الحسين عليه السلام مصباح الهدي

اشارة

اسم الكتاب: الحسين(ع) مصباح الهدي

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: امام حسين(ع)

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

مكان الطبع: قم

الطبعة: اول

كلمة الناشر

أخذت الكتابة عن الإمام الحسين (عليه السلام) عدة أنواع من الدراسات، فمنها ما أخذ طابع السيرة والتي اتسمت بها مؤلفات الباحثين من المسلمين غير الشيعة وبعض الكتاب من غير المسلمين، وركز بعضها الآخر علي (المقاتل) والتي تناولت معركة الطف بتفصيل وهي غنية عن التعريف، بينما اتجهت بعض الدراسات الحديثة إلي إبراز قيم الثورة الحسينية كنهج تغييري في مسيرة التاريخ الإسلامي واستلهام الدروس والعبر من هذه الثورة المباركة، وهذا الكراس (الحسين عليه السلام مصباح الهدي) هو بحث في منهجية الثورة الحسينية المقدسة والأهداف التي رسمتها لعملية التغيير في سبيل إقامة الحكم الإسلامي علي الأرض، ويعرض الكراس أبعاد الشعائر التي يقيمها المسلمون في ذكري الثورة وآثارها علي واقع المسلمين من النواحي السياسية والاجتماعية في التركيز علي الجانب السياسي كمبادئ اللاعنف والتعددية وتطبيق القانون الإسلامي، وإذا كانت أصول الثورة الحسينية مستمدة من نهج الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإن مهمة إبراز ملامح الحكومة الإسلامية التي مرت بنموذج نهج الإمام الحسين عليه السلام تتوضح جلياً من خلال الربط بين عموميات المناهج الثلاثة لهذه الحكومة والتي يوجزها هذا الكراس تحت عنوان (الحكومة الإسلامية المرتقبة) مستقياً مبادؤها العامة في الشوري والحرية والتعددية من سيرة الإمام الحسين عليه السلام ونهجه في ثورة كربلاء في ثوب واقعي يأخذ بعين الاعتبار التطور السياسي للمجمع العالمي والمجتمع الإسلامي الذي يمثل شريحة مهمة يحسب لها المجتمع الدولي حسابات خاصة.

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين.

قال رسول اللّه صلي الله عليه و اله: ?إنّ الحسين مصباحُ الهُدي وسفينة النجاة?.

يصوّر الحديث الشريف لنا الدنيا بأروع

ما يمكن تصويره ليقربنا إلي واقع الدنيا وحقيقتها، فيشبّهها بلجج البحار المظلمة، التي لا سبيل للنجاة من لججها إلاّ بالسفينة، ولا طريق للخلاص من ظلماتها إلاّ بالمصباح، وهو تشبيه رائع.

فإن الإنسان في الدنيا بحاجة إلي:

1: المصباح المنير ليري به الطريق، وإلاّ ضاع في ظلمات الجهل والمرض والفقر، ووقع في المهاوي، ولم يبصر السباع والوحوش التي تريد افتراسه فيجتنبها، ولا العقارب والحيّات التي تريد انتهاشه فيحترز عنها، ولا يري ما يحفظ به جسده من الحرّ والبرد، وما يقيم بسببه بدنه من المأكل والمشرب حتي يستفيد منها.

2: كما أنه بحاجة إلي السفينة لتحفظه من الغرق والهلاك في لجج الدنيا المتلاطمة وتوصله إلي ساحل السعادة بأمان وسلام.

ويا تري مَن هذا الذي يستطيع أن يكون المصباح لهداية الإنسان في الدنيا، والسفينة لإنقاذه من لججها وغمراتها؟ إنه لا يمكن أن يكون إلاّ مَن نصّ عليه الوحي ودلّ عليه رسول اللّه صلي الله عليه و اله.

والحسين عليه السلام أحد المعصومين عليهم السلام الذين كلهم سُفُن النجاة ومصابيح الهدي، فقد قال النبي صلي الله عليه و اله: ?أهل بيتي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم?.

وقال صلي الله عليه و اله: ?أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجي، ومن تخلّف عنها غرق?.

فالصفتان: (المصباح والسفينة) لكل من المعصومين الأربعة عشر: (علي وفاطمة والحسن والحسين والسجّاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي عليهم الصلاة والسلام).

أما الرسول صلي الله عليه و اله بنفسه، فهو المصباح الأعظم، والسفينة الأشمل، وقد قال سبحانه: ?يا أيُّهَا النّبيُّ إنّا أرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً ? وَداعِياً إلي اللّه بإذْنِهِ وَسِراجاً مُنيرا?.

… والبشريّة إذ تعيش اليوم في ظلام دامس من الجهل، وتغرق في لُجج من الفوضي والاضطراب والقلق، لا علاج لها إذا

أرادت النجاة إلاّ بالاستضاءة بأنوار هؤلاء الأطهار، وركوب سفينتهم فانهم عِدل الكتاب الحكيم، حيث قال رسول اللّه صلي الله عليه و اله:

?إنّي مُخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعِتْرَتي ما إنْ تَمَسَّكتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلّوا مِنْ بَعْدي أبداً?.

ممّا يدلّ علي أنّه لولا التمسّك بالعترة إلي جانب التمسّك بالكتاب يكون الضلال الذي في دنياه عار وشنار وفي آخرته جحيم ونار وماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال.

مصيبة الحسين عليه السلام

… يا لها من مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام، وقد أجاد الشاعر حيث قال:

أنْسَتْ رَزيّتكُمْ رزايانا التي سَلَفَتْ وَهَوَّنَتْ الرَّزايا الآتية

وَفَجائِعُ الأيّام تَبْقي مُدَّةً وَتَزولُ وَهِيَ إلي القِيامَةِ باقية

قال الإمام الرضا عليه السلام: ?إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه فاستحلّتْ فيه دماؤنا، وهُتِكَتْ فيه حرمتنا، وسُبِيَتْ فيه ذرارينا ونساؤنا، واُضْرمَت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم يترك لرسول اللّه حرمة في أمرنا، إنّ يومَ الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعَنا، وأذلَّ عزيزنا، أرض كرب وبلا أورثتنا الكرب والبلاء إلي يوم الانقضاء، فعلي مثل الحسين عليه السلام فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام?.

إنّا لِلّهِ وَإنّا إلَيْهِ راجِعُون وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُونَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ العَلِيّ العَظيم.

محرّم شهر الحسين عليه السلام

… وها هو المحرّم قد أطلّ علي البشريّة فاللازم أن يستفيدوا منه بالقدر الممكن في أبعاد ثلاثة، بينما المتعارف الاستفادة من المحرّم في بُعد واحد:

أبعاد الشعائر الدينية

1: بُعد إقامة الصلاة وإيتاء الخمس والزكاة وغيرها من شؤون العبادات والأخلاقيّات والآداب وتعمير الحسينيّات والمساجد وتعمير أماكن الزيارات والمشاهد المشرّفة وإطعام الطعام وتسبيل الماء وما إلي ذلك، وهذا هو البُعد المألوف قليلاً أو كثيراً.

القوانين الإسلامية

2: بُعد تطبيق كافّة أحكام الإسلام:

ألف: من الشوري في الحكم في انتخابات حرّة تنتخب الاُمّة حكّامها الذين تتوفّر فيهم شروط الإسلام.

ب: ومن إطلاق الحريّات كما أمر اللّه سبحانه حيث قال: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ? مثل حرّية الأحزاب الإسلاميّة التي تكون تحت إشراف المراجع، وحريّة التجارة، وحريّة الصناعة، وحريّة الزراعة، وحريّة العمران، وحريّة السفر والإقامة، وحريّة الطبع والنشر، وحريّة التجمّع، وحريّة إبداء الرأي، وسائر الحريّات الممنوحة مِن قِبَل الإسلام والمذكورة في الكتاب والسنّة.

ج: ومن إسلاميّة كلّ القوانين، فلا ربا، ولا ضرائب غير إسلامية، ولا جمارك، ولا قوانين مخترعة ممّا لا مصدر لها في الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

د: ومن تحكيم الأخوّة الإسلاميّة، فلا حدود بين دول الإسلام، ولا يختلف العربي عن الفارسي وعن التركي وعن الكردي وعن الهندي وعن … في أيّة صغيرة أو كبيرة، بل ?إنَّما المُؤمِنونَ إخوَة? و?كلّكُم من آدم وآدم مِن تُراب?، و?إنَّ هذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةٌ واحِدَةٌ وَأنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون?، و?وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُم?.

وقال الإمام الحسين عليه السلام: ?فَلَعَمْري ما الإمام إلاّ الحاكِمُ بالكِتاب القائِم بالقِسْط والدائنُ بدين اللّهِ الحابسُ نَفْسهُ علي ذاتِ اللّه?.

فكيف يمكن ادّعاء الحكّام المستولين علي بلاد الإسلام هذا اليوم: الإسلام، وهم يحاربون أظهر أحكام الإسلام، وهي الأخوّة الإسلاميّة، فتري العربيّ يعدّ الفارسي في بلاده أجنبياً، وتري الفارسي يعدّ الهندي في بلاده أجنبياً، وتري الهندي يعدّ الأفغاني في بلاده أجنبياً، وهكذا.

ثم تدرّج هذا إلي أن صار العربي العراقي

يعدّ العربي الخليجي في بلاده أجنبياً، والفارسي الأفغاني يعدّ الفارسي الباكستاني في بلاده أجنبياً، وهكذا.

فهل يا تري يمنع الأخ أخاه عن دخول بلده؟

وهل يعدّ الأخ أخاه أجنبياً؟

وهل يمنع الأخ أخاه عن شراء الملك في بلده؟

وهل يمنع الأخ أخاه عن التجارة في بلده؟

فمن يزعم أنّ هذا هو الإسلام، فليعلم أنّ الإسلام الوارد في الكتاب والسنّة وكتب الفقهاء غير هذا الإسلام الذي يزعمه، والتعليلات التافهة لتبرير الحدود الجغرافية المصطنعة بين بلاد الإسلام، والتفرقة بين المسلمين، ليست إلاّ من إيحاءات الكفّار، الذين يريدون تفريق المسلمين لأجل السيطرة عليهم، كما حدث بالفعل مثل هذه التبريرات، وذلك مثل التبرير لوجود الربا في البنوك، ومحلات الدعارة والفجور، ومراكز القمار والخمور ووجود الجمارك، وأخذ الضرائب، باسم أنّه (لو لم نفعل ذلك لانهدم اقتصاد البلد) أو ما أشبه هذه الأعذار الواهية.

وقد التقي خليفة من الخلفاء بأحد الأئمة عليهم السلام، فقال الخليفة للإمام عليه السلام: عِظني، فقال عليه السلام: إنّ في المسلمين الأكبر والمساوي والأصغر منك عمراً، فاجعل أكبرهم أباً، وأصغرهم ابناً، وأوسطهم أخاً، فبِرّ أباك، وصِل أخاك، وارحم ابنك.

وهكذا يجب أن يكون المسلمون بعضهم مع بعض، وذلك لا قولاً في الإذاعات ووسائل الإعلام فقط، بل عملاً من أجل إسقاط الحدود الجغرافية، والحواجز النفسية، والفوارق القانونية، إلي غير ذلك من الأحكام الإسلامية التي لم يطبق شيء منها في أي بلد من بلاد الإسلام، والتي سبّبت تأخر المسلمين وهم (ألف مليون) ولا يتقدّمون إلاّ بالعمل بها، وإلاّ فسيبقون متخلّفين، ولن يخلف اللّه وعده، حيث قال: ?وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري فإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً?.

ولقد علّل الإمام الحسين عليه السلام ثورته الخالدة بقوله:

?اللّهمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلْطان، وَلا التماساً مِنْ

فُضول الحُطام، ولكنْ لِنُرِيَ المَعالِم مِنْ دينِكَ، ونُظْهِرَ الإصلاحَ في بِلادِكَ، ويَأمَنَ المَظْلومونَ مِنْ عِبادِكَ، وَيُعْمَلُ بِفَرائِضِكَ وَ سُنَنكَ وَأحْكامِكَ … ?.

التبليغ الإسلامي

3: بُعد تبليغ رسالات اللّه إلي كافّة شعوب العالَم، ممّا يمكن أن يكون المحرّم منطلقاً مناسباً لإبلاغ أهداف الإمام الحسين عليه السلام إلي البشرية المتعطشة، وذلك بجمع المال في المآتم والحسينيات، وتشكيل الهيئات لأجل إرسال المبلّغين إلي كلّ أنحاء العالم، حيث إنّ الإسلام دين عالمي، لإنقاذ جميع الناس من الظلمات إلي النور، وليس دين ألف مليون مسلم فقط.

أليس من المؤسف أن لا يكون للمسلمين في غير أقطارهم حتي مائة مبلّغ؟! بينما تدلّ الإحصاءات علي أن للمسيحيين في إفريقيا عشرة آلاف مبشّر، وفي آسيا تسعون ألف مبشّر، مهمّتهم تنصير الآسيويين والإفريقيين، وهم مزودون بكلّ وسائل الحياة والتقدّم، وقد تمكّنوا من تنصير الملايين في هاتين القارّتين.

وعلي هذا، فإذا اتخذنا (المحرّم) منطلقاً لهذين البُعدَيْن الأخيرين إلي جانب البُعد الأوّل فقد قمنا بالواجب علينا بالقدر الممكن، مضافاً إلي أن ذلك يوجب إخراج المسلمين من العبوديّة إلي السيادة، وإخراج كثير من غير المسلمين من الظلمات إلي النور.

اليقظة الإسلامية

وليست هذه الفوضي التي تشاهد في بلاد الإسلام دليلاً علي اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتّصف به الناعس بعد نوم طويل، حيث إن التثاؤب في هذا الحال، دليل الشروع في اليقظة، لا الأخذ في النوم، وقد نام المسلمون طويلاً طويلاً حتي قُسّمَتْ بلادهم، ونُهِبَتْ أموالهم، وهُتِكَتْ أعراضهم، واُريقَتْ دمائهم، وسادَتْ فيهم القوانين الكافرة، وعمّت فيه الفوضي والجهل والمرض والفقر والعداء والفرقة، والآن أخذوا يتثاءبون للنهوض. فإذا تمكّنوا من جعل برامج صحيحة للنهوض، لوصلوا إلي هدفهم السامي بإذن اللّه تعالي.

والبرامج هي كالتالي:

1: التنظيم وتأسيسه وتوسعته في كلّ بلاد الإسلام، لتكبر التنظيمات ويتّصل بعضها ببعض حتّي تكون تنظيماً واحداً ذا أجنحة، بشرط أن تكون فيه انتخابات حرّة دوريّة كلّ عامين مرّة مثلاً.

2: جعل مجلس

أعلي لكلّ التنظيمات الإسلاميّة الموجودة، يتداولون الاُمور ويقرّرون الأعمال بأكثرية الآراء، فقد قال علي عليه السلام: ?ونظم أمركُم?، وقال اللّه سبحانه: ?وأمرُهُمْ شوري بَيْنَهُمْ?.

3: التوعية الكاملة بإرشاد الاُمّة إلي مكامن الضعف والقوّة، لإزالة الاُولي، والاستفادة من الثانية، وذلك بحاجة إلي ما لا يقلّ من ألف مليون كتاب، قال عليه السلام: ?العالِم بزمانِه لا تَهْجم عليْه اللّوابِس?.

4: الاتصاف بالأخلاقيات الرفيعة، كما قال سبحانه: ?كُنْتُمْ خيْرَ اُمَّةٍ اُخرِجَتْ لِلنّاس تَأمُرونَ بِالمَعْروف? من التعقّل والتدبّر واللين والرفق والتعاون والإخلاص والتشاور والتحابب وغير ذلك ?وَتَنْهَوْنَ عن المُنْكَر? من العنف والقسوة والاستبداد والفرقة والتباغض والتشاحن وغيرها، فقد ورد في الحديث: ?تخَلَّقُوا بِأخلاقِ اللّه?.

5: الجماهيرية، بأن لا ينفصل التنظيم عن الجماهير، كما هو المُشاهَد الآن في بعض التنظيمات الإسلامية، حيث إن الكبرياء والغرور والاستعلاء علي الناس، ووَلَعهم في تبنّي البِدَع وارتكاب ما يفصلهم عن الاُمّة، وبذلك يسقطون عن إمكانية استقطاب الجماهير، وفي ذلك يكون سقوطهم، وقد قال علي عليه السلام: ?مَن استبدّ برأيه هَلَك?.

وقال عليه السلام: ?أوحَش الوحشة العُجْب?.

وقال الإمام الحسين عليه السلام: ?وَاعْلَمُوا أنَّ حَوائِجَ النّاس إلَيْكُمْ مِنْ نِعَم اللّهِ عَلَيْكُمْ?.

6: اتّباع الفقهاء المراجع، قال الإمام الحسين عليه السلام: ?ذلك بأنّ مجاري الاُمور والأحكام علي أيدي العُلَماء باللّه الاُمناء علي حلالِهِ وحرامه?، فإنّ انفصال التنظيم عن المرجعية التي انتخبتها الاُمة، يوجب سقوطه حتّي وإن زيّف التنظيم مرجعاً لنفسه بشتّي المعاذير والعلل، فإن الاُمّة تابعة لمراجعها الحقيقيين، ولا ينطلي عليها التزييف.

7: استقطاب القوي الإسلامية رجالاً من علماء وأطباء ومفكّرين، ومعدّات من دور نشر ومكتبات ومطابع ومدارس وغيرها، فإن جمع القدرات من أهمّ أقسام الحزم للوصول إلي الهدف، فإن البحار تتكوّن من قطرات الأمطار، والصحاري تتألف من حبّات الرمال.

الهدف الرئيسي للإمام الحسين عليه السلام

وبهذا البرنامج يمكن

التغلّب علي الصعاب، وتطبيق هدف الإمام الحسين عليه السلام من ثورته المباركة وهو: طلب الإصلاح في اُمّة جدّه محمد صلي الله عليه و اله حيث قال عليه السلام: ?إنّي لَمْ أخرُجْ بَطِراً ولا أشِراً وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً وَإنَّما خرَجْتُ أطْلُبُ الصَّلاحَ في اُمَّةِ جدّي مُحَمّد اُريدُ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأنْهي عَنِ المُنْكَر أسير بسيرة جدّي وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب … ?.

وقد قال عليه السلام بلسان الحال:

إن كان دين محمد لم يستقم إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني

وقال عليه السلام: ?أمّا بَعْدُ فَإنّي أدْعُوكُمْ إلي إحْياءِ مَعالِم الحَقّ وَإماتَةِ البِدَع فإنْ تجيبوا تهتدوا سُبُلَ الرّشاد?.

وقال عليه السلام: ?وَأنَا أدْعوكُمْ إلي كِتابِ اللّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ فَإنْ سَمِعْتُمْ قَوْلي وَاتَّبَعْتُمْ أمْري أهديكُمْ إلي سَبيلِ الرَّشاد?.

وبالبرنامج المذكور يكون الوعاة من الاُمّة، قد وضعوا يدهم علي أعظم القدرتين، إذ في الاُمّة قدرتان (أقلّهما قدرة وهي: الدولة) و(أعظمهما قدرة وهي: الاُمّة) فإذا رأينا قدرة الدول الإسلاميّة سائرة في المنهج المنحرف، يلزم علينا أن نتمسّك بقدرة الاُمّة لتقويم الانحراف.

منهج اللاعنف

واللازم أن يعرف الجميع من الرؤساء، والأثرياء، والعلماء، وسائر الناس من أصحاب الحرف والمؤسّسات: بأنّ الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل بالنسبة إلي الرؤساء والاُمراء بما عمله رسول اللّه صلي الله عليه و اله، حيث قال لهم: ?اذهَبوا فأنتُم الطلقاء?.

وبالنسبة إلي الأثرياء ما ذكرته الآية الكريمة، حيث قال سبحانه:

?لَكُمْ رُؤوس أمْوالكُمْ لا تَظْلِمونَ وَلا تُظْلَمون?.

وبالنسبة إلي العلماء الاحترام الكامل، حيث قال سبحانه:

?هَلْ يَسْتَوي الّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُون?.

وبالنسبة إلي سائر الناس كما قال سبحانه:

?إنّا خلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَر وَاُنْثي وَجَعَلْناكُمْ شُعوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ?.

وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?فَأمّا حَقّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصيحَةَ لَكُمْ وَتَوْفير فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ?.

وبالنسبة إلي غير المسلمين،

ما قاله علي عليه السلام أيضاً: ?الناس صِنْفان: إمّا أخ لَكَ في الدّين وإما نَظيرٌ لَك في الخلْق?.

وقال عليه السلام في نهج البلاغة لواليه الأشتر لمّا ولاّه علي مصر:

?وَلا تَكونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضارياً تَغْتَنِمُ أكلهمْ فَإنَّهُمْ صِنْفان: إمّا أخ لك في الدّين وإما نظير لكَ في الخلْق فاعطِهِمْ مِنْ عَفْوكَ وَصَفْحِكَ مِثْل الّذي تُحِبّ أنْ يُعْطيكَ اللّهُ مِنْ عَفْوهِ وَصَفْحِهِ?.

وحتي بالنسبة إلي المجرمين، قال سبحانه: ?ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أحْسَن السَّيِّئَةَ?.

وقد عفا رسول الله صلي الله عليه و اله عن وحشي قاتل عمّه حمزة، وعن هبار قاتل بنته وحفيده، كما عفا عليّ عليه السلام عن أهل الجمل والنهروان وصفّين، بعد أن ظفر عليهم.

وقد قال الرسول صلي الله عليه و اله ما نظمه الشاعر:

مكارم الأخلاق في ثلاثة منحصرة لين الكلام والسخا والعفو عند المقدرة

وقال علي عليه السلام: ?إذا مَلَكْتَ فَاسْجَحْ?.

وقال الإمام الحسين عليه السلام:

?أيُّهَا النّاس … إنَّ أعْفي النّاس مَنْ عَفا عَنْ قُدْرَةٍ، وَإنَّ أوْصَل النّاس مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ … وَمَنْ أحْسَنَ أحْسَنَ اللّهُ إلَيْهِ وَاللّهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ?.

فلا يتوهّم أحد أن الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل استبداداً، أو ينتقم، أو يعمل عملاً ممّا تعمله حكومات الشرق والغرب، كما تعمله بريطانيا في عراق البعث، وروسيا في أفغانستان، وأمريكا في فلسطين، وغيرهم من الحكومات الكافرة في البلاد الإسلامية.

بل لو أنّ اللّه تعالي هدي العالم إلي الإسلام، لتخلّص الشعب الروسي والصيني عن مظالم الشيوعية، والشعب الأمريكي والأوروبي عن مظالم الرأسمالية والاشتراكية، وذلك علي المنهاج الذي عمله رسول اللّه صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مدّة حكومتهما حيث انطوت تحت رحمة نبيّ الإسلام ونظامه العادل: (الحجاز، واليمن الشمالي والجنوبي، والبحرين، وقسماً من

بلاد الخليج).

وفي كلّ تلك الحروب التي أشعلها المشركون لإطفاء نوره صلي الله عليه و اله واضطرّ أن يتصدّي لها دفاعاً، كان صلي الله عليه و اله يسعي بجد للتوصّل إلي المهادنة والسلام حرصاً منه علي حفظ النفوس وقلّة القتلي، ولذلك لم يكن قتلي الفريقين طيلة تلك المدّة إلاّ ألفاً وثمانية حسب ما أحصاه بعض العلماء ممّا يشير إلي رحمة الإسلام وعدله الشامل.

سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

كانت حكومة أمير المؤمنين عليه السلام أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، (من أواسط إفريقيا إلي أواسط آسيا، ممّا عَدَّ بعض العلماء أنّ دولته عليه السلام كانت تشمل خمسين دولة في خريطة عالم اليوم).

ومع ذلك كان يعفو عن المسيء، ولا يأخذ المال من أحد ظُلماً، ويقسم الفيء بين المسلمين، وقد قال عليه السلام في كلام له: (إنّه وَفَّرَ لكلّ الناس المسكن والماء والرزق) ولم يكن في تلك الدولة الكبيرة حتّي إنسان واحد متيقّن بأنّه جائع، ولذا قال عليه السلام: ?ولعلَّ بالحِحاز أو اليمامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ في القُرْص وَلا عَهْدَ لَهُ بِالشَّبع … ? يعني أنّه لا يعلم بذلك علماً، وإنّما يحتمله احتمالاً.

وكان يستشير الناس في اُموره حتي جعل عليه السلام من حقّ رعيته عليه (كما في نهج البلاغة) إعطائهم المشورة له، وكان يُراقب عُمّاله وقضاته، حتي أنّ واليه عثمان بن حنيف لمّا حضر وليمة في البصرة عاتبه بكتاب، حيث يقول عليه السلام:

?أمّا بعد، يابن حنيف، فقد بَلَغَني أنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أهْل البَصْرَةِ دَعاكَ إلي مَأدُبَةٍ فَأسْرَعْتَ إلَيْها، تُسْتَطابُ لَكَ الألْوان، وتُنْقَلُ إلَيْكَ الجفان، وَما ظَنَنْتُ انّك تُجيبُ إلي طَعام قَوْم عائِلُهُمْ مَجْفُوّ وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوّ، فَانْظُرْ إلي ما تقضمهُ مِنْ هذا المقضم، فما اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمهُ فالفظهُ، وَما أيْقَنْتَ بطيبِ وُجوهِهِ

فَنَلْ مِنْهُ.

ألا وإنّ لِكُلّ مَأمُوم إماماً يَقْتَدي بِهِ وَيَسْتَضيءُ بِنُور عِلْمِهِ، ألا وَإنَّ إمامَكُمْ قَد اكْتَفي مِنْ دُنْياهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طَعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، ألا وَإنّكُمْ لا تَقْدِرُونَ عَلي ذلِكَ وَلكِنْ أعينُوني بِوَرع وَاجْتِهادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدادٍ، فَوَ اللّهِ ما كَنَزْتُ مِنْ دُنْياكُمْ تِبْراً، وَلا ادّخَرْتُ مِنْ غَنائِمِها وفراً، وَلا أعْدَدْتُ لِبالي ثوبي طمراً، ولا حُزْتُ مِنْ أرْضِكُمْ شِبْراً?.

ولمّا ضرب قنبر إنساناً سوطاً بغير حقّ اقتصّ منه، وقد عزل والياً له بمجرّد شكاية امرأة منه، وعزل قاضيَه أبا الأسود وبيّن عليه السلام أنّ عزله كان بسبب أنّ صوته يعلو صوت الخصمَيْن.

إلي كثير من أمثال ذلك في سيرة الرسول صلي الله عليه و اله وسيرة عليّ عليه السلام، ممّا يجب أن يطبّقه (شوري الفقهاء المراجع) الذين هم أعلي سلطة في الدولة الإسلاميّة المترقّبة بإذن اللّه تعالي (ذات ألف مليون مسلم)، لا بالنسبة إلي المسلمين، بل وحتّي بالنسبة إلي الأقليّات فقد روي عن النبي صلي الله عليه و اله انّه قال: ?مَنْ آذي ذِمِياً فَقَدْ آذاني?.

وقال رسول اللّه صلي الله عليه و اله: ?مَنْ ظَلَمَ مُعاهِداً أو انْتَقَصَهُ حَقَّهُ أو كلَّفَهُ فَوْقَ طاقَتِهِ أو أخذ مِنْهُ شيئاً بغير طيب نَفْس فَأنَا حَجيجهُ يَوْمَ القِيامَةِ?.

وقال صلي الله عليه و اله: ?مَنْ آذي ذِمِيّاً فَأنَا خصْمهُ وَمَنْ كُنْتُ أنَا خصْمُهُ خصَمْتُهُ يَوْمَ القِيامَة?.

فإنّ مِن دون تطبيق ذلك لا يتمّ تطبيق الإسلام، وقد قال علي عليه السلام: ?وليتأسَّ مُتَأسّ بِنَبِيِّهِ، وَإلاّ فَلا يَأمَنَنَّ الهَلَكَة?.

الحكومة الإسلامية المرتقبة

وعلي هذا فملامح الدولة الإسلامية المرتقّبة، هي:

1: شوري مراجع التقليد، الذين تتوفّر فيهم شروط المرجعيّة، إلي جانب اختيار أكثريّة الاُمّة لهم، في أجواء حرّة.

2: الأحزاب الإسلامية الحرّة التي أزمّتها بأيدي مراجع التقليد.

3: تطبيق جميع القوانين الإسلامية، والتي منها الحريّات

الآنفة الذكر، والأخوة الإسلامية، وإسقاط الحدود بين البلاد الإسلامية، حتي تكون بلداً واحداً.

فإذا جعلنا مجالس الإمام الحسين عليه السلام منطلقاً إلي هذه الاُمور، فقد أدّيْنا بعض ما علينا من اللازم تجاه الإمام الحسين عليه السلام الذي لم يضحّ بنفسه وأهل بيته وأصحابه إلاّ لتطبيق الإسلام وإنقاذ الناس، كما في زيارته عليه السلام: ?لِيَسْتَنْقِذَ عِبادكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحيرةِ الضَّلالَةِ?.

وإذا توفّرت الحركة الإسلامية الصحيحة ذات الصبغة الجماهيرية الواسعة، ووعي الشعب خيره من شرّه، تعقّب ذلك ما يلي:

حكومة الشعب

الأوّل: اختفاء الانقلابات العسكرية، التي ليست إلاّ عبارة عن تآمر جماعة من فاقدي الكفاءات بتخطيط من الكفّار والأجانب، للقفز علي الحكم، ثم لا يكون شأنهم إلاّ سفك الدماء ومصادرة الأموال وملئ السجون وجعل البلاد نهباً للأجنبي الشرقي والغربي.

وكذلك اختفاء الحكومات الوراثية، والوصائية، حيث تمهّد الحكومة السابقة جوّاً من الدعاية لما تريده من حكومة مستقبلة ليس همّها إلاّ حفظ مصالح السابقين، فإنّ كلّ هذه الحكومات (الانقلابية، والوراثية والوصائية) لا تكون إلاّ في جوّ فقدان الوعي وعدم وجود حركة إسلامية صحيحة تقف بالمرصاد لكل محاولة انتزاع السلطة من الاُمّة.

التعددية

الثاني: توزّع القدرة حينئذ بين كافّة الطبقات والفئات، سواء قدرة الحكم أو السلاح أو العلم أو المال أو غيرها، فلا تكون القدرة بيد جماعة خاصّة تستبدّ بها، أمّا سائر الناس فلا شأن لهم، ومن لم يصفّق منهم للسلطة يكون مصيره السجن والتعذيب والقبر ومصادرة الأموال.

ولقد كان معاوية مصداقاً ظاهراً للحاكم المستبدّ الذي جمع مختلف السلبيّات ولقد قال فيه الإمام الحسين عليه السلام: ?أمّا بعد يا معاوية … لقد فضّلتَ حتي أفرطْتَ واستأثرْتَ حتّي أجْحَفْتَ و … ?.

وقال عليه السلام: ?فأبْشِر يا معاوية بالقصاص.. وليس اللّه بناس لأخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه علي التهمة، ونفيك أولياءه مِنْ دورهم إلي دار الغُرْبَة، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد خسرْتَ نفسكَ وتبرّت دينك وغششتَ رعيّتك وأخربْتَ أمانتك وَسَمِعْتَ مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي?.

بينما إذا وزّعت القدرة يقع التنافس الحرّ، ولا تقدر جهة أن تجحف بحقّ الناس، كما هو الحال في (الاستشارية الإسلاميّة) ممّا يوجد شيء قليل منه في الديمقراطية.

إن الغرب لمن العِبَر لنا نحن المسلمين، فانهم إنما تمكّنوا السيطرة علي البلاد الإسلامية وتدميرها،

لتوزّع القدرة بينهم، ولدكتاتورية حكام بلاد الإسلام واستبداد الحزب الحاكم بالقدرة فيها، فبينما تري في الغرب تعدّد الأحزاب الحرّة، وتعدّد الصحف الحرّة، وتبدّل الدولة من أوّلها إلي آخرها كلّ فترة وفترة في انتخابات حرّة، وكون الإعلام والمال والسلاح والعلم للجميع (وبطبيعة الحال الحرية في منطقهم، لا في منطق الإسلام).

لا تري من مثل هذه الحريّات في البلاد الإسلامية أقلّ أثر، حيث البلاد بما فيها من أغلبية مسلمة ساحقة ترزح تحت كابوس حكّام نزوا علي الحكم بلا كفاءات ولا معتقدات إسلامية، وفرضوا علي الاُمة المسلمة أنظمة مخترعة من مثل القومية أو البعثية أو الشيوعية أو الديمقراطية المزيّفة، أو العلمانية، التي لا تعرف من الإسلام سوي التشرخ باسمه، ومن القرآن إلاّ إجادة طبعه ورسمه، فهي بمعزل عن الإسلام والمسلمين وعن القرآن وأحكامه السامية.

أليس ذلك عبرة أن نعرف الداء ونعرف الدواء، ونحاول علاج المرض؟

وحينذاك تتجلّي عظمة الإمام الحسين عليه السلام في كلامه حيث قال: ? … إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم?.

وقال عليه السلام للحر الرياحي: ?ما أخطأت أمّك إذ سّمتك حراً، فأنت حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة?.

كما يظهر ذلك في أرجوزته عليه السلام يوم عاشوراء وهو يكرّ علي الأعداء ويقول:

أقسمت لا اُقتل إلاّ حرّاً ****وإن رأيت الموت شيئاً نُكراً

الكفاءات

الثالث: ظهور الكفاءات، فإن الكفاءات لا تعيش في جو الاختناق والإرهاب، ولا تظهر ثمارها في مثل هذا الجو، وهذا أيضاً من أسباب قوّة الغرب وضعف المسلمين، فقد جاء في تقرير مسبق: أن في خلال ربع قرن من الزمان فقط وليس أكثر هرب من أصحاب العقل والفكر وذوي الكفاءات العلميّة والعمليّة، من الشرق الأوسط إلي أمريكا وأوروبا وغيرها، زهاء نصف مليون، هذا

بالإضافة إلي الذين قُتِلوا، أو جُمّدت نشاطاتهم، أو لم تتفتق مواهبهم من ملايين المسلمين.

وقد أصبحت غالب البلاد الإسلامية في الحال الحاضر، وفي عصر النور والذرّة تعاني من حيث سحق الكفاءات وملاحقة أصحاب العقل والفكر بأبشع مما كانت تعاني منه في القرون الوسطي وفي عصر الظلم والظلمات، فقد طارد حكّام تلك العصور أمثال (جابر بن حيان) الكيماوي الكبير حتي اختفي، وقَتَلت (ابن السكيت) بسلّ لسانه من قفاه، وقَتَلت (عبد اللّه بن المقفع) بقطع أعضاء جسده عضواً عضواً، وإلقائها في النار وهو حيّ وذلك أمام عينيه حتي مات، ثم إلقاء بقاياه في النار أيضاً.

وقتلت (ابن مقله) بقطع يمينه ولسانه حتي مات، وضربت علي رأس (محمد بن زكريا الطبيب) كتبه حتي عمي وبقي متأثراً بالضربة حتي مات.

وإننا نجد في كتاب الإمام الحسين عليه السلام لمعاوية:

? … ألستَ القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين كانوا ينكرون ويستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في اللّه لومة لائم، ثم قتلتَهم ظلماً وعدواناً بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة … أولستَ قاتل الحضرمي … قَتَلهم (زياد) ومثّل بهم بأمرك?.

نعم قتلوا (حجراً) و(ميثماً) و(كميلاً) وغيرهم، أما قتلهم للأئمّة الهداة الطاهرين عليهم السلام وأولادهم وذويهم فحديث الركبان.

تقدم البلاد

الرابع: يظهر واقع الثقل في مختلف الأبعاد العلمية والعملية في بلاد الإسلام، حيث إن الثقل والواقعية.. الزراعية والصناعية والتجارية والثقافية والعسكرية وغيرها، وليدة الكفاءة والحريّة، وبذلك تتلاحم القدرة والإيمان والعلم والمال والسلاح، وتتقدّم البلاد إلي الأمام بخطوات سريعة.

استرجاع البلاد الضائعة

الخامس: استرجاع البلاد الإسلاميّة الضائعة، وإنقاذ أهلها من براثن الكفار والمستعمرين، سواء المنسية منها، كالبلاد الإسلامية التي ترزح تحت الاحتلال الروسي أمثال (أرمينيا، وأزبكستان، وتركستان، وتاجكستان، وقرقيزيا، وقازقستان) أم غير المنسية منها كفلسطين وإرتريا وبلاد مورو وغيرها.

وإذا رأينا كيف أن المحرّم يمكن أن يكون منطلقاً للنجاة والإنقاذ، فالواجب هو:

1: تكثير المجالس الحسينية، كمّاً.

2: وتقويتها، كيفاً.

3: وربطها بالوسائل الحديثة كالإذاعات والتلفزيونات والجامعات والصحف والأقمار الصناعية، وما إليها.

الإخلاص في العمل

ثم إن من الضروري الاهتمام لمزيد من الإخلاص في قضايا الإمام الحسين عليه السلام واقتران ذلك بالتقوي، فإنّ اللّه تعالي إنّما يَقبل عمل المتّقين، كما قال سبحانه: ?إنَّما يَتَقَبَّل اللّهُ مِنَ المُتَّقين?، فإنّ العمل إذا لم يكن منبعثاً عن الإخلاص لم يكن له أجر، بل كان له وزر، ويكون كذبائح (نمرود) للّه تعالي، فقد روي العلاّمة النراقي رحمه اللّه، أن نمرود لمّا رآي أن نار إبراهيم عليه السلام أصبحت عليه برداً وسلاماً أراد أن يظهر لعَبَدَته وبني قومه أنه معترف باللّه، وأنّه الإله الأكبر له، وليس هو إله إبراهيم عليه السلام، فقرّب إليه سبحانه بثمان عشرة ألف بقرة.

ومن الواضح إنّ اللّه لا يَقبل عمل المفسدين، كما قال سبحانه في شأن قربان قابيل: ?إذ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر?، فإذا فعلنا كل ذلك، نكون قد ساهمنا في بيان هدف الإمام الحسين عليه السلام وواصلنا نهجه في مكافحة الانحراف العقائدي والعملي كالكفر والنفاق والرذيلة والمرض والجهل والفقر والتخلّف والفوضي والحرب والعدوان والفرقة والتشتّت والخرق والقسوة والدكتاتورية والاستبداد، وذلك بسبب مجالس الإمام الحسين عليه السلام وإقامة الشعائر الحسينية، وما ذلك علي اللّه بعزيز.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

پي نوشتها

راجع بحار الأنوار: ج36 ص 205 ب40 ح8، والصراط المستقيم: ج2 ص161.

دعائم الإسلام: ج1 ص86، وغوالي اللآلي: ج4 ص86.

وسائل الشيعة: ج27 ص34 ب5 ح33145، والعمدة: ص358.

سورة الأحزاب: 45 - 46.

راجع بحار الأنوار: ج5 ص68 ب2 ح1. وهذا حديث متفق عليه بين الفريقين.

الإقبال: ص544. والأمالي للشيخ الصدوق: ص128 المجلس27 ح2.

سورة الأعراف: 157.

سورة الحجرات: 10.

مشكاة الأنوار: ص59. وبحار الأنوار 67 ص287 ب56 ح10.

سورة الأنبياء: 92.

سورة الحجرات: 13.

روضة الواعظين: ج1 ص173. والمناقب: ج4 ص90.

راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص168 ب3 ح12664 وفيه: ?وأنزلهم

جميعاً منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهده بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ علي أخيه?.

يشير آخر إحصاء صدر عام 1413ه عن مركز (الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية) بمصر إلي أن عدد المسلمين في تسعين دولة من العالم بلغ مليار وستمائة مليون مسلم. أما الإحصاءات الأخيرة فتقول: بأن المسلمين ملياران.

سورة طه: 124.

تحف العقول: ص 237.

نهج البلاغة، الكتب: 47 ومن وصية له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.

سورة الشوري: 38.

الكافي: ج1 ص26-27 ح29.

سورة آل عمران: 110.

بحار الأنوار: ج58 ص129.

نهج البلاغة، قصار الحكم: 161.

نهج البلاغة، قصار الحكم: 38.

مستدرك الوسائل: ج12 ص369 ب15 ح14322.

مستدرك الوسائل: ج17 ص315 ب11 ح21454.

المناقب: ج4 ص89 فصل في مقتله عليه السلام.

من كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص64.

من كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص64.

الكافي: ج3 ص512-513 ح2. وانظر أيضا (ولأول مرة في تاريخ العالم) للإمام المؤلف ?.

سورة البقرة: 279.

سورة الزمر: 9.

سورة الحجرات: 13.

نهج البلاغة، الخطب: 34 ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلي أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج وفيها يتأفف بالناس وينصح لهم بطريق السداد.

تحف العقول: ص126.

نهج البلاغة، الكتب: 53 ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر.

سورة المؤمنون: 96.

بحار الأنوار: ج20 ص299 ب18.

راجع بحار الأنوار: ج75 ص121 ب20، وكشف الغمة: ج2 ص29.

نهج البلاغة، الكتب: 45 ومن كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري.

قال عليه السلام: ?وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب? نهج البلاغة، الخطب: 34.

نهج البلاغة، الكتب: 45 ومن كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري.

راجع شرح النهج: ج17 ص147 عن أمير المؤمنين عليه السلام.

انظر

مستدرك الوسائل: ج11 ص168 ب3 ح12663.

انظر بحار الأنوار: ج71 ص21 ب1.

راجع نهج البلاغة، الخطب: 160.

تهذيب الأحكام: ج6 ص59 ب18.

رجال الكشي: ص51.

اللهوف: ص119.

روضة الواعظين: ج1 ص176، واللهوف: 55.

من كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص118-119.

سورة المائدة: 27.

سورة المائدة: 27.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.