صلح الإمام الحسن (ع)

اشارة

اسم الكتاب: صلح الإمام الحسن(ع)

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: تاريخ صلح امام حسن(ع)

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الجواد

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1425 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ

فَاجْنَحْ لَهَا

وَتَوَكّلْ عَلَي اللّهِ

إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ

صدق الله العلي العظيم

سورة الأنفال: الآية 61

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي الهادي البشير والسراج المنير محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد، فربما يتساءل البعض قائلاً: لماذا صالح الإمام الحسن عليه السلام معاوية؟

ولماذا لم يقاتله كما قاتله من قبل والده أمير المؤمنين عليه السلام؟

وإذا كان الجواب أنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يملك الأنصار لقتال معاوية، فلماذا لم يثر ضدّه كما ثار سيّد الشهداء الحسين عليه السلام مع قلّة الأنصار ضدّ يزيد الطاغية؟

مجموعة أسئلة يردّدها البعض بين الحين والآخر دون أن يطّلع علي الظروف القاسية التي حدت بريحانة رسول الله صلي الله عليه و اله وسيّد شباب الجنّة إلي الصلح مع معاوية بن أبي سفيان.

وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ عبارة عن إثارة للقضية وفتح باب لدراسة صلح الإمام الحسن عليه السلام وبيان دوافعه وأسبابه القاهرة التي جعلت سبط رسول الله صلي الله عليه و اله يضطر للصلح مع معاوية الذي تسلّط علي رقاب العباد وأعاث في البلاد الفساد، وذلك لمصلحة أهم وهي حفظ الإسلام والمسلمين.

وقد تميّز الكتاب علي صغر حجمه ببيان الأسباب الرئيسة لصلح الإمام الحسن عليه السلام بعد الإشارة إلي شيء من عظمة الإمام المجتبي عليه السلام ومدي ارتفاع مقامه العظيم عند الله تعالي وأهل البيت عليهم السلام.

والذي يزيد الكتاب أهميّة هو أنّ مؤلّفه نحرير من أهل العلم ومرجع فذّ من نوابغ العصر ألا وهو سماحة آية الله العظمي السيّد محمّد الحسيني

الشيرازي رحمة الله عليه الذي ترك للمجتمع خير الكتب في سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل البيت عليهم السلام وبيان معارفهم وعلومهم.

يبقي القول بأنّ الكتاب بمثابة طرق الباب لكي يشمّر الآخرون عن سواعدهم فيحقّقوا أكثر في هذا الصلح الذي أُلجئ إليه سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام.

مركز الجواد للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955/ 13

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلقه أجمعين محمّد وآله الطاهرين.

قبل أن نتحدّث عن صلح الإمام الحسن عليه السلام وما يرتبط به من الدوافع والأسباب والنتائج، نذكر بعض فضائل الإمام عليه السلام علي ما ورد في الروايات الشريفة.

المقام الرفيع

إنّ للإمام الحسن عليه السلام مقامات عظيمة وفضائل كثيرة، أشار إليها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في كلماته ومواقفه الشريفة، نشير إلي بعضها:

منها: قوله صلي الله عليه و اله وقد نظر إلي الحسن والحسين عليهما السلام: من أحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة ().

ويستلهم من هذا الحديث لزوم اتباعهم ف إن المحب لمن يحب مطيع ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ()، ().

فإنه صريح في إمامتهما عليهما السلام وصحة ما قاما به، ومع ملاحظة هذه الروايات يتضح أن الحق في باب الصلح كان مع الإمام الحسن عليه السلام والصواب كان في سياسته وطريقته التي اتبعها بأمر من الله عزوجل، فإنهم عليهم السلام معصومون عن كل ذنب وخطأ.

إنهما في الجنة

وقد خطب رسول الله صلي الله عليه و اله في الناس يوماً فقال: يا أيّها الناس ألا اُخبركم بخير الناس جدّاً وجدّة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين، جدّهما رسول الله وجدّتهما خديجة بنت خويلد.

ألا أُخبركم

بخير الناس أباً وأُمّاً؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين، أبوهما علي بن أبي طالب وأُمّهما فاطمة بنت محمّد.

ألا أُخبركم أيّها الناس بخير الناس عمّاً وعمّة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب، وعمّتهما أُمّ هانئ بنت أبي طالب.

أيّها الناس ألا أُخبركم بخير الناس خالاً وخالة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين، خالهما القاسم بن محمّد رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله.

ألا إنّ أباهما في الجنّة، وأُمّهما في الجنّة، وجدّهما في الجنّة، وجدّتهما في الجنّة، وخالهما في الجنّة، وخالتهما في الجنّة، وعمّهما في الجنّة، وعمّتهما في الجنّة، وهما في الجنّة، ومن أحبّهما في الجنّة، ومن أحبّ من أحبّهما في الجنّة ().

هذان ابناك

وروي أنّ فاطمة عليها السلام أتت بولديها الحسن والحسين عليهما السلام فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورّثهما شيئاً.

فقال صلي الله عليه و اله: أمّا الحسن فإنّ له هدئي وسؤددي، وأمّا الحسين فله جودي وشجاعتي().

نعم الراكب

وعن ابن عبّاس أنّه قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله حامل الحسن ابن علي علي عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام.

فقال النبي صلي الله عليه و اله: ونعم الراكب هو().

أنا أبوهم

وقال النبي صلي الله عليه و اله: إنّ الله عزّوجلّ جعل ذرّية كلّ نبي من صلبه خاصّة، وجعل ذرّيتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب، إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلي أبيهم إلاّ أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم ().

سيد شباب الجنة

وقال النبي صلي الله عليه و اله: من سرّه أن ينظر إلي سيّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلي الحسن بن علي ().

اللهم إني أحبه

وعن أبي هريرة قال: ما رأيت الحسن قطّ إلاّ فاضت

عيناي دموعاً، وذلك أنّه أتي يوماً يشتدّ حتّي قعد في حجر رسول الله صلي الله عليه و اله ورسول الله يفتح فمه ثمّ يدخل فمه في فمه ويقول: اللهمّ إنّي أُحبّه وأحب من يحبّه يقولها ثلاث مرّات().

فضائل أُخري

كما أشار أهل البيت عليهم السلام إلي مقام الإمام الحسن عليه السلام الرفيع ومكانته الخاصّة عند الله تعالي في روايات عديدة، والتي منها:

ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب لابنه الحسن عليه السلام بعد انصرافه من صفّين: أمّا بعد فإنّي وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي حتّي كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت لك كتابي هذا إن أنا بقيت أو فنيت فإنّي أُوصيك بتقوي الله عزّوجلّ ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله وذكر الوصية ().

من زارك فله الجنة

وعن الإمام الصادق عليه السلام: بينا الحسن بن علي عليه السلام يوماً في حجر رسول الله صلي الله عليه و اله إذ رفع رأسه فقال: يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟

فقال: يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتي أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتي أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة ().

ذرية بعضها من بعض

وروي أنّ أباه علياً عليه السلام قال له: قم فاخطب لأسمع كلامك. فقام فقال: الحمد لله الذي من تكلّم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده، أمّا بعد فإنّ القبور محلّتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، إنّ علياً باب من دخله كان مؤمناً، ومن خرج عنه كان

كافراً، فقام إليه علي عليه السلام فالتزمه فقال: بأبي أنت وأُمّي ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم ().

إنه ابن النبي

ودعا أمير المؤمنين عليه السلام محمّد بن الحنفية يوم الجمل، فأعطاه رمحه وقال له: اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب فمنعوه بنو ضبة، فلمّا رجع إلي والده انتزع الإمام الحسن عليه السلام رمحه من يده وقصد قصد الجمل، وطعنه برمحه ورجع إلي والده وعلي رمحه أثر الدم، فتمعّر() وجه محمّد من ذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

لا تأنف فإنّه ابن النبي وأنت ابن علي ().

إعظاماً له

وروي الإمام الباقر عليه السلام فقال: ما تكلّم الحسين عليه السلام بين يدي الحسن عليه السلام إعظاماً له، ولا تكلّم محمّد بن الحنفية بين يدي الحسين عليه السلام إعظاماً له ().

أخلاق الأنبياء عليهم السلام

كان الإمام الحسن عليه السلام عظيم الأخلاق، حسن السجايا، يذكر الناس بأخلاق الرسول صلي الله عليه و اله، فكان يعامل أشدّ أعدائه بالرفق واللين، ويقابل إساءتهم بالإحسان ممّا يؤدّي إلي هداية الكثير منهم.

فعن ابن عائشة: أنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه!

والحسن عليه السلام لا يردّ.

فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه فسلّم عليه وضحك وقال:

أيّها الشيخ أظنّك غريباً..

ولعلّك شبهت..

فلو استعتبتنا أعتبناك..

ولو سألتنا أعطيناك..

ولو استرشدتنا أرشدناك..

ولو استحملتنا حملناك..

وإن كنت جائعاً أشبعناك..

وإن كنت عرياناً كسوناك..

وإن كنت محتاجاً أغنيناك..

وإن كنت طريداً آويناك..

وإن كان لك حاجة قضيناها لك..

فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلي وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كبيراً.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكي ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلي

أن ارتحل وصار معتقداً لمحبّتهم().

كريم أهل البيت عليهم السلام

لقد اشتهر الإمام الحسن عليه السلام بالعطاء والجود والكرم حتّي سمّي ب (كريم أهل البيت عليهم السلام) وكان معروفاً أنّ الذي تصله صرّة من صرر الإمام الحسن عليه السلام يستغني عن سؤال الناس.

وقد نقل في التاريخ الكثير من القصص الدالّة علي كرمه عليه السلام منها:

عشرة آلاف درهم

عن سعيد بن عبد العزيز قال: إنّ الحسن عليه السلام سمع رجلاً يسأل ربّه تعالي أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف الحسن عليه السلام إلي منزله فبعث بها إليه().

ما في الخزانة

وجاءه بعض الأعراب فقال: أعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون ألف درهم، فدفعها إلي الأعرابي، فقال الأعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي.

فأنشأ الإمام الحسن عليه السلام:

يرتع فيه الرجاء والأمل

نحن أُناس نوالنا خضل

خوفاً علي ماء وجه من يسل

تجود قبل السؤال أنفسنا

لغاض من بعد فيضه خجل()

لو علم البحر فضل نائلنا

الأجر العظيم

ومنها: إنّ رجلاً جاء إليه عليه السلام وسأله حاجة فقال له: يا هذا حقّ سؤالك يعظم لديّ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لديّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله عزّوجلّ قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مؤونة الاحتفال والاهتمام لما أتكلّفه من واجبك فعلت.

فقال: يا بن رسول الله أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر علي المنع. فدعا الحسن عليه السلام بوكيله وجعل يحاسبه علي نفقاته حتّي استقصاها فقال: هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم، فأحضر خمسين ألفاً.

قال: فما فعل الخمسمائة دينار؟

قال: هي عندي قال: أحضرها، فأحضرها فدفع الدراهم والدنانير إلي الرجل فقال: هات من يحملها لك، فأتاه بحمّالين، فدفع الحسن عليه السلام إليه رداءه لكراء الحمّالين.

فقال مواليه: والله ما بقي عندنا درهم، فقال:

لكنّي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم().

علاقته عليه السلام مع الله عزوجل

إنّ علاقة الإمام الحسن عليه السلام مع الله تعالي هي علاقة الإمام المعصوم العارف بخالقه المنعم عليه، ولذا فإنّه عليه السلام وفي كلّ حياته الشريفة كان يعيش في قمة العبودية لله تعالي، وينظر إليه بعين الإمامة العارفة.

روي أنّ الإمام الحسن بن علي عليه السلام كان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه فقيل له: في ذلك؟

فقال: حقّ علي كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وكان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم().

ونقل أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتّي تطلع الشمس وإن زحزح أي وإن أُريد تنحيه من ذلك باستنطاق ما يهمّ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: إنّ الحسن بن علي عليهما السلام حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشياً وقاسم الله تعالي ماله مرّتين().

وفي خبر: إنّه عليه السلام قاسم ربّه ثلاث مرّات حتي نعلاً ونعلاً، وثوباً وثوباً، وديناراً وديناراً، وحجّ عشرين حجّة ماشياً علي قدميه().

ولمّا حضرته الوفاة كأنّه جزع عند الموت فقال له الحسين عليه السلام كأنّه يعزّيه يا أخي ما هذا الجزع؟ إنّك ترد علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام وهما أبواك، وعلي خديجة وفاطمة عليهما السلام وهما أُمّاك، وعلي القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلي حمزة وجعفر وهما عمّاك؟ فقال له الحسن عليه السلام: أي أخي إنّي أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل فيه().

كرامته عليه السلام علي الله

هناك الكثير من القضايا الدالة علي علو مقام الإمام الحسن عليه السلام وكرامته علي الله تعالي، وقد أشار السيّد البحراني رحمة الله عليه في (مدينة

المعاجز)() وابن حمزة في (الثاقب في المناقب)() إلي بعضها، كان منها:

ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

خرج الحسن بن علي عليه السلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير يقول بإمامته، فنزلوا منهلاً من تلك المناهل تحت نخل يابس قد يبس من العطش، ففرش للحسن عليه السلام تحت نخلة وللزبيري تحت نخلة أخري. فقال الزبيري ورفع رأسه: لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه.

فقال له الحسن: وإنّك لتشتهي الرطب؟

فقال الزبيري: نعم.

قال: فرفع يده إلي السماء فدعا بكلام لم أفهمه فاخضرّت النخلة ثمّ صارت إلي حالها وأورقت وحملت رطباً.

فقال الجمّال الذي اكتروا منه: سحر والله.

قال: فقال الحسن عليه السلام: ويلك ليس بسحر، ولكن دعوة ابن نبي مستجابة. فصعدوا إلي النخلة وصرموا ما كان فيه فكفاهم().

نبذة عن تاريخ الإمام الحسن عليه السلام:

ولد الإمام الحسن المجتبي عليه السلام بالمدينة المنورة علي ساكنها آلاف التحية والسلام في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة المباركة بعد وقعة أحد بسنتين، وكان بين وقعة أحد وبين مقدم النبي صلي الله عليه و اله المدينة سنتان وستة أشهر ونصف فكانت ولادته لأربع سنين وستة أشهر ونصف من التاريخ المذكور، وكان بين وقعة أحد وبدر سنة ونصف. وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد بني بفاطمة عليها السلام في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة، وكان الحسن عليه السلام أول أولادها، وكنيته أبو محمد.

لما ولد الإمام الحسن عليه السلام وأعلم به النبي صلي الله عليه و اله أخذه وأذن في أذنه وعق عنه بكبش وحلق رأسه وأمر أن يتصدق بزنته فضة.

كان الإمام الحسن (سلام الله عليه) أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه و اله، وقد قبض رسول الله

صلي الله عليه و اله وللحسن عليه السلام من العمر سبع سنين وأشهر وقيل ثماني سنين.

قام الإمام الحسن عليه السلام بالأمر بعد أبيه عليه السلام وله سبع وثلاثون سنة، وأقام في خلافته ستة أشهر وثلاثة أيام، وصالح معاوية سنة إحدي وأربعين.

ثم خرج الإمام الحسن عليه السلام إلي المدينة وأقام بها عشر سنين، ومضي إلي رحمة الله تعالي لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وقيل في السابع منه وله سبع وأربعون سنة وأشهر مسموماً شهيداً، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس وكان معاوية قد دس إليها من حملها علي ذلك، وضمن لها أن يزوجها من يزيد ابنه، وأعطاها مائة ألف درهم، فسقته السم، وبقي عليه السلام مريضا أربعين يوماً إلي أن توفي، وتولي أخوه الإمام الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم

بالبقيع.

الحاصل

وبعد ما قدمناه من بعض فضائل الإمام الحسن المجتبي عليه السلام وعظيم شأنه ومقامه عند الله عزوجل، وما ذكره رسول الله صلي الله عليه و اله في فضله، يتبين مسبقاً أن ما قام به الإمام عليه السلام في قضية الصلح كان عين الصواب ومطابقاً لرضا الله عزوجل، فإنه الإمام المعصوم عليه السلام الذي شهدت له آية التطهير بالعصمة، قال تعالي: ?إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً? ().

فصل الصلح المفروض

فصل الصلح المفروض

إنّ من يلاحظ حياة الإمامين الهمامين الحسن والحسين عليهما السلام يجد ارتباطاً وثيقاً بين دور الإمام المجتبي عليه السلام وأخيه الإمام الحسين عليه السلام إلاّ أنّ الإمام المجتبي عليه السلام تعرّض إلي لوم من قبل بعض الناس الذين لا يتمتعون ببعد النظر ودقة الرأي وصحيح العقيدة، فإن الامتحان الإلهي والتكليف الرباني الذي قام به الإمام

عليه السلام كان صعباً جداً، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله في حقّه وحق أخيه عليهما السلام: هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا ().

الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله يشير في هذا الحديث إلي المستقبل ويخبر عما سيحدث وذلك بالعلم الغيبي الذي منحه الله عزوجل، فيؤكد للأمة صحة وصواب دور الإمام الحسن وأخيه الإمام الحسين عليهما السلام.

إنّ الإمام الحسن عليه السلام نهض أيضاً إلاّ أنّ نهضته المباركة انتهت بالصلح، ولم يتمكن بحسب الظاهر من القضاء علي معاوية، وإن كان الأسلوب الذي اتخذه الإمام عليه السلام قضي علي شرعية معاوية وبيّن للتاريخ الخط الصحيح في الإسلام من الخط المنحرف.

وكذلك الإمام الحسين عليه السلام فقد نهض بالشكل الذي يعرفه الجميع في قصة عاشوراء، ثمّ اختتمت نهضته بشهادته المفجعة وبذلك الأُسلوب المؤلم. فلم يوفّق بحسب الظاهر علي القضاء علي يزيد وحكومته، وإن قضي عليه بفضحه وفضح كل ظالم علي طول التاريخ.

إذاً كل من الإمامين عليهما السلام لم تسنح له الفرصة لإزاحة الظالم من الحكم وتشكيل الحكومة العادلة، فانتهي نهج الأوّل بالصلح مع معاوية والثاني بشهادته المأساوية، ولكن قد أدي كل منهما ما عليه مما فيه رضا الله عزوجل ومصلحة الدين الإسلامي والأمة المحمدية.

وكان الفرق في سيرتيهما نتيجة الظروف المختلفة، فكانت الظروف في زمن معاوية غير الظروف في زمن ابنه يزيد، ولذلك عاش الإمام المجتبي عليه السلام بقية عمره (وهي عشر سنين تقريباً) جليس بيته، وكذلك كان الإمام الحسين عليه السلام بعد أخيه الإمام الحسن عليه السلام في عهد معاوية، فقد لزم بيته بعد الحسن عليه السلام عشر سنين، فلا فارق بينهما من حيث القعود في عهد معاوية.

ولكن بعد ما مات معاوية وجاء ابنه يزيد

الذي كان يتظاهر بالفسق والفجور، اختلف الأمر، فكانت المصلحة في النهضة الحسينية المقدسة إلي أن انتهت بشهادة الإمام عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الكرام في يوم عاشوراء الدامية.

نعم إنّ امتحان الإمام الحسن عليه السلام كان من الصعوبة بحيث اضطرّ عليه السلام إلي الصلح، وذلك حفظاً للإسلام والمسلمين، كما أن المصلحة في زمن الإمام الحسين عليه السلام اقتضت الشهادة وذلك حفظاً للإسلام والمسلمين أيضاً علي ما هو غير خفي علي ذوي الألباب.

مؤلفات في باب الصلح

وقد كثر الكلام في باب صلح الإمام الحسن عليه السلام من قبل بعض أصحابه أيّام حياته وكذلك بعد شهادته وإلي يومنا هذا.

وقد كتب العديد من العلماء كتباً مفيدة في هذا الباب كان منها (صلح الحسن)() للمرحوم آل ياسين.

و(حياة الحسن عليه السلام)() للقرشي.

فضلاً عن الشيخ الصدوق رحمة الله عليه الذي تناول تفاصيل القضية في كتابه (علل الشرائع) ().

وكذا العلاّمة المجلسي رحمة الله عليه في البحار ج33.

ومن قبلهم: عبد الرحمان بن كثير الهاشمي في كتابه (صلح الحسن عليه السلام) رواه النجاشي بأربع وسائط.

والشيخ الأجل أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي المعروف بابن عقدة الزيدي الجارودي ولد عام 249ه وتوفي333 ه في كتابه (صلح الحسن عليه السلام ومعاوية).

وغيرهم من العلماء.

إلاّ أنّ من الأذهان ما لم تستقر فيها حكمة الصلح، فما زال البعض يزعم أنّ الإمام الحسن عليه السلام يختلف عن أخيه الحسين عليه السلام في شجاعة الحرب والقتال ومواجهة العدو.

ضغوط داخلية

في أيّام حياة الإمام المجتبي عليه السلام كان يأتيه بعض أصحابه ليعترض علي الإمام عليه السلام وربما كان ينسي عصمة الإمام وحكمته فيقول ما لا يليق بشأنه المقدس، حيث خاطبه البعض بقولهم: (يا مذل المؤمنين)!. ووصل الأمر إلي بعض الجهال بحيث رفع السيف علي الإمام عليه السلام وجرحه الآخرون بخناجرهم كي يخضع لرغباتهم.

وفي قبال هؤلاء كان البعض من أصحاب الإمام عليه السلام تلك الثلة المؤمنة التي كانت تتمتع بإيمان قوي، وبصيرة نافذة، فكان هؤلاء يعرفون عظمة الإمام عليه السلام وعصمته وحكمته، فيعلمون دقة ما اتخذه الإمام عليه السلام في بداية حركته ونهايته وصواب ما قام به.

وربما كان البعض كحجر بن عدي() ذلك الصحابي الجليل في الإسلام يتخذ بعض المواقف ليثير بعض الأذهان حتي يعرفوا الصواب،

وربما لم يستوعب بعض أبعاد الصلح فقال: لوددت أننا متنا معك ولم نر هذا اليوم ().

وقد اغتيل حجر هو وأصحابه علي يد معاوية في قصة معروفة وقبره في بلاد الشام مزار للمؤمنين.

يا مذل المؤمنين!

عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السلام يقال له سفيان بن ليلي وهو علي راحلة له فدخل علي الحسن عليه السلام وهو محتب في فناء داره، فقال له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!.

فقال له الحسن عليه السلام: انزل ولا تعجل.

فنزل، فعقل راحلته في الدار، ثمّ أقبل يمشي حتّي انتهي إليه.

قال: فقال له الحسن عليه السلام: ما قلت؟

قال: قلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.

قال: وما علمك بذلك؟

قال: عمدت إلي أمر الأُمّة فخلعته من عنقك وقلّدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله.

قال: فقال له الحسن عليه السلام: ساُخبرك لِمَ فعلت ذلك، قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: لن تذهب الأيّام والليالي حتّي يلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم رحب الصدر يأكل ولا يشبع وهو معاوية فلذلك فعلت. ما جاء بك؟

قال: حبّك.

قال: الله؟!

قال: الله.

قال: فقال الحسن عليه السلام: والله لا يحبّنا عبد أبداً ولو كان أسيراً بالديلم إلاّ نفعه حبّنا، وإنّ حبّنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر().

إنّ الإمام عليه السلام كان يعلم أنّ هذا الفرد محبّ له وإنّما جاء لزيارته إلاّ أنّ عقله غير قادر علي تحليل القضايا السياسية خاصّة مثل هذه القضية.

ومن جرّاء عقليات كهذه عاني الإمام الحسن عليه السلام العديد من المضايقات، إذ أنّه للأسف لم تكن لبعض الأصحاب تلك القدرة اللازمة علي التحليل والاستنتاج. هذا من جهة.

رعاية عوائل الشهداء

ومن جهة

أُخري فإنّ مشكلة عوائل الشهداء وأطفالهم (شهداء الجمل وصفّين والنهروان) كانت تؤرق الإمام عليه السلام ولذلك كانت إحدي بنود عقد الصلح الذي عقده مع معاوية أن يصرف الإمام عليه السلام خراج داراب لتمويل عوائل الشهداء في معركة الجمل وصفّين والنهروان().

القضاء علي الشيعة

أمّا المعضلة الأُخري التي كان الإمام الحسن عليه السلام يعاني منها فهي معضلة الضغط والجور الذي كان يمارسه معاوية ضدّ الشيعة حيث أراد القضاء عليهم بأكملهم وكان من مسؤولية الإمام عليه السلام الحفاظ علي هؤلاء المؤمنين واستمرار هذا الخط الصحيح الذي أمر به رسول الله صلي الله عليه و اله.

وقد وصل الأمر بمعاوية إلي أن أصدر حكمه بقتل الشيعة علي التهمة والظنّة.

ففي الخبر أنّ معاوية أمر المنادي أن ينادي: أن قد برئت الذمّة ممّن روي حديثاً في مناقب علي عليه السلام وفضل أهل بيته عليهم السلام وكان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة فاستعمل زياد ابن أبيه وضمّ إليه العراقين الكوفة والبصرة، فجعل يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، يقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وصلبهم في جذوع النخل، وسمل أعينهم وطردهم وشرّدهم حتّي نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور، فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو

شريد.

وكتب معاوية إلي جميع عمّاله في جميع الأمصار، أن لاتجيزوا لأحد من شيعة علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام شهادة().

وينقل أنّ سعيد بن سرح هرب من زياد إلي الحسن بن علي عليه السلام فكتب الحسن إليه يشفع فيه فكتب زياد في جوابه: من زياد ابن أبي سفيان إلي الحسن بن فاطمة، أمّا بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة وأنا سلطان

وأنت سوقة وذكر نحواً من ذلك.

فلمّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسّم وأنفذ بالكتاب إلي معاوية.

فكتب معاوية إلي زياد يؤنّبه ويأمره أن يخلي عن أخي سعيد وولده وامرأته وردّ ماله وبناء ما قد هدّمه من داره، ثمّ قال: وأمّا كتابك إلي الحسن باسمه واسم أُمّه لا تنسبه إلي أبيه وأُمّه بنت رسول الله وذلك أفخر له إن كنت تعقل().

الشيعة المظلومون

علي كل، فقد عاني الشيعة الأمرّين، فمنهم من هرب أو قتل أو سجن فضلاً عن الفقر الشديد الذي استولي عليهم من جراء تلك المضايقات الكثيرة من قبل السلطة. فكان الإمام الحسن عليه السلام يشهد كلّ ذلك، ويتجرّع آلامه كلّ لحظة.

وفي أحد الأخبار المفصّلة في الاحتجاج للطبرسي والظاهر أن هذه الجلسة كانت في الشام:

إنّ حاشية معاوية اقترحت عليه أن يحضر الإمام الحسن عليه السلام ليتناولوه بالسبّ والشتم والتوهين وينالوا من أبيه أمير المؤمنين عليه السلام.

ولمّا وصل رسول معاوية إلي الإمام عليه السلام أمر جاريته أن تحضر ثيابه فارتداها وقصد المجلس، وحين بلغ المجلس ورأي الحاضرين عرف ما الأمر.

فجلس عليه السلام ينتظر ما يجري وإذا بمعاوية يقول: يا أبا محمّد لقد طلبك هؤلاء ليثبتوا أنّ أباك كان كذا وكذا.

فقال عليه السلام: لو كنت أعلم عدد حضّار المجلس لأتيت بمثلهم من بني هاشم ولكن لا بأس.

فتكلّم عمرو بن العاص، وعمر بن عثمان، ومروان بن الحكم وعدد آخر، فسمع الإمام كلامهم جميعاً، وحين انتهوا، قال عليه السلام: أنت سبب كلّ هذا السبّ والشتم يا معاوية وليس هؤلاء.

فهؤلاء لا يستحقّون جوابي، وأري أن أُجيبك أنت أوّلاً.

إنّ النبي صلي الله عليه و اله لعن أباك وأخاك حيث لعن القائد والسائق والراكب().

فأخذ عليه السلام يعدّد مثالب معاوية. ثمّ التفت لعمرو بن العاص قائلاً:

ليس لي أن أُكلّمك فأنت ابن ستّة أشخاص وقد اقترعوا عليك فأصابت باسم عاصم بن وائل.

وهكذا كلّمهم واحداً واحداً.

ثمّ التفت إلي عمرو بن عثمان وقال: وأمّا أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكن حقيقاً لحمقك أن تتبع هذه الأُمور فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكي فإنّي أريد أن أنزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشقّ عليَّ نزولك؟ وإنّي والله ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشقّ عليَّ ذلك وإنّي لمجيبك في الذي قلت().

نعم هكذا كان بعض الأصحاب والكثير من الأعداء يتعاملون مع سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام.

بل حتّي الآن هناك بعض الكتّاب() نسبوا جهلاً قصة

الحسن البصري() إلي الإمام المجتبي عليه السلام حيث مرّ أمير المؤمنين عليه السلام به وهو يتوضّأ فقال عليه السلام له: أسبغ الوضوء يا حسن، لقد أكثرت من إراقة الماء. فقال: إنّه ليس أكثر من الدماء التي أرقتها، فقال عليه السلام: وإنّك لمحزون عليهم، فأطال الله حزنك.

قال السجستاني: فما رأينا الحسن قط إلا حزينا، كأنه يرجع عن دفن حميم أو خربندج ضل حماره، فقلت له في ذلك، فقال: عمل فيّ دعوة الرجل الصالح().

فنسب هذا الكاتب المعاصر القصّة إلي الإمام الحسن عليه السلام والحال أنّ الجميع يعرف أنها بحقّ الحسن البصري والنصوص التاريخية صريحة في ذلك.

وقد روي الطبرسي في الاحتجاج، عن ابن عباس قال: لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام قتال أهل البصرة وضع قتباً علي قتب ثم صعد عليه فخطب، إلي أن قال: ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه، فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ، فقال: يا حسن أسبغ الوضوء، فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناساً يشهدون أن لا إله إلا

الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، يصلون الخمس ويسبغون الوضوء، الخبر().

الأوضاع السياسية والاجتماعية

كان للأوضاع التي أحاطت بالعراقيين نتيجة الحروب التي خاضوها ضد المارقين والقاسطين والناكثين أن أثرت فيهم وفي نفسيتهم بما خلفت من مآسي وويلات، وكذلك حالة الإحباط التي أصابتهم بعد يوم التحكيم، فتولد لدي بعضهم الملل من الحرب.

وبدأ هذا الشعور يظهر إلي الوجود في أواخر عهد الإمام

علي عليه السلام، وقد استغل معاوية هذه الروح لدي أهل العراق للتآمر علي حكم الإمام علي عليه السلام والانقضاض عليه عن طريق منح الامتيازات المادية والاجتماعية لزعماء القبائل في الشام ملوحاً بها لزعماء القبائل في العراق ممن تهش نفسه وتبش لذلك، والذين لايرون في عدل علي عليه السلام إلا تضيقاً عليهم لأنهم طلاب دنيا فانية.

لذلك فقد صارت الشام مأوي وملاذاً آمناً لمن يغضب عليه الإمام عليه السلام من هؤلاء لما اقترف من جناية أو خيانة، فيهرب إلي معاوية ليجد عنده كل التقدير والتبجيل والعطاء الجزيل والمكانة المرموقة.

وفي هذا يذكر المؤرخون: أن سهل بن حنيف عامل الإمام علي عليه السلام علي المدينة كتب إليه في قوم من أهلها لحقوا بمعاوية في خفية واستتار، فأجابه الإمام عليه السلام بكتاب يطمئنه ويبين له حقيقة أمرهم:

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَي مُعَاوِيَةَ، فَلا تَأْسَفْ عَلَي مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ، ويَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ، فَكَفَي لَهُمْ غَيّاً ولَكَ مِنْهُمْ شَافِياً، فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَي والْحَقِّ، وإِيضَاعُهُمْ إِلَي الْعَمَي والْجَهْلِ، فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا ومُهْطِعُونَ إِلَيْهَا، وَقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ ورَأَوْهُ وسَمِعُوهُ ووَعَوْهُ، وعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ، فَهَرَبُوا إِلَي الأَثَرَةِ، فَبُعْداً لَهُمْ وسُحْقاً، إِنَّهُمْ واللَّهِ لَمْ يَنفِرُّوا مِنْ جَوْرٍ، ولَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ، وإِنَّا لَنَطْمَعُ فِي

هَذَا الأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ، ويُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ والسَّلامُ ().

فحقيقة هؤلاء طلب الاستئثار بالمال والجاه، فعرفوا أن علياً عليه السلام ليس كمعاوية، لا يقسم إلا بالسوية، ولا ينفل قوماً علي قوم، ولا يعطي علي الأحساب والأنساب كما يفعل غيره، فتركوه وهربوا إلي من يستأثر ويؤثر.

وكان معاوية يجد في العراق من أمثال هؤلاء الكثير، فكان يستخدمهم لتحقيق مآربه، ولزعزعة الصفوف، وإثارة النعرات الجاهلية، وتأجيج نار العصبية القبلية بين القبائل، ليلقي بينها العداوة والبغضاء، وإثارة وإحياء ماضي الجاهلية وأحقادها، فلقد كان يتمتع بحس قوي في إثارة هذه الروح في الوقت المناسب.

وفي هذا المجال يذكر المؤرخون: أن معاوية لما أصاب محمد بن أبي بكر بمصر، وظهر عليها دعا عبد الله بن عامر الحضرمي، فقال له: سر إلي البصرة، فإن جل أهلها يرون رأينا في عثمان، ويعظمون قتله، وقد قتلوا في الطلب بدمه، فهم موتورون حنقون لما أصابهم، ودوا لو يجدون من يدعوهم، ويجمعهم وينهض بهم في الطلب بدم عثمان، واحذر ربيعة، وانزل في مضر، وتودد الأزد، فإن الأزد كلها معك إلا قليلاً منهم، وإنهم إن شاء الله غير مخالفيك.

فقال عبد الله بن الحضرمي له: إنا سهم في كنانتك، وأنا من قد جربت، وعدو أهل حربك، وظهيرك علي قتلة عثمان، فوجهني إليهم متي شئت.

فقال: اخرج غدا إن شاء الله، فودعه وخرج من عنده. فلما كان الليل جلس معاوية وأصحابه يتحدثون، فقال لهم معاوية: في أي منزل ينزل القمر الليلة؟

فقالوا: بسعد الذابح.

فكره معاوية ذلك، وأرسل إليه ألا تبرح حتي يأتيك أمري فأقام.

ورأي معاوية أن يكتب إلي عمرو بن العاص وهو يومئذ بمصر عامله عليها يستطلع رأيه في ذلك. فكتب إليه وقد كان تسمي بإمرة المؤمنين

بعد يوم صفين، وبعد تحكيم الحكمين. فكتب عمرو بن العاص إلي معاوية يحسن له رأيه ويحثه علي التعجيل بهذا الأمر.

فلما جاءه كتاب عمرو، دعا ابن الحضرمي وقد كان ظن حين تركه معاوية أياماً لا يأمره بالشخوص، أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلي ذلك الوجه، فقال يا ابن الحضرمي: سر علي بركة الله إلي أهل البصرة، فانزل في مضر، واحذر ربيعة، وتودد الأزد، وانع ابن عفان، وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم، ومن لمن سمع وأطاع دنيا لا تفني، وأثرة لا يفقدها حتي يفقدنا أو نفقده. فودعه ثم خرج من عنده وقد دفع إليه كتابا وأمره إذا قدم أن يقرأه علي الناس().

وقد عمل ابن الحضرمي بما أوصاه معاوية حرفياً، ونجح في مهمته هذه أي نجاح في إثارة الشحناء بين القبائل، حتي كادت تسري النار التي أججها بين قبائل البصرة إلي قبائل الكوفة، للقرابة النسبية فيما بين القبائل في البصرة والكوفة. فلما تناهي خبر ذلك إلي أمير المؤمنين عليه السلام قام خطيباً فقال:

مه، تناهوا أيها الناس، وليردعكم الإسلام ووقاره عن التباغي والتهاذي. ولتجتمع كلمتكم، والزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره، وكلمة الإخلاص التي هي قوام الدين، وحجة الله علي الكافرين. واذكروا إذ كنتم قليلاً مشركين متباغضين متفرقين، فألف بينكم بالإسلام فكثرتم واجتمعتم وتحاببتم، فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم، ولا تتباغضوا بعد إذ تحاببتم، وإذا رأيتم الناس بينهم النائرة، وقد تداعوا إلي العشائر والقبائل، فاقصدوا لهامهم ووجوههم بالسيف، حتي يفزعوا إلي الله وإلي كتابه وسنة نبيه، فأما تلك الحمية من خطرات الشياطين، فانتهوا عنها لا أباً لكم تفلحوا وتنجحوا.

سياسة معاوية في الإرهاب وقمع الشيعة

لقد انتهج معاوية سياسة اتسمت بالإرهاب المنظم، ضد مناوئيه ومخالفيه وخصوصاً شيعة أهل البيت عليهم السلام في

العراق، وفي هذا المجال يذكر المؤرخون: أن سفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية، فقال: إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات حتي تمر بهيت فتقطعها، فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم، وإلا فامض حتي تغير علي الأنبار، فإن لم تجد بها جنداً فامض حتي تغير علي المدائن، ثم أقبل إليَّ واتق أن تقرب الكوفة. واعلم أنك إن أغرت علي أهل الأنبار، وأهل المدائن، فكأنك أغرت علي أهل الكوفة. إن هذه الغارات يا سفيان علي أهل العراق، ترهب قلوبهم، وتجرئ كل من كان له هوي منهم ويري فراقهم، وتدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر. وخرب كل ما مررت به من القري، وأقتل كل من لقيت ممن ليس هو علي رأيك. وأحرب الأموال فإنه شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلوب. قال فخرجت من عنده فعسكرت، وقام معاوية في الناس خطيباً، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس فانتدبوا مع سفيان بن عوف، فإنه وجه عظيم فيه أجر عظيم، سريعة فيه أوبتكم إن شاء الله، ثم نزل().

كما دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري، وقال له: سر حتي تمر بناحية الكوفة، وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي عليه السلام فأغر عليه، وإن وجدت له مسلحة أو خيلاً فأغر عليهما، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخري، ولا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها. فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلي أربعة آلاف جريدة خيل.

قال: فأقبل الضحاك يأخذ الأموال، ويقتل من لقي من الأعراب، حتي مر بالثعلبية فأغار خيله علي الحاج، فأخذ أمتعتهم ثم أقبل مقبلاً فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي، وهو

ابن أخ عبد الله بن مسعود، صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة، وقتل معه ناسا من أصحابه().

ثم كتب معاوية نسخة واحدة إلي عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روي شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة وعلي كل منبر، يلعنون علياً ويبرءون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد ابن سمية، وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة، وهو بهم عارف، لأنه كان فيهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم علي جذوع النخل، وطرفهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم،

واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ثم كتب إلي عماله نسخة واحدة إلي جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخري: من اتهمتموه بمولاه هؤلاء القوم فنكلوا به، وأهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتي أن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه().

تصوير الإمام الباقر عليه السلام للأوضاع

روي أن أبا جعفر محمد بن علي

الباقر عليه السلام قال لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس. إن رسول الله صلي الله عليه و اله قبض وقد أخبر أنّا أولي الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتي أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجت علي الأنصار بحقنا، وحجتنا تداولتها قريش واحد بعد واحد، حتي رجعت إلينا فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتي قتل. فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به، وأسلم ووثب عليه أهل العراق، حتي طعن بخنجر في جنبه، وانتهب عسكره وعولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته، وهم قليل حق قليل.

ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً، ثم غدروا به وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم فقتلوه.

ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام، ونقصي ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخاف ولا نأمن علي دمائنا ودماء أوليائنا.

ووجد الكاذبون الجاحدون، لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلي أوليائهم، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله، ليبغضونا إلي الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل علي الظنة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا، سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره. ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد، إلي زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتي أن الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحب إليه من أن يقال: شيعة علي، وحتي صار الرجل الذي يذكر بالخير، ولعله يكون ورعاً صدوقاً

يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالي شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب، ولا بقلة ورع ().

لقد جعل معاوية من علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ومواليهم العدو الأول له، فسعي جاهداً للقضاء عليهم بكل ما أوتي من مكر ودهاء ودناءة نفس، فشارك معاوية الخوارج في قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وقتل الإمام الحسن عليه السلام بأن دس له السم عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث، كما نكل بشيعة أهل البيت عليهم السلام أيما تنكيل وشردهم في البلدان، وقضي علي مواليهم ومحبيهم بعدما أذاقهم صنوفاً من العذاب الأليم. كذلك فقد أعد العدة ورسم الخطة للقضاء علي الإمام الحسين عليه السلام، حيث أخذ البيعة لابنه يزيد الفاجر القاتل وشارب الخمر.

مقتل أمير المؤمنين ومبايعة الحسن عليهما السلام

كما كان لمقتل واستشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام علي يد ابن ملجم المرادي (لعنه الله تعالي) الأثر الكبير في خلخلة الصفوف وتفرقهم. فقد (ثار الناس إلي الحسن بن علي عليه السلام بالبيعة، فلما بايعوه قال لهم: تبايعون لي علي السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت. فلما سمعوا ذلك ارتابوا وأمسكوا أيديهم وقبض هو يده، فأتوا الحسين فقالوا له: ابسط يدك نبايعك علي ما بايعنا عليه أباك، وعلي حرب المحلين الضالين أهل الشام. فقال الحسين: معاذ الله أن أبايعكم ما كان الحسن حياً. قال: فانصرفوا إلي الحسن، فلم يجدوا بداً من بيعته، علي ما شرط عليهم)().

وقد برزت هذه الظاهرة علي أشدها وبخاصة حين دعاهم الإمام الحسن عليه السلام للاستعداد لمواجهة حرب أهل الشام، فقد كانت الاستجابة فيها

تثاقل شديد، وعبروا عن رغبتهم في الموادعة وكراهيتهم للقتال، علما بأن رؤساء القبائل كانوا قد وضعوا يدهم في يد معاوية، الذي كاتبهم سراً يوعدهم بالإغراءات المالية والمكانة الاجتماعية، علي أن يتخلوا عن الإمام الحسن عليه السلام ويلتحقوا به، فعاهدوه بأن يسلموه الإمام الحسن عليه السلام حياً أو ميتاً. وإذا لاحظنا نجد أكثر هؤلاء كان ممن لا يصمد أمام هذه الإغراءات.

فقد (دس معاوية إلي عمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وإلي حجر بن الحارث، وشبث بن ربعي، دسيساً أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه: أنك إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي. فبلغ الحسن عليه السلام فاستلأم ولبس درعاً وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك. فرماه أحدهم في الصلاة بسهم، فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة، فلما صار في مظلم ساباط، ضربه أحدهم بخنجر مسموم، فعمل فيه الخنجر. فأمر عليه السلام أن يعدل به إلي بطن جريحي، وعليها عم المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن قيلة. فقال المختار لعمه: تعال حتي نأخذ الحسن ونسلمه إلي معاوية، فيجعل لنا العراق. فبدر بذلك الشيعة من قول المختار لعمه، فهموا بقتل المختار، فتلطف عمه لمسألة الشيعة، بالعفو عن المختار

ففعلوا)().

إن الإمام الحسن عليه السلام تولي زمام مجتمع موزع الأهواء يئن من جراحات الماضي، بالإضافة إلي جماعة المنافقين التي تنخر في بنية المجتمع، والطامعين في الحصول علي حطام الدنيا، وأما المؤمنون الموالون له فكانوا قلة لا يمكن دفع الظلم والضيم بهم، بالإضافة إلي ضرورة المحافظة عليهم وعدم القضاء عليهم في معارك لا طائل منها ولا نفع يذكر.

فكانت التركة إذن ثقيلة حيث ألقت بظلالها علي كاهل الإمام

عليه السلام، ولما رأي عليه السلام بنظرته الثاقبة للأمور بأن هكذا مجتمع عاجز عن القيام بتبعات القتال وانتزاع النصر من الأعداء، كما رأي أن الحرب ستكلفه القضاء علي المخلصين من شيعته وأتباعه، علي العكس من معاوية الذي يتمتع بكافة مؤهلات النصر الحاسم، مضافاً إلي دهاء معاوية ومكره حيث كان بإمكانه أن يقلب الأمور عن واقعها ويصور للبعض أن الإمام عليه السلام يريد الدنيا والسلطة.

عندها رأي الإمام عليه السلام أن من الحكمة الجنوح إلي الصلح المشروط. كما أخبر به النبي الكريم صلي الله عليه و اله من قبل.

فكان هذا هو الطريق الأصوب الذي يمكن أن يسير فيه الإمام عليه السلام في مثل تلك الظروف الصعبة التي اكتنفته، للمحافظة علي رسالة النبي صلي الله عليه و اله من الانحراف، وحفظ خط الإمامة وحفظ الشيعة، وليكشف بذلك زيف معاوية ويعريه أمام الجميع، وذلك حينما نقض كل شرط شرطه للإمام الحسن عليه السلام.

من أسباب الصلح مع معاوية

عن أبي سعيد عقيصا قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام: يا ابن رسول الله؟ لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن الحق لك دونه، وأن معاوية ضال باغ؟!

فقال: يا أبا سعيد، ألست حجة الله تعالي ذكره علي خلقه، وإماماً عليهم بعد أبي عليه السلام؟.

قلت: بلي.

قال: ألست الذي قال رسول الله صلي الله عليه و اله لي ولأخي الحسن والحسين: إمامان قاما أو قعدا؟.

قلت: بلي.

قال: فأنا إذن إمام لو قمت، وأنا إمام إذا قعدت. يا أبا سعيد، علة مصالحتي لمعاوية، علة مصالحة رسول الله صلي الله عليه و اله لبني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل.

يا أبا سعيد، إذا كنت إماماً من قبل

الله تعالي ذكره، لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة، أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً. ألا تري الخضر عليه السلام لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، سخط موسي عليه السلام فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتي أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم عليَّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الأرض أحد إلا قتل ().

الرأي العام

نقل ابن عساكر في تاريخه ترجمة الإمام الحسن عليه السلام () بسنده عن أبي بكر بن دريد قال:

(قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال بعد حمد الله جلّ وعزّ: إنَّا والله ما ثنانا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنما كنَّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلي صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنّا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم.

ألا وقد أصبحتم بعد قتيلين: قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون ثأره، فأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر، ألا وإن معاوية دعانا إلي أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلي الله جلّ وعزّ بظبا السيوف وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا. فناداه القوم من كل جانب: البقية البقية. فلما أفردوه أمضي الصلح) ().

من شروط الصلح

كانت تتضمن معاهدة الصلح مع معاوية عدة شروط مهمة، يمكن من خلالها معرفة بعض الحكمة في موقف الإمام عليه السلام، وفيما يلي بعض الشروط:

1: يلزم علي معاوية أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه و اله.

2: أن يكون الأمر للإمام الحسن عليه السلام من بعده، وليس لمعاوية أن يعهد به

إلي أحد.

3: عدم تسمية الحسن عليه السلام معاوية بأمير المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادة.

4: أن يترك سب أمير المؤمنين عليه السلام، والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر علياً عليه السلام إلا بخير.

5: أن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلي كل ذي حق حقه.

6: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.

فأجابه معاوية إلي ذلك كله وعاهده علي الوفاء به. فلما تم صلحهما صعد الحسن عليه السلام إلي المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الله هدي أولكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وكانت لي في رقابكم بيعة، تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية ().

قال يوسف بن مازن الراشي: بايع الحسن بن علي عليه السلام معاوية علي أن لا يسميه أمير المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادة، وعلي أن لا يتعقب علي شيعة علي عليه السلام شيئاً، وعلي أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد. ثم قال: ما ألطف حيلة الحسن عليه السلام هذه في إسقاطه إياه عن إمرة المؤمنين().

ما بعد الصلح

لم يطل بالناس الزمن حتي اكتشفوا بأنفسهم مدي الخطأ الذي وقعوا فيه، حين لم يلبوا نداء الإمام عليه السلام وضعفوا وتثاقلوا عن القتال، وسمحوا للأماني بأن تخدعهم.

كما اتضح للناس آنذاك وللأجيال القادمة حقيقة معاوية وأنه غير ملتزم حتي بالشروط التي قبلها وأمضاها، فما أن استتمت الهدنة، نزل معاوية يوم الجمعة بالنخيلة. فصلي بالناس ضحي النهار، وقال في خطبته:

(إني والله ما قاتلتكم لتصلوا

ولا تصوموا، ولا تحجوا ولا تزكوا. إنكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون. وإني منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي ولا أفي بشي ء منها)().

ثم قام بعدة أعمائل لم تكن في حسبان العراقيين، فقد أنقص أعطياتهم وزاد في أعطيات أهل الشام، كما حملهم علي محاربة الخوارج، فقد طلب من الإمام الحسن عليه السلام نفسه محاربة الخوارج، فأجابه عليه السلام بقوله: سبحان الله، تركت قتالك وهو لي حلال، لصلاح الأمة وألفتهم، أفتراني أقاتل معك ().

كما جاهر بسب أمير المؤمنين عليه السلام من علي منابر المسلمين، خلاف ما شرطه للإمام الحسن عليه السلام، وذلك لما دخل الكوفة وخطب، فذكر علياً عليه السلام فنال منه ومن الحسن والحسين عليهما السلام. وكان الحسن والحسين عليهما السلام حاضرين. فقام الحسين عليه السلام ليرد عليه فأخذ بيده الحسن عليه السلام وأجلسه. ثم قام فقال: أيها الذاكر علياً، أنا الحسن وأبي علي. وأنت معاوية وأبوك صخر. وأمي فاطمة وأمك هند. وجدي رسول الله وجدك حرب. وجدتي خديجة وجدتك قتيلة. فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قوماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً.

فقال طوائف من أهل المسجد: آمين، آمين().

نعم بدأ الناس يكتشفون وبمرور الأيام طبيعة حكم معاوية الذي تخاذلوا عن محاربته. فجعلوا يذكرون حياتهم أيام أمير المؤمنين علي عليه السلام فيحزنون عليها، ويندمون علي ما كان من تفريطهم في جنب إمامهم، كما ندموا علي ما سببوا من اضطرار الإمام للصلح مع معاوية، وجعلوا كلما لقي بعضهم بعضاً تلاوموا فيما بدر منهم، فلم تمض فترة حتي سارت وفودهم إلي المدينة للقاء الإمام الحسن عليه السلام والتحدث معه والاستماع له. فقد زاره يوماً وفد من أشراف أهل الكوفة، وفيهم المسيب

بن نجية الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي.

فقال المسيب بن نجية الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي عليه السلام: ما ينقضي تعجبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة، سوي أهل البصرة والحجاز!!.

فقال الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فما تري الآن؟.

فقال: والله أري أن ترجع؛ لأنه نقض العهد.

فقال: يا مسيب، إن الغدر لا خير فيه، ولو أردت لما فعلت.

فقال حجر بن عدي: أما والله لوددت أنك() مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا.

فلما خلا به الحسن عليه السلام قال: يا حجر، قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كل إنسان يحب ما تحب، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالي كل يوم هو في شأن ().

الإعداد لثورة الإمام الحسين عليه السلام

بعد ما أخذ معاوية يخدع جيش الإمام عليه السلام بالمال وما أشبه فقل أنصار الإمام عليه السلام واحداً بعد واحد وفوجاً بعد فوج، رأي الإمام عليه السلام أن في استمرار القتال تضعيف لجبهة الحق وانتصار لجبهة الباطل، وكان استمرار القتال يوجب محو آثار الإسلام ودفن شرائعه وأحكامه، وقتل ذرية الرسول صلي الله عليه و اله بأجمعهم وتقوية بني أمية ولعبهم بالإسلام والمسلمين، فلكل ذلك ولحقن دماء الأبرياء ولفضح معاوية وسلب الشرعية عنه، قبل الإمام عليه السلام بالصلح كما أخبر به رسول الله صلي الله عليه و اله لكن بشروط كان منها أن لايسمي معاوية بأمير المؤمنين().

وقد خالف معاوية تلك الشروط فعرف التاريخ كذب معاوية ومكره ولعبه بدين الله وبالمسلمين، وقد صرح بذلك، حيث قال: (إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون

ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون)().

وحينذاك بدأ الناس شيئاً فشيئاً يشعرون بضرورة الثورة علي الحكم المتعسف، وكان هذا حديث المتحمسين الذين أحسوا بالخسارة التي منوا نتيجة تسرعهم وعدم استجابتهم لإمامهم، كما كانت هذه الدعوة تلقي تجاوباً لدي الجميع ممن نقموا علي الحكم الأموي الجائر.

ولكن مثل هكذا هدف مشروع لا يمكن تحقيقه بالأماني والكلام الفارغ، بل يجب السعي إليه ببذل المهج وخوض اللجج في ميادين القتال.

ولابد أيضاً من إعداد نفسي وقيادي لجماهير الناس، وكان هذا ما يسعي إليه الإمام عليه السلام من الترصد لتهيئة المناخ المناسب لإعلان الثورة علي نظام الحكم الجائر في الوقت المناسب.

لقد ساعد جور الأمويين وتعسفهم وتفننهم في اختلاق العقوبات، التي لا تستند إلي خلق أو دين علي خلق الأجواء المفعمة بالتمرد عليهم، كما كان الاستخفاف بالدين والتجاوز علي الشريعة التي ضحي من أجلها المسلمون عاملاً مهماً في خلق الاستياء العام لدي الناس كافة، مما حدا بهم إلي إعلان كفر النظام الأموي وخروجه عن الدين، بعدما فشلت كافة المحاولات في ردعه، وأخفقت كل التحركات الداعية إلي التخفيف من بطشه وإرهابه.

قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي علي معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يري منه. إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا. فقلت: ما لي أراك مغتماً منذ الليلة؟!.

فقال: يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم.

قلت: وما ذاك؟

قال: قلت له وقد خلوت به:

إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت ولو نظرت إلي إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم. فو الله

ما عندهم اليوم شي ء تخاف، وإن ذلك مما يبقي لك ذكره وثوابه.

فقال: هيهات، هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه، ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلا أن يقول قائل أبو بكر. ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلا أن يقول قائل عمر. وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً

رسول الله. فأي عملي يبقي وأي ذكر يدوم بعد هذا، لا أباً لك،

لا والله إلا دفناً، دفناً ().

وعن الحسن البصري أنه قال:

(أربع خصال في معاوية، لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: ابتزاؤه علي هذه الأمة بالسفهاء، حتي ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه ابنه يزيد من بعده، سكيراً خميراً، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير. وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقتله حجر بن عدي وأصحابه، فيا ويله من حجر وأصحاب حجر)().

وعن إسماعيل بن عبد الرحمن: أن معاوية أمر الحسن أن يخطب لما سلم الأمر إليه وظن أن سيحصر، فقال عليه السلام في خطبته: إنما الخليفة، من سار بكتاب الله وسنة ونبيه صلي الله عليه و اله. وليس الخليفة من سار بالجور. ذلك ملك، ملك ملكاً يمتع به قليلاً، ثم تنقطع لذته وتبقي تبعته، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلي حين ().

وهكذا بدأت سوءات النظام تتكشف الواحدة بعد الأخري، فلم تعد حقيقة معاوية وبني أمية خافية علي الجميع، إلي أن سيطر يزيد علي الحكم وأخذ يتجاهر بالفسق والفجور، فحينذاك تهيأت الأرضية لثورة الإمام الحسين عليه السلام، فكانت بحق ثورة

أحيت معالم الإسلام من جديد بعد ما كاد أن يقضي عليها بنو أمية.

الخاتمة

وفي الختام نذكر ما قاله الطباطبائي() في قصيدته في باب صلح الإمام الحسن عليه السلام حيث شبهه بصلح جده رسول الله صلي الله عليه و اله:

بأس فإنه لسر مكمن

وليس في صلح الإمام الحسن

صلحا رأي فيه صلاح الأمة

كصلح جده نبي الرحمة

صلح بني الأصفر للمصالح

وقد رأي بالأمس خير ناصح

وحافظ لبيضة الإسلام

لقد رآه وهو أحمي حام

من رؤساء الجند في الحروب

لما ترائي مرض القلوب

بايع خير منه من تقدما

فالمجتبي بايعه كرها كما

يومئذ عند أولي الألباب

ولا ينافي كثرة الأصحاب

بحالهم وغدرهم لا ينكر

فإنه أدري بهم وأخبر

فضاق ذرعا بهم حتي قضي

هم الأولي جفوا علي المرتضي

وكم كساهم من مطارف النعم

كم بث فيهم من طرائف الحكم

فظلت الآراء فيها حائرة

وكم أراهم معجزات باهرة

قلوبهم تبت يداهم أجمعا

ليخشعوا وما عسي أن يخشعا

تا لله لاعهد لهم ولا وفا

لله من أجلاف كوفان الجفا

كأنهم والغدر توأمان

ومالهم في غدرهم من ثان

ريحانة الرسول أن أقدم علي

هم أرسلوا رسائل شتي إلي

وانقلبوا وأنكروا ما أرسلوا

حتي إذ جاء إليهم عدلوا

بالعضب والرماح والسهام

واستقبلوا وجه الإمام السامي

منهم مع الحسين تسمع خبرا

فاستنطقوا الطف عن الذي جري

جفوا عليا والزكي المبتلي

مما جري في كربلا من الأولي

لم لا يظن بهم ظن الحسن

وهل يقال بعد هذا للحسن

شبل الوصي المرتضي سبط النبي

هذا وبيعة الزكي الطيب

بأنه الإمام قام أو قعد

من فيه نص المصطفي كما ورد

الملك المفرط في الطغيان

بيعته لابن أبي سفيان

فيه علي سنة سيد البشر

ولم يمت كما رواه ابن حجر

لا تقتضي صحة فعل الأول

قضت بأن بيعة الطهر علي

ومنه بان القول في المسالمة

فلم يكن بينهما ملازمة

???

وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله

الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

پي نوشتها

() كشف الغمّة: ج1 ص529 فيما ورد في حقّه من رسول الله صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج47 ص24 ب4 ضمن ح26 عن الإمام الصادق عليه السلام.

() روضة الواعظين: ج1 ص156 مجلس في ذكر إمامة السبطين ومناقبهما عليهما السلام.

() للإمام الشيرازي رحمة الله عليه كرّاس تحت عنوان (الحسن والحسين عليهما السلام إمامان) أشار فيه إلي مواضيع ثلاثة: كيف يفرز المجتمع الطغاة. نفسية الطغاة. كيف يجب أن يقابل الطغاة؟ ثم سلّط الشواهد المهمّة في التاريخ علي هذه المطالب الثلاثة موضّحاً دور الحسنين عليهما السلام في دفع هكذا أمور عن الأمّة الإسلامية.

() بحار الأنوار: ج43 ص302 ب 303 ضمن ح65.

() غوالي اللآلي: ج1 ص312 - 313 ب1 المسلك الأوّل ح32.

() كشف الغمّة: ج1 ص520 فيما ورد في حقّه من رسول الله صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج43 ص284 ب12 ضمن ح50.

() إعلام الوري: ص211 الركن الثالث ب1 ف3.

() بحار الأنوار: ج43 ص266 ب12 ضمن ح23.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص37 فصل في المفردات.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص20 ب 7 ح1.

() كشف الغمّة: ج1 ص572 في كلامه عليه السلام ومواعظه.

() تمعر: أي تغيّر لونه، كتاب العين: ج2 ص138، مادّة معر.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص21 فصل في سيادته عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج43 ص319 ب 13 ضمن ح2.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص19 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص269 - 270 ب49 ح8209.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص16 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام.

() كشف الغمّة: ج1 ص558-559 في كرمه وجوده وصلاته عليه السلام.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص14 في مكارم أخلاقه

عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج43 ص339 ب16 ضمن ح13.

() بحار الأنوار: ج43 ص339 ب16 ضمن ح13.

() تهذيب الأحكام: ج5 ص11 - 12 ب1 ح29.

() كشف الغمّة: ج1 ص552 في علمه عليه السلام.

() راجع مدينة المعاجز: ج3 ص219 ب2.

() راجع الثاقب في المناقب: ب5 ح303.

() الكافي: ج1 ص462 باب مولد الحسن بن علي عليه السلام ح4.

() سورة الأحزاب: 33.

() غوالي اللآلي: ج3 ص129 - 130 ق2 باب الخمس ح14.

() صلح الحسن عليه السلام للشيخ راضي بن عبد الحسين بن باقر آل ياسين، ولد ونشأ بالكاظمين، له عدة مؤلفات قيمة، توفي مستشفياً بلبنان ودفن في النجف الأشرف. يقع كتابه (صلح الحسن عليه السلام) في 400 صفحة ويتكوّن من 13 فصلاً، تناول المؤلّف في الفصل الأوّل نبذة سريعة عن السيرة العطرة للإمام الحسن عليه السلام وعظمة مناقبه وفضائله. أمّا القسم الثاني فكان حول الموقف السياسي للإمام الحسن عليه السلام، كما خصّص القسم الثالث من الكتاب حول دوافع الصلح وتفاصيله، ثمّ ختم البحث بمقارنة لطيفة بين ظروف الإمام الحسن عليه السلام وأخيه سيّد الشهداء عليه السلام من حيث: الأنصار حيث إنّ الإمام الحسين عليه السلام أيضاً تخلي عنه بعض أصحابه إلاّ أنّ الصفوة منهم بقوا معه إلي آخر عمرهم، أمّا الإمام الحسن عليه السلام فحتّي الصفوة من أصحابه تخلّوا عنه. وظروفهما مع أعدائهما والفرق الواضح بين معاوية ويزيد الطاغية وكيف أنّ الأوّل تميّز بالدهاء والخباثة الواضحة بينما كان الثاني بليداً لا يحسن إدارة أي شيء.

() حياة الحسن بن علي عليه السلام، للعلامة الشيخ باقر شريف القرشي، طبع في النجف الأشرف في مجلدين عام 1375ه، أشار الشيخ القرشي في البدء إلي بيت الإمام علي عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليها السلام

وكيف أنّ هذا البيت الطاهر ضمّ في زواياه أعظم شخصيات في الوجود. ثمّ إنّه عرج علي ولادة الإمام الحسن عليه السلام وفضائله وكيف أنّه عليه السلام كان يتميّز بالمناقب العظيمة والكرامات الخالدة منذ نعومة أظفاره. كما له وقفة مع رزية السقيفة الكبري ومعاينة الإمام عليه السلام لهذه الردّة وكيف أنّهم غصبوا حقّ أهل البيت عليهم السلام. ثمّ سلّط الأضواء علي سيرته عليه السلام أيّام الشيخين وعثمان، ومنها تعرّض إلي مواقفه الخالدة أيّام خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وما جري عليه بعده من جور معاوية إلي أن فارق الدنيا شهيداً مسموماً.

() انظر علل الشرائع: ج1 ص210 ب159 باب العلة التي من أجلها صالح الحسن بن علي عليه السلام معاوية بن أبي سفيان وداهنه ولم يجاهده، والعلل: ج1 ص221 ب160 باب السبب الداعي للحسن عليه السلام إلي موادعة معاوية وما هو وكيف هو.

() حجر بن عدي من عظماء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وعدّه العديد من أصحاب الرجال من الأبدال، قتل بأمر معاوية لعدم تبرّيه من أمير المؤمنين علي عليه السلام.

() انظر بحار الأنوار: ج44 ص57 باب كيفية صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ضمن ح6.

() بحار الأنوار: ج44 ص23 - 24 ب18 ح7.

() إنّ من بنود الصلح هي:

1: تسليم الأمر إلي معاوية علي أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسول الله وسيرة الخلفاء الصالحين.

2: أن يكون الأمر للإمام الحسن عليه السلام بعد معاوية ثمّ إلي الإمام الحسين عليه السلام وليس لمعاوية أن يعهد إلي أحد.

3: أن يترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام.

4: استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف ويحمل للإمام الحسين عليه السلام كل عام ألفي ألف درهم، وأن يفضّل بني هاشم

في العطاء والصلات علي بني عبد شمس، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفّين ألف ألف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دارابجرد

انظر الإمامة والسياسة: ص200.

() راجع بحار الأنوار: ج44 ص125 ب21 ح16.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص22 - 23 في سيادته عليه السلام.

() تاريخ الطبري: ج8 ص185.

() راجع الاحتجاج: ج1 ص269 - 275 احتجاج الحسن بن علي عليه السلام علي جماعة من المنكرين بحضرة معاوية.

() هو طه حسين في كتابه (الأيام). ولد طه حسين عام 1889 وتوفّي عام 1973 وهو كاتب مصري، لقّب بعميد الأدب العربي، ولد في مغاغة بالصعيد، فقد بصره طفلاً. درس في الأزهر والجامعة الأهلية وفرنسا. أسّس جامعة الإسكندرية وتولّي إدارتها 1942. عيّن كوزير للمعارف عام 1950. عمل علي إقرار مجانية التعليم وأسّس جامعة عين شمس. له إنتاج وافر يتوزّع في الصحف والمحاضرات والكتب. له مؤلّفات كثيرة منها: (ذكري أبي العلاء) و(ابن خلدون) و(في الأدب الجاهلي) و(حديث الأربعاء) و(مع المتنبّي) و(علي هامش السيرة) و(الأيّام) و(شجرة البؤس) و(المعذّبون في الأرض).

() ولد الحسن البصري قبل موت عمر بن الخطّاب بسنتين وأمّه أمّ ولد كانت عند أم المؤمنين أم سلمة فأعتقتها، وكانت ولادته بالمدينة المنوّرة، توفّي عام 110ه في البصرة وله من العمر 88 عاماً. قال عنه ابن أبي الحديد المعتزلي: إنّه من جملة المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ومن جملة المخذّلين عن نصرته. ومدحه بعض المخالفين لمخالفته أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت له حلقة في مسجد البصرة لتدريس القرآن الكريم والمسائل الفقهية، وكان يدلي برأيه الشخصي في تفسير القرآن وبيان الأحكام ممّا أدّي إلي إضلال طائفة كبيرة من الناس، وبذلك

فتح أوّل باب للاجتهاد مقابل النصّ المتمثّل بوجود أهل البيت عليهم السلام الذين أمر النبي صلي الله عليه و اله بالرجوع إليهم والتمسّك بهم.

() انظر بحار الأنوار: ج41 ص302 ب114 ح33.

() مستدرك الوسائل: ج1 ص351-352 ب46 ح823.

() نهج البلاغة: الرسائل 70 ومن كتاب له عليه السلام إلي سهل بن حنيف الأنصاري وهو عامله علي المدينة.

() شرح نهج البلاغة: ج4 ص34 فتنة عبد الله بن الحضرمي بالبصرة.

() الغارات: ج2 ص320-321 غارة سفيان بن عوف الغامدي علي الأنبار.

() الغارات: ج2 ص292 غارة الضحاك بن قيس.

() شرح نهج البلاغة: ج11 ص44-45.

() بحار الأنوار: ج44 ص68-69 ب19.

() الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج1 ص183 تحقيق الشيري.

() علل الشرائع: ج1 ص220-221 ب160.

() بحار الأنوار: ج44 ص2.

() تحت الرقم 303.

() تاريخ دمشق لابن عساكر، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام: ص178.

() الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج1 ص183 تحقيق الشيري.

() راجع علل الشرائع: ص249-250 ب159.

() المناقب: ج4 ص35.

() شرح نهج البلاغة: ج16 ص14.

() الإرشاد للشيخ المفيد: ج2 ص15.

() المناقب: ج4 ص35.

() أي المسيب أو سليمان.

() انظر علل الشرائع: ص250 ب159 ح2.

() مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: ص45.

() شرح نهج البلاغة: ج5 ص130.

() كشف الغمة: ج1 ص418.

() مقاتل الطالبين: ص47.

() هو السيد محمد باقر الطباطبائي الحائري ذكر ذلك في رسالته الردية علي الآلوسي زادة، انظر شجرة طوبي: ص98-99.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.