القرآن يتحدي

اشارة

اسم الكتاب: القرآن يتحدي

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1426 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ

عَلَيَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ

لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً

صدق الله العلي العظيم

سورة الإسراء: الآية 88

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

هو القرآن.. نور لا تطفأ مصابيحه، وسراج لا يخبو توقده، وبحر لا يدرك قعره، ومنهاج لا يضل نهجه، وشعاع لا يظلم ضوؤه، وفرقان لا يخمد برهانه، وتبيان لا تهدم أركانه، وعزّ لاتهزم أنصاره.

تمتلك الأمة الإسلامية أعظم دستور ومنهج عرفته البشرية في تاريخها المديد ألا وهو القرآن الكريم، معجزة الوجود الكبري الخالدة، وكفي لهذه المعجزة فخراً ومنزلة أنها كتاب من الله وكلامه العظيم، الذي تناغمت آياته في الصدور الطاهرة والنفوس النبيلة، فأضحت نوراً يرفد العالم بألوان المعرفة وجعلها تعانق الرفعة والكمال.

ما أروع تلك الحروف كأنها تعزف ألواناً من الألحان فتحيا بجمالها الأرواح، الحروف التي رسمتها نفحة القدس الإلهي، وترتبت بعبير النور الملكوتي.

آثارها مدهشة، تُعرض فيها العلوم والمعارف، وينساب فيها أريج الإبداع، وتستلب العقول، وترسم الحضارة، وتتوّج الإنسان بوشاح قدسي عظيم.

حروف القرآن الكريم حروف الثورة والتحدي.. الحروف التي تحدي بها القدير العزيز بلغاء العالم وحكماء الكون، وأهل الكتب السماوية وكل من قال: (أنا) … فعجزوا عن تحديها وأقروا بصدقها وتساميها، وها هي القرون تلو القرون، وها هي العلوم تلو العلوم، رفعت راية العجز وسارية الاستسلام والخضوع وهي ترنو الي غد آخر، الغد الذي أشرق فجره بنور القرآن الكريم وضياء العترة المحمدية الطاهرة.

وكفي بهذين علواً أنهما الضمان الفريد لهداية البشرية في جميع أمورهم وأجيالهم وأدوارهم، فالتمسك بهما يعني عدم التوّرط في مساقط الهوي وعدم الانهماك في مهاوي الشهوات؛ والإنسان

مهما استند إلي ملجأ فلابد يوماً من انهياره إلا إذا اعتصم بنور القرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام … وفي هذه الحالة استقبلته الطمأنينة، فلا يخشي خوراً، ولا يحاذر ذلاً إن كان صادقاً في التجائه، فهذه الطمأنينة لا تبارحه في حياته كلها لأن أستند إلي كهف حريز ومانع عزيز لا تدانيه سطور عدوّ أو غلبه مناجز.

فالإنسان منذ القدم رسم دستوره الخاص المتمثل في السيطرة والقوة والتحكم والتناحر، حتي وصل إلي محور أساسي قائم علي التفكير السليم، والخطوة الأولي في هذا الطريق هو التمييز بين الحق والباطل وبين النور والظلام، وهذه قفزة ضرورية لتلبية متطلباته وبلوغ غاياته. ولا شك أن هذا الطريق يستدعي بأن يحقق في دقائق الأمور وتفاصيلها فلابد له من منهج يسير علي هداه، ولم يلمع في سماء الوجود دستور عظيم ومنهج قويم أعظم من كتاب الله المجيد، فهو مفخرة الإسلام الذي تحدي العالم، حيث قال تعالي: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ().

لقد حاول أعداء الإسلام الطعن في إعجاز القرآن مرة وتهميشه أخري، والتشكيك ثالثة و..و.. وجربوا مؤامرات عديدة، لكن خططهم لم تكن سوي هواء في شبك، وردوا علي أعقابهم خاسئين.

والإمام الراحل سماحة آية الله العظمي السيد محمد الشيرازي رحمة الله عليه يؤكد في هذا الكتاب أهمية هذه المسألة وحث علي معالجتها والتنبه لحجم خطرها علي المجتمع الإسلامي، ثم أشار إلي معجزة القرآن الكريم الكبري التي بهرت جميع أهل الفصاحة والبلاغة والعلوم والمعرفة، وحيرت أفكارهم وأربكت عقولهم، وأدهشت ألبابهم وقلوبهم.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت، لبنان

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة

علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلي بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ().

وفي تفسير الآية المباركة:

وَرَبُّكَ يا رسول الله أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ فكل تحت علمه الشامل، ملائكة كانوا، أم بشراً أم جناً، وبمقتضي علمه الشامل بالبواطن، فضّل بعض النبيين علي بعض، ومنه يعرف وجه تفضيل النبيين علي سائر الناس؛ وإنما جيء بهذا الأمر هنا لأن سوق الآيات حول العقيدة مبدئها ورسالتها ومعادها وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلي بَعْضٍ حيث إن نفسياتهم كانت مختلفة، بعضها أرقي من بعض وَآتَيْنا داوُدَ النبي عليه السلام زَبُوراً كما أتيناك القرآن، فلا مجال للكفار أن يقولوا: إن الأنبياء جاءوا بخوارق كونية، فما معني مجيئك، بهذا الكتاب، وهلا كان كعصي موسي عليه السلام، أو إبراء الأكمه والأبرص كعيسي عليه السلام؟().

فكان من أنبياء الله سبحانه وتعالي داود عليه السلام وهو من أنبياء بني إسرائيل، ومنهم أيضاً ابنه سليمان بن داود عليه السلام، وهما عليه السلام من عظام أنبياء الله تعالي رغم أنهما ليسا من أولي العزم؛ إذ أن أولي العزم من الأنبياء هم خمسة فقط: نبي الإسلام محمد صلي الله عليه و اله، وموسي، وعيسي، وإبراهيم، ونوح (عليهم أفضل الصلاة والسلام) أما سائر الأنبياء الذين يبلغ عددهم (124000) بين نبي ورسول علي القول المشهور فليسوا بأولي العزم، حيث روي عن رسول الله صلي الله عليه و اله قوله: إن لله تعالي مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي، أنا سيدهم وأفضلهم وأكرمهم علي الله عز وجل، ولكل نبي وصي أوصي إليه بأمر الله تعالي ذكره، وإن وصيي علي بن أبي طالب لسيدهم وأفضلهم وأكرمهم علي

الله عز وجل ().

وروي عن ابن عباس أنه قال: أول المرسلين آدم عليه السلام وآخرهم محمد صلي الله عليه و اله وكانت الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، الرسل منهم ثلاثمائة وخمسة، ومنهم خمسة أولوا العزم صلوات الله عليهم: نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلي الله عليهم، وخمسة من العرب: هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد صلي الله عليهم، وخمسة عبرانيون: آدم وشيث وإدريس ونوح وإبراهيم عليهم السلام، وأول أنبياء بني إسرائيل موسي وآخرهم عيسي، والكتب التي أنزلت علي الأنبياء عليهم السلام مائة كتاب وأربعة كتب، منها علي آدم خمسون صحيفة، وعلي إدريس ثلاثون، وعلي إبراهيم عشرون، وعلي موسي التوراة، وعلي داود الزبور، وعلي عيسي الإنجيل، وعلي محمد الفرقان صلي الله عليهم ().

وروي أيضاً: كان خمسة من الأنبياء سريانيبن: آدم وشيث وإدريس ونوح وإبراهيم عليهم السلام وكان لسان آدم عليه السلام العربية وهو لسان أهل الجنة، فلما أن عصي ربه أبدله بالجنة ونعيمها الأرض والحرث، وبلسان العربية السريانية، وقال: كان خمسة عبرانيون: إسحاق ويعقوب وموسي وداود وعيسي عليهم السلام، ومن العرب: هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد عليهم السلام، وخمسة بعثوا في زمن واحد: إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب ولوط عليهم السلام، بعث الله إبراهيم وإسحاق عليه السلام إلي الأرض المقدسة، وبعث يعقوب عليه السلام إلي أرض مصر، وإسماعيل عليه السلام إلي أرض جرهم، وكانت جرهم حول الكعبة سكنت بعد العماليق؛ وسموا عماليق لأن أباهم كان عملاق بن لود بن سام بن نوح صلي الله عليهم، وبعث لوط إلي أربع مدائن: سدوم وعامور وصنعا وداروما، وثلاثة من الأنبياء ملوك: يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، وملك الدنيا مؤمنان وكافران فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان عليه السلام، وأما الكافران: فنمرود

بن كوش بن كنعان، وبخت نصر ().

ومما يشير إلي عدد الأنبياء ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وعشرون ألف نبي فليزر قبر الحسين بن علي عليه السلام في النصف من شعبان؛ فإن أرواح النبيين عليهم السلام تستأذن الله في زيارته فيؤذن لهم ().

وعلي قول آخر فإن عدد الأنبياء عليهم السلام (320000) نبي ورسول. فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبوذر: يا رسول الله، كم بعث الله من نبي؟

فقال: ثلاثمائة ألف نبي وعشرون ألف نبي.

قال: يا رسول الله، فكم المرسلون؟

فقال: ثلاثمائة وبضعة عشر.

قال: يا رسول الله، فكم أنزل الله تعالي من كتاب؟

فقال: مائة وأربعة وعشرون كتابا، أنزل علي إدريس عليه السلام خمسين صحيفة وهو أخنوخ، وهو أول من خط بالقلم، وأنزل علي نوح عليه السلام عشر صحائف، وأنزل علي إبراهيم عليه السلام عشرا، وأنزل التوراة علي موسي عليه السلام، والزبور علي داود عليه السلام، والإنجيل علي عيسي عليه السلام، والقرآن علي محمد صلي الله عليه و اله ().

وعلي قول آخر: إن عددهم عليهم السلام (144000) نبي، كما روي عن صفوان بن مهران الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا صفوان، هل تدري كم بعث الله من نبي؟. قال: قلت: ما أدري. قال: بعث الله مائة ألف نبي وأربعة وأربعين ألف نبي، ومثلهم أوصياء، بصدق الحديث وأداء الأمانة والزهد في

الدنيا، وما بعث الله نبيا خيرا من محمد صلي الله عليه و اله ولا وصيا خيرا من

وصيه عليه السلام ().

إذن، كما أن بعض الأنبياء والرسل (سلام الله عليهم) مفضّل علي بعض كما قال سبحانه وتعالي: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلي

بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ () حيث فيهم أفضلهم وهم أولوا العزم، وهم أصحاب الشرائع والعزائم، كما ورد في الروايات الشريفة، فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أُولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحي، نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلي الله عليه وآله وعلي جميع الأنبياء ().

أما ما وجه تسمية هؤلاء الأنبياء الخمسة بأولي العزم، فذلك مما بينته الروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: إنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع، وذلك أن كل نبي كان بعد نوح عليه السلام كان علي شريعته ومنهاجه، وتابعاً لكتابه إلي زمان إبراهيم الخليل عليه السلام، وكل نبي كان في أيام إبراهيم وبعده كان علي شريعة إبراهيم ومنهاجه، وتابعا لكتابه إلي زمن موسي عليه السلام، وكل نبي كان في زمن موسي عليه السلام وبعده كان علي شريعة موسي ومنهاجه وتابعا لكتابه إلي أيام عيسي عليه السلام، وكل نبي كان في أيام عيسي عليه السلام وبعده كان علي منهاج عيسي وشريعته وتابعا لكتابه إلي زمن نبينا محمد صلي الله عليه و اله، فهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم، وهم أفضل الأنبياء والرسل عليه السلام وشريعة محمد صلي الله عليه و اله لا تنسخ إلي يوم القيامة ولا نبي بعده إلي يوم القيامة، فمن ادعي بعد نبينا أو أتي بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه ().

أنبياء الله وكتب السماء

ثم إن الأنبياء عليهم السلام علي قسمين:

1: قسم منهم من أنزل الله سبحانه عليه كتباً تشريعية تحتوي علي أحكام الله وحدوده، مثل:

آدم وإبراهيم وإدريس عليهم السلام، كما

روي في تفسير الآية المباركة: صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسي ()، وفي هذه الآية دلالة علي أن إبراهيم عليه السلام كان قد أنزل عليه الكتاب، خلافا لمن يزعم أنه لم ينزل عليه كتاب. وواحدة الصحف: صحيفة.

وروي عن أبي ذر أنه قال: قلت: يا رسول الله! كم الأنبياء؟

فقال صلي الله عليه و اله: مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا.

قلت: يا رسول الله! كم المرسلون منهم؟

قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، وبقيتهم أنبياء.

قلت: كان آدم عليه السلام نبيا؟

قال: نعم، كلمه الله، وخلقه بيده. يا أبا ذر! أربعة من الأنبياء عرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك.

قلت: يا رسول الله! كم أنزل الله من كتاب؟

قال: مائة وأربعة كتب، أنزل الله منها علي آدم عليه السلام عشر صحف، وعلي شيث خمسين صحيفة، وعلي أخنوخ وهو إدريس ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم، وعلي إبراهيم عشر صحائف، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان.

وفي الحديث أنه كان في صحف إبراهيم عليه السلام: ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه، عارفا بزمانه، مقبلا علي شأنه. وقيل: إن كتب الله كلها أنزلت في شهر رمضان().

وتوراة موسي عليه السلام ()..

وإنجيل عيسي عليه السلام ()..

وكتاب المجوس الذي يسمي (جاماسب) كما ورد في بعض الروايات حيث روي عن الإمام الباقر عليه السلام: والمجوس تؤخذ منهم الجزية؛ لأن النبي صلي الله عليه و اله قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، وكان لهم نبي اسمه: دامسب فقتلوه، وكتاب يقال له: جاماسب، كان يقع في اثني عشر ألف جلد ثورٍ فحرقوه ().

وفي نص آخر عنه عليهم السلام قال: المجوس تؤخذ منهم الجزية؛ لأن النبي صلي الله عليه و اله قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، وكان لهم نبي اسمه: داماست فقتلوه، وكتاب يقال له: جاماست كان يقع

في اثني عشر ألف جلد ثور فحرقوه ().

ولعل هذا الاسم جاماست كان علي حسب اللغة العربية، و أوستا كان علي لغة غير العرب().

2: وقسم آخر منهم من لم يكن له كتاب وإنما كانت نبوته امتداداً لنبوة سابقة، كالأنبياء الذي جاءوا من بعد النبي عيسي عليه السلام حيث كانوا يعملون بما أتي به عيسي عليه السلام ويأخذون بتعاليمه.

ثم استمر الحال علي ذلك إلي أن بعث الله تعالي خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله حيث به وبكتابه اختتمت الأديان والكتب، وتعين القرآن هو الكتاب الإلهي، والقانون السماوي، والدستور الشرعي للحياة، الذي يحتوي علي كل شيء. حيث قال تبارك وتعالي: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلي هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُديً وَرَحْمَةً وَبُشْري لِلْمُسْلِمِينَ ().

ومن بعده جاء الأئمة الأطهار عليهم السلام يواصلون طريقة النبي صلي الله عليه و اله بنفس الكتاب ونفس التشريع، ونفس الأخلاق ونفس السيرة. فقد روي عن أبي جعفر عن أبيه عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا إلا أعطاه من العلم بعضه ما خلا النبي صلي الله عليه و اله فإنه أعطاه من العلم كله فقال: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء () وقال: وكَتَبْنا لَهُ لموسي فِي الأَلْواحِ مِنْ كُلّ شَيْءٍ () و: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ () ولم يخبر أن عنده علم الكتاب والمن لا يقع من الله علي الجميع، وقال لمحمد صلي الله عليه و اله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا () فهذا الكل ونحن المصطفون، وقال النبي صلي الله عليه و اله: رب زدني علما، فهي الزيادة التي عندنا من العلم الذي لم يكن

عند أحد من الأوصياء والأنبياء ولا ذرية الأنبياء غيرنا، فهذا العلم علمنا البلايا و المنايا وفصل الخطاب ().

القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية

لا يخفي أن أهم كتب السماء من بين كتب الأنبياء عليهم السلام هو القرآن الكريم، ثم إن بين القرآن وسائر الكتب فرقاً رئيسياً وهو: أن كتبهم جاءت لزمن محدود، وعصر مؤقت؛ لأنها كانت في مجال إعداد، وفي ظرف تمهيد لمجيء الدين السماوي الكامل، حتي جاء الإسلام ومعه القرآن الحكيم وهو الدين الأبدي، والقانون الدائم للحياة، كما جاء في قوله تعالي: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِين ().

نعم، إن القرآن الحكيم هو الكتاب التام الكامل، والمعجزة السماوية الخالدة، إنه هدي لكل الخلق، وإرشاد لجميع الناس في كل زمان ومكان، وهو القانون الإلهي الثابت، والدستور السماوي الدائم في الأرض إلي يوم القيامة؛ ولذا لم يشر القرآن الكريم إلي حفظ الكتب السماوية السابقة من يد التحريف والتزييف، ولا إلي بقائها بعيدة عن التبديل والتغيير، بل بالعكس فقد صرّح القرآن الكريم بأن تلك الكتب قد حرّفت وبدّلت، فإن الزبور والتوراة والإنجيل جميعاً محرّفة، كما يشير إلي ذلك قوله عز وجل: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِه (). يعني: الكلم جمع كلمة و عَنْ مَواضِعِهِ أي: وتحريفهم الكلم علي قسمين: قسم بمحو بعض التوراة واثبات غيره مكانه، وقسم بتأويله علي غير المعني المقصود منه().

وقوله سبحانه وتعالي: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (). والمراد بقوله تعالي: نُنْسِها أي: نترك الكتاب حتي يضمحل ويذهب، ويبيد ويُنسي عند البشر. وإنما يقع النسخ والإنساء فيما يؤتي بالمثل؛ لأن المثل أصلح من

المنسوخ والمنسي؛ فمثلا: إذا سقطت ورقة مالية عن الاعتبار فيأتي الحاكم بورقة أخري مثلها في القيمة، كما أنه قد يأخذ درهما من زيد ليعطيه بدله دينارا و: أَلَمْ تَعْلَمْ أيها اليهودي المنكر للنسخ أَنَّ اللهَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإن اليهود كانوا يلقون الشبهة بأنه كيف يمكن نسخ كتابهم بالقرآن، وأنه إن كان كتابهم صالحا فلماذا ينسخ، وإن لم يكن صالحا فلماذا أنزله الله تعالي؟!

وقد كان الجواب: إن عدم النسخ إما لعدم مثل أو أصلح، وإما لعدم قدرة الله تعالي علي النسخ، وكلا الأمرين مفقودان؛ فالمثل والأصلح موجودان والله علي كل شيء قدير ().

إذن: فالصيغة الأخيرة الكاملة لتوجيهات السماء إلي الأرض، والدستور الكامل والشامل لكل مجالات الحياة وتطورات الزمن، هو: القرآن الكريم، وقد تعلقت إرادة الله جل شأنه بحفظه وبقائه بعيداً عن التحريف والتبديل، حيث قال جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون ().

فقد سمي القرآن ذكرا لأنه يذكّر الإنسان بالعقيدة والنظام مما فطر في جبلة الإنسان لكنه ذهل عنه وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ من التغيير والتحريف والزيادة والنقصان، والذي اعتقده وفاقا لغير واحد من علمائنا الأخيار أن هذا القرآن الذي هو بأيدينا اليوم بين الدفتين هو عين ما انزل بلا أيّ تغيير أو تبديل، وأن السور والآيات إنما رتبت كما أمر الرسول صلي الله عليه و اله، وإن كان النزول مختلفا، والرسول لم يفعل هذا الترتيب إلا بأمر الله سبحانه، كما قال سبحانه: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي ? إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحي ()وهكذا كان اعتقاد والدي?، كما ذكره في نشرة (أجوبة المسائل الدينية) الكربلائية، وذكرت طرفا من الكلام في أوائل نشرة (الأخلاق والآداب) الكربلائية، في تفسيري لسورة الحمد وبعض سورة البقرة. ()

وصية الرسول صلي الله عليه و اله بالقرآن والعترة

أوصي رسول الإسلام صلي الله عليه و اله بالقرآن الكريم وأمر بالتمسك به والعمل عليه كقانون دائم يتبعه الناس كافة إلي يوم القيامة، كما أوصي بأهل بيته المعصومين عليهم السلام وأمر بالاعتصام بحبلهم، والطاعة لهم، كمفسّرين مطّلعين علي ما جاء به القرآن الحكيم من أحكام وتعاليم، فقال صلي الله عليه و اله: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في عترتي ().

وبذلك يكون قانون الإسلام هو الحاكم إلي يوم القيامة، فحلال محمد صلي الله عليه و اله حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة، وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق صلي الله عليه و اله إنه قال:..إن الله بعث محمداً نبيا فلا نبي بعده، أنزل عليه الكتاب فختم به الكتب فلا كتاب بعده، أحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه، فحلاله حلال إلي يوم القيامة، وحرامه حرام إلي يوم القيامة، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم، ثم أومأ بيده إلي صدره و قال: نحن نعلمه. ()

وروي عن الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال:

كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله، فقال الله: ألم ? ذلِكَ الْكِتابُ () أي: يا محمد، هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو بالحروف المقطعة التي منها: ألف لام ميم، وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين واستعينوا علي ذلك بسائر شهدائكم، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ

ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً () ثم قال الله: ألم، أي: القرآن الذي افتتح بألم هو ذلِكَ الْكِتابُ الذي أخبرت به موسي فمن بعده من الأنبياء، فأخبروا بني إسرائيل: أني سأنزله عليك يا محمد كتابا عزيزا لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ()، لا رَيْبَ فِيهِ () لاشك فيه؛ لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم: أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل يقرؤه هو وأمته علي سائر أحوالهم هُديً بيان من الضلالة لِلْمُتَّقِينَ الذين يتقون الموبقات، ويتقون تسليط السفه علي أنفسهم، حتي إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم.

قال: وقال الصادق عليه السلام: ثم الألف حرف من حروف قولك الله، دل بالألف علي قولك: الله، ودل باللام علي قولك: الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، ودل بالميم علي أنه المجيد المحمود في كل أفعاله، وجعل هذا القول حجة علي اليهود؛ وذلك أن الله لما بعث موسي بن عمران ثم من بعده من الأنبياء إلي بني إسرائيل، لم يكن فيهم قوم إلا أخذوا عليهم العهود والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة، الذي يهاجر إلي المدينة يأتي بكتاب بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره، يحفظه أمته فيقرءونه قياما وقعودا ومشاة وعلي كل الأحوال، يسهل الله عز وجل حفظه عليهم، ويقرنون بمحمد صلي الله عليه و اله أخاه ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه التي علمها والمتقلد عنه لأماناته التي قلدها، ومذلل كل من عاند محمدا بسيفه الباتر، ومفحم كل من جادله وخاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد الله علي تنزيل كتاب الله حتي يقودهم إلي قبوله طائعين وكارهين.

ثم إذا صار محمد صلي الله

عليه و اله إلي رضوان الله عزوجل وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الإيمان، وحرفوا تأويلاته وغيروا معانيه ووضعوها علي خلاف وجوهها، قاتلهم بعد علي تأويله حتي يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلوب.

قال: فلما بعث الله محمدا وأظهره بمكة، ثم سيره منها إلي المدينة وأظهره بها، ثم أنزل عليه الكتاب وجعل افتتاح سورته الكبري بألم يعني: ألم ? ذلِكَ الْكِتابُ وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد لا رَيْبَ فِيهِ فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم: أن محمداً ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو وأمته علي سائر أحوالهم، ثم اليهود يحرفونه عن جهته، ويتأولونه علي غير جهته، ويتعاطون التوصل إلي علم ما قد طواه الله عنهم من حال أجل هذه الأمة، وكم مدة ملكهم، فجاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله منهم جماعة، فولي رسول الله عليا عليه السلام مخاطبتهم، فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمد حقا لقد علمنا كم قدر ملك أمته، هو إحدي وسبعون سنة، الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون؟

فقال علي عليه السلام: فما تصنعون ب ألمص ()، وقد أنزلت عليه؟ قالوا: هذه إحدي وستون ومائة سنة.

قال: فما ذا تصنعون ب ألر () وقد أنزلت عليه؟ فقالوا: هذه أكثر؛ هذه مائتان وإحدي وثلاثون سنة.

فقال علي عليه السلام: فما تصنعون بما أنزل إليه ألمر ()؟ قالوا: هذه مائتان وإحدي وسبعون سنة.

فقال علي عليه السلام: فواحدة من هذه له، أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال له: واحدة منها، وبعضهم قال: بل يجمع له كلها، وذلك سبعمائة وأربع سنين، ثم يرجع الملك إلينا، يعني إلي اليهود.

فقال علي عليه السلام: أ

كتاب من كتب الله نطق بهذا، أم آراؤكم دلتكم عليه؟! فقال بعضهم: كتاب الله نطق به، وقال آخرون منهم: بل آراؤنا دلت عليه، فقال علي عليه السلام: فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون؟ فعجزوا عن إيراد ذلك وقال للآخرين: فدلونا علي صواب هذا الرأي؟ فقالوا: صواب رأينا دليله: أن هذا حساب الجمل.

فقال علي عليه السلام: كيف دل علي ما تقولون وليس في هذه الحروف إلا ما اقترحتم بلا بيان، أرأيتم إن قيل لكم: إن هذه الحروف ليست دالة علي هذه المدة لملك أمة محمد صلي الله عليه و اله ولكنها دلالة علي أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أن عدد ذلك لكل واحد منكم ومنا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو أن لعلي علي كل واحد منكم دين عدد ما له مثل عدد هذا الحساب؟

قالوا: يا أبا الحسن، ليس شيء مما ذكرته منصوصا عليه في ألم و ألمص و ألر و ألمر؟

فقال علي عليه السلام: ولا شيء مما ذكرتموه منصوص عليه في ألم و ألمص و ألر و ألمر؟ فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت؟

فقال خطيبهم ومنطيقهم: لا تفرح يا علي؛ إن عجزنا عن إقامة حجة فيما تقولهن علي دعوانا فأي حجة لك في دعواك، إلا أن تجعل عجزنا حجتك، فإنا ما لنا حجة فيما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون؟

قال علي عليه السلام: لا سواء، إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة، ثم نادي جمال اليهود: يا أيتها الجمال، اشهدي لمحمد ولوصيه، فتبادر الجمال: صدقت صدقت، يا وصي محمد، وكذب هؤلاء اليهود.

فقال علي عليه السلام: هؤلاء جنس من الشهود، يا ثياب اليهود التي عليهم، اشهدي

لمحمد ولوصيه، فنطقت ثيابهم كلها: صدقت صدقت يا علي، نشهد: أن محمدا رسول الله حقا، وأنك يا علي وصيه حقا، لم يثبت محمد قدما في مكرمة إلا وطئت علي موضع قدمه بمثل مكرمته؛ فأنتما شقيقان من أشرف أنوار الله، فميزتما اثنين، وأنتما في الفضائل شريكان إلا أنه لا نبي بعد محمد صلي الله عليه و اله.

فعند ذلك خرس ذلك اليهودي، وآمن بعض النظارة منهم برسول الله، وغلب الشقاء علي اليهود وسائر النظارة الآخرين؛ فذلك ما قال الله تعالي: لا رَيْبَ فِيهِ أنه كما قال محمد ووصي محمد عن قول محمد صلي الله عليه و اله عن قول رب العالمين، ثم قال: هُديً بيان وشفاء لِلْمُتَّقِينَ من شيعة محمد وعلي، أنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها، واتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، واتقوا إظهار أسرار الله وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلي الله عليه و اله فكتموها، واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها وفيهم نشروها ().

نعم إن القرآن الكريم والعترة الطاهرة هما الثقلان اللذان تركهما وخلفهما رسول الله صلي الله عليه و اله في أمته، وقد تحدي الله عزوجل بهما الناس أجمعين، فلا يمكن لأحد أن يأتي بمثل القرآن، ولا بمثل أهل البيت عليهم السلام.

إعجاز القرآن

قال تبارك وتعالي: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَري مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ? أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ? بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ().

كان القرآن الكريم منذ بداية نزوله كتاباً معجزاً، يتحدي كل البشر إلي

يوم الحشر بالإتيان ولو بسورة من مثله، وظل كذلك إلي يومنا هذا، ولسوف يبقي كذلك إلي يوم القيامة، فهو المعجزة الخالدة، وليس كسائر المعجزات الآنية التي تظهر بين الحين والآخر، ثم تختفي، ولا مثل المخترعات التي تأتي لفترة ثم يأتي شيء آخر أفضل منه.

مثلاً: عندما اخترع الأمريكيون جهاز الحاسوب، كان في أول الأمر شيئاً مدهشاً، لكن بعد مدة قليلة اخترع اليابانيون حاسوباً أحسن من حاسوب الأمريكيين، وهكذا العالم الآن يتسابق في هذا المجال لتقديم الأفضل، وكلما جاء شيء جديد تميز عن سابقه بمواصفات ومميزات متطورة ومتقدمة جعلت السابق متأخراً عن اللاحق، فالقنبلة الذرية عندما اخترعها العالم الألماني كانت شيئاً عجيباً في وقتها، وبعد ذلك صنعوا القنبلة الهيدروجينية وهي أخطر من الذرية، وبعد ذلك صنعوا شيئاً أعظم وهو القنبلة النيترونية().

وهكذا في عالم النظريات العلمية: من طبية واقتصادية وغيرهما من سائر العلوم الأخري، فإنها تتطور كل يوم ويأتي العلماء بالشيء الجديد والنظرية الفضلي.

إذن: فكل اختراع جديد ينسخ ما كان قديماً من الاختراعات، وكذلك النظرية الجديدة تنسف النظرية القديمة، إلا القرآن، فإنه غض جديد، لن يبلي ولن يفني إلي يوم القيامة، ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثله فكيف الإتيان بأفضل منه؟

نعم، إن القرآن الكريم قد بقي جديداً طرياً، لا يبلي ولا يفني مهما تطاولت العصور، وتمادت الأزمان، لأنه المعجزة الإلهية الخالدة، ولن يستطع جميع الخلق من الأولين والآخرين، من الإنس والجن مهما بلغوا من العلم والذكاء، والفطنة والكياسة، وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً، أن يتحدّوا القرآن الكريم ويأتوا بمثله، ولا أن يحطوا من عظمته وإعجازه بتحريفه وتشويهه. قال عز من قائل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ

لِبَعْضٍ ظَهِيراً? وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبي أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ().

القرآن يتحدي الجميع

إن القرآن الكريم معجزة في كل جوانبه وأبعاده، كيف لا وهو المعجزة الإلهية الخالدة، وإعجازه ظاهر بيّن لا يحتاج إلي دليل وبرهان، إذ أن إعجازه واضح في كل لفظة من ألفاظه، وفي كل معني من معانيه، وفي كل جانب من جوانبه. إنه روعة في بيانه وبلاغته، وروعة في أحكامه وقوانينه، وروعة في منهاجه وأسلوبه، وروعة في كل شيء ومعجزة خالدة فيه.

نعم، إن من أعجاز القرآن انبهار كل من يتلوه أو يستمع إليه وهو يملك بعض الإلمام باللغة العربية، وذلك في كل زمان ومكان، وبأي مستوي كان، فمعجزة القرآن معجزة متجددة أبدية، باقية وخالدة، بهرت جميع أهل الفصاحة والبلاغة، وكل العلماء والفصحاء،وحيرت أفكارهم،وأربكت عقولهم، وأدهشت ألبابهم وقلوبهم.

أجل، لقد تحدي القرآن الناس في أول نزوله، وبقي هذا التحدي كما هو إلي يومنا هذا، فلم يتمكن أحد من مقابلته، وذلك إن دل علي شيء فإنما يدل علي خلود المعجزة القرآنية؛ إذ أنها لم تبهر العرب في أول نزول القرآن فحسب، بل بهرت الناس في كل عصر ومصر، وبقوا منبهرين غير قادرين علي شيء من المقابلة وهم يسمعون آية التحدي.

آية التحدي

قال تبارك وتعالي: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً? وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبي أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ().

إن القرآن ليس كلاماً عادياً، يتمكن كل أحد من الإتيان بمثله فقوله تعالي: قُلْ أي: يا رسول الله لهؤلاء لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ متعاونين بعضهم مع بعض عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ في جميع خصوصياتها البلاغية والمنهجية والعلمية، وسائر وجود الإعجاز المقررة في كتب الكلام، لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ لأنه خارج عن طوقهم

وقدرتهم وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً أي معينا، وظهر يساعد بعضهم بعضاً، وقد مضي علي القرآن ألف وأربعمائة عام، ولم يأت من يأتي بمثل القرآن، نعم جاء مسيلمة بالمضحكات، كقوله: (والنساء ذات الفروج) وجاء الباب بالمبكيات كقوله: (إنا جعلناك خوصاناً خويصاً للخاوصين) أما من كان من أبلغ الناس وكان من المشركين، ففكر وقدر، ثم قال: إن هذا إلاّ سحر يؤثر.

وكما أنه لم يأت بعصي موسي عليه السلام وإحياء عيسي عليه السلام، وغرق نوح عليه السلام أحد كذلك لم يأت بقرآن محمد صلي الله عليه و اله أحد، و: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ بينا للناس، وجئنا بالأمثلة المختلفة في ألبسة شتي، كالإتيان بقصة موسي في سبعين لباساً، وهكذا، وهذا معني التصريف، فإنه أن يقلب الشيء الواحد في صور شتي فَأَبي أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورا أي: جحوداً للحق مع إتمام الحجة عليهم.

إن الله أعطي القرآن إلي البشر معجزة للرسول صلي الله عليه و اله ومنهاجاً للحياة السعيدة، وكلمة باقية يستنير بها الأقوام، ويهتدون سبيلاً، لكن الكفار الذين أبوا إلا الجحود والتوغل في العناد، أغمضوا النظر عنه، واخذوا يتطلبون خوارق مادية لا تنفعهم في الحياة

ولا تبقي مع الأجيال، وإنما طلبوها لمجرد العناد بعد وضوح الحجة().

نعم، لقد مرّ علي هذا التحدي ألف وأربعمائة سنة، بل أكثر، وما زال قائماً باقياً يهدر في الآفاق، وينقر في الأسماع، وجميع الخلق يصغي لهذا التحدي ويخضع له مستسلماً منقاداً، خاشعاً عاجزاً، لا يجد بداً من الإذعان به، والاستسلام له.

هذا ولا يخفي أن أكثر الناس إدراكاً وفهماً لإعجاز القرآن الكريم هم العلماء والبلغاء، والأدباء والمفكرون، فإذا قارنوا بينه وبين كلام المخلوقين قالوا: أين الثري من الثريا()؟!.

نعم، إن العرب المعاصرين

للقرآن الحكيم علي ما كانوا عليه من البلاغة والفصاحة، رأوا أنفسهم عاجزين أمام القرآن العظيم منذ أول لحظة ظهر فيها القرآن،وأيقنوا أنهم لا يتمكنون من الإتيان بمثله أبداً، وليس فقط بمثل القرآن وإنما حتي الإتيان بمثل سورة واحدة من القرآن الحكيم؛ ولذا يقول الله سبحانه وتعالي: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلي عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِه ()، ويقول عز وجل في آية أخري: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ

فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ()، والمعروف أن في القرآن سوراً كبيرة وسوراً قصيرة، والقصيرة منها ربما تكون سطراً واحداً، مثل سورة الإخلاص، وسورة الكوثر، كما في قوله تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم? إنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ? فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ? إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ()، ولم يستطع أي أحد أن يأتي بمثل هذه السورة الصغيرة.

النبي صلي الله عليه و اله ينذر قومه

إن رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله كان أشرف قريش حسباً ونسباً، إنه كان من قبيلة بني هاشم التي عُرف رجالها بأنهم: سادة البطحاء، لكنه مع ذلك السؤدد والكرامة لم يكن من الأثرياء والأغنياء، ولا من أصحاب الأموال والأقطاعات، وكان طبيعة ذلك المجتمع القبلي، الذي كان يعيش فيه رسول الله صلي الله عليه و اله مجتمعاً قاسياً غليظاً لا يؤمن إلا بالقيم المادية، ولا يعطي وزناً إلا للمال والثروة، في وسط هذا المجتمع القاسي والجافي، الغليظ والشديد أعلن الرسول صلي الله عليه و اله عن معجزته الخالدة: القرآن الكريم، ودعاهم إلي الإيمان به، ولكن قريش حينما وجدت نفسها عاجزة عن معرفة سر القرآن وعظمته، وقد تحداها القرآن بالشيء المألوف لديها، والشائع عندها، وهو البلاغة والفصاحة، قابلته بالعداوة، وجابهته بكيل التهم، وحاولت بكل الوسائل إطفاء نوره، ومحو آثاره، عناداً ولجاجاً.

وإنما كان

ذلك منهم عناداً ولجاجاً؛ لأنهم لما سمعوا بالقرآن أدركوا حقيقته الإعجازية، واستيقنوا عظمة بيانه، وإعجاز بلاغته، واستسلموا أمام تحدياته وأذعنوا بعجزهم عن مقابلته، ومع ذلك لم يؤمنوا به.

أقسام الحكومات في عصر النبي صلي الله عليه و اله

ولبيان الموقف الذي اتخذه الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله مع قريش وحكومتها آنذاك، لابد من الكلام بإيجاز عن أقسام الحكومات.

1. الحكومة الدكتاتورية: وهي التي تبتني علي استبداد الشخص الحاكم، فإن فرداً واحداً يحكم إما بالتسلط، أو بالانقلاب العسكري، أو بالوراثة، أو غيرها من الأمور الاستبدادية، التي يتبعها الديكتاتور للوصول إلي الحكم، وهو يستعمل القانون كخادم لأغراضه دون أن يكون خادماً لتحقيق الغايات الرفيعة، وحماية الشعب.

2. الحكومة الأرستقراطية: وتبتني علي حكم الأشراف، فإذا فرضنا بلداً فيه قبائل عديدة، ولكل قبيلة رئيس، فهؤلاء الرؤساء يجلسون في البلد في مكان خاص، ويحكمون البلاد بينهم، فلا يوجد مجلس ولا رئيس جمهورية ولا أمير يحكم، وإنما الذي يحكم هم رؤساء القبائل أو العشائر.

إلي غيرها من أقسام الحكومات().

النبي صلي الله عليه و اله والوليد بن المغيرة

كانت حكومة مكة حكومة (أرستقراطية)، فقد كان فيها أربعون عشيرة بين كبيرة وصغيرة، وكان لكل واحدة منها زعيم، وهؤلاء الزعماء يجتمعون في مكان خاص يسمي (دار الندوة) () وكان من الزعماء رجل يدعي الوليد بن المغيرة ()، وكان بالإضافة إلي منصبه يمتلك عشيرة كبيرة، وأولاداً كثيرين، وأموالاً جمة، وفي نفس الوقت كان من أبلغ العرب، وله شعر في غاية الجودة والمتانة، فقيل له: إن رجلاً يدعي أنه نبي مبعوث من قبل الله، فسأل: ممن هو؟

فأجابوا: من قريش.

فسأل: من هو؟

قالوا: محمد بن عبد الله.

ثم التقي الوليد برسول الله صلي الله عليه و اله وقال متسائلاً: هل تدعي أنك نبي؟

قال الرسول صلي الله عليه و اله: نعم.

قال الوليد: لو كان الله بعث رسولاً لبعثني أنا؛ لأني أمتلك أموالاً وأولاداً وشخصية كبيرة.

فلم يجبه الرسول صلي الله عليه و اله شيئاً وتركه، فاجتمع أشراف قريش في دار الندوة، وقالوا: ماذا تقول يا وليد في حلّ

هذه المشكلة؟

قال الوليد: ما هو دليل محمد علي النبوة؟

قالوا: دليله القرآن.

قال: ما هو القرآن؟

قالوا: كلمات يأتي بها ويقرأها ويقول: كلكم لا تتمكنون من الإتيان بمثل هذه الكلمات.

فطلب الوليد أن يأتوا له ببعض آياته، وجاء بعض ممن سمع القرآن وتلاه علي الوليد، وعندما سمع الكلمات أنبهر الوليد وجذبته حلاوة القرآن؛ لأن مثل الوليد، وهو البليغ الفصيح، أعرف بالبلاغة والفصاحة، وأقدر علي تشخيص إعجاز القرآن من غيره؛ لذلك قال: أعيدوا عليّ هذا الكلام ثانية، فإني لم أسمع كلاماً كهذا في حياتي، فأعادوا عليه الكلام، فذهب يفكّر فيه لمدة ثم قال لهم: ماذا تقولون يا معشر قريش وأشرافها فيه؟

قالوا: نقول: كاهن.

قال: لا والله، ما هو بكاهن؛ لأن الكاهن يتكلم بكلام خفي لا يسمع، ولا هو سجع الكاهن.

قالوا: فنقول: مجنون.

قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ومحمد ليس له حركات المجنون، ولا يسير في الطرقات كالمجنون، ولا تخالجه الوسوسة، وغيرها من علامات الجنون.

قالوا: فنقول: شاعر.

قال: وما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.

قالوا: فنقول: ساحر.

قال: ما هو بساحر. لقد رأينا السحّارة وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم.

قالوا: فما تقول يا وليد؟

قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، فشبّه كلامه بالنخلة التي ثبت أصلها وقوي وطاب فرعها إذا جني، ولكن أشراف قريش طلبوا من الوليد أن يقول شيئاً في رسول الله صلي الله عليه و اله وفي قرآنه، حتي يوصلوه إلي الناس ويبعدوهم به عن النبي وعن قرآنه.

فقال الوليد: إن أقرب القول فيه أن تقولوا أنه ساحر، فأنزل الله تعالي في الوليد بن المغيرة هذه الآيات: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ? وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً ? وَبَنِينَ شُهُوداً

? وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ? ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ? كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لآياتِنا عَنِيداً ? سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ? إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ? فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ? ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ? ثُمَّ نَظَرَ ? ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ? ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ? فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحر يُؤْثَرُ ? إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ ? سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ().

القرآن يتوعّد المفترين

نقل العلامة الطبرسي? في تفسيره (مجمع البيان) سبب نزول هذه الآيات من سورة المدثّر:

أنهم حينما قالوا للوليد: نقول إنه ساحر، قال: وما الساحر؟ قالوا: بشر يحببون بين المتباغضين، ويبغضون بين المتحابين، قال: فهو ساحر، فخرجوا فكان لا يلقي أحد منهم النبي صلي الله عليه و اله إلا قال: يا ساحر، يا ساحر، واشتد عليه ذلك فأنزل الله تعالي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (). وبعد أن بيّن النبي صلي الله عليه و اله لأصحابه الآيات وقال: إنها نزلت في الوليد بن المغيرة جاء إلي الوليد جماعة؛ وقالوا له: إن محمداً يقول: نزلت آيات فيك، فطلب الوليد سماعها، ولم يذهب بنفسه إلي النبي صلي الله عليه و اله لأنه استثقل الأمر عليه، وأراد المحافظة علي شخصيته بين أشراف قريش، فجاءوا بالآيات وقرؤوها عليه، وهنا ذكر المؤرخون: إنه لما سمع الوليد الآيات أخذته رعدة شديدة وقام يرتجف ارتجافاً شديداً كأنه مصاب بنوبة من القشعريرة وأغمي عليه من وقع الآيات المندوة به، ولم يمر عليه أكثر من ثلاثة أيام حتي هلك، وانتقل من هذه الدار حاملاً معه أعماله السيئة، وإضلاله الناس عن الحق، وقد وعده الله أن يلقيه في أسفل دركات جهنم، وهي النار المسماة ب: سقر. وهذه الحالة إنما أصابت الوليد بعد سماعه الآيات المذكورة، لأنه بليغ وعالم بالشعر واللغة

فمن الطبيعي أنه عرف أنها من كلام الله عزوجل، ولكنه لا يتحمل كلاماً كهذا.. فلم يؤمن().

وهكذا تحدّي القرآن الحكيم، كل شخصية كبيرة أو صغيرة، وكل بليغ وفصيح، منذ ذلك الزمان إلي يومنا هذا، مضافاً إلي أن القرآن الحكيم يحتوي علي أشرف العلوم وكثير من المغيبات وما يحتاجه الإنسان لسعادته في الدنيا والآخرة فهو معجزة في ألفاظه ومعانيه، ومن ذلك اليوم وحتي يومنا هذا وما بعده لم يستطع ولن يستطيع الملحدون أو غيرهم أن يتحدّوا القرآن فيأتوا بمثله ولا بعشر سور منه، بل ولا بسورة واحدة منه ولو كان بعضهم لبعض

ظهيراً.

مُفترو القرن العشرين

لقد تعصبت الجاهلية الأولي لعقيدة الآباء والأسلاف وافتروا علي القرآن عناداً ولجاجاً فلم يؤمنوا به، ومضت الأعوام والقرون حتي جاءت الجاهلية الثانية، فتعصب أبناؤها كأسلافهم الأقدمين، وافتروا علي القرآن عناداً وإلحاداً، وزادوا علي الجاهلية الأولي، إن الأولي اكتفت بالكلام، وهؤلاء كتبوا في ذلك الكتب، وصنفوا المصنفات وأرادوا بث الشبهات حول القرآن الكريم والدين الإسلامي والرسول الأعظم صلي الله عليه و اله.

وإني أدعو جميع المنصفين، وأهل التحقيق والتدقيق إلي مراجعة تلك الكتب التي لم تدخر شتيمة إلا ونثرتها علي الإسلام والمسلمين، ولا فرية إلا وألصقتها بالقرآن الكريم والنبي العظيم صلي الله عليه و اله، ومن جملة تلك الكتب، ما صدر في بلد إلحادي، وكان القائمون عليه ملحدون، وبطبيعة الحال الملحد ينكر أوضح الواضحات وهو: وجود الخالق لهذا الكون، والصانع لهذا العالم، مع إنه يستحيل أن يوجد شيء من الخلق بلا موجد ولا صانع، فكيف بهذا الكون الفسيح، والعالم الرحيب الدقيق؟ ومن ينكر الخالق لا رادع له من أن ينكر القرآن ويفتري عليه، فهو لا يؤمن بحقيقة ويري كل شيء وهماً وخيالاً؛ ولكن القرآن الحكيم بقي معجزة

يعجز الجميع عن الإتيان بمثله أو جزئه.

نعم، إن بعض الملحدين صعدوا إلي القمر وصنعوا المركبة الفضائية والطائرات وأشياء أخري، ولكنهم في المعنويات متأخرون جداً، بل هم يكفرون بها ويحاربونها ويحاربون كل من يدعو إليها؛ ولذا حينما وجدوا أنفسهم عاجزين عن الوقوف بوجه القرآن، قالوا بتخرصات هوجاء، وأقوال باهتة خالية من الدليل والموضوعية، وبعيدة كل البعد عن المنطق والفكر الصحيح، وهذا يعتبر اعتداء علي مشاعر المسلمين، وانتهاك لمقدساتهم، وهذا عمل لا يمت إلي الإنسانية وإلي احترام حقوق الإنسان بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، بل هو عمل الجاهلين الحاقدين.

الإلحاد المنّظم وحرب المقدسات

إن الملاحدة المنكرين لوجود الله تعالي، والمنكرين للقرآن بالتبع، كانوا موجودين في العالم دائماً وعلي مر التاريخ، ولكنهم كانوا مبعثرين، وليس لهم نظم في الصفوف، وتبليغ ودعايات للأفكار، كما نري عليه اليوم الإلحاد الشيوعي في الاتحاد السوفيتي()، وما أشبه، حتي إنهم نظموا جماعات باسم الإلحاد وإنكار الخالق، وأنشئوا المراكز وفتحوا المدارس من أجل إدخال الناس في الإلحاد؛ ولذا ندعو الشباب إلي المطالعة والمعرفة، والوعي واليقظة، ليبصروا الحقائق، ويطلعوا علي مكائد الملحدين، ويقفوا علي كيفية ترويجهم للإلحاد، كي يأمنوا مكرهم ولا يقعوا في شباكهم، بل ويحبطوا مخططهم الإلحادي، وينقذوا الناس من فخاخهم. إن الملحدين في هذا العصر وفي وقت لا يتعدي الثلاث سنوات استطاعوا أن يزيدوا في دوائر إلحادهم ومؤسساتهم الإلحادية، وفي نشر أفكارهم المنحرفة والباطلة، وطبعوا ما يزيد علي (217كتاباً) في إنكار الله، وتكذيب جميع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، والافتراء علي كتب السماء وخاصة القرآن الحكيم، وهذا خطر يهدد العقل والعقلاء، والإنسان والإنسانية، فيلزم صدّه وإيقافه عند حدّه، وكشفه وفضحه().

بداية التنظيم الإلحادي

اجتمع ثلاثة أشخاص من الملحدين في مكة أيام الحج لرد القرآن، وهم كما ورد في كتاب (الاحتجاج): عبد الله بن المقفع، وأبو شاكر الديصاني، وابن أبي العوجاء، فتوغلوا بين الحجيج لبث أفكارهم المسمومة فيما بينهم. وفكروا في أن يبطلوا الحج من خلال إبطال القرآن؛ لأنه أساس الإسلام والأحكام، والرسالة والرسول، ومكة والحج، وكل ما يمت إلي الإسلام بصلة، وكان هؤلاء الملاحدة الثلاثة فصحاء وبلغاء، ومن الذين درسوا العلوم، فقرروا أن يجتمعوا في السنة القادمة، وكل واحد منهم يأتي بمثل للقرآن كل بمقدار الثلث أي: كل واحد منهم عشرة أجزاء ثم يعرضون قرآنهم الجديد الذي يتحدي قرآن النبي محمد صلي الله عليه و اله علي زعماء

المسلمين في مكة، ويقولون بأنهم قد تحدّوا القرآن وجاءوا بمثله.

ولكن حينما جاء موسم الحج من العام القادم، واجتمع بعضهم ببعض لم يأتوا حتي بآية واحدة مثل آيات القرآن، فقال أحدهم: إني لما طالعت القرآن بدقة علمت أنه لا أتمكن أن آتي بمثله؛ وذلك لأني وجدت في القرآن آية من المستحيل أن يأتي البشر بمثلها، وهي التي تقول: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ().

وهذه الآية الكريمة جاءت ضمن قصة يوسف عليه السلام وذلك عندما أراد إخوته أن يستبدلوا بنيامين الذي تم حجزه عنده بأحدهم، ولكنه رفض اقتراحهم ولم يستسلم لطلبهم؛ فلذا تقول الآية (فلما استيئسوا) من أن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين (خلصوا نجياً)، وقال بعض المفسرين: إن الآية في غاية الفصاحة، وقمة البلاغة فلما يئس أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلي ما سألوه من أخذ أحدهم مكانه وتخلية سبيل بنيامين ليذهب معهم خَلَصُوا نَجِيًّا أي: انفردوا عن الناس من غير أن يكون معهم من ليس منهم، ليتناجوا فيما بينهم عما ينبغي لهم أن يهيّؤوه من أعذار عند ذهابهم إلي أبيهم وحدهم من غير أخيهم، وليتخذوا القرار الأخير في أنهم يرجعون أم يقيمون.

والخلاصة: انهم اعتزلوا عن الناس متناجين، وهذا اللفظ هو من جملة ألفاظ القرآن التي هي في غاية الفصاحة، ومنتهي البلاغة، إنه يحتوي علي الإيجاز في اللفظ مع كثرة المعني().

ولذا لم يستطع ذلك العالم الملحد، البليغ الفصيح أن يتحدي آية واحدة من القرآن فكيف بثلثه، بل أصبح الأمر لديه محالاً، لأنه أيقن بأنه معجزة، وقطع بأنه لا يتمكن من أن يأتي بمثل القرآن مع وجود مثل هذه الآية فيه.

أما الشخص الثاني فقال: إنني وعلي مرور الآنات في السنة كلما ضغطت علي فكري، وأمعنت النظر في

أمري، لم أتمكن من أن آتي بشيء مثل القرآن؛ لأني وجدت في القرآن ما لا أتمكن من الإتيان بمثله، فقد مرررت بما ورد في قصة نوح من قوله تعالي: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَي الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ? ().

وهذه الآية المباركة جاءت ضمن قصة نوح عليه السلام وفي قضية طوفانه، وهي أيضاً من الآيات المعجزة في البلاغة والفصاحة، والتي جمعت معان كثيرة في ألفاظ وجيزة.

أما الشخص الثالث فقال: أنا مثلكما أيضاً، فأني لم أتمكن من الإتيان به، لأني وجدت في القرآن آية في شأن أم موسي أعجزتني عن التحدّي، وهي قوله تعالي: ?وَأَوْحَيْنا إِلي أُمِّ مُوسي أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ? ().

وهذه الآية المباركة تبين قصة موسي عليه السلام وكيفية ولادته وإرضاعه، وإلقائه في اليم ثم إرجاعه إلي أمه، ثم إرساله نبياً إلي فرعون، وهي أيضاً من الآيات التي جمعت في كلمات وجيزة وبليغة معان كثيرة وكبيرة.

وفي تلك الأثناء، وفي حين كان هؤلاء الملاحدة الثلاثة جالسين يتحدثون مر عليهم الإمام الصادق عليه السلام فتلا عليهم قوله تعالي: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ

هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ()،().

وبتلاوته عليه السلام هذه الآية الكريمة عليهم، كشف عن تواطئهم علي التحدي الذي قرّروه سراً بينهم، وأخبرهم أيضاً عن عجزهم علي الإتيان ولو بسورة من مثله.

واجبنا تجاه القرآن الحكيم

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من قرأ القرآن حتي يستظهره ويحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أَهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار ().

وقال أمير المؤمنين

عليه السلام: الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم.. ().

إن القرآن الحكيم كتاب سماوي أنزله الله تعالي لهداية البشر، فيتوجب علي جميع المسلمين المكلفين أن يقرءوه، ويتدبروا آياته، ويتعلموا أحكامه، ويطبقوه في حياتهم، حتي يستعيدوا مجدهم وعزهم، ويستنزلوا الرحمة الإلهية عليهم، ولكن الذي يؤسف له حقاً، أن نري القرآن مهجوراً في أوساطنا، ولا سيما بين الشباب، إلي درجة أن بعضهم لا يتمكن حتي من قراءة القرآن، فضلاً عن التدبر فيه، ومطالعة تفاسيره، والالتزام بحدوده.

ومن المؤسف أيضاً أن نري البعض قد اقتصر علي مجرد التبرك بالقرآن، فتراهم يقتنونه بخط جميل، وزخارف ملونة، ثم يضعونه علي أحد رفوف المنزل وكفي!

ونري البعض أنه يكلف نفسه فقط لتعلم قراءة سورة الفاتحة وسورة الإخلاص بالصورة الصحيحة، لتكون قراءته في الصلاة صحيحة، أما أكثر من ذلك فلا يهتم.

وعليه: فاللازم إقامة المحافل العديدة لتعليم القرآن الحكيم، وإدارة مجالس تجويد القرآن الكريم، وذلك في البيوت والمساجد والحسينيات، وحتي في المدارس والجامعات، لنربي جيلنا تربية إسلامية، ونغذيه بالثقافة القرآنية، فقد كان أول ما يتعلمه آباؤنا في السابق هو القرآن الكريم، ونحن كذلك شملنا هذا التعليم؛ إذ كنا نذهب إلي الكتاتيب، فكان المدرّس يعلّمنا من أول يوم قوله تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم ثم يعلّمنا حروف التهجئة: ألف، باء، تاء، ثاء … وبعده يعلّمنا سورة الحمد وسورة الإخلاص، ثم جزء عم، ثم جزء تبارك، ثم والذاريات، ثم ننتقل من ذلك الصف إلي الصف الآخر، وعندما ينتهي أحدنا من ختم القرآن كان يفتخر به أهله وذووه، ويقيمون له احتفالاً (زفّة) احتفاءً به وتكريماً له، ويدعون الناس إلي ذلك الاحتفال، وهذه كانت سنة إسلامية متبعة في البلاد الإسلامية تحفز الفرد المسلم علي التعلم والحفظ مع

التطبيق ().

قال أبو عبد الله عليه السلام: من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة، يقول: يا رب، إن كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلغ به أكرم عطائك، قال: فيكسوه الله العزيز الجبار حلتين من حلل الجنة، ويوضع علي رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب، قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، فيعطي الأمن بيمينه والخلد بيساره، ثم يدخل الجنة، فيقال له: اقرأ آية فاصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك؟ فيقول: نعم قال: ومن قرأه كثيرا وتعاهده بمشقة من شدة حفظه، أعطاه الله عز وجل أجر هذا مرتين ().

تعلّم القرآن وتعليمه

لقد وردت روايات عديدة تحث علي تعلم القرآن وتعليمه، وحفظه وتطبيقه، فقد روي عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: أفضل العبادة قراءة القرآن ().

وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: الحافظ للقرآن، العامل به، مع السفرة الكرام البررة ().

أما اليوم فلا نري إلا عكس ذلك، فالطفل يدخل المدرسة الابتدائية، ويبقي يتدرّج في مراحل الدراسة إلي أن يتخرج من الجامعة، وهو مع ذلك لم يدرس القرآن كمنهج دراسي، والبعض الآخر لم يقرأ القرآن حتي في داخل داره، ولا في محل عمله، والبعض الآخر لا يحسن قراءته، بل لم يعرف حتي قراءته، وهذا كله في صالح من تخطيط أعداء الإسلام لإبعاد المسلمين عن القرآن، وعن وعي

أفكاره، والتدبر في أحكامه. ويدل علي ذلك ما نشر في كتبهم من قول أحدهم في مقال له: (إنا رأينا أن الذين قادوا الحملة ضدنا نحن المستعمرين كانوا المتدينين بقيادة علمائهم، ففكرنا في أن نفصل بين الشعب وعلمائه، ووجدنا أن أفضل وسيلة لذلك تأسيس مدارس خالية من القرآن والدين). وبذلك استطاعوا إبعاد الشباب المسلم عن القرآن والدين().

نعم، هناك البعض المؤمن من شبابنا يجيدون قراءة القرآن ويلتزمون بتعاليمه، لكنهم لم يتعلموا قراءته ولم يلتزموا بتعاليمه عن طريق المدارس، وإنما عن طريق الوالدين أو أقاربهم المتدينين أو هيئات القرآن الحكيم في المساجد والمدارس، فجزاهم الله خيراً.

القرآن مصدر التقدّم والتطور

قيل لأبي الحسن الأول عليه السلام: جعلت فداك، أخبرني عن النبي صلي الله عليه و اله ورث النبيين كلهم؟

قال: نعم.

قلت: من لدن آدم حتي انتهي إلي نفسه؟

قال: ما بعث الله نبياً إلا ومحمد صلي الله عليه و اله أعلم منه.

قلت: إن عيسي بن مريم كان يحيي الموتي بإذن الله؟

قال: صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يقدر علي هذه المنازل. فقال: إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره، فَقالَ ما لِيَ لا أَرَي الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ () حين فقده، فغضب عليه، فقال: لأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ()؛ و إنما غضب لأنه كان يدله علي الماء، فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه، وإن الله يقول في كتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتي

() وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه: ما تسير به الجبال، وتقطع به البلدان، وتحيا به الموتي، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمرٌ إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون، جعله الله لنا في أم الكتاب، إن الله يقول: وما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ () ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا () فنحن الذين اصطفانا الله عزوجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء (). إذن القرآن الكريم هو المصدر الأساسي للتقدم والتطور والسعادة في الدنيا والآخرة. وإذا أردنا أن نعرف شيئاً عن مكائد أعداء الإسلام ومخططاتهم الشيطانية تجاه المسلمين، نري كيف أنهم يحاربون القرآن ويسعون لإبعاد الأمة عنه، ننقل هذا الكلام عن أحد رؤوسهم؛ ليكون شبابنا علي معرفة بأهمية القرآن الكريم، وضرورة التدبر فيه والعمل به، لنهوض أمتنا الإسلامية؛ إذ في القرآن يكمن سر قوتنا وتقدمنا، فقد قال هذا الشخص في أحد مجالسهم التآمرية والقرآن بيده: (إذا أردتم أن تترسخ أقدامكم في البلاد الإسلامية فعليكم أن تأخذوا هذا الكتاب من يد المسلمين؛ لأن هذا الكتاب مبعث الاقتصاد، مبعث السيادة، مبعث العزم، مبعث الاجتماع، مبعث العائلة، مبعث التربية، مبعث تمام فكر المسلمين).

نعم، أدرك أعداء الإسلام أن القرآن الحكيم هو مصدر عزنا وكرامتنا، ورمز تقدمنا وتطورنا، فخطّطوا وبكل دقة مهارة للحيلولة بيننا وبينه، ولذا يتوجب علي أبناء الأمة الإسلامية، الرجوع إلي القرآن الكريم، والجدّ في تعلّمه وتطبيق أحكامه، وإدخاله ضمن مناهج التعليم لكل المراحل الدراسية، وإقامة محافل القرآن في المساجد والحسينيات، والدور والبيوت، وإعطاء الأهمية القصوي لقراءة القرآن وتجويده وحفظه وإتقانه، وتعلمه وتدبره،

ومعرفة أحكامه وتطبيقه؛ لأن القرآن كتاب حياة وتقدم وعزة وسيادة في الدنيا والآخرة، وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم ().

اللهم انفعنا بالقرآن العظيم، وأهدنا بالآيات والذكر الحكيم.. اللهم اجعلنا ممن يعتقد تصديقه، ويقصد طريقه، ويرعي حقوقه، ويتبع مفترض أوامره، ويرتدع منهي زواجره، ويستضيء بنور بصائره، ويقتني بأجر ذخائره، برحمتك يا أرحم الراحمين ().

من هدي القرآن الحكيم

بعثة الأنبياء وبعض أهدافها

قال الله تعالي: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط ().

وقال سبحانه: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب ().

وقال عزوجل: رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النُّور ().

القرآن يتحدي الجن والأنس

قال جل وعلا: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ? فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ().

وقال الله تعالي: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا ().

وقال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ ? فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِين ().

وقال عزوجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (). قال جل وعلا: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلي عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ().

صيانة القرآن من التحريف

قال الله تعالي: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون ().

وقال سبحانه: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ? لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ().

وقال عزوجل: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرا ().

وقال جل وعلا: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلي عِلْمٍ هُديً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ? هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَق ().

التدبر في القرآن

قال الله تعالي: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ ? يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ().

وقال سبحانه: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبابِ ().

وقال عزوجل: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها ().

من هدي السنة المطهرة

الشمولية والتكامل في القرآن

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:.. اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لايغش، والهادي الذي لايضل، والمحدث الذي لايكذب ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءهُم () يعني: القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه؟ قال: لا يأتيه الباطل من قبل التوراة، ولا من قبل الإنجيل والزبور،

ولا من خلفه، أي: لا يأتيه من بعده كتاب يبطله ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام لما سأله رجل وقال: ما بال القرآن لايزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضة؟ فقال عليه السلام: لأن الله لم ينزله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلي يوم القيامة ().

وقال الإمام الرضا عليه السلام عند ذكر القرآن الكريم فعظم الحجة فيه والآية والمعجزة في نظمه: إن هذا القرآن هو حبل الله المتين إلي أن قال: لا يخلق علي الأزمنة، ولا يغث علي الألسنة؛ لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، وحجة علي كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد ().

القرآن يتحدي الأجيال

قال العالم موسي بن جعفر عليه السلام في قوله تعالي: وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلي عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ? فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ? وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ولَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وهُمْ فِيها خالِدُونَ (): فلما ضرب الله الأمثال للكافرين

المجاهرين الدافعين لنبوة محمد صلي الله عليه و اله والناصبين المنافقين لرسول الله، الدافعين ما قاله محمد صلي الله عليه و اله في أخيه علي عليه السلام والدافعين أن يكون ما قاله عن الله عز وجل وهي آيات محمد ومعجزاته مضافة إلي آياته التي بينها لعلي عليه السلام بمكة والمدينة، ولم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا، قال الله تعالي لمردة أهل مكة وعتاة أهل المدينة: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلي عَبْدِنا وحتي تجحدوا أن يكون محمد رسول الله، وأن يكون هذا المنزل عليه كلامي، مع إظهاري عليه بمكة الباهرات من الآيات، كالغمامة التي كانت تظله في أسفاره، والجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال والصخور والأحجار والأشجار، وكدفاعه قاصديه بالقتل عنه وقتله إياهم، وكالشجرتين المتباعدتين اللتين تلاصقتا فقعد خلفهما لحاجته، ثم تراجعتا إلي أمكنتهما كما كانتا، وكدعائه الشجرة فجاءته مجيبة خاضعة ذليلة، ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة فَأْتُوا يا معاشر قريش واليهود، ويامعشر النواصب المنتحلين الإسلام الذين هم منه برآء، ويا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الألسن بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ من مثل محمد صلي الله عليه و اله من مثل رجل منكم لا يقرأ ولا يكتب، ولم يدرس كتابا، ولا اختلف إلي عالم، ولا تعلم من أحد، وأنتم تعرفونه في أسفاره وحضره، بقي كذلك أربعين سنة، ثم أوتي جوامع العلم حتي علم علم الأولين والآخرين، فإن كنتم في ريب من هذه الآيات فأتوا من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ليبين أنه كاذب كما تزعمون؛ لأن كل ما كان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله، وإن كنتم معاشر قراء الكتب من اليهود والنصاري في شك مما جاءكم

به محمد صلي الله عليه و اله من شرائعه، ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا، بعد أن أظهر لكم معجزاته، التي منها: أن كلمته الذراع المسمومة، وناطقه ذئب، وحن إليه العود وهو علي المنبر،ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم، وقلب عليهم البلاء وأهلكهم به، وكثر القليل من الطعام فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يعني: من مثل هذا القرآن، من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، والكتب الأربعة عشر، فإنكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن، وكيف يكون كلام محمد المتقول أفضل من سائر كلام الله وكتبه، يا معشر اليهود والنصاري، ثم قال لجماعتهم: وادْعُوا شُهَداءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ادعوا أصنامكم التي تعبدونها أيها المشركون، وادعوا شياطينكم يا أيها اليهود والنصاري، وادعوا قرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين، وسائر أعوانكم علي آرائكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه لم ينزله الله عليه، وأن ما ذكره من فضل علي علي جميع أمته، وقلده سياستهم ليس بأمر أحكم الحاكمين، ثم قال عز وجل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي: لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين ولَنْ تَفْعَلُوا أي: ولا يكون هذا منكم أبداً فاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وقُودُهَا حطبها النَّاسُ والْحِجارَةُ توقد تكون عذابا علي أهلها أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ المكذبين لكلامه ونبيه الناصبين العداوة لوليه ووصيه، قال: فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالي، ولو كان من قبل المخلوقين لقدرتم علي معارضته فلما عجزوا بعد التقريع والتحدي، قال الله عز وجل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً () ().

القرآن مصون من التحريف

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ترد علي أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا! وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم علي إتمامه، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضي، أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلي الله عليه و اله عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ () وفيه تبيان كل شيء، وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، وأنه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: ولَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً () وأن القرآن ظاهره أنيق و باطنه عميق، لا تفني عجائبه ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به ().

وقال عليه السلام: هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الشبه والآراء ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة ().

التدبر في القرآن

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ().

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: تدبروا آيات القرآن واعتبروا به فإنه أبلغ العبر ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتي يتعلم القرآن، أو يكون في تعلمه ().

ثواب قراءة القرآن

قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن هذا القرآن مأدبة الله تعالي فتعلموا من مأدبة الله عز وجل ما استطعتم، فإنه النور المبين، و الشفاء النافع فتعلموه، فإن الله تعالي يشرفكم بتعلمه، تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإن أخذهما بركة، وتركهما حسرة، ولا يستطيعهما البطلة، يعني: السحرة، وإنهما ليجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو عقابتان أو فرقان من طير صواف، يحاجان عن صاحبهما، و يحاجهما رب العالمين رب العزة، يقولان: يا رب الأرباب، إن عبدك هذا قرأنا، وأظمأنا نهاره، وأسهرنا ليله، وأنصبنا بدنه إلي أن قال عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: وإن والدي القارئ ليتوجان بتاج الكرامة، يضيء نوره من مسيرة عشرة آلاف سنة، ويكسيان حلة لا يقوم لأقل سلك منها مائة ألف ضعف ما في الدنيا، بما يشتمل عليه من خيراتها، ثم يعطي هذا القارئ الملك بيمينه في كتاب، والخلد بشماله في كتاب، يقرأ من كتابه بيمينه: قد جعلت من أفاضل ملوك الجنان، ومن رفقاء محمد سيد الأنبياء وعلي خير الأوصياء، والأئمة من بعدهما سادة الأتقياء، ويقرأ من كتابه بشماله: قد أمنت الزوال والانتقال عن هذا الملك، وأعذت من الموت والأسقام وكفيت الأمراض والأعلال، وجنبت حسد الحاسدين، وكيد الكائدين. ثم يقال له: اقرأ وأرق، ومنزلك عند آخر آية تقرؤها، فإذا نظر والداه إلي حليتيهما وتاجيهما

قالا: ربنا أني لنا هذا الشرف ولم تبلغه أعمالنا؟ (فقال لهما كرام ملائكة الله عن الله عز وجل: هذا لكما لتعليمكما) ولدكما القرآن قوله عزوجل: ألم ? ذلِكَ الْكِتابُ

لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ () ().

() سورة الإسراء: 88.

() سورة الإسراء: 55.

() تقريب القرآن إلي الأذهان: ج15 ص58 سورة الإسراء.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص180 باب الوصية من لدن آدم عليه السلام ح5407.

() الاختصاص: ص264 حديث في زيارة المؤمن.

() الاختصاص: ص264 حديث في زيارة المؤمن.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص48 ب16 ح24.

قال الشيخ المفيد ? في (باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام): قال الشيخ الصدوق رحمة الله عليه: اعتقادنا في عددهم: أنهم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، ومائة ألف وصي وأربعة وعشرون ألف وصي، لكل نبي منهم وصي أوصي إليه بأمر الله تعالي. ونعتقد فيهم أنهم جاءوا بالحق من عند الحق. وأن قولهم قول الله تعالي، وأمرهم أمر الله تعالي، وطاعتهم طاعة الله تعالي، ومعصيتهم معصية الله تعالي. وأنهم عليهم السلام لم ينطقوا إلا عن الله تعالي وعن وحيه. وأن سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحي، وهم أصحاب الشرائع، وهم أولو العزم: نوح، وإبراهيم، وموسي، وعيسي، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين. وأن محمداً سيدهم وأفضلهم، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين. وأن الذين كذبوا لذائقو العذاب الأليم، وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك المفلحون الفائزون. ويجب أن نعتقد أن الله تعالي لم يخلق خلقا أفضل من محمد والأئمة، وأنهم أحب الخلق إلي الله، وأكرمهم عليه، وأولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي. وأن الله تعالي بعث نبيه محمداً?

إلي الأنبياء في الذر. وأن الله تعالي أعطي ما أعطي كل نبي علي قدر معرفته نبينا، وسبقه إلي الإقرار به. وأن الله تعالي خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته عليهم السلام وأنه لولاهم لما خلق الله السماء والأرض، ولا الجنة ولا النار، ولا آدم ولا حواء، ولا الملائكة ولا شيئا مما خلق، صلوات الله عليهم أجمعين. واعتقادنا أن حجج الله تعالي علي خلقه بعد نبيه محمد? الأئمة الاثنا عشر: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن الحجة القائم صاحب الزمان خليفة الله في أرضه (صلوات الله عليهم أجمعين). واعتقادنا فيهم: أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالي بطاعتهم. وأنهم الشهداء علي الناس. وأنهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلاء عليه. وأنهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه وأركان توحيده. وأنهم معصومون من الخطأ والزلل. وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وأن لهم المعجزات والدلائل. وأنهم أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء. وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة. وأنهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. ونعتقد فيهم أن حبهم إيمان، وبغضهم كفر. وأن أمرهم أمر الله تعالي، ونهيهم نهي الله تعالي، وطاعتهم طاعة الله تعالي، ووليهم ولي الله تعالي، وعدوهم عدو الله تعالي، ومعصيتهم معصية الله تعالي. ونعتقد أن الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه، إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور. ونعتقد أن

حجة الله في أرضه، وخليفته علي عباده في زماننا هذا، هو القائم المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وأنه هو الذي أخبر به النبي? عن الله عز وجل باسمه ونسبه. وأنه هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما. وأنه هو الذي يظهر الله به دينه، ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون. وأنه هو الذي يفتح الله علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، حتي لايبقي في الأرض مكان إلا نودي فيه بالأذان، ويكون الدين كله لله تعالي. وأنه هو المهدي الذي أخبر به النبي? وأنه إذا خرج نزل عيسي بن مريم عليه السلام فصلي خلفه، ويكون المصلي إذا صلي خلفه كمن كان مصليا خلف رسول الله? لأنه خليفته. ونعتقد أنه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره؛ لأن النبي? والأئمة عليهم السلام دلوا عليه باسمه نسبه، وبه نصوا، وبه بشروا صلوات الله عليه. انظر الاعتقادات، للشيخ المفيد: ص95 باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. وكتاب الهداية، للشيخ الصدوق?: ص21 باب النبوة.

() الاختصاص: ص264.

() بحار الأنوار: ج11 ص59 ب1 ح67.

() سورة البقرة: 253.

() الكافي: ج1 ص175 باب طبقات الأنبياء والرسل عليهم السلام ح3.

() علل الشرائع: ج1 ص122 ب101 ح2.

() سورة الأعلي: 19.

() تفسير مجمع البيان: ج10 ص332 سورة الأعلي.

() العهد القديم: هو التسمية العلمية لأسفار اليهود، وليست التوراة إلا جزءَ من العهد القديم؛ وقد تطلق (التوراة) علي الجميع من باب إطلاق الجزء علي الكل، أو لأهمية التوراة ونسبتها إلي

موسي عليه السلام، لأنه أبرز زعماء بني إسرائيل، وعنده يبدأ تاريخهم الحقيقي، وكلمة توراة معناها الشريعة أو التعاليم الدينية. والعهد القديم مقدس لدي اليهود ولدي المسيحيين، ولكن أسفاره غير متفق عليها، فبعض أحبار اليهود يضيفون أسفارا لا يقبلها أحبار آخرون، فالمسيحيون عندهم النسخة الكاثوليكية التي تزيد سبعة أسفار عن النسخة البروتستانتية. وتقسم أسفار العهد القديم التي يعترف بها البروتستانت ثلاثة أقسام هي: القسم الأول (التوراة) ويشمل أسفاراً خمسة هي: التكوين الخروج اللاويون (الأحبار) العدد التثنية، وتلك هي التي يطلق عليها أسفار موسي، أو يطلق عليها (التوراة).

السفر الأول: هو سفر الخلق (Genesis) أو التكوين كما يسمي في اللغة العربية، وسمي بهذا الاسم لاشتماله علي قصة خلق العالم، وخلق الإنسان الأول: ويشمل السفر بالإضافة إلي هذا قصة الخطيئة التي ارتكبها أبو البشر، ونزوله إلي الأرض عقابا له، ثم حياة أولاده وما جري بينهم، فقصة الطوفان ونشأة الشعوب بعده، فقصة إبراهيم وتجواله ونسله إلي إسحاق ويعقوب وأولاد يعقوب وبخاصة يوسف، وما جري له إلي أن أصبح ذا شأن كبير بمصر واستدعي إليه أباه وإخوته، وبموت يوسف ينتهي هذا السفر.

والسفر الثاني: هو سفر الخروج ويسمي باليونانية واللاتينية (Exodus) أي خروج؛ وسمي بذلك لتناوله خروج بني إسرائيل من مصر ويحوي هذا السفر قصة بني إسرائيل بعد يوسف، وما عانوه من الفراعنة، وظهور موسي وخروجه بهم من مصر، ويستمر هذا السفر في قصة تاريخ بني إسرائيل حتي يصل بهم إلي شرق الأردن، وفي هذا السفر الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسي، وبه كذلك كثير من المسائل التشريعية والتعاليم الدينية الخاصة بيهوه إله بني إسرائيل، ومنها وصف خيمة الاجتماع وتابوت العهد، وما حدث من بني إسرائيل في غيبة موسي.

والسفر الثالث: اللاويون أو

الأحبار، ويسمي في اللاتينية (Leviticus) ولاويون نسبة إلي أسرة لاوي أو ليفي، ويحتوي هذا السفر علي التشريعات والوصايا والأحكام، مثل: كفارات الذنوب، والأطعمة المحرمة، والأنكحة المحرمة، ومثل الطقوس والأعياد والنذور والطهارة، كما يحتوي كثيرا من الأمور المتصلة بالعادات والأوامر الدينية التي يستحق من اتبعها الثواب ومن خالفها العقاب.

والسفر الرابع: سفر العدد (Numeri) وسمي بذلك لأنه حافل بالعد والتقسيم لأسباط بني إسرائيل، وبه ترتيب لمنازلهم حسب أسباطهم وإحصاء للذكور منهم، وبجوار هذا العد، يحتوي هذا السفر علي سيرة بني إسرائيل في برية سيناء وما بعدها، فهو بذلك استمرار لما ورد في سفر الخروج، وفيه التنظيمات والتعاليم الطقسية والكهنوتية والاجتماعية والمدنية، وبه كذلك حديث عن حروب بني إسرائيل ضد المدنيين.

والسفر الخامس: سفر التثنية أو تثنية الشريعة، ومعناه الإعادة والتكرار لتثبيت التشريعات والتعاليم، ويسمي في اللاتينية (Deuteronomium) أي الإعادة، وفي هذا السفر عرضت الوصايا العشر عرضا جديداً، كما أعيد الكلام عن الأطعمة الحلال والحرام، وعن نظام القضاء والملك عند بني إسرائيل، وتحدث هذا السفر عن الكهنة والنبوة، كما تحدث عن انتخاب يشوع بن نون خلفا لموسي، وينتهي السفر بخبر وفاة موسي ودفنه في جبال مؤاب.

انظر مقارنة الأديان، اليهودية: ج1 ص230 ب4 مصادر الفكر اليهودي.

ويذكر أن النسخ المشهورة من التوراة هي:

1 النسخة العبرانية: وهي المعتبرة عند اليهود وجمهور علماء البروتستانت.

2 النسخة اليونانية: وهي التي كانت عند المسيحيين حتي القرن الخامس عشر الميلادي وهي معتبرة عند الكنيسة اليونانية وعند كنائس المشرق.

3 النسخة السامرية: وهي المعتبرة عند السامريين وهي النسخة العبرية، ولكنها تحتوي علي سبعة أسفار هي أسفار موسي الخمسة وسفر يوشع بن نون وسفر القضاة؛ لأن السامريين لا يعترفون بالأسفار الأخري.

ويقول علماء البروتستانت: إن اليهود حرفوا النسخة العبرانية وتوجد شواهد

كثيرة علي الاختلافات البينة بين النسخ الثلاث.

يقول داكتركني … كانت نسخ العهد القديم التي هي موجودة قد كتبت ما بين عام (1000 1400م) واستدل علي هذا قائلا: إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشوري اليهودي لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم.

وقال والتن: إن النسخ التي مضي علي كتابتها 600 عام قلما توجد أما التي مضي علي كتابتها 700 أو 800 عام ففي غاية الندرة.

راجع المدخل إلي دراسة الأديان والمذاهب: ج1 ص156 اليهودية..

() كلمة إنجيل (Cospels) كلمة يونانية معناها (الحلوان) وهو ما تعطيه من أتاك ببشري، ثم أريد به البشري عينها، أما السيد المسيح عليه السلام فقد استعملها بمعني (بشري الخلاص) التي حملها إلي البشر، واستعملها الرسل من بعده بالمعني نفسه، وربما استعملوها أيضا بمعني ملخص تعليم المسيح عليه السلام لأن فيه الخلاص. أو سيرة حياته وموته؛ لأن في هذه السيرة معني الخلاص أيضا. ويتكون العهد الجديد (الإنجيل) من سبعة وعشرين سفرا يمكن وضعها في ثلاثة أقسام:

1 قسم (الأسفار التاريخية) ويشمل هذا القسم الأناجيل الأربعة (إنجيل متي) و(إنجيل مرقس) و(إنجيل لوقا) و(إنجيل يوحنا) كما يشمل رسالة أعمال الرسل التي كتبها لوقا. وسميت هذه الأسفار الخمسة بالأسفار التاريخية لأنها تحوي قصصا تاريخية، فالأناجيل تحوي قصة حياة عيسي وتاريخه وعظاته ومعجزاته، ورسالة أعمال الرسل تحوي قصة حياة معلمي المسيحية وبخاصة بولس.

2 قسم (الأسفار التعليمية) وتشمل إحدي وعشرين رسالة.

3 أما القسم الثالث فهو رؤيا يوحنا اللاهوتي؛ وتسمي رؤيا لأنها أشبه بالأحلام ولكن يوحنا رآها في اليقظة. واليك كلمة موجزة عن الأناجيل المعتبرة عند المسيحيين:

1 إنجيل متي: متي أحد الحواريين، مات سنة (79م) ببلاد الحبشة، حيث كان اتخذها

موطن دعوته، ويتفق جمهور المسيحيين علي أن متي كتب إنجيله بالآرامية، ولكن النسخة الآرامية لا وجود لها، وظهر كتاب باللغة اليونانية قيل: إنه ترجمة إنجيل متي، ولم يعرف المترجم ولا تاريخ الترجمة، كما لا يعرف بالضبط تاريخ التأليف، وعندما توجد هذه الشكوك حول أي كتاب تقل قيمة مثل هذا المصدر أو تنعدم.

2 إنجيل مرقس: مرقس من الحواريين، طاف في البلاد داعيا للمسيحية ثم اتخذ مصر مقرا له، وقد قتل سنة (62م) ولا يعرف بالضبط تاريخ تأليف هذا الإنجيل، كما أن حقيقة الكاتب موضع خلاف، فبعضهم يري أن مرقس هو الذي كتبه، ويري آخرون أن بطرس رئيس الحواريين وأستاذ مرقص رواه عنه (عن مرقس) وهذا أمر يدعو للعجب؛ فكيف يروي أستاذ عن تلميذه، ولكن هكذا ذكر بعض المؤرخين المسيحيين كابن البطريق، وقد جاء في كتاب (مروج الأخبار في تراجم الأبرار) أن مرقس كان ينكر ألوهية المسيح هو وأستاذه بطرس.

3 إنجيل لوقا: ليس لوقا من الحواريين ولا من تلاميذهم، وإنما هو تلميذ بولس، وقد تكرر ذكر هذا في رسائل بولس.

4 إنجيل يوحنا: كتبه يوحنا الحواري الذي كان يحبه المسيح عليه السلام ويصطفيه، ويؤكد كثير من كتاب المسيحية أن هذا الإنجيل لابد أن يكون من كتابة يوحنا آخر لا علاقة له بيوحنا الحواري، وقد ورد في دائرة المعارف البريطانية: أما إنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور أراد صاحبه به مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتي، وقد أدعي هذا الكاتب المزور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة علي علاتها وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه علي الكتاب نصا مع أن صاحبه غير يوحنا

يقينا، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف ونشفق علي الذين يبذلون منتهي جهدهم ليربطوا ولو بأوهي رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الجليل، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدي لخبطهم علي غير هدي.

وذكر باحث غربي ومن خلال دراسته للأناجيل ما يلي: إن فلسفة الإغريق، والقانون الروماني جعلا الإنجيل لا يمثل حقيقته، كما أثرا في تدوينه، والباحث المنصف في تاريخ الكنيسة لا يستطيع ولا لحظة واحدة أن ينكر أن آراء مزيفة، وأغراضا غير كريمة، ومقاصد خاطئة، كانت أسبابا رئيسية مسيطرة أحيانا، دفعت إلي هذا التبديل الذي حدث في الأناجيل.

والمرحح أن اختيار الأناجيل الأربعة وإبعاد الباقي قد تم في منتصف القرن الثاني للميلاد ولما تعذر علي الكنيسة معرفة المؤلفين الحقيقيين للأناجيل اضطرت إلي القول بما هو دارج اليوم في الكنائس.

ويرجح المؤرخون المختصون أن الأناجيل جميعاً تعتمد علي نسخة آرامية مفقودة يشيرون إليها بالحرف (ك) مختصرة من كلمة (كوبل) بمعني الأصل، ومنهم من يسميها (لوجيا) بمعني الأقوال، أما الأناجيل الموجودة الآن فقد كتبت جميعها باللغة اليونانية العامة، ولوحظ في ترجمتها علي نصوص آرامية وتتفق الآراء علي عدم احتوائها علي ما فاه به المسيح. كما تتفق الكنائس علي عدم معرفة كتّاب الأناجيل، كما تتفق الآراء أيضاً علي أن نسختين منهما كتبهما مسيحيان لم يجتمعا بالسيد المسيح ولم يسمعا منه. والترتيب المفضل عند المؤرخين هو أن إنجيل (مرقس) هو أقدم الأناجيل، ثم يليه إنجيل متي، فإنجيل لوقا، وهي الأناجيل الثلاثة التي اشتهرت باسم (الأناجيل المقابلة) لتقابل ما فيها من الأخبار والوصايا علي اختلاف الترتيب، ثم يأتي (إنجيل يوحنا) رابعاً.

إنجيل برنابا:

يمكن أن يعتبر هذا الإنجيل حلقة الوصل بين المسيحية والإسلام، أو أنه الحلقة المفقودة بين هاتين الديانتين، ولا تعترف الكنيسة به ولا تقيم له وزناً. وقد ترجم إلي العربية في مطلع القرن العشرين. و(برنابا) هو أحد الحواريين الاثني عشر وهو من الصف الأول من بين أتباع المسيح، وقد ورد اسمه عدة مرات في رسائل أعمال الرسل وهو من الرسل السبعين. وقد اختفي هذا الإنجيل وضاعت نسخته ومن المرجح أنه هو الإنجيل المقصود بتحريم البابا (جلاسيوس الأول) له وهو من ضمن الكتب المنهي عن مطالعتها.

أما أوجه الخلاف بين هذا الإنجيل والأناجيل الأربعة المعروفة فهي:

1 أن يسوع أنكر ألوهيته وأنه ابن الله وذلك علي مرأي ومسمع جمهور عظيم.

2 أن الابن الذي عزم إبراهيم علي تقديمه ذبيحة لله تعالي هو (إسماعيل وليس (إسحاق).

3 أن المسيح المنتظر ليس هو يسوع بل محمد.

4 وأن المسيح لم يصلب وأن الذي صلب إنما هو يهوذا الخائن الذي شبه به.

راجع مقارنة الأديان، المسيحية: ج2 ص174 المصادر الحقيقية للمعتقدات المسيحية.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص53 باب الخراج والجزية ح1678.

() وسائل الشيعة: ج15 ص127 ب49 ح20135.

() اختلف في اسم نبي المجوس واسم كتابهم، للمزيد راجع: جواهر الكلام: ج21 ص227 الركن الثالث في أحكام أهل الذمة. ومدينة المعاجز: ج7 ص191 ح160، وغيرها.

() سورة النحل: 89.

() سورة النحل: 89.

() سورة الأعراف: 145.

() سورة النمل: 40.

() سورة فاطر: 32.

() تفسير فرات الكوفي: ص145 سورة الأعراف.

() سورة آل عمران: 85.

() سورة المائدة: 13.

() انظر تقريب القرآن إلي الأذهان: ج6 ص63 سورة المائدة، وللتفصيل في إثبات تحريف التوراة والإنجيل راجع كتاب (الهدي إلي دين المصطفي) و(الرحلة المدرسية) و(التوحيد والتثليث) للشيخ محمد جواد البلاغي.

() سورة البقرة: 106.

() تقريب القرآن إلي

الأذهان: ج1 ص108 سورة البقرة.

() سورة الحجر: 9.

() سورة النجم: 3 4.

() تقريب القرآن إلي الأذهان: ج14 ص19 سورة الحجر.

() الطرائف: ج1 ص115 حديث الثقلين ح175.

() كشف الغمة: ج2 ص197 ذكر الإمام السادس جعفر الصادق بن محمد عليه السلام.

() سورة البقرة: 1، 2.

() سورة الإسراء: 88 89.

() سورة فصلت: 42.

() سورة البقرة: 2.

() سورة الأعراف: 1.

() سورة يونس: 1.

() سورة الرعد: 1.

() بحار الأنوار: ج89 ص377 ب127 ح10.

() سورة يونس: 37 39.

() بدأت التجارب الأولية علي القنبلة الذرية عام (1945م) في صحراء نيومكسيكو الأميركية وتعتمد فكرة القنبلة الذرية علي انشطار مادة (اليورانيوم 235) أو (البلوتونيوم 239) دون الاستعانة بالنيوترونات لبدء التفاعل المتسلسل، فإذا أخذ أربعة إلي ثمانية كيلوجرامات من هذه العناصر، ثم تعرضت فجأة لضغط كبير في فترة زمنية قصيرة تبلغ جزءً من المليون من الثانية، فإن كتلتها تنكمش إلي حجم أصغر، ويحدث الانشطار بطريقة تلقائية وتنطلق كمية من الطاقة تكافئ ما ينتج من انفجار عشرين إلي مائتي ألف طن من مادة (TNT) شديدة الانفجار، وقد كانت القنبلة النووية الأولي التي ألقيت علي مدينة هيروشيما اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية تحتوي علي قدرة تدميرية تعادل عشرون ألف طن من مادة ال (TNT) وتستخدم هذه القنابل كأسلحة استراتيجية للهجوم علي أهداف كبيرة مثل المدن.

أما القنبلة الهيدروجينية: فإن انفجارها يزيد علي انفجار القنبلة الذرية الانشطارية من مائة إلي ألف مرة، وتدعي القنبلة الهيدروجينية بالقنبلة الحرارية، لأن عملية اندماج النوي عبارة عن تفاعلات نووية حرارية لا تبدأ إلا إذا ارتفعت درجة الحرارة إلي درجة عالية جدا، والذي جعل هذا التفاعل يستمر حتي تنتهي المكونات هو أن هذه التفاعلات نفسها تفاعلات طاردة للحرارة.

أما النوع الأخير (القنبلة النيوترونية): وهي عبارة

عن قنبلة هيدروجينية مصغرة، إلا أن تركيبها وتأثيرها يختلف عن القنبلة الهيدروجينية حيث إن معظم مفعول القنبلة النيوترونية يكون علي شكل أشعة نيوترونية تخترق الأجسام الحية وتؤدي إلي قتلها في الحال بينما لا تؤثر علي المنشآت بشكل يذكر، وذلك علي العكس من الأنواع الأخري. وهناك القنبلة الكيماوية: وهي عبارة عن استخدام المواد الكيماوية السامة في الحروب لغرض قتل أو تعطيل الإنسان والحيوان وإلحاق الضرر أيضا بالنباتات، ويتم ذلك عن طريق دخول هذه المواد الجسم سواء باستنشاقها أو تناولها عن طريق الفم أو ملامستها للعيون أو الأغشية المخاطية، وهذه المواد قد تكون غازية أو سائلة سريعة التبخر، ونادرا ما تكون في الحالة الصلبة، ومن أهم هذه المواد الكيميائية التي تم استخدامها خلال الحرب العالمية الأولي غازات الخردل وسيانيد الهيدروجين، أما في الوقت الحالي فهناك أنواع عديدة بعضها خانق وأخري مسممات الدم والمسيلة للدموع وغازات التقيؤ وكيماويات الهلوسة وغازات الأعصاب.

وهناك القنبلة البيولوجية التي ترجع خطورتها إلي أنها عبارة عن استخدام الجراثيم أو سمومها في المعارك، وهي كائنات حية لا تري بالعين المجردة وإنما بالمنظار المكبر لصغر حجمها، ومن أمثلتها البكتريا والفطريات، ومما يزيد من خطورة الأسلحة البيولوجية أنه يمكن تغيير الخواص الطبيعية للجرثومة مثل تغيير المناعة وشكل الجرثومة، كما أن استخدام خليط من أنواع مختلفة من الجراثيم يزيد من خطورة هذه الأسلحة حيث يصعب تشخيص المرض ومقاومته، ويمكن نشر الأسلحة البيولوجية علي هيئة ضباب دخاني سواء بتعبئته في ذخائر علي شكل ضباب نشط أو بالرش مباشرة من خزانات الرش بواسطة الطائرات، كما يمكن نشرها عن طريق تلويث الطعام أو الشراب بالجراثيم أو عن طريق لدغات الحشرات الحاملة للجراثيم.

() سورة الإسراء: 88 89.

() سورة الإسراء: 88 89.

() تقريب

القرآن إلي الأذهان: ج15 ص86 سورة الإسراء.

() والثري: التراب الندي وهو الذي تحت الظاهر من وجه الأرض، فإن لم يكن فهو تراب. مجمع البحرين: ج1 ص73 مادة ?ثرا.

والثريا: من الكواكب سميت لغزارة نوئها، وقيل: سميت كذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، وقيل: هي النجم المعروف ثروي، وان خلال أنجمها الظاهرة كواكب خفية كثيرة العدد. انظر لسان العرب: ج14 ص112 مادة? ثرا. ومجمع البحرين: ج1 ص73 مادة ? ثرا.

() سورة البقرة: 23.

() سورة يونس: 38.

() سورة الكوثر: 1 3.

() راجع للتفصيل (الفقه، السياسة): ص276 المسألة 29 في أنواع الحكومات.

() وهي دار بناها قصي بن كلاب بن مرة في مكة إلي جانب الكعبة المشرفة، عندما جدد بناء البيت في القرن الثاني قبل الهجرة، وكانت تجتمع فيها قريش للمشاورة والحكومة والقضاء، فلا تزوج امرأة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرع جارية إلا فيها، وقد سميت (ندوة) لأنهم كانوا يندون فيها للخير والشر، وهذا اللفظ مأخوذ من لفظ (الندي والنادي والمنتدي) وهو مجلس القوم الذي يندون حوله، أي: يذهبون قريباً منه ثم يرجعون. وقيل هي دار الدعوة يدعون للطعام والتدبير وغيرهما، وهذه الدار تعتبر من المسجد الحرام، وانتقلت هذه الدار بعد وفاة قصي بن كلاب إلي ابنه الأكبر عبد الدار، ثم لم تزل في أيدي بنيه حتي صارت إلي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي فباعها من معاوية بمائة ألف درهم، فلامه معاوية علي ذلك وقال: بعت مكرمة آبائك وشرفهم، فقال: ذهبت المكارم إلا التقوي، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر وقد بعتها بمائة ألف درهم وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله تعالي فأينا المغبون؟ وفي هذه الدار أقر مشركو

مكة مقاطعة بني هاشم، وفيها أيضاً تآمر المشركون علي قتل رسول الله ?. انظر معجم البلدان: ج2 ص423 باب الدال والألف وما يليهما، و: ج5 ص179 ص186..

() هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش ومن زنادقتها، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته، وقد ذكر أنه هو الذي جمع قريش وقال: إن الناس يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد، فتختلف أقوالكم فيه، فيقول هذا: كاهن، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، وليس واحد مما يقولون، ولكن أصلح ما قيل فيه (ساحر) لأنه يفرق بين المرء وأخيه والزوج وزوجته. هلك الوليد بن المغيرة بعد الهجرة بثلاثة أشهر، ودفن بالحجون وكان الوليد بن المغيرة شيخاً كبيراً مجرباً من دهاة العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما أختاره من الشعر كان مختاراً، وهو أحد المستهزئين الخمس الذين كفي الله شرهم. انظر الأعلام: ج8 ص122 الزركلي، والكني والألقاب: ج1 ص40.

() سورة المدثر: 11-26.

() انظر مجمع البيان في تفسير القرآن: ج10 ص178 سورة المدثر، وشجرة طوبي: ج2 ص230 المجلس6.

() انظر تفسير القمي: ج2 ص186 ب1 ح16، وقد ورد في كتاب الاحتجاج سبب آخر لهلاك المغيرة، حيث روي أن يهوديا قال لأمير المؤمنين عليه السلام في حديث : فإن هذا موسي بن عمران قد أرسله الله إلي فرعون وأراه الآية الكبري؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?لقد كان كذلك، ومحمد أرسل إلي فراعنة شتي مثل: أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة، وشيبة وأبي البختري والنضر بن الحرث وأبي بن خلف ومنبه ونبيه ابني الحجاج وإلي الخمسة المستهزئين الوليد بن المغيرة المخزومي والعاص بن وائل

السهمي والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق.

قال له اليهودي: لقد انتقم الله عز و جل لموسي من فرعون؟

قال له علي عليه السلام: ?لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد ? من الفراعنة؛ فأما المستهزؤون فقال الله: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ سورة الحجر: 95. فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد: فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله حتي أدماه فمات، وهو يقول: قتلني رب محمد، وأما العاص بن وائل السهمي، فإنه خرج في حاجة له إلي موضع فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول: قتلني رب محمد، وأما الأسود بن عبد يغوث، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني، فقال: ما أري أحدا يصنع شيئا إلا نفسك، فقتله، وهو يقول: قتلني رب محمد، وأما الأسود بن الحرث فإن النبي ? دعا عليه أن يعمي الله بصره وأن يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتي صار إلي موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه، فعمي، فبقي حتي أثكله الله ولده، وأما الحرث بن أبي الطلالة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا، فرجع إلي أهله فقال: أنا الحرث فغضبوا عليه فقتلوه، وهو يقول: قتلني رب محمد، و روي: أن الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتي انشق بطنه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد، كل

ذلك في ساعة واحدة؛ وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله? فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلي الظهر، فإن رجعت عن قولك و إلا قتلناك، فدخل النبي? منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته، فقال: يا محمد، السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ سورة الحجر: 94، يعني أظهر أمرك لأهل مكة وادعهم إلي الإيمان، قال: يا جبرئيل، كيف أصنع بالمستهزئين، وما أوعدوني؟ قال له: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ سورة الحجر: 95 قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي؟ قال: كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك، وأما بقية الفراعنة قتلوا يوم بدر بالسيف، فهزم الله الجميع وولوا الدبر انظر الاحتجاج: ج1 ص216 احتجاجه علي اليهود.

() أي: روسيا الفعلية فإنها كانت في زمان تأليف الكتاب تحت سيطرة الملحدين وكانت تدعي بالاتحاد السوفيتي، ومنها تسربت الأفكار الإلحادية إلي البلاد الإسلامية ومنها العراق، حيث تغلغلت تحت ستار الشيوعية بين أوساط البسطاء من الجماهير في العراق عبر عملاء الاستعمار، الذين طبّلوا وزمروا كثيراً لتلك الأفكار المزيفة والشعارات الفارغة، فأخذ البعض من السذج والبسطاء من الناس صحة مبادئهم، وعلي إثر ذلك شعر الإمام الراحل (أعلي الله مقامه) الذي كان عمره الشريف لم يتجاوز الثلاثين والكثير من العلماء بمسؤوليتهم تجاه تلك الأفكار الفاسدة والآراء المنحرفة، فتصدوا لها عبر وسائل عديدة، موضحين أن الإسلام وحده هو القادر علي تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد ذكر الإمام الراحل بعض تلك الأساليب التي اتبعها في مواجهة الشيوعية، وذلك في كتابه (تلك الأيام)، فوصف بعض ما مر علي المجتمع نتيجة ظهور تلك الأفكار فقال:

عندما قام قاسم بالانقلاب العسكري وأسقط الملكية سمح للحزب الشيوعي بالعمل والتحرك بحرية، فانتشر

الشيوعيون في كل مكان وملؤوا البلاد ضجيجاً وصراخاً، وأخرجوا النساء من بيوتهن وطالبوهن بالتظاهر أمام الرجال، وكانوا لا يتورعون عن ارتكاب أي جريمة من أجل نشر أفكارهم الإلحادية، وكان من أساليبهم أنّهم يضعون سيارتين في جهتين متخالفتين، ويربطون قدمي المعارض لهم أو الذي يشكّون أنه معارض إلي السيارتين، إحدي القدمين إلي هذه السيارة والأخري إلي السيارة الثانية، ثم تتحرك السيارتان في الاتجاهين المختلفين، فينشق الضحية وهو حيّ إلي نصفين. وكان يحدث ذلك في بلد المقدسات، بلد الإمام الحسين ? في كربلاء المقدسة. وعندما حدثت تلك الفجائع في مدينة كربلاء المقدسة علي يد الشيوعيين، قررنا تشكيل وفد لزيارة العلماء في مدينة النجف الأشرف، لأجل التنسيق مع علمائها الأعلام للوقوف حيال الهجمة الشيوعية الشرسة التي تجتاح البلاد، وكان يرافقني السيد محمد صادق القزويني والشيخ جعفر الرشتي والسيد مرتضي القزويني وعلماء آخرون في حدود العشرين شخصاً. وأول من التقينا به الشيخ محمد رضا المظفر? وكان إنساناً معطاءً، طيّب النفس، جليل القدر، يحب خدمة الآخرين، وهو الذي أسس «كلية الفقه»، وكان من رأي الشيخ المظفر أن ندعو الآخرين إلي مجلس موسَّع، فأبدينا موافقتنا لاقتراحه.

وأسرع العلامة المظفر في تهيئة مكان الاجتماع الذي حضره علماء النجف من المرتبة الثانية والثالثة وكانوا قرابة الأربعين عالماً وفقيهاً بما فيهم من السادة آل بحر العلوم والسادة آل الصدر وآل راضي ومن أشبههم.

وجري حوار طويل في ذلك الاجتماع حول ضرورة التصدي للهجمة الشيوعية، وإن السكوت عنهم سيترك آثاراً وخيمةً؛ لأن الشيوعيين قائلون باللاءات الخمسة لا للدين، لا للفضيلة، لا للملكية الفردية، لا للعائلة، لا للحرية وإذا لم نقف قبالهم فإنهم سيفعلون ما فعلوا في موسكو؛ لأن شيوعية العراق فرع للشيوعية الأمميّة التي تنتمي إلي موسكو.

والشيوعيون

في العراق لم يكن بيدهم زمام الأمور، وإنما كانوا ألعوبة تحرّكهم أصابع السفارة البريطانية في بغداد، وهذا ما أكده السفير البريطاني بعد فترة من انتهاء عهد عبد الكريم قاسم، حيث كتب السفير في صحيفة الحياة اللبنانية مقالاً جاء فيه:

إننا سمحنا لخروج الشيوعيين إلي الساحة، أما الحكم في الأصل كان بأيدينا. وهو العمل نفسه الذي يقوم به الإنجليز في بعض البلدان الإسلامية الأخري، فالذي حدث في أفغانستان كان علي غرار ما حدث في العراق.

وكان المطلوب من الشيوعيين أن يجنِّدوا جميع طاقاتهم للعبث بمقدرات العراق، وكانت العشائر العراقية وقتها ذات قوة لا يستهان بها، والحوزة العلمية وعلماؤها ومفكّروها أقوياء ولهم نفوذ علي العشائر، والمثقفون الإسلاميون أقوياء كذلك، وأثمرت تلك الاجتماعات التي عقدت في النجف الأشرف، فتمخضّت في النهاية عن تشكيل (جماعة العلماء) وكانوا جميعاً من علماء المرتبة الثانية والثالثة، وسارع علماء الدرجة الأولي إلي تأييدهم، أمثال: والدي? والسيد الحكيم? وبقية المراجع العظام. بدأت هذه الجماعة في نشاطها المعادي للشيوعية بإصدار المنشورات اليومية ونشرت عدة بيانات في عدة صحف.

وفي المقابل أبدت الحكومة ردود فعل سريعة، فأسس عبد الكريم قاسم (جماعة العلماء الأحرار) برئاسة الشيخ عبد الكريم الماشطة وكان ذا علاقة وطيدة مع الشيوعيين، وقد جمع حوله لفيفاً من أصحاب المظاهر لا المبادئ الذين ينقصهم العلم والتقوي. وقد اختفت هذه الجماعة من الوجود وهرب بعض أفرادها وانزوي الباقي، بعد مقتل عبد الكريم قاسم.

واستمرت اتصالاتنا بالمراجع العظام، وكنّا نزورهم ونزوّدهم بأخبارنا ونشاطاتنا، ونستمدّ منهم العون، لوقف المدّ الشيوعي.

وفي إحدي السفرات كانت لنا زيارة إلي المراجع كالسيد محسن الحكيم والسيد الحمامي والميرزا عبد الهادي الشيرازي (قدّست أسرارهم) وآخرين، وكان هؤلاء المراجع العظام متفاوتين في التحمّس ضدّ الشيوعيين، بين مهتم بحماسة وغير

مهتم، وكان البعض يقول: إن الشيوعيين هم صنيعة الغرب وإنهم سيضمحلون بسرعة. وكان رأينا أنّ علينا أن نقوم بواجبنا الشرعي، ومسؤوليتنا الدينية في التصدّي للمنكر مهما كانت أسبابه ودوافعه. انظر كتاب (تلك الأيام) للإمام الراحل: ص126. وأيضاً راجع في هذا الباب: كتاب (الفقه، السياسة): ج106، وكتاب (مباحثات مع الشيوعيين)، و(القوميات في خمسين سنة)، و(ماركس ينهزم)، وغيرها.

() وللإمام الراحل ? مؤلفات قيمة في هذا المجال، منها: (كيف عرفت الله) مطبوع عدة مرات، و: (هل تحب معرفة الله؟) مطبوع عدة مرات، وكثير غيرها من مؤلفاته في العقائد.

() سورة يوسف: 80.

() انظر تفسير مجمع البيان: ج5 ص440 سورة يوسف.

() سورة هود: 44.

() سورة القصص: 7.

() سورة الإسراء: 88.

() انظر الاحتجاج: ج2 ص377 احتجاج أبي عبد الله الصادق عليه السلام. الصراط المستقيم: ج1 ص42 ب3 ف2، بتصرف.

() وسائل الشيعة: ج6 ص169 ب1 ح7649.

() نهج البلاغة، الكتب: 47 من وصية له عليه السلام للحسن والحسين عليهم السلام لما ضربه اللعين ابن ملجم.

() كانت هذه العادة جارية في العراق والكويت وأغلب البلاد الاسلامية، وكان الحافظ للقرآن يلبس أجمل ملابسه ومعه جوقة من الشباب يزفونه من تلك المدرسة التي تعلم بها، وينثرون عليه ماء الورد، ويحملون الشموع والبخور (المجمرة) وكانوا يخلطون ماء الورد بالعنبر ويمرون بالشوارع، وأحد الأشخاص يقرأ القرآن بصوت رفيع.

وقد ذكر السيد سلمان طعمة مراسيم ختم القرآن الكريم في أحد مؤلفاته، فقال: كانت مهمة القرآن الكريم تقع علي عاتق (الكتاتيب) وهي بمثابة مدرسة أو معهد إسلامي، تقوم بدور فعال في نشر حركة الثقافة القرآنية، حيث تضم هذه (الكتاتيب) مجموعة من الأطفال والصبية تقع أعمارهم بين سن (5 15سنة) وعندما يجتاز التلميذ مرحلة تعلم القرآن الكريم وحفظه تقام له مراسيم خاصة

تعرف ب (زفة ختم القرآن) وهي من التقاليد الشعبية الموروثة والمعروفة القريبة العهد، ففي مدينة كربلاء المقدسة كان الاحتفال بحفاظ القرآن يقام بشكل جماعي، حيث يجتمع التلاميذ في مكان معين بشكل منظم فيتقدم الكبار منهم وهم يحملون الأضواء والسرج القديمة، بينما يحمل بعض الأطفال منهم الأبخرة والشموع والحرمل في أطباق خاصة، أما التلميذ الخاتم للقرآن الكريم فإنه يلبس علي رأسه عقال مقصّب ورداء أبيض ويرتدي عباءة ذات صنعة خاصة، ثم تبدأ المسيرة من باب دار خاتم القرآن والجميع ينشدون الأناشيد والأهازيج، أما المعلم (الشيخ) فيتقدمهم جميعاً ومعه الحمال الذي يرفع ما يسمي بال (الحجلة) وهي طبق يوضع فيه الورد ونبات الياس والشمع، ويكون صغير الحجم تلمع فيه الأضواء، وكل ثلاثة تلاميذ يسيرون بشكل منتظم وعلي رؤوسهم قبعة خاصة تعرف بال (العرقجين) ويشدون الحيص المفضضة علي بطونهم، والجميع يقصدون الحرم الحسيني الشريف، ومن هذه الأناشيد التي تنشد:

حب علي بن أبي طالب أحلي من الشهد إلي الشارب

لو فتشوا قلبي رأوا أوسطه سطرين قد خطا بلا كاتب

العدل والتوحيد في جانب وحب أهل البيت في جانب

وعندما يصلون إلي صحن الروضة الحسينية المقدسة يقفون صفاً واحداً أمام أحد الكتاب وهو ينشدون:

سلام سلام سلام سلام سلام عليكم فردوا السلام

ثم يرد المعلم (الشيخ) وبعض التلاميذ المستقبلين بالقول:

هنيئاً مريئاً لكم جمعكم وبورك يوم وأسعد عام

علي أن كلمات الترحيب هي أطول مما ذكرنا، ثم ينتقل الطلاب بعد ذلك إلي صحن الروضة العباسية المقدسة ويقفون أمام أحد الكتاتيب في الصحن الشريف ويرددون بعض الأناشيد المعروفة، ومن ثم يقصد الجميع دار الخاتم للقرآن لتناول طعام الغداء، ويجمع الأطفال هدية رمزية كأن تكون نقوداً أو غير ذلك، وتوضع في طبق وتقدم إلي عائلة التلميذ الحافظ للذكر المجيد،

وهناك يقف (الشيخ) المعلم مخاطباً صاحب الدار ببعض الأناشيد ذات الألحان الشجية ولا يكاد ينتهي حتي تقدم له الهدية وهي عبارة من مبلغ من النقود أو غير ذلك، ثم ينصرف الجميع ويكون عصر ذلك اليوم عطلة للتلميذ قاطبة، انظر (كربلاء في الذاكرة): ص148 (زفة ختم القرآن).

پي نوشتها

() الكافي: ج2 ص603 باب فضل حامل القرآن ح4.

() وسائل الشيعة: ج6 ص168 ب1 7645.

() نهج البلاغة، الخطب: 110 من خطبة له عليه السلام في أركان الدين.

() الكافي: ج2 ص603 باب فضل القرآن ح2.

() راجع حول ذلك كتاب: (مذكرات المس بيل) والتي كانت في العراق قبل ثورة العشرين، و(مذكرات كينياز دالكوركي) و(بروتوكولات حكماء صهيون) للوقوف علي خطر اليهود ومخططاتهم في العالم، وكتاب: (التبشير والاستعمار)، وكل هذه الكتب تحتوي علي خطط الغربيين والشرقيين واليهود والصليبيين وعملائهم في البلاد الإسلامية.

() سورة النمل: 20.

() سورة النمل: 21.

() سورة الرعد: 31.

() سورة النمل: 75.

() سورة فاطر: 32.

() الكافي: ج1 ص226 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء عليهم السلام ح7.

() نهج البلاغة، الكتب: 47 من وصية له عليه السلام للحسن والحسين عليهم السلام لما ضربه اللعين ابن ملجم.

() مستدرك الوسائل: ج4 ص379 ب45 ح4983.

() سورة الحديد: 25.

() سورة هود: 88.

() سورة الطلاق: 11.

() سورة هود: 1314.

() سورة الإسراء: 88.

() سورة الطور: 3334.

() سورة يونس: 38.

() سورة البقرة: 23.

() سورة الحجر: 9.

() سورة فصلت: 41-42.

() سورة النساء: 82.

() سورة الأعراف: 52-53.

() سورة المائدة: 15-16.

() سورة ص: 29.

() سورة محمد: 24.

() مستدرك الوسائل: ج4 ص239 ب3 ح4594.

() سورة فصلت: 41.

() تفسير نور الثقلين: ج4 ص553 ح67.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص87 ب22 ح32.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص130 ب35 ح9.

()

سورة البقرة: 23 25.

() سورة الإسراء: 88.

() بحار الأنوار: ج89 ص28 ب1 ح33.

() سورة الأنعام: 38.

() سورة النساء: 82.

() الاحتجاج: ج1 ص261 احتجاجه عليه السلام علي من قال بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوي …

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف4 ح1968.

() الكافي: ج2 ص630 باب النوادر ح12.

() الكافي: ج1 ص36 باب صفة العلماء ح3.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص111 ق1 ب4 ف4 ح1985.

() الكافي: ج2 ص607 باب من يتعلم القرآن بمشقة ح3.

() سورة البقرة: 12.

() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص60 السورة التي يذكر فيها البقرة ح31.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.