ولكم في رسول الله ص أسوة

اشارة

اسم الكتاب: ولكم في رسول اللّه(ص) أسوة

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1426 ه

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالي في سورة الأحزاب: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ().

أنعم برسول الله صلي الله عليه و اله من أسوة … وأكرم به من قدوة لنا..

في هذه الآية الكريمة أمر رجوي إرشادي.. يأمرنا الله سبحانه بالإقتداء برسول الله صلي الله عليه و اله، والتأسي بشخصه الكريم، وسيرته العطرة الوضاءة، وسنته المباركة في كل زمان ومكان..

فمنذ أن كان الحبيب المصطفي صلي الله عليه و اله بين أبناء الأمة، وإلي يومنا هذا وحتي آخر فرد منها في الحياة، فهو صلي الله عليه و اله خير أسوة للناس.. وكل من أراد الفوز برضا الله، ودخول دار الكرامة والسلام عليه أن يقتدي برسول الله صلي الله عليه و اله وأهل البيت عليهم السلام الذين أوصي بهم، وأن يجعلهم أسوته الذين يتأسي بهم في حياته..

رسول الله صلي الله عليه و اله أسوة في كل الحياة.. وكل جوانبها الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والعبادية، وكل مفردة من هذه المفردات صغيرها وكبيرها.. وهذا ربما يتمثل بثلاثة اتجاهات رئيسية هي:

1- الإيمان الراسخ الناتج عن العلم والوعي الكامل بالرسالة المباركة..

2- الحفاظ علي الشريعة الإسلامية، عبر القيام بالواجبات والأوامر، والانتهاء عن النواهي والمحرمات، والوقوف عند الشبهات والحدود..

3- الأخلاق الرسالية المحمدية.. لأن رسالة بلا أخلاق هي رسالة شيطانية لا رحمانية.. والإسلام دين قيم ومبادئ ومُثُل عليا، جاءت لتنظم حياة الإنسان من جميع الجوانب، مع نفسه، ومع مجتمعه، ومع ربه قبل ذلك كله، ولم

يغفل الإسلام عن أي ناحية مهما كانت ضيقة أو مستورة..

وقد جاء في الحديث المشهور عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق (). نعم، وكان صلي الله عليه و اله خُلُقه القرآن حتي نزل فيه قوله تبارك وتعالي: وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ ().

والقرآن كتاب أخلاق وقيم، كما هو كتاب عقائد وأحكام.. وهو أيضاً كتاب اقتصاد واجتماع، بل سائر العلوم التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، وهو كل متكامل: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ? لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ()، لذا لا يمكن العمل بشيء وترك آخر، فنكون ك الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ()، أي مجزأ بأخذ ما يوافق هواه ويدع ما يشاء.

وهكذا يلزم أن نتعامل مع السنة النبوية الصحيحة الواصلة إلينا عن طريق أهل البيت ? تلك السيرة الرسالية المؤكدة. فنجعلها رديفاً للقرآن وتفسيراً حياً وواقعياً له، ونحاول التأسي برسول الله صلي الله عليه و اله في واقعنا المعاصر، فنقف حيث وقف ونسير مثلما سار، ونتمثله حيا بيننا، وهو صلي الله عليه و اله حي بخليفته الخاتم ولي الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام وكأننا نراه يسددنا ويرشدنا..

فندرس الحياة الاجتماعية للعصر الجاهلي، وكيف قلبها رسول الله صلي الله عليه و اله رأساً علي عقب، وكيف بدّل منظومة القيم البالية، والعادات السيئة إلي قيم نورانية وعادات إسلامية سماوية، وتقاليد أخوية.. فصنع مجتمعاً لم ير نظيره في الحياة كلها …

وكذلك ندرس الاقتصاد الإسلامي وظروفه الأولي.. والسياسة الإسلامية وكيف كانت خطوطها العريضة وحدودها الضيقة بكل تفاصيلها..

وهكذا كل شيء نراه أو نعيشه أو نحتاجه في هذا الزمن الصعب.. علينا أن نتبصر أولاً وقبل أي

شيء بالقرآن الصامت والناطق … أي بكتاب الله وسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل البيت الأطهار عليهم السلام.. لنستخلص الدروس والعبر، ونعرف الأحكام وشريعة الإسلام..

ومن جملة الأمور الهامة التي يلزم علينا بحثها ودراستها بشكل تفصيلي ودقيق، الكيفية والطريقة التي كان عليها رسول الله صلي الله عليه و اله في تعامله مع أعدائه خلال الحرب والسلم، وعند العهود والمواثيق والاتفاقيات، وأساليب الترقب والحيطة والحذر من غدرهم ومكائدهم.. لأن هذا التأريخ وهذا النوع من الدراسات والبحوث شبه مهملة من تأريخ رسول الله صلي الله عليه و اله، وليس لها إلا أهل الاختصاص، لا سيما وتشعب أنواع الحروب والأسلحة في عصرنا الحاضر.. ولعله يتبادر إلي ذهن البعض أن لا رأي للإسلام فيها، ولم يتطرق إليها لا من قريب ولا بعيد..

وقد صارت الأمة الإسلامية غرضاً يُرمي ويُعتدي عليها متي شاء الأعداء..

التأريخ الإسلامي يقول: إن رسول الله صلي الله عليه و اله هو أسوة لنا في الحرب كما هو قدوة لنا في السلم.. فأين نحن من هذه الدروس المستفادة من الحروب الدفاعية التي خاضها رسول الله صلي الله عليه و اله التي بلغت ثمانياً ما بين غزوة وسرية..

لا سيما الغزوات الكبري.. كمعركة بدر، وأحد، والأحزاب (الخندق)، وفتح مكة، وما جري في صلح الحديبية.. فهذه ذات دروس عظيمة يلزم دراستها من جديد، وصياغتها بفكر جديد، وأن نضفي عليها ثوباً عصرياً حضارياً جديداً، فأين أصحاب الاختصاص منها..

علماً أن الاستعمار وأذياله المتحركة عندنا يمنعون الأمة من دراسة تأريخ عظمائها من الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، ومن معرفة تفاصيل المعارك التي خاضها رسول الله صلي الله عليه و اله، لأسباب وعلل واهية وحجج باهتة، من أنها حروب بدائية ومتخلفة..

وتعاليمها أكل الدهر عليها وشرب، فأين السيف من الصاروخ، والفرس من الطائرة والدبابة العملاقة، والسفن الشراعية من حاملات الطائرات والغواصات النووية.. وغير ذلك مما اخترع من أنواع الأسلحة..

إلا أن الحق هو دراسة أصول المسألة وتفرعاتها، ومعرفة الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ.. وجند الله وجبهته من جند الشيطان وأعوانه.. وأين يكون رضا الله، وأين يكون سخطه وغضبه، وهكذا.

نعم، إن رسول الله صلي الله عليه و اله قائدنا ورائدنا في الحرب والسلم، فإنه خاض كل حروبه دفاعاً عن النفس، ورداً للعدوان، وحقناً للدماء ما استطاع إلي ذلك من سبيل، ودفع الحرب ما دفعت عنه بالمعاهدات والسلم.. ولم يخض حرباً ظلماً وعدواناً بل اضطراراً شديداً.. فكانت سياسته العامة سياسة السلم واللاعنف، ومنهجه بعيداً كل البعد عن الغدر والإرهاب.

فكانت حروبه كلها دفاعية، وكذلك هي حروب أمير المؤمنين عليه السلام فقد كان الشعار دائماً: لا أبدأهم بقتال وحتي بالبراز وطلب المبارزة، فكان يوصي بعدم فعلها لأن المبارز باغ عادة والباغي مخذول.. ولكن إذا دعيت إلي البراز فعليك أن تجيب …

وفي هذا الكتاب يذكرنا الإمام الراحل السيد الشيرازي(أعلي الله مقامه)، بوجوب الإقتداء برسول الله صلي الله عليه و اله في الحرب وأسلوبها، والحذر من العدو الذي له إشكال متعددة.. ويعرض ذلك عرضاً جميلاً مدعماً بحثه بالقصص التأريخية والواقعية المعاصرة..

ونحن في مؤسسة المجتبي إذ نقوم بنشر هذا الكتاب، نرجو من الله أن يوفقنا لنشر المزيد من تراث الإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله درجاته)، فإنها ثروة قيمة في إغناء المكتبة الإسلامية وتوعية أفراد الأمة.

ونسأل الله أن يسدد الجميع إلي ما فيه الإقتداء برسول الله صلي الله عليه و اله وبأهل بيته الطيبين الأكرمين عليهم السلام..

إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان

بسم الله

الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الرسول صلي الله عليه و اله ونزاهة الحرب

قال الله تعالي في كتابه الكريم: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ().

وقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ().

بعث الله عزوجل النبي محمداً صلي الله عليه و اله رحمة للعالمين، فجاء بشيراً ونذيراً إلي الناس أجمعين فاهتدي العديد منهم ببركته صلي الله عليه و اله ولكن البعض أخذ يحارب النبي صلي الله عليه و اله والمسلمين، فأخذ المشركون يخططون لقتل النبي صلي الله عليه و اله وقتل أصحابه، وفرضوا علي رسول الله صلي الله عليه و اله عشرات الغزوات، وكلها كانت دفاعية من قبل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وكانت سياسته في الحرب مبتنية علي الأخلاق الطيبة، والعفو عن المجرمين، ومداراة الأسري، والسعي في هدايتهم إلي الصراط المستقيم بعيداً عن الغدر والخيانة، والعنف والإرهاب.

فكان رسول الله صلي الله عليه و اله خير أسوة للبشرية حتي في ميادين الحرب، كما قال تعالي: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ()، فإن حذف المتعلق يفيد العموم، علي ما ذكره العلماء في البلاغة والأصول.

قريش والحرب والانتقام

كانت بذور الانتقام والحقد والثأر من المسلمين، قد بُذرت في مكة من زمن بداية الدعوة الإسلامية، ثم أجج ذلك انهزام المشركين في معركة بدر() وسرية محمّد بن مسلمة، واعتمد طواغيت قريش خطة التهييج العاطفي أيضاً وذلك بمنع ذوي القتلي من البكاء والنياحة علي قتلي معركة بدر؛ وهذا مما ساعد علي إذكاء روح الانتقام لدي قريش.

كما أن تعذر مرور قوافلها التجارية عبر طريق مكة المدينة الشام، واضطرارها إلي سلوك طرق أخري كطريق العراق للسفر إلي الشام، أو طريق الساحل، زاد

هو الآخر من سخطها وانزعاجها.

كما أجج مقتل (كعب بن الأشرف) أوار هذا الحقد وأوقد لهيبه في النفوس().

ومن هنا اقترح (صفوان بن أمية) ()..

و(عكرمة بن أبي جهل) ()..

علي (أبي سفيان)() بالحرب ضد الرسول صلي الله عليه و اله والمسلمين والاستعداد لها.

فقد قيل: لما أصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلهم أي منهزموهم إلي مكة، مشي صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، في رجال من قريش، أصيب آباؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب، ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة. فقالوا: يا معشر قريش، إن محمداً قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال الذي أفلت علي حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا، ففعلوا.

نعم، لقي هذا الاقتراح قبولاً من أبي سفيان، وتقرر الإعداد للحرب، فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلي الله عليه و اله حتي فعل أبو سفيان ذلك.

وقد أشار القرآن الكريم إلي هذا الموضوع، كما ذكر كيف أن قريشاً لم تحصد من هذا الإنفاق إلا الخيبة والخسران، حيث قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلي جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ().

وحيث إن زعماء قريش كانوا علي علم بقوة المسلمين، وقد رأوا ولمسوا عن كثب شجاعتهم، واستقامتهم وثباتهم في معركة بدر؛ قرروا أن يتألف جيشهم هذه المرة من صناديد أكثر القبائل، وشجعانها البارزين وأبطالها المعروفين. كما أنهم أشركوا في هذا المعركة طائفة من العبيد والرقيق، أغروهم ووعدوهم في العتق إن نصروا أسيادهم وقاتلوا بين أيديهم، كما حصل مع (وحشي)، وكان يقذف بحربة له قذف الحبشة وقلّما يخطئ بها. فقد قيل له: اخرج مع الناس، فإن نلت محمداً أو علياً أو

حمزة فأنت عتيق().

استقبل المشركون كلام أبي سفيان وأصحابه بقبول كامل وتصميم عالٍ، فقالوا: نحن لا نرجع حتي نحقق أحد الأمور الثلاثة، وهي:

أولاً: قتل رسول الله صلي الله عليه و اله، وبقتله صلي الله عليه و اله ينتهي الدين الذي جاء به علي حد زعمهم .

ثانياً: قتل علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي يمثل بطولة الإسلام والمؤثر الكبير في نتائج الحروب، وهو الشخصية الثانية بعد رسول الله صلي الله عليه و اله.

ثالثاً: دخول المدينة غيلة، وعلي حين غرة وغفلة من المسلمين، فيوقعوا القتل والسبي والنهب بأهلها.

عندها نزل الوحي علي النبي الأعظم صلي الله عليه و اله، وأخبره بما يضمر المشركون، وكان نزوله بشارة للمسلمين وبعثاً للاطمئنان في قلوبهم، وخصوصاً مع ما كان عليه رسول الله صلي الله عليه و اله من الاستعداد والتأهب لمواجهة أخطار العدو.

استعداد المسلمين

كان رسول الله صلي الله عليه و اله في قمة الحذر من الأعداء رعاية وحفظاً لأنفس المسلمين، فكان ينشر العيون علي الحدود وأطراف المدينة، ليترصدوا أيّ خطر أو غارة يمكن أن يداهمهم بها الكفار والمنافقون، وكانت هذه العيون علي شكل دوريات حسب اصطلاح اليوم وهي تتكون عادة من شخصين أو ثلاثة أو خمسة، وأحياناً تتكون الدورية من عشرة أشخاص، ليكون النبي الأعظم صلي الله عليه و اله علي إطلاع كامل بتحركات العدو من خلال هذه الدوريات إضافة إلي التسديد الإلهي، فيكون صلي الله عليه و اله قد أعدّ العدة الكافية للمواجهة من الناحية المادية والظاهرية.

أما من الناحية المعنوية، فبالإضافة إلي الإخلاص والإيمان بالله سبحانه، الذي كان الوازع والدافع الرئيسي للمسلمين علي الثبات والمقاومة، عزّزه الله سبحانه بنزول جبرئيل عليه السلام بالبشارة، وتشديد العزم وتقوية الإرادة.

وهكذا كان الرسول الأعظم صلي

الله عليه و اله يمتلك معرفة كبيرة بأوضاع العدو في جميع حروبه، حينما كان يرسل الدوريات وفرق الاستطلاع؛ ليعرف تحركات العدو، ومقدار القوة التي يمتلكها، ومواطن الضعف فيه، بالإضافة إلي إطلاعه الكامل علي مجريات الأمور في الداخل.

معركة أحد

قال المفسر الكبير العلامة القمي في تفسيره: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ () يعني: بعهد من الله وعقد من رسول الله صلي الله عليه و اله.

وفي تفسير فرات الكوفي: عن الإمام الباقر عليه السلام قال: حبل من الله: كتابه، وحبل من الناس: علي بن أبي طالب عليه السلام ().

ثم ضرب للكفار من أنفق ماله في غير طاعة الله مثلاً، فقال: مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أي: برد، أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ أي: زرعهم وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ().

وقوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ().

فقد روي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سبب نزول هذه الآية أن قريشاً خرجت من مكة تريد حرب رسول الله صلي الله عليه و اله، فخرج يبغي موضعاً للقتال. وقوله: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا () نزلت في عبد الله بن أُبيّ، وقوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج، والقعود عن نصرة رسول الله صلي الله عليه و اله.

قال: وكان سبب غزوة أحد() أن قريشا لما رجعت من بدر إلي مكة، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر؛ لأنه قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، فلما رجعوا إلي مكة، قال أبو سفيان: يا معشر قريش، لا تدعوا النساء تبكي علي قتلاكم؛ فإن البكاء

والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد، ويشمت بنا محمد وأصحابه.

فلما غزوا رسول الله صلي الله عليه و اله يوم أحد، أذنوا لنسائهم بعد ذلك في البكاء والنوح، فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله صلي الله عليه و اله إلي أحد، ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها، فجمعوا الجموع والسلاح، وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، وأخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثنهم علي حرب رسول الله صلي الله عليه و اله، وأخرج أبو سفيان هند بنت عتبة، وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية.

فلما بلغ رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك جمع أصحابه، وأخبرهم: إن الله قد أخبره، أن قريشاً قد تجمعت تريد المدينة، وحث أصحابه علي الجهاد والخروج، فقال عبد الله بن أبيّ [سلول] وقومه: يا رسول الله، لا تخرج من المدينة حتي نقاتل في أزقتها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة علي أفواه السكك وعلي السطوح، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا، وما خرجنا إلي أعدائنا قط إلا كان الظفر لهم.

فقام سعد بن معاذ رحمة الله عليه وغيره من الأوس، فقالوا: يا رسول الله، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يمطعون فينا وأنت فينا! لا، حتي نخرج إليهم فنقاتلهم فمن قتل منا كان شهيداً، ومن نجا منا كان قد جاهد في سبيل الله.

فقبل رسول الله قوله، وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضع القتال، كما قال الله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ إلي قوله إِذْ هَمَّتْ طائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه. فضرب رسول الله صلي الله عليه و اله معسكره مما يلي من طريق

العراق، وقعد عبد الله بن أبي وقومه من الخزرج اتبعوا رأيه، ووافت قريش إلي أحد.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله عدّ أصحابه وكانوا سبعمائة رجلاً، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة علي باب الشعب، وأشفق أن يأتي كمينهم في ذلك المكان، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لعبد الله بن جبير وأصحابه: إن رأيتمونا قد هزمناهم حتي أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتي أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم.

ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كميناً، وقال لهم: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتي تكونوا من ورائهم.

مقام أمير المؤمنين عليه السلام في أحد

فلما أقبلت الخيل واصطفوا، وعبأ رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه، ودفع الراية إلي أمير المؤمنين عليه السلام، فحملت الأنصار علي مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم()، وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس، فلقي عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا، ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلي أصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم، قالوا لعبد الله بن جبير: تقيمنا هاهنا وقد غنم أصحابنا ونبقي نحن بلا غنيمة؟ فقال لهم عبد الله: اتقوا الله، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قد تقدم إلينا أن لا نبرح، فلم يقبلوا منه، وأقبل ينسل رجل فرجل حتي أخلوا من مركزهم، وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلاً. وقد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار، فبرز ونادي: يا محمد، تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلي النار ونجهزكم بأسيافنا إلي الجنة، فمن شاء أن يلحق

بجنته فليبرز إليَّ، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام يقول:

يا طلح إن كنت كما تقول لنا خيول ولكم نصول

فاثبت لننظر أينا المقتول

وأينا أولي بما تقول

فقد أتاك الأسد الصؤول

بصارم ليس به فلول

بنصرة القاهر والرسول

فقال طلحة: من أنت يا غلام؟.

قال: أنا علي بن أبي طالب.

قال: قد علمت يا قضيم، أنه لا يجسر عليَّ أحد غيرك، فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه أمير المؤمنين عليه السلام بالجحفة، ثم ضربه أمير المؤمنين عليه السلام علي فخذيه فقطعهما جميعاً فسقط علي ظهره، وسقطت الراية. فذهب علي عليه السلام ليجهز عليه فحلفه بالرحم، فانصرف عنه فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه؟.

قال: قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً. وأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية علي الأرض، فأخذها شافع [مسافع] بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام فسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام فسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام، فسقطت الراية إلي الأرض، وأخذها أبو عذير بن عثمان فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية إلي الأرض، فقتل أمير المؤمنين عليه السلام التاسع من بني عبد الدار، وهو أرطاة بن شرحبيل مبارزة وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين عليه السلام علي يمينه فقطعها، وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين عليه السلام علي شماله فقطعها، وسقطت الراية إلي الأرض، فاحتضنها بيديه المقطوعتين، ثم قال: يا بني عبد الدار، هل أعذرت فيما بيني وبينكم، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام علي رأسه فقتله، وسقطت

الراية إلي الأرض، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية فقبضتها.

وانحط خالد بن الوليد علي عبد الله بن جبير، وقد فر أصحابه وبقي في نفر قليل، فقتلوهم علي باب شعب، واستعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف، ونظرت قريش في هزيمتها إلي الراية قد رفعت فلاذوا بها، وأقبل خالد بن الوليد يقتل المسلمين، فانهزم أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله هزيمة قبيحة. وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه، فلما رأي رسول الله صلي الله عليه و اله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: إني أنا رسول الله، إلي أين تفرون عن الله وعن رسوله؟.

وسُئل أبو عبد الله عليه السلام عن معني قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي عليه السلام: يا قضيم؟.

قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، واغروا به الصبيان، وكانوا إذا خرج رسول الله صلي الله عليه و اله يرمونه بالحجارة والتراب، فشكا ذلك إلي علي صلي الله عليه و اله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إذا خرجت فأخرجني معك، فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله ومعه أمير المؤمنين عليه السلام، فتعرض الصبيان لرسول الله صلي الله عليه و اله كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام، وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم، فكانوا يرجعون باكين إلي آبائهم ويقولون: قضمنا علي، قضمنا علي، فسمي لذلك القضيم.

وروي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال: كنت أماشي فلاناً، إذ سمعت منه همهمة، فقلت له: مه، ما ذا يا فلان؟.

قال: ويحك، أما تري الهزبر القضم بن القضم، والضارب بالبهم، الشديد علي من طغي وبغي، بالسيفين والراية، فالتفت فإذا هو علي بن

أبي طالب، فقلت له: يا هذا، هو علي بن أبي طالب؟! فقال: ادن مني أحدثك عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي صلي الله عليه و اله يوم أحد علي أن لا نفر، ومن فر منا فهو ضال، ومن قتل منا فهو شهيد والنبي صلي الله عليه و اله زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد، تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون، فأزعجونا عن طحونتنا، فرأيت علياً كالليث يتقي الذر [الدر] وإذ قد حمل كفاً من حصي فرمي به في وجوهنا، ثم قال: شاهت الوجوه، وقطت وبطت ولطت، إلي أين تفرون، إلي النار فلم نرجع، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت، فقال: بايعتم ثم نكثتم، فو الله لأنتم أولي بالقتل ممن قتل، فنظرت إلي عينيه كأنهما سليطان يتوقدان ناراً، أو كالقدحين المملوين دماً، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي، فقلت: يا أبا الحسن، الله الله، فإن العرب تكر وتفر، وإن الكرة تنفي الفرة، فكأنه ? استحيا فولي بوجهه عني، فما زلت أسكن روعة فؤادي، فو الله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتي الساعة. ولم يبق مع رسول الله صلي الله عليه و اله إلا أبو دجانة الأنصاري، وسماك بن خرشة، وأمير المؤمنين عليه السلام. فكلما حملت طائفة علي رسول الله صلي الله عليه و اله استقبلهم أمير المؤمنين عليه السلام فيدفعهم عن رسول الله صلي الله عليه و اله ويقتلهم حتي انقطع سيفه.

وبقيت مع رسول الله صلي الله عليه و اله نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله صلي الله عليه و اله في غزواته تداوي الجرحي، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت

عليه فقالت: يا بني، إلي أين تفر عن الله وعن رسوله؟. فردته فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت علي الرجل فضربته علي فخذه فقتلته، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: بارك الله عليكِ يا نسيبة. وكانت تقي رسول الله صلي الله عليه و اله بصدرها وثدييها ويديها حتي أصابتها جراحات كثيرة.

وحمل ابن قميتة [قمية] علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: أروني محمداً لا نجوت إن نجا محمد. فضربه علي حبل عاتقه، ونادي: قتلت محمداً واللات والعزي. ونظر رسول الله صلي الله عليه و اله إلي رجل من المهاجرين قد ألقي ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة، فناداه: يا صاحب الترس، ألق ترسك ومر إلي النار فرمي بترسه، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا نسيبة، خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان.

فلما انقطع سيف أمير المؤمنين عليه السلام جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله، إن الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي. فدفع إليه رسول الله صلي الله عليه و اله سيفه ذا الفقار، فقال: قاتل بهذا، ولم يكن يحمل علي رسول الله صلي الله عليه و اله أحد إلا يستقبله أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا رأوه رجعوا، فانحاز رسول الله صلي الله عليه و اله إلي ناحية أحد، فوقف وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه، فلم يزل أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم حتي أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه، وسمعوا منادياً ينادي من السماء: لا سيف إلا

ذو الفقار، ولا فتي إلا علي.

فنزل جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: هذه والله المواساة يا محمد، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: لأني منه وهو مني، وقال جبرئيل: وأنا منكما.

مقتل حمزة عليه السلام

وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلاً ومكحلة، وقالت: إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا. وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل علي القوم، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد، وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهداً: لئن قتلت محمداً أو علياً أو حمزة لأعطيتك رضاك، وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشياً، فقال وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، وأما علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه. قال: فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هداً، فمر بي فوطئ علي جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها، ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من مثانته مغمسة بالدم فسقط. فأتيته فشققت بطنه وأخذت كبده، وأتيت بها إلي هند فقلت لها: هذه كبد حمزة، فأخذتها في فيها فلاكتها، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة()، فلفظتها ورمت بها، فبعث الله ملكاً فحملها وردها إلي موضعها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يأبي الله أن يدخل شيئاً من بدن حمزة النار، فجاءت إليه هند فقطعت أذنيه، وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه.

وتراجعت الناس فصارت قريش علي الجبل، فقال أبو سفيان وهو علي الجبل: أعلُ هُبَل، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لأمير المؤمنين عليه السلام قل له: الله أعلي وأجل. فقال: يا علي، إنه قد أنعم علينا، فقال علي عليه السلام: بل الله أنعم علينا. ثم قال أبو سفيان: يا علي،

أسألك باللات والعزي، هل قُتل محمد؟.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لعنك الله ولعن الله اللات والعزي معك، والله ما قُتل محمد صلي الله عليه و اله وهو يسمع كلامك. فقال: أنت أصدق، لعن الله ابن قميئة، زعم أنه قَتل محمداً.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ()، فإن المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم من الجنة، رغبوا في ذلك فقالوا: اللهم أرنا القتال نستشهد فيه، فأراهم الله إياه في يوم أحد، فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم، فذلك قوله: ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ.

وأما قوله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقَابِكُمْ ()، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله لما خرج يوم أحد وعهد العاهد به علي تلك الحال، فجعل الرجل يقول لمن لقيه: إن رسول الله صلي الله عليه و اله قد قُتل، النجاء. فلما رجعوا إلي المدينة أنزل الله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلي قوله انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ يقول: إلي الكفر.

قال: وتراجع أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله المجروحون وغيرهم، فأقبلوا يعتذرون إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، فأحب الله أن يعرف رسوله من الصادق منهم ومن الكاذب، فأنزل الله عليهم النعاس في تلك الحالة حتي كانوا يسقطون إلي الأرض، وكان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون قد طارت عقولهم، وهم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم. فأنزل الله نُعاساً يَغْشي طائِفَةً مِنْكُمْ يعني: المؤمنين، وطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ

يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قال الله لمحمد صلي الله عليه و اله قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأَمْرِ شَيٍْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا يقولون: لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال له: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلي مَضَاجِعِهِمْ ولِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ولِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ () فأخبر الله رسوله ما في قلوب القوم، ومن كان منهم مؤمناً، ومن كان منهم منافقاً كاذباً بالنعاس، فأنزل الله عليه مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ () يعني: المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنعاس الذي ميز بينهم. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ أي: خدعهم حتي طلبوا الغنيمة بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا قال: بذنوبهم ولَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ ()، ثم قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه الذين قعدوا عن الحرب، وَقَالُوا لإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّي لَوْ كَانُوا عِنْدَنا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ واللهُ يُحْيِي ويُمِيتُ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ()، ثم قال لنبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أي: انهزموا ولم يقيموا معك، ثم قال تأديباً لرسوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ? إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ

بَعْدِهِ وعَلَي اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ().

فلما سكن القتال قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من له علم بسعد بن الربيع؟.

فقال رجل: أنا أطلبه، فأشار رسول الله صلي الله عليه و اله إلي موضع فقال: اطلبه هناك، فإني قد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثنا عشر رمحاً.

قال: فأتيت ذلك الموضع، فإذا هو صريع بين القتلي، فقلت: يا سعد، فلم يجبني ثم قلت: يا سعد، فلم يجبني، فقلت: يا سعد إن رسول الله صلي الله عليه و اله قد سأل عنك، فرفع رأسه، فانتعش كما ينتعش الفرخ، ثم قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله لحي؟. قلت: إي والله، إنه لحي، وقد أخبرني أنه رأي حولك اثني عشر رمحاً. فقال: الحمد لله صدق رسول الله صلي الله عليه و اله لقد طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها قد جأفتني()، أبلغ قومي الأنصار السلام وقل لهم: والله، ما لكم عند الله عذر أن تشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفس، فخرج منه مثل دم الجزور، وقد كان اختفي في جوفه، وقضي نحبه رحمة الله عليه.

ثم جئت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبرته، فقال: رحم الله سعداً، نصرنا حياً وأوصي بنا ميتاً.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من له علم بعمي حمزة؟.

فقال الحرث بن سمية: أنا أعرف موضعه. فجاء حتي وقف علي حمزة، فكره أن يرجع إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فيخبره، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي، اطلب عمك. فجاء علي عليه السلام فوقف علي حمزة، فكره أن يرجع إليه، فجاء رسول الله صلي

الله عليه و اله حتي وقف عليه، فلما رأي ما فُعل به بكي، ثم قال: والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ عليَّ من هذا المكان، لئن أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم. فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: وإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ()، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: بل أصبر.

فألقي رسول الله صلي الله عليه و اله علي حمزة بردة كانت عليه، فكانت إذا مدها علي رأسه بدت رجلاه، وإذا مدها علي رجليه بدا رأسه، فمدها علي رأسه وألقي علي رجليه الحشيش. وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله بالقتلي فجمعوا، فصلي عليهم ودفنهم في مضاجعهم، وكبر علي حمزة سبعين تكبيرة.

قال: وصاح إبليس لعنه الله بالمدينة: قُتل محمد، فلم يبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار إلا خرجن، وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله تعدو علي قدميها، حتي وافت رسول الله صلي الله عليه و اله وقعدت بين يديه، فكان إذا بكي رسول الله صلي الله عليه و اله بكت لبكائه، وإذا انتحب انتحبت.

ونادي أبو سفيان: موعدنا وموعدكم في عام قابل، فتقبل؟.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لأمير المؤمنين صلي الله عليه و اله: قل: نعم.

قال: وتآمرت قريش علي أن يرجعوا علي المدينة، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من رجل يأتينا بخبر القوم؟. فلم يجبه أحد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا آتيك بخبرهم، قال: اذهب، فإن كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهم يريدون المدينة، والله، لئن أرادوا المدينة لا يأذن الله فيهم، وإن كانوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة.

فمضي أمير

المؤمنين عليه السلام علي ما به من الألم والجراحات حتي كان قريباً من القوم، فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، فرجع أمير المؤمنين إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبره، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أرادوا مكة.

فلما دخل رسول الله صلي الله عليه و اله المدينة نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأمر رسول الله صلي الله عليه و اله منادياً ينادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها، فأنزل الله علي نبيه: وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ().

وقال عزوجل: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ()، فخرجوا علي ما بهم من الألم والجراح، فلما بلغ رسول الله صلي الله عليه و اله بحمراء الأسد، وقريش قد نزلت الروحاء، قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن عاص وخالد بن الوليد: نرجع فنغير علي المدينة؛ فقد قتلنا سراتهم وكبشهم، يعني: حمزة. فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر؟.

فقال: تركت محمداً وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب.

فقال أبو سفيان: هذا النكد والبغي، قد ظفرنا بالقوم وبغينا، والله ما أفلح قوم قط بغوا، فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي، فقال أبو سفيان: أين تريد؟. قال: المدينة لأمتار لأهلي طعاماً. قال: هل لك أن تمر بحمراء الأسد، وتلقي أصحاب محمد وتعلمهم: أن خلفاءنا وموالينا قد وافونا

من الأحابيش، حتي يرجعوا عنا، ولك عندي عشرة قلائص أملؤها تمراً وزبيباً؟. قال: نعم. فوافي من غد ذلك اليوم حمراء الأسد، فقال لأصحاب محمد صلي الله عليه و اله: أين تريدون؟. قالوا: قريش. قال: ارجعوا؛ فإن قريشاً قد أجنحت إليهم خلفاؤهم، ومن كان تخلف عنهم، وما أظن إلا وأوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة. فقالوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ()، ونزل جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ارجع يا محمد؛ فإن الله قد أرهب قريشاً، ومروا لا يلوون علي شي ء.

ورجع رسول الله صلي الله عليه و اله إلي المدينة، وأنزل الله: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ () يعني: نعيم بن مسعود، فهذا اللفظ عام ومعناه خاص إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ? فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ()،().

روي عكرمة قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلي الله عليه و اله، لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول الله ليفر، وما رأيته في القتلي، فأظنه رفع من بيننا، فكسرت جفن سيفي، وقلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتي أقتل، وحملت علي القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله صلي الله عليه و اله وقد وقع علي الأرض مغشياً عليه، فقمت علي رأسه فنظر إليَّ، فقال: ما صنع الناس يا علي؟.

فقلت: كفروا يا رسول الله، وولوا وأسلموك.

فنظر إلي كتيبة

قد أقبلت فقال صلي الله عليه و اله: رد يا علي عني هذه الكتيبة، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتي ولوا الأدبار. فقال لي النبي: أ ما تسمع مديحك في السماء إن ملكاً يقال له: رضوان، ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي، فبكيت سروراً وحمدت الله علي نعمه.

وتراجع المنهزمون من المسلمين إلي النبي صلي الله عليه و اله، وانصرف المشركون إلي مكة، وانصرف النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة، فاستقبلت فاطمة ? ومعها إناء فيه ماء فغسلت به وجهه، ولحقه أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ذو الفقار، وقد خضب الدم يده إلي كتفه، فقال لفاطمة ?: خذي هذا السيف قد صدقني اليوم،

وقال:

أ فاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بمليم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد

وطاعة رب بالعباد عليم

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: خذيه يا فاطمة فقد أدي بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش ().

تراجع الكفار إلي مكة

نعم، إن جبرئيل عليه السلام بعد معركة أحد قد نزل يخبر رسول الله صلي الله عليه و اله بأن أبا سفيان وأصحابه يريدون القيام بهجوم علي المسلمين مرة ثانية للقضاء عليهم، فقام الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بجمع المسلمين، وباغتهم بأن أظهر أنه يريد الهجوم عليهم وقتالهم؛ وقد سبب ذلك تراجع الكفار إلي مكة.

إن رسول الله صلي الله عليه و اله اتبع في تاريخ الحروب أسلوباً وتكتيكاً فريداً؛ فعلي الرغم من أن المسلمين كانوا لا يمتلكون القوة والمئونة الكافية من الماء والغذاء للاستعداد لمواجهة العدو في معركة ثانية، وهذا مما يبطئ المقاتل ويقعده عن مواجهة أعدائه، نري الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قد

أمر من بقي من المسلمين، وفيهم الجرحي بالذهاب نحو العدو الذي كان يستعد للهجوم عليهم مرة ثانية، وكان هدف الرسول صلي الله عليه و اله من هذا الإجراء إدخال الخوف والرعب في قلوب المشركين، والإشارة إليهم بأن لا تظنوا بأننا نخاف منكم بسبب الإصابات والجراحات التي نالت المسلمين، فنحن اليوم نرسل إليكم هؤلاء المجروحين، وهؤلاء سوف يوقعون بكم الهزيمة والانكسار وهم جرحي، فكيف بكم إن واجهكم الجيش الاحتياطي الذي لم ير تعباً ولا أذي؛ وهذه هي مسألة تكوين الخط الثاني للجيش، ومن فوائده إلقاء الرعب في قلوب المشركين والمنافقين.

ولما أمر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله الخط الأول وهم الجرحي بالذهاب إلي القتال، ترددوا قليلاً في بادئ الأمر، وأخذ يسأل بعضه بعضاً: هل نملك الاستعداد الكافي لذلك، جراحنا لا زالت تؤلمنا؟. ولا ريب أن وسائل التضميد والمداواة كانت آنذاك بسيطة وقليلة؛ إذ كانوا يحرقون جريد النخل ويضعون رماده علي الجرح لأجل إبرائه().

فعندما ظهر التردد في المسلمين نزلت الآية الكريمة: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُه ()، فإن كان عذركم أيها المسلمون هو إصابتكم بالجروح والأذي، فقد مس أعداءكم القرح الكثير أيضاً، بالإضافة إلي أنهم قطعوا مسافات طويلة تقارب ال (500) كيلومتر بحساب اليوم، لكون هذه المعركة معركة أحد كانت بالقرب من المدينة المنورة، والمسافة بين مكة والمدينة ما يقارب (الخمسمائة) كيلومتر.

هذا، بغض النظر عما يرافق ذلك الطريق الشاق من حرارة الشمس القوية والجوع والعطش، كل ذلك قد عاناه الكفار من أجل الوصول إلي ساحة المعركة؛ ولذا نري أن الخطاب كان موجهاً إلي تلك الفئة من المسلمين، حيث يقول الله تعالي: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ () ولم يقل إن يصبكم، فهنا إشارة بلاغية رائعة؛

وهي أن المس لا يصيب إلا الجسد، ومعناه: إن قلوبكم سالمة، وأن إيمانكم لا يزال في قوته وصلابته، فليس من المهم جداً إصابة الجسد ببعض الجروح، بل المهم هو بقاء المحتوي الروحي والإيماني سالماً لم يمسه شيء().

فأنتم أيها المجاهدون، قلوبكم صالحة وما تزال الروح الإيمانية تعيش في داخلها، وشخصياتكم ما تزال شامخة وصلبة، والسنة الإلهية هي أن يجعل الله قدرات الدنيا عند من هو أكثر عملاً وسعياً، وقد أشار القرآن الكريم إلي هذا المعني في آيات كثيرة، حيث قال تعالي: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعي ()، وقال سبحانه: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَيْنَ النَّاس ()، وقال سبحانه: كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ().

من هنا يلزم أن لا يتوقع الإنسان أن تكون قدرات الدنيا بيده، وهو لم يقدم عملاً لذلك، فكل من يسعي ويبذل الجهود فإن النصر والفلاح سوف يكون من نصيبه، وإن تقاعس عن الذهاب إلي الحرب وتخاذل في صد العدو فإن الهزيمة والانكسار سوف تكون من نصيبه والنصر لأعدائه.

من أعان ظالماً سلطه الله عليه

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أعان ظالماً سلطه الله عليه ().

ذكر في الإذاعات العالمية: إن الشاه المخلوع() ذهب إلي أنور السادات() حاكم مصر، ظاناً بأنه سيرجع إلي عرشه ومنصبه، ولكنه واهم في ذلك؛ فكما أن الإنكليز قد قتلوا أباه من قبل فإنهم سيقتلونه أيضاً().

وقصة قتل أبيه رضا خان() معروفة، حيث إن الإنكليز في بداية الأمر عزلوه من السلطة لكونهم هم الذين جاءوا به إلي الحكم. وإني أتذكر يوم عزله حيث كان ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، فعزلوه عن منصبه وأرسلوه إلي جزيرة موريس()، وكان ذلك جزاءً منهم لخدماته الكثيرة لهم، والتي لا تعد ولا

تحصي، ابتداءً من جعل ثروات إيران بين أيديهم، ومحاربة الإسلام وتخريب المساجد وتشجيعه النساء علي خلع الحجاب، بل فرضه عليهن ذلك، وانتهاءً بمحاربة العلماء الأعلام وزجهم في السجون وممارسة أبشع أنواع التعذيب بحقهم، وإدخال الكثير من العملاء والجواسيس الأجانب وتوطينهم في البلاد، بالإضافة إلي الخدمات الأخري غير ذلك، ولكن كانت نتيجتها أن يموت شر ميتة وفي أسوأ مكان!! حقاً إن: من أعان ظالماً سلطه الله عليه.

وهذه سنة الحياة، فإذا رأيت مثلاً عقرباً يتوجه نحو إنسان، فلابد أن تسعي لقتل ذلك العقرب، فإذا لم تتحرك لإنقاذ ذلك الإنسان وقتل العقرب، فسوف يأتي عقرب آخر ويقتلك.

يذكر أنه بسبب رداءة الهواء وتلوث المياه، تمرض رضا خان مرضاً شديداً، وطلب من أسياده الإنكليز أن يهيئوا له طبيباً لمعالجته، لكنهم لم يوافقوا علي طلبه بل تركوه منبوذاً مطروداً، حتي جاء أمر من رئيس وزراء بريطانيا (تشرشل) () إلي ممثله في الجزيرة بأن يرسلوا إليه طبيباً ليزرقه إبرة الموت، وذلك بعدما ترجي ولده من الحكومة البريطانية بأن يرفقوا به ويرسلوه إلي موسكو ليقضي آخر أيام حياته هناك، ولكن تشرشل لم يوافق علي ذلك، بل أرسل له الطبيب لينهي حياته تلك الحياة التي جعلها في خدمة من قتله، وتناقلت الصحف العالمية ذلك الخبر.

وهذا العمل يفعلونه مع أي عميل لهم بعد أن تنفذ طاقته ويعد غير ذي فائدة لهم؛ لأن غايتهم النهب والاستغلال والتوسع.

ثم إن الحكومات الاستعمارية متشابهة في مكرها وفسادها، وظلمها وسلبها لحقوق الشعوب، مهما تبدلت الألوان والشخصيات والأسماء، بل هم حقيقة واحدة بشخصيات متعددة.

فلا تتصور أن كذب ومكر الأعداء يقل شيئاً بتبدّل الأشخاص والمناصب، فإن الكلام كثيراً ما يختلف عن واقع الأمر وحقيقته، والسياسة الاستعمارية الظالمة التي تنتهجها تلك الأنظمة الفاسدة

هي المؤثرة في الواقع.

فتري من أعمالهم الإجرامية أنهم كانوا يقتلون مناوئيهم في (بنما) مثلاً وذلك بأن يقولوا لطبيب ما: اذهب إلي هذا الشخص وأعطه الدواء الفلاني، حيث يتصور فيه علاجه، وإذا فيه هلاكه، ثم ينشر خبراً بأنه أصيب بمرض السرطان وتوفي بسببه.

دروس وعبر

اليوم، أمامنا عدو شرس الطباع، وعلينا أن نكون واعين حذرين، وأن نعرف الأفضل للمواجهة، وفي مثل زماننا تكون المواجهة عبر الطرق السلمية وتثقيف الشعب وما أشبه.

إن العدو الذي نواجهه اليوم، هو الاستعمار..

إنها الدول الاستعمارية التي تريد أن تقضي علي كل أثر للإسلام، بل تريد الوقوع بنا والنيل من كرامتنا وديننا، فعلينا أن نعرف عدونا بشكل كامل، وأن نقف أمام مؤامراته وحيله بكل قوة وصلابة بالطرق السلمية المشروعة؛ إذ أن لهؤلاء أياد خبيثة يرسلونها إلي كل المناطق لينشروا أفكارهم ومخططاتهم الخطيرة.

مما يلزم علي جميع المسلمين أن يعرفوا ما يدور حولهم، وأن يكونوا عارفين بزمانهم، فإن الجاهل بزمانه تهجم عليه اللوابس علي عكس العالم بزمانه كما في الحديث الشريف().

ومن الاستطراد: أن نقول: إنه يلزم علي غير العرب من المسلمين تعلم اللغة العربية بإتقان، وعليهم أن يسعوا في ذلك عبر مناهج في المدارس وغيرها؛ لأن حولنا عشرات بل المئات من الإذاعات والصحف العربية وغيرها من وسائل الإعلام، فإن في هذه الصحف والإذاعات والمجلات الكثير من المطالب والمواضيع المهمة، التي يلزم علي المسلم أن يعرفها ويطلع عليها، سواء عبر الإذاعة أو عن طريق الصحف والمجلات، فيلزم علي غير العرب من المسلمين أن يهتموا بتعلم اللغة العربية، قراءةً وكتابةً وتلفظاً وبإتقان. وأن يجعلوا ذلك جزءً من اهتماماتهم اليومية؛ فإنهم إذا تعلموا اللغة العربية فسوف يفهمون القرآن بسهولة، وهكذا (نهج البلاغة)() للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وسائر الروايات الشريفة.

وهكذا

سوف يدركون ما يدور حولهم وهذا مما يوجب الوعي السياسي للإنسان.

بالإضافة إلي ذلك كله علينا أن نأخذ حذرنا من أعدائنا الذين يتسللون وينفذون إلي مجتمعاتنا في كل مجال من مجالات الحياة، فتري اليوم() في أفغانستان التي تخضع للقوات السوفيتية المحتلة، الكثير من الأفغانيين يُقتلون في المناطق المحررة من قبل أيادي الاحتلال، فيكف استطاع هؤلاء الروس أن يتسللوا أو يرسلوا عملاءهم إلي المناطق المحررة؟.

وقبل مدة جاءني رجل من الاتحاد السوفيتي() عبر الحدود مع إيران وبكل صعوبة، فقال: إن هناك الكثير من عملاء الروس يدخلون إيران عبر الحدود دون علم أحد، ويحملون معهم الأسلحة، ويأتون بالإعلانات والنشرات التبليغية أيضاً، ولكن في المقابل حدودهم مغلقة أمامنا، فلا نستطيع الذهاب إلي طرفهم؛ لكونهم قد وضعوا مراقبة مكثفة علي الحدود مع إيران ومع كل من يجاورهم، عبر نصب الأسلاك الشائكة، وجدار حديدي وأبراج للمراقبة، وعدد كبير من رجال الحدود أيضاً. ولقد شيّد ستالين() هذا الجدار المذكور علي طول الحدود السوفيتية مع البلدان الأخري؛ لكي لا يدخل أحد في أراضيهم، ولا يستطيع آخر الهروب والفرار منهم، فإنه إذا دخل شخص في بلادهم وأراضيهم سوف لا يري إلا الجحيم والاختناق وهذا يوجب تشويه سمعتهم، وإذا خرج شخص منهم سوف يري ولو نسبياً الحرية والنور والإنسانية والكرامة الموجودة للإنسان خارج بلاده، ويعلم بأنه في بلاده لم يمتلك حتي الرغيف ولا أبسط شيء من الحرية؛ ولذلك لو دخل شخص في بلادهم يجعلونه تحت المراقبة الأمنية المشددة، حتي أن البعض عندما ينزل في فنادقهم فإنهم يراقبونه عبر الوسائل الخاصة لاستراق السمع وما أشبه في أموره كلها.

فنحن المسلمين يجب علينا أن نأخذ الحذر من أعدائنا، وأن نحفظ بلداننا الإسلامية من كيد الأعداء وتسللهم، ولابد أن نضعهم

تحت المراقبة كما هم يضعوننا تحت المراقبة الشديدة، إن الأعداء يحيطون بنا من كل جانب ومكان، فهذا الطاغية صدام() وحزبه الكافر، وغيره من عملاء الإمبريالية العالمية قد سيطروا علي الشعوب المسلمة بإسناد من الاستعمار.

وكما هو المعروف فإن عفلق().. وبيغن() رئيس الحكومة الإسرائيلية، كانا زميلين في صف دراسي واحد وذلك في فرنسا، وعفلق هو الذي أختار أحمد حسن البكر() لرئاسة الحكومة، فأحمد حسن البكر وليد الإسرائيليين وأصله يهودي؛ اسم جده الحقيقي هو (ساسون حسقيل)، وأظهر الإسلام قبل سنين، ولما أسلم وضعوا له أسم (البكر). ولما جاءه ولد سماه حسن، وسمي ابن حسن (أحمد).

وبعده جاءوا بعميل آخر اسمه (صدام) الذي كان أبوه موظفاً في السفارة البريطانية ببغداد، وبعض البغداديين يعرفون ذلك، وربما لا يعرف عن نسبه وأصله شيء يذكر، ولكن المعروف ارتباط أبيه بالسفارة البريطانية..

لهذا اتفقت إنكلترا وإسرائيل علي أن يأتوا بصدام علي رأس الحكم، فالحكومة البعثية في العراق وليدة الغرب والصهيونية العالمية.

الاستعمار في بلاد الإسلام

قال تعالي: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ()، والنَجَس كما قال أهل اللغة: أشد من (النَّجِس) بالكسر، فإن (النَجِس) بالكسر هو: الخبثَ الذي قد يطرأ علي الإنسان، ويمكن إزالته بالماء أو غيره.

بينما (النَجَس) بالفتح لا يمكن تطهيره إلا بقلبه إلي حالة أخري.

فإن النجاسة الموجودة في الكافر نجاسة ذاتية وليست عرضية، ولا يمكن تطهيرها إلا بقلبه إلي الإيمان، وذلك كالغدة أو الميكروب السرطاني إذا دخل عضواً في جسد الإنسان، فإنه سوف يشل حركته كاملاً.

وكذلك هي الجراثيم الاستعمارية، فإنها تفسد جسداً كاملاً من المسلمين عندما تدخل فيهم، فنري أن أحمد حسن البكر كيف ينشر الفساد والقتل في أمة كاملة، وهكذا صدام الطاغوت.

لقد جاؤوا بشعارات براقة مثل: (نحن حماة الفلاحين)، (نحن إلي جانب العمال والكادحين)، (جئنا لإنقاذ الفقراء)، وإلي

غير ذلك من الشعارات الفارغة، ولكن الواقع العلمي هو تدمير الأمة بكاملها.

قصة من الواقع

وبالمناسبة نذكر قصة، تبيّن كذب تلك الشعارات والادعاءات التي يطلقها من يدّعون أنهم حماة الفلاحين والعمال:

كان أحد العلماء الفضلاء يأتي إلي كربلاء المقدسة من مدينة طهران، ويرتقي المنبر إذ كان خطيباً رائعاً إلي جانب تفوقه العلمي، وفي كربلاء كانت لقاءاتي به غير قليلة لما توطد بيننا من العلاقة المتينة والود المتبادل.

في أحد الأيام قال لي: كان ابن أخي شيوعياً يحب الماركسية() والفكر الشرقي، فكان يأتي إلي بيتنا ويجلس معنا، فنتحاور طويلاً في الفكر الشيوعي، وكان يقول: الطريق الوحيد للنجاة من الاستعمار البريطاني الخبيث، هو التمسك بالفكر الشيوعي والسعي إلي تطبيقه.

فالعامل والفلاح والفقير هو كل شيء في الفكر الشيوعي، وكان ابن أخي طالباً جامعياً، وكانت مباحثاتنا تدوم طويلاً، حتي أننا في أحد الأيام كنا جالسين علي مائدة الطعام، وكان يصر علي كلامه، وفجأة تأثر نفسياً وثارت أعصابه، فأخذ يشتمنا ويقول: أنتم طلبة رجعيون، ولا تفهمون شيئاً أبداً، ثم خرج من البيت.

ومن قبل كان يقول: إن عدد المسئولين لدينا ثلاثة، وكان يكثر من مدحهم، ناعتاً إياهم بأنهم هم الذين يفهمون الحياة جيداً، وأنهم أصحاب العلم والمعرفة، وأنهم تقدميون ومتحضرون. وعلي كل حال، كان كلامه ككلام سائر المغرورين المخدوعين من الشيوعية الذين يتلقون أفكار الشرق.

وفي أحد الأيام وبعد الظهر بالضبط، كنا نائمين وإذا بالباب يُطرق بشدة، أسرعت إلي الباب وقلت في نفسي: لعله شخص جاء للكيد بنا، ولكن ولدي فتح الباب، فإذا بابن أخي لدي الباب، وقد كان مضطرباً ومرهقاً جداً، ودقات قلبه تدق بسرعة، والاحمرار بادٍ في وجهه، وقد انتفخت أوداجه!!

دخل في البيت وجلس في الغرفة، وكلما كنا نريد التحدث معه لم يقو علي ذلك،

إذ لم يستطع الكلام أبداً.

قلنا له: ما الخبر؟. هل ضربك أحد؟. هل أصبت برصاصة في جسدك؟.

ولكنه لم يرد جواباً علي إحدي الأسئلة التي طرحناها.

وبعد استراحة دامت نصف ساعة، قال: يا عم، إني أعتذر إليك كثيراً، وأطلب منك أن تسامحني علي الكلام السيئ الذي صدر مني؛ يا عم كلامك الذي كنت تقوله لي، والنصائح التي كنت تبديها كلها صحيحة.

فقلت له: وكيف؟!

قال: اليوم وعند الصباح كانت عندنا جلسة، وكان الحاضرون فيها هم النواة الأساسية للحزب الشيوعي في إيران، وكان الحديث في المصير النهائي لأفراد الحزب في إيران، بأنه إذا واجهتهم الحكومة بالقوة والسلاح، كيف يقفون أمامها، وفرزت الآراء من المجتمعين وكانت الآراء ما بين 10- 12 رأياً.

وقد قررت الهيئة المركزية للحزب أن نخرج إلي الشوارع، ونقاتل حتي آخر نفس؛ لأننا أصحاب مبادئ، ولا نتنازل عن عقيدتنا حتي الموت. ثم صار الكلام الأخير للمسئولين الأساسيين (القيادة المركزية للحزب) وكانوا ثلاثة أشخاص، أحدهم كان سكرتير الحزب الشيوعي، والآخر أمين الصندوق، والثالث كان المسئول الرئيسي للتنظيم، هؤلاء الثلاثة قالوا: إذا وصلت المرحلة إلي الشدة والخطورة علي أفراد حزبنا، فعلينا في ذلك الوقت أن نلجأ إلي السفارة البريطانية، ونطلب منها حق اللجوء السياسي!!

فقلت لهم: إن السفارة البريطانية عدوة لنا. فقال المسئول الأول: أبداً، ليس هناك عداوة بيننا وبين السفارة الإنجليزية، بل إن سياستها في هذه الحالة تقتضي مهادنتنا واحتضاننا.

فخرجنا من البيت الذي كنا مجتمعين فيه لنذهب إلي السفارة الإنجليزية، وفي الطريق عرفت بأن رئيس الحزب له ارتباطات وثيقة بالسفارة الإنجليزية، لا كما كنت أظن في السابق بأن المسئولين حماة الفلاحين والعمال والكادحين، وأدركت بأن خلاص شعبنا ليس بيد هؤلاء المرتبطين بالاستعمار الغربي، بل أن خلاصنا هو في الرجوع إلي الإسلام والتمسك

به كاملاً. فانفصلت عنهم وتركتهم لشأنهم، وجئت مسرعاً إليكم معترفاً بخطئي والاعتذار منكم.

التوعية والأسوة

إن رسول الله صلي الله عليه و اله أسوة للبشرية في جميع مجالات الحياة، لا فيما يرتبط بالحرب ومواجهة الأعداء،بل حتي في صغريات الحياة الشخصية والأسرية والاجتماعية وغيرها.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: خمس لا أدعهن حتي الممات؛ الأكل علي الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفاً، وحلب العنز بيدي ولبس الصوف، والتسليم علي الصبيان لتكون سنة من بعدي ().

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبيد، ويجلس علي الأرض، ويركب الحمار ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلي أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتي ينزعها، ويسلم علي من استقبله من كبير وصغير وغني وفقير، ولا يحقر ما دُعي إليه ولو إلي حشف التمرة، وكان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بشاشاً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشأ من شبع قط، ولم يمد يده إلي طمع، وكفاه مدحاً قوله تعالي: وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ ().

الشباب والتأسي

قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، مهما ألقي فيها من كل شيء قبلته ()، يلزم علي الشباب أن يدرسوا تاريخ رسول الله صلي الله عليه و اله بدقة فائقة ليتأسوا به، فإنه خير أسوة لهم، ولكن بعض الشباب المسلم اليوم علي حالة من الغرور والانخداع، فهم لا يعرفون الحقيقة ولا يعلمون بالأسوة التي ينبغي التأسي بها أبداً، الأمر الذي يحملنا المسؤولية كاملة من أجل توضيح الحقائق لهم، وإزالة الشبهات التي أودت بحياة الكثيرين وحطمت شخصياتهم؛ فلذا علينا أن ننشر المعارف

الإسلامية الصحيحة، المستلهمة من القرآن والسنة المطهرة، المتمثلة بتعاليم ونهج أهل البيت عليهم السلام، لغرض توعية أبناء الأمة، ونشر سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وطريقة تعامله مع الناس، وكيف أرسي دعائم الإسلام، ونعرّفهم بمحاسن أخلاقه صلي الله عليه و اله، وتصرفاته السياسية والاجتماعية؛ ليكون هو أسوتنا وقائدنا الأول في مسيرة هذه الحياة، لا الاستعمار وعملاءهم، ولقد قال تعالي: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ().

التأسي بالعترة الطاهرة

ومن بعد الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله علينا أن نتأسي بمشاعل الهداية، ومصابيح الدجي الأئمة المطهرين (سلام الله عليهم أجمعين)؛ فقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام: أما إنه ليس عند أحد علم، ولا حق، ولا فتيا، إلا شيء أخذ عن علي بن أبي طالب عليه السلام وعنا أهل البيت عليهم السلام، وما من قضاء يقضي به بحق وصواب إلا بدء ذلك ومفتاحه وسببه وعلمه من علي عليه السلام ومنا، فإذا اختلف عليهم أمرهم قاسوا وعملوا بالرأي، وكان الخطأ من قبلهم إذا قاسوا، وكان الصواب إذا اتبعوا الآثار من قبل علي عليه السلام ().

التنظيم

ويلزم علينا أن نوجد حالة التنظيم الواقعي والكامل في جميع شؤون الحياة، مستلهماً ذلك عن سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وسياسته الناجحة، ومتأسياً به في ذلك.

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوي الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم.. ().

وهنا تقع المسؤولية علي رجل الدين وطلبة العلم بالدرجة الأولي في أن يكون المحور الأساسي في إنارة الأفكار والرؤي للآخرين، وبعث الحياة في نفوس الشباب وتوجيههم نحو الوجهة الصحيحة، وأن تكون الحوزة العلمية مركز بعث النور والصلاح والإيمان والتأسي بالرسول صلي الله عليه و اله إلي كافة شعوب العالم.

وعلينا أن لا نغفل ولا نتكاسل، ولا نشعر بالتعب والأذي في طريق الحق؛ ونتجنب المني والكسل، فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تجنبوا المني؛ فإنها تذهب بهجة ما خولتم، وتستصغرون بها مواهب الله تعالي عندكم، وتعقبكم الحسرات فيما وهّمتم به أنفسكم ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إني لأبغض الرجل أو أبغض للرجل أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن

كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل ().

كما أن علي الإنسان أن يكون صبوراً متحملاً للمشاكل، وأن لا يتصور أنه هو الوحيد الذي يُبتلي، فإن غيره أيضا يبتلي سواء كان الغير من أهل الحق أو الباطل، يقول الله سبحانه وتعالي: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُداوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ().

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ولا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ غَيْرُهُ، الْحَمْدُ للهِ كَمَا يُحِبُّ اللهُ أَنْ يُحْمَدَ، الْحَمْدُ للهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرِجْنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ، وصَلَّي اللهُ عَلَي مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ().

من هدي القرآن الحكيم

حسن الخلق:

قال تعالي: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ().

وقال سبحانه: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ? فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ? وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلي رَبِّ الْعَالَمِينَ ().

وقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ ().

معاشرة الناس:

قال تعالي: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبي وَالْيَتَامي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ().

وقال سبحانه: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ().

وقال عزوجل: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون ().

وقال جل وعلا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكَانَ أَمْرُهُ

فُرُطاً ? وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ().

العطف علي المساكين:

قال عزوجل: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبي وَالْيَتَامي وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ().

وقال جل وعلا: وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ().

وقال سبحانه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبي وَالْيَتَامي وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ().

العدل بين الناس:

قال عزوجل: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ().

وقال تعالي: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ().

وقال سبحانه: وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ().

وقال جل وعلا: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبي ().

من هدي السنة المطهرة

حسن الخلق:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ().

وقال صلي الله عليه و اله: إنما أنا عبد آكل بالأرض، وأعقل البعير، وألعق أصابعي، وأجيب دعوة المملوك، فمن يرغب عن سنتي فليس مني ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا أديب الله وعلي عليه السلام أديبي، أمرني ربي بالسخاء والبر، ونهاني عن البخل والجفاء، وما شيء أبغض إلي الله عزوجل من البخل وسوء الخلق ().

معاشرة الناس:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: رأس العقل بعد الإيمان بالله عزوجل التحبب إلي الناس ().

وقال صلي الله عليه و اله: ¬ أجيبوا الداعي، وعودوا المريض، وأقبلوا الهدية، ولا تظلموا المسلمين ().

وقال صلي الله عليه و اله: ثلاثة يصفين ود المرء لأخيه المسلم: يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه ().

وقال أمير المؤمنين

عليه السلام: كان رسول الله صلي الله عليه و اله أجود الناس كفاً، وأكرمهم عشرة، من خالطه فعرفه أحبه ().

العطف علي المساكين والفقراء:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: نور الحكمة الجوع، والتباعد من الله الشبع، والقربة إلي الله حب المساكين والدنو منهم ().

وقال صلي الله عليه و اله: ألا ومن استخف بفقير مسلم فقد استخف بحق الله، والله يستخف به يوم القيامة إلا أن يتوب ().

وقال صلي الله عليه و اله: من أكرم فقيراً مسلماً لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض ().

ومن وصية رسول الله صلي الله عليه و اله لأبي ذر رحمة الله عليه: عليك بحب المساكين ومجالستهم ().

وقال ?: صل قرابتك وإن قطعوك، وأحب المساكين وأكثر مجالستهم ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من استذل مؤمناً أو حقره لفقره أو قلة ذات يده، شهره الله يوم القيامة ثم يفضحه ().

العدل بين الناس:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: سيد الأعمال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله علي كل حال ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ثلاث خصال من كن فيه استكمل الإيمان: الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له ().

وقال صلي الله عليه و اله: عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها ().

وقال صلي الله عليه و اله في وصية له لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي، ما كرهته لنفسك فاكره لغيرك، وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك، تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك، محباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل

الأرض.. ().

پي نوشتها

() سورة الأحزاب: 21.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص187 ب6 ح12701.

() سورة القلم: 4.

() سورة فصلت: 41-42.

() سورة الحجر: 91.

() سورة آل عمران: 140.

() سورة الأحزاب: 21.

() سورة الأحزاب: 21.

() معركة بدر الكبري: وقعت هذه المعركة بين المسلمين وكفار قريش عند آبار بدر في يوم (17 أو 19) من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة؛ وذلك أن النبي صلي الله عليه و اله سمع بأبي سفيان بن حرب في أربعين راكباً من قريش تجاراً قافلين من الشام، فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله في ثلاثمائة راكب ونيف، وأصحابه أكثرهم مشاة معهم ثمانون بعيراً وفرس، فبلغ أبا سفيان الخبر فأخذ العير علي الساحل وأرسل إلي أهل مكة يستصرخ بهم، فخرج منهم ألف رجل معهم مائتا فرس ومعهم القيان يضربن الدفوف فلما بلغ النبي صلي الله عليه و اله إلي بدر، وهي بئر، وقد علم بفوات العير ومجي ء قريش، شاور أصحابه في لقائهم أو الرجوع. فقالوا: الأمر إليك، وكان لواء رسول الله صلي الله عليه و اله أبيض مع مصعب بن عمير، ورايته مع علي عليه السلام وأمدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة وكثر الله المسلمين في أعين الكفار وقلل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا، فأخذ صلي الله عليه و اله كفاً من تراب فرماه عليهم، وقال: ?شاهت الوجوه?. فلم يبق منهم أحد إلا اشتغل بفرك عينيه وقتل الله من المشركين سبعين رجلاً وأسر سبعون، منهم: العباس وعقيل ونوفل بن الحارث وكانوا مسلمين لم يظهروا إسلامهم، وكانوا مكرهين في خروجهم إلي الحرب … وقال رسول الله صلي الله عليه و اله للعباس: ?افد نفسك وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً?. فقال: إن القوم استكرهوني،

وأني كنت مسلماً. فقال صلي الله عليه و اله: ?الله أعلم بإسلامك إن يكن حقاً فإن الله يجزيك به، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا? … وعامة من قتل من الكفار قتلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً. وهي أول معركة انتصر فيها المسلمون علي المشركين، وقد أبلي المسلمون بلاءً حسناً، وكان لأمير المؤمنين عليه السلام النصيب الأعظم من هذه المعركة فقد قتل من أبطال قريش وصناديدها نصف من قتل في المعركة. انظر قصص الأنبياء: ص340 ب20 ف10 ح417.

() كعب بن الأشرف، من سادة يهود المدينة، من بني النضير، كان بينه وبين المسلمين عهد فنقضه، فأرسل رسول الله صلي الله عليه و اله محمد بن مسلمة الأنصاري وغيره فقتله، وكان ذلك في السنة الثالثة من الهجرة، وهو الذي تعاهد مع قريش في الكعبة علي قتل النبي صلي الله عليه و اله، وبكي كعب بن الأشرف علي من قتل من المشركين في بدر وهجا النبي صلي الله عليه و اله وأصحابه.

جاء في بحار الأنوار: ج20 ص10 ب11 ح7: قتل كعب بن الأشرف من طي ء وكانت أمه من بني النضير، وكان قد كبر عليه قتل من قتل ببدر من قريش فسار إلي مكة، وحرّض علي رسول الله صلي الله عليه و اله وبكي علي قتلي بدر، وكان يشبب بنساء المسلمين حتي آذاهم فلما عاد إلي المدينة، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من لي بابن الأشرف؛ فإنه قد آذي الله ورسوله؟?. فقتله محمد بن مسلمة في قصة مفصلة .

() صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، قتل أبوه كافراً يوم بدر، كان إليه أمر الأزلام

في الجاهلية، مات سنة (41 أو 42 ه) أخرج أموالاً لقتال رسول الله صلي الله عليه و اله في معركة بدر، وكان من المؤلفة قلوبهم.

() عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد أسد، كان كأبيه من أشد الناس عداوة لرسول الله صلي الله عليه و اله، أسلم عام الفتح، وخرج إلي المدينة، قيل: قتل في أجنادين، وقيل: قتل يوم اليرموك.

() أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية، ولد قبل عام الفيل بعشر سنين، كان أكثر الناس عداوة للإسلام ولرسول الله صلي الله عليه و اله وكان تاجراً، قاد قريشاً والقبائل المتحالفة معها في معركة أحد، وكان رئيس الأحزاب يوم الخندق، أظهر الإسلام بعد فتح مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم، وهو الذي قال يوم البيعة لعثمان: تلقفوها يا بني أمية، فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، وكان يذهب إلي قبور شهداء أحد ويضرب قبر حمزة عم النبي صلي الله عليه و اله ويقول: يا أبا عمارة، إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا اليوم يلعبون به.

() سورة الأنفال: 36، وراجع مجمع البيان: ج4 ص464 سورة الأنفال، وتفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج9 ص144 سورة الأنفال.

() وحشي بن حرب الحبشي مولي بني نوفل، قاتل حمزة عم النبي صلي الله عليه و اله في معركة أحد، قدم علي رسول الله صلي الله عليه و اله مع وفد أهل الطائف وأسلم، ثم عفا عنه رسول الله صلي الله عليه و اله ولكن أمره أن يغيب وجهه عنه، شارك عبد الله بن زيد الأنصاري في قتل مسيلمة الكذاب، سكن الشام ومات فيها.

وانظر إعلام الوري بأعلام الهدي: ص83 الركن الأول

الباب الرابع، في ذكر مغازي رسول الله صلي الله عليه و اله بنفسه وسراياه.. وفيه: وكان وحشي يقول: قال لي جبير بن مطعم وكنت عبداً له : إن علياً قتل عمي يوم بدر يعني: طعيمة فإن قتلت محمداً فأنت حر، وإن قتلت عم محمد فأنت حر، وإن قتلت ابن عم محمد فأنت حر، فخرجت بحربة لي مع قريش إلي أحد أريد العتق لا أريد غيره، ولا أطمع في محمد صلي الله عليه و اله، وقلت: لعليّ أصيب من علي أو حمزة غرة فأزرقه، وكنت لا أخطئ في رمي الحراب تعلمته من الحبشة في أرضها، وكان حمزة يحمل حملاته ثم يرجع إلي موقفه. قال أبو عبد الله عليه السلام: ?وزرقه وحشي فوق الثدي فسقط وشدوا عليه فقتلوه، فأخذ وحشي الكبد فشد بها إلي هند بنت عتبة فأخذتها وطرحتها في فيها فصارت مثل الداغصة، فلفظتها?. قال: وكان الحليس بن علقمة نظر إلي أبي سفيان، وهو علي فرس وبيده رمح يجاء به في شدق حمزة، فقال: يا معشر بني كنانة، انظروا إلي من يزعم أنه سيد قريش، ما يصنع بابن عمه الذي صار لحماً، وأبو سفيان يقول: ذق عقق، فقال أبو سفيان: صدقت إنما كانت مني زلة اكتمها عليَّ …

() سورة آل عمران: 112.

() تفسير فرات الكوفي: ص92 ومن سورة آل عمران ح92.

() سورة آل عمران: 117.

() سورة آل عمران: 121.

() سورة آل عمران: 122.

() أُحد: اسم جبل يقع إلي الشمال الشرقي من المدينة المنورة، بينه وبين المدينة القديمة قرابة ميل، والآن يقع ضمن المدينة المنورة، وقعت قربه المعركة التي عرفت باسمه بين جيش المشركين ومن تحالف معهم من القبائل العربية بقيادة أبي سفيان، وبين المسلمين يقودهم رسول

الله صلي الله عليه و اله.

() السواد: الشخص، وقيل: شخص كل شيء من متاع وغيره، والجمع أسودة، وأساود جمع الجمع، ويقال: رأيت سواد القوم أي: معظمهم، وسواد العسكر: ما يشتمل عليه من المضارب والآلات والدوابِّ وغيرها. لسان العرب: ج3 ص224 مادة ?سود?.

() الداغِصةُ: عَظْمٌ مُدَوَّرٌ يَدِيصُ ويَمُوج فوق رَضْفِ الرُّكبة، وقيل: يتحرّك علي رأْس الركبة. والداغِصةُ: الشَّحْمةُ التي تحت الجلدة الكائنة فوق الركبة. والداغِصةُ: العَصَبةُ، وقيل: هو عَظْمٌ في طرَفِه عصَبتان علي رأْس الوابِلَةِ. لسان العرب: ج7 ص36 مادة ?دغص?.

() سورة آل عمران: 143.

() سورة آل عمران: 144.

() سورة آل عمران: 154.

() سورة آل عمران: 179.

() سورة آل عمران: 155.

() سورة آل عمران: 156.

() سورة آل عمران: 159- 160.

() جأف: جَأَفَه جَأْفاً واجتَأَفَه: صَرَعَه؛ قال:

وَلَّوْا تَكُبُّهُمُ الرِّماحُ كأَنهم

نَحْلٌ جَأَفْتَ أُصُولَه أَو أَثْأَبُ

و أَنشد ثعلب:

واسْتَمَعُوا قَوْلا به يُكْوَي النَّطِفْ

يَكادُ مَنْ يُتْلَي عليه يَجْتَئِفْ

لسان العرب: ج9 ص20 مادة ?جأف?.

() سورة النحل: 126.

() سورة النساء: 104.

() سورة آل عمران: 140.

() سورة آل عمران: 173.

() سورة آل عمران: 172.

() سورة آل عمران: 173- 174.

() قصص الأنبياء للراوندي: ص341 ب20 ح418. وللتفصيل راجع تفسير القمي: ج1 ص110-130 سورة آل عمران غزوة أحد.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص193 الركن الثاني ب4 ف2.

() بحار الأنوار: ج2 ص144 ب12 ح52.

() سورة آل عمران: 140.

() سورة آل عمران: 140.

() أما التعبير بالنسبة إلي المشركين فهو من باب المماثلة والتشاكل الذي عبر به بالنسبة علي المسلمين.

() سورة النجم: 39.

() سورة آل عمران: 140.

() سورة الإسراء: 20.

() الخرائج والجرائح: ج3 ص1058 ب19.

() محمد رضا بهلوي إمبراطور إيران السابق وحاكمها الأوحد، ولد عام (1919م) خلف والده الذي أزيح عن الحكم بأمر الغرب، فتوج ملكاً عام (1941م). برز اسمه

عالمياً عندما عارض تأميم النفط الذي أقدم عليه رئيس وزرائه محمد مصدق مطلع الخمسينات، أخذ يوسع نفوذه وسيطرته علي البلاد، فقام بتعزيز قدرة الأجهزة الأمنية فشكل جهاز (السافاك) بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، واتبع سياسة توسعية في المنطقة عرف علي إثرها بشرطي المنطقة. أقام علاقات تحالف سياسي وأمني واقتصادي مع إسرائيل.

برزت نقمة الشعب الإيراني عليه بعد الاحتفال الأسطوري الذي أقامه بمناسبة مرور (2500 سنة) علي إنشاء الدولة الفارسية، وقد صرف علي ذلك الاحتفال مبالغ ضخمة قدرت بمئات الملايين من الدولارات، بينما الشعب الإيراني كان يعيش تحت مستوي الفقر. وكان يصرف ببذخ علي بناء القصور، وشراء الأسلحة بشكل أذهل العالم، فأصبحت إيران أكبر مستودع للأسلحة في العالم، كما كان يمتلك أسطولاً من السيارات الغالية الثمن لاستعماله الشخصي قدر عددها ب (3000 سيارة) أكثرها محلي بالذهب ومن أفخر الماركات العالمية وأغلاها، إضافة لعدد كبير من القصور منتشرة في جميع أنحاء العالم. ولعل من أكبر الأخطاء التي أرتكبها الشاه حين أمر بمصادرة حوالي (3 مليارات) دولار تخص كثير من أفراد عائلته ومن كبار التجار الإيرانيين بعد أن علم أنهم قاموا بتهريب تلك المبالغ خارج إيران بعد محاولة الانقلاب الفاشل الذي أحبط في عام (1978م) مما سبب في كره عائلته وابتعاد كثير من التجار والقوي الفاعلة عنه. كما أثار حقد الناس عليه تسرب خبر المجوهرات والحلي التي قدرت بمئات الملايين كانت تمتلكها زوجته الشاهبانو فرح ديبا (زوجته الأخيرة، حيث كان قد تزوج قبلها فوزية أخت الملك فاروق وطلقها، ثم تزوج ثريا اسفند ياري وطلقها أيضاً، وأخيراً تزوج فرح ديبا التي مات عنها).

ومن أسباب ثورة الناس عليه أو الشعرة التي قصمت ظهر البعير هي حين كشفت فضيحة استيراد حليب الأطفال الفاسد

والذي وزع مجاناً علي الشعب، وهو غير صالح للاستهلاك الآدمي، وكانت السويد تقدمه للأبقار بعد خلطه بالعلف، وقد قامت باستيراد هذا الحليب المؤسسة التي تعود ملكيتها لزوجة الشاه فرح ديبا. إضافة إلي كل ذلك معاناة قطاع كبير من الشعب من مطاردة البوليس السري لهم والمسمي (بالسافاك) وقيام هذا البوليس بأبشع وسائل التعذيب والاضطهاد لأتفه الأسباب مع كثير من أفراد الشعب، كما قاموا بالتصفية الجسدية لكثير من المعارضين.

فقامت بأمر من العلماء والمراجع المظاهرات الحاشدة من جميع فئات الشعب واستمرت ليلاً ونهاراً بلا انقطاع، وكانت أعداد القتلي تتزايد يوماً بعد يوم إلي درجة أن قسماً كبيراً من الجيش انضم للمتظاهرين بسبب تأثره للوحشية التي كانت تقاوم بها المظاهرات، مما اضطر الشاه إلي مغادرة إيران بطائرته الخاصة عام (1979م). نزلت طائرته في مصر وكان يشعر بالإحباط الشديد بسبب عدم رغبة كثير من دول العالم استقباله، أصيب الشاه بتوعك شديد، فتوفي في مصر بعد إجراء عملية جراحية له، وقد تم تشييع الشاه في جنازة عسكرية أقامها له أنور السادات. وقد أثيرت كثير من الشائعات حول وفاته، حيث تقول تلك الشائعات بأن مخابرات إحدي الدول الكبري قامت بالتخلص منه. وأن أحد الجراحين أحدث جرحاً بالخطأ أثناء العملية وتسبب ذلك الجرح في حدوث خراج أدي إلي تسمم جسده وموته عام (1980م).

() ولد محمد أنور السادات عام (1918) في قرية (ميت أبو الكوم) بمحافظة المنوفية في دلتا نهر النيل لأسرة فلاحية. تخرج ضابطاً في سلاح الإشارة فخدم في الجيش المصري سنوات عديدة ترقي إلي رتبة نقيب، ضمه جمال عبد الناصر إلي تنظيم (الضباط الأحرار) والذي كان في ذلك الوقت يستعد إلي القيام بحركة ضد النظام القائم في مصر آنذاك. أسند إليه جمال

عبد الناصر عام (1952) مهمة قطع الاتصالات الهاتفية، واحتلال دار الإذاعة في القاهرة، وهو الذي قرأ أول بيان لحركة الجيش التي كان يقودها عبد الناصر آنذاك.

أصبح أنور السادات عضواً في مجلس قيادة الثورة الذي تولي السلطة بعد طرد الملك فاروق، وفي سنة (1954م) اختاره جمال عبد الناصر عضواً في محكمة الشعب، التي تولت محاكمة أعضاء التنظيم السري للإخوان المسلمين، بعد محاولة اغتيال عبد الناصر، ثم رئيساً لمجلس الأمة بعد الانفصال الذي حصل بين مصر وسوريا بعد الوحدة بين القطرين، وذلك عام (1961م)، ثم أصبح نائباً لرئيس الجمهورية، وعضواً في اللجنة التحضيرية العليا للإتحاد الاشتراكي العربي في أيلول عام (1969م).

تولي رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة بعد وفاة عبد الناصر عام (1970)، ثم رئيساً للجمهورية في العام نفسه، هاجم إسرائيل عام (1973) وبعد أربع سنوات أدار ظهره للحرب، زار القدس عام (1977م) أجري لقاءات مع المسئولين الإسرائيليين لأجل السلام في المنطقة وانتهت هذه المناقشات علي التوقيع علي اتفاقية (كامب ديفيد) عام (1978) بعدها طردت مصر عن جامعة الدول العربية. انتهج سياسة الانفتاح الاقتصادي مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. اغتيل أنور السادات عام (1981م) خلال استعراض عسكري، علي يد تنظيم إسلامي.

() وهكذا كان حيث قتلوه تحت غطاء عملية جراحية، ولم يقدروا له ما قدم لهم من خدمات طيلة حكمه.

() رضا بهلوي (1878-1944م) شاه إيران، ومؤسس أسرة بهلوي الحاكمة منذ عام (1925م) وهو محمد رضا بن عباس علي خان ولد عام (1878م) أرمني من منطقة كرجستان هاجر إلي إيران في زمن القاجار، درس الفنون العسكرية والتحق بالجيش الإيراني عام (1900م) وتدرج في المناصب العسكرية، اشترك عام (1920م) في الثورة التي ناهضت تغلغل السوفييت في إيران، وفي

السنة التالية عين قائداً عاماً للجيش فوزيراً للحربية ثم رئيساً للوزراء عام (1922م) فعمل علي تنظيم الجيش، وفي عام (1925م) أعلن البرلمان الإيراني نزول الشاه القاجاري عن العرش فقدم التاج له، فلقّب نفسه بالبهلوي.

حكم بالظلم والجور والاستبداد، ونشر الفساد، اتسم حكمه بإحياء القومية الفارسية، ونشر المذهب البهائي، والقضاء علي المعالم الإسلامية بهدم المساجد والمدارس، ومنع رجال الدين والفكر من ممارسة أدوارهم في الحياة، ونشر مظاهر الفساد كالخمر والقمار ودور البغاء. كان سلوك رضا خان متناقضاً قبل الحكم وبعده، فبينما هو ينادي بشيء قبل حكمه، ويتظاهر بتأييده، وإذا به يرفضه ويحاربه بعد استيلائه علي مقاليد الحكم؛ فقبل تربعه علي كرسي السلطة، كان رئيساً لمجموعة من فرق الجيش يقودها في يوم عاشوراء في مراسيم عزاء التطبير، ويتظاهر بالإيمان والتديّن والحزن والقيام بالشعائر الحسينية، كما كان يذهب إلي منازل العلماء ليعرّف جنوده علي أنهم جنود الإمام الحجة عليه السلام. ولعله واصل إظهار نفسه بهذه الصورة حتي في بداية حكمه، حيث كان يتردد علي منزل المرجع الكبير الشيخ عبد الكريم الحائري، ويطلب رسالته العملية ويدعّي أنه أحد مقلديه، وعندما توفي الشيخ الحائري منع من إقامة مجالس الفاتحة علي روحه؟!

لكنه حينما استتبت له الأوضاع أشاح اللثام عن وجهه الحقيقي، وأظهر الخافي من نواياه الخبيثة، فبدت عداوته للإسلام والتشيع والشعائر الحسينية! استمات في خدمة أسياده الغربيين في محاربة الإسلام إلي حد أنه منع الحجاب، وأباح التبرج والفجور، وأخذ يمنع إقامة الشعائر الحسينية! الأمر الذي دفع بالعلماء إلي أن يقفوا في وجهه، ويتخذوا منه موقف العداء، ومنهم الشيخ عبد الكريم الحائري نفسه، وفي زمنه حدثت واقعة (مسجد كوهر شاد) بمدينة مشهد حيث قُتل ألوف الناس فيها.

أعلن الحياد في الحرب العالمية الثانية لكن

الحلفاء احتلوا بلاده لدواعي استراتيجية، مما أدي إلي عزله وتنصيب ابنه مكانه، فأجبر علي التنازل لابنه محمد (1941م). نفاه الإنجليز إلي جزيرة موريس بعد أن صادروا مقتنياته من الحقائب المملوءة بالمجوهرات والأشياء الثمينة بعد حكم دام ستة عشر عام، وقتل في منفاه عام (1944م) فدفن في طهران. نعم، نبذه أسياده بعد أن استنفذوا منه أغراضهم، وحقق لهم ما يريدون، فنفوه إلي جزيرة موريس، ولم ينسوا أن يأخذوا منه قبل ذلك (الحقائب الألف) المملوءة بالذهب والمجوهرات والأمور الثمينة، التي كانت حصيلة سرقاته من بلده.

() جزيرة تقع في المحيط الهندي شرقي مدغشقر، كانت مستعمرة فرنسية ثم صارت بريطانية، ونالت استقلالها عام (1968م) وأصبحت عضواً في الكومنولث،من محصولاتها قصب السكر.

() ونستون تشرشل (1874- 1965م) السير ونستون ليونارد سبنسر، سياسي ورجل دولة، ينتمي إلي أسرة بريطانية معروفة، زعيم لحزب المحافظين، رئيس الحكومة عام (1940- 1945م) و(1951- 1955م) أسهم في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. بدأ حياته العملية في الخدمة العسكرية في الهند وكوبا والسودان عام (1895م) عمل كمراسل حربي، وأسر في حرب البوير في جنوب أفريقيا، وعلي إثر عودته انتخب نائباً عن حزب المحافظين في البرلمان، وانضم إلي حزب الأحرار، وعين وزيراً للتجارة عام (1908م)، وبقي يتسلم المهام الوزارية الكبري كوزارة الداخلية ووزارة البحرية، ووزيراً للمتسعمرات إلي عام (1922). حذر من عواقب هتلر والنازية، وعند نشوب الحرب العالمية الثانية انتخب رئيساً للوزراء، واكتسب شهرته لدوره في قيادة بريطانيا في أثناء الحرب. عارض استقلال المستعمرات البريطانية، فشل حزبه في انتخابات عام (1945م)، ثم عاد إلي رئاسة الوزراء عام (1951م) وتقاعد عن الحياة السياسية عام (1964م). كان متطرفاً في ولاءه لليهود ولعب دوراً خطيراً في دعم مشروع إقامة دولة صهيونية

في فلسطين علي حساب العرب. الموسوعة السياسية: ج1 ص741.

() راجع الكافي: ج1 ص27 كتاب العقل والجهل ح29. وفيه: ?والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس?.

() كتاب نهج البلاغة: مجموعة من كلمات وخطب ورسائل أمير المؤمنين عليه السلام، جمعها السيد الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي (359 - 406ه)، امتاز بالجمال والفصاحة والانسجام التي لم يرد لها نظير، فهي ?فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق?، له تأثير عجيب في النفوس والنفوذ إليها، فلم يختص ذلك بزمانه ? بل ما زال وبعد (14 قرناً) له تأثير كبير علي كل سامع. يقول السيد الرضي: ومن عجائبه عليه السلام التي انفرد بها: أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفكر لم يعترضه شك في أنه كلام من لا حظ له في غير الزهادة ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلي سفح جبل لا يسمع إلا حسه، ولا يري إلا نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه، فيقطع الرقاب ويجدل الأبطال، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال. وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد، وألف بين الأشتات.

() يعود تاريخ كتابة هذه الأسطر إلي ما قبل سقوط الاتحاد السوفيتي.

() كانت روسيا تتألف من سلسلة من الاقطاعات توحدت تحت قيادة (دوق موسكو) لتصبح إمبراطورية شاسعة مترامية الأطراف غير مستقرة، انهارت منتصف الحرب العالمية الأولي. وبفعل الانتفاضات والجرائم العسكرية تخلي الدوق نيقولا الثاني عن العرش عام (1917م)، فقامت حكومة مؤقتة كان أشهر قادتها الكسندر كيرنسكي، ولكثرة الأعباء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لم تستطع الحكومة المؤقتة تحملها إلي أن جاء لينين

فأطاح بهذه الحكومة المؤقتة تحت جناح الحزب البولشفي الاشتراكي الروسي. سمي النظام الجديد بالنظام السوفيتي. أعلن لينين نظاماً جديداً سماه: دكتاتورية البروليتاريا، وتأميم الأرض، ووسائل الإنتاج، والمصارف وسكك الحديد، كما أعلن تأسيس أول دولة اشتراكية في العالم سميت جمهوريات روسيا الاتحادية السوفيتية.

كان يعتبر الإتحاد السوفيتي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، يمتد من بحر البلطيق إلي المحيط الهادي، تبلغ مساحته (200ر402ر22 كلم2)، يبلغ عدد سكانه (000ر000ر275 نسمة).

وكان يتكون الاتحاد السوفيتي من (15جمهورية) وهي من الغرب: كريليا، واستونيا، ولتفيا، وليتوانيا، وبيلو روسيا، واوكرانيا، وملدافيا، وفي القوقاز: جورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، وفي آسيا الوسطي: قازغستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وقرغيزستان، وأزبكستان. كان الحزب الشيوعي هو الحزب الوحيد في البلاد، وبيده كل السلطات، وكانت الانتخابات لا تعدو أن تكون صورية. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأ ستالين بحملة بوليسية صارمة لإشاعة الوفاق الوطني. وبعد موت ستالين عام (1953م). وفي أواخر الثمانينات كان الهيكل الدولي يقوم علي القطبية الثنائية، ومن ثم صراع عالمي للنظام بين معسكرين: شرقي وغربي، وبين دولتين عظيمتين وبين أيديولوجيتين متناقضتين، الرأسمالية الليبرالية والماركسية اللينينية، ثم بدأ النظام بالتغير خاصة في الاتحاد السوفيتي منذ عام (1985م) ولحق التغيير ليس فقط بقيم النظام وفلسفته، بل امتد إلي هيكله وتوزيع القوة داخله أيضاً، وظهر جلياً بشكل محدد في أوائل التسعينات حيث انفرط عقد حلف وارسو، ثم انهار بنيان الاتحاد السوفيتي الذي آل في النهاية (كانون الأول عام 1991م) إلي الزوال وأصبح جزءً من الماضي والتأريخ الأسود. وكان آخر رئيس للاتحاد السوفيتي هو غورباتشوف الذي تفككت الدولة علي يديه.

() جوزيف ستالين (1879- 1953م) سياسي روسي ترأس الحزب الشيوعي (1922م) خلف لينين في زعامة الحزب والدولة عام (1924م) حتي وفاته، حكم الإتحاد

السوفيتي حكماً مطلقاً من عام (1928- 1953)، نشأ في ظل لينين مفكر الاتحاد السوفيتي واستلم قيادة الحزب والدولة من بعده ففتك بمعارضيه، ودعم أسس الدولة السوفيتية وفق نظرية (الاشتراكية في بلد واحد) وقاد بلاده نحو الانتصار في الحرب العالمية الثانية، وتقاسم مناطق النفوذ في العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مؤتمر يالطا محولاً الاتحاد السوفيتي إلي أحدي أقوي دولتين في العالم.

أقام دكتاتورية حمراء لا تعرف الشفقة ولا التساهل، فنظم ما بين عام (1934 إلي 1938) سلسلة محاكمات شهيرة عرفت بمحاكمات موسكو، كانت ذريعتها اغتيال كيروف معاون ستالين في الدولة.

() طاغوت العراق المخلوع وأتعس نموذج للدكتاتوريين، صاغه الغرب وفق متطلبات المنطقة وظروفها السياسية، وحافظ علي أمنه الشخصي في أدق الظروف وأحلك اللحظات. ولد عام (1939م) في قرية العوجة جنوب تكريت، نشأ نشأة غير سوية بشهادة كل من عرفه، انتمي إلي حزب البعث واشترك مع بعض عناصر الحزب في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام (1959م) هرب إلي سوريا ومنها إلي مصر. وخلال فترة بقائه في القاهرة كان يكثر التردد علي السفارة الأمريكية، فقد ذكر في صحيفة الشرق الأوسط عن أحد كبار المسئولين العرب بأن عبد الناصر أبلغ المسئول العربي أن صدام هو رجل أمريكا الأول في المنطقة في المستقبل، وقد كان دائم التردد علي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وأن المخابرات المصرية قد صورت ورصدت كل تحركاته واتصالاته بالسفارة الأمريكية.

اشترك في انقلاب (17 تموز 1968م)، وبعد نجاح الانقلاب كان صدام المنفذ الأول لتصفية مجموعة عبد الرزاق النايف المشتركة في الانقلاب، وذلك بعد ثلاثة عشر يوماً من انقلابهم، أي في يوم 30 تموز. أصبح صدام نائباً لمجلس قيادة الثورة في عام (1970م) ورئيساً للجمهورية حال غياب البكر

عن البلاد.

وفي عام (1979م) أصبح رئيساً للجمهورية بعد إقصاء البكر عن الحكم، ألغي اتفاقية الجزائر التي وقعها مع شاه إيران عام (1975) فهاجم إيران عام (1980م) فاندلعت حرب استمرت ثمان سنوات أحرقت الأخضر واليابس، راح ضحيتها من الشعبين ما يزيد علي مليوني إنسان، وبعدما توقفت الحرب عاد صدام واعترف باتفاقية الجزائر التي ألغاها!!

هاجم الكويت واحتلها عام (1990م) فاندلعت حرب الخليج الثانية، فقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بمهاجمة الجيش العراقي بغية إخراجه من الكويت وتم ذلك، فلم تضع تلك الحرب أوزارها حتي كان العراق يعاني من دمار شامل في جميع مرافق الحياة وفي كل بناه التحتية، وضحايا لم تضبط أعدادها، ووضع العراق تحت حصار طويل الأمد بقرار من مجلس الأمن بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل التي طالما تبجح الطاغية صدام بها متوعداً أميركا وإسرائيل بحرقهم بها، والتي لم يستخدمها إلا مع شعبه في حلبجة وباقي مدن العراق أبان انتفاضة عام (1991م)، التي قمعها صدام بوحشية لا مثيل لها، حتي قدر عدد من قتل وأعدم واختفي بما يزيد علي (500 ألف) وقيل مليون عراقي.

انهار نظام صدام واحتل العراق بحرب شنتها أميركا عام (2003م) بالتحالف مع بريطانيا وبعض الدول الأخري، فهرب صدام وأعوانه من المعركة، ألقي القبض عليه مختبئاً في جحرٍ تحت الأرض كالجرذ بعد كل ذلك الجبروت والكبرياء والفرعنة التي اتسم بها طيلة حياته، وهذا حال الكثير من أركان نظامه الذين تم إلقاء القبض عليهم تباعاً، فاستراح الشعب منه ومن جرائمه، وهو اليوم ينتظر محاكمته ذليلاً حقيراً مذموماً مدحوراً، فالحمد لله قاصم الجبارين.

() ميشيل عفلق: مسيحي من أم يهودية مواليد دمشق (1910م)، أحد مؤسسي حزب البعث مع صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني وغيرهم، سافر إلي باريس عام

(1928م) للدراسة فتخصص بدراسة تاريخ الثورات وتاريخ الأديان، وكان تحت رعاية المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون الذي يعتبره من أحسن تلاميذه المؤمنين بأفكاره، وفي عام (1932م) عاد إلي دمشق مع صلاح البيطار وامتهنا التدريس ليبثا من خلاله أفكارهما الغربية والقومية في المجتمع بين الطلاب والأساتذة، وفي عام (1941م) أسس حركة الإحياء العربي.

ترك التدريس ليتفرغ لتأسيس حزبه الذي أعلن عنه عام (1947م)، وبعد الانشقاقات التي حصلت داخل الحزب عام (1966م) مال عفلق مع الجناح الدموي للحزب في العراق وكان راعيه وعرابه، وفي عام (1989م) سافر إلي باريس للعلاج فهلك في إحدي مستشفيات باريس بعد عملية جراحية، أعيدت جثته إلي بغداد وقبر فيها، فعمل له النظام الحاكم ضريحاً لكي لا ينسي العراقيون أبرز رموز مأساة الأمة الإسلامية والعراق، فتظل شاخصة أمام العراقيين، هدم قبره بعد انهيار نظام صدام. وفي رسالة للبابا بولس الأول إلي عفلق، قال له فيها: إنك خدمت المسيحية أكثر من أغلب الرهبان!!.

() مناحيم بيغن: ولد عام (1913م) في بولندا من أب صهيوني قتله الألمان فترك ذلك أثراً عظيماً في نفسه، كان زعيماً إرهابياً صهيونياً، ورئيساً لحزب حيروت الفاشي، وقائد منظمة أرغون الإرهابية.

تخرج من كلية الحقوق في جامعة وارسو، وانضم إلي منظمة بيتار الصهيونية عام (1929م) كان هدفها إعداد الشباب للهجرة إلي فلسطين والقتال في سبيل الصهيونية، ثم تولي قيادة المنظمة الإرهابية أرغون، حيث مارس بيغن من خلالها أشد الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني وضد القوات الإدارية البريطانية، ومن أكبر أعماله الإجرامية نسف فندق الملك داود مقر حكومة الانتداب البريطاني، ومذبحة دير ياسين، وبعد إنشاء الكيان الصهيوني أسس حزب حيروت، ثم انضم إلي كتله حكومة الحزب عام (1967م) وشغل منصب وزير بلا وزارة، وفي عام (1977م) انتخب

رئيساً للوزراء. حقق بيغن مكسباً كبيراً بعقده اتفاقية كامب ديفيد عام (1979م) مع أنور السادات.

() أحمد حسن البكر: من مواليد (1333ه /1914م) في تكريت، تقلّد منصب رئاسة الوزراء في حكومة عبد السلام عارف، ثمّ منصب رئيس الجمهورية في (17/ تموز/ 1968م) إثر انقلاب دبره علي عبد الرحمن عارف، ومنح نفسه رتبة مهيب ركن بعد الانقلاب. منح أقرباءه وأصهاره وأبناء عشيرته وبلدته رتباً عالية دون استحقاق. تحكمت الطائفية والعصبية في زمانه وتدهورت الزراعة وتردّت الصناعة وملئت السجون بالمجاهدين والأحرار. عرف بلؤمه وغدره حتي بأصدقائه وكان همه تحقيق هدفه بصرف النظر عن الوسيلة. نحي عن الحكم إثر انقلاب دبره عليه زميله في الإجرام صدام التكريتي بتاريخ (16 تمّوز عام 1979م) بعد أن حكم العراق (11 عاماً). قتله صدام بحقنة ترفع نسبة السكر لديه بواسطة الدكتور صادق علوش، وذلك عام (1982م).

() سورة التوبة: 28.

() الشيوعية: مذهب سياسي يهدف إلي القضاء علي الرأسمالية والملكية الخاصة. وتعد الشيوعية من أشد المذاهب الاشتراكية تطرفاً، وتتميز بأنها حركة ثورية تري أن تحقق إنشاء مجتمع يتساوي أفراده في الحقوق لا يكون إلا باستعمال القوة المسلحة؛ فهي لذلك تحارب الديمقراطيات وخاصة التي تشجع الرأسمالية.

يرجع ظهور الحركة الشيوعية في روسيا إلي عام (1903م) عندما انشق أتباع كارل ماركس إلي معسكرين: إصلاحي وراديكالي بزعامة لينين. فلما حاز هذا الأخير الأغلبية عرف بحزب الأغلبية التي يعبر عنها في الروسية بكلمة: بولشفيك، ومن هذا قامت العلاقة اللفظية بين البولشفية والشيوعية التي هي مذهب سياسي.

تميزت سياسة لينين (ومن بعده تروتسكي) بمحاولة نشر المبادئ الشيوعية في العالم باستخدام القوة، وذلك بتشجيع الثورة بين الطبقات العاملة في المجتمعات الرأسمالية كما وضحه ماركس في الإعلان الشيوعي لهذا تناهض الشيوعية القوميات والديانات، وتطلب

من الشيوعي الولاء التام لعقيدته ولزعمائه.

كما أصبحت سياسة الدول الرأسمالية لاسيما الولايات المتحدة تهدف إلي حصر الشيوعية، والعمل علي وقف تسللها وغل يديها عن اكتساب مناطق نفوذ جديدة، فأقامت الأحلاف والقواعد العسكرية علي حدود الدول الشيوعية، كما منحت الدول التي يخشي وقوعها في نطاق نفوذ الشيوعية قروضاً وإعانات لرفع مستواها الاجتماعي أو لتقوية دفاعاتها، وقد كانت الحرب الكورية والفيتنامية أمثلة لهذا الصراع العقائدي بين الرأسمالية والشيوعية.

تعرف الدول الشيوعية بدول الديمقراطيات الشعبية أو الدول الاشتراكية، في حين أطلق الغرب عليها اسم دول الستار الحديدي أو الدول البلشفية أو الدول الحمراء، ومع أن إتحاد الجمهوريات السوفيتية يعتبر قاعدة العالم الشيوعي إلا أن المبادئ الشيوعية كما صورها ماركس لم توضع موضع التطبيق الكامل فيها، بل أن الساسة السوفييت بعد وفاة لينين وفي مقدمتهم ستالين لم يروا ضيراً في الانحراف عن المبادئ الماركسية بعض الشيء، وانتهاج سياسة مرنة في معالجة التطبيقات الاقتصادية كحقوق الملكية الخاصة، ومن ثم بدأ الانشقاق العقائدي في المعسكر الشيوعي، فاعتبرت الصين الشعبية (ومعها ألبانيا) أن الإتحاد السوفيتي قد تنكر للمبادئ الماركسية الأصيلة، كما سبق أن كان الانشقاق في المعسكر الشرقي بسبب الخلاف حول مدي تبعية الدول الاشتراكية لموسكو، وعلي هذا الأساس نشبت الحرب الباردة في داخل المعسكر الشيوعي بين الإتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا.

وصلت الشيوعية إلي البلاد الإسلامية ومنها العراق، حيث تغلغلت أفكار الشيوعية الإلحادية بين أوساط البسطاء من الجماهير في العراق عبر عملاء الاستعمار، الذين طبّلوا وزمروا كثيراً لتلك الأفكار المزيفة والشعارات الفارغة، فأخذ كثير من السذج والبسطاء من الناس يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وفق مبدأ الشيوعية، وعلي أثر ذلك شعر الإمام الراحل(أعلي الله مقامه) الذي كان عمره الشريف آنذاك لم يتجاوز الثلاثين والكثير من العلماء

بمسؤوليتهم تجاه تلك الأفكار الفاسدة والآراء المنحرفة، فتصدوا لها عبر وسائل عديدة، موضحين أن الإسلام وحده هو القادر علي تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد ذكر الإمام الراحل رحمة الله عليه بعض تلك الأساليب التي اتبعها في مواجهة الشيوعية، وذلك في كتاب (تلك الأيام، نشر مؤسسة الوعي الإسلامي)، ووصف بعض ما مر علي المجتمع نتيجة ظهور تلك الأفكار، فقال:

عندما قام قاسم بالانقلاب العسكري وأسقط الملكية سمح للحزب الشيوعي بالعمل والتحرك بحرية، فانتشر الشيوعيون في كل مكان وملئوا البلاد ضجيجاً وصراخاً، وأخرجوا النساء من بيوتهن وطالبوهن بالتظاهر أمام الرجال، وكانوا يعتدون عليهن في العلن، أضف إلي ذلك أنّهم كانوا يرمون الأفاعي والعقارب الحية علي المخالفين لهم، وكانوا يقطّعون أجسام المعارضين في الشوارع قطعة قطعة، ويحرقون المعارض لهم وهو حي بعد أن يسكبوا عليه النفط أو البنزين، أو يعلّقوا المعارض لهم حيّاً كان أو ميّتاً علي قنارة القصابين ثم يقطعوه بالساطور أو بعض أجزائه، وكذا يمدّون الضحية علي الأرض بعد أن يربطوه بالحبال ثم يُداس بالسيارة الثقيلة المعدّة لتسوية الأرض والتي تسمّي بالرولة (المحدلة). ومن أساليبهم أنّهم كانوا يضعون سيارتين في جهتين متخالفتين، ويربطون قدمي المعارض لهم أو الذي يشكّون أنه معارض إلي السيارتين، إحدي القدمين إلي هذه السيارة والأخري إلي السيارة الثانية، ثم تتحرك السيارتان في الاتجاهين المختلفين، فينشق الضحية وهو حيّ إلي نصفين.

إلي أن قال رحمة الله عليه: ويفعلون المنكرات، وكان يحدث ذلك في بلد المقدسات، بلد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة.

عندما حدثت تلك الفجائع في مدينة كربلاء المقدسة علي يد الشيوعيين، قررنا تشكيل وفد لزيارة العلماء في مدينة النجف الأشرف؛ لأجل التنسيق مع علمائها الأعلام للوقوف حيال الهجمة الشيوعية الشرسة التي تجتاح البلاد، وكان

يرافقني السيد محمد صادق القزويني والشيخ جعفر الرشتي والسيد مرتضي القزويني وعلماء آخرون في حدود العشرين شخصاً. وأول من التقينا به الشيخ محمد رضا المظفر ? وكان إنساناً معطاءً، طيّب النفس، جليل القدر، يحب خدمة الآخرين، وهو الذي أسس «كلية الفقه» التي لا زالت قائمة، وكان من رأي الشيخ المظفر أن ندعو الآخرين إلي مجلس موسَّع، فأبدينا موافقتنا لاقتراحه.

وأسرع العلامة المظفر في تهيئة مكان الاجتماع الذي حضره علماء النجف من المرتبة الثانية والثالثة، وكانوا قرابة الأربعين عالماً وفقيهاً بما فيهم من السادة آل بحر العلوم والسادة آل الصدر وآل راضي، وغيرهم.

وجري حوار طويل في ذلك الاجتماع، حول ضرورة التصدي للهجمة الشيوعية، وإن السكوت عنهم سيترك آثاراً وخيمةً؛ لأن الشيوعيين قائلون باللاءات الخمسة (لا للدين، لا للفضيلة، لا للملكية الفردية، لا للعائلة، لا للحرية) وإذا لم نقف قبالهم فإنهم سيفعلون ما فعلوا في موسكو؛ إذ أن شيوعية العراق فرع للشيوعية الأمميّة التي تنتمي إلي موسكو.

والشيوعيون في العراق لم يكن بيدهم زمام الأمور، وإنما كانوا ألعوبة تحرّكهم أصابع السفارة البريطانية في بغداد، وهذا ما أكده السفير البريطاني بعد فترة من انتهاء عهد عبد الكريم قاسم، حيث كتب السفير في صحيفة الحياة اللبنانية مقالاً جاء فيه:

إننا سمحنا لخروج الشيوعيين إلي الساحة، أما الحكم في الأصل كان بأيدينا. وهو العمل نفسه الذي يقوم به الإنجليز في بعض البلدان الإسلامية الأخري، فالذي حدث في أفغانستان كان علي غرار ما حدث في العراق.

وكان المطلوب من الشيوعيين أن يجنِّدوا جميع طاقاتهم للعبث بمقدرات العراق، وكانت العشائر العراقية وقتها قوة لا يستهان بها، والحوزة العلمية وعلماؤها ومفكّروها أقوياء ولهم نفوذ علي العشائر، والمثقفون الإسلاميون أقوياء كذلك، فأثمرت تلك الاجتماعات التي عقدت في النجف

الأشرف وتمخضّت في النهاية عن تشكيل «جماعة العلماء» وكانوا جميعاً من علماء المرتبة الثانية والثالثة، وسارع علماء الدرجة الأولي إلي تأييدهم، أمثال: والدي رحمة الله عليه والسيد الحكيم رحمة الله عليه وبقية المراجع العظام. بدأت هذه الجماعة في نشاطها المعادي للشيوعية بإصدار المنشورات اليومية ونشرت عدة بيانات في عدة صحف.

وفي المقابل أبدت الحكومة ردود فعل سريعة، فأسس عبد الكريم قاسم «جماعة العلماء الأحرار? برئاسة الشيخ عبد الكريم الماشطة وكان ذا علاقة وطيدة مع الشيوعيين، وقد جمع حوله لفيفاً من أصحاب المظاهر لا المبادئ الذين ينقصهم العلم والتقوي. وقد استطاع أن يجمعهم بالمال ويشتري مواقفهم بالإغراءات، وكانت هذه الجماعة تؤيد مواقف الحكومة الشيوعية، وقد وضعت الدولة إمكانياتها الإعلامية من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون في خدمة هذه الجماعة، التي لم تكن تمتلك أي رصيد جماهيري؛ إذ لم يكن بمقدورهم إقامة مجالس شعبية كبيرة، حيث ليس هناك من هو علي استعداد للمشاركة في نشاطاتهم، واستمر هذا الحال علي هذا المنوال حتي مقتل عبد الكريم قاسم، فاختفت هذه الجماعة من الوجود وهرب بعض أفرادها وانزوي الباقي.

واستمرت اتصالاتنا بالمراجع العظام، وكنّا نزورهم ونزوّدهم بأخبارنا ونشاطاتنا، ونستمدّ منهم العون، لوقف المدّ الشيوعي.

وفي إحدي السفرات كانت لنا زيارة إلي المراجع كالسيد محسن الحكيم والسيد الحمامي والميرزا عبد الهادي الشيرازي (قدّست أسرارهم) وآخرين، وكان هؤلاء المراجع العظام متفاوتين في التحمّس ضدّ الشيوعيين، بين مهتم بحماسة وغير مهتم، وكان البعض يقول: إن الشيوعيين هم صنيعة الغرب وإنهم سيضمحلون بسرعة. وكان رأينا أنّ علينا أن نقوم بواجبنا الشرعي، ومسئوليتنا الدينية في التصدّي للمنكر مهما كانت أسبابه ودوافعه.

وكان لنا لقاء مع وزير الاقتصاد في حكومة عبد الكريم قاسم، وقد تمّ في مقبرة والدي في حرم الإمام

الحسين عليه السلام، حيث كان مكان تدريسي ولقاءاتي، وقد حضر هذا اللقاء لفيف من الأصدقاء، وقد دونت مقتطفات من هذا الحوار في منشور، قد وزّع في حينه علي المعنيين. وقد ناقشت الوزير حول موضوع الاقتصاد الإسلامي، وقلت له: لماذا لا تقدمون علي تطبيق الاقتصاد الإسلامي؟

فقال لي: وقد بدت عليه آثار التعجب، ما هو الاقتصاد الإسلامي؟!

قلت: الاقتصاد الإسلامي: اقتصاد مستقل، ليس اقتصاداً شيوعياً ولا اقتصاداً رأسمالياً ولا اقتصاداً اشتراكياً، بل له خصائص وميزات معينة تفرزه عن المذاهب الاقتصادية الأخري، وقد كتب فقهاؤنا معالم هذا الاقتصاد في كتبهم.

قاطعني وفي حالة استغراب قال: مثلاً!

قلت: يقول الله سبحانه في محكم كتابه: ? فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ? (سورة البقرة: 279)، ثم أردفت قائلاً: انظر إلي إحدي كتبنا الفقهية، فقد ضم هذا الكتاب أكثر من خمسين موضوعاً اقتصادياً.

ازداد تعجبه وقال في حالة دهشة: خمسين موضوعاً؟!

قلت: نعم، في كتاب (جواهر الكلام) الذي يتضمن موضوعات عن البيع والرهن والإجارة والإعارة والمساقات والمزارعة والمضاربة و … وطفقت أعدد له عناوين المعاملات في الفقه الإسلامي، فازداد انبهاره.

ثم أفصح عن انبهاره هذا بقوله: لم أسمع من قبل بكل الذي قلته.

أجبته: أمر طبيعي إنك لا تعرف شيئاً عن الاقتصاد الإسلامي؛ لأنك لم تدرس شيئاً عن هذا الاقتصاد في المدارس بكافة مراحلها، وعندما دخلت إلي كلية الاقتصاد درستَ كل شيء إلا الاقتصاد الإسلامي، وإنك لو تصفّحت المنهج الدراسي فإنك لا تجد شيئاً عن الإسلام بكافة حقوله، ولو وجدت شيئاً فهو صور ولقطات مشوّهة عن التاريخ الإسلامي، عن الحروب والصراعات، وعن بطش الخلفاء وبطرهم، وما أشبه ذلك، وهي أمور ليس فيها أية فائدة لمن يريد التعرف علي حقيقة الإسلام، بل هي تسبب عنده الاشمئزاز والنفور. أما

الأمور المفيدة للمجتمع وبالأخص الأمور الحياتية، فلا تجد في هذه الكتب شيئاً عنها؛ لذا أري من الضروري إضافة الاقتصاد الإسلامي إلي المناهج الدراسية وعلي الخصوص كلية الاقتصاد ليُدرَّس إلي جانب الألوان الأخري من الأنظمة الاقتصادية، وشيئاً فشيئاً يتم تطبيق هذه القوانين، حتي يتم إزالة الفقر والفاقة من المجتمع، فعند تطبيق الاقتصاد الإسلامي سوف لن تجد فقيراً ولن تجد شخصاً بدون مسكنٍ، وما أشبه ذلك.

وضربت له مثالاً ببلد أوربي وهو النَرويج، وقلت له: في هذا البلد الأوربي ينعدم الفقراء، بينما تجد الفقراء والمساكين والمتكففين في بلادنا أينما ذهبت وبالمئات، ناهيك عن الفقراء الآخرين الذين لا يسألون الناس إلحافاً.

ثم ذكرت له قصة من التاريخ الإسلامي عن مدينة (نيشابور) وكانت سابقاً مدينة علمية كبيرة وذات شأن كبير في العالم الإسلامي وفيها كثافة سكانية عالية، كما يظهر من رواية ورود الإمام الرضا عليه السلام والتفاف أربعة وعشرين ألف عالم وصاحب قلم وتأليف حوله؛ ليكتبوا ويدونوا الأحاديث التي يمليها عليهم، فأية مدينة كبيرة تلك التي يتواجد فيها أربعة وعشرون ألف عالم في ذلك الزمان؟!

والقصة هي: دخل رجل فقير إلي هذه المدينة ولما كان فقيراً وجائعاً مدَّ يده إلي الناس طالباً منهم المساعدة، فلم يعطه أحدٌ شيئاً، وقالوا له: ليس في بلدنا فقير ومحتاج، وأن أهل البلد لا يعطونك؛ لأنّ عطاءهم سيشجعك علي الفقر والاستجداء.

فقال لهم: إني جائع، فدلوه علي مكان يستطيع فيه أن يسدّ رمقه.

ثم قال لهم: أريد مكاناً للنوم.

فقالوا له: المكان الذي تطلبه مخصص للعجزة والمعوقين، أما أنت فإن كنت منهم، فإنهم سيعطونك مكاناً في تلك الدار ويمنحونك ما تحتاج إليه من طعام وكساء، أما إذا كنت قادراً علي العمل، فإنهم سيمنحونك فرصة الاشتغال والعمل.

ثم قالوا له: ليس في

مدينتنا من يتكفف طالما كان كل شيء مهيئاً له.

وهو علي ما يبدو حال بقية البلاد الإسلامية لا يختلف عن حال هذه المدينة إلي أن قال: من هذا المنطق اهتم الإسلام بالاقتصاد ووضع حلولاً لمشاكل البشر الاقتصادية.

ثم خاطبت الوزير: وأنتم من مصلحتكم إن أردتم البقاء، ومن مصلحة البلاد أن تفكروا بتقدمها، وأن تطبّقوا بنود الاقتصاد الإسلامي واحداً تلو الآخر.

قال الوزير بعد أن أصغي لكلامي: الإسلام غير قابل للتطبيق.

قلت له: هذه العبارة يكررها الذين يجهلون حقيقة الإسلام في كل زمان ومكان. ثم أضفت: أي جزء من الإسلام غير قابل للتطبيق؟ هل وجدت شيئاً من الإسلام غير قابل للتطبيق؟ كلامك أيها الوزير يخالف مقولة النبي الأكرم صلي الله عليه و اله: ?حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة» (انظر بصائر الدرجات: ص148 ج3 ب13 ح7) ليس في الإسلام بندٌ واحدٌ غير قابل للتطبيق.

صحيح أن هناك حالات نعمل فيها بقانون «لا ضرر ولا ضرار» أو قانون «الأهم والمهم»، وهذا لا يعني خروجاً عن الإسلام بل يعني الدخول من الإسلام إلي الإسلام؛ لأن هذه القوانين من واقع وصلب الإسلام.

سمع الوزير كلامي وقال: إنشاء الله سأخبر الزعيم عبد الكريم قاسم بهذا الموضوع، ثم قام وودعنا متوجها إلي بغداد. انظر كتاب (تلك الأيام) للإمام الراحل: ص126. وأيضاً راجع في هذا الباب: كتاب الفقه، السياسة: ج106 وكتاب مباحثات مع الشيوعيين، والقوميات في خمسين سنة، وماركس ينهزم، وغيرها.

() الخصال: ج1 ص271 باب الخمسة ح12.

() سورة القلم: 4.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص66 ق1 ب1 ف13 ح889.

() سورة الأحزاب: 21.

() بحار الأنوار: ج2 ص95 ب14 ح36.

() نهج البلاغة، الكتب: 47 من وصية له عليه السلام للحسن والحسين ?.

() الكافي: ج5 ص85

باب كراهية الكسل ح7.

() الكافي: ج5 ص85 باب كراهية الكسل ح4.

() سورة آل عمران: 140.

() الكافي: ج2 ص529 باب القول عند الإصباح والإمساء ح22.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الشعراء: 107- 109.

() سورة القلم: 4.

() سورة النساء: 36.

() سورة البقرة: 83.

() سورة الزخرف: 32.

() سورة الكهف: 28-29.

() سورة النساء: 8.

() سورة الإسراء: 26.

() سورة البقرة: 83.

() سورة النحل: 90.

() سورة الحديد: 25.

() سورة الشوري: 15.

() سورة الأنعام: 152.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص187 ب6 ح12701.

() تنبية الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص211 بيان الطريق في معالجة الكبر.

() بحار الأنوار: ج 16 ص231 ب9 ضمن ح35.

() روضة الواعظين: ج1 ص3 مجلس في ماهية العقول وفضلها.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص74 ب6 ح1453.

() الكافي: ج2 ص643 باب التحبب إلي الناس ح3.

() بحار الأنوار: ج 16 ص231 ب9 ضمن ح35.

() مكارم الأخلاق: ص 149 ب7 ف3.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص429 المجلس 66 ح1.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص429 المجلس 66 ح1.

() بحار الأنوار: ج 69 ص41 ب94 ح41.

() إرشاد القلوب: ج1 ص140 ب44.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص33 ب31 ح58.

() الكافي: ج2 ص145 باب الإنصاف والعدل ح7.

() أعلام الدين: ص114 باب صفة المؤمن.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص317 ب37 ح13142.

() تحف العقول: ص14 من وصيته صلي الله عليه و اله لأمير المؤمنين عليه السلام.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.