المعارف الإسلامية

اشارة

اسم الكتاب: المعارف الإسلامية

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الرسول الاعظم(ص)

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1420 ق

الطبعة: دوم

بسم الله الرحمن الرحيم

قل هو الله احد

الله الصمد

لم يلد ولم يولد

ولم يكن له كفوا احد

صدق الله العلي العظيم

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

المعارف لا تؤخذ إلا من أهل المعرفة والعرفان.

ولا نعني بالعرفان سعة الإطلاع، بل نعني به معرفة الباري عزوجل والانطلاق إلي ساحات قدسه عبر آثاره ومخلوقاته، فنحاول أن نسبح في نور المعرفة، ولكن حاشا لله أن يحيط به أحد علماً.. ولكن نحن نحاول معرفة ما يمكن لنا معرفته من هذا الكون البديع، وهذا الذي أمرنا الله سبحانه به بقوله تعالي: ?إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون? سورة البقرة: 164.

وقوله سبحانه: ?ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك? سورة آل عمران: 191.

فهذا الذي يمكن لنا أن نستفيد من معرفته لكي نتوصل إلي بعض المعارف الالهية.. فكل مخلوق آية من آيات الخالق ودليل علي قدرته وعلمه وحكمته وصنعته، ولا يمكن وهذا طبيعي لشيء محدود أن يدرك المطلق مهما تعملق هذا المحدود.

وقد ورد النهي في الأحاديث الشريفة عن التفكر في ذات الله، وورد الحث علي التفكر في مخلوقات الله عزوجل.

والناس كالأواني، لكل سعته، ولكل حجمه، ولا يمكن أن يتسع أكثر من حجمه وسعته المحددة، فما اضعف عقل من يحمل كأساً يريد أن يسع له ماء البحر كله، فلو سكب البحر في كأسه لما وسع

سوي الماء الذي يتسع له في بدايته، وبقية العمل لا شك أنه عبث وغباء وليس فيه من الحكمة شيء.

هذا والمعرفة بالله عزوجل يقتضي معرفة الاسماء والصفات، والإذعان والتسليم للأنبياء والرسل، لأنهم الأدلاء إلي الطرق المؤدية إلي الله، وكذلك الأوصياء والأئمة الكرام، فهم الامتداد الطبيعي التشريعي والعقلائي للأنبياء والرسل من أجل التأكد والتأكيد علي تأويل الرسالة وتطبيق الشرائع علي أرض الحقيقة والواقع.

فالمعرفة الحقيقية يجب أن تؤخذ من كتاب الله الصامت الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد القرآن الكريم، وكذلك من كتاب الله الناطق، وهم المفسرون الحقيقيون لكتاب الله الصامت، وهم أهل بيت النبوة والطهارة عليهم السلام أئمة المسلمين وقادة العالمين إلي الخير والنور.

ونحن في عصر الإمام الحجة عليه السلام ونعيش تحت أفيائه الوارفة، وننعم بوجوده المبارك الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.. ببشارة جده المصطفي صلي الله عليه و اله.

وفي غيبتهم عليهم السلام يجب أن نأخذ معارفنا الحقّة من قادتنا الكرام من المراجع العظام فهم النواب للإمام عليه السلام ومبعوثيه إلي هذه الأمة المرحومة به.

وسماحة المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الشيرازي (دام عزه وتأييده) ذاك العالم الفذ الذي ملأ الدنيا بكتاباته، وطيب الأنوف بأريج الفكر الإسلامي النقي، فألف وألف حتي تجاوزت مؤلفاته (1065) كتاباً وكراساً..

وهذا الكتاب (المعارف الإسلامية) قمنا في اعادة طبعه، نظراً للحاجة الماسة اليه وخاصة لشبابنا الأعزاء.. آملين من الله التوفيق والقبول.

مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب: 5951 / 13

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين واللعنة علي أعدائهم أجمعين.

اليوم قد نشطت دعايات مختلف المبادئ والأديان، في شرق الأرض

وغربها، فقد جهز كل ذي دين أو مبدأ ما لديه من حول وطول، لنشر معتقده، وجلب أكثر عدد ممكن من الناس إلي حظيرته.. فماذا حصة المسلمين في هذا الميدان؟

الجواب: أن حصتهم ليست بشيء يذكر!

.. وكيف؟

الجواب: أنظر إلي البلاد الإسلامية فكم تري فيها دعوة إلي المسيحية واليهودية (الصهيونية) والشيوعية والديموقراطية والبعثية والوجودية!؟.

معني ذلك: نشاط المبادئ والأديان!

ثم سر إلي الغرب والشرق، فهل تري فيها دعوة إلي الإسلام؟

من هذه المقارنة البسيطة.. والتجوال السريع، نعرف مدي التبليغ الإسلامي، والدعاية الإسلامية.

ولكن.. هل يجوز السكوت والأوضاع هذه؟

تجيبنا آيات من القرآن الحكيم:

?فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة?.

?بلّغ ما أنزل إليك من ربّك?.

?كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر?.

?فإنما عليك البلاغ?.

وآيتا البلاغ وإن كانتا في الرسول صلي الله عليه و اله.. لكن:

?لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة?.

وهنا سؤال يفرض نفسه: وهو كيف نبلّغ؟

الجواب: التبليغ بأحدث الوسائل، وأفضل السبل وبكل قوة:

قال تعالي: ?وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل?.

ثم كيف يحل للمسلم السكوت، ودعايات الإلحاد والإباحية قد بلغت الزبي؟

أليس هؤلاء شبيبتنا الذين يخرجون من دين الله أفواجا؟

و أليست هذه بلادنا موطئ أقدام كل طامع وكافر؟

و أليس القرآن الذي هو منهجنا قد نبذ وراء الظهور؟

إن هذا بعض الكلام.. ويكفي لمن ألقي السمع وهو شهيد!

إذاً: فرض علينا معاشر المسلمين بصورة عامة : «كلكم راع..» ومعاشر أهل العلم بصورة خاصة: ?لولا ينهاهم الربّانيّون..? أن نجاهد حسب المستطاع:

بأقلام تلائم المحيط..

وبألسنة من ورائها قلوب مفعمة بالإصلاح..

وصدور مشروحة بالحق، لإيقاف الاعتداءات، وردّ الشارد إلي الحظيرة. وإلا فلننتظر! ?وما ظلمناهم، ولكن كانوا هم الظالمين?.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

هل تريد أن تعرف؟

من الناس من لا يريد العرفان!

ومنهم من يريد أن يعرف، ولكن في إطار عاطفته!

ومنهم

من يريد أن يعرف الحق ولو خالف هواه وقليل ما هم .

فمن أيّ طبقة أنت؟

لاشك أنك تقول: أنا ممن أريد أن أعرف الحق، ولو خالف عقيدتي وعاطفتي وهواي.

إذاً: نسألك..

من خلقك؟

والجواب علي هذا السؤال لابد وأن يكون أحد أمرين:

1: خلقني الله.. العالم، القادر، الحكيم.

2: خلقتني الطبيعة.

إن قلت: خلقني الله.. فلا بحث معك.

وإن قلت: خلقتني الطبيعة، نقول:

فما هي الطبيعة؟

تقول:

الطبيعة هي الأرض والماء، والنور والهواء..

فنسأل:

هل هذه الأمور عالمة قادرة، سميعة بصيرة؟

كلا! فكيف يخلق مالا علم له، ولا شعور.. أشياء متقنة ومصنوعات حكيمة؟

هل تصدق أن الطبيعة خلقت مصباحاً كهربائياً؟

فكيف تصدق أن الطبيعة تخلق إنساناً ذا لسان وعينين وأنفاً وأذنين وعقلاً وفكراً؟

إذاً: الطبيعة لا تكون إلهاً وخالقاً.

وإذا بطلت الطبيعة، ثبت قول الموحّدين، وهو:

أن الخالق هو الله تعالي.

أ رأيت؟

أ رأيت منضدة صنعها النجار؟

أ رأيت صورة صوّرها الرسام؟

أ رأيت داراً بناها البنّاء؟

أ رأيت مزرعةً زرعها الفلاح؟

أ رأيت شارعاً بلّطه العمّال؟

أ رأيت كتاباً ألّفه عالم؟

أ رأيت سيارةً اخترعها مخترع؟

أ رأيت هاتفاً أبدعه مكتشف؟

أ رأيت مروحةً اكتشفها مفكّر؟

أ رأيت مدرسةً نظّمها مدير؟

أ رأيت مدينةً تدير شؤونها الحكام؟

أ رأيت أعمدةً حديدية صبّها الحدادون؟

و أ رأيت؟

و أ رأيت؟

تجيب علي كل ذلك بكلمة: نعم.

فهل الشمس الضاحكة في جوّ السماء، وهل القمر البازغ في الليل المظلم، وهل النجوم الزاهرات المبعثرة في الفضاء، وهل السحاب المسخّر بين السماء والأرض، وهل الحيوان الطائر في الهواء، والسابح في الماء، والمسرح في الغبراء، وهل النبات بصنوفها، والإنسان بعجيب خلقته. كل ذلك.. بدون خالقٍ ومدبّر؟

كلاّ!

وألف كلاّ!!

ماذا خلق؟

ينبري هنا بعض منتحلي الثقافة فيقول: ماذا خلق الله؟

والجواب: إن الله تعالي خلق الإنسان.. والحيوان. والنبات وغيرها..

فيقول: كلاّ.. إن هذه الأمور ليست بمخلوقة:

فإن الإنسان والحيوان والنبات كلها من الأرض والماء والحرارة، فإنها تفاعلت حتي حصل لها هذه الصورة.!

عجيب جداً هذا الجواب وهذه المغالطة.!!

أولاً نقول: من ركّب الماء والتراب والضوء، حتي صارت إنساناً وحيواناً ونباتاً؟

ثانياً نقول: من أوجد الماء والتراب والضوء؟

ثالثاً نقول: من أوجد الروح الإنساني في الإنسان، والحيواني في الحيوان، والنباتي قي النبات؟

فهل عرفت ماذا خلق الله؟

إنه تعالي..

ركّب الإنسان والحيوان والنبات.. من موادّ أولية.

وخلق الموادّ الأولية.

و أوجد الروح في المركب من العناصر.

أ رأيت لو رأيت بِناءا.. ألم تذعن بوجود بنّاء، مع أن الحديد والآجر والخشب ليست من صنعه، وأن تعمير الدار منه؟

وفرق بين الله تعالي، وبين المثال:

فالله تعالي خلق البسائط، ثم خلق المركبات، ثم أعطاها مزاياها المعينة: كالروح ونحوها.

أما البنّاء.. فهو يركّب الموادّ الإنشائية فحسب.

إذاً:

ما يقوله بعض منتحلي الثقافة: من أن الإنسان من الأرض، والأرض زبد البحر، فلم يخلق

الله شيئا! مغالطة صريحة.

فهل تري من خلق البحر؟

ثم من صنع منه الزبد؟

ثم من كوّن الأرض من الزبد؟

ثم من ركّب الإنسان من الأرض وغيرها؟

وبعد كل ذلك.. من جعل فيه الروح والعقل.. والعاطفة والإدراك؟

إن إنساناً يصدّق:

بصانع للطائرة والباخرة.. والسائرة والقاطرة.

ثم لا يصدّق بخالقٍ للطير في الهواء، والسمك في الماء، والوحوش في الفلاء، والسحاب في جوّ السماء. خليق بأن يرجع إلي تفكيره، ويتدبّر في ما حوله من ملايين صنوف المخلوقات، ثم يقايسها بمصنوعات بشرية ضئيلة: كقلم، وورق، وحصير، فهل يعتقد بعد ذلك: بأن المصنوعات الضئيلة لها صانع، وليس لما حوله خالق؟

لا يكون ذلك، إلا لمعاندٍ أو جاهل.

أريد أن أري الله!

أخذ علاء نظارته، واصطحب محمداً معه إلي الصحراء فصعد فوق هضبة، وأخذ ينظر في النظارة إلي السماء إلي الأفق.. إلي سطح البحر.. إلي النخيل والأشجار، بكل دقةٍ وإمعان!

فقال له محمد: ماذا تريد؟

فقال علاء: أريد أن أري الله.. لكني لم أره، ولو كان موجوداً كما تقول أنت وزملاؤك لرأيته.

لم يقل له محمد شيئاً.. بل أخذ النظارة من يده، وجعل ينظر بها نحو رأس علاء، نحو صدره، نحو بطنه نحو رجله … بكل دقة وإمعان.

فقال له علاء: ماذا تريد؟

فقال محمد: أريد أن أري عقلك.. لكني لم أره، ولو كان موجوداً كما تقول أنت.. وتدّعي أنك عاقل، لرأيته!

قال علاء: إذاً فتعتبرني أنت مجنوناً؟

قال محمد: وكيف أعتبرك عاقلاً وإني لا أري عقلك؟

قال علاء: ألست تري أن حركاتي وأعمالي وأقوالي كلها تحت انتظام، فهذه كلها آثار العقل، وأنت وإن لم تر عقلي، لكن لابدّ لك أن تعترف بوجود عقلي، لما تشاهد من آثاره.

وهنا كرّ محمد ليردّه بكلامه، فقال: إنك وإن لم تر الله ولكنك تري آثاره، من سماء وأرض وجبال وبحار وأشجار.. فهذه كلها آثار الله،

فلابدّ وأن تعترف بالله وإن لم تشاهده.

فشكر علاء محمداً.. وقال له: أحسنت، لقد حللت معضلة في ذهني لم يحلّها لي أحد قبلك.

واعترف بالإله، وصار بعد ذلك من المتحمّسين للخالق!

ضوضاء.!

أكوام من الأدلة المحطمة والبراهين المزعومة! تجدها في كتب الملحدين، وهي لا ترجع إلا إلي نقليات فارغة أو مغالطات تافهة.

وإلي من يسوقونها؟

إلي الشباب الأعزاء.. الذين لم يتذوّق بعضهم أوليات العلوم.

لذا نري أدلّتهم (هكذا) تنهار أمام أول ضربة من الحق ?بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه? وإذا سلّط النور ولو نور شمعة علي ظلامها المنتشر في غرب الأرض وشرقها، خرقها وأضاء ما حوله.

فما هي أدلّتهم المزعومة؟

«إن العالم لم يزل شعلة متوهجة»!

«إن العالم لم يخلقه أيّ إله أو إنسان»!

«إننا خلقنا الإله، والإله لم يخلقنا»!

«العالم خلق صدفة»!

«لم نر الخالق، فكيف نصدّق به»!

وأمثال ذلك من الأقاويل الفارغة..

نعم: ليس للباطل إلا الضوضاء فحسب.! فمن قال لك: أن العالم لم يزل شعلة؟ أو أن العالم لم يخلقه إله؟ وما الدليل علي ذلك؟

وإذا لم يخلقك الإله.. فمن خلقك؟

وما معني الصدفة التي تنسب إليها خلق العالم؟ فهل تتمكن الصدفة من خلق (قلم باندان)؟ أو كتاب القراءة للصف الأول من الإبتدائية؟

وإذا عجزت الصدفة عن خلق هذين فكيف تخلق ملايين النجوم، وملايين الحيوانات؟

ثم: ماذا هي الصدفة؟ وما معناها؟ وكيف تفسّرها؟

بالإضافة إلي أن عدم رؤية شيء لا يدلّ علي عدم وجوده.

فهل رأيت عقلك؟

وهل رأيت روحك؟

صحيح أنك لم تر الله، لكن وهل تنكر آثاره؟ وإذا لم تكن هذه آثار الله، فآثار أيّ شيء هذه؟

ضوضاء. فحسب! ودليل في ظلام وجهل أو تجاهل! وعمي أو تعامي!

وقد كان هذا دأب المنكرين من أول يوم، فتراهم في القرآن يستدلّون بجهالات ولا يقفون أمام أول ضربة من البرهان.

وهكذا كانوا ولا يزالون إلي اليوم!

ما

فائدة المعرفة؟

دعنا فنحن في شغل عن الإله!

بهذا المنطق المفلوج يواجهك من غلبت عليه المادة!!

وإن أصررت قال لك: وما فائدة المعرفة؟ ولنفرض وجود الإله فماذا الذي نكسب من ورائه؟ وأيّ فرق بين الجاحد والمؤمن؟

?بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون?.

للمعرفة فائدتان:

1: معني إنساني.

2: الجزاء والحساب.

أما المعني الإنساني. فإنه لو كان هناك منعم متفضّل، خلق فأبدع، وصنع فأتقن، ورزق صنوف الحوائج، وهيّأ مختلف وسائل العيش. ألا يحق في منطق الإنسان أن يقدّره حق قدره، ويعرفه ويشكره؟

أ رأيت من يسدي إلينا حاجة واحدة كيف نري أنفسنا مدينة له بالشكر والامتنان؟ فكيف بمن نتقلّب في نعمه، ونصبح ونمسي في غمار إحسانه وفضله؟ إنه يحتاج إلي وقاحة بالغة، وكفران قبيح.. أن نقابل الفضل بالغفلة، فكيف بالإساءة والمعصية؟

أ عرفت المعني الإنساني في المعرفة؟

أما الجزاء والحساب،

فإن الجاحد المرتطم في أوضار المادة وأوحال المعصية لا يستحق التجلة والإكرام. ولا النعيم والثواب بل بالعكس: يستحق كل لوم وإهانة وازدراء.

أ رأيت من يخالف القانون، كيف يعامل؟

إن الكافر بنعمك عليه، كيف تلقيه في سلة الإهمال، فلا تذكره بالنعمة ثانياً، وبالتفضّل والإحسان من بعد؟ بل: النعمة بالنسبة إليه ضياع وخبال.

إنه مثل الإنسان الذي انسلخ عن معني الإنسانية، فلا يشكر منعمه، ولا يقدّر خالقه ورازقه.

فهل بعد هذا يصحّ للإنسان أن يقول: أنا في شغل؟ وأيّ شغل أهم من المعرفة؟ وأيّ أمر أهمّ من عرفان الخالق الرازق؟

إن الله تعالي أعدّ للجاحد الكافر الآثم العاصي صنوف العذاب:

عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

أما عذاب الدنيا.. فهو: القلق والاضطراب والفوضي والمرض والفقر:

?ومن يؤمن بالله يهد قلبه?.

و ?ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب?.

و ?من أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا?.

تقول: وكيف ذلك؟

نقول: إن الله جعل نظاماً للحياة تفسد بدونه، فالمنكر لابدّ وأن يخرق النظام، فإنه

لا يؤمن بالإله، فكيف بنظامه؟ وإذا فسد النظام انهارت الحياة من جميع جوانبها، كما أنه إذا اختلّ نظام القانون يشيع القتل والنهب والفوضي في البلد.

هذا من ناحية عذاب الدنيا.

أما عذاب الآخرة.. فاسمع: ?إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيراً?.

وتجمع العذابين هذه الآية: ?ولنذيقنّهم من العذاب الأدني دون العذاب الأكبر?.

لا زمان له..

سؤال تتردّده الشفاه: في أيّ زمان كان الله تعالي؟

والجواب: لا زمان لله إطلاقا.

وما معني ذلك؟

معناه: إن الله كان قبل كل شيء.. وسيبقي بعد كل شيء.. إلي الأبد، ولا يفرق لديه شهر المحرم، عن شهر جمادي، ولا يوم الجمعة عن يوم الأحد، ولا سنة الثمانين عن سنة التسعين.

إن الزمان كالنهر الجاري، يجري علي الأفراد الذين هم داخل الزمان.. كما يجري النهر علي الحصيات التي هي داخلة في النهر. أما الله تعالي، فهو خارج عن الزمان فلا يجري الزمان عليه، كما أن الإنسان الذي هو خارج عن النهر، لا يجري ماء النهر عليه.

إذاً: فلا زمان لله تعالي.

إنه تعالي خلق الزمان ثم يفني الزمان ويبقي الله تعالي.

وعلي هذا نستخلص:

1: كان الله قبل الزمان.

2: لا زمان لله فعلاً، فهو خارج عن الزمان في الحال.

3: يكون الله تعالي بعد ذلك، ولا زمان يشمله.

لا عوارض..

كيف يكون الله تعالي؟

والجواب: أن الله لا كيفية له.

فالله ليس جسماً: كالإنسان، والنبات، والحيوان، والجماد.

وليس صاحب عين، أو أذن، أو لسان، أو يد، أو رجل.

وليس أحمر أو أصفر، أو أبيض أو أخضر.

وليس ينام، أو يغضب، أو يضحك، أو يخاف، أو يجبن.

وليس يراه شخص، لا في الدنيا ولا في الآخرة حتي أعظم الأنبياء محمد صلي الله عليه و اله.

وليس ذا لحم ودم وعظام. وليس قطعة من نور، أو لمعة من ضياء.

وليس له مكان: فليس في السماء، أو علي العرش، أو في الفضاء، أو علي الكواكب، أو علي الأرض.. وما أشبه.

بل: هو الله.. ليس يشبهه شيء، وليس كمثله شيء، ولايحويه مكان، ولا يشمله زمان، ولا تعرضه الحالات، ولا تحفه الكيفيات.

ولك أن تسأل: وهل يمكن شيء هكذا؟

والجواب في غاية البساطة:

إنك لابد سمعت ب (العقل)

فهل تعرف كيفيته؟

كلا لا يدري لونه.. ولا

مكانه.. ولا زمانه.. ولاعوارضه.. ولا حقيقته، فهل تعرف كل ذلك؟

لا.. طبعاً.

وإذا لم تعرف هذه الأمور، فهل تنكر العقل؟

لا.. طبعاً

ولماذا تعترف بالعقل؟

تجيب: لأني أري آثاره.

وهكذا الله تعالي

إنه لا كيفية له.. ولا يدري حقيقته.

ومع ذلك نعترف به اعترافاً جازماً.. لأنا نري آثاره: وكل شيء من آثاره.

تقول:

ولماذا مثّلتم لله بالعقل؟

نقول:

لنقرّب إلي الأذهان المبتدئة: أنه يمكن وجود شيء لا يعرضه ما للجسم من عوارض.. كما يمكن وجود شيء لا يدري حقيقته.. وإنما يعرف بآثاره. !

من آيات الكون

1: الفضاء

أتعرف شيئاً عن الفضاء المهول؟

يقول العلم الحديث: تبعد الأرض عن الشمس (92) مليونا ونصف مليون ميل وتبعد الأرض عن القمر (240) ألف ميل.

ولو اقتربت الأرض إلي الشمس، لاحترقت الحياة والأحياء. ولو ابتعدت الأرض عن الشمس، لجمدت الأحياء، بسبب البرد الذي يصيبها.

ولو اقتربت الأرض إلي القمر أو ابتعدت منه، سبب مد البحار غمر اليابسة، وربما تصدّعت الجبال بسبب الجاذبية.

فهل بعد ذلك من شك، في الخالق؟

?قل انظروا ماذا في السماوات والأرض?.

?تبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً?.

ونقول للماديين والطبيعيين والملحدين.. ثانياً: أ هل جعل هذه الأبعاد بهذه المقاييس الدقيقة، الطبيعة البكماء العمياء الصمّاء الجاهلة؟

وما هي الطبيعة حتي تخلق وتقدّر وتنظّم؟

ولنقل كلمة أخري عن الفضاء:

يقول العلم الحديث:

إن مجموعتنا النجمية، تحتوي علي مائة بليون من النجوم علي التقريب .

وتدري البليون كم مليوناً؟

إنه ألف مليون!

وهل تظن أن هذه النجوم صغاراً، كما تري بالعين؟

لكن.. إعلم أن بعضها أكبر بكثير عن حجم الأرض، وبعضها يعادل الأرض!

وهل تدري أنها تسبح في الفضاء. كما يسبح الإنسان في الماء؟

?كل في فلكٍ يسبحون?.

فهل يصطدم بعض هذه الكواكب ببعض؟ كلاّ!

و ألا تدهش إذا عرفت أن الإنسان مع أنه ذو عقل وبصر وقصد، يصطدم بأخيه الإنسان ذي العقل والبصر والقصد، في عرض الشارع،

وسط النهار. والحال أن الشارع قد لا يحوي عشرين نفراً مثلاً لكن النجوم مع هذه الكثرة الهائلة، لا تصطدم بعضها ببعض؟

أليس ذلك دليلاً علي عالم قدير بصير.. رتّبَها بأحسن نظام، ونسقها بأبدع تنسيق ?أفي الله شك فاطر السماوات والأرض?؟

وهل تحب أن تعرف سعة الفضاء العجيب؟

نعم: تحب طبعاً فاستمع إلي ما يقرّره العلم الحديث:

إذا أنرنا مصباحاً في مكان بحيث كان نوره قوياً سار ضياؤه (186) ألف ميل في ثانية واحدة.

فمن النجوم، ما ترسل ضوءها، فيصل إلينا في دقائق..

ومن النجوم، ما ترسل إلينا ضوءها في شهور.

ومن النجوم، ما ترسل إلينا ضوءها في أعوام.

ومن النجوم، ما ترسل ضوءها في ملايين السنين!!

ويقولون: إن من النجوم ما لم يصل إلينا ضوئها بعد لبعدها الهائل عنا.

فكم تقدّر اتساع الكون؟

فمن خلق هذه الكواكب؟

ومن أوجد هذا الفضاء الشاسع؟

ومن زوّد هذه الكواكب بالنور؟

ومن جعل لسير النور نظاماً خاصاً؟

أ إله مع الله؟

ثم هل فكّرت في هذا الأمر البسيط:

أن المصباح النفطي، يصرف كمية من النفط، حينما يوقد.

والمصباح الكهربائي يصرف مقداراً من الكهرباء حينما ينار.

فما هو وقود الشمس؟ وكم تصرف من الوقود؟ ومن أين يأتي هذا الوقود الذي تصرفه الشمس؟

وإذا كان المصباح الكهربائي يصرف في ساعة كيلواً واحداً مثلاً مع أنه لا ينير إلا مقداراً ضئيلاً، فكم تصرف الشمس من الوقود، وهي تنير الأرض وكثيراً من الكواكب والفضاء؟

نعم: إن الشمس تصرف كمية هائلة من الوقود، لا يعلم قدرها إلا الله تعالي.. والله سبحانه هو الذي يزوّدها بالوقود، وهو الذي يعرف حقيقة وقود الشمس، وقد وصل العلم إلي بعض ذلك وربما يصل إلي بعض آخر، في المستقبل.

2: الأرض

أتظن أن الأرض هي أكبر ما في العالم من أجرام؟ وبطبيعة الحال قد تظن هذا الظن وأنت تري الشمس والقمر والنجوم

مصغّرة!

لكن ليس كذلك بل الشمس أكبر من الأرض، فإن محيط الشمس (325) ضعف محيط الأرض وثقل الشمس (332) ألف ضعف ثقل الأرض.

كما يقول العلم الحديث.

ثم قد تظن أن الشمس هي أكبر الأجرام!

كلاّ!

فالشعري اليمانية وهي نجمة قالوا عنها: إنها أكبر من الشمس خمسمائة مرة وإن نورها خمسون ضعف نور الشمس.!

وهل سمعت باسم السهيل؟ إنه أقوي من الشمس بألفين وخمسمائة مرة!

فما قدر الأرض التي أنت وأنا عليها؟!

ثم ما قدرنا نحن؟

إنه نسبة مضحكة مبكية في حال واحد:

فكيف يتكبّر الإنسان، وينكر خالقه، وخالق هذه الأمور الهائلة؟!

نرجع إلي الأرض:

هي جرم صغير جداً، في الفضاء الرحب، ومع ذلك فهي ذات طبقات وفيها مختلف الأمور، فيها المعادن، والأنهار، والأسماك، والأطيار، والأعشاب، والأشجار، والحيوان، والإنسان.

فتري من خلق هذه الأرض؟ ومن خلق ما عليها؟

إنه الله..

والله وحده: خالق الأرض وخالق كل شيء.

3: النبات

هل تفكّرت يوماً ما في النبات؟

إنه كيف ينمو، وكيف يخضرّ، وكيف يورد، وكيف يثمر الثمر؟؟

إنه ماء وتراب، وهواء وضوء، وبستان أو مزرعة واحدة.

فكيف تكون بألوان مختلفة وطعوم متنوعة وعطور غير متشابهة؟؟

بل كيف يكون شجر واحد، ورقه شكلا، وورده لونا، وثمره حجما، ولكلٍ طعما؟

ومن ذا يصنع كل ذلك؟

إجمع علماء العالم، واسألهم هل تتمكنون مجتمعين مع تزويدكم بجميع ما تتطلبون أن تصنعوا شجرة البرتقال بجميع خصوصياته ومزاياه من غير الكيفية التي جعلها الله تعالي لنشيءه وإثماره؟

يجيبوك بجواب واحد:

كلاّ! لا نتمكّن!

فكيف ينكر الإنسان خالق النبات، الذي يعجز جميع العلماء عن صنعه؟

وكم في عالم النبات من ظرائف ننقل ظريفة منها من كتاب (الله والعلم الحديث).

إن بالجمعية النباتية بلندن تقريراً، قدّمه العالم النباتي (ليكسيه) الذي ذهب إلي جزيرة مدغشقر، ليحقق ما ذكره الدكتور (سولمون اوسبورن) وهو من علماء الجغرافيا، من أن هناك شجرة تأكل الإنسان.

وقد جاء في التقرير:

إن

الشجرة تشبه شجرة الصنوبر، وجذورها ذات عقد كبيرة وبالشجرة أربع ورقات فقط، يبلغ طول الورقة أربعة أمتار، وعرضها في الوسط (80) سنتيمترا، وسمكها (40) سنتيمترا، وهي تتدلّي من رأس الشجرة إلي أسفلها، وتشبه جلد الجاموس، وأطراف هذه الأوراق مسنّنة.

وتوجد أزهار علي رأس الشجرة تشبه الأقداح، تتصاعد منها رائحة، تسبب للإنسان دواراً شديداً، وتسيل منها قطرات من سائل يفقد وعي الإنسان!

والأهالي في احتفالهم الديني، يقترعون علي من يقدم قربانا لهذه الشجرة!

وقد أصاب القرعة، في وجود العالم النباتي المذكور، امرأة أرغمت علي تسلّق الشجرة، وما كادت شفتاها تمسّان الزهرة، حتي ارتفعت الأوراق المتدلّية، وأطبقت عليها من كل جهة!

وفقدت المرأة صوابها، ولبثت الأوراق مغلقة عليها مدة أسبوعين، عادت بعدها الأوراق إلي ما كانت عليه، ولم يبق من جسد المرأة غير رأسها المسلوخ المعلّق.

فمن يا تري خلق النبات وجعله صنوفاً مختلفة؟

أليس النبات من آيات الله؟ ودليلاً علي الله تعالي:

وفي كل شيء له آية

تدلّ علي أنه واحد

وفي القرآن الكريم إشارة إلي ذلك:

?وفي الأرض قطع متجاورات وجنّات من أعناب وزرع، ونخيل صنوان وغير صنوان، يسقي بماء واحد، ونفضّل بعضها علي بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقومٍ يعقلون?.

4: الحيوان

إن الله تعالي خلق الجماد.. وسلب عنه كل حسّ وحركة علي الأغلب

وخلق النبات.. وزوّده بروح النموّ ويتبعه التنفّس، كما في العلم الحديث.

وخلق الحيوان.. وجبله علي النموّ والحسّ والحركة، فهو أرقي من النبات بدرجة.. لكنه دون الإنسان، إذ لم يمنح العقل بخلاف الإنسان.

ولك أن تقول: من أين نعلم أن الحيوان فاقد العقل، والحال أنا نري العجائب المحيّرة من صنوف من الحيوان؟

والجواب: أن الحيوان لا يزال منذ أقدم عصور التاريخ، علي منهاجه.. إلي اليوم، وهذا دليل علي عدم تعقّله، وأن ما يأتي به من

الأمور إنما هو مما جبّل عليه.. أما الإنسان فإنه لا يزال يتصور، ويترقي، وهذا كافٍ في دلالته علي وجود عقل خلاّق فيه، دون الحيوان.

وعلي أيّ.. فالحيوان بصنوفه العجيبة، وما يأتي به من الأعمال المحيّرة، من الأدلة العظام، علي وجود خالق عالم قدير حكيم.

أ رأيت.. هل يتمكن جميع من في الأرض من خلق بعوضة أو نملة؟ كلاّ! وإن العلماء يعترفون بهذا العجز!! فمن تري خلق بلايين بلايين حيوان؟ إنه الله.. والله وحده..

وقد أشير إلي هذا في القرآن الحكيم:

?إن الذين تدعون من دون الله، لن يخلقوا ذبابا، ولو اجتمعوا له?.

فمن تري يتمكن من إعطاء الروح؟

وربما يقول الغرّ: أنا أتمكن، أجعل الماء في محلٍ عفن، حتي يتولّد منه البعوض!

نقول له:

1: إنه مما جعله الله، لا أنت، فقد جرت عادة الله تعالي علي أن يخلق البعوض من المحل العفن.. ولو تتمكن أنت من خلق البعوض فاخلقه في غير هذا المحل.

2: لو أنت خلقته كما زعمت فهل هو ذكر أم أنثي؟ وما أجزاؤه وآلاته؟

3: لو أنك تتمكن من خلق البعوض، دعنا نقتل بعوضاً ثم أعطه الروح فقط!! فإن من يتمكن من خلق بعوض بكامله لا يعجز عن إعطاء الروح لبعوض كامل.

فهذه قصة بقدر ما هي غريبة تكون ممتعة، نقلها الأستاذ أحمد أمين دام بقاه في كتاب (التكامل في الإسلام) عن الدكتور عبد المحسن محمد صالح، المدرّس بكلية العلوم، في جامعة القاهرة، عن النمل الأبيض، قال:

«النمل الأبيض حشرة، تعيش في جماعات، علي مستوٍ عال من الحياة الجماعية، ولكنه مع هذا الرقي، وباء مدمّر، وتخريبه في الإقليم الجنوبي يعتبر هيّناً، إذا ما قورن بما يحدث في المناطق الاستوائية الحارة حيث يبني مستعمرات ضخمة، تضم الواحدة منها عدة ملايين يعيش في سراديب أرضية،

دون أن يري، ويخرب دون أن يحسّ به أحد.

فهو يقوم بعمل سراديب، أو أنفاق كثيرة، مختفية في الشبابيك والأبواب، وسقوف المنازل، فهو يأكل الخشب، والتبن الذي يدخل في اللبن، أي في الجدار المصنوع من الطين.

منذ أيام، استيقظ أهل قرية من قري مركز (أبو حمص) بمديرية البحيرة (عزبة شلبي) ليجدوا أنفسهم بلا قرية، وبلا مساكن سلط عليهم العدو: (النمل الأبيض) أسلحته الفتاكة، وتركهم بلا مأوي!

والآن، تعال معي، لزيارة مستعمرة من تلك المستعمرات الضخمة، التي بناها النمل الأبيض، في أواسط إفريقيا.

ستجد برجاً شامخاً في الهواء، يبلغ ارتفاعه عن سطح الأرض حوالي ستة أمتار، ومحيط قاعدته قد يصل إلي خمسة عشر متراً.

إنها كحصن من حصون العصور الوسطي، مصممة بطريقة خاصة، فهي علي هيئة أعمدة مخروطية، متصلة عند قواعدها بالمستعمرة الأصلية، ومادة البناء مكوّنة من الطين الذي يخلطه النمل بلعابه فتصير متينة قوية، كأنها الخرساء المسلحة.

وهذا المبني الضخم مقفل كأنه القبر، ساكن سكون الموتي، لكنه يموج من الداخل بملايين الأفراد.. هذه واحدة من المستعمرات، وتجد في جهة أخري حصناً صمم بطريقة خاصة، إذا سألت عنه أحد الأهليين فسيخبرك بأنه (البوصلة).

وبواسطة هذا المبني يستطيع الأهالي معرفة الجهات الأصلية، في الصحاري والجبال: لأن لها سطحين عريضين: أحدهما يشير إلي الشرق، والآخر يشير إلي الغرب وسطحين ضيقين متجهين إلي الجنوب وإلي الشمال.

ولا يمكن أن تشذّ عن هذه القاعدة أي مستعمرة من مستعمرات هذا النوع من النمل.. ولهذا يثق الأهالي في ذكائه الغريب ولم يستطع أحد أن يعرف الحكمة التي تكمن وراء هذا النظام!

وإذا سرت في مكان ثالث.. فستجد المستعمرات المعلّقة وهي التي يبنيها بعض أنواع النمل ويثبتها علي أفرع الأشجار وغصونها.

وقد بلغ الذكاء حداً بعيداً عند بعض الأنواع التي تقطن في المناطق

التي تكثر فيها الأمطار فيبنون ستائر أو حواجز تتدلّي من أعلي المستعمرة تماما كما تبني أسقف المنازل في البلاد الممطرة مثل إنكلترا أو غيرها فإذا ما هطلت الأمطار انحدرت علي الستائر لتسقط بعيداً فلا يبتلّ البناء.

وهناك أنواع تسكن المناطق الجافة ذات الحرارة الشديدة فيبني النمل فيها أنفاقه وعندما يجد الجفاف قد حلّ بالمستعمرة تتفق عنده حيلة أو غريزة للتغلّب علي مثل هذا الأمر فيقوم بعمل أنفاق أرضية تمتدّ إلي عدة أمتار تحت سطح الأرض حتي تصل إلي مستوي الماء الجوفي بالتقريب وعندئذ يخرج منه بخار الماء لينتشر في أنحاء المستعمرة فيخلق جوّاً رطباً كأنه جهاز صمم لتكييف الهواء.

والآن تعال بنا لنزور إحدي هذه المستعمرات، المبنية فوق سطح الأرض من الداخل ستجدها مدينة منظّمة يسكنها عدة ملايين من الأفراد يحكمها ملكة وملك ورعية تتكون من العساكر والشغّالة، لكلٍّ وظيفة معيّنة لا يتعدّاها، ولكل مبني نظام خاص يحتفظ به الجنس علي مدي الأجيال ليتناقله الخلف عن السلف كأنه سرّ لا يبوح به أحد سواه.

سآخذك الآن إلي القاعة الكبري التي تتوسّط المستعمرة، إنها حجرة فسيحة نظيفة جهزت لعود الملكة من حفلة زفافها في الهواء!

وعندما يتمّ التلقيح تعود ومعها الملك ليدخلا الحجرة الملكية ولا يتركانها بعد أبداً لعدة سنوات قد تصل إلي الثلاثين أو الخمسين عاماً!

ويفقد الملك والملكة أجنحتهما ثم تأتي الرعيّة أو الشغّالة لتتمسح بملكتها..

ويحيط بالملك والملكة حرس خاص من جنود أقوياء لا يغفلون عن الحراسة أبداً.

ويأتي الشغّالة ليقدّموا إلي الملك والملكة غذاءاً ملكياً خاصاً وتظهر علي الملكة أعراض الحمل فتنتفخ بطنها حتي تصل إلي مائة مرة من حجمها الأصلي فلا تستطيع أن تنتقل من مكان لآخر وتتحوّل بعد هذا إلي آلة سريعة لوضع البيض.

فهناك نوع يضع حوالي

(36) ألف بيضة في يوم واحد أو (13) مليون بيضة في كل سنة.

أما أعظم الملكات نشاطاً فهو جنس (ماكروتيرمس) ففي كل ثانية تمرّ تكون الملكة قد وضعت بيضة وتستمرّ هذه العملية دون توقّف لمدة ثلاثين عاماً تكون قد وضعت فيها ما يقرب من (946) مليون بيضة!!

ووراء الملك يقف نفر من الشغّالة لا تهدأ حركتهم فعندما تضع الملكة البيض يحمله هؤلاء إلي حجرات خاصة تشبه حجرات التمريض حتي يتمّ فقسه.

فإذا ما تركت الحجرة الملكية من أي باب من أبوابها العديدة لوجدت أمامك ما يشبه الشوارع والحارات التي تتصل بآلاف الحجرات.

فهناك ركن خاص للخدم يقومون بتنظيف المستعمرة، وركن بالتمريض وفيه يربي الأفراد الجدد ويقدّم لهم طعام خاص حتي يصيروا أفراداً جدداً ينضمّون إلي رعية الملكة.

وتوجد عدة حجرات مغلقة وهي سجن المستعمرة التي يساق إليها الأسري من الحشرات الأخري حيّة ثم تزجّ داخل هذه السجون تحت حراسة قويّة.

وبعدها.. يهجم عليها النمل الأبيض ليأكلها كما تفعل قبائل (نيام نيام) مع الجنس البشري.

وقد تجد في بعض المستعمرات مخازن لموادّ التموين التي يحتاجها النمل من وقت لآخر، فإذا ما توجّهت إلي أعلي المستعمرة وجدت صالة كبيرة تتصل بعدد وفير من الحجرات وقد شيدت هذه القبوة الكبيرة لتجديد الهواء في المستعمرة.

وإذا ثقبت عدة ثقوب في المستعمرة لوجدت عدة فكوك قوية قد ظهرت أمامك إنهم حرس المستعمرة التي يسهرون علي حراستها بالليل والنهار وهم يقفون علي هذه الفتحات كأنهم يتأهّبون لأيّ هجوم.

ثم تأتي الشغّالة فيفسح الحرس لها مكاناً تنتقل فيه لتقوم بعملية ترميم في هذه الثقوب حتي تعود علي ما كانت عليه من قبل.

وللحراس وظيفة أخري عامة، فهم يصحبون شغّالتهم إذا ما تركوا مستعمراتهم سعياً وراء الرزق، فتراهم يحيطون بهم من كل جانب

ليدفعوا عنهم أيّ مكروه قد يصيبهم من أعدائهم.

وعندما يعود الشغّالة إلي بيوتهم يقف حرس خاص علي الأبواب ليمنع أيّ حشرة دخيلة قد تندس بين أفراد المستعمرة».

أتري من خلق النمل؟ ومن أودع فيه هذه الغريزة المحيّرة؟ ومن؟ ومن؟ أليس ذلك هو الله سبحانه؟ والله وحده.

? وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها?.

5: الانسان

أتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوي العالم الأكبر

الإنسان.. وما أدراك ما الإنسان؟

أتري.. أنك تباشر ذاتك من أول ما شعرت إلي هذا اليوم وبعد هذا اليوم إلي حيث طال بك الأمل، فهل تعرف ما في ذاتك؟

كلاّ! إنك لا تعرف ما في رأسك وأذنك وما في عينك ولسانك.. وما في قلبك ورئتك.. وما في.. وما في.!

إنك لا تعرف.. ولا يعرف أعظم الدكاترة في العالم!

أتريد شاهداً لذلك؟

لابدّ وأنك سمعت أن دكاترة أوروبا إنما تكون أهميتهم بأنهم إختصاصيون، وما معني الاختصاصي؟ معناه: أنه يختص في طرف واحد من أطراف الجسم: العين.. الأذن.. الحنجرة.. القلب.. الرئة.. الكلية.

أما سائر أجزاء البدن فلا معرفة له.

ومعني ذلك: أن الدكتور، داوم الدراسة مدة عشرين سنة مثلاً ثم خرج عن المدرسة وهو لا يعرف إلا أمراض الأذن أو العين وعلاجها.

ثم.. هل يعرف علاج جميع أمراض العين؟ كلا! فما هؤلاء العميان، الذين أصيبوا بالعمي، من جرّاء أمراض؟

ثم.. إنه يستعين بآلات وأجهزة، وعقاقير وأدوية للعلاج.

أليس كل ما ذكرناه صدقاً؟

إذاً نقول: كيف يمكن أن يقول الإنسان بعدم الصانع للإنسان؟

إن الشخص بعد علم، ودراسة، ومدرسة، ومدرّسين، إنما يعرف شيئاً عن العين أو الأذن مثلاً فهل يحق له أن يقول: إن صانع العين والأذن وسائر أجهزة الإنسان الكثيرة، هو الصدفة؟

كلاّ، إنه منطق الجهّال!

أما منطق العقلاء:

«أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوي العالم الأكبر»؟

اسمع:

الدكتور جوسون هريك.. يقول:

«إن

الدماغ الإنساني، الذي يبلغ وزنه ألفاً وأربعمائة جرام غريب التركيب، بعيد عن كل تصور أو خيال، فلو جمعنا كل ما في العالم من أجهزة التلغراف والتلفون والرادار والتلفزيون.. واستطعنا أن نحوّلها جميعها، إلي قطعة صغيرة بحجم الدماغ، فإنها لا تبلغ في تعقيدها درجة دماغ الإنسان».

وأيّ شخص يقول بعدم المخترع والصانع للتلغراف والتلفون والرادار والتلفزيون؟ لا عاقل إطلاقا يقول بذلك.

فهل الدماغ الذي هو أعقد من جميعها، خلق بلا صانع؟

?أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون?.

شيء آخر..

إنك تري الدم.. وهل تدري ما هو؟ تجيب بطبيعة الحال: إنه سائل أحمر.

يقول العلم الحديث:

الدم يتكوّن من: 25 30 ألف بليون خليّة حمراء، و50 بليون خليّة بيضاء.

وكل هذه الخلايا لها حسّ وحركة.. فهل هذا صدفة، أم من خلق عالم قدير؟

العين..

تراها، ويراها كل أحد.. فهل فكّرت يوماً فيها، وفيما فيها؟

العلم يقول:

العين: تحتوي علي (130) مليون، من مستقبلات الضوء وهي أطراف أعصاب الأبصار، فمن تري جعل هذه المستقبلات؟

إنه هو الله.. والله وحده.

أ رأيت (الكاميرا): آلة التصوير؟

لو قال لك قائل: إنها صنعت من قبل نفسها.. فهل تصدّق؟ كلاّ! ولا يصدّق هذا الكلام عاقل.

فكيف يصدّق الإنسان بأن العين خلقت صدفة بلا مدبّر، بينما يقول بكل إصرار: إن الكاميرا صنعها إنسان قدير؟

الأذن..

يقول العالم (كورتي):

«إن التيه داخل الأذن، يشتمل علي نوع من الأقنية بين لولبية ونصف مستديرة، وأن في القسم اللولبي وحده، أربعة آلاف قوس صغيرة متصلة بعصب السمع، في الرأس».

بالإضافة إلي أن في الأذن مائة ألف خلية سمعية!!

فهل هي صنعت من قبل نفسها.. أم صنعتها طبيعة جاهلة عاجزة؟؟

(المسجّلة) لا يمكن أن يصدّق عاقل أنها كونت من غير مكوّن وصانع، مع أنها أبسط من الأذن وأبسط.. فهل الأبسط يحتاج إلي عالم قدير، والأكثر تعقيداً وآلة لا

يحتاج؟

وجه الإنسان..

وهل فكّرت يوماً في وجه الإنسان؟ وكم إنساناً يوجد علي ظهر الأرض؟

وكم منهم يشبه وجهه وجه الآخر؟

وكيف صنع هذا الوجه الذي ليس مقدار شبر في شبر، بحيث يختلف كل وجه عن الآخر؟ مع العلم أن الوجه في الجميع إلا النادر يشتمل علي عينين وأنف، ولسان وشفتين، وذقن وخدّين.

أما خطوط الأصابع:

فما أغربها وأعجبها؟ إنها خطوط صغار في كل إصبع، وهل في هذه الملايين من الأصابع، ما يشبه بعضها بعضاً؟

كلاّ!

ومن هذا الاختلاف نشأ طبع الأصابع عند الحكومات.

فمن الذي صنع الأذن والعين، والأنف واللسان، والوجه واليدين، والأصابع وخطوطها؟

ومن الذي صنع بلايين البلايين من الأجزاء والأجهزة والخلايا في إنسان واحد؟ إنه الله.

?ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، ما نفدت كلمات الله?.

الأنبياء والرسل

الأنبياء والرسل

لِمَ الأنبياء؟

هنا سؤال يفرض نفسه، وهو: لِمَ الأنبياء؟

نقول في الجواب: لِمَ الحكومات؟

تقول: إنهم لتنظيم الاجتماع، وبثّ العدالة.

نقول: والأنبياء لهذه الغاية نفسها وفوق ذلك.

تقول: وما هو فوق ذلك؟

أقول: إنهم يقرّرون برامج للروح، وليس في قاموس الحكومات ذلك.

وهنا ثلاثة أسئلة:

1: وهل نظّم الأنبياء الاجتماع، وما هو تنظيمهم؟

2: ولو أن الحكومات تقوم بالتنظيم، فما الحاجة إلي النبي؟

3: وكيف يقرّر النبي برامج للروح؟

نعم: إنها أسئلة تحتاج إلي أن نقف أمامها، وخصوصاً في هذه الأزمنة التي انطفأت فيها معالم النبوة، وتقلّصت مناهج الأنبياء عن المجتمع، وبعدت صلة الناس بالأنبياء، وإن ادّعوا أنهم تبع لهم.

السؤال الأول

وهل نظّم الأنبياء الاجتماع؟

وما هو تنظيمهم؟

نعم: الأنبياء كانوا يقرّرون أموراً ثلاثة:

1: برامج للفرد لنفسه.

2: برامج للفرد مع المجتمع.

3: برامج للفرد مع ربه.

1: إن تطهير القلب عن الطمع، والحسد، والجبن، والبخل، والجهل.. وتطهير المزاج عن الأمراض، بالوقاية مرة، وبالعلاج أخري.. وتطهير الجسد عن القذارات.. مما هو مذكور في الكتب مفصّلاً، إنما هو برامج الفرد لنفسه.

2: وتنظيم كيفية البيع والشراء، والإجارة والرهن، والهبة والصلح، والمزارعة والمساقات، والحرب والسلم، والنكاح والطلاق، والقضاء والشهادات، والقصاص والديات.. إنما ذاك برامج للفرد مع المجتمع.

3: والصلاة والصيام، والتسبيح والتكبير، والحج والاعتكاف. إنما هي برامج للفرد مع ربّه.

إذاً نقول: نعم: نظّم الأنبياء الاجتماع.

وهذا هو رؤوس الأقلام في بيان تنظيمهم.

السؤال الثاني

ولو أن الحكومات تقوم بالتنظيم فما الحاجة إلي النبي؟

وهذا السؤال يشبه إلي حدٍّ قريب، سؤال أنه إذا كان العمال الجهلاء يتمكّنون من ترصيف الحجارة بعضها فوق بعض، فما الحاجة إلي المهندس والمعمار.

إن كليهما يقدر علي إيجاد شكل مبني، لكن أين الدار التي بناها المهندس، من الدار التي يبنيها عامل لا يعرف من البناء إلا جعل الآجر فوق الجص؟

تقول: وكيف ذلك؟

نقول: إن تنظيم الأنبياء يخلو عن كل ظلم وجور، وإثم ومنكر، وتعدٍّ واعتداء، إلا في موارد نادرة يتعدي المتعدي فيها لا من خلل في التنظيم. بخلاف تنظيم الحكومات، فإنها مليئة بالجور والظلم.

ولنضرب لذلك أمثلة:

1: حروب نبي الإسلام صلي الله عليه و اله كانت فوق الثمانين وكلها دفاعية، ومع ذلك لم يكن من القتلي إلا ما يقرب من ألف وأربعمائة، من طرفي المسلمين والمشركين، مع أن النبي صلي الله عليه و اله كوّن:

أ: أمة

ب: دولة

ج: عقيدة

د: نظاماً..

وقد امتدّت الأمور الأربعة إلي اليوم.

بينما تري أن الحكومات، لا تفعل إلا تكوين حكومة.. وكم ضحاياها؟

وهنا، لك أن تقول:

وأيّة فائدة

للدول التي كوّنتها الأنبياء؟ مع العلم أن دولة الأنبياء لو تدم لا قليلاً ولا كثيراً، فقد اخترق حتي القائمين بالدولة الدينية أنظمة الدين ومنهاج الأنبياء، ويكفي لذلك شاهدان فقط:

الأول: الدولة المسيحية، فإن المخازي التي ارتكبها سلطان الكنيسة أكثر من أن تحصي.

الثاني: الدولة الإسلامية، فإن الآثام التي اقترفتها الدولة الأموية فقط كافية للبرهنة علي دعوانا.

إذاً فأيّة فائدة لتنظيم الأنبياء، إذا دلّنا التاريخ علي عدم جدواها بالنسبة إلي الشعوب؟

والجواب:

بسيط وبسيط جداً!

وما هو؟

الحكومات التي قامت باسم المسيح.. والحكومات التي قامت باسم الإسلام، وإن لم تطبّق منهاج المسيح، ومنهاج الإسلام حرفياً إلا أنها أفضل بكثير وكثير من حكومات لم تقم باسم الدين، مع ما فيها من زيغ وانحراف، فإن انحراف السلطة في ظل الدين كان أقل وأقل بكثير من انحراف السلطة التي قامت لا باسم الدين .

ونضرب لذلك مثالين فقط:

الأول: حكومة ديغول الفرنسي، المترعرعة في ظل الديمقراطية وظل الثورة الفرنسية، وظل آباء القانون والعدل عند الحضارة الجديدة فهل آثام هذه الحكومة أكثر، أم آثام الحكومة المسيحية التي كانت من ذي قبل حتي بمحاكم تفتيشها؟

إن حكومة ديغول قتلت أكثر من مليوني إنسان، في شبر من الأرض تسمي الجزائر وأتت بأبشع الإجرام، مما تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا!

كل ذلك في ظرف سنوات قلائل.

فهل صنعت الحكومة الدينية المسيحية مثل هذا الصنيع؟

ومنه يعلم أن الحكومة في ظل الدين أفضل بكثير من الحكومة في ظل عدم الدين..

إذاً: تبيّن الفرق الجلي بين تنظيم الأنبياء وتنظيم الحكومات، وإن انحرفت الحكومة الدينية أكبر انحراف عن مناهج النبي المبعوث.

وهل يشك أحد في الفرق الواضح بين الدار المبنية، في ظل هندسة مهندس قدير، وإن حرّف العمال وخالفوا في التخطيط.. وبين الدار المبنية، في ظل هندسة

فلاح جاهل، وإن طبّق العمال ما أمر؟

إن الفرق بين الدارين: كبعد الأرض من جوّ السماء، وهذا هو الفرق بين الحكومتين.

الثاني: حكومة ستالين المترعرعة، في ظل الشيوعية وهي أفضل الأنظمة بزعم الشيوعيين.. فإنها قتلت وشرّدت ونكّلت باثنين وعشرين مليون فلاح، في تطبيق نظام المزارع الجماعية.

وهي حكومة العامل والفلاح كما يدّعون !

فهل فعلت حكومة (أمية) المنتسبة إلي الإسلام كهذا الصنيع؟

إن حكومة (أمية) وإن كانت من أجرم الحكومات التي أقلّتها الأرض، حيث قتلت الإمام الحسين عليه السلام وبعض الأئمة وهدمت الكعبة المكرّمة، وأباحت المدينة المنوّرة.

ولكن هل قتلت وشرّدت حكومة رجل واحد منها إثنين وعشرين مليوناً؟

ولو تمكّنت حكومة ستالين، لعلّها فعلت أبشع من إجرام أولئك.

وبالجملة:

إن تنظيم الأنبياء، مهما حرّفه ذووا السلطة، ليس كتنظيم غيرهم، وتكفي المقايسة التاريخية، للعلم بذلك.

???

2: الفقر، فقد اختفي من الوجود في كثير من أيام الحكومة الإسلامية، ولذا نري الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول:

«ولعلّ..» اسمع وتدبّر في هذه الكلمة: «ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، و لا عهد له بالشبع».

أما في ظل الحكومات غير الدينية، فتري الفقر والفقير (عدد الرمل والحصي والتراب).

???

3: التعدّي، فقد كان أيام الحكومة الإسلامية، لا يوجد سارق، حتي أن في ظرف مأتي سنة، لم تقطع إلا أيادي ستة، في أكبر رقعة من الأرض حكمها الخلفاء.

أما في ظل الحكومات غير الدينية، فكم سارقاً تجد في كل مدينة وكل يوم؟

???

4: الحرية، فقد كانت الحرية في ظل الحكومات الدينية متوفّرة، قلّت أو كثرت، بما لا تجد لها مثيلاً في ظل الحكومات غير الدينية.

ويكفيك شاهداً (ابن بطوطة) الرحّالة المشهور، فقد طالت سياحته في نصف الأرض تقريباً قرابة خمس وعشرين سنة: (ربع قرن) ولم يكن يرفع في وجهه الحدود والحواجز، ولم تطلب

منه هوية وما أشبه..

أليست هذه الأمثلة، وألوف أمثالها كافية لصحة الدعوي وهي:

إن تنظيمات الأنبياء وإن حرّفها الناس خير من تنظيمات البشر وإن مشي ذو السلطة عليها؟

فكيف وأن التحوير يجري في كل من التنظيمين؟

وتسرب التحوير إلي تنظيم البشر أكثر وأكثر، من تسربه إلي تنظيم الأنبياء.. كما يدلّ علي ذلك مطالعة التنظيمين.

فتنظيم الأنبياء كدار عامرة، يحتاج تخريبها إلي جهد وزمن طويل، أما تنظيم الناس فهو كدار خربة، يكفي لتهديمها ضربة عقلة!

السؤال الثالث

وكيف يقرّر النبي برامج للروح؟

إن ذلك أوضح من أن يحتاج إلي برهان، لمن له أقل إلمام ببرامج الأنبياء.. وهذا فارق جوهري بين تنظيم الأنبياء وتنظيم الدول:

فإن الدول إنما تنظم قواعد للاجتماع، لتقي الناس من الظلم والتعدّي، أما من يحفظ رئيس السلطة عن الظلم، وفي يده القانون يلعب به كيف شاء؟

ومن يحفظ الإنسان عن القلق والاضطراب، خصوصاً في أحلك ساعات الحياة؟

ومن يشبع روحانية النفس، ومن يهديها الطريق في ظلمات الأوهام والظنون؟

ومن.. ومن.

فهل سمعت أو رأيت حكومة أو نظاماً غير ديني يتكلم عن ذلك؟ ولو تكلم فهو من هامش عمله لا من الصميم!

نأتي علي الدين:

إنه يقول:

أيها الرئيس، إن لك ربّاً فوقك، يعلم ما تفعل، وهو للظالم بمرصاد، فلا يغرّنك ما تري حولك من سلاح وعتاد، وقوة وسطوة، فهي أمام ربك أصغر من ذرة (ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين).

إنه يقول:

أيها الإنسان، إن لك ربّاً يحفظك من كل شيء، فلا تقلق، وتوكّل، واستعن به ?ومن يؤمن بالله يهد قلبه? و?ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب?.

إنه يقول:

أيتها النفس، لا تتقلّبي يميناً وشمالاً، في ظلمة الأوهام وتخرّصات الفلسفة: فهذا مبدؤك.. وهذا معادك.. وهذا أولك وهذا مصيرك.

ويقول: اشبع نفسك بالعبادة والطاعة، واتصل بروحك إلي الخالق العظيم، واستمنح لطفه وعونه، وتخلّق بأخلاقه، وتأدّب بآدابه فتسمو وترتفع،

وتمتلأ غبطة وحبوراً.

وبعد هذا الكلام الطويل..

نقول:

هل عرفت جواب سؤالك الذي قلت:

لِمَ الأنبياء؟

والجواب:

إنهم للجسد وللروح.

بينما الحكومات للجسد فقط.

ثم:

إن تنظيم البشر للجسد ناقص، كما رأيت.

أما تنظيم الأنبياء للجسد، فهو كامل كما سمعت.

بالإضافة إلي ذلك:

الأنبياء يبشّرون بجنة عرضها السماوات والأرض.

اتحاد الدعوة

صادق: الأنبياء يدعون إلي أمر واحد، فلا اختلاف بينهم جوهرياً، فكلهم أخوة من أمهات وآباء مختلفين، دعوتهم إلي الله تعالي، ولا يختلفون إلا في أمور فرعية ليست من أصل الدين في شيء.

باقر: وكيف؟ إنا نري الاختلاف بيّناً في دعوات الأنبياء!

صادق: الأنبياء يدعون إلي:

1: الأصول

2: والأخلاق

3: والأحكام

ثم ننظر هل يمكن الاختلاف في هذه الأمور؟

أما الأصول، فهي ثلاثة:

أ: الإله، وتوحيده، وعدله، وكونه جامعاً للصفات الحسنة، مفقوداً عنه كل رذيلة.

ب: الأنبياء وأوصيائهم. فقد أرسل هذا الإله أنبياء وجعلوا لهم أوصياء لإرشاد الناس وإنقاذهم.

ج: المعاد في يوم القيامة، وإن المحسن يجزي بالإحسان حسناً، وإن المسيء يجزي بعمله سيئاً.

ولا خلاف بين الأنبياء في هذه الأصول.

فأيّ نبي قال: بعدم الإله، أو بظلمه، أو باتصافه بصفات قبيحة؟

أو أيّ نبي قال: لا نبيّ إلا أنا، أو لم ينصب أوصياء؟

أو أيّ نبيّ أنكر المعاد، وقال: هي الحياة الدنيا، فلا جنة ولا نار؟

باقر: إنا نري اختلافاً كبيراً بين الكتب السماوية في وصف الإله.. ونري اختلافاً كبيراً في الأنبياء منهم من ينكر نبيّاً واحداً أو أكثر.. ونري خلافاً كبيراً في المعاد؟ وأنه كيف هو؟

صادق: إنا لا ندّعي عدم الاختلاف بين الكتب المنسوبة إلي السماء كما لا ندّعي أن كل من ادّعي النبوّة كان صادقاً.

بل نقول:

إن الدين الصحيح الذي أتي به الأنبياء الصادقون واحد، في الألوهية والنبوّة والمعاد، وهذا شيء مبرهن واضح.

أما أن كتباً منسوبة إلي الوحي كذباً تصف الله بما لا يليق به! أما أن أناساً دجالين يدّعون النبوة

ظلماً وعدواناً!

فليس الكلام في ذلك..

الكلام في الحق، لا في الباطل..

في الكتاب السماوي، لا في السفر المختلق في النبي الصادق، لا المتنبّي الدجّال.

ومجمل القول:

إن الأنبياء دعوا إلي عبادة الله العالم القادر الحكيم العادل، وصدق بعضهم بعضاً، فالسابق يبشّر باللاحق.. واللاحق يصدق السابق.

والمتوسط يصدق السابق ويبشّر باللاحق.. وأخبروا عن المعاد بين مفصّل كيفياتها ومجمل خصوصياتها.

باقر: عرفنا أنهم كيف اتفقوا في الأصول. لكن كيف اتفقوا في الأخلاق؟

صادق: إنه واضح جداً، فالأخلاق تنقسم:

إلي الفضائل: كالصدق، الأمانة، الحياء، الوفاء، الشهامة، الشجاعة، الغيرة، السخاء، العدالة، القول بالحق، الإصلاح وغيرها.

وإلي نبذ الرذائل: كالحسد، البخل، الجبن، الإفساد، الشماتة، الخيانة، الغدر، العصيان، الظلم وغيرها.

وكلام كل نبي دعوة إلي الفضيلة، وزجر عن الرذيلة.

حتي قال نبي الإسلام صلي الله عليه و اله: «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».

باقر: بقي عليك أن تبيّن كيف اتحد الأنبياء في الأحكام؟

صادق: إنه أمر واضح. إنهم دعوا إلي:

الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، وغيرها.

وإلي المعاملات الصحيحة

وإلي النظام العدل

وهكذا و هكذا

نعم هناك فروق بين الأديان في الكيفيات والخصوصيات تبع للظروف، كما أن في الدين الواحد فروق بحسب الظروف والأحوال مثلاً:

في الإسلام:

تختلف صلاة المسافر عن صلاة الحاضر.

والصيام علي المقيم دون الظاعن.

والجهاد علي القادر دون العاجز.

إلي غير ذلك.

نبيّ الإسلام صلي الله عليه و اله

كان لإبراهيم ونوح ولوط عليهم السلام دور انقضي ولم يعلم من تعاليمهم إلا النادر الذي لا يربط الإنسان بالخالق كما ينبغي ولايقيم نظاماً للحياة تسير عليه.

وكان لموسي عليه السلام أمد انتهي، وقد حرّف كتابه تحريفاً شائناً، لايبقي معه وثوق به.

وكانت لعيسي عليه السلام مدة انقضت، فلم يبق من تعاليمه إلا مسخاً مشوّهاً، من وثنية وخيالات وأساطير، يجلّ الفرد العادي منه، فكيف بالنبيّ المتصل بالوحي؟

ولم يبق إلا دور نبيّ الإسلام محمد صلي الله عليه و اله الذي اختاره الله لإتمام

الشرائع، وإكمال الدين.. ولذا دينه ناسخ للأديان وشريعته باقية إلي الأخير.

وقد زوّد الله هذا الدين بمنعة قوية، تكافح كل باطل، وتبلي الأيام والليالي ولا تبلي، فقد قال عزّ شأنه: ?إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون?.

وقال: ?ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه?.

وقال: ?ولكن رسول الله وخاتم النبيين?.

وقال: ?ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون?.

والإنسان حيثما يقارن تعاليمه بسائر التعاليم السائدة التي تدعي أنها من الأنبياء.. يري البون شاسعاً! والفرق كبيراً! ويري تعاليم نبي الإسلام غضة جديدة صالحة لتيسير دفة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والعملية وغيرها.

بينما سائر التعاليم: بين جامد ومائع، وزائد وناقص، تظهر عليها آثار البلاء ولا تصلح للدين والدنيا.

زكي: ما هو أحوال نبيّ الإسلام؟

محمود: مجمل أحواله:

اسمه: محمد، أحمد، محمود، أبو القاسم، المصطفي.

أبوه: عبد الله بن عبد المطلب.

أمه: آمنة بنت وهب.

عشيرته: قريش.

مسقط رأسه: مكة المكرّمة، الحجاز، في الجزيرة العربية.

ولد يوم الجمعة، السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر، عام الفيل، بمكة المعظّمة، في زمن الملك العادل (كسري).

وبعث بالرسالة في السابع والعشرين من شهر رجب، بعد ما مضي من عمره الشريف أربعون سنة، إذ نزل عليه (جبرائيل عليه السلام وهو ملك عظيم، وكان صلي الله عليه و اله حينذاك في (حرا) وهو جبل بمكة. فأنزل عليه أول سورة من القرآن وهي:

?بسم الله الرحمن الرحيم، اقرأ باسم ربك الذي خلق…?، فقام صلي الله عليه و اله بتبليغ رسالات ربه، وأخذ يفترّ في الشوارع والأزقّة ويقول: (أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا).

وحيث أن أهل مكة كانوا مشركين، جعلوا يستهزئون به ويضحكون منه، ويؤذونه إلي حيث قال: (ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت) ولم يؤمن به إلا نفر قليل!

أولهم الإمام أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب عليه السلام ثم زوجته خديجة عليها السلام ثم جمع آخر.

ولما كثر اضطهاد المشركين له، هاجر إلي المدينة.

وهذه الهجرة هي بدء تاريخ المسلمين.

وهناك كثر المسلمون، وشرعت الدولة الإسلامية تعتزّ بالعدد والعدّة حتي فاقت حضارات العالم والأديان: سماويها وغير سماويها.

واتفقت للنبي صلي الله عليه و اله أثناء كونه في المدينة المنوّرة حروب وغزوات وكلها كانت بسبب اعتداءات المشركين واليهود والنصاري علي المسلمين!

وكان النبي صلي الله عليه و اله في جميعها يأخذ جانب السلم والرحمة والفضيلة ولذا لم يكن قتلي الطرفين المسلمين وغيرهم في جميع حروبه صلي الله عليه و اله التي بلغت نيّفاً وثمانين، أكثر من ألف وأربعمائة كما حفظها التاريخ!!

ومنذ أن بعث محمد صلي الله عليه و اله بالرسالة إلي أن توفّي كان القرآن الحكيم ينزل عليه من جانب الله تعالي شيئاً فشيئاً وفي مناسبات حتي اكتمل هذا الكتاب العظيم في ظرف ثلاث وعشرين سنة.

فكان النبي صلي الله عليه و اله ينظّم دين المسلمين ودنياهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويشرّع لهم قوانين العبادة والمعاملة والمعاشرة، والسياسة وما إليها.

وبعد ما كمل الدين، ونزل قوله تعالي: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً? مرض النبي صلي الله عليه و اله مرضاً طفيفاً لكنه اشتدّ حتي لحق بالرفيق الأعلي في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر، وقام بغسله وكفنه والصلاة عليه ودفنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ودفن بالمدينة المنوّرة، حيث مرقده الآن.

وقد كان صلي الله عليه و اله في جميع حالاته مثالاً أعلي للأمانة والإخلاص والصدق وحسن الخلق والعلم والحلم والسماح والعفو والكرم والشجاعة والورع والتقوي والزهد والفضيلة والعصمة والعدل والتواضع والجهاد.

وكان جسمه الشريف كأحسن ما يكون: في

الاعتدال والتناسب، ووجهه أزهر كالبدر ليلة تمامه.

وبالجملة: قد كان مجمع الفضائل، ومعقد الشرف والكرامة، وموطن العلم والعدل والفضيلة، ومدار الدين والدنيا، لم يأت مثله فيما مضي، ولا يأتي إلي الأبد.

هذا هو نبيّ المسلمين وهذا هو مشرّع الإسلام: دينه خير الأديان، كتابه خير الكتب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

من أخلاق نبيّ الإسلام صلي الله عليه و اله

سعاد: اذكروا شطراً من أخلاق نبيّ الإسلام وسيرته!

عباس: لنبيّ الإسلام محمد صلي الله عليه و اله فضائل وأخلاق جميلة وسيرة بيضاء ناصعة لم يحفظ التاريخ مثلها من أول العالم إلي اليوم! وهذا ليس ادّعاءً فارغاً بل يشهد لذلك كتب السير والتفاسير والتواريخ وغيرها.

ونذكر منها جملاً تناسب الكتاب المبني علي الاختصار:

كان صلي الله عليه و اله أحلم الناس.

وأشجع الناس.

وأعدل الناس.

وأعفّ الناس.

وكان أسخي الناس لا يبيت لديه دينار ولا درهم، وإن فضل ولم يجد من يعطيه ويجيئه الليل لم يأو إلي منزله حتي يبرأ منه.

وكان يخصف النعل.

ويرقّع الثوب.

ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم معهن.

أشدّ الناس حياءً، لا يثبت بصره في وجه أحد.

يجيب دعوة الحرّ والعبد..

ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، ويكافئ عليها ويأكلها.

ولا يأكل الصدقة.

ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين.

يغضب لربّه عزّ وجلّ.

ولا يغضب لنفسه.

وينفذ الحق وإن عاد بالضرر عليه وعلي أصحابه.

عرض عليه الانتصار بالمشركين علي المشركين وهو في قلّة وحاجة إلي إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبي وقال: إنا لانستنصر بمشرك.

وكان يعصب الحجر علي بطنه من الجوع.

يأكل ما حضر.

ولا يردّ ما وجد.

ولا يتورّع عن مطعم حلال.

ولا يأكل متّكئا ولا علي خوان.

يجيب الوليمة.

ويعود المرضي.

ويشيّع الجنائز.

ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس.

أشدّ الناس تواضعاً.

وأسكنهم في غير كبر.

وأبلغهم من غير تطويل.

وأحسنهم بشراً.

لا يهوله شيء من أمر الدنيا.

ويلبس ما وجد من المباح.

وخاتمه من

فضة يلبسه في خنصره الأيمن وربما يلبس في الأيسر.

يردف خلفه عبده أو غيره.

يركب ما أمكنه، مرةً فرساً، ومرةً بغلةً شهباء، ومرةً حماراً، ومرةً يمشي راجلاً، حافياً، بلا رداء، ولا عمامة ولا قلنسوة.

يحب الطيب.

ويكره الرائحة الرديئة.

ويجالس الفقراء.

ويواكل المساكين.

ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم.

ويتآلف أهل الشرف بالبرّ لهم.

يصِل ذوي رحمه، من غير أن يؤثرهم علي من هو أفضل منهم.

لا يجفو علي أحد.

يقبل معذرة المعتذر إليه.

يمزح ولا يقول إلا حقاً.

ويضحك من غير قهقهة.

يري اللعب المباح، فلا ينكره.

وترفع الأصوات عليه، فيصبر.

وكان له لقاح وغنم، يتقوّت هو وأهله من ألبانها.

وكان له عبيد وإماء، لا يترفّع عليهم في مأكل ولا ملبس.

ولا يمضي له وقت في غير عمل الله وفيما لابدّ له من صلاح نفسه.

يخرج إلي بساتين أصحابه.

لا يحقر مسكيناً لفقره وزمانته.

ولا يهاب ملكاً لملكه.

يدعو هذا وهذا إلي الله دعاءاً واحداً.

قد جمع الله له السيرة الفاضلة.. والسياسة التامة، وقد نشأ في بلاد الجهل والصحاري في قفر، وفي رعاية الغنم يتيماً لا أب له ولا أم.

وكان من خلقه صلي الله عليه و اله أن يبدأ من لقيه بالسلام.

ومن قام معه لحاجة صابره حتي يكون هو المنصرف.

وما أخذ أحد بيده فيرسلها، حتي يكون يرسلها الآخذ.

وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأ بالمصافحة ثم أخذ يده فشابكها ثم شدّ قبضته عليها.

وكان لا يقوم ولا يقعد إلا علي ذكر الله.

وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال: أ لَكَ حاجة؟ فإذا فرغ من حاجته عاد إلي صلاته.

وكان أكثر جلوسه: أن ينصب ساقيه جميعاً، ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة.

ولم يعرف مجلسه من مجالس أصحابه، لأنه كان حيث ما انتهي به المجلس جلس.

ولا رُئِي قط مادّاً رجليه بين أصحابه.

وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة.

وكان

يكرم من يدخل عليه، حتي ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة. وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تكون تحته، فإن أبي أن يقبلها عزم عليه، حتي يفعل.

وما استصغاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه حتي يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه. حتي كان مجلسه وسمعه وحديثه ولطف مجلسه وتوجّهه للجالس إليه.

ومجلسه مع ذلك مجلس حياء وتواضع وأمانة.

قال الله تعالي: ?فبما رحمة من الله لِنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك?.

ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم، إكراماً واستمالةً لقلوبهم.

ويكنّي من لم تكن له كنية، فكان يدعي بما كنّاه به.

وكان يكنّي أيضاً النساء اللاتي لهن أولاد واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن الكني.

ويكنّي الصبيان، فيستلين به قلوبهم.

وكان أبعد الناس غضباً.

وأسرعهم رضاً.

وكان أرقّ الناس بالناس.

وخير الناس للناس.

وأنفع الناس للناس.

ولم يكن ترفع في مجلسه الأصوات.

وكان إذا قام من مجلسه قال: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك» ويقول: (علّمنيهن جبرائيل).

وكان أفصح الناس منطقاً.

وأحلاهم كلاماً.

نزر الكلام.

سمح المقالة.

إذا نطق ليس بمهذار.

وكان كلامه كخرزات النظم.

وكان أوجز الناس كلاماً وبذلك جاءه جبرائيل.

وكان مع الإيجاز يجمع كلما أراد.

وكان يتكلم بجوامع الكلم: لا فضول ولا تقصير، كلام يتبع بعضه بعضاً.

بين كلامه توقف، يحفظه سامعه، ويعيه.

وكان جهير الصوت (أي ليس في صوته بحّة).

أحسن الناس نغمة.

وكان طويل السكوت.

لا يتكلم في غير حاجة.

ولا يقول في المنكر.

ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق.

ويعرض عمن تكلم بغير جميل.

ويكني عما اضطره الكلام إليه مما يكره.

وكان إذا سكت تكلم جلساؤه.

ولا يتنازع عنه في الحديث.

ويعظ بالجدّ والنصيحة.

وكان أكثر الناس تبسّماً وضحكاً في وجوه أصحابه.

وتعجباً مما حد ثوابه.

وخلطاً لنفسه بهم.

ولربما يضحك حتي يبدو نواجذه.

وكان لا يدعوه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك.

وكانوا لا

يقومون له، لما عرفوا من كراهته لذلك.

وكان يمرّ بالصبيان، فيسلّم عليهم.

وأوتي برجل، فأرعد من هيبته، فقال: هوّن عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.

وكان يجلس بين أصحابه مختلطاً بهم كأنه أحدهم، فيأتي الغريب فلا يدري أيهم هو! حتي يسأل عنه.. حتي طلبوا إليه أن يجلس مجلساً يعرفه الغريب، فبنوا له دكاناً من طين فكان يجلس عليه.

وكان يقول: إنما أنا عبد: آكل كما يأكل العبد.

وكان أخشي الناس لربه.

وأتقاهم له.

وأعلمهم به.

وأقواهم في طاعته.

وأصبرهم علي عبادته.

وأكثرهم حباً لمولاه.وأزهدهم فيما سواه.

وكان يقوم في صلاته، حتي تنشق بطون أقدامه من طول قنوته وقيامه.

ويسمع علي الأرض لو كف دموعه صوت من كثرة خضوعه.

وكان يصوم، حتي يقال: لا يفطر.

ويفطر، حتي يقال: ما يصوم.

وكان نظيف الجسم.

طاهر الثياب.

يرجل جمته ويسرح لحيته.

ويستاك أسنانه.

ويعطر جسده، حتي كان يشمّ منه الرائحة الطيبة من بُعد، ويعرف الشخص بأنه صاحبه لما يسري إليه من رائحته العطرة.

ويذهب شعره بالنورة.

يطعم الجائع.

ويكسو العاري.

ويركب الراجل.

ويعين ذا الحاجة علي حاجته.

ويقضي دين المدين.

وكان صلي الله عليه و اله أشجع الناس، حتي قال علي عليه السلام: (لقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبي، وهو أقربنا إلي العدو، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأساً).

وقال عليه السلام: (كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلي الله عليه و اله، فما يكون أحد أقرب إلي العدو منه).

وكان أجود الناس كفاً.

وصفه أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

كان أجود الناس.

وأجرأ الناس صدراً.

وأصدقهم لهجةً.

وأوفاهم ذمةً.

وألينهم عريكةً.

وأكرمهم عشيرةً.

من رآه بديهته هابه.

ومن خالطه معرفةً أحبّه.

يقول ناعته: فلم أرَ قبله، ولا بعده مثله.

وما سئل شيئاً قط علي الإسلام، إلا أعطاه.

وأن رجلاً أتاه وسأله، فأعطاه غنماً سدّت بين جبلين، فرجع إلي قومه، فقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من

لا يخشي الفاقة.

وما سئل شيئاً قط فقال: لا.

وكان لا يقبل الصدقة، ويقبل الهدية.

وينكر كل منكر.

وقد أدّبه الله تعالي بمكارم الأخلاق، فقال:

?خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين?.

وقال: ?إن الله يأمر بالعدل، والإحسان وإيتاء ذي القربي، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي?.

وقال: ?واصبر علي ما أصابك?.

وقال: ?ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم?.

وقال.. وقال.. فلما أكمل الله تعالي خَلقه وخُلقه، قال في شأنه: ?إنك لعلي خلق عظيم?،.

القرآن الكريم

من أكبر معجزات نبي الإسلام: القرآن الحكيم، هذا الكتاب الذي يتلي في آناء الليل وأطراف النهار.

ماجد: وكيف يكون القرآن معجزة؟ وما معني ذلك؟

محمد: إن القرآن كلام، ليس كالشعر.. ولا كالنثر وقد كانت العرب أبان نزول القرآن فصحاء بلغاء، يعقدون الاحتفالات والاجتماعات لهذه الغاية.. وكل واحد منهم يأتي بالقصيدة العصماء أو النثر البليغ، ويفاخرون الآخر، ولما أن نزل القرآن دعاهم إلي الإتيان بمثله، وتحدّي بلغاءهم وفصحاءهم، فعجزوا عن ذلك، ولم يروا طريقةً إلا القتال والحرب، ولو كان القرآن كسائر الكلمات والكتب لتمكّنوا من الإتيان بمثله.

فعدم تمكّنهم مع أنهم من أهل الفصاحة والبلاغة: دليل علي أنه معجزة من عند الله تعالي.

ماجد: ومن أين نثبت أن النبي صلي الله عليه و اله تحدّاهم بالقرآن فلم يتمكّنوا؟

محمد: إن التواريخ كلها تدلّ علي ذلك، بالإضافة إلي أن القرآن يصرّح بهذا في موارد وموارد وهو بين ظهراني المسلمين وغيرهم، ولو كان ادعاؤه كذباً والعياذ بالله لرأينا في التواريخ كذبه، لكن التواريخ مطبقة علي أنه لم يأت أحد بمثل القرآن.

وهذا كافٍ لإثبات كونه معجزة يعجز البشر عن الإتيان بمثله.

ماجد: في أيّ موضع من القرآن تحد بالنسبة إلي الناس؟

محمد: إن القرآن دعا الناس أولاً إلي الإتيان بمثله، قائلاً: إنه إذا كان دعواي (أنا

من عند الله) كذباً، فأتوا بمثلي! حيث يقول: ?لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً?.

ثم لما لم يتمكنوا من الإتيان بمثله واعترفوا بالعجز سامحهم وطلب منهم أن يأتوا بعشر سور من مثله حيث قال:

?أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين?.

ثم لما أحجموا حتي عن الإتيان بعشر سور، مع العلم أن عشر سور قصار لا تحتاج إلي أزيد من صفحتين من الورق، سامحهم وطلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل القرآن حيث يقول:

?وإن كنتم في ريب مما نزّلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين?.

ولكنهم لم يتمكّنوا.. مع العلم أن سورة واحدة صغيرة لاتحتاج إلي أكثر من سطر واحد، مثل:

?قل هو الله أحد? الله الصمد? لم يلد ولم يولد? ولم يكن له كفواً أحد?.

?إنا أعطيناك الكوثر? فصلّ لربّك وانحر? إنّ شانئك هو الأبتر?.

لكن القرآن أخبر بعدم تمكّنهم وقال في بقية الآية المتحدّية للإتيان بسورة: ?فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدّت للكافرين?.

أ فليس هذا بكافٍ لإثبات كون القرآن معجزاً من عند الله تعالي؟

سائل ومجيب

السائل: ما كان موقف العرب وغيرهم تجاه هذا التحدّي السافر من القرآن؟

المجيب: كان موقفهم الاستهزاء والكلمات الفارغة ورمي النبي صلي الله عليه و اله بالكذب والكهانة والسحر وما أشبه.

فكانوا يقولون كما هو حيلة العاجز :

?إن هذا الا سحر يؤثر?.

?سحر مستمرّ?.

?إفك افتراه?.

?أساطير الأوّلين اكتتبها?.

?قلوبنا غلف?.

?في آذاننا وقر?.

?من بيننا وبينك حجاب?.

?لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه?.

إلي غيرها، وغيرها..

السائل: أليس القرآن كلاماً عربياً فلماذا لم يتمكّن المشركون ومن إليهم من الإتيان بمثله؟

المجيب:

نعم، القرآن كلامه ومادته موجودة لدي العرب: من الكلمات والجمل وما أشبه.. لكن تركيبها بهذه الكيفية كانت مستحيلة لديهم.

ومن باب المثال: مادة القصر الفخم، آجر وجص وحديد وإسمنت وخشب وما إليها.. لكن غير المهندس القدير، والبنّاء الفاهم لا يتمكّن من جمعها وبنائها قصراً شامخاً.

قصص

1: قال الأصمعي: سمعت كلام جارية فأعجبني فصاحتها! فقلت لها: قاتلك الله، ما أفصحك؟

فقالت: أو بعد هذه الآية فصاحة:

?وأوحينا إلي أمّ موسي أن ارضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين?؟

فجمع في آية بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين!!

2: سمع وليد بن المغيرة، وهو من خصوم الإسلام عن النبي صلي الله عليه و اله هذه الآية:

?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون?.

فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر.

3: اجتمع ثلاثة في مكة للإتيان بمثل القرآن، وبنوا علي أن يأتي كل واحد بمثل ثلث القرآن إلي العام المقبل، حتي يستريحوا من الإسلام بزعمهم .

وبعد عام اجتمعوا، وأظهر كل واحد اليأس من التمكّن عن ذلك!

فقال الأول: لما رأيت هذه الآية: ?وأوحينا إلي أم موسي أن ارضعيه..? عرفت أني لا أتمكّن من الإتيان بمثله.

وقال الثاني: لما رأيت قوله تعالي: ?وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت علي الجودي وقيل بُعداً للقوم الظالمين? أيست عن الإتيان بمثله.

وقال الثالث: لما رأيت قوله تعالي: ?فلما استيأسوا منه خلصوا نجيّاً? علمت أني لا أتمكّن من الإتيان بمثله.

وهنا مرّ بهم الإمام عليه السلام، وتلا عليهم:

?قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن

لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً?.

4: جرت عادة العرب قبل الإسلام، علي أن من أتي منهم بكلام بليغ، أو نظم قصيدة رائعة كتبه وأتي به الكعبة يعلّقه عليها، فإذا أتي أحد بأفصح من نثره أو نظمه رفع الأول ووضع الثاني مكانه.

حتي اجتمعت المعلّقات السبع المشهورة، وهي قصائد لفصحاء العرب وبلغائهم.

فلما نزلت الآية السابقة: ?وقيل يا أرض ابلعي ماءك … ? رفعوا المعلّقات من الكعبة خوفاً من الفضيحة، وأخفوها.

5: ويحكي ان المشركين اجتمعوا وأخذوا من القرآن كلمات زعموها ثقيلة منافية للبلاغة، وهي كلمة: (عجاب) و (كبّار) و(يستهزئ).. ثم أشكلوا علي النبي صلي الله عليه و اله بهذه الكلمات!

فقال صلي الله عليه و اله لهم: إيتوني بأفصحكم..

ولما أن جاء وجلس قام النبي صلي الله عليه و اله له فلما أن أراد القيام، جلس النبي صلي الله عليه و اله.. وهكذا أقامه وأقعده مرات،

فغضب وقال: يا محمد أتستهزئني وأنا شيخ كبّار إن هذا لأمر عجاب!! فنظر المشركون بعضهم إلي بعض وقد أبطل هذا الفصيح الذي جاؤوا به حكماً علي النبي صلي الله عليه و اله إشكالاتهم.

هل تفكّرت؟

هل تفكّرت يوماً في القرآن والعصر الحاضر؟

وهل علمت أن القرآن يحتلّ اليوم مكان الصدارة، كما كان يحتلّ بالأمس؟

وكيف ذاك؟

إن القرآن كان الكتاب الوحيد الذي اعتزّ به العالم بالأمس، واليوم هو الكتاب الوحيد الذي يعتزّ به العالم.

وإلا فلِمَ يُتلي في الإذاعات، ليس إذاعات المسلمين، بل حتي إذاعات الكفار آناء الليل وأطراف النهار.

فإذاعة بغداد، والقاهرة، ودمشق، وبيروت، والأردن، والحجاز، وطهران، وباكستان.. ولندن، وبرلين، واسرائيل، والمتحدة.. وغيرها.. وغيرها.. تقرأ القرآن ولِمَ؟

لأنه الكتاب الوحيد الذي أثبت علي العالم أنه الكتاب الأول والأخير الذي يصلح للتلاوة أمام الملأ الديني وغيره، والمسلم والكافر، والجيل القديم والجيل

الحديث.

ربما يقول أناس:

أما إذاعات المسلمين، فتقرأه ولاءً وحباً، أو جبراً من المتصلّبين في الإسلام وإكراهاً.. ولا فضل؟

وأما إذاعات الأجانب، فتقرؤه خداعاً ومكراً، ليمكر بالمسلمين، ويخدعهم عن دينهم، فيزعمون حب المستعمرين لهم وبذلك يتسنّي لهم اقتناصهم.

هكذا يزعم بعض الناس!

لكنهم غفلوا:

إن كان المسلم يقرأ في الإذاعة القرآن ولاءً أو كرهاً.

فلِمَ لا يقرأ النصراني إنجيله في إذاعته ولاءً أو كرهاً؟

ولِمَ لا يقرأ اليهودي توراته في إذاعته ولاءً أو كرهاً؟

ولِمَ لا يقرأ البوذي.. والكنفوشيوسي، وغيرهما كتابه في إذاعته ولاءً وكرهاً؟

وإن كان الكافر يقرأ القرآن للاستعمار..

فلِمَ لا يقرأ لندن إنجيله لاستعمار سائر النصاري؟

ولِمَ لا تقرأ المتحدة توراة اليهود لاستعمار يهود العالم؟

ولِمَ تقرأ إذاعة إسرائيل القرآن؟ هل حباً؟ أو جبراً؟ أو استعماراً؟

كلا! ليس شيء من التعليلين صحيحاً!

إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يمكن أن يقرأ علي العالم، وليس كتاب غيره كذلك، حتي وإن كان نسب إلي الوحي كالعهدين، واوستا، وويدا.. وغيرها.

إنها مليئة بما يخالف العقل والمنطق.

فكيف تقرأ؟

أما القرآن.. فهو الذي وضع أصول الاجتماع الصحيح، وبيّن الأخلاق الفاضلة.. ونبّه إلي السياسة الراشدة.. وذكر قصصاً حقّة تكفي للدرس والاعتبار.. وألمع إلي أصول المعاملة الصحيحة، وهكذا وهكذا.

فما المانع من أن يقرأ ليعتبر به المعتبرون؟

إنه هو الكتاب الوحيد: أولاً وأخيراً!

وإن سبقته مئات الملايين من الكتب، ولحقته ألوفها!

إن الكتب والمقالات وما إليها، تصلح لأن تذاع وقتاً خاصاً، وأياماً معدودة، أما أن تذاع آناء الليل وأطراف النهار، فلا تصلح.

إنه القرآن قط.. فإنه هو الكتاب الذي يبيّن منهاج الحياة بكامله، لا يقيّده زمان، ومكان، وجيل، وأمد.

إنني أعترف بأن كثيراً من المسلمين يذيع القرآن حباً وولاءً. وكثير منهم يذيعه كرهاً وتنازلاً علي رغبة المحيطات الإسلامية.

وكذلك أعترف بأن زمرة من الكفار تذيعه، تأليفاً لقلوب المسلمين، أو قصداً لخديعتهم.

ولكن.. بعد هذا

وذاك أقول:

كيف صارت للقرآن هذه المكانة، دون سائر الكتب المقدسة لدي أهلها؟

أليس إذاعة الإنجيل مثلاً يتوفّر فيها هذان الشرطان:

يحبه النصاري.. ويؤلف قلوبهم بها؟

فلماذا لا يذاع؟

والجواب:

لا الإنجيل.. ولا التوراة.. ولا ويدا.. ولا اوستا.. ولاغيرها.. تقبل الإذاعة.

وهل تذاع أمور تافهة أو فضائع؟

أليس بعد هذا كله يحقّ للعالم أن يذعن بأنه الكتاب الوحيد العالمي؟

وهل كتاب عالمي مثله؟ وما هو؟

فيه كل شيء!

إن القرآن يحتوي علي كل شيء ولكن ليس المراد أن يكون في القرآن كل شيء بصراحة ووضوح!

إنه إذاً: ليس كتاباً يحتوي علي بضع مائة صفحة.

بل يستلزم ذلك كتاباً يملأ الخافقين.

القرآن:

كأدوية يصفها الطبيب للمريض، فهل من الصحيح أن يجمع له الطبيب كل دواء؟

إنه شفاء لما في الصدور ودواء للاجتماع، ليسير وفق الفطرة الصحيحة، بدون زيغ وانحراف، وقد توفّر في القرآن كلما يستلزم ذلك!

قصص وعبر.

عبادات وطاعات.

معاملات.

أحكام ودساتير.

مبدأ ومعاد.

أمثال وعظات.

أخلاق وصفات.

كل بقدر، وكل وفق الحكمة والمصلحة.

أليس من السخف أن يقول المريض للطبيب: لِمَ جعلت من هذا العقار ضعف ما جعلت من العقار الآخر، أو من هذا الدواء ثلث ذلك الدواء، أو لِمَ تجعل من ذاك وجعلت من هذا؟!

وهكذا من يريد من القرآن أن يجعل قصة إلياس بكاملها، أو صفات القاضي، أو يعدّ إعداد الفضائل!!

لو أراد القرآن أن يبين المسائل الفقهية.. لكان كتاب فقه!

أو يشرح أصول الهندسة.. لكان كتاب هندسة!

أو يعدّ أنواع الحيوان.. لكان كتاب حيوان!

أو يوضح خواصّ النباتات.. لكان كتاب نبات!

وهكذا.. وهكذا.

وليس هذا شأن القرآن.

إنما هو قرآن.

وأناس يريدون أن يكون غيره.

وما معني القرآن؟

معناه: كتاب الحياة، كتاب الكون كتاب المبدأ والحاضر والمعاد.

إنا لا ننكر إشارة القرآن إلي بعض الأحوال الكونية، لكن فرق بين كتاب يقصد ذلك قصداً.. وبين كتاب يريد تنظيم الحياة فيقول عن علم عرضاً ووسيلة.

يقول بعض المغفّلين:

فلِمَ لم يذكر القرآن الطائرة؟

ويجيب

بعض بأنه ذكرها: ?وعلي الله قصد السبيل ومنها جائر? والجائر الطائر!!

نقول لكليهما: ليس القرآن كتاب الصنائع والمخترعات وإنما هو قرآن.

أما جوابك أيها المجيب فمع الغض عن عدم الانطباق ما تقول: في القاطرة، والباخرة، والمسجلة، والذرة، وغيرها؟

قل: إن القرآن قرآن، واسترح. ولماذا تنظم حتي تبقي في القافية؟!

القرآن كتاب نزل لإنقاذ الناس من الظلمات إلي النور، ومن الجهل إلي العلم، ومن الخرافة إلي الواقع، ومن المرض إلي الصحة، ومن التنازع إلي الألفة، وقد فعل وسيفعل حيث أخذ بزمام الحياة.

أما أنه يبين الطائرة والذرة، فليس من شأن القرآن وإن كان فيه بعض الإشارات.

إن من يطلب من القرآن بيان المكتشفات، مثله مثل من يريد من القرآن بيان أحكام المعاملات أو خصوصيات العبادات أو دقائق الطب أو أشكال الهندسة أو تعداد الكواكب.

فهل هذه الطلبات صحيحة؟

في القرآن كل شيء.

كل شيء يرتبط بتعديل الاجتماع، وجعل المقاييس الصحيحة للمدنية والحضارة، وتبيان المبدأ والمعاد، وكيف ينبغي للإنسان أن يعيش فوق هذا الكوكب؟

أما المزايا والخصوصيات والتوسع والتعمق وما إليها فليس من شأن القرآن، وطلبه منه عبث وخبال!!

المسلم والقرآن

وهل هناك فرق بين مسلم اليوم ومسلم الأمس؟

نعم:

فرق وألف فرق.

إن المسلم في القديم ولا أقصد صدر الإسلام فقط، بل إلي ما قبل الاستعمار، منذ نصف قرن كان يعرف القرآن بصفته منهاجاً عملياً، يسير علي ضوئه في ميادين الحياة عامة:

ميدان الثقافة والعلم، ميدان الزراعة والصناعة، ميدان البيع والشراء، ميدان النكاح والطلاق، ميدان القضاء والشهادات، ميدان الحدود والديات، ميدان المطاعم والمشارب، ميدان العقيدة والعبادة وغيرها.

فكان يسير علي ضوء القرآن، ويقايس أعماله وأقواله بمناهجه.

وقد سئل عن أبي ذر (رحمه الله) كيف حالنا؟

قال: اعرضوا أنفسكم علي القرآن، فإن رأيتموها مطابقة له فاعرفوا استقامتها، وإلا …

إننا لا ننكر الشواذ من الإعصار، أو من

الأفراد فحتي القمر تعلوه الكلف!! وإنما نريد الصبغة العامة.

إنها كانت قرآنية.. لا خمر، ولا ربا، لا وثنية ولا انحراف، لا قومية ولا قبلية، لا أحكام مستوردة ولا عبادات مخترعة، وهكذا، وهكذا..

فالقرآن عندهم ولا مناقشة في المثال كقائد الجيش يأمر فيطاع، حتي.. إلي الموت.

فقد كان المسلم إذا نزلت آية في صدر الإسلام أو عرف آية في سائر الأزمنة، كان يراها منهاجاً متبعاً، لا محيد عن العمل بها، في العبادات كانت أو المعاملات، أو الحدود أو الديات، أو غيرها.

فإذا قال الكتاب: ?النفس بالنفس?.

أو قال: ?للذكر مثل حظّ الأنثيين?.

أو قال: ?ولا تجسّسوا?.

أو قال: ?أحلّ الله البيع، وحرّم الربا?.

أو قال: ?أقيموا الصلاة.. وأتوا الزكاة?.

أو قال.. أو قال..

يري المسلم لزوم القصاص.. ومضاعفة حق الذكر.. وحرمة التجسس.. وحلّية البيع وحظر الربا.. ووجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.. وهكذا.

أما اليوم فللقرآن لدي المسلمين شأن آخر!

إنه كتاب عظيم.. ودستور حكيم.. ومعجزة خاتم الرسالة وفيه من الآداب والأخلاق وما إليها مالا يوجد في غيره.

كل ذلك نعم.

أما العمل بحدوده وأحكامه، واتباع مناهجه وأنظمته وتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والتخلّق بآدابه، والتحلّي بأخلاقه.

فلا..!

ولذا نري قوانين غربية أو شرقية تسود الدوائر!

والربا والاحتكار والاستغلال تسود الاقتصاد!

والخيانة والغدر والمهاترة علاقة دولية!

والصلاة والزكاة والخمس تخصّ فئة دون الجميع!

والعلاقات العائلية والاجتماعية منفصمة!

وهكذا.. وهكذا.

نعم:

يتلي القرآن للثواب!

ويهدي إلي أرواح الأموات، في الفواتح وعلي القبور!

ويعلق علي الصبيان للحفظ!

ويشدّ علي أعمدة الخباء!

ويذهب به إلي الدار الجديدة!

ويهدي إلي العروس!

وتكتب آي منه، لتزين بها الدور والقصور والحوانيت!

ويقرأ علي المريض كي يبرأ!

ويتبرّك بوضع أوراق منه في الطعام ونحوه!

وما إلي ذلك!

أما نظام الحياة، ومنهاج العمل، ودستور الاجتماع، وقانون الدولة، وكتاب الأمة فلا!

وعجيب جداً: أن يصبح هكذا كتاب، الذي رآه المسلمون وغير المسلمين، خير محفز ودستور لحياة سعيدة بكل معني الكلمة كتاب

ثواب وتبرّك، فحسب !

وهل يترقّب منه بعد ذلك أن يصلح دنيا أو يهدي إلي خير؟

إن أكبر الناس قوةً وعلماً وقدرةً علي إدارة الأمور.. لو زجّ في سجن منعزل عن العالم، لا يتمكّن من الإدارة والتنظيم.

فهل يتوقّع السير بالحياة إلي السعادة والخير، من كتاب اعتزل عن الاجتماع أيّ اعتزال؟

فكم من المسلمين اليوم يعرف قراءة القرآن؟

وكم منهم يقرأه، ولو في كل أسبوع مرة؟

وكم منهم يعرف تفسيره ومعناه؟

وكم منهم يعرف مناهجه ودساتيره؟

وكم منهم يطبّق أحكامه، ويهتدي بهديه؟

ولا أظنّني أسئ الظن بالمسلمين إن قلت:

إن نسبة الأول إلي مجموع المسلمين: نسبة الواحد إلي الألف.

ونسبة الثاني إليهم: نسبة الواحد إلي عشرة آلاف.

ونسبة الثالث إليهم: نسبة الواحد إلي مائة ألف.

ونسبة الرابع إليهم: نسبة الواحد إلي ربع مليون.

ونسبة الخامس إليهم: نسبة الواحد إلي نصف مليون.

ولا أقصد بالعاملين العاملين ببعض أحكامه، فإن المصلّي والصائم والمزكّي والآمر بالمعروف وغيرهم كثيرون وكثيرون جداً. وإنما القصد من يطبّق القرآن علي حياته حرفياً.

مثلاً: كم تري من يطبّق هذه الآيات:

?الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون … والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم علي صلواتهم يحافظون?.

?إن النفس بالنفس والعين بالعين?.

?إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً?.

?قل إن كان آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتي يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين?.

وغيرها.. وغيرها؟

فكم من المسلمين يتّصف بهذه الصفات؟

يخشع في صلاته..

ويرعي أمانته وعهده..

وإذا ذكر الله وجل قلبه وإذا تليت عليه آياته زادته إيمانا.

والله ورسوله وجهادٍ في سبيله أحبّ إليه من كلّ شيء حباً قلبياً عملياً

لا لفظياً إدّعائياً.

هل في ستمائة مليون مسلم تجد ألفاً ومائتين؟

إن هذا المقال ليس من سوء الظن بالمسلمين!

بل من حسن الظن بالقرآن.

فلو عمل بالقرآن عملاً جدّياً ولو هذا العدد القليل من المسلمين لكان للمسلمين اليوم حال غير ما نشاهده فيهم.

إنه ضعف ضعف أصحاب البدر فأين الإنتاج؟

القرآن خالد!

ربما يتساءل البعض: لماذا خلد القرآن؟

والإجابة علي هذا بسيطة جداً لا تحتاج إلي فكر عميق وإعمال روية متعب!

إن القرآن احتوي علي جملة حقائق وبضعة مناهج.

والحقائق لا تبدّل، والمناهج صالحة لكل زمان.

فكيف يطرأ عليه الزوال؟

إن الزوال يطرأ علي حقائق خيالية ومناهج وقتية، وليس القرآن من ذلك في شيء.

أما الحقائق القرآنية:

أ: فحول المبدأ: الإله، وصفاته، وعدله.

ب: والرسالة: السفراء بين الله وخلقه.

ج: والمعاد: عود الإنسان بعد مماته إلي ربه ليجزي بما عمل.

د: وقصص من الأمم السالفة: هود، وعاد، وثمود، وفرعون، وهامان، ونمرود، … وإبراهيم، وآدم، وموسي، ونوح، ويونس، ولوط، وعيسي، وإلياس، ومحمد (صلوات الله عليهم).

ه: وما إلي ذلك.

فهل تتغيّر هذه الحقائق؟

بأن يشترك مع الإله غيره، أو يتبدّل عدله ظلماً؟ كلاّ!

أو ينقلب المسيح عليه السلام المرسل، شخصاً عادياً؟ كلاّ!

أو يبطل المعاد؟ كلاّ!

وهكذا قل.. في سائر ما يشابه هذه الحقائق.

وأما المناهج:

فالصدق، والأمانة، والوفاء بالعهد، والخضوع لله بالصلاة والحج، وإعانة الفقراء، وإقامة المصالح العامة بالزكاة والخمس والصدقة، والأمر بالخير، والنهي عن الشر.. والتعاون والتآلف والاجتماع.. ومواريث موزونة، ونكاح وطلاق وصلة.. وحدود وديات تلائم الظروف عامة، وبيوع ومعاملات صحيحة، واجتناب المضر كالخمر والربا والقمار وعبادة الأصنام.

وما إليها.. وما إليها.

فهل تبطل هذه المناهج؟ كلاّ!

فلا ينقلب الصدق رذيلة، والخيانة فضيلة، والتكبّر علي الخالق الرازق حسناً، وإعانة الفقير والأرملة سيئاً.

وهكذا.. وهكذا.

وهذا هو السرّ في أن القرآن وحملته، لا يخافون العلم، وإنما يحرصون علي العلم، فكلما تقدّم العلم، ظهرت حقائق القرآن

أكثر فأكثر..

يقول صاحب كتاب (نظرات في القرآن):

«وخلود القرآن يرجع إلي جملة الحقائق التي حواها».

إن هناك معارف يلحقها الخطأ والصواب، فطروء التغيير عليها مفهوم، أما ما ثبتت صحته، فإن مرّ الأيام لا ينال منه شيئاً.

إذا ثبت إن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، أو إن الخطّين المتوازيين لا يلتقيان، فإن هذا الثبوت لا يتفاوت علي اختلاف الليل والنهار وهو بعد عشرة قرون مثله قبل عشرة قرون.

وهناك قوانين علمية كثيرة بلغت هذه المرتبة من اليقين وليس في قدمها ما يغض من شأنها.

والمعارف التي حواها القرآن هي كلها من هذا القبيل المقطوع بصدقه، سواء في ذلك وصفه للكون.

أم سرده لتاريخ الأوائل.

أم الأسس والعبر التي قرّرها لازدهار الأمم وانهيارها.

وما يتبع ذلك من توجيهات مطلقة للناس أجمعين.

هذا الحق.. كما يمد رواقه علي ما جاء في القرآن من الأوصاف والأخبار والحكم المستفادة، يشمل كذلك جميع الأوامر والنواهي التي تضبط السلوك العام وتقيمه علي نهج محدود فإن السداد لايفوت واحداً منها.

وكما إن الصدق لا ينفكّ عن أيّ خبرٍ جاء في القرآن الكريم، كذلك لا ينفكّ الرشد والخير والنفع الخاص والعام عن سائر الخطاب الإلهي، المتعلّق بأعمال المكلّفين.

فما أمر الله بشيء يمكن الاستغناء عنه!

ولا نهي عن شيء يمكن الإلمام به!

والقرون قديمها وحديثها في ذلك سواء.

والمرء قد يغيّر كلامه إذا تطرّق الخطأ إليه في قصةٍ يحكيها أو تطرّق القصور إليه في حكمٍ يصدره أو لحقه سوء التقدير وهو يصدر أمراً ما، فإذا برء من هذه العلل كلها وكان الكلام بمنأي عن إعراضها فلِمَ يتغير القول؟ وبِمَ يعاب؟

إن القرآن الكريم خلد علي الأزمان لأن كل كلمة فيه تنزهت عن هذه العلل ?كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيمٍ خبير? وقيام معانيه علي الحق كقيام الشعاع

علي النور، والحق لايزول ولا يحول وذلك سرّ خلود القرآن.

نعم:

أنكر الغرب أبان غليانه المادي.. الروح والجن!

وعاب اختلاف حقوق المرأة والرجل!

وخرق لبدء العالم أفكار داروينية!

وقرّر نظام المال رأسمالياً وماركسياً!

وأبدع نظام الحكم ديمقراطياً غربياً!

لكنها تبخّرت بأول تجربة!

إنها كانت مصادمة للقرآن، وأخذ المهرّجون يعيبون القرآن لاحتوائه علي هذه الحقائق، حقائق تخالف العلم!!

وأيّ علم؟ !

ثم لم يلبث العالم أن فهم الحق ورجع إلي الصواب.

وهناك رواسب من القرون الأخيرة المظلمة لا القرون الوسطي فقط ولابد أن يأتي يوم يقول فيها القرآن الحكيم كلمته الأخيرة ?ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون?.

الإسلام

عدنان: ما هو الإسلام؟

مهدي: الإسلام له أركان ثلاثة:

1: الاعتقاد بالقلب.

2: القول باللسان.

3: العمل بالجوارح.

عدنان: ماذا يجب اعتقاده؟

مهدي: الاعتقاد بالأصول الخمسة.

عدنان: وما هي الأصول الخمسة؟

مهدي: هي:

أ: الاعتقاد بالله، وأنه الخالق الرازق، المحيي المميت، عالم بكل شيء، وعلي كل شيء قدير.

ب: الاعتقاد بكونه عادلاً لا يظلم.

ج: الاعتقاد بأنه أرسل رسلاً إلي الخلق، لإنقاذهم من كل شقاوة إلي كل سعادة.

د: الاعتقاد بأن نبي الإسلام محمد صلي الله عليه و اله عيّن اثني عشر خليفة واحداً بعد واحد، يقومون مقامه.

ه: الاعتقاد بأن الخلق يحيون بعد المماة،ليجزي كل بما عمل.

عدنان: ما هو القول باللسان، الذي هو من أركان الإسلام؟

مهدي: القول باللسان، هو الشهادتان، وهما:

أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

عدنان: ما هو العمل بالجوارح؟

مهدي: العمل بالجوارح هو أن يكون بالحواسّ الخمس:

1: الباصرة

2: السامعة

3: الذائقة

4: الشامّة

5: اللامسة

طوع إرادة الإسلام: تأتمر بأوامره وتنزجر عن زواجره.

عدنان: وهل للإسلام أحكام خاصة علي الإنسان؟

مهدي: نعم يقسم الإسلام الحركة والسكون والقول والفعل إلي خمسة أقسام والمسلم هو الذي يتبع الإسلام في هذه الأقسام.

عدنان: وما هي الأقسام الخمسة؟

مهدي: هي:

أ: الواجب وهو ما لابدّ من فعله.

ب: الحرام وهو

ما لابدّ من تركه.

ج: المستحب وهو ما يترجّح فعله.

د: المكروه وهو ما يترجّح تركه.

ه: المباح وهو ما يتساوي فعله وتركه.

عدنان: فهل جميع شؤون الإنسان مشمول لقوانين الإسلام؟

مهدي: نعم.. لم يترك الإسلام صغيراً ولا كبيراً من شؤون الحياة إلاّ بيّنها، وحدّ حدودها.

عدنان: حتي البيع والشراء، والأكل والشرب؟!

مهدي: نعم.. حتي أضأل من هذا وأضأل!

عدنان: فمن الأمور ما هو حادث كالمكتشفات الحديثة فكيف بيّنها الإسلام؟

مهدي: مثلاً:

عدنان: كالطائرة.. والتلفون.. وشربة البرتقال.. والكهرباء.

مهدي: وأية غرابة في بيان الإسلام لها؟

عدنان: وكيف لا يكون غريباً، وإنها أمور حادثة ولم تكن في عصر نبي الإسلام وأئمته، فكيف علموا بذلك حتي يبيّنوا حكمها؟!

مهدي: ليس الإسلام كالقوانين الوضعية التي يضعها بعض أفراد البشر، فلا يكون لهم علم بالمستقبل..

وإنما الإسلام هو من وضْعِ خالق البشر.. والخالق يعلم كل شيء: ماضيه.. ومستقبله.. وحاله، ولذا فمن اليسير أن يضع القوانين الكفيلة ببيان جميع الأمور، ولو ما يحدث بعد عشرات المئات من السنين وألوفها..

عدنان: فكيف بيّن أحكام المخترعات الحديثة؟

مهدي: بيّنها بنحو الكليات، نحو:

?خلق لكم ما في الأرض جميعاً?.

«كل شيء حلال حتي تعرف أنه حرام» وأمثال ذلك..

عدنان: فإذا كان شيء من المخترعات ضارّاً.. فكيف يبيحه الإسلام؟

مهدي: إذا كان شيء ضاراً لا يبيحه الإسلام، وإنما يمنعه.

عدنان: وكيف؟

مهدي: لأن الإسلام قرّر أن كل ضارّ بالغ الضرر حرام:

?ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة?.

و «كلّ ضارّ للجسم».

و «لا ضرر ولا ضرار» وأمثال ذلك.

عدنان: أرجوك أن تشرح لي ذلك؟

مهدي: إن الإسلام بيّن جميع الأحكام، ولكن بيان الإسلام لها علي قسمين:

1: بيّنها بالخصوص.. مثل:

وجوب الصلاة.

حرمة الخمر.

إباحة الماء.

استحباب الصدقة.

كراهة الكسل.

2: بيّنها بالعموم.. مثل:

حلّية كل طيب.

حرمة كل ضارّ بالغ الضرر.

استحباب كل نحو من أنحاء التجمّل غير ما أستثني وهكذا.

عدنان: فالإسلام إذاً دخيل في جميع شؤون الحياة!

مهدي: نعم، دخيل.. في

البيع والشراء، والإجارة والرهن، والمزارعة والمساقات..

في الصلاة والصيام، والاعتكاف والغسل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الطلاق، والنكاح، والإنفاق، وتعدّد الزوجات، والقسم، والنشوز.

في القضاء والشهادة، والسجن والسوط، والقتل والصلب.

في الزنا والسحق، والسرقة والغصب، والجرح وقطع الأعضاء.

في الربا والاحتكار، والاستغلال والاستعمار، والاستثمار والاستقلال..

في الرئيس والمرؤوس، والوزارة والإمارة، والحاكم والشعب.

في السياسة والاجتماع، والثقافة والاقتصاد، والسلم والحرب.

في المعاهدات الدولية، والأقليات المستوطنة، والهدنة والصلح.

في معاشرة الأولاد والأبوين، والأقارب والأباعد، والجيران والإخوان..

في الحيّ والميت، والإرث والتركة، والمسلم والكافر..

وفي كل شيء.. وفي كل شيء..

عدنان: عجيب جداً!! فإني كنت قد سمعت: أن الإسلام دين عبادة، وصلاة وصيام، ومسجد وحج.. أما شؤون الحياة فهي للقوانين البرلمانية.

مهدي: نعم.. إن هذه المسموعات شائعات كافرة، أخذت تغزو البلاد الإسلامية، منذ نصف قرن، من إبان تدخّل الكفار في شؤون المسلمين. أرادوا بذلك فصل الإسلام عن الحياة، لكي يتسنّي لهم كل ما يشاؤون، وقد فعلوا!!

هل يمكن؟

مجيد: وهل يمكن تطبيق الإسلام علي الحياة العملية؟

صادق: ولماذا لا يمكن؟

مجيد: لأنه صعب جداً..

صادق: عجيب قولك!! ولماذا تطبيق الإسلام صعب؟

مجيد: لأنه مشتمل علي أمور صعبة لا يمكن تطبيقها اليوم.

صادق: وكيف؟

مجيد: الأمثلة علي ذلك كثيرة، ونقتنع بمثال:

إن الإسلام يحرّم (البنوك) وهي دعامة الاقتصاد اليوم فإذا سدّت البنوك اضطرب حبل الاقتصاد.. ومن المعلوم أن الاقتصاد من مقوّمات الحياة المهمّة.

صادق: ليس في الإسلام حكم صعب أبداً، بل بالعكس فإن أحكام الإسلام أسهل وأسهل من جميع نظم اليوم: شرقيها وغربيها.

وما ذكرت من أن الأمثلة علي صعوبة الأحكام الإسلامية كثيرة يدلّ علي عدم دراستك للإسلام دراسة واقعية، وكلامك هذا مستورد من خارج الحدود.

وأما مثالك، فمن ذكر لك أن (البنوك) محرّمة؟

إن (البنوك) تشتمل علي أمور ثلاثة:

1: الاقراض والاقتراض..

2: الاتجار.

3: الربا.

والإسلام يحبّذ القرض ?من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً

فيضاعفه له?.

كما يبيح التجارة ويندب إليها?إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم?.

و «الكاسب حبيب الله».

نعم: يحرّم الربا لما فيه من أضرار جمّة، ثبتت في العلم الحديث، وليس معني تحريم الإسلام للربا، أنه يسدّ (البنوك) بل معناه أنه يأمر بتنظيفها عن هذه المادة السامّة، التي هي من أركان (الرأسمالية الفاجرة) وهذا تسهيلٌ وليس تصعيباً.

فإن البنوك الخالية عن الربا أنفع للمجتمع من البنوك الربوية.

مجيد: فمن أين تسدّ مصارف البنوك، من رواتب الموظّفين وما إليها؟

صادق: إنه بسيط جداً، تسدّ المصارف بأحد نحوين:

1: بالمضاربة، بأن يكون الإقراض والاقتراض علي نحو المضاربة.

2: بأن تسدّ الحكومة نفقاتها.

مجيد: وهل الحكومة مكلفة بذلك؟

صادق: نعم مكلفة، إذ عليها أن تقوم بمصالح المسلمين ومن مصالحهم هذا، فإن إحدي حصص الزكاة التي هي الضريبة الإسلامية تصرف في (سبيل الله) وهي كل مصلحة من المصالح، كما في كتب الفقه.

مجيد: إني قبل كلامك هذا ما كنت أعرف هذا الموضوع بتاتاً.

صادق: ولذا قلت: إنك لم تدرس الإسلام دراسةً واقعية عميقة.

مجيد: إنك قلت في أثناء كلامك: إن أحكام الإسلام أسهل من جميع الأنظمة، فهل لك أن تمثل لذلك؟

صادق: إن هذا يحتاج إلي دراسة مستوعبة عامة ولكن نورد ههنا أمثلة تشهد علي صدق ما إدّعيناه:

1: الضرائب، فإن الضريبة الإسلامية: زكاة، وخمس، وخراج، وجزية فقط، أما ضرائب اليوم فعلي كل شيء حتي علي التراب والأموات.

2: الأرض، فالإسلام يقول: إن من أحيي أرضاً ميتة فهي له، بينما نظم اليوم تقول: بلزوم اشتراء الأرض من السلطة.

3: التجارة، فالإسلام يحلّل جميع أنواع التجارة إلا ما استثني من خمر وربا واحتكار وما أشبهها. لكن النظم تجعل للتجارة حدوداً، وتأخذ منها (المكوس) وتمنع عن بعضها باسم (القاجاق).

4: الإقامة والسفر، فبينما الإسلام يحلّل الإقامة والسفر بدون كل عائق

ومانع، تري الأنظمة تفرض الجنسية والهويّة والتذكرة والإقامة وما إليها، وتأخذ الرسوم علي كل ذلك، ولا تجيز السفر والإقامة إلا بإجازة خاصة.

5: الضمان الاجتماعي، فبينما الحكومة لا تتكفّل الأفراد إذا انقطعوا عن العمل لكبر أو عجز أو عدم عمل.. أو ما إلي ذلك.. تري الإسلام يكفل كل فقير، حتي لا يري في البلاد الإسلامية فقير أصلاً بل فوق ذلك: «إن من مات مديناً، فعلي الدولة الإسلامية أن تقضي دينه».

6: البساطة، فإن الإسلام يحصر الدوائر: في القاضي، والأمير، والجيش الاختياري، بينما تري الأنظمة تشكّل جيشاً عرمرماً من الدوائر، مما لا شأن لها إلا تعقيد الأمور، وإيجاد المشاكل الفردية والاجتماعية.

وغيرها.. وغيرها.

أليس في هذا ما يكفي دليلاً علي أسهليّة الأنظمة الإسلامية من كل نظام وقانون؟

مجيد: إني شاكر لك جداً، فإني لم أسمع بهذه الأمور قبل اليوم، وما كنت أعرف عن الإسلام إلاّ قشوراً.

وهل طبّق؟

س: وهل طبّق الإسلام في زمان، حتي نترقّب تطبيقه من جديد؟

ج: نعم.. طبّق في جميع الأدوار، إلا في ظروف شاذة وإلا في هذا النصف الأخير من القرن الرابع عشر.

س: وكيف طبّق، وقد كان بعض الخلفاء والأمراء ومن إليهم.. يتعاطي المنكرات؟

ج: ليس معني تطبيق نظامٍ أن يكون الجميع مطبّقاً له وإنما المقصود كون ذلك النظام صبغة عامة للبلاد.

والإسلام منذ انبثاق نوره في ربوع الحجاز إلي حين سقوط الدولة الإسلامية علي يد الكفار قبل نصف قرن كان مطبقاً في البلاد الإسلامية الفسيحة، فكان الخلفاء يحكمون باسم الإسلام والقضاة يقضون بأحكام الإسلام، والأمراء ينفّذون أوامر الإسلام، والشعب ينتهج منهاج الإسلام.

ولذا لم تكن في البلاد الإسلامية، حوانيت خمور، ولا مواخير فجور، ولا مصارف ربوية، ولا حكّام يحكمون طبق القوانين المدنية!. ولا مجالس لجعل القانون واستيراده من خارج البلاد الإسلامية.

وإنما

المرجع الأعلي في جميع الأمور: الكتاب الحكيم والسنة المطهرة ولا ينافي ذلك: أن الأمير أحياناً كان يتعاقر في خلواته، أو يقامر في ندواته، إنه كان فاسقاً في نفسه وخلوته.. أما صبغة البلاد، أما الأمير في العلن، فقد كان الإسلام، وملتزماً بأحكام الإسلام.

أما القول: أن الإسلام لم يطبق، فمستورد، بالإضافة إلي أنه كذب واختلاق!!

وهذا الكلام مثل أن يقال: لم يطبق مبدأ من المبادئ لأن الرئيس الأعلي للحكومة لا يخضع لذلك المبدأ حرفياً.

س: وهل من الممكن تطبيق الإسلام في هذه الظروف؟

ج: إنه ممكن، وفوق الممكن.. إن كان للممكن فوق!

س: وكيف؟

ج: بسيط جداً، فإنه إذا عرف رؤساء البلاد الإسلامية، الإسلام الصحيح، فما أقربهم إلي تطبيقه؟!

س: هناك أناس يقولون: إنهم لا يتمكنون من تطبيق الإسلام، لأمرين:

1: أن الكفار لا يتركونهم وشأنهم، لما عرفوا من قوة الإسلام ووثابيته.

2: أنهم إذا أرادوا التطبيق لعب برئاستهم الكافرون، فخشية عن سقوطهم عن العرش لا يقدمون إلي هذه المخاطرة، فهل صحيح ذلك؟

ج: كلاّ! لا أثر من الصحة لهذا الكلام.

أما أن الكفار لا يتركونهم وشأنهم، فكلام فارغ، فإن البلاد الإسلامية لها من القوة والثروة ما تضمن لها النجاح في كل ميدان، وبالأخص ميدان الإسلام الذي هو محبوب الشعوب.

وأما خشية الرؤساء من لعب الكافرين بمقامهم، إن أرادوا تطبيق الإسلام، فالعكس أولي إذ التزام الرئيس بالإسلام يزيده قوةً علي قوة.. قوة الإيمان وقوة الشعب، بالإضافة إلي القوي الحكومية المتوفرة عنده، فإن الشعب.. بطبيعته المسلمة يتعلق بالرئيس المطبّق للإسلام أكثر.. فأكثر وذلك مما يزيده قوة ومنعة وعزّاً و سلطاناً.

الإمام

سعيد: من هو الإمام؟

عادل: الإمام هو خليفة النبي محمد صلي الله عليه و اله.

سعيد: من يعيّنه: الأمة، أو النبي، أو الله؟

عادل: الله هو المعيّن للإمام، والنبي يبلّغ الناس ذلك.

سعيد:

هل عيّن نبي الإسلام صلي الله عليه و اله خليفة من بعده؟

عادل: نعم.. عيّن.

سعيد: من هو الذي عيّنه النبي صلي الله عليه و اله؟

عادل: عيّن اثني عشر خليفة واحداً.. بعد واحد.

سعيد: من هم؟

عادل: هم:

1: الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

2: الإمام الزكي الحسن بن علي عليه السلام.

3: الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام.

4: الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.

5: الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام.

6: الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام.

7: الإمام الكاظم موسي بن جعفر عليه السلام.

8: الإمام الرضا علي بن موسي عليه السلام.

9: الإمام الجواد محمد بن علي التقي عليه السلام.

10: الإمام الهادي علي بن محمد النقي عليه السلام.

11: الإمام العسكري حسن بن علي عليه السلام.

12: الإمام المهدي حجة بن الحسن عليه السلام.

سعيد: من عيّن هؤلاء الأئمة؟

عادل: عيّنهم الله تعالي، وأعلم بذلك النبي صلي الله عليه و اله وكذا أعلم كل سابق عن خلفه، فعيّن الرسول الإمام المرتضي.. وعيّن أمير المؤمنين الحسن وعيّن الحسن الحسين، وعيّن الحسين علياً، وعيّن علي محمداً، وعيّن محمد جعفراً، وعيّن جعفر موسي، وعيّن موسي علياً، وعيّن علي محمداً، وعيّن محمد علياً، وعيّن علي حسناً، وعيّن الحسن المهدي (عليهم الصلاة والسلام).

سعيد: وهل وردت في ذلك أخبار عن النبي صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام؟

عادل: نعم وردت أخبار كثيرة مذكورة في كتب الحديث.

سعيد: ما هو الواجب علينا إزاء هؤلاء الأئمة؟

عادل: الواجب إطاعتهم فيما يأمرون وينهون، فإن منزلتهم في هذه الجهة كالنبي صلي الله عليه و اله إذ قولهم من قوله، وأمرهم من أمره، ونهيهم من نهيه.

والنبي والإمام عليهم السلام لا يقولون عن أنفسهم بل عن الله تعالي.

منتهي الأمر:

أن النبي يخبر عن الله تعالي بلا واسطة أو بواسطة الوحي، والإمام يخبر عن الله تعالي بواسطة الرسول صلي الله عليه و اله.

سعيد: ما شأن النبي والإمام؟

عادل: تبليغ الدين.

سعيد: وما هو الدين؟

عادل: الدين هو الإسلام، كما في الآية الكريمة ?إن الدين عند الله الإسلام?.

سعيد: وما فائدة الإسلام؟

عادل: فائدته أنه ينظّم الحياة الدنيا، حتي يتفئ الناس بظلال الأمن والراحة، والهدوء والرفاه، والعلم والصحة والغني، بالإضافة إلي توفيره للناس سعادة الآخرة.

سعيد: وهل وفّر الإسلام للمسلمين هذه الأمور؟

عادل: نعم.

سعيد: فلماذا نري العكس، فالمسلمون شِيَع وأحزاب تفشت بينهم الجهالة والضلالة، ونشبت فيهم الأمراض والفقر وما إليها؟

عادل: لأن المسلمين اليوم لا يعملون بأحكام الإسلام كما يجب، أ رأيت الطائرة التي تطير في السماء، وتقلّ أفراد كثيرين من بلاد إلي بلاد، إذا نقصت منها آلة، فهل تطير؟ كلاّ إنها تصبح كتلة من حديد، لا تنفع إلا في صنع الطاسات وما أشبه.

وهكذا الدين، فالذي يأخذ بأيدي البشرية إلي كل خير، هو الدين الكامل وهو ما عزّ في المسلمين اليوم وجوده، وقد أخذ الإسلام بأيدي المسلمين، حتي أسّسوا أكبر حضارة عرفها العالم يوم كانوا يعملون بالإسلام كما أنزله الله.

سعيد: هل الإمام أعظم أم المخترع؟

عادل: لا مقايسة بينهما أصلاً، فهو كأن تقول: هل الحجر أشرف أم الإنسان !

إن الإمام هو الذي ينير للناس طريق السعادة، والمخترع هو من يكتشف سراً من أسرار الكون وما قيمة الاختراع بالنسبة إلي السعادة؟

الحجة..

صالح: مَن مِن الأئمة عليهم السلام حيّ في دار الدنيا؟

جواد: ليس من الأئمة في الحياة إلا الإمام الثاني عشر: الحجة المهدي عليه السلام.

صالح: وكم عمره الشريف؟

جواد: فوق الألف سنة.

صالح: وكيف بقي هذه المدة الطويلة؟

جواد: ما المانع من ذلك؟

صالح: العمر الطبيعي لا يطول بمقدار هذه المدة.

جواد:

أليس من الممكن أن يطول العمر بواسطة بعض الأدوية؟

صالح: نعم ممكن، وقد وضع العلم الحديث مفتاح ذلك في أيدي الأطباء، فهم يحاولون التمديد في عمر الإنسان وقد نجحوا نجاحاً جزئياً، ويترقب أن ترتفع نسبة النجاح إلي فوق ذلك.

جواد: إذاً، فطول العمر ممكن.

إضافة إلي أنه لو لم نعلم نحن بعض الأشياء، ولم يكشف عنه العلم إلي هذا الحين، فليس ذلك دليلاً علي العدم. أليس قد بقي أجساد الفراعنة في مصر إلي الآن، بعد آلاف من السنين بواسطة تحنيطهم ببعض الدهون، مما لم يعرفه العلم إلي الحال الحاضر؟

صالح: وهل يبقي الإمام مغيباً إلي أن يموت؟

جواد: كلاّ! وإنما يظهر في آخر الزمان، بأمر الله تعالي ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

وهناك يسود العدل، ويعمّ الرفاه، وتختم السعادة بما في الكلمة من معني علي البشر.

الأئمة الطاهرون عليهم السلام

1: الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

أبوه: أبو طالب عليه السلام.

أمه: فاطمة بنت أسد عليها السلام.

مولده: الكعبة المكرّمة، في مكة المعظّمة، ثالث عشر رجب سنة 30 من عام الفيل.

مدفنه: استشهد في مسجد الكوفة تاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 ه، ودفن في النجف الأشرف.

مدة إمامته: 29 سنة.

سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام

أبوها: رسول الله محمد صلي الله عليه و اله.

أمها: السيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام.

مولدها: مكة المعظّمة، يوم العشرين من جمادي الآخرة بعد البيعة بخمس سنين.

مدفنها: توفيت مظلومة شهيدة يوم الثالث من جمادي الآخرة سنة 11 ه، ودفنت بالمدينة المنورة ليلاً.

2: الإمام الحسن بن علي عليه السلام

أبوه: الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

أمه: السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه و اله.

مولده: المدينة المنورة، منتصف شهر رمضان سنة 3 ه.

مدفنه: استشهد بالسّم، سابع شهر صفر سنة 49 ه، ودفن بالمدينة المنورة بالبقيع.

مدة إمامته: تسع سنوات تقريباً.

3: الإمام الحسين بن أمير المؤمنين عليه السلام

أبوه: الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

أمه: السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و اله.

مولده: المدينة المنورة، ثالث من شهر شعبان سنة 4 ه.

مدفنه: قتل ظلماً وعدواناً، يوم العاشر من محرم سنة 61 ه، ودفن بكربلاء المقدسة.

مدة إمامته: 12 سنة تقريباً.

4: الإمام زين العابدين عليه السلام

أبوه: الإمام الحسين بن علي عليه السلام.

أمه: شاه زنان، بنت الملك يزدجرد.

مولده: المدينة المنورة، يوم النصف من جمادي الأولي سنة 38 ه.

مدفنه: مات مسموماً، يوم الخامس والعشرين من شهر محرم، سنة 95 ه ودفن بالبقيع عند عمه الإمام الحسن عليه السلام.

مدة إمامته: 34 سنة تقريباً.

5: الإمام محمد الباقر عليه السلام

أبوه: الإمام زين العابدين عليه السلام.

أمه: فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام.

مولده: ثالث من شهر صفر، أو أول رجب سنة 57 أو 59 ه.

مدفنه: مات مسموماً، سابع ذي الحجة سنة 116 ه، ودفن بجوار أبيه بالبقيع.

مدة إمامته: 21 سنة تقريباً.

6: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

أبوه: الإمام محمد الباقر عليه السلام.

أمه: فاطمة الملقّبة ب (أم فروة).

مولده: يوم السابع من شهر ربيع الأول سنة 83 ه بالمدينة المنورة.

مدفنه: مات مسموماً، يوم الخامس والعشرين من شوال، سنة 148 ه، ودفن مع أبيه بالبقيع.

مدة إمامته: 32 سنة تقريباً.

7: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام

أبوه: الإمام الصادق عليه السلام.

أمه: حميدة المصفات.

مولده: (الأبواء) وهو بين مكة والمدينة، السابع من شهر صفر سنة 128 ه.

مدفنه: مات مسموماً، في يوم الخامس والعشرين من رجب سنة 189 ه ودفن بالكاظمية.

مدة إمامته: 41 سنة تقريباً.

8: الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام

أبوه: الإمام الكاظم عليه السلام.

أمه: نجمة.

مولده: حادي عشر ذي القعدة سنة 148 ه، بالمدينة المنورة.

مدفنه: مات مسموماً، يوم آخر صفر سنة 202 ه ودفن بخراسان.

مدة إمامته: 13 سنة تقريباً.

9: الإمام محمد الجواد عليه السلام

أبوه: الإمام الرضا عليه السلام.

أمه: سبيكة.

مولده: يوم العاشر من شهر رجب سنة 195 ه بالمدينة المنورة.

مدفنه: مات مسموماً، في آخر ذي القعدة سنة 220 ه، ودفن بالكاظمية عند جده عليه السلام.

مدة إمامته: 18 سنة تقريباً.

10: الإمام علي الهادي عليه السلام

أبوه: الإمام الجواد عليه السلام.

أمه: سمانة.

مولده: خامس عشر ذي الحجة، أو ثاني رجب سنة 212 ه بالمدينة المنورة.

مدفنه: مات مسموماً، ثالث رجب سنة 254 ه ودفن بسامراء.

مدة إمامته: 34 سنة تقريباً.

11: الإمام الحسن العسكري عليه السلام

أبوه: الإمام الهادي عليه السلام:

أمه: السيدة (جدة).

مولده: عاشر ربيع الثاني سنة 232 ه.

مدفنه: مات مسموماً، يوم الثامن من شهر ربيع الأول سنة 260 ه ودفن بسامراء، بجوار والده.

مدة إمامته: ست سنوات تقريباً.

12: الإمام الحجة المهدي عليه السلام

أبوه: الإمام العسكري عليه السلام.

أمه: السيدة (نرجس).

مولده: منتصف شهر شعبان سنة 255 ه بسامراء.

وهو حيّ في دار الدنيا، غائب عن الأبصار، حتي يأذن الله له فيظهر ويملأ الدنيا عدلاً وقسطاً من بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

???

هؤلاء هم أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و اله، الذين قال الله تعالي فيهم: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهّركم تطهيراً?.

وقال فيهم النبي صلي الله عليه و اله: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هوي».

وقال صلي الله عليه و اله: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا».

وهم خلفاء رسول الله صلي الله عليه و اله الذين قال فيهم:

«الخلفاء بعدي اثنا عشر».

فمن الواجب علي كل مسلم التمسّك بهم، والانقياد لهم، وأن يتولاّهم، ويتبرّأ من أعدائهم.

???

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

الفهرس

كلمة الناشر 5

تمهيد 9

هل تريد أن تعرف؟ 13

أ رأيت؟ 15

ماذا خلق؟ 17

أريد أن أري الله! 20

ضوضاء.! 22

لا زمان له.. 27

لا عوارض.. 28

من آيات الكون 30

1: الفضاء 30

2: الأرض 34

3: النبات 36

4: الحيوان 39

5: الانسان 47

الأنبياء والرسل 52

السؤال الأول: 53

السؤال الثاني: 54

السؤال الثالث: 60

اتحاد الدعوة 63

نبيّ الإسلام صلي الله عليه و اله 67

من أخلاق نبيّ الإسلام صلي الله عليه و اله 72

القرآن الكريم 83

سائل ومجيب 86

قصص 88

فيه كل شيء! 95

المسلم والقرآن 99

القرآن خالد! 106

الإسلام

111

هل يمكن؟ 118

الإمام عليه السلام 125

الحجة عليه السلام 129

الأئمة الطاهرون عليهم السلام 131

1: الإمام أمير المؤمنين عليه السلام 131

سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام: 131

2: الإمام الحسن بن علي عليه السلام 132

3: الإمام الحسين بن أمير المؤمنين عليه السلام 132

4: الإمام زين العابدين عليه السلام 133

6: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام 134

7: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام 134

8: الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام 135

9: الإمام محمد الجواد عليه السلام 135

10: الإمام علي الهادي عليه السلام 136

11: الإمام الحسن العسكري عليه السلام 136

12: الإمام الحجة المهدي عليه السلام 137

الفهرس 139

سيأتي عليكم زمان

ومن خطبة لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام: (وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان، ليس فيه شيء أخفي من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب علي الله ورسوله، وليس عند ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه ثمناً إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف، ولاأعرف من المنكر، واعلموا أنكم لم تعرفوا الرشد حتي تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتي تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنهم عيش العلم، وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، وإن رواة العلم كثيرة ورعاته قليلة، هو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق) (1).

انّ عليّاً عليه السلام وشيعته هم الفائزون

ابن عساكر

في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق: بسنده عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنّا عند النّبي صلي الله عليه و اله فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال النبيّ صلي الله عليه و اله: قد أتاكم أخي، ثم التفت إلي الكعبة فضربها بيده ثمّ قال: والّذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنّه أوّلكم إيماناً معي وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة، قال جابر ونزلت: ?إن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البرّية?(1). قال جابر: فكان أصحاب محمّد صلي الله عليه و اله إذا أقبل عليّ قالوا: قد جاء خير البرّية)(2)

وابن عساكر أيضاً: بسنده عن محمّد بن جحادة، عن الشعبي عن عليّ عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و اله: (أنت وشيعتك في الجنّة)(3)

الكتاب والعترة

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلي الله عليه و اله قال: (إني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزوجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما).

مسند احمد بن حنبل، رقم الحديث: 10707 حسب ترقيم العالمية

عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: (إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض جميعا).

مسند احمد بن حنبل، رقم الحديث: 20667 حسب ترقيم العالمية

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

- سورة التوبة: 122.

- سورة المائدة: 67.

- سورة آل عمران: 110.

- سورة آل عمران:

20 الرعد: 40 النحل: 82.

- سورة الأحزاب: 21

- سورة الأنفال: 60.

- مجموعة ورام: ج1 ص6 غوالي اللئالي: ج1 ص129 الفصل 8 ح2 إرشاد القلوب: ص 184 ب 51.

- سورة المائدة: 63.

- سورة الزخرف: 76.

- سورة الأنبياء: 18.

- سورة المطففين: 14.

- سورة التغابن: 11.

- سورة الرعد: 28.

3 – سورة طه: 124.

- سورة الإنسان: 4

- سورة السجدة: 21.

- سورة يونس: 101.

- سورة الفرقان: 61.

- سورة الأنبياء: 33 سورة يس: 40.

- سورة إبراهيم: 10.

- سورة الرعد: 4.

- سورة الحج: 73.

- الغِر (للمذكر والمؤنث): الشاب لا خبرة له.

- التكامل في الإسلام: ج2 ص45، وقد توفي المؤلف عام 1390ه في كربلاء المقدسة ودفن فيها.

- سورة هود: 6.

- سورة الطور: 35.

- سورة لقمان: 27.

- أنظر: (الاستعمار أحقاد وأطماع) و (عشت مع ثوار الجزائر).

- أتينا بمثالين، ديغولية وستالينية، للفرق بين الحكومتين في النظام.

- أنظر: أبي الأعلي المودودي.

- نهج البلاغة: الكتاب 45 الفقرة 13.

- الإقبال: ص 59 (دعاء الافتتاح).

- سورة التغابن: 11.

- سورة الرعد: 28.

- علي تفصيل مذكور في مبحث المعاد.

- مكارم الأخلاق: ص 8. بحار الأنوار: ج16 ص210 ب9 ح19.

- سورة الحجر: 9.

- سورة آل عمران: 85.

- سورة الأحزاب: 40.

- سورة التوبة: 33 سورة الصف: 9.

- سورة العلق: 1 19.

- أي يدور ويجول.

- المناقب: ج3 ص 247 و كشف الغمة: ج2 ص 537.

- سورة المائدة: 3.

- سورة آل عمران: 159.

- مكارم الأخلاق: ص18.

- مكارم الأخلاق: ص18.

- سورة الأعراف: 199.

- سورة النحل: 90.

- سورة لقمان: 17.

- سورة فصلت: 34.

- سورة القلم: 4.

- راجع: (حق اليقين) للسيد عبد الله شبر، و…

- سورة الإسراء: 88.

- سورة هود: 13.

- سورة البقرة: 23.

- سورة الإخلاص: 14.

- سورة الكوثر: 1 3.

- سورة البقرة: 24.

- سورة المدثر: 24.

- سورة

القمر: 2.

- سورة الفرقان: 4

- سورة الفرقان: 5.

- سورة البقرة: 88 سورة النساء: 155.

- سورة فصلت: 5.

- سورة فصلت: 5.

- سورة فصلت: 26.

- سورة القصص: 7.

- سورة النحل: 90.

- سورة القصص: 7.

- سورة هود: 44.

- سورة يوسف: 80.

- سورة الإسراء: 88.

- سورة النحل: 9.

- سورة المائدة: 45.

- سورة النساء: 11.

- سورة الحجرات: 12.

- سورة البقرة: 275.

- سورة البقرة: 43 83 110 سورة النساء: 77 سورة المزمل: 20.

- سورة (المؤمنون): 2 9.

- سورة المائدة: 45.

- سورة الأنفال: 2.

- سورة التوبة: 24.

-عدد المسلمين اليوم بلغ المليارين.

- للشيخ محمد الغزالي.

- سورة هود: 1.

- سورة التوبة: 33 سورة الصف: 9.

-إشارة إلي الحديث الشريف: «قال صلي الله عليه و اله: الإيمان عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان» بحار الأنوار: ج74 ص160 ب7 ح1.

- عن إياس بن سلمة بن الأكوع قال سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «الخلفاء بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم، فطوبي لمحبّيهم والويل لمبغضيهم»،بحار الأنوار: ج36 ص292 ب41 ح119.

- سورة البقرة: 29.

- راجع وسائل الشيعة: ج12 ص59 ح1.

- سورة البقرة: 195.

- مستدرك الوسائل: ج13 ص308 ب13 ح15444.

- سورة البقرة: 245 سورة الحديد: 11.

- سورة النساء: 29.

- كما يمكن سدّ ذلك عبر أرباح البنوك من التجارات وما أشبه.

- راجع موسوعة الفقه: ج29-32 كتاب الزكاة.

- أي التهريب.

- راجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ص529 الباب السادس والسبعون في بيان الأئمة الاثني عشر بأسمائهم. وأيضاً فرائد السمطين: ج2ص132 ح431. وغاية المرام: ص743 الحديث 57. وهكذا في بحار الأنوار و…

- سورة آل عمران: 19.

- يوم التاسع عشر يوم الضربة وقد استشهد بعدها بثلاثة أيام أي 21 من شهر رمضان.

- سورة الأحزاب: 33.

-

بحار الأنوار: ج23 ص121 ب7 ح41. وفيه: «… ومن تخلّف عنها هلك».

- مستدرك الوسائل: ج7 ص255 ب47 ح8181.

- أمالي الشيخ صدوق: ص310 مجلس 51 ح7.

(1) نهج البلاغة الخطبة 145 ص295. (طبعة الأعلمي).

(1) سورة البيّنة: 7.

(2) تاريخ ابن عساكر: ج 2 ص 442 تحت الرقم: 958.مع تعليقة المحمودي.

(3) ابن عساكر: ج2 ص 344 تحت الرقم: 853. مع تعليقة المحمودي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.