المنهل العذب

اشارة

اسم الكتاب: المنهل العذب

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا

الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ

إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً

صدق الله العلي العظيم

سورة الإسراء: 53

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم …

والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية..

والمعاناة السياسية والاجتماعية التي نقاسيها بمضض …

وفوق ذلك كله الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئن من وطأتها العالم أجمع …

والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرة في حل جميع أزماته ومشكلاته في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة..

والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبث الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق بأهداب الجفون وذرف العيون ومسلات الأنامل..

كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بإعداد مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد..

وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?().

الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وانذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في كل مواقفه وشؤونه..

كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ?().

ان

مؤلفات سماحة آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها إنعكاساً لشمولية الإسلام..

فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، آخذاً من موسوعة الفقه التي تجاوزت حتي الآن المائة والخمسين مجلداً، حيث تعد إلي اليوم أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي قد تتجاوز بمجموعها ال(1500) مؤلفاً.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن والسنة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية لمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.

رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية وبشواهد من مواقع الحياة.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع (دام ظله) والتي تقارب التسعة آلاف محاضرة ألقاها سماحته في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من إكمال سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان /ص.ب: 6080/13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

اللين وحسن المعاملة

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «من

لانت كلمته وجبت محبته» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: ثلاث من أبواب البرّ، سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر علي الأذي» ().

إن اللين في القول والمعاملة الحسنة من صفات المؤمنين، وكثيراً ما حثت عليهما الشريعة المقدسة وأوصت الإنسان باتباعهما، فهذه الخصال الحسنة لها تأثير قوي في نفوس الناس واستمالة قلوبهم حتي مع الأعداء، فعندما تتكلم معهم بقول ليِّن وتعاملهم معاملة حسنة فانّك تستطيع أن تحدّ أو تقلل من عداوتهم، أو علي الأقل تلقي الحجّة عليهم.

فقد قال تعالي: ? ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ?().

الولي الحميم

وفي تفسير هذه الآية الكريمة قلنا: وإذ جري حديث الدعوة، لابد أن يسير السياق إلي واجب الداعي أما الأتعاب والمصاعب التي يواجهها الدعاة إلي الله ?وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ? فإن الحسنة المأمور بها الداعي في مقابل الجهال، خير من السيئة التي هي مقتضي تقابل السيئة بمثلها، وهذه الجملة كمقدمة لقوله تعالي ادفع يا رسول الله، أو أيها الذي تواجَه بالسيئة ?بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? أي ادفع أذي الكفار وكيدهم بالطريقة التي هي أحسن الطرق في دفع الأذي والكيد، وقد جمع الإمام السجاد عليه السلام ذلك في قطعة من دعاء (مكارم الأخلاق) هي قوله عليه السلام: «سددني لأن أعارض من غشني بالنصح وأجزي من هجرني بالبر وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلي حسن الذكر وأن أشكر الحسنة، وأغضي عن السيئة» ()، فإذا فعلت ذلك كان الذي بينك وبينه عداوة وغضاضة كانه ولي أي موال لك حميم كثير المودة والمحبة().

وجاء في مجمع البيان للطبرسي رحمة الله عليه: قال سبحانه: ?وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ?، قيل

معناه: لا تستوي الملة الحسنة التي هي الإسلام والملة السيئة التي هي الكفر،وقيل معناه لا تستوي الأعمال الحسنة ولا الأعمال القبيحة، وقيل: لا تستوي الخصلة الحسنة والسيئة، فلا يستوي الصبر والغضب والحلم والجهل والمداراة والغلظة والعفو والإساءة، ثم بين سبحانه ما يلزم علي الداعي من الرفق بالمدعو فقال تعالي: ? ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? خاطب النبي صلي الله عليه و اله فقال ادفع بحقك باطلهم وبحلمك جهلهم وبعفوك إساءتهم ?فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ? معناه: فإنك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة صار عدوك الذي يعاديك في الدين بصورة وليك القريب فكأنه وليك في الدين وحميمك في النسب().

القول اللين مع الأعداء

عندما ذهب نبي الله موسي (علي نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) إلي فرعون أمره الله تعالي أن يخاطب فرعون باللين والرفق. قال الله تعالي: ?اذْهَبَا إِلَي فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَي ? فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي?().

فقد قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «إن الله عزوجل قال لموسي وهارون: ?اذْهَبَا إِلَي فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَي ? فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي? يقول الله عزوجل: كنياه وقولا له يا أبا مصعب» ().

ففرعون ذلك المتجبر الظالم الذي مارس بحق الناس ألوان الظلم والتعسف، فقد ذكر في التاريخ: إن فرعون كان يأخذ النساء الحوامل ويبقر بطونهنّ ويستخرج الأجنة فإذا كان مولوداً ذكراً قطع رأسه، وبهذه الكيفية وغيرها قتل فرعون أكثر من مائة ألف من الأطفال، ووصل به الاستخفاف بأرواح الناس وممتلكاتهم والاستهزاء بهم حتي ادّعي أنه الرب الأعلي حيث قال مخاطباً الناس كما في قوله تعالي: ?أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَي?() ومع كل هذه الجرائم البشعة التي مارسها فرعون بحق الناس أمر الله موسي

عليه السلام أن يكلمه باللين والرفق، وهذا بحد ذاته دليل واضح علي استخدام اللين في الكلام والمعاملة سواء كان مع الأصدقاء أو الأعداء.

والمتتبع لسيرة المصطفي وآل بيته الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام) سوف يلاحظ وبوضوح أن هذه الخصلة الحميدة (اللين والرفق) كانت علامة بارزة في تعاملهم مع شيعتهم ومحبيهم، بل ومع أعدائهم أيضاً، والشواهد علي ذلك أكثر من أن تحصي ولا عجب لأنهم عليه السلام المنهل العذب الذي يرتوي منه الناس؛ ومنبع الأخلاق الحميدة وجميع الفضائل الحسنة.

عطاء سيد الشهداء عليه السلام

قدم أعرابي المدينة، فسأل عن أكرم الناس بها فدل علي الحسين عليه السلام فدخل المسجد فوجده مصلياً، فوقف بإزائه وأنشأ:

لم يخب الآن من رجاك

ومن حرك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقة.

قال: فسلم الحسين عليه السلام وقال: «يا قنبر، هل بقي شيء من مال الحجاز؟».

قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فقال عليه السلام: «هاتها قد جاء من هو أحق بها منا»، ثم نزع برديه ولف الدنانير فيهما، وأخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي، وأنشأ:

«خذها فإني إليك معتذر

واعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غير

والكف مني قليلة النفقة».

قال: فأخذها الأعرابي وبكي، فقال عليه السلام: «لعلك اسقللت ما أعطيناك؟»، قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك؟» ().

الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وحسن المعاملة

قال تعالي: ?وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ?().

المتتبع لسيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وخصوصاً في جانب معاملة الناس بلا شك يعجز عن الوصف الكامل لهذه السيرة، فقد كان صلي الله عليه و اله منبع الأخلاق الطيبة حتي مع أعدائه ومبغضيه، والشواهد علي ذلك كثيرة، فعفوه عن قومه الذين عملوا في سبيل القضاء عليه شتي أنواع المكائد وما رسوا أبشع الأعمال من المصاديق الواضحة علي سيرته عليه السلام ().

وقد ذكر في التاريخ أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في غزوة أحد كسرت رباعيته وشجّ وجهه من قبل جهال قومه، ولكنه صلي الله عليه و اله قابل كل هذا بأسلوب لم تعهده العرب من قبل هو (أسلوب العفو والرحمة) ولم يكتف رسول الله صلي الله عليه و اله بالعفو عنهم، بل دعا لهم بالهداية وقد روي أنه صلي

الله عليه و اله كان يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم إهد قومي فانهم لا يعلمون» ()، قومه الذين أذاقوه أنواع التعذيب الجسدي والنفسي بدءاً بتكذيبه ونعته بنعوت كاذبة إلي وضع الأشواك في طريقه وقتل أتباعه وآل بيته، وقد كان بإمكان الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله أن يقضي عليهم ولو دعا الله تعالي أن يجتثهم لأجتثهم جميعاً لكنه مع كل ذلك كان يدعو لهم بالهداية.

فأي قلب هذا وأي إنسانية انطوي عليها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، فهذه الأعمال وغيرها هي التي جعلت الإسلام حياً في ضمائر الناس، وهي التي جعلت أعدائه صلي الله عليه و اله يطمعون في عفوه وصفحه.

من عظيم أخلاقه صلي الله عليه و اله

ينقل أن عبد الله بن الزبعري كان يهجو رسول الله صلي الله عليه و اله ويعظم القول فيه والوقيعة في المسلمين فلما فتحت مكة هرب منها، وحينما عرف أن الرسول صلي الله عليه و اله رسول الرحمة والإنسانية، رجع إلي مكة واعتذر من الرسول صلي الله عليه و اله مما بدا منه فقبل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عذره، وعلي اثر ذلك أسلم، بل وقد أمر له رسول الله صلي الله عليه و اله بحلة، وقد أنشد الزبعري يقول:

ولقد شهدت بأن دينك صادق

حقاً وإنك في العباد جسيم

والله يشهد أن أحمد مصطفي

مستقبل في الصالحين كريم

وقال أيضاً الشاعر :

فالآن اخضع للنبي محمد

بيد مطاوعة وقلب نائب

ومحمد أوفي البرية ذمة

وأعز مطلوب وأظفر طالب

هادي العباد إلي الرشاد

وقائد للمؤمنين بضوء نور ثاقب

إني رأيتك يا محمد عصمة

للعالمين من العذاب الواصب()

وهذه الأخلاق وهذه السيرة ليست مع قومه فقط وإنما مارسها مع اليهود أيضاً، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «إن

يهودياً كان له علي رسول الله صلي الله عليه و اله دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك، فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتي تقضيني، فقال صلي الله عليه و اله: إذاً اجلس معك فجلس معه حتي صلي في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله يتهددونه ويتواعدونه فنظر رسول الله صلي الله عليه و اله إليهم، فقال: مالذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهوديٌ يحبسك؟

فقال: لم يبعثني ربي عزوجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره، فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله..» ()، وهكذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله يعامل الناس باللين والرفق حتي استطاع بهذا الأسلوب أن يكسب قلوب الناس وعواطفهم، قال تعالي: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?().

فهنا في هذه الآية المباركة بين سبحانه أن مساهلة النبي صلي الله عليه و اله إياهم ومجاوزته عنهم من رحمته تعالي حيث جعله لين العطف حسن الخلق ?فَبِمَا رَحْمَةٍ? أي فبرحمة ?مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ? معناه: ان لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين لأنك تأتيهم مع سجاحة أخلاقك وكرم سجيتك بالحجج والبراهين ?وَلَوْ كُنْتَ? يا محمد ?فَظّاً? أي جافياً سيئ الخلق ?غَلِيظَ الْقَلْبِ? أي قاسي الفؤاد غير ذي رحمة ولا رأفة ? لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ? أي لتفرق أصحابك عنك ونفروا منك وقيل معناه: فاعف عنهم فرارهم من أحد واستغفر لهم من ذلك الذنب ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ? أي:

استخرج آراءهم واعلم ما عندهم، واختلفوا في فائدة مشاورته

إياهم مع استغنائه بالوحي عن تعرف صواب الرأي من العباد علي أقوال أحدها: إن ذلك علي وجه التطيب لنفوسهم والتآلف لهم والرفع من أقدارهم ليبين لهم أنهم ممن يوثق بأقوالهم ويرجع إلي آرائهم.

وثانيها: إن ذلك لتقتدي به أمته في المشاورة ولم يروها نقيصة، كما مدحوا بأن أمرهم شوري بينهم. وثالثها: إن ذلك لأمرين، لإجلال أصحابه ولتقتدي أمته في ذلك. ورابعها: إن ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ليتميز الناصح من الغاش. وخامسها: إن ذلك في أمور الدنيا ومكائد الحرب ولقاء العدو وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم().

وهو صلي الله عليه و اله القائل: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» ().

عصر المرحمة

كان الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله دائم الحركة والتنقل بين أصحابه يزور القبائل ويجتمع بالناس ويرشدهم ويعود المرضي ويقضي حوائج المحتاجين، كما أنّه بني ملجأ() في المسجد نزل فيه الذين لا مأوي لهم، وكذلك امتاز صلي الله عليه و اله بالعفو، فعفوه لا نظير له، فقد عفا عن المرأة اليهودية التي وضعت له السم()، وعفا عن قاتل عمّه حمزة، وعفا عن هند امرأة أبي سفيان التي أمرت بقتل حمزة وشق صدره واخراج كبده وبعد ذلك لاكت كبده (رض)، حتي سميت هند بآكلة الأكباد؛ ولذلك جاء وصفها هذا في زيارة عاشوراء «اللهم إن هذا اليوم تبركت به بنو أمية (وابن آكلة الأكباد) اللعين ابن اللعين … » ()، وعفا أيضاً عن أبي سفيان رأس الشرك والظلال الذي ترأس الحملة ضد دعوته صلي الله عليه و اله().

وهناك الكثير من الشواهد والأعمال التي تدل علي عظم أخلاقه وعفوه حتي خاطبه الله قائلاً: ?وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ?().

فقد روي أن إعرابياً من بني سليم جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و

اله فلما وقف بازائه ناداه: يا محمد يا محمد … أنت الساحر الكذاب الذي ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة هو أكذب منك، أنت الذي تزعم أن لك في هذه الخضراء إلهاً بعث بك إلي الأسود والأبيض، واللات والعزي لولا اني أخاف ان قومي يسمونني العجول لضربتك بسيفي هذا ضربة أقتلك بها فأسود بك الأولين والآخرين، فوثب إليه أحد أصحابه ليبطش به، فقال النبي صلي الله عليه و اله: اجلس … فقد كاد الحليم أن يكون نبياً، ثم التفت النبي صلي الله عليه و اله إلي الاعرابي، فقال له: يا أخا نبي سليم هكذا تفعل العرب؟ يتهجمون علينا في مجالسنا يجبهوننا بالكلام الغليظ؟ يا أعرابي، والذي بعثني بالحق نبياً ان من ضرّ بي في دار الدنيا هو غداً في النار يتلظي، يا أعرابي، والذي بعثني بالحق نبياً إن أهل السماء السابعة يسمونني: أحمد الصادق، يا أعرابي، أسلم تسلم من النار، يكون لك ما لنا وعليك ما علينا، وتكون أخانا في الإسلام.. وبعد ذلك أسلم الرجل وصار داعياً إلي الإسلام().

هكذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله يعامل الناس حتي أخرجهم من الظلام الدامس الذي كانوا يعيشون فيه من القتل والسبي والظلم والتشريد إلي النور الساطع الذي كشف كل ذلك وأزاله.

اليوم يوم المرحمة

حقاً، يصح لنا ان نسمّي عصر الرسالة بعصر المرحمة والأمان والحرية، وهذا ما صرح به رسول الرحمة عليه السلام عندما فتح جيش المسلمين مكة.

فقد روي أن راية رسول الله صلي الله عليه و اله كانت مع سعد بن عبادة.. فلمّا حاذاهما سعد أبو سفيان والعباس نادي: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً.. فوقف النبي

صلي الله عليه و اله وناداه: لا يا أبا سفيان، بل اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله قريشاً وأرسل إلي سعد فعزله عن اللواء ().

فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بأخذ الراية بقوله صلي الله عليه و اله: «أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالاً رفيقاً»، فأخذها علي عليه السلام وأدخلها كما أمر صلي الله عليه و اله ().

فرسول الله صلي الله عليه و اله عندما ظفر بعدوه عفي عنه بل التاريخ ينقل ان الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عندما فتح مكة لم يخرج حتي من كان غاصباً لدور المسلمين، بل أسكن أصحابه في منطقة خارج مكة حتي يبنوا لهم دوراً بدل دورهم التي غصبها بعض من بقي في مكة.

هذه هي المعاملة التي كان يتبعها رسول الله صلي الله عليه و اله مع الناس والتي كانت من ضمن الأسباب التي رسخت وشجعت الناس علي الدخول في الإسلام أفواجاً أفواجاً.

الأخلاقية الفاضلة

قال تعالي: ?إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ? وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً ? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً?().

جاء في بعض التفاسير لهذه السورة المباركة: ان الله سبحانه وتعالي بشّر رسوله صلي الله عليه و اله في هذه السورة بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر ?وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً? أي جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة، والمراد بالدين الإسلام والتزام أحكامه واعتقاد صحته.. فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً أو اثنين اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام..().

وما كان هذا ليحصل لولا الأخلاقية الفاضلة والسيرة الحسنة التي

تحلي بها النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وأصحابه، وكذلك لرؤية الناس الحقائق المكنونة في الإسلام فلم يجبرهم رسول الله صلي الله عليه و اله علي الدخول في الإسلام بل اتبع أسلوب اللين والرفق والرحمة والعفو وما إلي ذلك من الفضائل الحميدة، مما ترك أثراً فاعلاً في قلوب الناس فدخلوا في الإسلام وهنالك آيات كثيرة أشارت إلي ذلك.

قال تعالي: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?() وهذه الآية تدل علي أن أسلوب النبي صلي الله عليه و اله كان أسلوباً ليّناً لا غلظة فيه.

وقال تعالي: ?لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ?() وهذا دليل علي أن الدعوة إلي الدين يجب أن تكون باللين والرفق لا بالإجبار والإكراه.

وفي هذا المعني ورد عن سليمان بن مهران قال: دخلت علي الصادق جعفر بن محمد صلي الله عليه و اله وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: «معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبح القول» ().

أمير المؤمنين عليه السلام وحسن المعاملة

لقد حَذا أمير المؤمنين عليه السلام حذو الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في جميع ما صدر منه، كيف لا وهو نفس الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله؟ كما أشارت الآية الكريمة: ?فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ?() ولذا فهو عليه السلام امتداد طبيعي لحياة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في كافة الجوانب (إلا النبوة) وكذلك في جانب معاملة الناس وقضاء حوائجهم.

فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام في خبر: «ان الإمام علي عليه السلام رجع إلي داره في وقت القيظ فاذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني وأخافني وتعدّي علي

وحلف ليضربني، فقال عليه السلام: يا أمة الله أصبري حتي يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله، فقالت: يشتد غضبه وحرده عليّ، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أويؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلك؟.

فمضي إلي بابها فوقف فقال: السلام عليكم، فخرج شاب فقال علي عليه السلام: يا عبد الله اتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها، فقال الفتي: وما أنت وذاك؟ والله لاحرقنَّها لكلامك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر، تستقبلني بالمنكر وتنكر بالمعروف؟.

قال: فأقبل الناس من الطرق ويقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين، فسقط الرجل في يديه فقال: يا أمير المؤمنين أقلني عثرتي، فوالله لأكونن لها أرضاً تطأني،..

فقال عليه السلام: يا أمة الله أدخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلي مثل هذا وشبهه..» ().

الأئمة عليهم السلام ولين الكلام

قال أحد النصاري للإمام الباقر عليه السلام: أنت بقر؟

قال عليه السلام: «أنا باقر»، قال: أنت ابن الطباخة؟ قال: «ذاك حرفتها»، قال: أنت ابن السود الزنجية البذية؟ قال عليه السلام: «إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك»، فأسلم النصراني لما رأي عظيم أخلاقه().

الكلام عن سيرة أحد الأئمة الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام) عن نفسه، أو عن تعامله مع الناس، أو عن شجاعته، أو كرمه،.. هو عين الكلام عنهم جميعاً (سلام الله عليهم) لأنهم خلقوا من نور واحد وطينة واحد، وما يصدر عن أحدهم بلا شك سوف يصدر عينه عنهم عليهم السلام لو عرض لهم وفي نفس الظروف، لأنهم معصومون عن الخطأ وجميع الأفعال والأقوال التي صدرت منهم عليهم السلام هي علي أكمل وجه، وهذا ثابت في عقيدتنا، وكل ما ينافي ذلك فهو باطل وناتج عن أثر شبهة أو جهل سواء

كان تقصيراً أو قصوراً.

كلهم نور واحد

يقول البعض من الناس إن الإمام الحسن عليه السلام ميال إلي السلام والصلح بعكس الإمام الحسين عليه السلام فإنه ميال إلي القتال والتحدي. وهذا خلاف الحقيقة فانهم عليهم السلام ميالون إلي السلام في ظروفه بل ويهيئون ظروف هذا السلام، وميالون إلي القتال في ظروفه اضطراراً، فلو كان الإمام الحسين عليه السلام في محل الإمام الحسن عليه السلام لفعل مثلما فعل الإمام الحسن عليه السلام بلا زيادة أو نقصان، وكذلك الإمام الحسن عليه السلام لو كان في يوم كربلاء لفعل مثلما فعل الإمام الحسين عليه السلام.

وخلاصة ما نريد بيانه: إن جميع الأفعال والأقوال التي صدرت منهم عليهم السلام هي الأعمال والأقوال التي ينبغي لها أن تصدر، ولا يمكن أن تصدر من واحد دون الآخر في نفس الظروف.

فعندما نستشهد برواية أو قصة عن أحد الأئمة (سلام الله عليهم جميعاً)، فمثلاً: إذا قلنا بأن الإمام السجاد عليه السلام كان يفعل كذا وكذا فان كل إمام منهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام) يفعل نفس الفعل مع نفس الظروف، وفي علم الكلام هناك مبحث يقرره علماؤنا: أن علمهم عليهم السلام واحدٌ مستمد من علم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله فلا فرق بين واحد وآخر لا في العلم، ولا في الفضيلة ولا في أي شيء آخر، وكل كلام عن فضل أحدهم ينطبق علي الجميع بلا تفاوت، ففي الرواية المتقدّمة عن الإمام الباقر عليه السلام وكيفية المعالجة أو الردّ الذي أجاب به النصراني لو حصل لأي إمام من الأئمة الأطهار عليهم السلام لكان الرد واحداً، فهم جميعاً عليهم السلام يعاملون الناس باللين والرفق في أقوالهم وفي أفعالهم عليهم السلام وهذا الأسلوب مستمد من سيد البشرية جمعاء نبي

الرحمة صلي الله عليه و اله.

وبهذه الطريقة وبهذا الأسلوب استطاع آل المصطفي (عليهم أفضل الصلاة والسلام) أن يهدوا ويؤثروا بل يسودوا علي كثير من الناس حتي أعدائهم ومخالفيهم، فهذه الرواية وكثير غيرها تبين ذلك.

فذلك النصراني الذي كان يبغض آل البيت عليهم السلام بحيث وصلت به الضغينة والحقد إلي درجة التجاسر علي الإمام الباقر عليه السلام واسماعه كلمات قاسية، ولكن الإمام عليه السلام وبكل ثبات وهدوء رد عليه بأسلوب هادئ وليّن، ولم يستخدم العنف في ذلك، بل قال عليه السلام له: «إن صدقت في كلامك غفر الله لها، وان كذبت غفر الله لك» هذه هي الروح الايمانية العظيمة التي أثّرت في قلب ذلك النصراني وهدته إلي الحق، وتلك الروح هي التي أثمرت هداية المئات، بل الآلاف من ذوي القلوب المتحجرة التي كانت الغالبية من الناس تحملها في صدر الإسلام، واصبحوا من أثر هذه الروح دعاة حق مخلصين، واستمر تدفق ينابيع هذه الروح الطيبة العذبة اللطيفة إلي يومنا هذا، وسوف يستمر إن شاء الله تعالي إلي آخر الزمان في قلوب المخلصين أتباع المنهج القويم، المتمثل بآل المصطفي (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

اتباع آل البيت عليهم السلام

فإذا كنا ندّعي بأننا أتباع هذا النهج فلنتمسك به قولاً وفعلاً، ولنتعامل مع الناس مع كل الناس بأسلوب لطيف وليّن حتي يصدق علينا بأننا أتباع آل البيت عليهم السلام.

وليس هذا فقط وان كان في هذا الفوز بالجنة وانّما كذلك للكلام الليّن الرقيق تأثير كبير في حياتنا اليومية التي نعيشها فالأستاذ والعامل والمهندس والتاجر وجميع شرائح المجتمع بالاضافة إلي محبوبيتهم بين الناس، فانهم يحصلون علي منافع عظيمة نتيجة كلامهم الليّن وأسلوبهم الرقيق في التعامل، فالتاجر يزداد وفود الناس علي بضاعته والمهندس تتوفر له فرص عمل جيدة وكذلك

العامل والأستاذ وهكذا …

وبهذا يحصل صاحب الكلام اللَّين والمعاملة الحسنة علي محبة الله تعالي ومحبة الناس، بعكس الإنسان غليظ الطبع خشن المعاملة، فإن الناس يتفرقون عنه ولا يميلون إليه، ولعل أغلب الناس لا يساعدونه إن ألمت به مصيبة ويتركونه لمصيره، وفي حياتنا المعاصرة نماذج كثيرة من هذا، بل إن ما يعيشه الناس اليوم من تناحر وتصارع أغلبه ناشئ عن الغلظة والعنف وسوء المعاملة بينهم، فلو اتبعوا أسلوب اللين والرفق فيما بينهم لتحولت الضغينة والعداوة السائدة اليوم إلي محبة وسلام، وعاش الناس أمة واحدة كما خلقهم الله تعالي. وقد قال سبحانه وتعالي: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً?().

علماؤنا الاعلام وحسن المعاملة

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «يا كميل هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة» ().

كما أن الأئمة (سلام الله عليهم) امتداد طبيعي لسيرة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله فان العلماء امتداد لسيرة الأئمة، والتاريخ يحتفظ في ذاكرته بكثير من العلماء الأفاضل الذين ساروا علي نهج الرسالة.

الخاجة نصير الدين الطوسي رحمة الله عليه () والرفق في المعاملة

ينقل أن أحد الأشخاص من ذوي الألسن اللاذعة كتب رسالة إلي الخاجة رحمة الله عليه تفيض بالشتم والسباب والكلام البذئ، وكان من ضمنها أنه خاطبه بالكلب! فلما قرأها الخاجة رحمة الله عليه لم يبد أي غضب أو عصبية أو يرد عليه بالمثل، بل كتب له رسالة جواباً علي رسالته قال له فيها: إنني لست بكلب؛ وذلك لأن الكلب يمشي علي أربع، ولا يستطيع التكلم والكتابة، وله مخالب وهو يعوي! أما أنا فأمشي علي رجلين وأستطيع أن أتكلم وأكتب وليس لي مخالب بل لي أظافر حسنة ولا أعوي..

هذه هي أخلاق عُلمائنا لا يبادلون الإساءة بالإساءة، بل يقابلون الإساءة بالإحسان.

شاهد آخر

كان في مدينة كربلاء المقدسة شخص قد أضمر العداء لأحد العلماء() الأبرار.. وقد أنشأ قصيدة كاملة يهجو فيها هذا العالم، وكان يقرؤها في كلّ محفل ومجلس ما استطاع إلي ذلك سبيلاً.

ينقل صاحب القصيدة إنه في ذات يوم حار عند الظهيرة طُرق باب داري وقد انتهيت من تناول الغذاء توّاً، وعندما فتحت الباب فوجئت بالعالم الذي أنشأت القصيدة في هجوه خلف الباب، فدعوته إلي الدخول، وعندما استقر بنا المجلس طلب مني مترجياً ان أقرأ عليه القصيدة، فامتنعت عن ذلك، فلم يرض إلا بقراءتها عليه، فاستسلمت للأمر وقرأتها وأنا أتصبب عرقاً من الخجل، وعندما انتهيت منها أخرج من جيبه ظرفاً فيه مقدار من المال وأعطاه لي، وقال: جرت العادة إذا قرأ شخص قصيدة أن يعطوه هدية، فأرجو منك قبول الهدية مني، ومن شدة دهشتي لم أعرف بماذا أجيبه، فوضع المال في يدي وخرج، فبدّل بمعاملته هذه كل الحقد الدفين الذي كنت أحمله ضدّه إلي ود ومحبة له.

نعم هذه المعاملة مستمدة من سيرة المصطفي صلي الله عليه و اله وآل

بيته الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام). اذ هم مقتدي كل مؤمن ومؤمنة.

فمن وصايا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية قال: «وأحسن إلي جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك، وأرض لهم ما ترضاه لنفسك، واستقبح لهم ما تستقبحه من غيرك، وحَسّن مع الناس خلقك، حتي إذا غبت عنهم حنّوا إليك، وإذا مت بكوا عليك، وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا تكن من الذين يقال عند موته الحمد لله رب العالمين، واعلم أن رأس العقل بعد الإيمان بالله عزوجل مداراة الناس ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف … » ().

نسأل الله العلي القدير أن يحلينا بحلية الصالحين ويلبسنا زينة المتقين في بسط العدل وكظم الغيظ وإطفاء النائرة وضم أهل الفرقة وإصلاح ذات البين.

«الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره، الحمد لله كما يُحبّ الله أن يحمد، الحمد لله كما هو أهله، اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد، وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد، صلي الله علي محمد وآل محمد» ().

من هدي القرآن الحكيم

الرفق ولين الكلام

قال تعالي: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?().

وقال سبحانه: ?وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ?().

وقال تعالي: ?فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَي?().

قول الخير والقول الحسن

قال تعالي: ?وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً?().

وقال جل وعلا: ?وَإِذَا خَاطَبَهُم الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً?().

وقال سبحانه: ?وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ?().

وقال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ

وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ? يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ?().

وقال سبحانه: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ?().

الصفح الجميل

قال تعالي: ?فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ?().

وقال سبحانه: ?فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً?().

وقال تعالي: ?وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً?().

من هدي السنة المطهرة

حفظ اللسان

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «نجاة المؤمن في حفظ لسانه» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «قلت أربع كلمات أنزل الله تعالي تصديقي بها في كتابه قلت: المرء مخبوء تحت لسانه فاذا تكلم ظهر فانزل الله تعالي: ?وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ?() … » ().

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً مادام ساكتاً، فاذا تكلم كتب محسناً أو مسيئاً» ().

وقال عليه السلام: «أمرني والدي عليه السلام بثلاث ونهاني عن ثلاث فكان فيما قال لي: يا بني، من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ومن لا يملك لسانه يندم، ثم أنشدني فقال عليه السلام:

عود لسانك قول الخير تحظ به

إن اللسان لما عودت يعتاد

موكل بتقاضي ما سننت له

في الخير والشر فانظر كيف تعتاد» ()

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: «حق اللسان إكرامه عن الخنا(). وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها. والبر بالناس. وحسن القول فيهم» ().

التأدب بآداب الله

قال الإمام الحسن العسكري رحمة الله عليه: « … من تأدب بأدب الله عزوجل أدّاه إلي الفلاح الدائم. ومن استوصي بوصية الله كان له خير الدارين» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «من لم يصلح علي أدب الله لم يصلح علي أدب نفسه» ().

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» ().

قول الخير

قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

«والذي نفسي بيده، ما أنفق الناس من نفقة أحبّ من قول الخير» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «قولوا الخير تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله» ().

وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام: «قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه» ().

وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «القول الحسن يثري المال وينمي الرزق وينسيء في الأجل ويحبب إلي الأهل ويدخل الجنة» ().

الرفق واللاعنف

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً عند الله تعالي وأحبهما عند الله تعالي أرفقهما بصاحبه» ().

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: «إن الله عزوجل رفيق يحب الرفق، ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف» ().

ومن كتاب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لبعض عماله: «واخلط الشدة بضغث() من اللّين، وارفق ما كان الرفق ارفق.. واخفض للرعية جناحك وابسط لهم وجهك وألن لهم جانبك وآس بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتي لا يطمع العظماء في حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك، والسلام» ().

وقال أبي عبد الله عليه السلام: «من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس» ().

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص250 ح5207 الفصل الثاني موجبات عزة النفس.

() المحاسن: ص6 باب الثلاثة ح14.

() سورة فصلت: 34.

() الصحيفة السجادية، الدعاء 20 دعاءه عليه السلام في مكارم الأخلاق.

() تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج24 في تفسير سورة فصلت.

() تفسير مجمع البيان: ج24 تفسير سورة فصلت.

() سورة طه: 43 و44.

() معاني الأخبار: ص385 باب نوادر المعاني.

() سورة النازعات: 24.

() المناقب: ج4 ص65 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام.

() سورة القلم: 4.

() أنظر المناقب: ج1

ص206 فصل في غزواته ?.

() المناقب: ج1 ص192 فصل في غزواته ?، و ص215 فصل في اللطائف؛ والخرائج: ص164 فدك، والاحتجاج: ص210 احتجاجه عليه السلام علي اليهود.

() المناقب: ج1 ص166 فصل في أقربائه وخدامه ?.

() الأمالي للشيخ الصدوق رحمة الله عليه: ص465 المجلس 71 ح6.

() سورة آل عمران: 159.

() مجمع البيان: ج1 ص526 سورة آل عمران.

() بحار الأنوار: ج16 ص206 ب9، و ج68 ص382 ب92 ح17.

() يطلق عليه صُفّة المسجد يسكن فيه من لا مأوي لهم وقد وصل عددهم كما في بعض التواريخ إلي أربعمائة فقير.

() أنظر بحار الأنوار: ج17 ص395 ب5 ح7،

() مفاتيح الجنان: زيارة عاشوراء، عن مصباح الكفعمي: ص482، ومصباح المتهجد: ص773.

() أنظر بحار الأنوار: ج21 ص101 ب26 بيان،

() سورة القلم: 4.

() بحار الأنوار: ج43 ص69 ب3 ح61.

() بحار الأنوار: ج21 ص107 ب26 بيان.

() أنظر بحار الأنوار: ج21 ص130 ب26 ح22.

() سورة النصر: 1 3.

() تفسير مجمع البيان: المجلد 5 ص554 تفسير سورة النصر.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة البقرة: 256.

() بحار الأنوار: ج65 ص151 ب19 ح6.

() سورة آل عمران: 61.

() المناقب: ج2 ص106 في المسابقة بالتواضع.

() المناقب: ج4 ص207 فصل في معالي أموره.

() سورة المؤمنون: 52.

() روضة الواعظين: ص10 باب الكلام في ماهية العلم.

() هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (قده) صاحب كتاب تجريد العقائد، وكتاب التذكرة النصيرية، وكتاب تحرير أقليدس وتحرير المجسطي وشرح الإشارات والفصول النصيرية والفرائض النصيرية والأخلاق الناصرية وكثير غيرها، ولد رحمة الله عليه بمشهد طوس في سنة 597ه، وتوفي في سنة 672ه ودفن في مقابر قريش في الكاظمية. أنظر روضات الجنات: ج6 ص300 باب ما أوله الميم.

() هو السيد أبو الحسن الأصفهاني،

وهو السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن السيد عبد الحميد الموسوي الأصفهاني ولد سنة (1284ه) في أصفهان، ورد إلي النجف الأشرف أواخر القرن الثالث عشر وأقام في كربلاء مدة، وبعد وفاة السيد محمد كاظم اليزدي رشح رحمة الله عليه للزعامة الدينية، وبعد وفاة الشيخ أحمد كاشف الغطاء والشيخ الميرزا حسين النائيني تهيأ له رحمة الله عليه الظهور بالمرجعية العامة. توفي (قده) في ذي الحجة عام (1365ه) في الكاظمية ونقل جثمانه إلي النجف ودفن في الصحن الغروي الشريف. أنظر معارف الرجال: ج1 ص46 الرقم21.

() وسائل الشيعة: ج12 ص202 ب121 ح16088.

() مفاتيح الجنان، الباقيات الصالحات الدعاء 19.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة البقرة: 83.

() سورة طه: 44.

() سورة الإسراء: 53.

() سورة الفرقان: 63.

() سورة القصص: 55.

() سورة الأحزاب: 7 71.

() سورة فصلت: 34.

() سورة الحجر: 85.

() سورة المعارج: 5.

() سورة المزمل: 10.

() الكافي: ج2 ص114 باب الصمت وحفظ اللسان ح9.

() سورة محمد: 30.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص260 ب55 ح22696.

() الكافي: ج2 ص116 باب الصمت وحفظ اللسان ح21.

() الخصال: ص169 ح222.

() الخنا: الفحش من القول، مجمع البحرين: ج1 ص709 مادة (خنن).

() أمالي للشيخ الصدوق رحمة الله عليه: ص368 المجلس 59 ح1.

() تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص16 آداب قراءة القرآن ح3.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص248 الفصل الثاني موجبات عزة النفس في ذم سوء الأدب ح5126.

() بحار الأنوار: ج68 ص382 ب92 ح17، وانظر تفسير نور الثقلين: ج5 ص392 ح29.

() المحاسن: ص15 باب فضل قول الخير ح41.

() تحف العقول: ص216 ما روي عنه عليه السلام في قصار المعاني.

() تحف العقول: ص489 ما روي عنه عليه السلام في قصار المعاني.

() أمالي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه: ص2 المجلس

الأول ح1.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص190.

() الكافي: ج2 ص119 باب الرفق ح5.

() الضغث: بالكسر والفتح، قبضة الحشيش المختلط اليابس رطبها ويابسها، مجمع البحرين: ج3 ص22 مادة (ض غ ث).

() نهج البلاغة، كتاب: 46 من كتاب له عليه السلام إلي بعض عماله.

() الكافي: ج2 ص120 باب الرفق ح16.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.