أثر النشاط والحكمة في تقدم المسلمين

اشارة

اسم الكتاب: أثر النشاط والحكمة في تقدم المسلمين

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: اسلام

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1420 ق

الطبعة: دوم

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من الأمور المهمة التي لابد أن نعطي لها الاهتمام الوافي في مجال تفكيرنا هي الإدارة والتخطيط؛ فالإنسان الناجح هو الذي يستفيد بشكل جيد من الزمن بحيث تكون نقطة تحركه مدروسة حتي يصل إلي أهدافه ضمن خطة منظمة، لها بعدها الزمني، حتي لو استغرق الوصول إلي النجاح مدة ليست بقصيرة، والمهم في هذه المسألة أن تكون الشؤون الحياتية مبرمجة وفق أسس متينة ابتداءً من الأسرة باعتبارها أصغر نواة في المجتمع، ومروراً بالشارع والمؤسسة التربوية وكافة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية في داخل إطار الدولة الإسلامية، وانتهاءً بالعلاقة مع غير المسلمين من الديانات الأخري.

فلابد من استغلال الطاقات وتوظيفها في المجال المناسب وتهيئة كافة السبل؛ لكي تبقي الأمة في كيانها المستقل تفرض احترامها ولها قراراتها المسموعة والمتبعة، فلا تكون مرتبطة بعجلة غيرها، وخاصة في قضاياها المصيرية.

ومن هنا ركز الإسلام علي الاستقلال والحرية وعدم التبعية لغير المسلم، وقد أكد هذا المعني في القرآن المجيد حيث يقول تعالي:

?وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً?().

وكذلك ركز الإسلام علي أن من أهم مقومات نجاح الأمة اتصافها بمبدأ السلم واللاعنف كما كان عليه رسول الله? والإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

ولو أمعنا النظر في سطور التاريخ لوجدنا أن الدولة الإسلامية نشأت وتكاملت في ظروف غير اعتيادية، حيث كانت تسود الإمبراطوريات والدول العظمي وكان هناك التسابق من مختلف القوي في السيطرة علي أكثر بقاع ممكنة من الأراضي وخيراتها، وفي هذه الأحداث ولدت أمة القرآن واتسعت اتساعاً عظيماً ودخلت في حساب الأمم الكبري.

وكان هنالك الكثير من

العوامل المباشرة وغير المباشرة التي تدخلت في بناء الحضارة الإسلامية، كان من بينها:

* الأخلاق الفاضلة التي اتسمت بها شخصية الرسول الأكرم?.

* المبادئ الإسلامية السامية التي جاء بها القرآن الكريم.

* السياسة الحكيمة التي اتبعها النبي المصطفي? وأهل بيته الطاهرون ?.

* وجود الصفوة المخلصة من أبناء المسلمين، وكانت تعمل بنشاط في تفعيل ونشر التعاليم الإسلامية، أمثال: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والصحابة المنتجبين (رضوان الله عليهم).

* التلاحم والتكافل بين أبناء هذه الأمة.

كل هذه العوامل ساعدت علي بناء الدولة الجديدة مع الإشراف والتنظيم المباشر لقائد الأمة ورسول الإنسانية? الذي أسس دولة عظيمة المجد، مترامية الأطراف، وفق حكمته وعدله وأخلاقه وعفوه?.

فكان ? شعاره (العفو) و(اللاعنف)..

والتاريخ ينقل الكثير من القضايا التي سجلت انتصاراً عظيماً في مسيرة النبي الأكرم? الإصلاحية..

وقصته عام الفتح أشهر من نار علي علم، حين دخل المسلمون مكة، وكان سعد بن عبادة الأنصاري يحمل راية وينادي في طرقات مكة: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبي الحرمة. فما كان من النبي? لما سمع هذا النداء إلا أن يأمر الإمام علي عليه السلام أن يتقلدها منه ويغير الشعار، فأخذها الإمام علي عليه السلام وأخذ ينادي: ?اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمي الحرمة?. وما كان للنبي? إلا أن يقول لأعداء الإسلام: ?اذهبوا فأنتم الطلقاء?().

فهذه السياسة الرشيدة هي التي بنت صرح الإسلام، فلابد للمسلمين أن يكونوا في يقظة ووعي دائم؛ كي لايتيحوا الفرصة لأعداء الأمة بأن يبثوا السموم بين صفوف الجماهير.

وفي هذه الكتاب يوجه الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) أبناء الأمة الإسلامية ليكونوا قادرين علي كشف مخططات الأعداء ضد المسلمين، وبالخصوص الطليعة الشبابية المؤمنة، حيث يلزم أن تكون علي مستوي عال من الوعي والصبر والثبات. مبيناً دورهم في أداء الرسالة العظيمة، وبناء

الأرض، وفي تعميق أواصر الارتباط بالمبادئ الحقة؛ موضحاً لشبابنا المؤمن بعض الأمثلة التي يمكن أن يستفيدوا منها لبناء المستقبل الأفضل والعيش الأرغد.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع الراحل (أعلي الله درجاته) والتي ألقاها? في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران.

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لطبع ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من نشر سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة، تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955/ 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

انتشار الإسلام

في رواية عن النبي عليه السلام ذكرها الفريقان في كتبهم جاء فيها:

لما بعث محمد عليه السلام بالنبوة، بعث كسري رسولاً إلي باذان عامله في أرض المغرب: بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي، فلتقل له: فليكفف عن ذلك، أو لأبعثن إليه من يقتله ويقتل قومه، فبعث باذان إلي النبي عليه السلام بذلك فقال عليه السلام: ?لو كان شيء قلته من قبلي لكففت عنه، ولكن الله بعثني? وترك رسل باذان وهم خمسة عشر نفراً ولا يكلمهم خمسة عشر يوماً ثم دعاهم، فقال: ?اذهبوا إلي صاحبكم فقولوا له: إن ربي قتل ربّه الليلة، إن ربي قتل كسري الليلة ولا كسري بعد اليوم، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم? فكتبوا قوله، فإذا هما قد ماتا في الوقت الذي حدثه محمد عليه السلام().

يتضمن حديث النبي الأعظم عليه السلام هذا إخباراً عن الغيب، ويكشف أيضاً عن واقع وحقيقة اجتماعية مؤداها أن المبادئ الحقة والقيم الصحيحة والفضائل الحميدة عندما تظهر للوجود تموت في مقابلها المبادئ الباطلة بجميع سماتها وخصوصياتها، وكذلك عندما يظهر النبي عليه السلام وينشر رسالته بين الناس ويحكمهم بالعدل والمنطق فإنه يطيح بكل سلطان ظالم.

وقد أخبر عليه السلام عن مستقبل الأمة الإسلامية ومستقبل الأمم المجاورة لها؛ فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ?لما حفر رسول اللّه عليه السلام الخندق مرّوا بكدية، فتناول رسول اللّه عليه السلام المعول من يد أمير المؤمنين عليه السلام أو من يد سلمان (رضي اللّه عنه) فضرب بها ضربةً فتفرّقت بثلاث فرق، فقال رسول اللّه عليه السلام: لقد

فتح عليّ في ضربتي هذه كنوز كسري وقيصر، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز كسري وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلّي?().

عمومية الرسالة

من أسباب تقدم الإسلام عمومية رسالته، قال رسول الله عليه السلام: ?لما أسري بي إلي السماء ما سمعت شيئا قط هو أحلي من كلام ربي عزوجل قال فقلت: يا رب، اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسي تكليما، ورفعت إدريس مكانا عليا، وآتيت داود زبورا، وأعطيت سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فما ذا لي يا رب؟

فقال جل جلاله: يا محمد، اتخذتك خليلا كما اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمتك تكليما كما كلمت موسي تكليما، وأعطيتك فاتحة الكتاب وسورة البقرة ولم أعطهما نبيا قبلك، وأرسلتك إلي أسود أهل الأرض وأحمرهم وإنسهم وجنّهم، ولم أرسل إلي جماعتهم نبياً قبلك، وجعلت الأرض لك ولأمتك مسجداً وطهورا، وأطعمت أمتك الفيء ولم أحله لأحد قبلها، ونصرتك بالرعب حتي أن عدوك ليرعب منك، وأنزلت سيد الكتب كلها مهيمنا عليك قرآنا عربيا مبينا، ورفعت لك ذكرك حتي لا أذكر بشيء من شرائع ديني إلا ذكرت معي?().

إن من العوامل التي تدعم النشاط الإسلامي علي المستوي العالمي كون رسالة النبي الأعظم عليه السلام عالمية، جاءت للناس كافة، جاءت للشرق والغرب، وللعرب والعجم؛كما قال تعالي: ?وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ?().

فقد بين الله سبحانه شمولية نبوة نبيه عليه السلام فقال: ?وَما أَرْسَلْناكَ? يا محمد بالرسالة التي حملناكها ?إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ? أي: عامة للناس كلهم،العرب والعجم وسائر الأمم،ويؤيده الحديث المروي عن ابن عباس عن النبي عليه السلام: ?أعطيت خمساً ولا أقول فخراً: بعثت إلي الأحمر والأسود، وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً،وأحلّ لي المغنم ولا يحل لأحد قبلي..? الحديث().

وورد في تفسير الآية

المباركة أن قوله تعالي: ?وَما أَرْسَلْناكَ? أي: يارسول الله?إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ? أي: للناس عامة، وكان تقديم ?كَافَّةً? لإفادة أن الغرض المسوق له الكلام هو عموم الرسالة، وإنما كان ?كَافَّةً? بمعني عامة؛ لأنها إذا عمتهم فقد كفتهم وصفتهم أن يخرج منها أحد منهم().

ومن المؤيدات لعمومية الرسالة وشمولها للقاصي والداني وبقائها إلي يوم القيامة حديث الإمام الصادق عليه السلام في بيان الأنبياء من أولي العزم حتي انتهي إلي نبي الإسلام عليه السلام فقال: ?…حتي جاء محمد عليه السلام فجاء بالقرآن وشريعته ومنهاجه، فحلاله حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة … ?().

والمتوخي من التذكير بعمومية الرسالة الإسلامية هو أن همتنا وطموحنا في نشر الإسلام يجب أن يكونا بالمستوي العالمي،وأن تكون همة المسلمين عالية قادرة علي إيصال الحق إلي أبعد نقطة في العالم، وأن يرقي منطقنا إلي مستوي رفيع، وأن تتسلح أجهزتنا التبليغية بروح المعرفة والوعي والحجج البالغة؛ لنشر التعاليم الإسلامية السامية،وسيرة الرسول الأعظم عليه السلام والأئمة المطهرين عليهم السلام،فعندها ستكون عوامل التقدم والنهضة العالمية منجزة علي أيدينا.

ومن هنا يتوجب علي الرساليين معرفة السياسة الحكيمة لرسول الله عليه السلام وأسلوبه في التعامل مع أبناء العالم وملوكهم؛باعتباره مبعوثاً للخلق أجمع.

ولكي نقتدي به عليه السلام ونهدي العالم إلي الإسلام وننقذ الناس من هذا الظلام الدامس نشير إلي بعض تلك النقاط من سياسة الرسول الأعظم عليه السلام لتكون لنا نوراً نستضيء به..

السياسة الحكيمة لرسول الله عليه السلام

قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له يبين فيها فضل الرسول الكريم وأهل بيته عليهم السلام: ? …حَتَّي أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَي إِلَي مُحَمَّدٍ عليه السلام فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ() مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءهُ، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءهُ. عِتْرَتُهُ خَيْرُ

الْعِتَرِ، وأُسْرَتُهُ خَيْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وثَمَرٌ لا يُنَالُ، فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَي وبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَي، سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ، سِيرَتُهُ الْقَصْدُ وسُنَّتُهُ الرُّشْدُ وكَلامُهُ الْفَصْلُ وحُكْمُهُ الْعَدْلُ، أَرْسَلَهُ عَلَي حِينِ فَتْرَةٍ() مِنَ الرُّسُلِ، وهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ وغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ?().

وقال عليه السلام: ?بَعَثَهُ والنَّاسُ ضُلالٌ فِي حَيْرَةٍ، وحَاطِبُونَ فِي فِتْنَة، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، واسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيَاءُ، واسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ، حَيَارَي فِي زَلْزَالٍ مِنَ الأَمْرِ، وبَلاءٍ مِنَ الْجَهْلِ، فَبَالَغَ عليه السلام فِي النَّصِيحَةِ، ومَضَي عَلَي الطَّرِيقَةِ، ودَعَا إِلَي الْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ…?().

وقال (صلوات الله وسلامه عليه) في ذكر رسول الله عليه السلامأيضاً: ?مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، ومَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ ومَمَاهِدِ() السَّلامَةِ، قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الأَبْرَارِ، وثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الأَبْصَارِ، دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ، وأَطْفَأَ بِهِ الثَّوَائِرَ()، أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً، وفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً، أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ، وأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ، كَلامُهُ بَيَانٌ، وصَمْتُهُ لِسَانٌ?().

لم يقدم التاريخ البشري حاكماً وزعيماً لدولة واسعة الأطراف والنواحي كرسول الله عليه السلام في إنسانيته وعدله وإخلاصه، وتواضعه للناس، وصبره واستقامته،وشهامته وشجاعته،وكل هذا من أسرار العظمة في شخصية الرسول الأعظم عليه السلام التي جعلت منه سيد الأنبياء، وأنموذجاً فذاً لساسة العالم، ومعلماً للبشرية جمعاء،الذي قال فيه عزوجل: ?وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي?() وقال جل وعلا: ?وإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ?().

فقد استطاع رسول الله عليه السلام بسياسته العادلة الحكيمة أن يدخل في الإسلام أكبر عدد ممكن من البشر في مدة قصيرة أدهشت التاريخ حتي قال تبارك تعالي: ?وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً?().

حيث جاء في تفسير السورة المباركة: ?إِذا جاءَ? يا محمد?نَصْرُ اللهِ? علي من عاداك، وهم قريش ?وَالْفَتْحُ? فتح مكة. وهذه

بشارة من الله سبحانه لنبيه عليه السلام بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر ?وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً? أي: جماعة بعد جماعة، وزمرة بعد زمرة، والمراد بالدين الإسلام، والتزام أحكامه، واعتقاد صحته، وتوطين النفس علي العمل به. قيل: لما فتح رسول الله عليه السلام مكة، قالت العرب: أما إذا ظفر محمد عليه السلام بأهل الحرم، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، أي: طاقة، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً أي: جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً، أو اثنين. فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام. وقيل: ?فِي دِينِ اللهِ? أي: في طاعة الله وطاعتك، وأصل الدين الجزاء. ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء().

العفو العظيم

إن من أبرز سمات النبي عليه السلام وسياسته العظيمة العفو والصفح حتي عن أشرس الأعداء وأشد المنافقين؛ فإن من عظيم عفوه تعامله مع أهل مكة الذين قتلوا أصحابه وأنصاره وأقرباءه في عشرات المواقف والحروب، وفيهم الذين أخرجوه من بلد صباه وأرض شبابه ومرتع حياته، فأجبروه عليه السلام علي فراق وطنه وعذبوا المسلمين بأنواع التعذيب وقتلوا العديد منهم.

فقد روي عن الإمام السجاد عليه السلام قال: ?لما بعث الله محمداً عليه السلام بمكة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنية كانت لقوم من خيار أصحاب محمد عليه السلام وشيعته وشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعي هؤلاء المشركون في خرابها، وأذي محمد عليه السلام وسائر أصحابه، وألجئوه إلي الخروج من مكة إلي المدينة، التفت عليه السلام بخلفه إليها فقال: الله يعلم أني

أحبك، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا، ولا ابتغيت عنك بدلا، وإني لمغتم علي مفارقتك. فأوحي الله تعالي إليه: يا محمد، إن العلي الأعلي يقرأ عليك السلام، ويقول سأردك إلي هذا البلد ظافراً غانما سالما، قادرا قاهرا، وذلك قوله تعالي: ?إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي مَعاد?() يعني إلي مكة ظافرا غانما. وأخبر بذلك رسول الله عليه السلام أصحابه، فاتصل بأهل مكة فسخروا منه. فقال الله تعالي لرسوله عليه السلام: سوف أظهرك بمكة، وأجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتي لا يدخلها منهم أحد إلا خائفا، أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل. فلما حتم قضاء الله بفتح مكة استوسقت له أمر عليهم عتاب بن أسيد…?().

فهؤلاء جاءهم النبي عليه السلام فاتحاً منتصراً عليهم، تُري ما الذي كان سيفعله إنسان آخر غير النبي عليه السلام من موقف كهذا؟

إنه بلا شك سيرتكب مجزرة رهيبة…فالأسري الذين في قبضته الشريفة هم الظالمون أنفسهم لا غيرهم…أبو سفيان وهند، وأضرابهما من الرجال والنساء.

وعندما حمل الراية سعد بن عبادة زعيم الأنصار وجعل يسير في طرقات مكة ويهزها منادياً: اليوم يوم الملحمة،اليوم تسبي الحرمة. لكن الرسول الأعظم عليه السلام ذا الأخلاق الرحمانية أبي أشد الأباء، وسجل نقطة مشرفة في تاريخ الإسلام والإنسانية، فأمر علياً عليه السلام أن يحمل الراية بدلاً عن سعد بن عبادة وأمره أن ينادي في أهل مكة بلين بعكس ذلك النداء، فنادي علي عليه السلام في طرقات مكة: ?اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمي الحرمة? ثم جمع النبي عليه السلام أهل مكة فنادي فيهم: ?ما تقولون إني فاعل بكم؟?.

قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم.

فقال عليه السلام: ?أقول لكم كما قال أخي يوسف:

?لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ?()?.

ثم قال عليه السلام: ?اذهبوا فأنتم الطلقاء?.

ثم قال: ?أيها الناس من قال: لا إله إلا الله فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن…?().

الأسوة الحسنة

لقد كانت دعوة رسول الله عليه السلام للرؤساء والملوك إلي الإسلام تتضمن نفس الأسلوب الحكيم والوادع الذي دعا فيه أهل مكة وغيرهم إلي الإسلام، من حيث طريقة الخطاب واختيار الرسل والمبعوثين؛ إذ كانت تتلخص بالدعوة إلي الإسلام والأمن والإيمان، وأي عاقل يرفض دعوة الأمن والسلام والإيمان بالله الواحد القهار؟! الأمر الذي كان يدعو المئات بل والآلاف من الناس إلي قبول الإسلام كدين ورسالة إلي الحياة، وهذه هي إحدي ركائز العظمة في شخصية الرسول الأعظم عليه السلام والباري جل وعلا في القرآن الكريم يطلب من المسلمين الاقتداء بنبيهم عليه السلام؛ فهو خير قدوة لخير دين فقال عزوجل: ?لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً?().

لذا كما ورد في تفسير الآية يلزم علي المؤمن أن يقتدي بالرسول الأعظم عليه السلام في سيرته العطرة وأخلاقه العظيمة، فإن قوله تعالي: ?لَقَدْ كانَ لَكُمْ? يعني: أيها المسلمون ?فِي رَسُولِ اللهِ? أي: في سيرة رسول الله عليه السلام وصبره وعنائه في الله ?أسْوَةٌ حَسَنَةٌ? أي: مقتدي صالحاً، بحيث يراه الناس فيعملون كما يعمل عليه السلام،والأسوة من الاتساء،كما إن القدوة من الإقتداء، بمعني الإقتداء والمتابعة ?لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ? أي: يرجو ثواب الله ونعيمه، ويرجو أن يكون في اليوم الآخر من الفائزين?لِمَنْ?بدل من ?لَكُمْ? والرسول عليه السلام أسوة حسنة لمطلق الناس، وإنما من كان يرجو الله يتأسي فكان أسوة له؛ إذ الانتفاع بهذا المقتدي عائداً إليه ?وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرا?

فإن من ذكره سبحانه ترسخ في كيانه الخوف من الله سبحانه؛ فيطيع أوامره ويقتدي برسوله فيما عمل وسار عليه().

في بعض التفاسير: هذا خطاب الله للمكلفين،يقول لهم: إن لكم معاشر المكلفين ?فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ? أي: إقتداءً حسناً، في جميع ما يقوله ويفعله متي فعلتم مثله كان حسناً، والمراد بذلك الحث علي الجهاد والصبر عليه في حروبه، والتسلية لهم في ما ينالهم من المصائب، فإن النبي عليه السلام شج رأسه وكسرت رباعيته في يوم أحد، وقتل عمه حمزة عليه السلام فالتأسي به في الصبر علي جميع ذلك من الأسوة الحسنة… فمن تأسي بالحسن ففعله حسن ?لِمَنْ كانَ يَرْجُوا الله? فالرجاء توقع الخير، فرجاء الله توقع الخير من قبله، ومثل الرجاء الطمع والأمل، ومتي طمع الإنسان في الخير من قبل الله فيكون راجياً له(). لذا يلزم علي المسلمين الاقتداء بسيرة رسول الله عليه السلام في جميع نشاطاتهم الداخلية والخارجية، في الدعوة إلي الدين ونشر أحكامه بواسطة الحوار الهادئ والموعظة الحسنة والرفق واللين؛فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: ?أحب العباد إلي الله تعالي المتأسي بنبيه عليه السلام والمقتص أثره?().

وقال عليه السلام: ?اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أصدق الهدي واستنوا بسنته فإنها أهدي السنن?().

وقال (صلوات الله وسلامه عليه): ?يا أيها الناس، إنه لم يكن لله سبحانه حجة في أرضه أوكد من نبينا محمد عليه السلام ولا حكمة أبلغ من كتابه القرآن العظيم، ولا مدح الله تعالي منكم إلا من اعتصم بحبله واقتدي بنبيه، وإنما هلك من هلك عند ما عصاه وخالفه واتبع هواه؛ فلذلك يقول عز من قائل: ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ?()?().

اليقظة والفكر

قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته

لمحمد بن الحنفية: ?من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفظعات النوائب، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، والعاقل من وعظه التجارب، وفي التجارب علم مستأنف، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال?().

وقال عليه السلام: ?إذا قدمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر?().

وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام عندما جاء إلي الكوفة وأقام فيها وجعلها عاصمة البلاد الإسلامية، سأل أصحابه ذات يوم قائلاً: ?هل يوجد في الكوفة أحد من أصحاب كسري؟?.

قالوا: نعم هناك رجل اسمه جميل من أصحاب كسري، وهو شيخ كبير طاعن في السن.

فطلبه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فجاءوا به إليه، وعندما استقر به المجلس سأله الإمام عليه السلام: ?ما كانت وظيفتك عند كسري؟?.

قال: كنت كاتبه.

فقال عليه السلام: ?برأيك، في أي شيء يكون نفع الإنسان؟?.

قال: أن يكون أعداء الإنسان كثيرين وأصدقاؤه قليلين؛ وذلك حتي يكون الإنسان في كل لحظة علي حذر تام من كيد الأعداء، فحينئذ يكون مهتماً كثيراً لكي لا تصدر منه نقطة ضعف يريدها الأعداء، ودائماً يراقب أعماله وتصرفاته الشخصية والاجتماعية، فيكون هذا داعياً إلي رقي هذا الإنسان.

فقال عليه السلام: ?أحسنت?.

ومن الواضح أن الإنسان يصبح حذرا ويقظاً عندما يكثر أعداؤه في كل جوانب حياته، وجميع تصرفاته، لكن هذا وحده لا يكفي؛ إذ لابد من اقتران الحذر برفع النواقص ومواطن الضعف، واستبدالها بمقومات القوة والكمال، وهذا ما يحتاجه المسلمون اليوم؛ لما هم عليه من كثرة أعدائهم وقلة أصدقائهم، الأمر الذي يوجب شدة الحذر والإمعان في الاهتمام برفع النواقص، لكي لا يعطوا فرصة للعدو للتغلب عليهم.

لا يغيّر الله ما بقوم

إذا بقي المسلمون علي حالهم هذه في الوقت الحاضر فإنهم سيتلقون الصفعات والنكبات المتتالية يوماً

بعد يوم من هؤلاء الأعداء الذين وقفوا ضدهم.

حيث إن المسلمين غافلون عن التوجه إلي أنفسهم ولم يصلحوا أمورهم ويرفعوا نواقصهم المعنوية والمادية، فإن أوضاعهم لا سمح الله ولا قدر سوف تسير من سيئ إلي أسوأ؛ لأن الله يقول:

?لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ?().

فإنه لا يغير ما فيهم أو يصلحهم إلا إذا غيروا أنفسهم وتركوا المعصية والشرك وتوجهوا إلي الشكر والطاعة والإيمان، فحينئذ فقط تنهال العناية الإلهية والرحمة عليهم؛ لأنها تحتاج إلي مقدمات وقابليات.

صحيح أن رحمة الله تعالي عامة شاملة للجميع كما أخبر سبحانه وتعالي: ?وَسِعْتَ كُلَّ شَي ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً?().

وقال عزوجل أيضاً: ?وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ?().

ولكن هذا كلي مشكك علي اصطلاح المناطقة وذو مراتب ودرجات، فيلزم علي الإنسان أن يوفر في نفسه القابلية والاستعداد فيحصل علي تمام الرحمة والعناية، فقد قال سبحانه:

?إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ?().

كيف انتشر الإسلام؟

انتشر الإسلام بمقومات عديدة كان منها نشاط وحكمة المسلمين، قال الإمام جعفر بن محمد عليه السلام للمفضل: ?أي مفضل، قل لشيعتنا: كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه واتباع رضوان الله، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين?(). لقد كان المسلمون في السابق يهتمون بتقدم الإسلام ونشره اهتماماً شديداً؛ لذلك ربّوا كوادر كثيرة عملت علي خدمة الإسلام ورفع رايته. روي أن السيد الرضي() أسس في بغداد تجمعاً يجمع تحت لوائه الأفراد البارزين من غير المسلمين ويطلعهم علي محاسن الإسلام وأهدافه السامية وقوانينه السمحاء،وذلك من أجل جذبهم إلي الإسلام الحنيف،وكان من هؤلاء (مهيار الديلمي)() الذي كان مجوسياً، ولكن بعد التوجيه المركز والإرشاد المتواصل له من قبل السيد الرضي أصبح مسلماً وموالياً لأهل البيت عليهم السلام ومن العلماء البارزين في عصره ومن الشعراء المشهورين أيضاً، ويعتبر

ديوانه (ديوان مهيار الديلمي) من أفضل الدواوين في الشعر العربي والإسلامي، وكان هذا عملاً واحداً من الأعمال الكثيرة التي كان يقوم بها المسلمون علماء وشعراء وخطباء وغيرهم من أجل جذب الناس إلي الإسلام.

علم الهدي

ذكر أن الناس أصابهم السنين (قحط شديد) في بعض السنين في أيام السيد المرتضي علم الهدي?() فاحتال رجل يهودي علي تحصيل قوت يحفظ نفسه من الهلاك، فحضر مجلس المرتضي وأستأذنه أن يقرأ عليه شيئا من علم النجوم، فأذن له وأمر له بجائزة تجري عليه كل يوم، فقرأ عليه برهة ثم أسلم علي يده.

فقصة السيد المرتضي علم الهدي وسيرته مع اليهودي وغيره توضح دور رجال الإسلام الحريصين علي نشر وإشاعة هذا الدين الحنيف، وقوة تأثيرهم علي غيرهم والمخالفين معهم، كما هو شأن الأئمة عليهم السلام مع الناس. فإننا نري كيف أن اليهودي وقد نبذ يهوديته وأعتنق دين الإسلام لما شعر به من عظمة هذا الدين وعظمة الرجال القائمين عليه الممثلين له تمثيلا مشرقا يجذب القلوب والعقول إليه، لا تمثيلا سيئاً ينفر الناس منه. فالسيد علم الهدي صاغ طلب العلم في إطار الإيمان بالله عزوجل فعكس من خلاله الفكر الإسلامي والنظريات الإسلامية والآيات الدالة علي جوانب الخير لحياة الإنسان؛ ولعل هذا من الأسباب التي جعلت السيد مؤهلا لأن يدعي ب(علم الهدي) فكان علم نور وهداية، وسببا مباشراً لهداية الناس لحقيقة الإيمان بالله().

ستر العطاء

عندما كنا في مدينة كربلاء المقدسة وفي يوم من أيام الصيف الحار كنت عائداً إلي البيت بعد أداء صلاتي الظهر والعصر، شعرت بأن أحداً يتابعني، وكان ذلك أيام حكومة (عبد السلام عارف)()، واحتملت أنهم يريدون اعتقالي، لكني واصلت المسير في طريقي حتي بلغت باب المنزل، فتقدم إليّ هذا الرجل الذي كان يعقبني وهو متزمل() بعباءة علي رأسه وسلم عليّ فعرفته، حيث كان أحد التجار المعروفين في كربلاء، فقدم لي ظرفاً فيه ثلاثة آلاف دينار لدعم المشاريع الإسلامية، وقال: لا أريد أن يطلع أحد علي ذلك!

أريد

أن أقول: إن هنالك أفراداً يهتمون بالمسائل الدينية والمؤسسات الخيرية إلي هذه الدرجة، وهذه الحالة تنبع عند الأفراد من التربية الصالحة والمحيط الملتزم، وتنمو بالتركيز والاهتمام والمتابعة، والتأريخ مليء بالأفراد الذين تقدموا وأحرزوا مراتب عالية بسبب المواصلة المستمرة في العمل والتعب من أجل التقدم.

روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: ?لما أخذت في غسل أبي علي بن الحسين عليه السلام أحضرت معي من رآه من أهل بيته، فنظروا إلي مواضع السجود منه في ركبتيه وظاهر قدميه وبطن كفيه وجبهته قد غلظت من أثر السجود حتي صارت كمبارك البعير()، وكان (صلوات الله عليه) يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة?.

ثم نظروا إلي حبل عاتقه وعليه أثر قد اخشوشن، فقالوا لأبي جعفر عليه السلام: أما هذه فقد علمنا أنها من أثر السجود، فما هذا الذي علي عاتقه؟!

قال عليه السلام: ?والله، ما علم به أحد غيري، وما علمته من حيث علم أني علمته، ولولا أنه قد مات ما ذكرته، كان إذا مضي من الليل صدره قام وقد هدأ كل من في منزله، فأسبغ الوضوء وصلي ركعتين خفيفتين، ثم نظر إلي كل ما فضل في البيت عن قوت أهله، فجعله في جراب ثم رمي به إلي عاتقه وخرج محتسباً يتسلل لا يعلم به أحد، فيأتي دوراً فيها أهل مسكنة وفقر، فيفرق ذلك عليهم وهم لا يعرفونه، إلا أنهم قد عرفوا ذلك عنه، فكانوا ينتظرونه، فإذا أقبل قالوا: هذا صاحب الجراب، وفتحوا أبوابهم له، ففرق عليهم ما في الجراب وانصرف به فارغاً، يبتغي بذلك فضل صدقة السر وفضل صدقة الليل وفضل إعطاء الصدقة بيده، ثم يرجع فيقوم في محرابه فيصلي باقي ليله، فهذا الذي ترون علي عاتقه أثر ذلك الجراب?().

وعن

معلي بن خنيس قال: خرج أبو عبد الله عليه السلام في ليلة قد رشت، وهو يريد ظلة بني ساعدة فاتبعته، فإذا هو قد سقط منه شيء، فقال: ?بسم الله، اللهم اردده علينا?.

فأتيته فسلمت عليه، فقال: ?معلي؟?. قلت: نعم جعلت فداك.

قال: ?التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إلي?.

فإذا أنا بخبز كثير منتشر، فجعلت أدفع إليه الرغيف والرغيفين، وإذا معه جراب أعجر من خبز، قلت: جعلت فداك، أحمله علي. فقال: ?أنا أولي به منك، ولكن امض معي?.

فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدس الرغيف والرغيفين حتي أتي علي آخرهم، حتي إذا انصرفنا، قلت له: يعرف هؤلاء هذا الأمر؟

قال: ?لا، لو عرفوا كان الواجب علينا أن نواسيهم بالدقة وهو الملح إن الله لم يخلق شيئاً إلا وله خازن يخزنه إلا الصدقة؛ فإن الرب تبارك وتعالي يليها بنفسه إلي أن قال: قال عليه السلام: إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتمحو الذنب العظيم، وتهون الحساب، وصدقة النهار تنمي المال، وتزيد في العمر?().

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام في قول الله عزوجل: ?فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً?().

قال: ?الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله؛ إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ثم قال ما من عبد أسر خيراً فذهبت الأيام أبداً حتي يظهر الله له خيراً، وما من عبدٍ يسر شراً فذهبت الأيام أبداً حتي يظهر الله له شراً?().

الهمة العالية

مما يلزم علي المسلمين في نشاطهم وتقدمهم التحلي بالهمة العالية. عندما صدر كتاب القانون لابن سينا() قام كثير من العلماء بشرح هذا الكتاب القيّم، وكان أحد الشرّاح يقيم

في مدينة شيراز وكان معاصراً للشيخ نصير الدين الطوسي()، وقد واجهته صعاب كثيرة لدي شرح القانون، فكان يسافر كثيراً إلي أصفهان ومنها إلي قزوين ليتباحث مع العلماء هناك كل ما واجهته مسألة صعبة في كتاب القانون، ولكنه بسفره إلي هاتين المدينتين ورغم لقائه للعلماء لم يستطع حل كل مشكلات الكتاب، ولم يعثر علي أحدٍ يرشده إلي حلها، فقيل له: إن في بغداد شخصاً متبحراً في كتاب القانون، يدعي: الخواجة نصير الدين الطوسي فاذهب إليه لعله يعينك علي أمرك.

فسافر من قزوين إلي بغداد وعندما وصلها بادر إلي السؤال عن نصير الدين الطوسي، فقيل له: إنه أصبح وزيراً لسلطان المغول()، وإذا كنت تريد لقاءه فعليك أن تنتظر في المكان الفلاني عند وقت الصلاة حيث يخرج الخواجة للصلاة والاستراحة. فجعل هذا العالم ينتظر الشيخ في المكان المحدد حتي شاهد موكب الشيخ، فتقدم إليه طالباً لقاءه، فأخذه الشيخ الطوسي إلي داره وحل له جميع مشكلات القانون المستعصية.

فهذه القصة تدل علي مدي علمية الخواجة نصير الدين الطوسي العميقة، وعلي مدي عزم وهمة العالم الشارح في نفس الوقت علي المتابعة المستمرة في إنجاز ما شرع به من عمل، بالرغم من كثرة ما تطلبه ذلك من سفر وتحمل للصعوبات والمشاكل. والخواجة نصير الدين الطوسي بالرغم من كثرة مهام منصب الوزارة الذي يتقلده نراه يعطي مقداراً من وقته للشارح، ويحل له جميع غوامض كتاب القانون التي اعترضت ذلك العالم في شرحه.

كما يذكر أن الخواجة نصير الدين الطوسي? سئل يوما من قبل أحد العلماء وهو في معركة القتال، وبينما كان واضعاً إحدي رجليه علي الركاب والأخري علي الأرض عن أربعمائة مسألة من المعضلات والمشكلات الكلامية العلمية، فأجابها جميعا في فترة قياسية قصيرة جداً، حتي

أن السائل تعجب أشد التعجب من سرعة بديهة الخواجة وعلميته.

نعم، بهذا الاهتمام والجد والعمل كان يعمل علماؤنا في نشر الفضائل وإثراء الحياة بها.

الصينيون وإحياء بلادهم

جاء في تاريخ الصين() أن بعض الصينيين كانوا كسالي جداً يقضون أكثر أوقاتهم في الاستراحة والنوم، فلو استيقظ أحدهم في العاشرة صباحاً مثلاً فإنه يقول: لا زال الوقت باكراً فلأعود إلي النوم، وهكذا كان أمرهم إلي أن فكروا ذات يوم ببناء وطنهم وعزموا علي ذلك، وكانت النتيجة أن رفعوا مستوي بلادهم إلي مرتبة البلدان المتقدمة بسبب النشاط والعمل ليل نهار، ووصلوا إلي درجة من حب العمل والنشاط بحيث أنهم يستيقظون في وقت ما بين الطلوعين فيقولون لقد سبقنا الوقت! …

والمسلمون أيضاً باستطاعتهم أن يتداركوا تأخرهم وينفضوا عن أنفسهم غبار الكسل والتكاسل، علي أن يعاهدوا أنفسهم علي عدم السماح للفتور أن يتغلغل إلي أنفسهم وأعمالهم وأهدافهم، حتي يحققوا التقدم الزاهر بالعمل الجاد والنشاط المتواصل والمستمر. فقد ورد في الأحاديث الشريفة الحث الكثير علي السعي الجاد والابكار في طلب قضاء الحوائج وطلب الرزق، حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: ?إذا كانت لك حاجة فاغد فيها؛ فإن الأرزاق تقسم قبل طلوع الشمس، وإن الله تبارك وتعالي بارك لهذه الأمة في بكورها، وتصدق بشيءٍ عند البكور فإن البلاء لا يتخطي الصدقة?().

يقظة الأعداء

إن الدوائر الاستعمارية تسعي لتشويه سمعة الإسلام في العالم، وتتبع أساليب خبيثة ماكرة لتعطي انطباعاً بشعاً عنه، وترسم عنه في الأذهان صورة مخالفة لفطرة الإنسان وحريته؛ لأنهم بدون تشويه صورة الإسلام لا يتمكنون من الوصول إلي أهدافهم.

وبهذا الأسلوب المخادع استطاعوا أن يستولوا علي العالم، يقول أحد القساوسة: إن مثل الدين المسيحي في مقابل الدين الإسلامي كمثل النور الضعيف جداً في مقابل النور القوي جداً، ونحن إذا أردنا أن نتغلب علي المسلمين علينا أن نطفئ ذلك النور القوي الذي يحملونه كي نسلخهم عن الإسلام، ونجمعهم حول الدين المسيحي().

نعم، هذا

ما أراده الأعداء منا حتي يتمكنوا من السيطرة علينا وتطويقنا، فنصبح بأيديهم أسراء، وأن طريق الخلاص من هذا الوضع السيئ هو النشاط والعمل الجاد والتواصل، بعد تشكيل الاجتماعات المكثفة والمؤتمرات الكبيرة لدراسة طرق العلاج وللتفكير والتخطيط في كيفية السعي نحو تقدم المجتمع الإسلامي من الناحية الفكرية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية؛ لتحصين مجتمعنا أمام الغرب أولاً، ثم نعمل علي نشر الإسلام في العالم.. وقد أكد أمير المؤمنين عليه السلام في حديث شريف علي لزوم اليقظة والتفكير في عواقب الأمور حيث قال عليه السلام: ?إذا قدمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر?().

سياسة أعداء الإسلام

يطمح المستعمرون ويصرون علي الوصول إلي أهدافهم مهما كلف الأمر؛ لذلك قاموا ويقومون برفع الموانع التي تعترضهم في هذا السبيل، بدءً بقتل واغتيال العلماء الكبار الذين يشكلون مانعاً كبيراً يعترض سبيلهم؛ حيث إنهم يقومون بفضح السياسة الاستعمارية أينما حلوا، ويبطلون خططهم الخبيثة وسياستهم الآثمة المبنية علي استغلال الشعوب المستضعفة والمسلمين العزل مستخدمين طريقتين للاغتيال هما:

أولاً: التصفية الجسدية ومثالها اغتيال المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي?() بالسم بهدف الالتفاف علي نتائج ثورة العشرين()، وكذلك ما جري بعد ذلك من عمليات قتل واغتيال صريحة للعلماء في السجون أو في الشوارع والأزقة.

ثانياً: اغتيال الشخصية وتسقيط السمعة بالدعايات والتهم وأمثال ذلك، وفي كل ذلك تتم الاستفادة من وجوه غير معروفة أو حكومات دموية كحكومة البعثيين في العراق() وأمثالهم، حتي إذا انكشف الأمر تبرؤوا منه فوراً ونسبوه إلي الحكومة، أو بعض الناس؛ لكي لا تتلوث سمعتهم إذ أنهم أغلب الأحيان لايتضررون ولا يحدث لهم شيء يسيء إلي سمعتهم مع كونهم السبب الأول في قتل العلماء واغتيال الشخصيات، وبالتالي يبقي القاتل مجهولاً ويضيع الأمر في أكثر الحالات.

إن أعداء الإسلام

والتشيع في تربص وتخطيط دائم لاغتنام أية فرصة لضرب الإسلام والتشيع وضرب كل مسلم وشيعي علي وجه البسيطة بلا سبب أو ذنب.

ولذلك علينا جميعاً بالخصوص العلماء والخطباء والمثقفين وأصحاب الأقلام، الدفاع عن الإسلام والتشيع بكل ما نؤتي من قوة، والتخطيط والتفكير لعبور الأزمات، وذلك عبر تأليف الكتب والمنشورات التوعوية التي توقظ المسلمين وتنبههم إلي مكائد الأعداء وإحباطها قبل وقوعها،خصوصاً وإننا نعلم أنهم مستمرين علي نصب الشراك وإعداد الخطط، فيلزم نشر الأفكار الإسلامية التي كانت تحكم المجتمع الإسلامي في الصدر الأول، والسعي لترسيخ مبدأ الشوري في كل مرافئ الحياة الخطيرة منها والبسيطة، وتعدد الأحزاب الحرة، وتعدد القدرات والتوازن بينهما، لنوفر فينا القوة والحصانة مقابل هجمات الأعداء فتعم حياة المسلمين الإيمان والأمن والسلام بإذن الله.

الغرب والبعث

إن أعداء الإسلام لا يوقّفون دعمهم ولا يتبرؤن من أعوانهم الذين سلطوهم علي بلادنا المسلمة؛ وذلك لتحطيم الإسلام، وقد روجوا لأفكار باطلة ونشروا مبادئ ومناهج لا تمت إلي الإسلام بصلة بل وتحارب الإسلام صراحة، وكان من هذه المبادئ إنهم روجوا للحزب الشيوعي() وحزب البعث وما أشبه. وأبتلي العراق بهذه الحركات أشد ابتلاء وخاصة من حزب البعث؛ حيث عمل أعداء الإسلام لسنين طويلة من أجل تقوية هذا الحزب وجعله أداة قوية وفعالة لتنفيذ مصالحهم وأغراضهم. فلابد لهم الاستفادة منه عشرات السنين علي الأقل قبل التخلي عنه. فصدام مثلاً الذي لم يترك منكراً إلا فعله يسمي بطل القومية العربية أو رائد الأمة، وما إلي غير ذلك من الألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان. أفلا يعني هذا أنهم يريدون الاحتفاظ بهذا الحزب والإبقاء علي قوته وصولته.

زارنا شخص قادماً من العراق، فسألته: هل تقام صلاة جماعة في صحن الإمام الحسين عليه السلام؟

قال: كلا، ولكن

في بعض الأحيان يصلي أحد المعممين فيأتم به بضع مصلين الذين يكون بعضهم من عملاء النظام وجواسيسه من البعثيين، وليس لهم غاية من هذه الصلاة إلا التجسس ومراقبة الناس!

نعم، هكذا يفعلون في سبيل حفظ وجودهم وتحكيم قدرتهم وسيطرتهم علي الناس، ونحن لا يمكننا أن نتخلص من هذه الأوضاع إلا بالنشاط والاهتمام والتفكير والعمل الجدي المتواصل في سبيل الخلاص، ومن الواضح أن من أوليات خلاصنا هو الإيمان بضرورة تعدد القدرة وتعدد الأحزاب الحرة، وإيجاد شوري الفقهاء المراجع؛ فهذه العوامل تعد من السبل المهمة التي توفر لنا التحرر من أسر أعداء الإسلام وأذنابه،كما تعد من أبرز العوامل في إدامة استقلالنا ومنحنا الحياة الحرة الآمنة، ولكن إيجادها في حياتنا المعاصرة بحاجة إلي تفكير وحركة وعمل، ونفس طويل الأمد من الجميع والصبر علي المشاكل حتي نحصل عليها، إن شاء الله تعالي.

الصبر وطول النفس

عن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ?يا حفص، إن من صبر صبر قليلاً، وإن من جزع جزع قليلاً ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك؛ فإن الله عزوجل بعث محمداً عليه السلام، فأمره بالصبر والرفق فقال: ?واصْبِرْ عَلي ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً? وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ?()، وقال تبارك وتعالي: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ? وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ?().

فصبر رسول الله عليه السلام حتي نالوه بالعظائم، ورموه بها، فضاق صدره، فأنزل الله عزوجل: ?وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ?().

ثم كذبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل الله عزوجل: ?قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ? وَلَقَدْ كُذِّبَتْ

رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلي ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّي أَتاهُمْ نَصْرُنا?().

فألزم النبي عليه السلام نفسه الصبر، فتعدوا فذكروا الله تبارك وتعالي وكذبوه، فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي، ولا صبر لي علي ذكر إلهي، فأنزل الله عزوجل: ?وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ? فَاصْبِرْ عَلي ما يَقُولُونَ?(). فصبر النبي عليه السلام في جميع أحواله، ثم بشر في عترته بالأئمة عليهم السلام ووصفوا بالصبر، فقال جل ثناؤه: ?وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ?(). فعند ذلك قال عليه السلام: الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر الله عزوجل ذلك له فأنزل الله عزوجل: ?وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْني عَلي بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ?().

فقال عليه السلام: إنه بشري وانتقام، فأباح الله عزوجل له قتال المشركين، فأنزل الله: ?فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد?()، ?وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفتُمُوهُمْ?() فقتلهم الله علي يدي رسول الله عليه السلام وأحبائه، وجعل له ثواب صبره، مع ما ادخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتي يقر الله له عينه في أعدائه، مع ما يدخر له في الآخرة?().

إن العدو يتبع سياسة الصبر وطول النفس؛ ولذا فإنه يحقق أهدافه ويتغلب علينا في أحيان كثيرة، يقال: إن البريطانيين بحثوا في مجلس العموم البريطاني أنه إذا كانت سياسة ما تعطي نتائجها المطلوبة بعد ثلاثمائة سنة فلابد من اتباع هذه السياسة والاستمرار فيها طوال هذه المدة المخمنة؛ حتي تؤتي أكلها وثمارها! فعلينا نحن أيضاً أن لا نتوقع ظهور النتيجة فوراً بل لابد من طول النفس.

فأولئك هكذا يخططون وهكذا يتصرفون ويسيرون، من

أجل الوصول إلي أهدافهم.

أما المسلمون فإن بعضهم يريدون ظهور النتيجة والوصول إلي الهدف فوراً وبأسرع وقت من ودون تخطيط مسبق وصحيح، وهذا لا يوصل إلي الهدف عادة، قال تعالي في كتابه الكريم: ?كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ? وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ?() ومن الواضح إن الذي يتعجل علي الثمرة قبل أوانها، أو يتسرع لحصول النتائج ثم تتأخر عليه سوف يصاب بالملل واليأس، والنتيجة هي الهزيمة، وفي أحيان كثيرة يلجئه التسرع إلي أن يسير في غير الطريق الصحيح الموصل إلي الهدف، غافلاً عن خطأ سيره وانحرافه؛ ولذلك لم يصل في آخر الأمر إلي النتيجة الحسنة التي كان يطلبها، كل ذلك لعدم أخذ الاستعداد الكافي، والتسلح بالروح العالية، وطول النفس، والثقافة القوية، فهذه العوامل وغيرها هي التي تعينه علي تحقيق أهدافه.

والخلاصة: إن كل ما نريده مما تقدم هو أن يدرك المسلمون وضعهم، ويكونوا دائماً في يقظة وحذر، وأن يوسعوا من نشاطاتهم في التبليغ والكتابة الواعية والهادفة للوقوف أمام هذه المخططات، فإن للنشاط وانتشار الإسلام وتقدمه علي المستوي العالمي أثراً بالغاً في تقدم المسلمين وعودة المبادئ الإسلامية إلي الواقع بعد طرد الأفكار المعادية والمغرضة.

?سبحانك ما أضيق الطرق علي من لم تكن دليله…

وما أوضح الحق عند من هديته سبيله…

إلهي، فاسلك بنا سبل الوصول إليك…

وسيرنا في اقرب الطرق للوفود عليك…

قرّب علينا البعيد…

وسهل علينا العسير الشديد…

وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون…

وبابك علي الدوام يطرقون…

وإياك في الليل والنهار يعبدون…?().

من هدي القرآن الحكيم

لا للكسل

قال الله تبارك وتعالي: ?إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَي الصَّلاةِ قامُوا كُسالي?().

وقال سبحانه: ?وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ?().

وقال عزوجل: ?فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَي السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ?().

النشاط في العمل

قال جل وعلا: ?وَأَنْ لَيْسَ

لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعي? وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُري?().

وقال سبحانه: ?فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءهُمْ?().

وقال الله تعالي: ?فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ?().

وقال سبحانه: ?وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ?().

التطلع إلي المستقبل

قال عزوجل: ?إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ?().

وقال جل وعلا: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ?().

النشاط الفكري

قال تبارك وتعالي: ?كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ?().

وقال سبحانه: ?وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ?().

المسلمون والتنمية الاجتماعية

قال الله تعالي: ?مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَي الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ?().

وقال سبحانه: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ?().

وقال عزوجل: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً?().

الإسلام دين الله

قال عز اسمه: ?مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ?().

وقال جل وعلا: ? إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ?().

الشوري في الإسلام

قال الله تعالي: ?وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ?().

وقال سبحانه: ?وَأَمْرُهُمْ شُوري بَيْنَهُمْ?().

الأمة الإسلامية خير الأمم

قال عزوجل: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ?().

وقال جل وعلا: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً?().

من هدي السنة المطهرة

في ذم الكسل

قال رسول الله عليه السلام: ?يا علي.. إياك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر علي حق، وإن كسلت لم تؤد حقاً?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو يصف المؤمن : ?بعيد كسله، دائم نشاطه، قريب أمله، حي قلبه?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?الكسل يضرّ بالدين والدنيا..?().

وقال عليه السلام: ?عدوّ العمل الكسل?().

العمل الصالح

قال رسول الله عليه السلام: ?المداومة علي العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضي لله

وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء?().

ومن وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسين? قال: ?يا بني، أوصيك بالعمل في النشاط والكسل?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?ما من شيء أحب إلي الله عزوجل من عمل يداوم عليه وان قل?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن العمل الدائم القليل علي اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير علي غير يقين?().

المسابقة إلي الخيرات

قال رسول الله عليه السلام: ?من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يدري متي يغلق عنه?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?انتهزوا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب?().

وقال الإمام الحسن عليه السلام: ?الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?خذ لنفسك خذ منها في الصحة قبل السقم، وفي القوة قبل الضعف، وفي الحياة قبل الممات?().

وقال رسول الله عليه السلام: ?يا علي! بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك?().

نشاط الفكر

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?إنما البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثم سلك جدداً واضحاً يتجنب فيه الصرعة في المهاوي..?().

وقال رسول الله عليه السلام: ?فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات والنور يحسن التخلص ويقل التربص?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?إن التفكر يدعو إلي البرّ والعمل به?().

المسلمون والتنمية الاجتماعية

قال رسول الله عليه السلام: ?والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا علي رحيم?.

قالوا: يا رسول الله كلنا نرحم؟

قال: ?ليس بالذي يرحم نفسه خاصة، ولكن الذي يرحم المسلمين عامة?().

وقال رسول الله عليه السلام: ?مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?لكل شيء شيء يستريح إليه، وإن المؤمن يستريح إلي أخيه المؤمن كما يستريح

الطير إلي شكله، أو ما رأيت ذلك؟?().

المسلمون ومعرفة الأعداء

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?والله إن امرءاً يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه ويهشم عظمه ويفري جلده لعظيم عجزه..?().

وقال الإمام السجاد عليه السلام: ?كفي بنصر الله لك أن تري عدوك يعمل بمعاصي الله فيك?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيء أعدي للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم?().

وقال عليه السلام: ?كان فيما أوصي به لقمان ابنه ناتان أن قال له: يابني، ليكن مما تتسلح به علي عدوك فتصرعه المماسحة وإعلان الرضا عنه، ولا تزاوله بالمجانبة؛ فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك?().

المسلمون والشوري

قال رسول الله عليه السلام: ?ما من رجل يشاور أحداً إلا هدي إلي الرشد?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغني برأيه?().

وقال الإمام الحسن عليه السلام: ?ما تشاور قوم إلا هدوا إلي رشدهم?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?في التوراة أربعة أسطر: من لا يستشير يندم?().

وقال الإمام الكاظم عليه السلام: ?من استشار لم يعدم عند الصواب مادحاً وعند الخطأِ عاذراً?().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة النساء: 141.

() بحار الأنوار: ج21 ص105 ب26.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص130 ب1.

() الكافي: ج8 ص216 كتاب الروضة حديث الصيحة ح264.

() بحار الأنوار: ج18 ص305 ب3 ح11.

() سورة سبأ: 28.

() تفسير مجمع البيان: ج8 ص217 سورة الأحزاب.

() تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج22 ص81 سورة سبأ.

() الكافي: ج2 ص17 باب الشرائع ح2.

() الأرومات: جمع أرومة: الأصل.

() فترة: الزمان بين الرسولين.

() نهج البلاغة، الخطب: 94 فيها يصف الله تعالي ثم يبين فضل الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام ثم يعظ الناس..

() نهج البلاغة، الخطب: 95 يقرر فضيلة الرسول

الكريم صلي الله عليه و اله.

() المماهد: جمع ممهد: ما يمهد، أي يبسط فيه الفراش ونحوه.

() الثوائر: جمع ثائرة، وهي العداوة.

() نهج البلاغة، الخطب: 96 من خطبة له عليه السلام في الله وفي الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله.

() سورة طه: 41.

() سورة القلم: 4.

() سورة النصر: 2.

() تفسير مجمع البيان: ج10 ص466 سورة النصر.

() سورة القصص: 85.

() تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص554 ح329.

() سورة يوسف: 92.

() انظر بحار الأنوار: ج21 ص132 ب26 ضمن ح22.

() سورة الأحزاب: 21.

() تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج21 ص147 سورة الأحزاب.

() التبيان في تفسير القرآن: ج8 ص327 سورة الأحزاب.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1949.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1953.

() سورة النور: 63.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1961.

() وسائل الشيعة: ج15 ص281 ب33 ح20517.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص58 ق1 ب1 ف5 ح597.

() سورة الرعد: 11.

() سورة غافر: 7.

() سورة الأعراف: 156.

() سورة الأعراف: 56.

() دعائم الإسلام: ج1 ص58 ذكر وصايا الأئمة (صلوات الله عليهم) ووصفهم اياهم.

() هو الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسي بن محمد بن موسي بن إبراهيم ابن الإمام أبي إبراهيم موسي الكاظم عليه السلام. أمه السيدة فاطمة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام. كان والده عظيم المنزلة لقبه أبو نصر بهاء الدين بالطاهر الأوحد، ولي نقابة الطالبيين خمس مرات، ومات وهو النقيب، وله في خدمة الملة والمذهب خطوات بعيدة، والشريف الرضي هو مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة، وإمام من أئمة

العلم والحديث والأدب، وبطل من أبطال الدين والعلم والمذهب.

ذكر من أساتذته ومشايخه: أبو سعيد النحوي المعروف بالسيرافي تلمذ عليه في النحو وهو طفل لم يبلغ عمره عشر سنين، وأبو علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي وله منه إجازة، وأبو محمد الشيخ الأقدم هارون بن موسي التلعكبري، وابن نباتة صاحب الخطب، والشيخ الأكبر شيخنا المفيد، قرأ عليه هو وأخوه علم الهدي المرتضي، قال صاحب (الدرجات الرفيعة): كأن المفيد رأي في منامه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه و اله دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها: الحسن والحسين عليهما السلام صغيرين فسلمتهما إليه وقالت له: علمهما الفقه، فانتبه متعجبا من ذلك، فلما تعالي النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأي فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها: علي المرتضي ومحمد الرضي، صغيرين، فقام إليها وسلم عليها فقالت له: أيها الشيخ، هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلمهما الفقه! فبكي الشيخ وقص عليها المنام وتولي تعليمهما.

أما تلامذته والرواة عنه فهم جمع من أعيان الطائفة وأعلام العامة منهم: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، والشيخ جعفر بن محمد الدوريستي، والشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الحلواني كما في الإجازات، والقاضي أبو المعالي بن قدامة، وأبو زيد الحسيني الجرجاني، وأبو بكر أحمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري الخزاعي، من أهم تآليفه وكتبه كتاب نهج البلاغة، حيث كان يهتم بحفظه حملة العلم والحديث منذ العصور المتقادمة حتي اليوم، ويتبركون بذلك كحفظ القرآن الشريف، وعد من حفظته في قرب عهد المؤلف القاضي جمال الدين محمد بن الحسين بن محمد القاساني، فإنه كان يكتب (نهج البلاغة) من حفظه كما ذكره الشيخ

منتجب الدين في فهرسته. ومن حفاظه في القرون المتقادمة الخطيب الفارقي، وغيرهم كثير. وقد توالت عليه الشروح منذ عهد قريب من عصر المترجم له بما يربو علي السبعين شرحا، وممن شرحه: السيد علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي شرحه وأسما شرحه ب(أعلام نهج البلاغة) وهو أول الشروح وأقدمها، وأبو حامد عزالدين عبد الحميد الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي المدايني، والعلامة الحلي جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر، وغيرهم كثير من العلماء الأعلام الذين لايشكون في أن الكتاب من تآليف الشريف الرضي، وتصافقهم علي ذلك معاجم الشيعة جمعاء، فلن تجد من ترجمة من أربابها إلا ناصا علي صحة النسبة وجازما باستقامة النسب منذ عصر المؤلف وإلي اليوم الحاضر، انظر فهرست أبي العباس النجاشي، وفهرست الشيخ منتجب الدين.

ومن تأليفاته: خصائص الأئمة عليهم السلام، ومجازات الآثار النبوية، تلخيص البيان عن مجاز القرآن، حقايق التأويل في متشابه التنزيل وهو تفسيره ذكره في كتابه (المجازات النبوية) يعبر عنه تارة بحقايق التأويل، ومعاني القرآن، وتعليق خلاف الفقهاء. وتعليقه علي إيضاح أبي علي الفارسي، وكثير غيرها.

انشأ دار العلم التي يقول عنها ابن خلكان: إنه اتخذ لتلامذته عمارة سماها (دار العلم) وأرصد لها مخزنا فيه جميع حاجياتهم من ماله. لقبه بهاء الدولة بالشريف الأجل، وبذي المنقبتين، وبالرضي ذي الحسبين، وأمر أن تكون مخاطباته ومكاتباته بعنوان (الشريف الأجل) وهو أول من خوطب بذلك من الحضرة الملوكية. تولي الشريف نقابة الطالبيين، وإمارة الحاج والنظر في المظالم وهو ابن(21 عاما) علي عهد الطائع، وصدرت الأوامر بذلك من بهاء الدولة وهو بالبصرة، ثم عهد إليه بولاية أمور الطالبيين في جميع البلاد فدعي (نقيب النقباء) وأتيحت للشريف الخلافة علي الحرمين علي عهد القادر، تولي الشريف

الرضي هذه الإمارة منذ صباه في أكثر أيام حياته ووزيرا لأبيه ونائبا عنه، ومستقلا بها من سنة (380 ه)، وله فيها مواقف عظيمة سجلها التاريخ وأبقي له ذكري خالدة.

توفي في بغداد سنة (406ه) ودفن في داره الكائنة في محلة الكرخ بخط مسجد الأنباريين، وذكر كثير من المؤلفين نقل جثمانه إلي كربلاء المقدسة بعد دفنه في داره بالكرخ، فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسي. انظر الغدير: ج4 ص180 شعراء الغدير في القرن الخامس.

() مهيار بن مرزويه أبو الحسن الديلمي البغدادي. أديب فاضل وشاعر كبير من شعراء أهل البيت عليهم السلام المجاهرين بولائهم الشديد، من تلامذة الشريف الرضي، جمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. قال له أبو القاسم بن برهان: انتقلت بإسلامك من زاوية من النار إلي زاوية منها! فقال: ولم؟ قال: لأنك كنت مجوسيا فأسلمت، فصرت تسب السلف في شعرك. فقال: لا أسب إلا من سبه الله ورسوله، قاله ابن شهر آشوب في معالم العلماء. له شعر كثير في مدح أهل البيت عليهم السلام، وديوان شعر كبير. وقال بعض العلماء: خيار مهيار خير من خيار الرضي وليس للرضي رديء أصلا. ومن شعره قوله من قصيدة:

را تخف الجبال وهي ثقال

حملوها يوم السقيفة أوزا

ن وهيهات عثرة لا تقال

ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو

كيف كانت يوم الغدير الحال

وتحال الأخمار والله يدري

قال ابن خلكان: مهيار بن مرزويه، الكاتب الفارسي الديلمي الشاعر المشهور، كان جزل القول مقدما علي أهل وقته، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وأثني عليه، وذكره أبو الحسن الباخرزي في (دمية القصر) فقال: هو شاعر، له في مناسك الحج مشاعر، وكاتب تجلي تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في

قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه بلو وليت، وهي مصبوبة في قالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب، ثم قال ابن خلكان: توفي في سنة (428ه). انظر أمل الآمل: ج2 ص329 باب الميم 1021.

() هو أبو القاسم علي بن أبي احمد الحسين بن موسي بن محمد بن موسي بن إبراهيم بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الملقب (ذا المجدين علم الهدي) أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه. أما والدة الشريف المرتضي فهي فاطمة بنت الحسين بن احمد بن الحسن الناصر، وهي أم أخيه أبي الحسن الرضي. كان الشريف المرتضي رحمة الله عليه أوحد زمانه فضلا وعلما وفقها وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وكرما وجاها، إلي غير ذلك. قال ابن بام الأندلسي في أواخر كتاب (الذخيرة) في وصفه: كان هذا الشريف إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه اخذ عظماؤها صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وحمدت في دين الله مأثوره وآثاره إلي تواليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين ما يشهد انه فرع ذلك الأصل الأصيل ومن أهل ذلك البيت الجليل. ولد سنة (350 ه) وقرأ هو وأخوه الرضي علي ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ثم قرا كلاهما علي الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، تولي تعليمهما وانعم الله عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر. وذكر في سبب تسمية الشريف المرتضي بعلم الهدي انه مرض الوزير أبو سعيد محمد بن

آشين بن عبد الصمد فرأي في منامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول له: ?قل لعلم الهدي يقرأ عليك حتي تبرأ?.

فقال: يا أمير المؤمنين ومن علم الهدي؟

فقال: ?علي بن الحسين الموسوي? فكتب الوزير إليه بذلك، فقال المرتضي: الله الله في أمري فإن قبولي لهذا اللقب شناعة علي، فقال الوزير: ما كتبت إليك إلا بما لقبك به جدك أمير المؤمنين عليه السلام فعلم القادر الخليفة بذلك فكتب إلي المرتضي: تقبل يا علي بن الحسين ما لقبك به جدك أمير المؤمنين؟

قال: فقبل واسمع الناس. كان رحمة الله عليه نحيف الجسم حسن الصورة. وكان يدرس في علوم كثيرة ويجري علي تلامذته رزقا فكان للشيخ أبي جعفر الطوسي رحمة الله عليه أيام قراءته عليه كل شهر أثني عشر دينارا، وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية دنانير. لقب بالثمانيني لأنه أحرز من كل شيء ثمانين، حتي أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر، تولي نقابة النقباء وأمارة الحاج والمظالم بعد وفاة أخيه الرضي أبي الحسن رحمة الله عليه وهو منصب والدهما.

قال أبو الحسن العمري: اجتمعت بالشريف المرتضي سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد، فرأيته فصيح اللسان يتوقد ذكاء.

له مصنفات كثيرة منها: كتاب (الشافي في الإمامة)، و(الذخيرة) و(جمل العلم والعمل) وكتاب (تنزيه الأنبياء) و(الذريعة في الأصول) و(الغرر والدرر) و(المقنع في الغيبة) و(الخلاف في أصول الفقه)، وكتب أخري في المسائل وغير ذلك، وديوان شعره يزيد علي عشرين ألف بيت، ذكر أبو القاسم التنوخي قال: حصرنا كتبه فوجدناها ثمانين ألف مجلد من مصنفاته ومحفوظاته ومفرداته. وقال الثعالبي في كتاب (اليتيمة): إنها قومت بثلاثين ألف دينار بعد أن أهدي إلي الرؤساء والوزراء منها شطرا عظيما.

توفي سنة(436ه) ودفن أولا في داره

ثم نقل منها إلي جوار جده الحسين عليه السلام فدفن في مشهده مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة (قدس الله أرواحهم الطاهرة).

() لؤلؤة البحرين: ص317.

() عبد السلام محمد عارف، من مواليد عام (1339ه 1921م) في مدينة الرمادي، كان من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، اشترك مع عبد الكريم قاسم عام (1377ه 1958م) في الإطاحة بالنظام الملكي، وبعد اختلافه مع قاسم أقصي من مناصبه، عيّن سفيراً في العاصمة الألمانية، ألقي القبض عليه وأودع السجن وصدر حكم الإعدام عليه وعفي عنه بعد أن قضي أكثر من سنتين في السجن. أصبح رئيساً للجمهورية بعد الإطاحة بنظام قاسم في (14 رمضان 1382ه 8 شباط عام 1963م) ومنح نفسه رتبة مشير. اتّسم حكمه بالكبت والإرهاب والعنصرية القبلية والمناطقية، اهتم بتعيين الأقارب وأبناء العشيرة والبلدة عبر إسناد مناصب لهم بغض النظر عن المؤهلات والقابليات والكفاءات. كما عرف بالتعصب المذهبي. انقلب علي البعثيين في عام (1963م) وأقصاهم من وزارته وأصدر كتاباً ضدّهم سمّاه المنحرفون، وصم البعثيين بكلّ قبيح من قبيل الشذوذ الجنسي والسرقة وما إلي ذلك. قتل مع عددٍ من الوزراء في عام (1385ه 1966م) إثر سقوط طائرته قرب البصرة، ويري البعض أنّ موته كان عملية مدبّرة نتيجة وضع قنبلة في الطائرة. وقد تصدي سماحة السيد الشيرازي رحمة الله عليه لمعارضته ومحاربة حكومته، وسائر علماء الدين وقفوا منه هذا الموقف المشابه لما كان يمارسه من أعمال مخالفة للأحكام الإلهية السمحاء. انظر كتاب (تلك الأيام) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه).

() التزمل: التلفف بالثوب، وقد تزمل بالثوب وبثيابه أي: تدثر، انظر لسان العرب: ج11 ص311 مادة (زمل).

() مبارك البعير: من بَرَكَ البعير إذا أناخ في موضعه فلزمه، وتطلق البركة أيضا علي الزيادة. انظر لسان العرب:

ج10 ص396 مادة ?برك?.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص182 ب11 ح7981.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص186 ب12 ح7991.

() سورة الكهف: 110.

() الكافي: ج2 ص293 باب الرياء ح4.

() الشيخ الرئيس ابن سينا (370 428ه) الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو علي، الفيلسوف الرئيس، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. ذهب إلي المكتب وعمره خمس سنين، واستغني عن الاصول العربية والقواعد الأدبية وله من العمر عشر سنين، فتلمذ عند محمود مساح في علوم الحساب والهندسة والجبر والمقابلة بإشارة والده، قرأ المنطق من أقسام مسائل الحكمة والاقليدس والمجسطي علي الحكيم عبد الله بابلي في بخارا، وبعد ذلك اشتغل في الحكمة الطبيعية والإلهية، ففتحت له أبواب العلوم. ثم اشتغل بتحصيل علم الطب، فترقي في زمان قليل، فصار وحيدا في ذلك الفن، ومع ذلك كان يدرس مسائل الفقه والاصول. فلما بلغ سن الثامنة عشر فرغ من جميع العلوم المنطقية والرياضية والطبيعية، فمال إلي علم ما بعد الطبيعة، فاشتغل بمطالعة ما كتب في ذلك العلم.

صنف نحو مائة كتاب، بين مطول ومختصر، ونظم الشعر الفلسفي الجيد، ودرس اللغة مدة طويلة حتي باري كبار المنشئين. أشهر كتبه (القانون) في الطب، يسميه علماء الفرنج (Canonmedicina) بقي معولا عليه في علم الطب ستة قرون، ترجمه الفرنج إلي لغاتهم وكانوا يتعلمونه في مدارسهم، وطبعوه بالعربية في روما وهم يسمون ابن سينا: (Avicenne) وله عندهم مكانة رفيعة. ومن تصانيفه (المعاد) رسالة في الحكمة، و(الشفاء) في الحكمة، و(السياسة)، و(أسرار الحكمة المشرقية)، وأرجوزة في (المنطق)، ورسالة (حي بن يقظان)، و(أسباب حدوث الحروف)، و(الإشارات) و(الطير)، و(أسرار الصلاة). قيل: كان الطب معدوما فأوجده بقراط، وكان ميتا فأحياه جالينوس، وكان متفرقا فجمعه الرازي، وكان ناقصا فأكمله ابن سينا. انظر: طرائف المقال: ج2

ص488 ب10 ترجمة ابن سينا، الأعلام: ج2 ص241 الرئيس ابن سينا.

() هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي رحمة الله عليه صاحب كتاب تجريد العقائد، وكتاب التذكرة النصيرية، وكتاب تحرير أقليدس، وتحرير المجسطي، وشرح الإشارات، والفصول النصيرية، والفرائض النصيرية، والأخلاق الناصرية، وكثير غيرها.

ومن جملة أمره المشهور المنقول حكاية استيزاره للسلطان هولاكو بن جنكيزخان من عظماء سلاطين التاتارية وأتراك المغول، لإرشاد العباد وإصلاح البلاد، وقطع دابر سلسلة البغي والفساد، وإخماد نائرة الجور.

بفضل علمه الجم أصبح ذا حرمة وافرة ومنزلة كبيرة عند هولاكو خان سلطان التتار، فعمل الرصد الكبير في مراغة واتخذ قبة وخزانة عظيمة ملأها بالكتب النفيسة ومنها ما نهب من بغداد والشام والجزيرة، حتي قيل: إنه تجمع فيها مايزيد علي أربعمائة ألف مجلد، ولما أمر هلاكو خان المحقق بالرصد، واختار محروسة مراغة من اعمال تبريز لبناء الرصد، فرصد فيه واستنبط عدة من الآلات الرصدية. وكان من أعوانه علي الرصد من العلماء وتلاميذه جماعة أرسل إليهم هلاكو وأمر بإحضارهم. منهم: العلامة قطب الدين محمود الشيرازي صاحب شرف الأشراف والكليات، وهو فاضل حسن الخلق والسيرة مبرز في جميع أنواع الحكمة، محقق مدقق مفيد ومستفيد في صحبة المحقق الطوسي، ومنهم مؤيد الدين العروضي الدمشقي، وكان متبحرا في الهندسة وآلات الرصد، ومنهم فخر الدين كان طبيبا فاضلا حاذقا. ومنهم نجم الدين القزويني، وكان فاضلا في الحكمة والكلام. ومنهم محي الدين الأخلاطي، وكان فاضلا مهندسا في العلوم الرياضية، ومنهم محي الدين المغربي، وكان مهندسا فاضلا في العلوم الرياضية وأعمال الرصد. ومنهم نجم الدين الكاتب البغدادي، وكان فاضلا في أجزاء الرياضية والهندسة وعلم الرصد وكاتبا مصورا، ومات المحقق الخواجة، وبان النقص في كتاب الزيج، ولنقصهم عن

ذلك لم يتموه، فلذلك بقي الخلل فيه فصار متروكا.

ولادته رحمة الله عليه بمشهد طوس في سنة (597ه)، وتوفي في سنة (672ه) ودفن في مقابر قريش في الكاظمية. انظر روضات الجنات: ج6 ص300 باب ما أوله الميم، والكني والألقاب: ج3 ص208، وأمل الآمل: ج2 ص299 باب الميم ح904.

() هولاكو (12171265م) مغولي مؤسس دولة المغول الإيلخانية في إيران سنة (1251م) حفيد جنكيز خان، أخضع أمراء الفرس والإسماعيلية في قلعة (الموت) (1256م) لحكمه، قضي علي الخلافة العباسية في بغداد (1258م) واحتل سورية، هاجم المماليك جيشه في عين جالوت وأبادوه (1260م)، عرف عنه وعن جيشه البطش والفتك الشديد بمن يقف في طريق إقامة دولتهم.

() جمهورية الصين الشعبية يبلغ عدد نفوسها ربع سكان العالم (200.000.000،1) نسمة، وتبلغ مساحتها الكلية حوالي(9.571.300) كيلو متر مربع، عاصمتها بكين، يرجع تاريخ أول حكومة معروفة في الصين إلي سنة 2000 قبل الميلاد، ويسيطر الحزب الشيوعي الصيني علي الصين منذ عام (1949م).

تكثر في الصين الجبال والأنجاد وتفصل بين جنوبها وشمالها سلسلة جبال شين لينغ التي تعلو أكثر من ثلاثة آلاف متر، تتصل منطقتها الشمالية بجبال التبت التي كانت موطن سلالة الدالاي لاما المنتشر أتباعها في الهند والصين. اختلف المؤرخون في تاريخ دخول الإسلام بلاد الصين حيث قيل: في سنة (31 ه 651م) قدم إلي البلاط الملكي وفد من بلاد العرب يحمل هدايا. وقال هذا الوفد أن دولته تأسست قبل إحدي وثلاثين سنة، كما هو موثق في تاريخ الصين، وقد ذكر ان عدد المسلمين بلغ عام (1974م) (130) مليونا قيل: إن ثلثهم من الشيعة. مر المسلمون في الصين في أدوار متعددة من ناحية الحرية والاضطهاد في الدين والمعتقد.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص59 ب25 ح14745.

() فقد ذكر من

نشاطهم في هذا الاتجاه: إن أوربا أخذت تغزو العالم الإسلامي غزوا استعمارياً عن طريق حملات التبشير، وذلك باسم العلم والخدمة الإنسانية، فرصدت لذلك الميزانيات الضخمة؛ وذلك لتمكين دوائر الاستخبارات السياسية ودوائر الاستعمار الثقافي من القيام بالدور المرسوم لها، وبهذا فتح باب العالم الإسلامي علي مصراعيه، فانتشرت الجمعيات التبشيرية في كثير من البلدان الإسلامية، ومعظمها إنجليزية وفرنسية وأمريكية، فتغلغل النفوذ البريطاني والفرنسي عن طريقها، وأصبحت بمرور الزمن الموجهة للحركات القومية والمسيطرة علي توجيه المتعلمين من المسلمين، وكان أثرها بليغا في العالم الإسلامي، ولعل من نتائج ذلك الغزو هو ما نعانيه اليوم من ضعف وانحطاط.

وكانوا قد أسسوا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي مراكز كبيرة للتبشير في (مالطة) وجعلوها قاعدة نشاطهم التبشيري علي العالم الإسلامي، ومنها انطلقوا لبلاد الشام سنة (1625م) وحاولوا إيجاد حركات تبشيرية تساندهم في مساعيهم غير أن نشاطهم كان محدوداً لم يتعد تأسيس بعض المدارس الصغيرة ونشر بعض الكتب الدينية، وعانوا مشقات كبيرة بسبب تنبه علماء المسلمين لخطرهم فتصدي المسلمون لهم بمختلف الوسائل إلا أنهم ثبتوا حتي سنة (1773م) حيث ألغيت الجمعيات التبشيرية لليسوعيين، وأغلقت مؤسساتهم ماعدا بعض الجمعيات التبشيرية الضعيفة، ولم يعد لهم وجود إلا في مالطة حتي سنة (1820م) حيث أسس أول مركز تبشير في بيروت وبدأ نشاطهم فيها، فلاقوا صعوبات كثيرة وبالرغم من هذه الصعوبات استمروا في عملهم، وفي سنة (1824م) انتشرت البعثات التبشيرية في سائر بلاد الشام، ففتحت كلية في قرية عينطورة في لبنان، ونقلت الإرسالية الأمريكية مطبعتها من مالطة إلي بيروت لتقوم بطبع الكتب ونشرها، وقام إبراهيم باشا بتطبيق برنامج للتعليم الابتدائي في سوريا مستوحي من برنامج التعليم الموجود في مصر المأخوذ عن برنامج التعليم في فرنسا؛ وبهذه المقدمات

وغيرها نشط الغرب في غزوه الفكري لبلاد الإسلام، وشاركت في الحركة التعليمية مشاركة ظاهرة، فهبت مواجهة شديدة من البغضاء بين المسلمين والنصاري أدت إلي مذابح كثيرة وتخريب وتدمير الممتلكات العامة، وأدي هذا الأمر إلي تدخل الدول الغربية بحجة إخماد الفتنة.

ولم يقتصر أمر الاهتمام بالغزو التبشري باسم الدين والعلم علي أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل شمل روسيا القيصرية فأرسلت البعثات التبشيرية، وبالرغم من تباين وجهات النظر السياسية بين البعثات التبشيرية بالنسبة لمنهجها السياسي باعتبار مصالحهم الدولية فقد كانت متفقة في الغاية، وهي: بعث الثقافة الغربية إلي الشرق، وتشكيك المسلمين في دينهم، وحملهم علي الابتعاد عنه، وعلي احتقار تاريخهم، وتمجيد الغرب وحضارته، كل ذلك مع بغض شديد للإسلام والمسلمين واحتقارهم واعتبارهم برابرة متأخرين، يقول الفرنسي الكونت هنري ديكاستري في كتابه (الإسلام) سنة (1896م) ما لفظه:

لست أدري مالذي يقوله المسلمون لو علموا أقاصيص القرون الوسطي وفهموا ما كان يأتي في أغاني المغنيين المسيحيين، فجميع أغانينا حتي التي ظهرت قبل القرن الثاني عشر ميلادي صادرة عن فكر واحد كان السبب في الحروب الصليبية، وكلها محشوة بالحقد علي المسلمين؛ للجهل الكلي بديانتهم، وقد نتج عن تلك الأناشيد بتثبيت هاتيك القصص في العقول ضد ذلك الدين ورسوخ تلك الأغلاط في الأذهان ولا يزال بعضها راسخا إلي هذا اليوم.

فنتج عن هذه الغزوات التبشيرية تمهيد الطريق للاستعمار الأوروبي ليستولي علي العالم الإسلامي سياسياً بعد أن تمكنت منه ثقافياً؛ فالاستعمار كان في مدارس المسلمين قبل استعمار الأرض عبر الاحتلال العسكري وبعده، حيث كان قد وضع بنفسه مناهج التعليم والثقافة، علي أساس فلسفته وحضارته، ثم جعل الشخصية الغربية الأساس الذي تنتزع منه الثقافة، كما جعل تاريخه ونهضته وبيئته المصدر الأصلي لما يحشو به عقول المسلمين السذج

منهم خاصة، فالدين الإسلامي يعلم في المدارس الإسلامية كمادة روحية أخلاقية فقط، وليس منهج ودستور متكامل للحياة في كافة مجالاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وهذا ترسيخ لمفهوم الغرب عن الدين الذي فصلوه عن الدولة. فحياة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله تدرس لأبنائنا منقطعة الصلة عن النبوة والرسالة وتدرس كما تدرس حياة بسمارك ونابليون مثلاً . وتألفت في بيروت سنة (1870م) جمعية سرية، وأخذت هذه الجمعية تركز نفسها علي فكرة سياسية، فأخذت تبعث فكرة القومية العربية، والذين قاموا بتأسيسها هم خمسة شبان من الذين تلقوا العلم في الكلية البروتستانتية في بيروت، وبعد مدة استطاعوا أن يضموا إليهم عدداً قليلاً، وبدأت تدعو هذه الجمعية عن طريق المنشورات وغيرها إلي استقلال العرب السياسي، وخاصة في سوريا ولبنان وإلي القومية العربية، والي إثارة العداء للدولة العثمانية وتسميها (التركية) وتعمل علي فصل الدين عن الدولة، وجعل القومية العربية هي الأساس، والذي يتتبع تاريخ هذه الحركات يجد أن الغربيين هم أنشؤوها وأنهم كانوا يراقبونها ويشرفون عليها، للتفصيل راجع كتاب عوامل ضعف المسلمين: ص29 50.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص58 ق1 ب1 ف5 ح597.

() هو الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية ثورة العشرين، ولد بشيراز عام (1256ه) ونشأ في الحائر الشريف، فقرأ فيه الأوليات ومقدمات العلوم، وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل، فهاجر إلي سامراء في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الشيرازي حتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد أن توفي أستاذه الجليل تعين للخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب، فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. ولم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم

وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية، وإصداره تلك الفتوي الخطيرة التي أقامت العراق وأقعدته لما كان لها من الوقع العظيم في النفوس. فهو? فدي استقلال العراق بنفسه وأولاده وكان أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم. وكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا عن رأيه وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته في كربلاء المقدسة. توفي? في الثالث عشر من ذي الحجة عام (1338ه) مسموماً ودفن في الصحن الحسيني الشريف ومقبرته فيه مشهورة. راجع طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر: ج1 ص261 الرقم 561.

() ثورة العشرين: هي ثورة عارمة ضد الاستعمار الإنجليزي في العراق عام (1338ه 1920م)، قادها الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه وذلك حين أصدر فتواه الشهيرة ضد التواجد الإنجليزي في العراق مما اضطروا للخروج من العراق بعد الخيبة والانكسار، انظر الحقائق الناصعة، لمزهر آل فرعون.

() الحزب الحاكم في العراق منذ (17/ تموز/ 1968م) هو حزب البعث الحزب الوحيد الحاكم وهو حزب قومي علماني يدعو إلي الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم الإسلامية والعربية لصهرها وتحويلها إلي التوجه الاشتراكي، شعاره المعلن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة). وأهدافه: (الوحدة، والحرية، والاشتراكية)!!

في سنة (1932م) عاد من باريس قادماً إلي دمشق كل من ميشيل عفلق وهو نصراني ينتمي إلي الكنيسة الشرقية، وصلاح الدين البيطار، وذلك بعد الدراسة العالية في فرنسا علي يد كبار المستشرقين، ومن أشهر هؤلاء المستشرقين لويس ماسنيون الذي قال عن عفلق مؤسس حزب البعث: هو أخلص تلميذ تتلمذ علي يدي. فعادا عفلق والبيطار محملين بأفكار قومية وثقافة غربية، فعملا في مجال التدريس، ومن خلاله أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب. وأصدر تجمع أنشأه عفلق والبيطار مجلة الطليعة بالاشتراك مع

الماركسيين سنة (1934م) وكانوا يطلقون علي أنفسهم اسم (جماعة الإحياء العربي).

وفي نيسان (1947م) تم تأسيس حزب تحت اسم (حزب البعث العربي)، وكان من المؤسسين: ميشيل عفلق، صلاح البيطار، جلال السيد، زكي الأرسوزي، كما أصدروا مجلة باسم البعث.

وفي سنة (1953م) اندمج كل من حزب (البعث العربي) وحزب (العربي الاشتراكي) الذي كان يقوده أكرم الحوراني في حزب واحد أسمياه (حزب البعث العربي الاشتراكي).

استولي أحد أجنحة الحزب المنشقة علي السلطة في العراق بعد أحداث دامية سارت علي النحو التالي:

في (14 تموز 1958م) حدث انقلاب علي النظام الملكي بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، فقتل الملك فيصل الثاني وولي عهده عبد الإله ومن عثر عليه من أفراد العائلة المالكة، ونوري السعيد وأعوانه، فاسقط النظام الملكي، وبذلك انتهت الملكية في العراق، ودخل العراق دوامة الانقلابات العسكرية.

وبعد عشرة أيام من نشوب الثورة وصل ميشيل عفلق إلي بغداد وحاول إقناع أركان النظام الجديد بالانضمام إلي الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) ولكن الحزب الشيوعي العراقي أحبط مساعيه، ونادي بعبد الكريم قاسم زعيما أوحد للعراق. وفي (8 من شباط 1963م) قام حزب البعث بانقلاب علي نظام عبد الكريم قاسم، وقد شهد هذا الانقلاب قتالاً شرسا وأحداثاً دموية رهيبة في بغداد وأغلب مدن العراق، وبعد نجاح هذا الانقلاب تشكلت أول حكومة بعثية، وسرعان ما نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف من حزب البعث في العراق، فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق في (18 تشرين الثاني 1963م) وعين عبد السلام عارف أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين نائباً لرئيس الجمهورية. وأوصي ميشيل عفلق بتعيين صدام التكريتي عضوا في القيادة القطرية لفرع حزب البعث العراقي. وبعد مقتل عبد

السلام عارف في حادث الطائرة المدبر في عام (1966م) استلم أخوه عبد الرحمن عارف رئاسة العراق الذي اتّسم حكمه بالتدهور الاقتصادي والمعاشي وبالتمييز الطائفي والعنصرية والقبلية، وكان يتأثر بالمحيطين به ويثق بهم، ويتبني عادة رأي آخر من يقابله.

نحي عن السلطة بعدما أوعزت المخابرات الأمريكية والبريطانية إلي عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداود وأحمد حسن البكر بتغيير السلطة في العراق، حيث نفي إلي تركيا.

ففي (17/ تموز/ 1968م) قام حزب البعث العراقي بالتحالف مع ضباط غير بعثيين بانقلاب أسقط نظام عبد الرحمن عارف، وفي اليوم الثلاثين من الشهر نفسه طرد حزب البعث كافة من تعاونوا معه في انقلابه، وعين أحمد حسن البكر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للجمهورية وقائدا عاما للجيش، وأصبح صدام التكريتي نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، ومسؤولاً عن الأمن الداخلي.

وتمت تصفيات عديدة في صفوف قادة الحزب كان مدبرها ومخططها صدام التكريتي، ففي سنة (1970م) تم اغتيال الفريق حردان التكريتي في الكويت، الذي كان من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي وعضواً في مجلس قيادة الثورة، ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع. وفي عام (1971م) تم اغتيال فؤاد الركابي، وكان المنظر الأول للحزب، وأحد أبرز قادته في العراق وقد تم اغتياله داخل السجن. وفي عام (1973م) جري إعدام ناظم كزار رئيس جهاز الأمن الداخلي وخمسة وثلاثين شخصا من أنصاره، وذلك في أعقاب فشل انقلاب قاموا به. وفي عام (1975م) وقعت الحكومة العراقية مع شاه إيران الاتفاقية المعروفة باتفاقية الجزائر. وفي عام (1979م) أصبح صدام التكريتي رئيسا للجمهورية العراقية بعد إعفاء البكر من جميع مناصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله، وقيل: إن صدام أمر بقتله بواسطة الدكتور صادق علوش بحقنة ترفع نسبة السكر لديه وذلك عام (1982م).

وفي العام نفسه 1979م قام صدام بحملة إعدامات واسعة طالت أكثر من ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من خمسمائة عضو من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي. وقد بلغ عدد من أعدمهم صدام خلال أقل من شهر واحد ستة وخمسين شخصاً من كبار أعضاء حزبه، ولم يبق علي قيد الحياة من الذين شاركوا في انقلاب عام (1968م) سوي عزت الدوري وطه الجزراوي وطارق حنا أو يوحنا عزيز.

وفي يوم (22/ أيلول/ 1980م) شن صدام حربه علي إيران بعد إلغائه اتفاقية الجزائر التي وقعها مع الشاه التي أسفرت عن سقوط ما يزيد علي النصف مليون من شباب العراق وأكثر من سبعمائة ألف من المعاقين والمشوهين، هذا غير جيش الأرامل والأيتام والمعاقين الذين خلفتهم الحرب، وغير من أعدموا بسبب رفضهم المشاركة بهذه الحرب الغبية كما سماها أحد المحللين السياسيين إضافة إلي نفقات الحرب التي تجاوزت مائتي ألف مليون من الدولارات، وكذلك تجميد كل تنمية طوال مدة زمنية تجاوزت الثماني سنوات، بعد ذلك خرج صدام بعد كل هذه التضحيات ليعلن للعالم أن حربه مع إيران كانت خطأ، وأن الحق هو العودة إلي الاتفاقية المبرمة بينهما اتفاقية الجزائر .

وفي أثناء حربه مع إيران أنزل بالمواطنين الأكراد أبشع أنواع القتل والبطش والتنكيل والإبادة باستخدام الغازات السامة والكيماوية وقنابل النابالم الحارقة بصورة همجية لم تعرف حرمة لشرع ولا لدين ولا لمروءة ولا لشرف.

وقد ذاق الشعب العراقي الأمرّين علي يد هذا النظام وجلاوزته عقب الهزيمة المنكرة في حرب الخليج الثاني، عندما قام النظام باجتياح دولة الكويت واستباح أرضها وطرد شعبها وخرب منشآتها ونهب متاجرها وقتل أبناءها وفجّر آبار النفط فيها، فقادت الولايات المتحدة تحالفاً أخرج الجيش العراقي وتم طرده من الكويت، الأمر الذي

أنزل به هزيمة كاسحة راح ضحيتها مئات الآلاف من جنود الجيش العراقي، وجعله يستسلم في ذلة وخنوع ويوافق علي كل شروط قوات الحلفاء، بعد أن دكت طائرات التحالف كافة المنشآت والمرافق في العراق، وتركتها خرابا، في معركة غير متكافئة أطلق عليها أسم (عاصفة الصحراء)، ورجعت الحكومة الكويتية من منفاها ومارست سلطاتها. وثار الشعب العراقي في انتفاضة كبيرة عرفت بالانتفاضة الشعبانية، حيث حررت خمس عشرة محافظة من محافظات العراق الثمانية عشر، وبعد مساندة من أسياده المستعمرين ومؤامرات بعض دول الجوار وانقطاع الإمدادات عن الثوار بدأت الكفة تميل لصالح قوات النظام فقام بالبطش الشديد بالشعب المغلوب علي أمره، وأمر هذا الطاغية جنده أن يدكوا بمدافعهم مدنا بأكملها علي رؤوس من فيها من النساء والأطفال والشيوخ والرجال، وانتهكوا حرمة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف.

فقام هذا الطاغية بقمع الانتفاضة الشعبانية، ونكّل بالثوار أشد تنكيل، فقد قدرت أعداد الضحايا بما يزيد علي خمسمائة ألف قتيل وقيل مليون بالإضافة إلي الآف المفقودين والمحتجزين في السجون لا يعرف لهم خبر.

هذا بعض ما جناه العراق من الطغاة الذين تسلطوا علي رقاب شعبه وتمكنوا من التصرف بثرواته وخيراته.

أما عن سلوكيات ومبادئ حزب البعث في العراق، فقد نادي مؤسس الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد؛ لأنه وكما يقول عفلق : إن القدر هو الذي حملنا هذه الرسالة، وخولنا أيضا حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة لفرض تعليمات الحزب.

ومن ثم لا يوجد أي مواطن عراقي يتمتع بأبسط قدر من الحرية الشخصية أو السياسية في قبال ذلك؛ فكل شيء في دولة العراق يخضع لرقابة بوليسية صارمة، وتشكل دوائر المباحث والمخابرات والأمن قنوات الاتصالات الوحيدة بين المواطنين والنظام.

وتركز سياسة الحزب علي قطع كافة الروابط بين العروبة والإسلام، وتنادي

بفصل الدين عن السياسة، والمساواة بين شريعة حمورابي وشعر الجاهلية وبين الدين الإسلامي.

وادعت سياسة الحزب أن تحقيق الاشتراكية شرط أساسي لبقاء الأمة العربية ولإمكان تقدمها، مع أن النتيجة الحتمية للسياسة الاشتراكية التي طبقت في العراق لم تجلب الرخاء للشعب، ولم ترفع مستوي الفقراء، ولكنها ساوت الجميع في الفقر، وبعد أن كان العراق قمة في الثراء ووفرة الموارد والثروات، أصبح بطيش الحزب الحاكم عاجزاً عن توفير القوت الأساسي لشعبه، كما قام بتجريد الدستور العراقي من كل القوانين التي لها صلة بالإسلام، فأصبحت العلمانية هي دستور العراق، ومعتقدات صدام وحزبه ومبادؤه هي مصدر التشريع لقوانينه.

لقد ورد في التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع المنعقد ببغداد عام (1982م) ما يلي: وأما الظاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة متخلفة في النظرة والممارسة.

ولذلك فقد اتجه صدام التكريتي وحزبه إلي إعلان الحرب علي الإسلام والعاملين له في كافة المجالات، ولسان حاله: وكنت امرءً من جند إبليس فارتقي بي الحال حتي صار إبليس من جندي.

فقام بقتل العلماء ومهاجمة الحوزات العلمية، وأصدر أوامره بإغلاق مئات المساجد والحسينيات والمراكز الإسلامية في العراق؛ لمجرد أن الشباب المسلم يلتقي فيها، وقام بإلقاء القبض علي من يتردد إليها، وتتابعت القرارات بإعدام الآلاف من الشخصيات الإسلامية.

وأحال الكثيرين من أساتذة الجامعات إلي التقاعد، ثم قدمهم إلي المحاكمة، وصدرت بحقهم أحكام مختلفة بسجنهم لفترات طويلة.

كما قام بالجرائم التالية: محاربة ارتداء الحجاب الإسلامي بين الفتيات المسلمات، وتشجيع العلاقات غير الشرعية بين الفتيان والفتيات، وفتح النوادي الليلية وتشجيع الفساد في كافة المجالات. وكان هذا النظام من آخر الدول التي قبلت الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بعدما شعر بعزله إسلامياً، ولم يلتزم بقرارات المؤتمر عملياً، كما دأب علي دعم النظم العلمانية ضد كل من

يرفع شعار الإسلام سواء في لبنان أو كشمير أو فلسطين أو قبرص أو أفغانستان، وهكذا في كل قضية إسلامية أخذ موقعه إلي جانب القوي المعادية للإسلام.

وقد جلب من وسائل التعذيب في سجون ومعتقلات بلاده ما تقشعر لهوله الأبدان، وعرف عن جلاوزته أنهم يلجئون إلي أبشع وسائل التعذيب شناعة وقساوة في سبيل انتزاع الاعترافات من المساجين أو ثنيهم عن معتقداتهم، حتي فاق كل طغاة التأريخ في الإرهاب.

وقد اتضحت سياسة طغاة العراق وكذبهم في المناداة بالوحدة وانكشفت أطماعهم في السعي للهيمنة علي العالم العربي عن طريق الضم بالقوة، حيث بدأ بمنطقة الخليج، وتسببت في انهيار وعجز الأمة العربية بمختلف مؤسساتها ومنظماتها عن ردع العدوان الإسرائيلي.

وفضحت أطماع وتوجهات هذا الحزب لاحتلال السعودية والكويت ودول الخليج العربي، بعدما وجهوا صواريخهم لضرب المدن في الجزيرة العربية، وقاموا بنسف آبار النفط في الكويت وإضرام النار فيها. وغير ذلك من الويلات والمآسي التي جرت علي الشعب العراقي الذي ابتلي بهذا النظام.

لا شك أنه بشخص صدام التكريتي ونظامه قد انكشف زيف وكذب ادعاءات وشعارات الحزب الحاكم في العراق وأصبح مرفوضا علي المستوي المحلي والعربي والإسلامي، بسبب أسلوبه الهمجي في التعامل مع جيرانه وأشقائه ومواطنيه، كما أصبح صدام ممقوتا من حيث جبلته الشريرة وغريزته العدوانية المسعورة، وجنون العظمة المسيطر علي تصرفاته، ولجوئه إلي المخادعة بعد أن انكشفت نواياه الخبيثة في التعامل مع شعبه وفي حربه مع إيران، ثم في انقلابه علي الكويت الداعمة له في حربه السابقة.

ومن الملاحظ أن كلمة الدين لم ترد مطلقا في صلب الدستور العراقي. وان كلمة الإيمان بالله علي عموميتها لم ترد في صلب الدستور، لا في تفصيلاته، ولا في عمومياته، مما يؤكد علي الاتجاه ضد الديني في الحزب الحاكم

في العراق، حتي في بناء الأسرة لا يشيرون إلي تحريم الزني ولا يشيرون إلي آثاره السلبية. أما في السياسة الخارجية لا يشيرون إلي أية صلة مع العالم الإسلامي. ولا يشيرون إلي التاريخ الإسلامي الذي أكسب الأمة العربية مكانة وقدرا بين الشعوب. ورغم تظاهر الحزب بالمطالبة بإتاحة أكبر قدر من الحرية للمواطنين فإن ممارساته القمعية فاقت كل تصور وانتهكت كل الحرمات ووأدت كل الحريات وألجأت الكثيرين إلي الهجرة والفرار بعقيدتهم من الظلم والاضطهاد.

والنظام الحاكم في العراق يتطلع إلي استلام السلطة في جميع أرجاء الوطن العربي؛ باعتبار ذلك جزءا لا يتجزأ من طموحاته البعيدة، وقد أدت بهم هذه الرغبة العارمة إلي السقوط في حمأة الإنذار المقنع والتهديد السافر والعدوان الصريح، وربما يكون حزب صدام وزمرته أسوأ ما شهده التاريخ في هذا البلد. فراح يجمع السلاح ويهدد جيرانه ولا يتجاوب حتي مع الذين أوصلوه إلي منصبه الذي هو فيه من الصهاينة والأمريكان، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالفها الدولي، وطلبت من حكومة طاغية بغداد بالكشف عن ما يمتلكه العراق من أسلحة الدمار الشامل، إلا إن صدام أمتنع عن ذلك فقررت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا غزو العراق تحت غطاء مطاردة الإرهاب والبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية اعتماداً علي قرار مجلس الأمن الدولي المرقم (1441) الذي ينص ضمنيا علي إمكانية تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل بالقوة العسكرية في حال عدم تعاونه مع هيئات التفتيش التابعة للأمم المتحدة، فقامت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومن تحالف معهم بشن الحرب علي العراق عبر حملة عسكرية عرفت بعملية تحرير العراق، حيث أدي ذلك إلي انهيار نظام العفالقة ببغداد بعدما جر علي العراق ماجر من الويلات والمآسي والفجائع التي كانت

معروفة والتي لم تكن معروفة للشعب ولكن كشفت عنها بعد انهيار النظام، حيث ظهرت المئات بل الآلاف من المقابر الجماعية التي تضم مئات الآلاف من الشعب العراقي، وسيظل يندي جبين الانسانية لهذه الفجائع التي ارتكبت بحق هذا الشعب المظلوم، وكان يوم (9/4/2003م) يوم انهيار النظام الذي عرف بيوم سقوط التمثال، يوما مشهودا بكل تفاصيله ولاينسي من ذاكرة الملايين من المظلومين من أبناء العراق. وهكذا طويت صفحة سوداء من تاريخ العراق والعراقيين، حيث كان هذا الشعب المظلوم يجاهد نظام العفالقة الظالم وهو يحمل عقيدة الثبات علي نهج الدين الحنيف والمبدأ الحق مبدأ ومنهج الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وهو الذي يحفظ الإسلام والمسلمين من جور الجائرين، والمحرفين لأحكام الدين القويم..

() الشيوعية: مذهب سياسي يهدف إلي القضاء علي الرأسمالية والملكية الخاصة. وتعد الشيوعية من أشد المذاهب الاشتراكية تطرفاً، وتتميز بأنها حركة ثورية تري أن تحقق إنشاء مجتمع يتساوي أفراده في الحقوق لا يكون إلا باستعمال القوة المسلحة؛ فهي لذلك تحارب الديمقراطيات وخاصة التي تشجع الرأسمالية.

يرجع ظهور الحركة الشيوعية في روسيا إلي عام (1903م) عندما انشق أتباع كارل ماركس إلي معسكرين: إصلاحي وراديكالي بزعامة لينين. فلما حاز هذا الأخير الأغلبية عرف بحزب الأغلبية التي يعبر عنها في الروسية بكلمة: بولشفيك، ومن هذا قامت العلاقة اللفظية بين البولشفية والشيوعية التي هي مذهب سياسي.

تميزت سياسة لينين (ومن بعده تروتسكي) بمحاولة نشر المبادئ الشيوعية في العالم باستخدام القوة، وذلك بتشجيع الثورة بين الطبقات العاملة في المجتمعات الرأسمالية كما وضحه ماركس في الإعلان الشيوعي لهذا تناهض الشيوعية القوميات والديانات، وتطلب من الشيوعي الولاء التام لعقيدته ولزعمائه.

كما أصبحت سياسة الدول الرأسمالية لاسيما الولايات المتحدة تهدف إلي حصر الشيوعية، والعمل علي وقف

تسللها وغل يديها عن اكتساب مناطق نفوذ جديدة، فأقامت الأحلاف والقواعد العسكرية علي حدود الدول الشيوعية، كما منحت الدول التي يخشي وقوعها في نطاق نفوذ الشيوعية قروضاً وإعانات لرفع مستواها الاجتماعي أو لتقوية دفاعاتها، وقد كانت الحرب الكورية والفيتنامية أمثلة لهذا الصراع العقائدي بين الرأسمالية والشيوعية.

تعرف الدول الشيوعية بدول الاشتراكية، في حين أطلق الغرب عليها اسم دول الستار الحديدي أو الدول البلشفية أو الدول الحمراء، ومع أن اتحاد الجمهوريات السوفيتية يعتبر قاعدة العالم الشيوعي إلا أن المبادئ الشيوعية كما صورها ماركس لم توضع موضع التطبيق الكامل فيها، بل أن الساسة السوفييت بعد وفاة لينين وفي مقدمتهم ستالين لم يروا ضيراً في الانحراف عن المبادئ الماركسية بعض الشيء، وانتهاج سياسة مرنة في معالجة التطبيقات الاقتصادية كحقوق الملكية الخاصة، ومن ثم بدأ الانشقاق العقائدي في المعسكر الشيوعي فاعتبرت الصين الشعبية (ومعها ألبانيا) أن الاتحاد السوفيتي قد تنكر للمبادئ الماركسية الأصيلة، كما سبق أن كان الانشقاق في المعسكر الشرقي بسبب الخلاف حول مدي تبعية الدول الاشتراكية لموسكو، وعلي هذا الأساس نشبت الحرب الباردة في داخل المعسكر الشيوعي بين الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا. انظر القاموس السياسي: ص704 ?شيوعية?.

ووصلت الشيوعية إلي الكثير من البلاد الإسلامية ومنها العراق، حيث تغلغلت الأفكار الشيوعية بين أوساط البسطاء من الجماهير في العراق عبر عملاء الاستعمار، الذين طبّلوا وزمروا كثيراً لتلك الأفكار المزيفة والشعارات الفارغة، فأخذ كثير من السذج والبسطاء من الناس يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وفق مبدأ الشيوعية، وعلي اثر ذلك شعر الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه الذي كان عمره الشريف لم يتجاوز الثلاثين بعد والكثير من العلماء بمسؤولياتهم تجاه تلك الأفكار الفاسدة والآراء المنحرفة، فتصدوا لها عبر وسائل عديدة، موضحين أن الإسلام وحده

هو القادر علي تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد ذكر الإمام الراحل بعض تلك الأساليب التي اتبعها في مواجهة الشيوعية، وذلك في كتاب (تلك الأيام)، فوصف بعض ما مر علي المجتمع نتيجة ظهور تلك الأفكار فقال:

عندما قام قاسم بالانقلاب العسكري وأسقط الملكية سمح للحزب الشيوعي بالعمل والتحرك بحرية، فانتشر الشيوعيون في كل مكان وملئوا البلاد ضجيجاً وصراخاً، وأخرجوا النساء من بيوتهن وطالبوهن بالتظاهر أمام الرجال، وكانوا يعتدون عليهن في العلن، أضف إلي ذلك أنّهم كانوا يرمون الأفاعي والعقارب الحية علي المخالفين لهم، وكانوا يقطّعون أجسام المعارضين في الشوارع قطعة قطعة، ويحرقون المعارض لهم وهو حي بعد أن يسكبوا عليه النفط أو البنزين، أو يعلّقوا المعارض لهم حيّاً كان أو ميّتاً علي قنارة القصابين ثم يقطعوه بالساطور أو بعض أجزائه، وكذا يمدّون الضحية علي الأرض بعد أن يربطوه بالحبال ثم يُداس بالسيارة الثقيلة المعدّة لتسوية الأرض والتي تسمّي بالرولة (المحدلة).

ومن أساليبهم أنّهم كانوا يضعون سيارتين في جهتين متخالفتين، ويربطون قدمي المعارض لهم أو الذي يشكّون أنه معارض إلي السيارتين، إحدي القدمين إلي هذه السيارة والأخري إلي السيارة الثانية، ثم تتحرك السيارتان في الاتجاهين المختلفين، فينشق الضحية وهو حيّ إلي نصفين. إلي أن قال ويفعلون المنكرات، وكان يحدث ذلك في بلد المقدسات، بلد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة.

عندما حدثت تلك الفجائع في مدينة كربلاء المقدسة علي يد الشيوعيين، قررنا تشكيل وفد لزيارة العلماء في مدينة النجف الأشرف، لأجل التنسيق مع علمائها الأعلام للوقوف حيال الهجمة الشيوعية الشرسة التي تجتاح البلاد، وكان يرافقني السيد محمد صادق القزويني والشيخ جعفر الرشتي والسيد مرتضي القزويني وعلماء آخرون في حدود العشرين شخصاً. وأول من التقينا به الشيخ محمد رضا المظفر رحمة

الله عليه وكان إنساناً معطاء، طيّب النفس، جليل القدر، يحب خدمة الآخرين، وهو الذي أسس ?كلية الفقه? التي لازالت قائمة، وكان من رأي الشيخ المظفر أن ندعو الآخرين إلي مجلس موسَّع، فأبدينا موافقتنا لاقتراحه.

وأسرع العلامة المظفر في تهيئة مكان الاجتماع الذي حضره علماء النجف من المرتبة الثانية والثالثة وكانوا قرابة الأربعين عالماً وفقيهاً بما فيهم من السادة آل بحر العلوم والسادة آل الصدر وآل راضي ومن أشبههم.

وجري حوار طويل في ذلك الاجتماع، حول ضرورة التصدي للهجمة الشيوعية، وإن السكوت عنهم سيترك آثاراً وخيمةً؛ لأن الشيوعيين قائلون باللاءات الخمسة لا للدين، لا للفضيلة، لا للملكية الفردية، لا للعائلة، لا للحرية وإذا لم نقف قبالهم فإنهم سيفعلون ما فعلوا في موسكو؛ لأن شيوعية العراق فرع للشيوعية الأمميّة التي تنتمي إلي موسكو.

والشيوعيون في العراق لم يكن بيدهم زمام الأمور، وإنما كانوا ألعوبة تحرّكهم أصابع السفارة البريطانية في بغداد، وهذا ما أكده السفير البريطاني بعد فترة من انتهاء عهد عبد الكريم قاسم، حيث كتب السفير في صحيفة الحياة اللبنانية مقالاً جاء فيه:

إننا سمحنا لخروج الشيوعيين إلي الساحة، أما الحكم في الأصل كان بأيدينا. وهو العمل نفسه الذي يقوم به الإنجليز في بعض البلدان الإسلامية الأخري، فالذي حدث في أفغانستان كان علي غرار ما حدث في العراق. وكان المطلوب من الشيوعيين أن يجنِّدوا جميع طاقاتهم للعبث بمقدرات العراق.

وكانت العشائر العراقية وقتها ذات قوة لا يستهان بها، والحوزة العلمية وعلماؤها ومفكّروها أقوياء ولهم نفوذ علي العشائر، والمثقفون الإسلاميون أقوياء كذلك، وأثمرت تلك الاجتماعات التي عقدت في النجف الأشرف، فتمخضّت في النهاية عن تشكيل ?جماعة العلماء? وكانوا جميعاً من علماء المرتبة الثانية والثالثة، وسارع علماء الدرجة الأولي إلي تأييدهم، أمثال: والدي رحمة

الله عليه والسيد محسن الحكيم رحمة الله عليه وبقية المراجع العظام. بدأت هذه الجماعة في نشاطها المعادي للشيوعية بإصدار المنشورات اليومية ونشرت عدة بيانات في عدة صحف.

وفي المقابل أبدت الحكومة ردود فعل سريعة، فأسس عبد الكريم قاسم جماعة العلماء الأحرار، برئاسة الشيخ عبد الكريم الماشطة الذي كان علي علاقة وطيدة مع الشيوعيين، وقد جمع حوله لفيفاً من أصحاب المظاهر لا المبادئ الذين ينقصهم العلم والتقوي.

وقد استطاع أن يجمعهم بالمال ويشتري مواقفهم بالإغراءات، وكانت هذه الجماعة تؤيد مواقف الحكومة الشيوعية، وقد وضعت الدولة إمكانياتها الإعلامية من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون في خدمة هذه الجماعة، التي لم تكن تمتلك أي رصيد جماهيري، إذ لم يكن بمقدورهم إقامة مجالس شعبية كبيرة، حيث ليس هناك من هو علي استعداد للمشاركة في نشاطاتهم، واستمر هذا الحال علي هذا المنوال حتي مقتل عبد الكريم قاسم، فاختفت هذه الجماعة من الوجود وهرب بعض أفرادها وانزوي الباقي. واستمرت اتصالاتنا بالمراجع العظام، وكنّا نزورهم ونزوّدهم بأخبارنا ونشاطاتنا، ونستمدّ منهم العون، لوقف المدّ الشيوعي.

وفي إحدي السفرات كانت لنا زيارة إلي المراجع كالسيد محسن الحكيم والسيد الحمامي والميرزا عبد الهادي الشيرازي (قدّست أسرارهم) وآخرين، وكان هؤلاء المراجع العظام متفاوتين في التحمّس ضدّ الشيوعيين، بين مهتم بحماسة وغير مهتم، وكان البعض يقول: إن الشيوعيين هم صنيعة الغرب وإنهم سيضمحلون بسرعة. وكان رأينا أنّ علينا أن نقوم بواجبنا الشرعي، ومسؤليتنا الدينية في التصدّي للمنكر مهما كانت أسبابه ودوافعه.

وكان لنا لقاء مع وزير الاقتصاد في حكومة عبد الكريم قاسم، وقد تمّ في مقبرة والدي في حرم الإمام الحسين عليه السلام، حيث كان مكان تدريسي ولقاءاتي، وقد حضر هذا اللقاء لفيف من الأصدقاء، وقد دونت مقتطفات من هذا الحوار في

منشور، قد وزّع في حينه علي المعنيين. وقد ناقشت الوزير حول موضوع الاقتصاد الإسلامي، وقلت له: لماذا لا تقدمون علي تطبيق الاقتصاد الإسلامي؟

فقال لي: وقد بدت عليه آثار التعجب، ما هو الاقتصاد الإسلامي؟

قلت: الاقتصاد الإسلامي: اقتصاد مستقل، ليس اقتصاداً شيوعياً ولا اقتصاداً رأسمالياً ولا اقتصاداً اشتراكياً، بل له خصائص وميزات معينة تفرزه عن المذاهب الاقتصادية الأخري، وقد كتب فقهاؤنا معالم هذا الاقتصاد في كتبهم.

قاطعني وفي حالة استغراب قال: مثلاً!

قلت: يقول الله سبحانه في محكم كتابه: ?فَلَكُمْ رُؤوُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ? (سورة البقرة: 279)، ثم أردفت قائلاً: انظر إلي إحدي كتبنا الفقهية، فقد ضم هذا الكتاب أكثر من خمسين موضوعاً اقتصادياً.

ازداد تعجبه وقال في حالة دهشة: خمسين موضوعاً؟

قلت: نعم، كتاب (جواهر الكلام) الذي يتضمن موضوعات عن البيع والرهن والإجارة والإعارة والمساقات والمزارعة والمضاربة و … وطفقت أعدد له عناوين المعاملات في الفقه الإسلامي، فازداد انبهاره.

ثم أفصح عن انبهاره هذا بقوله: لم اسمع من قبل بكل الذي قلته؟! أجبته: أمر طبيعي إنك لا تعرف شيئاً عن الاقتصاد الإسلامي؛ لأنك لم تدرس شيئاً عن هذا الاقتصاد في المدارس بكافة مراحلها، وعندما دخلت إلي كلية الاقتصاد درستَ كل شيء إلا الاقتصاد الإسلامي، وإنك لو تصفّحت المنهج الدراسي فإنك لا تجد شيئاً عن الإسلام بكافة حقوله، ولو وجدت شيئاً فهو صور ولقطات مشوّهة عن التاريخ الإسلامي، عن الحروب والصراعات، وعن بطش الخلفاء وبطرهم، وما أشبه ذلك، وهي أمور ليس فيها أية فائدة لمن يريد التعرف علي حقيقة الإسلام، بل هي تسبب عنده الاشمئزاز والنفور. أما الأمور المفيدة للمجتمع وبالأخص الأمور الحياتية، فلا تجد في هذه الكتب شيئاً عنها؛ لذا أري من الضروري إضافة الاقتصاد الإسلامي إلي المناهج الدراسية

وعلي الخصوص كلية الاقتصاد ليُدرَّس إلي جانب الألوان الأخري من الأنظمة الاقتصادية، وشيئاً فشيئاً يتم تطبيق هذه القوانين، حتي يتم إزالة الفقر والفاقة من المجتمع، فعند تطبيق الاقتصاد الإسلامي سوف لن تجد فقيراً ولن تجد شخصاً بدون مسكنٍ، وما أشبه ذلك.

وضربت له مثالاً ببلد أوروبي وهو النَرويج، وقلت له: في هذا البلد الأوروبي ينعدم الفقراء، بينما تجد الفقراء والمساكين والمتكففين في بلادنا أينما ذهبت وبالمئات، ناهيك عن الفقراء الآخرين الذين لا يسألون الناس إلحافاً.

إلي أن قال: من هذا المنطق اهتم الإسلام بالاقتصاد ووضع حلولاً لمشاكل البشر الاقتصادية.

ثم خاطبت الوزير: وأنتم من مصلحتكم إن أردتم البقاء، ومن مصلحة البلاد أن تفكروا بتقدمها، وأن تطبّقوا بنود الاقتصاد الإسلامي واحداً تلو الآخر.

قال الوزير بعد أن أصغي لكلامي: الإسلام غير قابل للتطبيق.

قلت له: هذه العبارة يكررها الذين يجهلون حقيقة الإسلام في كل زمان ومكان. ثم أضفت: أي جزء من الإسلام غير قابل للتطبيق؟ هل وجدت شيئاً من الإسلام غير قابل للتطبيق؟ كلامك أيها الوزير يخالف مقولة النبي الأكرم صلي الله عليه و اله: ?حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة? (انظر بصائر الدرجات: ص148 ب13 ح7) ليس في الإسلام بندٌ واحدٌ غير قابل للتطبيق.

صحيح أن هناك حالات نعمل فيها بقانون ?لا ضرر ولا ضرار? أو قانون ?الأهم والمهم?، وهذا لا يعني خروجاً عن الإسلام بل يعني الدخول من الإسلام إلي الإسلام؛ لأن هذه القوانين من واقع وصلب الإسلام. سمع الوزير كلامي وقال: إن شاء الله سأخبر الزعيم عبد الكريم قاسم بهذا الموضوع ثم قام وودعنا متوجها إلي بغداد. انظر كتاب (تلك الأيام) للإمام الراحل: ص126. وأيضاً راجع في هذا الباب: كتاب (الفقه، السياسة): ج106 وكتاب

(مباحثات مع الشيوعيين)، و(القوميات في خمسين سنة)، و(ماركس ينهزم)، وغيرها للإمام الراحل رحمة الله عليه.

() سورة المزمل: 10، 11.

() سورة فصلت: 34 35.

() سورة الحجر: 97 98.

() سورة الأنعام: 33 34.

() سورة ق: 38 39.

() سورة السجدة: 24.

() سورة الأعراف: 137.

() سورة التوبة: 5.

() سورة البقرة: 191.

() حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار: ج1 ض 339 ب48 ح1. سورة القيامة: 20 21.

() سورة القيامة: 20-21.

() الصحيفة السجادية، مناجاة المريدين ليوم الجمعة.

() سورة النساء: 142.

() سورة آل عمران: 139.

() سورة محمد: 35.

() سورة النجم: 39-40.

() سورة الشوري: 15.

() سورة الأنبياء: 94.

() سورة الأنعام: 132.

() سورة هود: 81.

() سورة الحشر: 18.

() سورة البقرة: 219

() سورة الحشر: 21

() سورة الفتح: 29.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة آل عمران: 103.

() سورة آل عمران: 85.

() سورة آل عمران: 19.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الشوري: 38.

() سورة آل عمران: 110.

() سورة المائدة: 3.

() مكارم الأخلاق: ص434.

() بحار الأنوار: ج75 ص26 ب15 ح92.

() بحار الأنوار: ج75 ص180 ب26 ضمن ح4.

() الكافي: ج5 ص85 كراهية الكسل ح1.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص325 ب38 ح14209.

() تحف العقول: ص88 وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام.

() الكافي: ج2 ص82 باب استواء العمل والمداومة عليه ح3.

() الكافي: ج2 ص57 باب فضل اليقين ح3.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص140 ب90 ح12729.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص473 ق6 ب6 ف2 ح10810.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص473 ق6 ب6 ف2 ح10812.

() وسائل: ج16 ص101 ب97 ح21089.

() مكارم الأخلاق: ص435 ف3 في وصية النبي صلي الله عليه و اله لعلي عليه السلام.

() نهج البلاغة، الخطب: 153 صفات الغافلين.

() بحار الأنوار: ج74 ص136 ب6 ح46.

() الكافي: ج2 ص55 باب التفكر ح5.

() تنبيه

الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص11.

() تحف العقول: ص42 ما روي عنه صلي الله عليه و اله في قصار المعاني.

() بحار الأنوار: ج71 ص237 ب15 ضمن ح38.

() نهج البلاغة، الخطب: 34 من خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلي أهل الشام…

() بحار الأنوار: ج75 ص136 ب21 ضمن ح3.

() الكافي: ج2 ص335 باب اتباع الهوي ح1.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص668 المجلس95 ح5.

() تفسير نور الثقلين: ج4 ص584 ح118.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 211.

() تحف العقول: ص233 ما روي عنه عليه السلام في قصار المعاني.

() وسائل الشيعة: ج12 ص39 ب21 ح15584.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص324 ب20 ح9611.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.