النضج وسمو النفس

اشارة

اسم الكتاب: النضج وسمو النفس

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ

إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَي اللهِ

مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

صدق الله العلي العظيم

سورة المائدة: 105

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم …

والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية..

والمعاناة السياسية والاجتماعية التي نقاسيها بمضض …

وفوق ذلك كله الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئن من وطأتها العالم أجمع …

والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرة في حل جميع أزماته ومشكلاته في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة..

والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبث الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق بأهداب الجفون وذرف العيون ومسلات الأنامل..

كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بإعداد مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد..

وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون?().

الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وانذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في كل مواقفه وشؤونه..

كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ

اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ?().

إن مؤلفات سماحة آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها إنعكاساً لشمولية الإسلام..

فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءاً من موسوعة الفقه التي تجاوزت حتي الآن المائة والخمسين مجلداً، حيث تعد إلي اليوم أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي قد تتجاوز بمجموعها ال(1500) مؤلفاً.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن والسنة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية لمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.

رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية وبشواهد من مواقع الحياة.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع (دام ظله) والتي تقارب التسعة آلاف محاضرة ألقاها سماحته في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من إكمال سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان /ص.ب: 6080/13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين().

ضبط النفس

قال تعالي:

?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَي اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ?().

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «مرّ النبي صلي الله عليه و اله بقوم يرفعون حجراً، فقال: ما يدعوكم إلي هذا؟ فقالوا: لنعرف أشدنا وأقوانا، فقال صلي الله عليه و اله: ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟ قالوا: بلي، قال: هو الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له» ().

وعي الإنسان ونضجه وعقلانية تصرفاته من المسائل الصعبة غاية الصعوبة في الدنيا مهما كان مجال الإنسان وتخصصه تاجراً كان أو إدارياً أو طالباً، ولأن النضج والفهم والنظرة العميقة للأمور عمل صعب، فإن تحصيلها لا يتم إلا عن طريق المشقة وبذل الجهد والمواصلة في الفحص وكسب التجارب، ولعل أول الطرق إلي ذلك هو ضبط النفس والسيطرة عليها والوصول بها إلي درجات الكمال، وقد أشار الله تعالي إلي ذلك بقوله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَي اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ? لكن الله سبحانه يأمرنا أن لا نترك سبيل الهداية، وأن نحفظ أنفسنا ولا نتأثر بمن ضل من الناس، لأنه عزوجل هو المرجع النهائي للجميع.

فعندما بيّن سبحانه أحوال الكفار وأنهم ضالون أمر المسلمين باتباع الحق، وانهم لا يضرهم ضلال من ضل. حينما كانوا هم مهتدين ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ? هو اسم فعل بمعني الزم واحفظ، أي احفظوا ?أَنْفُسَكُمْ ? عن الضلال والانحراف

?لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ? من الناس ?إِذَا اهْتَدَيْتُمْ? أي إذا كنتم مهتدين، ومن المعلوم ان من شروط الاهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد وسائر

الواجبات التي هي من هذا القبيل().

فعلي الإنسان المؤمن أن يسلك الطريق الصحيح بصبر واستقامة وضبط لميول النفس، ولا تزحزحه أو تغره الحياة التي يعيشها الناس الضالّون؛ قال تعالي: ?قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?().

وإن ضبط النفس هنا أخص من كبر النفس. وهو ملكة التحمل في خوض الأهوال، وقوة المقاومة مع الشدائد والآلام بحيث لا يعتريه إنكسار، وإن زادت وكثرت الأهوال والشدائد، ولا سيما في الأمور الإيمانية والاعتقادية، بحيث لا يتزلزل بالشبهات والتشكيكات. وهذا الاطمئنان من شرائط كسب الكمال وفضائل الأعمال، إذ ما لم تستقر النفس علي معتقداتها في المبدأ والمعاد لم يحصل لها العزم البالغ علي تحصيل ما تتوقف فائدته عليهما، من الاهتمام والعمل بالأمور الحسنة، وتجنب الأمور القبيحة. وهذه الفائدة ستعطي المجتمع الإسلامي النضج والوعي والإيمان. وتسلك به طريق الهداية.

أما الضد: فسيدخله في المتاهات والحيرة. ولا أقل من الخمول في الهمة وعدم الغيرة والحمية علي الدين وسوء الظن والغضب في كل الأعمال. فقد قال الإمام الباقر أبو جعفر عليه السلام: «من كظم غيظاً وهو يقدر علي إمضائه حشي الله قلبه أمنا وإيماناً يوم القيامة قال ومن ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا غضب حرَّم الله جسده علي النار» ().

تنازع من أجل مائة دينار

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلي الرغائب، فإنك لن تعتاض عما تبذل من نفسك عوضاً» ().

وقال عليه السلام: «عود نفسك فعل المكارم وتحمل أعباء المغارم تشرف نفسك وتعمر آخرتك ويكثر حامدوك» ().

في إحدي مدن العراق، تنازع شخصان من الوجهاء وأهل المكانة المعروفين لدي الناس علي مائة دينار! وتشاجرا للحد الذي كتبت إحدي الجرائد عن هذا الموضوع ونشرته

في صفحتها الأولي، فوضعت صورة هذين الشخصين تتوسطها صورة الدينار وكتبت تحت الصورتين تعليقاً ان هذين الشخصين يريدان ان يصيرا زعيمين للبلاد في المستقبل.

وهذه القصة تكشف عن مدي دناءة الهمة وضعف النفس لدي البعض، وقصوره عن طلب المعالي من الأمور والقناعة، وهذه إحدي نتائج ضعف النفس وصغرها التي أشرنا إليها، وهي ضد ضبط النفس الناتج عن قلة النضج والوعي عند من يتحمل كهذه المسؤولية والمقام.

النضج والحكمة

النضج والحكمة

ومن العوامل التي تقع في طريق تحصيل النضج والحكمة:

أولاً: النفس منطقة الخطر

كيف نتصرف بحكمة، ونكتسب التعقل ونلتزم جانب الإنصاف؟

لا شك في أن ذلك أمر لا يُدرك إلا بشق الأنفس، وطالما قصرت وما زالت تقصر دونه رغبات الناس، وطموحات الرجال. ذلك لأن أول المحكات فيه محك النفس، وهي نقطة الضعف ومكمن الخطر. ونحن لا نريد بذلك أن نلغي العوامل الأخري الهامة من قبل تحصيل المعارف واكتساب التجارب، وتحمل الصعوبات في ذلك، غير أن أول الطرق إلي ذلك فيما نري هو ضبط النفس الأمّارة بالسوء، والسيطرة علي ضعفها، للوصول بها إلي درجات الكمال. والآية الكريمة التي ذكرناها آنفاً () إشارة واضحة إلي ذلك.

إذ أن نفس الإنسان ميالة للدعة، والهروب من المسؤولية، سريعة الرضا بالمستوي المتوافر، كثيرة التبرير للهفوات والتراجعات! فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إياكم وغلبة الدنيا علي أنفسكم فإن عاجلها نغصة وآجلها غصة» ().

وقال عليه السلام: «ألا انه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها» ().

ثانياً: عامل الصبر

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «الزموا الصبر فانه دعامة الإيمان وملاك الأمور» ().

في علم الأخلاق هناك وصيتان:

1: إن الإنسان إذا حصل علي الفضائل، وغرق فيها، فعليه أن لا يخبر أحداً بذلك.

2: لو تعرض الإنسان إلي المشاكل، وغرق فيها، فعليه أن لا يخبر بذلك أحداً. فإن الإنسان الذي يشتكي عند الناس من مشاكله دائماً أو يتباهي أو يشير إلي بعض فضائله ومزاياه، فذلك الإنسان ليس لديه بعد نظر ولا نضج؛ لأن مدح النفس يؤدي إلي سقوط الإنسان من أنظار الناس في المجتمع فان «من مدح نفسه فقد ذبحها» () وكذلك فان إظهار المعاناة والشكوي للناس هي من الأمور التي يتشفي بها الأعداء، ويحزن لها الأصدقاء، وان كلا العملين دليل علي عدم النضج والوعي في بعض الأحيان.

قال رسول الله

صلي الله عليه و اله: «علامة الصابر في ثلاث أولها: أن لا يكسل، والثانية أن لا يضجر، والثالثة أن لا يشكو من ربه تعالي، لأنه إذا كسل فقد ضيع الحق وإذا ضجر لم يؤد الشكر وإذا شكي من ربه عزوجل فقد عصاه» ().

وقال الإمام علي عليه السلام: «خير الناس من إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا ظلم غفر» ().

ثالثاً: عامل العلم والتجربة

ومن بعد عامل النفس والصبر يأتي عامل العلم والخبرة، ذلك لأن من يريد أن يحصل علي النضج والوعي الكافي عليه أن يتسلح بالعلم، فالجاهل لا يمكن أن يكون واعياً وناضجاً أبداً فإن «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج» ().

نضج ووعي السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه ()

ينقل أحد رؤساء العشائر في العراق: إن أحد الخطباء من طلبة الحوزة جاء إلي منطقتهم لغرض التبليغ، وتحدث لهم لمدة عشر ليال عن الخمس والزكاة ووجوبهما وتحدث أيضاً في مواضيع أخري، وعندما أراد الذهاب بعد ذلك والعودة إلي النجف الأشرف يقول رئيس العشيرة طلبت منه أن يتسلم خمس أموالي، وقد بلغ خمسة آلاف دينار وأعطيته المبلغ ليوصله إلي السيد أبي الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه وبعد أن ودعناه، جئت وأخبرت أصدقائي عما جري، فلاموني وقالوا لي: كيف حصل لك الاطمئنان به فأعطيته ذلك المبلغ الضخم؟ فمن الممكن أن لا يوصل المبلغ إلي السيد، وما عليك الآن إلا أن تذهب إلي النجف وتخبر السيد بالموضوع وفعلت ذلك، فوصلت إلي السيد الأصفهاني رحمة الله عليه بين صلاتي المغرب والعشاء، وطلبت منه أن يعطيني وصلاً بمبلغ خمسة آلاف دينار عن الخمس، بعدما شرحت له ما حدث تفصيلاً إلا أن السيد ودون أن يبحث أو يسأل عن شخصية الطالب، أو أن يعلمني بعدم وصول المبلغ إليه، أعطاني وصلاً عن المبلغ، فأطمئن قلبي، ورجعت لأقول لأصدقائي: إن النقود قد أوصلها الخطيب إلي السيد رحمة الله عليه وهذا هو وصل الاستلام وعلمت فيما بعد أن ذلك الخطيب لم يصل بعد إلي النجف، وأن المبلغ لم يصل إليه أيضاً.

وبعد أن وصل الخطيب إلي النجف

في وقت متأخر من الليل بعد جهد كبير تحمله من عناء السفر، ذهب إلي السيد أبي الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه في اليوم الآخر وسلمه المبلغ، وكان من قصده أن يأخذ من السيد وصلاً عن المبلغ ليعود به إلي، غير أن السيد أخبره بالموضوع مفصلاً، ثم قال له: إني أردت بذلك حفظ ماء وجهك كطالب لعلوم الدين، وماء وجهي بل ماء وجه كل أهل العلم.

إن هذا العمل إن دل علي شيء فإنما يدل علي نضج ووعي السيد أبي الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه نتيجة بعد النظر وعلو الهمة، المستحصلة من السعي في تحصيل الكمال، وطلب معالي الأمور من دون ملاحظة لمنافع الدنيا، والحفاظ علي مكانة العلم وطلبته.

النضج اللازم في العمل

يُذكر أن فريقاً من مهندسي المباني، قرروا تشييد بناية مجهزة وواسعة، تتسع لمئات الأشخاص.

وبدءوا بالعمل ولكنهم قبل أن ينتهوا من البناء، ونظراً لعدم تناسب وزن السقف مع البناء الذي تحته، انهارت البناية علي سبعين عاملاً كانوا تحتها، فماتوا تحت الأنقاض.

في حين إن المهندسين كانوا من ذوي الاختصاص، ولا يمكن أن نقول: إنهم لم يعرفوا العلوم الهندسية.

لكن مع ذلك انهار بناؤهم لأنهم لم يكونوا بدرجة من النضج والتجربة في عملهم. لأن العلم حتي يؤدي نتائجه المطلوبة، لابد أن يخلط بالنضج والتجربة، ومعرفة الأمور الفيزيائية، التي قد تخفي علي الجدد من المهندسين؛ ولذا وباستمرار نسمع عن انهيار الأبنية، نتيجة الخطأ في التخطيط، أو في عدم اعتبار العوامل المؤثرة علي ديمومة استقرار البناء أو لمصلحة ذاتية عند القائم بالبناء نتيجة الخسة في النفس، كالطمع في المال الكثير، الذي يسبب عدم منح البناء المقدار الكافي من المواد، مما يسبب بالنتيجة عدم رصانة البناء واستقراره لمدة طويلة، وبالتالي انهياره وربما يموت المئات من

الأبرياء تحته.

شيخ الطائفة رحمة الله عليه ()

يعد شيخ الطائفة من أكبر الشخصيات النادرة في زمانه؛ لأنه كتب الفقه بشكل بديع، بحيث نجد وبعد مرور ألف سنة لا يزال العلماء وطلاب العلوم الدينية يستفيدون منه، وكذلك يُعدّ تفسيره (التبيان) أحد مصادر التفسير الأساسية للقرآن، مع كل هذا فقد أشكل أحد العلماء علي كتابات شيخ الطائفة رحمة الله عليه، حيث كان له رأي حول استنباط الشيخ الطوسي رحمة الله عليه وادعي أن الشيخ قد بين مسألة في التهذيب وخالفها في تفسيره، فقلت له: إذا كان حديث الشيخ مخالفاً لما كتبه في التهذيب فليس هذا لعدم استنباطه لتلك المسألة، بل أحياناً لقوة الاستنباط عنده في ذلك، لأن الاجتهادات المختلفة قد تكون دليلاً علي أن الإنسان صاحب الرأي يتمتع بذهن دفّاق وفكر وقّاد، فإن الفكر الوقاد يفيض علي صاحبه في كل يوم رأياً جديداً، وقد أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي ذلك بقوله: «من أكثر الفكر فيما تعلم أتقن علمه وفهم ما لم يكن يفهم» ().

وقال عليه السلام: «الفكر يوجب الاعتبار ويؤمن العثار ويثمر الاستظهار» ().

ولأن العلوم العقائدية تعتمد علي التفكير والتأمّل وسعة الاطلاع بحيث يجمع بين الأدلة والآراء، فالإنسان كلما بلغ مرتبة من مراتب العلم فإن تفكيره ينضج أكثر، ويساعد علي ثبات النفس في آراءه، فتراه بعد نضجه يأتي بآراء أكثر وعياً وصواباً، والشيخ لكونه في حالة التدرج والصعود في مراتب العلم فالجهل بشيء قبل بلوغه وبعده لا يعتبر تناقضاً، بل هي حالة من حالات كمال النفس وترقيها إلي الأفضل في الاجتهادات.

رابعاً: العبادة والتوسّل

لأن ما يصيبنا من خير هو من عند الله تعالي، ولأن لحظة ابتعاد واحدة عن اللطف الإلهي تعني التيه والضياع، ولأن الاستمداد منه يعني الارتباط بالمدد الذي لا ينقطع، وبالقدرة المطلقة

التي تتلاشي دونها القدرات من جميع الجهات؛ لذلك كان لعباد الله المقدسين طريقهم الخاص للوصول إلي الحقائق وبلوغ المراتب العالية، من العلم بالله، والعمل في سبيل طاعته وعبوديته. وفي الحقيقة: فإن أكثر الأخطاء والعثرات وأوخمها عاقبة عادة ما تنشأ إما من الخوف من خطر دنيوي أو من رغبة في راحة أو متاع زائلين، ومع الارتباط بالله تعالي، لا يبقي لمثل هذا وذاك مجال فإن «من خاف الله أخاف الله منه كل شيء» () كما ورد في الحديث الشريف، وفي قوله تعالي: ?إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً?()، والفرقان هو الهداية والنور في القلوب للتفريق بين الحق والباطل أو الفتح والنصر أو العز في الدنيا والثواب في الآخرة().

خدمة الناس

خدمة الناس مظهر من مظاهر الحكمة والاتزان، فبعد أن يتمتع الإنسان بالصفات المتقدمة التي تكسبه الحكمة والنضج، تظهر علي سلوك الإنسان وتصرفاته فوائد عديدة منها مساعدة الناس وخدمتهم وعادةً هؤلاء ينالون درجات رفيعة.

لقد تابعت في فترة من الزمن تواريخ وقصص بعض الأخيار لأتعرف علي بعض الناس الذين وفقوا لرؤية الإمام الحجة عليه السلام؛ ولذلك سألت من أحد أصدقائنا المقدسين وكان في أكثر حالاته خاشعاً متبتلاً إلي الله تعالي ويحظي بمعنويات عالية، فقلت له: هل تعرف أحداً تشرف برؤية الإمام عليه السلام؟ وبعد الإصرار عليه ذكر هذه القصة: قال: لقد ذهبت مرة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام وبعد أن انتهيت من صلاة المغرب والعشاء قررت الذهاب إلي إحدي القري التي كان لي فيها عشيرة وأقارب، ولكني تذكرت بعد ذلك إنّ امرأة من أقاربي تسكن حالياً في مدينة مشهد المقدسة فقررت زيارتها، فلما وصلت إليها ليلاً رأيتها قد اصفرَّ لونها وبان عليها التعب الشديد، وبعد أن سلمت عليها سألتها وتفقدت

أحوالها وسألت عما ظهر بها من التعب والارهاق، فقالت: ان لي طفل رضيع أقوم بتربيته، وان ابنتي كذلك قد ولدت طفلين (توأم)؛ لذا فاني

لا أستطيع النوم في الليل منذ عدة أيام حيث أسهر علي مراعاتهم، يقول: ففكرت أن أبقي عندها هذه الليلة وأقوم بمساعدتها برعاية الأطفال؛ لكي تستريح هذه المرأة وتنام ليلتها، فأحضرت للأطفال الحليب ووضعته في قنينة الرضاعة، وطلبت من تلك المرأة أن تذهب وتستريح هذه الليلة، وقد استطعت حتي نصف الليل أن أقوم برعاية وتسكين الأطفال، لكن بعد ذلك استيقظ الأطفال الثلاثة من النوم وبدءوا بالبكاء ولم أتمكن من تهدئتهم، فاضطررت أن أنادي أمهم لأسألها عن سبب بكاءهم؟ قالت: يجب أن نغيّر لهم ثيابهم الداخلية ولكني الآن لا أملك ملابس ناشفة() حتي نغيرها.

فقررت أن أقسَّم عباءتي عدة أقسام واستخدمها لهذا الغرض، وفعلاً عملت ذلك وغيرنا ملابسهم فنام الأطفال وذهبت المرأة إلي مكانها لتستريح ثانية، وفي الصباح ودعتهم وذهبت متوجهاً إلي تلك القرية التي يسكنها أقاربي، وكان الطريق يمر عبر بساتين ومزارع، وفي الطريق اعترضتني مجموعة من الكلاب المسعورة واتجهت كلها نحوي لتنهشني، ففزعت جداً واعتراني الخوف الشديد، وبينا أنا كذلك ظهر من جهة البستان رجل فأشار إلي تلك الكلاب فوقفت وسكتت!! ثم قال لي: إن الشخص الذي لا ينام حتي الصباح ليحصل علي رضا الله ويقوم بمراعاة الأطفال الرضع محفوظ من كل سوء. وما ان أكمل هذا الكلام حتي غاب من عيني ولا أدري أصعد إلي السماء أم نزل في الأرض!!

فعرفت عند ذلك أن هذا الشخص الذي خرج لي ساعة الشدة فجأة وأشار إلي تلك الكلاب المسعورة وأسكتها، وفي نفس الوقت كان يعرف خبر رعايتي للأطفال التي لا يعملها إلا الله وأمهم وأنا

كان سيدي ومولاي صاحب الزمان عليه السلام.

نعم، هكذا شخص يحمل هذه النفس الكبيرة والمعرفة بثواب الله وأجره ويقوم برعاية أطفال رضع ولا ينام حتي الصباح؛ لكي يُرضي الله تعالي بمساعدة تلك المرأة وأطفالها، هكذا إنسان يسبغ عليه الله سبحانه عنايته الخاصة ولطفه، وقال عز من قائل: ?فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي?().

زيارة مسجد السهلة

ورد في كتاب البحار: أن رجلاً صادق اللهجة كان حلاقاً، وله أب كبير مسن وهو لا يقصرّ في خدمته، حتي أنه يحمل له الابريق إلي الخلاء، ويقف ينتظره حتي يخرج فيأخذه منه، ولا يفارق خدمته إلا ليلة الأربعاء؛ فانه كان يمضي إلي مسجد السهلة، ثم ترك الروّاح إلي المسجد! فسئل عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الأخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلي قريب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل، وبقيت أمشي حتي بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة. فرأيت أعرابياً علي فرس قد قصدني فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي، فلما انتهي إلي كلمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شيء من المأكول؟

فقلت: لا. فقال: ادخل يدك في جيبك هذا نقل بالمعني وأما اللفظ دورك يدك لجيبك، فقلت: ليس فيه شيء، فكرر عليّ القول بزجر حتي أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيباً كنت اشتريته لطفل عندي، ونسيته فبقي في جيبي.

ثم قال الأعرابي: أوصيك بالعود، أوصيك بالعود، أوصيك بالعود والعود في لسانهم اسم للأب المسن، ثم غاب عن بصري، فعلمت إنه المهدي عليه السلام وأنه لا يرضي بمفارقتي لأبي حتي في ليلة الأربعاء فلم أعد().

من سمات الناضجين

إن الأئمة عليهم السلام في كل عصر ومكان يوصون بخدمة الناس ورعاية الأهل القريب والبعيد؛ لأن رعاية وخدمة الناس من سمات الواعين الناضجين في هذه الحياة، لما فيها من دلالة علي كمال النفس وسعتها، هذا فضلاً عن الفوز برضي الله تعالي ورسوله والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولهذا نجد ذلك من أبرز سمات النبي والأئمة عليهم السلام.

فعن أحد الصحابة إنه رأي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يوماً في شدة الحر

في فناء حائط، فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة!؟

قال عليه السلام: «ما خرجت إلا لأعين مظلوماً أو أغيث ملهوفاً» ().

وجاء في بحار الأنوار: انه عليه السلام كان بشره دائم وثغره باسم غيث لمن رغب، وغياث لمن ذهب، مال الآمال، وثمال الأرامل، يتعطف علي رعيته، ويتصرف علي مشيته ويكفيه بمهجته.

وقال نظر علي عليه السلام إلي امرأة علي كتفها قربة ماء، فحملها إلي موضعها وسألها عن حالها، فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلي بعض الثغور فقتل وترك علي صبياناً يتامي وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلي خدمة الناس فانصرف عليه السلام وبات ليلته قلقاً فلما أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك. فقال: من يحمل وزري عني يوم القيامة، فأتي وقرع الباب. فقالت: من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فان معي شيئاً للصبيان، فقالت: رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: إني أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصبيان فعللهم حتي أفرغ من الخبز. قال: فعمدت إلي الدقيق فعجنته وعمد علي عليه السلام إلي اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره … فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله، اسجر التنور فبادر لسجره … ().

فإذا كان الأئمة عليهم السلام هكذا يقومون برعاية الناس وقضاء حوائجهم وهم القادة والأولياء في أمور العباد، فمن الأولي أن نهتم نحن أيضاً لهذا العمل الكبير؛ ولذا نجد أنهم يمنحون من يقوم برعاية أهله وإخوانه الاحترام والتقدير، ويحصل لذلك الإنسان لياقة برؤية الإمام الحجة عليه السلام.

فكيف بمن يقوم برعاية

جميع خلق الله تعالي وفيهم أولياء الله الصالحين؟ فانه يستحق الثواب الجزيل والدرجات الرفيعة والكمال النفسي والقيادة وتوجيه الناس إلي ما فيه الخير والسعادة لتأسّيه بأهل البيت عليهم السلام.

أبغض الناس

قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن يسمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» ().

أما الذين لا يصلون إلي هذه الدرجة من الاهتمام بالناس، فإنهم لا يتمتعون عادة بالنضج وكبر النفس؛ وبالنتيجة لا يحظي بتوفيق التأسّي والاقتداء بأهل البيت عليهم السلام. وقد أشار إلي ذلك الإمام السجاد عليه السلام بقوله: «إن أبغض الناس إلي الله عزوجل من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله» ().

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «رحم الله عبداً حببنا إلي الناس ولا يبغِّضنا إليهم، وايم الله لو يرون محاسن كلامنا لكانوا أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء» ().

ومن الواضح أن رعاية الناس تحتاج إلي ضبط النفس وعقل رزين والنضج والحكمة في العمل؛ حتي تحقق أهدافها وتعطي نتائجها من نيل مقام القرب عند أهل البيت عليهم السلام وغيره. فان الإنسان الناضج الذي يرعي الناس يكون في راحة، ونفسه فرحة ومسرورة، أما غيره فقد خسر راحة الروح وفضيلة النفس.

بالإضافة إلي أن من يرعي الناس ويخدمهم هو شخص واحد، ولكنه يحظي بمحبة ورعاية كثيرون، ومن لم يراعي الناس فهو واحد أيضاً ولكن يبغضه كثيرون؛ فقد قال الإمام أبو جعفر عليه السلام: «أن أعرابياً أتي النبي صلي الله عليه و اله فقال: أوصني. فكان مما أوصاه أن قال له: تحبب إلي الناس يحبوك» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «من كف يده عن الناس

فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيدياً كثيرة» ().

لذا نري الإسلام يحث علي هذه الفضيلة حيث قال النبي صلي الله عليه و اله: «مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش» ().

اللهم إني أسألك بنور وجهك المشرق الحي الباقي الكريم، وأسألك بنور وجهك القدوس، الذي أشرقت به السماوات والأرضون، وانكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن تصلي علي محمد وآله، وأن تصلح لي شأني كله().

من هدي القرآن الحكيم

التفكر والوعي والاعتبار

قال تعالي: ?كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ? فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ?().

وقال سبحانه: ?إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ?().

وقال عزوجل: ?تِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ?().

وقال جل وعلا: ?قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَي وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ?().

وقال تعالي: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ?().

ثمار العلم

قال سبحانه: ?قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الألْبَابِ?().

وقال عزوجل: ?يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ?().

وقال جل وعلا: ?وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ?().

وقال تعالي: ?يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ?().

المعرفة والعمل

قال سبحانه: ?أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَي إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الألْبَابِ?().

وقال عزوجل: ?أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا?().

وقال جل وعلا: ? أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَي السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ? تَبْصِرَةً وَذِكْرَي لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ?().

وقال تعالي: ?وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ?().

المداراة والرفق بالناس

وقال سبحانه: ?إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً?().

وقال عزوجل: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ?().

وقال جل وعلا: ? وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ?().

وقال تعالي:

?وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ?().

وقال سبحانه: ?قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ?().

من هدي السنة المطهرة

التفكر والوعي والاعتبار

قيل لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: تفكر ساعة خير من قيام ليلة؟

قال عليه السلام: «نعم، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: تفكر ساعة خير من قيام ليلة»، قلت: كيف يتفكّر؟ قال عليه السلام: «يمر بالدور الخربة فيقول: أين بانوك؟ أين ساكنوك؟ مالك لا تتكلمين» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «الفكر يوجب الاعتبار ويؤمن العثار ويثمر الاستظهار» ().

وقال عليه السلام لكميل بن زياد عليه السلام: «.. ومن الزم قلبه فكراً ولسانه الذكر ملأ الله قلبه إيماناً ورحمة ونوراً وحكمة، وان الفكر والاعتبار يخرجان من قلب المؤمن من عجائب المنطق في الحكمة، فتسمع له أقوال يرضاها العلماء وتخشع له العقلاء وتعجب منه الحكماء» ().

وقال عليه السلام: «إذا قدمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «كان أكثر عبادة أبي ذر رحمة الله عليه التفكر والاعتبار» ().

أهمية العلم

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «سألت جبرائيل عليه السلام فقلت: العلماء أكرم عند الله أم الشهداء؟ فقال: العالم الواحد أكرم علي الله من ألف شهيد، فان اقتداء العلماء بالأنبياء واقتداء الشهداء بالعلماء» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «فضل العلم أحب إلي الله من فضل العبادة وأفضل دينكم الورع» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «العلم ضالة المؤمن» ().

وقال عليه السلام: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: طلب العلم فريضة علي كل مسلم فاطلبوا العلم من مظانه واقتبسوه من أهله فان تعلمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة فيه

تسبيح، والعمل به جهاد، وتعلمه لمن لا يعلمه صدقة..» ().

وقال عليه السلام أيضاً: «لا يستخف بالعلم وأهله إلا أحمق جاهل» ().

المعرفة والعمل

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «نوم مع علم خير من صلاة علي جهل» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح مكانه» ().

وقال عليه السلام: «يا كميل، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلي معرفة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من خرج يطلب باباً من علم ليرد به باطلاً إلي حق، أو ضلالة إلي هدي، كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاماً» ().

ثمرة المعرفة ونتائجها

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «ثمرة المعرفة العزوف عن دار الفناء» ().

وقال عليه السلام: «العلماء أطهر الناس أخلاقاً وأقلهم في المطامع أعراقاً» ().

وقال أيضاً عليه السلام: «العلم ينجي من الارتباك في الحيرة» ().

وقال أيضاً عليه السلام: «ثمرة العلم إخلاص العمل» ().

المداراة والرفق بالناس

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «أعقل الناس أشدهم مداراة للناس وأذل الناس من أهان الناس».

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «جاء جبرئيل عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول لك: دار خلقي» ().

وقال عليه السلام: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: «ان لكل شيء قفلاً وقفل الإيمان الرفق» ().

وقال عليه السلام: «أن الله عزوجل رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر:

17-18.

() ألقيت هذه المحاضرة بتاريخ: 17/صفر/1407ه.

() سورة المائدة: 105.

() مشكاة الأنوار: ص182 الفصل24 في محاسن الأفعال.

() تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: المجلد6 تفسير سورة المائدة.

() سورة المائدة: 100.

() تفسير القمي: ج2 ص277 تفسير الشوري.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص231 الفصل 1 في النفس ح4615.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص231 الفصل 1 في النفس ح4618.

() سورة المائدة: 105.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص136 الفصل 1 في الدنيا ح2391.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص232 الفصل 1 في النفس ح4623.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص281 الفصل 7 في الصبر ح6233.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص307 الفصل 6 في الخيلاء ح7058.

() علل الشرائع: ص498 ب253 ح1.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص277 الفصل 6 في الزهد ح6120.

() غوالي اللئالي: ج4 ص70 ح36 الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله.

() غوالي اللئالي: ج4 ص61 ح9 الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله.

() هو السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن السيد عبد الحميد الموسوي الأصفهاني ولد سنة (1284ه) في أصفهان، ورد إلي النجف الأشرف أواخر القرن الثالث عشر وأقام في كربلاء مدة، وبعد وفاة السيد محمد كاظم اليزدي رشح رحمة الله عليه للزعامة الدينية، وبعد وفاة الشيخ أحمد كاشف الغطاء والشيخ الميرزا حسين النائيني تهيأ له رحمة الله عليه الظهور بالمرجعية العامة. توفي (قده) في ذي الحجة عام (1365ه) في الكاظمية ونقل جثمانه إلي النجف ودفن في الصحن الغروي الشريف.

انظر معارف الرجال: ج1 ص46 الرقم 21.

() هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي شيخ الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة عين صدوق، عارف بالأخبار والرجال، والفقه والأصول، والكلام، والأدب، وجميع الفضائل تنسب إليه. ولد في شهر رمضان سنة (385ه) وتوفي رحمة الله عليه في شهر

محرم سنة (460ه) ودفن بالمشهد الغروي المقدس، له رحمة الله عليه مؤلفات كثيرة منها: المجالس المشتهر بالأمالي، الغيبة، والمصباح الكبير، المصباح الصغير، الخلاف، والمبسوط، والفهرست، والرجال، … الخ.

أنظر روضات الجنات: ج6 ص216 باب ما أوله الميم.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص57 الفصل5 في الفكر ح573.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص58 الفصل 5 في الفكر ح589.

() بحار الأنوار: ج66 ص406 ب38 ح114، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام.

() سورة الأنفال: 29.

() راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي رحمة الله عليه: المجلد2 ص536 سورة الأنفال.

()المقصود منها قطع من القماش تستخدم كحفاظات للأطفال للاستعمال المتكرر.

() سورة آل عمران: 195.

() بحار الأنوار: ج53 ص245246، عن جنة المأوي الحكاية: 18.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص416 ب29 ح14476.

() بحار الأنوار: ج41 ص51 ب104 ح3.

() بحار الأنوار: ج71 ص339 ب20 ح120.

() بحار الأنوار: ج67 ص204 ب53 ح11.

() مشكاة الأنوار: ص180 الفصل 24 في محاسن الأفعال.

() مشكاة الأنوار: ص177 الفصل 22 في ذكر المداراة وحسن الملكة.

() مشكاة الأنوار: ص177 الفصل 22 في ذكر المداراة وحسن الملكة.

() بحار الأنوار: ج72 ص440 ب87 ح108.

() مصباح المتهجد: ص101.

() سورة البقرة: 219 220.

() سورة آل عمران: 13.

() سورة الحشر: 21.

() سورة الأنعام: 50.

() سورة الأعراف: 201.

() سورة الزمر: 9.

() سورة المجادلة: 11.

() سورة البقرة: 247.

() سورة يونس: 5.

() سورة الرعد: 19.

() سورة الحج: 46.

() سورة ق: 68.

() سورة النحل: 78.

() سورة النساء: 149.

() سورة الأعراف: 199.

() سورة التغابن: 14.

() سورة آل عمران: 134.

() سورة الجاثية: 14.

() بحار الأنوار: ج68 ص324 ب80 ح16.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص58 الفصل 5 في الفكر ح589.

() إرشاد القلوب: ص100 ب25.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص58 الفصل 5 في الفكر ح597.

() بحار الأنوار:

ج22 ص431 ب12 ح39.

() إرشاد القلوب: ص164 ب49 في الأدب مع الله تعالي.

() بحار الأنوار: ج1 ص167 ب1 ح9.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص66 ح295.

() إرشاد القلوب: ص165 ب49 في الأدب مع الله تعالي.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص41 الفصل1 أهمية المعرفة ح7.

() منية المريد: ص104.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص41 الفصل1 أهمية المعرفة ح9.

() تحف العقول: ص171 وصيته عليه السلام لكميل بن زياد.

() بحار الأنوار: ج1 ص181 ب1 ح72.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص63 الفصل 11 في آثار المعرفة ح758.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص63 الفصل 11 في آثار المعرفة ح757.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص64 الفصل 11 في آثار المعرفة ح795.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص64 الفصل 11 في آثار المعرفة ح799.

() مشكاة الأنوار: ص211 الفصل 9 في صحبة الخلق والمواساة معهم.

() مشكاة الأنوار: ص177 الفصل 22 في ذكر المداراة وحسن الملكة.

() الكافي: ج2 ص117 باب المداراة ح5.

() الكافي: ج2 ص118 باب الرفق ح1.

() الكافي: ج2 ص119 باب الرفق ح5.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.