذه الجمعية راجع الموسوعة الإسلامية: ج4 ص7 لحسن الأمين.

() الكافي (أصول): ج2 ص362 ح3، الاختصاص: ص266، كشف الريبة: ص21، مجموعة ورام: ج2 ص209، منية المريد: ص332، مستدرك الوسائل: ج9 ص144 ب141 ح10502، بحار الأنوار: ج71 ص186 ب13 ح7 ط بيروت، وسائل الشيعة: ج12 ص302 ب161 ح16361.

() ونص الحديث كما عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: (قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِي يَبْلُغُنِي عَنْهُ الشَّيْءُ الَّذِي أَكْرَهُهُ فَأَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيُنْكِرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ قَوْمٌ ثِقَاتٌ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ كَذِّبْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً وَقَالَ لَكَ قَولا فَصَدِّقْهُ وَكَذِّبْهُمْ، لا تُذِيعَنَّ عَلَيْهِ شَيْئاً تَشِينُهُ بِهِ وَتَهْدِمُ بِهِ مُرُوءَتَهُ فَتَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الكافي (روضة): ج8 ص 147 ب8 ح125، أعلام الدين: ص405، ثواب الأعمال: ص247، وسائل الشيعة: ج12

ص295 ب157 ح16343، بحار الأنوار: ج72 ص214 ب65 ح11 ط بيروت

() فتح المسلمون الهند سنة 89 ه (707م)، وقد حكم الهند سلالات من المسلمين الشيعة أمثال:

أ. قطب شاهيون: ومؤسسها محمد علي، أحد تلامذة صفي الدين الأردبيلي الذي أصبح حاكماً لمنطقة «الدكن» سنة 918 ه.

ب. العادل شاهيون: ومؤسسها عادل شاه الساوجي.

ج. النظام شاهيون: ومؤسسها أحد الهنود واسمه تبمابهن، ومن حكامها شاه طاهر.

للتفصيل راجع مستدركات أعيان الشيعة: ج1 ص192 ومصدره الإسلام وإيران الجزء الثالث ص270 271.

() حزب أسّسته مجموعة من المفكرين الهنود لمقاومة الاستعمار البريطاني سنة 1303ه (1885م) وعقد مؤتمره التأسيسي في بومباي من نفس السنة، وقد تناوب علي رئاسته عدة زعماء، منهم: دادا بيه ناروجي، وكوخال، وكرفال ميها وبيلاك، وغاندي، ونهرو، وشاستري، وأنديرا غاندي، وقد حقّق الحزب مكاسب جمّة للشعب الهندي وعلي رأسها استقلال البلاد سنة 1366ه (1947م)، وفي سنة 1977م حدث انشقاق في الحزب فجناح تزعمته أنديرا غاندي وآخر تزعمه سردار سينغ وي شافان. راجع موسوعة السياسة: ج2 ص519 وكتاب: «عند قدمي غاندي» لبراسات، و قصتي مع الحقيقة لغاندي، و لمحات من تاريخ العالم لنهرو.

() سورة آل عمران: الآية 103.

() سورة الأنفال: الآية 46.

() إن من يراجع التاريخ، يتبين له أن جميع دعاة القومية هم من غير المسلمين، والهدف هو تخفيف الصراع بين الإسلام والمسيحية وحماية المسيحيين في البلاد الإسلامية بشكل يصونهم ويمنحهم الامتيازات دون أن يرتبطوا بقيود. ولأجل زرع الصراع والتقاتل بين المسلمين خدمة لمصالح الاستعمار. يقول لورنس بالنسبة للقومية العربية في كتابه أعمدة الحكمة السبعة ص351: «إن قصة الثورة العربية من أولها إلي آخرها ليست سوي قضية حياة أو موت بالنسبة إلي العرب. أما نحن الإنجليز فقد تبنيناها حباً بأنفسنا أو علي الأقل

طمعاً بكسب المستقبل ولم يكن في مقدورنا تحاشي ذلك إلا بخداع أنفسنا فيما نشعر ونحس به من دوافع» للاطلاع علي مساوئ القومية راجع كتاب (القوميات في خمسين سنة) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() يقول محمود أبو رية في كتابه شيخ المضيرة أبو هريرة ص185: «قال أحد كبار علماء الألمان في الأستانة لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء مكة : إنه ينبغي لنا أن نقيم تمثالاً من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا برلين. فقيل له: لماذا؟. قال: لأنه هو الذي حول نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلي عصبية، ولولا ذلك لعمَّ الإسلام العالم كله. إذاً لكنا نحن الألمان وسائر شعوب أوربا عرباً مسلمين».

() بهلول بن عمرو الكوفي الصوفي، كما عن روضات الجنات وأعيان الشيعة، شاعر وفقيه وحكيم، توفي سنة 190ه وقبره في بغداد، يعدُّ من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم ?، أظهر الجنون بأمر الإمام الكاظم عليه السلام؛ وقايةً لنفسه، حيث إن هارون العباسي كان يسعي لقتل الإمام الكاظم عليه السلام ويحتال في ذلك، فأرسل إلي حملة الفتوي يستفتيهم في إباحة دم الإمام؛ متهماً إياه بإرادة الخروج عليه ومنهم بهلول. فخاف بهلول من هذا واستشار الإمام الكاظم عليه السلام فأمره بإظهار الجنون ليسلم مما طلبه هارون منه. وفي غرائب الأخبار للسيد نعمة الله التستري أن هارون العباسي أراد أن يولي رجلاً القضاء فشاور أصحابه فأشاروا ببهلول فاستدعاه وقال له: أعنّا علي عملنا هذا. قال: بأي شيء أعينك؟ قال: بعمل القضاء. قال: أنا لا أصلح لذلك. قال: أطبق أهل بغداد أنك صالح له. فقال: سبحان الله، أنا أعرف بنفسي منهم، فإن كنت في إخباري بأني لا أصلح للقضاء صادقاً، فهو ما أقول، وإن

كنت كاذباً فالكاذب لايصلح لهذا العمل، فألحوا عليه وشددوا وقالوا: لا ندعك أو تقبل. قال: إن كان ولا بد فأمهلوني الليلة حتي أفكر في أمري، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق ?وكان يقول: طرقوا، خلوا الطريق لا يطأكم فرسي. فقال الناس: جُنّ بهلول. فقال هارون: ما جنّ ولكن فرّ بدينه منّا.

وكانت لبهلول مناظرات مهمة مع الخلفاء والولاة أمثال هارون العباسي ومحمد بن سليمان والي البصرة ابن عم هارون، منها: أن هارون خرج إلي الحج فلما كان بظاهر الكوفة بصر بهلولاً علي قصبة وخلفه الصبيان وهو يعدو، فقال: من هذا؟ قالوا: بهلول المجنون. قال: كنت أشتهي أن أراه فادعوه من غير ترويع. فقالوا: أجب الأمير. فعدا علي قصبته. فقال هارون: السلام عليك يا بهلول. فقال: عليك السلام يا أمير. فقال: كنت إليك مشتاقاً. قال: لكني لم أشتق إليك. قال: عظني. قال: وبم أعظك؟ هذه قصورهم وهذه قبورهم. فقال: زدني فقد أحسنت. فقال: من أعطاه الله مالاً وجمالاً فعفّ في جماله وواسي في ماله، كتب في ديوان الأبرار. فظنّ هارون أنه يريد منه شيئاً. فقال: أمرنا بقضاء دينك. فقال بهلول: لا، إنه لا يقضي دين بدين، اردد الحق علي أهله واقض دين نفسك. فقال: قد أمرنا أن يجري عليك. قال: أتري الله يعطيك وينساني، ثم ولّي هارباً. وروي بإسناد آخر: أنه قال لهارون: يا أمير، فكيف لو أقامك الله بين يديه فسألك عن النقير والفتيل والقطمير؟ قيل: فخنقته العبرة. فقال الحاجب: حسبك يا بهلول، قد أوجعت الأمير. فقال هارون: دعه. فقال بهلول: إنما أفسده أنت وأضرابك. فقال هارون: أريد أن أصلك بصلة. فقال بهلول: ردَّها علي من أخذت منه. فقال هارون: فحاجة. قال: لا تراني ولا

أراك. ثم قال: يا أمير، حدّثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله يرمي جمرة العقبة علي ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد، ثم ولي بقصبته وأنشأ يقول:

فعدك قد ملكت الأرض طراً

ودان لك العباد فكان ماذا

ألست تموت في قبر ويحوي

تراثك بعد هذا ثم هذا

ثم إن بعض الخلفاء قال لبهلول: أتريد أن أحيل أمر معاشك إلي الخزانة حتي لا تكون في تعب منه طول حياتك. فقال: أرضي به، ما خلا من معايب، أولها: إنك لا تدري إلي ما أحتاج حتي تهيئه لي. ثانيها: إنك لا تدري متي أحتاج حتي لا تتجاوزه. ثالثها: إنك لا تدري مقدار حاجتي حتي لا تزيد عنه ولا تنقص فتبتليني، والله الذي ضمن رزقي، يدري جميع هذه ?الثلاثة مني، مع أنك ربما غضبت عليّ فحرمتني، والله سبحانه وتعالي لايمنعني فضله ورزقه وإن كنت عاصياً له بجميع أعضائي وجوارحي.

ويذكر في التاريخ أن بهلولاً مرّ بهارون العباسي وقد بني قصراً جديداً فقال لبهلول: اكتب شيئاً علي هذا القصر، فأخذ بهلول قطعة من الفحم وكتب: رفعت الطين ووضعت الدين، ورفعت الجص ووضعت النص، فإن كان من مالك فقد أسرفت والله لا يحب المسرفين، وإن كان من مال غيرك فقد ظلمت والله لا يحب الظالمين. ومن وصايا بهلول: اجعل جوارحك مطيتك واحمل عليها زاد معرفتك واسلك بها طريق مبغضك فإن ذكرتك ثقل الحمل فذكرها عاقبة البلوغ. للمزيد راجع عقلاء المجانين للحسن بن محمد النيسابوري ومجالس المؤمنين.

() المهاتما غاندي، ولد في بور بند الهندية سنة 1286ه (1869م)، واغتيل سنة 1367ه (1948م)، بدأ كفاحه السلمي لتحرير الهند سنة1337ه (1919م)، وتزعم حزب المؤتمر، سعت جهوده إلي تحرير

الهند من الاستعمار البريطاني، عبر وسيلة المقاومة السلمية اللاعنف والعصيان المدني والصوم، وقد كلّفه صراعه أن يدخل السجن عدّة مرات، من مؤلفاته: (قصة تجاربي مع الحقيقة).

() هارون بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور، خامس خلفاء بني العباس والبالغ عددهم 37خليفة، ولد في مدينة ري الإيرانية وتقع في أطراف طهران الحالية سنة 148ه (765 م)، ومات في جمادي الأولي سنة 193ه (809 م) في قرية سناباد عندما ذهب إلي خراسان لقمع ثورة رافع بن الليث عن عمر يناهز 47 سنة، وحكم سنة 170ه (786م)، وامتد حكمه 23 سنة وشهراً وتسعة عشر يوماً، وخلف عشرين ولداً نصفهم ذكور ونصفهم إناث، واتّسم حكمه بالظلم والاستبداد وعلي الخصوص لأئمة أهل البيت عليه السلام وأتباعهم، فقد قتل الإمام الكاظم عليه السلام بعد أن سجنه عشر مرات في البصرة وبغداد، وكذا قتل الطالبيين. وكان هارون يسعي دائماً إلي طمس المذهب الشيعي، والآثار الإسلامية، وبالأخص العتبات المقدسة في مدينة كربلاء فقد هدَّم قبر الإمام الحسين عليه السلام وحرث الحرم وقطع شجرة السدرة التي كانت معلماً لإرشاد الزائرين وذلك سنة 193ه، وقد أضحي العلماء في عهده يتحامقون أمثال بهلول بن عمرو وعليان وعيناوه، ومن وسائل قتله للأبرياء هو بناء الأعمدة المجوَّفة ووضع الإنسان فيها ثم سد فوهة العمود فيبقي المعذب فيه حتي يأتيه الموت بتلك الحالة، وبني سياسته ضد خصومه علي أسلوب خلق الفتن والتآمر والاغتيال والدعاية في طعن النسب وفي الإيديولوجية وفي الهجوم العسكري إن تسني له ذلك، واهتم بالغناء والمغنين وقرّب الكثير منهم وأجزل العطاء عليهم وكان يجمعهم في مجلس واحد ويقترح عليهم في الأصوات ليطرب هو ومن معه، وقد اختار له إسحاق الموصلي من الغناء مائة صوت، عرفت بالأصوات

المائة المختارة، التي وضع أبو الفرج الأصفهاني فيها كتاب الأغاني. وكان أخو هارون، إبراهيم، المعروف بابن شكلة قد بلغ منزلة بالغناء والعزف والمنادمة حتي اشتهر بشيخ المغنين، وقد ذكر في التاريخ أنه لما عجز إبراهيم عن توزيع عطاء الناس؛ لصرفها في ملذاته، قال قوم من أهل بغداد هازئين مستهزئين: أخرجوا لنا خليفتنا يغني لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات فتكون عطاءً للجميع?، وكانت أخت هارون، علية، تغني وأخوها الآخر، يعقوب، يزمّر لها علي الغناء. وقد قال الشاعر أبو فراس الحمداني مقارناً بين أفعال ?العباسيين والعلويين قائلاً:

منكم علية أم منهم وصاحبكم

شيخ المغنين إبراهيم أم لهم

تبدو التلاوة من أبياتهم سحراً

ومن بيوتكم الأوتار والنغم

ليس الرشيد كموسي في القياس ولا

مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم

راجع معجم البلدان: ج4 ص165، الأعلام للزركلي: ج8 ص62.

() ذكر عيون أخبار الرضا عليه السلام بسنده عن عبيد الله البزاز النيسابوري عن حميد بن قحطبة والي خراسان؛ إنه قتل في ليلة واحدة بأمر هارون في طوس ستين نفساً من العلويين طرح أجسادهم في بئر هناك.

() وقد عد بعض المؤرخين أن هارون أول من جعل للمغنين والمغنيات مراتب وطبقات، اقتداءً ب «أردشير وكسري» حكام فارس، وأنه أول خليفة لعب بالكرة والصولجان وهي لعبة فارسية، وأنه كثر في زمانه لعبتا الشطرنج والنرد.

() ولا يخفي عدم صحة هذه المقولة؛ لأنه انفصلت عن الدولة العباسية الأدارسة في المغرب، والسامانية في خراسان وما وراء النهر، والغزنوية في أفغانستان، والأموية في الأندلس، والرستمية في المغرب الأوسط، ولو سلمنا بصحة هذه المقولة فما قيمة الملك الواسع والعريض والناس يعيشون في كبت واضطهاد وذل ومهانة، ألم يكن لجنكيزخان وهولاكو وهتلر البلاد الواسعة والمُلك العريض؟!.

() تيمو جين بن يشوكي والمشهور ب(جنكيز

خان)، مؤسس الإمبراطورية المغولية، ولد سنة 1192م ومات إثر سقوطه عن صهوة جواده سنة 1227م، تولي الحكم وراثة وهو ابن الثالثة عشرة من العمر، وبفترة وجيزة أبرز شجاعته وجلده وقوته العسكرية وشرع في بناء إمبراطورية عظمي، حكم من سنة 1206م واستمر في الحكم إلي سنة 1227م، واستطاع خلال هذه الفترة أن يوحد القبائل المغولية الوثنية المتنقلة وتوجيهها للفتوحات، وأخضع الكثير من البلدان لحكمه، منها: منغوليا سنة 1206م والصين سنة 1215م، وفارس وأفغانستان وأرمينيا والهند وقسم كبير من روسيا، وعرف بالبطش والقتل وحبه للدماء، وقد ذكر الإمام الراحل رحمة الله عليه بعض جرائم المغول وعلي رأسهم (جنكيز خان) في كتابه (الصياغة الجديدة) ص354 ومصدره كتاب أسري الحرب، ما نصه: «وفي حروبهم اشتبكوا مع شاه «خوارزم»، علاء الدين، فأحرق المغول مدينة «بخاري» ونهبوا ثرواتها واغتصبوا النساء وسيق الأسري إلي «سمرقند»، ولما صعب عليهم اللحاق بالفرسان، أمر جنكيز خان بقتل كل من يتخلَّف عن السير، واستحالت «بخاري» إلي أنقاض وخرائب. ولاقت مدينة «سمرقند» المصير نفسه؛ حيث نهبت وقتل السكان وأسروا 30 ألفاً من أمهر الصنّاعين وأرسلهم جنكيزخان إلي أبنائه في الشمال، كما جنَّدوا عدداً كبيراً لاستخدامهم في الأشغال العسكرية والنقل. وفي مدينة «خراسان»، جمعوا الأهالي في ساحة واسعة وأمروهم أن يُكتِّف بعضهم بعضاً ثم شرعوا بذبحهم، فقتلوا سبعين ألفاً. ولما احتلوا مدينة «مرو»، وزّعوا سكانها علي المحاربين المغول ووزّع كل منهم نصيبه، ولم يُبقوا إلاَّ علي أربعمائة صانع لحاجة الجيش إليهم، وعلي بعض الأفراد لاتّخاذهم عبيداً، ولاقت بقية المدن نفس هذا المصير. ولما سمع المغول أن بعض الأهلين رقدوا بين جثث القتلي، أصدر الأوامر بفصل الرؤوس عن أجسادها واتبعوا ذلك في جميع ?معاركهم اللاحقة. وكانوا يطاردون الفارّين كما

يطارد الصياد فريسته. واستخدموا شتي أنواع الحيل لإخراج المختبئين من مخابئهم، مثلاً: أرغموا مؤذناً من أسراهم علي الأذان للصلاة، وخرج المسلمون من مكامنهم معتقدين بذلك، ذهب الغزاة الذين كانوا لهم بالمرصاد فأبادوهم. وكانوا يحرقون الغلات والمحاصيل قبل مغادرتهم المدن ليموت من اختبأ أو فرّ من السكان جوعاً. وكانت سياسة جنكيز خان في حروبه ذبح جميع جنود الحاميات وسكان المدن والسلب والنهب وغرق الأسري، وإذا قاومت مدينةٌ المغولَ، صنعوا بها الأفضع، فقد قاومت «نيسابور» بضعة أيام فكان جزاؤها ذبح الرجال والنساء والأطفال. وعندما هجم المغول علي مدينة بغداد، حاصروها أربعين يوماً ونصبوا المنجنيقات علي جميع القلاع والحصون وأمطروها بالحجارة والنار المشتعلة وأحدثوا ثغرة كبيرة في أسوارها وأحرقوا المنازل، ولما رأي الخليفة العباسي أنه لا علاج إلا بالصلح، طلب الصلح وأبدي استعداده للتسليم شريطة الإبقاء علي حياته وحياة السكان، وخرج مع ثلاثة آلاف من القضاة والأعيان والأشراف لملاقاة هولاكو، فخان الاتفاق وغدر بهم كما فتك بسكان المدينة، فأمر هولاكو بنهب المدينة وذبح سكانها ووطئت أجساد المستغيثين بحوافر الخيل واغتصبت النساء، وسالت الدماء في الشوارع مدة ثلاثة أيام حتي أصبح ماء دجلة لعدة أميال أحمر قانياً. واستبيحت المدينة ستة أسابيع، فذبحوا السكان وانتهكوا الحرمات وأحرقوا الدور وتهاوت القصور وتقوضت الجوامع والضرايح بسبب النار أو بسبب المعاول، وذبحوا المرضي في المستشفيات، وقتلوا طلاب العلم والأساتذة في المدارس، ونبشوا قبور الأولياء وأضرحة الأئمة الصالحين، وأحرقوا جثث الأموات، واستمرت المذابح عدة أيام، وأمست مدينة بغداد خراباً بلقعاً، وهلك من سكانها أكثر من مليون ونصف. وعبر المغول الفرات متجهين صوب الجزيرة يطاردون الأهلين فيقتلون ويسلبون، فأبادوا جميع سكان مدينة «ألرها» و «جران» و «نصيبين» وذبحوا في مدينة «حلب» خمسين ألفاً وسبوا عشرة

آلاف من نسائها وأطفالها. وفعلوا أيضاً في غالب بلاد الإسلام هذا الفعل، مثلاً: لما علم تيمورلنك بمقتل جماعة من رجاله وجنوده الذين دخلوا مدينة «أصفهان» غضب وأصدر أمره إلي الجيش باقتحام المدينة وأن يعود كل جندي مع رأس قتيل من أهلها، ونفذ الجيش الأمر وتحولت المدينة إلي مجزرة بشرية مروعة، وتكدست عند المساء سبعون ألف جمجمة من الضحايا، فأمر تيمور أن تقام منها أبراج في شوارع المدينة».

() لوسيوس دو ميتيوس والمشهور ب نيرون، رابع أباطرة وملوك الرومان، الذين حكموا البلاد بالحديد والنار من سنة 14م وإلي 117م والبالغ عددهم اثني عشر شخصاً، ولد نيرون سنة 37م، وحكم أربع عشرة سنة منذ سنة 54م وإلي 68م، واتّسم حكمه بالاستبداد والديكتاتورية والطغيان والوحشية حتي إنه قتل أمّه سنة 59م وزوجته سنة 62م وأحرق روما سنة 64م، ومثالاً علي استبداده أنه: «سأل آغربين، الشاعر؛ وهو تحت النطع: من أشقي الناس؟، فأجابه معرّضاً به: من إذا ذكر الناس الاستبداد، كان مثالاً له في الخيال»؛ كما ورد في طبائع الاستبداد ص58 للكواكبي، انتحر بخنجر أغرزه في عنقه سنة 68م؛ بعد أن ثار عليه القادة العسكريون في إفريقيا وإسبانيا، وعاش 31 سنة.

() أدولف هتلر ولد في النمسا سنة 1889م، وانتحر في برلين سنة 1945م، تسلم مقاليد الحكم في ألمانيا سنة 1934م، أدت سياسته المتعجرفة إلي نشوب الحرب العالمية الثانية سنة 1939م، والتي ذهب ضحيتها قرابة الخمسين مليونَ إنسانٍ، وخسر المعركة بهجومه علي روسيا سنة 1943م، من مؤلفاته كتاب: (كفاحي).

() بنيتو موسيليني، ولد سنة 1883م، وقتل في 28 نيسان 1945م، مؤسس الحزب الفاشي الإيطالي في ميلانو سنة 1919م، زحفت ميليشياته علي روما سنة 1922م وأسندت إليه الوزارة، أصبح رئيساً لإيطاليا في نفس

السنة، أنشأ مع هتلر محور روما برلين سنة 1936م، تحالف مع هتلر في الحرب العالمية الثانية، وأدّت هزيمة قواته إلي سقوطه، أُقصي من الحكم سنة 1943م ثم أعاده الألمان إلي الحكم مرة أخري سنة 1944م.

() جوزيف ستالين، ولد سنة 1879م، ومات سنة 1953م، أصبح الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق سنة 1924م، واستمر إلي سنة 1953م وأصبح رئيساً للجمهورية بين الفترة 1941 1953م، اتّسم حكمه بالاستبداد والديكتاتورية، وقد قضي علي خصومه في محاكم صورية، وقتل من الشعب أكثر من عشرين مليوناً لأجل تحويل النظام الزراعي التقليدي إلي المزارع الجماعية أو المزارع الحكومية. وقد سبب هذا التحويل سحق الطبقة الوسطي في المجتمع ممّا أدّي إلي خفض الإنتاج الزراعي، ونقص الملايين من رؤوس الماشية، وإحداث مجاعات في البلاد وعلي الخصوص في أوكرانيا وشمال القفقاز.

() توماس أديسون، ولد سنة 1847م، وتوفي سنة 1931م، عالم فيزيائي إمريكي، مخترع الآلات الكهربائية ومنها المصباح الكهربائي.

() يقول الكاتب اليهودي إيرل يوغر في كتابه العهد والسيف الصادر سنة 1965م: «يجب القضاء علي جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي. وهي عناصر رجعية تتمثل في رجال الدين والمشايخ».

() إشارة إلي الحديث الوارد في نهج البلاغة: الخطبة 127، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج10 ص280.

() سورة العنكبوت: الآية 69.

() فقد ورد عن الرسول صلي الله عليه و اله الحديث التالي: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض) الكافي (أصول): ج2 ص117 ح4، وسائل الشيعة: ج12 ص200 ب 121 ح16081، وورد أيضاً: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بتبليغ الرسالة) مستدرك الوسائل: ج9 ص35 ب104 ح10134.

() للمزيد من التفصيل راجع كتاب (الوصول إلي حكومة واحدة إسلامية) للإمام المؤلف

رحمة الله عليه.

() القاجاريون: سلالة إيرانية، حكموا منذ سنة 1210ه (1795م) وإلي سنة 1343ه (1925م) ولمدة 133سنة، وعدد ملوكهم سبعة؛ أوّلهم محمد فتح علي شاه وآخرهم أحمد شاه، وأبرز ملوكهم فتح علي شاه وناصر الدين شاه ومظفر الدين شاه، وفي عهدهم دخلت إيران في السلك الأوروبي، وخسرت مدينة باكو وجورجيا ومعظم أرمينيا الفارسية؛ بعد أن استولت عليها روسيا القيصرية، وأطاح بسلالتهم رضا بهلوي سنة 1343ه (1925م). للتفصيل عن قبيلة قاجار راجع أعيان الشيعة: ج3 ص 120.

() ومن نافلة القول نذكر القصة التالية: يقول طه الهاشمي: إنَّ شاباً مسيحياً من الموصل، راجعني حينما كنت رئيساً لجمعية فلسطين، وطلب إليّ أن أتوسط في إرساله مجاهداً إلي فلسطين، فقلت له: إن الجمعية لا تبعث المجاهدين إلي فلسطين، لأن مهمتها جمع المال للمنكوبين من أهل فلسطين. ولما لم يقتنع بهذا الجواب، أتي إلي مركز الجمعية في يوم اجتماع هيئتها الإدارية، وكرر الطلب. فأجيب بما قلت له قبلاً. وبعد بضعة أيام، راجعني مرة ثانية، والتمس مني أن أتوسط في تعيينه موظفاً، وادّعي بأنه متخرج من مدرسة الصنائع. فقلت له: إن وزارة الدفاع نشرت في الجرائد حاجتها إلي متخرجي مدارس الصنائع، فليراجعها. فذهب. ثم عاد، وطلب مني مالاً، فنهرته علي ذلك. وبعد مدة من الزمن علمت من رجل مسؤول أن الشاب المذكور اتصل برئيس المرافقين وأسرّه بأنني حرّضته علي اغتيال شخصية عظيمة، وأني وعدته بالمال. نقل رئيس المرافقين الخبر إلي الحكومة، فاجتمع المسؤولون وتداولوا في الأمر، فلم يصدقوه وتأكدوا مني أن المخبر مفترٍ كاذب. وطلب رئيس الوزراء من وزير الداخلية إعادة ذلك المفتري إلي بلده، وقد اتّضح بعد مدة أن الشاب المذكور لم يبعد، إنما استخدم في مطعم ضباط القوة الجوية.

لقد

حاولت عبثاً أن أعرف الجهة التي دبرت ضدي هذه المؤامرة الحمقاء وأعلم الواسطة التي استخدمت الشاب في مطعم الضباط ولكن دون جدوي. راجع جريدة لواء الاستقلال تاريخ 10/ 1/ 1951م.

() تأسست الدولة العثمانية سنة 1281م وسقطت سنة 1922م وعدد خلفائها 37 خليفة أولهم عثمان الأول وآخرهم عبد المجيد الثالث الذي نفاه أتاتورك إلي مدينة نيس الفرنسية. ومن أخطر ?مثالبهم إضافة إلي الفساد والاستبداد هو ترك مصادر التشريع الإسلامي والتوسل بالقوانين الغربية الوضعية. للمزيد راجع كتاب (موجز عن الدولة العثمانية) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() متشابه القرآن: ج2 ص212، نهج الحق: ص515، من لايحضره الفقيه: ج4 ص 334 ب2 ح5719،وسائل الشيعة: ج26 ص14 ب1 ح32383 وص125 ب15 ح32640، غوالي اللآلي: ج1 ص226 ح118 وج3 ص496 ح15، مستدرك الوسائل: ج17 ص142 ب1 ح20985.

() سورة الأنفال، الآية: 60.

() سورة الكهف: الآيات 89، 92.

() غوالي اللآلي: ج3 ص286، وقريب منه في بصائر الدرجات: ص6 وص505، وبحار الأنوار: ج2 ص90 ب14 ح14 وح15، وص168 ب22 ح1 ط بيروت.

() يقول كرزون وزير خارجية إنجلترا في مجلس العموم البريطاني بالنسبة للقضاء علي الخلافة العثمانية: «لقد قضينا علي تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم، لأننا قضينا علي قوتها المتمثلة في أمرين الإسلام والخلافة».

() يقول توماس أدورد لورنس في كتابه أعمدة الحكمة السبعة: ص47 48 عن فيصل: وما كان نظري يقع عليه حتي أيقنت أن هذا الشخص هو الشخص الذي جئت بلاد العرب لأبحث عنه وآمنت بأنه هو الزعيم الذي سيسير بالثورة العربية إلي هدفها المنشود.

() فقد قسموا الخلافة العثمانية وفق اتفاقية سايكس بيكو، وتنص هذه الاتفاقية علي تقاسم كل من إنجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية تركة الخلافة العثمانية. وهذا الاتفاق كشف عنه

الروس بعد إطاحتهم بالنظام القيصري، يقول لورنس في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) ص354 355 ما نصه: «وقرأ جمال باشا بنوده السرية في حفل عام دعا إليه في بيروت، وبذلك سبب الكثير من المتاعب ولو إلي حين في وجه بريطانيا وفرنسا اللتين أرادتا إخفاء نواياهما الحقيقية بشأن البلاد العربية عن العرب. ولحسن حظي أنني كنت قد كشفت لفيصل قبل هذا التاريخ ?عن وجود مثل تلك الاتفاقية، وأقنعته بأن أفضل وسيلة لكسر مفعول الاتفاق هي تقديم عون فعال للإنجليز. عندئذ سيكون من الصعب عليهم بعد النصر التضحية بحليف السلاح من أجل تنفيذ اتفاق ورقي. ولكن بما أنني لم أكن واثقاً من حسن تصرف الإنجليز فقد رجوت فيصلاً ألاّ يعتمد كوالده علي وعودنا».

() الجنرال أللنبي: القائد العام للقوات البريطانية، وكان هذا الشخص يموّل الشريف الحسين والد فيصل الأول مادياً وعسكرياً ضد الدولة العثمانية، وكان فيصل تحت إمرته، للمزيد راجع مذكرات لورنس ص216.

() يقول لورنس في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) ص401: «قيل لنا بأن القطار الذي يقل فيصلاً من درعا قد وصل إلي المحطة، فكلفنا يوينغ بالذهاب إليه واستقباله باسمنا في المحطة. وبعد برهة من الوقت ووسط هتافات الجماهير المدوية، وصل فيصل ليجتمع بالجنرال أللنبي لأول مرة وكلاهما في قمة النصر والمجد. وكانت مهمتي في هذا الاجتماع أن أقدِّم كليهما للآخر وأتولي عملية الترجمة بينهما».

() للمزيد من التفصيل عن انهيار الدولة العثمانية راجع كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» للمؤلف توماس أدورد لورنس.

() يقول الباحث حسن الأمين في كتابه (مظاهرات وثورات وحروب عربية) ص64: «فليس في تاريخ الدولة العثمانية ما يشعر بأنه كان للشيعة فيها نصيب ابتداءً من منصب الوزير وانتهاءً بمنصب مدير الناحية ومروراً بمنصب الوالي ومنصب المتصرف ومنصب القائمقام».

ويضيف

في نفس الصفحة: «وكان (مجلس المبعوثان) كلُّه من السنة، ما عدا واحد من كربلاء، ولم يكن من أعضائه من شيعة العراق».

وفي مكان آخر يقول: «وحرموا الشيعة من مجلس الأعيان».

ويقول في ص65: «وممّا عاناه الشيعة في الدولة العثمانية عدم الاعتراف بمذهبهم فكان المفروض عليهم أن يتحاكموا ويحكم عليهم بما يراه قضاة المذهب الحنفي».

() سورة الأنفال: الآية 46.

() سورة النساء: الآية 122.

() الحرب العالمية الأولي، اندلعت سنة 1914م بين ألمانيا والنمسا والمجر من جانب، وفرنسا وإنجلترا وبلجيكيا واليابان وأمريكا من جانب آخر، وانتهت في سنة 1918م. وبلغت تكاليفها 190 مليار دولار، وقد قتل فيها تسعة عشر مليون إنسان، ومن الأسباب غير المباشرة لهذه الحرب نمو النزعة القومية في أوروبا ووجود الصراع السياسي والاقتصادي بين الدول إضافة

إلي التكتل الدولي، ومن الأسباب المباشرة إعلان النمسا الحرب علي صربيا سنة 1332ه ? (1914م) وإعلان ألمانيا الحرب علي روسيا ثم فرنسا، وانتهت الحرب بعقد معاهدة فرساي سنة 1337ه (1919م).

() منظمة دولية شكّلها الحلفاء الذين كسبوا الحرب العالمية الأولي وهم: أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان سنة 1920م بموجب ميثاق؛ شكل جزءاً من معاهدة فرساي والتي كانت مهمتها تنظيم الأوضاع الدولية بعد الحرب، ويتكون برنامج عصبة الأمم من مقدمة وست وعشرين مادة، ويتألف أعضاؤها بالإضافة إلي الحلفاء والدول التي أستشيرت عند مناقشة النصوص والبالغ عددها 13 دولة ودولٍ أخري ينتمون إليها بموافقة ثلثي الأعضاء، وتتكون العصبة من ثلاث هيئات: أ. الجمعية العامة ب. مجلس وأمانة دائمة. ج. هيئة قضائية دولية للفصل بين المنازعات الدولية القانونية تعرف بمحكمة العدل الدولية. وقد كرّست هذه العصبة هيمنة مؤسسيها علي الدول الأخري وغرست فيهم روح التبعية للغرب، إضافة إلي عدم تحمل مؤسسيها لمسؤولياتهم والتزاماتهم تجاه الشعوب. راجع

موسوعة السياسة: ج4 ص112

د. عبد الوهاب الكيالي.

() هناك وثيقة لملك فرنسا، لويس التاسع، وهي محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس، وتنص علي عدة بنود لتفريق المسلمين، منها:

1 إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل علي توسيع شقتها ما أمكن حتي يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.

2 عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.

3 إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتي تنفصل القاعدة عن القمة.

4 الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.

5 العمل علي الحيلولة دون قيام وحدة في المنطقة.

6 العمل علي قيام دولة غريبة في المنطقة العربية، تمتد ما بين غزة جنوباً وأنطاكيا شمالاً، ثم تتجه شرقاً وتمتد حتي تصل إلي الغرب.

راجع الصياغة الجديدة: ص577 للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() يقول مورو بيرجر في كتابه العالم العربي المعاصر: «إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة ?العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام، يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلي قوة العرب، لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره، إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الإفريقية».

ويقول أبو جين روستو، رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الإمريكية ومساعد وزير الخارجية الإمريكية ومستشار الرئيس جونسن لشؤون الشرق الأوسط حتي عام 1967م ما يلي: «يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين الدول أو الشعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطي وهو مستمر حتي هذه اللحظة بصور مختلفة، ومنذ قرن ونصف، خضع الإسلام لسيطرة

الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي. راجع الصياغة الجديدة: ص570وص575 للمؤلف رحمة الله عليه.

() إشارة إلي الحديث الوارد: (الناس كأسنان المشط سواء) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص379

ب2 ح5798.

() سورة الحجرات: الآية 13.

() ومن أمثلة ذلك: ذات مرة حكم أحد العلماء بالهلال، وعالم آخر شهد عنده ثمانية عشر شخصاً، ولم يحكم بالهلال؛ وقد كان هذا العالم قد حكم بالهلال في العام السابق لرؤية سبعة أشخاص من نفس هؤلاء الشهود.

() راجع موسوعة الفقه: ج36 ص192 201 كتاب الصوم، بحث ثبوت الهلال في بلد دون بلد.

() من المناسب أن نلفت نظر القارئ الكريم إلي الخطة التي سلكتها أمريكا للسيطرة علي العراق، ففي أواسط الثلاثينات من القرن الماضي طلبت الحكومة الأمريكية من وزارة الخارجية إعداد مشروع لدخول منطقة الخليج، فأوعزت وزارة الخارجية إلي مراكز الدراسات أن تقدم ما لديها في هذا الصدد بفترة زمنية لا تتجاوز السنتين. واختارت الحكومة إحدي الدراسات بعد أن شذّبتها وأضافت إليها، والتي تنص علي أن العراق هو بوابة الخليج. ومنذ تلك الفترة قامت الحكومة الأمريكية بالنفوذ في العراق عبر تقوية علاقاتها مع بعض المسؤولين في العهد الملكي ومع بعض التجار. وبالفعل فقد تحقق حلم الأمريكان بعد تنصيب حزب البعث في العراق سنة 1968م الذي جاء بقطار إنجلو أمريكي علي حدّ تعبير أمين سرِّ القيادة القطرية ووزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء علي صالح السعدي في نهاية الستينات، وعلي حدِّ تعبير عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس أركان الجيش وقائد سلاح الطيران حردان التكريتي في مذكراته. وكما ذكر ذلك زبير سلطان قدّوري في كتابه: بغداد علي خط الصفر، ثم تحقق حلم الأمريكان باحتلال العراق مباشرة عبر القضاء علي صنيعتهم طاغية العراق صدام التكريتي في 9/4/2003م.

() وكان

ذلك في شهر ربيع الأول سنة 1389ه واستمر إلي شهر شعبان من نفس السنة، وفي هذه الفترة سعي رحمة الله عليه حثيثاً لإطلاق سراح أخيه السيد حسن الذي اغتالته المخابرات العراقية سنة 1400ه (1980م)، وكان برنامجه في هذه الفترة يتجسد في عدة نقاط كما ذكر ذلك في كتاب كفاحي:

أولاً: تربية النفس بالطاعة والعبادة والزهد والاستغناء عمّا سوي الله.

ثانياً: الاستطلاع علي الأوضاع العالمية من طريق أجهزة الإعلام.

?ثالثاً: التفكير في طرق إنقاذ المسلمين، وفي هذه الفترة تكونت الخطوط والمناهج لهذه المهمة.

رابعاً: التأليف، وقد ألّف فيها ثلاثين كتاباً: اثنان في التفسير تبيين القرآن وتوضيح القرآن .

وفي هذه الفترة قامت الحكومة باعتقال خمسين شخصاً من أصدقاء الإمام الراحل رحمة الله عليه من علماء وخطباء ومدرسين ووجهاء، أمثال: الخطيب الشيخ عبد الزهراء الكعبي، والشيخ حمزة الزبيدي، والسيد سعيد الزيني.

() سورة الحجرات: الآية 12.

() سورة فصلت: الآية 23.

() بحار الأنوار: ج35 ص383 ب18 ح12. وإليك نص الحديث كما عن علي عليه السلام أنه ناجي رسول الله صلي الله عليه و اله عشر مرات بعشر كلمات قدمها عشر صدقات، فسأل في الأولي: ما الوفاء؟ قال: التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله، ثم قال: وما الفساد؟ قال: الكفر والشرك بالله عزوجل، قال: وما الحق؟ قال: الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك، قال: وما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة. قال: وما عليَّ؟ قال: طاعة الله وطاعة رسوله. قال: وكيف أدعو الله تعالي؟ قال: بالصدق واليقين. قال: وما أسأل الله تعالي؟ قال: العافية. قال: وماذا أصنع لنجاة نفسي؟ قال: كل حلالاً وقل صدقاً. قال: وما السرور؟ قال: الجنة. قال: وما الراحة؟ قال: لقاء الله تعالي.

() سورة المائدة: الآية 101.

() وأصل البيت الشعري باللغة الفارسية:

كه باز

آرد بشيماني

جرا عاقل كند كاري

كه يوسف كشت زنداني

زليخا مرد زين حسرت

() سورة البقرة: الآية 286.

() سورة الطلاق: الآية 7.

() بحار الأنوار: ج102 ص 168 «بيان» ط بيروت، وفي غوالي اللآلي: ج4 ص58 ح 205:

لايترك الميسور بالمعسور.

() إشارة إلي سورة يوسف: الآية 53 وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي.

() نقل السيد المقرّم في كتابه مقتل الحسين عليه السلام ص396 ط قم: فقلن النسوة: بالله عليكم إلاّ ما مررتم بنا علي القتلي، ولما نظرن إليهم مقطّعي الأوصال قد طعنتهم سمر الرماح، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح، وطحنتهم الخيل بسنابكها، صحن ولطمن الوجوه. وصاحت زينب: يا محمّداه، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا وذريتك مقتلة، فأبكت كلَّ عدوّ وصديق حتي جرت دموع الخيل علي حوافرها، ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء، وقالت: إلهي تقبّل منّا هذا القربان.

() سورة المائدة: الآية 27.

() سورة آل عمران: الآية 37.

() سورة الصافات: الآيات 180 182.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.