إحياء معالم الإسلام

اشارة

اسم الكتاب: إحياء معالم الإسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: اسلام

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1424 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعي فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ

صدق الله العلي العظيم

سورة البقرة: 114.

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الله تبارك وتعالي خلق الوجود وسخر ما فيه لخدمة البشر ثم بعث الأنبياء والرسل رحمة للعالمين وجعل مهمتهم توجيه الناس نحو الصراط الأمثل المؤدي إلي السعادة المطلقة والكمال المطلوب.

ومن الواضح إن مهمة النبي وحامل الرسالة الإلهية مهمة عظيمة، ليس كما يتصورها البعض بأنها مجرد حمل أخبار السماء إلي الأرض أو إرشاد الناس إلي عبادات معينة يلتزمون بها ويعملون ضمن إطارها الملموس بل هي مهمة إلهية صعبة أوكلها الخالق عز وجل لمن يستحقها ليكون منارا في الأرض يرجع إليه العاملون ويهتدي بنوره الضالون وقد أشار إلي هذا المعني سبحانه في قوله: ?يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً? وَداعِياً إِلَي اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً?() فالله عزوجل رسم طريق الحياة وأصطفي ثلثه من البشر ليكونوا الأدلاء علي مرضاته، فجاء النبي والرسول والوصي والإمام المعصوم عليهم السلام يحمل المسؤولية الكبري ?إنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ عَلَي السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ?().

ولو أمعنا النظر في آي الذكر الحكيم لمسنا حقيقة هامة يبينها تعالي لعباده ألا وهي حقيقة الإرسال وقد عبر عز وجل عن شخصية المرسل في كتابه الكريم بتعبيرين مختلفين فتارة يطلق عليه (الرسول) وتارة أخري يسميه (النبي) فما هو الفرق بين النبي والمرسل؟ وهل أنهما يحملان نفس الرتبة التبليغية

أم لا؟

وما هي مكانة نبينا الأعظم صلي الله عليه و اله وهو خاتم الأنبياء والمرسلين الذي حمل رسالة الإسلام إلي العالم ونقل الأمم من ظلام الغفلة والتخبط إلي نور الحقيقة والرشاد؟ فكان صلي الله عليه و اله يتحرك وفق ما تقتضيه الرسالة السماوية الكبري فيبين للناس دستور الحياة الرغيدة والسلوك السوي والقانون التربوي الصالح وجعلها تجري في شرايينهم كالدماء النقية فتعبق بعبير السماء الذي لا يزول مهما حرّفه الضالون.

وعندما أخذت التعاليم الإسلامية تنتشر خارج النطاق المكي وهاجر النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة المنورة بدأت الدعوة الإسلامية تأخذ طابعا جديداً يسير وفق ظروف الدولة الجديدة إلي أرسي أسسها النبي الأكرم صلي الله عليه و اله.

فقام صلي الله عليه و اله بعدة أعمال من بينها بناء مسجد لمسلمين تقام فيه الصلاة ويعتبر أول مسجد أقيم في الدولة الإسلامية يعبر عن هوية المسلمين ويحمل شعارهم الأغر؛ وبهذا أصبح المسجد أقوي وسيلة إعلامية تهدد الظلمة الذين يسعون في الأرض فساداً؛ ولذا نجد الظالم يسعي ويبذل ما يبذل من أجل هدم وتخريب بيوت الله، قال تعالي: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعي فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ?().

ولهذا نجد الزهراء عليها السلام قد أدركت عظمة المساجد فاتخذت من مسجد أبيها صلي الله عليه و اله نقطة انطلاق تشرح فيها المضامين الإسلامية السامية النابعة من الدستور الإسلامي السليم القائم علي النهج القراني ونهج الأئمة الأطهار عليهم السلام.

ولم يقف المجرمون إلي حد تخريب بيوت الله، بل وصلت بهم يد الإجرام إلي هدم المراقد المقدسة في البقيع، ومحو آثار أهل بيت النبي

صلي الله عليه و اله التي تعتبر أعظم المعالم الإسلامية المشرفة، وأرفع المساجد التي يتعبد في رحابها المؤمن ويقتبس من نورها الإيمان والأخلاق السامية والشريعة الحقة، هذا ووصل الأمر بل إلي التخطيط لهدم ضريح النبي صلي الله عليه و اله إلا أن مخططاتهم باءت بالفشل؛ فقد اندلعت التظاهرات والاحتجاجات الصاخبة في البلاد الإسلامية وهي تهدد بالوعيد كيان الظالمين.

وكما عودنا الإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله مقامه) علي كشف المخططات السوداء، فقد تعرض ?في هذا الكتاب إلي أهمية دور الأنبياء والمرسلين في تثبيت التعاليم السماوية التي تحملوا عبئها الثقيل من أجل إيصال الفكر السليم والثقافة الصافية إلي المجتمعات المتخبطة في أوهام الجهل والعادات السقيمة.

كما كان يدعو ? دائماً إلي السعي الجاد والتحرك المتواصل من أجل الحفاظ علي آثار الحضارة الإسلامية وإحياء معالمها المقدسة، وبناء ماهدمه المخربون؛ لأنها بحق تعبر عن هوية المسلم وشعاره الذي لايدرس.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع الراحل (أعلي الله درجاته) والتي ألقاها? في أكثر من قرن من الزمان في العراق والكويت وإيران..وقد راجعها? وأضاف عليها ما يناسبها.

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لطبع ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من نشر سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة، تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955/ 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

بين الرسول والنبي

قال تبارك وتعالي في كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً?وَدَاعِياً إِلَي اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً?().

إن الله سبحانه وتعالي تطرق إلي موضوع الرسالة وصفاتها في القرآن المجيد، عبر عن شخصية المرسَل بتعبيرين مختلفين، هما: الرسول بقوله: ?أَرْسَلْناكَ? والنبي في خطابه: ?يَا أَيُّهَا النَّبِي?، فمعني الرسول حامل الرسالة، ومعني النبي حامل النبأ، فللرسول شرف الوساطة بين الله سبحانه وبين خلقه، وللنبي شرف العلم بالله وصفاته، وبما عنده من أحكام وتعاليم للبشرية والإخبار بها.

وقيل: إن الفرق بين النبي والرسول بالعموم والخصوص المطلق، فالرسول هو الذي يبعث فيؤمر بالتبليغ فيحمل الرسالة، والنبي هو الذي يبعث سواء أمر بالتبليغ أم لم يؤمر، فالرسول أخص من النبي مطلقاً؛ لأن النبي له مصداقان أحدهما الرسول فيما إذا أمر بالتبليغ، والآخر إذا بعث ولم يؤمر بالتبليغ فهو نبي فحسب وليس برسول.

وهناك اعتبارات أخري تتناسب مع بعض استعمالات اللغة العربية، قال تعالي: ?وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسي إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّاً?(). والآية هنا في مقام المدح والتعظيم، وقد لايتناسب في هذا المقام التدرج من الخاص إلي العام؛ فربما كان النبي هنا بمعني آخر، كالذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم، من أصول الدين وفروعه علي ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلي سعادتهم، والرسول عليه السلام هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة علي إتمام الحجة لمن بعث إليهم، كما قال تعالي: ?لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ?()، ولازمه أن للرسول شرف الوساطة بين الله تعالي وبين عباده، وللنبي شرف إخبار الناس بالأحكام الشرعية.

ويستفاد من

بعض الروايات: إن الرسول هو الذي يظهر له المَلَك،أو المبعوث من الله تعالي كجبرائيل عليه السلام مثلاً ويحدثه، أما النبي فهو الذي يري في منامه، وفي رواية عن زرارة قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: ?وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا?() ما الرسول، وما النبي؟

قال: «النبي الذي يري في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين المَلَك، والرسول الذي يسمع الصوت ويري في المنام ويعاين المَلَك».

قلت: الإمام ما منزلته؟

قال: «يسمع الصوت ولا يري ولا يعاين المَلَك» ثم تلا هذه الآية: «?وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ?() ولامحدّث» ().

وقيل في معني النبي: النبي هو الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر، أعم من أن يكون له شريعة كمحمد صلي الله عليه و اله أو ليس له شريعة كيحيي عليه السلام. وقيل: سمي نبياً لأنه أنبأ من الله تعالي، أي: أخبر. وقيل: هو من النبوة والنباوة لما ارتفع من الأرض، والمعني: أنه ارتفع وشرف علي سائر الخلق، وقيل غير ذلك. وفرق بينه وبين الرسول: أن الرسول هو المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر، وله شريعة مبتدأة كآدم عليه السلام أو ناسخة كمحمد صلي الله عليه و اله.

وبأن النبي هو الذي يري في منامه ويسمع الصوت، ولا يعاين المَلَك، والرسول هو الذي يسمع الصوت ويري في المنام ويعاين، وبأن الرسول قد يكون من الملائكة بخلاف النبي. وجمع النبي أنبياء، وهم علي ما ورد في بعض الأحاديث مائة ألف وعشرون ألفاً، والمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر.

وقد سئل رسول الله صلي الله عليه و اله أ كان آدم نبيا؟

قال صلي الله عليه و اله: «نعم، كلمه الله وخلقه بيده».

وأربعة من الأنبياء عرب، وعد منهم هود وصالح وشعيب.

وفي حديث

الإمام الصادق عليه السلام: «الأنبياء والمرسلون علي أربع طبقات: فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبي يري في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلي أحد وعليه إمام، مثل ما كان إبراهيم عليه السلام علي لوط عليه السلام، ونبي يري في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد أرسل إلي طائفة قلوا أو كثروا، كيونس عليه السلام قال الله ليونس: ?وَأَرْسَلْنَاهُ إلَي مائَة أَلْفٍ أَوْ يَزيدُون?() قال: يزيدون ثلاثين ألفاً وعليه إمام، والذي يري في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة، وهو إمام مثل أولي العزم، وقد كان إبراهيم نبياً وليس بإمام حتي قال الله: ?إنّي جَاعلُكَ للنَّاس إمَاماً قَالَ وَمنْ ذُرّيَّتي?()؟ فقال الله: ?لاَ يَنَالُ عَهْدي الظَّالمينَ?()، من عبد صنماً أو وثناً لايكون إماما» () انتهي.

وقد جمع رسول الله صلي الله عليه و اله بين النبوة والرسالة، فقد كان نبياً ورسولاً إلي الأمم. ومن الأنبياء من نبأ ولم يبعث إلي أمة أو قرية كالنبي إسماعيل عليه السلام.

وهناك رسول بالمعني الأعم لا يكون نبياً بالمعني الأخص كجبرائيل عليه السلام حيث كان رسولاً من قبل الله لإبلاغ الوحي ولم يكن نبياً، وعلي هذا يكون الفرق بين النبي والرسول بنسبة العموم والخصوص من وجه علي اصطلاح المناطقة لاشتراكهما في خاتم الأنبياء صلي الله عليه و اله وافتراقهما في النبي إسماعيل عليه السلام وجبرائيل عليه السلام.

ثم إن القرآن الكريم صرح بأن الأنبياء كثيرون وإن لم يذكر قصص الجميع، فإن الذي قصهم الله تعالي في كتابه بالاسم يبلغون بضعة وعشرين نبيا. وقد جاء في الروايات تفصيل أكثر لأخبار الأنبياء عليهم السلام وكلها دروس وعبر().

أولوا العزم

ثم إن سادات الأنبياء هم أولوا العزم منهم، وهم: (نوح، وإبراهيم، وموسي،

وعيسي، ومحمد (صلوات الله عليهم أجمعين) فقد قال أبو عبد الله عليه السلام: «سادة النبيين والمرسلين خمسة، وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحي: نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلي الله عليه وآله وعلي جميع الأنبياء» ().

وقال تعالي: ?فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ?()وإن معني العزم هنا هو الثبات علي العهد الأول المأخوذ منهم، وعدم التعامل معه كالناسي. قال تعالي: ?وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسي وَعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً?().

روي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: ?وَلَقَدْ عَهدْنَا إلَي آدَمَ منْ قَبْلُ فَنَسيَ وَلَمْ نَجدْ لَهُ عَزْماً? () قال: «عهد إليه في محمد صلي الله عليه و اله والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم أنهم هكذا، وإنما سموا أولو العزم؛ أنه عهد إليهم في محمد صلي الله عليه و اله والأوصياء من بعده عليهم السلام والقائم عليه السلام وسيرته، فأجمع عزمهم علي أن ذلك كذلك، والإقرار به» ().

وعنه عليه السلام أيضا قال: «إن الله تبارك وتعالي حيث خلق الخلق، خلق ماء عذباً وماء مالحاً أجاجاً، فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض، فعركه عركا شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلي الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال: إلي النار ولا أبالي، ثم قال: ?أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ?()، ثم أخذ الميثاق علي النبيين، فقال: ألست بربكم، وأن هذا محمدٌ رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين؟

قالوا: بلي، فثبتت لهم النبوة. وأخذ الميثاق علي أولي العزم: أنني ربكم، ومحمدٌ رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي

أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعاً وكرهاً؟

قالوا: أقررنا يا رب، وشهدنا. ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزمٌ علي الإقرار به؛ وهو قوله عز وجل: ?وَلَقَدْ عَهدْنَا إلَي آدَمَ منْ قَبْلُ فَنَسيَ وَلَمْ نَجدْ لَهُ عَزْماً? () قال: إنما هو فترك، ثم أمر ناراً فأججت، فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها، فدخلوها، فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال: يا رب، أقلنا، فقال: قد أقلتكم اذهبوا، فادخلوا فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية» ().

من أوصاف الرسول صلي الله عليه و اله

قال تبارك وتعالي: ?يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ? وَداعِياً إِلَي اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيرا?().

أرسل الله سبحانه وتعالي النبي الأعظم صلي الله عليه و اله داعياً إلي الحق، وزوده بالحجج الكافية الوافية، مبشراً من أطاع بالجنة، ومنذراً من عصاه بعذاب أليم.. وسيشهد غداً علي هذا بأنه أعرض وتولي، ولذلك بأنه سمع وأطاع؛ فهو صلي الله عليه و اله شاهدٌ ومبشر ونذير.

وفي نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «أرسله داعياً إلي الحق، وشاهداً علي الخلق، فبلغ رسالات ربه، غير وانٍ ولامقصر، وجاهد في الله أعداءه، غير واهن ولا معذر()، إمام من اتقي، وبصر من اهتدي» ().

وسوف نتطرق إجمالاً إلي بعض مفردات هذه الآية المباركة، فإن ?شاهِداً? أي: شاهداً علي أمتك في ما يفعلون من طاعة الله أو معصيته أو إيمان أو كفر؛ لتشهد لهم يوم القيامة أو عليهم، فيجازيهم الله عزوجل بحسب ذلك.

?وَمُبَشِّراً? أي: مبشراً لهم بالجنة وثواب الأبد، إن أطاعوا الله سبحانه واجتنبوا معصيته، أي: إنك من المبشرين للذين يعملون الحسنات في الدنيا بالحسني، كما قال تعالي: ?فَمَنْ

يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ?() والجزاء الأوفي في الآخرة، كما قال تعالي: ?وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعي? وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُري? ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الأَوْفي?().

?وَنَذِيراً? أي: مخوّفاً من النار وعقاب الأبد لمن يرتكب المعاصي ويترك الواجبات. فالذين يعملون السيئات أنت لهم من المنذرين والمحذرين بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالي: ?وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?().

?وَداعِياً? أي: وبعثناك داعياً لهم فتدعوهم. ?إِلَي اللهِ بِإِذْنِه? والإقرار بوحدانيته عزوجل، وامتثال ما أمرهم به والانتهاء عما نهاهم عنه، فإنك يا رسول الله تمتلك الوعاء الطاهر في جوفك، وهو قلبك الكبير السليم النظيف؛ لذا فأنت مؤهل لأن تكون صاحب إذن وإجازة من الله عزوجل لكي تدعو الناس إلي عبادته.

?وَسِراجاً مُنِيراً? أي: أنت يا رسول الله بمنزلة السراج الذي يهتدي به الخلق، والمنير هو الذي يصدر النور من جهته، إما بفعله أو لأنه سبب له، فالقمر منير والسراج منير بالمعني الأول، أي: ما يصدر منه النور، والله نور السماوات والأرض بالمعني الثاني، أي: إنه خالق للنور وسبب لإنارتها، وفي هذه الآية المباركة يشبه الله سبحانه وتعالي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بالمصباح المضيء الذي يضيء به قلوب الناس المظلمة، ليهتدي به التائهون إلي شاطئ السلام والأمان، ويهديها إلي سبيل الهدي والصلاح بإذن الله تعالي().

وهذا التشبيه «السراج المنير» في الاصطلاح البلاغي من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، أي: كما أن رؤية الأمور المادية تحتاج إلي الضوء والمصباح، فكذلك الأمور المعنوية تحتاج إلي من يبعث النور فيها لكي تتجلي لمن أراد أن يتبع طريق الحق والإيمان.

فالرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في الوقت الذي هو شاهد علي أعمال الناس، هو أيضاً نور ومصباح، يشع بضوئه في

قلوب المؤمنين، وما تزال أنواره دائمة باقية لا زوال لها ولا اضمحلال؛ حيث جعله الله سبحانه خاتماً لأنبيائه، وشريعته آخر الشرائع حيث قال: ?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ?().

من معالم الإسلام

مسجد قبا

لقد ركز رسول الله صلي الله عليه و اله معالم الإسلام بنفسه الشريفة، لذا علينا أن نحيي تلك المعالم المقدسة ونحافظ عليها، فقد كان من سياسة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بناء المساجد، حيث أمر رسول الله صلي الله عليه و اله ببناء أول مسجد في تأريخ الإسلام علي بعد فرسخ من المدينة المنورة باسم مسجد قبا()، وذلك عند هجرة الرسول صلي الله عليه و اله من مكة إلي المدينة حيث نزل في قبا وانتظر أمير المؤمنين علياً عليه السلام والفواطم (السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين عليه السلام، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب) هناك ثم دخل المدينة بصحبتهم.

وقد كرم الله تعالي في كتابه الكريم هذا المسجد وقال: ?لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ?(). وقد ذكر المفسرون أن المسلمين الذين شاركوا في بنائه كانوا من بني عمرو بن عوف.

ومازال هذا المسجد المبارك يفد إليه الملايين من المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي في موسم الحج وغيره لزيارته والتبرك به والصلاة فيه. وأغلب الروايات تشير إلي أن هجرة النبي الأعظم صلي الله عليه و اله إلي المدينة كانت في شهر ربيع الأول؛ إذ أنه خرج من مكة في اليوم الأول من ربيع الأول متخفياً ونام في فراشه أمير المؤمنين عليه السلام يفتديه بنفسه، وقد وصل صلي الله عليه و

اله إلي المدينة المنورة في الثاني عشر من ربيع الأول، وقيل: في الحادي عشر، وقيل: في الخامس من ربيع الأول، والأغلب يشير إلي الثاني عشر من ربيع الأول، وقد أقام في مسجد قبا وصلي فيه، وكان نازلاً علي عمرو بن عوف ينتظر لحوق ابن عمه أمير المؤمنين ومعه الفواطم (سلام الله عليهم)().

والمقصود من قوله تعالي: ?أَوَّلِ يَوْمٍ? في الآية المباركة هو ذلك اليوم الذي نزل فيه النبي صلي الله عليه و اله بقرب المدينة وصلي في مسجد قبا، وعلي هذا فالمسجد الذي أسس علي التقوي هو مسجد قبا وربما يكون المصداق الأظهر، وبعض المفسرين قصدوا به مسجد الرسول صلي الله عليه و اله، وقيل: بأن المقصود منه هو كل مسجد بني للإسلام().

مسجد النبي صلي الله عليه و اله

بعد أن دخل النبي صلي الله عليه و اله المدينة المنورة قام ببناء مسجد فيها أيضاً وهو المسجد الذي يطلق عليه اليوم (المسجد النبوي الشريف)، فإن النبي الأعظم صلي الله عليه و اله اشتري أرض المسجد وبني هو بنفسه وأصحابه جداراً يحيط بالمسجد كله، وحول الجدار بني غرفاً عديدة؛ لتكون محلاً لسكنه وسكن بعض أصحابه، وكان لهذه الغرف بابان باب من داخل المسجد وباب آخر يفتح علي خارج المسجد، وكان مقابل كل غرفة ساحة خارج المسجد. فأغلقت جميع هذه الأبواب إلا باب علي أمير المؤمنين?، فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «سدوا هذه الأبواب إلا باب علي?».

فتكلم في ذلك الناس، فقام رسول الله صلي الله عليه و اله فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: «أما بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي? فقال قائلكم، وإني والله ما سددت شيئاً ولافتحته، ولكني أمرت بشيء فاتبعته» ().

ولهذا المسجد الشريف منزلة

كبيرة عند جميع المسلمين، والي الآن هو محط تقدير وإجلال من قبلهم، لكونه كان محل سكن النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وأيضا محل مهبط جبرائيل عليه السلام؛ لذا فإن الصلاة في مسجد النبي صلي الله عليه و اله يتضاعف أجرها وثوابها عند الله تعالي، جاء عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: صلاة في مسجدي هذا تعدل عند الله عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام؛ فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة» ().

وهناك روايات عديدة في فضل مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلي الله عليه و اله، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة» ().

وعن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما بين منبري وبيوتي روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة، وصلاةٌ في مسجدي تعدل عشرة آلاف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام».

قال جميل: قلت له: بيوت النبي وبيت علي منها؟

قال: «نعم، وأفضل» ().

العتبات المقدسة

العتبات المقدسة

لقد وردت روايات عديدة عن أهل البيت عليهم السلام تبين المكانة السامية لمراقد ومقامات الأئمة عليهم السلام وأن الأعمال تضاعف في الأجر والثواب، كما ورد أن في تربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام الشفاء وتحت قبته يستجاب الدعاء وغفران الذنوب، فعن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و اله، أنه أخبره بقتل الحسين عليه السلام إلي أن قال: «من

زاره عارفاً بحقه كتب الله له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فقد زارني ومن زارني فكأنما زار الله، وحق علي الله أن لا يعذبه بالنار، ألا وإن الإجابة تحت قبته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده» الحديث().

وعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «إن الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفاناً، وحق علي الله عزوجل، أن لايأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان،ولا ذو عاهة، ثم دعا عنده وتقرّب بالحسين عليه السلام إلي الله عزوجل إلا نفس الله كربته وأعطاه مسألته، وغفر ذنوبه ومد في عمره، وبسط في رزقه، فاعتبروا يا أولي الأبصار» ().

وهناك روايات عديدة في هذا الباب وهذه أمور مجربة ومصداقيتها أشهر من نار علي علم علي مر التاريخ، ولا يسعنا المجال هنا لذكرها. وقد ذكر في كتب التاريخ والحديث، أمثال كتاب بحار الأنوار وكامل الزيارات والأمالي.. فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام وآدابها وأثر التوسل به إلي الله عزوجل().

ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «من أتي قبر الحسين بن علي عليه السلام عارفاً بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» ().

وروي قدامة بن زائدة عن أبيه قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: «بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام أحيانا؟».

فقلت: إن ذلك لكما بلغك.

فقال لي: «فلماذا تفعل ذلك؛ ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً علي محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب علي هذه الأمة من حقنا؟».

فقلت: والله، ما أريد بذلك إلا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.

فقال: «والله، إن ذلك لكذلك؟».

فقلت: والله، إن ذلك لكذلك،

يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا.

فقال: «أبشر، ثم أبشر، ثم أبشر، فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب البحر المخزون، فإنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي عليه السلام وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه علي الأقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعي ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري واشتد لما أري منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي? فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟

فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أري سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي، مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!

فقالت: لا يجزعنك ما تري؛ فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله صلي الله عليه و اله إلي جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه، علي كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا.

فقلت: وما هذا العهد، وما هذا الخبر؟

فقالت: نعم، حدثتني أم أيمن أن رسول الله صلي الله عليه و اله زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيام، فعملت له حريرة وأتاه علي عليه السلام بطبق فيه تمر، ثم قالت أم أيمن: فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم

السلام من تلك الحريرة، وشرب رسول الله صلي الله عليه و اله وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد، ثم غسل رسول الله صلي الله عليه و اله يده وعلي يصب عليه الماء، فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه، ثم نظر إلي علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً، ثم إنه وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجداً وهو ينشج، فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلي الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله صلي الله عليه و اله وهبناه أن نسأله، حتي إذا طال ذلك، قال له علي، وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله، لاأبكي الله عينيك؛ فقد أقرح قلوبنا ما نري من حالك؟

فقال: يا أخي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط، وإني لأنظر إليكم وأحمد الله علي نعمته علي فيكم، إذ هبط علي جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله تبارك وتعالي اطلع علي ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة وهنأك العطية، بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم، يحبون كما تحب، ويعطون كما تعطي حتي ترضي وفوق الرضا، علي بلوي كثيرة تنالهم في الدنيا، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك، براء من الله ومنك، خبطا خبطاً وقتلاً قتلا، شتي مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عزوجل علي خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما

اختاره لكم.

ثم قال لي جبرئيل: يا محمد، إن أخاك مضطهد بعدك، مغلوب علي أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقي البرية، يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه علي كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم، وإن سبطك هذا، وأومأ بيده إلي الحسين عليه السلام، مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك، بضفة الفرات بأرض يقال لها: كربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء علي أعدائك وأعداء ذريتك، في اليوم الذي لاينقضي كربه ولا تفني حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة، يُقتل فيها سبطك وأهله، وأنها من بطحاء الجنة، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة، تزعزعت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها وماجت السماوات بأهلها؛ غضباً لك يا محمد ولذريتك، واستعظاما لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافي به في ذريتك وعترتك، ولايبقي شيء من ذلك إلا استأذن الله عزوجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين، الذين هم حجة الله علي خلقه بعدك.

فيوحي الله إلي السماوات والأرض والجبال والبحار، ومن فيهن: إني أنا الله الملك القادر، الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه علي الانتصار والانتقام، وعزتي وجلالي، لأعذبن من وتر رسولي وصفيي، وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته، عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين، فعند ذلك يضج كل شيء في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلي مضاجعها تولي الله عزوجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلي الأرض ملائكة من السماء السابعة، معهم آنية من الياقوت والزمرد،

مملوة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة، وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل، وحنطوها بذلك الطيب، وصلت الملائكة صفاً صفاً عليهم.

ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء عليه السلام بتلك البطحاء، يكون علما لأهل الحق وسببا للمؤمنين إلي الفوز، وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم وليلة، ويصلون عليه ويطوفون عليه، ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لمن زاره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمتك، متقربا إلي الله تعالي وإليك بذلك وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله: هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء. فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشي منه الأبصار يدل عليهم ويعرفون به. وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا، ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصي عددهم، ونحن نلتقط مَن ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق، حتي ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد، أو قبر أخيك، أو قبر سبطيك، لا يريد به غير الله عزوجل. وسيجتهد أناس ممن حقت عليهم اللعنة من الله والسخط، أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالي لهم إلي ذلك سبيلا.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: فهذا أبكاني وأحزنني.

قالت زينب: فلما ضرب ابن ملجم (لعنه الله) أبي عليه السلام ورأيت عليه أثر الموت منه، قلت له: يا أبة، حدثتني أم أيمن بكذا وكذا، وقد أحببت

أن أسمعه منك.

فقال: يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن، وكأني بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد، أذلاء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما لله علي ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم، وغير محبيكم وشيعتكم، ولقد قال لنا رسول الله صلي الله عليه و اله حين أخبرنا بهذا الخبر: إن إبليس (لعنه الله) في ذلك اليوم يطير فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته، فيقول: يا معاشر الشياطين، قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم النار، إلا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم علي عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم، حتي تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم، ولا ينجو منهم ناج، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب، أنه لاينفع مع عداوتكم عمل صالح، ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر». قال زائدة: ثم قال علي بن الحسين? بعد أن حدثني بهذا الحديث: «خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولاً لكان قليلاً» ().

ثم أن ما روي في فضل مسجد النبي صلي الله عليه و اله وزيارة الإمام الحسين عليه السلام ينطبق أيضاً في الجملة علي زيارة الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسن وسائر الأئمة من أبناء الإمام الحسين (سلام الله عليهم أجمعين)، وليس هنا محل التفصيل فيها، ومن هنا يلزم أن تقدّس هذه الأماكن الطاهرة وتحترم بالاحترام اللائق والمناسب.

الوهابيون وهدم مراقد الأولياء

لكن الوهابيين() وبحجة توسعة مسجد النبي صلي الله عليه و اله وغيره من المساجد الشريفة، محوا وهدموا الكثير من معالم الإسلام والتراث النبوي الشريف وآثار أهل البيت عليهم السلام، خاصة في المدينة المنورة. وكذلك فعلوا ما فعلوه بأضرحة أئمتنا الأطهار عليهم السلام والعديد

من مراقد الصحابة الأخيار والأولياء الكرام في البقيع، حيث عمدوا إلي تدميرها وتخريبها، علماً أن أهل البيت عليهم السلام هم مدرسة الإسلام الصحيحة، وفي إحياء ذكرهم إحياء لذكر الإسلام والقرآن، فإنهم عليهم السلام هم الذين بنوا صرح الإسلام عزيزاً عالياً. ()

وقد جاء الوهابيون بأمر من الاستعمارً فأخذوا بتخريب هذه الأماكن المقدسة، وبدءوا يبحثون عن دليل يبرر لهم هدم تلك الآثار الشريفة في البقيع ومحو آثار النبي صلي الله عليه و اله وأهل البيت عليهم السلام والصحابة، فلجئوا إلي الاستفتاء من بعض علماء المدينة المنورة حول حرمة البناء علي القبور؛ محاولة منهم لتبرير موقفهم أمام الرأي العام الإسلامي وخاصة في الحجاز لأنهم كانوا يدركون جيداً أن المسلمين في الحجاز هم كالمسلمين في كل مكان، يعتقدون بكرامة أولياء الله وقدسيتهم والاهتمام بقبورهم وآثارهم، فحاول الوهابيون أن يلبسوا جريمتهم هذه بلباس الإسلام والشرعية؛ دفعاً لنقمة المسلمين!!

ولكن علماء المسلمين حتي من أبناء العامة أفتوا بلزوم حفظ آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وجواز التبرك والتوسل بهم، ولكن الوهابيين استمروا في هدم الكثير من الآثار الإسلامية بما فيها المساجد وكذلك مزارات الصحابة الأخيار والعلماء الأبرار والشعراء الأتقياء، والتي يرجع تاريخها إلي مئات السنين وتعد رموزاً للحضارة الإسلامية. علماً بأن المقدسات محترمة عند جميع الناس حتي في اتفه الأشياء، وكما هو معروف بأن المسيحيين بنوا كنيسة عظيمة في المكان الذي فيه أثر لحافر حمار نبي الله عيسي عليه السلام وكل اعتقادهم بأن ذلك مبارك لانتسابه إلي عيسي عليه السلام.

النصراني ورأس سيد الشهداء عليه السلام

النصراني ورأس سيد الشهداء عليه السلام

وقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: «أنه لما أتي برأس الحسين عليه السلام إلي يزيد كان يتخذ مجالس الشراب، ويأتي برأس الحسين ويضعه

بين يديه ويشرب عليه، فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم، وكان من أشراف الروم وعظمائهم، فقال: يا ملك العرب، هذا رأس من؟

فقال له يزيد: ما لك ولهذا الرأس؟

فقال: إني إذا رجعت إلي ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتي يشاركك في الفرح والسرور.

فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال الرومي: ومن أمه؟

فقال: فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقال النصراني: أف لك ولدينك؛ لي دين أحسن من دينك، إن أبي من حوافد داود عليه السلام وبيني وبينه آباء كثيرة، والنصاري يعظموني ويأخذون من تراب قدمي تبركاً بأني من حوافد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و اله وما بينه وبين نبيكم إلا أم واحدة، فأي دين دينكم؟!

ثم قال ليزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟

فقال له: قل حتي أسمع؟

فقال: بين عمان والصين بحر مسيرة سنة، ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء، طولها ثمانون فرسخاً في ثمانين، ما علي وجه الأرض بلدة أكبر منها، ومنها يحمل الكافور والياقوت، أشجارهم العود والعنبر، وهي في أيدي النصاري لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة، أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر، يقولون إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسي عليه السلام وقد زينوا حول الحقة بالذهب والديباج، يقصدها في كل عام عالم من النصاري، ويطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلي الله تعالي، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار، يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسي نبيهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم!! فلا بارك الله تعالي فيكم، ولا في

دينكم.

فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني؛ لئلا يفضحني في بلاده.

فلما أحس النصراني بذلك قال له: تريد أن تقتلني؟

قال: نعم.

قال: اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي: يا نصراني، أنت من أهل الجنة، فتعجبت من كلامه! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و اله ثم وثب إلي رأس الحسين عليه السلام فضمه إلي صدره، وجعل يقبله ويبكي، حتي قتل» ().

أثر الرسول

كذلك جاء في القرآن الكريم حيث يبين الباري تعالي أن التراب من تحت قدم فرس جبرائيل عليه السلام له الكرامة، إلا أن السامري استغل هذه الكرامة لإغواء بني إسرائيل، فأخذ قبضة من التراب الذي كان يطأه فرس جبرائيل حيث كانت تبعث الحياة في الميت: ?قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي?().

كما إن التابوت أو الصندوق الذي وضع فيه نبي الله موسي عليه السلام وهو صغير وألقي في البحر، أصبح فيما بعد مبعثا للسكينة والاطمئنان في قلوب المؤمنين، قال تعالي: ?وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسي?().

روي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن بني إسرائيل بعد موسي عليه السلام عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه» ().

وروي: أنه إرميا النبي? فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط، فأذلهم وقتل رجالهم، وأخرجهم من ديارهم وأموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلي نبيهم، وقالوا: سل الله أن يبعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله

لهم النبوة والملك في بيت واحد، فمن ذلك قالوا: ?ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ?() فقال لهم نبيهم: ?هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا?() وكان كما قال الله تبارك وتعالي: ?فَلَمَّا كُتبَ عَلَيْهمُ الْقتالُ تَوَلَّوْا إلاّ قَليلاً منْهُمْ?() ف?قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً?().

فغضبوا من ذلك و?قالُوا أَنَّي يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أَحَقُّ بالْمُلْك منْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً منَ الْمال?() وكانت النبوة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لأمه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم: ?إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ?() وكان أعظمهم جسماً وكان شجاعاً قوياً، وكان أعلمهم إلا أنه كان فقيراً فعابوه بالفقر.

فقالوا: ?لَمْ يُؤْتَ سَعَةً منَ الْمال?() ف ?قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسي وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ?() وكان التابوت الذي أنزله الله علي موسي عليه السلام، فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل يتبركون به، فلما حضر موسي عليه السلام الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة، وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتي استخفوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكاً يقاتل معهم رد الله عليهم

التابوت، كما قال الله: ?إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسي وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ?() قال: البقية ذرية الأنبياء وقوله: ?فيه سَكينَةٌ منْ رَبّكُمْ?() فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين، فتخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان().

فهل آثار رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ومراقدهم وقبورهم والأضرحة التي بنيت كرامة لهم ليست أماكن مقدسة، إن تراب قدم فرس جبرائيل موضع كرامة من الله؟ فهل تراب قبر رسول الله صلي الله عليه و اله وقبور أهل البيت عليهم السلامالذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا ليست مواضع مقدسة؟! هذا مع ما ورد من الأدلة العقلية والنقلية العديدة الدالة علي قدسية مراقدهم واستحباب زيارتها والتبرك بها، واستخلاص العبر من أصحابها.

تواطؤ الإنجليز

عندما تسلط الاستعمار علي الحجاز، أصدر أمراً لآل سعود الوهابيين بهدم قبور الأئمة الطاهرين عليهم السلام وسائر قبور الأصحاب والعلماء والمؤمنين والمؤمنات بما فيهم زوجات النبي صلي الله عليه و اله أمهات المؤمنين، فان أعداء الإسلام يعلمون أن هذه القبور الطاهرة خصوصاً قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وأهل بيته الأطهار عليهم السلام محل تجمع المسلمين، وباعث كبير يدعوهم إلي تذكر قادتهم الأطهار والسير علي منهجهم القويم، كما يذكرهم بأمجاد المسلمين وتضحياتهم في صدر الإسلام، فإن الأعداء يعلمون أنه طالما بقيت هذه المراقد عامرة لايمكن إخضاع المسلمين بالشكل الذي يطمعون فيه؛ ولذلك عمدوا إلي الإيعاز لعملائهم بهدم تلك الأضرحة المباركة لأجل فصل المسلمين عن تراثهم وماضيهم المجيد، وخاصة تلك الآثار الموجودة في الحجاز؛ وذلك لكي يتمكنوا من تطبيق قانون (فرق تسد) بين المسلمين بكل سهولة، حيث أخذوا

يتهمون المسلمين بالكفر والزندقة.

قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

بعد أن نفذ عبد العزيز آل سعود أمر أسياده الإنجليز بهدم قبور أهل البيت عليهم السلام أراد أن يهدم قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله أيضاً، ولكن رأي المستعمرون أنه لو تم هدم قبر الرسول صلي الله عليه و اله سيثور جميع المسلمين في العالم ضد مصالحهم، وهذا ما لا يحمد عقباه؛ وذلك بسبب التظاهرات والاحتجاجات الصاخبة التي اندلعت هنا وهناك في البلاد الإسلامية وبالأخص في مصر والهند، فخاف الإنجليز علي مصالحهم في هذه البلدان أن تتعرض إلي الخطر. فأرسلوا السفير البريطاني لعبد العزيز لإبلاغه أمر الحكومة البريطانية بعدم هدم قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ولكن عبد العزيز قال للسفير: نحن قلنا بأن هذه القبور بدع وشرك بالله، فكيف نبقي قبر الرسول صلي الله عليه و اله، وماذا نقول للناس إذا اعترضوا؟

فقال السفير البريطاني: الأمر بسيط، أعلن للناس بأنك رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله في المنام وقال: ليس من الصلاح أن تهدم قبري، فاتركه علي حاله، ولهذا انصرفت عن هدمه!

وفعلاً قام عبد العزيز بهذا العمل؛ ولهذا تري قبر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله إلي الآن باقياً دون أن يهدم، أما مراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام في البقيع وسائر قبور الأولياء والصالحين فقد هدمت ولم يبق منها إلا الآثار البسيطة فقط().

وظيفتنا إزاء مدينة الرسول صلي الله عليه و اله

يلزم علي المسلمين أن يهتموا بمدينة رسول الله صلي الله عليه و اله أفضل اهتمام، وينبغي مراعاة الأمور التالية:

أولاً: لابد من السعي الجاد والمثمر من أجل أن نجعل المدينة المنورة التي تضم في أحضانها خير خلق الله عزوجل وخاتم أنبيائه صلي الله عليه و اله، مدينة عالمية لجميع المسلمين من دون أن يسيطر عليها الوهابيون

وهم زمرة قليلة تكفّر جميع المسلمين، فإنه يلزم أن تشع المدينة المنورة بنورها إلي كل نقطة من نقاط العالم؛ لأن هناك مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم()، وهم يعتقدون ويؤمنون كل الإيمان بهذا النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وكل يوم يرددون اسمه الشريف علي المآذن بكل إجلال واحترام.

إذن، فبأي حق تأتي جماعة يسمون أنفسهم بالوهابية لتتسلط علي بلد رسول الله صلي الله عليه و اله وتحكم فيها كيفما تشاء؟! وبأي عنوان تصدر أحكاماً بين فترة وأخري تمنع المسلمين من زيارة مكة والمدينة لأداء مناسك الحج والعمرة، أو تقلص من عددهم؟ بينما في العصور المتقدمة كان المسلمون يذهبون إلي الديار المقدسة في الحجاز متي شاؤوا، بلا منع أو حظر أو تحديد عدد، ومن دون حاجة إلي تأشيرة أو دفع ضريبة باسم (صك المطوف) أو ما أشبه؟!()

ثانياً: يلزم السعي لإحياء جميع الآثار الإسلامية في هذه البقعة الشريفة والتي قام الاستعمار بهدمها وخاصة آثار النبي الأعظم صلي الله عليه و اله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وقبورهم الشريفة، وقد كان العلماء والفقهاء يهتمون وعلي مر التاريخ بحفظ وترميم هذه الآثار المقدسة، فقد توجه مجموعة من العلماء إلي المدينة وأخذوا بتثبيت وترميم سبعة وأربعين مسجداً بناها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وهكذا بقية الآثار التي تركها خصوصاً مسجده الشريف وبيته وبيت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

وهكذا يجب علينا أن نسعي لأجل أن نعمر أيضاً قبور الشهداء في أحد وسائر الشهداء الآخرين، فإذا ما أعدنا ترميم مسجد النبي صلي الله عليه و اله وهكذا محل سكناه، وأرجعنا سائر الآثار الإسلامية الأخري إلي حالتها الأولي وترميمها بشكل يناسب مقامها فسوف نكون قد قمنا بخطوة في

سبيل مهمة الدعوة إلي الإسلام؛ وذلك بصورة عملية واضحة وهادئة، قد تضمن لنا دخول الكثير من أبناء هذه المعمورة الاهتداء إلي الإسلام الحنيف.

لذا يجب علينا أن نسعي جادين للقيام بهذا الهدف السامي والنبيل لنحصل علي مرضاة الله تعالي ورسوله والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) فإن ذلك من تعظيم شعائر الله أولاً، كما قال تعالي: ?ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ?()، ولأن في ذلك إحياءً لمعالم الإسلام وتراثه الحضاري العظيم الذي يعتبر وبحق رمزاً لعزة المسلمين ثانياً().

«اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتك، والقادة إلي سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة» ().

من هدي القرآن الحكيم

دعوة الإسلام

قال تعالي: ?يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ?().

وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ?().

وقال عزوجل: ?وَاللهُ يَدْعُو إِلَي دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ?().

وقال تبارك وتعالي: ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَي اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ?().

صفات الأنبياء والرسل عليهم السلام

قال جل وعلا: ?رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً?().

وقال تبارك وتعالي: ?أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ?().

وقال تعالي: ?وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ?().

وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ? وَدَاعِياً إِلَي اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً?().

بعثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

قال عزوجل: ?لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ

رَءُوفٌ رَحِيمٌ?().

وقال سبحانه: ?هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ?().

وقال تعالي: ?قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَي إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً?().

بيوت الله جل جلاله

قال عزوجل: ?وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي وَعَهِدْنا إِلي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ?().

وقال جل وعلا: ?إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ?().

وقال تعالي: ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعي فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ?().

من هدي السنة المطهرة

معالم الإسلام

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «شعار المسلمين علي الصراط يوم القيامة: لا إله إلا الله وعلي الله فليتوكل المتوكلون» ().

أولوا العزم؟

قال علي بن الحسين عليه السلام: «من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام في النصف من شعبان؛ فإن أرواح النبيين يستأذنون الله تعالي في زيارته، فيؤذن لهم، منهم خمسة أولوا العزم من الرسل». قيل: من هم؟ قال: «نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلي الله عليه و اله».

فقيل له: ما معني أولي العزم؟

قال?: «بعثوا إلي شرق الأرض وغربها جنها وإنسها» ().

قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل، وعليهم دارت الرحي: نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلي الله عليه وآله وعلي جميع الأنبياء» ().

النبي محمد صلي الله عليه و اله خاتم الأنبياء عليهم السلام

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أنا خاتم النبيين، وعلي خاتم الوصيين» ().

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: «لما حضر النبي صلي الله عليه و اله الوفاة نزل جبرئيل عليه السلام فقال له جبرئيل: يا رسول الله، هل لك في الرجوع؟

قال: لا؛ قد بلغت رسالات ربي.

ثم قال له: يا رسول الله، أ تريد الرجوع إلي الدنيا؟

قال: لا بل الرفيق الأعلي، ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله للمسلمين وهم مجتمعون حوله: أيها الناس، إنه لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي، فمن ادعي ذلك فدعواه وبدعته في النار، ومن ادعي ذلك فاقتلوه ومن اتبعه؛ فإنهم في النار، أيها الناس، أحيوا القصاص وأحيوا الحق ولا تفرقوا وأسلموا وسلموا تسلموا ?كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ? ()» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «إلي أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله عليه السلام لإنجاز عدته()، وإتمام نبوته، مأخوذاً علي النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده،

وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشيرٍ إلي غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة، ثم اختار سبحانه لمحمد صلي الله عليه و اله لقاءه ورضي له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوي، فقبضه إليه كريماً صلي الله عليه و اله وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها؛ إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح، ولا علم قائم» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله عزَّ ذكره ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده أبداً، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبداً» ().

زيارة قبر النبي صلي الله عليه و اله وقبور الأئمة المعصومين عليهم السلام

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة» ().

وقال الإمام الحسين عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و اله: «يا أبتاه، ما لمن زارك؟».

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا بني، من زارني حياً أو ميتاً، أو زار أباك، أو زار أخاك، أو زارك، كان حقاً علي أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجراً إلي الله عزوجل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم» ().

وعن يحيي بن يسار قال: حججنا

فمررنا بأبي عبد الله عليه السلام فقال: «حاج بيت الله، وزوار قبر نبيه صلي الله عليه و اله، وشيعة آل محمد، هنيئاً لكم» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلي الله عليه و اله فائت المنبر فامسحه بيدك، وخذ برمانتيه وهما السفلاوان فامسح عينيك ووجهك به؛ فإنه يقال: إنه شفاء العين، وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه وسل حاجتك؛ فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: ما بين منبري وبيتي روضةٌ من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة، والترعة هي الباب الصغير، ثم تأتي مقام النبي صلي الله عليه و اله فتصلي فيه ما بدا لك، فإذا دخلت المسجد فصل علي النبي صلي الله عليه و اله وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك، وأكثر من الصلاة في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «لما كان سنة إحدي و أربعين أراد معاوية الحج، فأرسل نجاراً وأرسل بالآلة وكتب إلي صاحب المدينة: أن يقلع منبر رسول الله صلي الله عليه و اله ويجعلوه علي قدر منبره بالشام، فلما نهضوا ليقلعوه انكسفت الشمس وزلزلت الأرض، فكفوا وكتبوا بذلك إلي معاوية» ().

وعن أبي وهب القصري قال: دخلت المدينة، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أمير المؤمنين عليه السلام؟

فقال: «بئس ما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك؛ ألا تزور من يزوره الله تعالي مع الملائكة، ويزوره الأنبياء عليه السلام ويزوره المؤمنون؟!».

قلت: جعلت فداك، ماعلمت ذلك.

قال: «فاعلم، أن أمير المؤمنين عليه السلام عند الله أفضل من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلي قدر

أعمالهم فضلوا» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من زار أمير المؤمنين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكل خطوة حجةً و عمرةً، فإن رجع ماشياً كتب الله له بكل خطوة حجتين وعمرتي» ().

وعن عمر بن عبد الله بن طلحة النهدي عن أبيه قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام، فقال: «يا عبد الله بن طلحة، أما تزور قبر أبي الحسين عليه السلام؟ «.

قلت: بلي، إنا لنأتيه.

قال: «تأتونه كل جمعة؟».

قلت: لا.

قال: «تأتونه في كل شهر؟».

قلت: لا.

قال: «ما أجفاكم، إن زيارته تعدل حجة وعمرة، وزيارة أبي علي عليه السلام تعدل حجتين وعمرتين» ().

وذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عند جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقال ابن مارد لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار جدك أمير المؤمنين عليه السلام؟

فقال: «يا ابن مارد، من زار جدي عارفاً بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة، والله يا ابن مارد، ما يطعم الله النار قدماً اغبرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السلامماشياً كان أو راكباً، يا ابن مارد، اكتب هذا الحديث بماء الذهب» ().

وعن عمارة بن زيد عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: يا ابن رسول الله، ما لمن زار قبره يعني أمير المؤمنين وعمّر تربته؟

قال: «يا أبا عامر، حدثني أبي عن أبيه عن جده الحسين بن علي عن علي عليهم السلام: إن النبي صلي الله عليه و اله قال له: والله، لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها، قلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟

فقال لي: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر

ولدك بقاعاً من بقاع الجنة وعرصةً من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن إليكم، وتحتمل المذلة والأذي فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها؛ تقرباً منهم إلي الله، مودةً منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة. يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجةً بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتي يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك، من النعيم وقرة العين بما لا عينٌ رأت ولاأذنٌ سمعت ولا خطر علي قلب بشر، ولكن حثالةً من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي، لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي» ().

وعن المفضل بن عمر الجعفي قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: إني أشتاق إلي الغري؟

فقال: «فما شوقك إليه؟».

فقلت له: إني أحب أن أزور أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال: «هل تعرف فضل زيارته؟».

فقلت: لا يا ابن رسول الله، إلا أن تعرفني ذلك.

قال: «إذا زرت أمير المؤمنين عليه السلام فاعلم أنك زائر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم علي بن أبي طالب عليه السلام».

فقلت: إن آدم عليه السلام هبط بسرانديب في مطلع الشمس، وزعموا أن عظامه في بيت الله الحرام، فكيف صارت عظامه بالكوفة؟

فقال: «إن الله عزوجل أوحي إلي نوح عليه السلام وهو في السفينة: أن يطوف بالبيت أسبوعاً، فطاف بالبيت كما أوحي الله تعالي إليه، ثم نزل في الماء إلي ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم عليه السلام، فحمله في جوف السفينة حتي طاف ما شاء الله أن يطوف، ثم

ورد إلي باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال الله تعالي للأرض: ?ابْلَعِي ماءكِ? فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه، وتفرق الجمع الذي كان مع نوح عليه السلام في السفينة، فأخذ نوح عليه السلام التابوت فدفنه في الغري، وهو قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسي تكليماً، و قدس عليه عيسي تقديساً، واتخذ عليه إبراهيم خليلاً، واتخذ محمداً صلي الله عليه و اله حبيباً، وجعله للنبيين مسكناً، فوالله، ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم)، فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب عليه السلام فإنك زائرٌ الآباء الأولين ومحمداً خاتم النبيين وعلياً سيد الوصيين، وإن زائره تفتح له أبواب السماء عند دعوته، فلا تكن عن الخير نواماً» ().

وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: كنا عند الرضا عليه السلام والمجلس غاص بأهله، فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس، فقال الرضا عليه السلام: «حدثني أبي عن أبيه عليه السلام قال: إن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، إن لله في الفردوس الأعلي قصراً لبنةٌ من فضة ولبنةٌ من ذهب، فيه مائة ألف قبة من ياقوتة حمراء ومائة ألف خيمة من ياقوت أخضر ترابه المسك والعنبر، فيه أربعة أنهار: نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من عسل، وحواليه أشجار جميع الفواكه، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت تصوت بألوان الأصوات، إذا كان يوم الغدير ورد إلي ذلك القصر أهل السماوات، يسبحون الله ويقدسونه ويهللونه، فتطاير تلك الطيور، فتقع في ذلك الماء وتتمرغ علي ذلك المسك والعنبر، فإذا اجتمعت الملائكة

طارت، فتنفض ذلك عليهم، وإنهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة عليه السلام، فإذا كان آخر ذلك اليوم نودوا: انصرفوا إلي مراتبكم، فقد أمنتم من الخطأ والزلل إلي قابل في مثل هذا اليوم، تكرمةً لمحمد صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام.

ثم قال: «يا ابن أبي نصر، أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام فإن الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنةً، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، فأفضل علي إخوانك في هذا اليوم، وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة».

ثم قال: «يا أهل الكوفة، لقد أعطيتم خيراً كثيراً، وإنكم لممن امتحن الله قلبه للإيمان، مستقلون مقهورون ممتحنون، يصب عليكم البلاء صباً، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات، لولا أني أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم، وما أعطي الله فيه من عرفه ما لا يحصي بعدد» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة؛ لأن قبر فاطمة عليها السلام() بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنة، وإليه ترعة من ترع الجنة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من زار الحسن في بقيعه ثبت قدمه علي الصراط يوم تزل فيه الأقدام» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «ومن زار الحسين عليه السلام عارفاً بحقه كتب الله له ثواب ألف حجة مقبولة، وألف عمرة مقبولة، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما

تأخر» ().

عن عبد الرحمن بن مسلم قال: دخلت علي الكاظم عليه السلام فقلت له: أيما أفضل، زيارة الحسين بن علي، أو أمير المؤمنين عليه السلام، أو لفلان و فلان، وسميت الأئمة واحداً واحداً؟

فقال لي: «يا عبد الرحمن، من زار أولنا فقد زار آخرنا، ومن زار آخرنا فقد زار أولنا، ومن تولي أولنا فقد تولي آخرنا، ومن تولي آخرنا فقد تولنا أولنا، ومن قضي حاجة لأحد من أوليائنا فكأنما قضاها لأجمعنا. يا عبد الرحمن، أحبنا وأحب من يحبنا وأحب فينا وأحبب لنا، وتولنا وتول من يتولانا وأبغض من يبغضنا، ألا وإن الراد علينا كالراد علي رسول الله جدنا، ومن رد علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقد رد علي الله، ألا يا عبد الرحمن، ومن أبغضنا فقد أبغض محمداً ومن أبغض محمداً فقد أبغض الله ومن أبغض الله عزوجل كان حقا علي الله أن يصليه النار و ما له من نصير» ().

المساجد المشرفة

قال الإمام الصادق عليه السلام: «لا تدع إتيان المشاهد كلها: مسجد قباء، فإنه المسجد الذي أسس علي التقوي من أول يوم، ومشربة أم إبراهيم، ومسجد الفضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح قال وبلغنا أن النبي صلي الله عليه و اله كان إذا أتي قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار، وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح: يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين، اكشف همي وغمي وكربي كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه وكفيته هول عدوه في هذا المكان» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «مسجد الكوفة صلي فيه سبعون نبياً وسبعون وصياً أنا أحدهم» ().

وقال الإمام الرضا عليه السلام: «مسجد الكوفة بيت نوح عليه السلام

لو دخله رجل مائة مرة لكتب الله له مائة مغفرة؛ لأن فيه دعوة نوح عليه السلام حيث قال: ?رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً?()» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «بالكوفة مسجد يقال له: مسجد السهلة، لو أن عمي زيداً أتاه فصلي فيه واستجار الله لأجاره عشرين سنة فيه، مناخ الراكب، وبيت إدريس النبي عليه السلام، وما أتاه مكروب قط فصلي فيه بين العشائين ودعا الله إلا فرج الله كربته» ().

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين.

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة الأحزاب: 45 46.

() سورة الأحزاب: 72.

() سورة البقرة: 114.

() سورة الأحزاب: 4546.

() سورة مريم: 51.

() سورة النساء: 165.

() سورة مريم: 51.

() سورة الحج: 52.

() الكافي: ج1 ص176 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث ح1.

() سورة الصافات: 147.

() سورة البقرة: 124.

() سورة البقرة: 124.

() راجع مجمع البحرين: ج1 ص404 مادة «نبا».

() انظر (قصص الأنبياء عليهم السلام) للسيد نعمة الله الجزائري رحمة الله عليه و(قصص الأنبياء عليهم السلام) لقطب الدين الراوندي. وهناك مؤلفات عديدة للإمام الراحل (أعلي الله مقامه) أورد فيها تأريخ الأنبياء عليهم السلام وأحوالهم،منها: إلماع إلي تاريخ الأنبياء عليهم السلام/ مخطوط، قصص الأنبياء عليهم السلام في القرآن والروايات/ مخطوط، القصص الحق/ مطبوع، من سيرة الأنبياء عليهم السلام/ مخطوط، وغيرها.

() الكافي: ج1 ص175 باب طبقات الأنبياء والرسل ح3.

() سورة الأحقاف: 35.

() سورة الأحزاب: 7.

() سورة طه: 115.

() تفسير القمي: ج2 ص66 سورة طه.

() سورة الأعراف: 172.

() سورة طه: 115.

() الكافي: ج2 ص8 ضمن باب طينة المؤمن والكافر ح1.

() سورة الأحزاب: 45-46.

() وان: متباطئ متثاقل، واهن: ضعيف، مُعَذّر: من يعتذر ولا يثبت له عذر.

() نهج البلاغة، الخطب: 116 من

خطبة له عليه السلام وفيها ينصح أصحابه.

() سورة الزلزلة: 7.

() سورة النجم: 39-41.

() سورة الزلزلة: 8.

() انظر تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج22 ص25 سورة الأحزاب، وانظر التبيان في تفسير القرآن: ج8 ص349 سورة الأحزاب.

() سورة آل عمران: 85.

() قبا: بالضم: وأصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهي قرية علي ميلين من المدينة علي يسار القاصد إلي مكة، بها أثر بنيان كثير، وهناك مسجد التقوي عامر قدامه ورصيف وفضاء حسن وآبار ومياه عذبة، قيل: كان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله ومن نزلوا عليه من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه الصلاة سنة إلي البيت المقدس، فلما هاجر رسول الله صلي الله عليه و اله وورد قباء صلي بهم فيه، وأهل قباء يقولون: هو المسجد الذي أسس علي التقوي من أول يوم، وقيل: إنه مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله وأقام صلي الله عليه و اله لما هاجر بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب يوم الجمعة يريد المدينة، فجمع في مسجد بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، فكانت أول جمعة جمعت في الإسلام، وقد جاء في فضائل مسجد قباء أحاديث كثيرة، وقبا أيضا: موضع بين مكة والبصرة، انظر معجم البلدان: ج4 ص301 باب القاف والباء وما يليهما. وقال صاحب كتاب (مرآة الحرمين) في مسجد قباء: حتي نزل بهم رسول الله صلي الله عليه و اله في بني عمرو بن عوف بقباء علي كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس، وكان له مربد الموضع الذي يبسط فيه التمر لييبس فأخذه منه رسول الله صلي الله

عليه و اله فأسسه وبناه مسجداً، وكان يعمل فيه بنفسه ولم يزل يزوره صلي الله عليه و اله، ويصلي فيه أهل قباء، وكان يؤمهم فيه معاذ بن جبل، ولما توفي رسول الله صلي الله عليه و اله لم تزل الصحابة تزوره وتعظمه.

ولما تولّي عبد الملك بن مروان زاد فيه. ولما تولي عمر بن عبد العزيز وسع مسجد قباء وبناه بالحجارة والجص وأقام فيه الأساطين من الحجارة في جوفها عمد الحديد والرصاص ونقشه بالفسيفساء، وعمل له مغارة وسقّفه بالساج وجعله أروقة بواكي وفي وسطه رحبة.

وتهدم علي طول الزمان حتي جدد عمارته جمال الدين الأصفهاني وزير بني زنكي ببلاد الموصل وذلك سنة (555ه) وجدد أيضاً في سنة (671 ه) وعمّر بعضه الناصر بن قلاوون سنة (733 ه). وجدد غالب سقفه الأشرف برسباي سنة (840 ه) وسقطت منارته سنة (877 ه) فجددت في سنة (881 ه)، وكذلك قبالة المسجد. وقد عمّر عدة مرات في عهد الدولة العثمانية، وتاريخ العمارة مكتوب علي حجر فوق باب المسجد؛ انظر مرآة الحرمين: ج1 ص395 396، والتأريخ الأمين لمدينة سيد المرسلين صلي الله عليه و اله: ص369.

() سورة التوبة: 108.

() راجع في ذلك كتاب بحار الأنوار: ج19 ص104 ب7، وراجع مجمع البيان: ج10 ص10 سورة الجمعة.

() انظر تفسير تقريب القرآن: ج11 ص32 سورة التوبة. وراجع تفسير مجمع البيان: ج5 ص126 سورة التوبة.

() بحار الأنوار: ج39 ص19 ب72 ح1.

() وسائل الشيعة: ج5 ص271 ب52 ح6520.

()وسائل الشيعة: ج5 ص282 ب57 ح6556.

() وسائل الشيعة: ج5 ص280 ب57 ح6546.

() وسائل الشيعة: ج14 ص452 ب45 ح19581.

() كامل الزيارات: ص168 ب69 ح5.

() انظر بجار الأنوار: ج98 ص1 تتمة كتاب المزار أبواب فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام، وكامل الزيارات

ص111 ب38 إلي ص293 ب98. وأمالي الشيخ الصدوق: ص133 المجلس28، وص139 المجلس29، وص154 المجلس 30.

() وسائل الشيعة: ج14 ص418 ب37 ح19494.

() كامل الزيارات: ص260 ب83 فضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام.

() الوهابيون أو الوهابية فرقة تنسب إلي محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدي (1111 1206ه). ظهرت في بلاد الجزيرة العربية، ومحمد بن عبد الوهاب هذا كان قد أخذ شيئاً من العلوم الدينية، وكان مولعاً بمطالعة أخبار مدّعي النبوة كمسيلمة الكذّاب وسجاح والأسود العنسي وطُليحة الأسدي، فظهر منه أيام دراسته زيغ وانحراف كبير، ممّا دعا والده وسائر مشايخه إلي تحذير الناس منه، فقالوا فيه: سيضلّ هذا، ويضلّ الله به من أبعده وأشقاه!.

أظهر دعوته إلي مذهبه سنة (1143ه)، ولكن وقوف والده ومشايخه بوجهه أبطل أقواله ومزاعمه، فلم تلق رواجاً حتّي وفاة والده سنة (1153ه) فجددّ دعوته بين البسطاء والعوام، فتابعه حثالة من الناس، ثار عليه أهل بلده وهمّوا بقتله، ففرّ إلي (العُيينة) وهناك تقرب إلي أمير العيينة وتزوج أخت الأمير، ومكث عنده يدعو إلي نفسه وإلي بدعته، فضاق أهل العيينة منه ذرعاً فطردوه من بلدتهم، فخرج إلي (الدرعّية) شرقي نجد، وهذه البلاد كانت من قبل بلاد مسيلمة الكذّاب التي انطلقت منها أحزاب الردّة. فراجت أفكاره، وكان في ذلك كّله يتصرّف وكأنّه صاحب الاجتهاد المطلق.

وقيل: إن العرب سيما أهل اليمن تحدثوا بأن راعياً فقيراً اسمه سليمان رأي في منامه كأن شعلة نار خرجت منه وانتشرت في الأرض وصارت تحرق من قابلها، فقصها علي معبر، فعبرها بأن ولدا له يحدث دولة قوية، فتحققت الرؤيا في حفيده محمد بن عبد الوهاب بن سليمان المذكور، فلما كبر محمد ذاع صيته في بلده؛ بسبب ترويجه لهذه الرؤيا التي لا يعلم أنها

كانت أم لا، فأخبرهم أنه من ذرية النبي صلي الله عليه و اله واسمه كاسمه، وأنه يدعو إلي توحيد الله تعالي وأن القرآن قديم يجب اتباعه دون الفروع المستنبطة، وأن محمدا رسول الله وحبيبه، ولكن لا ينبغي وصفه بأوصاف المدح والتعظيم؛ إذ لا يليق ذلك إلا بالقديم، وأن ذلك من قبيل الإشراك، وأن الله تعالي حيث لم يرض بهذا الشرك أرسله ليهدي الناس إلي سواء السبيل، فمن أجاب أجاب وإلا وجب قتله، فبيّن مذهبه سراً فتبعه جماعة ثم سافر إلي الشام، فلم يتبعه أحد، فرجع إلي بلاد العرب بعد أن غاب عنها ثلاث سنين، فاتبعه ابن سعود (لعل الصحيح هو سعود نفسه) وهو من مشائخ عرب نجد، وبعد أن حكم قبيلته تغلّب علي قبيلتين من اليمن، وبقوة السلاح والمال تبعته بعض العرب في الجزيرة، فأخذ في الانتشار ودان به جميع عرب نجد، فرتب محمد مذهبه واظهر الاجتهاد، فكان هو الرئيس الديني للوهابية وابن سعود رئيس الحكم والحرب، وصارت ذرية كل منهما تتولي رتبة سلفها. واختاروا مدينة الدرعية قاعدة بلادهم، وتقع في الجنوب الشرقي من البصرة في البادية. فلما مات ابن سعود خلفه ابنه عبد العزيز. وكان إذا أراد محاربة قبيلة دعاها إلي اعتقاد القرآن علي ما يفسره الوهابية فان قبلت وإلا قاتلها، وكان يستصفي جميع الأموال، وإذا أطاعته القبيلة أرسل إليها حاكما ويأخذ منها عشر المواشي والنقود والعروض بل والأنفس، فيأخذ عشر الناس بالقرعة، فجمع أموالاً عظيمة، وصار جيشه يربو علي مائة وعشرين ألف مقاتل، فأخضع جميع أهل البادية التي بين البحر الأحمر وبحر فارس وحوالي بلاد حلب ودمشق.

ومن أبرز معتقدات الوهابية: تحريم التوسل والاستشفاع بالأنبياء والأئمة عليهم السلام والأولياء إلي الله تعالي، وبناء قبورهم،

أو المساجد قرب مراقدهم، والتوسل بجاههم عند الله عزوجل في قضاء الحوائج، وتحريم مناداة غير الله تعالي عند الشدائد ولو كان المنادي من الأنبياء أو الأوصياء عليهم السلام فإنهم يعتبرونه شركاً بالله، وإذا سمعوا ذلك من أحد شتموه وضربوه وقالوا له: أشركت، وادّعوا تحريم شرب القهوة والتتن ونحو ذلك ويتساهلون فيهما بعض الأحيان .

ووصف الشيخ سلمان بن عبد الوهّاب، وهو أخو محمد بن عبد الوهاب وهو أعرف الناس به وقد ألف كتاباً في إبطال دعوة أخيه وإثبات زيفها، وممّا جاء فيه عبارة موجزة وجامعة في التعريف بالوهّابية ومؤسّسها، قال فيها: اليوم ابتلي الناس بمن ينتسب إلي الكتاب والسنّة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه، ومن خالفه فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد، ولاواللّه ولا عُشر واحدة، ومع هذا راج كلامه علي كثير من الجهّال،فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

انظر: (تاريخ نجد) لمحمود شكري الآلوسي، (الصواعق الإلهية في الردّ علي الوهّابية) للشيخ سليمان بن عبد الوهاب،(فتنة الوهّابية) لأحمد زيني دحلان، (الحصون المنيعة) للسيد محسن الأمين، (الوهابية في صورتها الحقيقية) لصائب عبد الحميد.

() حيث هاجم الوهابيون العتبات المقدسة في الحجاز والعراق، فإنهم بعدما اخترعوا ما اخترعوا في الدين أباحوا دماء المسلمين وتخريب قبور الأئمة المعصومين عليهم السلام وباقي الصحابة، فقد أغاروا علي مشهد الإمام الحسين عليه السلام فقتلوا الرجال والأطفال وأخذوا الأموال وعاثوا في الحضرة المقدسة فساداً وحرقاً وتخريباً، فافسدوا بنيانها وهدموا أركانها، وذلك في سنة (1216ه) ثم إنهم بعد ذلك استولوا علي مكة المشرفة والمدينة المنورة وفعلوا بالبقيع ما فعلوا بكربلاء المقدسة، لكنهم لم يتمكنوا من هدم قبة النبي صلي الله عليه و اله. وفي سنة (1221ه) أغاروا

علي النجف الأشرف وأهلها في غفلة لم يكونوا يعلمون بالخطر الذي دهمهم، حتي أن بعض الوهابية صعدوا السور وكادوا يأخذون البلد، فظهرت لأمير المؤمنين عليه السلام المعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة فقتل من جيشهم كثير ورجعوا خائبين. وفي سنة (1222ه) جاءوا من نجد بما يقرب من عشرين ألف مقاتل أو أكثر، فهاجموا النجف الأشرف غيلة فتحذر منهم أهل المدينة وصدوا هجومهم وتحصنوا بسور البلد، فأتوا ليلاً فرأوا الناس علي حذر متأهبين بالبنادق والاطواب، فمضوا إلي الحلة وكانوا كذلك، ثم مضوا إلي مشهد الإمام الحسين عليه السلام غفلة فحاصروها حصاراً شديداً، فثبتوا لهم خلف السور وقتلوا منهم جماعة فرجعوا خائبين، بعد أن عاثوا في العراق فساداً وقتلاً، وقد استولوا علي مكة المشرفة والمدينة المنورة فهدموا وخربوا وقتلوا من يعترض طريقهم ولايتبع ملتهم وتعطل الحاج ثلاث سنين.

وذكر أن في سنة (1217ه) حضرت كتب من الحجاز إلي مصر فيها أن الوهابيين حضروا إلي الطائف فخرج إليهم (الشريف غالب) شريف مكة فهزموه فرجع إلي الطائف واحرق داره وفر هاربا إلي مكة، وكان رئيس عسكر الوهابيين عثمان المضايفي زوج أخت الشريف وكان حصل بينهما وحشة فخرج المضايفي مع الوهابيين وطلب من سعود الوهابي أن يؤمره علي العسكر الموجه لمحاربة الشريف، ففعل، فحاربوا أهل الطائف ثلاثة أيام حتي دخلوا البلدة عنوة، وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال، وهذا دأبهم مع من يحاربهم، وهدم المضايفي قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف. وفي سنة (1218ه) حضر هجان إلي مصر معه كتب مؤرخة في العشرين من ذي الحجة وفيها: إن الوهابية أحاطوا ببلاد الحجاز، وأن الشريف غالب طلب من والي جدة وأمراء الحاج الشامي والمصري أن يبقوا معه أياما لينقل ماله ومتاعه إلي جدة، فأجابوه بعد

أن بذل لهم مالا، فبقوا معه اثني عشر يوما ثم رحلوا ورحل بعد أن احرق داره. وفي تلك السنة أيضاً وردت كتب من الحجاز إلي مصر بتاريخ منتصف المحرم وفيها أن الوهابيين استولوا علي مكة في يوم عاشوراء بعد ارتحال الشريف غالب وبعد ارتحال الحاج بيومين لان الحاج تأخر بمكة ثمانية أيام زيادة علي المعتاد. وحضر إلي مصر الشريف عبد الله بن سرور مع بعض أقاربه من شرفاء مكة واتباعهم نحوا من ستين شخصا واخبروا أنهم خرجوا من مكة مع الحاج، وأن عبد العزيز بن سعود الوهابي دخل مكة بغير قتال وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والأبنية التي هي أعلي من الكعبة، وحضر مع الحجاج كثير من أهل مكة إلي مصر هربا من الوهابية.

وفي سنة (1221ه) وردت أخبار إلي مصر بمسالمة الشريف غالب للوهابيين لما اشتد عليه الحصار، فأخذ العهد علي دعاتهم بداخل الكعبة ومنع من شرب الاراكيل بالتنباك، وعاهده علي أمور منها: ترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات، وبناء القباب علي القبور وتقبيل الأعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها، وهدم القباب المبنية علي القبور والأضرحة.

وفي سنة (1222ه) ورد خبر إلي مصر برجوع الحاج الشامي من منزل هديه؛ لأن الوهابي أرسل إلي عبد الله باشا أمير الحاج أن يأتي بدون المحمل والطبل والزمر والأسلحة. وفي ثالث صفر من تلك السنة وصل الحجاج المغاربة إلي مصر، واخبروا أن سعود الوهابي دخل مكة بجيش كثيف، وانه هدم القباب وقبة آدم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك في الأسواق وغيرها.

وقد طرد سعود الوهابي قاضي المدينة وجميع خدام الحرم المكي،

وأنهم منعوا من زيارة المدينة المنورة، وأن الوهابي اخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر؛ وعلل فعله بأنها لا ينبغي أن تكون للنبي صلي الله عليه و اله لزهده في الدنيا، وأنه بعث ليكون نبيا لا ملكا. وقيل: إن الوهابي ملأ أربعة صناديق من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر، ومن ذلك أربعة شمعدانات من الزمرد، ونحو مائة سيف لاتقوم قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت، ونصابها من الزمرد. انظر: (تاريخ نجد) لمحمود شكري الآلوسي، (الصواعق الإلهية في الردّ علي الوهّابية) للشيخ سليمان بن عبد الوهاب، (فتنة الوهّابية) لأحمد زيني دحلان، وراجع مذكرات الجاسوس البريطاني (المستر همفر).

() بحار الأنوار: ج45 ص141 ب39 ضمن ح1.

() سورة طه: 96. وفي بحار الأنوار: ج13 ص212 ب7 ضمن ح4: إن قوله تعالي: ?قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ? الآية، أي: علمت بما لم يعلموه، وفطنت بما لم يفطنوا به، وهو أن الرسول الذي جاءك به روحاني محض لا يمس أثره شيئاً إلا أحياه، أو رأيت ما لم يروه وهو أن جبرئيل جاءك علي فرس الحياة…

() سورة البقرة: 248.

() تفسير القمي: ج1 ص81 سورة البقرة، قصة طالوت وجالوت.

() سورة البقرة: 246.

() سورة البقرة: 246.

() سورة البقرة: 246.

() سورة البقرة: 247.

() سورة البقرة: 247.

() سورة البقرة: 247.

() سورة البقرة: 247.

() سورة البقرة: 248.

() سورة البقرة: 248.

() سورة البقرة: 248.

() بحار الأنوار: ج13 ص438 ب19 ح4.

() تشير المصادر التاريخية إلي أن أول من دفن في تلك البقعة الطاهرة وكانت بستانا يحوي أشجاراً من العوسج هو الصحابي عثمان بن مظعون حيث شارك الرسول صلي الله عليه و اله بنفسه الشريفة في دفنه في ذلك البستان، ثم دفن إلي

جانبه إبراهيم بن الرسول صلي الله عليه و اله ورغب المسلمون فيها وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن، وقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله يستغفر لأهل البقيع ويقول: «اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد».

أما أهم المدفونين في البقيع فهم: السيدة فاطمة الزهراء علي رواية الإمام الحسن بن علي، والإمام علي بن الحسين، والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين، وبنات النبي زينب ورقية وأم كلثوم(صلوات الله عليهم)، ولكثرة ما في مكة والمدينة من الآثار الدينية والشواهد التاريخية الإسلامية فقد كانتا من أكثر المدن تعرضاً لهجمات الهدم والتخريب والاعتداء علي الأعتاب الشريفة من قبل الوهابية، وهذا ما أدمي قلوب المسلمين وهم يرون هذا التخريب لآثار عظيمة من تأريخهم وماضيهم المجيد خصوصاً آثار الرسول وأهل البيت عليهم السلام والصحابة الأخيار.

وكان عام (1220ه) تاريخ أول هدم لقبور أهل البيت عليهم السلام، ولكن المسلمين أعادوا بناءها علي يد العثمانيين بعد سقوط دولة آل سعود الأولي. وعاود الوهابيون هجومهم علي المدينة المنورة مرة أخري في عام (1344ه) وقيل عام (1343ه) وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة، وأيضاً عادوا لسيرتهم بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار وأهل البيت عليهم السلام بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوي من وعاظهم. ولم يكتف الوهابيون بتلك الجرائم بل حاولوا مراراً هدم قبة الرسول صلي الله عليه و اله إلا أنهم غيروا رأيهم؛ وذلك بسبب الخوف من حدوث ردود فعل من المسلمين في كل العالم.

واصبح البقيع قاعاً صفصفا بعد أن كان مزاراً مهيباً ومهوي لأفئدة المسلمين المحبين لأهل البيت عليهم السلام أصبح مزبلة لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.

وقد وصف أحد السياح الغربيين البقيع بعد الهدم فقال: تبدو مقبرة

البقيع حقيرة جداً لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر واتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخري التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلو من أي قبر مشيد تشييداً مناسباً، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها، ويعزي تخريب المقبرة إلي الوهابيين. إلي أن قال: فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل!

أما جبل أحد فيقول عنه: أنه وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رضوان الله عليه) وغيره من شهداء أحد، مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون، وعلي مسافة وجد قبور اثني عشر صحابياً من شهداء أحد وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها.

وكانت فاجعة هدم البقيع الثانية أعظم وأجل من الأولي؛ فقد هوجم الوهابيين من قبل الجيش العثماني إثر عملية التخريب والاعتداء علي مقدسات المسلمين الأولي، وتعرضوا لهزيمة منكرة قصمت ظهورهم، فقام المسلمون بإعادة بناء تلك القباب والمساجد الشريفة وبشكل فني رائع أجمل من السابق، وعادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين، أما بعد واقعة التهديم الثانية ما زالت القبور الطاهرة مهدمة حتي الآن.

وقد وصف المدينة بعد تعميرها بعد الهدم الأول أحد الرحالة الإنجليز فقال: بأنها تشبه استانبول أو أية مدينة أخري من المدن الجميلة في العالم، وكان هذا في عام (1877 1878م) وذلك قبل تعرض المدينة المباركة لمحنتها الثانية. ويصف رحالة آخر البقيع والمدينة بعد جريمة الهدم الثانية فقال: لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل علي قبور آل البيت النبوي.. وأصاب القبور الأخري نفس المصير فسحقت وهشمت. راجع مذكرات المستر همفر الجاسوس البريطاني،

وكتاب الوهابية نقد وتحليل لهمايون همتي وغيرها.

() تبلغ نفوس المسلمين حسب الإحصاءات الأخيرة: ملياري نسمة.

() روي أن عدد الحجاج بلغ ما يزيد علي أربعة ملايين نسمة، وذلك في زمان الإمام زين العابدين عليه السلام. انظر كتاب (ليحج خمسون مليوناً كل عام) للإمام الراحل (أعلي الله درجاته).

() سورة الحج: 32.

() ولقد تصدي الكثير من علماء المذاهب الإسلامية المختلفة للبدعة الوهّابية، فصنّفوا كتباً ورسائل عديدة في الردّ عليهم وتفنيد حججهم وبطلان عقائدهم وبيان مخالفتها للكتاب والسنّة وما هو المعروف من عقائد السلف وأئمّة الاجتهاد، نذكر هنا طائفة من هذه الكتب: الأصول الأربعة في ترديد الوهّابية للخواجه السرهندي، إظهار العقوق ممّن منع التوسّل بالنّبي والوليّ الصدوق للمشرفي المالكي الجزائري، الأقوال المرضية في الردّ علي الوهّابية لمحمد عطا الله، الانتصار للأولياء الأبرار لطاهر سنبل الحنفي، الأوراق البغدادية في الحوادث النجدية لإبراهيم الراوي، البراهين الساطعة لسلامة العزّامي، البصائر لمنكري التوسّل لحمد الله الداجوي، تاريخ آل السعود لناصر السعيد، تجريد سيف الجهاد لمدعي الاجتهاد لعبد الله بن عبد اللطيف الشافعي، تهكم المقلدين بمن ادعي تجديد الدين لمحمد بن عبد الرحمن الحنبلي، التوسل بالنبي وبالصالحين لأبو حامد بن مرزوق، جلال الحقّ في كشف أحوال الخلق لإبراهيم حلمي. خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، والدرر السنّية في الردّ علي الوهّابية وفتنة الوهابية لأحمد بن زيني دحلان مفتي مكة، سيف الجبار المسلول علي أعداء الأبرار لشاه فضل رسول القادري، صلح الإخوان في الردّ علي من قال بالشرك والكفران لداود بن سليمان البغدادي، الصواعق الإلهية في الردّ علي الوهابية، وفضل الخطاب في الردّ علي محمد بن عبد الوهاب لسليمان بن عبد الوهاب شقيق محمد بن عبد الوهاب، الفجر الصادق لجميل صدقي الزهاوي، كشف الارتياب في

أتباع محمد بن عبد الوهاب للسيد محسن الأمين، هذي هي الوهابية للشيخ محمد جواد مغنية، الوهابية في صورتها الحقيقية: صائب عبد الحميد.

إضافة لبعض الكتب المؤلفة حول البقيع باللغة العربية وغيرها، وبعض الكتب التي خصصت فصلاً خاصاً وبحثا مستقلاً حول البقيع، مثل: قبور أئمة البقيع قبل تهديمها للسيد عبد الحسين الحيدري الموسوي، تاريخ جنت البقيع للشيخ حسن رضا غديري، البقيع الغرقد للإمام الراحل السيد محمد الشيرازي (أعلي الله درجاته)، البقيع، قصة تدمير آل سعود للآثار الإسلامية في الحجاز، للمهندس يوسف الهاجري، المهدم من آثار المدينة المنورة لعمر عبد القادر المغربي، التاريخ الأمين لمدينة سيد المرسلين صلي الله عليه و اله للشيخ عبد العزيز المدني، أضواء علي معالم المدينة المنورة لحسين علي المصطفي. وكتب أخري كثيرة. كما عقد مؤتمر لإحياء قبور الأئمة الأطهار عليهم السلام في البقيع في مقر بعثة سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) لموسم الحج في مكة المكرمة لعام (1423ه) وورد فيه:

إن لتلك الآثار دلالات للبشرية ومقوّمات للهداية،… والدنيا بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث إن العقل والعرف يدلان علي حفظها، ولا يكون ذلك خلاف الشرع الذي يصرح بالمرور في ديارهم والنظر إلي آثارهم. هذا مما جاء في كلام الامام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه قبل سنوات من الآن في معرض حديثه عن ذكري هدم قبور أئمة البقيع، وهو من مكنونات النفس البشرية السليمة التي تتذوق عبق الذكري ومواضع الجمال الانساني، وموقف تذكر ووفاء لمن أعطي كل شيء لأجل حفظ كرامة بني البشر وضمان أمنهم وسعادتهم وتعبير صادق عما يختلج عشاق الحضارة وصناع الحضارة.

فمنذ زمن النبي الأكرم صلي الله عليه و اله والدفن في البقيع سار عند المسلمين،

وكان صلي الله عليه و اله في بعض المرات يعلم علي قبر المدفون بعلامة، إلي أن هدم (الوهابيون) أكثر هذه القبور مستندين إلي حجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، لكن التعصب الأعمي وفقدان الرشد والانقياد لهوي النفس والركون إلي التفكير المنغلق علي قول هذا أو ذاك دون الالتفات إلي لوحة الفكر الرحبة وبالذات فكر الإسلام الذي يستوعب بتسامحه ومرونته وإنسانيته مختلف الألوان والمشارب.

فالذين هدموا بقاع كما يقول الإمام الشيرازي البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلا بالسيف من دون أي منطق عقلائي، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الصالحين عليهم السلام.

إن هدم قبور أئمة المسلمين المعصومين الأطهار: الحسن الزكي، وعلي زين العابدين، وباقر علوم الأولين وجعفر الصادق عليهم السلام، إنّما يؤلم ضمير الأمة ويدمي قلوب المحبين لأهل البيت عليهم السلام وهو عمل فيه حرب لله وجفاء لرسوله الأعظم صلي الله عليه و اله، كما أنه يتنافي مع المبادئ والقيم الإنسانية والأعراف السائدة بين الناس.

وفي ظل تكاثر دعوات الانفتاح والحوار والتسامح الديني والمذهبي والطائفي وحرية التعبير واحترام الرأي الآخر واستلهاماً لرؤي وأفكار المرجعية الرشيدة للإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله مقامه)، اجتمع ثلة من أصحاب السماحة والعلم، والعديد من الوجهاء من شتي أرجاء العالم في مقر بعثة سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في رحاب مكة المكرّمة، تناول فيه الحضور مسألة السعي الجاد والعمل الحقيقي لرفع هذا الظلم الفادح بحق أئمة طاهرين أوجب الله طاعتهم ووعد بمعاقبة من حاربهم، والخزي والفناء لمن أساء لهم.

واستخلصت من هذا المؤتمر المبارك جملة من المقترحات نذكر بعضا منها:

1 دعم المنظمة العالمية للدفاع عن العتبات المقدسة التي تهتم في قائمة أعمالها بالبقيع الغرقد.

2

الاستفادة من المجال الإعلامي الدولي الواسع.

3 إنشاء مواقع خاصة علي شبكة الانترنيت العالمية باللغات الحية تتبني الموضوع.

4 الاستفادة من الضغط العالمي عبر المنظمات الحقوقية العالمية وغيرها.

5 فتح فروع للمنظمة العالمية التي تهتم بالدفاع عن البقيع الغرقد في مختلف البلاد الإسلامية وغيرها.

6 تشكيل ندوات ومؤتمرات إقليمية وعالمية للوصول إلي إعادة بناء الآثار الإسلامية. 7 تعريف آثار الإسلام والرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام والأصحاب الكرام، وبيان تراجمهم ونشرها في مختلف الأوساط، مسندة بالوثائق التاريخية المفصلة.

8 الاهتمام الجاد المباشر بالذكري السنوية لجريمة هدم البقيع في الثامن من شهر شوال. 9 الاستفادة من البريد الإلكتروني لإرسال أكبر عدد ممكن من رسائل الاحتجاج للجهات المعنية الإقليمية والعالمية.

10 إخراج فلم وثائقي مفصل وواضح يصور تاريخ البقيع الغرقد وما كان عليه وما آل إليه.

11 نشر فتاوي العلماء والمراجع الكرام في وجوب الاهتمام ببناء البقيع الغرقد.

12 تقديم شكوي في المحاكم الدولية، وإلي من يهمه الأمر في خصوص قضية البقيع، والاستهانة بمقدسات جميع المسلمين وخاصة الشيعة منهم والذي يبلغ عددهم أكثر من خمسمائة مليون.

13 تقديم مذكرة احتجاج لمختلف الأوساط السياسية والدبلوماسية بما فيهم رؤساء الدول الإسلامية والوزراء ونواب المجلس في الدول الإسلامية وغيرها.

14 إرسال رسالة موقعة من قبل أكبر عدد من الشخصيات الإسلامية وغيرها إلي مختلف المراكز المذكورة أعلاه.

15 تهيئة طوامير موقعة من قبل ملايين المسلمين في مختلف بقاع العالم.

16 طبع صور البقيع الغرقد ونشرها في مختلف وسائل الإعلام كبيرها وصغيرها (مثال: الطابع البريدي وما أشبه ذلك).

17 الاتصال بالمحامين الدوليين للسعي إلي اتخاذ أقرب طرق ممكنة للوصول إلي بناء البقيع الغرقد.

18 نشر استحباب بناء هذه القبور عبر الأدلة الشرعية في أوساط المسلمين، وبمختلف اللغات.

علماً بأن إعادة بناء

قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام هي مما تركز في النفوس الثقافة الإسلامية المبتنية علي الأخلاق الطيبة، والدعوة إلي الخير والفضيلة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتمسك بمبدأ السلم واللاعنف، فإن تاريخ الرسول الأعظم? وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام بعيد كل البعد عن العنف والإرهاب.

إن بقاء قبور البقيع مهدمة وعلي هذه الحالة المؤلمة التي يراها الناس هو علامة مخزية لأمة الإسلام التي أنارت فكر البشرية بأسمي القيم الحضارية والمدنية، مما يستوجب علي كل من يهمه هذا الأمر أن يعمل علي رفع هذه المظلومية بحق هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.

يقول الإمام المجدد الشيرازي الراحل (أعلي الله مقامه): إن بقاء القبور المباركة مهدومة دليل علي أنه لا زال السيف بيد الهادمين إلي الآن، ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء.

() الإقبال: ص60 دعاء الافتتاح.

() سورة الأحقاف: 31.

() سورة الأنفال: 24.

() سورة يونس: 25.

() سورة فصلت: 33.

() سورة النساء: 165.

() سورة الأعراف: 68.

() سورة الشوري: 51.

() سورة الأحزاب: 45 46.

() سورة التوبة: 128.

() سورة الجمعة: 2.

() سورة الكهف: 110.

() سورة البقرة: 125.

() سورة التوبة: 18.

() سورة البقرة: 114.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص357 ب36 ح6079.

() مستدرك الوسائل: ج10 ص288 ب38 ح12031.

() الكافي: ج1 ص175 باب طبقات الأنبياء والرسل عليهم السلام ح3.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص74 ب31 ح345.

() سورة المجادلة: 21.

() أمالي الشيخ المفيد: ص53 المجلس6 ح15.

() الضمير في (عدته) لله تعالي، والمراد وعد الله بإرسال محمد صلي الله عليه و اله علي لسان أنبيائه السابقين عليهم السلام.

() نهج البلاغة، الخطب: 1 من خطبة له عليه السلام يذكر مبعث النبي صلي الله عليه و اله.

() الكافي: ج1 ص269

باب تشبيه الأئمة ح3.

() الكافي: ج4 ص548 باب زيارة النبي صلي الله عليه و اله ح3.

() الكافي: ج4 ص548 باب زيارة النبي صلي الله عليه و اله ح4.

() الكافي: ج4 ص548 باب زيارة النبي صلي الله عليه و اله ح5.

() وسائل الشيعة: ج14 ص320 ب2 ح19310.

() الكافي: ج4 ص549 باب اتباع الحج بالزيارة ح3.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص7 ب3 ح5.

() الكافي: ج4 ص554 باب المنبر والروضة ومقام النبي صلي الله عليه و اله ح2.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص20 ب7 ح2.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص20 ب7 ح3.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص21 ب7 ح4.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص21 ب7 ح6.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص22 ب7 ح7.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص22 ب7 ح8.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص24 ب7 ح9.

() لا يخفي أن الروايات في قبر السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام مختلفة والقبر الشريف مجهول مكانه ليبقي دليلاً علي مظلوميتها عليها السلام. وقال العلامة المجلسي (رضوان الله عليه): وقبر عقيل بن أبي طالب ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله الجواد بن جعفر الطيار، وقريب من قبة عقيل بقعة فيها زوجات النبي صلي الله عليه و اله وقبر صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلي الله عليه و اله علي يسار الخارج من البقيع وفي طرف القبلة من البقعة قبر متصل بجدار البقعة عليه ضريح والعامة يعتقدون أنه قبر الزهراء عليها السلام وأن قبر فاطمة بنت أسد هو الواقع في زاوية المقبرة العمومية للبقيع في الطرف الشمالي من قبة عثمان وهو اشتباه؛ فإن من المحقق أن قبر فاطمة الزهراء عليها السلام إما في بيتها أو في الروضة النبوية علي مشرفها آلاف الثناء والتحية، وأن القبر الواقع في الطرف القبلي

من البقعة هو قبر فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام كما في بعض الأخبار، أن الأئمة عليهم السلام الأربعة نزلوا إلي جوار جدتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأن القبر الواقع في المقبرة العمومية هو مشهد سعد بن معاذ الأشهلي أحد أصحاب النبي ص كما ذكره في تلخيص معالم الهجرة. و ممن عين قبر فاطمة بنت أسد حيث ما ذكرنا السيد علي السمهودي في (وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفي) بحار الأنوار: ج48 ص297 ضمن باب12.

() وسائل الشيعة: ج14 ص369 ب18 ح19408.

() بحار الأنوار ج97 ص141 ب1 ح14.

() بحار الأنوار: ج97 ص257 ب3 ضمن ح1.

() كامل الزيارات: ص335 ب108 ح13.

() الكافي: ج4 ص560 باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء ح1.

() بحار الأنوار: ج11 ص57 ب1 ح59.

() سورة نوح: 28.

() فرحة الغري: ص104 ب8.

() الكافي: ج3 ص495 باب مسجد السهلة ح3.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.