من أسباب الفقر والحرمان في العالم

اشارة

اسم الكتاب: من أسباب الفقر والحرمان في العالم

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت

تاريخ الطبع: 1426 ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

ما زالت المجتمعات البشرية تعاني من مشكلة الفقر، وهي اليوم تعد الأشد فتكاً وضرراً بالشعوب الفقيرة والمحرومة، بل حتي الدول المتقدمة والتي تعتبر رمزاً للغني والرفاهية، وذلك بسبب السياسات الخاطئة التي تنتهجها الأنظمة المتسلطة علي رقاب الشعوب، والتي لا تسير وفق المنهج الإلهي الذي ارتضاه الله للإنسان، بل تعمل وتسير وفق ما ترسمه هي وتراه صحيحاً لتأمين مصالحها وتمريراً لسياساتها التوسعية، غير آبهة بمصلحة الشعوب.

إن كثيراً من الدول المتقدمة مادياً أخذت تعمد إلي إخفاء حالة الفقر التي تعصف بها، والتي تجتاح حياة شرائح كثيرة من المجتمع للإبقاء علي صورتها الدعائية في العالم، إلا أنها لم تكن قادرة علي إخفاء تلك الحقيقة بالمرة، فأخذت الحقيقة تظهر إلي العلن وعلي ألسنة المسئولين من هنا وهناك.

ففي سويسرا مثلاً كشف إحصاء حكومي أحيط بشيء من التحفظ بأن عدداً كبيراً من المواطنين هم فقراء حقيقيين، وأن 6% من العمال هناك لا يحصلون علي دخل كافي لمعيشتهم. في الوقت الذي تتجمع أموال معظم أغنياء العالم الكبار والتجار الدوليين في المصارف السويسرية، وتجني الحكومة مبالغ خيالية جراء الفوائد والعوائد المالية الكبيرة التي تفرضها القوانين المالية السويسرية علي المشاريع والأعمال التي تقوم بها الشركات، فقد بينت أرقام الإحصاء الرسمي بأن عدد الأفراد السويسريين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر أزداد بنسبة 50% خلال بضع سنوات وأن هذه النسبة في حالة ازدياد.

وأما في بريطانيا فيوجد 12 مليون فقير يعيش فيها، وفي أمريكا انعقد المؤتمر القومي باسم مؤتمر الجوع القومي في شيكاغو عام 1999م، وفي هذا المؤتمر

صرح وزير الزراعة الأمريكي: بأنه يوجد في أمريكا واحداً من كل عشرة أشخاص يعاني الجوع، أي أن 10% من الشعب الأمريكي يعتبر فقيراً. وأما في ألمانيا فقد بلغ عدد الذين يعيشون في حالة فقر 3 ملايين إنسان، بينما يعتبر 45% من سكان أميركا الجنوبية والكاريبي من الفقراء، وأما في العالم العربي فإن أكثر السكان يعتبرون من الفقراء ويعيشون تحت خط الفقر، بالرغم من تنوع مصادر الثروات لديهم بالإضافة إلي الأراضي الشاسعة ووفرة المياه، وعلي كل حال فإن عدد فقراء العالم يبلغ 1500 مليون إنسان، و يوجد حالياً في العالم 840 مليون جائع أو فاقد للأمن الغذائي، وقد كشف التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) عام 2002م بأن عدد المصابين بسوء التغذية في العالم النامي يناهز 50 مليون نسمة.

وأما في أفريقيا فإنها تشهد وضعاً مأساوياً في الكثير من مناطقها، وأن الأطفال يموتون جوعاً وعطشاً أو يجندون كمقاتلين لإذكاء نار الحرب هناك، وقد أشار تقرير التنمية البشرية إلي أن بعض الدول الأفريقية لن تتمكن من الخروج من دائرة الفقر حتي عام 2165م.

وعلي الرغم من وجود مجموعة من الأسباب الموضوعية التي تقف وراء ظاهرة الفقر والجوع وانتشار الأمراض في الدول الفقيرة والنامية، إلا أن العديد من الخبراء والدارسين لهذه الظواهر يؤكدون أن الدول الغنية هي المسئولة بشكل مباشر عن هذه المشكلات، ووصولها في كثير من المناطق إلي حدود الكارثة الإنسانية، وأن المعالجات الدولية كانت وما تزال قاصرة في التعامل مع هذه الكوارث الإنسانية السائرة في طريق الانفجار، ويرجع السبب في ذلك إلي:

1: الحروب، فقد كانت وما زالت هذه الدول ولفترات طويلة ساحات حرب مدمرة، تغذيها وتقف وراءها الدول الغنية، وأطماعها ثروات هذه الدول،

وخاصة في العالم العربي والقارة الأفريقية وأمريكا الجنوبية.

2: ارتفاع الديون الخارجية لهذه الدول، والتي وصلت إلي مستويات خطيرة تهدد نموها الاقتصادي.

3: إهمال عمليات الإصلاح الاقتصادي مما أدت إلي تفاقم ظاهرة الفقر والجوع والبطالة وغيرها.

4: الفساد الإداري، إذ تمثل هذه الظاهرة القوة الخفية التي تستنزف الموارد المالية بطريقة عجيبة، وعدم الرغبة في مكافحتها بالرغم من خطورتها.

5: تدمير القطاع الزراعي لهذه الدول، ومنعها من تصدير منتجاتها بسبب السياسات التي تطبقها الدول المتقدمة.

6: تزايد مشكلة التصحر وفقدان الأراضي الزراعية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر علي أصحاب هذه الأراضي وبالتالي علي إنتاج وتوفير الغذاء.

7: ضعف المساعدات التنموية والإنسانية التي تقدمها الدول الغنية لهذه الدول.

8: زيادة الإنفاق العسكري في هذه الدول، إذ تخصص هذه الدول ميزانيات كبيرة للدفاع وشراء الأسلحة والمعدات الحربية وغيرها من لوازم الأمن.

علي أن الإسلام قد وضع الحلول الجذرية لمعالجة ظاهرة الفقر والحرمان التي أخذت تعصف بالإنسان أينما كان، والقضاء عليها قضاءً مبرماً وتجفيف منابعها، وهذا ما سيلمسه القارئ في هذا الكتاب (من أسباب الفقر والحرمان في العالم) لسماحة المرجع الراحل آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي ?، والذي عالج المشكلة من وجهة نظر فقهية، بالإضافة إلي الدعوة بالالتزام بالمنهج الإسلامي الكفيل بإضفاء حياة السعادة والخير والرفاه علي الإنسان في الدنيا والآخرة.

إن مؤسسة المجتبي يسرها أن تقوم بطبع ونشر هذا السفر القيم لتساهم ولو بقدر بسيط في حل هذه الظاهرة المتفاقمة في العالم، سائلة المولي العزيز أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بغيره، وأن يمن علي الإمام الراحل بالمغفرة والرضوان، إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي

أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

مصالح الأحكام والأسباب الغيبية

قال الله العظيم في كتابه الكريم: ?ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَي قَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ?().

وقال تبارك وتعالي: ?إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ?().

وخطب رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ?أما بعد أيها الناس، اتقوا خمساً من قبل أن يحللن بكم: ما نكث قوم العهد إلا سلط الله عزوجل عليهم عدوهم، ولا بخس قوم الكيل والميزان إلا أخذهم الله تعالي بالسنين ونقص من الثمرات، وما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم قطر السماء، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله تبارك وتعالي عليهم الظالمين، ولا فشا في قوم الربا إلا ولي عليهم شرارهم?().

وقال صلي الله عليه و اله: ?الذنوب تغير النعم: البغي يوجب الندم، القتل ينزل النقم، الظلم يهتك العصم، شرب الخمر يحبس الرزق، الزنا يعجل الفناء، قطيعة الرحم تحجب الدعاء، عقوق الوالدين يبتر العمر، ترك الصلاة يورث الذل، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يورث الخرس?().

وقال الإمام زين العابدين علي السجاد عليه السلام: ?الذنوب التي تغير النعم: البغي علي الناس، والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر، قال الله تعالي: ?إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ?().

والذنوب التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله، قال الله تعالي في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل فعجز عن دفنه:

?فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ?()، وترك صلة القرابة حتي يستغنوا، وترك الصلاة حتي يخرج وقتها، وترك الوصية ورد المظالم ومنع الزكاة حتي يحضر الموت وينغلق اللسان.

والذنوب

التي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، والتطاول علي الناس، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم.

والذنوب التي تدفع القسم: إظهار الافتقار، والنوم عن العتمة وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوي المعبود عزوجل.

والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب.

والذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والذنوب التي تديل الأعداء: المجاهرة بالظلم، وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، والانطياع للأشرار.

والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة، والزنا، وسد طريق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق.

والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله عزوجل.

والذنوب التي تظلم الهواء: السحر، والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين.

والذنوب التي تكشف الغطاء: الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة علي الباطل، والبخل علي الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين.

والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتي تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلي الله عزوجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول.

والذنوب التي تحبس غيث السماء: جور الحكام في القضاء، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون، وقساوة القلب علي أهل الفقر والفاقة، وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?وجدنا في كتاب رسول الله صلي الله عليه و اله: إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا طفف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا في

الأحكام تعاونوا علي الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم?().

نعم، هناك مصالح ومنافع لا تكون إلا بأسبابها ومؤثراتها في هذا الكون الذي جعله الله سبحانه وتعالي تابعاً لنظام العلية وقانون الأسباب والمسببات؛ حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: ?أبي الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شيء سبباً، وجعل لكل سبب شرحاً، وجعل لكل شرح علماً..?().

وإن كان الصانع هو الموجد والمؤثر التام والأول لهذا الصنع، ولكنه بلطيف حكمته جعل الأسباب الناقصة في التأثير مؤثرة بفيضه القدسي، وقائمة به قيام المعني الحرفي بالمعني الاسمي إن صح التعبير ()؛ وذلك مثل قوله تعالي: ?وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ?()، وقد اتضح بالأبحاث العلمية الحديثة والأدلة القاطعة، ارتباط الحياة والموجودات ارتباطاً وثيقاً بالماء وعناصره().. فإن الماء يصبح سحاباً، فيسقي الأرض والزرع، وينبت به الثمر، ويستمد الحيوان بقاءه الحيوي منه، وما نحسه نحن البشر من خلال احتياجنا إلي الماء غني عن التعريف.

السنن الكونية وتأثيراتها

وعليه فهناك مصالح ومنافع تتدلي من وجود الأشياء، التي وضعها الحكيم تعالي في مواضعها. فإذا فقدت مكانها المناسب، ولم تؤت من بابها، فلا تكون منفعة واقعية للبشر. وقد تكون المنفعة منفعة وقتية غير حقيقية وسريعة الزوال. وهذه هي من أسباب الفقر والحرمان، فإذا قام الإنسان بما يخالف السنن الإلهية الكونية فهذا يعني معيشة ضنكا، وفقرا وحرماناً.

الغرب وإفقار البلاد

من جانب آخر فقد استغل الغرب اليوم طاقات الضعفاء، كما استغل مواردهم لأجل منافعه.. فنتج عن ذلك الفقر والحرمان في أغلب بقاع الأرض، وفي مقابله الغني الفاحش والترف الباذخ في بعض بقاع الأرض. هذا ما نحسه بالوجدان وتشهد بذلك الأرقام().

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما مُتع به غني، والله تعالي سائلهم عن ذلك?().

الأسباب المعنوية

وهناك أسباب معنوية في موضوع الفقر الحرمان؛ لأن نظام الكون قائم علي سلسلة من الأسباب المادية والمعنوية المؤثرة بعضها في بعض، ومن هنا جاء حديث النبي صلي الله عليه و اله والإمام السجاد عليه السلام حيث أرجع سبب الفقر والحرمان في أوساط هذه الطبقة المحرومة إلي الابتعاد عن أحكام الله سبحانه والخروج علي تعاليمه النيرة.. وهو قول الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: ?وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر?().

وقول الإمام السجاد عليه السلام: ?إظهار الافتقار، والنوم عن العتمة وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوي المعبود عزوجل?().

وقوله عليه السلام: ?الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة علي الباطل، والبخل علي الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين?().

إذاً، فهو قانون نتيجته محسومة، وإذا كان القانون الفيزيائي يقول: (إن لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه)، فإن ذلك قد يصح في شؤون الحركة ونظائرها من الحوادث الطبيعية. أما دائرة شؤون الإنسان وحسناته وسيئاته، وطاعاته ومعاصيه، فلها قانون آخر أقوي وأكبر يحكمها.. ?أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ?()، ومثل المعصية قد تكون كمثل عود ثقاب يشعل في خزان

مملوء بالوقود. إنها حركة لا تساوي شيئاً بالحساب الفيزيائي، لكنها قد تأتي علي بلد بأكمله، فتجعله قاعاً صفصفاً خالياً من الشجر والحيوان والبشر.

ثم إن للفقر والحرمان أسباب فرعية عديدة، نابعة من الابتعاد عن حكم الله تعالي، سنأتي علي ذكرها فيما بعد إن شاء الله

تعالي.

المشاكل الاقتصادية

من عوامل انعدام التوازن في التوزيع الاقتصادي لهذا العالم، وسبب الحرمان كماً وكيفاً علي أرض الواقع، هي نشوء النظام الرأسمالي() والنظام الاشتراكي (الشيوعية) ().. حيث إن الشيوعية هي انحراف عن الرأسمالية. ففي النظام الرأسمالي هناك آلاف التجار الذين يتحكمون في قطاع واسع من الناس، ويكونون سبباً لفقرهم.

أما في النظام الشيوعي فإن الحزب الحاكم هو الذي يتسلط علي رقاب الناس وثرواتهم. وهكذا يشترك الاثنان في سلب الناس حقوقهم وجعلهم فقراء.

أما الإسلام وتبعاً للقوانين الإلهية، فإنه لم يقر حالة الإفراط والغلو في الاستثمار المالي واحتكار رؤوس الأموال، كما يسلكه الرأسماليون، ولا حالة التفريط في فرض نظام الحزب الواحد، المتسلط علي رؤوس الأموال، بفكرته الباطلة التي غلفت بجانب دعائي وسميت بتسميات براقة منها (الاشتراكية)، ويبقي العامل تحت رحمة المبادئ، فيصل إلي يده أقل مما يستحقه من ثمرة عمله، بحجة ضمان مستقبله وما شابه.

وإنما التزم الإسلام حداً وسطاً بين هذا وذاك. فجعل يشجع علي رؤوس الأموال والاستزادة منها بشكل مشروع، مع فرض الحقوق الشرعية للفقراء وما أشبه، وذلك بفرض الزكاة والخمس بالتفاصيل الفقهية المعروفة، حيث يسد بذلك احتياجات المعوزين والفقراء. وقد حرم الربا في الأموال ونهي عن الاحتكار الذي يؤدي إلي الضرر بالآخرين. كما رسم طريقاً واضحاً لاستغلال الثروات والمساحات الشاسعة من الأراضي عبر قانون: (الأرض لله ولمن عمرها). مضافاً إلي قانون (بيت المال) وما تصرف من العوائد في الصالح العام، كما يعرف اليوم بالضمان

الاجتماعي.

يقول الإمام الباقر عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من أحيا مواتاً فهو له?().

ويقول الإمام الصادق عليه السلام: ?أيما رجل أتي خربةً بائرةً فاستخرجها، وكري أنهارها وعمرها؛ فإن عليه فيها الصدقة. وإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها وتركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها؛ فإن الأرض لله ولمن عمرها?().

وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من غرس شجراً، أو حفر وادياً، بدءاً لم يسبقه إليه أحد، وأحيا أرضاً ميتةً، فهي له قضاءً من الله ورسوله صلي الله عليه و اله?().

والملاحظ أن الرأسماليين أخذوا من القانون الإسلامي جانب الأصالة في استغلال الأموال وتنميتها، وفرعوا عليها مسائل تتيح لهم السيطرة علي العالم، دون ملاحظة الجانب المعنوي للنظرية الإسلامية، ورعاية قانون ?لا تَظلِمون ولا تُظلَمون?.

والشيوعيون أخذوا الجانب الآخر، وفرعوا عليه المبادئ الشيوعية، وغرضهم لا يتعدي غرض الرأسماليين حيث حكروا الأموال في السلطة دون الناس، وهذا أسوء من حكر الأموال في يد مجموعات متعددة من الأثرياء، فربما عليك أن تشكو في النظام الرأسمالي إلي الحكومة، أما في حكومة الشيوعيين فإلي من تشكو من الحكومة؟!

ولكن الإسلام يقول كما في الذكر الحكيم: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ? فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ?().

فإن في قوله تعالي: ?فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ? السر في العدالة الاقتصادية للإسلام، وفيه دلالة علي تقرير عدة أمور:

أولاً: أصل ملكية الفرد؛ فإنه مباح شرعاً.

ثانياً: أخذ الربا حرام، وهو ظلم.

ثالثاً: إمضاء أصناف المعاملات، حيث عبر بقوله: ?رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ?. والمال إنما يكون رأساً إذا صرف في وجوه

المعاملات وأصناف الكسب.

رابعاً: رعاية قانون (لا تَظلِمون) لا كما يفعله المرابون (الرأسماليون)، وقانون (لا تُظلَمون) بأن يتعدي أحد علي رؤوس أموالكم لا كما يفعله الاشتراكيون.

هذه صورة واحدة، من صور التدبير والإصلاح للمال في المجتمع الإسلامي، نستفيدها من قانون الإسلام في الملكية الفردية. نعم المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه، ولكنه جعله قياماً ومعاشاً للناس، وملّكه إياهم بالملك الاعتباري، من دون أن يوقفه علي شخص دون شخص وقفاً لا يتبدل ولا يتغير، بل أذن في الاختصاص الفردية والملكية علي طبق العناوين المعروفة؛ كالحيازة، والتجارة، والوراثة وما أشبه. وشرط في التصرف أموراً كالعقل والبلوغ والاختيار ونحو ذلك؛ لذلك يقول تعالي:

?وَلاتُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً?().

فالأصل الأصيل في الإسلام أن الله عزوجل: ?هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً?(). ويتفرع علي ذلك مسائل الإنفاق والزكاة وما شابه، مما يقوم به عضد المجتمع الإنساني، ولا يتيح مجالاً لانتشار الفقر والحرمان.. أما لو بقيت القوانين الرأسمالية والاشتراكية هي الحاكمة دون حكم الله تعالي، فلا مجال إلي رفع الفقر والحرمان من هذا العالم().

أسباب الفقر

أسباب الفقر

ثم إن من أهم أسباب الفقر في عالم اليوم ما يلي:

1: سرقة ثروات الشعوب

ربما أهم سبب للفقر والحرمان المتفشي في مجتمعاتنا هو سرقة الحكام للثروات التي وهبها الله لبني الإنسان كافة، حيث قال تعالي: ?وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ?().

وهذا ديدن الحكومات الديكتاتورية المتسلطة علي رقاب الشعوب بالباطل، مضافاً إلي فرض قوانين تجمع بموجبها الضرائب الباهضة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإكثار موظفي الدولة من خلال زيادة تعقيد حياة الناس والمجتمع، كذلك السرقة عن طريق أخذ الرشوة لإنجاز أعمال المواطنين، وأساليب أخري.

فالحكم الدكتاتوري من أهم أسباب الفقر والحرمان في هذا العالم؛ وذلك لأنه يصادر حقوق الآخرين في الانتخاب والتمثيل الحقيقي، ومن أجل إحكام سيطرته يقوم بسرقة ثروات الشعب ويعمل علي فرض الضرائب التي تضعف من إرادة المجتمع، وتنصب في تقوية الحكم، بتفريق رؤوس الأموال العامة عبر الإكثار من الأجهزة الأمنية والوظائف غير الضرورية التي تضمن تسلط الطاغية علي الحكم. وبهذا الحال يصبح التاجر أمام مطرقتين؛ مطرقة الحاكم ومطرقة الربح، فالأول يمثل حالة القوة والسيطرة، فيلتجئ إلي الطريق الثاني لتعويض ما فاته.. وهكذا الموظف إذ يري أسياده في نهب وسلب، فيتغلغل الشيطان إلي داخل البعض من أصحاب النفوس الضعيفة، ويستمرئ حياة التكفف والاختلاس والارتشاء، وبالتالي يفسد الجهاز الإداري للمجتمع، ويرتفع مؤشر الضغط علي الطبقة المسحوقة من الشعب، بل حتي علي أنصاف التجار.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?أيما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هدية كان غلولاً، وإن أخذ الرشوة فهو مشرك?().

وعن عمار قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: ?كل شيء غل من الإمام فهو سحت، والسحت أنواع

كثيرة منها: ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة … فأما الرشا يا عمار في الأحكام، فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله صلي الله عليه و اله?().

هذا فضلاً عن إن الرشا والسرقة أكل للمال بالباطل، وسلب لحقوق الآخرين بلا مبرر، ومخالف لحكم الله تعالي، فلا شيء في هذا السلوك موافق للنظام الإسلامي؛ ولذا جاءت مفسدته واضحة في إيجاد الفقر.

التنزه عن السرقة

أما لو كان العمل وفق ما أراده الإسلام في الحكم، بعيداً عن سرقة الثروات، والمناصب التي لا تليق بمعتليها، مع احترام آراء المجتمع وتوفير الحريات (في غير المحرمات) التي تفسح المجال للناس أن يعملوا ويتاجروا برؤوس أموالهم بحرية وأمان، ولا تثقل كاهلهم بالضرائب والرشاوي وما أشبه. فإن الحال حينئذٍ سيختلف عما عليه العالم اليوم من فقر وحرمان.. لأن التاجر والمزارع والصانع ومن يدور في حلقة الترابط الاجتماعي والاقتصادي، لا يجدون الداعي إلي فرض أرباح باهضة ينوء بها كاهل الآخر، بغياب الضريبة والرشوة، وإن وجدت فسيجدون الرادع من قبل المؤمنين وولاة العدل، وهذا الرادع ليس المراد منه السجن أو الإعدام أو مصادرة أمواله، وإنما اجتناب تجارته وعدم تعامل الناس معه، حتي يرعوي إلي طريق الصواب مضافاً إلي قانون التعددية الاقتصادية..

كتب أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر النخعي لما ولاه مصر: «..ثم استوصِ بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيراً، المقيم منهم والمضطرب بماله، والمترفق ببدنه؛ فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق، وجلابها من المباعد والمطارح.. وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك. واعلم مع ذلك، أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً، وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب علي الولاة. فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله صلي الله عليه و اله منع منه. وليكن البيع بيعاً

سمحاً، بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه في غير إسراف?().

وأما الإجحاف في الربح من غير موازين عقلائية فيضر بعامة الناس، وهو الداعي عند الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لفرض العقوبة تغليباً لمصلحة حفظ النظام العام، ورعاية لحال المجتمع لئلا تتولد الطبقات المسحوقة أو الفقيرة.

ومن أجل ذلك عمل الأئمة الأطهار ? في الكسب أو التجارة أيضاً، ليعلموا الناس كيفية العمل والكسب وطرقه الصحيحة.

2: الربا

الثاني من عوامل الفقر والحرمان: تفشي الربا في المجتمع، فإن الربا يوجب سحق الطبقة الفقيرة وجعلها أفقر يوماً بعد يوم، وهكذا بالنسبة إلي الدول الفقيرة حيث يصل الأمر إلي حد لو أنفقت جميع وارداتها علي أرباح القروض لم يمكنها ذلك من تسديد الأرباح، فكيف بأصل المبلغ. نعم الإسلام حرم الربا وأحل البيع والمضاربة، فإن المضاربة شكل من أشكال التجارة. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في المتضاربين وهما الرجلان يدفع أحدهما مالاً من ماله إلي الآخر يتجر به، علي أنه ما كان فيه من فضل كان بينهما علي ما تراضيا عليه قال: ?الربح بينهما علي ما اتفقا عليه، والوضيعة علي المال?().

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: ?وكذلك لو كان لأحدهما من المال أكثر من مال صاحبه، فالربح علي ما اشترطاه، والوضيعة علي كل واحد منهما بقدر رأس ماله?().

وروي أن الإمام الصادق عليه السلام عمل بالمضاربة، وبالتجارة، والبيع والشراء.

فقد جاء عن أبي جعفر الفزاري قال: دعا أبو عبد الله الإمام الصادق عليه السلام مولي له يقال له: مصادف، فأعطاه ألف دينار، وقال له: ?تجهز حتي تخرج إلي مصر، فإن عيالي قد كثروا?.

قال: فجهزه بمتاع وخرج مع التجار إلي

مصر، فلما دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر، فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة، وكان متاع العامة() فأخبروهم أنه ليس بمصر منه شيء، فتحالفوا وتعاقدوا علي أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار ديناراً. فلما قبضوا أموالهم وانصرفوا إلي المدينة، فدخل مصادف علي أبي عبد الله عليه السلام، ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار، فقال: جعلت فداك، هذا رأس المال وهذا الآخر ربح. فقال عليه السلام: ?إن هذا الربح كثير، ولكن ما صنعتم بالمتاع؟!?.

فحدثه كيف صنعوا وكيف تحالفوا. فقال عليه السلام: ?سبحان الله، تحلفون علي قوم مسلمين أن لا تبيعوهم إلا بربح الدينار ديناراً!?. ثم أخذ أحد الكيسين، فقال: ?هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح ثم قال يا مصادف، مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال?().

ومعني ذلك: أن الإجحاف شرعاً حرام، وأن عملاً كهذا هو إجحاف بحق الناس. وإذا كان القياس هو هذا، فلننظر إلي ما يفعله أصحاب رؤوس الأموال في العالم، وكيف يحملون علي البضائع الأرباح الفاحشة؟. وكيف يقتلون الناس بأموالهم، ويجعلون من الناس فقراء قهراً؟.

3: منع الناس من العمل

الثالث من أسباب الفقر والحرمان: المنع من العمل، فإن الحكومات تضع شروطاً لممارسة التجارة وحيازة المباحات، ولا تدع للناس مجالاً حراً للاستفادة منها؛ فلو دخلنا أي بلد لوجدنا أن هناك حالتين هما الفقر والغني..

فإذا أردت مثلاً أن تعمر قسماً من أرض الله وتعمل عليها، لوجدت أن الدولة تمنع من ذلك حيث وضعت قوانين وعراقيل عديدة لها أول وليس لها آخر. ولو أردت الذهاب من هذا البلد إلي البلد الثاني للتجارة ستجد أن الدولة تمنع من ذلك. ولو أردت الصيد في مياه فجرها الله لعباده، ستجد أن الدولة تمنع من ذلك.

فإن هذه الظواهر هي التي تحول بين الناس وممارسة حرياتهم الاقتصادية مما يورث الفقر قهراً، علماً بأن إحياء الموات وإعمار الأرض هي من الموارد التي أباحها الإسلام، بشرط عدم الإحجاف بحق الآخرين، وقد وردت في ذلك روايات عديدة اتفقت عليها العامة والخاصة.

فعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سُئل عليه السلام وأنا حاضر عن رجل أحيا أرضاً مواتاً، فكري فيها نهراً، وبني فيها بيوتاً، وغرس نخلاً وشجراً؟. فقال: ?هي له وله أجر بيوتها..?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?من غرس شجراً، أو حفر وادياً بدءاً لم يسبقه إليه أحد، وأحيا أرضاً ميتة فهي له قضاءً من الله ورسوله صلي الله عليه و اله?().

وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصاري؟.

فقال: ?ليس به بأس، قد ظهر رسول الله صلي الله عليه و اله علي أهل خيبر، فخارجهم علي أن يترك الأرض بأيديهم يعملونها ويعمرونها، فلا أري بها بأساً لو أنك اشتريت منها شيئاً، وأيما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم?().

فلاحظ هذه الروايات وغيرها التي تعطي الأرض لمن أحياها لا للدولة أو الحاكم المستبد، وكذلك كانت سيرة المسلمين في الزراعة، وبناء الدور، وحفر الآبار وشق الأنهار، وغيرها. إلا أن القوانين الوضعية المراعي بها حال مصلحة واضعيها، هي التي سلبت الناس حقوقهم وحرياتهم، وأدت إلي نشوء حالة الحرمان والفقر بهذه الصورة المفجعة في الكم والكيف، وفي جميع بقاع العالم.

وإذا أردنا إزالة صور الفقر والحرمان من العالم فعلينا بتطبيق القوانين الإسلامية والتي منها توفير الحريات الاقتصادية التي أقرها الإسلام للشعوب في الاستفادة

التامة المشروعة من المباحات والثروات ورؤوس الأموال.

4: شراء الأسلحة

السبب الرابع من أسباب تفشي الفقر والحرمان: هو هدر الأموال الطائلة للشعوب بشراء الأسلحة وصنعها.

لقد كان السيف والدرع والرمح هو السلاح التقليدي السائد في العصور السابقة، ولا يحتاج تصنيعها إلي مبالغ باهضة كما هو حال السلاح اليوم؛ فإن صاروخاً واحداً ربما يكلف الملايين؛ ولذا تذوب مجموعة ضخمة من أموال الشعب في المشاريع العسكرية، والتي تأتي أحياناً من مجرد احتمالات وهمية يفرضها المتاجرون بالرعب والدمار، حتي تتسابق الدول إلي اقتنائها. فتظهر نتيجة ذلك في صور من المآسي والحرمان والفقر تولدها هذه الأسلحة سواء باستخدامها أم باستنفاذها لثروات الأمة.

لذلك علي عقلاء العالم أن يجتمعوا من أجل نزع السلاح الحديث بمختلف أشكاله حتي البندقية، والرجوع إلي ما كان عليه الحال سابقاً، حيث إن ذلك أقرب للعدالة ولحفظ الاقتصاد، وأيضاً لدفع ضرر تلك الأسلحة عن البشرية من القتل والدمار الواسع، ولذا جاء في رواية أن الإمام المهدي عليه السلام حينما يظهر، يظهر وسلاحه السيف، وربما يكون ذلك لأجل السبب الذي ذكرناه(). وهذه الرواية ليست من باب الكناية، بل هي عين الحقيقة وعين العدالة؛ إذ أن إطلاق صاروخ واحد يقع علي رؤوس الأبرياء هو من أبشع الظلم، والذي وقع العالم فيه اليوم.

ولو أن السلاح الحديث الذي يهدد البشرية يزول عن العالم لزال معه واحد من أهم أسباب الفقر، لأن مصاريف الأسلحة هي مما يسلبه الحكام من الشعوب بأشكال عدة، في حين أن من الواجب علي أولئك الحكام أن يوظفوا هذه المبالغ لرفع المستوي المعيشي لشعوبهم ولبناء المدارس والمراكز الصحية والثقافية ولتطوير مختلف مرافق الحياة الاقتصادية وغيرها مما يلزم في حياة الإنسان الكريمة.

ولا عجب

ولا عجب إذن أن ينتشر الفقر والمرض والحرمان في هذا العالم،

بعدما أخذت الحكومات في التسابق التسليحي والعسكري، مشفوعاً بالتقنين اللاشرعي والديكتاتوري، حتي أن بعض الإحصاءات أشارت إلي أن نصف سكان العالم هم من الفقراء، فضلاً عن انتشار الفساد الاجتماعي والإداري والتفسخ الملازم لبعض حالات الفقر. وقد ذكرت عدة تقارير أن مئات الملايين من الناس يعانون من الجوع والمرض والحرمان وسوء التغذية في العالم، وربما مات الملايين منهم بهذه الأسباب().

وكل هذه المؤشرات من مصاديق الحديث الشريف الوارد عن رسول الله صلي الله عليه و اله حيث قال: ?خمس بخمس?. قيل: ما خمس بخمس؟. قال صلي الله عليه و اله: ?ما نقض قومٌ العهد إلا سلط الله عليهم عدواً، وحكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهر فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر?().

فإذا أردنا الرجوع إلي عالم يحكمه العدل والخير والرفاه، ونخرج من عالم الفقر والحرمان إلي عالم الغني والسعادة، فلابد من دراسة هذه الظواهر التي مرت من السرقة، ومنع الناس من العمل، وشراء الأسلحة، وغيرها وإجراء الحلول الإسلامية المناسبة لها حتي يعيش العالم في سعادة ورفاه، وما ذلك علي الله بعزيز.

?اللهم صل علي محمد وآله، ومتعني بالاقتصاد، واجعلني من أهل السداد، ومن أدلة الرشاد، ومن صالح العباد، وارزقني فوز المعاد، وسلامة المرصاد. اللهم خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها، وأبق لنفسي من نفسي ما يصلحها، فإن نفسي هالكة أو تعصمها?() بحق محمد وآله الطاهرين.

من هدي القرآن الحكيم

حتي لا تبتلي الأمة بالفقر عليها:

1 أن لا تحيد عن العبودية لله تعالي.

قال الله تعالي: ?يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?().

وقال سبحانه: ?وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً?().

وقال

عزوجل: ?إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?().

وقال جل وعلا: ?وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ?().

2 وتزكي أموالها.

قال الله تعالي: ?وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ?().

وقال سبحانه: ?وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ?().

وقال عزوجل: ?وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ?().

وقال جل وعلا: ?وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ

حَيًّا?().

3 وتنفق في مرضاة الله.

قال الله تعالي: ?وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ?().

وقال سبحانه: ?مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ?().

وقال عزوجل: ?وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ?().

وقال جل وعلا: ?وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ?().

4 وترسي معالم الحرية الإسلامية.

قال الله تعالي: ?لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ?().

وقال سبحانه: ?وقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ?().

وقال عزوجل: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ?().

من هدي السنة المطهرة

حتي لا تبتلي الأمة بالفقر عليها:

1 أن لا تحيد عن العبودية لله تعالي.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?قال الله عزوجل: إن من أغبط أوليائي عندي رجلاً خفيف الحال، ذا حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه بالغيب، وكان غامضاً في الناس، جعل رزقه كفافاً فصبر عليه، عجلت منيته فقل تراثه، وقلت بواكيه?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?دوام العبادة برهان الظفر بالسعادة?().

قال سبط رسول الله صلي الله عليه و اله الإمام الحسن المجتبي عليه السلام: ?إن من طلب العبادة تزكي لها?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?أعبد الناس من أقام

الفرائض?().

2 وتزكي أموالها.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه

السلام: ?وحصنوا أموالكم

بالزكاة?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?والزكاة تزيد في الرزق?().

وقال الإمام موسي الكاظم عليه السلام: ?إن الله وضع الزكاة قوتاً للفقراء وتوفيراً لأموالكم?().

3 وتنق في مرضاة الله.

قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: ?ما نقص مال من صدقة قط فأعطوا ولا تجبنوا?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?إنكم إلي إنفاق ما اكتسبتم أحوج منكم إلي اكتساب ما تجمعون?().

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: ?إن من أخلاق المؤمن الإنفاق علي قدر الإقتار?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?إن الصدقة تقضي الدين، وتخلف بالبركة?().

4 وترسي معالم الحرية الإسلامية.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً?().

وقال عليه السلام: ?لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حراً?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثير مستمتع:

أولها: الوفاء.

والثانية: التدبير.

والثالثة: الحياء.

والرابعة: حسن الخلق.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال الحرية?().

پي نوشتها

() سورة الأنفال: 53.

() سورة الرعد: 11.

() نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، للحلواني: ص37 ح114، ط1 عام 1408ه، نشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام قم المقدسة.

() نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص37 ح115.

() سورة الرعد: 11.

() سورة المائدة: 31.

() وسائل الشيعة: ج16 ص281 ب41 ح21556.

() بحار الأنوار: ج70 ص369 ب138 ح3.

() الكافي: ج1 ص183 باب معرفة الإمام والرد إليه ح7.

() فكما أن المعني الحرفي معني غير مستقل يربط بين الكلمات فهو محتاج في وجوده إلي المعني الاسمي الذي هو معني استقلالي، فكذلك الحال عند الموجد فهو الصانع وباقي الأشياء محتاجة إلي وجوده وفيضه دواماً واستمراراً.

() سورة الأنبياء: 30.

() سائل عديم الرائحة والمذاق واللون، إلا إذا كان الجسم المائي كبيراً أو عميقاً فعندئذ يبدو أزرق. يتركب جزيؤه من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة. ويزن

السنتيمتر المكعب الواحد من الماء حين تكون درجة حرارته 4 مْ غراماً واحداً. يتحول الماء إلي بخار إذا ما رفعت حرارته إلي 100 مْ وإلي جليد إذا ما خفضت حرارته إلي صفر مْ. وبخار الماء أخف من الهواء، ومن هنا كان الهواء الرطب أقل كثافة من الهواء الجاف عند تساوي الحرارة. والماء موصل للكهرباء وإن لم يكن موصلاً جيداً. وهو أكثر المذيبات شيوعاً وأعظمها شأناً باعتباره قادراً إلي حد ما علي إذابة جميع المواد المعروفة تقريباً. علماً بأنه من أكثر المركبات الكيميائية وفرة وأعظمها أهمية أيضاً. فالجسم البشري يتألف ثلثاه، أو أكثر من ثلثيه من الماء؛ وأكثر من ثلثي سطح الأرض مغمور بالماء. والماء ضروري لجميع الكائنات الحية. وقد أشار القرآن الكريم إلي هذه الواقعة فقال تعالي في الآية الثلاثين من سورة الأنبياء: ?وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ?.

() ما زال الفقراء من الناس يتساقطون بالملايين يومياً بسبب الفقر الذي يجلب الجوع، والأخير يجلب معه المرض.. كل ذلك يحصل فيما يغرق المتخمون في نهم الاستهلاك والإفراط والإسراف، وإليك بعض التقريرات والإحصاءات في هذا الباب من مختلف بقاع العالم:

? حذر رئيس برنامج الغذاء العالمي من أن العالم يخسر معركته ضد الجوع ، مشيراً إلي أن الجهود التي تبذلها المئات من المنظمات والوكالات الحكومية وغير الحكومية فشلت في القضاء علي الجوع في العديد من مناطق العالم التي تعاني من الفقر وسوء الأوضاع السياسية والنزاعات الأهلية . وأوضح في كلمة ألقاها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أن هناك أكثر من 800 مليون شخص يعانون من الجوع المزمن ، أو من أمراض سوء التغذية ، وأن 24 ألف شخص يموتون يوميا للسبب نفسه.

? أعلن برنامج الغذاء العالمي في (أديس أبابا): أن حوالي

11 مليوناً من سكان أثيويبا البالغ عددهم 67 مليوناً، يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، نتيجة الجفاف وضعف الحصاد.

? شدد المفوض الأعلي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة علي الوضع المأساوي في بعض مناطق أفريقيا، وقال: إن الحاجة لثلاثة مليارات دولار هي لإنقاذ أطفال يموتون جوعاً وعطشاً أو يجندون كمقاتلين، ولإعطاء اللاجئين المشردين مأوي، ولتوزيع المساعدات الطبية إلي المجموعات التي تفتقر إليها.

? قال وزير الشركات الصغيرة والمتوسطة الجزائري: إن أربعة مليون جزائري من بين ثلاثين مليوناً هم عدد سكان الجزائر يعيشون تحت خط الفقر. وقال الوزير: إن الجزائر تضم (180) ألف يتيم و(147) ألف طفل غير شرعي و(49) ألف أرملة.

? 100 مليون طفل في العالم تجب عليهم رعاية أنفسهم ضد الفقر والحروب.

? 840 مليون جائع أو فاقد للأمن الغذائي في العالم.

? 20% من سكان الأرياف في الأرجنتين يعيشون في فقر.

? ازدياد معدل الفقر في أمريكا اللاتينية من 23 إلي 28%.

? 9% من أطفال العالم العربي يموتون تحت سن الخامسة نتيجة الفقر وسوء التغذية.

? 46% من أطفال روسيا الذين هم دون الخامسة عشر فقراء.

? 16 دولة في جنوب الصحراء الإفريقية تعاني من نقص غذائي استثنائي نتيجة لكوارث طبيعية أو اضطرابات داخلية.

? 60 مليون شخص في 13 دولة بالعالم يعانون من نقص الأغذية.

? 18 مليون شخص في أثيوبيا وأريتريا والسودان وتنزانيا ما زالوا يعتمدون علي إعانات غذائية من الخارج.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 328.

() الذكري للشهيد الأول: ص250 الصلوات المستحبة، الطبعة الحجرية القديمة.

() وسائل الشيعة: ج16 ص281 ب41 ح21556.

() وسائل الشيعة: ج16 ص281 ب41 ح21556.

() سورة إبراهيم: 24.

() النظام الرأسمالي: نظام اقتصادي يتميز بنمط من الإنتاج يرتكز علي تقسيم المجتمع إلي طبقتين أساسيتين:

الأولي: طبقة مالكي وسائل الإنتاج (الأرض، المواد الأولية،

الآلات والأدوات، والعمل) سواء كانت مكونة من أفراد أو شركات أو مؤسسات، وهم الذين يشترون قوة العمل لتشغيل مشروعاتهم.

الثانية: طبقة البروليتاريا، وهي الطبقة المجبرة علي بيع قوة عملها؛ لأن ليس لأفرادها وسائل الإنتاج،ولا رأس المال الذي يتيح لهم العمل لحسابهم الخاص. وليس بوسع النظام الرأسمالي البقاء والازدهار إلا بوجود العناصر المهمة من أجل بقائه وهما: احتكار وسائل الإنتاج لمصلحة طبقة من المالكين ووجود طبقة محرومة من وسائل العيش والثروة، وهي مضطرة لبيع قوة عملها.

() الشيوعية: مذهب سياسي يهدف إلي القضاء علي الرأسمالية والملكية الخاصة. وتعد الشيوعية من أشد المذاهب الاشتراكية تطرفاً، وتتميز بأنها حركة ثورية تري أن تحقق إنشاء مجتمع يتساوي أفراده في الحقوق لا يكون إلا باستعمال القوة المسلحة؛ فهي لذلك تحارب الديمقراطيات وخاصة التي تشجع الرأسمالية.

يرجع ظهور الحركة الشيوعية في روسيا إلي عام (1903م) عندما انشق أتباع كارل ماركس إلي معسكرين: إصلاحي وراديكالي بزعامة لينين. فلما حاز هذا الأخير الأغلبية عرف بحزب الأغلبية التي يعبر عنها في الروسية بكلمة: بولشفيك، ومن هذا قامت العلاقة اللفظية بين البولشفية والشيوعية التي هي مذهب سياسي.

تميزت سياسة لينين (ومن بعده تروتسكي) بمحاولة نشر المبادئ الشيوعية في العالم باستخدام القوة، وذلك بتشجيع الثورة بين الطبقات العاملة في المجتمعات الرأسمالية كما وضحه ماركس في الإعلان الشيوعي .

وتعرف الدول الشيوعية بدول الديمقراطيات الشعبية أو الدول الاشتراكية، في حين أطلق الغرب عليها اسم دول الستار الحديدي أو الدول البلشفية أو الدول الحمراء، ومع أن اتحاد الجمهوريات السوفيتية يعتبر قاعدة العالم الشيوعي إلا أن المبادئ الشيوعية كما صورها ماركس لم توضع موضع التطبيق الكامل فيها، بل أن الساسة السوفييت بعد وفاة لينين وفي مقدمتهم ستالين لم يروا ضيراً في الانحراف عن المبادئ

الماركسية بعض الشيء، وانتهاج سياسة مرنة في معالجة التطبيقات الاقتصادية كحقوق الملكية الخاصة، ومن ثم بدأ الانشقاق العقائدي في المعسكر الشيوعي فاعتبرت الصين الشعبية أن الاتحاد السوفيتي قد تنكر للمبادئ الماركسية الأصيلة، كما سبق أن كان الانشقاق في المعسكر الشرقي بسبب الخلاف حول مدي تبعية الدول الاشتراكية لموسكو، وعلي هذا الأساس نشبت الحرب الباردة في داخل المعسكر الشيوعي بين الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا.

ووصلت الشيوعية إلي البلاد الإسلامية ومنها العراق، حيث تغلغلت الأفكار الشيوعية بين أوساط بعض البسطاء من الناس عبر عملاء الاستعمار، الذين طبّلوا وزمروا كثيراً لتلك الأفكار المزيفة والشعارات الفارغة، فأخذ البعض من السذج والبسطاء من الناس يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وفق مبدأ الشيوعية، وعلي اثر ذلك شعر الإمام الراحل رحمة الله عليه الذي كان عمره الشريف لم يتجاوز الثلاثين والكثير من العلماء بمسؤوليتهم تجاه تلك الأفكار الفاسدة والآراء المنحرفة فتصدوا لها عبر وسائل عديدة، موضحين أن الإسلام وحده هو القادر علي تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد ذكر الإمام الراحل رحمة الله عليه بعض تلك الأساليب التي اتبعها في مواجهة الشيوعية، وذلك في كتابه القيم (تلك الأيام)،فوصف بعض ما مر علي المجتمع نتيجة ظهور تلك الأفكار.

انظر كتاب (تلك الأيام): ص126. وراجع في هذا الباب: كتاب الفقه، السياسة: ج106، وكتاب مباحثات مع الشيوعيين، والقوميات في خمسين سنة، وماركس ينهزم، وغيرها.

() الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح3.

() الكافي: ج5 ص279 باب في إحياء أرض الموات ح2.

() الكافي: ج5 ص280 باب في إحياء أرض الموات ح6.

() سورة البقرة: 278- 279.

() سورة النساء: 5.

() سورة البقرة: 29.

() ذكر الإمام الراحل أعلي الله مقامه في كتاب (مباحثات مع الشيوعيين): أنه في عهد عبد السلام عارف هيئنا وفداً كبيراً

من علماء كربلاء المقدسة، وذهبنا إلي المرجع سماحة السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه في النجف الأشرف، لنري رأيه في الاشتراكية التي نادي بها (عبد السلام عارف) وطبقها بالحديد والنار.

وأفتي السيد الحكيم هناك بوجوب محاربة الاشتراكية، ومقاطعة البضائع التي وضعت الحكومة اليد عليها، وانتشر نبأ ذهاب الوفد، وفتوي السيد الحكيم في كل العراق كالبرق الخاطف،وبعد رجوعنا، وإعلان خطباء كربلاء عن ذلك، انهمرت عليَّ سيل من الأسئلة والاعتراضات، وحتي التهديد، كما تم اعتقل جماعة من أصدقائنا منهم العلامة المجاهد السيد مرتضي القزويني وأودعوا السجن، أو نفوا إلي خارج كربلاء.

جاءني في تلك الأثناء وفد من المثقفين، عرفوا أنفسهم أنهم من بلاد مختلفة، وأنهم شيوعيون اشتراكيون يريدون مناقشتي في الاشتراكية، فرحبت بهم.

فقالوا: لماذا تحارب الاشتراكية؟.

قلت: لأن الإسلام حاربها.

قالوا: ليس في القرآن محاربة الاشتراكية.

قلت: وهل أنتم تقرؤون القرآن؟.

قالوا: نعم.

قلت: رجاءً ليقرأ واحد منكم سورة من سور القرآن من غير الجزء الأخير ولا سورة الفاتحة. فلم يقدروا علي ذلك.

قلت: هذا دليل علي أنكم لا تقرؤون القرآن ولا تعرفونه، فكيف تقولون: ليس في القرآن محاربة الاشتراكية. فنكسوا رؤوسهم.

ثم قالوا: حسناً أنت الذي تعرف القرآن علمنا في أية آية محاربة الاشتراكية؟.

قلت: في آيات متعددة، منها قوله تعالي: ?وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ

بِالْباطِلِ? سورة البقرة: 188، ومنها قوله تعالي: ?وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلي بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ? سورة النحل: 71، ومنها قوله تعالي: ?كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ? سورة الطور: 21، إلي غيرها …

قالوا: وهل الله راض بأن يملك إنسان الملايين، ويموت أناس جوعاً؟.

قلت: لا.

قالوا: إذا لم تكن اشتراكية كان معناه ذلك.

قلت: بالعكس إذا كانت الاشتراكية كان معناه ذلك.

قالوا: وكيف؟.

قلت: في الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية يملك القادة الشيوعيون الاشتراكيون كل الحياة، بينما لا يملك الشعب

حتي القوت.

قالوا: هذه دعاية.

قلت: هنا يوجد أناس رأوا بأعينهم ذلك، وثم تصريحات (خروتشوف) وتصريحات (ماو تسي تونغ) تدلان علي ذلك.

قالوا: إذن فما هو العلاج؟.

قلت: العمل بنظام الإسلام.

قالوا: وما هو نظام الإسلام؟.

قلت: إباحة الملكية الفردية إلي حد عدم الفساد والإفساد، مع ضمان عيش الفقراء عيشاً متوسطاً بلا إسراف ولا تقتير.

قالوا: إذن أنت تحبذ النظام الرأسمالي؟.

قلت: كلا؛ فالنظام الرأسمالي الغربي، والاشتراكي الشرقي كلاهما باطلان، وإنما النظام الإسلامي هو النظام الصحيح.

قالوا: إنا لم نسمع بهذا من قبل؟.

قلت: لأن المدارس والإذاعات ومحطات التلفزيون والصحف خلت من أي ذكر لهذا النظام، وأنتم لا تطالعون الكتب الإسلامية، ولا تحضرون محضر العلماء الذين يتكلمون حول أمثال هذه الأمور، ولذا لا تعرفون الإسلام.

قالوا: الذي سمعناه من الخطباء أن الإسلام عبارة عن: صلاة وصيام وخمس حج وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومسائل شرعية وأمور أخلاقية، ونحو ذلك.

قلت: هناك خطباء يتكلمون حول الاقتصاد الإسلامي لكنهم قليلون، والكثير منهم يراعي مستويات المستمعين، فلا يتكلم إلا عن أمور هم يطلبونها من جوانب الإسلام.

قال أحدهم: ولماذا لا تطلبون من السلطة تطبيق النظام الإسلامي؟.

قلت: طلبنا، ولكنها لم تلب.

قال: من طلبها من السلطة؟.

قلت: أنا شخصياً؛ فقد طلبت من عبد الكريم قاسم عند مقابلتي له، وكان معي جمع آخرون.

قال: الآن اطلبوا من عبد السلام عارف.

قلت: الواقع أن بناء السلطات علي أن لا تسمع الكلام من العلماء، وقد جربنا ذلك من عهد الملكيين إلي هذا العهد.

قال أحدهم: وكيف يحدد الإسلام رأس المال لدي الأغنياء؟.

قلت: أولاً: يأخذ منه الخمس والزكاة. وثانياً: لا يتركه يحتكر ويرابي ويمتص دماء الناس بالوسائل غير المشروعة.

قال: وأية فائدة، وبعد ذلك يبقي المال عنده كثيراً؟.

قلت: وما المانع من أن يبقي عنده مال كثير؟.

قال: المانع هو أن الفقير يعاني

الجوع والحرمان؟.

قلت: كلا؛ فإن الدولة كفيلة بعيش الفقير الذي لا يجد عملاً.

قال: ومن أين للدولة المال؟.

قلت: من الخمس والزكاة ومن أرباح استثمارات الدولة، ومن المعادن ونحوها، التي تحصل عليها الدولة بالطرق المشروعة.

قال: إذا كان هناك أغنياء وفقراء تحكمت الطبقية في الناس؟.

قلت: وما هو ضرر الطبقية؟.

قال: إن طبقة يرون أنفسهم دون طبقة فتولد فيهم عقد نفسية.

قلت: والآن في البلاد الشيوعية هذه موجودة، فإن طبقة الحزب طبقة رفيعة، وطبقة الشعب طبقة دون ذلك، ودائماً هذا موجود في المجتمع، فإن طبقة الأذكياء والدارسين فوق طبقة الذين لا ذكاء ولم يدرسوا أو لم يتابعوا دراساتهم إلي المراحل العالية، والعقد النفسية عالجها الإسلام بالإيمان والفضيلة ورجاء ثواب الله في الآخرة لمن عمل صالحاً.

قالوا: وماذا تقول حول الرئيس عبد السلام عارف؟.

قلت: إني أتحدث حول المبادئ لا حول الأشخاص.

() سورة الجاثية: 13.

() وسائل الشيعة: ج17 ص94 ب5 ح22066.

() وسائل الشيعة: ج17 ص95 ب5 ح22068.

() نهج البلاغة، الكتب: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه لمالك الأشتر لما ولاه علي مصر وأعمالها.

() دعائم الإسلام: ج2 ص86 ف22 ح256.

() دعائم الإسلام: ج2 ص86 ف22 ح257.

() متاع العامة: أي الذي يحتاج إليه عامة الناس.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص13- 14 ب1 ح58.

() وسائل الشيعة: ج25 ص412- 413 ب1 ح32243.

() الكافي: ج5 ص280 باب في إحياء ارض الموات ح6.

() تهذيب الأحكام: ج4 ص146 ب39 ح29.

() انظر الكافي: ج8 ص224 حديث يأجوج ومأجوج ح285، وبحار الأنوار: ج52 ص311 ب27 ح4.

() ورد في تقرير تحت عنوان: (المتناقضات والمبادئ بين الأولويات العسكرية والاجتماعية والبيئة) حيث يبين فيه الفجوة الكبيرة بين ما تنفقه الأنظمة والحكومات علي جهود ومصاريف الإعمار والصحة وما تنفقه علي مصاريف شراء وتصنيع الأسلحة الفتاكة والهدم والقتل وتلويث

الإنسان والبيئة:

أنفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة وهو المنظمة المسؤولية عن حماية البيئة العالمية علي مدي السنوات العشر الأخيرة (450 مليون) دولار، أي ما يعادل أقل من خمس ساعات من الإنفاق العسكري العالمي. ويبلغ إجمالي قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية السنوية المقدمة إلي البلدان النامية (35 مليار) دولار أي ما يعادل (15 يوماً) من الإنفاق العسكري العالمي. و(6 7 ساعات) من الإنفاق العسكري العالمي يمكن استخدام تكلفتها للقضاء علي الملاريا، ذلك المرض القاتل الذي يفتك بأرواح مليون طفل سنوياً. وأن يوماً ونصف اليوم من الإنفاق العسكري العالمي يكلف (1ر3 مليار دولار) تساوي التكاليف السنوية لحماية الأراضي التي لم تتأثر بالتصحر واستصلاح تلك المناطق التي تأثرت بدرجة معتدلة. و(3 أيام) من الإنفاق العسكري العالمي تكلف (7 مليارات دولار) تساوي تمويل الغابات الاستوائية لمدة خمس سنوات. وأن طائرة هليكوبتر واحدة من طراز أباتشي تكلف (12 مليون دولار) تساوي تركيب

(80000) مضخة يدوية لتمكين القري في العالم الثالث من الحصول علي مياه مأمونة. وأن نظام واحد من صواريخ باتريوت يكلف (123 مليون دولار، دون الصواريخ) يساوي إنشاء (5000) وحدة سكنية منخفضة التكاليف لإنقاذ (5000) أسرة من المعيشة في الأحياء الفقيرة. وأن يوماً واحداً من حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي في عام (1991م) كلف (5ر1 مليار دولار) يساوي برنامج عالمي مدته خمسة أعوام لتحصين الأطفال ضد ستة أمراض قاتلة، والحيلولة دون وفاة مليون طفل سنوياً.

وذكر أيضاً في تقرير آخر أن سكان الأرض يتوزعون بين (800 مليون ثري)

و(4 مليارات) فقير و(400 مليون) متوسط الحال.

وأن (17 مليون) طفل يموتون سنوياً في العالم لعدم حصولهم علي لقمة غذاء.

وفي بعض التقارير: بعد عقود من التقدم الصناعي والعلمي لم تتقلص الفروقات الاجتماعية بين الشمال والجنوب، بل

ازدادت الفجوة بين فقراء العالم وأغنيائه في الثلاثين سنة الماضية بمقدار ثلاثين مرة. وهناك (3ر1 مليار) شخص في العالم يعيشون في فقر مدقع فيما لا يتمتع قرابة (5ر1 مليار) شخص بأبسط الخدمات والعناية الصحية، وأن (70%) من المحرومين في العالم نساء، وفي نهاية القرن العشرين سيكون هناك ملياران من الفقراء في العالم.

أما عن المجاعة فقد حذرت منظمات الإغاثة الدولية من خطر المجاعة التي تهدد آلاف السودانيين في جنوب السودان إذا لم تقدم مساعدات عاجلة لهؤلاء المحتاجين للأغذية والدواء.

وقالت منظمة (وورلد فيجن) العاملة في مجال الإغاثة: إن معظم منطقة ولاية بحر الغزال في جنوب السودان تعاني من نقص في الأغذية وأن الناس يحاولون العيش اعتماداً علي أوراق الأشجار والجوز (البندق) البري. وتقول وكالات الإغاثة الدولية: إن ما يزيد عن 350 ألف شخص مهددون بخطر المجاعة في ولاية بحر الغزال. وفي تصاعد لوتيرة الأحداث في جنوب السودان خلال الأشهر القليلة الماضية، حذرت وكالات الإغاثة الدولية والمنظمات الإنسانية من خطر المجاعة التي تهدد قرابة النصف مليون شخص في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان. ويتخوف العاملون في وكالات الإغاثة الدولية من أن المجاعة هذه المرة ستكون أسوأ من المجاعة التي شهدتها المنطقة نفسها في الثمانينات والتي راح ضحيتها حوالي 300 ألف شخص.

علماً أن الأبحاث والدراسات تشير إلي أن أرض السودان وحدها تكفي لإطعام كل البشر الموجودين علي وجه الأرض، إذا استغلت بشكل سليم زراعياً فهي سلة غذاء العالم!!

وذكرت وكالات الإغاثة الدولية أن مئات الآلاف من الناس في أكثر من 12 دولة يواجهون خطر المجاعة.

() بحار الأنوار: ج70 ص370 ب138 ضمن ح3.

() الصحيفة السجادية: الدعاء رقم 20 وكان ومن دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

() سورة البقرة:

21.

() سورة النساء: 36.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة البينة: 5.

() سورة البقرة: 43.

() سورة المائدة: 12.

() سورة الأعراف: 156.

() سورة مريم: 31.

() سورة البقرة: 195.

() سورة البقرة: 261.

() سورة البقرة: 272.

() سورة سبأ: 39.

() سورة البقرة: 256.

() سورة الكهف: 29.

() سورة الأعراف: 157.

() وسائل الشيعة: ج1 ص78 ب17 ح176.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص198 ق2 ب2 ف10 ص3936.

() تحف العقول: ص236 ما روي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص394 باب النوادر ح5840.

() الكافي: ج2 ص374 باب في عقوبات المعاصي العاجلة ح2.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 146.

() أمالي الطوسي: ص296 المجلس11 ح582.

() وسائل الشيعة: ج9 ص211 ب1 ح11860.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص153 ب1 ح7889.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص379 ق5 ب4 ف1ح8572.

() تحف العقول: ص282 ما روي عنه عليه السلام من قصار هذه المعاني.

() وسائل الشيعة: ج9 ص367 ب1 ح12252.

() نهج البلاغة، الكتب: 31 من وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص298 ق3 ب3 ف3 ح6743.

() الخصال: ج1 ص284 باب الخمسة ح33.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.