انفقوا لكي تتقدموا

اشارة

اسم الكتاب: أنفقوا لكي تتقدموا

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مطبعه نجف الاشرف- حي عدن

مكان الطبع: عراق- كربلاء

تاريخ الطبع: 1427 ق

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

تمتاز العبادات في الإسلام بشموليتها لكافة جوانب حياة الفرد المسلم، فمنها: الروحية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية، وغيرها. ولكل عبادة من هذه العبادات دور مهم في الحياة، وإذا ما تعمقنا في نظرنا لهذه العبادات فسوف نتعرف علي بعض الحِكَم والأسرار الإلهية المودعة فيها والتي يعبر عنها التشريع الإسلامي بهذا الخصوص واستطاع العلم الحديث أن يكشف عن بعضها.

فالصلاة بصورة عامة تلبي الجانب الروحي والتربوي لدي الفرد المسلم، بينما الحج حيث يجتمع المسلمون من شتي بقاع العالم في الديار المقدسة يعبر عن الجانب الاجتماعي والسياسي لدي المجتمعات الإسلامية، وأما الزكاة فهي تعبر عن الجانب الاقتصادي لدي الفرد والمجتمع الإيماني، وهكذا بالنسبة إلي السلام واحترام الكبير والعطف علي الصغير ومساعدة المحتاج كلها أمور تعبر عن الجانب الأخلاقي الذي يتحلي به المسلمون كافة.

وعلي هذا فإن بعض العبادات لا يراد بها الجانب التربوي فحسب، بل تحقيق المصلحة الاجتماعية التي تتكفل بها مثل هذه العبادة مثل: الزكاة والخمس والصدقة وغيرها. ومن هذا نكتشف أن الإسلام لا يفصل بين الحياة والدين، بل يدعم الحياة ويجعل من الفرد العابد يشعر بقيمة الحياة وبقيمة ما يقوم به من عبادات، علي عكس الديانات والمذاهب الأخري التي فصلت الدين عن الحياة وحصرته في أطر ضيقة وممارسات لا تعدو كونها طقوساً فارغة المحتوي، كما هو الحال لدي المترهبين والمتصوفين ومن أشبه.

إن الإسلام يرفض فصل الدين عن الحياة، ولا يؤمن بالمبدأ القائل: (ما لقيصر لقيصر وما لله لله)()، بل ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله قوله:

?من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه فليس بمسلم?()، كما أفصح سيد الشهداء عليه السلام عن جانب من هدف قيامه المبارك بقوله: ?أن رسول الله صلي الله عليه و اله قد قال في حياته: من رأي سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقاً علي الله أن يدخله مدخله?().

نعم، إن العبادة في الإسلام وإن كانت تمثل علاقة بين الإنسان وربه ولكنها صيغت في الشريعة الإسلامية بنحو لتكون أداة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، ولا تؤدي هذه العبادة أياً كانت دورها ما لم تكن قوة فاعلة في توجيه ما يواكبها من علاقات اجتماعية توجيهاً صالحاً. فالزكاة الخمس والزكاة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتهذيب نفس وروح الفرد المسلم المطيع لربه، فهي تعلمه وتشجعه علي البذل والإنفاق في سبيل الله لتنفي البخل والشح عنه، وتسهم بشكل فاعل في عملية تقدم وتطور المجمتع المسلم من خلال تسليمها إلي ولي الأمر الشرعي ليصرفها في مصارفها كبناء المؤسسات الدينية والخدمية والصحية، ونشر أحكام الدين وإرشاد الضالين وغير ذلك مما يري الباذل بأم عينه ما للزكاة من أثر علي نفسه ومجتمعه.

إن الله تعالي ليس بحاجة إلي أموالنا بقدر ما نحن بحاجة بذل هذه الأموال في سبيل الله، فنحن الفقراء إلي الله، ومن يبخل فإنما يبخل علي نفسه، وللبخل آثار سيئة علي الإنسان نفسه منها: جلب الذم فالبخيل مذموم دوماً، والبخل يزري بصاحبه وهو مدعاة للذل فالبخيل ذليل أبداً وإن كان بين أعزته، كما يكسبه العار ويدخله النار لا محالة، وللبخيل في الآخرة معذب معلوم، وفي البخل أيضاً

اللؤم والمسبة ولا سبة كالبخل. ومن آثار البخل الأخري أنه يوجب البغضاء ويمنع الشكر، ويكسب المقت ويشين المحاسن ويشيع العيوب؛ فإن البخيل يمقته الغريب وينفر منه القريب، والبخل مما يفسد الأخوة، فمنعك خيرك يدعو إلي صحبة غيرك، مما يجعلك غريباً بين أهلك وإخوانك، ولا غربة كالبخل.

إن من أبخل الناس من بخل بإخراج ما افترضه الله سبحانه في أمواله من حق معلوم للسائل والمحروم، ومنع الأموال من مستحقها، ومن بخل علي

نفسه بماله فقد خلّفه لوراثه في النهاية فيكون المهنأ لغيره والوزر عليه حيث ينوء بحمله.

إن الشرع الحنيف قد جعل لكل شيء زكاة:

فزكاة العلم نشره، وزكاة الجاه بذله، وزكاة الحلم الاحتمال، وزكاة المال الإفضال، وزكاة القدرة الإنصاف، وزكاة الجمال العفاف، وزكاة الظفر الإحسان، وزكاة البدن الجهاد والصيام، وزكاة اليسار بر الجيران وصلة الأرحام، وزكاة الصحة السعي في طاعة الله، وزكاة الشجاعة الجهاد في سبيل الله، وزكاة السلطان إغاثة الملهوف، وزكاة النعم اصطناع المعروف،

وزكاة العلم بذله لمستحقه وإجهاد النفس في العمل به، كما في الرواية عن

أمير المؤمنين عليه السلام ().

وفي هذا الكتاب (أنفقوا لكي تتقدموا) جعل سماحة المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه من عنوانه معادلة متكافئة، فالإنفاق يساوي التقدم، ويجد فيه المطالع نتائج وآثار الإنفاق علي الفرد والمجتمع من خلال الوقائع التي عايشها الإمام رحمة الله عليه بنفسه، وكذلك فإنه أسلوب جديد في الدعوة والحث علي الإنفاق ونبذ البخل.

وقد ارتأت مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر إعادة طبع ونشر هذا الكتاب القيم لما فيه من الفائدة المرجوة والحاجة الماسة إلي الإنفاق خصوصاً ونحن نعيش في مرحلة بناء العراق الجديد، والذي يعاني من نقص حاد في المؤسسات الدينية والتربوية والخدمية والصحية، هذا بالإضافة إلي ما

خلفه النظام البائد من تركة ثقيلة تركت بصماتها علي حياة الفرد والمجتمع العراقي.

والمؤسسة إذ تضع هذا الكتاب بين يدي الخيرين والموسرين تأمل منهم أن يقوموا بما يملي عليهم الواجب الديني والأخلاقي في التخفيف من وطأة معاناة الفرد العراقي، سائلة المولي القدير أن يأخذ بيد الجميع لما فيه الخير والصلاح وتقدم هذا البلد إلي الأمام ليأخذ سلف عزه ومجده بين الدول، وأن يمن علي الإمام الراحل رحمة الله عليه بالمغفرة والرضوان وعلو الدرجات إنه سميع الدعاء.

والحمد لله رب العالمين.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لا يتقدم المسلمون إلي الأمام، ولا يتخلصون من شرور الكفار إلا إذا تقدم الإسلام وجُعل نظام الحكم في البلاد. ولا يتقدم الإسلام إلا إذا كانت هناك مؤسسات ومشاريع ووعي جماهيري لدي المسلمين بما يتطلبه العصر الحاضر، وإلا فالأعزل عن المشاريع والمؤسسات لا يتمكن أن يقاوم من له المؤسسات والمشاريع. فإن الغرب القابض علي زمام المسلمين اليوم مزود بأكبر قدر من المال والرجال، والتفكير والتخطيط، والمؤسسات والمشاريع، وسائر مقومات الحياة في أدق معاني المقومات.

والمؤسسات والمشاريع والوعي لا تحصل إلا بالمال والرجال، والرجال تجمعهم المؤسسات التصاعدية، فاللازم التأسيس في أسرع وقت وبكمال الدقة والحزم، والمال يأتي به الجهد المتواصل عن خبرة وجرأة ومعرفة الحاجة وقدرة الإقناع، بما يتطلبانه من علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما، وإلا فلا أحد يقول: هاكم المال خذوه واصرفوه كيف شئتم وفيم شئتم.

وهذا الكتاب موضوع لإراءة ما أري، وللتشجيع علي القيام بمستلزمات ما نري، علّ المسلمين يتمكنون من جمع المال وتنظيمه ليكون إحدي اللبنتين في نهضة إسلامية شاملة.

(أنفقوا كي تتقدموا) اسم الكتاب وهو حقيقة مائة في المائة، ف (لولا

سيف علي عليه السلام ومال خديجة عليها السلام لما تقدم الإسلام)()، ولولا بذل الأغنياء وتنظيم المال لصرفه في المصالح العليا، لم يتقدم لا الإسلام ولا الأغنياء من المسلمين…

إن في الغرب اليوم أغنياء قد تعد ثروة أحدهم بالمليارات، فهل في بلاد الإسلام اليوم من تبلغ ثروته عُشر تلك الثروة؟. كلا! ولماذا؟. لأن الإسلام إذا تأخر فالمسلمون كلهم متأخرون، ثريّهم متأخر عن ثريّ الغرب، وحاكمهم متأخر عن حاكم الغرب، وعالمهم متأخر عن عالم الغرب، وهلم جراً.

فإذا بذل أغنياؤنا المال، لم يكونوا بذلك إلا مساهمين في تصعيد مستواهم قبل كل شيء، وصدق الله سبحانه حيث يقول: ?وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ?()؛ فإن نتائج البخل تظهر أول ما تظهر في مال البخيل، بله سمعته وآخرته.

ثم إن البلاد الإسلامية تعاني أزمة حادة، فقد كان في الماضي القريب يستعمرهم الغرب فقط، واليوم يستعمرهم الشرق والغرب علي حد سواء، وكان في السابق يضغط عليهم أقوي الأمم، واليوم يضغط عليهم حتي أذل الأمم: اليهود.

وهذه الأزمة الحادة أوجبت سقوط الأغنياء واحداً بعد واحد، ومجموعة تلو أخري، فكل بلد تقلص فيه الإسلام تساقط فيه الأغنياء تساقط الورق في الخريف، أ فليس من الأفضل أن يساهم الأغنياء في بناء الإسلام لكي يحفظوا أنفسهم من السقوط..

وفي المثل الشعبي:

(قبل الوقوع لابد من علاج الواقعة)

و(قبل البلاء لابد من الشروع في الدعاء) ().

إن الأمر ليس أمر مقدار من الخُمس يعطي رغبة أو رهبة، ولا أمر مقدار من التبرع يدفع منّة أو كراهية، ولا أمر إطعام في ليالي رمضان لأجل الثواب أو الشهرة، ولا أمر مساهمة في إعادة فقير منقطع إلي بلده، أو إرسال مريض إلي المستشفي، أو مشاركة في زواج أعزب، أو ما أشبه ذلك. إن الأمر أكبر من

ذلك وأكبر، إنه مصير أمة وثروة بلاد، ووقاية حتي الأثرياء أنفسهم من غضبة الناس.

إن الإسلام إذا تأخر نُهبت الثروات، كما نهبت الروس ثروات بلاد بادكوبه وتركستان()، وقُتل أول من قُتل من الأثرياء، بعد أن جردوا من ثرواتهم، فهل علاج ذلك أن يعطي الثري شيئاً من ماله بكل كراهية بعنوان الخمس؟. أو أن يساهم في ضيافة، أو إرسال فقير إلي المستشفي؟.

وكمثال: جاءني غني يقال إنه يملك الملايين، وقال: إنني أريد الحج ولا أتمكن الآن من تصفية أموالي، وليس لي إلا أن أصفي ألف دينار أريد الذهاب به إلي الحج وخُمسه مائتان، وإني أطلب من سيد مائة دينار وأريد أن تقبله من سهم السادة، وأنا أريد أن أحسبه عليه وأدفع بنفسي عشرة دنانير إلي خطيب وهاك تسعون ديناراً. فهل بمثل هذا يمكن أن يقي الثري ملايينه؟. دعنا عن الآخرة والعمل الديني أو أي شيء آخر.

وذات يوم أرسلتُ إلي ثري أن يبني مشروعاً في كربلاء، أي مشروع أحبّ من مدرسة أو مكتبة أو دار أيتام أو حسينية أو مسجد أو … فقال الثري لصديقه الرسول: بلّغ سلامي إلي السيد وقل له: الآن ظروفنا حرجة، وأنا لا أقدر علي تنفيذ المشروع.

وكم كان يكلفه المشروع؟. خمسة آلاف أو عشرة آلاف في أبعد تقدير، ولم تمض مدة ستة أشهر إلا ومات الثري، وأخذت الحكومة من إرثه ضريبة تصاعدية بمبلغ (مليون وثمانمائة ألف دينار).

وذات يوم تبرع جمع من التجار لأجل شراء دار لأحد العلماء، واشتروا الدار بأقل من ألف دينار، وساهم في المشروع ثري تقدر ثروته بأكثر من مليون دينار ولكن مساهمته لم تتجاوز عشرين ديناراً. وذات يوم كنت مدعواً في دار الثري، فأظهر أحد الحاضرين أن نفس ذلك العالم بحاجة ملحّة

فله عائلة و … فاهتاج ذلك الثري الذي ساهم بعشرين دينار (من الخمس) قائلاً: هذا لا يكون، أ فهل نتمكن نحن أن نبذل كل يوم؟!.

وأردف بكلمات أقسي، قال الثري هذا وهو علي مائدة كلفته ما لا يقل عن خمسين ديناراً، وكادت اللقمة أن تسقط من يدي تألماً من سوء تقدير الأغنياء للقضايا رغم أن ذلك العالم لم يكن يمت إليَّ بقرابة أو صداقة ورأيت أن الأفضل تجنب الزاوية الحادة. ثم رأيت ذلك الثري قد كسحته اشتراكية عبد السلام عارف()، وهو يتلوي كما يتلوي الملدوغ، وسلّط عليه من أقربائه من لم يرحمه، ففكرت أنه وأمثاله لو كانوا يعملون بصورة جادة لئلا يروا هذا اليوم لما رأوه.

إنني لا أعادي الأثرياء ولا أحقد عليهم، بل أدعو ليل نهار أن يكثّر الله في المسلمين من الأثرياء، فإنهم مفخرة لنا، وحتي لا يكون أثرياء الكفار أكثر من أثريائنا، فإني أحب أن ينطبق (الإسلام يعلو ولا يعلي عليه)() حتي في أثرياء الجانبين، وإنما ذكرت ما ذكرت تذكيراً بالحقيقة، وإعلاماً بأن أثرياءنا إذا أحبوا الحفاظ علي أنفسهم يجب عليم أن يبذلوا بسخاء، وإلا تقع الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة.

ولا بأس أن أذكر ثرياً آخر، كان قد قرر لمصارفه الشخصية في كل شهر (خمسة آلاف دينار) بمعدل كل سنة ستين ألف دينار، وذهب جمع من التجار إليه يطلبون منه المساهمة في مشروع فأعطي بعد جهد مائة

دينار فقط!.

إن علم النفس والاجتماع يقرران أن هناك نقمة متزايدة ضد طائفتين: الحكام والأثرياء، وهذه النقمة لابد أن تتنفس بعنف، ولكن يمكن امتصاص هذه النقمة.

أما كيفية امتصاص النقمة ضد الحكام، فبإعطاء الحريات التي منها عدم الضغط في القانون ولا في تطبيقه وبالإشراك في الحكم، فإذا الناس اشتغلوا بحرياتهم

لم ينكروا ما في الحكام، وإذا شاركوا في الحكم بأي لون من المشاركة اعتبروا الحكم كيان أنفسهم، فلا يفكرون في تقويضه.

وأما كيفية امتصاص النقمة ضد الأغنياء، فبالبذل السخي للفقراء والمشاريع، وبعدم الاستفزاز في الإنفاق، سواء كان الاستفزاز من نوع الإسراف، أو من نوع التظاهر، أومن نوع الكبرياء، أو من نوع الفساد.

إن حكام بلاد الإسلام بحاجة اليوم إلي الأخذ بالنصيحة الأولي، وأثرياء المسلمين اليوم بحاجة إلي الأخذ بالنصيحة الثانية، فهل من أذُن واعية؟.

أو يتماهلون حتي يأتي يوم فيه يركضون، فيقال لهم: ?لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَي مَا أُتْرِفْتُمْ?().

إنه ليس من شك أن هناك أثرياء من أهل الخير يبذلون بسخاء في سبيل الله، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين أن يكون الأقلون أو الأكثرون هم الذين يبذلون، والكلام هنا في الأكثرية التي لا تبذل، لا في الأقلية التي تبذل، والأقلية غالباً لا تغير ظواهر المجتمع.

إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلي مشروعات واسعة النطاق، في جميع الحقول التأسيسية، والتبليغية، والتثقيفية، وما أشبه، سواء في داخل بلاد الإسلام أو خارجها، من مدارس، ومصحات، وجرائد، ومجلات، وإذاعات أهلية، وكليات، ومكتبات، وجمعيات لمختلف شؤون المبلغين، وغير ذلك، وكلها تتوقف علي المال، حتي تتكون وحتي تسير في الحياة إلي الأمام، لعلها تكون نواة لنهضة إسلامية شاملة.

والذي أري أنه يلزم أن تتكون (أولاً) لجنة، تهتم بأمرين: جمع المال من جانب، وبذر نواة الحركة من جانب آخر، ثم تنحو اللجنة في مختلف الأبعاد حتي يأذن الله لها بالتوفيق. إن كل بلد إسلامي يحتاج إلي مركز للعلم والعمل والإشعاع، يتناسب ذلك المركز مع حجم المدينة، وهكذا يحتاج إلي مبلغ أو مبلغين أكفاء بتلك النسبة، وكذلك كل عاصمة تحتاج إلي مركز للإذاعة والتلفزيون وجريدة ومجلة أو أكثر بنفس

النسبة أيضاً. ثم البلاد غير الإسلامية بحاجة إلي مثل ذلك، فهل يمكن ذلك كله بلا مال؟.

إن بعض رجال الدين يقولون: إنه ذنب الأثرياء، وإن بعض الأثرياء يقولون: إنه ذنب رجال الدين. فلنفترض هذا ولنفترض ذاك، فهل إلقاء الذنب علي كاهل الآخرين يكفي في العلاج؟.

إننا بحاجة ملحة إلي العلاج السريع والحازم، وإلا فيأتي يوم والعياذ بالله لا يملك عالمنا قدرة ولا ثرينا ثروة، وقد نبوأ بالفشل في الدنيا والمقت في الآخرة.

وهناك آخرون يقولون: إن واقعية الدين تحفظ علي كل حال، فلنقل لهؤلاء: فلماذا اضطهد الأئمة الطاهرون عليهم السلام؟. ولماذا انقلبت بلاد إسلامية إلي بلاد ملحدة؟. ولماذا انتشرت في بلادنا الخمور والفجور والقمار والسفور؟.

إن الدنيا دنيا الأسباب فمن أخذ بها وصل إلي النتائج مؤمناً كان أو كافراً، أما الآخرة فهي خاصة بالمؤمنين، ولذا نري نبي الإسلام صلي الله عليه و اله أخذ بالأسباب بكل جدّ واهتمام، وهو القائل: ?وما قام ولا استقام ديني إلا بسيف علي عليه السلام ومال خديجة عليها السلام ?()، وقبل ذلك قال القرآن الكريم: ?وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا?().

والله سبحانه المسئول أن يوفقنا جميعاً إلي خدمة الدين، وإعزاز المؤمنين، والسهر الدائم لإرجاع الإسلام إلي الحياة، وما ذلك علي الله بعزيز.

كربلاء المقدسة

محمد

1 (الحاجة إلي الأثرياء)

إنا بحاجة إلي أثرياء، والثروة نعم الشيء لعمارة الدنيا والآخرة، وفي الحديث: ?نعم العون علي الدين الغني?(). وكلما زادت ثروة الإنسان زادت إمكانات تقدمه في الدنيا والآخرة، وحيث إن الإسلام والعقل أقرّا بالملكية الفردية فنحن من أنصار الملكية الفردية إلي أبعد الحدود ضمن الشروط الشرعية.

نعم الرأسمالية المعاصرة تعربد، وهذا ما لا يقره الإسلام.

إن المأخذ علي الملكية الفردية يتلخص في أمرين:

الأول: إن هناك من يعيش في فقر

مدقع، بينما يعيش آخرون في ترف وبذخ وسرف.

والثاني: إن الأثرياء يفعلون المحرمات من احتكار، وربا، وغش، وخداع، وانهماك في الشهوات المحظورة، لكن الإسلام ينظّف الملكية عن هذين الأمرين، فلا فقر ولا فقير في الإسلام، بل إن كل فرد يحق له أن يعيش عيشة سعادة وكرامة، فإن تمكن هو من تحصيل ذلك، وإلا فالدولة مكلفة بأن تهيئ له ذلك. كما لا يحق للغني أن يرتكب المحرمات، فهل يعد ذلك مأخذاً علي الثروة الفردية والأثرياء؟. إن العضو المريض يجب أن يعالج لا أن العضو الصحيح يجب أن يمرض ليتساوي مع العضو المريض، والأول منطق الإسلام، والثاني منطق الاشتراكية بمختلف شعبها.

وهناك أمر آخر ندب إليه الإسلام، وهو أن لا يتعلق الإنسان بالدنيا والمال ف ?أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ?() و?الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار?()، بل يأخذ المال بإذن الله ويصير يصرفه في مرضاة الله حتي ينال سعادة الدنيا والآخرة.

وهناك قصة طريفة تنقل عن (الورّام)() صاحب (مجموعة الورّام)() جد السيد ابن طاووس رحمة الله عليه()، يقول: إن إنساناً قرأ كتابه (المجموعة) فأعجب بزهده، فقطع مسافات شاسعة ليري هذا العابد الزاهد التارك للدنيا، ولما وصل إليه رآه في قصر فخم، تلتف حوله حديقة غناء، وأثاثه من أفخم الأثاث، فتعجب تعجباً بالغاً وقال له: هل أنت مؤلف المجموعة؟.

قال الشيخ: نعم.

قال الرجل: فما لي لا أري شبهاً بين حياتك العملية وبين ما في كتابك؟.

قال الشيخ: فماذا تري؟.

قال الرجل: أري أن مؤلف هذا الكتاب يجب أن يكون في سفح جبل، أو شاطئ نهر، أو منقطع رمل، يأكل الجشب، ويلبس الخشن، ويفترش الأرض، ويلتحف السماء.

قال الشيخ: وهل لك أن تصاحبني في أن نعمل معاً كما قلت؟.

قال الرجل: وما أسعدني بذلك؟.

فخرج الرجل والشيخ يقصدان البرية

ليزهدا فيها، وبعد خطوات قال الرجل: دعني أرجع إلي الدار لأني نسيت مسبحتي هناك.

قال الشيخ: دع المسبحة.

لكن الرجل أصر وأبدي شديد تعلقه بها، قال الشيخ: إذا كان كذلك فلنرجع.

فرجعا ولما أخذ الرجل المسبحة، قال الشيخ: إنك لم تقدر علي ترك مسبحة، وأنا قدرت أن أترك كل مالي، فهل أنت تريد الزهد أم أنا زاهد؟. ثم بين له: إن المهم أن لا يتعلق قلب الإنسان بالدنيا، وليس المهم أن لا يكون للإنسان شيء، فالزاهد من تكون له الدنيا وإن كثرت حوله، والجشِع من يكون للدنيا ولو كانت مسبحة.

وبمناسبة ذكر الشيخ الورّام ينقل: أن إنساناً سمع أن الشيخ يعرف الكيمياء، فجاء إلي الشيخ وبقي عنده أياماً فلم يأبه له الشيخ، ولما ضاق الأمر بالرجل قال: شيخنا، إني سمعت أنك تعرف الكيمياء، فجئتك لأتعلمها منك، فهل لك بأن تتفضل عليَّ بذلك؟.

قال الشيخ له: أنظر، فإذا بإبريق من الصفر في بعض جوانب البيت فتوجه الشيخ إلي الإبريق، وقال: كن ذهباً. فتحول الإبريق إلي ذهب يلمع، قال الشيخ للرجل: هذا هو الكيمياء الذي عندي، وغير هذا لا أعرف وإن شئت ذلك فلا بد لك من المجاهدة حتي تصل إليه.

2 (الفرار من الخمس)

إن علي الذين يمنعون الحقوق الشرعية أو يريدون الحيلة في التخلص منها لما يظنون حيلة شرعية!! أن يعلموا أنهم مساهمون في هدم الحياة الإسلامية، وإذا هدمت الحياة الإسلامية بصورة عامة هدمت حياتهم أيضاً، إذ الإنسان فرد من المجتمع فإذا ارتفع المجتمع ارتفع، وإذا انخفض المجتمع انخفض.

وسيأتي يوم يقول فيه: (يا ويلتنا علي ما فرطت في جنب الله)()، أما في الدنيا فإنه يعرض نفسه للنار وإن لم يشعر بها، فقد قال سبحانه:

?الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامي ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ

سَعِيراً?() فهو يأكل النار حقيقة وإن كان حسه محجوباً، كالمشلول الذي لا يحس بالنار إذا احترقت أجزاء من جسمه بها، فكونه لا يشعر بالنار لا يكشف عن أنه لا يحترق بالنار فعلاً، وقد ورد في تأويل الآية الكريمة أن المراد باليتامي: آل محمد عليهم الصلاة والسلام().

وهناك قصة جميلة لا بأس بذكرها وهي: إن أحد الأثرياء كان يدرس عند أحد العلماء، فكان الثري يصر علي العالم أن يذهب ولو مرة واحدة إلي ضيافة الثري، وكان العالم يأبي أشد الإباء، حتي اضطر العالم تحت ضغط التلميذ أن يقبل الدعوة، ولكن اشترط عليه أن لا يكون الطعام مخلوطاً بالحرام. قال الثري: إني لا آكل الحرام أبداً. وجاء العالم إلي بيت الثري في يوم الموعد، وقد هيأ الثري من كل ما لذّ وطاب وقال للعالم: تفضل.

لكن العالم جعل ينظر إلي الأطعمة بدهشة وما مد إليها يده، فقال الثري: لماذا لا تأكل؟.

قال له العالم: فانظر، وأشار العالم إلي عين الثري الحقيقية، وإذ بالثري يري أن الأواني كلها ممتلئة من الدم والوسخ والقيح، وتفوح منها رائحة منتنة. فتعجب الثري لذلك أشد العجب، قال له العالم: إن المال لم يخمس واختلط بالحرام في حقيقته هكذا وإن رآه الإنسان غير ذلك. فتاب الثري وصفّي أمواله والتزم بأوامر الله تعالي.

3 (والجميع تحت التراب)

قال الله تعالي: ?أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ?()، إننا خلفاء وسنموت وسيأتي بعدنا خلفاء آخرون، ولا تمر الأيام والليالي إلا والجميع تحت التراب، فلا دور ولا قصور، ولا مناصب ولا مراتب، ولا عزة ولا كرامة، بل كلنا همود وركود، جمود وسكون، تهب علي مقابرنا الرياح، وفي الليالي المظلمة تلف مضاجعنا الأشباح، قد كلكل علي الجميع البلي، وأكلتهم الجنادل والثري، ولسان حالنا:

أكل التراب محاسني فنسيتكم

وحجبت عن أهلي وعن أترابي()

فهل ينبغي أن نبخل بمال الله في سبيل الله لهذه الدنيا الزائلة؟.

أم الأفضل أن نعطي حقوق الله حتي نسعد هناك حيث ?كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ?().

وبالمناسبة يقال: إن بهلول شوهد ذات مرة في المقابر وهو يخاطب الأموات قائلاً: أي كَذَبة، أي كَذَبة. قيل له: وهل تجدد جنونك يا بهلول؟.

قال: كلا، إنهم كانوا يقولون: لنا قصور، لنا بساتين، لنا مراكب، لنا أموال، لنا أولاد، لنا قوة، لنا سلطة … وأراهم وليس عندهم شيء ألم يكونوا كاذبين حيث كانوا يدعون ما لم يكن لهم؟.

باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل()

وقد أنشد أحد الشعراء لأحد الخلفاء وقد رآه يتقبل التهاني في قصر جديد:

عش ما بدا لك سالماً

في ظل شاهقة القصور

يهدي إليك بما اشتهيت

من الرواح إلي البكور

فإذا النفوس ترقرقت

في ظل حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقناً

ما كنت إلا في غرور()

4 (أنا يوم جديد)

في الحديث: ?إن صباح كل يوم يخاطب الإنسان قائلاً: أنا يوم جديد وغداً عليك شهيد، فقل فيَّ خيراً واعمل فيَّ خيراً؛ فإنك لن تراني بعد

أبداً?().

إن بعض الناس يقولون: سنصلح أنفسنا غداً، وسنصفي أموالنا في شهر كذا، وسنعطي الخمس في يوم كذا … إنهم مغرورون فهل ضمنوا علي الله أنفسهم؟. وهل إن الشيطان يتركهم يصفون غداً وبعد غد؟. ولماذا التأخير؟. وهل أن أولاده وأوصياءه يفعلون ما لم يفعله هو؟.

وفي الحديث: إن أكثر ما يشتكي منه أهل النار كلمة: (سوف)(). وكم أنا شخصياً رأيت أناساً قالوا: سنفعل، لكن الأجل لم يهملهم وتركوا الحياة متحسرين، ولابد إنهم يقولون الآن: ?رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ? فيقال له: ?كَلاَّ?().

وفي الأمثال القصصية القديمة:

إن إنساناً كان له أصدقاء يرعي جانب الأول منهم أكثر فأكثر، يسهر لأجله، ويتعب في سبيله،

ويخاطر لرغباته. ويرعي جانب الثاني منهم أقل من الأول، لكنه أيضاً يهتم بشأنه، ويطلب رضاه، ويعاهد أمره. أما الصديق الثالث فكان مهملاً لديه، لا يهتم به، ولا يسأل عنه إلا قليلاً، وإذا التفت وتعاهده فبتكاسل وتثاقل. فاتفق أن حدثت له مشكلة خطيرة عند حاكم البلد، وكان يخشي من الحاكم عليه، فجاء إلي صديقه الأول يطلب عونه ومساعدته في حل مشكلته، فتجهم في وجهه وقال: إني لا أساعدك بشيء أبداً، غير أني أعطيك ثوباً من أرخص ما يكون، فتأسف الرجل علي صداقته له واهتمامه به وما ضيع من وقته في سبيله.

فجاء إلي الصديق الثاني يلتمس منه العون، لكن الصديق الثاني أيضاً قال: إني لست علي استعداد لمساعدتك، وكل ما أعمله لك هو أني سأوصلك إلي باب دار الحاكم. فأسف الرجل لما أتلف من وقته في سبيل رضا هذا الصديق.

وحيث لم يجد بُداً وملجأً جاء إلي الصديق الثالث وهو منكس الرأس خجلاً، وقال له: أيها الصديق، إني أخجل أن أطلب العون منك لكن الظروف ألجأتني، فهل لك أن تعينني في مشكلتي؟.

فقال الصديق الثالث: نعم أنا صديقك، وسأرافقك إلي دار الحاكم وأدافع عنك. فحزن الرجل أشد الحزن حيث لم يهتم بشأنه في سالف الأيام. فقيل: إن الصديق الأول هو المال، والصديق الثاني هو الأهل والأصدقاء، والصديق الثالث هو العمل الصالح، وبذل المال في سبيل الله.

فلننظر إلي الأصدقاء: أيهم نراعيهم أكثر؟.

وأيهم ينفعنا في المستقبل أكثر؟.

5 (المال وديعة)

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولابد يوماً أن ترد الودائع()

إن مال الإنسان وديعة عنده ويأتي يوم ترد الوديعة، أليس من الأفضل إذاً أن يتزود الإنسان من هذه الوديعة؟. والتزود منها ليس حلالاً فحسب، بل يؤدي إلي حسن الذكر في الدنيا وجميل الثواب في الآخرة، وسيأتي

يوم يندم فيه من لم يتزود ولكن لا ينفعه الندم.

يقال: إن كسري أنو شروان() لما بني قصره الضخم جاءه الحكماء والفلاسفة، والرؤساء والوزراء، ومدح القصر كل منهم حسب معرفته. حتي جاءه حكيم فسأله كسري: هل في القصر عيب؟.

قال الحكيم: نعم أكبر العيوب.

قال كسري: وما وذاك؟.

قال: لأنك إما أن تدخل فيه ذات مرة فلا تخرج منه أبداً، وإما أن تخرج منه ذات مرة فلا تدخل فيه أبداً، إنه إما أن تموت وتقبر في القصر فلا تخرج منه أبداً، وإما أن تموت وتقبر خارج القصر فلا تدخل فيه أبداً.

وقد مر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام علي طاق كسري، فأنشد بعض من كان بحضرته:

جرت الرياح علي محل ديارهم

فكأنهم كانوا علي ميعاد()

فقال الإمام عليه السلام: ?ألا قرأت قوله تعالي: ?كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ? وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ? وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ? كَذلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ?()?().

6 (الوارث والحوادث)

وهل ما تملك لك؟. فإن كنت تزعم أنه لك فقد أخطأت خطأً كبيراً، وإن كنت تعلم أنه ليس لك فهلا تنفق منه حق الله وحق الناس، لئلا تحمل الوزر ?يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ عليهم السلام إِلاَّ مَنْ أَتَي اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ?().

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?لكل إنسان في ماله شريكان: الوارث، والحوادث?().

يُنقل: إن إبراهيم بن أدهم() كان ملكاً، وكان ذات يوم جالساً مع وزرائه في قصره الملكي الفخم، فسمع ضوضاء علي باب القصر، ورأي أن فقيراً يريد الدخول والحراس يمنعونه. قال الفقير: أليس هذا خاناً؟.

فلما سمع الملك كلام الفقير اهتاج غضباً لتطاول الفقير عليه وعلي قصره فأمر بإحضاره، ولما أُحضر بين يدي الملك، قال: لماذا كنت تريد الدخول؟.

قال: حتي أستريح ساعة.

قال: فلماذا سميت القصر خاناً؟.

قال: أيها الملك، هل

أنت حصلت علي القصر بنفسك أم كان قبلك لغيرك؟.

قال إبراهيم: بل كان لجدي ثم لأبي ثم الآن لي.

قال الفقير: وبعدك لمن يكون؟.

قال: لولدي.

قال الفقير: وهل الخان غير هذا؟. أليس الخان هو البيت الذي ينزل فيه إنسان ثم يرحل، ثم ينزل فيه آخر ويرحل؟.

نزلنا هاهنا ثم ارتحلنا

كذا الدنيا نزول وارتحال

فتنبه الملك وعزم علي ترك الملُك، ثم تسلل ليلاً من القصر ولبس المسوح وذهب إلي البرية، وصار من الزهاد المعروفين.

7 (إذا مات ابن آدم)

?إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وولد صالح يدعو له، وكتاب علم ينتفع به?().

فهل قدمنا لأنفسنا ما ينفعنا هناك؟.

إن الإنسان قد يموت فتكتب له الآثام وهو نائم في قبره، كما لو سن سنة سيئة، أو غصب ملكاً وبقي بعده مغصوباً، وإذا لم يعرف ورثته ذلك كان لهم المهنأ وعليه الوزر، وإذا بني داراً وهيأ لها أثاثاً ولم يخمسه ثم مات ولم يعرف وارثه ذلك، كان ذلك للوارث حلالاً لكن يكتب الوزر علي المورِّث.

فهل تحب أن تكون أنت كذلك؟.

إذا لا تحب ذلك فبادر إلي إخراج حقوق الله ?مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ?().

ثم إنك إذا صليت في ما ليس بمخمس، أو اغتسلت أو توضأت، أو حججت بمال ليس بمخمس، فصلاتك وغسلك ووضوؤك وحجك باطل

كما هو المشهور بين العلماء فإذا مت حشرت في عداد تاركي الصلاة والحج، فهل تحب أن تكون كذلك؟.

فإن أحببت فأنت وشأنك، وإذا لم تحب ففكر في ذلك اليوم واتق الله سبحانه وخمّس أموالك، فالويل للإنسان إذا عدّ في قبره من ظالمي آل محمد صلي الله عليه و اله، وهو يلعن طيلة حياته ظلمة آل محمد أولهم وآخر تابع لهم علي ذلك.

ويقال: مات أحد الأخيار فرُئِيَ في

منامه مسوداً وجهه، تخرج النار من فمه ودبره، وهو مقيد بالسلاسل، ويقرع بمقارع من حديد. فتقدم إليه الرائي وقال له: لقد كنا نعرفك في حياتك صائماً مصلياً، صدوقاً أميناً، صاحب خيرات ومبرات؟!.

قال: نعم، لكن لم يقبل مني شيء من ذلك، فقد أوقفت مع المجرمين، وقيل لي: إن كل أعمالك باطلة حيث إن الخمس كان مخلوطاً بمالك، فأفسدت جميع ما عملت، وقد حشرت مع أعداء آل محمد صلي الله عليه و اله.

8 (خمس التركة)

لقد ورد: إن من مات سُجن هناك حتي يؤدي عنه ما عليه من الحقوق().

فهل تحب أن تُسجن في الآخرة حتي يؤدي ما عليك فيفرج عنك، أو لايؤدي عنك فتبقي سجيناً إلي يوم القيامة؟.

ثم إذا لم تحب ذلك فهل تبادر إلي خلاص نفسك، أم تدع الأمر لوارثك؟.

وهل وارثك يخلصك من السجن؟.

وأنت أيها الوارث، إذا كان مُورّثك لا يخمس فاعلم أن إعطاء خمسه خير لك وله من إقامة الفاتحة والإطعام، والقيام بالمراسيم المستحبة، فحبة من واجب خير من بيدر من المستحب، ودرهم في الحق خير من قنطار في الندب، فإذا كنت محباً لمورّثك تقدم أول شيء إلي إخراجه من الحقوق، وخلاص رقبته من النار.

وقد ورد في كتاب (الدَين) من (المستدرك): ?إن النبي صلي الله عليه و اله لم يصلّ علي إنسان كان مديوناً درهمين?(). فكيف بمن هو مديون ألوف الدنانير؟.

ثم أنت أيها الوارث الذي تعلم أن مورّثك لم يخمس ماله، يجب أن تعرف أن تصرفك في المال الذي لم يخمس حرام، فالوزر عليك مرتين: مرة لأنك تصرفت في مال الميت من غير أن تؤدي حقه، ومرة لأنك تصرفت في الحرام، أي: إنك إذا لم تخمس مالك كنت أنت وحدك المعاقب، وإذا لم تخمس مال الميت كنت

أنت وكان هو معاً معاقبين، فاتق الله وأسرع في خلاص من ورثت منه، وإلا ندمت حيث لا ينفعك الندم.

9 قدم لنفسك

كان ولد ينصح والده أن يقدّم لآخرته شيئاً، فأوصاه والده ذات مرة أن ينفق له بعد موته ويفعل كذا وكذا، وذات ليلة قال الوالد لولده: خذ المصباح وتقدم أمامي في الطريق لئلا ننزلق أو نقع في حفرة. فحمل الولد المصباح ولكنه جعل يسير خلف الوالد، فقال له الوالد: لماذا تعمل هكذا، فهل رأيت إنساناً يؤخر المصباح، أليس يراد المصباح لأن يبصر الإنسان طريقه؟.

فقال الولد: لقد تعلمت منك، إنك لم تقدم شيئاً إلي آخرتك، بل تقول: أنفق بعدي، فتؤخر المصباح وأنا اقتديت بك. فتنبه الوالد من هذه النصيحة وأخذ ينفق في حياته.

ألا يكفي هذا مثالاً لأهل الفكر؟.

لكن لقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?ما أكثر العبر وأقل

المعتبر?()، فهل نعتبر؟.

إن الإنسان إذا أحب نفسه لم يكتف بإعطاء الخمس وحقوق الله فقط، بل قدم لنفسه ما يريده لنفسه، فإن الموت إذا نزل لا يملك الإنسان حتي بمقدار نقير.

وقد رأي رجل ملكاً ميتاً في منامه، فسأل عنه، فقال الملك: إني أحوج إلي اللقمة التي ترمونها للكلب من الكلب؛ لأن الكلب إذا لم يجد لقمتكم ذهب إلي مكان آخر وحصل عليها، أما أنا فلا أستطيع أن أنال إلا ما يأتيني من قبلكم. فهل كلام الملك صحيح؟.

إذا علمت بصحة كلامه فاعمل أنت لنفسك، قال السعدي(): (أرسل ورقة خضراء إلي قبرك فلا أحد يقدم لك فقدمها أنت لنفسك)().

10 (بين الواجب والمستحب)

في الحديث الشريف: ?لا يسأل الله عن المندوب إذا عمل الإنسان بالواجب?().

إن بعض الناس ينفقون في سبيل الله، ويزورون الإمام الرضا عليه السلام، ويعتمرون، ويزورون النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، ويهدون إلي العِالم، ويطعمون الفقير، ويضيفون في ليالي شهر رمضان، ويبذلون في سبيل عزاء الإمام الحسين عليه السلام.. لكنهم لا يخمسون!.

فليعلم أولئك أنهم لو

تركوا كل ذلك وأدوا بدله الخمس كانوا في الآخرة من الفائزين، ولم يسألوا هناك: لماذا لم تؤدوا المستحبات؟.

أما إذا تركوا الخمس وعملوا كل ذلك، فإنهم يقفون في الآخرة في جملة العصاة.

فأيهما أحب إليك: أن تعمل المستحبات وتترك الواجب، أم تعمل الواجب وتترك المستحبات؟.

إذا كنت تحب الأول فاعمل ما شئت، وإلا فأسرع إلي أداء حقوقك قبل أن يأتي ?يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ عليهم السلام إِلاَّ مَنْ أَتَي اللَّهَ بِقَلْبٍ

سَلِيمٍ?().

والمراد بالحديث السابق: إنك إذا عملت بالواجب لم تسأل عن المستحب، وإذا أردت الإنفاق زيادة علي الواجب فأنفق فإنه خير، والخير مهما كثر كان حسناً، وخير الخير في هذه الأيام هو الإنفاق فيما يخدم الإسلام والمسلمين، فإنك إذا أنفقت ألف دينار لأجل الإطعام كان مفضولاً بالنسبة إلي أن تنفق مائة دينار لأجل هداية الشباب، فقد قال النبي لعلي (عليهما الصلاة والسلام): ?يا علي، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما أشرقت عليه الشمس?().

11 (الجهاد بالمال)

بعض الناس ينفقون الخمس ويظنون أنهم قد أدوا ما عليهم، كلا إنهم لم يؤدوا ما عليهم والحال أن بإمكانهم أن يخدموا العقيدة الإسلامية، وينقذوا المسلمين من براثن الكفار ولو بقدر؛ فإن الجهاد بالمال واجب كالجهاد بالنفس، فإذا تمكن الثري أن يفتح مدرسة لإنقاذ أطفال المسلمين من الكفر والانحراف فلم يفعل كان مأثوماً، فالإنقاذ إذا توقف علي فرد كان (واجباً عينياً) عليه، وإذا توقف علي فرد من مجموعة كان (واجباً كفائياً) عليهم، وترك الواجب حرام.

وقد أوحي الله إلي شعيب عليه السلام: ?إني مهلك من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من الأشرار، وستين ألفاً من الأخيار. قال شعيب: هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟. قال الله تعالي: لأنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي?().

والمسلمون

اليوم في عصر الجهاد بكل شيء فإذا لم يجاهدوا كانوا تاركين لفريضة عظيمة، بالإضافة إلي أنهم سيذلون ذلاً فظيعاً: ?وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ?().

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?ما غزي قوم في عقر دارهم إلا

ذلوا?()، ألسنا نري صدق هذا الكلام في عصرنا الحاضر؟. فقد كنا أعزة يوم كنا نخدم الإسلام، وأما اليوم وحيث تركنا العمل بالإسلام فإنا من أذل الأمم، وما ينتظرنا به المستقبل هو أسوأ إن بقينا علي هذه الحالة، والعياذ بالله.

12 (عبد خائن)

كان لإنسان عبد، فسافر هو وعبده إلي بلد بعيد، وترك عائلته في بلده، وبعد فترة كتب إليه بعض عياله يقول: إن نفقتنا قد انتهت وأننا بأشد الحاجة إلي المال. فأعطي السيد لعبده ألف دينار وقال له: اذهب وسلم المال إلي عائلتي، وهذه عشرون دينار لأجل سفرك.

فلما ابتعد العبد قليلاً ناداه سيده وقال له: إن مائتين من الألف أيضاً لك، وسلّم إلي عائلتي ثمانمائة.

قال العبد: أيها السيد، إني رهين إحسانك ومنتك وقد أعطيتني نفقة السفر فلا حاجة بالزائد.

قال السيد: اسمع كما أقول لك.

فشكره العبد، وما إن مشي خطوات حتي ناداه السيد وقال له: لك أربعمائة، وسلّم ستمائة إلي عائلتي.

فأخذ العبد وذهب غير بعيد وإذا بالسيد يناديه ويقول له: لك ستمائة وسلّم لعائلتي أربعمائة.

فكرر العبد كلامه السابق، وكرر السيد إصراره، فأكثر العبد من شكره، ولم ينقل خطواته حتي ناداه السيد قائلاً: لك ثمانمائة والبقية لعائلتي.

فذهب العبد ووصل إلي بلد السيد لكنه لم يسلّم المال إلي عائلة السيد، وكلما طالبوه وهم في أشد الحاجة لم يعطهم العبد شيئاً!!

تري كيف يكون هذا العبد؟.

وماذا يستحق من العقاب؟.

إنك إذاً غضبت علي العبد وتمنيت أن توجعه لو رأيته. فتعال معي لأريك العبد، إن ذلك العبد هو

أنت بالذات إذا منعت الخمس، لقد تفضل الله عليك بكل شيء، وقال لك: اصرف مؤونتك من ما منحته لك، فإذا زاد عن سنتك شيء فخذ من كل ألف ثمانمائة، وأنفق لعيالي (والفقراء عيالي) مائتين. وإنك أعرضت عن أمر الله، ولم تنفق علي عياله حتي الخمس، فاحكم أنت بنفسك علي نفسك.. وإذا هزتك هذه القصة فما عليك إلا أن تحاسب في نفس هذا اليوم وتؤدي حقوق الله كما أمر الله.

13 (بين المنفق والممسك)

في الحديث: ?إن لله سبحانه ملكاً ينادي كل يوم: اللهم أعط كل منفق خلفاً وكل ممسك تلفاً?()، فهل يُستجاب دعاء الملك؟.

إن هذا ما نعتقده، ولو أغمضنا عن استجابته في الدنيا فلا نشك في أنه يستجاب في الآخرة: ?فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ?()، فإن الإنسان إذا مات كأنه لم يعش في الدنيا إلا ?سَاعَةً مِنَ نَهَارٍ?()، وإن زاد فكأنه لم يعش إلا ?يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ?() كما في القرآن الحكيم.

فهل يحب الإنسان الخلف أم التلف؟.

إذا أحب الإنسان التلف فهو وما اختار، لكن عليه أن لا يعد نفسه من العقلاء بعد ذلك، وإذا أحب الإنسان الخلف فلينفق حسب قدرته، إني لم أجد حتي إنساناً واحداً افتقر لأنه أعطي، بل ولم أجد حتي إنساناً واحداً قل ثراؤه لأنه أنفق، وأذكر أكثر من عشرة أفراد ممن عاصرتهم كانوا أغنياء ثم افتقروا، وكان الطابع العام عليهم البخل والشح، وعدم إعطاء الخمس، وعدم الإنفاق في سبيل الله.

وأذكر من باب المثال اثنين منهم:

فأحدهما كان في ثروة طائلة، يملك عشرات الدور والقصور، جاء أحد معارفه إلي والدي ? () وقال: إن فلاناً مستطيع ولكنه لا يذهب إلي الحج تهرباً من إعطاء الخمس.

قال الوالد رحمة الله عليه: قل له: إن السيد مستعد

لأن يقبل منه خمس ما ينفقه في الحج فقط لأجل أن يذهب، وأما خمس بقية أمواله فهي واجب آخر.

قال الرجل: لكنه أيضاً غير مستعد لأن يدفع خمس ما ينفقه في الحج فقط.

قال له الوالد: قل له: إن السيد مستعد لأن يقبل الخمس ويعطيه لأقربائه الفقراء بيده هو.

وذهب الرجل وأخبرنا بعد ذلك أن الثري لم يقبل ذلك أيضاً، ودارت الأيام حتي توالت عليه النكبات وجلس علي الأرض، ثم لم تمض مدة علي ذلك إلا وقد مات، والله ولي الحساب.

أما الثري الثاني: فكان لا ينفق، لا هذا فحسب، بل يأمر الناس بالبخل، مصداقاً لقوله سبحانه: ?الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ

بِالْبُخْلِ?().

وذات مرة جاءني إنسان وقال لي: إنه يريد وقف داره في مشروع.

قلت له: اجعلها مدرسة علمية دينية.

قال: إنها فكرة حسنة.

وغاب الرجل أياماً، ولما افتقدته سألت عن سبب عدم قيامه بالمشروع. قالوا: لأن فلان الثري منعه عن القيام بالمشروع، وقال له: هل أنت مجنون حتي توقف دارك لمدرسة علمية؟.

فطلبت الرجل ونصحته بأن يقوم بالأمر وقبل النصح ووقف داره مدرسة علمية دينية وأسماها ب (مدرسة الإمام الرضا عليه السلام) وهي في شارع قبلة سيدنا العباس عليه السلام.

ولم تمض مدة إلا وافتقر الغني حتي أدقع، وجاءني واقف المدرسة ذات يوم في البرد القارص ليقول لي: إن عائلة فلان ذلك الغني يعانون من شدة البرد؛ لأن شبابيك غرفتهم المستأجرة بلا زجاج، ومالك البيت رفض أن يصلحها، فهل لك أن تعطي ثمن الزجاج؟.

قلت: وكم الثمن؟.

قال: سبعة دنانير.

فأعطيته الثمن، وقد كان لهذا الثري دور وقصور وسيارات وبذخ، ولكن الله أعطاه تلفاً حسب دعاء ذلك الملك!

14 (ألف مؤسسة)

في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: ?حتي أن الخياط ليخيط الثوب بخمسة دوانق لنا منه الخمس?().

وفي حديث آخر عن

الإمام الرضا عليه السلام: ?إن الخمس عوننا علي

ديننا?().

فهل نعتبر بهذين الحديثين؟.

إن من عليه الخمس لو كان يدفع خمسه بهذه الدقة، وكانت الأخماس تجمع وتستثمر تحت نظام لأمكن نشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ولدخل الناس في الإسلام أفواجاً، ولما بقي حتي فقير واحد محتاج، ولا مشروع ديني معطل.

إنني لا أذكر هذا الكلام تحسراً وللعلم فقط، بل أذكره ليهتم المسلمون في التنفيذ، والتنفيذ ممكن إذا أحببنا العمل فكل عالم في منطقته يمكن أن يتبني الأمر لاستخلاص الحقوق في منطقته، ثم ينظم استثمارها تحت نظام خاص، ثم يوزعها بشكل مدروس بين المشاريع والمحتاجين.

ولنفترض ألف عالم في ألف منطقة وهذا العدد جزء من مجموع علماء الشيعة في مختلف المناطق كل عالم تمكن في خمس سنوات من جمع عشرين ألف دينار وهذا أيضاً شيء عادي بالنسبة إلي البلاد المتوسطة فكيف بالواسعة كان معني ذلك تجمع عشرين مليون ديناراً.

ولنفرض أن الربح العائد سواء في الاستثمار، أو أرباح الإيجار كل عام الخمس وهذا شيء عادي لأن من التجارات والمعامل ما يعطي ربح المثل، أو النصف، أو الثلث، أو ما أشبه كان معني ذلك أن تحصل كل عام أربعة ملايين دينار. فإذا فرضنا أن نصف المبلغ صرف في أهل العلم والتبليغ، ونصفه الآخر في المؤسسات الإسلامية وفرض أن كل مؤسسة كلفت عشرة آلاف دينار كانت حصيلة كل عام مائتا مؤسسة إسلامية، وفي خلال خمس سنوات تكون الحصيلة ألف مؤسسة، أفهل يكون هذا شيئا قليلاً؟.

مع أن هذه الفرضية جزئية، فعلماء الشيعة في العالم يعدون بعشرات الآلاف، ونحن افترضنا ألفاً منهم كمثال، وليس ما ذكرنا خيالاً فارغاً، بل إن العالم اليوم يدقق في الحساب، ويتقدم بهذه المعادلات الحسابية، إلا أن الغالب في المسلمين بناء

أمورهم (ديناً أو دنياً) علي الفوضي وعدم المبالاة، لذا فهم يعانون من تأخر حاد مع أن دينهم تقدمي ونظامي إلي أبعد

الحدود.

15 (يوم لك ويوم عليك)

قال المؤرخون: إن رجلاً رأي فقيراً يتكفف الناس علي باب مسجد من مساجد بغداد، وقد فقئت عيناه وعليه جبة خلقة وهو يقول: ارحموني، فقد كنت في الأمس أميراً واليوم أنا من فقراء المسلمين.

قال الرجل: فسألت عنه، وإذا بالناس يقولون: إنه الخليفة القاهر بالله العباسي، كان خليفة فخلعه ذووه وفقؤوا عينيه وأخرجوه إلي الشارع().

وجاء ذات مرة فقير إلي والدي ? يسأله، فأعطاه الوالد مبلغاً

محترماً.

فقلت للوالد: لِمَ أعطيته هذا المبلغ ومثله لا يُعطي إلا قدر ما يعطي للسائل المتكفف؟.

قال الوالد: إنه كان من التجار المحترمين والآن دارت به الدنيا هكذا.

نعم:

هي الدنيا تقول بملء فيها

حذار! حذار! من بطشي وفتكي

فلا يغرركم حسن ابتسامي

فقولي مضحك والفعل مبكي()

فهل بعد ذلك يمكن الاعتماد علي الدنيا؟.

إن الإنسان الذي لا يدفع الحقوق لابد وأن يفكر أنه إذا أخرج حقوق ماله هل ينقص ماله؟.

فلنفرض ذلك، ولكن هل عدم إخراج الحقوق يدفع عنه النكسات المفاجئة بمرض، أو غرامة، أو خسارة، أو ما أشبهها؟.

وقد كتب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي معاوية كتاباً هذا نصه: ?بسم الله الرحمن الرحيم، الدنيا تغر وتضر وتمر، والسلام?()، كلمات ثلاث لخصت خصائص الحياة في أجمل معني وأصدق تعبير.

إن الإنسان إذا فكّر ولو قليلاً ثاب إلي رشده ولم يترك نفسه عرضة للعقاب، لما يمنعه من حق الله وحق الفقراء وحق الإسلام.

16 (لماذا البخل؟)

إذا كانت الدنيا مقبلة علي الإنسان، فهل إعطاء الخمس يوجب الفقر؟.

وإذا كانت الدنيا مدبرة عن الإنسان فهل منع الخمس يوجب بقاء الدنيا؟.

كلا.. كلا..

بل إن التاريخ الغابر والماضي دل علي أن العكس هو الصحيح، فلماذا البخل ولماذا منع حق الله تعالي؟.

قالوا: إن رجلاً فقيراً من أهل بغداد في أيام الخلافة العباسية بات ليلة طاوياً. فقالت له زوجته: إذا كنت لا تستطيع أن

تأتينا بطعام فاذهب وأتنا بالماء من دجلة.

فأخذ الفقير جرته وجاء إلي دجلة ليملأها بالماء، وإذا به يري أناساً يركبون سفينة فسأل عنهم، فقيل له: إنهم شعراء يقصدون الخليفة. فحدثته نفسه أن يذهب معهم لعله ينال ما ينالون، ولما دخل علي الخليفة في جملة الشعراء، تقدم كل شاعر ومدح الخليفة بقصيدة. فقيل له: وهل أنت شاعر؟.

قال: لا، ولكني أحفظ بعض الشعر.

قالوا: فأنشدنا.

فأنشد:

إذا أقبلت الدنيا عليك فجد بها

علي الناس طراً قبل أن تتفلت

فلا الجود مفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل مبقيها إذا هي ولت

ولما رأيت الناس شدوا رحالهم

إلي بحرك الطامي أتيت بجرتي()

ووضع جرته وسط المجلس. فضحك الخليفة والحاضرون وأمر أن يملؤوا جرته ذهباً وفضة.

وهكذا لا الجود مفنيها ولا البخل مبقيها، فلماذا البخل؟.

إنه لا يزيد علي أفعي تحرس الكنز، كما في المثل.

17 (استقبل الضيف)

في بعض الحديث ما معناه: ?استقبل الضيف فهو يأكل رزقه علي مائدتك?().

وفي حديث آخر: إنه جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله رجل وقال: يا رسول الله، إني أحب الضيف وزوجتي تكره الضيف.

فقال له الرسول صلي الله عليه و اله: ?إذا جاءك الضيف فقل لزوجتك أن تنظر إليهم في وقت مجيئهم وفي وقت رواحهم?.

ففعل الرجل ما أمر الرسول صلي الله عليه و اله ورأت زوجته أن الضيوف لما اقبلوا جاءوا معهم بأنواع الأطعمة، ولما انصرفوا كانت قد تعلقت بأثوابهم أنواع الحيوانات السامة كالعقرب والحية وما أشبه، ولما نقل الرجل ما شاهدته زوجته، قال صلي الله عليه و اله: ?نعم إن الضيف ينزل برزقه ويذهب بذنوب أهل

البيت?().

وهذه المرأة كشف عن عينها بإرادة الرسول صلي الله عليه و اله.

أفهل في هذين الحديثين كفاية لمن عليه حقوق الله تعالي؟.

إنك إذا بذلت الحق فقد أديت ما لغيرك في مالك،

ولم تزدد إلا جلباً للرزق، ولم ينقصك شيء؛ لأنه رزق غيرك وإنما علي مائدتك فقط، وأذهبت عن نفسك ما لو بقيت لكانت حيات وعقارب، كما ورد في باب الزكاة: ?إن المانع لها تسلط عليه حية تنهش لحمه?().

فهل هناك عاقل يمنع مثل ذلك فيحفظ ما في بقائه هلكة وفي إعطائه بركة؟.

18 (من المسؤول؟)

جسم الأمة الإسلامية يُنهش من كل جانب: فهناك التبشير القائم علي قدم وساق، وهناك الصهيونية التي تلتهم الماديات والمعنويات، وهناك الأحزاب الكافرة والمنحرفة التي تجرف شباب المسلمين ذات اليمين وذات اليسار، وهناك الأديان والمذاهب المحترفة تأخذ حصة فحصة، وهناك القوانين الأرضية التي لا تبقي ولا تذر، وهناك الانفلات والمجون.

فماذا بقي من جسم الأمة؟.

ومن المسئول؟.

طبعاً الكل مسئولون، ففي الحديث: ?كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته?()، وفي القرآن الحكيم: ?وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ?(). لكن للمال المسؤولية الكبري، فبالمال يمكن أن يعمل كل شيء، والمال عند أهل الثروة فهم المسئولون، وقد قرر الله في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم() وعليهم أن يؤدوا خمس أموالهم، ويزيدوا إن شاءوا الخير.

وفي الحديث: ?إن أشد ساعات القيامة، ساعة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: أين خمسي؟?().

وهذا طبيعي: ففي غياب المال يكون كل تأخر، فمن الضروري علي أصحاب المال أن يفكروا ملياً، ثم يتقدموا إلي الإنفاق، إنهم بالإنفاق يحررون بلادهم من الاستعمار، وينقذون شبابهم من السقوط، ويحفظون كيانهم من الخطر، ويمتصون نقمة الناس عليهم، بالإضافة إلي أنهم يخدمون دينهم ومبدأهم، ويؤدون أمانتهم، ويفكون رقابهم من النار، فهل من مفكر أو متذكر؟.

19 (ما نعمل وما يعملون)

قيل لي: إن فلاناً عنده من الحقوق عشرات الألوف. وكنت آنذاك أقوم بتأسيس مشروع، فذهبت أنا وجماعة من أصدقائه نطلب عونه في المساهمة، وقلت له: إنني أقبل ما تدفعه لهذا المشروع من الحقوق لأن المشروع ديني.

وبعد جهد وافق أن يدفع، وفهمنا من وعده أنه سيدفع مبلغاً قليلاً، وقد أثار هذا الأمر بعض الأصدقاء فأرادوا أن لا يأخذوا، لكني قلت لهم: إن من يتبني المشاريع لابد أن يكون صبوراً هادئ الأعصاب.

ومرة أخري رأي بعض الأصدقاء ثرياً، واستعطفه في أن يبذل لمشروع إسلامي مشاهرةً، وقد كان

الثري مؤمناً بذلك المشروع، فوعد أن يدفع كل شهر عشرة دنانير أو يزيد، وبعد ثلاثة أشهر سحب الثري يده في هياج قائلاً: إنه لا يقدر أن يدفع كل شهر. وقد رأيت أنا ذلك الثري بعد أيام وقد صرف في شيء لا يعنيه ما يقارب ثلاثة آلاف دينار.

وذات مرة اجتمعت بأثرياء ليبنوا في منطقتهم مسجداً كانوا بأشد الحاجة إليه، وظننت أن عشرة منهم سيقومون بالمشروع، فيدفع كل واحد منهم عشرة بالمائة من تكاليف المسجد. وإذا بأحدهم يتبرع بما يساوي واحد بالمائة من تكاليف المسجد، وتألم الآخرون من قلة تجاوبه، وتوقف المشروع.

وكم لي من قصة وقصة، أفهل بهذا النحو نضمن التقدم؟.

إنهم يقولون: لماذا تقدم البلد الفلاني في الغرب، وتقدم البلد الفلاني في الشرق؟. فليعلموا أن ثرياً واحداً في الغرب أسس هو وحده أربعمائة مكتبة في جملة من المشاريع الكثيرة، وأن فرع شركة واحدة في الغرب تبرع بمائتين وخمسين سيارة للتبشير في عاصمة إسلامية، وأن امرأة منهم تبرعت للكنيسة بستين مليونا.

فهل هناك نسبة بين ما نعمل وبين ما يعملون؟.

ومن الغريب أن ليست في دينهم فرائض مالية يجب عليهم أداؤها، أما ديننا ففيه: الخمس، والزكوات، والصدقات، والهبات، والحق المعلوم للسائل والمحروم، وفيه وجوب الجهاد بالمال، و … ومع ذلك فإنا كالجبل الصامد لا يؤثر فينا كل ما يهب من الرياح، ولا نفكر لغد (الدنيا)، ولا لبعد غد (الآخرة)!!

20 (جمود الثروة)

لقد قرر الله سبحانه قانوناً لإبقاء المال في صناديق المترفين، كما قرر قانوناً لإخراج المال من صناديق الممسكين، وجعل الوسط هو الحق فقال:

?وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا?().

لكن جُمّد القانونان في جملة ما جمد من قوانين الإسلام. فأخذ الإسراف يجد سبيله إلي صناديق المبذرين، كما ركد المال في صناديق البخلاء

الممسكين، فلذا يجب علي الذين يحبون الإسلام ويخافون الله واليوم الآخر أن يتحلوا بالجرأة الكافية لإخراج المال من صناديق البخلاء، فيذهبوا إليهم ويتكلموا معهم، ويخوفوهم من مغبة البخل والإقتار؛ فإن الإنسان إذا استغني طغي ولم ينفعه حينذاك إلا الشدة والخوف، وحيث لا خوف من القانون ولا شدة من السلطان، فاللازم أن يتحلي أهل الخير بشيء من ذلك، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. وفي الحقيقة أن الجمود الذي أصاب الثروة في بلاد الإسلام جمود هائل، يحتاج إلي شيء كبير من الدفء حتي يذوب، وإن بقي جامداً فسد وأفسد كما حدث بالفعل.

21 (الرصيد الباقي)

ذات مرة جلس جمع من أبناء الملوك يتفاخرون بينهم، هذا يقول: لي مبلغ كذا في بنك بسويسرا. والآخر يقول: لي مبلغ كذا في بنك ببريطانيا. والثالث يقول: لي كذا في بنك ببلجيكا. وهكذا.. والأمير فرهاد ميرزا() ساكت لا يتكلم، فقالوا له: لماذا أنت ساكت؟.

قال: إن لي رصيدين في بنكين أحدهما: كتاب القمقام في بنك الإمام الحسين عليه السلام، والثاني: صحن الكاظمية في بنك الإمام موسي بن جعفر ?.

فسكت كل أولئك الأمراء، وبالفعل نحن الآن لا نعرف أي واحد من أولئك الأمراء وما بقي أحد منهم، ولا بقي شيء مما أرصدوه في البنوك، وأما (القمقام) و(الصحن) فقد بقيا.

ألا يكفي لأثريائنا هذا عبرة لأن يتقدموا لعمل الخير، وبناء المشاريع، وتشجيع الكتب العلمية؟!

ولو درسنا عاصمة من عواصم المسلمين، وافترضنا فيها عشرة آلاف تاجر وثري، وافترضنا أن واحداً من كل عشرة منهم بني مؤسسة، فكم ينمو الإسلام، وكم تتقدم البلاد إلي الأمام؟. وهل تظن أن ذلك يضرهم؟. كلا.. فإن العكس هو الصحيح.

هذا إذا افترضنا الأمر في أقل تقديره، أما إذا افترضنا أن الثري بني بنسبة ثروته، فإن الأمر

سينمو كثيراً وقد يصبح فوق كل التوقعات.

إن ثرياً واحداً من أثريائنا في بلد إسلامي يملك أكثر من خمسين مليوناً، فإذا افترضنا أنه بذل نصف المبلغ (خمساً وتبرعاً)، وكان كل مؤسسة تكلف بين الخمسة والعشرة آلاف، كان عدد ما يبنيه ما يقرب الثلاثة آلاف مؤسسة.

22 (نماذج حسنة)

ما أجمل ما يفعله الأثرياء الخيرون وجزاهم الله خير جزاء المحسنين:

امرأة أوقفت (مكتبة القرآن الحكيم) في كربلاء المقدسة.

ورجل أوقف (المدرسة الرضوية) في كربلاء المقدسة.

وثري بني ووقف (المدرسة الجعفرية) في الكويت.

وثري بني ووقف (جامعة النجف الأشرف الدينية).

وثري وقف أربعمائة مليون تومان() للإمام الرضا عليه السلام.

وثري بني (الحسينية الأصفهانية) في كربلاء المقدسة.

ونقل لي المرحوم الحاج مجيد الخباز أحد الخيرين في كربلاء المقدسة : إن أستاذه كان خبازاً، ووفقه الله لبناء مدرسة ابن فهد() (رضوان الله عليه) في كربلاء المقدسة قبل نصف قرن.

قال: إنه لما مرض مرض الموت طلب دفتر حساباته وأحرق الأوراق التي سجلت فيها طلباته من الناس.

قال: فقلت له: لماذا تفعل هكذا؟.

قال: حتي لا يطالب الغرماء بعدي؛ فإن الله تفضل عليَّ بالمال والعمر وكل شيء، فلماذا يبتلي بي بعد موتي المديونون؟.

وكان أحد تجار بغداد قبل أن يموت أحرق الكمبيالات التي كانت له علي الناس، وكانت قيمتها خمسين ألف دينار.

وأنا أعرف العشرات أمثال هؤلاء المفاخر، فإذا أعجبت بهم ورأيت أن ما صنعوه كان جميلاً، فاقتد بهم أنت مادامت الدنيا مقبلة عليك، وما دامت يدك متحركة ومالك تحت اختيارك.

انظر إلي هؤلاء واسمع هذا الخبر: ثرية مرضت بالشلل شبه التام، فأرسلت أنا إليها الخبر: إن من الأفضل أن تخلفي لنفسك شيئاً بأن توقفي أو تبذلي أو توصي. قالت الثرية للرسول: الناس يزعمون أني سوف أموت، انظر إليَّ فالحمد لله ما بي إلا مرض طفيف وسوف

أشفي بإذن الله تعالي، ألا تنظر أني أتمكن من تحريك إصبعي السبابة والوسطي. قال الرسول لي: فأخذت تحرك تحريكاً ضعيفاً إصبعيها.

وماتت المرأة قبل أن يدور الأسبوع وحضرت جنازتها، وقد كان عمرها يقارب الثمانين! وصدق الحديث الشريف: ?يشيب الإنسان وتشب فيه خصلتان: الحرص، وطول الأمل?().

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?كأن الموت علي غيرنا كتب?().

وفي الحديث: ?إن أكيس الأكيسين من أكثر ذكر هادم اللذات?().

23 (مع الميرزا المجدد)

قالوا: إن الميرزا المجدد الكبير() لما حضرته الوفاة، حضره جمع من خواصه وفيهم أحد التجار الذين استدان الميرزا منه مالاً لسد العجز في ميزانيته، وكان الميرزا قد أغمض عينيه ففتحهما وإذا به يري الحاضرين وفي جملتهم التاجر الدائن، وكان التاجر ينظر إلي الميرزا. قال له الميرزا: أنا اعلم في ماذا تفكر أنت، إنك تفكر في أني لو مت فمن يقضي دينك من بعدي، ولكن هل تعلم في ماذا أفكر أنا، أنا أفكر في أنه لو قال لي الله سبحانه: إنك كنت تقدر أن تقترض قروضاً أخري وتخدم بها الإسلام وتفرقها في المحتاجين، فلماذا لم تفعل، فماذا يكون جوابي؟.

إن الرجال الصالحين لا يقتنعون بأن يقدموا ما لديهم، بل يستدينون فوق ذلك ويقدمونه.

وقد ورد: ?إن الرسول صلي الله عليه و اله توفي وهو مديون، والإمام أمير المؤمنين عليه السلام استشهد وهو مديون بسبعمائة ألف?().

وإني أتذكر المرحوم السيد أبو الحسن رحمة الله عليه() توفي وهو مديون.

والمرحوم الحاج آقا حسين القمي رحمة الله عليه() توفي وهو مديون.

فليسرع أهل الثروة في الإنفاق قبل أن تنقطع يدهم عن الدنيا وقد تحملوا وزر المال إلي الأبد والعياذ بالله فليقدم الإنسان ليوم بؤسه وفاقته، وليوم يعيش فيه: ?المرء في ظل صدقته?().

24 (مع الوجيه الكاشاني)

وقال لي أحد التجار: ذهبت أنا وجماعة من التجار إلي المحسن الوجيه الحاج محمد حسين الكاشاني رحمة الله عليه ليتبرع بشيء لأجل بناء الحسينية الطهرانية في كربلاء، ولما عرضنا عليه المشروع قال: لا بأس، كم تقدرون تبرعي؟.

قلنا: أنت تقدر.

قال: بل أنتم قدروا.

وبعد مداولة بيننا قدرنا له ثلاثين ألف تومان، ولكننا لم نجرؤ أن نتفوه بالمبلغ، فكتبنا المبلغ في ورقة ووضعناها أمامه.

قال: كم قدرتم؟.

قلنا: اقرأ.

قال: إنني لا أستطيع أن أقرأ بدون نظارة.

قلنا له:

ضع النظارة علي عينيك واقرأ.

قال: لم أضع النظارة علي عيني قط في أمر الإمام الحسين عليه السلام.

وأخيراً قلنا له المبلغ.

فقال: هذا فقط؟.

وكتب شيكاً بذلك المبلغ.

إن الكاشاني قد مات، وسواء كان قد دفع المبلغ في ذلك اليوم أم لا، فقد فقدَ كل شيء في الحياة، وسواء أخذ منه هؤلاء المال أم لا، كانت الحسينية تبني وتنتهي، أليس كذلك؟. فمن الرابح إذاً؟.

قال الإمام الصادق عليه السلام ما مضمونه: ?الخير يكون، لكن اجتهد أنت أن تكون من أهل الخير?().

إن الإنسان يجب عليه فوق ذلك أن يسعي هو لأجل الخير، ولا ينتظر حتي يأتيه طلاب الخير، فإن الدال علي الخير كفاعله.

إن المسلمين اليوم بحاجة إلي أن يكون فيهم عشرات الألوف من طلاب الخير، ليجددوا حياتهم. فالمثل المعروف يقول: إن الأمريكيين سبقوا الأوربيين بقرن من الزمان، والأوربيين سبقوا الروس بقرن من الزمان، والروس سبقوا البلاد الصناعية مثل اليابان بقرن من الزمان، وهم سبقوا المسلمين بقرن من الزمان. أما أنا فلا أقصد صحة المثل لكني أعلم أن بعض الشعوب وصلوا إلي القمر، وبعض الشعوب الإسلامية لا يصنعون حتي الإبرة، فكم الفاصل؟.

إن الأثرياء منا إذا بذلوا بسخاء، وأهل القوة سهروا وخدموا بسخاء، فلعلنا نتلافي بعض ما نعانيه من التأخر.

25 (هكذا يكون الزواج)

أحد الأثرياء أراد أن يزوّج ابنه، فطلب الابن وقال له: كم يكلف زواجك؟. وبعد الحساب قال الولد: ما يعادل عشرة آلاف دينار.

قال الأب: حسناً، فهل ترضي أن نرضي الله والرسول صلي الله عليه و اله، فنجعل هذا المال مقسماً بين عشرة من السادة العزاب، نزوجهم ببعضه ونوجد لهم مكاسب مناسبة ببعضه الآخر، ونجعلك كأحدهم، وأنت

بحمد الله تملك ما تحتاج إليه كالدار والأثاث ويبقي عليك المهر فقط؟.

فوافق الولد الطيب علي الفكرة، فبحثوا عن عشرة

شباب عزاب أعفاء، وخصص الوالد للولد ألفا آخر فزوج كل سيد بمائتي دينار، وخصص الثمانمائة الباقية لأجل مكسب له، وفي ليلة زفاف ولد التاجر كانت هناك عشرة دور تحت إيجار التاجر، لأجل زفاف السادة العشرة، بعد أن كان التاجر هو بنفسه وزملاؤه التجار سعوا مع آباء السادة، ونفس السادة لاختيار الزوجات والأماكن المناسبة والأثاث المناسب وفتح الدكاكين المناسبة لهم.

كم جميل هذا العمل؟.

وكم له من التقدير؟.

وهل نقص من التاجر أو ابنه شيء بذلك، أم ازدادوا عزاً وذكراً في الدنيا، وأجراً وثواباً في الآخرة؟.

فهل هناك أثرياء يعملون مثل هذه الأعمال الخيرية؟.

ولو صرف ذلك التاجر كل ماله في زواج ولده بين إسراف في المهر، وإسراف في الأثاث، وإسراف في الطعام، فهل كانت الأموال تبقي أم تتلف خلال أيام أو أشهر بدون خدمة وبدون أجر؟.

فليرغب أثرياؤنا في خدمة المجتمع وفي إحراز الثواب، وفي الانتفاع بأموالهم قبل أن تصفر أيديهم منها، وليعلموا أن الدنيا تزول بسرعة ولا يبقي للإنسان إلا الحسرة. وفي الحديث القدسي: ?يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو ما لبست فأبليت، أو ما قدمت فأبقيت؟?().

26 (المال الباقي والفاني)

ذبح رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم شاة، وأخذ يفرق لحمها حتي لم يبق منها شيء يذكر، فقالت إحدي زوجاته وكانت حاضرة : يا رسول الله، لم يبق منها إلا الرقبة. قال الرسول: ?لم يفن منها إلا الرقبة?().

فما يصرفه الإنسان من ماله يفني، أما ما يقدمه إلي الله سبحانه فهو الباقي، فليقدم الإنسان شيئاً من ماله ليبقي، وقد ذكر الله سبحانه: ?أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ?()، وأضاف: ?مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضَاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ?()، فالمال الذي

يقدمه الإنسان إنما هو قرض لله سبحانه، ثم الله يضاعفه له ويرجعه إليه، فهل ينتظر شيء أكثر من ذلك؟.

والذي أري أن المضاعفة والإرجاع ليسا في الآخرة فحسب، بل في الدنيا أيضاً، إذ المنفق يعطي باليمني ويأخذ باليسري، كما دلت علي ذلك التجارب.

وقد قيل لحاتم الطائي: من أين تعلمت الكرم؟.

قال: من البناء حيث رأيت أنه ما لم يضع اللبنة التي في يده لم يعط لبنة أخري وهكذا.

وفي الحديث: ?تاجروا الله بالصدقة?().

إن الله سبحانه تفضل علي الإنسان بالمال وجعل عليه الخمس، ورغبه في ذلك بالزيادة والثواب، فما عذر من يترك هذا الحق؟.

والغريب أن اليهود والنصاري ليس من دينهم بذل المال، ومع ذلك هم يبذلون بشكل لا مثيل له، ولهم في غالب بلاد العالم المدارس، والكنائس، والمؤسسات، والمنظمات، والإنفاقات.. والمسلمون في دينهم بذل المال ومع ذلك لا يبذلون!!

27 (فردة حذاء فقط)

تزوج رجل بامرأة زاهدة من الأخيار، وبعد مدة ماتت أم الرجل، فأخذت المرأة تنظر إلي الجنازة نظرة غريبة، وخرجت من الغرفة مما أثار غضب ذوي الميت واستيائهم، وظنوا أنها خولطت خبلاً. ثم عاتبها زوجها علي ما فعلت، قالت: إني رأيت الشياطين بصقوا علي الجنازة. حيث إن الأم كانت غير صالحة، وهذا ما أوجب أن تستغرب وتخرج من الغرفة

وبعض الأحاديث يدل علي ذلك() ثم لما أرادوا إخراج الجنازة رأيت أن ملكاً عقد فردة حذاء عتيقة علي عود أمام الجنازة، وذلك ما أثار تبسمي ولما سألت عن السبب أو علمت بذلك نقراً في قلبي؟. قالوا: إن هذه الفردة هي كل ما قدمته في سبيل الله في زمن حياتها!.

فهل نحب أن نكون كذلك؟.

إن الإنسان يخجل إذا قدم هدية دون ما يقدمه الآخرون إلي من تُقدم إليه الهدايا عادةً كالعريس، والمسافر القادم من سفر

بعيد، ومن رُزق ولداً أو بني داراً. أفلا تخجل من أن نقدم أتفه الأشياء أو أحقرها إلي الله سبحانه؟.

جاء رجل إلي بيت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فلم ير فيه أثاثاً. فقال: يا أمير المؤمنين، أين متاع البيت؟.

قال الإمام عليه السلام: ?نقلناه إلي دارنا الأخري?.

فظن الرجل أن الإمام عليه السلام انتقل من هذه الدار إلي دار ثانية، فلما سأل عن دار الإمام الأخري؟.

قالوا له: إن الإمام عليه السلام يقصد الدار الآخرة.

28 (ماذا تقدم لله؟)

مرة كان الرسول صلي الله عليه و اله مع بعض أصحابه، فقطع عودتين من شجرة، إحداهما عوجاء والأخري مستقيمة، فأعطي المستقيمة لصاحبه وأخذ لنفسه العوجاء ليتكئ عليها.

ومرة خرج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو وعبده قنبر إلي السوق، واشتري ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين، فأعطي ذا الثلاثة لقنبر وأخذ لنفسه ذا الدرهمين().

وفي ليلة زواج فاطمة عليها السلام: اعترضتها مسكينة، فنزعت فاطمة عليها السلام ثوبها الجديد، وأعطته إياها، ولبست هي ثوبها العتيق، فلما ورد عليها الرسول صلي الله عليه و اله صبيحة العرس وعليها الثوب الخلق قال: يا فاطمة! أين ثوبك الجديد؟

قالت: أنفقته في سبيل الله.

قال الرسول صلي الله عليه و اله وهو يريد اختبارها لتعليم الناس : هلا أنفقت الثوب الخلق؟

قالت: لأني سمعت أن أمي خديجة عليها السلام ليلة زواجها سألتها مسكينة، فأعطتها ثوبها الجديد، وهي دخلت غرفة الزفاف بثوبها الخلق.

ثم ألا يستحي الإنسان أن يقدم الشيء الأدني لله تعالي؟.

إن الملك أو الأمير أو أي كبير إذا سألك مالاً فهل تقدم له أسوء أموالك أم أفضلها؟.

فإذا خجل الإنسان من ملك أو أمير أو كبير، فهلا يخجل من مالك الملوك وسيد السادات؟.

وفي القرآن الحكيم: ?وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا

فِيهِ?().

والحقيقة أن الإنسان لظلوم كفار، يظلم نفسه ويكفر بخالقه، ويغفل عن يوم مقداره خمسون ألف سنة().

وعجب أمر الإنسان يبني لنفسه أفضل الدور بأغلي الأثمان، ويهيئ لراحته وسمعته أحسن وأفضل الأثاث، فإذا وصل الدور إلي الله سبحانه فلا يقدم إلا أتفه الأشياء وأخسها وأرخصها!.

فهل هكذا يشكر الإله الذي كل شيء له، ومردّ الكل إليه؟!

29 (هكذا الإنفاق)

لما أخذوا في بناء وتوسيع صحن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام أمر فرهاد ميرزا أن تشتري الدور المحيطة بالصحن فاشتروها، وغالي بعض ورخص آخر، حتي وصل الدور إلي دار قال صاحبها: أنا أبيعها إذا هدمت الدور المجاورة وبقيت داري.

ثم أخذ في ترميمها وتجميلها، وظن الناس أنه يريد المغالاة في الثمن، ولما وصل الدور إليها قالوا له: بكم تبيعها؟.

قال: هدية مني للإمام عليه السلام.

قالوا: إذا كنت تنوي ذلك فلماذا عمرت الدار وهي مشرفة علي الخراب؟.

قال: حتي أكون قد قدمت للإمام عليه السلام شيئاً عامراً جميلاً لا شيئاً خراباً قذراً، ألم تسمعوا قوله سبحانه: ?لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ?().

قال الشاعر:

خط في الأموال خط

من بديع الشعر موزون

لن تنالوا البر حتي

تنفقوا مما تحبون

هل القصة الآنفة الذكر أجمل عندك، أم قصة رجل لما أرادوا اشتراء داره استمهلهم، فأخذ أبواب الغرف وما تمكن أخذه منها ثم باعها بضعف قيمتها، مستغلاً اضطرار الأمير إلي شرائها؟.

إذا راقت لك القصة الثانية فقدم لله أبخس الأشياء وأخسها..

وإذا راقت لك القصة الأولي فقدم لله سبحانه أحسن الأشياء وأفضلها.

30 الحقوق الواجبة والمستحبة

عشرة أقسام من المال علي الإنسان، بين واجب ومستحب:

1. الأخماس.

2. الزكوات.

3. الأثلاث.

4. الصدقات.

5. الهبات.

6. التبرعات.

7. المظالم.

8. الكفارات.

9. النذور.

10. الأوقاف.

فمن الضروري أن تكون في كل بلد إسلامي هيئة نزيهة يعتمد عليها تقوم بجمع هذه الحقوق وصرفها في مختلف المصارف الإسلامية، واللازم أن تكون هناك دعاية واسعة لفضل الإعطاء ولفوائده، حتي يلين قلب الثري وينضج الغني الأبي، وإلا فالناس لم يعتادوا الإعطاء كأن المال قد لصق بقلوبهم.

والغريب أن الذين ?أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ?() أخذوا في الآونة الأخيرة منذ قيام دويلتهم ينفقون بسخاء، ويكسبون الحكومات إلي جانبهم بالمال، ويشترون الضمائر بالدرهم والدينار. أما المسلمون فهم جمود عن بذل

المال، لا يفكرون في دنياهم المظلمة ولا في آخرتهم القريبة.

وقد قلت لثري: ألا تنفق في سبيل الله؟.

قال: إني أعمل الخير الكثير.

قلت: وكيف؟.

فأخذ يعدد ما أنفقه في سبيل الله، قال: ربع دينار أعطيته لسيد!، وعشرة دنانير أقرضتها لمحتاج، ثم استرجعته منه بالأقساط!، وذكر شيئاً آخر أو شيئين آخرين من هذا النوع وهو معجب بنفسه، يسرد هذه الكلمات بتبجح واعتزاز.

قلت في نفسي: إنه إما جاهل غبي، أو متجاهل ماكر، فإن كان الأول أسأل الله تعالي أن يعلّمه ويفهمه موازين الحياة، وإن كان الثاني هداه الله إلي الصراط المستقيم.

إنه ليس من شك أن بعض الأغنياء يبذلون بسخاء، لكن في المثل: لايحصل الربيع بوردة أو عدة أوراد، ولذا نري الآن لم يحصل الربيع.

قال الشاعر ما ترجمة شعره :

أصحاب الدراهم لا كرم لهم والذين هم كرماء لا دراهم لهم()!

31 الموارد المالية للمؤسسات

إن رجال الإصلاح من المسلمين يجب عليهم أن لا يكتفوا بالخمس والزكاة والصدقة والهبات، في تقويم المعوج ونشر الإسلام في العالم، بل لا بد وأن يجعلوا للتبليغ والتأسيس موارد مالية أخري، مثل: التجارة ووقف البنايات والزراعات وحيازة المباحات. مثلاً: يجعلون رصيداً لأجل التجارة، فأرباحها تكون لمنفعة المشاريع الإسلامية، وكذلك يوقفون عمارات وبساتين ومزارع، لأجل العناية نفسها، ويستخدمون أناساً لأجل الصيد وحيازة الأخشاب ونحوهما، لمنفعة المشاريع والتبليغات، إلي غير ذلك؛ فإن في ذلك أكبر الفوائد، وسائر الفرق يستربحون في مقاصدهم من هذه الموارد غالباً، بالإضافة إلي التبرعات.

مثلاً: إذا أمكن وقف مزرعة الدواجن، وكانت المزرعة تعطي كل يوم ألف دجاجة ومائة ألف بيضة كما توجد هناك مزرعة في لبنان في هذا المستوي من الإنتاج وقدر كل دجاجة بربع دينار، وكل بيضة بعشرين فلساً. وفرضنا أن خمس المبلغ ذهب كل يوم لأجل المصارف، كان

الوارد الصافي في كل سنة أكثر من ثلاثة أرباع المليون.

إن ما ذكرناه ليس خيالاً وإجالة قلم، بل أثبتت الدنيا أن الرقي المادي إنما يكون بهذه الوسائل، فلماذا لايتخذها رجال الإصلاح من المسلمين منهجاً وتطبيقاً لإخراج المسلمين من هذه الأزمة المعاصرة؟!

كما أن هناك طريقاً آخر يجب أن يسلك وهو: فرض الضرائب علي الأثرياء في واردهم فرضاً أدبياً، بأن يشرّك الحسين عليه السلام، أو الرضا عليه السلام، أو غيرهما من سائر الأئمة والقمم الإنسانية (عليهم الصلاة والسلام) في شيء من الوارد كالثلث أو الربع أو ما أشبههما، فيصرف ذلك في المشاريع.

وهكذا إذا فرض أدبياً علي شركة إنتاج العصير مثلاً علي كل قنينة العشر من قيمتها، فإنها تكون مبالغ طائلة جداً، وقد انتفعنا نحن في مشاريع كربلاء المقدسة، بتشريك الأئمة عليهم السلام فكان تاجر واحد شريك الإمام الحسين عليه السلام في شيء من ربحه يعطي كل عام أكثر من ألف دينار.

إن ما ذكرناه سهل إذا مشينا باستمرار وعملنا باستمرار، خصوصاً إذا شكلت لجان لأجل هذه الأمور، فإن اللجنة تسهل أمر التسيير المستقيم المستمر التصاعدي، وفي الحديث: ?يد الله مع الجماعة?()، وفي كلمة حكيمة إن الله سبحانه قال: ?منك الحركة ومني البركة?، ولا أعلم: هل هي رواية أو حكمة؟.

32 هكذا يكون الإحسان

قال أحد العلماء: رأيت أحد التجار يمدحه العدو والصديق، فتعجبت وسألت عن السبب؟.

قالوا: لأجل أخلاقه الطيبة.

قلت: انقلوا لي قصة منها؟.

قالوا: إنه في أول شبابه تزوج ثم ذهب إلي خراسان، وجاء من هناك بخاتم فيروزج ثمين قيمته ثلاثون ألف تومان هدية إلي زوجته، ولما وصل إلي طهران قارن وصوله الأذان، فذهب إلي المسجد يصلي وأخرج الفيروزج ووضعه أمامه احتياطاً حتي لا يستصحبه في الصلاة. وكان إلي جنبه رجل فبصر به وهو

في الصلاة، إن الرجل سرق الخاتم حيث وضع يده عليه ثم نقله إلي جيبه، ولما أتم الصلاة أراد الرجل أن ينصرف فتمسك به التاجر، وقال له: إني قد وهبت الخاتم لك فاطمئن إليَّ، إني لا أريد بك سوءً لكن يبدو لي من وجهك أنك لست سارقاً وإنما ألجأتك الظروف، وحيث إني أعلم أنك إذا بعت هذا الخاتم طلبوا منك الشهود علي أنه لك، وأنك لاتعلم قيمته ولا شاهد لك فتتهم بالسرقة، ويذهب مالك وعرضك، لذلك إني أعلمك أن قيمته كذا، وإذا أرادوا منك الشاهد فأنا شاهدك.

وإلي هنا جعل وجه الرجل يرشح خجلاً، وقال: نعم، هذه أول مرة أنا أفعل هكذا، والسبب في ذلك أني كنت كاسباً ولكني فشلت في كسبي، وخجل العيال والأطفال اضطرني إلي السرقة.

قال التاجر: فلنذهب معاً إلي السوق. وذهبا معاً وباعاه بأكثر من قيمته، ثم اشتري التاجر ببعض القيمة داراً ذات شقتين وأجر شقة لفائدة الرجل، وأسكن الرجل في الشقة الثانية وخلصه من الإيجار، وفتح ببقية الثمن للرجل دكاناً يعيش به.

أفهل هناك إنسان لا يمدح هذا العمل؟.

وإذا كان هذا العمل ممدوحاً فليسمع بذلك الأثرياء ويهتموا لنجاة الفقراء خصوصاً الأعفاء منهم من مشاكل الحياة؛ فإنهم يشترون بذلك ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

33 (دور السكني الموقوفة)

من الضروري للأثرياء الذين يحبون الخير أن يهيئوا لأهل العلم دور السكني الموقوفة، فكما يكون للطالب غرفة في المدرسة كذلك تكون للمعيل منهم دور السكني ما دام طالباً، حتي يساعده ذلك علي صعوبات الحياة.

كما أن من الضروري علي القائمين بأمور أهل العلم أن يهتموا لأجل توجيه الأثرياء إلي ذلك، ويطلبوا من السلطات أن يجعلوا الماء والكهرباء والتلفون وسائر الشؤون الحكومية مجاناً، والمواصلات علي النصف أو ما أشبه، كما يعاملون مع أسرة

التعليم الرسمي.

وفي ذلك مساعدة كبري للعلم والدين.

وإن أمكن (بدون محذور) أن تكون الحكومات قائمة بشؤون ورواتب أهل العلم، كما في البحرين والسعودية في الجملة كان ذلك من ألزم اللوازم.

إن المكانة الاجتماعية لجملة لا يستهان بها من أهل العلم قد تقلصت علي أثر الاحتياج، فإن الكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية، وتقلص المكانة الاجتماعية يقلل نفوذ أهل العلم في الناس، وبذلك يقل نفوذ الدين وهذه خسارة كبري يجب أن تعالج.

كما أنه إذا أمكن وجب بناء دور لأهل العلم الموجودين في مختلف المناطق كوكلاء أو علماء محليين ليكونوا في راحة من الإيجار.

وأري أن من اللازم علي القائمين بشؤون أهل العلم أن يهيئوا لعوائلهم وسائل الحياة السعيدة، كالطباخ بالغاز والثلاجة والغسالة وماكنة الخياطة والوسائل الخفيفة للارتزاق كمكائن التطريز وصنع الجورب ونحوهما؛ لتخفف عليهم نفقات الحياة ببيع الإنتاج، فإنها أصبحت في عصر الآلة بمنزلة (المغزل)، كما أن السيارة أصبحت في عصر الآلة بمنزلة الفرس.

وليس ما ذكرناه ثقيلاً كما يتوهم، فلنفرض ثرياً كالمرحوم الحاج ملك أراد أن يشتري بأربعمائة مليون تومان دوراً لأهل العلم في مدينة قم يوقفها عليهم، ولنفرض كل دار بخمسين ألف تومان، أليست النتيجة ثمانية آلاف دار؟.

ولنفرض مائة مليون من تاجر آخر خيّر لأجل الأجهزة كالمكائن وما أشبهها، أليس حينذاك يكون ثريان فقط قاما بهذه المهمة الحيوية؟.

إن الأمر يحتاج إلي تفكير جدي من رجال الإصلاح والقائمين بشؤون أهل العلم، وإني أظن أن جدية ستة أشهر (من مراجع يشكلون وحدة واحدة)() تكفي لهذه المهمة، والله المستعان.

34 (جاهد نفسك)

جاء رجل ثري إلي الميرزا المجدد الكبير رحمة الله عليه وقال: إن عليّ كذا مبلغاً وذكر مبلغاً ضخماً من المال من الخمس، لكن الشيطان يحول بيني وبين دفع المبلغ، فأمُر أن يقيدوا يدي

ورجلي ويخرجوا مفتاح قاصتي من جيبي ويذهبوا إلي بيتي إلي المكان الفلاني ويأتوا بالمال من الصندوق، وإذا سببت أو صحت أثناء ذلك فلا تعيروني بالاً.

فأمر الميرزا بذلك ولما أرادوا إخراج المفاتيح من جيبه أخذ يصيح ويقول: يا لصوص يا لصوص، ويسب ويشتم لكنهم لم يعيروه بالاً وذهبوا وجاءوا بالمال وأعطوه الميرزا، وبعد ذلك فكوا وثاقه، وحينذاك قال الرجل: الآن أحمد الله الذي نجاني من هذا الأمر، وشكر الميرزا وانصرف.

إن هناك أغنياء من هذا القبيل، والآن أنا أعرف غنياً عليه أكثر من خمسين ألف دينار من الحقوق، وهو يقول لبعض الخطباء: انصحني لعل الله يلين قلبي وينزع حب المال من نفسي. لكن شيطانه قوي جداً وليست له الجرأة الكافية لأن يعمل كما عمل التاجر الآنف الذكر.

فليعلم الأثرياء الذين عليهم الحقوق أن المال لا يبقي لهم، وبالأحري أنهم لا يبقون للمال، فمن الضروري أن يهتموا لإخراج أنفسهم من حق الله وحق الناس، قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال، وإن كان الخروج بكيفية خروج التاجر المذكور.

35 (من لا يدفع الخمس)

الذي لا يدفع الخمس علي قسمين:

إما أن يكون له ما يكفيه بعد إخراج الخمس كأصحاب الملايين والألوف.

وإما أن لا يكون له ما يكفيه، كمن استقر عليه الخمس ثم ذهب

ماله.

فإن كان الأول فاللازم عليه أن يفكر لماذا لا يدفع؟.

إنه الجهل المحض، والمخالفة الصرفة، والعصيان البحت. وهل إنه يرضي أن يقف في مصاف العصاة المخالفين لله تعالي، والآكلين لحقه وحق عباده؟.

وإن كان الثاني: فاللازم أن يفكر أنه لو لم يكن له بمقدار الخمس ماذا كان يصنع؟. مثلاً: له الآن ألف دينار، فليفكر أنه لو كان له ثمانمائة فقط ماذا كان يصنع؟. فليجعل نفسه الآن صاحب الثمانمائة فقط، وحينذاك تسخو نفسه في

البذل، فإن التفكر يخفف كثيراً من المشاكل، و ?تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة?()، كما في الحديث.

إن الحر الرياحي() فكر ساعة فأخرج نفسه من لعنة الأبد إلي رحمة الأبد، وهكذا فليفكر الذين عليهم الحقوق ولا يدفعون، لعلهم يرجعون إلي الصواب ولعل الله يهديهم إلي الخلاص من حق الله وحق العباد.

وذات مرة قلت لأحد الأثرياء: إنك إن كنت تكره إعطاء الحق إلي العالم أو الفقيه أو من أشبه فاجعل الحق مشروعاً، ابنِ به مدرسة، أو مكتبة، أو مسجداً، أو ما أشبه ذلك؛ فإذا فعلت ذلك قربة إلي الله تعالي بإجازة عالم فقد أديت الحق وأبقيت ذكري، ولعله دخل في: ?من سن سنة حسنة?()، أو أبقي صدقة جارية().

36 (مساجد كربلاء المقدسة)

عزمنا في كربلاء المقدسة أنا وجملة من الأصدقاء علي تجديد المساجد وترميمها، وقد جددت أو رممت كل المساجد بحمد الله تعالي في مدة قليلة لاتعدو خمس سنوات، ومساجد كربلاء المقدسة زهاء المائتين كما قيل لي.

وكان الفضل في تجديد ما جدّد غالباً أن تاجراً واحداً أعلن: إنه علي استعداد أن يدفع الحديد لكل مسجد يراد بناؤه. وقد وفي بالوعد جزاه الله خيراً والآن هو علي حاله من الثروة لم ينقص شيئاً، وكيف ينقص ما كان الله سبحانه وتعالي يخلفه؟. مع العلم أن التاجر كان من الدرجة الثالثة ولكن همم الرجال تزيل الجبال.

إن أكثر المناطق الجديدة في البلاد الإسلامية بحاجة إلي المسجد، فهل يوجد هناك إنسان خير في كل بلد ليزود المساجد التي يراد بناؤها بالحديد أو الإسمنت أو ما أشبه؟.

مثلاً: العراق يحتاج علي أقل تقدير إلي أكثر من ألف مسجد، والكويت تحتاج إلي أكثر من مائة مسجد، وإيران تحتاج إلي أكثر من خمسة آلاف مسجد، وما ذكرت علي سبيل

التقريب لا التحقيق.

فمن الضروري أن يقوم في كل بلد أو قطر، أخيار ببناء المساجد،

وفي الحديث: ?من بني مسجداً كان له بكل شبر مدينة في الجنة مسيرة أربعين ألف عام?().

وفي حديث آخر: ?ولو كجؤجؤ قطاة?().

كما أن من الضروري تزويد المساجد بالسماعات، وبالمكتبات، ليؤدي المسجد رسالته كاملة في كون العلم إلي جانب العبادة، فإذا حصل هذا الشيء اقتربنا إلي الأمام خطوة، وتمكنا أن نحفظ العقيدة والشريعة بقدر، وقوي الاجتماع الديني، وبمقدار قوته كوفحت الجرائم وتقدم المسلمون في مختلف أبعاد حياتهم.

وما ذكرناه في المسجد يتأتي بصيغة ملائمة أخري في المدرسة والمكتبة والمستوصف والميتم ودار العجزة وغيرها وغيرها من المؤسسات.

37 الليرات الملتهبة

رؤي إنسان يبلل سبابته وإبهامه بلسانه وينفخ فيها باستمرار، فسُئل عن ذلك، وبعد إباء شديد قال:

إني كنت أطلب من إنسان مالاً، وكان ذلك الإنسان يأبي أن يعطيني المبلغ، وكنت أعلم أنه حوّل ماله إلي ليرات ذهبية، وذات مرة علمت أنه ابتلع الليرات جهلاً منه بما يكون مصيره، ولم تمض ساعات إلا وأصيب بداء في بطنه ومات ودفن، وفي الليل انتهزت الفرصة وذهبت إلي قبره ونبشته وشققت بطنه لآخذ حقي، فلما مددت يدي لآخذ ليرة من تلك الليرات احترقت إصبعاي السبابة والإبهام؛ لأن الليرات كانت ملتهبة وكأنها في بوتقة، وعلمت حينذاك أنه قد كشف لي عن عالم البرزخ، ومنذ ذلك الحين وإصبعاي اللتان مسست بهما الليرات تحترق ليل نهار كأنهما في النار، والذي أفعله يخفف من ألم الحرقة.

نعم، ?الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ? يَوْمَ يُحْمي عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوي بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ?().

تكوي الجباه حيث إنهم قطبوها حينما طولبوا بحقوق الله وحقوق الناس،

وتكوي الجنوب لأنهم لووها فراراً من الطالب، وتكوي الظهور لأنهم أداروها علي الطالب وذهبوا إلي غرور الجشع.

أفهل الإنسان المانع لحق الله سبحانه مستعد لهذه النتيجة؟.

قال عليه السلام():

إذا كانت الأموال للترك جمعها

فقلة حرص المرء في الجمع أنبل

38 (ستبقي الدور والأموال)

سمعت من بعض الخطباء: أن اثنين تنازعا في دار، فجاءا إلي الرسول صلي الله عليه و اله لفصل الخصومة، وكلما حاول الرسول صلي الله عليه و اله الفصل بينهما أصر كل واحد منهما علي ادعائه، وكان جبرائيل عليه السلام حينذاك حاضراً بمحضر الرسول صلي الله عليه و اله فأخذ يضحك. قال له الرسول صلي الله عليه و اله: ?مم تضحك يا جبرائيل؟?.

قال: ?إن هذه الدار التي يتنازعها هؤلاء قد سبق وأن ملكها أناس كثيرون لكن كلهم ذهبوا وبقيت الدار، فأضحك من نزاع هؤلاء فيما يخلفونه بعد قليل?.

نعم بعد قليل تبقي الدور والأموال وينتقل الإنسان إلي ما قدم من صالح أو طالح، فهل يكفي هذا موعظة لمن يمنع حق الله سبحانه حرصاً علي الدنيا؟.

وقد روي أن الرسول صلي الله عليه و اله ذات يوم أخذ بيد أبي ذر رحمة الله عليه وخرج به حتي وصلا إلي خربة وكانت هناك قاذورات وخرق وعظام، فقال له الرسول صلي الله عليه و اله: ?هذه هي الدنيا?()..

القاذورات: أطعمتها اللذيذة التي تحولت إلي ما تري، والخرق: أثوابها الناعمة التي تحولت إلي ما تري، والعظام: أهل الدنيا الذين صاروا هكذا.. (هذا مضمون الحديث).

وفي أبيات فارسية:

إن ناصر الخسرو() كان يمر بطريق..

وهو غارق في الذهول لا كالذين يشربون الخمر..

فرأي المقابر في مقابل بيت الخلاء..

فقال: انظروا أيها الناظرون..

انظروا إلي نعم الدنيا وأهل النعم..

فالمقابر محل أهل النعم.. وبيت الخلاء محل النعم().

39 (المؤسسات ضمان المستقبل)

توفي أحد الملوك فانتقل الملك إلي ولده الشاب، فقام الوشاة بالوشاية ضد رئيس وزرائه وقالوا: إنه يصرف المال اعتباطاً وقد خلت الخزينة من المال، حتي أثاروا حفيظة الملك ضد رئيس وزرائه فطلبه، وقال له: أين المال الذي تقبضه من الناس باسم الخراج والزكوات؟.

قال الرئيس: اعلم

أيها الملك أن قيمتي إذا اُباع في سوق النخاسين لاتتجاوز عشرين ديناراً، وأن قيمتك إذا تباع لا تتجاوز ستين ديناراً لما لك من الجمال والقوة والشباب، أما جنودنا فلا يعدو سيوفهم عن ذراعينا، وسهامهم لا تقطع أكثر من خمسمائة ذراع، والدولة محاطة بالأعداء، وفي داخلها ذوو الأطماع، فهل أنا وأنت وسهام جنودنا وسيوفهم تستطيع حفظ البلاد، إني أصرف المال في سبيل إبقاء الملك فأنفقه علي الأمة، وأيهما أحسن هل يزول الملك أم يبقي؟.

فاستحسن الملك كلامه وزاد في إكرامه وإعظامه.

إن أثرياءنا يجب أن يعرفوا أن الإسلام هو الذي يحميهم من اعتداءات الأجانب، وكلما ضعف الإسلام تقدم الأجانب إلي الأمام، فيحتكرون الاقتصاد ويستولون علي الأسواق وينهبون الثروات، إلي آخر القائمة المعروفة لدي الجميع. فاللازم عليهم إن أحبوا كيانهم ومستقبل بلادهم والجيل الصاعد من أبنائهم، أن يبذلوا بسخاء في مختلف الأمور الإسلامية من: مبلغين، ورجال الدين، والمدارس، والمساجد، والحسينيات، وقواعد الإشعاع الأخر.

فبقدر ما تتقدم المؤسسات الإسلامية ويتقدم الإسلام، بنفس النسبة تحفظ البلاد بجميع مرافقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ويكون الأمر والهدوء والاستقرار.

وليس مرادنا من البذل بسخاء إعطاء الخمس فقط، بل القيام بجميع الحاجيات الدينية، ولو كلف ضِعف الخمس، ويجب أن يعتبر الأثرياء

علاوة علي ما هو مذكور في الإسلام بالغرب والشرق، فإن الشرق معلوم الحال لا يحتاج إلي بيان، والغرب إنما تمكن الأثرياء فيه أن يحفظوا كيانهم وبلادهم بالبذل السخي.

إن المؤسسات التي تهتم بتوازن الشعوب تملك مبالغ خيالية، فمؤسسة دينية واحدة تبلغ أوقافها خمسة آلاف مليون دولار، وامرأة واحدة أوقفت من أموالها ستين مليون دولار، ورجل أسس مؤسسات بمبلغ أربعمائة مليون دولار!!

إن الذين يبذلون هذه المبالغ الطائلة وإن كان بعضهم يبذله عن عقيدة، لكن الآخرين منهم يبذلون في سبيل

بناء بلادهم وحفظ شبابهم وضمان كيانهم ومستقبلهم، ومهما كان الهدف من هذا البذل فإنهم بالفعل يبذلون، وقد رأوا جزاء بذلهم، وأثرياؤنا أحق بالبذل من أثرياء أولئك؛ لأنهم يبذلون وقد وصلوا، ونحن في أول الطريق ثم نرجو من الله سبحانه ما لا يرجون.

40 مشروع كربلاء المقدسة

أردنا أن نقوم في كربلاء المقدسة ببناء مشروع، لكن أكثر الأصدقاء كانوا مخالفين من جهة أن المشروع كان يكلف فوق عشرين ألف دينار، ونحن لا نملك حتي مائة دينار.

واقترح بعض الأصدقاء أن نأخذ من عبد الكريم قاسم() لكني رفضت ذلك.

وأخيراً صار القرار في أن نشرع في الموضوع، فطبعنا (دبالك) وجمعنا ما يقارب مائة دينار، ولكن اليأس كان أكثر من الرجاء، وشرعوا في تنظيف الأرض المخصصة للمشروع من الأوساخ، كما أخذت الهيئة في جمع المال.

قال أحد الأعضاء وهو بزاز: جاء ذات يوم جمعة رجل أعرابي من أهل البادية، وقال: من القائم بهذا المشروع؟.

قلت: جماعة.

قال: وهل يقبلون التبرعات؟.

قلت: نعم.

قال: حسناً.

وذهب وفي الجمعة الثانية جاء وقدم لي (جزداناً) صغيراً، وقال: هذا مني تبرع للمشروع.

قلت له: تفضل حتي أعطيك الوصل.

قال الرجل: لا أحتاج. وذهب.

قال البزاز وكان عضواً في الهيئة : طرحت الجزدان في آخر الدكان واشتغلت بالمعاملة حتي حان الظهر، ولما أردت أن أقفل الدكان تذكرت الجزدان فأخذته وفتحته وإني أظن أن ما فيه لا يعدو عشرة دنانير، وكم كانت المفاجأة ضخمة حينما رأيت فيه ألفان وسبعمائة دينار؟! فلم أكد أصدق عيني، لكن كان هذا هو الواقع وبشّر الهيئة بذلك. فاستبشر الجميع وبعثت فيهم روح جديدة بعد اليأس، فأخذوا يجدون في جمع المال حتي كمل البناء في أقل من سنة، وقد كلف فوق العشرين ألف دينار.

إن أهل الخير يوجدون في كل مكان، لكنهم لا يقدمون غالباً علي

التبرع إلا إذا رأوا النتائج والعمل بأم أعينهم، ولذا فعلي رجال الإصلاح أن يكسبوا ثقة الناس بالعمل الجاد المستمر، وهناك تأتي النتائج الطيبة بإذن الله تعالي.

41 (تقدم الإسلام دينا ودنيا)

إننا مكلفون بإقامة الإسلام دينياً ودنيوياً.

أما دينياً: فواضح.

وأما دنيوياً: فلأن تقدمنا في ميادين الحياة، واسترداد سيادتنا وعزتنا يتوقفان علي إعادة الإسلام إلي الحياة، لذا فمن الضروري أن نفكر في ذلك بكل جد، ومن مقومات التقدم المال.

أما كيف نجمع المال؟.

فإنه إذا تكونت لجنة مؤلفة من عشرة من التجار ذوي الوزن الثقيل وبعض أهل العلم الثقات، وسجلوا أسماء التجار والأثرياء في قائمة، ثم نصبوا صندوقاً خيرياً بإشراف الثقات لجمع المال، وصرفه في الأمور الإسلامية تحت إشرافهم، واجتمعوا بالتجار المذكورين في القائمة لأجل جمع المال منهم كانت النتائج طيبة جداً.

ولنفرض في عاصمة إسلامية تزور الهيئة خمسة آلاف تاجر في مدة خمس سنوات، وكل تاجر يتبرع بمعدل ألف دينار، يكون الحاصل خمسة ملايين ديناراً. فإذا وضعوا هذا المال في الاسترباح: المعامل، والمضاربات، والأراضي، والشركات … لا بد وأن يكون الربح واحداً من خمسة علي أقل تقدير.

وكم تكون النتائج مرضية إذا صرف كل عام مليون ديناراً لأجل مختلف المشاريع، وهذا العمل وإن كان صعباً وبعيداً في أول نظرة، لكن الإنسان إذا صمم كان الأمر سهلاً.

وإذا فرضنا أن هذا العمل أنجز في اثنتي عشرة عاصمة من عواصم البلاد الإسلامية، كان حصيلة ذلك كل شهر مليون دينار، وإذا خصصنا نصف المبلغ لأجل المؤسسات ونصف المبلغ لأجل المبلغين، وفرضنا أن كل مؤسسة تكلف عشرة آلاف دينار، وكل مبلغ يحتاج في الشهر إلي مائتي دينار كان حصيلة خمس سنوات ثلاثة آلاف مؤسسة، وكان الذين يمكن تزويدهم من المبلغين بالرواتب ألفين وخمسمائة مبلغ.

وهل تعلم أن هذا العدد من المبلغين

في هذه المؤسسات المنتشرة في مختلف بلاد العالم الكبار يأتي بما يشبه الإعجاز، ويهز العالم أكبر هزة؟.

42 (كيف تحصل التبرعات)

يمكن استحصال التبرعات بأنواع مختلفة، مثل:

1. جعل الصناديق الخيرية عند المشتركين، كل صندوق يوضع فيه كل شهر دينار أو كل يوم ثلاثون فلساً، فإذا أمكن توزيع ألف صندوق كانت الحصيلة كل شهر ألف دينار.

2. جمع التبرعات من الناس في أوقات الاجتماعات، كالاحتفالات والمآتم وما أشبه.

3. جعل التلفونات في الدكاكين، فكل من أراد المخابرة الداخلية أخذت منه عشرة فلوس مثلاً.

4. جعل الصناديق في المحلات العامة كالفنادق والعيادات والمكاتب وغيرها، فكل صاحب حاجة يتبرع بشيء قلّ أو كثر، وهكذا جعلها في المساجد والحسينيات، وهكذا جعلها في الدكاكين، فكل من اشتري شيئاً وضع فيه شيئاً.

5. جعل ضرائب تبرعية علي البضائع، مثلاً: كل من اشتري أو باع صندوقاً من الزجاج كان عليه أن يدفع خمسين فلساً.

6. تهيئة شبان ليضعوا علي ملبس كل إنسان وردة أو علامة، ويقدموا له صندوق التبرعات ليضع فيه شيئاً، في المحلات العامة ونحوها.

7. ذهاب الوفود إلي الأثرياء الذين لا عقب لهم ليتبرعوا بأموالهم للمشاريع بعد مماتهم هبة أو وقفاً.

8. حث أصحاب الحوائج كالمرضي والمساجين وذويهم والذين هم في سبيل النجاح أو الرسوب علي نذر كمية متناسبة مع الحاجة إن قضيت حاجتهم.

9. أخذ التبرع ممن علي جناح السفر، أو قادم من سفر، أو ممن يريد عرساً، أو ما أشبه؛ فإن اضطراب الحال يوجب سرعة الإنفاق.

10. حث التجار وأصحاب المهن والحرف كصائدي الأسماك علي إشراك المشاريع في أرباحهم بنسبة خاصة، إلي غيرها من الأقسام وما أكثرها.

43 (هيئة في تركيا)

نقل لي رجل تركي أن بعد سقوط أتاتورك تألفت هيئة لأجل بناء المساجد، فجمعوا المال حتي بنوا مسجداً، وبعد أن بني وضعوا صندوقاً خيرياً في المسجد، وحثوا المصلين علي أن كل واحد منهم يضع فيه شيئاً، ومن هذا الصندوق ومن التبرعات

الأخري بنوا مسجداً ثانياً، فوضعوا فيه صندوقاً أيضاً، ومن الصندوقين بنوا مسجداً ثالثاً، وهكذا.. قال: إن هؤلاء بنوا في تركيا مئات المساجد.

ونقل لي أحد تجار إيطاليا وكان تاجر سجاد قال: ذات مرة طلبني أحد الأثرياء إلي بلد آخر لأقدر مساحة غرفة كان يريد أن يفرشها بالسجاد بشكل دقيق، ولما ذهبت إليه رأيت داراً واسعةً جداً ومؤثثة بأجمل الأثاث، وكان صاحبها من أصحاب الملايين. قال: فبقيت هناك أياماً لأقدر تمام الغرف والأبهاء والصالات، وإذا بي أري رجلاً من رجال الدين المسيحيين يرتاد القصر، فسألت عن الثري هل هذا من أقربائك؟.

قال: لا وضحك ثم أردف إنه وارثي.

قلت: وكيف؟.

قال: قبل مدة بعثت الكنيسة إليَّ وفداً يطالبونني بأن أوقف كل أموالي من بعدي للكنيسة حيث إني لا عقب لي فامتعضت من ذلك وطردتهم، ثم بعد مدة جاءني وفد ثان فكان مصيرهم كمصير الوفد الأول، ثم بعد مدة جاءني وفد ثالث، وكل وفد يقرب لي الخير ويبين لي جزيل الثواب في ذلك خصوصاً وأن عالم المسيحية اليوم بحاجة إلي المال؛ لما يلاقي من مشاكل الشيوعيين والتحلل والإلحاد.

قال: وتمكن الوفد الثالث أن يقنعني فوقفت جميع أموالي للكنيسة شريطة أن تبقي زوجتي في هذا القصر إن قدر لها البقاء بعدي حتي تموت، ولما وقفت (رسمياً) جميع أملاكي وأرصدتي، ذهب الوفد وأرسلوا إليَّ هذا الرجل يؤنسني وأصرف عليه، وهو ينتظر موتي حتي يتسلم كل شيء.

قال الثري: وأنا الآن سعيد بما عملت.

إن القصة لا تحتاج إلي التعليق، فهل المسلمون واعون.

44 (النظام والاقتصاد)

لقد أصبحت الدنيا تسير علي الأغلب تحت رعاية النظام والاقتصاد، فكل جماعة أو أمة أو شعب يفقد أحد الأمرين ينزل مستواه، وينزل حتي يصل أسفل سافلين.

والمسلمون اليوم يفقدون كلا الأمرين، إلا ما شذ، ولذا

نري تأخرهم كل يوم في جميع جوانب الحياة، بينما الطرف المقابل أخذ بالصعود كل يوم في مختلف نواحي الحياة.

لندع الغربيين.. فهذه اليابان غزت العالم بصناعتها مع أنها قبل مائة سنة كانت من الدول المتأخرة، إنها أخذت فجأة بالنظام والاقتصاد، ولذا أخذت في التصاعد حتي بدأت تهدد الغرب في صناعتها.

والإسلام أول دين نادي بهذين الأمرين، فقد قال علي عليه السلام: ?الله الله في نظم أمركم?().

وقال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: ?نعم العون علي الدين الغني?()، فلماذا لا نأخذ بهما؟.

والنظام والاقتصاد يجب أن يكونا من واقعنا، لا شيئاً يفرض علينا فرضاً، إنك تري الثري الفلاني يبني داره بعشرات الألوف، ويؤثثها بالألوف، ويخصص لسفره كل عام ألفاً أو أكثر، ويزوج ولده بعشرة آلاف أو أكثر. فإذا قيل له: تبرع لمشروع كذا، قدم إليك خمسة دنانير أو عشرة!.

إن هذا وليد عدم تفهم الاقتصاد في الجانب الاجتماعي والديني.

وكذلك إن حياتنا ليست منظمة وليست عندنا تنظيمات في الأمور الدينية، وهذا ما يوجب بعثرة القوي واضمحلال الشخصية وبالنتيجة السقوط كما حدث فعلاً.

إن علينا أن ندخل النظام والاقتصاد في جميع جوانب الحياة اليومية وغير اليومية إذا أردنا التقدم.

45 (تقدم المسلمين الأوائل)

المسلمون الأولون تقدموا لأنهم كانوا يصرفون طاقاتهم مائة في المائة في سبيل الإسلام، وهذه الآية الكريمة: ?إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَها وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا?() أفضل دليل علي ذلك، فإنه كان الواجب علي المسلم أن يبذل كل ما لديه للإسلام..

ثم أخذ المسلمون يتقهقرون حتي وصل الأمر إلي اليوم، والمسلم لايبذل حتي أقل طاقاته، ولذلك تراهم لا يعطون، حتي الخمس قسطوه أقساطاً بدون مدد، وصرفوه كيف ما شاءوا، أو أداروه

مع العالم حتي يعطوا عوض الخمس العُشر أو أقل.

وقد جاءني ذات مرة إنسان كان عليه عشرون ألف، فأراد أن يدفع عوض ذلك ألفاً فقط!.

وجاءني ذات مرة إنسان آخر كان يملك ستة وثلاثين ألف دينار فأعطي مائتين، وقال: الباقي من الخمس أدفعه بعد الحج، وبعد الحج لم يدفع ولا فلساً.

وهكذا ضاعت الأخماس، وضاع مع ضياعها المسلمون.

نعم، هناك قلة قليلة جداً يدفعون الخمس كاملاً، ولكن الوردة القليلة لا تنشر الربيع، وبعض الناس يظنون أنهم إذا أرادوا الذهاب إلي الحج وجب عليهم أن يخمسوا، مع العلم أن الخمس واجب كالصلاة والصيام.

قال رجل: ذهبت عند المرجع الديني المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه فقلت له: هل لك أن أحسب معك حقوقي، وأعطيك وصلاً علي أن أدفع الحقوق في المستقبل؟. قال: ففتح السيد رحمة الله عليه صندوقاً كان إلي جانبه فرأيته مليئاً من الوصولات، ثم قال: إن هذه كلها وصولات أناس حسبوا الخمس ثم لم يفوا.

وليس علي الإنسان أن يكون ثرياً كبيراً أو تاجراً غنياً حتي يجب عليه الخمس، بل لو كان موظفاً ذا راتب بسيط وزاد عليه دينار في نهاية السنة وجب أن يدفع خمسه، وهكذا لو كان كاسباً قليل البضاعة، أو طالب مدرسة، أو خادمة، أو زوجة، أو بنتاً، أو صياد سمك، أو حطاباً، أو غير أولئك من أصحاب المهن ونحوها فإن الخمس يحق في رأس السنة المالية، وقد تقدم أنه ورد في الحديث: ?حتي أن الخياط ليخيط الثوب بخمسة دوانق خمسة أسداس الفلس الواحد لنا فيه الخمس?()، ولو لم يخمس بطلت صلاته وحجه وسائر عباداته المتوقفة علي الطهارة، إذا تطهر بالمال غير المخمس، أو صلي في لباس أو علي فراش غير مخمس، كما ذكره الفقهاء

مفصلاً في كتاب الخمس.

والخمس يجب أن يصل إلي يد أحد العلماء ليصرف في المصارف المقررة، أو يستأذن صاحب المال من العالم ليصرف الخمس بنفسه في الموارد المعينة.

46 (ما يتعلق به الخمس)

الخمس يتعلق بأشياء سبعة:

1. غنائم دار الحرب.

2. أرباح المكاسب، وكل فائدة.

3. الغوص.

4. المعدن.

5. الكنز.

6. الحلال المختلط بالحرام.

7. الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

ولو أعطيت هذه الأخماس كانت ميزانية قادرة علي العمل والتغيير.

إن أحد البلاد الإسلامية ثمن نفطها كل عام خمسة آلاف مليون دولار، فخمسها سنة واحدة ألف مليون دولار، فكم تقدر الأخماس في البلاد الإسلامية كلها؟.

رأيت أنا شخصياً أحد الأثرياء الكبار في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟.

قال: كل ما عملته وصرفته رأيت جزاءه (هذا مضمون كلامه).

وكان هذا الثري باذلاً للخير، مواظباً علي المعروف، ينفق الكثير في مختلف المشاريع.

كما روي: إن إنساناً كان يرابي فمات فرآه ابنه في المنام، فقال له: ماذا فعل الله بك؟.

قال: لم أر حساباً ولا نكيراً ومنكراً، بل ألقيت في جهنم رأساً!

وذات مرة: رُئي إنسان في المنام بعد سنوات من مماته. فقيل له: كيف حالك؟.

قال: لقد كنت في العذاب وقبل قليل شملني لطف الله سبحانه فنجوت.

ولما سئل عن السبب؟.

قال: لأنني تصرفت في حق بسيط لا يساوي فلساً.

إنه صحيح مائة في المائة، فقد قال سبحانه: ?وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِهَا وَكَفي بِنَا حَاسِبِينَ?()، وقال سبحانه: ?فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ عليهم السلام وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?().

فليحاسب الإنسان نفسه كما ورد في الحديث : ?حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا?()، وإذا كان عليه حق لله سبحانه أو حق لناس فليؤده ولا يماطل حتي في ذرة ونقير وفتيل؛ فإن كل ذلك محاسب عليه كما في القرآن الحكيم.

47 (آيات الإنفاق)

في القرآن الحكيم آيات كثيرة تحث علي الإنفاق بلفظ الإنفاق، كما أن هناك آية ذكر فيها الخمس، وآيات ذكرت فيها الزكاة.

وقال بعض العلماء: إن المراد بالزكاة مطلق أداء

المال إلا إذا كانت هناك قرينة علي الخصوصية، واستدلوا بقوله سبحانه: ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا?() وحملوا علي ذلك قوله عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ?أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة?() أي: المال، فهي شاملة للخمس أيضاً؛ لأنه يسبب التزكية والطهارة.

كما أن في القرآن آيات أخري تحث علي الإنفاق بألفاظ أخري مثل قوله سبحانه: ?وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ? لِلسَّائِلِ

وَالْمَحْرُومِ?()، و ?وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ?()، إلي غيرها وغيرها.

ولنذكر جملة من الآيات:

قال سبحانه: ?وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبي وَالْيَتَامي وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل?().

?وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ?().

?وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ?().

?الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذيً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ?().

?وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً?().

?وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ?().

?الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ? يَوْمَ يُحْمي عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوي بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ?().

?الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً?().

إلي غيرها وغيرها.

وفي بعض الآيات الكريمة عبر عن تلك بالجهاد، قال تعالي: ?لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ?().

?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ?().

?انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ?().

فهل نحن مجاهدون؟.

إن الثري إذا أعطي خمسين بالمائة أو أكثر من ماله سمي مجاهداً بماله، أما إذا دفع دون ذلك كالخمس فإنما دفع الحق المفروض.

وفي بعض الآيات وجوب تحريض الناس علي الإنفاق، قال سبحانه: ?وَلاَ يَحُضُّ عَلَي طَعَامِ الْمِسْكِينِ?()..

فهل نحن مؤمنون بهذه الآيات؟!

48 (روايات الأنفاق)

هنالك أحاديث كثيرة تشجع الناس علي الإنفاق والإعطاء والوقف والضيافة

والهبة وغيرها، وفي بعض الأحاديث: ?إن الصدقة تدفع البلاء، وتوجب زيادة الرزق، وأنها تدفع الموت، وتدفع ميتة السوء?().

وقد أخبر عيسي بن مريم عليه السلام بموت حطّاب، ثم لم يمت في الوقت الذي حدده عيسي عليه السلام، فسأله الحواريون عن سبب عدم موته؟.

فقال: ?اسألوه ماذا صنع?.

فسألوه فقال: أنفقت طعامي.

فقال عليه السلام: ?فتشوه?.

فلما فتشوا حطبه الذي كان قد احتطبه رُؤي في الحطب ثعبان كبير!. فقال عيسي: ?إن الصدقة هي التي دفعت عنه البلاء?().

وكان أحد الملوك لا ينام إلا وقد تصدق بصدقة، وفي ذات ليلة نسي التصدق، وعندما أراد النوم تذكر، فأمر أن يتصدق بلحافه حيث لم يكن عنده دراهم ودنانير ونام بلحاف آخر، وفي الصباح وجدت تحت وسادته حية عظيمة، فتيقن أنه لولا ذلك التصديق للدغته الحية.

وجزي الله المسلمين السابقين فقد أكثروا من الصدقة، والإنفاق، والوقف، حتي أنهم أوقفوا لكلاب القوافل.

ومن درس أوضاع البلاد الإسلامية بدقة رأي المساجد، والمدارس، والحسينيات، والربط، والخانات، والبساتين، والحوانيت، والدور الموقوفة، بكثرة هائلة.

وفي هذا العصر الذي تفجر النفط في كثير من بلاد الإسلام، لا تري حتي نصف ذلك المقدار من موقوفات جديدة، فهل هذا زهد من المسلمين في الآخرة، أم زهد منهم في الدنيا؟. فإن الدنيا أيضاً تتوقف علي الأوقاف والخيرات.

وبالعكس تري غير المسلمين يوقفون بكثرة هائلة.

ولو كتب إنسان الأحاديث والروايات والقصص في شأن الإنفاق

وما عمله السابقون لاحتاج إلي مجلدات ضخام، فليرغب أثرياؤنا في ثواب الله سبحانه وأجره، وليحفظوا دنياهم بالإنفاق والوقف، وإلا فليحذروا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة والعياذ بالله .

49 (من بركات الإنفاق)

قال لي ابن أخت أحد رؤساء الوزارات في إحدي البلاد الإسلامية: إن رئيس الوزراء كان من أهل الخير والتقوي والفضيلة، وكان قبل نصف قرن من الزمان ثم أنه

توفي.

وذات ليلة رأت أخته (أم الناقل) أخاها في المنام، وهو يغوص في حوض من الماء القذر العفن الأسود فتعجبت أشد العجب، وبعد فترة قصيرة في نفس الليل رأت أخاها وقد خرج من الماء وغسل جسده، ولبس ملابس نظيفة، وجلس في بستان عامر بهيئة رئيس الوزارة. فتقدمت الأخت وسألته عن ما رأت من حالته الأولي والثانية؟.

قال: إنه لم يقبل منه أي عمل عمله من الخير؛ لأن سيئاته قد أحبطت خيراته، بالإضافة إلي ما كانت تلك الخيرات بالأموال المشتبهة أو المحرمة، وإنما قبل منه شيء واحد، وهو أنه رأي ذات يوم امرأة وأولادها علي الرصيف يرتجفون من البرد حيث كان الهواء غاية في البرودة، فأمر أن يذهبوا بهم إلي الحمام، ويخلعوا عليهم الألبسة الفاخرة، ووهب لهم أفضل بساتينه جمالاً وثمناً، فقال رئيس الوزراء الميت: وما ترينه هو ذلك البستان الذي وهبته لهم، وفي كل أسبوع يخرجونني مرة من حوض القذارة الذي هو جزاء أعمالي ويسكنونني في هذا البستان.

وقد روي مثل هذه الرؤيا في بعض الجهات العلامة الحلي() (رضوان الله عليه) بالنسبة للمرأة العلوية التي آواها رجل مجوسي بعد أن طردها رجل مسلم، والقصة مذكورة في البحار().

كما ورد: أن أبا لهب لا يحترق بالنار في كل سنة يوم ميلاد النبي صلي الله عليه و اله؛ لأنه أعتق جاريته التي بشرته بولادة محمد صلي الله عليه و اله!.

وموضع العبرة من القصة السابقة: إن الإنسان يجب أن لا يغتر بإنفاقاته الكثيرة، فلعلها كلها لم تقبل لخلل فيها، فإذا سنح له مشروع أو جاء فقير أو ما أشبه بذل له، فلعله يكون مقبولاً ويثاب علي هذا، وفي الحديث ما مضمونه: ?لا تحقر أحداً من خلق الله فلعله من أولياء الله، ولاتستصغر

شيئاً من معاصي الله فلعل فيها سخط الله، ولا تستصغر شيئاً من طاعة الله فلعل فيها رضا الله سبحانه?().

يقول الشاعر في نظير موضوعنا :

أرسلت سهام الأدعية إلي كل ناحية لعل إحداها يصيب الهدف().

50 (الأسوة الحسنة)

كان رسول الله صلي الله عليه و اله ينفق كل ما استطاع إنفاقه، ويعد ما لا يقدر عليه، حتي مات وهو مديون، وقد كانت الأموال تأتيه كالسيل.

وكان علي عليه السلام ينفق كل ما يجد وكان لا يدع لنفسه حتي مقدار الأكل اليومي، وهو يقول: ?يا بيضاء ويا صفراء غري غيري?()، ولما استشهد كان مديوناً بسبعمائة ألف أوصي بأن يوفيها الإمام الحسن عليه السلام.

وكانت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) تنفق كل ما استطاعت إنفاقه، حتي إن عباءتها كانت مرقعة بالليف.

وكان الإمام الحسن عليه السلام يلقب ب (كريم أهل البيت عليهم السلام)، وكان مضيافاً معطاءً يبذل بغير حساب، ويروي: إنه قسم أمواله نصفين أكثر من مرة فبذل النصف في سبيل الله وأبقي لنفسه النصف().

وكان الإمام الحسين عليه السلام ينفق ما يجد، وكان يعتذر بعد أن يعطي أربعة آلاف لفقير بقوله: ?خذها فإني إليك لمعتذر?().

وكذلك كان الأئمة الطاهرون عليهم السلام في قصص مذكورة في كتب الفضائل، وقد أوقف الرسول صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهم الصلاة والسلام) كما في الروايات، وهي مذكورة في الوسائل() والمستدرك() والبحار().

ومن اللازم أن نقتدي نحن بهؤلاء الصفوة الكرام في الإنفاق والبذل، ويجب أن ننتهز فرصة المال، وفرصة القدرة، وفرصة الحياة، وسيأتي يوم لا نقدر حتي علي إعطاء فقير، أو زيادة فتيل، وقد وردت أحاديث كثيرة في المواساة والإيثار()، وفي القرآن الحكيم: ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ?().

ويلزم علي الإنسان أن

لا يؤخر الأمر إلي غد.. وبعد غد، فلعل المنية توافيه بدون إخبار أو سابق إنذار، أو لم يقدر غداً علي ما يقدر عليه اليوم؟.

كان أحد أصدقائي التجار أحرّضه علي بناء مشروع في كربلاء، وكان يؤخر الأمر ويؤخر، فمرض وصار جليس الدار، واستولي أولاده علي المال فلم يقدر علي شيء، وكان يتحسر أن فوت الأيام بالإهمال، حتي لم يكن يقدر علي شيء، لكن في المثل: (ندم فلان ولم ينفعه الندم)().

51 (لا ندم من الإنفاق)

هل رأيتم إنساناً ندم من الإنفاق؟.

أو رأيتم إنساناً افتقر من العطاء؟.

أو رأيتم من خسر أو كسب سمعة سيئة منهما؟.

كلا، بل الأمر بالعكس.

ولكن قد رأيتم قطعاً أناساً ندموا من ترك الإنفاق، وأناساً افتقروا بعد أن منعوا حق الله وجمعوا المال خوفاً من المستقبل، وأناساً خسروا.. وآخرين كسبوا السمعة السيئة حينما لم ينفقوا وكرههم الناس. ألا يكفي ذلك تنبيهاً؟.

الدنيا دار غير وعبر، ومن غنمها كان عاقلاً، ومن ترك نفسه وشهواتها حتي تعقبه السوء كان أحمقاً، فهل يرضي الإنسان أن يكون من الحمقي؟.

خاتمة

إني في هذا الكتاب كسائر كتبي التي أكتبها للجماهير أختار الأسلوب البسيط، وأجعل الكتاب كالتكلم في التفاهم والسلاسة حتي ينفذ إلي الأعماق، ولعل الله ينفع به، ولا آلو جهداً في تنعيم الكلام واجتناب الزاوية الحادة. وإن استثقله إنسان فليعلم أنه لم يكن في ما ذكرته قصد الاستفزاز، بل قصد الإرشاد والهداية، لعل الله يهدي به أناساً فيعلمون، ليجعلوا من التخلف تقدماً، ومن الانحطاط ارتفاعاً، قال الشاعر:

إني أقوم بشرائط التبليغ

وأنت ما تختار من التقبل أو التكاسل()

وقد شجعني علي هذا الأسلوب أسلوب الكلام الهادئ الإقبال المنقطع النظير الذي لاقيته علي كتبي التي أكتبها للجماهير، بالإضافة إلي ما ذكر في علم النفس من ضرورة تحريك الجماهير بلغتهم، وقد اقتطفت من هذا الأسلوب سواء في البيان أو القلم ثماراً طيبة.

والله سبحانه أسأل أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بسائر الكتب، كما أرجو المطالعين لهذا الكتاب أن يفكروا في الأمر ملياً حاضرهم ومستقبلهم، ليروا هل ينبغي لهم أن يمسكوا أو ينبغي لهم أن يؤدوا؟.

وفي المثل: (رحم الله من فك كفه وكف فكه).

قالوا: وحينما سمعه بعض أهل المعني، قال: اقلب العبارة: (كف كفه وفك فكه) وضع يدك علي من شئت.

وقد اقتصرت

في الكتاب علي نزر يسير، وإلا فالموضوع طويل.. طويل.. جداً.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، والله الموفق لصوب الصواب، وهو المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين.

كربلاء المقدسة

محمد

پي نوشتها

() كتاب العهد القديم والجديد: ج2 ص41 متي21: 22، ص79 مرقس17: 12، ص134 لوقا25: 20 مجمع الكنائس الشرقية، الطبعة الثانية، بيروت لبنان.

() الكافي: ج2 ص164 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم ح5.

() بحار الأنوار: ج44 ص382 ب37.

() راجع مستدرك الوسائل: ج7 ص46 ب16 ح7616.

() راجع بحار الأنوار: ج19 ص63 ب6 ح18، شرح نهج البلاغة: ج1 ص141 باب لزوم ما لا يلزم وإيراد أمثلة منه.

() سورة محمد: 38.

() وأصل المثل بالفارسية:

بلا نديده دعا را شروع بايد كرد علاج واقعة قبل از وقوع بايد كرد

() من توابع روسيا.

() ولد في مدينة الرمادي عام 1921م، كان من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، اشترك مع? ?عبد الكريم قاسم عام 1958م في الإطاحة بالنظام الملكي، وبعد اختلافه مع قاسم أقصي من مناصبه، ثم عين سفيراً في العاصمة الألمانية. ألقي القبض عليه وأودع السجن، وصدر حكم الإعدام بحقه، ولكن عفا عنه عبد الكريم قاسم بعد أن أمضي أكثر من سنتين في السجن. أصبح رئيساً للجمهورية بعد الإطاحة بنظام قاسم في 14 رمضان 1382ه / 8 شباط عام 1963م، فمنح نفسه رتبة مشير. اتسم حكمه: بالكبت والإرهاب والعنصرية والطائفية، وأهتم بتعيين الأقارب وإسناد المناصب إلي أبناء العشيرة والبلدة بغض النظر عن المؤهلات والكفاءات. اشتهر بالتعصب المذهبي، يقول الدكتور سعيد السامرائي عن عبد السلام ما نصه: كان هذا الرجل لا يتحمل رؤية الشيعي، حتي أنه قطع زيارته لشركة التأمين الوطنية يوماً

لأنه وجد أن مدراءها ورؤساء أقسامها وشُعبها هم إما من الشيعة أو المسيحيين. انقلب علي رفاقه البعثيين في عام 1963م، فأقصاهم من وزارته، وأصدر كتاباً ضدهم تحت عنوان: (المنحرفون)، ووصمهم بكل قبيح من قبيل الشذوذ الجنسي والسرقة وما إلي ذلك. قُتل مع عدد من الوزراء في 14 نيسان عام 1966م، إثر سقوط طائرته قرب البصرة.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص334 باب ميراث أهل الملل ح5719.

() سورة الأنبياء: 13.

() راجع بحار الأنوار: ج19 ص63 ب6 ح18، شرح نهج البلاغة: ج1 ص141 باب لزوم ما لا يلزم وإيراد أمثلة منه.

() سورة القصص: 77.

() الكافي: ج5 ص71 باب الاستعانة بالدنيا علي الآخرة ح1، وفيه: قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

?نعم العون علي تقوي الله الغني?.

() سورة الأنفال: 28، سورة التغابن: 15.

() نهج البلاغة، الخطب: رقم 203 ومن كلام له عليه السلام في التزهيد من الدنيا والترغيب في الآخرة.

() من علماء القرن السادس الهجري، ولد رحمة الله عليه في مدينة الحلة التي كانت مركزاً للتشيع والتفقه لقرون متمادية. وهو جد السيد رضي الدين بن طاووس رحمة الله عليه لأمه، ويصل نسبه إلي قبيلة بني حمدان ومن نسل مالك الأشتر النخعي. والده من كبار علماء الدين ومن الفقهاء الأجلاء. أخوه مجير الدين جعفر بن أبي فراس من العلماء والفقهاء المعروفين. وأما زوجته فهي من أحفاد الشيخ الطوسي رحمة الله عليه. كان الشيخ ? ذا مقام علمي ومعنوي رفيع، وكان أميراً زاهداً وفقيهاً فاضلاً، وكان من أمراء الجيش تبعاً لأسرته التي كانت علي مدي عدة أجيال من العسكريين وقادة الجيش ولكنه ترك جميع المناصب وسلك طريق الزهد وأصبح من كبار الزهاد والعباد. درس ? علي يد مجموعة من

العلماء منهم: السيد أبو الحسن العريفي العلوي، وسديد الدين محمود الحمصي. كما تخرج علي يديه جملة من العلماء مثل محمد بن جعفر المعروف بابن المشهدي. وأما مؤلفاته فهي عديدة منها: تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورام،مسألة في المواسعة والمضايقة وغيرها. توفي الشيخ ورام رحمة الله عليه في شهر محرم الحرام سنة 605 للهجرة في مدينة الحلة ودفن جسده الشريف هناك.

() أو ما يعرف بكتاب (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر) لمؤلفه ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري من نسل مالك الأشتر النخعي، وهو في الأخلاق والآداب والمواعظ. ومؤلفه عالم بارع مهذب وهو جد السيد ابن طاووس ? من الأم.

قام المؤلف بدرج الروايات بعد حذف سندها للاختصار، وقد ذكر في كثير من الموارد أيضاً? ?شخصاً أو شخصين من رواة سلسلة السند. والكتاب يتألف من جزأين في مجلد واحد، وتدور عناوين الجزء الأول حول: الحكم والمواعظ، آداب المعاشرة، الصفات الحسنة وكيفية التحلي بها، الصفات الرذيلة وكيفية التخلص منها، الحب في الله والبغض في الله، محاسبة النفس، طول الأمل، الموت والبرزخ والقيامة. وأما الجزء الثاني من الكتاب فيحوي بحوثاً متفرقة حول: مواعظ ووصايا النبي صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام والأنبياء السابقين عليهم السلام، خطب النبي صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام ومناجاتهم، الكلمات القصار، صفات المؤمن، مناظرات خواص الشيعة مثل حجر بن عدي مع معاوية و …، كلمات كبار أهل الدين وأصحاب الأئمة عليهم السلام مثل: أبي ذر وسلمان والمقداد والشيخ المفيد والفضيل بن عياض. قام السيد صادق التوشخانكي من علماء القرن الرابع عشر الهجري بترجمة الكتاب إلي اللغة الفارسية.

() السيد رضي الدين علي بن موسي بن جعفر بن طاووس من أحفاد الإمام الحسن

المجتبي والإمام السجاد عليهما السلام، ولد ? في 15 محرم سنة 589 ه في مدينة الحلة، وكان جده السابع محمد بن إسحاق من سادات المدينة الكبار وقد لقب بطاووس لجماله، كما كان أبو ه موسي بن جعفر من الرواة الكبار. وأما أمه فهي بنت ورام بن أبي فراس صاحب (مجموعة ورام) من أكابر علماء الإمامية، وأما جدته لأبيه فهي من أحفاد الشيخ الطوسي رحمة الله عليه، ولهذا نري السيد يقول أحياناً: جدي ورام بن أبي فراس، ويقول أحياناً أخري: جدي الشيخ الطوسي، والذي هو في الحقيقة جده الأكبر. درس السيد ? في مدينة الحلة عند أبيه وجده ورام بن أبي فراس المقدمات، كما حضر عند أكابر علماء عصره ومنهم: ابن نما الحلي، فخار بن معد الموسوي وغيرهم. ودرس علي يديه جملة من العلماء منهم: سديد الدين الحلي والد العلامة الحلي، العلامة الحلي، الحسن بن داود الحلي، عبد الكريم بن أحمد بن طاوس (ابن أخيه)، علي بن عيسي الإربلي. تميز السيد ? بإدراك قوي وذكاء متوقد فاستطاع أن يتفوق علي زملائه خلال مدة قصيرة. درس الفقه لسنتين ونصف ثم استغني عن الأستاذ فقرأ بقية الكتب الفقهية في عصره لوحده. حظي السيد ? باحترام خاص بين علماء زمانه وعامة الناس لزهده وتقواه وعلمه، كما كان أديباً بارعاً وشاعراً مقتدراً. سافر ? إلي مدينة الكاظمية ثم تزوج واستقر في بغداد، وقد قام خلال 15عاماً في مدينة بغداد بتدريس العلوم المختلفة، وكان مجيئه إلي بغداد سنة 625 ه. ثم رجع إلي مسقط رأسه في مدينة الحلة، كما أقام ? ثلاث سنوات أيضاً بجوار مرقد الإمام الرضا عليه السلام ثم هاجر إلي النجف وكربلاء وأقام في كل منهما ثلاث سنين.

?

?وأما مؤلفاته فله ما يقرب من 50 مؤلفاً أكثرها في موضوع الأدعية والزيارات ومنها: المهمات والتتمات، وهي عشرة مجلدات طبع كل واحد منها تحت عنوان مستقل: فلاح السائل، زهرة الربيع، جمال الأسبوع، إقبال الأعمال. ومنها: كشف المحجة لثمرة المهجة. ومصباح الزائر وجناح المسافر.و الملهوف علي قتلي الطفوف. ومهج الدعوات ومنهج العنايات، وغيرها.

توفي ? سنة 664 ه في بغداد ونقل جثمانه الطاهر إلي النجف الأشرف ودفن في حرم أمير المؤمنين عليه السلام.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتي عَلَي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ? سورة الزمر: 56.

() سورة النساء: 10.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج2 ص41 باب الخمس ح1650.

() سورة الحديد: 7.

() من أشعار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

() سورة الطور: 21.

() من شعر للإمام علي الهادي عليه السلام يعظ به المتوكل العباسي في قصة معروفة. راجع بحار الأنوار: ج50ص211212 ب4 ضمن ح25.

والأبيات هي:

باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم أين الأساور والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود تقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلا

() راجع البداية والنهاية: ج10ص236، والشاعر هو أبو العتاهية.

() راجع الكافي: ج2 ص523 باب القول عند الإصباح والإمساء ح8.

() راجع تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص276 بيان السبب في طول الأمل وعلاجه.

() سورة المؤمنون: 99-100.

() للشاعر يزيد بن الحكم الثقفي.

() وتعني: ذو الروح الخالدة، من ملوك الأسرة الساسانية، ملك فارس للفترة 531 - 579م. وسع

رقعة الإمبراطورية الفارسية، فامتدت حتي البحر الأسود وجبال القوقاز. أعاد تنظيم الحكومة والجيش. وبعد مضي اثنتين وأربعين سنة من ملكه كانت ولادة نبينا محمد صلي الله عليه و اله، فارتجس إيوانه فسقطت منه أربع عشرة شرفة.

() من أشعار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

() سورة الدخان: 25- 28.

() راجع بحار الأنوار: ج32 ص422-423 ب11 ضمن ح387.

() سورة الشعراء: 88-89.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم 335.

() أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر العجلي نسبة إلي بني عجل، وقيل: التميمي. ولد ببلخ في حدود سنة 100 للهجرة. اشتهر بالزهد والعبادة وكان من الأشراف ومن أبناء الملوك، فقد كان أبوه من أهل الغني في بلخ كثير المال والخدم والمراكب. كان في بداية أمره لاهياً ثم تاب وتنسك فسكن البادية وترك الإمارة، ثم تفقه ورحل إلي بغداد، وجال في العراق والشام والحجاز. صحب الثوري والفضيل بن عياض كما أخذ عن كثير من علماء الأقطار الثلاثة. ترك التزويج فقيل له: لو تزوجت؟. قال: لو أمكنني أن أطلق نفسي لفعلت. كان يعيش من العمل بالحصاد وحفظ البساتين والحمل والطحن ويشترك مع الغزاة في قتال الروم. جاءه خبر وفاة أبيه وأنه خلف له مالاً عظيماً فلم يعبأ بمال أبيه. أخباره كثيرة وفيها اضطراب واختلاف. توفي سنة 162 للهجرة ودفن في سوفنن حصن من بلاد الروم.

() راجع مستدرك الوسائل: ج12 ص230 ب15 ح13960.

() سورة الروم: 43، سورة الشوري: 47.

() راجع بحار الأنوار: ج7 ص128-129 ب6 ح11.

() راجع مستدرك الوسائل: ج13 ص404- 405 ب14 ح15735.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم 297. وفيه: ?أقل الاعتبار?.

() مصلح الدين أبو محمد عبد الله بن مشرف بن مصلح بن مشرف،

المعروف بالشيخ سعدي الشيرازي الشاعر الفارسي المشهور، ولد بشيراز في أوائل العشر الأول من القرن السابع الهجري، أقام ببغداد وتفقه بالمدرسة النظامية وعين معيداً بها. يقال: إنه كان ابن أخت العلامة القطب الشيرازي، وكان مريداً للشيخ عبد القادر الجيلاني. كان كثير الأسفار، فقد سافر إلي الشام وأرض الروم ثم رجع إلي شيراز، وقد التقي بالكثير من المشايخ. من آثاره باللغة الفارسية: (البستان) و(كلستان) و(الديوان) وقد نقلت إلي عدة لغات، وله ديوان شعر صغير باللغة العربية. توفي بشيراز عام 690 ه وقبره يعتبر مزاراً، ويري العديد من المحققين أنه استبصر وأصبح من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

() وأصل الشعر بالفارسية:

برك عيشي به كور خويش فرست

كس نيارد ز بس تو بيش فرست

() راجع تهذيب الأحكام: ج4 ص153 ب40 ح7. وفيه عن معمر بن يحيي أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: ?لا يسأل الله عزوجل عبداً عن صلاة بعد الفريضة، ولا عن صدقة بعد الزكاة، ولا عن صوم بعد شهر رمضان?.

() سورة الشعراء: 88 89.

() راجع شرح نهج البلاغة: ج4 ص13 14 من أخبار يوم صفين.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص199 ب7 ح13874.

() سورة الحج: 18.

() نهج البلاغة، الخطب: رقم 27 ومن خطبة له عليه السلام وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا.

() راجع وسائل الشيعة: ج7 ص391 ب44 ح9663.

() سورة التوبة: 38.

() سورة الأحقاف: 35.

() سورة المؤمنون: 113.

() آية الله العظمي السيد مهدي بن الميرزا حبيب الله بن السيد آقا بزرك بن السيد ميرزا محمود بن السيد إسماعيل الحسيني الشيرازي، من مشاهير الفقهاء المجتهدين ومراجع التقليد في زمانه. ولد في كربلاء المقدسة سنة 1304ه، ودرس علي أساتذتها مقدمات العلوم، ثم

سافر إلي سامراء فاشتغل فيها بالبحث والتحقيق والتدريس لفترة طويلة، ثم توجه إلي مدينة الكاظمية المقدسة وبقي فيها ما يقرب من سنتين، عاد بعدها إلي كربلاء المقدسة، وبقي فيها فترة من الزمن مواصلاً الدرس والبحث إلي أن انتقل إلي النجف الأشرف، وأقام بها ما يقرب من عشرين عاماً. درس الخارج علي أيدي كبار العلماء والمراجع في عصره أمثال: السيد الميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي، والميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي، والعلامة الآغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب (العروة الوثقي) وغيرهم. كان رحمة الله عليه يحضر في كربلاء المقدسة بحثاً علمياً عميقاً يسمي ببحث ال (كمباني) تحت رعاية المرحوم السيد الحاج آغا حسين القمي، وكان البحث يضم جمعاً من أكابر ومشاهير المجتهدين في كربلاء المقدسة. بعد وفاة السيد القمي سنة 1366ه استقل بالبحث والتدريس، واضطلع بمسؤولية التقليد والمرجعية الدينية، ورجع الناس إليه في أمر التقليد. في عهد حكومة عبد الكريم قاسم في العراق، وفي أثناء فترة تنامي المد الشيوعي، بادر إلي استنهاض همم مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف؛ لاتخاذ موقف جماعي قوي إزاء الخطر الإلحادي علي العراق، فالتقي بالمرجع الكبير السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه وأصدر الأخير فتواه الشهيرة بتكفير الشيوعية. توفي ? في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة 1380ه، وشيع جثمانه في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء مثله، ودفن في مقبرة العالم المجاهد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي في صحن الروضة الحسينية الشريفة، وأقيمت علي روحه الطاهرة مجالس الفاتحة والتأبين بمشاركة مختلف الفئات والطبقات واستمرت لعدة أشهر. من مؤلفاته المطبوعة: ذخيرة العباد، الوجيزة، ذخيرة الصلحاء، تعليقة العروة الوثقي، تعليقة الوسيلة، بداية الأحكام، مناسك الحج، 7: أعمال

مكة والمدينة، ديوان شعر.

() سورة النساء: 37، سورة الحديد: 24.

() راجع تهذيب الأحكام: ج4 ص122 ب35 ح5.

() راجع الكافي: ج1 ص548 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ح25.

() راجع البداية النهاية: ج11 ص253.

() للشاعر أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومي المعروف بالببغاء.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم 415.

() من أشعار منسوبة للإمام الحسين عليه السلام، وقريب منها للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

() راجع الكافي: ج6 ص284 باب أن الضيف يأتي رزقه معه ح2. وفيه: عن أبي الحسن الأول عليه السلام، قال: ?إنما تنزل المعونة علي القوم علي قدر مئونتهم وإن الضيف لينزل بالقوم فينزل رزقه معه في حجره?.

() راجع وسائل الشيعة: ج24 ص304 - 305 ب30 ح30616. وفيه: عن حسين بن نعيم الصحاف، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?أ تحب إخوانك يا حسين؟?. قلت: نعم. قال: ?وتنفع فقراءهم؟?. قلت: نعم. قال: ?أما إنه يحق عليك أن تحب من يحب الله، أما إنك لا تنفع ? ?منهم أحداً حتي تحبه، أ تدعوهم إلي منزلك؟?. قلت: ما آكل إلا ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقل والأكثر. فقال أبو عبد الله عليه السلام: ?أما إن فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم?. فقلت: جعلت فداك، أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم عليَّ أعظم؟! قال: ?نعم، إنهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك?.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج2 ص9-10 باب ما جاء في مانع الزكاة ح1583 و1585

و1587.

() بحار الأنوار: ج72 ص38 ب35 ضمن ح36.

() سورة الصافات: 24.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ? لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ?، سورة المعارج: 24 25.

() راجع الكافي:

ج1 ص546 547 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ح20.

() سورة الفرقان: 67.

() فرهاد ميرزا بن عباس ميرزا بن فتح علي شاه القاجاري الملقب بمعتمد الدولة. كان من فحول فضلاء الدورة القاجارية، معروفاً بسعة التتبع والاستحضار خصوصاً في فني التاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية. وله عدة مؤلفات باللغة الفارسية منها: كتاب جام جم في تاريخ الملوك والعالم، وكتاب القمقام الزخار والصمصام البتار في المقتل، وكتاب الزنبيل يجري مجري الكشكول، وشرح خلاصة الحساب بالفارسية، وهداية السبيل وكفاية الدليل رحلة زيارته بيت الله الحرام. ومن أعظم آثاره تعمير صحن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام وتذهيب رؤوس منائره الأربع كما هو المشاهد الآن، وقد استغرق التعمير مدة ست سنين، وكان الفراغ من تعميره سنة 1299 ه. توفي رحمة الله عليه في طهران سنة 1305 ه وحمل نعشه إلي الكاظميين عليهما السلام، ودفن في مقبرته التي أعدها في الصحن الكاظمي الشريف علي بابه الشرقي، وفتح له الباب المعروف بالفرهادي.

() عملة نقدية متداولة في إيران.

() وُلد جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الأسدي الحلي في سنة 757ه. يعتبر من أكابر فقهاء وعلماء الإمامية في القرن التاسع الهجري، فقد كان متبحراً في البحث وبارعاً في المناظرة وله قدرة كبيرة في ذلك، وقد حاور البعض من أهل السنة وخصوصاً في مسألة الإمامة والخلافة فتغلب عليهم، ولهذا فقد أعلن والي العراق آنذاك تشيعه وعدوله عن مذهبه بعدما أذعن لأدلة ابن فهد المتينة، وخطب باسم أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة المعصومين عليهم السلام. درس علي يد العديد من العلماء ومنهم: الفاضل المقداد السيوري، والشيخ علي بن الخازن الفقيه، والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي، وعلي بن هلال الجزائري، وابن متوج البحراني، ?

?وعلي بن محمد بن مكي ابن الشهيد الأول. كما تتلمذ علي يديه العديد من العلماء، ومنهم: الشيخ علي بن هلال الجزائري، والفقيه الشيعي المعروف بابن العشرة الكرواني العاملي، والشيخ علي بن عبد العالي الكركي، والشيخ عبد السميع الحلي صاحب كتاب تحفة الطالبين في أصول الدين، والسيد محمد بن فلاح الموسوي، والشيخ محمد بن طي العاملي، مؤلف كتاب مسائل ابن طي. ألف كتباً مهمة كثيرة، فمنها: آداب الداعي، الأدعية والختوم، استخراج الحوادث وبعض الوقائع المستقبلية من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، أسرار الصلاة، تاريخ الأئمة عليهم السلام، التحرير في الفقه، التحصين في صفات العارفين. توفي رحمة الله عليه سنة 841ه في كربلاء المقدسة، وكان عمره خمساً وثمانين سنة، وقبره الآن مزار معروف وله قبة في شارع القبلة لا يبعد عن الصحن الحسيني الشريف إلا قليلاً وبجانب مزاره الشريف حوزة كربلاء المقدسة والتي يرعاها المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي ?.

() بحار الأنوار: ج70 ص22 ب122.

() راجع نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم122.

() راجع الجعفريات: ص199 باب ذكر الموت.

() آية الله العظمي السيد محمد حسن الشيرازي المشهور بالمجدد، ولد في 15 جمادي الأولي 1230ه في مدينة شيراز. هاجر إلي النجف الأشرف سنة 1259ه ثم إلي سامراء 1291ه. درس علي يد جملة من العلماء أمثال: السيد حسن المدرس، والمحقق الكلباسي، وصاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري. آلت إليه المرجعية سنة 1281ه بعد وفاة الشيخ الأنصاري. قارع الاستعمار البريطاني في إيران، وقاد ثورة التنباك (التبغ) ضده حيث أصدر فتوي بتحريم استعمال التنباك مما تسبب في خروج البريطانيين من إيران، كما وقف بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان حيث أخذ يقتل الشيعة هناك قتلاً جماعياً وعمل المنائر

من رؤوس القتلي في كل مكان. له عدة مؤلفات ما بين مطبوع ومخطوط منها: تحريرات في الأصول مخطوط، تحريرات في الفقه مخطوط، كتاب الطهارة مخطوط، كتاب الصلاة مخطوط، رسالة الاجتماع في الأمر والنهي مخطوط، كراريس فيها السؤالات بخط سماحته مخطوط، حاشية علي نجاة العباد مطبوع، رسائل عملية أخري مطبوع. لم يكن ? يرغب بنشر كتبه ومؤلفاته استحقاراً منه لها، كما ذكره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني ? في كتاب (هدية الرازي إلي الإمام المجدد الشيرازي). توفي ? عام 1312ه.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج3 ص182 باب الدين والقرض ح3683.

() السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن السيد عبد الحميد الموسوي الأصفهاني النجفي. ولد سنة 1284ه في بعض قري أصفهان، قرأ المقدمات في محل ولادته ثم هاجر إلي العراق، وكان وروده إلي النجف الأشرف أواخر القرن الثالث عشر. أقام في كربلاء المقدسة مدة ثم درس علي يد كل من: الميرزا حبيب الله الرشتي، الشيخ ملا محمد كاظم الآخوند الخراساني، كما درس علي يديه تلامذة كثيرين. ولما توفي المرجع الكبير السيد محمد كاظم اليزدي عام 1337 اجتمع أهل الفضل والعلماء علي ترشيح السيد الأصفهاني للزعامة الدينية فتصدي للمرجعية بكل كفاءة، وبعد وفاة الشيخ أحمد كاشف الغطاء رحمة الله عليه والشيخ الميرزا حسين النائيني رحمة الله عليه تهيأ له الظهور بالمرجعية العامة. وقد فُجع بقتل ولده الفاضل السيد حسن في الصحن الشريف سنة 1349ه وكان يصلي خلف أبيه جماعة. من مؤلفاته: وسيلة النجاة، وحاشية علي العروة الوثقي، وله شرح علي كفاية الأصول وعدة رسائل عملية. توفي رحمة الله عليه في ذي الحجة عام 1365ه في مدينة الكاظمية ونقل جثمانه إلي النجف ودفن في الصحن الغروي الشريف.

() آية

الله السيد حسين بن السيد محمود القمي. فقيه أصولي ومن مراجع التقليد الأفذاذ، ولد في قم المقدسة عام 1282ه، ودرس فيها مقدمات العلوم، ثم هاجر إلي العراق فحضر أبحاث كبار العلماء منهم: السيد المجدد الشيرازي، والميرزا حبيب الله الرشتي، والمولي علي النهاوندي، والشيخ محمد كاظم الخراساني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي?

?الشيرازي، فحاز علي درجة سامية من العلم والاجتهاد. كان معروفاً بالصلاح والتقي والنسك والزهد وكثرة العبادة. في سنة 1331 سكن المشهد الرضوي الشريف، فصار من أكبر مراجع التقليد في إيران، وعندما أصدر رضا خان بهلوي قانون السفور ومنع الحجاب، تحرك السيد رحمة الله عليه إلي طهران للوقوف ضد هذا القانون، ولكن تم اعتقاله ونفيه إلي العراق، فسكن كربلاء المقدسة والتف العلماء حوله وصار من كبار مراجع التقليد. ولما توفي السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه عام 1365 ه، رشح السيد القمي للمرجعية، إلا أن الأجل لم يمهله حيث توفي يوم الأربعاء 14 ربيع الأول 1366 ه في بغداد أثناء إجراء عملية جراحية له وعمره آنذاك 84 عاماً. نقل جثمانه إلي النجف الأشرف ودفن في الصحن العلوي الشريف. من مؤلفاته: رسالة مختصرة الأحكام، حاشية الرسالة الرضاعية، حاشية رسالة صحة المعاملات، حاشية الرسالة الربانية، وحاشية مجمع المسائل.

() راجع غوالي اللآلئ: ج1 ص354 المسلك الثاني ح22. وفيه: قال الإمام الصادق عليه السلام:

?أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإنه في ظل صدقته?.

() راجع الكافي: ج2 ص101 102 باب حسن الخلق ح14. وفيه: عن العلاء بن كامل، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?إذا خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً من الناس إلا كانت يدك العليا عليه فافعل؛ فإن العبد يكون فيه بعض

التقصير من العبادة ويكون له حسن خلق، فيبلغه الله بحسن خلقه درجة الصائم القائم?.

() راجع مصباح الشريعة: ص84 ب37.

() راجع مستدرك الوسائل: ج7 ص266 ب49 ح8204.

() سورة التوبة: 104.

() سورة البقرة: 245، سورة الحديد: 11.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: رقم 258.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج1 ص142 باب غسل الميت ح396. وفيه: قال الإمام الصادق عليه السلام: ?لا تدعن ميتك وحده؛ فإن الشيطان يعبث به في جوفه?.

() راجع المناقب لابن شهر آشوب: ج2 ص97 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

() سورة البقرة: 267.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ? سورة المعارج: 4.

() سورة آل عمران: 92.

() سورة البقرة: 93.

()

كرم داران عالم را درم نيست

درم داران عالم را كرم نيست

() نهج البلاغة، الخطب: رقم 127 ومن كلام له عليه السلام وفيه يبين بعض أحكام الدين، ويكشف للخوارج الشبهة وينقض حكم الحكمين.

() هذه إشارة إلي فكرة (شوري الفقهاء المراجع) التي أكد عليها وبلورها الإمام الشيرازي رحمة الله عليه في سائر كتبه.

() راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص183- 185 ب5 ح12789و12693و12694.

() الحر بن يزيد الرياحي من بني رياح بن يربوع، من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، استشهد يوم الطف في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام وقصته معروفة، وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية.

() جاء في الحديث الشريف عن النبي صلي الله عليه و اله، أنه قال: ?من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء?. مستدرك الوسائل: ج12 ص230 ب15 ح13962.

() جاء في الحديث الشريف عن النبي صلي الله عليه و اله، أنه قال: ?إذا مات الإنسان انقطع عمله

إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له?. روضة الواعظين: ج1 ص11 باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها.

() راجع وسائل الشيعة: ج5 ص204 ب8 ح6336.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص235 باب فضل المساجد وحرمتها وثواب من صلي فيها ح703. وفيه: قال أبو جعفر عليه السلام: ?من بني مسجداً كمفحص قطاة بني الله له بيتاً في الجنة?.

() سورة التوبة: 34-35.

() من الأشعار المنسوبة للإمام الحسين عليه السلام، وفي المصادر هكذا ورد عجز البيت: ?فما بال متروك به الحر يبخل?. راجع المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص95 فصل في مقتله عليه السلام.

() راجع تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص128 باب ذم الدنيا.

() شاعر وداعية إيراني ولد عام 394 ه، حج عام 436 ه إلي مكة ثم زار فلسطين وسوريا فمصر، حيث تبني الدعوة الفاطمية وعمل علي نشرها، من آثاره كتاب (جامع الحكمتين) وقد حاول فيه التوفيق بين المعتقدات الإسماعيلية والفلسفة اليونانية، وكتاب (سفرنامه) وقد وصف فيه رحلته إلي فلسطين وسوريا، توفي عام 467ه.

() وأصل الأبيات بالفارسية:

ناصر خسرو به راهي ميكشت مست

ولا يعقل، نه جون مي خواره كان

ديد قبرستان ومبرز در رو به رو

كفت: هان يا بينيد أي نظاره كان

نعمت دنيا ونعمت خواره بين

اين است نعمت واين است نعمت خواره كان

() عبد الكريم قاسم محمد بكر الزبيدي، ولد في بغداد عام 1914م. التحق بالكلية العسكرية في 1932م وتدرج في الرتب العسكرية. انتمي لتنظيم الضباط الأحرار عام 1956م. قام بانقلاب عسكري عام 1377ه الرابع عشر من تموز عام 1958م فأطاح بالحكم الملكي بعد أن قتل أغلب أفراد العائلة الملكية بما فيهم الملك فيصل الثاني. أعلن الحكم الجمهوري وشكل مجلس السيادة، وترأس مجلس

الوزراء إضافة إلي وزارة الدفاع بالوكالة لثلاث دورات. ألغي المظاهر الديمقراطية كالبرلمان والتعددية الحزبية ما عدا الحزب الشيوعي. كما ألغي الحكم المدني وأضحت البلاد خالية من الدستور. تعرض خلال فترة حكمه إلي محاولة اغتيال فاشلة. أطيح بنظام حكمه عن طريق انقلاب عسكري دبره عبد السلام عارف مع مجموعة من الضباط البعثيين أمثال: أحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وغيرهم وذلك في يوم الثامن من شباط عام 1963م، ثم اُعدم رمياً بالرصاص في اليوم التالي مع بعض رفاقه في دار الإذاعة ببغداد.

() نهج البلاغة، الرسائل: رقم 47 ومن وصية له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله). وفيه: ?أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوي الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم?.

() الكافي: ج5 ص71 باب الاستعانة بالدنيا علي الآخرة ح1، وفيه: قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

?نعم العون علي تقوي الله الغني?.

() سورة التوبة: 24.

() راجع تهذيب الأحكام: ج4 ص122 ب35 ح5.

() سورة الأنبياء: 47.

() سورة الزلزلة: 7- 8.

() وسائل الشيعة: ج16 ص99 ب96 ح21082.

() سورة مريم: 31.

() الكافي: ج4 ص574 باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام ح1.

() سورة المعارج: 24- 25.

() سورة الحج: 36.

() سورة الأنفال: 41.

() سورة البقرة: 270.

() سورة سبأ: 39.

() سورة البقرة: 262.

() سورة الرعد: 22، سورة فاطر: 29.

() سورة البقرة: 195.

() سورة التوبة: 34- 35.

() سورة البقرة: 274.

() سورة التوبة: 88.

() سورة الحجرات: 15.

() سورة التوبة: 41.

() سورة الحاقة: 34، سورة الماعون: 3.

() راجع الكافي: ج4 ص5- 7 باب أن الصدقة تدفع البلاء.

() وهناك قصة أخري ذكرها الصدوق رحمة الله عليه في الأمالي: ص500 المجلس75 ح13. وفيه: عن

أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: ?أن عيسي روح الله مر بقوم مجلبين. فقال: ما لهؤلاء؟. قيل: يا روح الله، إن فلانة بنت فلان تهدي إلي فلان بن فلان في ليلتها هذه. قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً. فقال قائل منهم: ولِمَ يا رسول الله؟. قال: لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه. فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله. وقال أهل النفاق: ما أقرب غداً. فلما أصبحوا جاءوا فوجدوها علي حالها لم يحدث بها شيء.? ?فقالوا: يا روح الله، إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت. فقال عيسي عليه السلام: يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها. فذهبوا يتسابقون حتي قرعوا الباب فخرج زوجها. فقال له عيسي عليه السلام: استأذن لي إلي صاحبتك. قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة. قال: فتخدرت فدخل عليها. فقال لها: ما صنعتِ ليلتكِ هذه؟. قالت: لم أصنع شيئاً إلا وقد كنت أصنعه فيما مضي، إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلي مثلها، وإنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجب حتي هتف مراراً، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتي أنلته كما كنا ننيله. فقال لها: تنحي عن مجلسكِ. فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض علي ذنبه. فقال عليه السلام: بما صنعتِ صرف الله عنك هذا?.

() الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي، ولد في 29 رمضان سنة 648 ه في مدينة الحلة. بدأ بتحصيل العلم منذ طفولته، فدرس الأدب العربي والمقدمات والعلوم العصرية عند أبيه وكذلك عند

خاله المحقق الحلي، وابن عم أمه الشيخ نجيب الدين يحيي بن سعيد، والسيد أحمد بن طاووس، ورضي الدين علي بن طاووس، وابن ميثم البحراني. أكمل المقدمات ونال درجة الاجتهاد ولم يبلغ سن التكليف. له من الآثار في حدود 100 كتاب، فقد ألف في الفقه والأصول والكلام والمنطق والفلسفة والرجال، منها: الإرشاد، تبصرة المتعلمين، القواعد، التحرير، تذكرة الفقهاء، مختلف الشيعة، المنتهي، شرح التجريد، منهاج الاستقامة، تلخيص الكشاف، وغيرها. توفي ? في 11 محرم ليلة السبت أو يومه سنة 726 ه في الحلة المزيدية، وقد حمل نعشه الشريف علي الرؤوس إلي النجف الأشرف ودفن بجوار أمير المؤمنين عليه السلام في حجرة إيوان الذهب الواقعة علي يمين الداخل إلي الحضرة الشريفة العلوية من جهة الشمال بجنب المنارة الشمالية.

() راجع بحار الأنوار: ج93 ص230-231 ب27 ح27. والقصة هكذا:

كان ببلخ رجل من العلويين وله زوجة وبنات فتوفي أبوهن. قالت المرأة: فخرجت بالبنات إلي سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء، واتفق وصولي في شدة البرد فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال في القوت، فرأيت الناس مجتمعين علي شيخ فسألت عنه؟. فقالوا: هذا شيخ البلد فشرحت له حالي. فقال: أقيمي عندي البينة عندكِ أنكِ علوية. ولم يلتفت إليَّ فيئست منه وعدت إلي المسجد، فرأيت في طريقي شيخاً جالساً علي دكة وحوله جماعة. فقلت: من هذا؟. قالوا: ضامن البلد وهو مجوسي. فقلت: عسي أن يكون علي يده فرجي، فحدثته بحديثي وما جري لي مع شيخ البلد، فصاح بخادم له فخرج. فقال له: قل لسيدتك: تلبس ثيابها. فدخل وخرجت امرأته ومعها جواري، فقال لها: اذهبي مع هذه المرأة إلي المسجد الفلاني واحملي بناتها إلي الدار. فجاءت معي وحملت البنات وقد أفرد لنا بيتاً في داره، وأدخلنا

الحمام وكسانا ثياباً فاخرة، وجاءنا بألوان الأطعمة وبتنا بأطيب ليلة. فلما كان نصف الليلة رأي شيخ البلد المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت واللواء علي رأس محمد صلي الله عليه و اله، وإذا بقصر من?

?الزمرد الأخضر. فقال: لمن هذا القصر؟. فقيل: لرجل مسلم موحد. فتقدم إلي رسول

الله صلي الله عليه و اله فأعرض عنه، فقال: يا رسول الله، تعرض عني وأنا رجل مسلم! فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: ?أقم البينة عندي أنك مسلم?. فتحير الرجل، فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: ?نسيت ما قلت للعلوية، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره?. فانتبه الرجل وهو يلطم ويبكي وبث غلمانه في البلد، وخرج بنفسه يدور علي العلوية، فأخبر أنها في دار المجوسي فجاء إليه فقال: أين العلوية؟. فقال: عندي. فقال: أريدها. فقال: ما لك إلي هذا سبيل. قال: هذه ألف دينار خذها وسلمهن إليَّ. قال: لا والله ولا مائة ألف دينار. فلما ألح عليه قال له: المنام الذي رأيته أنت رأيته أيضاً أنا، والقصر الذي رأيته لي خلق وأنت تدل عليَّ بإسلامك، والله ما نمت ولا أحد في داري إلا وأسلمنا كلنا علي يد العلوية، وعادت بركاتها علينا ورأيت رسول الله صلي الله عليه و اله، وقال لي: ?القصر لك ولأهلك بما فعلت مع العلوية?.

() راجع الخصال: ج1 ص209 إن الله تبارك وتعالي أخفي أربعة في أربعة ح31.

() وأصله بالفارسية:

تير دعا ز هر طرفي كرده ام روان

شايد از آن ميانه يكي كاركر شود

() راجع الأمالي للصدوق: ص283 المجلس47 ح16.

() راجع الكافي: ج1 ص461 باب مولد الحسن بن علي عليه السلام ح1.

() راجع مستدرك الوسائل: ج7 ص237 ب36 ح8127.

()

راجع وسائل الشيعة: ج19 ص198 ب10.

() راجع مستدرك الوسائل: ج14 ص50 ب6.

() راجع بحار الأنوار: ج100 ص181 ب1.

() راجع بحار الأنوار: ج71 ص390 ب28.

() سورة الحشر: 9.

() وفلان هو (محارب بن قيس الكسعي)، وكان الكسعي من رماة العرب. فخرج ذات ليلة فرأي ظبياً فرماه فأنفذه، فخرج السهم منه وأصاب حجراً وقدح منه ناراً، فرأي ضوء النار في ?

?ظلمة الليل. فقال: مثلي يخطي فكسر قوسه واخرج خنجره وقطع إبهامه، فلما أصبح ورأي الظبي صريعاً قد نفذ فيه السهم ندم، فضربت به العرب المثل. راجع تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي: ج2 ص360 الطبعة القديمة.

() وأصله بالفارسية:

من آنجه شرط بلاغ است با تو ميكويم

توخواه از سخنم بند كير، و خواه ملال

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.