المرجعية الإسلامية

اشارة

اسم الكتاب: المرجعية الإسلامية

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه الوعي الاسلامي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1424 ق

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

العلماء ورثة الأنبياء

فهم لا يورثون منهم المال والعقار..

بل يرثون منهم الأخلاق والمسؤوليات..

يرثون منهم العلم والتقوي والمكانة الاجتماعية..

يرثون منهم الوظائف التي كانوا يقومون بها في إصلاح أمر الناس، وتحصينهم من الأمراض الاجتماعيّة والنفسية..

من هنا كانت للعلماء منزلة في دائرة المجتمع الإسلامي..

ومن هنا كانت للمرجع باعتباره المتميّز علي أقرانه منزلة في دائرة العلماء. فإذا غاب عنّا الأنبياء الذين خُتموا بأفضلهم محمّد رسول الله(ص) فإنّه لم يغب عنّا العلماء، فهم امتدادٌ للأنبياء والأئمّة عليهم آلاف التحية والسلام. لهم ما للأئمّة من حقوق علي الأمّة وعليهم مسؤوليّات كونهم ورثة للأنبياء ونواب عن الأئمة الأطهار..

فإذا حدث حادثٌ اشرأبت الأعناق إلي العلماء.

وإذا عمّ اليأس أرجاء الدنيا، فثمة بصيصٌ من نور يشعّ من وجود العالم في الأمّة، يبعث فيها الأمل، ويجدّد فيها الحيوية.

وإذا ما نظرنا إلي التاريخ فسنلتقي بسجل حافل مملوء بصور مشرقة عن حياة العلماء الذين أدوا الأدوار الكبيرة في حياة الأمّة الإسلاميّة.

فهناك من العلماء من أنقذ الأمّة من الضياع في متاهات التيارات المنحرفة.

وهناك من العلماء من أوجد كياناً للعلم والعلماء كشيخ الطائفة الطوسي» أعلي الله مقامه «.

وهناك من العلماء من صان وحدة المسلمين كالعلاّمة الحلي» قدس الله روحه «.

وهناك من جاهد أعداء الدين كالسيد محمّد المجاهد والميرزا محمّد تقي الشيرازي» رضوان الله عليهما «.

وهناك من واجه الحكّام الظلمة وتصدّي لشرورهم كالمجدّد الشيرازي وأبو القاسم الكاشاني» رضوان الله عليهما «.

فتاريخ المرجعية الشيعية حافلٌ بالمواقف المشرّفة والصور المشرقة التي تكشف عن أصالة المراجع ومكانتهم المرموقة في المجتمع الإسلامي، وهي تبلور لنا فكرة متكاملة عن المرجعية الشيعية،

منطلقاتها، أهدافها، صفات المرجع، العلاقة بين المرجع والأمّة، المؤسسة المرجعية، وصفات العاملين فيها، علاقة المرجع بالمؤسسة. وكلّها أمور حيوية من الضروري توضيحها.

كان لابدّ من فتح ملف المرجعيّة في يومٍ من الأيّام للتعرف علي شخصية المرجع ومسؤولياته وحقوقه والأساليب التي يجب أن يسلكها في العمل.

كان لابدّ من رسم صورة متكاملة عن المرجعية المثالية المنقذة للأمّة من الحيرة والقادرة علي قيادتها إلي ساحل السلام.

كان لابدّ من تعريف الأمّة بالقيادة الصالحة، بصفات القائد، وبمنهجه، وبخططه في إصلاح الأمّة.

فمن الذي يستطيع أن يفتح هذا الملف يا تُري؟.

مَن يقدر أن يتحدّث عن المرجعيّة بقلم عريض بصوت عالٍ؟.

طبعاً الأفضل أن يكون المتحدّث عن المرجعيّة مرجعاً أيضاً، لأنّه سيتحدّث عن تجربته في العمل المرجعي، وعندما يقول شيئاً سيكون قوله مسموعاً، وعندما يكتب ستكون كتابته مقروءة.

لذلك.. كان هذا الكتاب الذي نضعه بين أيدي القراء، فهو كتاب عن المرجعية بقلم المرجع الذي مارس دوره فيها.

كتابٌ يتناول مساحة كبيرة من الموضوعات المتعلقة بالمرجعية من صفات المرجع وأعماله وبرنامجه وأهدافه ومؤسساته وعلاقاته وطرق تقدّمه. وهو بقلم مرجع إسلامي له سجلٌ عريض في تاريخ المرجعية الدينية، حيث تصدي لهذه المسؤولية منذُ أربعة عقود ولازال حتي يومنا هذا يمارس وظيفته كمرجع ديني شهدت له الساحات الإسلامية المختلفة بالكفاءة العلميّة والقدرة الإدارية.

فالإمام الشيرازي» دام ظلُّه «كاتب هذه السطور غني عن التعريف، فقد عرفه الفقهاء من خلال بحوثه في درس الخارج، وعرفته الحوزات العلميّة من خلال موسوعاته الفقهية والأصولية، وعرفته النخبة المثقّفة من خلال كتبه الكثيرة، وعرفته الأمّة من خلال مشاريعه ومؤسساته.

واليوم يقدّم تجربته في حقل المرجعيّة ليكون نبراساً لكلّ من يريد أن يتحمّل هذه المسؤوليّة.

وهذه هي الخصيصة المهمّة في كتابات الإمام الشيرازي، إنه يكتب من نبع المعرفة الذاتيّة، فهو

يكتنز خبرات وتجارب مسيرة طويلة من العمل في الحقول المختلفة من مرجعية وثقافية وتعليمية وإدارية.

فالمصدر الرئيسي لهذا الكتاب وغيره من الكتب التي كتبها الإمام الشيرازي هو المخزون المعرفي الذي تراكم عنده خلال العقود المديدة التي عايشها وهي أهمّ فترات التاريخ المعاصر. حيث شهدت تحوّلات جذرية في الطول والعرض، في طول العالم الإسلامي، وفي عرض المجتمع الإسلامي فكان لابدّ من الاهتمام بما يكتبه الإمام الشيرازي لأنّ قلمه هو مرآة صادقة لتجربة أمّة، ولأنّ السطور التي يكتبها هي تدوين لأحداث تاريخيّة ستبقي خالدة في سجل الزمن.

مؤسسة الوعي الإسلامي

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة علي أعدائهم إلي قيام يوم الدين.

يمكن القول: إنّ المرجعية الدينية المتمثلة بالعلماء المنصوبين لنيابة الإمام الغائب المهدي المنتظر r، تمرّ في هذه الحقبة من التاريخ الإسلامي بفترة من أصعب الفترات في تاريخها المديد، ولربّما كانت الحقبة التاريخية الراهنة هي من أدقّ ما تمرّ بها الأمّة الإسلامية في تاريخها المعاصر حيث الكفر العالمي قد جمع قواه وشمر عن ساعده بغية القضاء علي معنويات الأمّة. فأينما ألقيت بناظرك أبصرت منظراً مؤلماً ورهيباً.. فالقتل المنتظم الذي ينتظره المسلمون في أرجاء العالم الإسلامي.

ففي كلّ لحظة هناك كوكبة من المسلمين يُذبحون في هذه البلاد كما تُذبح النعاج، وإلي جانب القتل بُنيت السجون وأُقيمت المعتقلات لزج الخيرين من أبناء الإسلام فيها.

ولم يكتفِ أعداء الإسلام بهذا القدر من إرهاب المسلمين بل عمدوا إلي نشر الفساد والإباحية في أكثر من بلدٍ إسلامي. فبعض القنوات التلفزيونية في بعض البلاد الإسلاميّة لا تستطيع أن تميزها عن قنوات البلاد الغربية، حيث إشاعة الفساد والإفساد، وبعض العواصم الإسلامية تبيح تجارة البغاء كما تبيح بيع المواد

الغذائية.

أمّا الخمور فقد أصبحت سلعة رائجة تروج لها الحكومات وتفسح المجال للدعاية لها في شاشات التلفزيون وعلي قارعة الطرقات.

وفي بعض البلاد الإسلامية يسمح للفتيات بممارسة السباحة أمام مرأي من الرجال الأجانب، وفي بعضها الآخر هناك مسابح مختلطة يجد فيها الجنسان الذكر والأنثي المتعة المحرمة.

وفي الأفق الاجتماعي انهارت القيّم الإنسانية التي كانت تشدّ المسلم بالمسلم والتي تجعل منهما جسداً واحداً إذا اشتكي منه عضوٌ تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي.

وبعد أن كان المؤمن للمؤمن كأسنان المشط يشدّ بعضه بعضاً. أصبح اليوم الأخ ينكِّل بأخيه ولا يرعي له ذمّة، فانهارت قيم التعاون والأخوة والمساواة واستبدلت بالقيم الجاهلية الرعناء التي أخذت تغزو المجتمعات الإسلامية واحدة بعد أخري.

وفي أفق الأسرة انهار البناء المقدّس الذي شاده الإسلام بين الزوج والزوجة وبين الأب والابن وبين الأمّ والبنت. فقد خرجت المرأة من عش الزوجية فشعرت بالاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة إلي الزوج.

وهكذا نسفت المعادلة الزوجية التي تعطي للرجل حقّ القيمومة علي البيت وحلّت محلها حالة الفوضي والاضطراب وعدم الاستقرار، وأخذ الإبن طريقه خارج البيت مستهيناً بحرمات الأسرة رافضاً التقيّد بإرشادات الأب وتوجيهات الأم، وماتت القيم في نفوس الأبناء جراء التنازع الدائم داخل الأسرة.

لقد أصبحت الأمة الإسلامية هدفاً لأطماع الدول المستعمرة التي وجدت في البلاد الإسلامية مرتعاً خصباً لأهوائها، فالأرض الإسلاميّة تشتمل علي خيرات كثيرة بدونها تتوقّف عجلة الحضارة الغربية.

فمن ناحية مصادر الطاقة متوفّرة وبمخزون كبير في الأراضي الإسلامية ومن جانب آخر تجد المصانع الغربية في العالم الإسلامي كلّ ما تحتاجه من المواد الأولية من الحديد والألمنيوم والقصدير وما شابه ذلك من المعادن التي تدخل في الصناعات المتطوّرة من أمثال صناعة الطائرات والسيّارات والقطارات.

وإضافة إلي المواد الأولية يحظي العالم الإسلامي بكميّات هائلة من المحاصيل

الزراعية (الاستراتيجية) كالقطن والحنطة والشعير والذرة والبُن والتي تدرّ أرباحاً كبيرة علي الغرب بعد إدخالها في المعامل الإنتاجية.

وتمكن الغرب وبواسطة ما حصل عليه من المواد الأولية سواء المعدنية أو الزراعية أن يكون علي درجة عالية من التقدم الصناعي في مختلف مناحي الحياة العسكرية والمواصلات والكهربائية وازدادت مصانع إنتاج الأسلحة والتي كانت تذهب بالدرجة الأولي إلي العالم الإسلامي لتستخدم في قتل المسلمين سواء في معارك الدول الإسلامية بعضها مع البعض الآخر أو في معارك الحكومات الظالمة مع شعوبها. وهكذا خسر المسلمون مرتين، مرّةً عندما استولت الدول الاستعمارية علي مواردهم الزراعية والمعدنية ومرّة أخري عندما دفعوا أموالهم لشراء نتاج مصانع الغرب وهي بالطبع آخر مبتكرات الأسلحة الفتاكة.

وماذا أعدّ المسلمون في مقابل هذه السياسة المدمرة التي تنتهجها الدول الاستعمارية ضدّ المسلمين؟

وهل يمكن بدون التوسّل بالأسباب أن نقف قبال هذا التدمير المتواصل؟

فالأنبياء الذين انتصروا علي أعدائهم وجدوا السبل في الأعوان وما شابه، أمّا الذين لم يجدوا هذه السبل فكان مصيرهم الشهادة. بالرغم من أنّ الشهادة نفسها هي انتصار.

إذن لابدّ من العمل الجاد، والأخذ بأسباب القوّة فهي وحدها القادرة علي مواجهة الأعداء.

يقال: إنّ الدولة الصفويّة قد تعرّضت إلي عملية غزو أجنبية وكان ملكها يومذاك هو السلطان حسين، فعندما سئل السلطان حسين عما أعدّه من الجيوش والتجهيزات والمعدّات العسكرية لمنازلة الجيش المعتدي.

قال السلطان: طلبت من الجماعة أن يقرؤوا آية: ?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرّ? () عشر مرّات بعد الصلاة؟ وماذا كانت الحصيلة يا تري؟

لقد انهزم السلطان حسين لأنّه لم يعد العدّة الكافية للحرب.

نحن لا ننكر أثر الدعاء وقراءة القرآن في صنع الانتصار، وهذا أثرٌ مقرر في القرآن الكريم حيث ورد: ?قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ? ().

وقال أيضاً: ?وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ

لَكُم ? ().

لكن هل أمرنا الله سبحانه وتعالي بالدعاء وحسب؟.

أما يقول الله تبارك وتعالي: ?وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ? ().

وقال أيضاً: ?وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً? ().

وقال أيضاً: ?وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ? ().

وقال أيضاً: ?ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً? ().

وقال أيضاً: ?كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ? ().

وقال أيضاً: ?فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ? ().

وقال أيضاً: ? انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ? ().

وقال أيضاً: ?وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَي? ().

وقال أيضاً: ?وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنون?().

وقال أيضاً: ?والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا? ().

ولا غرو في ذلك، فأوّل كلمة نزلت من السماء إلي قلب نبيّنا محمّد(ص) هي كلمة ?اقرأ ? () وهي أمر بإنجاز العمل.

وأمام هذا الكمّ الهائل من الآيات القرآنية، وأمام السيرة العطرة للرسول الأكرم محمّد (ص) وأهل بيته البررة لا يسعنا إلاّ وأن نشمر سواعد العمل، ونحمل أدوات البناء لنقف بصلابة المؤمنين أمام الزحف الكافر.

وسبيلنا في ذلك هو القوة المتمثّلة بالمرجعيّة الدينيّة.

لا نقول أنّ الطريق طويل، وأنّ الأعداء كثيرون، وأنّ المرجعيّة صغيرة في حجمها في قبال جبهة وسيعة من الكافرين.

لا نقل هذا الكلام لأنّ النار كلّ النار من مستصغر الشرر، فالبحار الواسعة تكونت من قطرات صغيرة.. تجمعت وتجمعت فصنعت هذه البحار.

والصحاري الشاسعة تكونت من ذرّات الرمال الصغيرة التي بتجمعها كوّنت هذه الصحاري.

ونحن بتجمعنا نصبح قوّة هائلة، قوّة لا يستطيع أحد الوقوف قبالها بإذن الله سبحانه وتعالي. وقد وعد الله المؤمنين أن يجعلهم خلفاء في الأرض ويرثهم كلّ ما عليها ويجعل ? كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَي وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا ? ()، وما ذلك علي الله بعزيز.

و?إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ

رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ? ().

وليس ما نقوله مجرّد كلمات بل هناك شاهدٌ جلي علي ما نقوله وتجربة رائدة علي مواجهة قوي الكفر تمثلت بالمرجعيّة الدينية.

وكنت قريباً من الذين ساهموا في بناء المرجعية منذُ عهد المجدّد الحاج السيد محمّد حسن الشيرازي» قدّس الله سره «.

وكان لي شرف المساهمة والعمل في ظلّ المرجعية الدينية التي ابتدأت بوفاة العلمين الكبيرين السيّد أبو الحسن الأصفهاني» قدّس الله سره «والحاج السيد حسين القُمّي» قدّس الله سره «حيث انتهت المرجعية إلي المرحوم سيدي الوالد» قدس الله سره «، واستمرت هذه المساهمة حتّي كتابة هذه السطور.

وقد خاضت المرجعية الدينية خلال عمرها الطويل غمار الصراع العنيف ضدّ أعداء الإسلام وتصدّت لمختلف قضايا الأمّة الإسلامية، وحملت المسؤولية الدينية والسياسية والاجتماعية وحتّي الاقتصادية في بعض الأحيان، وكان لها دور رئيسي في قضايا إسلامية عديدة وقعت حوادثها في إيران والهند وفلسطين والباكستان والعراق.

وقد كان لبيت الوالد» رضوان الله عليه «دور مهم في صنع القرارات واتّخاذ المواقف منذُ ثورة التنباك وحتّي القضايا الأخيرة ومروراً بثورة العشرين في العراق.

وكم كنت أتمنّي معاصرة تلك الحقبة المهمّة من التاريخ الإسلامي التي شهدت بزوغ النهضة الإسلامية ضدّ الكفر العالمي بقيادة المرجعية الدينية.

وإذا لم يحالفني الحظّ ولم أكن يومذاك، فقد حالفني الحظ في مرافقة عدد لا بأس به من المراجع ممن كان لهم دورٌ مهم في هذه القضايا، واستفدت الكثير من تجاربهم وأخذت الكثير من خبراتهم.

وقد أوجدت لديّ هذه المعاشرة الدؤوبة لأرباب الحل والعقد مخزوناً من التجارب والخبرات في مضمار المرجعيّة كنت أفكر دائماً بتدوينها علي الورق حفظاً عليها من الضياع بسبب النسيان هذا أوّلاً.

ولتقديم بعض الفائدة لمن يخوض غمار هذا العمل المقدّس ثانياً.

ولتعميم هذه المعلومات علي من يريد الإطّلاع

باعتبارها أصبحت جزءاً من التاريخ ثالثاً.

لهذه الأسباب ولأسباب أخري خرج هذا الكتاب ليصبح بين يد القراء الكرام.

أملي في ذلك هو كسب رضي الله تبارك وتعالي بتقديم بعض الأفكار في مجال هذه المؤسّسة الهامّة التي تتحمّل اليوم مسؤولية الدفاع وإدارة شؤون الأمّة الإسلامية.

أرجو من الله سبحانه وتعالي أن يجعله نبراساً في طريق الحق والحقيقة إنّه نعم المولي ونعم النصير.

محمد الشيرازي

كربلاء المقدسة

1 الخشية من الله سبحانه

علي المرجع الديني باعتباره وكيلاً عن الإمام المعصوم في إسعاد الناس في الحياة الدنيا والآخرة، عليه أن يتحلّي بالخشوع والخشية من الله تعالي، وبغير الخوف من الله سبحانه وتعالي لا يمكنه أن يكون سبباً لإسعاد الناس.

لأنّ إسعاد الناس بحاجة إلي الإخلاص، وتغليب المصلحة العامّة علي المصلحة الخاصّة، وهذه غير قابلة للتحقّق بدون الخشيّة والخوف من الله تبارك وتعالي.

كما وأن سوق الناس إلي الله تعالي سوقاً صحيحاً، لا يتمّ إلاّ مع المعرفة الكاملة بالله سبحانه وتعالي، والمعرفة الكاملة تلازم الخوف، فهما صنوان لا يفترقان.

والعدالة هي شرط من شروط الفقيه، وبها يصبح جامعاً لشرائط التقليد()، والعدالة () تحمل في طيّاتها مضمون الخوف والخشية من الله تعالي.

والخشية علي درجات، درجة منها بأن يري الإنسان ربّه في قلبه حاضراً أمامه في كلّ حركة وسكنة، وأن يعلم أنّه مجزي بعمله، من الصغائر من الأمور، وأنّه محاسب بكلّ لحظة عين، وحركة شفة، ونبضات قلب، قال تعالي: ? فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ? (). ومن الممكن أن ينمي الإنسان في نفسه ملكة الخشية فيرتدع عن كلّ ذنب وخطيئة.

والمؤمنون كما وصفهم الله سبحانه: ? إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ? (). لأنّ المؤمن يحيي بالخوف والرجاء، وهما

ركنا الإيمان الصادق الذي يبعث علي التوكّل والعمل الصالح.

وأفضل وسيلة للتدريب علي الخشية هو التفكير المستمر بالموت، والقبر، وتذكر الآخرة وما سيؤول إليه مصيره في ذلك العالم.

ليتذكّر الإنسان مصيره في قبره وهو وحيد فريد، لا يملك من مال الدنيا سوي قطعة الكفن.

وليتذكّر الإنسان أنه رهين عمله، وأن أعماله ستُعرض في الآخرة أمام الملأ، فما يخبئه الإنسان سيظهر إنْ آجلاً أو عاجلاً.

وكان والدي» قدّس الله سره «يقول لي دائماً:» كن بحيث إذا نشر عملك أمام الناس، لا يكون فيه ما يخجلك «.

ومن أساليب تقوية الخشية المواظبة علي العبادة والطاعة، وأداء الصلوات المندوبة وخصوصاً صلاة الليل، وقراءة القرآن، وزيارة المقابر، بشرط أن يتحقّق الإخلاص في هذه العبادات، فالإخلاص يجعل قلب المؤمن في حالة حضور دائم، يعي ما يفعل، ويفهم ما يقول أثناء العبادة.

ومن وسائل تعميق الخشية هو البكاء وإسالة الدموع، وهناك ساعات يستعدّ فيها الإنسان للبكاء، وهي ساعات انتصاف الليل، حيث تحيا في أعماق الإنسان المشاعر الخيرة ويستيقظ فيه الضمير والوجدان.

كذلك لابدّ من اختيار المكان المناسب لإسالة الدمعة، وهو أعماق الصحاري المقفرة، حيث لا يجد الإنسان إلاّ نفسه وعمله، فيبكي إن كان سيئاً، لأنّه سيلاقي رباً سيحاسبه علي كلّ صغيرة وكبيرة.

كما وأنّ للموعظة أثرها الكبير في زرع الخشية، وأفضل موعظة هي ملاحظة أحوال الأنبياء والأئمة عليهم السلام، والتدبر في مواعظهم التي ذُكرت في كتب كثيرة منها: الكافي للكليني ? والمحاسن للبرقي ? وبحار الأنوار للمجلسي? وجامع السعادات للنراقي ?، كذلك نهج البلاغة حيث ضمّ عدداً كبيراً من المواعظ والحكم المؤثّرة.

2 التربية الروحية

المرجع باعتباره الرجل الرائد في المجتمع، وعلي الناس الاقتداء به، فلابدّ له من اهتمامه بنفسه، والعناية بالجانب الروحي، فعليه الإكثار من قراءة القرآن الكريم ومن الأدعية، كذلك

التوسّل بالأئمّة الطاهرين» صلوات الله عليهم أجمعين «، خصوصاً ولي الأمر r، فإنّ المرجع وكيل ونائب عن الإمام المهدي (ع) والإمام» صلوات الله عليه وسلم «يعلم ويري وهو حيّ حاضر، فكيف لا يستمدّ المرجع وهو وكيله منه (ع) فهو الوسيلة إلي الله سبحانه، وبه تقضي الحوائج، وترفع النوائب.

وعلي هذا ينبغي أن يكتب المرجع إليه (ع) العرائض() في المهمات الصعبة ليستمطر شآبيب لطفه في المعضلات، فإنه لا يخيّب سائله.

3 الزهد

من اللازم للمرجع أن يكون زاهداً في الحياة راغباً في الآخرة، ويكون القبر والموت نصب عينيه، فإن الزهد من أكبر العوامل التربوية الدافعة إلي العمل الصالح، والتي تجعل الإنسان في دروب الحق وعاملاً في سبيل الله سبحانه وتعالي.

والزهد المطلوب ليس هو الزهد الظاهري فقط، أي التقليل من الأكل والشرب والملبس، بل الزهد الذي ينبع من القلب.

ومن الممكن تقوية ملكة الزهد في النفس كما ذكروا في كتب الأخلاق()، وإذا كان المرجع زاهداً يصبح مظهره سبباً لهداية الناس، لأن رؤيته ستذكر الناس بالأنبياء والصالحين، وسينعكس أثر ذلك بصورة مباشرة في إيمان الناس وعقيدتهم.

والزهد ليس عدم التنعم بالحياة، فقد قال سبحانه وتعالي: ? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ? () بل الزهد هو عدم التعلق بالحياة الدنيا، وعدم انغماس النفس في الشهوات البهيمية، والاحتياط في ارتكاب المشتبهات.

وبالإضافة إلي فائدة الزهد في صقل النفس وتقوية الوجدان، فإنه سيقنع الكثير من الناس بالالتفاف حول الدين لأنهم سيرون ممثله إنساناً صادقاً في دعواه وإنه يتساوي في حياته مع الفقراء، بل يعيش عيشة أقل من الفقير مع أنه يمتلك الأموال الكثيرة.

4 الإيجابية

يعيش المرجع في مجتمع مملوء بالسلبية، فكان عليه تطبيق الآية: ?ادفع بالتي هي أحسن? () أي انتهاج طريق الإيجابية ومنع تسرّب السلبية إلي هذا المجتمع.

فينبغي علي المرجع أن يعتاد كلمة» نعم «، قال الفرزدق في وصف الإمام زين العابدين(ع):

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

وإيجابية المرجع تحتم عليه أن لا يرد بكلمة» لا «علي صاحب الحاجة بل أن يكون ميالاً لحل مشكلات الناس والتخفيف من معاناتهم، فكلمة» لا «من قبل المرجع تعني سد الأبواب بوجه صاحب الحاجة ().

ولا يخفي أن بين

هذه النقطة ونقطة قضاء حاجات الناس () فروقاَ، وإن تلاقيا في جملة في المواضع، وبالاصطلاح المنطقي بين النقطتين عموم من وجه.

5 انشراح النفس

من المهم جداً للمرجع أن يكون دائم التبسّم، لأنّ البسمة تعكس الحيوية، وهي مرآة صادقة تدلّ علي قوة شخصية المرجع وأنه لا يتأثر بالظروف الصعبة.

بالإضافة إلي أن الابتسامة تخفف من الضغوط الصحية التي يعاني منها المرجع بسبب كثرة الأعمال وصعوبتها، فإذا لم يتعوّد المرجع علي الحيوية الدائمة والتبسّم وتذليل الصعوبات تنهار قواه، ويكون دائم التجّهم والاكفهرار مما يتسبب في ضعف إنتاجه، وأحياناً يوجب ذلك الركود والجمود والاضمحلال.

فمن المهم أن يحافظ علي انبساط النفس وانشراح الوجه وابتسام الثغر، وأن يتذكر نعم الله تعالي عليه، وقصص العاملين الذي كانوا أكثر منه عملاً وأقلّ تجهماً، وليقتدي بالرسول الأعظم (ص) الذي كان علي خُلقً عظيم حتّي يتمكن من أداء مهمته بكلّ قوة ونشاط.

ومن أهم أسباب انشراح النفس التوكل علي الله سبحانه، ومداراة الناس، والعفو عن المسيء، وقضاء حوائج المحتاجين، والاستعداد للعمل الدائب، وتذكّر ثواب الله تعالي، والالتفات إلي امتداح الناس، وعلي عكسه قدحهم، وتكون النتيجة وجهاً متقطّباً متجهماً منغلقاً.

6 المرجع المفكر

يقوم العالم المتحضر اليوم علي الفكر، والفكر هو سلاح ماضي، بأيدي الأمم لتحقيق التقدّم في الحياة.

ومن مسؤولية المرجع باعتباره المتصدّي لأمور الأمّة أن يكون علي أعلي مستويات التفكير، والقدرة علي إنضاج الأفكار والرؤي في مختلف الشؤون الفقهية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية، وما إلي ذلك.

إنّ قيادة الأمّة بلا تفكير تعني الفشل الذريع. ومن يعطّل جهاز تفكيره تستولي عليه الحاشية، فتسيره بدلاً من أن يسيرها، وهذا هو من أخطر ما يبلغه الإنسان، حيث يتحوّل إلي واجهة يستفيد منها الآخرون.

وكما نحتاج إلي التفكير الدائب في مجال المرجعيّة، كذلك نحن بحاجة إليها في المجالات الأخري.

فلا تقوم لأمّة من قائمة إلاّ بالتفكير، ولا تقوم المؤسّسات ولا الدول إلاّ عبر التفكير، وعلي أيدي المفكّرين.

وقد رأيت في

إحدي الدول أنّها وظفت ثلاثة آلاف مفكّر لتمشية أمور وزارة الدفاع فيها.

كما وأنّ هناك كياناَ مصطنعاَ ودويلة صغيرة لا يبلغ عدد سكّانها ثلاثة ملايين نسمة، تغلّبت علي دول عربية يناهز عدد سكانها عن المائة مليون نسمة بالفكر، فقد قرأت في بعض الكتب أنّ لهذا الكيان المصطنع أربعة آلاف منظّمة ومؤسّسة تقوم بمهمّة التفكير والتخطيط لكافّة شؤون الحياة.

وقرأت في إحدي الصحف أنّ بنكاً من البنوك استطاع أن يجذب إلي رصيده خمسمائة مليون دولار، وذلك بفعل موظّف واحد، كانت مهمته التفكير وإعداد الخطط، فاستطاع هذا المفكّر أن يستقطب الأموال الطائلة إلي البنك.

7 الاقتداء بسيرة الرسول الأعظم ص

لما كان المرجع مُمثلاً عن الإمام» عليه الصلاة والسلام «وعن الرسول الأعظم (ص) فينبغي له أن يترجم سيرة الرسول (ص) في حياته العملية بالمقدار الممكن، فإنّ تلك السيرة النيّرة من أهم أسباب التفاف الناس حول الإسلام، ومن أهم مقومات التقدّم، فإنّ الناس إنّما التفوا حول الرسول(ص) لأنه كان حافلاً بمختلف أنحاء النشاط الإنساني الرفيع والمثل العليا والأخلاق الجميلة: في العبادة والطاعة لله تعالي، في المعاشرة الحسنة مع الناس، في الأخلاق الطيبة مع عائلته، في الكرم والعطاء، في الشجاعة والإقدام، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الدعوة إلي الخير والإرشاد إلي الحقّ، في المحاربة للباطل بيده ولسانه، في اتصافه بالصفات الفاضلة في بناء الحياة في جميع جوانبها، إلي غير ذلك.

فاتصاف المرجع بصفات رسول الله (ص) حتي في الدرجات الدنيا، سيجعل الناس يقتربون منه، ويلتفون حوله، الأمر الذي سيسهل الطريق إلي تطبيق الشريعة الإسلامية.

والتحلّي بتلك الصفات وإن كان مشكلاً خصوصاً في بعض الموارد لكن الفائدة المترتبة علي ذلك كبيرة جداً، و(الميسور لا يترك بالمعسور) ().

8 سوء الظن بالنفس

جاء في دعاء الإمام زين العابدين (ع) المعروف بدعاء مكارم الأخلاق:

(اللهم صلِّ علي محمد وآل محمد وحلني بحلية الصالحين إلي أن يقول: واستقلال الخير وإن كَثُرَ من قولي وفعلي) ().

فعلي المرجع أن يري نفسه دائماً مقصِّراً وأنّ ما يقوم به من عمل هو قليل جداً في قبال المطلوب منه. وهذا هو السبيل القويم إلي التقدّم، أما لو اعتبر ما يقوم به عملاً كبيراً وكثيراً، فإنه سيكتفي بما يقوم به ولا يتجاوز لما هو أكثر من المنتظر منه.

وفي الحقيقة أن الإنسان مهما قام بالأعمال الكبيرة نحو خالقه، فهو قليل بالنسبة إلي المطلوب منه، لانّ المطلوب منه هداية البشرية جمعاء وعمارة الكرة الأرضية

بكاملها.

فعلي المرجع أن يقيس عمله بهذا الهدف الكبير والواسع، وإلاّ فإنه سيحصر نفسه في نطاقٍ ضيق.

فعلي المرجع أن يكون دائم الازدراء بنفسه، دائم التفكير في التقدم، دائم العمل لأجل رفع راية الإسلام وكلمة لا إله إلاّ الله.

9 المواظبة علي القلم واللسان

المرجع بعد أن يصبح مرجعاً يكون لكل حرف ينطق به أو يسطره قيمة معنوية، فكان عليه أن يزنَ كلماته وعباراته.

وكم من إنسان ندم علي كلمة قالها؟ لأنها هدمت بيتاً، وكم من إنسان ندم علي كلمة لم يقلها؟ فلو كان قد قالها لأحيا بها أمةً.

فكثيراً ما يطلق الإنسان كلمته، ثم يري أنها فعلت فعل الصاعقة، في الهدم، وربما يبخل بكلمة ثم يجد أنه لو قالها لكان لها أكبر الأثر في الخدمة، ولذا يجب علي المرجع أن يواظب علي قوله وفعله.

وقد عاصرت مرجعاً قال كلمة بُني علي أساسها مدرسة دينية، آخر كتب كلمةً عدلَ عن تقليده بسببها أهل قطرٍ كبير.

وما ذكرناه في الكلمة جارٍ في فعل المرجع وتركه، فإنه ربما يفعل فعلاً يسبب هداية أقوام، وربما يفعل فعلاً يسبب ضلال أقوام، وهكذا في تركه الفعل، ولذا كان بعض فقهائنا لا يذهبون إلي زيارة بعض القبور المشكوك في أمرها، لأن زيارته حجة عند الناس، والحال أنه أي الفقيه لا يعلم صحة القبر المذكور؟.

10 نشر روح العزة

العزة شيء والاستعلاء شيءٌ آخر.

العزة هو شعور داخلي.

والاستعلاء هو سلوك خارجي.

فبقدر ما يكون الاستعلاء المقارن للتكبّر مذموماً، فإنّ العزّة تكون محمودة. وقد نوّه القرآن الكريم إلي هذه الخصلة الحميدة قائلاً: ? وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ? ().

فالعزة هو شعور بالترفع ينمو في داخل الإنسان، ويجعله غالي النفس لا يسقط في مهابط الرذيلة، ولا يحني ظهره للباطل، كما وأنه يكون متواضعاً مع الناس علي عكس الإنسان المستعلي الذي يصبح متكبراً مترفَّعاً فوق الناس، يشعر بأنّه مميزٌ عن الآخرين.

فعلي المرجع الديني نشر هذه الفضيلة بين الناس بالأخص بين العاملين معه والناشطين في أجهزته المتحرّكة، وذلك بترويج الأحاديث والقصص والحكايات الداعية إلي العزة وباستخدام الأساليب المختلفة المشجعة علي

هذا المنهج.

كما أن دعوة الخطباء والكتاب إلي التركيز حول هذه الفضيلة أمرٌ مهمّ ونافعٌ أيضاً.

11 قوة التأثير

يجب أن يكون للمرجع قوة تأثير في الوسط الذي يعيش فيه، وإلاً فإنه سيكون ضعيفاً، ولا مكان للمرجع الضعيف في مجتمعاتنا المعاصرة.

وقوة التأثير إنما تحصل بقوة النفس وعلو الهمة والإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالي، بحيث ينطبق عليه كلام أمير المؤمنين (ع): (عظُم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم) ().

فعلي المرجع أن يسعي إلي امتلاك قوة النفس، وذلك بالمزيد من التفرغ للعبادة، والتفكير في عظمة الله سبحانه، وأخذ العبر من حياة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، ليكون إيمانه بالله خير دعامة له في حياته، ومالم يمتلك قوة التأثير لا تكون له كلمة مسموعة في المجتمع، ولا يكون مطاعاً من أحد.

ويجب أن تكون قوة تأثيره في الحكومة والمجتمع. فالكلمة عند الحكومة تنفع من جهات، والكلمة عند الشعب تنفع من جهات أخري، ولكل كلمة مقومان. ولكن حذار أن تكون كلمته عند الشعب مستقاة من سلطة الحكومة التي لا تطبق أحكام الله سبحانه، لأنه حينئذٍ سيخسر الشعب والقاعدة المؤمنة، ويصبح أمره كموظف بسيط في هذه الدولة، وإذا كان أحد ينفذ أمره، فانه يكون نافذ الأمر بقدر الشرطي الذي يخشاه الناس فينفذون أوامره.

فقوة تأثيره في المجتمع يجب أن تكون مستقاة من قوته الذاتية، ثم أن قوته لدي السلطات يجب أن تكون مستقاة من قوته الشعبية، وحينذاك يستطيع الفقيه المرجع من تنفيذ أوامر الإسلام، وعلي هذا كانت سيرة الصالحين من المراجع» رضوان الله عليهم «.

12 ضريبة التصدي

المجتمع ليس علي حدّ سواء، فحتّي في أرقي المجتمعات نحن نجد عناصر سيئة تعيش بين العناصر الخيّرة، كالحشائش الضارّة التي تعيش بين الزهور والورود.

فقد عادي رسول الله (ص) الكثير من العرب، وحاربوه، وحتي بعد أن دخلوا في الإسلام كانوا يحسدونه ويتحينون الفرص للإيقاع به.

والمرجع باعتباره

شخصية بارزة في المجتمع، فإنّ هناك الكثير ممن يحاول الإيقاع به بسبب الحسد والحقد، فيشهرون بوجهه ألسنتهم وأقلامهم، ويتهمونه بشتي التهم لإبعاد الأمة عنه، فكان عليه أن يتحلي بالصبر والهدوء وعدم الانفعال واتخاذ ردود الفعل السريعة التي لا تغيّر شيئاً من طبيعة الحساد سوي إعطائهم المبرر الكافي لشنّ هجومهم والاستمرار في تعنتهم ().

ثمّ علي المتصدين لأمور المرجعية أن يرتفعوا فوق السلبيات وأن يكونوا بمنتهي الإيجابية، فقد قال تعالي: ? ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ? ().

وقال أمير المؤمنين (ع): (عاتب أخاك بالإحسان إليه) ()، وفي دعاء الإمام السجاد (ع) المسمي بمكارم الأخلاق: (وسدّدني لأن أعارض من غشني بالنصح) ().

ويجب أن يجعل المرجع حياة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام أسوة حسنة لحياته، ولتعامله مع المعتدين والحاسدين.

فقد كان الأنبياء عليهم السلام علي أفضل صور التعامل مع أعدائهم.

فصل

1 جهاز المرجعية

لابدّ للمرجع أن يتخذ لنفسه جهازاً من شخصيات معروفة بالنزاهة والعلم والشجاعة والقدرة علي العمل، ويمنحهم الثقة للقيام بالأعمال المختلفة.

فهذا الجهاز يقوم بالأدوار التالية:

أولاً: يعتبر الرابط بين المرجع والناس الموجودين في أماكن متباعدة.

ثانياً: يشير علي المرجع بما يهمّ المسلمين من القضايا المختلفة.

ثالثاً: يُسدي العون والمساعدة للمرجع للقيام بأعماله، والتي بدونه من الصعب القيام بها.

وإذا كان المرجع يريد أن يظل أفراد الجهاز المرتبط به متوافقين معه، فعليه أن يقوم بهذه الأمور:

1- رعايتهم ليس في الجانب المادي فقط، بل من الناحية النفسية والروحية أيضاً.

2- محاسبتهم إذا ظهر منهم الخطأ أو ارتكب أحدهم عملاً مشيناً.

3- إقناعهم بالقرارات التي يتخذها، حتي يكونوا علي أهبة الاستعداد النفسي والعقلي لتطبيقها.

2 مراقبة تصرفات الحاشية

يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): (من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء فانه لو غصّ بغيره لأساغ الماء غصته) ()، ففساد البطانة سيتسبب في فساد كل شيء، ويموت الأمل حينئذ في الإصلاح.

والبعض يُبتلي بحاشية ليست بالمستوي اللائق، فتسبب الأذي للناس، وبالتالي تسبب النفور لديها.

فلابد للمرجع من أن يراقب من حوله، ويعمل علي إصلاح ما يظهر من مفاسد الحاشية، كما نجد ذلك في سيرة رسول الله (ص)، حيث كان مضطراً إلي تحمّل بعض المسلمين، فإن ظهر منهم الفساد أخذ النبي الأكرم(ص) بإصلاح ما أفسدوه، كما يجد الإنسان مثالاً لذلك في قوله تعالي: ?وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَي إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ً? ().

أو ?عَبَسَ وَتَوَلَّي ? () حيث وردت في رجل من بني أمية عندما تجهم وجهه من رؤية الأعمي.

ولما لم يكن بمقدور المرجع أن يدير الأمور بلا حاشية، كما وانه لا يستطيع أن يطلق لها العنان لتفعل ما تريد، فعليه إذن واجب إصلاح هذه الحاشية بالشكل الذي يقلل من ضررها، والتوسط في

الأمر، ومراعاة الجانبين بكل دقة وإتقان.

3 المشورة في الأمور المصيرية

صنّفنا الأمور التي تعترض المرجع إلي نمطين، الأول: أمور ذات جانب فردي، فيستطيع المرجع أن يتفرد في اتخاذ القرار بشأنها، ومن ثم يقوم بتنفيذها.

أما الأمور العامة التي لها جانب جماهيري كالسلم والحرب وما أشبه، فلابدّ من استشارة أهل الحل والعقد والخبراء فيها، استناداً للآية الكريمة: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ ? ().

فالمشورة ضرورية، لأنها عملية لتجميع آراء العقلاء، وقد قال الإمام أمير المؤمنين (ع): (ما ضلّ من استشار) ().

وقال (ع) أيضاً: (من استبد برأيه هلك) ().

فالهلاك يأتي من ناحية أنّ أي عمل يكون عرضة للفشل إذا كان ناتجاً عن رأي واحد في كثير من الأحيان بخلاف العمل النابع عن آراء عدة عقلاء، فهو عرضة للنجاح أكثر.

ويجب أن يمتلك المرجع مقياساً يستطيع من خلاله أن يفرز الأمور التي هي بحاجة إلي المشورة عن تلك الأمور التي لا تحتاج إلي ذلك.

ثم علي المرجع أن يستشير أصحاب الخبرة ويزن آراءهم ويأخذ بالرأي الأصوب.

4 النقد البناء

ليس هناك من لا يخطأ، إلاّ المعصوم (ع)، فالبشر موصوفٌ بالخطأ، وحتّي لو تسامي الإنسان في الملكات الرفيعة وفي الأخلاق السامية، فإنّه عرضة للخطأ.

فكان لابدّ للمرجع أن يصغي بنفسه إلي جميع ما يوجّه إليه من النقد، سواءٌ كان هذا النقد يستهدفه أو يستهدف جهازه من الوكلاء والخطباء والمؤلّفين ومن أشبه ممن يدور في فلكه، فالإصغاء المستمر إلي النقد، ومحاولة تفادي بعض الأخطاء التي يمكن تفاديها، يوجب إصلاح المرجع وإصلاح جهازه. بينما عدم التفات المرجع إلي صوت الناقدين المخلصين سيوجب تراكم الأخطاء، وأحياناً يتسبّب ذلك في انحراف الجهاز، الأمر الذي سيؤدّي إلي انحراف الناس. وهذا لا يعني أنّ كلّ ما يوجّه إلي المرجع أو حاشيته من نقد هو حقٌ يجب الإصغاء إليه والاعتناء

به، فبعض هذه الانتقادات لا أساس لها، وإنّما هي أوهام، لكنّ هناك نقداَ ينطلق من قلب إنسان صادق، وهذا هو النقد البنّاء الذي يجب الاستماع إليه والإصغاء إليه، لأنّه سيكون طريقاً إلي تقدّم المرجعيّة، وبالتالي وسيلة إلي تقدّم الإسلام والمسلمين.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخري، المرجع الذي يستمع إلي النقد سيرتفع عن صفة الاستبداد بالرأي وعدم الاعتناء بآراء الآخرين. وسيتصف بصفة أخلاقية هي من صميم الإسلام، وهي احترام آراء الآخرين والاعتناء بما يقولون عندما يكون ذلك بنّاءً.

5 مراقبة أحوال الوكلاء

يعمل المرجع عبر شبكة وسيعة من الوكلاء المنتشرين في مختلف مناطق العالم، وهم يعتبرون سفراء المرجعية الدينية والممثلين عن علماء الدين، فكان رصد تحركهم وأعمالهم غاية في الأهمية، فكان من مسؤولية المرجع مراقبتهم مراقبة شديدة، ماذا يعملون؟.

وكيف ومتي؟.

وماذا يحتاجون؟.

وما هو رأي الناس فيهم؟.

وكيف يديرون الأمور؟.

إذ أن مراقبة المرجعية لوكلائها وتأمين احتياجاتهم والفاتهم إلي نقاط ضعفهم هو من أهم عوامل التقدم في المجتمع.

وتتوقف المعالجة علي حكمة المرجع، وكيف يتمكن من إصلاح الموقف بطريقة ذكية؟ بحيث لا تفسد المعالجة الوضع وتزيد في الطين بلة.

مثلاً كان المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني ?، عندما يلاحظ انحرافاً عند وكيله، كان يبعث إليه ويطلب منه أن يكون إلي جانبه، وأن يغير عمله من المكان الفلاني إلي النجف الأشرف.

ولا يقول له شيئاً عن انحرافه.

وبذلك كان يخلّص المجتمع من الوكيل بالإضافة إلي أنه كان يعالج انحراف الوكيل من خلال الاحتكاك المستمر به.

6 أخطاء التزوير

لأن المرجع في الصفّ الأوّل من الأمّة، ولأنّ منزلته كبيرة عند الناس، فإنّه عرضه للتزوير علي أيدي المصلحيّين والنفعيين.

فهناك جملة أمور هي عرضة للتزوير، منها: الإمضاء، الختم، الخطّ، الرسائل، الفتاوي، حديثه المسجّل، صوره بطريقة المونتاج.

فلابدّ للمرجع أن يكون يقظاً لأنّ الحذر المستمر يفوّت الفرصة علي الأشرار الذين يريدون أن يتّخذوا من المرجع كواجهة وكسبيل لتحقيق أغراضهم السياسية والمالية، وما شابه ذلك.

أمّا موقف المرجع من التزوير، فهناك نوعان من التزوير:

أولاً: التزوير الضئيل الذي ليس وراءه ذيول ولا يترك آثاراً علي المجتمع. كالذي يزوّر رسالة من المرجع لحاجة مالية محدودة، مثلاً عشرة دنانير، أو الحصول علي وظيفة، أو قطعة أرض، فإذا اطمأن المرجع إلي أنّ هذا الشخص لن يعود مرّة أخري إلي تكرار هذا العمل، وأنّه ارتكب هذا العمل نتيجة الحاجة، فإنّ الأفضل

له أن لا يشهر به.

ثانياً: التزوير الكبير، عندما يكون وراء هذا التزوير غاية سياسية أو اجتماعية معيّنة، كأن يستفاد من ختم المرجع في الطعن بشخص مصلح يخدم المجتمع أو التعريض بجهة دينية بقصد إسقاطها، فإنّ هذا العمل من الكبائر، فيجب الوقوف قبالها والإشهار بها، وتنبيه الناس حتّي يعرفوا الحقيقة.

7 العلماء السابقون

مسؤولية تكريم العلماء الأقدمين هي في عهدة المرجع، فكان لابدّ من تنفيذ برنامج متكامل بخصوص هؤلاء العلماء يتضمن ما يلي:

1 _ تعمير أضرحتهم، ولو أمكن جعلها مدارس، ذات مكتبات كان أفضل.

2 _ تبنّي تأليف الكتب المستقلة حولهم وحول مواقفهم وتضحياتهم لأجل الدين وخدماتهم للناس، ولتكن الكتب نابضة بالحياة والحيوية.

3 _ حث الناس لزيارة مراقدهم، والاستفادة من سيرتهم.

4 _ وحث الناس علي إحياء تآليفهم المخطوطة، بعد جمعها من هنا وهناك.

5 _ النشر عنهم في وسائل الإعلام، كالصحف والإذاعات وما أشبه.

6_ احترام أولادهم وذريتهم إذا كان لهم أولاد وذرية، وهداية من شذّ منهم إلي جادة الصواب.

7_ تحويل الدور التي كانوا يسكنون فيها إلي مدارس أو مكتبات أو مساجد.

8 _ تسمية الشوارع والمحلات وغيرها بأسمائهم.

9 _ إقامة الاحتفالات بمناسبة ذكراهم في رأس كل قرن أو عند مرور عشرة قرون.

10_ التوسط عند السلطات لإخراج طوابع بريدية تحمل صوراً تذكارية لهؤلاء العلماء إن لم يكن في ذلك محذور.

وهذه الأمور وغيرها فيها خدمة للعلم والدين وحث للتخلق بأخلاق العلماء وانتهاج سبيلهم.

8 جبهة الدفاع

لابدّ للمرجع من جبهة دفاع قوية، إذ أن أعداء الإسلام، نظموا أنفسهم في جبهة واسعة، وأصبحوا يهاجمون الإسلام بصورة منظمة ومركّزة، وإذا لم يشكّل المرجع جبهة في المقابل، فان عمله سينهار في أول مواجهة بينه وبين جبهة الكفر.

والتهجم علي المرجع هو أحد أساليب المواجهة التي يمارسها الأعداء، وهو أمرٌ مهم، لأنّ التهجم علي المرجع من قبل الفئات الضالة يعني النيل من الإسلام والمسلمين، وقد ورد في الحديث: (والراد عليهم كالراد علي الله) () والرد عليهم بهذا المعني أي رفضهم والنيل منهم، لان النزاعات الشخصية لا قيمة لها في المعايير الإسلامية.

ويجب علي المرجع أن يقوي جبهته الدفاعية بحيث تصبح بالمستوي اللائق

من الناحية الكمية والنوعية، مثلاً: إذا كان الهجوم ذا جبهات يجب أن يكون الدفاع كذلك، وإذا قاد الهجوم طلاب وعمال وموظفون يجب أن يشكل المرجع جبهة من الطلاب والعمال والموظفين ليرد الاعتداء، وهكذا.

ولا يخفي الفرق بين هذه النقطة وبين نقطة اضطراب التقدم التي ستأتي. وإن كانت النقطتان تتلاقيان في بعض الأمور.

9 أجوبة المسائل الشرعية

ترد المرجع مسائل كثيرة ومن مختلف أنحاء العالم، وهي مسائل يبتلي بها، فكان من الضروري الإجابة عليها، وإيصال هذه الأجوبة إلي السائلين وغيرهم.

ويمكن إصدار نشرة شهرية تتضمن هذه المسائل وأجوبتها أولاً بأول ().

ومن المحبّذ أن تجمع المعلومات المختلفة في كتاب يضم بين دفتيه الرسائل التي تصل المرجع، والمتضمنة للقضايا المهمة التي تعيشها الأمة الإسلامية.

ومثل هذا الكتاب سينير الطريق للآخرين، وسيفتح الأذهان والعقول علي ما يحيط بالعالم الإسلامي من قضايا، وهي خدمة كبري يسديها المرجع لأبناء الأمة الإسلامية.

10 هل هناك تناقض في حياة المرجع

كثيراً ما يظن بالمرجع أنه يتناقض في حياته، وذلك لأنه يفعل أحد المتشابهين، ويترك الشبيه الآخر، أو يقول في مكانٍ شيئاً، ويقول في مكان آخر خلافه، ولو تمعنا في عمق القضية لما وجدنا هناك أدني تناقض.

مثلاً: يفتي المرجع لأحد الجنديين بأنّ صلاته يتمها في السفر، ويفتي للآخر بأنّ عليه التقصير. فإذا اجتمعت الفُتيان عند الجنديين شعرا بأنهما متناقضتان، والحال أنه ليس هناك تناقض، إذ أن الجندي الأول كان متطوعاً فكانت صلاته تماماً لأنه من أعوان الظلمة مثلاً، والثاني كان مكرهاً إكراهاَ مسوغاً، فلم يكن كذلك، وهكذا وهلم جرا.

ورؤية الناس للتناقض في أعمال المرجع وأقواله من أكبر أسباب النقد والاتهام، فعلي المرجع أن يلاحظ هذا الجانب بدقة واهتمام بالغين، حتي لا يري الناس ذلك، إما ببيان الأسباب والدواعي التي أوجبت الاختلاف، وإما بالتقيد بأن يبين طرفي المسألة مثلاً لكل من الشخصين، وكذلك يترك أحد العملين الموجب لرؤية المناقضة في أعماله أو ما أشبه ذلك.

11 الأهم ثم المهم

يقول الإمام أمير المؤمنين(ع): (من انشغل بالمهم ضيّع الأهم) () والإمام بهذه العبارة القصيرة يضع أمام العاملين والمدراء والزعماء والقادة وعلي رأسهم المرجع قاعدة هامة جداً، لو طبقها العاملون لنجحوا في أعمالهم، وهذه القاعدة هي الاهتمام بالأهم وعدم الانشغال بالمهم إذا كان هناك أمر أهم.

فعلي المرجع أن يضع قائمة أعماله علي أساس الأهم ثم المهم، وعلي أساس هذا الترتيب يقوم المرجع بالتصدّي للأعمال الأهم ويترك الأعمال الأخري التي تقل أهميتها إلي أعوانه.

مثل: كتابة الرسائل وأجوبة المسائل وقبض أجرة العبادة وإعطائها إلي أصحابها والزيارات العامة وحضور المجالس المختلفة إلي غير ذلك.

أما الأعمال الأهم فهي من نصيب المرجع وهي إدارة الأمور، والتخطيط للمستقبل، وتوزيع الأعمال، والقرارات المهمة وما أشبه ذلك فيباشرها بنفسه.

12 تنظيم المالية المرجعية

المرجع هو المسارع إلي تنظيم شؤونه لأنه الأولي باتباع وصية الإمام أمير المؤمنين (ع): (ونظم أمركم) ().

فعليه أن يضع حساباً لكلّ شيء:

1_ كم من الطلاب يحتاجهم في مجال الدراسة والعمل؟.

2_ كم من المال يكفي لتغطية نفقات هذا العدد من طلاب العلوم الدينية؟.

3_ كم من الأموال تدخل إليه بمختلف العناوين كالخمس والزكاة والنذور وما أشبه؟.

وبعد أن يحسب هذا الحساب، سيعرف ما إذا كان هناك نقص ما، أو أنّ هناك فائضاً من الأموال.

فمثلاً: لو قدّر المرجع أنه يحتاج إلي ألف طالب علم، وقدّر أيضاً أن كل واحد من هؤلاء بحاجة إلي عشرين دينار في الشهر، بعد تهيئة السكن ودفع أجور الماء والكهرباء، فيكون الحاصل: انه بحاجة إلي عشرين ألف دينار كل شهر.

فإذا كان المقدار الذي يصل إليه من الحقوق الشرعية بمعدّل عشرة آلاف في كلّ شهر، فاللازم أن يعدّ العدة من أجل سد العجز، وهو عشرة آلاف دينار، وبمقدور المرجع توفير هذا المبلغ من خلال إحدي الوسائل

المشروعة كالمضاربة وإنشاء الصناديق الخيرية وحيازة المباحات، وما أشبه ذلك.

وطبعاً الأمر يتوقف علي إنشاء لجنة تنبثق منها لجان متخصصة تعمل علي توفير المقدار اللازم من المال من إحدي تلك السبل، وليس صعباً علي المرجع صاحب النفوذ الكبير الطلب من أحد المقرضين المحسنين إنشاء صندوق لتمويل المشروعات التي يعمل علي إيجادها.

13 التقسيم العادل للمال

تتجمع الأموال عند المرجع سواءٌ من مصدر الحقوق الشرعية أو من التبرعات أو غيرهما، فمن اللازم حساب مقدار الأموال المجتمعة ومن ثم يتم توزيعها علي مختلف المشاريع الإسلامية بشكل عادل؛ مثلاً: قسم من المال لأهل العلم، وقسم للمؤسسات، وقسم للدفاع عن كيان الإسلام وقسمٌ لإرسال المبلغين، وهكذا.

فهذا التوزيع بهذا الشكل لا يتسبب في الإفراط والتفريط، والمال في جهاز المرجع حاله حال السلاح في جهاز الجيش، فكما أنه لو خصص السلاح بالدبابة فقط أو الطائرة مثلاً كان معني ذلك الهزيمة، كذلك تخصيص المال في جهة دون أخري معناه انهزام قوي الإسلام عن ساحات البلاغ والرشاد.

فصل

1 التركيز في العمل

من الأمور التي ينبغي للمرجع التوجه إليها هو بناء قوة في المركز وتركيز العمل فيها لئلا تقع في إطار الشكلية، فالتركيز مهمة صعبة إلاّ أنها تأتي بنتائج إيجابية.

وبالتركيز يتحوّل المركز إلي أداة قويّة للتغيير الثقافي والاجتماعي، والتركيز يجب أن يكون في الكم والكيف معاًً.

فعدد المدارس وعدد المساجد وعدد المنشآت والمؤسسات الخيرية المتعلقة بالمركز يُمثل جانباً من جوانب القوة، لأنها تشكّل كماً ملفتاً للأنظار.

لكن يجب أن لا يقتصر التركيز علي الكمّ وحسب، بل يجب التخطيط لتطوير المركز في الجانب الكيفي أيضاً، وذلك بالاهتمام بالتربية والبناء، تربية الطلاب وبناء الخطباء والمؤلفين والعلماء والمبلغين.

فإذا كان المركز قوياً كان الانطلاق سهلاً والتبليغ ممكناً، وإلاّ فالمركز يبقي ضعيفاً لا يستطيع أن يحمي نفسه، فكيف يتمكن من حماية الآخرين.

ويجب أيضاً تطهير المركز من السلبيات، وتصفية عوامل الفرقة والتشتت، وأسباب الانحرافات والمنكرات.

2 السماحة شرط أساسي

يتصف الإسلام بالسماحة، فقد أنزل الله سبحانه شريعته سمحاء حنيفية، وهناك قاعدة يأخذ بها الفقهاء وهي قاعدة» اليسر «().

واستناداً لهذه القاعدة، فإنّ الناس يتوقعون من المرجع أن يكون سهلاً وسمحاً ولا يكون صلباً في بعض المواطن.

نضرب مثالاً علي السماحة لتتضح الصورة: قد يأتي ثري يريد إعطاء الزكاة لشخص هاشمي، فيقول المرجع: لا يجوز لك إعطاء الزكاة الواجبة للهاشمي إذا كان صاحب الزكاة غير هاشمي. وقد يقول بصيغة أخري هي، أعطني المال وأنا أعطي بمقداره لهذا الهاشمي فيعطيه من حق السادة الموجود عنده، ويأخذ هذا الزكاة ليصرفها في مصارفها.

مثال آخر: قد يأتيه إنسان فقير يستجديه وهو قابل لأن ينوب في عبادة الميت، فقد يحرمه المرجع بحجة أنه ليس عنده حق الفقراء، وقد يعطيه ثمن عبادة ليأتي بها إذا كان الفقير مستعداً لهذا العمل، وهكذا ما يتعلق بالمسائل الشرعية التي لها سبيل

شرعي عند الفقيه، مما لا يعلم بذلك السبيل العامي الذي جاء مستفتياً ويريد سهولة الطريق.

وقد ذكرنا في شرح المكاسب أنه كيف أجاز الإسلام طريقاً ولم يجز طريقاً آخر بينما الهدف فيهما واحد، مثلاً أجاز الصلح مع الجهالة، بينما لم يجز بيع المجهول، والحال أن كليهما يؤديان إلي هدف واحد هو انتقال المال من إنسان إلي إنسان آخر.

3 المرجعية القائمة علي المؤسسات

ينبغي تنظيم شؤون المرجعية تنظيماً يضمن لها الاستمرار والبقاء لمدة طويلة من بعده.

فإذا أتي المرجع الثاني من بعده استطاع بسهولة تامة إدارة أمور المرجعية، لأنه سيجد وضعاً منظماً لا يكلفه سوي مواصلة الطريق الذي بدأه المرجع الذي سبقه.

مثلاً: نفترض أنّ المرجع السابق قد أعدّ ألّف وكيل بكامل ما يحتاجون إليه من دارٍ ومال مستمر عن طريق الأموال الموقوفة، فإذا جاء المرجع من بعده واصل طريق سابقه، ولم يكن عليه إلاّ أن يوكل أولئك الوكلاء، ويقوم هو بدوره أيضاً في إعداد ألف وكيل يضافون إلي جهاز المرجعية.

وهكذا تسير المرجعية إلي الأمام دون تعثر، لأنّ كلّ مرجع يأتي ليري كل شيء قد رتب ترتيباً جيداً بحيث لا عليه سوي إضافة ما يمكن إضافته إلي المؤسسة المرجعية.

4 استثمار الطاقات المعطلة

يواجه عالم الدين مجتمعاً فيه طاقات هائلة، ولأسباب مختلفة، بعض هذه الطاقات تهدر في اللا شيء أو أنها تجمّد دون أن تستثمر الاستثمار المناسب، فكان علي العالم مسؤولية كبيرة في استثمار هذه الطاقات والاستفادة منها لتكون في خدمة المجتمع.

فكم من مؤلف ضاع في وسط الزحام لسبب أو لآخر؟.

وكم من خطيب ناجح انعزل في هذا المجتمع لسبب وآخر؟.

وكم من مدرس مبدع ترك مجال التدريس واخلد إلي السبات في بيته لسببٍ أو لآخر؟.

وكم من عامل في الحقل الإسلامي ترك العمل لسبب أو آخر؟.

فكان علي العالم باعتباره المسؤول عن المجتمع انتشال كل هذه الطاقات المهدورة، ووضعها في مكانها اللائق.

وعليه أن يأخذ بيد المؤلّف وفسح المجال أمامه لكي يمارس عمله الثقافي.

وعليه أن يأخذ بيد الخطيب ويضعه في مكانه المناسب، ويدفع المجتمع إلي الاستفادة منه.

وعليه إخراج المدرس من بيته ووضعه في قاعة الدرس ليمارس دوره في الحياة.

كما وأن عليه إعادة العامل في الحقل الإسلامي إلي عمله.

ولا

يتحقّق للعالم هذا الأمر إلاّ بتشكيل عدّة لجان تقوم بأداء الخدمات الضرورية.

فعندما تكون هناك لجنة لرعاية المؤلّفين يندفع المؤلّف إلي الكتابة، لأنه سيجد من يقف إلي جانبه، كما وأن هناك من يطبع كتابه.

وعندما تكون هناك لجنة لرعاية شؤون الخطباء سيندفع الخطيب إلي العمل بحزم وقوة لأنه سيجد المجلس المناسب له، وأنه سيجد الرعاية الكافية والخدمات التي يجب أن تمهّد السبيل لإقامة المجالس.

وكذا الأمر ينطبق علي الطاقات الاجتماعية الأخري كالتاجر والزارع وإمام المسجد.. وهكذا.

ومن المؤكّد أن التزام عالم الدين بهذه القاعدة، والعمل بموجبها سيضمن تشغيل ثلاثة أرباع الطاقات، وبالتالي كان الإنتاج أكثر من مائة ضعف.

5 قبول الناس

هناك درس كبير نستخلصه من السيرة النبوية، وهو أنّ رسول الله(ص) كان يقبل إيمان الناس ولا يحاسبهم علي ماضيهم، فالذي كان يشهد الشهادتين ويعلن إسلامه كان يقبل منه ذلك، وكان شعار المسلمين الآية الكريمة:

?وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَي إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ? ().

وكان رسول الله(ص) يكرر: (الإسلام يجّبُ ما قبله) ()، وقبول الناس وعدم رفضهم هو الطريق الأرحب لإدخالهم في الفضيلة والتقوي والإيمان والهداية، أمّا الانسياق وراء الشبهات، وملاحظة سوابق الناس، والتشكك في إخلاص المقبلين، والاستماع إلي أقوال من تلبّس بلباس النصح وإنْ كان مخلصاً في نصحه لطرد الناس، وسوء الظن بمن أقبل، وما أشبه ذلك، فلا تكون نتيجتها سوي التأخر والتقهقر.

وعلي فرض أنّ فلاناً كان ذا ماضٍ أسود ثم ماذا؟.

فهل سنعمل علي إبقائه علي ما كان عليه من السوء، أم ننتشله من مواطن السقوط؟.

ولنحتمل أنّ فلاناُ نشك في إخلاصه حين أقبل.. ثم ماذا؟ فهل من الأفضل أن نبقيه في الجبهة المقابلة، أو أنّ الأفضل أن نتقبله علي ظاهره، وليكن باطنه ما كان؟.

والبعض يتساءل عن علة قبول رسول الله(ص) لأبي سفيان

ومروان بن الحكم؟.

في الجواب نقول:

أولاً: إذا كان رسول الله (ص) يريد أن يرفض أبا سفيان ومروان استناداً لعلمه ببواطن الأمور، فإن عليه أن يرفض الكثير ممن دخل الإسلام وكان يعلم بما في نفوسهم، عند ذلك من سيبقي في دائرة الإسلام إذا كان الكثيرون معرضين للرفض.

ثانياً: دخول هذه العناصر التي كانت سيئة في ماضيها إلي الإسلام، سيمنح الكثير منها فرصة للتغيير، كما أن الكثير من المسلمين الذي كانوا سيئين في الجاهلية تربّوا في أحضان الإسلام، وأصبحوا مجاهدين بعد أن كانوا أشراراُ وأفّاكين. فوجود العناصر المنحرفة في الوسط الصالح سيغيّر الكثير منهم إلي الصلاح.

ثالثاً: إن طرد أمثال أبي سفيان سيجلب الضرر أكثر من النفع، لأنّ وجودهم في صف المسلمين سيجعل ضررهم بدرجة أقل مما لو كانوا في صفّ الأعداء، فهل من العقل أن نترك الأقل ضرراً ونأخذ بالأكثر ضرراً؟.

6 تكوين الجمعيات

من الأعمال الضرورية التي يجب أن يقوم بها المرجع الديني، إنشاء الجمعيات في مختلف الشؤون والأبعاد، منها:

1 _ جمعية لنشر القرآن وحفظه في البلاد.

2 _ جمعية لتعليم الناس الأحكام الشرعية.

3 _ جمعية ثقافية تقوم بالأعمال التثقيفية.

4 _ جمعية لعمران البلاد.

5 _ جمعية لأعمال التنظيف وتخليص البلاد من الأوساخ.

6 _ جمعية لتزويج العزّاب.

7 _ جمعية لبناء المؤسسات الصحية.

8 _ جمعية لإنشاء دور العجزة والأيتام وذوي العاهات.

9 _ جمعية لتشغيل العاطلين عن العمل.

10 _ جمعية لرعاية شؤون الأسرة تقوم بحلّ المشكلات العائلية.

11 _ جمعية للرعاية الاجتماعية وذلك لحلّ مشكلات الناس.

12 _ جمعية لحفظ الشباب من الانحراف.

13 _ جمعية للتوسع في إنشاء المدارس والمكتبات والقيام بطبع الكتب الإسلامية.

14 _ جمعية لرعاية حقوق الحيوانات.

15 _ جمعية لإنعاش الريف ورفع مستواه ليكون في مصاف المدن.

16 _ جمعية للحث علي طلب العلم، والانخراط في

الحوزات العلمية، إلي غير ذلك من الجمعيات.

7 صدي الأعمال

علي المرجع أن يعرف صدي أعماله، وانعكاس فتاواه وأقواله وكتبه في المجتمع، فلا يعمل عملاً، ولا يتكلّم بكلام، ولا يفتي بفتياً إلاّ بعد أن ينظر إلي جميع الجوانب، وإلاّ فربّما كان ضرره أكبر من نفعه.

مثلاً: إذا اعتقد العالم أنّ الدار الفلانية مغصوبة، فاللازم أن ينظر هل أن فتواه بغُصبية تلك الدار تضرّ أم لا تضرّ.

فإن كانت ضارة، فاللازم الكف عنها، نعم يجب أن لا يعمل عملاً يدلّ علي عدم الغصبية أيضاً حيث يكون فيه تضييع الحقّ، وفي بعض الأحيان من الممكن أن يقول: إنّي أجوّز لمقلّديّ أن يقلدوا في هذه المسألة أحد العلماء الآخرين.

8 اللجان المساعدة للمرجع

لم تعد الحياة كما كانت في السابق حيث البساطة وسهولة العمل، فقد تعقدت الحياة حتّي أصبح من المستحيل أن يتمكن إنسان مهما كان ذكياً وفطناً من استيعاب الحياة بكاملها بمثل ما كان من اليسر في السابق.

ولمّا كان المرجع هو المسؤول عن أمور الناس وحيث أنه يرتبط بمختلف الناس ويؤدّي مختلف الأعمال، فإن من الضروري إنشاء لجان لمساعدته، وتقوم كل لجنة بإنجاز عملٍ ما في حقلٍ خاص، وترفع النتائج إلي المرجع.

مثلاً: يكون للمرجع لجنة سياسية تقوم بجمع الأخبار وتحليلها ثم تقديمها إلي المرجع.

ولجنة اقتصادية تعمل علي تحصيل المال الكافي لإدارة المشاريع الإسلامية.

كما من الضروري إنشاء لجنة رجال العلم لإدارة أمور أهل العلم.

ولجنة تبليغية تقوم بتوفير الإمكانات الضرورية للتبليغ.

ولجنة اجتماعية تقوم بالاتصال بالتجمعات البشرية المرتبطة بالمرجع، وتفقد أحوال الفقراء والمحتاجين منها.

ولجنة إعلامية تقوم بالإعلام عن الشؤون الإسلامية وللدفاع عن أمورها.

9 موقفه مما يدور

عالمنا اليوم متلاطم بالأحداث والقضايا، متخم بالتطورات العلمية والسياسية والثقافية، مثل: برنامج إرسال السفن الفضائية، وحرب فيتنام ()، والحد من الأسلحة الإستراتيجية، وما أشبه ذلك.

فمن الضروري أن يكون للمرجع الديني إطلاع كافٍ حول هذه الأمور، والتطوّرات التي تجري من حوله، حتّي لو لم تصطبغ بالصبغة الإسلامية.

ومن ثمّ يكون للمرجع موقف محدد من هذه التطورات إمّا سلباً أو إيجاباً، بالتأييد أو الشجب أو ما أشبه ذلك مما يناسب المقام ()، وذلك للأسباب التالية:

1 _ لأن التدخل في هذه القضايا هو جزءٌ من مقام الفقيه الذي يتصدّي لأعمال النيابة العامة، والإمام كما نعلم هو ذلك الإنسان المرتبط بأمور الدين والدنيا.

2 _ لأنّ الناس يرتبطون بالمرجع الذي يلم بما حوله والذي يمتلك موقفاً محدداً من الأحداث والتطورات، ومن خلال ذلك يرتبطون بالدين.

وإذا افتقر المرجع للرؤية المعاصرة للأحداث، فإنّ طبقة من

الناس وهم المثقّفون سيتركون المرجع ويتبعون من له موقف ورؤية في هذه الأمور.

وقد يعترض البعض ويقول، ليس من المناسب للمرجع أن يتدخل في أمور لاتهمه ولا هي من اختصاصه.

وفي الجواب نقول: إنّ مصدر هذه الشبهة هو انصراف بعض الماضين إلي الأمور الفقهية وترك هذه الناحية، فإذا عادوا واهتموا بهذه التطورات، فإنّه سيتحوّل إلي عادة، ويتقبّلها الناس شيئاً فشيئاً.

10 القواعد العريضة للحياة

هناك قواعد ضرورية للحياة لابدّ للمرجع من الالتزام بها، وهي قواعد تساعده في اتخاذ القرارات في اللحظات الحرجة، وعندما ينتابه الشك في فعل شيء أو تركه، ولا تصل الشواهد والمؤيدات في أحد الجانبين إلي اطمئنانه وسكون نفسه، فاللازم أن يضع مسبقاً خطوطاً عريضة ومناهج عامة وقواعد كلية لحياته، فمثلاً:

• يكون الأصل عنده الشجاعة، فكلما شك في الإقدام والإحجام رجع إلي أصل الإقدام.

• الأصل عنده الناس وليس الحكومة أو الحاشية.

• الأصل عنده العطاء، وكلما شك في العطاء أو المنع، رجع إلي أصل العطاء.

• الأصل هو حسن الظن فكلّما شكّ في إنسان أجري أصالة كونه إنساناً حسناً، وهكذا دواليك.

فاتباع هذه القواعد يساعد كثيراً علي اتخاذ القرارات الحازمة، وينقذ الإنسان من حالة التردد، لأن تردده في الأمور يوجب انحطاطه وإضعاف شخصيته، ومن ثم سيعود عليه بالضرر، وعلي الإسلام والمسلمين بالكوارث.

وقد ورد في جملة من الأحاديث أنّ الأئمة ع قالوا: في جواب من قال: علي مَ بنيت أمرك؟.

قال: بنيتُ أمري علي كذا وكذا () وهذه إشارة إلي أهمية الخطوط العامة والعريضة في الحياة.

11 الرجال المصلحون

بشكل طبيعي تتعدّد المرجعيات في عالمنا الشيعي، ولما كان لكلّ مرجع وجهة نظر خاصة في نشر الإسلام والحفاظ علي كيان المسلمين، فقد تتصادم وجهات النظر هذه وقد تختلف الآراء عن حسن نية وكثيراً ما يستغل بعض الجهلاء أو المغرضين هذا التصادم ويثيرون البلبلة بين المراجع مما سيترك آثاراً وخيمة علي المرجعية الدينية وعلي أبناء الأمة.

لذا كان من الضروري أن يقوم المراجع بتعيين رجال للتقريب فيما بينهم كواسطة للتفاهم وتوحيد وجهة النظر للحد من التصادم الذي قد يندلع بفعل العوامل الخارجية.

وكلما كان رجال التقريب والإصلاح ما بين العلماء واعين لمسؤولياتهم غير منحازين لطرف علي حساب طرف آخر

كانوا أقدر علي حل العقد التي قد تنشأ علي الساحة الإسلامية. وبالتالي ستكون المرجعية سداً منيعاً ضد مخططات القوي الأجنبية والمحلية، والعناصر الفوضوية، التي همها إثارة الفتن وخلق الاختلافات الوهمية بين المراجع.

12 العمل في كل الأحوال

إنّ مسؤولية المرجع باعتباره نائباً عن الإمام المعصوم (ع) مسؤولية كبيرة، وإنّ هذه المسؤولية تحتِّم عليه العمل بلا انقطاع، ومواصلة الجهود بلا كلل، في فترات الشدة والرخاء والكبت والإرهاب.

فإذا لم يستطع العمل داخل البلاد بسبب الأوضاع السياسية، عليه أن يستعين بالكتمان كطريق مأمون للعمل دون إلحاق الضرر بنفسه أو بمؤسساته. وقد قال سبحانه: ?يكتمُ إيمانَهُ? (). وفي الحديث الوارد: (التقية ديني ودين آبائي) ().

والاستعانة بالكتمان هنا ليس المقصود به العمل السري بالمفهوم الغربي.

وفي حالة استحالة العمل في البلاد الاستبدادية، عليه أن يهاجر إلي بلاد فيها متسع من الحرية ويستمر بنشاطه من هناك، وإن كان الأفضل بقاءه في تلك البلاد علي رغم معاناته فيها بشرط أن ينقل مركز ثقله في الصراع إلي البلاد الحرة ويقوم هو بعملية توجيه ذلك الصراع.

أمّا كيفية العمل فهو مرهونٌ بالزمان والمكان والظروف التي تحيط بالعمل.

13 التوسع في الأجهزة

من الضروري جداً أن لا يكتفي المرجع بالموجود من الأعمال والأنشطة، فعليه أن يفكر بتوسيع العمل أفقياً وعمودياً، وذلك:

1 _ بالإكثار من المدارس العلمية، حتّي يصبح في كلّ مدينة حوزة علمية تتناسب مع عدد أفرادها.

2 _ الإكثار من الخطباء والوعاظ والمرشدين وأهل المنابر.

3 _ تشجيع الشعراء الإسلاميين وإنشاء جمعيات لرعاية شؤونهم.

4 _ توفير سبل دعم المؤلّفين والكتّاب، والإكثار من أعدادهم، وذلك بإنشاء دورات خاصّة بهم، وتأسيس جمعيات ترعي شؤونهم الحياتية، وفتح مجالات العمل لهم.

5 _ إنشاء لجان لتقصي الحقائق عن المسلمين في مختلف البلاد الإسلامية، ومساعدة هذه اللجان للقيام بأسفار عمل داخل البلاد الإسلامية.

6 _ تشجيع الوقف الإسلامي الذي يستفيد منه طالب العلم.

7 _ إنشاء المؤسسات الثقافية والصحية والاجتماعية والتربوية، وما أشبه ذلك، وتقوية الجانب الديني فيها.

8 _ إيجاد اللجان الإصلاحية لمختلف أجهزة الدولة، ولمختلف مرافق

الحياة كما ذكر في البند» 7 «.

9 _ رفع مستوي الدراسة لدي الحوزات العلمية، وتشجيع الشباب المثقف للانخراط في هذه الحوزات.

10 _ تفقد أمور العتبات المقدّسة والمساجد والمكتبات والمدارس والمعاهد، ورعاية شؤونها.

11 _ تطوير وسائل الدعوة إلي الإسلام، بإنشاء محطات إذاعية وتلفازية تنشر عبر الهواء معالم الدين إلي كافة أنحاء العالم ().

14 الاحتياط اللازم

العمل الاجتماعي يفرض علي القائمين به اتخاذ الاحتياطات اللازمة، فهناك أحداث قد تحدث في المستقبل القريب، فكان لابد من أخذ الحيطة لذلك.

والمرجع باعتباره علي رأس هرم الإصلاح الاجتماعي وهو المسؤول عن الحفاظ علي القيم الإسلامية، فكان عليه أن يأخذ الإجراءات الاحتياطية.

مثلاً: إذا كان المرجع يعيش في بلدٍ إسلامي له علاقة ببعض المجلات والجرائد ووكالات الأنباء ودور النشر وشخصيات فاعلة في الساحة العالمية، استفاد من هذه الإمكانات عند الحاجة.

صحيح أن مثل هذه العلاقات يحتاج إلي صرف وقت ومال وفيرين، لكن الفائدة المتوخاة من هذا الصرف كثيرة جداً، إذ لولاها لربما أُودي بالإسلام، أو ضعف ضعفاً قاتلاً، مثلاً: لنفرض أن ما يأتي المرجع من المال ألف دينار وأن الارتباط يحتاج إلي عشر هذا المبلغ، ولنفرض أن الكارثة إذا أصابت العالم الإسلامي فإنها ستنسف جميع مقوماته، وحتي الألف دينار التي تأتي المرجع تذهب دون رجعة، أليس من الأفضل صرف مبلغ العُشر للحفاظ علي الألف وللحفاظ علي مقدرات العالم الإسلامي؟.

15 نبذ الجمود والتقليد

كما أنّ المطلوب التغيير الواقعي ولكن في ضمن الأطر الشرعية، كذلك من المطلوب إحداث التغيير الشكلي أيضاً، فعلي المرجع أن ينبذ التقليد ويحارب الجمود، ويسلك طريق الإبداع في اختيار الأسماء والمسميات والألقاب، وما أشبه ذلك.

فليس من الضروري اعتماد الشكل القديم في ترتيب الرسائل العملية وفي الكتب الفقهية، فمع تطور فن الطباعة لابدّ من إضافة الجوانب الفنية إلي الرسائل العملية، حتي تصبح أكثر جذباً للناس.

كما أن من الضروري تغيير طريقة التدريس والاستعانة بالتطور التكنولوجي في تدريس مادة الفقه والأصول، فيصبح ذلك أوفق وأقدر علي إيصال المعلومات ().

16 انتهاز الفرص

قال الإمام أمير المؤمنين (ع): (إضاعة الفرصة غصة) () أي عندما تمرّ دون الاستثمار ستتحول إلي غصة في حياة الإنسان، يبقي يلوم نفسه طيلة عمره.

وجاء في الحديث: (الفرصة تمرّ مرّ السحاب، فانتهزوا فرص الخير) ().

والفرص كثيرة في الحياة، فهي علامات شاخصة في حياة الأفراد وفي حياة المجتمعات.

فكما علي الفرد مسؤولية الاستفادة من الفرص التي تتهيأ له في الحياة، كذلك علي المجتمع أن يستثمر الفرص التي تمرّ في حياته، والمناسبات هي في الواقع فرص ذهبية يجب المبادرة إلي استثمارها قبل ذهابها.

فكان علي المرجع الديني مراقبة المجتمع والتدخّل عندما تحين الفرصة سواء كانت فرصة حزن أو فرصة فرح. ففي الفرص المثيرة للحزن كالزلازل والكوارث الطبيعية يجب أن يبادر المرجع لدعوة الناس إلي التضامن والأخوة، وإلي مدّ يد المساعدة للآخرين، وإلي التذكير بقدرة الله وعظمته، والتذكير بالموت والحساب والعقاب والآخرة، وما شابه.

وفي مناسبات الفرح كالأعياد يجب أن يذكَّر المرجع بالمعاني السامية التي تتضمنها هذه الأعياد كعيد الأضحي وعيد الغدير، وبذلك يكون للمرجعية دور مؤثّر في كل حدث وحضور دائم في المجتمع في مختلف المناسبات وفي مختلف الفرص.

17 استثمار المناسبات

تعدّ المناسبات من الفرص المهمة لتعبئة المجتمع نحو أعمال الخير، ومن الأفضل أن تمتد هذه المناسبات لأكثر من يوم علي الأقل، بأن يكون هناك أسبوع يتفرّغ فيها لهذه المناسبة.

فعلي المرجع تقع مسؤولية خاصّة في الإعداد لهذه الأسابيع، لتعبئة الأمة إلي التعلق بالإسلام.

مثلاً: في شهر ربيع الأول، يخصص أسبوع لعرض الكتب والتأليفات والدراسات الخاصة بالمولد النبوي الشريف، وفي أول شهر رجب تقام حملة لجمع التبرعات خلال الأسبوع الأول منه.

ثم أسبوع من شهر رمضان المبارك حملة لإرسال المبلغين، ولا يشترط تفريق الأسابيع وإنما الشرط تخصيص الأسابيع، فمن الجائز أن يجعل أول شهر ربيع

المولود أسبوعاً للتأليف بالنسبة إلي المؤلفين ومن إليهم، وفي الوقت نفسه يجعل الأسبوع نفسه موعداَ لحملة اقتصادية تقوم بها لجنة الاقتصاد المرجعي، وهكذا.

ولا يخفي ما لهذا التخصص من فوائد جمّة، من النظام والانبعاث والإنتاج ودوام الحركة الموجبة لزيادة النشاط وغيرها.

18 تحكيم الأحكام الخمسة

المرجع حيث أنه القائم علي الأحكام الشرعية، فاللازم عليه ملاحظة الأهم والمهم من الأحكام، فإذا رأي منكراً غيَّره، وإذا رأي معروفاً متروكاً أثبته، وإذا رأي سنة مهجورة بمعني الشعائر التي هي شعائر المسلمين وبها قوامهم أقامها، وبعد ذلك يأتي دور سائر الأحكام الخمسة، إما أن يستنفد المرجع بعض قواه، أو يستنفد بعض قوي المجتمع في مالم يكن من الأمور الثلاثة المتقدمة» حتي لا تبقي له قوة لتطبيق الأمور الثلاثة أو لا يكون المجتمع مستعداً للإطاعة بعد أن أطاع في المندوب «فهذا ليس محبذاَ.

مثلاً: إذا كان هناك إنساناً لا يستعد أن يبذل مالين، مالاً لحج مندوب، ومالاً بعنوان الخمس، كان علي المرجع أي يهتم بأن يخمس، لا أن يهتم بأن يحج، ثم يبقي الخمس في خبر كان.. فلذا يلزم علي المرجع أن يقدر طاقاته، ويقدر طاقات المجتمع، ثم يري كم مقدار الواجب الملقي عليهم، فإن رأي فائضاً في قدرته أو قدرتهم اشتغل بما ينبغي وما لا ينبغي، وإلاّ فلا يصرف الطاقة في المهم، فيبقي مكان الأهم فارغاً، كالذي يحرّض الناس علي السهر ليلة الجمعة، فإذا صار الصبح ناموا عن الصلاة الواجبة.

وليس مرادنا، قياس واجب واجب، إلي مندوب مندوب، بل المراد قياس المجموع بالمجموع، وانه إذا كانت الطاقة بقدر الأمرين اشتغل بهما، وإلاّ اشتغل بالواجب فقط، وهكذا بالنسبة إلي الأهم والمهم.

مثلاً: إذا كانت مدينة كربلاء المقدسة تحتاج إلي مدرسة علمية دينية، وإلي مكان لنزول المواكب فيها كل

سنة ثلاثة أيام، وكان هناك ثري يستعد لأحد الأمرين، كان اللازم توجيه المرجع لذلك الثري إلي بناء المدرسة.

19 كل شيء من أجل الهدف

هدف الإنسان هو أسمي من كل شيء، وهو يضحي بكل شيء من أجل هدفه. فالجندي في الجبهة يضحي براحته ونومه من أجل هدفه، بخلاف الجندي الذي يعيش في المدينة، حيث هو بعيد عن الحرب، فلا داعي للتضحية براحته.

كذلك يلزم علي المرجع أن يزاحم بهدفه كل العادات والاستراحات، ولما كان الهدف هو خدمة الإسلام، وإعلاء كلمة الله في الأرض، وتقديم المسلمين إلي الإمام، فإذا توقف ذلك علي السهر أو التعب أو الجوع، أو ما أشبه ذلك. فاللازم أن يقدّم الهدف ويترك الراحة، وإلاّ لم يكن ناجحاً، ثم أنّ اللازم في الهادف أن يقدّر تقديراً دقيقاً الفاصل بينه وبين الهدف كما يقدّر السائق المسافة بينه وبين مقصده، ويتزود بالوقود بمقدار إيصاله إلي هدفه، ويري ما هي المقدمات للوصول إلي الهدف؟ ثم يستعد في تهيئة تلك المقدمات، وإلاّ فقوله: إنّ تطبيق الإسلام هو هدفي من دون ملاحظة تلك الأمور كلام غير منتج، قال الله تعالي: ? وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ? () ويكون حال من يقول: أريد الهدف ولا يعمل بقدر مستواه، حال من يقول: أريد الذهاب إلي مدينة النجف الأشرف ثم لا يعدّ للذهاب المركب وسائر اللوازم.

20 الإعلام عن المرجعية

بعض المراجع يظنون أنّ الإعلام هو نوع من الدعاية دافعها حبّ الشهرة والظهور، وهي صفة مذمومة لا تليق بالمرجع الذي ينبغي له أن يكون زاهداً عازفاً عن الدنيا وزخارفها وزبرجها.

وهذا خطأ كبير، ومنشأ هذا الخطأ هو الخلط بين حب الشهرة وبين الإعلام لأجل إقامة الحق.

ونحن نجد في التاريخ أن الأنبياء كانوا يشيدون بأنفسهم ويعلنون عن أسمائهم علي منابر إعلامية تنفيذاً لأوامر الله سبحانه وتعالي. فهذا جبرائيل يأتي من الله سبحانه بصورة الأذان، وفيها أشهد أن محمداً رسول الله،

ويأمر رسول الله (ص) بأن يعلن عن ذلك في أوقات الصلاة.

وهذا الإمام أمير المؤمنين (ع) يقول في خطبته الشقشقية:

(أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل ولا يرقي إليّ الطير) ().

ويصف الإمام نفسه قائلاً:

(وإنّ إمامَكم قد اكتفي من دُُنياه بطمرَيهْ () ومِنْ طٌعمِه () بقُرصيه) ().

إن دافع الإمام ليس هو حبّ الشهرة، وإنما إظهار الحق، لدفع الناس إلي التمييز بينه وبين الباطل، ولأجل اقتداء الناس بهم عندما يعرفون شخصيتهم، والأخذ بأقوالهم، فكيف يمكن الإقتداء بشخص لا يعرفه الإنسان ولا يعلم مزاياه.

إنّ الإعلام لأجل إشاعة الحقّ ونشر الإسلام وبثّ الفضيلة من أفضل القربات، وبذلك يكون الإنسان أقدر علي الهداية وأكثر أشياعاً وأنصاراً إلي الله سبحانه، حتي يكون أقدر علي العمل.

وكان قائد ثورة العشرين الميرزا محمّد تقي الشيرازي» قدس سره «يوقع تحت رسائله رئيس الأمة الإسلامية، ولا ضير في ذلك، ولا يعني ذلك حب المناصب والزعامة بل هو إحقاق للحق، لكن اللازم أن لا يخلط الأمر، فالذي ينوه عن نفسه إذا أراد الله بذلك نوه عن زميله أيضاً. أما إذا أراد الدنيا باسم الدين نوه عن نفسه فقط، بل ربما هيأ وسائل تحطيم غيره ممن في رتبته أو أعلي منها، والفارق هو القصد والنية، ولهما آثار قد تظهر علي السلوك.

21 التقرير العام

من الضروري أن يعد المرجع تقريراً سنوياً عن أنشطته والأعمال التي قام بها. فمثل هذا العمل سيحفزه للمزيد من الأعمال هذا أولاً، ويكبّر الدين في أعين الناس ثانياً، ويجد مساعدين لمهماته التي ينوي إنجازها ثالثاً، بالإضافة إلي أنّ ذلك مما يدفع الاتهام بالكسل والخمول أو بالإفراط والتفريط عن علماء الدين، ثم يجمع التقارير مزودة بالوثائق والصور

والأرقام كل خمسة أعوام مثلاً ثم ينشرها في كتاب ليصبح سجلاً للأعمال ونقطة اقتداء يقتدي به الآخرون.

22 سنّة الصراع

الحياة كلها صراع: ?وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ? ().

والحياة ساحة ابتلاء لمعرفة مدي طاعة الإنسان وإيمانه، وعلي هذا الأساس، فإن المرجع الديني باعتباره نائباً عن الإمام المعصوم (ع)، فهو يتعرض إلي حملات عدائية من مختلف القوي، فكان عليه أن يصمد في هذا الصراع ويواجه أعداءه بقوة الإيمان والعزيمة.

وعلي المرجع أن لا يعتقد بأن دخول الصراع ليس من شأنه، وأن في الصراع ضعف الإسلام، بل بالعكس أن الدخول في الصراع مع القوي التي تحارب الإسلام هو قوة للإسلام وتقوية للمؤمنين، لكن يجب أن يكون المرجع حذراً وأن لا يؤخذ علي حين غرّة، وأن يكون عارفاً بأساليب الأعداء وطرقهم الخبيثة في الحرب النفسية.

نعم، يجب أن يكون المرجع الطرف المدافع ابتداءً، فعليه أن لا يبتدئ بالهجوم، لأنه ليس من صفات المؤمنين العدوان.

فإذا هوجم، فعليه أن يقف موقف الباسلين للدفاع عن حياض الإسلام. وإذا غلب علي عدوه فعليه بالعفو، لأن العفو عند المقدرة فضيلة.

والإحسان هو سبيل آخر لفض النزاع مع الفرقاء الذين يختلفون في أمور ثم يجتمعون في أمور أخري.

وقد قال أمير المؤمنين (ع): (عاتب أخاك بالإحسان إليه) ().

وعلي هذا، فاللازم أن يكون المرجع شديد التحسس وأن يكون عارفاً بأعدائه، فإن كانوا يشكلون جبهة عريضة، فعليه أن يقابل الفعل بالمثل.

وأما إذا كان عدوه شخصاً واحداً ينازعه لطمع في المال أو طمع في الجاه، فالأولي له العفو. لأن العفو هو نوع من الإحسان الذي يترك أثره حتي علي أعدائه.

ومن أجل الاقتدار علي خوض غمار الصراع، علي المرجع أن يكون ملماً بأساليب الصراع: من غسل الدماغ والحروب الباردة المنظمة المبنية علي

الأسس الحديثة.

وعليه كذلك: أن يكون محتاطاً أشد الاحتياط، في إعلان الصراع، وفي كلّ كلمة يقولها.

إنّ الهدف الذي يسعي المرجع من أجله هو هدفٌ مقدس، فهو يحارب من أجل تقوية الإسلام والمسلمين، بل وسحب القوي المعادية إلي حظيرة الدين، فاللازم أن تكون حربه حرباً نظيفة إلي أبعد الحدود، وتكون بقدر الاضطرار كالاضطرار إلي أكل لحم الميتة.

وعلي أي حال: ليست معركته مع أعدائه بقصد الانتقام، وليست نابعة عن حقدٍ وعداوة شخصية.

23 تفاوت الأفراد

المرجع بين مشكلتين: مشكلة تفاوت الأفراد في الخدمة والدراسة وما أشبه، ومشكلة توقّع المتأخرين الاحترام بقدر المتفوقين، فإذا قسّم المال بقدر مراتبهم، غضب ذوو المستويات الهابطة، وإذا ساوي بينهم ظلم المتفوقين، وهكذا في إيكال الأمور والاستخدام والتقريب والاحترام.

فاللازم أن يكون المرجع لبقاً في الخروج من هذا المأزق بسلام، بأن يعطي حق المتفوق ولا يثير غضب وحقد ذوي المستويات المنخفضة، وأحياناً يحتاج الأمر إلي شيء من الكتمان، أو إلي إيصال الحقّ أي حق كان إلي المستحق بواسطة، وبدون أن يعرف الناس أنّ الإيصال كان من المرجع.

مثلاً: إذا كان للمرجع مجلس والمجلس بحاجة إلي خطيب، وكان هناك خطيب أنفع للناس والإسلام، فإذا خصّ المرجع هذا الخطيب أثار غضب الخطيب الآخر، فكان عليه أن يختار أسلوباً لبقاً في الاختبار، وذلك بأن يشير علي بعض المعتمدين باختيار الخطيب الأفضل، وهكذا.

24 المرجع والأمة

بناءً علي المرويات وما أخذ به شيوخنا حتّي الآن تعتبر المرجعية قيادة دينية لدفع الناس إلي أعمال الخير والسعادة.

وفي مقابل ذلك هناك العديد من الأشخاص في المجتمع من المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام أو غلبت عليهم الأهواء أو غير المسلمين ممن تتضارب مصالحهم والإسلام ممن يعمل علي سلب هذه القيادة وحصرها بنفسه إما لدعوة الناس إلي فكرة معينة أو رغبة منه في السيطرة والتحكّم والاستعلاء، ويتخذ هؤلاء دائماً من التهريج والكذب والتهم والهمز واللمز وسيلة لتثبيت مركزهم، وأحياناً تصل الوسيلة إلي المال والقوة.

وفي بعض الأحيان يلتف حول هؤلاء أناس طيبون انخدعوا بالشعارات المضللة التي يطلقها هؤلاء.

فعلي المرجع أن يعي أساليب هؤلاء وأن لا تنطلي عليه ألاعيبهم، فعليه:

أولاً: تحصين قاعدته من عوامل الضعف والجهل، وحمايتها من الدعايات والتهم والأساليب الشيطانية التي يمارسها الأعداء.

ثانياً: سدّ الثغرات في المرجعية، لأنّ أية ثغرة

في المرجعية سيستغلها الأعداء، وسينفذون من خلالها.

ثالثاً: ملء الفراغات التي يمكن من خلالها يستطيع الطامعون بالقيادة من السيطرة.

مثلاً: إذا أهمل المرجع موضوع النشر والتوزيع للكتب، فإنّ من يريد القيادة سيستطيع أن يفرض سيادته من خلال هذه الكتب.

وإذا أهمل الجانب الإعلامي، فإنّ الطامع في القيادة سيحاول استثمار الصحف والإذاعات للنفوذ داخل المجتمع.

رابعاً: إبعاد العناصر المندسة والعناصر الانتهازية من دائرة المرجعية، فهناك البعض من المنحرفين يحاول في بداية الأمر أن يساير المرجع، وبمجرد أن يقوي ويشتد عوده يعلن انفصاله عن المرجعية.

خامساً: الصمود في موقع المرجعية وعدم الانسحاب أو التنازل عند اشتداد الضغوط علي المرجع، لأن المرجعية ما هي إلاّ أمانة، فلابدّ أن يؤدي المرجع هذه الأمانة حقها بعدم التنازل عنها.

فصل

1 رفع مستوي الطلاب

طلبة العلوم الدينية هم القاعدة التي تقوم عليها المرجعية الدينية، فمن هؤلاء الطلبة سيتخرج وكلاء المرجع، ومنهم سينتشر العلم والفضيلة بين أبناء المجتمع، ومن وسطهم سيبرز الخطباء والكتّاب والعلماء، لذا لابدّ من الاهتمام بهم، لأنّ الاهتمام بهم سيؤدّي إلي ظهور مرجعية قويّة مؤثّرة في المجتمع الإسلامي.

ورفع مستوي طلبة العلوم الدينية هي من المسؤوليات الأولي للمرجع. وليس رفع المستوي حصراً علي الجانب العلمي بل يشمل الجوانب الأخري كالثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية حتي يكون الطلبة ذوي مستوي ثقافي عالٍ ويُصبحوا في أفق لا بأس به من العلوم الدينية والسلوك الديني.

ولابدّ من رعايتهم رعاية تامّة في الجانب المعيشي، وفي الجانب الصحّي، حتّي يصبحوا أغنياء النفس، أقوياء الروح، أصحاء البدن، وحتّي يتبوأوا مكانة مرموقة في المجتمع ينظر إليهم بالتقدير والإكرام.

وحتّي يصبحوا أصحاب فضائل وملكات نفسية رفيعة، فينشروا الخير في وسط المجتمع، من خلال الدور الذي يقومون به، كعالم ديني أو خطيب حسيني أو كاتب إسلامي. فكلٌ داخل موقعه يصبح قدوة حسنة

للآخرين فيقتدي به الآخرون، وفي ذلك تقوية للدين وإعزاز للمسلمين ونشرٌ للفضيلة وانتشالٌ من مهاوي السقوط والهبوط.

وبذلك يستطيع المرجع عبر هذا الجمع من الطلاب ذوي المستويات العليا، أن يحقّق رسالته في الحياة، وبالتالي يصبح ذخراً له في آخرته أيضا.

ولا يتحقّق هذا البرنامج إلاّ بجهود كبيرة، لابدّ للمرجع من صرفها في هذا المضمار، وتشغيل الطاقات وكلّ الأجهزة الممكنة، وإلاّ فإنّ عوامل النخر ستأتي علي هذه الطبقة، لتصيبها بالتسوس والانحطاط، وعند ذلك ستصعب عملية الإصلاح.

2 رعاية شؤون أهل العلم

يصرف طالب العلم الكثير من جهوده وإمكاناته في تهيأة البيت والاستيجار ودفع فواتير الماء والكهرباء وأجور النقل.

لذا كان من الضروري أن يعمل المرجع علي توفير هذه الحاجيات حتي يستطيع طالب العلم من التفرغ إلي طلب العلم.

وهناك مجالات يجب أن يتحرك فيها المرجع:

الأول: إسكان طلاب العلم بصورة مجانية، وذلك بتشكيل لجنة تقوم بجمع الأموال التي يحتاجها مشروع الإسكان من أموال الموسرين، أو الحصول عليها من القروض التي يمكن الوفاء بها من أموال الحقوق الشرعية.

الثاني: التخفيف من كاهل أهل العلم، وذلك:

1 _ إقناع السلطات بضرورة إلغاء أجور الماء والكهرباء وما أشبه ذلك عن أهل العلم، وعن المؤسسات الدينية بصورة عامة إذا لم يكن محذور في ذلك.

2 _ إقناع إدارة النقل والمواصلات للتخفيف من أجور النقل.

3 _ إقناع الجهات الطبية والتعليمية بإلغاء أجور العلاج وأجور التعليم عن أهل العلم أو تخفيفها.

4 _ توفير بعض الإمكانات التي يمكنها أن تدر أرباحاً إذا ما تم تشغيلها من قبل عائلة طالب العلم، من هذه الإمكانات: مكائن التطريز والخياطة.

5 _ توفير بعض الأموال وإعطاؤها لطالب العلم كقرضة حسنة لاستثمارها في أمور المضاربة، ثمّ إعادة المبلغ» الرأسمال «إلي أصحابه بعد أمد طويل.

6 _ إنشاء صندوق للإقراض، لإعطاء القروض إلي طلاب

العلوم دون استيفاء الفوائد.

7 _ تشغيل طلاب العلوم الدينية في أمور تحسن مسيرتهم العلمية كتحقيق الكتب الخطية، وتصحيح الكتب التي يراد طباعتها، وذلك يدرّ علي طلاب العلوم بعض الأموال التي يمكن أن تسد بعض النفقات.

8 _ إنشاء الهيئات المختلفة، كهيئة لبناء البيوت وهيئة لشراء الحاجيات اليومية وتوزيعها علي طلبة العلوم الدينية بأسعار مناسبة لا تسبب تضخماً لدي طالب العلم.

9 _ تشغيل أبناء طالب العلم في الأعمال المربحة، وبالأخص في فترات العطل الرسمية.

10 _ إجراء المسابقات النقدية للمتقدمين من طلاب العلوم الدينية.

3 إيجاد أماكن للراحة

طالب العلم هو إنسان لا يختلف عن الآخرين في كونه إنساناً، فهو يتعرّض إلي مشاكل نفسية ويصاب بالتعب والإرهاق، فكان لابد له من ساعات ترفيهية يقضيها طالب العلم هو وعائلته في جوٍ إسلامي لإزالة ما علق في نفسه من تعب وإرهاق.

فكان علي المرجع الديني أن يفكر في إنشاء أماكن استراحة سليمة يستطيع أن يتمتع بها طالب العلم هو وعائلته، لأنّ الكثير من أماكن الترفيه لا يستطيع طالب العلم ارتيادها لأسباب أخلاقية، من هنا كانت الضرورة تُحتم إنشاء هذه المراكز الخاصة بطلاب العلوم الدينية حفاظاً علي الصحة النفسية لطلاب العلوم هم وأبنائهم وعوائلهم.

ومع عدم وجود مثل هذه المراكز سيكبت طالب العلم نفسه أو سيضطر إلي صرف أوقاته الثمينة في أمور غير نافعة، بل قد تكون مضرّة في بعض الأوقات.

4 تجديد مناهج الحوزة

يعتمد منهج الحوزة العلمية علي كتب دراسية يعود أعمارها إلي حوالي سبعمائة سنة كشرح التجريد للعلاّمة الحلّي» قُدّس سرُّه «كحد أقصي وحوالي سبعين عاماً كحدّ أدني مثل كتاب الكفاية للآخوند الخراساني» قُدّس سرُّه «.

ولاشك أنّ هذه الكتب تمتاز عن بقية الكتب بأنّها علي مستوي عالٍ من الدقّة والإتقان، وأسمي مرامي الهدف والمقصد، وأقوي مدارج الكمال والاستدلال، لكنّها كتبت بأسلوب قديم وباتت طريقة التدريس قديمة غير ملائمة للعصر الحاضر، لذا كان من مسؤولية المرجع العمل علي تغيير أساليب التدريس وإخراج هذه الكتب بثوب جديد، وهو عمل شاق يتطلب وقتاَ طويلاً وجهداٍَ كبيراَ. لكنّ همّة المرجع ومعاونيه هي التي تقصر المسافة وتقلل من الزمن إلي بضع سنين.

أضف إلي ذلك، فإنّ هناك علوماً معاصرة من الضروري إدخالها في الحوزات العلمية والقيام بتدريسها، كالسياسة والاقتصاد، فلابد من إدراج هذه العلوم في مناهج الحوزة حتي لا يتأخر طالب العلم عن ركب الحضارة

المعاصرة.

فالإبقاء علي القديم وعدم تطوير المناهج، سيتسبب في انغلاق طلبة العلوم الدينية، وانكفائهم علي أنفسهم، وعدم قدرتهم علي التجاوب مع الأحداث المعاصرة، الأمر الذي يجعلهم في عزلة عن الناس فلا يستطيعون حل مشكلاتهم من الوجهة الدينية.

5 العناية بالقرآن الكريم

القرآن هو الكتاب الأوّل للمسلمين، وهو الجسر إلي سعادتهم في الدارين في الدنيا والآخرة.

وما نراه اليوم من بؤس وشقاء وظلم وما شابه، فهو بسبب ابتعاد المسلمين بصورة خاصّة والبشرية بصورة عامّة عن القرآن الكريم.

لذا يجب علي المسلمين بصفة عامّة والمرجع باعتباره متصدّياً لأمور الأمّة بصفة خاصّة أن يهتم بالقرآن الكريم في مختلف الأبعاد، من طبعه، ونشره، وتفسيره، وترجمته إلي اللغات الحيّة التي لم يترجم إليها.

ثمّ تدريس مادّة علوم القرآن في الحوزات، وجعل تفسير القرآن مادّة أساسية في برامج التدريس كالفقه والأصول، فيجب علينا أن نعطي لهذا الكتاب العظيم الرعاية الكافية، وإلاّ سنظل نجرّ أذيال التخلّف، وليس أدل علي إهمال المسلمين للقرآن الكريم، إنّ كتاباً لأحد رؤساء الدول ترجم إلي خمسمائة لغة، وبلغت النسخ التي طبعت في إحدي اللغات مائتي مليون نسخة، بينما لا يتجاوز عدد اللغات التي ترجم إليها القرآن أكثر من عشرين لغة، ولا يزيد عدد النسخ التي تمّ طبعها من المصحف الشريف عشر ما تمّ طبعه من الكتاب المذكور.

6 تطوير الفقه

من واجبات المرجع الديني العمل علي تطوير الفقه بما يلائم العصر الراهن مع الحفاظ علي جوهره.

وإذا ما دققنا المصادر الفقهية لوجدنا أنّها تطوّرت كثيراً عمّا كانت في السابق، وقد مّرت بعدة مراحل:

المرحلة الأولي: حيث تبلور الفقه في الكتب الأربعة () المشهورة وغيرها من الكتب الأخري.

المرحلة الثانية: حيث تطوّر الفقه إلي كتاب» الشرائع «ونظائره.

المرحلة الثالثة: حيث تطوّر الفقه علي يد الشيخ مرتضي الأنصاري ? في كتاب المكاسب والرسائل.

المرحلة الرابعة: حيث تطوّر الفقه علي يد السيد اليزدي وأمثاله ? في كتاب العروة الوثقي وغيرها.

ولابدّ من خطوة خامسة في تطوير الفقه يلائم المستجدات والمتغيّرات التي طرأت في الوقت الراهن.

وتتوقّف عملية التطوير هذه علي الخطوات التالية:

1 _ المعرفة

الكاملة بالفقه علي سعته في أبوابه المختلفة.

2 _ المعرفة الشاملة بالظروف الراهنة والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ونحوها.

3 _ القدرة علي أداء الأسلوب الملائم الجامع بين الأمرين.

وتتوقّف هذه الخطوة علي ما يلي:

أ _ معرفة كتب القانون.

ب _ الإطّلاع علي الأساليب الكتابية الحديثة.

إذن: تطوير الفقه يشتمل علي المضمون والأسلوب معاً، فالمضمون يأخذ بالتقدّم العلمي والتطوّر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الاعتبار مع الحفاظ علي الأطر الشرعية الثابتة.

والأسلوب يعمل علي تدوين المسائل الفقهية كما تدوّن القوانين.

7 تعلّم اللغات الأجنبية

الإسلام هو دين عالمي، والمجتمع الإسلامي هو مجتمع واسع يضم مختلف الأمم، ويتكلم المسلمون بشتي اللغات.

لذا كان من الضروري تعلّم اللغات المختلفة إلي جانب اللغة الأصلية.

هذا بالإضافة إلي أنّ هناك أمماً في العالم من غير المسلمين، وهم أحوج ما يكونون إلي معرفة الإسلام.

من هنا كانت الضرورة إلي تعلّم اللغات الأجنبية، وتهيأة المبلغين القادرين علي إيصال صوت الإسلام إلي مختلف البلدان وإلي مختلف الشعوب. ويتحمّل عالم الدين القسط الأكبر من مسؤولية توجيه الأمّة بالأخص طلبة العلوم الدينية إلي تعلّم اللغات الأجنبية، وإنشاء دورات لتعليم اللغات المختلفة، وعندما يقوم العالم بإعطاء الجوائز والمنح للمتفوقين في هذه الدورات، فإنّه بذلك سيدفع بالمزيد إلي الانخراط في هذه الدورات وإلي تعلّم اللغات المختلفة.

8 مصادر الفقه القديمة

وهي كثيرة لا غني عنها، وبعضها غير متداول اليوم بسبب حالتها الطباعية حيث يصعب الاستفادة منها.

فكان لابدّ من تطوير هذه الكتب فنياً، حتّي يمكن تداولها بصورة واسعة، وتطوير هذه المصادر هو جزء من عملية التطوير الشاملة للعلوم الفقهيّة.

ونقترح في مجال التطوير الفنّي للمصادر الفقهية:

1 _ الاعتناء بالطباعة.

2 _ إضافة الشروح والهوامش حتّي يمكن ملاحقة تطوّر المسائل الفقهيّة.

3 _ وضع الموجزات والتمارين في نهاية كلّ فصل.

4 _ وضع فهارس آيات وأحاديث وأعلام وقبائل ومدن وأشعار، والأهمّ من كلّ ذلك وضع فهارس بالمسائل الفقهيّة.

5 _ الاهتمام بالتطوّر الطارئ علي الفقه، مثلاً: توضع قوائم خاصّة في أوّل الكتاب وآخره لمختلف العناوين المتداولة الآن، ويذكر تحت كلّ عنوان المواضيع الفقهيّة المرتبطة بذلك العنوان.

مثلاً: يعنون بعض أبواب الفقه بعنوان» السياسة «ويشير إلي تحت هذا العنوان» كتاب الجهاد «و» كتاب القضاء «.. ويعنون بعض أبواب الفقه ب» الاقتصاد «ويلمح تحته» كتاب التجارة «و» كتاب إحياء الموات «، وهكذا بالنسبة إلي عناوين» الثقافة «و»

الاجتماع «و» التربية «وغيرها ().

9 الاهتمام بالمخطوطات

من الضروري الاهتمام بتراث العلماء الماضين» رضوان الله عليهم «وأعتقد أنّ ما هو موجود في المخطوطات المبعثرة هنا وهناك، ليس بأقلّ من مليون كتاب.

وإنّي لأظن ظناً مستدلاً عليه بشواهد أنّ كتاب الذريعة للعلامة الأجل آية الله الشيخ آغا بزرك الطهراني» قدس الله سره «علي رغم ما بين دفتيه من كتب جمّة إلاّ أنه لم يحتوِ إلاّ علي أقل من العشر من عناوين كتب علمائنا الأخيار.

فهناك عدد كبير من المكتبات العامة والشخصية المنتشرة في أصقاع العالم من اليمن حتّي روسيا مروراً بالهند والباكستان وتركيا وإيران والقفقاز وألمانيا وبريطانيا تتضمن أعداداَ هائلة من المخطوطات الشيعية.

فكان من مسؤولية المرجع الديني باعتباره حافظاً لعلوم أهل البيت عليهم السلام أن يبادر لجمع هذه المخطوطات من الأماكن المختلفة، ويتمّ ذلك من خلال لجنة قوامها مائة باحث ومتخصّص في أمور المخطوطات، وتقوم هذه اللجنة بالتنقل في البلدان التي تحتوي علي المخطوطات الإسلامية للحصول علي هذه المخطوطات أو الحصول علي» ميكرو فيلم «أو الصور الاستنساخية، ومن ثمّ إجراء العمليات التحقيقية علي هذه المخطوطات ثمّ تهيأتها لطباعة.

وإنّي لأظن أنّ المرجع لو تبني هذا الأمر، فإنه سيتمكن من طبع عشرات الألوف من الكتب المخطوطة في مدّة مرجعيته المتوسطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر التشجيع، وذلك بأن يلفت نظر دور النشر وأصحاب الثروة إلي القيام بجوانب من هذه المهمة.

10 رعاية الخطباء

لعل من أكثر عوامل التأثير في المجتمع الخطباء، فهم الذين ينشرون الثقافة الدينية في الأمة، فإذا كانت هذه الثقافة متخلفة فهي تعود بدرجة كبيرة إلي الخطباء، فالخطيب المتخلّف يُنتج ثقافة متخلّفة، بينما الخطيب الجيد يولّد ثقافة جيدة في المجتمع.

من هنا جاءت أهمية رعاية الخطباء، وللمرجع دورٌ كبير في دعم هذه الطبقة المهمة من المجتمع الإسلامي.

وتتم الرعاية

بالنقاط التالية: 1_ تشجيع العناصر الكفؤة في الحوزة العلمية للانخراط في سلك الخطابة.

2 _ إدخال الخطباء إلي دورات تقوية ثقافية وسياسية وإعلامية.

3 _ تعليم الخطباء اللغات الأجنبية.

4 _ إنشاء جمعية الخطباء لرعاية شؤونهم الحياتية.

ويعود هذا الاهتمام بالخطباء لأنهم لسان الإسلام الناطق، والقوة الدافعة له إلي الإمام، والسد المنيع، والمساعدون له في خدمة الإسلام والمسلمين، وهم يعودون بأفضل العوائد إلي المرجع.

والمرجع الذي يستطيع أن يُربي خطيباً معناه بالضبط إضافة جناح إلي أجنحة الإسلام القوية، وهو بمثابة إضافة جندي آخر إلي جنود الإمام المهديr. والإسلام الذي قام علي أكتاف الدعاة في التاريخ، هو أحوج ما يكون اليوم إلي الخطباء التقدميين البارعين في فن الخطابة، العارفين بأصول العمل الإعلامي.

11 تطوير الأجهزة الدينية

يتحتم علي المرجع وضع خطة لتطوير الأجهزة الدينية إلي ما يصلح ويناسب العصر الحاضر مع الحفاظ علي الأطر الشرعية، فإنّ الإسلام إذا أمكن عرضه في لباس العصر تهافت الناس عليه لما فيه من القوة والأصالة والمواكبة للإنسانية والفطرة.

وإذا كان هناك نفورٌ من البعض عن الإسلام في العصر الحاضر فهو بسبب جهلهم به، فالجاهل كالأعمي الذي لا يحس بجمال الزهرة، فهو لا يأبه بها بالطبع لأنّه لا يراها، أمّا إذا فتحت عينه ورأي جمالها أقبل عليها.

والأجهزة الدينية عبارة عن المساجد وأئمتها، والمدارس وطلابها، والمنابر وروادها، ورجال العلم وطريق الاتصال بالناس.

إذن: يجب عرض الإسلام وتطبيقه بما يلائم العصر وبالوسائل الحديثة.

مثلاُ: قد تؤدّي صلاة الجماعة في مسجدٍ جميل البناء، نظيف الأثاث، متكامل الوسائل كالمبردة والمصابيح والفرش وإمام الجماعة حسن القراءة والتجويد من وراء المكبرة بإيجاز يناسب حال المأمومين. وقد تؤدي صلاة الجماعة في مسجدٌ عادي ليس فيه هذه الأمور، فماذا تكون النتيجة؟.

فالشاب يقبل علي الصلاة في الصورة الأولي، بل يتلهف عندما يحين

وقت الصلاة فيهرع إلي المسجد لأداء الفريضة، بينما يتثاقل كثيراً عندما يطلب منه الصلاة في المسجد في الصورة الثانية.

12 الدين والعلم

من أساليب الغرب للسيطرة علي العالم الإسلامي هو دعوته لفصل الدين عن العلم. وسبب هذه الدعوة يعود تاريخياً إلي صراع الكنيسة المسيحية مع علماء الفلك والفيزياء وغيرهم القائلين بكروية الأرض، وأنها تدور حول الشمس وغير ذلك، ففي تعاليم الكنيسة أن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون وأن الشمس تدور حول الأرض و …

بينما أثبت العلماء أن الأرض كروية وأنها ليست مركز الكون بل هي ليست إلاّ جرماٌ صغيراً يدور حول الشمس.

وقد اعتبرت الكنيسة هذه الأقوال خروجاً عن الديانة المسيحية التي تعتقد بأن الأرض التي شهدت ولادة السيد المسيح (ع) يجب أن تكون مركزاً للكون.

من هنا جاء حكم الكنيسة بإعدام العلماء القائلين بكروية الأرض وعدم محوريتها. وقد تسبب هذا الموقف إلي قيام صراع وعداء بين الدين المسيحي والعلم، وظلّ هذا الصراع حتي يومنا هذا.

وقد حاول الغرب نقل هذا الصراع إلي العالم الإسلامي فلم يُفلح في ذلك، لأن الإسلام غير المسيحية.

فالإسلام يؤمن بالعلم، بل يجعل العلم مقياساً من مقاييس التفاضل، فيقول سبحانه: ?هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ? ().

ومن ناحية أخري القرآن الكريم يقول بكروية الأرض.

يقول الله تعالي: ?وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ? ().

والقرآن يقرر أن الأرض ليست مركز الكون: ?وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ? ()

وفي آية أخري: ?لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ? ().

وفي القرآن الكريم دعوة إلي التفكير في سبب اختلاف الليل والنهار يقول تعالي: ?إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيات لأولي الألباب? ().

طبعاً هذا التفكير سيوصله إلي حقيقة كروية الأرض وأنها تدور حول الشمس، وبسبب هذا

الدوران يكون تعاقب الليل والنهار.

وإذا أردنا الحديث حول هذا الموضوع لاحتجنا إلي كتب عديدة، لكن نكتفي بهذا القدر، لنقول أنّ علي المرجع مسؤولية الجمع بين العلم والدين، وذلك بالقيام بأمرين إثنين:

الأمر الأول: بعث علماء الدين وطلبة العلوم الدينية إلي الجامعات لدراسة العلوم الحديثة الضرورية والمرتبطة بالواقع الاجتماعي، وعدم الاقتصار علي العلوم الدينية كالفقه والأصول.

الأمر الثاني: تدريس الدين في المعاهد العلمية والجامعات واتخاذ القرآن ونهج البلاغة والأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام كمنهاج للتدريس والبحث.

وإذا نجحت الخطة، فسيمتزج العلم بالدين، فيأخذ العلم من الدين الفضيلة والسمو، ويستفيد المتدينون من التقدم العلمي. ويصبح العلماء علي نسق هذه الآية الكريمة: ?يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ? ().

13 الرسالة العملية

والرسالة العملية، هي الأخري من المستلزمات التي يجب أن تتطوّر وفق تطوّر الحياة، لتنسجم مع حاجات الإنسان وتحوّلات الزمن، في إطار الشرع المقدس كما هو واضح.

ويجب أن لا تقتصر الرسالة العمليّة علي الأحكام الشرعية وحسب، بل يجب أيضاً أن تتضمّن أبواب أخري من المعارف الإسلامية..

فيجب أن تشتمل الرسالة العمليّة علي موضوعات التالية:

1 _ أصول الدين.

2 _ الأخلاق والآداب.

3 _ الواجبات والمحرّمات.

4 _ المواعظ القصيرة.

5 _ تعيين مسؤولية المكلّف إزاء نشر الإسلام ونشر الأحكام ومواجهة عوامل الكفر والضلال.

6 _ الاستعانة ببعض الآيات والأحاديث للتشويق والترغيب، ولتوضيح لبعض المسائل أو للاستدلال لبعض الأحكام، بصورة موجزة. وهذا لا يعني أنّ الرسالة العملية ستخرج عند احتوائها لهذه الأبواب من طبيعتها كرسالة عمليّة، أو أن ذكر الآيات والأحاديث سيوجب الإكثار في صفحات الرسالة، فيكون من العسير الاستفادة منها.

وحل هاتين المعضلتين بيد الفقيه الذي يستطيع بمهارة فائقة أن يحقّق الغرض من وجود بعض الآيات والأحاديث دون أن يتسبّب ذلك خروج الرسالة من كونها

رسالة عملية أو التسبّب في الإطناب.

وممّا لاشك فيه، إنّ رسالة بهذه الكيفية كفيلة لأن تقود الناس إلي نهج الإسلام السّوي، وإلي أن تعيد الوعي الديني إلي الناس، وتركز مفهوم» العودة إلي الكتاب والعترة «في كلّ صغيرة وكبيرة.

14 المسائل المستحدثة

يجب أن تتضمّن الرسالة العملية علي المسائل المستحدثة التي يبتلي بها الناس في مختلف الأبواب كالعبادات والمعاملات وغيرها، لأنّها محل ابتلاء المسلمين أولاً، ولأنّها معرض السؤال الدائم ثانياً، ولأنّها محلّ للنقاش المستمرّ في الأندية والمؤتمرات وغيرها، فيجب تبيان موقف الإسلام منها، لأن ذلك يوجب تعرّف المكلفين والمقلّدين علي المزيد من المسائل الحياتية، كما وأنّ ذلك سيوجب إسكات الذين يريدون نعت الإسلام بأنّه دينٌ رجعي لا يساير التطوّر الحديث.

فصل

1 قضاء حاجات الناس

للناس حاجات وهم يلوذون بعلمائهم ومراجعهم في تلبية الحاجات لأنهم يلتجئون إلي من يحبونهم ومن يستطيعون أن يتحدثوا معهم بحرية.

وقد أكدت الشريعة الإسلامية أشدّ التأكيد علي تلبية حاجات الناس، يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) في وصف رسول الله (ص): (طبيب دوار بطبّه قد أحكم مراهمه وأحمي مواسمه () يضع ذلك حيث الحاجة إليه) ().

ويقول أمير المؤمنين (ع) لكميل بن زياد: (يا كميل مر أهلك أن يروحوا () في كسب المكارم ويدلجوا () في حاجة من هو نائم) ().

وقال (ع): (من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه) ().

وفي الحديث: (سيد القوم خادمهم)().

والمرجع بما أنه مرتبط بدين الناس ودنياهم ترد عليه مختلف الحوائج والمشاكل والقضايا، فاللازم أن يهيئ نفسه لقضاء الحوائج الصغيرة منها والكبيرة.

ومن الجدير أن يعيّن المرجع أشخاصاً متفرغين لهذه الغاية وعلي شكل لجان، ويجعل لكلّ قسم من القضايا لجنة خاصة، ويجب أن يقع الاختيار علي الأشخاص الذي يحبّون الخدمة ويهتمون بأمور المسلمين، ولا يريدون من عملهم هذا سوي الأجر في الآخرة.

2 العامل والفلاح

تحاول الأفكار الهدامة أن تستغل هاتين الطبقتين عبر الدعوة إلي نصرتهما، وليس ذلك إلاّ في مجال إطلاق الشعارات الرنانة، بينما للإسلام موقف أكثر إيجابية من جميع المبادئ والأيديولوجيات نحو العامل والفلاح.

فقد اعتني الإسلام بهما أكبر عناية، ويكفي للدلالة علي مدي اهتمام الإسلام، هذا الحديث: (الكاد علي عياله كالمجاهد في سبيل الله) ().

فقد جعل الإسلام العامل والفلاح في مصاف المجاهدين الذين يبذلون أرواحهم ودماءهم في سبيل الله.

وجاء أيضاً في الحديث: (الفلاحون كنوز الله في الأرض) () فهم يمثلون أكبر ثروة اقتصادية لا تعادلها أية ثروة أخري، وفي الحقيقة لو طبّق القانون الإسلامي بشأن العامل والفلاح لنمي اقتصاد بلادنا نمواً سريعاً ولما احتجنا بعد

ذلك إلي أن نمدّ أيدينا للشرق والغرب.

3 الالتفات إلي الرأي العام

لابدّ للمرجع أن يلاحظ ثلاثة أمور، هي:

1_ رضي الله سبحانه في كل أمر يقوم به أو يتركه، فهو فوق كل شيء.

2_ الدوافع الشخصية وراء كل فعلٍ أو تركٍ.

3_ الرأي العام، وهو تركيب من العرف الاجتماعي والثقافة العامة للمجتمع والعادات والتقاليد التي لابدّ من الانتباه إليها وملاحظتها عند التحرك.

ولما كان المرجع يريد قيادة الناس، فإنّ عليه ملاحظة الرأي العام لأنه نبض الجماهير، مالم يخالف الشرع.

فيجب علي المرجع ملاحظة هذا الأمر في تخفيف عداوة العدو بالأخلاق الحسنة أو بقضاء حاجته إن كانت مالية.

كما علي المرجع أن يلاحظ علاقته بالمجتمع، وأن لا يتحرك فردياً في مواجهة العدو، بل عليه أن يراعي جميع الجوانب، والمتتبع لتاريخ الرسول (ص) والأئمة عليهم السلام يري أنهم كانوا يراعون الناس إلاّ فيما خالف الدين، وفي الحديث (وعليك بمدارة الناس) ().

4 أرباب الحاجات

يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) في رسالته إلي مالك الأشتر: (ثم الله الله في الطبقة السّفلي من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسي () والزّمني ()، فإنّ في هذه الطبقة قانعاً () ومعتراً ()) ()

ويقول له أيضاً: (واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرّع لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك) ()، وأرباب الحاجة كثيرون، وتختلف حاجاتهم فقد تكون الحاجة إلي المال، وقد تكون الحاجة إلي الزواج، وقد تكون الحاجة إلي الوساطة، وهكذا.

فينبغي للمرجع أن يستعد لرعاية هؤلاء جميعاً، خصوصاً الطبقة التي يسميها أمير المؤمنين (ع) ب» الطبقة السفلي «كالفقراء والمرضي وأصحاب العاهات والأرامل والأيتام، فهم بحاجة إلي عناية ورعاية، ولهم قلوب منكسرة ودعوة مستجابة.

والأفضل للمرجع أن ينشئ لهؤلاء مؤسسات لإيوائهم كدار العجزة ومدرسة للمكفوفين وبيوت للفقراء وما إلي ذلك.

5 الشباب طاقة يجب أن تستثمر

كلمتان حول الشباب:

الكلمة الأولي: الشباب قوة وثابة، وقوية علي البناء وشديدة علي الهدم.

فمثلما تصلح هذه القوة للبناء تصلح للهدم أيضاً، أي أنها سلاح ذو حدين، فكان لابدّ من الاهتمام بها.

ويتركز اهتمام المرجع بقوة الشباب في المجالات التالية:

1_ تزويجهم: لأنّ كثيراً من الانحرافات تبدأ من العزوبة.

2_ تثقيفهم: لأنّ الجهل يدفع بهم لأن يتحولوا إلي عناصر ضارة في المجتمع.

3_ تزكيتهم من الرذائل: لأنّ أكثر الجرائم بداياتها انحرافات خلقية بسيطة.

4_ تشغيلهم: لأنّ الفراغ في حياة الشاب من أكبر عوامل المفسدة، كما جاء في قول الشاعر:

إنّ الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أيُّ مفسدة

لذا كان من الضروري للمرجع إنشاء ثلاث لجان لرعاية شؤون الشباب. لجنة لغرض تزويجهم، ولجنة لغرض تثقيفهم وتربيتهم، ولجنة لغرض تشغيلهم.

الكلمة الثانية: إن الشباب كما ذكرنا قوة ونشاط وانطلاق، لكن ينقصهم الوعي والتربية عادة.

أما الشيوخ فهم ذوو وعي وتجربة، لكن

انطفأت فيهم قوة الإقدام والانطلاق غالباً.

وهناك دائماً صراعٌ بين هذين الصنفين، وهو يسمي بصراع الأجيال، فالشيوخ يريدون السيطرة علي الأمور وإبعاد الشباب، بحجة أنهم لا يفهمون.

والشباب يريدون السيطرة علي الأمور وإبعاد الشيوخ، بحجة أنهم لا يعملون.

فعلي المرجع أن يكون واعياً لهذه الظاهرة، وأن يحاول أن يستفيد من رأي الشيوخ ومن جلد الشباب، إذ الرأي بدون القوة والنشاط لا ينفع، والانطلاق والنشاط بدون توجيه الرأي لا ينفع شيئاً.

وقد قال أمير المؤمنين (ع): (رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام) ().

فالقوة لوحدها لا قيمة لها، لأنها ستكون هدامة إذا لم يرافقها الرأي الحكيم والصائب، النابع من التجارب الحياتية.

6 رضي الناس

قديماً قالوا:» رضي الناس غايةٌ لا تُدرك «و» أفئدة الشعب لا تُملك «.

ولما كانت الحياة مجموعة احتكاكات بين أبناء البشر، ولمّا كان المجتمع يضم مختلف صنوف الناس، فقد تظهر عوارض الصراع في هذا المجتمع، وقد يواجه المرجع بسخط بعض أفراد المجتمع، أو سخط جمهور غفير، ولما كانت مهمّة المرجع هي هداية الناس وإيصالهم إلي شاطئ السلامة والسعادة، وحيث أنّ القيادة لا تتم إلاّ عند رضي الناس، فيفترض علي المرجع أن يعمل علي ترضية الناس حتي صغارهم، وعلي إرضاء من سخط منهم بكلّ الوسائل الممكنة، لكن كلّ شيء بحدود، فهناك حدود لرضي الناس، فيجب علي المرجع أن يوازن بين رضي الله ورضي الناس، وأن لا يكون رضي الناس علي حساب الدين والأحكام.

وفي الجانب الآخر علي المرجع الديني أن لا يفعل ما يثير سخط الناس عليه.

مثلاً، في ظروفنا الحاضرة، ينظر الناس إلي أصحاب القصور والسيارات الفارهة وما أشبه ذلك بنظر الاستنكار والكراهية، فكان علي المرجع أن يلاحظ هذه المسألة، فيعيش هو ومعاونوه وأعضاء المؤسسة التي تحيط به حياة الزاهدين، ولا يفعلوا

ما يثير سخط الناس وكلامهم.

ومن المعلوم أنّ ما ذكرناه إنما هو بالنسبة إلي البلاد المتأخّرة الفقيرة، أما في البلاد الغنية، فإنّ الوضع قد يختلف، كما قد يختلف الوضع أيضاً عندما يتحوّل المجتمع من الفقر إلي الغني.

7 رقابة المجتمع

تطورت المجتمعات ومعها تطورت أساليب الانحراف في المجتمع، فبعد أن كان الانحراف عملاً فردياً في السابق يقوم به أشخاصٌ معقدون أو مرضي، أصبحنا اليوم نواجه الانحراف المنظّم والفساد المخطّط، الذي يرصد له أموال جمّة، والذي يُدار عبر منظمات دولية بيدها كل أساليب التأثير بالإضافة إلي ما تمتلكه من الإمكانات الهائلة.

ومن الواضح أنّ الفرد أو الجمع المبعثر لا يستطيع أن يقوم في قبال العمل المنظّم، إلا بعمل منظّم، فلكل فعلٍ ردّ فعلٍ مساوٍ له في القوة، لكنه معاكس له في الاتجاه.

وبعد المراقبة الدقيقة للمجتمع سيتبين للمرجع أنّ الانحرافات التي تطرأ في المجتمع يمكن تصنيفها إلي ثلاثة أقسام:

أولاً: انحرافات في العقيدة.

ثانياً: انحرافات المنهج العمل.

ثالثاً: انحرافات خلقية.

فالإلحاد مثلاً انحراف في العقيدة.

وسنّ قوانين مخالفة للإسلام مثلاً انحراف في المنهج.

كما أن انخراط الشباب في الأفعال المشينة كالإدمان وما شابه هو انحراف في الأخلاق.

فاللازم علي المرجع أن ينشئ منظمات خاصّة لمكافحة هذه الظواهر، فلكلّ انحراف يوجد في قباله منظمة أو لجنة، ويجب أن تمتد هذه المنظمة لكلّ مكان يظهر فيه الانحراف.

مثلاً: منظمة مكافحة الإلحاد يجب أن تنتشر في كل مكان يكون موطناً للمنظمة الإلحادية، وكذلك منظمة مكافحة المنكرات يلزم أن تنتشر في كلّ بلدٍ فيه المنكر، وهكذا.

وعلي فرضٍ أنه وجد المرجع أنّ الخمور منتشرة في المجتمع، فقرر إنشاء منظمة لمكافحة الخمور، فاللازم أن يجعل سبعة أعضاء في المركز لهذا الشأن، الشخص الأول للإدارة، والثاني لجمع المال، والثالث لجمع المعلومات، والرابع لإنماء التنظيم وتوسعته، والخامس للإعلام

والحرب النفسية مع المدمنين علي الخمور، والسادس للمنع بالقوة إن لم تنفع الوسائل السابقة، والسابع يقوم بإيجاد الأجواء المناسبة لترك الإدمان، وذلك بتوفير مستلزمات الحياة الكريمة للمنحرفين.

ثمّ أن الشخص الرابع يقوم بالعمل علي إيجاد نواة لهذه المنظمة في الأماكن الأخري التي يكثر فيها المدمنون.

وما ذكرنا من خطط لإنشاء المنظمة وقيامها بالأعمال، إنما هو مجرد فرض بدائي للإلماع لا لكيفية التنظيم، وإلاّ فقد يكون من الأصلح إضافة أفراد آخرين للمنظّمة، أو تقليل حجمهم بحسب الظروف وبحسب انتشار ظاهرة الإدمان.

8 التصدي للانحرافات

يجب علي المرجع أن يكون شديداً في مواجهة الانحرافات، سواء كانت من قبيل الانحرافات العقدية التي يثيرها الملحدون أو الانحرافات الخلقية التي ينشرها المستهترون أو الانحرافات الناشئة عن عدم الالتزام بالشريعة الإسلامية سواء علي صعيد الدولة أو المجتمع.

فلابدّ للمرجع أوّلاً أن يكون عالماً بهذه الانحرافات، فالعلم بالمشكلة هو بداية الحل، لأن وجود معلومات تفصيليّة عن الانحراف ستدفع بالمرجع إلي التفكير بالعلاج والإصلاح والإرشاد، بخلاف ذلك عندما يجعل العالم نفسه منعزلاً عن العالَم لا يعلم ما يجول فيه وما يدور، وعندما يصله العلم في ذلك يكون الفساد قد استشري وخرج الزمامٌ من اليد.

9 المواجهة المتواصلة

طالما لم يطّبق الإسلام بكل حذافيره، فإنّ المواجهة قائمة بين جبهة الخير ممثلة بالمرجع وجبهة الشر ممثلة بالقوي الشريرة المعادية للإسلام.

فطالما الخمور والمقامر والمباغي والملاهي والربا والاحتكار والفقر والكبت والجريمة والقوانين المخالفة للإسلام موجودة، فإنّ المعركة قائمة أيضاً، فكان لابد من إعداد العدّة والتهيؤ لمعركة طويلة الأمد يستخدم فيها القلم، والكتاب، والمبلّغ، وغير ذلك.

ولاشك أنّ مواجهة هذه الانحرافات هي مسؤولية كلّ مسلم، لكن المرجع الديني باعتباره النائب العام للإمام المعصوم (ع) فهو يتحمل القسم الأكبر من هذه المواجهة، فعليه أن يتهيأ لها ويصرف جلّ وقته من أجل منع المفاسد من الانتشار في البلاد الإسلامية.

10 نشر الرسائل المفيدة

ترد المرجع رسائل كثيرة في مختلف الشؤون، وبعض هذه الرسائل فيها متعة وجمال في الأسلوب، كما وفي بعضها وصف لأوضاع المسلمين في مناطق مختلفة من البلاد الإسلامية، وفي بعضها استفتاءات تخدم المجتمع. فينبغي للمرجع جمع مثل هذه الرسائل وطبعها ونشرها، فهي:

أولاً: تكشف عن علاقة الناس بالمرجع وأنه الموطن الذي يلتجئ إليه الناس.

ثانياً: تسجل هذه الرسائل وقائع هامّة يمكن أن تتحوّل إلي وثائق تاريخية، مثلاً كم هي مهمّة تلك الرسائل المتبادلة التي كانت تتم بين الميرزا محمد تقي الشيرازي ووكلائه في المناطق المختلفة، إنّ مثل هذه الرسائل تعتبر اليوم وثائق تاريخية ذات قيمة كبيرة.

ثالثاً: تسطّر هذه الرسائل معلومات هامة عن أوضاع المسلمين في مختلف المناطق، بل فيها تقرير عن أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية، فهي سجل حافل يستفيد منه من يريد التعرف علي أحوال المسلمين.

رابعاً: في قراءة الرسائل متعة لا يمكن أن تمنحها الكتب المختلفة ().

فكم من متعة وثقافة يحصل عليها قارئ كتاب» صفحات مطوية من حياتي «الذي يتضمّن رسائل متبادلة بين صاحب الكتاب وبين رفاقه. فيجد القارئ في هذا الكتاب المتعة وهي ممزوجة

بالمعلومات والتحليل.

فكان علي المرجع أن ينتخب بعض هذه الرسائل المفيدة وينشرها حتّي تؤدّي تلك الغاية المطلوبة.

11 رجال العلم والمجتمع

خططت الدوائر المعادية للإسلام لفصل المجتمع عن العلماء وأهل العلم، وذلك بخلق حواجز وهمية لا حقيقة لها.

فمن جانب أوجدت في المجتمع عوامل النفور من عالم الدين باتهامه بالرجعية والجهل والاستجداء والتملق لأصحاب الأموال، وفي الوقت نفسه خلقت عند بعض علماء الدين وطلبة العلوم الدينية نظرة العزف عن المجتمع والتقوقع.

وكانت حصيلة ذلك الانفصال النكد بين طبقة العلماء وطلاب العلوم الدينية وأبناء المجتمع حتي أصبحت طرق الاتصال بينهما تكاد تكون مستحيلة، حتي لم تعد هناك لغة مشتركة بينهما. ويسعي الاستعمار إلي التشديد في الفروقات بين الجانبين حتي يأخذ الصراع شكلاً طفيفاً في البداية ثم يشتدّ مع مرور الزمن، ويتصاعد الصراع كلما اشتدت مؤامرات المستعمرين في رسم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين، وعند طعن الإسلام بأنه دين رجعي ضدّ التقدم.

من هنا، كان من واجبات المرجع الديني هو العمل علي إزالة هذه الفروقات وإذابة هذه الحواجز، بدعوة المجتمع إلي تغيير نظرته عن الإسلام باستخدام أساليب إعلامية مؤثرة.

كذلك دعوة طلبة العلوم الدينية إلي الاندماج في المجتمع وإلي إرشاد هذا المجتمع ودفعه إلي التعلق بالإسلام كطريق للخلاص من المشاكل.

والفائدة التي يجنيها من هذا الاندماج ليس العلماء فقط، بل المجتمع الذي سيري نفسه يعيش في أحضان الإسلام: لينعمَ بالسعادة، ويرعاه أشخاص أمناء علي استقلاله وماله وعرضه وهم العلماء.

وعلي كل حال: يجب علي المرجع أن يدحض مزاعم المستعمرين بأنّ الإسلام دين رجعي وأن علماء الدين أناس أميون، وتفهيم المجتمع بأهمية رجل الدين وضرورة التفافهم حوله.

12 تشجيع اللغة العربية

اللغة العربية، هي لغة القرآن الكريم، وهي (لغة أهل الجنة) كما ورد في الحديث، وهي إحدي وسائل توحيد الأمة الإسلامية، وهذا لا يعني أن يترك غير العرب لغتهم ويتحدثوا بالعربية، كلا بل يتعلموا العربية بالإضافة إلي لغتهم الأصلية.

فاللغة

الأصلية هي لغة التفاهم في إطار الدولة أو القبيلة، أمّا اللغة العربية فهي لغة التفاهم في إطار الأمة الإسلامية، لذا كان من الضروري أن يهتم المرجع الديني بهذه اللغة، بتشجيع أبناء الأمة الإسلامية علي تعلمها، وفتح المدارس العديدة لتعلمها، ووضع مناهج مبسطة لتعلمها لغير الناطقين بها.

والهدف طبعاً هو إيجاد جسر التفاهم بين أبناء الأمّة، وإذا ما دققنا منهج الإسلام لوجدنا أنّ هذا المنهج يقوم علي دعم اللغة العربية وجعلها لغة التفاهم، فالصلاة وكتاب الله وسنة رسوله كلّها باللغة العربية، وهذا يعني أن الإسلام يريد من المسلم أن يتعلّم اللغة العربية لتصبح لغة التفاهم.

13 كتابة المذكرات

في حياة المتصدّين والذين يتعاملون مع المجتمعات من موقع المسؤولية، في حياتهم الكثير من العبر والدروس، بالإضافة إلي أن هذه العبر تكون عبراً ودروساً للمتصدّي نفسه لأنّ من طبيعة الإنسان: النسيان، فكان لابدّ من تدوين الأحداث أوّلاً بأول في سجل يومي لتكون الأحداث في الذاكرة.

فإن المذكرات مشعل ينير درب السالكين ويلقي الضوء علي الجوانب المظلمة من مسيرة المرجعية.

فاللازم أن لا يتواضع المرجع في ذكر النقاط المهمة، فإن التواضع في مثل هذه الأمور ضياع لنفسه وضياع لمن يريد سلوك هذا الدرب.

وكما أنّ المذكرات تتضمّن هذه الأمور تتضمّن أيضاً قضايا اجتماعية، وقد قال رسول الله (ص): (من أرّخ مؤمناً فقد أحياه).

فصل

1 التواصل مع العالم

يعيش العالم في تقدم علمي، وهذا التقدم يعطي بيد المسلمين أفضل الفرص لنشر الإسلام، لذا علي المرجع أن يهتم لتعريف الإسلام وإيصال حقيقته إلي أبنائه وإلي الغرباء عنه، وهذا ممكن بأقل قدر من الجهد وشيء يسير من المال، وأحسن الطرق هو تشكيل لجنة أو جمعية أو منظمة تقوم بعمليات الاتصال بمختلف أنحاء العالم بالشخصيات والجامعات والكتّاب والمفكرين والزعماء والأثرياء والساسة ورجال القانون وأرباب الصحف والإذاعات والتلفاز ووضع الثقافة الإسلامية بين أيديهم بواسطة الرسائل أو إرسال الكتب إليهم ().

إن تحضير هذه البرامج قد لا يكلف كثيراً، فهو قد لا يزيد علي ثمن إنشاء مؤسسة واحدة، لكن مردوده سيكون كبيراً جداً.

2 النظرة الإسلامية

يجب أن يتحلي المرجع بالنظرة الإسلامية أي أن يشعر نفسه بأنه يعيش في محيط أوسع من محيط بلده وهو العالم الإسلامي، كما عليه أن يشعر بأنّ الدائرة التي حوله لا تتلخص في المقلدين والمؤيدين له بل الأمة الإسلامية كلها تعيش في هذه الدائرة.

فإذا اتصف المرجع بهذه النظرة فإنّ قراراته ستكون متضمنة مصالح الأمة والعالم الإسلامي وليس فقط مصلحة جماعة محدودة أو بلدٍ محدود، وهذا هو أحد سبل النجاح في العمل.

3 التطورات العالمية

يتعرّض العالم الإسلامي إلي ضغوط عالمية لنسف مرتكزاته الإسلامية. فهناك أكثر من مؤسسة وجهاز ودولة تعمل علي تغيير بنية المجتمع الإسلامي وجعله مجتمعاً غربياً.

فقد ظهر التبرج في إيران قبل عدّة عقود، في زمن» رضا خان «نتيجة عمل مكثف قامت به سفارات بعض الدول الأجنبية في طهران، فقد كانت تشجع رعاياها من النساء إلي أن يتجولن في شوارع طهران وهن سافرات، الأمر الذي شجّع بنات ونساء بعض الإيرانيين المتأثرين بالحضارة الغربية إلي سلوك المنهج نفسه.

وإذا ما تمعنا في أمور أخري، في العالم الإسلامي لوجدنا أنها غير منفصلة عن التأثيرات الغربية، بل هي وليدة أحداث أو قرارات سبق واتخذتها الدول الغربية خارج العالم الإسلامي. لذا كان لابد لمن يريد إصلاح الأوضاع في العالم الإسلامي أن يراقب هذه الأحداث في مناطق نشؤها أي في البلدان غير الإسلامية، لأن معرفة الداء سيسهل أمر العلاج بل يعطي إمكانية الوقاية التامة من الأمراض المستوردة.

4 الخطة المستقبلية

من الضروري أيضاً للمرجع أن يعدّ خطة مستقبلية لبرامجه، مثلاً يضع خطة لخمس سنوات ماذا يفعل فيها؟.

كم مدرسة علمية يجب عليه إنشاؤها خلال هذه المدة؟.

وكم طالب علم يجب أن يضافوا إلي الحوزة العلمية؟.

وكم من المبلغين يجب عليه تخريجهم خلال هذه الفترة؟.

وكم كتاب يمكنه طبعه خلال هذه السنوات؟.

وبعد أن ينجز مهمة التخطيط، عليه أن يكوّن لجاناً لتنفيذ هذه الخطة، كلاً حسب تخصصه.

وعليه أيضاً: أن يعدّ المال اللازم لهذه الخطة.

5 التأثير في مراكز القوة

تقوم أنظمة الحكم في البلاد الأجنبية علي توازن مراكز القوة، واستناداً لنظرية الاستقطاب، يمكن التأثير في هذه المراكز وبالأخص الموجودة في ألمانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها من البلاد الغربية.

والتأثير بالطبع يحصل من خلال عمل فكري وعلاقاتي في داخل تلك الدول.

ويستطيع المرجع الديني أن يقدّم الكثير في هذا المضمار، وذلك من خلال عملين اثنين:

الأول: تشجيع الكفاءات الإسلامية من كتاب وخطباء وأساتذة جامعيين علي الهجرة إلي تلك البلدان.

الثاني: العمل علي جمع شتات المسلمين المبعثر في تلك البلدان وتوجيههم للانطلاق والعمل، ولو كان بحوزة المرجع نفران حازمان حكيمان يخصص كل واحد منهما لمهمة من المهمتين اللتين ذكرناهما لكان خطوة كبيرة إلي الأمام، فأحدهما يقوم بحركة تشجيعية للهجرة نحو الغرب، والآخر يقوم بأعمال الاتصال والمراسلة، وربما يتمكن المرجع بسببهما من إيجاد طاقة هائلة لم تكن في الحسبان.

6 الفاعلية المستمرة

عندما ترمي بحجارة إلي الهواء بشكل عمودي، تنطلق الحجارة بقوة كبيرة ثم تضعف حركتها ثم بعد ذلك تتلاشي هذه الحركة ثم تعود الحجارة إلي مكانها لتستقر في خمود إلي ما لا نهاية له.

وهكذا الدول والحضارات التي تنطلق بقوة كبيرة ثم تضعف حركتها لتعود إلي مكانها في سكون نهائي.

وهكذا المجتمعات والأفراد فهي تشرع حركتها بقوة هائلة ثم تضعف هذه القوة لتنتهي في النهاية إلي الاستقرار في مكانها.

والمرجع باعتباره فرداً تجري عليه هذه السنّة، فعندما ينطلق في ميدان المرجعية ينطلق بقوة ثم تضعف قوته حتي تصل إلي أدني درجات القوة. لذا كان لابدّ من المراقبة المستمرة، ومقايسة خط النشاط في حياته ليكون تصاعدياً دائماً، وأفضل مقياس لمعرفة مدي التصعيد في حياته هو الاحتكام إلي القاعدة الراسخة (من تساوي يوماه فهو مغبون) ().

فإذا حاول المرجع أن يضيف شيئاً إلي رصيده بالأمس فإن ذلك هو ضمانة التقدم

والفاعلية المستمرة.

وإذا استطاع المرجع من تأسيس مائة مدرسة علمية مثلاً فإنّ عليه أن يزيد في الغد مدرسة أخري إلي بقية المدارس المؤسسة حتي يستطيع أن يضمن النجاح في عمله.

والاستعداد النفسي للمرجع هو الطريق إلي التقدم، بأن يعتقد المرجع بأنّ لا نهاية للتقدم وأنّ ما يعمله من أعمال مهما كانت كبيرة فهي ليست نهاية الخط، فالمطلوب منه المزيد والمزيد من الأعمال.

7 الفئات غير المسلمة في البلاد الإسلامية

في هذه الفقرة نتحدث عن الفئات غير المسلمة في البلاد الإسلامية ()، وهم جمعٌ كبير من غير المسلمين الذين يعيشون بيننا، فلابدّ من الاهتمام بهم.

فمثلاً في العراق ولبنان وسورية: هناك فئات مسيحية ويهودية تعيش بين المسلمين، وبعض هؤلاء يشاركون المسلمين في مناسباتهم، فالمسيحيون في لبنان يشاركون الشيعة في مناسبة عاشوراء، وبعضهم ينظر إلي الإمام الحسين (ع) كما ينظر إلي النبي عيسي بن مريم (ع) في القدسية.

ويعزي هذا التأثير إلي وجود التداخل بين المسلمين وغيرهم، وكما أن المسيحي يتأثر بالمسلم القوي، فأيضاً المسلم الضعيف يتأثر بالمسيحي القوي.

فكان علي المرجع الديني أن يهتم اهتماماً كبيراً بهذه الفئات حتي يدخلهم في حضيرة الإسلام.

ومن وسائل الاهتمام هذه إعداد فريق من المبلغين ونشرهم في أماكن تواجد هذه الفئات لدعوتهم إلي الإسلام. كما يجب الاهتمام بالمسلمين المتأثرين بالفكر الغربي، خاصة الذين انسلخوا عن الإسلام وهجروا دين آبائهم واعتنقوا البهائية، وما شابه ذلك.

8 إعداد خارطة للنشاط الإسلامي في العالم

من الضروري إعداد خارطة تتضمّن القارات الخمس وتبين مواقع المسلمين عليها، ثمّ تتضمن بالإضافة إلي المواقع الجغرافية للمراكز الإسلامية أنواع النشاطات الدينية وعدد المساجد والمؤسسات، ونسبة العلماء وأئمة المساجد فيها، بالإضافة إلي جميع المعلومات المطلوبة الأخري.

كذلك من الضروري أن تبين الخارطة مواقع النشاط المعادي للمسلمين والمناهض للتشيّع.

وأهمية هذه الخارطة تكمن في الإحاطة واستيعاب المرجع لجميع المناطق التي يمكن العمل فيها، وملء الفراغات التي قد تحدث في بعض المناطق، ونشر الوعي والجهد بصورة متكافئة في مختلف المناطق.

ومن الضروري تقسيم مناطق الخارطة إلي قسمين:

القسم الأول: المناطق الإسلامية.

ويتم فيها إحصاء المراكز الإسلامية وعدد المسلمين وعدد المساجد فيها. وإذا لم يكن فيها وكيل، فإنّه سيبعث بوكيل إليها، وإذا لم يكن فيها مكتبة، أو مركز ثقافي، فإنّه سيبادر إلي تأسيس هذه المراكز.

القسم الثاني: المناطق

غير الإسلامية.

وفيها لابدّ للمرجع أن يتعرّف علي طبيعة المجتمعات ومستوي الثقافة فيها، وكيفية مخاطبة المسلمين في هذه المناطق فضلاً عن غير المسلمين.

ويلزم علي المرجع أن يرسل أفراداً إلي هذه المناطق لدراستها ولتحديد احتياجاتها، ومعرفة المراكز المعادية للإسلام فيها، ولتحديد سبل تقوية المسلمين فيها باعتبار أن أعدادهم محدودة.

ويتم ترتيب هذه النشاطات ضمن لجان متعاونة.

لجنة تقوم بأعمال التخطيط، وأخري تقوم بالنشاطات الأخري من ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية.

إنّ العمل وفق هذه الفكرة، سيحقق القدر الأكبر من النشاط الإسلامي المطلوب في المناطق الأخري من تواجد المسلمين.

9 الغير أولاً

(الجار ثم الدار) () حديثٌ مرويٌٍ عن رسول الله (ص) وقد روته فاطمة الزهراء ع.

والحديث المتقدم يطرح أمام الإنسان المؤمن مبدأً هاماً هو أن الأفضل تقديم الغير في مختلف الفوائد والنعم. وهذا المبدأ فيه خير الدنيا والآخرة لمن يعمل به وبالأخص المرجع الذي يعتبر سيد القوم وهو بالطبع خادمهم.

فالذي يستفيد منه المرجع في الدنيا أنه سيزداد التفاف الناس حول الدين، أمّا فوائده في الآخرة فكثيرة من أهمها الأجر العظيم والثواب الكبير حسب الآية الكريمة: ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ? ()، فثواب الإيثار هو الأجر والثواب في الآخرة.

10 اضطراب التقدم

كما أنّ الحجر عندما يرتطم بالماء يحدث اضطراباً، كذلك الإنسان عندما ينزل إلي الساحة سيحدث اضطراباً في الوسط.

فقد رافقت التقدّم حالة من الاضطراب لابدّ منها وإلاّ فالجمود لا يأتي إلاّ بالجمود.

وإذا ما تمعنّا في نفوس المبدعين والمكتشفين لوجدنا أنهم يعيشون حالةً من القلق والاضطراب سببها التفكير المستمر بالعمل والخشية من عدم إنجاز الأمر.

وهناك اضطراب محمود، واضطراب مذموم.

فالاضطراب المذموم، هو الذي لا ينتهي إلي شيء، وهو الاضطراب الذي لا يعني شيئاً.

أما الاضطراب المحمود، فهو الذي ينتهي إلي التقدم.

وعليه: إذا لم يجد المرجع في نفسه القلق وفي عمله الاضطراب، كان ذلك علامة الجمود وآية الوقوف، فعليه أن يوجد ذلك بالحركة والإقدام والعمل.

ومن المؤكد أن يثير ذلك همزاً من بعض من لا خبرة له، لكن هذه هي ضريبة التقدم، فكان لابدّ من تحملها.

ويكفي أن نلاحظ جميع الحركات الإنسانية ومنها حركة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، فحيث أنها كانت تدعو إلي التقدم، كانت الحصيلة هي سفك دمائهم، والصراع الذي شنّه الشريرون عليهم.

11 إرسال المبلغين إلي البلاد غير الإسلامية

من الضروري أن يهتم المرجع بإرسال مبلغين إلي مختلف بلاد العالم، لنشر الإسلام وهداية الناس إليه.

والمقصود بالتبليغ هو بعث مبلغين إلي البلدان التي لا تدين بالإسلام. فالإسلام أصبح محصوراً في نطاق محدود داخل جدران البلاد الإسلامية بالرغم من أنه دين عالمي يحمل رسالة عالمية جاءت لإنارة العالم كله وليس لمنطقة خاصة، وشعب محدود.

وقد صنّفت دراسة في هذا المحور شرحت فيه ما توصلت إليه من أفكار في هذا السبيل (). والمهم هنا أن نؤكد علي حقيقة هامة هي أنه ينبغي للمرجع أن لا يتصور أية صعوبة في هذا العمل، إذ الصعوبة إن كانت من ناحية قبول الناس للإسلام، فإن الناس يقدمون إلي اعتناق الإسلام بدافع من الفطرة، كما وأن

الإسلام يمتاز بخصوصيات كل من لمسها أو تحسسها سعي للانتماء إليه.

إمّا إذا كانت الصعوبة من زاوية عدم توفّر الكوادر التبليغية، فهناك أعداد كبيرة من المبلّغين الذين هم علي أتم الاستعداد للقيام بالدور التبليغي في الدول غير الإسلامية.

والخلاصة: إن هذه المهمة تتحقق بعد توفّر الأرضية الكافية للتبليغ، تبقي بعض الأمور الأخري التي يجب مراعاتها، وهي:

أولاً: تهيأة الكوادر التبليغية، بإنشاء الدورات المكثفة لتعليم اللغات الأجنبية، ولتدريس أصول التبليغ.

ثانياً: تهيأة الحاجات المالية، ويمكن توفير المال بالوسائل التالية:

1 _ تخصيص مقدار من الأموال الموقوفة لهذا الأمر.

2 _ إنشاء صندوق خاص لجمع الحقوق الشرعية لهذا الغرض.

3 _ تخصيص حجم معيّن من اسهم الشركات ليصرف أرباحها من أجل ذلك.

4 _ تعليم المبلّغ بعض أساليب التجارة ليستفيد منها في تلك البلاد أو بعض الموضوعات الاقتصادية النافعة التي تفيده في تلك البلاد.

5 _ تعليم المبلّغ بعض الحرف اليدوية التي يستطيع بواسطتها امرار بعض معاشه.

6 _ إيجاد مشاريع اقتصادية يستفاد من أرباحها في دعم المشاريع التبليغية.

لاشك أن البند الرابع والخامس غير مناسبين لطالب العلم والمبلّغ الذي يصرف كل وقته في التبليغ ولا يجد فرصة للأعمال الاقتصادية، هذا ما هو موجود في ظروف بلادنا الإسلامية، أمّا في البلدان الغربية فإنّ انشغال طالب العلم بالأنشطة الاقتصادية أو مزاولة بعض الحرف أمرٌ عادي. وقد ورد في كلام أمير المؤمنين (ع): (إنّ الله يحبّ المؤمن المحترف) ().

إذن: لابدّ أن يتحوّل هذا العمل إلي منهج في برنامج المرجع وأن لا يكتفي ببعث المبلغ والمبلَّغين، بل عليه أن يكثر من إرسال المبلغين بحيث يتم إيجاد مراكز لنشر الإسلام في البلاد الغربية، كذلك يجب إنشاء المؤسّسات الثقافية والخدمية في تلك البلاد حتّي يقترن الكلام بالعمل أيضاً.

وليس من المستبعد أن يكون هذا

العمل وسيلة لنشر الإسلام في بلدان لم يدخل فيها الإسلام. لتتحوّل هذه البقاع إلي بلاد إسلامية، مثلما تحوّلت إندونيسيا وماليزيا وغيرهما إلي بلاد الإسلام، والإسلام يمتلك المقومات التي تؤهله ليصبح دين تلك البلدان، ومن تلك المقومات:

أولاً: إنه دين عالمي.

ثانياً: لقدرته الكبيرة علي حل المشكلات التي تعاني منها شعوب تلك البلاد.

ثالثاً: لسقوط جميع المبادئ والأديان التي سادت تلك البلدان.

12 استثمار السلطات السياسية

السلطة وما تمتلكه من أجهزة وإمكانات وسيلة جيدة لخدمة الإسلام إذا ما استطاع المرجع الديني استثمارها بالشكل الجيد. وقد نهج الكثير من علماء الدين هذا المنهج فاستعانوا بالسلطات الحاكمة في الترويج للدين، منهم: العلامة المجلسي والعلامة الكركي والشيخ حسين عبد الصمد والد الشيخ البهائي والشيخ البهائي نفسه.

وتنقسم السلطات من حيث موقفها ووضعها إلي قسمين:

الأوّل: السلطات التي تتصف بالانحراف ويُخشي الاقتراب منها.

الثاني: السلطات العادلة بصفة نسبية.

فأما النوع الأول فيتمكن المرجع تسبيب الأسباب لسحب هذه السلطات إلي خدمة الإسلام بدون أن يقترب هو من السلطة فيكون قد جمع المرجع بين فائدة خدمة السلطة للإسلام، وتوقي في الوقت نفسه أضرار الاقتراب منها.

أمّا القسم الثاني فيفترض بالمرجع أن يدعوها إلي التعاون ويعمل علي استثمارها لخدمة الإسلام. وفي الكلام تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا الأخري.

13 النشر باللغات المختلفة

بات المسلمون وهم ينتشرون في مختلف أنحاء العالم ويتكلّمون بمختلف اللغات العالمية، فكان لابدّ من التفكير في إعداد ترجمات مختلفة» للرسالة العملية «التي تتضمن فتاوي المرجع.

وهذا العمل لا يكلف سوي إشارة من المرجع، فهناك الكثير من الأفراد في المجتمع ممن هم علي استعداد دائم للقيام بهذا الأمر إذا ما تمّ حثهم من قبل المرجع بذلك.

14 الهدف في نصب العين

الهدف الأكبر الذي يسعي من أجله المرجع هو تطبيق حكم الله في الأرض، في مختلف مجالات الحياة، وكل هدف دون ذلك فهو قصورٌ أو تقصير عن هذا الواجب.

لا عذر لأحد في عدم تطبيق الإسلام بحذافيره لأنه دين الفطرة الإنسانية، لأنه منشأ السعادة الدنيوية والأخروية. وإنما تقف بعض الحواجز لتمنع عن تطبيق الإسلام.

ومن هذه الحواجز؛ الحكومات التي لا تريد للإسلام حياةً علي سطح الكرة الأرضية. فعلي المرجع إقناع هذه الحكومات إن أمكن بأنّ من مصلحتها تطبيق الإسلام، لأنّ الإسلام سيأتي بالأمن والرفاه سيستأصل جذور الجريمة من علي سطح الكرة الأرضية.

ومن الحواجز التي تعيق تطبيق الشريعة، ضعف وعي المسلمين وفهمهم الناقص للإسلام، فقد عرف البعض الإسلام أنه صلاة وصوم فقط، ولا يعلم أنّ أبواب المعاملات في الفقه الإسلامي أوسع من أبواب العبادات، فعلي المرجع أن يقوم بتوفير الأرضية اللازمة لانتشار الوعي السليم بين الناس.

ومن الحواجز التي تحول دون تطبيق الإسلام، الدعايات المغرضة التي يبثها أعداء الإسلام بوصف الشريعة الإسلامية بأنها شريعة قديمة.

فكان لابدّ للمرجع أن يتصدي لهذه الاتهامات ويكشف زيفها ويظهر محاسن الإسلام، ويبين أنّ الإسلام هو دين التقدّم والرحمة؟.

15 استثمار الوسائل العصرية

تتيح الوسائل العصرية للمرجع فرص كبيرة لنشر الإسلام ونشر رسالته في الحياة.

فاستخدام الإذاعة وسيلة لنشر الحلال والحرام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وستصبح بالتالي وسيلة لنشر الإسلام.

وكذلك الصحف والتلفاز وما شابه ().

أليس من الأفضل استثمار هذه الوسائل قبل أن يبادر أعداء الإسلام إلي استثمارها وتوجيهها لأهدافهم الهدامة.

16 السلام

السلام: شعار وممارسة، فتحية المسلم هو السلام، ونهاية كل صلاة يتلو المسلم هذا الشعار، لكن هل نكتفي بهذا القدر أم يجب أن نحوّل السلام إلي ممارسة يومية كما جاء في الآية الكريمة: ?أُدخُلوا في السِّلم كافة? ().

والسلام يضمٌّ مساحة واسعة من الممارسات العملية، فهو يبتدئ بالامتناع عن النميمة والغيبة واللمز والهمز، وينتهي إلي المطالبة الجادة للكف عن استخدام الأسلحة الفتاكة، ومناشدة الحكومات المتحاربة إلي التوقف عن الصراعات.

وهذا لا يعني أنّ الإسلام لا يلجأ إلي الحرب إذا ما أضطر إليه اضطراراً، إلاّ أن عالمنا اليوم امتلأ بفكرة الحرب والانقلابات كما امتلأ بمختلف الأسلحة الفتاكة حتي ذُكر أن ما بحوزة الدول من الأسلحة يكفي لتدمير الكرة الأرضية أربع مرات ().

ولما كان المرجع مسؤولاً عن حياة الملايين من البشر الذين تفتك بهم الحروب باعتباره نائباً عن الإمام المعصوم ? فإنّ عليه أن يرفع شعار السلام ويدعو العالم إلي سلامٍ عادل يضع حدّاً للخلافات والحروب.

17 مكافحة الانحرافات الكبري

يعد الانحراف في العقيدة وفي الأخلاق وفي النظام من الانحرافات الكبري التي يجب أن يقف المرجع بوجهها الموقف الصارم.

وهذه الانحرافات في تزايد وتصاعد مستمرين، فكان لابد من خطة تدريجية لمكافحة هذه الانحرافات.

وتقوم هذه الخطة علي الخطوات التالية:

1 _ المرحلة الأولي: تقوية الأجهزة المرتبطة بالمرجع بحيث يصعب اختراقها أخلاقياً.

2 _ المرحلة الثانية: العمل علي تجميد الأجهزة المولدة للانحرافات حتي تقف علي الحياد.

3 _ المرحلة الثالثة: صنع خلخلة في أجهزة الانحراف.

4 _ المرحلة الرابعة: الهجوم علي هذه الأجهزة وتصفيتها ثقافياً وسياسياً واجتماعياً.

مثال علي ذلك: لنفرض أن المرجع يري في البلاد منظمة قوية من الشباب تدعو إلي الإلحاد والميوعة، فعلي المرجع أن يكوّن جهازاً للشباب مزوداً بمختلف وسائل القوة والنمو، هذا في الخطوة الأولي.

ثمّ يدعو المرجع المجتمع

إلي مقاطعة الجهاز المنحرف، فيتسبب ذلك بعزله عن مجال التأثير. فيصبح جهازاً مشلولاً غير قادر علي الفاعلية، وهذا في المرحلة الثانية.

ثمّ يعمل المرجع علي إخراج الأفراد الواعين من هذا الجهاز، وكلما ازدادوا وعياً ازداد خروجهم من الجهاز، وفي المقابل يتم إدخالهم في الأجهزة الإسلامية هذا في المرحلة الثالثة.

ثمّ بعد ذلك يعمل المرجع علي تفتيت هذا الجهاز وشلّ قدراته ونسف إمكاناته، وهذه هي النهاية الموفقة التي سينهي المرجع بها هذه الأجهزة المنحرفة.

وهذه استراتيجية علمية تم تجربتها في حقول عديدة، فكان لابد من الأخذ بها لمكافحة الانحراف.

18 الشرك والإلحاد

في عالمنا اليوم مئات الملايين من الملحدين ومئات الملايين من المشركين، وكلهم مزودون بأحدث الوسائل الإعلامية، وأكبر قدر من المال والقوة، ويحتمون بحضارة عريضة وطويلة.

فعلي المرجع أن ينظّم حملة دائمة وعميقة ضد هاتين الجبهتين، وإلاّ لتقدمتا علي حساب جبهة التوحيد، وهذا من أكبر الخسائر، وحيث أنّ المرجع هو المسؤول الأول عن الإيمان، فالواجب عليه حماية الإيمان بكلّ ما أوتي من حول وطول، وحيث أن المرجع بشر لا يقدر علي القيام بكل المسؤوليات، فاللازم عليه تشكيل جبهتين للكفاح في هذا السبيل.

وهناك نمطان من الكفاح: إيجابي وسلبي، فالإيجابي هو هداية الملحدين والمشركين بمختلف الوسائل والسبل، والسلبي هو الحيلولة دون نفوذ الشرك والإلحاد إلي النفوس وتسرب هذه الأفكار إلي الأدمغة.

وأخيراً

فإن ما ورد في هذا الكتاب من أفكار وآراء هي خلاصة ما جال في الفكر، وخلاصة تجارب عدد كبير من المراجع، ممن عاصرتهم أو قرأت عنهم» رضوان الله عليهم «.

كذلك هي حصيلة التجربة الذاتية التي خضتها، بالإضافة إلي ما استفدت من آراء ومشاورات الأخوان والأصدقاء» حفظهم الله تعالي «.

وفي النهاية أحبّ أن اُنبه بأن القصد من لفظ» ينبغي، يجب، يلزم «هو المعاني اللغوية، وليس المقصود منه الوجوب الشرعي أو الاستحباب الشرعي. وتعيين أن أياً منها واجب وأياً منها مستحب منوط بنفس المرجع.

والله المسؤول أن يوفق المسلمين وإيانا لما فيه خير الدنيا والآخرة، وهو المستعان.

سبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كربلاء المُقدّسة

1/3/1391ه

مُحمُد الشّيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة النمل: الآية 62.

() سورة الفرقان: الآية 77.

() سورة غافر: الآية 60.

() سورة الأنفال: الآية 60.

() سورة التوبة: الآية 46.

() سورة الحديد: الآية 25.

() سورة الكهف: الآية 89 و92.

() سورة الطور: الآية 21.

() سورة الملك: الآية 15.

() سورة التوبة: الآية 41.

() سورة النجم: الآيات 39 40.

() سورة التوبة: الآية 105.

() سورة العنكبوت: الآية 69.

() سورة العلق: الآية 1.

() سورة التوبة: الآية 40.

() سورة يوسف: الآية 87.

() وقد ذكر السيد اليزدي في كتابه العروة الوثقي المجلد الأول: ص11-12 في مسألة 22 ما يلي: يشترط في المجتهد أمور: البلوغ العقل والإيمان والعدالة والرجولية والحرية علي قول و كونه مجتهداُ مطلقاً والحياة … الخ.

() وقد عرّف صاحب العروة الوثقي العدالة في المجلد الأول: ص 12في مسألة 23 ((العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرمات وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً أو ظناُ، وتثبت بشهادة العدلين وباتباع المفيد للعلم)).

() سورة الزلزلة: الآيات 7-8.

() سورة الأنفال: الآية 2.

()

للتفصيل عنها راجع كتاب الدعاء والزيارة قسم رقاع الحاجة: ص1056 للمؤلف.

() للمزيد راجع كتاب جامع السعادات للشيخ أحمد النراقي» قدّس الله سره «.

() سورة الأعراف: الآية 32.

() سورة المؤمنون: الآية 96، سورة فصلت: الآية 34.

() مثلاً إذا جاء محتاج يطلب عشرة دنانير والمرجع لا يستطيع إعطاء ذلك المقدار، فإذا أعطاه الميسور يكون بمنزلة» نعم «وهكذا إذا جاء شخص وطلب التوسط في حل قضية معينة، فإذا قال المرجع سأبذل جهدي لإيجاد حل لذلك، بمنزلة» نعم «وهكذا.

() سيأتي ذكرها في: ص109 من الفصل الخامس.

() وسائل الشيعة: ج13 ص368 ح13، وفي غوالي اللئالي: ج4 ص58 ح205 (بالمعني).

() الصحيفة السجّادية: ص 104، كتاب الدعاء والزيارة: ص214 للمؤلف.

() سورة المنافقون: الآية 8.

() نهج البلاغة: الخطبة 193، كنز الفوائد: ج1 ص 90، مكارم الأخلاق: ص475، أعلام الدين: ص138، سليم بن قيس: ص238، تحف العقول: ص159، روضة الواعظين: ص438، التمحيص: ص70 ح170، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج10 ص133ب186.

() كما أن ذلك يسبب الاضطراب للمرجع.

() سورة فصلت: الآية 34.

() قصار الحكم: الحكمة 158، شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد: ج18 ص378 ب160، بحار الأنوار: ج71 ص427 ب93 ح76.

() الصحيفة السجّادية دعاء مكارم الأخلاق: ص103، كتاب الدعاء والزيارة: ص213 للمؤلف.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20 ص308 ب526.

() سورة النساء: الآية 94.

() سورة عبس: الآية 1.

() سورة آل عمران: الآية 159.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص442، وفي حديث آخر (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) وسائل الشيعة: ج8 ص78 ب5 ح10125.

() قصار الحكم: الحكمة 161، غرر الحكم ودرر الكلم: ص443، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص382 ب163.

() عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله y: (أرأيت

الراد علي هذا الأمر كالراد عليكم: فقال يا أبا محمد من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالراد علي رسول الله وعلي الله عز وجل) وسائل الشيعة: ج1 ص 38 ح59 ب2، وقريب من هذه الألفاظ في بحار الأنوار: ج27 ص238ب10 ح 58 و ج100 ص121 ب2 ح 26.

() ويمكن أيضاً الإجابة عليها عبر الأجهزة الحديثة كالانترنيت حيث يمكن استحداث برنامج يتضمن أجوبة المسائل الفقهية، وحتي غير الفقهية، لأن في نشرها فائدة جمة.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص477 وفيه (من اشتغل بغير المهم ضيع الأهم).

() من وصية الإمام أمير المؤمنين y إلي أبنائه بعد أن ضربه الخارجي عبد الرحمن بن ملجم، أنظر نهج البلاغة: الكتاب 47، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 17 ص5 ب47، بحار الأنوار: ج42 ص256 ب127 ح58، مستدرك الوسائل: ج13 ص441 ب1 ح15849.

() للمزيد يراجع كتاب القواعد الفقهية للمؤلف.

() سورة النساء: الآية 94.

() غوالي اللئالي: ج2 ص 54 ح145.

() وكانت هذه الحرب قائمة عندما كتب الإمام المؤلف» دام ظله «هذا الكتاب، وذلك سنة 1319ه.

() خاصة وان بعض هذه الأمور يترتب عليها مسائل شرعية كالصلاة في القمر أو ما شابه.

() فقد ذكر العلاّمة المجلسي في البحار: ج 78 ص288 ب23 ح100 الحديث التالي: قيل للصادق y علي ماذا بنيت أمرك؟ فقال: علي أربعة أشياء علمت أن عملي لا يعمله غيري فاجتهدت، وعلمت أن الله عز وجل مطلّع عليّ فاستحييت، وعلمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأننت، وعلمت أن آخر أمري الموت فاستعددت.

() سورة غافر: الآية 28.

() الصراط المستقيم: ج3 ص71، مشكاة الأنوار: ص40، جامع الأخبار: ص95، دعائم الإسلام: ج1 ص 110 وص160، المحاسن: ص155، غوالي اللئالي: ج2 ص104.

() كذلك استخدام أجهزة الاتصالات

الحديثة للاتصال بالوكلاء والشخصيات والتجمعات والجمعيات. ويعتبر الانترنيت آخر مبتكرات العصر الحديث.

() كما أنهّ يلزم تحويل الرسائل العملية إلي أقراص كمبيوترية وبعثها إلي الدول الغربية وغيرها، وفي مجال مناسك الحج لا بأس بالاستعانة بالأفلام أو تمثيل الخطوات العملية في مناسك الحج.

() قصار الحكم: الحكمة 118، غرر الحكم ودرر الكلم: ص473، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص283 ب114، بحار الأنوار: ج71 ص217 ب66 ح22، وسائل الشيعة: ج16 ص84 ب91 ح21045.

(2) قصار الحكم: الحكمة 21، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص283 ب21، بحار الأنوار: ج31 ص337 ب81 ح23، وسائل الشيعة: ج16 ص84 ب91 ح21044.

() سورة التوبة: الآية 46.

() نهج البلاغة: الخطبة 3، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص151 ب3.

() الطمر _ بالكسر _ الثوب الخلق البالي.

() طعمه _ بضم الطاء _ ما يطعمه ويفطر عليه.

() نهج البلاغة: الكتاب 45، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص205 ب45.

() سورة البقرة: الآية 251.

() قصار الحكم: الحكمة 158، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص378 ب160، بحار الأنوار: ج71 ص427 ب93 ح76.

() وهي تهذيب الأحكام والاستبصار للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، والكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق.

() وقد مارس الإمام المؤلف هذا البند في موسوعة الفقه، وكتب في السياسة والاقتصاد والاجتماع والطب والإعلام وعلم النفس ولكنه لم يوفق أن يكتب في التربية والثقافة.

() سورة الزمر: الآية 9.

() سورة النازعات: الآية 30.

() سورة يس: الآية 40.

() سورة يس: الآية 40.

() سورة آل عمران: الآية 190.

() سورة المجادلة: الآية 11.

() مواسِمهُ: جمع مِيسَم وهو المكواة، يجمع علي مواسم ومَياسم.

() نهج البلاغة:

خطبة 108، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7 ص183 ب107، غرر الحكم ودرر الكلم: ص109.

() الرواح: السير من بعد الظهر.

() الإدلاج: السير من أول الليل.

() قصار الحكم: الحكمة 257، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج19 ص99ب254.

() قصار الحكم: الحكمة 372، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج19 ص303 ب378، وسائل الشيعة: ج16 ص325 ب14 ح 21668، بحار الأنوار: ج74 ص417 ب30 ح39.

() مكارم الأخلاق: ص251، بحار الأنوار: ج76 ص273 ب49 ح31.

() من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 168 ب2 ح 3631، الكافي (فروع): ج5 ص88 ح1، وسائل الشيعة: ج17 ص67 ب23 ح22001، فقه الرضا: ص208.

() فقد ورد في تهذيب الأحكام: ج6 ص384 ب22 ح 259، ووسائل الشيعة: ج17 ص42 ب10 ح21933 الحديث التالي: سئل الإمام الصادق y عن الفلاحين، فقال y: هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الإعمال شيء أحب إلي الله من الزراعة، وما بعث الله نبياً إلاَ زارعاُ إلاّ إدريس y فإنه كان خياطاً.

() فقد ورد عن الرسول الأكرم p: (أمرني ربي بمدارة الناس)، متشابه القرآن: ج1 ص219، وسائل الشيعة: ج12 ص200 ب121 ح 10681.

() البؤسي: شدة الفقر.

() جمع زمين وهو المصاب بالزمانة أي العاهة، وهم أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.

() قانعاً: سائلاً.

() معتراً: المتعرض للعطاء بلا سؤال.

() نهج البلاغة: الكتاب 53، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 17 ص85 ب53.

() نهج البلاغة: الكتاب 53، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج17 ص 87 ب53.

() قصار الحكم: الحكمة 86، غرر الحكم ودرر الكلم: ص41، خصائص الأمة: ص95، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص237 ب83.

() لكن من اللازم انتقاء الرسائل وعدم درج ما يسبب فضح

إنسان أو ما شابه، ولو أراد المرجع نشر مثل هذه الرسائل لفائدتها، فاللازم إسقاط إمضائها ليكون جمعاً بين الفائدتين.

() أما في الوقت الحاضر فقد أصبح العالم قرية واحدة عبر شبكات الاتصال ومنها الانترنيت، فبمقدور الإنسان أن يبعث برسالة واحدة إلي اكثر من مائة مليون إنسان في لحظة واحدة عبر الانترنيت.

فعلي المهتمين بتعريف الإسلام استخدام أقراص الكمبيوتر التي تزود بما يحتاجه الإنسان الغربي من معلومات حول الإسلام والتي تجيبه علي تساؤلاته المختلفة.

() معاني الأخبار: ص342، وسائل الشيعة: ج16 ص94ب95 ح21073، بحار الأنوار: ج71 ص173 ب64 ح5 و ج 78 ص 327 ب25 ح5.

() وسيتحدث المؤلف في ص141 عن تنشيط حركة الأسلمة في البلاد غير الإسلامية.

() وسائل الشيعة: ج 7 ص 113 ب42 ح8884، علل الشرائع: ص181، كشف الغمة: ج1 ص468، روضة الواعظين: ص329، دلائل الإمامة: ص56، بحار الأنوار: ج43 ص81 ب4 ح3. ونص الحديث عن الإمام الحسن y: قال رأيت أمي فاطمة ü قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتي أتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعون لنفسك كما تدعون لغيرك، فقالت: يا بني الجار ثم الدار.

() سورة الحشر: الآية 9.

() وقد طبع تحت عنوان حول التبليغ في الغرب.

() الكافي (فروع): ج5 ص113 ح1، الخصال: ص621 (بالمعني).

() واليوم يدخل» الانترنيت «_ ومعناه الشبكة الداخلية _ كأسلوب جديد في إيصال المعلومات ونشر الثقافة، فلا بدّ من الاستفادة من هذه الوسيلة الجديدة لنشر الإسلام عالمياً، إذ بمقدور المرجع الإجابة علي أسئلة المقلّدين له في لحظات عبر هذه الشبكة الواسعة التي توصل الشرق بالغرب في لحظات.

() سورة البقرة: الآية 208.

() هذا

في ذلك الزمان، أما في الوقت الحاضر، فان الأسلحة الموجودة في العالم تكفي لإبادة البشرية عشرات المرات.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.