الارتباط بالله وجهاد النفس

اشارة

اسم الكتاب: الارتباط بالله وجهاد النفس

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: الارتباط بالله وجهاد النفس

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1425 ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالي: ?وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها? فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها? قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها? وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها? ().

يعيش الإنسان وفي جوانحه نفس تكتنفها وتتنازع فيها قوتان تتحكمان في توجهها: قوة تدفعها نحو الشر وأخري تجرها نحو الخير، وعند رجحان قوة الشر تجبل النفس علي القيام بأعمال الشر، وعلي مخالفة الأنظمة الصحيحة والضوابط الشرعية والعقلية وعلي فعل المحرمات وترك الطاعات.

وإذا تعرض الإنسان عارفاً أو جاهلاً إلي تأثيرات خارجية كما لو انتشرت في المجتمع أفكار أو تيارات أو أهواء ضالة تجنح بالنفس البشرية عن جادة الصواب والصراط المستقيم، فيؤدي الأمر بالإنسان إلي أن يعيش صراعاً عنيفاً بين قوة الخير والفضيلة وقوة الشر والرذيلة تنتصر قوة الخير تارة وتنخذل أخري، حتي إذا وقعت في المستنقع الشيطاني واصطادتها شباك إبليس تحولت إلي أداة فاعلة من أدوات إبليس وجندي من جنوده لعنه الله عابثة في المجتمع ناشرة الفساد والإفساد وظلم العباد.

تبدأ هذه النفس الشيطانية عادة بزرع بذور التشكيك في كل شيء، تشكك بعدل الله عزوجل، وبرسله وكتبه، وبالقيم والتعاليم السوية، وبكل ما هو يؤدي إلي السعادة الحقيقية والأبدية في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذي وعدهم صادق الوعد الرحمن الرحيم.

ثم إن الشرير لما يقوم بأعمال الشر ينبري متهماً المجتمع بالانحلال والانحراف حتي يصل به الأمر إلي أن يتوجه بالاتهام إلي المولي عزوجل، بأنه هو الذي لم يهده إلي الطريق الصحيح، حاشا لله وتعالي عن ذلك علواً كبيراً؛ فالله عزوجل رؤوف بالعباد وهو الحكيم الخبير، خلق الإنسان ومنحه

العقل وأعطاه المواهب والقوة والإرادة، كما أعطاه العين الباصرة ومنحه القلب والبصيرة، هذا القلب الذي هو منبع العواطف ومصدر الاستلهام ومستودع الخير، فإن شاء الإنسان سخره في طريق الهدي وإن شاء سخره للضلال، حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام: ?مَا مِنْ قَلْبٍ إِلا وَلَهُ أُذُنَانِ: عَلَي إِحْدَاهُمَا مَلَكٌ مُرْشِدٌ، وعَلَي الأُخْرَي شَيْطَانٌ مُفْتِنٌ، هَذَا يَأْمُرُهُ وهَذَا يَزْجُرُهُ، الشَّيْطَانُ يَأْمُرُهُ بِالْمَعَاصِي، وَالْمَلَكُ يَزْجُرُهُ عَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: ?عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ? ?().

فالقلب أعظم مفتاح يفتح به أبواب النفس، وهو جوهرة ثمينة، فإذا وقعت في يد فحامٍ تكون في ظلمة العدم، وإذا وقعت في يد صائغ عظيم تكون في نور الوجود.

وقد أشار المولي القدير في كتابه المجيد إلي حالات متعددة للنفس الإنسانية:

فتارة يصفها ب (الأمّارة) () وهي التي تمشي علي وجهها تابعة للأهواء، وتارة أخري ينعتها ب?اللوامة?() وهي النفس المؤمنة التي تلوم صاحبها في الدنيا علي المعصية، وتلومه علي التثاقل في الطاعة. وهناك ?النفس المطمئنة?() وهي التي تسكن إلي ربها، وترضي بما رضي، فتري حامل هذه النفس عبداً لا يملك لنفسه شيئاً من خير أو شر إلا بما أمر الباري جل جلاله، وهو مستقر في العبودية لا ينحرف عن الصراط السوي.

لذا يلزم علي الإنسان المؤمن السوي العاقل أن يسعي دائماً إلي صقل النفس وتصفيتها وتطهيرها وتجنيبها دنس الآثام والأحقاد. وهذا لا يتم إلا بالسعي والمجاهدة والمحاسبة اليومية، حيث ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام: ?ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه?(). ويقوي علي مجاهدة نفسه بالإنابة إلي الله عزوجل والتمسك بالكتاب الكريم

والعترة الهادية عليهم السلام.

ولابد لكل نفس أن تدخل طور اليقظة يقظة الضمير الذي يصقل النفس بقوتين: قوة الرهبة التي تجعل الإنسان يخاف من العقاب، وقوة الرغبة التي تجعل الإنسان يحلم بالثواب، وإذا امتلأت هذه النفس من هذا الشعور الواعي انتقلت إلي طور الإنابة والعزم الصادق علي طاعة الله وترك المعصية، وأخيراً تدخل في طور التصفية من رواسب الذنوب الذي لا يتم إلا بالأعمال الصالحة الباعثة علي توفير رصيد الحسنات وتلاشي السيئات.

والإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه يشير في هذا الكتاب إلي الطريق الواضح المستلهم من الآيات الكريمة والروايات الشريفة، الذي يجعل الإنسان يرقي بروحه ويعرج بعقله حتي لا يكون عبداً لشهواته وميوله النفسية.

الناشر

جهاد النفس: الجهاد الأكبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

بين متاع الدنيا والآخرة

بين متاع الدنيا والآخرة

قال الله تعالي في القرآن الحكيم: ?زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ? ().

(زُيّن) فعل ماضٍ مبني للمجهول، وقد ذكر المفسرون في فاعله وهو المزين() عدة وجوه:

فمنهم من قال: إنه الله، وقال آخرون: بل هو الشيطان، وذلك بالاعتبارين كما لا يخفي.

وبناءً علي التفسير الأول وهو الأظهر فإن الله خلق الإنسان وجعله مجبولاً من الناحية الغريزية علي حب اللذائذ والشهوات()، فإنه كما أودع فيه العقل أودع فيه الشهوة أيضاً، وألهم النفس فجورها وتقواها. والشيطان يحسّن للإنسان عبر الوسوسة الأعمال القبيحة ويقبّح له الأعمال الحسنة.

والأمور التي ذكرت في هذه الآية ليست قبيحة بذاتها، بل هي طيبة في أصل وجودها. نعم، قد تعنون بالخبيث لكن هذا عارض خارجي وليس ذاتياً له() وذلك نتيجة لانحراف الإنسان واستخدامه النعم الإلهية استخداماً باطلاً خدمة لأغراض شيطانية، وما ذكرناه كان مستفاداً من الآية المباركة: ? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ? ().

وفي آية أخري: ?قُلْ أُحِلَّ لكُمُ الطَّيِّباتُ?().

ولكن قد تصبح هذه الأشياء الطيبة ذاتاً أداة هدم للإنسان، وسبباً لتحطيم كرامته، وهدم رفعته المعنوية، إذا اتخذها الإنسان هدفاً بذاتها لا طريقاً إلي الآخرة، وذلك حين يتعلق قلبه بهذه الشهوات والملذات ويجعلها هدفاً وغاية لسعيه في هذه الدنيا، فلايبالي حينئذ بتكاليفه الشرعية ولا يلتزم بالواجبات وترك المحرمات.

تفسير آخر

ثم إن هناك تفسيراً آخر في (المزين) لحب الشهوات فالمجموع ثلاثة أقوال:

الأول: زينه الشيطان؛ لأنه لا أحد أشد ذما لها من خالقها.

الثاني: أنه زينه الله تعالي بما جعل في الطباع من المنازعة، كما قال تعالي: Pإِنَّا جَعَلْنا ما عَلَي الأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ

عَمَلاًO().

الثالث: أنه زين الله عزوجل ما يحسن منه، وزين الشيطان ما يقبح منه.

و?الشهوات?: جمع شهوة، وهي توقان النفس إلي الشيء، يقال: اشتهي يشتهي شهوة واشتهاء، وشهاه تشهية، وتشهي تشهيا.

وخلق الشهوة من فعل الله تعالي لا البشر، وهي ضرورية فينا؛ لأنه لا يمكننا دفعها عن أنفسنا.

و?القناطير?: جمع قنطار.

واختلفوا في القنطار، فقال معاذ بن جبل: هو ألف ومائتا أوقية. وقال ابن عباس: هو ألف ومائتا مثقال. وروي: أنه ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم. وقال قتادة: ثمانون ألفا من الدراهم أو مائة رطل. وقال مجاهد: سبعون ألف، وقال أبو نضر: هو ملئ مسك ثور ذهبا. وقال الربيع وابن أنس: هو المال.

ومعني المقنطرة: المضاعفة، وقيل: هي كقولك: دراهم مدرهمة، أي: مجعولة كذلك. وقال السدي: مضروبة دراهم، أو دنانير. والقنطرة: البناء المعقود للعبور، والقنطر الداهية. وأصل الباب القنطرة المعروفة. والقنطار لأنه مال عظيم كالقنطرة. والذهب والفضة معروفان، وأصل الباب التفرق.

و?الخيل?: الأفراس سميت خيلا؛ لاختيالها في مشيها. والاختيال: من التخيل؛ لأنه يتخيل به صاحبه في صورة من هو أعظم منه كبرا. والخيال كالظل؛ لأنه يتخيل به صورة الشيء، وأصل الباب التخيل: التشبه بالشيء.

وقوله: P الْمُسَوَّمَةِ O ذكر في معناها أربعة أقوال: الراعية، وقيل: الحسنة، وقيل: المعلمة. وقيل: المعدة للجهاد.

و?الحرث?: الزرع.

Pذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْياO المتاع: ما يستنفع به مدة ثم يفني.

P وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِO المآب: المرجع من آب يؤوب أوباً وإياباً وأوبة ومآباً إذا رجع، وتأوب تأوباً: إذا ترجع، وأوبه تأويباً: إذا رجعه. وأصل الباب الأوب: الرجوع().

أو معني قوله: Pزُيِّن لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتO: أن حب الإنسان للمشتهيات والملذات سبب لهم أن تتزين الدنيا في نفوسهم، فيطلبون اللذائذ ولو في المحرمات، ولم يذكر الفاعل؛ لأنه ليس بمقصود، وقد تقرر في

علم البلاغة أن مقتضاه: أن لايذكر الفاعل أو المفعول حيث لم يكن مقصودا.

Pمِن النِّساءِO بيان (الشهوات). PوَالْبَنِينَO فإن حب الأولاد يسبب إطاعتهم والتحفظ عليهم ولو بذهاب الدين.

Pوَالْقَناطِير الْمُقَنْطَرَةِO القناطير جمع (قنطار) وهو ملئ مسك ثور ذهبا؛ وإنما سمي قنطارا لأنه يكفي للحياة، فكأنه قنطرة يعبر بها مدة الحياة، والمقنطرة بمعني المجتمعة المكدسة، كقولهم: دراهم مدرهمة ودنانير مدنرة.

Pمِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِO فإن الإنسان بحبه للأموال يعصي الله في جمعه وفي عدم إعطاء حقوقه.

PوَالْخَيْلِO عطف علي النساء، والخيل: الأفراس.

PالْمُسَوَّمَةِO المعلّمة، من سوم الخيل أي علّمها، ولا تعلم إلا الجيد الحسن منها.

PوَالأَنْعامِO جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم.

PوَالْحَرْثO أي: الزرع، فهذه كلها محببة للناس، لكن PذلِكَO كله Pمَتاع الْحَياةِ الدُّنْياO أي: ما يستمتع به في الدنيا ولا تنفع الآخرة إلا إذا بذلت في سبيل الله كل حسب بذله Pوَالله عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِO المرجع، أي: أن المرجع الحسن في الآخرة منوط بالله سبحانه، فاللازم أن يتزهد الإنسان في الملذات ولايتناول المجرد منها رجاء ثواب الله ونعيمه المقيم، الذي لا زوال له ولا اضمحلال، فلا تسبب هذه المشتهيات عدول الإنسان عن الحق إلي الباطل وعن الرشاد إلي الضلال(). ثم إن بعض الناس يتصور أن سعادة الإنسان تكمن في الماديات إذا حصلت له علي وجهها التام، مثل: الصحة، والزوجة الملائمة، والمال الوفير، والجاه العريض الذي يحفظ الكرامة، وغير ذلك من الماديات كالمسكن والمركب والمأكل والمشرب. ومنشأ هذا الرأي في أذهان البعض هو رؤيته الضيقة للحياة وللمجتمع، حيث ينظر إلي السعادة من خلال نفسه وحاجته، لا من خلال الواقع الذي ينبغي أن يعيشه، وإذا كان الأمر كذلك فأين الشعور بمشاكل البشرية؟ وأين الشعور بآلام الناس؟ وقد قال رسول الله صلي الله عليه و

اله: ?من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم?()، وأين الخوف من الوقوع في الأخطاء ومن سوء العاقبة والمصير السيئ؟، وأين دور الآخرة والمعنويات في حياته؟ نعم، إن الدنيا ليست داراً للراحة والدعة، والثبات والاستقرار حتي يمتلك الإنسان فيها السعادة الكاملة، وإنما هي دار الابتلاءات والاختبارات الإلهية(). ولو أبصرنا في هذه الدنيا لوجدناها مليئة بالمنغصات والهموم، والمعاناة والمشاكل. فإذا أراد الإنسان أن يكون نافعاً مفيداً في هذه الدنيا، فعليه أن يتحمل من أجل ذلك كل الضغوط والمضايقات، وجميع المصاعب والمشكلات، فحينما يستخدم الإنسان عقله ويهتدي بنور الإيمان ويضع كل شيء في موضعه، وينّظم حياته بصورة هادفة وواعية وفق موازين الحكمة العملية، يكون العقل حينئذ هو الدليل المرشد في كل التصرفات والأعمال، ويحصل علي ثمرة الاطمئنان النفسي، والسلامة الروحية من الآثام والذنوب.

الله بشّر أهل العقل

قال هشام بن الحكم: قال لي أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام:

?يا بن هشام، إن الله تبارك وتعالي بشر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال: ?فَبَشِّرْ عِبادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ?().

يا هشام، إن الله تبارك وتعالي أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلهم علي ربوبيته بالأدلة، فقال: ?وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ?().

يا هشام، قد جعل الله ذلك دليلا علي معرفته بأن لهم مدبرا، فقال: ?وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ

فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ?().

وقال: ?هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّي مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّي وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ?().

وقال: ?إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح?() ?والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون?().

وقال: ?يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون?().

وقال: ?وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقي بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلي بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ?().

وقال: ?وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ?().

وقال: ?قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ?().

وقال: ?هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ? ().

يا هشام، ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة، فقال: ?وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُون? ().

يا هشام، ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالي: ?ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ? وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ? وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ?().

وقال: ?إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلي أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ? وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ? ().

يا هشام، إن العقل مع العلم فقال: ?وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ

وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ?().

يا هشام، ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: ?وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ?().

وقال: ?وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لايَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ?().

وقال: ?وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ?().

وقال: ?أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً? ().

وقال: ?لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُريً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّي ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ?().

وقال: ?وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ?().

يا هشام، ثم ذم الله الكثرة، فقال: ?وإن وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ?().

وقال: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ? ().

وقال: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لايَعْقِلُونَ? ().

يا هشام، ثم مدح القلة فقال: ?وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ?().

وقال: ?وَقَلِيلٌ ما هُمْ?().

وقال: ?وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ?().

وقال: ?وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ?().

وقال: ?وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ?().

وقال: ?وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ?().

وقال: وأكثرهم لا يشعرون().

يا هشام، ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، وحلاهم بأحسن الحلية، فقال: ?يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبابِ?().

وقال: ?وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبابِ? ().

وقال: ?إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ

اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبابِ?().

وقال: ?أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمي إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ?().

وقال: ?أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ ?().

وقال: ?كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبابِ?().

وقال: ?وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَي الْهُدي وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ? هُديً وَذِكْري لأُولِي الأَلْبابِ?().

وقال: ?وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ?().

يا هشام، إن الله تعالي يقول في كتابه: ?إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْري لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ?() يعني عقل.

وقال: ?وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ?() قال: الفهم والعقل.

يا هشام، إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيس لدي الحق يسير، يا بني، إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر.

يا هشام، إن لكل شيء دليلا ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطية ومطية العقل التواضع، وكفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه. يا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلي عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.

يا هشام، إن لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة: فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة: فالعقول.

يا هشام، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام، من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان علي هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي

هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.

يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، وأطعت هواك علي غلبة عقلك.

يا هشام، الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومعزه من غير عشيرة.

يا هشام، نصب الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.

يا هشام، قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوي والجهل مردود.

يا هشام، إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا؛ فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام، إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض.

يا هشام، إن العاقل نظر إلي الدنيا وإلي أهلها، فعلم أنها لاتنال إلا بالمشقة، ونظر إلي الآخرة، فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة فطلب بالمشقة أبقاهما.

يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة؛ لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام، من أراد الغني بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع إلي الله عزوجل في مسألته بأن يكمل عقله؛ فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغني، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.

يا هشام، إن الله حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: ?رَبَّنا لاتُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا

وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ?() حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلي عماها ورداها، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة، يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقاً؛ لأن الله تبارك اسمه لم يدل علي الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه.

يا هشام، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ما عبد الله بشيء أفضل من العقل، وما تم عقل امرئ حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويري الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر.

يا هشام، إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.

يا هشام، لا دين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له، وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها. يا هشام، إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق. إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لايجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه

الخصال الثلاث، أو واحدة منهن، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق.

وقال الحسن بن علي عليه السلام: إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، قيل: يا ابن رسول الله، ومن أهلها؟ قال: الذين قص الله في كتابه وذكرهم، فقال: ?إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ?() قال: هم أولو العقول.

وقال علي بن الحسين عليه السلام: مجالسة الصالحين داعية إلي الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروءة، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذي من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا.

يا هشام، إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه، ولا يقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه?().

تحرير النفس من أسر الهوي

قال الإمام الباقر عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفي يوصيه: ? … إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها علي هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش، ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلي التوبة والمخافة، فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف، وذلك بأن الله يقول: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ?()?.

إلي أن قال عليه السلام: ?واعلم، أنه لا علم كطلب السلامة، ولا سلامة كسلامة القلب، ولا عقل كمخالفة الهوي، ولا خوف كخوف حاجز، ولا رجاء كرجاء معين، ولا فقر كفقر القلب،

ولا غني كغني النفس، ولا قوة كغلبة الهوي، ولا نور كنور اليقين، ولا يقين كاستصغارك الدنيا، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك، ولا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق، ولا شرف كبعد الهمة، ولا زهد كقصر الأمل، ولا حرص كالمنافسة في

الدرجات، ولا عدل كالإنصاف، ولا تعدي كالجور، ولا جور كموافقة الهوي?().

إن تحرير النفس من قيود الشهوة وأسر الهوي يتطلب جهداً مستمراً، ومثابرة دائمة، كي يحكم الإنسان عقله فيها، ومن الواضح أن أول مرحلة في مسيرة التكامل العقلي، وبلوغ الرشد الإنساني، هي السيطرة التامة علي جميع الشهوات والرغبات، وإخضاعها لمبدأ العقل وموازين الشرع، ليحرر ذاته من وثاق الشهوة، ويفكّ نفسه من عبوديتها، تلك العبودية البغيضة الحاجبة عن العبودية الحقة لله عزوجل. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?عبد الشهوة أذل من عبد الرق?().

وقال عليه السلام أيضاً: ?طاعة الشهوة تفسد الدين?().

ولكن لا يمكن الغلبة علي تلك الشهوات إلا عبر المكافحة المستمرة، فإن العقل لا يستسيغ التطرف في الشهوة والركض وراءها؛ ولذا يحاول مكافحتها عبر الطرق المتّزنة، والأساليب المتاحة لدي الإنسان من قريب أو بعيد: عبر لسانه وكلامه، وعبر جوارحه وعمله، كالصمت والسكوت، مثلاً.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من كف لسانه ستر الله عوراته، ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه، ومن اعتذر إلي الله قَبل عذره?().

وقال أعرابي لرسول الله صلي الله عليه و اله: يا رسول الله، دلني علي عمل أنجو به؟ فقال صلي الله عليه و اله: ?أطعم الجائع، واروِ العطشان، وأمُر بالمعروف، وأنهِ عن المنكر، فإن لم تطق فكف لسانك، فإنه بذلك تغلب الشيطان?.

وقال صلي الله عليه و اله: ?إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله أمرؤ، وليعلم ما يقول?. وقال صلي الله عليه و اله: ?إذا رأيتم المؤمن صموتاً وقوراً فأدنوا منه فإنه يلقي الحكمة?().

وعن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: ?من علامات الفقه: الحلم والحياء والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحكمة، وإنه ليكسب المحبة، ويوجب السلامة وراحة لكرام الكاتبين،

وإنه لدليل علي كل خير?().

وقال عيسي عليه السلام: ?العبادة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، وجزء واحد في الفرار من الناس?().

بين الصمت المطلوب والصمت المبغوض

من الواضح أن المراد من الصمت في الأحاديث الشريفة الآنفة هو: السكوت عن التحدث بالباطل، كالغيبة، والتهمة، والنميمة، أو الإنشاءات الباطلة، وهكذا الإخبارات الغيبية والماورائيات بدون استناد إلي جهة مقبولة، لا الصمت عن التحدث بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمورد الروايات المباركة التي تقول بالصمت هو في مورد لم يكن للتكلم وجه شرعي، أما إذا كان هناك للتكلم وجه، فالصمت غير مطلوب، بل هو بين حرام إذا كان التكلم من الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين مكروه إذا كان التكلم مستحباً.

إذن، فالصمت المطلوب، المذكور في الروايات الشريفة الآنفة الذكر، هو واحد من هذه الأمور لمساعدة الإنسان علي مكافحة الشهوات، والتفصيل في علم الأخلاق وقد ذكرناه هنا استطرداً.

وأما أن تحطيم الرغبات الشهوانية، يحصل عبر مخالفة الهوي وزمّ النفس، فهو من الحقائق الواضحة، حيث إن الإنسان إذا خالف نفسه وهواه وجعل رغباته النفسية تحت قدميه، فإنه يربح شيئاً أنفع وهو: العلاقة بالله تعالي والقرب منه سبحانه()، وفي هذه الحالة يتجه نحو المعنويات العالية، ولم يعد يجعل كل همّه علي الأمور المادية الدانية، ولا يجعل المعايش الدنيوية هي المقياس الوحيد له؛ وذلك لأن فكره وعقله قد اتسع، فانفتحت له الآفاق المعنوية والأجواء الروحية.

قال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): ?طوبي لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما تري عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره?().

القنوت بدعاء أبي حمزة

نُقل عن أحد طلبة العلوم الدينية الذين درسوا في حوزة إصفهان بعد أن قصدها من إحدي القري المحيطة بأطراف المدينة أنه قال: كنت أصلي في شهر رمضان في أحد مساجد البلد، وكان إمام المسجد من رجال الدين الطاعنين في السن، وحينما كان

يصل إلي قنوت الصلاة كان يقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي بأكمله()، وكان يستغرق قنوته أكثر من ساعة، وكان المصلون يتابعونه دون ملل.

إن هذه الحالة المعنوية التي أوجدها هذا العالم الفقيه في هذا الجمع الغفير رغم تقدم سنه وشيخوخته، تعكس لنا حالة الإخلاص لله التي كان يعيشها هذا المؤمن، ومدي تسلّطه علي نفسه وهواه، والخلاص من سيطرة أية شهوة أو رغبة دنيوية، فهو لم يتماهل عن عبادته ولم يُضيعها رغم شيخوخته، بل عمل علي نقل حالته هذه إلي المأمومين أيضاً.

القرآن الكريم والقنوت به

يُنقل عن أحد الولاة واسمه: عبد اللطيف باشا، أنه حينما كان يأتي لزيارة الإمام الحسين عليه السلام وبعد أن ينتهي من قراءة الزيارة يقف باتجاه القبلة ويرفع يديه بهيئة القنوت ويقرأ القرآن وهو بتلك الحال لمدة ثماني ساعات متواصلة حتي يختمه كاملاً وبالجملة.

ومن المعلوم: أن هذا العمل ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلي قوة في العزيمة، ودافع نفسي كبير، كما ويحتاج أيضاً إلي الرشد والتعقل، لئلا يخضع إلي حب الدعة والراحة، ولئلا يستسلم إلي إلحاح الشهوة، أو الخلود إلي اللهو واللعب، أو الركون إلي النعاس والنوم، لتحول هذه الأمور بينه وبين الوصول إلي عبادة الله سبحانه وتعالي، التي تشكل أسمي مراتب السمو الإنساني.

موسوعتان عظيمتان

إن من له نوع إلمام بالفقه، إذا راجع كتاب: (مفتاح الكرامة)()..

وكتاب: (جواهر الكلام)() أيقن ببذل الجهد الجهيد من جانب مؤلفي الكتابين، أقر لهما بشدة تعبهما ونصبهما في ذلك ومخالفتهما لهوي النفس.

نعم، إن صاحب كتاب (مفتاح الكرامة) لم يوفق لكتابة هذا الكتاب القيّم إلا بعد شدة الارتباط بالله عزوجل ومخالفة النفس، وقد تم تأليف الكتاب قبل ما يزيد علي (180عاماً تقريباً)، وهو كتاب فقهي دقيق وعميق وقد بذل مؤلفه كل ما لديه من طاقة من أجل إخراجه إلي حيّز الوجود، وذلك رغم قلة وسائل الكتابة والتأليف في ذلك الزمان، ورغم مصاعب الحياة ومتاعبها حينذاك.

وكذلك تلميذه صاحب كتاب (جواهر الكلام) الذي يقع كتابه في (43 مجلداً) فإنه قضي ثلاثين عاماً في تأليفه، متخطياً كل الصعوبات التي اعترضته في هذا المسار.

وهذا النضج في التفكير، والعمل الدائب، والجهاد المستمر في العمل، ومخالفة الهوي وشدة الارتباط بالله، كان السبب لأن يخلد هؤلاء أعلاماً في دنيا المعرفة والعلم طوال هذين القرنين من الزمن.

بين اللذتين: المادية والمعنوية

وهنا لا بأس بأن نوضح الفرق بين اللذتين: اللذة المادية واللذة المعنوية، ليظهر الفرق بينهما جلياً وواضحاً.

أما المادية: فتظهر علي الإنسان عند ما كان صبياً في أول حركته وتمييزه، فإنه تظهر فيه غريزة بها يستلذ اللعب، حتي يكون عنده كثيراً ما ألذ من سائر الأشياء، ثم يظهر فيه بعد ذلك استلذاذ اللهو ولبس الثياب الملونة وركوب الدواب، ثم تظهر فيه بعد ذلك لذة التجمل وحب النساء، وحب المنزل والخدم، فيحقّر ما سواها، ثم تظهر بعد ذلك فيه لذة الجاه والرياسة، والتكاثر بالمال والثروة، والتفاخر بالأعوان والأتباع، والأولاد والأحفاد، وهذه آخر لذات الدنيا، وإلي هذه المراتب أشار سبحانه وتعالي بقوله عز من قائل: ?إنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ

وَتَفاخُرٌ? (). هذه هي اللذة المادية التي تنتهي بانتهاء الإنسان، بل تنتهي بانتهائها هي.

وأما اللذة المعنوية: وهي التي تظهر في البعض من الناس دون جميعهم، هي لذة المعرفة بالله تعالي، والقرب منه، والمحبة له، والقيام بوظائف عبادته وترويح الروح بمناجاته، ولذة العمل بكتابه، والعمل بأحكامه، واتباع سيرة نبيه صلي الله عليه و اله، وانتهاج منهج أوليائه، ومودّة أهل بيت نبيه (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وهذه هي اللذة الباقية، التي لا تنتهي بانتهاء الإنسان، ولا تزول بزواله، بل تبقي لبقاء مبدئها ومنشئها. فيستحقر معها الإنسان جميع اللذات السابقة.

ولذا سيبقي هؤلاء الذين وجدوا اللذة والسعادة الحقيقية في المعرفة والطاعة وبذل الوسع في سبيل الدين والإنسانية متمسكين بما هم عليه؛ إذ هم قد عرفوا زوال اللذائذ الدنيوية وزيفها، وعلموا فناءها وتبعاتها، فزهدوا في جميع تلك الملذات الفانية والزائلة من أجل الآخرة ولذائذها الباقية والدائمة، حتي أصبحوا مشاعل هدي، وذخائر علوم ربانية، وسفن نجاة في هذه الحياة الدنيا، فضلاً عن الأجر الأخروي الذي لا يُعَد ولا يُحصَي والذي سينالوه في الآخرة، إن شاء الله تعالي.

وهذه اللذة هي لذة عقلية أيضاً، وهي أسمي وألذ بكثير من اللذة الجسمية أو الوهمية، التي سبقت الإشارة إليها في الكلام حول اللذات المادية.

قال الإمام الصادق عليه السلام: ?إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قد قصدت باب ملك عظيم لما يطأ بساطه إلا المطهرون، ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقون، فهب القدوم إلي بساطه هيبة الملك فإنك علي خطر عظيم، إن غفلت فاعلم أنه قادرٌ علي ما يشاء من العدل والفضل معك وبك، فإن عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة وأجزل لك عليها ثواباً كثيراً، وإن طالبك باستحقاق الصدق والإخلاص عدلا بك حجبك

وردّ طاعتك وإن كثرت، وهو فعال لما يريد. واعترف بعجزك وتقصيرك وانكسارك وفقرك بين يديه، فإنك قد توجهت للعبادة والمؤانسة به، واعرض أسرارك عليه، ولتعلم أنه لا يخفي عليه أسرار الخلق أجمعين وعلانيتهم، وكن كأفقر عباده بين يديه، وأخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك؛ فإنه لا يقبل إلا الأطهر والأخلص، وانظر من أي ديوان يخرج اسمك، فإن ذقت حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليك وإجابته فقد صلحت لخدمته، فادخل، فلك الإذن والأمان، وإلا فقف وقوف من انقطع عنه الحيل وقصر عنه الأمل وقضي عليه الأجل، فإن علم الله عزوجل من قلبك صدق الالتجاء إليه نظر إليك بعين الرأفة والرحمة واللطف، ووفقك لما يحب ويرضي، فإنه كريمٌ يحب الكرامة لعباده المضطرين إليه، المحترقين علي بابه لطلب مرضاته، قال تعالي:

?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ?() ?().

مع المؤلف الكبير: الشيخ البلاغي

كان المرحوم: الشيخ البلاغي رحمة الله عليه () من كبار العلماء في العراق، ومن الذين قاموا بجهاد أنفسهم في سبيل الله عزوجل، وقد ألّف كتباً مهمة في شؤون العقيدة وأصول الدين، وقدّم خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، وعاني من أجل ذلك الكثير الكثير.

فلقد كان أثناء إقامته في مدينة سامراء، التي كان يواصل درسه فيها، يحاول تعلّم لغة التوراة العبرية ليكشف تحريف اليهود لها، فكان يدفع نصف راتبه الشهري وكان بمجموعه راتباً ضئيلاً لايكاد يكفي لمأكله وملبسه إلي يهودي كان يسكن هناك لكي يتعلم منه اللغة العبرية، حتي استطاع بعد ذلك أن يستخرج التوراة حسب طبعتها العبرية ويطابقها مع التوراة العربية، فاكتشف كثيراً من التحريف.

يقول المرحوم السيد حسن القزويني رحمة الله عليه: ذهبت إلي منزل الشيخ البلاغي رحمة الله عليه في النجف الأشرف، فوجدته

جالساً في حجرته منشغلاً بالكتابة، وكان ذلك في أشد أيام الصيف حرارة، وكانت حجرته حارة جداً بحيث لا يطاق الجلوس فيها، ثم إني التفت إليه وإذا بمنديل له وعليه بقع من الدم؟! وبعد الاستفسار عن ذلك عرفت أن الشيخ البلاغي رحمة الله عليه يعاني من التهاب شديد في صدره، وإنه جاءته نوبة من السعال نفث الدم من صدره، لكن الشيخ رغم هذا المرض ومعاناته الكبيرة وآلامه الشديدة كان يواصل تحقيقاته وتأليفاته القيمة.

وذكر أيضاً: إن الشيخ البلاغي رحمة الله عليه كان يعيش حالة من الفقر وضيق العيش، ومع هذا لم تثنه كل هذه المشاكل عن إنجاز كتبه القيمة. وذكر أنه لما توّفي الشيخ البلاغي رحمة الله عليه وانتشر خبر وفاته قامت الكنائس في بغداد وأوروبا بقرع نواقيسها فرحاً بموته؛ لأن ذلك اليوم كان يُعدّ عندهم يوم ارتياحهم من شخص استطاع في أثناء حياته أن يكشف التزوير والتدليس الذي ادخلوه علي تعاليم الدين المسيحي، وأن يرد وبموضوعية علمية كبيرة علي كتبهم المضللة المزورة التي ينسبونها إلي الدين المسيحي واليهودي.

ولم يكن الشيخ رحمة الله عليه وباقي العلماء من الشخصيات الكبيرة التي سجلها التاريخ يستطيعون من إنجازات هذه المشاريع لولا أن بذلوا أغلي ما عندهم، ولولا أن طلقوا الدنيا وما فيها من نعيم زائل لا يدوم، ولولا أن جاهدوا أنفسهم وخالفوا هواها ومشتهياتها، وذلك من أجل مهمة هداية الناس وإرشادهم إلي طريق الحق رضاً لله عزوجل.

ومن الواضح: أن هذه الأمور إنما تتحقق لكل من ارتضاه الله عزوجل، ولا يرتضي الله إلا من أوقف نفسه للدين، وهداية الناس أجمعين، وفي هذا جاء عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: ?إن الناس في الدنيا ضيف وما في أيديهم عارية، وإن

الضيف راحل وإن العارية مردودة، ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل قاهر، فرحم الله من نظر لنفسه ومهّد لرمسه وحبله علي عاتقه ملقي، قبل أن ينفذ أجله، وينقطع أمله، ولا ينفع الندم?().

من أسباب قوة غاندي

ثم إن مخالفة النفس وهواها توجب قوة الإنسان، مهما كان اتجاهه ومعتقداته. لقد بني غاندي() حياته حسب ما قيل عنه علي نمط خاص، فلم يكن يأكل اللحم إطلاقاً، بل كان يكتفي دائماً بالفاكهة بل ببعض أنواعها فقط، ولا يرغب في تناول الأغذية الحلوة والمالحة، وكان يعتقد أن هذه الأكلات هي حاجات نفسية يلزم الابتعاد عنها؛ فهو كان يري أن الأكل ضرورة لحياة الجسم لا لإشباع رغبة في الأكل.

وفي الحقيقة أن هذه الفكرة، وهذا النحو من العمل الصعب لايحصل لأحد إلا إذا جاهد نفسه، وتأمل بدقة، وتفكر بعمق، وكان هذا من أسباب قوة غاندي حيث كان يخالف هوي نفسه.

الإنسان والمعرفة

قال عز من قائل: ?وَالأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ ? وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ? وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُوم?().

وقال تبارك وتعالي: ?إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ? وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ?().

لم تقم السماوات سُدي وعبثاً، ولا علي إفراط وتفريط، كما لم يتحقق أيّ فعل من أفعال الله دون قانون إلهي دقيق حكيم.

والإنسان لا يستطيع أن يصل إلي هدفه وإلي حل مشكلاته دون تحرك عملي منتظم، وجهود منتظمة مبذولة في ذلك الطريق.

وأهم ما يجب علي الإنسان السعي من أجل تحققه والتعمق فيه للتغلب علي هوي نفسه: هو معرفة الله عزوجل، حيث إنه إذا لم يتعمق الإنسان في معرفة الله فلا يمكنه أن يزداد خوفاً منه ولايمكنه التغلب علي نفسه، وعندئذ لا يكون بمقدوره إنجاز (أفضل الأعمال) كما ورد ذلك في الروايات.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ? من عرف نفسه فقد عرف ربه، ثم عليك من العلم بما

لا يصح العمل إلا به وهو الإخلاص?().

ومن طرق معرفة الله: التأمل في مخلوقاته حيث تتجلي عظمته سبحانه حتي في أصغر وأدق شيء منها، فمثلاً:

إن في ذرة اليورانيوم الواحدة هناك جزيئة يدور حولها (86 قمراً) وبسرعة (3 ملايين) دورة في الثانية، علي ما نقل عن علماء الذرة في ذلك. أليس هذا الأمر عجيباً بل أعجب من العجيب؟!

لذا فإن المعرفة بالله عزوجل تقربنا من الله سبحانه وتعالي خالق الكون، ومدبر الأمور كلها. فالتأمل في مخلوقات الله هي إحدي طرق العمل لتحصيل القدرة علي إنجاز أفضل الأعمال ومخالفة الهوي. وعليه: فلابد أن نعمل لنشر هذه الثقافة في الأوساط وبين الناس جميعاً: معرفة الله عزوجل، ويتبعها معرفة دينه ومعرفة رسله ومعرفة أوصيائهم عليهم السلام.

الفكر والتفكر

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ? لا عبادة كالتفكر في صنعة الله عزوجل?().

وقال عليه السلام: ?لا علم كالتفكر?().

وقال عليه السلام لابنه الإمام الحسن المجتبي عليه السلام: ?أي بني، إني وإن لم أكن عمرت عُمَرَ من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتي عُدْتُ كأحدهم، بل كأني بما انتهي إليّ من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلي آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله، وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله…?().

هذا وقد ثبت لدي العلماء، المسلمين وغير المسلمين، أن للفكر دوراً كبيراً في بناء شخصية الإنسان، وتهذيبها بالمواعظ، وإلزامها بالفضائل، فإن التفكر الصحيح يؤدي إلي جهاد النفس ومخالفة الهوي وهو من أسرار تكون شخصية العظماء في التاريخ.

فمن الشخصيات القوية التي بناها الفكر والتفكير في تاريخ الإسلام هي شخصية أبي ذر (رضوان الله عليه)، وقد قال عنه الإمام الصادق عليه السلام: ?كان أكثر عبادة

أبي ذر رحمة الله عليه خصلتين: التفكر والاعتبار?().

ومن هنا نري شدة التزام أبي ذر رحمة الله عليه بقيمه ومبادئه ومخالفته لهوي نفسه، حتي أنه لم يخضع للسلاطين وردّ منحهم فعاش وحيداً غريباً، ومات وحيداً غريباً، ولكنه فاز برضا الله عزوجل.

من عجائب صنع الله

قال تبارك وتعالي: ?لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ?().

يقول المختصون: إن في الأُذن أعصاباً بعدد كل الحروف المنطوقة، وإن الإنسان إنما يدرك الكلمة بواسطة تلك الأعصاب، وإذا حدث أن اختل واحد من تلك الأعصاب فإن الإنسان لا يسمع ذلك الحرف، كما ذكروا أيضاً أن هناك (24) مليون لون في الطبيعة وقد عرضوا (300) ألف لون من هذه الألوان في معرض أقاموه في إحدي الدول الغربية.

وقالوا أيضاً: إن في العين أعصاباً هي بعدد الألوان في المحيط الخارجي، وأن كل عصب من تلك الأعصاب يختص بلون معين، ولو حدث أن عصباً من تلك الأعصاب أصابه خلل فإن العين لاتري ذلك اللون الذي هو من اختصاص ذلك العصب، وهذا جزء من عظمة الله عزوجل في مخلوقاته، وفي القرآن الحكيم: ?رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً? ().

فعلي الإنسان أن يضع شهواته وميوله النفسية جانباً، ويعمل بكل جُهد وجد لنيل الكمال الإنساني، وبلوغ السعادة الأبدية، حتي يعمر بذلك دنياه وآخرته.

العقل والتعقل

نعم، علي الإنسان أن يرقي بروحه، ويعرج بعقله، ويجعل شهواته وميوله النفسية تحت قدميه، وهذا أمر صعب جداً، ولا يتم إلا بالتعقل والتفكر في كل صغيرة وكبيرة، لأن النجاة من تعلقات هذه الدنيا الدنيئة لا يتم إلا به.

فعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: ?قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن الله تعالي خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه، الذي لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب، فجعل العلم نفسه، والفهم روحه، والزهد رأسه، والحياء عينه، والحكمة لسانه، والرأفة همه، والرحمة قلبه، ثم حشّاه وقوّاه بعشر أشياء: باليقين والإيمان والصدق والسكينة والإخلاص والرفق والعطية والقنوع والتسليم والشكر، ثم قال عزوجل: أدبر فأدبر، ثم قال له:

أقبل فأقبل، ثم قال له: تكلم، فقال: الحمد لله الذي ليس له ضد ولا ند، ولا شبيه ولا كفو، ولا عديل ولا مثل، الذي كل شيء لعظمته خاضع ذليل، فقال الرب تبارك وتعالي: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك، ولا أطوع لي منك، ولا أرفع منك، ولا أشرف منك، ولا أعز منك، بك أوحّدُ، وبك أُعبدُ، وبك أُدعي، وبك أُرتجي، وبك أُبتغي، وبك أُخاف، وبك أُحذر، وبك الثواب، وبك العقاب، فخر العقل عند ذلك ساجداً فكان في سجوده ألف عام، فقال الرب تبارك وتعالي: ارفع رأسك، وسَل تُعط، واشفع تشفَّع، فرفع العقل رأسه فقال: إلهي أسألك أن تشفعني فيمن خلقتني فيه، فقال الله جل جلاله لملائكته: اُشهدكم أني قد شفّعته فيمن خلقته فيه?().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: ?إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتي تنظروا كيف عقله?().

وجاء في قوله تعالي: ?لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَي الْكافِرِين?() يعني من كان عاقلاً ().

ومن وصايا لقمان عليه السلام لابنه، أنه قال: ?تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيّس لدي الحق يسير. يا بني، إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيّمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر?().

ولقد أحسن من قال:

إذا لم يكن للمرء عقل يزينه

ولم يك ذا رأي سديد ولا أدب

فما هو إلا ذو قوائم أربع

وإن كان ذا مال كثير وذا حسب()

?اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتدي، ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا?().

من هدي القرآن الحكيم

الطريق إلي معرفة الله

قال تعالي: ?سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ

أَنَّهُ الْحَقُّ? ().

وقال عزوجل: ?وَفِي الأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ? وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ ? ().

وقال سبحانه: ?وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها? فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها? قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها? وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها? ().

الإخلاص لله تعالي

قال عزوجل: ?وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسي إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا? ().

وقال تعالي: ?قالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ? إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ?().

وقال سبحانه: ?قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ?().

وقال جلا وعلا: ?بَلي مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ? ().

هكذا عباد الله

قال تعالي: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكافِرِين يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ? ().

وقال تبارك وتعالي: ? إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ? الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ? أُولئِكَ

هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم?().

وقال سبحانه: ?وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً? ().

وقال عزوجل: ?وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?().

العدل والاعتدال

قال عزوجل: ?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل?().

وقال تعالي: ?فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ?().

وقال سبحانه: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلي أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوي وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ? ().

الذكري تفيد المتعقلين

قال تعالي: ?إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْري لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ? ().

وقال سبحانه: ? أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما

أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمي إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ? ().

وقال عزوجل: ?إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْري لأُولِي الأَلْبابِ? ().

من هدي السنة المطهرة

النفس من طرق معرفة الله

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من عرف نفسه فقد عرف ربه?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?نال الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النفس?().

ودخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله رجل اسمه مجاشع فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلي معرفة الحق؟

فقال صلي الله عليه و اله: ?معرفة النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي موافقة الحق؟

قال: ?مخالفة النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي رضاء الحق؟

قال صلي الله عليه و اله: ?سخط النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي وصل الحق؟

فقال صلي الله عليه و اله: ?هجرة النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي طاعة الحق؟

قال: ?عصيان النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي ذكر الحق؟

قال صلي الله عليه و اله: ?نسيان النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي قرب الحق؟

قال صلي الله عليه و اله: ?التباعد من النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي أنس الحق؟

قال صلي الله عليه و اله: ?الوحشة من النفس?.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلي ذلك؟

قال صلي الله عليه و اله: ?الاستعانة بالحق علي النفس?().

الإخلاص لله سبحانه

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?قال الله عزّ وجل: لا أطلع علي قلب عبد فأعلم منه حب الإخلاص لطاعتي لوجهي، وابتغاء مرضاتي، إلا توليت تقويمه وسياسته، ومن اشتغل في صلاته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه، ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?وأخلص لله عملك وعلمك وحبك وبغضك وأخذك وتركك وكلامك وصمتك?().

وقال عليه السلام: ?صفتان لا يقبل الله سبحانه الأعمال إلا بهما: التقي والإخلاص?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن لله عباداً عاملوه بخالص من سرّه، فعاملهم بخالص من بره، فهم الذين تمر صحفهم يوم

القيامة فرغاً،وإذا وقفوا بين يديه تعالي ملأها من سر ما أسروا إليه … ?().

التواضع يسّبب الرفعة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من تواضع لله رفعه الله?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?إنك إن تواضعت رفعك الله?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه?().

وقال عليه السلام: ? التواضع أصل كل خير نفيس ومرتبة رفيعة، ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب، والتواضع ما يكون في الله ولله، وما سواه مكر، ومن تواضع لله شرفه الله علي كثير من عباده، ولأهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماء من الملائكة وأهل الأرض من العارفين، قال الله عزوجل: ?وَعَلَي الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ?() وأصل التواضع من جلال الله وهيبته وعظمته، وليس لله عز وجل عبادة يقبلها ويرضاها إلا وبابها التواضع، ولا يعرف ما في معني حقيقة التواضع إلا المقربون المستقلين بوحدانيته، قال الله عز وجل: ?وعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الأَرْضِ هَوْناً وإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً?() وقد أمر الله عز وجل أعز خلقه وسيد بريته محمداً صلي الله عليه و اله بالتواضع؛ فقال عز وجل: ?واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?() والتواضع مزرعة الخشوع والخضوع والخشية والحياء، وإنهن لا يأتين إلا منها وفيها، ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالي?().

العدل: ميزان الله

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أحب الناس يوم القيامة وأقربهم إلي الله مجلساً إمام عادل، إن أبغض الناس إلي الله وأشدهم عذاباً إمام جائر?().

وقال أمير المؤمنين صلي الله عليه و اله: ?إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه ولاتعارضه في سلطانه?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?ثلاثة هم أقرب الخلق إلي

الله عزوجل يوم القيامة حتي يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه إلي أن يحيف علي من تحت يده، ورجل مشي بين اثنين فلم يمل مع أحدهما علي الآخر بشعيرة، ورجل قال بالحق فيما له وعليه?().

التعقّل والتواصي به

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا أيها الناس اعقلوا عن ربكم وتواصوا بالعقل، تعرفوا به ما أُمرتم به ونهيتم عنه، وأعلموا أنه مجدكم عند ربكم، وأعلموا أن العاقل من أطاع الله … ?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حواري عيسي عليه السلام حيث قال: أخبرني عن العقل ما هو، وكيف هو، ما يتشعب منه وما لا يتشعب، وصف لي طوائفه كلها؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إن العقل عقال من الجهل، والنفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل جارت فالعقل عقال من الجهل، وإن الله خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل، وقال له: أدبر فأدبر، فقال الله تبارك وتعالي: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعظم منك، ولا أطوع منك، بك أبدأ وبك أعيد، لك الثواب وعليك العقاب?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?العقل يهدي وينجي والجهل يغوي ويردي?().

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمدلله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة الشمس: 7-10.

() الكافي: ج2 ص266 ح1.

() انظر سورة يوسف: 53. قال تعالي: ?إن النفس لأمارة بالسوء?.

() سورة القيامة: 2.

() سورة الفجر: 27.

() الكافي: ج2 ص453 باب محاسبة العمل ح2.

() سورة آل عمران: 14.

() وهذا لا ينافي قول النحويين بأن المجهول هو الذي لا يكون له فاعل؛ لأن مرادهم في عالم الإثبات أي: عالم الألفاظ ومراد المصنف في عالم الثبوت أي: عالم الواقع والفاعل الواقعي.

() لأن الدنيا دار امتحان واختبار.

() ذكروا في الحسن والقبح أن موضوعهما علي ثلاثة أقسام:

1: علي نحو العلة التامة أي متي كان هذا الموضوع فالحكم الحسن والقبح موجود،

كالظلم فإنه عنوان يحمل (القبيح) عليه، وكالعدل فإنه عنوان يحمل (الحسن) عليه.

2: علي نحو المقتضي، والفارق بين هذا والأول: أن موضوع الأول إن تحقق لا يتخلّف عنه حكمه القبيح فإنه متي وجد الظلم فإنه قبيح، بخلاف القسم الثاني فإنه قد يتخلف عنه الحكم مع كون الموضوع باقياً علي حاله، خذ في ذلك مثال الصدق، فإنه حسن لكن قد تعرضه جهة من الجهات فتجعله قبيحاً مع كونه صدقاً كما إذا كان سبباً للضرر علي الغير وهكذا الكذب فإنه قبيح لكن قد يكون حسناً كما إذا كان سبباً للإصلاح مثلاً.

3: ما لا يقتضي أياً منهما بما هو هو، وإنما هو باعتبار حسن وباعتبار آخر قبيح، وهذه الأمور المذكورة في المتن من هذا القسم حيث أنها بما هي هي لا قبيحة ولا حسنة. نعم، قد تعرضه جهة القبح فقبيح أم الحسن فحسن.

() سورة الأعراف: 32.

() سورة المائدة: 4.

() سورة الكهف: 7.

() التبيان في تفسير القرآن: ج2 ص411 سورة آل عمران.

() راجع تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: سورة آل عمران

() الكافي: ج2 ص163 باب الاهتمام بأمور المسلمين ح1.

() كما قال جل وعلا: ?لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً? سورة الملك: 2،وسورة هود: 7.

() سورة الزمر: 17 18.

() سورة البقرة: 163 164.

() سورة النحل: 12.

() سورة غافر: 67.

() سورة الجاثية: 5.

() سورة البقرة: 164.

() سورة الحديد: 17.

() سورة الرعد: 4.

() سورة الروم: 24.

() سورة الأنعام: 151.

() سورة الروم: 28.

() سورة الأنعام: 32.

() سورة الصافات: 136 138.

() سورة العنكبوت: 3435.

() سورة العنكبوت: 43.

() سورة البقرة: 170.

() سورة البقرة: 171.

() سورة يونس: 42.

() سورة الفرقان: 44.

() سورة الحشر: 14.

() سورة البقرة: 44.

() سورة الأنعام: 116.

() سورة لقمان: 25.

() سورة العنكبوت: 63.

() سورة سبأ: 13.

()

سورة ص: 24.

() سورة غافر: 28.

() سورة هود: 40.

() سورة الأنعام: 37.

() سورة المائدة: 103.

() مستفاد من مضمون آيات عديدة.

() سورة البقرة: 269.

() سورة آل عمران: 7.

() سورة آل عمران: 190.

() سورة الرعد: 19.

() سورة الزمر: 9.

() سورة ص: 29.

() سورة غافر: 53 54.

() سورة الذاريات: 55.

() سورة ق: 37.

() سورة لقمان: 12.

() سورة آل عمران: 8.

() سورة الرعد: 19.

() الكافي: ج1 ص13 20 كتاب العقل والجهل ح12.

() سورة الأعراف: 201.

() تحف العقول: ص284 ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام في وصيته لجابر بن يزيد الجعفي.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص304 ق3 ب3 ف5 ح6965.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص304 ق3 ب3 ف5 ح6957.

() إرشاد القلوب: ج1 ص103 ب27.

() إرشاد القلوب: ج1 ص103 ب27.

() إرشاد القلوب: ج1 ص104 ب27.

() إرشاد القلوب: ج1 ص104 ب27.

() لأن الله سبحانه وتعالي يحب العبد الزاهد في الدنيا والذي يخالف هواه.

() الكافي: ج2 ص16 باب الإخلاص ح3.

() وهو دعاء عالي المضامين علمه الإمام السجاد عليه السلام لتلميذه أبي حمزة الثمالي الذي يعد من الحواريين، ومعاني هذا الدعاء عالية جداً حيث تكشف لنا بعض الحقائق عن الإنسان وغيره، وهو طويل نسبياً إذ يستغرق وقت قراءته ساعة من الزمان تقريباً. أما أبو حمزة الثمالي فهو: ثابت بن دينار، يكني دينار: أبا صفية، وكنية ثابت: أبو حمزة الثمالي. روي عن علي بن الحسين عليه السلام ومن بعده، واختلف في بقائه إلي وقت أبي الحسن موسي عليه السلام، وكان ثقة، وكان عربيا أزديا. قال الكشي: وجدت بخط أبي عبد الله محمد بن نعيم الشاذاني، قال: سمعت الفضل بن شاذان قال: سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ?أبو حمزة في زمانه كلقمان

في زمانه، وذلك انه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر موسي بن جعفر?، ويونس بن عبد الرحمان هو سلمان في زمانه?. روي عنه العامة، ومات في سنة خمسين ومائة، وأولاده: نوح ومنصور وحمزة، قتلوا مع زيد بن علي بن الحسين?. انظر خلاصة الأقوال للعلامة الحلي: ص85.

وذكره ابن النديم في (الفهرست) فقال: وكتاب تفسير أبي حمزة الثمالي، واسمه ثابت بن دينار وكنية دينار أبو صفية، وكان أبو حمزة من أصحاب علي بن الحسين عليه السلام من النجباء الثقات، وصحب أبا جعفر عليه السلام. الفهرست: ص36 تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن.

() كتاب (مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة) للسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي، ولد عام (1164ه) في قرية شقراء من قري جبل عامل في لبنان، وتوفي بالنجف، أواخر سنة (1226ه)، تلميذ الشيخ جعفر والمعاصر والراوي عن الوحيد البهبهاني وبحر العلوم والميرزا القمي وصاحب (الرياض). وهو كتاب جليل، وقيل فيه: لله آية معجز ظهرت له فغدت لكل كرامة مفتاحا

فالجواهر بمفتاح كرامته استخرجت، والهداية بمصباح رعايته استضاءت، بل سائر الكتب المبسوطة في الأحكام التقطت من أرقام صحائفه الكرام. قال مؤلفه في سبب تأليفه مفتاح الكرامة:

قد امتثلت به أمر سيدي وأستاذي ومن عليه بعد الله سبحانه وأوليائه اعتمادي الإمام العلامة المعتبر المقدس الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله فداه وأطال بقاه، قال أدام الله حراسته أحببت أن تعمد إلي قواعد الإمام الأعظم العلامة (أعلي الله مقامه)، فتنظر إلي كل مسألة اختلف فيها كلمة الأصحاب، وتنقل أقوالهم وتضيف إلي ذلك نقل شهرتهم وإجماعاتهم، وتذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها ذلك، وإذا عثرت علي دليل في المسألة لم يذكروه فاذكر

سنده ومتنه، واذكر عند اختلاف الأخبار مذاهب العامة علي وجه الاختصار؛ ليكمل نفعه ويعظم وقعه.

ثم إن مؤلف (مفتاح الكرامة) هاجر إلي العراق لتحصيل العلم، ونزل كربلاء المقدسة، ولازم درس السيد صاحب (الرياض) وهو الذي رباه ونماه وقربه وأدناه، كما صرح في اجازة لبعض تلامذته، ثم صار يحضر درس الوحيد البهبهاني. وبعده هاجر إلي النجف الأشرف ولازم درس السيد بحر العلوم، وأجازه السيد في الرواية. وحضر علي شيخ الطائفة صاحب كشف الغطاء بعد وفاة السيد بحر العلوم وصنف (مفتاح الكرامة) بالتماسه كما سبق وله رسائل شتي في مسائل متفرقة، مثل رسالته في مسألة المقيم إذا خرج عن محل الترخص بقصد العود، ورسالة في (القراءة)، و(حاشية علي طهارة المدارك).

وكان الشيخ صاحب الجواهر أولا من تلامذته المتخرجين عليه، ثم صار إلي درس الشيخ صاحب كشف الغطاء بعد رجوع الشيخ من سفر ايران. ويروي السيد جواد عن أستاذه المير سيد علي والشيخ صاحب كشف الغطاء والميرزا المحقق القمي صاحب القوانين والوحيد البهبهاني والسيد بحر العلوم المهدي وغيرهم مما ذكرهم في اجازته الكبيرة. ويروي عنه جماعات من الفحول كالشيخ صاحب الجواهر والسيد صدر الدين وأمثالهما من الأعلام.

انظر الذريعة: ج12 ص341 تحت رقم 5381. وكشف الحجب والأستار: ص541 تحت الرقم3037.

() كتاب (جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام)، للشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرحيم بن محمد الصغير بن عبد الرحيم، المشهور بصاحب الجواهر، ولد عام (1202ه)، كتب تمام نسبه كذلك بخطه في آخر كتاب القضاء. وكتاب الجواهر لا يوجد في خزائن الملوك بعض جواهره، ولم يعهد في ذخائر العلماء شيء من ثماره وزواهره، لم يكتب مثله جامع في استنباط الحلال والحرام، فهو كتاب محيط بأول الفقه وآخره، محتو

علي وجوه الاستدلال مع دقة النظر ونقل الأقوال، قد صرف المؤلف فيه عمره الشريف، وبذل وسعه في تأليفه ما يزيد علي ثلاثين سنة؛ لان آخر ما خرج من قلمه الشريف من مجلدات الجواهر هو كتاب الجهاد إلي آخر النهي عن المنكر، وقد فرغ منه في (1257ه)، طبع مكررا في إيران، ونسخة الأصل التي كتبت علي نسخة خط المؤلف ونظر فيها المؤلف وصححها وكتب عليها التصحيحات بخطه، خرجت في أربعة وأربعين مجلدا صغيرا، وقد وقف جميعها السيد أسد الله بن السيد حجة الإسلام الرشتي الاصفهاني في (1271ه)، وجعل التولية لولد المؤلف الشيخ عبد الحسين، وذكر في بعض تلك المجلدات تواريخ الفراغ منها ليمتاز ما هو المتقدم في التأليف عن المتأخر.

توفي (رحمه الله) في غرة شعبان سنة (1266ه) في النجف الأشرف، له كتب أخري، منها: نجاة العباد، هداية السالكين في مناسك الحج، رسالة في المواريث، للتفصيل انظر (الذريعة في تصانيف الشيعة): ج5 ص275 تحت الرقم (1296).

() سورة الحديد: 20.

() سورة النمل: 62.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص437 ب54 ح3946.

() هو الشيخ محمد جواد بن الشيخ حسن طالب البلاغي النجفي الربعي (نسبة إلي ربيعة القبيلة المشهورة) (1282 1352ه).

من مشاهير علماء الشيعة في عصره، علامة جليل ومجاهد كبير ومؤلف مكثر. كان من بيت علم وفضل وأدب (آل البلاغي)، معروف بالصلاح والتقوي، ولد في مدينة النجف الأشرف ونشأ بها، فأخذ المقدمات عن الأعلام الأفاضل فيها، وحضر دروس الخارج علي الشيخ طه نجف والخراساني والشيخ آقا رضا الهمداني وحضر علي الميرزا محمد تقي الشيرازي عشر سنين، له ? مؤلفات رائعة ونادرة وقف بها قبال النصاري وأمام تيار الغرب الجارف حينذاك، فمثل لهم سمو الإسلام علي جميع الملل والأديان. كان معروفاً بخلوص النية

وإخلاص العمل إلي الله حتي أنه كان لايرضي أن يوضع اسمه علي مؤلفاته عند طبعها.

من أشهر آثاره المطبوعة: (الهدي إلي دين المصطفي صلي الله عليه و اله) في الرد علي عبدة الثالوث، و(أنوار الهدي) في إبطال بعض الشبه الالحادية، و(الرحلة المدرسية) في الرد علي الملل الخاطئة وقد ترجم إلي الفارسية، و(نصائح الهدي) في الرد علي البابية، و(أعاجيب الأكاذيب) في بيان مفتريات النصاري، و(التوحيد والتثليث) في الرد علي النصاري أيضاً، و(إبطال فتوي الوهابيين) في هدم قبور البقيع، وغيرها من الآثار الجليلة تناهز (42) مصنفاً، وقد ترجمت بعض مؤلفاته إلي الإنجليزية للاستفادة من مضامينها الراقية. عرف عنه ? أنه كان يجيد اللغة العبرانية والفارسية والإنجليزية. توفي ليلة الاثنين في (22 شعبان سنة 1352 ه) في النجف الأشرف فشيع تشييعاً يليق بمقامه الرفيع، ودفن في الحجرة الثالثة الجنوبية من الطرف الصحن الشريف. انظر نقباء البشر في القرن الرابع عشر: القسم الأول من ج1 ص323 بالرقم 663.

() إرشاد القلوب: ج1 ص23 ب4.

() غاندي: وهو موهانداس كرامشاند، زعيم وفيلسوف هندي قاوم الاستعمار الإنجليزي لبلاده، مواليد الهند عام (1869م) اشتهر بلقب (المهاتما) أي: النفس الزكية، دعا إلي تحرير الهند من سيطرة الإنجليز بالطرق السلمية واللاعنف، درس القانون بجامعة لندن وعاد إلي الهند ثم انتقل إلي جنوب إفريقيا سنة (1893م) حيث اشتغل بالمحاماة، ولم يلبث أن انصرف إلي قضية مواطنيه ضد قوانين التفرقة العنصرية، بدأ نشاطه السياسي عام (1911م) بالمظاهرات التي نظمها ضد القوانين التعسفية التي شُرعت ضد الآسيويين، ونجح في إلغائها، وفي عام (1914م) سافر إلي لندن لتنظيم وحدة إسعاف هندية تشارك في الحرب العالمية الأولي. تضمنت معالم سيرة غاندي منذ عودته إلي الهند عام (1915م) تزعمه الحركة الاستقلالية بتنظيم حركة

عدم التعاون (1919م) ثم حركة الإضرابات التي شملت الهند، وتلا ذلك تنظيم العصيان المدني ومقاطعة البضائع الأجنبية، قبض عليه مرات عدة وألقي في السجن، وفي عام (1930م) نظم المسيرة الكبري وعارض قانون احتكار الملح سجن علي أثرها، وفي عام (1942م) قاد حملة العصيان المدني الثانية التي أدت به إلي السجن أيضاً. استحدث غاندي في نضاله ضد الاستعمار عدة أساليب أبرزها المقاومة السلبية بدون عنف، ثم سياسة عدم التعاون بالامتناع عن العمل، ثم (العصيان المدني) التي شملت الامتناع عن دفع الضرائب، ثم مقاطعة البضائع الأجنبية بإحراقها علناً، ركز في تلبية الحاجات المعيشية الاكتفاء الذاتي والعودة إلي الإنتاج الوطني، كما تضمن برنامجه سياسة (التسامح الطائفي) حيث نجح في ضم ملايين المسلمين إلي حزب المؤتمر الهندي، ولكن هذه السياسة أثارت بعض غلاة الهندوك ودفعت أحد هؤلاء لاغتياله في عام (1948م)، ويعتبر غاندي من أبرز دعاة السلام في القرن العشرين.

انظر القاموس السياسي، لأحمد عطية: ص834 حرف الغين، وانظر المنجد في الأعلام: ص387 حرف الغين، وانظر كتاب (تجاربي مع الحقيقة).

() سورة الحجر: 19 21.

() سورة القمر: 49 50.

() بحار الأنوار: ج2 ص32 ب9 ح22.

() بحار الأنوار: ج68 ص324 ب80 ح11.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 113.

() نهج البلاغة، الكتب: 31 من وصية له عليه السلام لحسن بن علي? كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.

() الخصال: ج1 ص42 باب الاثنين ح33.

() سورة التين: 4.

() سورة آل عمران: 191.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص204 ب8 ح12745.

() الكافي: ج1 ص26 كتاب العقل والجهل ح28.

() سورة يس: 70.

() انظر مجمع البيان: ج8 ص288 سورة يس، والتبيان في تفسير القرآن: ج8 ص474 سورة يس.

() الكافي: ج1 ص16 كتاب العقل والجهل ضمن ح12.

() إرشاد القلوب: ج1 ص198

ب53.

() مصباح المتهجد: ص662 من أدعية شهر شوال، من خطبة يوم الفطر.

() سورة فصلت: 53.

() سورة الذاريات: 20 21.

() سورة الشمس: 7 10.

() سورة مريم: 51.

() سورة ص: 82 83.

() سورة الزمر: 11.

() سورة البقرة: 112.

() سورة المائدة: 54.

() سورة الأنفال: 2 4.

() سورة الفرقان: 63.

() سورة الشعراء: 215.

() سورة النحل: 90.

() سورة الشوري: 15.

() سورة المائدة: 8.

() سورة ق: 37.

() سورة الرعد: 19.

() سورة الزمر: 21.

() غوالي اللآلي: ج4 ص102 ح149.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص232 ق3 ب2 ف1 ح4641.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص138 ب1 ح 12643.

() مستدرك الوسائل: ج4 ص483 ب23 ضمن ح5225.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص197 ق2 ب2 ف7 ح3900.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ق1 ب6 ف4 ح2914.

() عدة الداعي: ص207 ب4 ق3 معاودة الدعاء وملازمته مع الإجابة وعدمها …

() أمالي الطوسي: ص182 المجلس7 ضمن ح306.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص249 ق3 ب2 ف2 ح5162.

() الكافي: ج2 ص122 باب التواضع ح2.

() سورة الأعراف: 46.

() سورة الفرقان: 63.

() سورة الشعراء: 215.

() بحار الأنوار: ج72 ص121 ب51 ح12.

() روضة الواعظين: ج2 ص466 مجلس في ذكر وبال الظلم.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص99 ق1 ب3 ح1696.

() الكافي: ج2 ص145 باب الإنصاف والعدل ح5.

() المحجة البيضاء: ج1 ب7 ص170.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص209 ب8 ح12762.

()غرر الحكم ودرر الكلم: ص51 ق1 ب1 ف4 ح362.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.