عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام

اشارة

اسم الكتاب: عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ

بَلِّغْ مَا أنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ

فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ

وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

صدق الله العلي العظيم

سورة المائدة: 67

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم..

والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية..

والمعاناة السياسية والاجتماعية التي نقاسيها بمضض..

وفوق ذلك كله الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئن من وطأتها العالم أجمع..

والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرة في حل جميع أزماته ومشكلاته في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة..

والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبث الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق بأهداب الجفون وذرف العيون ومسلات الأنامل..

كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بإعداد مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد..

وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?().

الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وإنذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في كل مواقفه وشؤونه..

كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ

فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ?().

إن مؤلفات سماحة آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها إنعكاساً لشمولية الإسلام..

فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءاً من موسوعة الفقه التي تجاوزت حتي الآن المائة والخمسين مجلداً، حيث تعد إلي اليوم أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي قد تتجاوز بمجموعها ال(1500) مؤلفاً.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن والسنة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية لمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.

رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية وبشواهد من مواقع الحياة.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع الراحل والتي تقارب التسعة آلاف محاضرة ألقاها سماحته في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

وهذا الكتاب الذي بين يديك (عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام) كان في الأصل محاضرة ألقاها سماحته بمناسبة أعظم الأعياد وقد بين فيها أهمية هذا الحدث للدين الحنيف بل وضرورته في إكمال الرسالة وهو بمثابة التنصيب الرسمي والعلني لخلافة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وقد أورد سماحة الإمام الراحل (قده) بعض الأدلة من الآيات والروايات الخاصة بهذه المناسبة وما سبق وما تلاها.

ولتعميم الفائدة قمنا بإدراج ملحق آخر الكتاب أخذناه من كتاب الإمام الراحل (ولأول

مرة في التاريخ).

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من إكمال سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب 6080 / 13 شوران

البريد الإلكتروني: almoj(ع)aba@alshirazi.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

العيد في الإسلام

قال تبارك وتعالي: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?().

إنّ طبيعة الأعياد في الإسلام تختلف عن الأعياد في الأديان الأخري، فالعيد في غير الإسلام هو غالباً للحصول علي مكسب مادي بحت.

مثلاً، الشخص الذي يربح في تجارته ربحاً وفيراً يتخذ ذلك اليوم عيداً له، ومن يحقّق أمنية من أمانيه يعد ذلك اليوم عيداً له، وكذلك الشخص الذي يولد له مولود يتخذ هذا اليوم عيداً، وهكذا توجد نماذج كثيرة لهذه الأعياد في نظرهم، وخصوصاً في بعض المجتمعات الغربية ومن سار علي شاكلتهم.

وبتوضيح أكثر نقول: إنّ أغلب الأعياد في غير الإسلام ترتكز علي الماديات المحضة فحسب، وعلي إشباع الرغبات الجسدية فقط.

أما العيد في الإسلام فإنه يختلف اختلافاً كبيراً عن هذه الأعياد من حيث المعني والدلالة فالإسلام الذي يري الإنسان جسماً وروحاً ومادة ومعني، ويحاول التعادل بينهما والتكافؤ فيهما، ينسّق في أعياده بين الماديات والمعنويات، ويؤكد علي أنه كما يستفيد الإنسان من مظاهر العيد المادية، يستفيد كذلك من الأمور الروحية والمعنوية أيضاً.

إن العيد في نظر الإسلام هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، خُذ مثلاً

عيد الفطر: هذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل علي تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الشهوانية والجسمانية، وهي حاجته للطعام والشراب وما إلي ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامته، والسيطرة علي الشهوات والرغبات، لكسب معنوي، وهو التعادل بين الروح والجسم، إضافة إلي الثواب الآخروي، وامتلاك الإرادة الصلبة في مجال الطاعة لله عزوجل واكتساب فضائل روحية عديدة، مثل الإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوي النفس وشهواتها، وغير ذلك.

فقد قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد» ().

ومن الواضح أنّ هذا العيد لا يخصّ إنساناً واحداً بعينه، وإنْ كان يعود عليه بالنفع والفائدة، بل إنّ هذا العيد يشمل كل المجتمع، فآثاره عندنا عامة لا خاصة فقط، واجتماعية لا شخصية فحسب.

أما العيد في غير الإسلام، فإنه مجرد حصول الشخص علي رغبة مادية بحتة، وان كان فيها شيء من المعنويات فهو يتغاضي عنها ولا يعبأ بها، خذ مثلاً عيد ميلاد الأشخاص العاديين، ماذا يعني ذلك عندهم؟

إنه يعني مجرد الحصول علي هذا الجسم متغافلين عن الروح الذي هو جوهر الجسم وبه حياته، فهل الاحتفال بشق الإنسان وهو الجسم الأقل أهمية، ونسيان الشق الآخر وهو الروح الأكبر أهمية، يعدّ احتفالاً كاملاً وشاملاً، ومفيداً ونافعاً!

كلاّ، ليس هذا الاحتفال احتفالاً كاملاً وشاملاً، لأنه لا يعود علي جوهر الإنسان وهو روحه ومعنوياته بخير أبداً، بل يزيد في تضخيم الجسم والماديات علي حساب الروح والمعنويات، ولا يكون مفيداً ولا نافعاً؛ لأنه يؤدي إلي عدم التوازن بينهما، وعدم التوازن بينهما يعني: القلق والاضطراب، والبؤس والمرض.

وربَّ سائل يسأل: لماذا

يحتفل المسلمون وخصوصاً الشيعة بذكري ولادة الأنبياء والأئمة والأولياء (عليهم الصلاة والسلام)؟

وللجواب نقول: إن احتفالنا بذكري ولادة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام هو احتفالٌ كاملٌ وشاملٌ، لأنا إضافة إلي الاحتفاء بولادتهم الجسمانية، نهتم بفضائلهم الروحية والمعنوية، ونحتشد لإحياء ما قدموه للإنسانية من خدمات عظيمة تستحق الاحتفال والتذكر دوماً.

لذا فإن الاحتفال ب «عيد الغدير» هو باعتبار عظمة الذكري() أولاً، وباعتبار أنّ الإمام (ع) علّمنا في هذا اليوم كيف نصل إلي الأمن والسلام، والسعادة والهناء وكيف نستعمل الأمور المادية لخير الإنسانية، وكيف نستفيد من الحياة لصالح الآخرة ونعيمها، وان لا نبيع آخرتنا الباقية لدنيانا الفانية، ولا العكس بأن نترك دنيانا ونتناساها بالمرة من أجل الآخرة، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه» () وهذا هو الكسب الإنساني الصحيح؛ لأنّ في اتباع ذلك الفوز بحياة سعيدة في الدنيا، وبالجنة والنجاة من النار في الآخرة.

نعم، إن عيد الغدير هو إحياء للمعنويات إلي جانب الماديات، فهو يوم تعيين الخلافة لعلي عليه السلام بعد الرسول صلي الله عليه و اله مضافاً إلي أنه أمر معنوي سماوي نزل به جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله، ولهذا يعتبر هذا العيد من أهم وأعظم الأعياد عند المسلمين. وفي ذلك قال أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام: سألت أبا عبد الله (ع) هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحي والفطر؟

قال (ع): «نعم، أعظمها حرمة».

قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟!

قال (ع): «اليوم الذي نصب فيه رسول الله (ص) أمير المؤمنين(ع)، وقال: من كُنت مولاه فعلي مولاه».

قلت: وأي يوم هو؟

قال (ع): «وما تصنع باليوم؟ إنّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة».

فقلت: ما ينبغي لنا

أن نفعل في ذلك اليوم؟

قال: «تذكرون الله (عزّ ذكره) فيه بالصيام والعبادة، والذكر لمحمد وآل محمد، فإن رسول الله (ص) أوصي أمير المؤمنين (ع) أن يُتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً» ().

فعلي المسلمين اليوم أن يجعلوا هذا اليوم حافزاً لهم لعمل الخير والصلاح، والاتجاه إلي الله في كل عمل من أعمالهم، والوقوف بوجه الظالمين وأعداء الدين، ليزدادوا قرباً من العلي القدير.

يوم البشري

قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ?().

نزلت هذه الآية الكريمة علي النبي الأعظم (ص) تأمره أن يبلِّغ ما أمره الله سبحانه به.

وقد ذكر ثقاة المفسرين أنها نزلت علي النبي الأعظم (ص) لكي يبلِّغ ولاية أمير المؤمنين (ع) إلي الناس، وقد ذكر المفسرون والمؤرخون والمحدثون جميعاً في تفسير هذه الآية: أنّ رسول الله (ص) قرّر الذهاب إلي الحج في السنة الأخيرة من حياته، والذي عرف فيما بعد بحجة الوداع()، فوجّه صلي الله عليه و اله نداءه إلي المسلمين كافة يدعوهم فيه إلي أداء فريضة الحج وتعلّم مناسكه منه، فانتشر نبأ سفره، وصدي ندائه في المسلمين جميعاً، وتوافد الناس إلي المدينة المنورة، وانضمّوا إلي موكب الرسول (ص) حتي بلغ عدد الذين خرجوا معه (120) ألفاً علي أغلب الروايات، وفي بعض مصادر العامة (180) ألفاً، والتحق بالنبي(ص) ناس كثيرون من اليمن ومكة وغيرهما()، ولمّا أدي الرسول(ص) مناسك الحج انصرف راجعاً إلي المدينة، وخرجت المسيرة التي كانت تربو علي (120) ألفاً من المسلمين، حتي وصلت إلي أرض تسمي «خُم» () وفيها غدير اجتمع فيه ماء المطر يدعي (غدير خم) وكان

وصولهم إليه في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من عام حجة الوداع وفي سنة عشر من مهاجره صلي الله عليه و اله.

وعندما وصلت المسيرة العظيمة إلي هذه المنطقة هبط الأمين جبرئيل من عند الله تعالي علي رسول الله (ص) هاتفاً بالآية الكريمة: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ?() أي: في علي عليه السلام فأبلغ جبرئيل الرسول (ص) رسالة الله إليه: بأن يقيم علي بن أبي طالب (ع) إماماً علي الناس وخليفة من بعده ووصياً له فيهم، وأن يبلغهم ما نزل في علي عليه السلام من الولاية وفرض الطاعة علي كل أحد.

فتوقف النبي (ص) عن المسير وأمر أن يلحق به من تأخر عنه ويرجع من تقدم عليه، وكان الجو حاراً جداً حتي كان الرجل منهم يتصبب عرقاً من شدة الحر وبعضهم كان يضع بعض ردائه علي رأسه والبعض الآخر تحت قدميه لإتقاء جمرة الحر وشدته.

وأدركتهم صلاة الظهر فصلي رسول الله (ص) بالناس ومدت له ظلال علي شجرات ووضعت أحداج الإبل بعضها فوق بعض حتي صارت كالمنبر، فوقف الرسول (ص) عليها لكي يشاهده جميع الحاضرين ورفع صوته من الأعماق ملقياً فيهم خطبة بليغة مسهبة، ما زالت تصكُّ سمع الدهر، افتتحها بالحمد والثناء علي الله سبحانه، وركّز حديثه وكلامه حول شخصية خليفته الإمام أمير المؤمنين (ع)، وذكر فضائله ومناقبه ومزاياه ومواقفه المشرّفة ومنزلته الرفيعة عند الله ورسوله، وأمر الناس بطاعته وطاعة أهل بيته الطاهرين، وأكّد أنهم حجج الله تعالي الكاملة، وأولياؤه المقرَّبون وأُمناؤه علي دينه وشريعته، وأنّ طاعتهم طاعة الله تعالي ورسوله ومعصيتهم معصية لله، وإنّ شيعتهم في الجنة ومخالفيهم في النار.

وكان مما قال صلي الله عليه و اله بعدما نزلت آية: ?يَا

أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ?(): «يا أيها الناس، إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أُدعي فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟» فقالوا: نشهد أنك قد بلَّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

فقال (ص): «ألستم تشهدون أن لا إله الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حقّ وناره حقّ، وإنّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور».

قالوا: بلي نشهد بذلك.

فقال (ص): «¬اللهم اشهد»، ثم قال: «أيها الناس ألا تسمعون؟».

قالوا: نعم.

فقال (ص): «فإني فرط علي الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصري() فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين».

فنادي منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟

قال (ص): «الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله عزوجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا»! ثم أخذ النبي (ص) بيد الإمام علي (ع) فرفعها حتي بان بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون.

فقال (ص): «أيها الناس مَن أولي الناس بالمؤمنين مِن أنفسهم؟».

فقالوا: الله ورسوله أعلم.

فقال (ص): «إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات ثم قال: اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحب من أحبَّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا

فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب» ().

ثم تابع رسول الله (ص) خطبته فقال:

«فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصبه لكم إماماً، وفرض طاعته علي كل أحد، ماض حكمه جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم وعلي إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلي يوم القيامة، لا حلال إلا ما حلله الله وهم، ولا حرام إلا ما حرمه الله وهم فصلوه، فما من علم إلا وقد أحصاه الله في ونقلته إليه في أمير المؤمنين عليه السلام .

لا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلي الحق ويعمل به، لن يتوب الله علي أحد أنكره، ولن يغفر له، حتم علي الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه.

قولي عن جبرائيل عن الله ف ?لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ?() افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر لكم ذلك إلا من أنا آخذ بيده شائل بعضده. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت.

إن الله قال وأنا قلت عنه: لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره».

ثم رفعه إلي السماء حتي صارت رجله مع ركبته صلي الله عليه و اله وقال:

«معاشر الناس، هذا أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي علي من آمن بي وعلي تفسير كتاب ربي، اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ?() بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلي القيامة ف?أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ?() … » ().

ثم تابع الرسول الأعظم (ص) خطبته وحثَّ الناس علي إتباع علي أمير المؤمنين (ع)

وأهل بيته، وانتهت الخطبة النبوية المسهبة والتي تناولت أموراً كثيرة وحيوية بتعيين الإمام علي بن أبي طالب (ع) أميراً علي المؤمنين ووصياً وخليفة لرسول ربِّ العالمين.

وقبل أن يتفرق الناس هبط جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله بالآية الكريمة: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?() وقد جاء في التفاسير: بأنّ هذه الآية جاءت بعد أنّ نصب رسول الله صلي الله عليه و اله وبأمر من الله تعالي علياً أمير المؤمنين (ع) إماماً علي العالمين، وتسمي هذه الآية بآية الكمال أي كمال الدين، وهي بحسب بعض الروايات آخر فريضة أنزلها الله تعالي علي رسوله الكريم (ص)().

وعن أبي عبد الله (ع) قال: «لما نزل رسول الله (ص) عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل، فقال له: يا محمد، إنّ الله يقرؤك السلام ويقول لك: قل لأمتك: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ? بولاية علي بن أبي طالب ?وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?، ولست أنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة()، ولست أقبل هذه الأربعة إلاّ بها» ().

وقد رأينا هنا أن نورد الخطبة كاملة وكما ذكرها السيد ابن طاووس الحلي الحسني():

عن زيد بن أرقم قال: لما أقبل رسول الله صلي الله عليه و اله من حجة الوداع جاء حتي نزل بغدير خم بالجحفة بين مكة والمدينة، ثم أمر بالدوحات بقم() ما تحتهن من شوك، ثم نودي بالصلاة جامعة، فخرجنا إلي رسول الله صلي الله عليه و اله في يوم شديد الحر، وإن منا من يضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر والرمضاء، ومنا من يضعه فوق رأسه، فصلي بنا صلي الله عليه و اله ثم التفت إلينا

فقال:

«الحمد لله الذي علا في توحيده ودنا في تفرده وجل في سلطانه وعظم في أركانه وأحاط بكل شيء وهو في مكانه وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، حميدا لم يزل ومحمودا لا يزال ومجيدا لا يزول، ومبديا ومعيدا وكل أمر إليه يعود، بارئ الممسوكات وداحي المدحوات، متفضل علي جميع من برأه متطول علي كل من ذرأه، يلحظ كل نفس والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما يستحقون من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر ولم يخف عليه المكنونات ولا اشتبه عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شيء والغلبة لكل شيء والقوة في كل شيء والقدرة علي كل شيء، ليس كمثله شيء، وهو منشئ حي حين لا حي، ودائم حي وقائم بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

جل أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق وصفه أحد من معاينة، ولا يحده أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل هو عز وجل علي نفسه، أشهد له بأنه الله الذي ملأ الدهر قدسه والذي يغشي الأمد نوره وينفذ أمره بلا مشاورة ولا مع شريك في تقدير ولا يعاون في تدبيره، صور ما ابتدع علي غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا اختبال، شاءها فكانت، وبرأها فبانت.

فهو الله لا إله إلا هو المتقن الصنعة والحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي إليه مرجع الأمور، أشهد أنه الله الذي تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل شيء لهيبته، مالك الأملاك ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمي، يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل يطلبه

حثيثا، قاصم كل جبار عنيد وكل شيطان مريد، لم يكن له ضد ولم يكن معه ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، إلها واحدا ماجدا، شاء، فيمضي ويريد ويقضي ويعلم ويحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي و يدني ويقصي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شيء قدير.

لا يولج لليل في نهار ولا مولج لنهار في ليل، إلا هو مستجيب للدعاء، مجزل العطاء محصي الأنفاس رب الجنة والناس، الذي لا يشكل عليه لغة ولا يضجره مستصرخ لا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين مولي المؤمنين ورب العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده علي كل حال.

أحمده كثيرا وأشكره دائما علي السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع لأمره وأطيع وأبادر إلي رضاه وأسلم لما قضاه، رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته؛ لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، أقر له علي نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي أن لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إذا لم أبلغ ما أنزل إلي لما بلغت رسالته، وقد ضمن لي العصمة وهو الله الكافي الكريم. أوحي إلي: ?بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?() إلي آخر الآية .

معاشر الناس، وما قصرت فيما بلغت، ولا قعدت عن تبليغ ما أنزله، وأنا أبين لكم سبب هذه الآية: إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا، فأمرني عن السلام رب السلام، أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي

ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، ووليكم بعد الله ورسوله نزل بذلك آية هي: ?إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ?(). وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتي الزكاة وهو راكع، يريد الله تعالي في كل حال.

فسألت جبرئيل عليه السلام أن يستعفي لي السلام من تبليغي ذلك إليكم أيها الناس؛ لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين ولأعذال الظالمين وأدغال الآثمين وحيلة المستشرين، الذين وصفهم الله تعالي في كتابه بأنهم: ?يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ?() ويحسبونه ?هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ?()، وكثرة أذاهم لي مرة بعد أخري، حتي سموني أذنا، وزعموا أني هو لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه وهواه وقبوله مني، حتي أنزل الله تعالي في ذلك لا إله إلا هو: ?الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ?() إلي آخر الآية ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لأسمينهم، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله بسترهم قد تكرمت.

وكل ذلك لا يرضي الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي ?بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ?() إلي آخر الآية واعلموا معاشر الناس ذلك وافهموه. واعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، فرض طاعته علي المهاجرين والأنصار وعلي التابعين بإحسان، وعلي البادي والحاضر، وعلي العجمي والعربي، وعلي الحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلي الأبيض والأسود، وعلي كل موجود، ماض حكمه وجاز قوله ونافذ أمره، ملعون من خالفه ومرحوم من صدقه، قد غفر الله لمن سمع وأطاع له.

معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر الله ربكم، فإن الله

هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه رسوله ونبيه محمد القائم المخاطب لكم، ومن بعده علي وليكم وإمامكم، ثم الإمامة في ولدي الذين من صلبه إلي يوم القيامة ويوم يلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله عليكم، وهو والله عرفني الحلال والحرام، وأنا وصيت بعلمه إليه.

معاشر الناس، فصلوه ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمته فقد علمته عليا، وهو المبين لكم بعدي.

معاشر الناس، فلا تضلوا عنه ولا تفروا منه، ولا تستنكفوا عن ولايته، فهو الذي يهدي إلي الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهي عنه، لا تأخذه في الله لومة لائم، أول من آمن بالله ورسوله، والذي فدي رسول الله بنفسه، والذي كان مع رسول الله، ولا يعبد الله مع رسوله غيره.

معاشر الناس، فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله علي أحد أنكره، ولن يغفر الله له حتما علي الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد، ودهر الدهر، واحذروا أن تخالفوا فتصلوا بنار ?وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِين?().

معاشر الناس، لي والله بشري لأكون من النبيين والمرسلين والحجة علي جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فقد كفر كفر الجاهلية الأولي، ومن شك في شيء من قولي فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك في النار.

معاشر الناس، حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، لا إله إلا هو، ألا له الحمد مني أبد الأبد، ودهر الدهر علي كل حال.

معاشر الناس، فضلوا عليا فهو أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثي، مانزل الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون من خالفه

مغضوب عليه، قولي عن جبرئيل، وقول جبرئيل عن الله عز وجل، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن يخالفوه إن الله خبير بما تعملون.

معاشر الناس، تدبروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته، ولا تبتغوا متشابهه؛ فوالله لن يبين لكم زواجره، ولن يوضح لكم تفسيره، إلا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إلي، وشائل عضده ورافعها بيدي، ومعلمكم، من كنت مولاه فهو مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، أمر من الله نزله علي.

معاشر الناس، إن عليا والطيبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، وكل واحد منهما مبني علي صاحبه، لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، أمر من الله في خلقه وحكمه في أرضه. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد نصحت، ألا إن الله تعالي قال، وأنا قلت عن الله، ألا وإنه لا أمير للمؤمنين غير أخي هذا، ألا ولا يحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره».

ثم ضرب بيده إلي عضده فرفعه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام منذ أول ما صعد رسول الله صلي الله عليه و اله منبره علي درجة دون مقامه، متيامنا عن وجه رسول الله صلي الله عليه و اله كأنهما في مقام واحد، فرفعه رسول الله صلي الله عليه و اله بيده وبسطها إلي السماء، وشال عليا عليه السلام حتي صارت رجله مع ركبة رسول الله صلي الله عليه و اله ثم قال:

«معاشر الناس، هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي علي من آمن بي، وعلي تفسير كتاب ربي، والدعاء إليه، والعمل بما يرضاه، والمحاربة لأعدائه، والدال علي طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام والهادي من الله، بأمر الله، يقول الله

عز وجل: ?ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ?() بأمرك أقول: اللهم، وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من أنكره، واغضب علي من جحده، اللهم، إنك أنزلت الآية في علي وليك عند تبين ذلك ونصبك إياه لهذا اليوم: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً?()، ?ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ?()، اللهم، إني أشهدك أني قد بلغت.

معاشر الناس، إنما أكمل الله لكم دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلي يوم القيامة والعرض علي الله، ف?أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ?() لا يخفف العذاب عنهم ولا هم ينظرون.

معاشر الناس، هذا أنصركم لي، وأحق الناس بي، والله عنه وأنا راضيان، وما أنزلت آية رضا إلا فيه، ولا خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، وما أنزلت آية في مدح في القرآن إلا فيه، ولا سأل الله بالجنة في ?هَلْ أَتي عَلَي الإِنْسان?() إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس، هو يؤدي دين الله، والمجادل عن رسول الله، والتقي النقي الهادي المهدي نبيه، خير نبي، ووصيه خير وصي.

معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب أمير المؤمنين علي.

معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، أهبط آدم بخطيئته وهو صفوة الله، فكيف أنتم؟ فإن أبيتم فأنتم أعداء الله. ما يبغض عليا إلا شقي، ولا يوالي عليا إلا تقي، ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، في علي والله نزل سورة والعصر ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ? والْعَصْرِ ? إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ?() إلا علي،

الذي آمن ورضي بالحق والصبر.

معاشر الناس، قد أشهدني الله وأبلغتكم، ?وما عَلَي الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين?().

معاشر الناس، ?اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ?().

معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلناه ?مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلي أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ?().

معاشر الناس، النور من الله تعالي فيّ، ثم مسلوك في علي، ثم في النسل منه إلي القائم المهدي، الذي يأخذ بحق، وبكل حق هو لنا، بقتل المقصرين والغادرين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس، إني أنذر لكم أني رسول الله، قد خلت من قبلي الرسل، فإن مت أو قتلت ?انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ?() ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس، علي الله فينا ما لا يعطيكم الله ويسخط عليكم ويبتليكم بسوط عذاب، إن ربكم لبالمرصاد.

معاشر الناس، سيكون بعدي أئمة يدعون إلي النار، ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس، إن الله تعالي وأنا بريئان منهم.

معاشر الناس، إنهم وأشياعهم وأنصارهم وأتباعهم ?فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ?() و?فَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ?().

معاشر الناس، إني أدعها إمامة ووراثة، وقد بلغت ما بلغت، حجة علي كل حاضر وغائب، وعلي كل أحد ممن ولد وشهد، ولم يولد ولم يشهد، يبلغ الحاضر الغائب، والوالد الولد إلي يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان من يفرغ و?يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ?().

معاشر الناس، إن الله تعالي لم يكن ليذركم علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم علي الغيب.

معاشر الناس، إنه ما من قرية إلا والله مهلكها قبل يوم القيامة، ومملكها الإمام

المهدي، والله مصدق وعده.

معاشر الناس، قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله فقد أهلك الأولين بمخالفة أنبيائهم، وهو مهلك الآخرين»، ثم تلا صلي الله عليه و اله الآية إلي آخرها.

ثم قال:

«معاشر الناس، إن الله أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، وعلم الأمر والنهي لديه، فاسمعوا لأمره، وتنهوا لنهيه، ولا يفرق بكم السبل عن سبيله.

معاشر الناس، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم الله أن تسلكوا الهدي إليه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمة الهدي، يهدون بالحق وبه يعدلون»، ثم قرأ صلي الله عليه و اله الحمد().

وقال: «فيمن ذكرت ذكرت فيهم، والله، فيهم نزلت، ولهم والله شملت، وآباءهم خصت وعمت، أولئك أولياء الله ?لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ?() و?حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ?()، ألا إن أعداءهم هم الشقاء والغاوون وإخوان الشياطين، الذين ?يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً?()، ألا إن أولياءهم الذين ذكر الله في كتابه، المؤمنين الذين وصف الله فقال: ?لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ?() إلي آخر الآية، ألا إن أولياءهم المؤمنون الذين وصفهم الله أنهم ?لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُونَ?() ألا إن أولياءهم الذين آمنوا ولم يرتابوا، ألا إن أولياءهم الذين يدخلون الجنة بسلام آمنين، وتتلقاهم الملائكة بالتسليم أن ?طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ?() ألا إن أولياءهم لهم ?الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ?()، ألا إن أعداءهم الذين ?سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً?()، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا، ويرون لها زفيرا ?كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها?() إلي آخر الآية، ألا إن أعداء الله الذين قال الله: ?كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ

خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ?() إلي آخر الآية، ألا ?فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ?()، ألا وإن أولياءهم ?الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ?().

معاشر الناس، شتان ما بين السعير والأجر الكبير.

معاشر الناس عدونا كل من ذمه الله ولعنه وولينا كل من أحبه الله ومدحه. معاشر الناس ألا إني النذير وعلي البشير. معاشر الناس إني منذر وعلي هاد.

معاشر الناس ألا إني نبي وعلي وصي. معاشر الناس ألا إني رسول وعلي الإمام والأئمة من بعده ولده والأئمة منه ومن ولده ألا وإني والدهم وهم يخرجون من صلبه.

ألا وإني والدهم وخاتم الأئمة منا القائم المهدي الظاهر علي الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها. ألا إنه غالب كل قبيلة من الترك وهاديها. ألا إنه المدرك لكل ثار لأولياء الله. ألا إنه ناصر دين الله. ألا إنه المصباح من البحر العميق الواسم لكل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره. ألا إنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم ألا إنه المخبر عن ربه والمشيد لأمر آياته. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض إليه. ألا إنه قد بشر به كل نبي سلف بين يديه. ألا إنه الباقي في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في علانيته وسره.

معاشر الناس، إني قد بينت لكم وأفهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي. ألا وعند انقضاء خطبتي أدعوكم إلي مصافقتي علي يدي ببيعته والإقرار له ثم مضافقته() بعد يدي. ألا إني قد بايعت الله وعلي قد بايع لي وأنا أمدكم بالبيعة له عن الله عز وجل: ?فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلي نَفْسِهِ?() إلي آخر الآية معاشر الناس، ألا وإن الحج والعمرة من شعائر الله ?فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ

أَوِ اعْتَمَرَ?() إلي آخر الآية معاشر الناس، حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا تموا وأبشروا ولا تخلفوا عنه إلا تبروا وافتقروا.

معاشر الناس، ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر له ما سلف من ذنبه إلي وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف به معاشر الناس الحاج معانون ونفقاتهم مخلفة عليهم والله لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر الناس، حجوا بكمال في الدين وتفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة إقلاع.

معاشر الناس أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمرتكم فإن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم الذي نصبه الله لكم ومن خلقه مني وأنا منه يخبركم بما تسألون ويبين لكم ما لا تعلمون. ألا وإن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيها وأعدها فآمر بالحلال وأنهي عن الحرام في مقام واحد، وأمرت فيه أن آخذ البيعة عليكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به من الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأوصياء من بعده الذين هم مني ومنه إمامة فيهم قائمة خاتمها المهدي إلي يوم يلقي الله الذي يقدر ويقضي.

ألا معاشر الناس وكل حلال دللتكم عليه وحرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل. ألا فادرسوا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه. ألا وإني أجدد القول. ألا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. ألا وإن رأس الأمر بالمعروف أن تنبهوا قولي إلي من يحضر ويأمروه بقبوله عني ونبهوه عن مخالفته فإنه أمر من الله تعالي».

فهذه هي البشري، بشري ولاية أمير المؤمنين (ع) فمن تمسّك بها فاز بدنيا سعيدة، وآخرة حميدة بأعلي الجنان، ومن لا يؤمن بها فقد ضل ضلالاً مُبيناً وخسر دنياه وآخرته.

نسأل الله تعالي أن يجعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين (ع) والعاملين

بها().

ولهذه المناسبة العظيمة نذكر قصيدة في مدح أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام أوردها الشيخ الكفعمي في مصباحه ذكر فيها من فضائله قليلاً من كثير مع الإشارة فيها إلي يسير من أسماء يوم الغدير():

هنيئا هنيئا ليوم الغدير

ويوم النصوص ويوم السرور

ويوم الكمال لدين الإله

وإتمام نعمة رب غفور

ويوم الدليل علي المرتضي

ويوم البيان لكشف الضمير

ويوم الرشاد وإبداء ما

تجن به مضمرات الصدور

ويوم الأمان ويوم النجاة

ويوم التعاطف ويوم الحبور

ويوم الصلاة ويوم الزكاة

ويوم الصيام ويوم الفطور

يوم العقود ويوم الشهود

ويوم العهود لصنو البشر

ويوم الطعام ويوم الشراب

ويوم اللباس ويوم النحور

ويوم تواصل أرحامكم

ويوم العطاء وبر الفقير

ويوم تفرج كرب الوصي

بموت ابن عفان أهل الفجور

ويوم لشيث ويوم لهود

ويوم لإدريس ما من نكير

ويوم نجاة النبي الخليل

من النار ذات الوقود السعير

ويوم الظهور علي الساحرين

وإغراق فرعون ماء البحور

ويوم لموسي وعيسي معا

ويوم سليمان من غير ضير

ويوم الوصية للأنبياء

علي الأوصياء بكل الدهور

ويوم انكشاف المقام الصراح

وإيضاح برهان سر الأمور

ويوم الجزاء وحط الآثام

ويوم الميارة للمستمير

ويوم البشارة يوم الدعاء

وعيد الإله العلي الكبير

ويوم البياض ونزع السواد

وموقف عز خلا من نظير

ويوم السباق ونفي الهموم

وصفح الإله عن المستجير

ويوم اشتمام أريج المسوك

وعنبرها وأريج العبير

ويوم مصافحة المؤمنين

ويوم التخلص من كل ضير

ويوم الدليل علي الرائدين

ومحنة عبد ويوم الطهور

ويوم انعتاق رقاب جنت

من النار يا صاح ذات السعير

ويوم الشروط ونشر النزاع

وترك الكبائر بعد الغرور

ويوم النبي ويوم الوصي

ويوم الأئمة من غير زور

ويوم الخطابة من جبرئيل

بمنبر عز علي السرير

ويوم الفلاح ويوم النجاح

ويوم الصلاح لكل الأمور

ويوم يكف يراع الإله

من المؤمنين بنسخ الشرور

ويوم التهاني ويوم الرضا

ويوم استزادة رب شكور

ويوم استراحة أهل الولاء

ويوم تجارة أهل الأجور

ويوم الزيارة للمؤمنين

ويوم ابتسام ثنايا الثغور

ويوم التودد للأولياء

وإلباس إبليس ثوب الدحور

ويوم انشراح أهيل الصلاح

وحزن قلوب أهيل الفجور

ويوم ارتغام أنوف العداء

ويوم القبول وجبر الكسير

ويوم العبادة يوم الوصول

إلي رحمات العلي القدير

ويوم السلام علي المصطفي

وعترته

الأطهرين البدور

ويوم الإمارة للمرتضي

أبي الحسنين الإمام الأمير

ويوم اشتراط ولاء الوصي

علي المؤمنين بيوم الغدير

ويوم الولاية في عرضها

علي كل خلق السميع البصير

ويوم الزيادة ما ينفقون

بمائة ألف خلت من نظير

ويوم المعارج في رفعها

وأنباء فضل عظيم كبير

فهذا الإمام عديم النظير

وأني يكون له من نظير

وأين الصباب وأين السحاب

وليس الكواكب مثل البدور

ومن يجعل الوجه مثل القفا

ومن يجعل النور مثل[بدر]الدجور

ومن يجعل الأرض مثل السماء

وليس الصحيح كمثل الكسير

وأين الثريا وأين الثري

وليس العناق كمثل النمير

ومن يجعل الضبع مثل الأسود

ومن يجعل النهر مثل البحور

وليس العصي شبيه السيوف

ومن يجعل الصعو مثل الصقور

وأين المعلي وأين السفيح

وليس الوفاة كمثل النشور

وأين المجلي وأين اللطيم

وليس البصير كمثل الضرير

ومن يجعل الدر مثل الحصي

ودرهم زيف كمثل النضير

علي الوصي وصي النبي

وغوث الولي وحتف الكفور

إمام الأنام ونور الظلام

وغيث الغمام الهطول الغزير

سفين النجاة وعين الحياة

ومردي الكماة بسيف مبير

حمام الطغاة وهادي الهداة

مبيد الشراة بأرض الثبور

غياث المحول وزوج البتول

وصنو الرسول السراج المنير

فصيح المقال مليح الفعال

عظيم الجلال وصي البشير

أمير الثبات عظيم البيات

بحرب العداة وفك الأسير

ثبيت الأساس زكي الغراس

جميل النحاس وبدر البدور

نقي الجيوب شجاع الحروب

ونافي الكروب ببأس مرير

ذكي البخار عظيم الفخار

ومجدي النضار إلي المستجير[المستمير]

أمان البلاد وساقي العباد

بيوم المعاد بعذب نمير

صلاح الزمان وغيث هتان

قسيم الجنان قسيم السعير

همام الصفوف ومقري الضيوف

وعند الزحوف كليث هصور

مزيل الشرور وصدر الصدور

حياة الشكور وموت الكفور

علي العماد وواري الزناد

دليل الرشاد إلي كل خير

أقام الصلاة وآتي الزكاة

ومولي العفاة وجبر الكسير

هو الهاشمي هو الأبطحي

هو الطالبي وبدر البدور

مكلم ذئب الفلا جهرة

وقالع صخر قليب النمير

و من قد هوي النجم في داره

ومن قاتل الجن في قعر بير

مزك بخاتمه راكعا

ومجدي الإجارة للمستجير

و جاء الحديث من المصطفي

علي مع الحق في كل دور

حديث المحبة لا يختفي

يضاهي الذكاء إذا في الظهور

رتاج مدينة علم النبي

ويعسوب دين الإله المنير

مقام علي من المصطفي

كموسي وهارون ما من نكير

فراش النبي علاه

نيام

بمكة يفديه من كل ضير

و سل عنه بدرا واحدا تري

له سطوات شجاع جسور

و سل عنه عمرا وسل مرحبا

وسل عنه صفين ليل الهرير

و كم نصر الطهر في معرك

بسيف صقيل وعزم مرير

و في وقعة الجمل العائشي

بنصف جمادي خلا من نظير

غزاة السلاسل لا تنسها

وهضام أسكنه في القبور

و ست وعشرون حرب روي

مع الهاشمي البشير النذير

و كم بذل النفس يوم النزال

فيردي الكماة بقطع النحور

خفيف علي صهوات الجياد

ثقيل علي سطوات الكفور

أمير السرايا بأمر النبي

وما من عليه بها من أمير

إمام مكلم أهل الرقيم

بعيد الممات قبيل النشور

و ثعبان مسجده جهرة

أتاه وكلمه في الحضور

و سد النبي لأبوابهم

سوي بابه فتحت للمرور

و في السطل والماء فخرا له

بعثه الإله لأجل الطهور

همام قضي الله في عرشه

ولادته في المكان الخطير

و ردت له الشمس في بابل

وآثر بالقرص قبل الفطور

تري ألف عبد له معتقا

ويختار في القوت قرص الشعير

و سار علي الريح فوق البساط

نقله المؤالف من غير مزور

إمام قد أنبأ بالغائبات

بجمع عظيم وجم غفير

وغسل سلمان في ليلة

وعاد إلي طيبة في الدجور

وداد أتاه من المؤمنين

بسورة مريم ما من نكير

وفي سورة الرعد سماه هاد

واسم النبي بمعني النذير

وآية من يشتري نفسه

ذكره الإله بطرس الزبور

وفي مدحه نزلت هل أتي

وفي ولديه وبنت البشير

جزاهم بما صبروا جنة

وملكا كبيرا ولبس الحرير

و حلوا أساور من فضة

ويسقيهم من شراب طهور

و كم آية نزلت فيهم

بطرس الكتاب خلال السطور

كآي الولاية ثم التناجي

وآي المودة ما من نكير

و آي التباهل دلت علي

مقام عظيم ومجد كبير

وآية ?كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ?()

وقد شركوا بالكتاب المنير

من الرجس قد عصموا في الكتاب

وأعطي الإمامة [الأمانة] من غير زور

إمامي علي لسان البليغ

قد أضحي بوصفكم في حسور

و كيف نقول لمن قال فيه

رسول الإله اللطيف الخبير

بعجز الملائك والعالمين

عن إحصاء مفخره المستنير

ولو أنهم جهدوا جهدهم

لما وصفوه بعشر العشير

مفاخر تحكي أواذي البحار

ومن ذا يعد أواذي البحور

ومن ذا

يعد رمال الوري

وقطر السحاب القوي الغزير

وأولاده الغر سفن النجاة

هداة الأنام إلي كل نور

ومن كتب الله في عرشه

لأسمائهم قبل خلق الدهور

وفي كتب موسي وعيسي تري

ومن قبلها أثبتت في الزبور

هم الطيبون هم الطاهرون

هم الأكرمون ورفد الفقير

هم الزاهدون هم العابدون

هم الحامدون لرب شكور

هم التائبون هم الراكعون

هم الساجدون لمولي قدير

هم العالمون هم العاملون

هم الصائمون نهار الهجير

إلي آخر القصيدة التي اخترنا منها هذه الأبيات.

أهل البيت عليهم السلام سفن النجاة

تطرّقنا في بداية بحثنا حول يوم الغدير، وإلي أنّ عيد الغدير هو أعظم أعياد المسلمين؛ وذلك لأنّ في هذا اليوم نصب رسول الله صلي الله عليه و اله الإمام علي بن أبي طالب (ع) خليفة له، وأميراً للمؤمنين من قبل الله تعالي.

وسوف نركّز في بحثنا الآتي علي بعض خصائص هذا الإمام العظيم وصفاته الكريمة، لتكون لنا درساً نقتدي بها في العمل والتطبيق؛ فهم عليهم السلام سفن النجاة لهذه الأمة، فمن تمسك بهم نجا، ومن تخلف عنهم هلك، وقد قال الرسول الأعظم (ص) فيهم: « … إنما مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك» ().

قطعات من سفينة نوح

وهنا ننقل كرامة من كرامات أمير المؤمنين وأهل بيته

الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) الكثيرة، خصّهم الله تعالي بها فجعلهم آية للعالمين، حيث قال تعالي: ?وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ?().

ففي تموز عام (1951م) حينما كان جماعة من العلماء السوفييت المختصين بالآثار القديمة ينقِّبون في إحدي المناطق، فعثروا علي قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوسة وبالية، مما دعاهم إلي التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا علي أخشاب أخري متحجِّرة وكثيرة، كانت بعيدة في أعماق الأرض، ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها خشبة علي شكل مستطيل طولها (14) عقدة وعرضها (10) عقد سببت دهشتهم واستغرابهم، إذ أنها لم تتغير ولم تتسوَّس، ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخري! وفي أواخر عام (1952م) أكمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح (ع)، وأنّ الأخشاب الأخري هي حطام سفينة نوح، وشوهد أنّ هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلي

أقدم لغة وبعد الانتهاء من الحفر عام (1953م)، شكلت الحكومة السوفييتية لجنة قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة ومن أهم علماء الآثار، وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها اتفقوا علي أنّ هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح (ع)، وأنّ النبي نوحاً (ع) كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرك والحفظ.

وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية وقد ترجمها إلي اللغة الإنكليزية العالم البريطاني (آيف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانشستر وهذا نص ترجمتها بالعربية: (يا إلهي ويا معيني، برحمتك وكرمك ساعدني، ولأجل هذه النفوس المقدّسة محمّد، إيليا، شبر، شبير()، فاطمة، الذين هم جميعهم عظماء، ومكرّمون، العالم قائم لأجلهم، ساعدني لأجل أسمائهم، أنت فقط تستطيع أن توجه نحو الطريق المستقيم).

وبقي هؤلاء العلماء في دهشة وحيرة كبري أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة المقدسة ومنزلة أصحابها عند الله تعالي، حيث توسل بها نوح (ع).

واللغز الذي لم يستطع تفسيره أي واحد منهم هو عدم تفسخ هذه اللوحة بالذات رغم مرور آلاف السنين عليها.

أما نحن الشيعة فلا يخالطنا شك أو ريبة في ذلك، لأنّ أهل البيتi، هم الذين خلق الله تعالي العالم من أجلهم، ولأجلهم أنزل شرائعه وكتبه، ولأجلهم وبيان فضلهم بقيت هذه اللوحة رغم مرور آلاف السنوات سالمة حتي تكون آية للعالمين، ودلالة علي فضل محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ().

مع الأصبغ بن نباته

يذكر أحد أصحاب الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهو الأصبغ بن نباته ما رآه من فضائله ومكارمه عليه السلام قائلاً: كنت مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد صلاة العشاء وذهبت معه إلي منزله المتواضع في الكوفة، وكان يحتوي علي ساحة وإلي جانبها بيت،

وفوق البيت غرفة تتوسط السطح، وفي تلك الليلة نمت أنا وسط ساحة المنزل ونام أمير المؤمنين (ع) في الغرفة التي كانت تتوسط السطح، وبعد أن وضعت رأسي علي الوسادة بعض الوقت، أحسست بأمير المؤمنين (ع) قد نزل من السطح وترك فراشه وهو في حالة إرهاق وتعب، فتعجبت من نزوله وهو بهذه الحالة، وقلت له: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تفعل؟

قال الإمام (ع): الصلاة النافلة.

يقول الأصبغ بن نباته، فقلت له: أنت يا مولاي تعبت في النهار، فمن الصباح إلي المساء تقوم بخدمة الناس، ولا تريد أن تستريح في ليلك، فلماذا تُحمِّل نفسك أكثر مما تطيق؟

فأجابه الإمام (ع): يا أصبغ، إن نمت النهار ضيّعت رعيتي، وإن نمت الليل ضيّعت نفسي.

نعم، يجب علينا أن نتعلم من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) هذه الروح، وهذا الاستعداد والإخلاص حتي نحصل علي سعادتنا في الدنيا والآخرة().

أقل الناس مؤونة وأكثرهم معونة

قال عروة بن الزبير: كنّا في مسجد رسول الله (ص) فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالاً وأكثرهم ورعاً وأشدهم اجتهاداً في العبادة؟

قالوا: من؟

قال: علي بن أبي طالب (ع).

قال: فوالله، إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها، فقال أبو الدرداء: يا قوم، إني قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه واختفي ممن يليه واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته وبعد علي مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: «إلهي كم من

موبقة حملت عني فقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي، إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك».

فشغلني الصوت واقتفيت الأثر فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام بعينه، فاستترت له فأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلي الدعاء والبكاء والبث والشكوي، فكان مما به الله ناجي أن قال: «إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي». ثم قال: «آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولاتنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء ثم قال: آه من نار تنضج الأكباد والكلي، آه من نار نزاعة للشوي، آه من غمرة من ملهبات لظي».

قال: ثم انغمر في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة! فحركته فلم يتحرك وزويته فلم ينزو! فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم فقالت فاطمة عليها السلام: «يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه ومن قصته؟» فأخبرتها الخبر فقالت: «هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله»، ثم أتوه بماء فنضحوه علي وجهه فأفاق ونظر إلي وأنا أبكي فقال: «مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟»

فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.

فقال: «يا أبا الدرداء، ولو رأيتني ودعي بي إلي الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك

الجبار، قد أسلمني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفي عليه خافية».

فقال أبو الدرداء: فوالله، ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله ().

نعم، إن أمير المؤمنين (ع)، هو العالم العابد، والتقي الزاهد، والأبي المجاهد في سبيل الله، وهو الضحّاك إذا اشتد الضراب، فتجده عندما يقبل علي ساحة المعركة للجهاد في سبيل الله يقبل وهو مبتسم مبتهج، مشتاق إلي لقاء الله ورضوانه في حين كان الآخرون يرتجفون من دهشتها، ويهابون الموت ويكرهونه()، لأنه (ع) كان يعلم أنه قد أدّي ما عليه من واجبات وأنجز ما عليه من تكاليف، فهو لن يخشي الحرب وضراوتها، لأنه ما كان خائفاً من لقاء الموت بل يري في الموت لذة وسعادة لأنه لقاء الله تبارك وتعالي().

فإن الإمام (ع) عندما ضربه أشقي الأشقياء قال: «فزت وربّ الكعبة» ()؛ لأنه (ع) كان مطمئناً بأنه قد أدي الواجب الشرعي الذي كُلِّف به علي أتم صورة، وهذا ما نراه واضحاً من كلامه (ع) مع ابنته أم كلثوم، فانه عليه السلام لما رآها تبكيه عشية وفاته قال لها: «ما يبكيك يا بنية؟».

فقالت: «ذكرت يا أبة أنك تفارقنا الساعة فبكيت».

فقال لها: «يا بنية لا تبكين، فو الله لو ترين ما يري أبوك ما بكيت»

قال حبيب: فقلت له: و ما الذي تري يا أمير المؤمنين؟.

فقال: «يا حبيب، أري ملائكة السماء والنبيين [والأرضين] بعضهم في أثر بعض وقوفا إلي أن يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله صلي الله عليه و اله جالس عندي، يقول: أقدم، فإن أمامك خير لك مما أنت فيه» ().

وقد قال في مكان آخر: «والله، إن ابن أبي طالب لآنس بالموت من الطفل بثدي

أمه» ().

الشيعة وحُب أمير المؤمنين (ع)

إنّ المنقّب في التاريخ تنكشف له حقيقة ناصعة لا يمكن إخفاؤها، وهي: أنّ التاريخ يذكر العظماء في صفحة من نور، ويسجّل لهم فيها الإجلال والإكبار كلاً علي قدر عظمته. ومهما حاول شخص أن يتلاعب في التاريخ ويشوّه الحقائق ويحرّفها، فإنّ مصيره الفشل عاجلاً أم آجلاً؛ لأنّ الزيف والتحريف يظهر من تضارب أقوال المزيفين وتناقضها.

ألا تري إلي معاوية بن أبي سفيان، الذي حاول أن يشوه الحقائق ويغسل أدمغة الناس، مما يعلمونه ويروونه في أمير المؤمنين (ع) من فضائل ومناقب كيف باءت بالفشل؟ حتي أنه جعل معاوية سبّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سُنَّة أموية يشيب عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، واستمرت محاولاته سنوات طويلة، وجنّد لهذه الفكرة الآلاف من عبيد الدنيا، وصرف أموالاً طائلة في سبيل ذلك، ولكن أين فكرته هذه الآن؟().

لقد بقي الإمام أمير المؤمنين (ع) ورغم أنوف أعدائه علماً من أعلام الدين وركناً من أركان الهدي والتقي، ليس عند شيعته فقط بل وحتي عند الآخرين، انه عليه السلام بقي علي ما عرّفه الله ورسوله مفخرة للإسلام والإنسانية علي مرّ العصور وكرّ الدهور.

أما إذا قرأنا في التاريخ عن معاوية فماذا نلاحظ؟ سوف نجد أنّ التاريخ دوّن عنه مواقف مخزية ضدّ الإسلام والإنسانية، وحتي محبوه يدركون ذلك في قرارة أنفسهم، ويعلمون بسيرته، ويظهرون موالاتهم له بسبب الطائفية والتعصب وربما كان ذلك جهلاً منهم.

أمّا شيعة أمير المؤمنين (ع) وموالوه، فإنهم لا ينسون إمامهم في الليل والنهار، وهم كلما ذكروه افتخروا بمواقفه الإنسانية المشرفة، والتي مدحه القرآن الكريم بها.

إن الشيعة يحبون جميع أولياء الله ويقدرون مواقفهم، إلا أن حبّهم لأمير المؤمنين عليه السلام وولاءهم له يأتي بعد حبهم وولاءهم لرسول الله (ص)،

وذلك لأن حب أمير المؤمنين (ع) وولاءه هو نصر لكل الأمم وفخر لهم، والأفراد الذين يريدون أن يحصلوا علي أعلي درجات الكمال الإنساني عليهم أن يتبعوه عليه السلام ويسيروا علي نهجه؛ إذ في متابعته عليه السلام متابعة الحق، وفي هذا نذكر ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال: «علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض يوم القيامة» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «يا علي، من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصي الله» ().

التاريخ يتحدث

إن الذاهب إلي بلاد الشام ومدينة دمشق تحديداً، يُلاحظ قبرين مثيرين للعبرة والعظة:

أحدهما: قبر لمعاوية() بن أبي سفيان وابن هند آكلة الأكباد الذي حكم بلاد الشام طويلاً الذي يقع في بقعة مملوءة بالمزابل وأنواع الحشرات، وفي نفس الوقت تري أصحابه ومحبيه يخفون قبره لكي لا يصل إليه أحد.

ثانيهما: قبر السيدة رقية()، وهو قبر لطفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، وهي بنت الإمام الحسين (ع) ويقع بالقرب من قبر معاوية، ولكنه في مقابل قبر معاوية، حيث إن الناس يذهبون لزيارتها ويتبركون بقبرها ويطلبون من الله قضاء حوائجهم ببركتها، كل هذا لأنّ هذه الطفلة وكذلك عمتها السيدة زينب عليها السلام التي يقع مرقدها في ريف دمشق منطقة راوية من الذرية الطاهرة الذين هم امتداد للحق الذي سار عليه أمير المؤمنين (ع) والأئمة i وهم جميعاً سادة أهل الدنيا والآخرة.

كما أنّ تعامل الناس مع السادة من ذرية الرسول الأعظم (ص) يُعبّر عن احترام وقدسية خاصة، واتباع لوصايا الرسول الاعظم صلي الله عليه و اله في أهل بيته عليهم السلام وذريته.

التأييد الغيبي لأهل الحق

إنّ صاحب البصيرة النافذة إذا أعطيت له حرية الاختيار بين الحق والباطل، ورفعت عنه جميع العقبات والحواجز، فإنه وبلا شك سوف يختار طريق الحق؛ لأنّ اتباع الحق يؤدي به إلي السعادة في الدنيا، والي الجنة والنعيم الدائم في الآخرة.

وطبيعة الإنسان العاقل أن يختار طريق الأمان والسلام، الذي هو طريق الحق، علي طريق الهلكة والهوان، الذي هو طريق الباطل.

بالإضافة إلي ذلك فإنّ الله عزوجل يحفظ الإنسان الذي يتبع الحق والحقيقة من النسيان والضمور، ويجعله في مأمن منها رغم تعاقب الأجيال، وتقلّبات الأيام، ويخلّد ذكره ليبقي قدوة للخير والفضيلة، والأمثلة علي ذلك كثيرة. فهذا نبينا العظيم (ص) ووصيه الكريم

إمامنا أمير المؤمنين (ع) وكذلك الأنبياء والمرسلون وأوصياؤهم الكرام عليهم السلام من قبل ومن سار علي نهجهم، تراهم جميعاً خالدين، فنبي الله نوح (ع) الذي مضي علي نبوته آلاف السنين حتي سمي شيخ المرسلين بل آلاف القرون لقوله تعالي: ?قُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً?() قد ذكره الله في القرآن في مواطن عدّة، منها قوله تعالي: ?إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلي نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وأَوْحَيْنا إِلي إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأَْسْباطِ وعِيسي وأَيُّوبَ ويُونُسَ وهارُونَ وسُلَيْمانَ وآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً? ().

وقال عزوجل: ?واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَي اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وشُرَكاءكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ ولا تُنْظِرُونِ ? ().

وقال تعالي: ?¬قِيلَ يا نُوح اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وعَلي أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ?().

وقال عزوجل: ?وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ومِنْكَ ومِنْ نُوحٍ وإِبْراهِيمَ ومُوسي وعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ وأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ?().

وقال تبارك وتعالي: ?سَلامٌ عَلي نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ? ().

نعم، لقد حصل شيخ المرسلين نوح عليه السلام علي هذا الذكر الطيّب والخالد لأنه عليه السلام كان يعمل في طريق الحق ومن أجل إعلاء كلمة الحق خالصاً مخلصاً.

فعلي الإنسان أن ينقطع إلي الله دائماً، وأن لا يأمل إلاّ الله أبداً، وأن يعتمد علي نصرته تعالي في أداء واجبه وتكليفه، وأن يطلب العون منه (عزوجل) لا من المخلوقين، فقد روي عن الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلاناً، فقال: إذاً والله،

لا تسعف حاجتك، ولا يبلغك أملك، ولا تنجح طلبتك، قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني أنه قرأ في بعض الكتب: «أن الله تبارك وتعالي يقول:

وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي علي عرشي، لأقطعنّ أمل كل مؤمل [من الناس] غيري باليأس، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس، ولأنحينّه من قربي، ولأبعدنه من فضلي. أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي! ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقةٌ وبابي مفتوحٌ لمن دعاني، فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها، ومن ذا الذي رجاني لعظيمةٍ فقطعت رجاءه مني. جعلت آمال عبادي عندي محفوظةً فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي، وأمرتهم أن

لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم [أن] من طرقته نائبةٌ من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحدٌ غيري إلا من بعد إذني، فما لي أراه لاهياً عني! أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده وسأل غيري، أ فيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب سائلي! أبخيلٌ أنا فيبخلني عبدي؟ أوليس الجود والكرم لي؟ أوليس العفو والرحمة بيدي؟ أوليس أنا محل الآمال فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشي المؤملون أن يؤملوا غيري؟ فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعاً، ثم أعطيت كل واحدٍ منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملكٌ أنا قيمه؟! فيا بؤساً للقانطين من رحمتي، ويا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني» ().

نعم، إذا اعتمد الإنسان علي الله وتوكل عليه فإنه يوصله إلي أعلي الدرجات في الدنيا والآخرة كما قال تعالي: ?وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ?

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً?().

وقال تعالي: ?الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ? الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ? فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ?().

أمير المؤمنين (ع) علي لسان

الصادق الأمين صلي الله عليه و اله

إن الفضائل والمناقب التي ذكرها خير خلق الله الرسول الحبيب(ص) في حق وصيه الإمام أمير المؤمنين (ع) كثيرة ومتعددة، نذكر منها الروايات التالية:

قال رسول الله (ص): «علي في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض، أعطي الله علياً من الفضل جزءاً لو قُسِّم علي أهل الأرض لوسعهم، وأعطاه الله من الفهم لو قسم علي أهل الأرض لوسعهم، شُبّهت لينه بلين لوط، وخلقه بخلق يحيي، وزهده بزهد أيّوب، وسخاؤه بسخاء ابراهيم وبهجته ببهجة سليمان بن داود، وقوّته بقوّة داود. وله اسم مكتوب علي كلّ حجاب في الجنّة، بشّرني به ربي وكانت له البشارة عندي، عليٌّ محمود عند الحقّ، مزكّي عند الملائكة، وخاصتي وخالصتي، وظاهرتي ومصباحي، وجُنَّتي ورفيقي، آنسني به ربي فسألت ربّي أن لا يقبضه قبلي، وسألته أن يقبضه شهيداً. أُدخلت الجنة فرأيت حور علي أكثر من ورق الشجر، وقصور علي كعدد البشر. عليّ مني وأنا من علي، من تولي علياً فقد تولاّني، حبّ علي نعمة واتباعه فضيلة، دانت به الملائكة وحفت به الجنّ الصالحون، لم يمش علي الأرض ماشٍ بعدي إلاّ كان هو أكرم منه عزّاً وفخراً ومنهاجاً، لم يك فظّاً عجولاً، ولا مسترسلاً لفساد ولا متعنّداً، حملته

الأرض فأكرمته، لم يخرج من بطن أنثي بعدي أحد كان أكرم خروجاً منه، ولم ينزل منزلاً إلاّ كان ميموناً، أنزل الله عليه الحكمة، وردّاه بالفهم، تجالسه الملائكة ولا يراها. ولو أوحي إلي أحد بعدي لأوحي إليه، فزيّن الله به المحافل، وأكرم به العساكر، وأخصب به البلاد، وأعزّ به الأجناد. مثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة، ومثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت الدنيا، وصفه الله في كتابه، ومدحه بآياته، ووصف فيه آثاره، وأجري منازله، فهو الكريم حيّاً والشهيد ميتاً» ().

وعن عبد الرحمان بن سمرة قال: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلي النجاة، فقال صلي الله عليه و اله: «يا ابن سمرة، إذا اختلفت الاهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب؛ فإنه إمام أمتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل، من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق من عنده وجده، ومن التمس الهدي لديه صادفه، ومن لجأ إليه آمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدي به هداه.

يا ابن سمرة، سلم من سلم له ووالاه، وهلك من رد عليه وعاداه.

يا ابن سمرة، إن عليا مني، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين، وإن منه إمامَي أمتي، وسيدَي شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أمتي، يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أنه جاء إليه رجل فقال له: يا أبا الحسن، إنك تدّعي أمير المؤمنين، فمن أمرك عليهم؟

قال: الله عزوجل أمرني عليهم.

فجاء الرجل إلي رسول الله صلي

الله عليه و اله فقال: يا رسول الله، أ يصدق علي فيما يقول إن الله أمّره علي خلقه؟

فغضب النبي صلي الله عليه و اله ثم قال: إن عليا أمير المؤمنين بولاية من الله عزوجل، عقدها له فوق عرشه، وأشهد علي ذلك ملائكته، إن عليا خليفة الله، وحجة الله، وإنه لإمام المسلمين، طاعته مقرونة بطاعة الله، ومعصيته مقرونة بمعصية الله، فمن جهله فقد جهلني، ومن عرفه فقد عرفني، ومن أنكر إمامته فقد أنكر نبوتي، ومن جحد إمرته فقد جحد رسالتي، ومن دفع فضله فقد تنقصني، ومن قاتله فقد قاتلني، ومن سبه فقد سبني؛ لأنه مني خلق من طينتي، وهو زوج فاطمة ابنتي، وأبو ولدي الحسن والحسين ثم قال صلي الله عليه و اله: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله علي خلقه، أعداؤنا أعداء الله، وأولياؤنا أولياء الله» ().

نعم، هذا هو أمير المؤمنين (ع) علي لسان خير خلق الله تعالي الرسول الحبيب صلي الله عليه و اله الذي ?ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي ? إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَي?() كما قال الله عنه ذلك.

ولهذا يعتبر يوم الغدير هو اليوم الذي تمت به النعمة واكتمل به الدين، فهو يوم عظيم ذو أهمية خاصة وقدسية كبيرة عند المسلمين وخصوصاً الشيعة منهم، وذلك هو بمثابة إعلاناً رسمياً في تعيين الإمام علي (ع) في هذا اليوم أميراً للمؤمنين من قبل الله تعالي.

أهل البيت عليهم السلام وعيد الغدير

كان الأئمة من أهل بيت رسول الله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) يوصون شيعتهم بالاحتفال بهذا العيد العظيم واظهاره باجلي المظاهر، فهم عليهم السلام كانوا يجعلونه يوما فريدا ومشهودا بين اهليهم وذويهم، فقد روي عن أحوالهم عليهم السلام من قال: أنه شهد أبا الحسن علي

بن موسي الرضا (ع) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته، قد احتبسهم للإفطار وقد قدم إلي منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتي الخواتيم والنعال، وقد غير أحوالهم وأحوال حاشيته، وجددت له الآلة غير الآلة التي جري الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه.

فكان من قوله عليه السلام: «حدثني الهادي أبي قال: حدثني جدي الصادق قال: حدثني الباقر قال: حدثني سيد العابدين قال: حدثني أبي الحسين قال: اتفق في بعض سني أمير المؤمنين (ع) الجمعة والغدير، فصعد المنبر علي خمس ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله حمدا لا نسمع [لم يسمع] بمثله، وأثني عليه بما لا يتوجه إلي غيره، فكان ما() حفظ من ذلك:

الحمد لله الذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلي حامديه، طريقا من طرق الاعتراف بلاهوتيته وصمدانيته وفردانيته()، وسببا إلي المزيد من رحمته، ومحجة للطالب من فضله، وكمن في إبطان() حقيقة الاعتراف له: بأنه المنعم علي كل حمد باللفظ وإن عظم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نزعت عن إخلاص الطوي()، ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفي أنه الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسني، ليس كمثله شيء، إذ كان [إذا كان] الشيء من مشيته، وكان لا يشبهه مكونه.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، استخلصه في القدم علي سائر الأمم، علي علم منه بأنه انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس، وانتجبه آمرا وناهيا عنه، أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه، إذ كان لا تدركه الأبصار، ولا تحويه خواطر الأفكار، ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار. لا إله إلا هو الملك الجبار، قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته، واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد

من بريته، فهو أهل ذلك بخاصته وخلته، إذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يخالل من يلحقه التظنين. وأمر بالصلاة عليه مزيدا في تكرمته، وطريقا للداعي إلي إجابته، فصلي الله عليه وكرم وشرف وعظم مزيدا لا تلحقه التفنية، ولا ينقطع علي التأبيد.

وأن الله تعالي اختص لنفسه بعد نبيه صلي الله عليه و اله بريته خاصة، علاهم بتعليته، وسمي [سار] بهم إلي رتبته، وجعلهم الدعاة بالحق إليه، والأداء بالإرشاد عليه، لقرن قرن، وزمن زمن، أنشأهم في القدم علي [قبل] كل مذرو ومبرو، أنوارا أنطقها بتحميده، وألهمها علي شكره وتمجيده، وجعلها الحجج علي كل معترف له بملكوت الربوبية، وسلطان العبودية، واستنطق بها الخرسات بأنواع اللغات، بخوعا له بأنه فاطر الأرضين والسماوات، واستشهدهم خلقه، وولاهم ما شاء من أمره، جعلهم تراجم مشيته، وألسن إرادته، عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم،

ولا يشفعون إلا لمن ارتضي، وهم من خشيته مشفقون، يحكمون بأحكامه، ويستنون بسنته، ويعتمدون حدوده، ويؤدون فرضه.

ولم يدع الخلق في بهم صما، ولا في عمي بكما، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم، وتفرقت في هياكلهم، حققها في نفوسهم، واستعد لها حواسهم. فقرر بها علي أسماع ونواظر، وأفكار وخواطر، ألزمهم بها حجته، وأراهم بها محجته، وأنطقهم عما شهدته بألسن ذربة، بما قام فيها من قدرته وحكمته، وبين() عندهم بها، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم بصير، شاهد خبير.

وإن الله تعالي جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه؛ ليكمل لكم عندكم جميل صنعه، ويقفكم علي طريق رشده، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلك بكم منهاج قصده، ويوفر

عليكم هنيء رفده، فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه لتطهير ما كان قبله، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إلي مثله، وذكري للمؤمنين وتبيان خشية المتقين، ووهب لأهل طاعته في الأيام قبله، وجعله لا يتم إلا بالايتمار لما أمر به، والانتهاء عما نهي عنه، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه.

ولا يقبل توحيده إلا بالاعتراف لنبيه صلي الله عليه و اله بنبوته، ولا يقبل دينا إلا بولاية من أمر بولايته، ولا ينتظم أسباب طاعته إلا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته. فأنزل علي نبيه صلي الله عليه و اله في يوم الدوح ما بيّن فيه عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه، وأمره بالبلاغ، وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمن له عصمته منهم، وكشف عن [من] خبايا أهل الريب وضمائر أهل الارتداد ما رمز فيه، فعقله المؤمن والمنافق، فأعن معن()، وثبت علي الحق ثابت، وازدادت جهالة المنافق، وحمية المارق، ووقع العض علي النواجذ، والغمز علي السواعد، ونطق ناطق ونعق ناعق ونشق() ناشق، واستمر علي مارقته مارق. ووقع الإذعان من طائفة باللسان دون حقائق الإيمان، ومن طائفة باللسان وصدق الإيمان، وأكمل الله دينه، وأقر عين نبيه، والمؤمنين والمتابعين.

وكان ما قد شهده بعضكم وبلغ بعضكم، وتمت كلمة الله الحسني علي الصابرين، ودمر الله ما صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده وما كانوا يعرشون.

وتفتت [بقيت] حثالة من الضلال لا يألون الناس خبالا، فيقصدهم الله في ديارهم، ويمحو آثارهم، ويبيد معالمهم، ويعقبهم عن قرب الحسرات، ويلحفهم عن بسط أكفهم، ومد أعناقهم، ومكنهم من دين الله حتي بدّلوه، ومن حكمه حتي غيروه، وسيأتي نصر الله علي عدوه لحينه، والله لطيف خبير.

وفي دون ما سمعتم كفاية وبلاغ، فتأملوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليه

وحثكم عليه، واقصدوا شرعه، واسلكوا نهجه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.

هذا يوم عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، وضحت الحجج، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح، ويوم كمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم دحر الشيطان، ويوم البرهان.

هذا يوم الفصل الذي كنتم به توعدون، هذا يوم الملإ الأعلي الذي أنتم عنه معرضون، هذا يوم الإرشاد ويوم محنة علي العباد، ويوم الدليل علي الرواد، هذا يوم إبداء خفايا الصدور، ومضمرات الأمور، هذا يوم النصوص علي أهل الخصوص.

هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون. هذا يوم الأمن المأمون، هذا يوم إظهار المصون من المكنون، هذا يوم إبلاء السرائر.

فلم يزل (ع) يقول هذا يوم هذا يوم، فراقبوا الله واتقوه، واسمعوا له وأطيعوه، واحذروا المكر ولا تخادعوه، فتّشوا ضمائركم ولا تواربوه، وتقربوا إلي الله بتوحيده وطاعة من أمركم أن تطيعوه، ولا تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يجنح بكم الغي فتظلوا عن سبيل الرشاد باتباع أولئك الذين ضلوا وأضلوا، قال الله تعالي عز من قائل، في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه: ?إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ? رَبَّنَا إتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً?().

وقال الله تعالي: ?وإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّار فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً?().

وقال سبحانه: ?فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذاب اللَّهِ مِنْ شَيءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُم?().

أفتدرون استكبار ما هو ترك الطاعة لمن أمر الله بطاعته والترفع عمن ندبوا إلي متابعته؟ والقرآن ينطق من هذا عن كثير إن تدبره متدبر زجره ووعظه، واعلموا أيها المؤمنون إن الله عز وجل قال: ?إِنَّ

اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ? ().

أتدرون ما سبيل الله؟ ومن سبيله؟ ومن صراط الله؟ ومن طريقه؟

أنا صراط الله الذي من لم [لا] يسلكه بطاعة الله فيه هوي به إلي النار، أنا سبيله الذي نصبني للاتباع بعد نبيه صلي الله عليه و اله، أنا قسيم النار، أنا حجة الله علي الفجار، أنا نور الأنوار.

فانتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا إلي مغفرة من ربكم قبل أن يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتنادون فلا يسمع نداؤكم، وتضجون فلا يحفل بضجيجكم، وقبل أن تستغيثوا فلا تغاثوا.

سارعوا إلي الطاعات قبل فوات الأوقات، فكان قد جاء هادم اللذات، فلا مناص نجاة ولا محيص تخليص.

عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة علي عيالكم، والبر بإخوانكم، والشكر لله عز وجل علي ما منحكم، وأجمعوا يجمع الله شملكم، وتباروا يصل الله ألفتكم، وتهانوا نعمة الله كما هنأكم، بالصواب فيه علي أضعاف الأعياد قبله وبعده إلا في مثله، والبر فيه يثمر المال، ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهبوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشري فيما بينكم، والسرور في ملاقاتكم، والحمد لله [واحمدوا الله] علي ما منحكم، وعودوا بالمزيد علي أهل التأميل لكم، وساووا بكم ضعفاءكم ومن ملككم، وما تناله القدرة من استطاعتكم، وعلي حسب إمكانكم، فالدرهم فيه بمائتي ألف درهم، والمزيد من الله عز وجل.

وصوم هذا اليوم مما ندب الله إليه، وجعل العظيم كفالة عنه، حتي لو تعبد له عبد من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا إلي تقضيها صائما نهارها قائما ليلها، إذ أخلص المخلص في صومه، لقصرت أيام الدنيا من [عن]

كفاية [كفايته]، ومن أضعف فيه أخاه مبتدئا وبره راغبا، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليله، ومن فطر مؤمنا في ليلته، فكأنما فطر فئاما وفئاما، يعدها بيده عشرة .

فنهض ناهض فقال: يا أمير المؤمنين، وما الفئام؟

قال: مأتي ألف نبي وصديق وشهيد، فكيف بمن يكفل عددا من المؤمنين والمؤمنات، فأنا ضمينه علي الله تعالي الأمان من الكفر والفقر، وإن مات في ليلته أو يومه أو بعده إلي مثله من غير ارتكاب كبيرة فأجره علي الله، ومن استدان لإخوانه وأعانهم فأنا الضامن علي الله إن أبقاه، وإن قبضه حمله عنه.

وإذا تلاقيتم فتصافحوا بألسنتكم وتهانوا بالنعمة في هذا اليوم، وليبلغ الحاضر الغائب، والشاهد البائن، وليعد الغني علي الفقير، والقوي علي الضعيف.

أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله بذلك.

ثم أخذ (صلوات الله عليه) في خطبته الجمعة، وجعل صلاته جمعة صلاة عيد. وانصرف بولده وشيعته إلي منزل أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام بما أعد له من طعامه، وانصرف غنيهم وفقيرهم برفده إلي عياله» ().

نعم، فأمير المؤمنين عليه السلام الذي تشرفت الدنيا به يوم ولد في جوف الكعبة()، ويوم عاش في هذه الحياة، ومن خلال حياته الزاخرة بالجهاد والتضحية في سبيل الله، سطّر للعالم النموذج الفريد بعد رسول الله (ص) في المكارم، والقدوة الحسنة في جميع الأعمال الحميدة، قد بكته السماء والأرض يوم وفاته (ع)، فمات شهيداً في سبيل الله تعالي، وختم حياته بأحسن ما يختم به الإنسان حياته.

فقد روي عن أبي حمزة الثمالي عن حبيب بن عمرو قال: دخلت علي أمير المؤمنين (ع) في مرضه الذي قبض فيه فحل عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما جرحك هذا بشيء، وما بك من بأس! فقال لي: «يا

حبيب، أنا والله مفارقكم الساعة».

قال: فبكيت عند ذلك، وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة عنده، فقال لها: «ما يبكيك يا بنية؟».

فقالت: «ذكرت يا أبة أنك تفارقنا الساعة فبكيت».

فقال لها: «يا بنية لا تبكين، فو الله لو ترين ما يري أبوك ما بكيت». قال حبيب: فقلت له: و ما الذي تري يا أمير المؤمنين؟

فقال: «يا حبيب، أري ملائكة السماء والنبيين [والأرضين] بعضهم في أثر بعض وقوفا إلي أن يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله صلي الله عليه و اله جالس عندي، يقول: أقدم، فإن أمامك خير لك مما أنت فيه».

قال: فما خرجت من عنده حتي توفي (ع).

فلما كان من الغد وأصبح الحسن (ع) قام خطيبا علي المنبر، فحمد الله و أثني عليه ثم قال: «أيها الناس، في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رفع عيسي ابن مريم عليه السلام، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين (ع)، والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلي الجنة، ولا من يكون بعده، وإن كان رسول الله صلي الله عليه و اله ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله» ().

من هدي القرآن الحكيم

ولاية أمير المؤمنين عليه السلام

قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ?().

وقال عزوجل: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?().

وقال سبحانه: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?().

صفات الإمام (ع)

قال سبحانه:

?أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ

لاَ يَهِدِّي إِلاَ أَنْ يُهْدَي?().

وقال تعالي: ? وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?().

وقال جل وعلا: ?وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ?().

وقال جل وعلا: ?أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ?().

ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في القرآن

قال عزوجل: ?عَمَّ يَتَسَاءلُونَ ? عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ? الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ?().

وقال سبحانه: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللهِ?().

وقال جل وعلا: ?قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي?().

وقال عزوجل: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ?().

متابعة أئمة الحق

وقال تعالي: ?أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ?().

قال سبحانه: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?().

من هدي السنة المطهّرة

يوم الغدير

قال رسول الله (ص): «يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالي ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي، يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم علي أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً ثم قال صلي الله عليه و اله معاشر الناس، إن عليا مني و أنا من علي خلق من طينتي وهو إمام الخلق بعدي، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين وخير الوصيين وزوج سيدة نساء العالمين وأبو الأئمة المهديين.

معاشر الناس، من أحب عليا أحببته ومن أبغض عليا أبغضته، و من وصل عليا وصلته ومن

قطع عليا قطعته، ومن جفا عليا جفوته ومن والي عليا واليته، ومن عادي عليا عاديته.

معاشر الناس، أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ولن تؤتي المدينة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا.

معاشر الناس، والذي بعثني بالنبوة واصطفاني علي جميع البرية، ما نصبت عليا علما لأمتي في الأرض حتي نوه الله باسمه في سماواته وأوجب ولايته علي ملائكته» ().

وقال (ص) في حديث : «فأتاني جبرئيل فقال: إن ربك يقول لك: إن علي بن أبي طالب وصيك وخليفتك علي أهلك وأمتك والذائد عن حوضك وهو صاحب لوائك يقدمك إلي الجنة..» ().

صفات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

عن أبي إسحاق عن أبيه قال: بينما رسول الله صلي الله عليه و اله جالس في جماعة من أصحابه إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام نحوه فقال رسول الله (ص): «من أراد أن ينظر إلي آدم في خلقه، وإلي نوح في حكمته، وإلي إبراهيم في حلمه، فلينظر إلي علي بن أبي طالب» ().

وقال (ص): «أقضي أمتي وأعلم أمتي بعدي علي» ().

وقال (ص): «أوحي إليّ في عليّ ثلاث: أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين (ع): «أنا قسيم الله بين الجنة والنار

لا يدخلها داخل إلا علي حد قسمي وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي والمؤدي عمّن كان قبلي، لا يتقدمني أحد إلا أحمد صلي الله عليه و اله، وإني وإياه لعلي سبيل واحد، إلا أنه هو المدعو باسمه، ولقد أعطيت الست: علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وإني لصاحب الكرات ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس» ().

النبأ العظيم

قال رسول الله (ص): «يا علي، أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلي الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الأعلي.

يا علي، أنت إمام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وسيد الصديقين. يا علي، أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر. يا علي، أنت خليفتي علي أمتي وأنت قاضي ديني وأنت منجز عداتي. يا علي، أنت المظلوم بعدي. يا علي، أنت المفارق بعدي، يا علي، أنت المحجور بعدي. أشهد الله تعالي ومن حضر من أمتي، إن حزبك حزبي وحزبي حزب الله، وإن حزب أعدائك حزب الشيطان» ().

وقال الإمام زين العابدين (ع): «أول من شري نفسه لله علي بن أبي طالب (ع)…» ().

دخل أبان علي الإمام

الرضا عليه السلام فقال: سألته عن قول الله ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ?()؟ فقال: «ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام..» ().

وعن ابن عباس قال: لما نزلت ?قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي?() قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين يأمرنا الله بمودتهم؟ قال: «علي وفاطمة وأولادهما» ().

من كلام للإمام أمير المؤمنين (ع) في التمسك بالأئمة ومتابعة أثرهم عليهم السلام: «من أطاع إمامه فقد أطاع ربّه» ().

وقال عليه السلام أيضاً: «لا تزلوا عن الحق وأهله، فإنّه من استبدل بنا أهل البيت هلك وفاتته الدنيا والآخرة» ().

وقال عليه السلام: «عليكم بطاعة أئمتكم، فإنّهم الشهداء عليكم اليوم، والشفعاء لكم عند الله غداً» ().

وقال عليه السلام: «شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة» ().

وقال عليه السلام: «أسعد الناس من عرف فضلنا وتقرب إلي الله بنا وأخلص حبنا وعمل بما إليه ندبنا وانتهي عما عنه نهينا، فذاك منا وهو في دار المقامة معنا» ().

الولاية والإمامة ()

مهمة تبليغ الرسالة

لما انصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم علي بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (ص) نحو المدينة، حتي إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل رسول الله صلي الله عليه و اله ومن معه من المسلمون إلي غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعي، فنزل عليه الأمين جبرئيل عليه السلام عن الله بقوله تعالي: ?يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?().

وكان نزوله هذا بهذا الشأن هو للمرة الثالثة، فقد نزل عليه

السلام عليه(ص) قبلها مرّتين وذلك للتأكيد : مرة عند وقوفه بالموقف، وأخري عند كونه في مسجد الخيف، وفي كل منهما يأمره بأن يستخلف عليّ بن أبي طالب (ع)، وأن يسلّم إليه ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء عليهم السلام وجميع ما لديه من آياتهم، وأن يقيمه علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة علي كل أحد، ويأخذ منهم البيعة له علي ذلك، والسلام عليه بإمرة المؤمنين، ورسول الله(ص) يسأل جبرئيل أن يأتيه من الله تعالي بالعصمة، وفي هذه المرة نزل عليه بهذه الآية الكريمة التي فيها: ?وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?.

وكان أوائل القوم، عند نزول جبرئيل بهذه الآية التي أمرت رسول الله(ص) في تبليغ ما اُنزل إليه في علي (ع)، قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله (ص) بالتوقّف عن المسير وأن يردّ من تقدّم من القوم ويحبس من تأخّر منهم في ذلك المكان، فنزل (ص) ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قايظاً شديد الحرّ، فأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها وأمر بجمع الرحال فيه، ووضع بعضها فوق بعض.

ثم أمر (ص) مناديه فنادي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه وإن الرجل منهم ليضع بعض ردائه علي رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فلما اجتمعوا صعد (ص) علي تلك الرحال حتي صار في ذروتها، ودعا علياً (ع) فرقي معه حتي قام عن يمينه ثم خطب (ص) الناس خطبة بليغة لم يسمع الناس بمثلها فحمد الله وأثني عليه، ووعظ فأبلغ الموعظة، ونعي إلي الاُمّة نفسه، وأشار إلي أمر الإستخلاف فنصب علياً (ع) بأمر من الله تعالي خليفة عليهم بعده صلي الله عليه و اله، ومما قال صلي الله عليه و اله فيها ما يلي:

«معاشر الناس،

ان الله أوحي إليّ يقول: ?يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?().

وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل هبط عليّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن ربّي جلّ جلاله أن أقوم في هذا المشهد، فاُعلم كل أبيض وأسود، أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي علي اُمّتي، والإمام من بعدي، وقد ضمن لي تبارك وتعالي العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم.

فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته علي المهاجرين والأنصار، وعلي التابعين لهم بإحسان، وعلي البادي والحاضر وعلي الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلي كل موحّد.

معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من بعده رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم، ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده إلي يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

معاشر الناس، ما من علم إلاّ وقد أحصاه الله فيَّ، وكل علم علّمت فقد أحصيته في إمام المتّقين، وما من علم إلا عَلَّمته علياً والمتّقين من ولده.

معاشر الناس، لا تضلّوا عنه، ولا تنفروا منه، ولا تستنكفوا من ولايته؛ فهو الذي يهدي إلي الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهي عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

معاشر الناس، فضّلوه فقد فضّله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس، إنّ علياً والطيّبين من ولده

هم الثقل الأصغر، والقرآن هو الثقل الأكبر، وكل واحد منبيء عن صاحبه، وموافق له، لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، هم اُمناء الله في خلقه، وحكماؤه في أرضه. ألا وقد أدّيت، ألا وقد بلّغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عزّوجل قال، وأنا قلت عن الله عزّوجل: ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره».

ثم ضرب بيده علي عضد علي فرفعه وقال:

«معاشر الناس، هذا أخي ووصيّي، وواعي علمي، وخليفتي علي أمَّتي وعلي تفسير كتاب الله عزّوجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي علي طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول وما يبدّل القول لديّ بأمر ربّي أقول: اللهمّ والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من أنكره، واغضب علي من جحد حقّه، اللهمّ إنك أنزلت عليّ: إن الإمامة بعدي لعليّ وليّك، اللهمّ إنّي أشهدك وكفي بك شهيداً اني قد بلّغت.

معاشر الناس، إنما أكمل الله عزّوجل دينكم بإمامته، هذا علي أنصركم لي، وأحقّكم بي، وأقربكم إليّ، وأعزّكم عليّ، والله عزّ وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضيً إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلاّ بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد بالجنّة في ?هَلْ أَتي عَلَي الإِنْسانِ? () إلاّ له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس، نبيّكم خير نبيّ، ووصيّكم خير وصيّ، وبنوه خير الأوصياء.

معاشر الناس، ذرّية كلّ نبيّ من صلبه، وذريّتي من صلب علي.

معاشر الناس، إنّ الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرتُ علياً ونهيته، فعلم الأمر

والنهي من ربّه عزّوجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوا تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلي مراده، ولا تتفرّق بكم السبل عن سبيله.

معاشر الناس، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه، ثم عليّ من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمّةً يهدون إلي الحقّ وبه يعدلون، ألا إنّ أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق، والحادّون، وهم العادون، وإخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غروراً.

معاشر الناس، ألا وإنّي منذر، وعليّ هاد.

معاشر الناس، إنّي نبيّ، وعليّ وصيّ، ألا أنّ خاتم الأئمّة منّا القائم المهدي.

معاشر الناس، قد بيّنت لكم واُفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي، ألا واني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلي مصافقتي علي بيعته، والإقرار به، ثم مصافقته بعدي، ألا واني قد بايعتُ الله، وعليّ قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عزّوجلّ ?فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلي نَفْسِهِ?().

معاشر الناس، وكلّ حلال دللتكم عليه، أو حرام نهيتكم عنه، فإني لم أرجع عن ذلك ولم اُبدّل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه، وتواصوا به، ولا تبدلوه ولا تغيّروه. ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر. ألا وإنّ رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن تنتهوا إلي قولي وتبلّغوه من لم يحضر، وتأمروه بقبوله، وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عزّوجلّ ومنّي، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلاّ مع إمام معصوم.

معاشر الناس، فما تقولون؟ قولوا الّذي قلت، وسلّموا علي عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، وقولوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

معاشر الناس، إنّ فضائل عليّ عند الله عزّوجل الذي قد أنزلها في القرآن أكثر من أن اُحصيها في مكان واحد، فمن أنبأكم بها فصدِّقوه.

معاشر الناس، من يطع الله

ورسوله وعلياً أمير المؤمنين والأئمّة من ولده فقد فاز فوزاً عظيماً».

فناداه القوم: سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا.

ثم إنّ رسول الله (ص) نادي بأعلي صوته ويده في يد علي (ع) وقال: «يا أيّها الناس، ألست أولي بكم من أنفسكم؟».

قالوا بأجمعهم: بلي يا رسول الله.

فرفع رسول الله (ص) بضبع علي (ع) حتي رأي الناس بياض ابطيهما، وقال علي النسق من غير فصل: «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من خالفه، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ ذلك منكم الشاهد الغائب، والوالد الولد».

الصحابة يبايعون عليّاً (ع)

ثم نزل رسول الله (ص) وكان وقت الظهيرة فصلّي ركعتين ثمّ زالت الشمس، فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر، فلما صلّي بهم جلس في خيمته وأمر عليّاً (ع) أن يجلس في خيمة له بازائه، ثم أمر (ص) المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّؤوه (ع) بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعوه علي ذلك.

ففعل الناس ذلك كلّهم حتي أنّ أبا بكر وعمر بايعاه وعمر يقول له: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة()، ثم أردفا ذلك بقولهما: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم هنّؤوه بالخلافة.

ثم أمر رسول الله (ص) أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن علي علي (ع) ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعنه علي ذلك، ففعلن وسلّمن عليه (ع) وبايعنه بإدخال أيديهنّ في طشت فيه ماء كان قد أدخل علي (ع) يده فيه قبل ذلك.

جبرئيل ويوم الغدير

ولما فرغ رسول الله (ص) من خطبته رأي الناس رجلاً جميلاً بهيّاً طيّب الريح وهو ينادي ويقول: تالله ما رأيتُ محمداً (ص) كاليوم قطّ، فسعي أحد الصحابة بمقالة الرجل إلي رسول الله (ص)، فقال له رسول الله (ص): أتدري من ذلك الرجل؟

قال: لا.

قال (ص): ذلك هو الروح الأمين جبرئيل، فإيّاك إيّاك أن تحلّه، فإنّك إن فعلته، فالله ورسوله وملائكته والمؤمنون منك براء.

قال ابن عبّاس: قد وجبت والله بيعته في رقاب الصحابة إلي يوم القيامة.

القرآن يبارك خلافة علي (ع)

وعن ابن عباس، وحذيفة، وأبي ذر وغيرهم، انهم قالوا: والله ما برحنا من مكاننا ذلك حتي نزل جبرئيل بهذه الآية عن الله تعالي: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً?().

فقال رسول الله (ص): الله أكبر علي إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ سبحانه وتعالي برسالتي إليكم، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي.

فعندها قام حسّان بن ثابت وقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله؟

فقال له (ص): قل يا حسّان علي اسم الله.

فوقف علي نشز من الأرض وتطاول الناس لسماع كلامه، فأنشأ يقول:

الغدير برواية الشعر

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ واسمع بالرسول منادياً

فقال: فمن مولاكمُ ونبّيكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنتُ مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق موالياً

هناك دعا اللهمّ وال وليّه

وكن للذي عادي علياً معاديا

فقال له رسول الله (ص): لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك().

ثم قام من بعده جماعة من الشعراء وألقوا علي مسامع القوم أبياتاً في مدح علي (ع) وتبجيل هذه المناسبة العظيمة كقيس بن سعد بن عبادة الخزرجي وغيره.

مع النعمان الفهري

ولما نصب رسول الله (ص) علياً (ع) يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، قَدِمَ علي النبي (ص) النعمان بن الحارث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها، ثم لم ترضَ حتي نصبت ابن عمك علينا وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟ فقال (ص): والله الذي لا إله إلا هو إنّ هذا من الله، فولّي النعمان وهو يقول: اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله بحجر علي رأسه فقتله، وأنزل الله تعالي: ?سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ?() الآيات().

الشهادة الثالثة في يوم الغدير

وفي يوم الغدير أمر رسول الله (ص) بعد أن أخذ البيعة لعلي (ع) بإمرة المؤمنين بزيادة الشهادة الثالثة: (أشهد أنَّ علياً وليّ الله) في فصول الأذان والإقامة.

وقد قال الإمام الصادق (ع): «إذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين» ().

وفي الحديث عن أبي ذر أنه أذّن بعد واقعة الغدير وأخذ يهتف بعد الشهادتين بالشهادة الثالثة، فرفع ذلك بعض إلي رسول الله (ص)، فقال (ص): «أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية؟! أما سمعتم قولي في أبي ذر: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟!».

وروي عن سلمان الفارسي أيضاً أنه أذّن بعد قصة الغدير فذكر بعد الشهادتين الشهادة الثالثة في أذانه، فأخبر بعض الصحابة رسول الله (ص) بذلك، فلم يرَ من رسول الله (ص) إلا أنه أقرّ لسلمان ذلك.

هذا بالإضافة إلي روايات اُخري تدلّ علي أنّ الشهادة الثالثة جزء من الأذان والإقامة، وقد اخترنا

ذلك في الفقه().

الله تعالي يعصم نبيّه (ص)

ثم انه لما تمّت بيعة الناس لعلي (ع) بالخلافة وبعد أن صلّي رسول الله (ص) بهم الفرض، أمرهم بالرحيل، وقد طال مكثهم هناك للبيعة ثلاثة أيّام.

فسار رسول الله (ص) بعد أن أمر الناس بالرحيل يومه وليلته حتي أشرف علي عقبة هرشا()، وكان قد تقدّمه نفر من المنافقين إلي ثنية العقبة وأخذوا معهم دباباً قد طرحوا فيها حجارة لينفروا برسول الله(ص) ناقته ويقضوا عليه قبل أن يصل إلي المدينة.

قال حذيفة بن اليمان : فدعاني رسول الله (ص) وأمرني أن آخذ بزمام الناقة، ودعا عمّار بن ياسر وأمره بأن يسوقها، حتي إذا صرنا في رأس العقبة ودحرج اُولئك النفر تلك الدباب بين قوائم الناقة، فزعت الناقة وكادت أن تنفر، فصاح بها رسول الله (ص): «أسكني يا مباركة فليس عليكِ بأس».

فلما رأي القوم أن الناقة لا تنفر تقدّموا إليها ليدفعوها بأيديهم، فجعلت أنا وعمّار نضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة فتأخّروا عنا وقد أيسوا مما دبّروه.

فقلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم رهطاً من أصحابك يأتوك برؤوسهم؟

فقال (ص): «إني أكره أن يقول الناس: دعا قوماً إلي دينه فأجابوه فقاتل بهم، حتي إذا ظفر بعدوّه قتلهم، ولكن دعهم فإن الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلاً ثم يضطرّهم إلي عذاب غليظ».

قال حذيفة: ثم انحدرنا من العقبة ونزل رسول الله (ص) وتوضّأ وانتظر أصحابه، حتي نزلوا واجتمعوا لصلاة الصبح، فرأيتُ اُولئك النفر قد انخرطوا مع القوم ودخلوا مع رسول الله (ص) إلي الصلاة، فلما قضيت الصلاة دعا رسول الله (ص) اُولئك النفر وعاتبهم علي ما كان منهم من الوقوف علي العقبة، فاعتذروا بأنّهم تقدّموه إليها لضيق المكان، وليأنس بعضهم ببعض، فنظر إليهم رسول الله (ص) مليّاً ثم قال: «وما

الله بغافل عمّا تعملون» ().

الثقلان وديعتا رسول الله (ص)

ثم إن رسول الله (ص) لم يزل بعد يوم الغدير يكرّر من قوله:

«يا أيها الناس اني فرطكم، وأنتم واردون عليَّ الحوض، ألا واني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتي يلقياني، وسألت ربّي ذلك فأعطانيه، ألا واني قد تركتهما فيكم: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرّقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم. أيها الناس، لا ألفينّكم بعدي ترجعون كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرّار، ألا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيّي، يقاتل بعدي علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله» ().

تأكيد حديث الغدير

وعن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: «أمرني رسول الله (ص) أن أخرج فأنادي في الناس: ألا من ظلم أجيراً أجره فعليه لعنة الله، ألا من توالي غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا ومن سبّ أبويه فعليه لعنة الله.

قال علي (ع): فخرجت فناديت في الناس كما أمرني رسول الله(ص) فقال الناس: هل لما ناديت به من تفسير؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.

قال (ع): فقام عمر وجماعة من أصحاب النبي (ص) فدخلوا عليه، فقال عمر: يا رسول الله هل لما نادي علي من تفسير؟

قال (ص): نعم، أمرته أن ينادي: ألا من ظلم أجيراً أجره فعليه لعنة الله، والله يقول: ?قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي?() فمن ظلمنا أجرنا فعليه لعنة الله.

وأمرته أن ينادي: من توالي غير مواليه فعليه لعنة الله، والله يقول: ?النَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ?() ومن كنت مولاه فعليّ مولاه، فمن توالي غير علي وغير ذرّيته فعليه لعنة الله.

وأمرته أن ينادي: من سبّ أبويه فعليه لعنة الله، وأنا أُشهد الله وأُشهدكم أني وعلياً

أبوا هذه الاُمّة، فمن سبّ أحدنا فعليه لعنة الله».

قال الخباب بن الأرتّ: كان هذا الحديث قبل ارتحال النبي (ص) من هذه الدنيا بتسعة عشر يوماً().

سريّة أُسامة خطوات بعد الغدير

ثم عقد رسول الله (ص) اللواء والإمرة لاُسامة بن زيد، وندبه أن يخرج بجمهور الاُمّة إلي حيث اُصيب أبوه من بلاد الروم، وكانت هذه هي آخر سريّة عقدها رسول الله (ص) في حياته، وكان قد اجتمع رأيه علي إخراج جماعة من الذين تآمروا عليه في العقبة وتعاهدوا بينهم علي نكث البيعة في معسكره، حتي لا يبقي في المدينة عند ارتحاله(ص) من يختلف في الرياسة، ويطمع في التقدّم علي الناس بالإمارة، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقّه منازع.

فعقد (ص) لاُسامة الإمرة علي كبار الصحابة وذوي أسنانهم وهو حدث السنّ، حتي لا يطعن أحد في تعيين الله ونصب رسوله علياً خليفة من بعده وأميراً للمؤمنين بحداثة السنّ، ثم جدّ في إخراجهم، وأمر اُسامة أن يعسكر بالجرف علي أميال من المدينة، وأمر الناس بالخروج إليه والمسير معه، وحذّرهم من التلوّم والإبطاء عنه. وقال(ص): «نفّذوا جيش اُسامة، نفّذوا جيش اُسامة، لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة»، يكرّرها ثلاثاً ().

وبينا كان رسول الله (ص) يحرص أشدّ الحرص علي تسيير جيش اُسامة، ومغادرة رؤوس أصحابه المدينة، وتخليتها لعلي (ع) من المعارضين، إذ عرضت له الشكاة التي ارتحل فيها من الدنيا، وكانت شكاته علي أثر اكلة خيبر المسمومة، فإنه مازال ينتقض به سمّها حتي قال (ص) عند ارتحاله: «اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلتُ بخيبر، وما من نبيّ ولا وصيّ إلاّ شهيد» (). وهناك روايات اُخري في سبب شهادته (ص) مذكورة في المفصّلات().

فلما أحسّ رسول الله (ص) بذلك أخذ بيد علي بن

أبي طالب(ع)، واتبعه جماعة من الناس، وتوجّه إلي البقيع، فقال لمن اتبعه: «إنني قد اُمرت بالإستغفار لأهل البقيع»، فانطلقوا معه حتي وقف بين أظهرهم وقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع اللّيل المظلم يتبع أولها آخرها».

ثم استغفر (ص) لأهل البقيع طويلاً.

ثم أقبل إلي علي أميرالمؤمنين (ع) وقال له: «يا أخي، إنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كل سنة مرة، وقد عرضه عليّ في العام مرتين، ولا أراه إلاّ لحضور أجلي»، ثم قال: «يا علي إني خيّرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها، وبين لقاء ربّي والجنّة، فاخترتُ لقاء ربّي والجنّة خالداً فيها، فإذا أنا متّ فتغسلني» وأوصاه أن يكون (ع) هو الذي يلي أمره.

ثم عاد رسول الله (ص) من البقيع إلي منزله، فمكث ثلاثة أيام موعوكاً، ثم خرج إلي المسجد معصوب الرأس معتمداً إلي علي أمير المؤمنين (ع) بيمني يديه، وعلي الفضل بن العباس باليد الاُخري حتي صعد المنبر فجلس عليه، ثم حمد الله وأثني عليه وقال: «معاشر الناس، قد حان منّي خفوق من بين أظهركم، فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها، ومن كان له عليَّ دَيْن فليخبرني به» ().

الكتاب والعترة خليفتا رسول الله (ص)

فلمّا كان من الغد أقبل الأنصار وأحدقوا بالباب، وعلموا بشدّة نقاهة رسول الله (ص) والضعف الذي هو فيه فجعلوا يبكون، فسمع رسول الله (ص) البكاء فقال: «من هؤلاء الباكون؟».

قالوا: هم الأنصار يا رسول الله.

فقال (ص): «مَن هنا مِن أهل بيتي؟».

قالوا: علي (ع) والعبّاس.

فدعا بهما وخرج متكئاً عليهما واستند إلي جذع من جذوع مسجده، واجتمع الناس حوله، فحمد الله وأثني عليه وقال: «معاشر الناس! إنه لم يمت نبيّ قطّ إلا خلّف تركة، وقد خلّفتُ فيكم

الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما، فمن ضيّعهما ضيّعه الله، ألا وإن الأنصار كرشي وعيبتي التي آوي إليها، وإني اُوصيكم بتقوي الله والإحسان إلي محسنهم، والتجاوز عن مسيئهم» ().

مع أسامة بن زيد

ثم انّ رسول الله (ص) دعا اُسامة بن زيد الذي أمره أن يعسكر بالجرف وقال له: «سِر علي بركة الله حيث أمرتك بمن أمّرتك عليه».

فقال اُسامة: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، أتأذن لي في المقام عندك حتي يشفيك الله، فإني متي خرجت وأنت علي هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحة.

فقال له رسول الله (ص): «انفذ يا اُسامة إلي ما أمرتك».

فخرج اُسامة من يومه ذلك، ونادي منادي رسول الله (ص): ألا لا يتخلّف عن جيش اُسامة أحد ممن أمَّرته عليه.

ثم أمر (ص) قيس بن عبادة والحباب بن المنذر بإخراج جماعة من الأنصار كانوا قد تثاقلوا، وأمرهم بترحيل القوم إلي عسكرهم، ففعلا ذلك حتي ألحقوهم بالعسكر، وقالا لاُسامة: إنّ رسول الله (ص) لم يرخّص لك في التأخير، فسر من قبل أن يعلم بتأخيرك، فارتحل بهم اُسامة، وانصرف قيس والحبّاب إلي رسول الله(ص) وأخبراه بمسير القوم، ومع ذلك فقد تخلّف عن جيش اُسامة بعض كما ورجع منهم آخرون إلي المدينة().

النبي (ص) يصلّي بالمسلمين جالساً

وكان رسول الله (ص) لشدّة شكاته في تلك الليلة لا يفارقه علي(ع) والفضل بن العباس، وكان بلال عندما يؤذّن لكل فريضة يأتي إلي النبي (ص) فيقول: الصلاة يا رسول الله، فإن قدر رسول الله(ص) علي الخروج إلي الصلاة خرج وصلّي بالناس، وإن لم يقدر أمر علي بن أبي طالب (ع) أن يصلّي بهم().

وفي صباح تلك الليلة أتاه بلال علي عادته يؤذنه بالصلاة، فوجده قد ثقل عن الخروج، فنادي: الصلاة رحمكم الله، فأذّن رسول الله(ص) بندائه ورأسه في حجر علي (ع). ولم يتمكّن (ص) من الخروج إلي المسجد.. هذا والمسلمون جالسون للصلاة فتقدّم أحد الصحابة إلي المحراب، فلمّا كبّر سمعه رسول الله(ص)، فقال لمن حوله: سنّدوني وأخرجوني

إلي المسجد.

فخرج (ص) وهو معصّب الرأس معتمداً بين علي (ع) والفضل بن العبّاس ورجلاه يخطّان في الأرض من الضعف، فتقدّم رسول الله(ص) ونحّي الصحابي عن المحراب، وابتدأ الصلاة وكبّر لها مستأنفاً وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير.

فلما أكمل (ص) صلاته قال لمن حوله: «عرّجوا بي إلي المنبر»، فأجلسوه علي أدني مرقاة منها واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتي برزت العواتق من خدورهنّ فبين باك وصارخ والنبي (ص) يخطب ساعة ويسكت ساعة.

وكان مما ذكر (ص): أن حمد الله وأثني عليه بما هو أهله ثم قال(ص): «ألا أيُّها الناس اني مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فتمسّكوا بهما، فلا تتقدّموا أهل بيتي فتمرقوا، ولا تتأخّروا عنهم فتزهقوا، وأوفوا بعهدي، ولا تنكثوا بيعتي التي بايعتموني عليها، اللهمّ إني قد بلّغت ما أمرتني، ونصحت لهم ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه اُنيب».

وفي رواية انه (ص) قال: «ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدي والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجّة الله عليكم وحجّتي وحجّة وليّي، وخلّفت فيكم العلم الأكبر، عَلَم الدين، ونور الهدي: وصيّي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعاً ولا تفرَّقوا عنه.

أيّها الناس، لا تأتوني غداً بالدنيا تزفّونها زفّاً، ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم.

أيّها الناس، الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم، علي أخي ووزيري، وأميني والقائم من بعدي بأمر الله، والموفي بذمّتي، ومحيي سنّتي، أول الناس بي ايماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأولهم لي لقاءاً يوم القيامة، فليبلّغ شاهدكم

غائبكم.

أيّها الناس، ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا ومن كانت له عدة أو دَيْن فليأت فيها علي بن أبي طالب فإنّه ضامن لذلك كله حتي لا يبقي لأحد عليّ تبعة» ().

ثم قام (ص) معتمداً بين علي (ع) والفضل بن العبّاس ودخل منزله.

مع المتخلّفين عن جيش اُسامة

ثم انّ رسول الله (ص) بعث من استدعي له المتخلّفين عن جيش اُسامة، فلما حضروا قال لهم (ص): «ألم آمركم أن تنفّذوا جيش اُسامة؟!».

فقالوا: بلي يا رسول الله.

فقال (ص): «فلم تأخّرتم عن أمري؟».

فقال بعضهم: إني كنت قد خرجت ثم رجعت لاُجدِّد بك عهداً.

وقال بعض آخر: إني لم أخرج لأني لم اُحب أن أسأل عنك الركبان.

فقال رسول الله (ص): «نفّذوا جيش اُسامة، نفّذوا جيش اُسامة يكرّرها ثلاثاً لعن الله من تأخّر عنه» ()، ثم اشتدّ ضعفه (ص) وانقطع عن الكلام لعظم ما لحقه من التعب والضعف، فبكي المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضره (ص).

الرزية كل الرزية

ثم مكث رسول الله (ص) هنيئة كذلك، حتي إذا أفاق من ضعفه نظر إلي من حضره وقال (ص): «ايتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً»، فقال بعضهم: إن الرجل ليهجر! ().

هذا والقرآن يقول: ?ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوي ? وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي ? إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحي? ().

عند ذلك أعرض رسول الله (ص) بوجهه عن القوم، فنهضوا.

قال سليم: وكان ابن عباس كلما تذكّر ذلك بكي وقال: الرزيّة كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب().

أنتم المستضعفون بعدي

ولما أعرض رسول الله (ص) عن القوم بوجهه، نهض القوم من عنده وانصرفوا، وبقي عنده علي بن أبي طالب (ع) والعباس بن عبدالمطلب وأهل بيته خاصة.

عندها التفت اليهم رسول الله (ص) وقال لهم: «أنتم المستضعفون من بعدي» وصمت، فنهضوا وهم يبكون وقد يئسوا من النبي (ص)().

مع ابن عباس

ثم ان ابن عباس استأذن علي رسول الله (ص) فأذن له، فلما دخل عليه ورآه بتلك الحالة قال: بأبي أنت واُمي يا رسول الله قد دنا أجلك؟

قال (ص): «نعم، يابن عباس».

فقال: يا رسول الله، فما تأمرني به؟

قال (ص): «يابن عباس خالف من خالف علياً ولا تكوننّ لهم ظهيراً ولا ولياً».

ثم بكي رسول الله (ص) حتي اشتدّ ضعفه، فلما أفاق قال: «يابن عباس سبق الكتاب فيهم وعلم ربي، والذي بعثني بالحق نبياً لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا وأنكر ولايته وحقه حتي يغيّر الله ما به من نعمة. يابن عباس، إذا أردت أن تلقي الله وهو عنك راضٍ فاسلك طريقة علي بن أبي طالب، ومِل معه حيث ما مال، وارض به إماماً، وعادِ من عاداه، ووالِ من والاه. يابن عباس، إحذر أن يدخلك فيه شك، فإن الشك في علي (ع) كفر بالله» ().

في وداع الأنصار

ثم انّ رسول الله (ص) دعا الأنصار، فلما حضروا التفت إليهم وقال: «يا معشر الأنصار، قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار، ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسّعتم في السكني، وبذلتم لله مهج النفوس، والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفي، وقد بقيت واحدة، وهي تمام الأمر وخاتمة العمل، العمل بها مقرون، إني أري أن لا يفرق بينهما جميعاً، لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتي بواحدة وترك الأخري كان جاحداً للأولي ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً».

فقالوا: يا رسول الله، بيّنها لنا نتمسّك بها فلا نضلّ ونرتدّ عن الإسلام.

فقال رسول الله (ص) في جوابهم: «كتاب الله، وأهل بيتي، فإن الكتاب هو القرآن، وفيه الحجة والنور والبرهان، كلام الله جديد غض طري شاهد ومحكم عادل

ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه، يقوم غداً فيحاجّ أقواماً فيزلّ الله به أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني انهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، ألا وان الإسلام سقف تحته دعامة لا يقوم السقف إلا بها، فلو انّ أحدكم أتي بذلك السقف ممدوداً لا دعامة تحته فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فيهوي في النار.

أيها الناس، الدعامة دعامة الإسلام وذلك قوله تعالي: ?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ? () فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر من بعدي علي بن أبي طالب والتمسّك بحبله. أيها الناس، أفهمتم؟ الله الله في أهل بيتي مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ومستقر الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي علي بن أبي طالب وهو مني بمنزلة هارون من موسي، ألا هل بلّغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله» ().

وداع مع المهاجرين

ثم أمر رسول الله (ص) بأن يجمعوا له المهاجرين، فلما اجتمعوا التفت إليهم وقال: «أيها الناس، إني قد دعيت وإني مجيب دعوة الداعي، قد اشتقت إلي لقاء ربّي واللحوق بإخواني من الأنبياء، وإني اُعلمكم إني قد اوصيت إلي وصيّي، ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئاً».

فقام إليه أحدهم وقال: يا رسول الله، أوصيت بما أوصي به الأنبياء من قبلك؟

قال (ص): «نعم».

فقال الرجل: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟

قال (ص) له: «اجلس … أوصيتُ بأمر الله، وأمره طاعته، وأوصيت بأمري، وأمري طاعة الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن عصي وصيّي فقد عصاني، ومن أطاع وصيّي فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله …

ثم التفت (ص) إلي الناس وقال: «أيها الناس،

اسمعوا وصيّتي، من آمن بي وصدّقني بالنبوة وأني رسول الله (ص) فاُوصيه بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق له، فإن ولايته ولايتي وولاية ربّي، قد أبلغتكم فليبلّغ الشاهد الغائب: إن علي بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلي النار، ومن تأخّر عن العلم يميناً هلك، ومن أخذ يساراً غوي، وما توفيقي إلا بالله، فهل سمعتم؟».

قالوا: نعم.

وفي رواية: انه (ص) قال: «ألا اني مخلف فيكم كتاب الله ربّي عزّوجل، وعترتي أهل بيتي».

ثم أخذ بيد علي (ع) فرفعها وقال: «هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، خليفتان بصيران، لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فأسألهما ماذا خُلّفت فيهما» ().

مع الثقلين الأكبر والأصغر

قال أبو سعيد الخدري: إن آخر خطبة خطبنا بها رسول الله (ص) لخطبة خطبنا في مرضه الذي قبض فيه، خرج متوكياً فجلس علي المنبر ثم قال: «يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين» وسكت.

فقام رجل فقال: يا رسول الله ما هذان الثقلان؟

قال (ص): «ما ذكرتهما إلا وأنا اُريد أن اُخبركم بهما، الثقل الأكبر: كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم، والثقل الأصغر: أهل بيتي».

ثم قال (ص): «وأيم الله إني لأقول لكم هذا ورجال في أصلاب أهل الشرك أرجي عندي من كثير منكم».

ثم قال (ص): «والله لا يحبّهم عبد إلاّ أعطاه الله نوراً يوم القيامة حتي يرد عليّ الحوض، ولا يبغضهم عبد إلا احتجب الله عنه يوم القيامة» ().

وكان ممّا قاله رسول الله (ص) والمسلمون مجتمعون حوله: «أيها الناس، انه لا نبي بعدي، ولا سنّة بعد سنّتي، فمن ادّعي ذلك فدعواه وباغيه في النار. أيها الناس، أحيوا القصاص، وأحيوا الحق لصاحب الحق، ولا تفرقوا، وأسلموا وسلّموا، ?كَتَبَ اللهُ لاَغْلِبَنَّ

أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ?()» ().

ومما قاله (ص) في أيامه الأخيرة: «أيها الناس، حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم، فأما حياتي: فإن الله هداكم بي من الضلالة، وأنقذكم من شفا حفرة من النار، وأما مماتي فإن أعمالكم تعرض عليّ، فما كان من حسن استزدت الله لكم، وما كان من قبيح استغفرت الله لكم».

فقام بعض من حضر وقال: وكيف ذاك يا رسول الله وقد رممت؟ يعني: صرت رميماً.

فقال: «كلا، إن الله حرم لحومنا علي الأرض فلا تطعم منها شيئاً» ().

وإلي هذا أشار أبو عبدالله الصادق (ع) عندما قال: «مالكم تسوؤن رسول الله (ص)؟».

فقال له رجل: جعلت فداك وكيف نسوؤه؟

قال (ع): «أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأي فيها معصية الله ساءه؟ فلا تسوؤا رسول الله (ص) وسرّوه» ().

الوصية والوصي

ولما ثقل رسول الله (ص) في مرضه الذي قبض فيه كان رأسه في حجر علي (ع)، والبيت مملوء من أصحابه من المهاجرين والأنصار، والعباس بين يديه يذب عنه بطرف ردائه، فالتفت رسول الله (ص) إلي عمه العباس وقال: «يا عباس يا عم النبي، أقبل وصيّتي في أهلي، وفي أزواجي، واقض ديني، وأنجز عداتي، وأبريء ذمّتي».

فقال العباس: يا رسول الله، أنا شيخ ذو عيال كثير، غير ذي مال ممدود، وأنت أجود من السحاب الهاطل، والريح المرسلة، تباري الريح سخاءاً وكرماً، فلو صرفت ذلك عني إلي من هو أطوق له منّي.

فقال رسول الله (ص): «أما إني سأعطيها من يأخذها بحقّها، ومن لايقول مثل ما تقول. يا علي، هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي أقبل وصيتي، وأنجز مواعيدي، وأدِّ ديني، يا علي اخلفني في أهلي واُمّتي، وبلّغ عني من بعدي».

قال علي (ع): «لما نعي رسول الله (ص)

إليّ نفسه رجف فؤادي واُلقي علي لقوله البكاء، فلم أقدر أن اُجيبه بشيء.

ثم عاد (ص) لقوله، فقال (ص): يا علي، أوَتقبل وصيّتي؟».

قال (ع): «فقلت، وقد خنقتني العبرة ولم أكد أن أبين: نعم يا رسول الله.

فقال (ص): يا بلال ايتني بذي الفقار، ودرعي ذات الفضول، ايتني بمغفري ذي الجبين، ورايتي العقاب، وايتني بالعنزة والممشوق.

فأتي بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرهونة في أصوع من شعير، كان (ص) قد استقرضها لقوته وقوت عياله.

ثم قال (ص): ايتني بالمرتجز والعضباء، ايتني باليعفور والدلدل، فأتي بها فوقفها بالباب.

ثم قال (ص): ايتني بالأتحمية والسحاب، فأتي بها، فلم يزل يدعو بشيء شيء، فافتقد عصابة كان يشدّ بها بطنه في الحرب، فطلبها فأتي بها والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار.

ثم قال (ص): يا علي، قم فاقبض هذا في حياة منّي، وشهادة من في البيت، لكيلا ينازعك أحد من بعدي».

قال علي (ع): «فقمت وما أكاد أمشي علي قدم حتي استودعت ذلك جميعاً منزلي، ثم جئت فقمت بين يدي رسول الله(ص) فنظر إليَّ ثم عمد إلي خاتمه فنزعه ثم دفعه إليَّ وقال: هاك يا علي هذا لك في الدنيا والآخرة.

ثم قال (ص) لي: يا علي أجلسني، فأجلسته وأسندته إلي صدري.

قال علي (ع): فلقد رأيت رسول الله (ص) وإن رأسه ليثقل ضعفاً وهو يقول يسمع أقصي أهل البيت وأدناهم: إنّ أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي في أهلي واُمّتي علي بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعدي، يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، لا تبغضوا علياً، ولا تخالفوا عن أمره فتضلّوا.

ثم قال (ص): أضجعني يا علي، فأضجعته، فقال (ص) لبلال: يا بلال ايتني بولديَّ الحسن والحسين، فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلي صدره، فجعل (ص)

يشمّهما».

قال علي (ع): «فظننت انهما قد غمّاه يعني أكرباه فذهبت لآخذهما عنه.

فقال (ص): دعهما يا علي يشمّاني وأشمّهما، ويتزوّدا منّي وأتزوّد منهما، فسيلقيان من بعدي زلزالاً، وأمراً عضالاً، فلعن الله من يخيفهما، اللهمّ إنّي أستودعكهما وصالح المؤمنين» ().

مع ابنته فاطمة عليها السلام

قال سلمان: بينا أنا عند رسول الله (ص) في مرضه الذي قبض فيه، إذ دخلت عليه فاطمة عليها السلام فلما رأت ما به (ص) خنقتها العبرة حتي فاضت دموعها علي خدّيها، فأبصر ذلك رسول الله (ص) فقال: «ما يبكيك يا بنيّة، أقرّ الله عينك ولا أبكاها؟».

قالت عليها السلام: «وكيف لا أبكي وأنا أري ما بك من الضعف؟ فمن لنا بعدك يا رسول الله؟».

فقال (ص) لها عليها السلام: «يا فاطمة، لكم الله فتوكّلي عليه واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، واُمّهاتك من أزواجهم، ألا أُبشرك يا فاطمة؟».

قالت عليها السلام: «بلي يا أبه».

قال (ص): «أما علمت ان الله تعالي اختار أباك فجلعه نبياً، وبعثه إلي كافة الخلق رسولاً، ثم اختار علياً فأمرني فزوّجتك إياه، واتخذته بأمر ربّي وزيراً ووصيّاً، يا فاطمة انّ علياً أعظم المسلمين علي المسلمين بعدي حقاً، وأقدمهم سلماً، وأعزهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدّهم في الله وفيّ غضباً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً، وأثبتهم في الميزان قدراً، وأشجعهم قلباً، وأربطهم جأشاً، وأسخاهم كفاً».

فاستبشرت فاطمة عليها السلام، فأقبل عليها رسول الله (ص) وقال: «هل سررتك يا فاطمة؟».

قالت عليها السلام: «نعم يا أبه» ()، الحديث.

وصايا خاصة

قال ابن عباس: لما مرض رسول الله (ص) وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر فقال له: فداك أبي واُمي يا رسول الله، من يغسلك منا إذا كان ذلك منك؟

قال (ص): «ذاك علي بن أبي طالب (ع)، إنه لا يهمّ بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة علي ذلك».

فقال له: فداك أبي واُمي يا رسول الله، فمن يصلّي عليك منّا إذا كان ذلك منك؟

قال (ص): «مه، رحمك الله» ثم قال لعلي (ع): «يا ابن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وانق

غسلي، وكفّني في طمريّ هذين، أو في بياض مصر، وبرد يمان، ولا تغال في كفني، واحملوني حتي تضعوني علي شفير قبري، فأول من يصلّي عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه، ثم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عزّوجل، ثم الحافّون بالعرش، ثم سكّان أهل سماء فسماء، ثم جلّ أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون، يؤمون ايماءاً، ويسلّمون تسليماً» ().

النبي (ص) ساعة الوداع

قال ابن مسعود: لما دنا فراق رسول الله (ص) جمعنا في بيت فنظر إلينا فدمعت عيناه ثم قال (ص): «مرحباً بكم، حياكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، نفعكم الله، هداكم الله، وفّقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، رزقكم الله، رفعكم الله، اُوصيكم بتقوي الله، واُوصي الله بكم()، اني لكم نذير مبين أن لا تعلوا علي الله في عباده وبلاده، فإن الله تعالي قال لي ولكم: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ? (). وقال سبحانه: ?أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْويً لِلْمُتَكَبِّرِينَ? ()».

قلنا: متي يا رسول الله أجلك؟

قال (ص): «دنا الأجل والمنقلب إلي الله وإلي سدرة المنتهي، وجنّة المأوي والعرش الأعلي، والكأس الأوفي، والعيش الأهنأ».

قلنا: فمن يغسّلك؟ قال (ص): «أخي» ().

من كلمات الوداع

قال علي (ع): «بينما نحن عند النبي (ص) وهو يجود بنفسه وهو مسجّي بثوب وملاءة خفيفة علي وجهه، فمكث ماشاء الله أن يمكث ونحن حوله بين باكٍ ومسترجع إذ تكلّم (ص) وقال: ابيضّت وجوه، واسودّت وجوه، وسعد أقوام، وشقي آخرون، أصحاب الكساء الخمسة أنا سيّدهم ولا فخر، عترتي أهل بيتي السابقون المقرّبون، يسعد من اتّبعهم وشايعهم علي ديني ودين آبائي، أنجزتَ مواعيدك يا رب إلي يوم القيامة في أهل بيتي» ().

الأولي حتي من جبرئيل

وعن علي (ع) أنه قال: «دخلت علي رسول الله (ص) في شكاته فإذا رأسه في حجر رجل أحسن ما رأيت من الخلق، والنبي (ص) نائم، فلما دخلت التفت إليّ ذلك الرجل وقال لي: أدن إلي ابن عمك فأنت أحقّ به منّي، فدنوتُ منهما، فقام الرجل وجلست مكانه ووضعتُ رأس النبي (ص) في حجري كما كان في حجر الرجل، فمكث ساعة، ثم استيقظ النبي (ص) فقال: يا علي، أين الرجل الذي كان رأسي في حجره؟

قلت: يا رسول الله إنّي لما دخلت دعاني إليك ثم قال: أدن إلي ابن عمك فأنت أحقّ به منّي، ثم قام فجلستُ مكانه.

فقال النبي (ص): فهل تدري من الرجل؟ ذاك جبرئيل كان يحدّثني حتي خفّ عني وجعي، ونمت ورأسي في حجره» ().

قال عمار: لما حضر رسول الله (ص) أمر الله دعا بعلي (ع) فسارّه طويلاً ثم قال له: «يا علي أنت وصيّي ووارثي، قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا متّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وغصب علي حقد».

فبكت فاطمة عليها السلام وبكي الحسن والحسين عليه السلام.

فقال (ص) لفاطمة: «يا سيّدة النسوان ممّ بكاؤك؟».

قالت عليها السلام: «يا أبة أخشي الضيعة بعدك».

قال (ص): «أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل

بيتي، لا تبكي ولا تحزني، فإنّك سيدة نساء أهل الجنّة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك خير الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنّة، ومن صلب الحسين (ع) يخرج الله الأئمّة التسعة مطهّرون معصومون، ومنك مهدي هذه الاُمّة» ().

جبرئيل عليه السلام وكتاب الوصيّة

قال علي (ع): «دعاني رسول الله (ص) عند ارتحاله من هذه الدنيا وأخرج من كان عنده في البيت غيري، والبيت فيه جبرئيل والملائكة معه، فأخذ رسول الله (ص) كتاب الوصية من يد جبرئيل مختومة، فدفعها إليّ وأمرني أن أفضّها، ففعلت، وأمرني أن أقرأها فقرأتها، فإذا فيها كل ما كان رسول الله (ص) يوصيني به شيئاً شيئاً ما تغادر حرفاً» ().

قال موسي بن جعفر (ع): «قلت لأبي عبد الله (ع): أليس كان أمير المؤمنين(ع) كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقرّبون شهود؟

فقال (ع): فأطرق طويلاً ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجّلاً، نزل به جبرئيل مع اُمناء الله تبارك وتعالي من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمد، مر بإخراج مَن عندك إلاّ وصيّك ليقبضها منا، وتشهدنا بدفعك إياها إليه …

ففعل رسول الله (ص) ذلك وأشهدهم عليه وقال: يا علي، تفي بما فيها مِن موالاة مَن والي الله ورسوله، والعداوة لمن عادي الله ورسوله والبراءة منهم علي الصبر منك، وعلي كظم الغيظ، وعلي ذهاب حقّك، وغصب خمسك، وانتهاك حرمتك.

فقال: نعم يا رسول الله.

فقال أمير المؤمنين (ع): والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل يقول للنبي (ص): يا محمد عرّفه أنه يُنتَهَك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله (ص) وعلي أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط.

قال أمير المؤمنين (ع): فصعقت

حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتي سقطت علي وجهي وقلت: نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة …

ثم دعا رسول الله (ص) فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأعلمهم مثل ما أعلم أميرالمؤمنين (ع) فقالوا مثل قوله، فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار ودفعت إلي أمير المؤمنين (ع) وخرج جبرئيل والملائكة معه إلي السماء … » ().

ثم عرض علي رسول الله (ص) ضعف شديد، فلما أفاق دخلت عليه النساء يبكين وارتفعت الأصوات وضجّ الناس بالباب من المهاجرين والأنصار.

وديعة الله ووديعة رسوله

قال موسي بن جعفر عليه السلام: «فقلت لأبي (ع): فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله (ص)؟

قال: فقال (ع): ثم دعا (ص) علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال لمن في بيته: اخرجوا عني، وقال لاُم سلمة: كوني علي الباب فلا يقربه أحد، ثم التفت إلي علي (ع) وقال له: يا علي ادن مني، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمة عليها السلام فوضعها علي صدره طويلاً، وأخذ بيد علي(ع) بيده الاُخري، فلما أراد رسول الله (ص) الكلام غلبته العبرة فلم يقدر علي الكلام.

فبكت فاطمة عليها السلام بكاءاً شديداً وأكبّت علي وجهه تقبّله، وبكي علي والحسن والحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله (ص) ثم أكبّوا علي وجهه …

فرفع رسول الله (ص) رأسه إليهم ويدها في يده، فوضعها في يد علي (ع) وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وانك لفاعل هذا يا علي، هذه والله سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه والله مريم الكبري، أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتي سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته. يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة،

فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل، وأمرتها أن تلقيها إليك، فانفذها، فهي الصادقة الصدوقة. واعلم يا علي، أني راضٍ عمّن رضيَت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته. يا علي ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزّها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذي حليلها، وويل لمن شاقّها وبارزها، اللهم إني منهم بريء، وهم مني براء، ثم سماهم رسول الله (ص) وضمّ فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين عليهم السلام» () الحديث.

الإقرار بقبول الوصيّة

قال أبو عبدالله الصادق (ع): «ثم انّ رسول الله (ص) قال لعلي(ع) بعد أن دفع إليه الوصية وأشهد علي ذلك جبرئيل ومن معه من الملائكة: يا علي، أضمنت دَيْني تقضيه عنّي؟

قال (ع): نعم» ()، الحديث.

حنوط من الجنة

قال علي (ع): «ثم إنه كان في الوصية أن يدفع إليَّ الحنوط، فدعاني رسول الله (ص) قبل ارتحاله عن الدنيا بقليل وقال: يا علي ويا فاطمة هذا حنوطي من الجنة، وكان وزنه أربعين درهماً، قد دفعه إليَّ جبرئيل، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: اقسماه وأعزلا منه لي ولكما.

قالت فاطمة عليها السلام: لك يا أبه ثلثه، وليكن الناظر في الباقي علي بن أبي طالب (ع)، فبكي رسول الله (ص) وضمّها إليه وقال: موفقة رشيدة، مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي.

قال (ع): نصف ما بقي لها، ونصف لمن تري يا رسول الله.

قال (ص): هو لك فاقبضه» ().

النبي (ص) يستدعي أخاه

ولما ثقل رسول الله (ص) وحجب الناس عنه كان أمير المؤمنين (ع) لا يفارقه إلا لضرورة، فقام (ع) في بعض شؤونه، فأفاق رسول الله(ص) إفاقة فافتقد علياً (ع) فقال وأزواجه حوله: «ادعوا لي أخي وصاحبي» وعاوده الضعف فصمت.

فدُعي له غير علي (ع)، فلما فتح (ص) عينه ونظر إليه أعرض عنه بوجهه.

فقالت اُمّ سلمة: أدعوا له علياً (ع)، فإنه لا يريد غيره.

فدعي أمير المؤمنين (ع) فلما دنا منه أومأ (ص) إليه، فأكبّ عليه فناجاه رسول الله (ص) طويلاً، ثم قام فجلس ناحية، فقال له الناس بعد ذلك: ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن؟

فقال (ع): «علّمني ألف باب من العلم، يفتح لي في كل باب ألف باب، واوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله تعالي» ().

وفي رواية أنه قال (ع): «علّمني رسول الله (ص) ألف باب من الحلال والحرام، وما كان وما هو كائن إلي يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتي علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» ().

بين الحبيب وحبيبه

ثم ان اُم سلمة استأذنت علي رسول الله (ص) فقال لها: «ادعي لي حبيبتي وقرّة عيني وثمرة فؤادي فاطمة المظلومة بعدي»، فدعتها، فأقبلت وهي تبكي، فاعتنقها رسول الله (ص) وضمها إلي صدره، فناجاها فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً، ثم ناجاها وأسرّ إليها شيئاً تهلّل وجهها له، ولما سئلت بعد ذلك عن بكائها وعن تهلّل وجهها؟

قالت عليها السلام: «نعي إليّ نفسه فبكيت، ثم أخبرني بأني أول أهل بيته لحوقاً به، وأنه لن تطول المدّة لي بعده حتي أدركه، وأخبرني أني سيدة نساء أهل الجنّة، وابناي سيدا شباب أهل الجنة وأن الأئمة الإثني عشر خلفاؤه هم بعلي ووُلدي: علي (ع) أبوهم وأولهم،

والمهدي ابني آخرهم، فتهلّل وجهي لذلك».

ثم أنه (ص) دعا الحسن والحسين وقبّلهما وشمّهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان وأخبر (ص) بأنهما سيُظلمان بعده ويقتلان ظلماً، ولعن قاتلهما().

قال ابن عباس: ثم قالت فاطمة عليها السلام للنبي صلي الله عليه و اله وهو في لحظاته الأخيرة: «يا أبة أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا، فأين الميعاد غداً؟».

قال (ص): «أما إنك أول أهلي لحوقاً بي وكان كذلك فقد لحقت بأبيها بعد خمسة وسبعين يوماً مظلومة شهيدة() والميعاد علي جسر جهنّم».

قالت عليها السلام: «يا أبة أليس قد حرّم الله عزّوجل جسمك ولحمك علي النار؟».

قال (ص): «بلي، ولكني قائم حتي تجوز اُمتي».

قالت عليها السلام: «فإن لم أرك هناك؟».

قال (ص): «تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنّم، أستوهب الظالم من المظلوم».

قالت عليها السلام: «فإن لم أرك هناك؟».

قال (ص): «تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لاُمّتي».

قالت عليها السلام: «فإن لم أرك هناك؟».

قال (ص): «تريني عند الميزان وأنا أسأل لاُمتي الخلاص من النار».

قالت عليها السلام: «فإن لم أرك هناك؟».

قال (ص): «تريني عند الحوض، حوضي عرضه ما بين ايلة إلي صنعاء، علي حوضي ألف غلام() بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم، وكالبيض المكنون، من تناول منه شربة فشربها لم يظمأ بعدها أبداً» () وجعل يكرّرها.

النبي (ص) حياً وميتاً

ثم ان رسول الله (ص) ثقل وهو (ص) في بيت فاطمة عليها السلام فأشار إلي علي (ع) فدنا منه، فقال له وهو في لحظاته الأخيرة: «ضع يا علي رأسي في حجرك، فقد جاء أمر الله تعالي، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثمّ وجّهني إلي القبلة وتولّ أمري، فاستق لي ست قرب من ماء بئر غرس، فغسّلني وكفّني وحنّطني، فإذا فرغت فخذ بمجامع كفني واجلسني ثم سلني عما شئت،

فو الله لاتسألني عن شيء إلا أجبتك، وصلِّ عليّ أول الناس، ولا تفارقني حتي تواريني في رمسي، يا علي ادفنّي في هذا المكان فإنّ بيتي قبري، وارفع قبري من الأرض أربع أصابع، وفي رواية: قدر شبر وأربع أصابع وفي رواية: واجعل حول قبري حائطاً ورش عليه من الماء واستعن بالله تعالي».

فأخذ علي (ع) رأس رسول الله (ص) فوضعه في حجره وقد انقطع عن الكلام لما نزل به، فأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة للأرامل

ففتح رسول الله (ص) عينه وقال بصوت ضئيل: «يا بنية هذا قول عمك أبي طالب، لا تقوليه، ولكن قولي: ?وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ?()» ().

علي مشارف الآخرة

ولما كان صباح يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة إحدي عشرة من الهجرة النبوية المباركة استأذن علي رسول الله (ص) ملك الموت، وهو (ص) في بيت فاطمة عليها السلام وعمر رسول الله (ص) إذ ذاك ثلاث وستّون سنة.

قال ابن عباس: فلما طرق الباب قالت فاطمة عليها السلام: «من ذا؟».

قال: «أنا غريب أتيت رسول الله (ص) فهل تأذنون لي في الدخول عليه؟».

فأجابت: «امضِ رحمك الله لحاجتك، فرسول الله (ص) عنك مشغول».

فمضي ثم رجع فدقّ الباب وقال: «غريب يستأذن علي رسول الله(ص) فهل تأذنون للغرباء؟».

فأفاق رسول الله (ص) وقال: «يا فاطمة، إن هذا مفرق الجماعات، ومنغّص اللذّات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله علي أحد قبلي، ولا يستأذن علي أحد بعدي، استأذن عليَّ لكرامتي علي الله، ائذني له» ().

فقالت عليها السلام: «اُدخل رحمك الله»، فلما اُذن له دخل كريح هفّافة وقال: «السلام عليك يا رسول الله

وعلي أهل بيتك».

قال (ص): «وعليك السلام يا ملك الموت».

فقال: «إنّ ربك أرسلني إليك وهو يقرؤك السلام ويخيّرك بين لقائه والرجوع إلي الدنيا».

فاستمهله (ص) حتي ينزل جبرئيل ويستشيره، فخرج ملك الموت من عنده وجاء جبرئيل فقال: «السلام عليك يا أبا القاسم».

قال (ص): «وعليك السلام يا حبيبي جبرائيل».

فقال: «يا رسول الله إنّ ربك إليك مشتاق، وما استأذن ملك الموت علي أحد قبلك، ولا يستأذن علي أحد بعدك».

قال (ص): «يا حبيبي جبرئيل، إن ملك الموت قد خيّرني عن ربّي بين لقائه وبين الرجوع إلي الدنيا، فما الذي تري؟».

فقال: «يا رسول الله ?وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولي ? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي?()».

قال (ص): «نعم، لقاء ربي خير لي، لا تبرح يا حبيبي جبرئيل حتي ينزل ملك الموت»، فنزل ملك الموت فقال له رسول الله (ص): «امض لما اُمرت له» ().

وفي رواية: قال جبرئيل: «يا رسول الله أتريد الرجوع إلي الدنيا؟».

قال (ص): «لا، وقد بلّغت».

ثم قال ثانية: «يا رسول الله أتريد الرجوع إلي الدنيا؟».

قال (ص): «لا، الرفيق الأعلي».

فقال جبرائيل: «يا رسول الله هذا آخر يوم أهبط فيه إلي الأرض() انما كنت حاجتي من الدنيا» ().

فقال له رسول الله (ص): «يا حبيبي جبرئيل ادن مني»، فدنا منه، فكان جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وملك الموت قابضاً لروحه (ص).

ثم مدّ (ص) يده إلي علي (ع) فجذبه إليه وهو يقول: «ادن مني يا أخي فقد جاء أمر الله»، فدنا (ع) منه حتي أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه، ووضع فاه في اُذنه وجعل يناجيه طويلاً حتي فارقت روحه الدنيا، صلوات الله عليه وآله، ويد أمير المؤمنين (ع) اليمني تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها، فرفعها (ع) إلي وجهه فمسحه بها.

ثم انسل علي (ع)

من تحت ثيابه، وقال: «أعظم الله اُجوركم في نبيّكم، فقد قبضه الله إليه»، ثم مدّ عليه ازاره، وقال: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يالها من مصيبة خصت الأقربين وعمت المؤمنين، لم يصابوا بمثلها قط، ولا عاينوا مثلها().

فارتفعت عندها الأصوات بالضجّة والبكاء. فصاحت فاطمة عليها السلام وصاح المسلمون، وصاروا يضعون التراب علي رؤوسهم، وفاطمة عليها السلام تقول: «يا أبتاه إلي جبرئيل ننعاه، يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه» ()، واجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي (ص). وقالت اُم سلمة: «وضعت يدي علي صدر رسول الله (ص) يوم قبض فمر بي جمع آكل وأتوضأ ما تذهب رائحة المسك من يدي» ().

أعظم المصائب

وكان رسول الله (ص) قد قال لعلي أمير المؤمنين (ع): «يا علي، من اُصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب» ()، وإلي هذا المعني يشير ما جاء في الديوان المنسوب إلي أمير المؤمنين (ع) من انه كان يقول:

«ما غاض دمعي عند نائبة

إلا جعلتك للبكا سببا

وإذا ذكرتك سامحتك به

مني الجفون ففاض وانسكبا

إني أجل ثري حللت به

عن أن أري بسواه مكتئباً()

وأنشأ أمير المؤمنين (ع) أيضاً يقول:

الموت لا والداً يبقي ولا ولداً

هذا السبيل إلي أن لا تري أحداً

هذا النبي ولم يخلد لاُمته

لو خلّد الله خلقاً قبله خُلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة

من فاته اليوم سهم لم يفته غدا» ()

وأنشأت الزهراء عليها السلام تقول:

«إذا مات يوماً ميّت قلّ ذكره

وذكر أبي طول الدُني في تزيّد

تذكرت لما فرّق الموت بيننا

فعزّيت نفسي بالنبي محمد

فقلت لها: إن الممات سبيلنا

ومن لم يمت في يومه مات في غد» ()

المعصوم لا يليه إلا معصوم

قال ابن مسعود: قلت للنبي (ص) وهو في شكاته: يا رسول الله من يغسّلك إذا حدث بك حادث؟

قال (ص): «يغسّل كل نبي وصيّه».

قلت: فمن وصيّك يا رسول الله؟

قال (ص): «علي بن أبي طالب» ().

وقال سلمان: أتيت علياً (ع) وهو يغسّل رسول الله (ص) وكان قد أوصي (ص) أن لا يغسّله غير علي (ع)، وأخبر أنه لا يريد أن يقلّب منه عضواً إلا قُلب له.

وقد قال أمير المؤمنين (ع) لرسول الله (ص): «من يعينني علي غسلك يا رسول الله؟».

قال (ص): «جبرئيل».

فلما غسّله وكفّنه وحنّطه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فتقدّم وصففنا خلفه وصلّي عليه، ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فيصلّون ويخرجون، حتي لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلاّ صلّي عليه().

وفي رواية: «ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله،

ثم وقف أمير المؤمنين (ع) في وسطهم، فقال: ?إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً?() فيقول القوم كما يقول، حتي صلّي عليه (ص) أهل المدينة وأهل العوالي كلهم» ().

النبي (ص) في مثواه الأخير

ولما فرغ المسلمون من الصلاة علي رسول الله (ص) وقد صلّوا عليه فوجاً فوجاً خاضوا في موضع دفنه فقال بعضهم: في البقيع، وقال آخرون: في صحن المسجد.

فقال علي (ع): «إنّ الله سبحانه لم يقبض نبياً في مكان إلا وارتضاه لرمسه فيه، وأني دافنه في حجرته التي قبض فيها، وهي بيت فاطمة عليها السلام فرضي المسلمون بذلك» ().

فلما تهيّأ القبر وضع علي (ع) رسول الله (ص) علي يديه ثم دلاّه في حفرته، ثم نزل علي (ع) في القبر فكشف عن وجهه، ووضع خدّه علي الأرض موجّهاً إلي القبلة علي يمينه، ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب..

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فجعلنا الله من السائرين علي خطي هذا الإمام العظيم والفائزين بمرضاته يوم الحشر، لأنّ مرضاته موصلة إلي مرضاة الله تعالي.

«اللهم إني أسألك بحق محمد نبيّك، وعلي وليك، والشأن والقدر الذي خصصتهما به دون خلقك، أنّ تصلي علي محمد وعلي وأن تبدأ بهما في كل خير عاجل، اللهم صلّ علي محمد وآل محمد، الأئمةُ القادة والدعاة السادة، والنجوم الزاهرة، والإعلام الباهرة، وساسة العباد، وأركان البلاد، والناقة المرسلة، والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة» ().

«اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تُعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتك، والقادة إلي سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة» ().

بيان صادر عن ممثلية الإمام الشيرازي ?

بمناسبة عيد الغدير الأغر عام 1421ه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد، وعلي آله الطيبين الطاهرين.

قال الله تعالي في محكم كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?() ومما جاء في الخطبة

الغديرية للرسول المصطفي(ص) بشأن الإمام عليy:» معاشر الناس! فضّلوه فقد فضّله الله واقبلوه فقد نصَبَه الله.. «.

من الثابت أن هذه الواقعة الخالدة (واقعة الغدير) من أشهر وأهم الوقائع التاريخية، ومن أبرز الأحداث في عهد النبي الأكرم(ص)، وقد شهد بها مائة وعشرة آلاف من الصحابة الذين حضروا الواقعة، وشهدوا الخطبة النبوية الغديرية بأنفسهم؛ حيث عاد النبي (ص) من آخر حجة في حياته الشريفة، ووصل إلي وادي الجحفة بأرض غدير خُم، وكان وصوله في يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجة وقت الضحي، معلناً أن الله أمره أن يقيم علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً علي الناس وخليفة من بعده ووصيّاً له.

ويعتبر يوم الغدير عيداً إسلامياً مهماً، نظير أعياد المسلمين الأخري بل أهمها؛ إذ هو عيد إكمال الدين وإتمام النعمة، بنص كتاب الله، ورسوله الأمين (ص) الذي ?مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي ? إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَي?().. وحسْبُ الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها ونحلها أن تعرف بأن أوّل من أعلن يوم الغدير عيداً إسلامياً هو نفس رسول الله(ص)؛ وذلك في ذات ذلك اليوم بعدما عيّن الإمام علياً خليفةً من بعده فقد أقام مراسم العيد بأن جلس(ص) في خيمته يستقبل المهنئين، بكل بشاشة وفرح، وهو يقول لهم:» هنئوني.. هنئوني.. إن الله تعالي خصّني بالنبوة وخصّ أهل بيتي بالإمامة «.

فحريٌ بالمسلمين أن يستجيبوا للرسول الأكرم(ص) بأن يتقربوا إلي الله في هذا اليوم الميمون عبر إقامة الاحتفالات الكبري، وإحياء هذه الذكري المقدسة بالصلاة وتلاوة القرآن والدعاء المأثور؛ شكراً لله علي إكمال الدين بإمامة عليy، وأن يتزاوروا ويتواصلوا مبتهجين متقربين إلي الله بضروب البر والإحسان، وإدخال السرور علي الأرحام، وعلي إخوانهم في الإيمان، ويتواسوا ويتصافوا، حتي يعززوا جمعهم بعدما يزيلون

جميع موجبات انفراط العقد، وتشتت الصف، ويعودوا كسابق عهد المسلمين، حين جمعهم الله ورسوله(ص) علي محور الولاية.

ولابد من التأكيد بأنه قد ورد في التواريخ أن الشيعة لم ينفردوا باتخاذ يوم الغدير عيداً، بل اشترك المسلمون بمختلف مذاهبهم في التعيّد بهذا اليوم؛ بدليل قول رسول الله:» غدير خُم أفضل أعياد أمتي.. «.

فكم هو خليقٌ بهذه الأمة التسالم علي هذا اليوم وجعله منطلقاً للوثوب نحو الوحدة والاتحاد في القول والعمل وتسلك في هذا الأمر المسلك الذي أمر الله به بقوله عزّ من قائل: ?قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي..?()، أي قربي الرسول(ص).

وندأب علي هذا الطريق حتي نعود أمةً متوحدة قوية يباهي رسول الله (ص) بها الأمم يوم القيامة..

ولعله قد مسّت حاجة الأمة لا سيما في الوقت الراهن الذي غلبت عليه التكتلات والمنظمات الإقليمية والدولية أمثال ما نعهده من حالة الاتحاد الأوربي، ومنظمة الأمم المتحدة، ومجموعة الدول الصناعية، ومنظمة (إيكو)، و(أكوا)، وما شابهها إلي التشاور بين جميع الأطراف المسؤولة وذات الشأن مراجع وعلماء دين وأحزاب ومنظمات حول جميع المحاور والمنطلقات التي يمكن أن تحقق رأياً أو موقفاً جماعياً شاملاً حيال قضايانا المصيرية؛ لنجاة المسلمين من التشتت والتنازع، وإعادة الأخوة والحريات إلي المسلمين جميعاً، وذلك التزاماً بقوله تعالي ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?()، واحتكاماً إلي قول أمير المؤمنين الإمام علي ع:» الله الله في نظم أمركم «.

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() سورة المائدة: 3.

() وسائل الشيعة: ج15 ص308 ب41 ح20599.

() عظمة نعمة الإمامة والولاية علي البشرية التي صدع بها خاتم الرسل صلي الله عليه و اله.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص156 باب المعايش والمكاسب ح3568.

() الكافي: ج4 ص149 باب صيام الترغيب ح3.

()

سورة المائدة: 67.

() قال الأميني ? في موسوعة الغدير تحت عنوان واقعة الغدير: أجمع رسول الله صلي الله عليه و اله الخروج إلي الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذن في الناس بذلك فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يقال عليها: حجة الوداع، وحجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الكمال، وحجة التمام، وقال الأميني : إن الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ? الآية، كما أن الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول قوله سبحانه: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي? الآية، انظر الغدير: ج1 ص8.

() كان معه صلي الله عليه و اله جموع لا يعلمها إلا الله تعالي وقد يقال: خرج معه (90 ألفاً) ويقال: (114 ألف) وقيل: (120 ألف) وقيل: (124 ألف) ويقال أكثر من ذلك، وهذه عدة من خرج معه صلي الله عليه و اله، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك، كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي عليه السلام وأبي موسي كما جاء في السيرة الحلبية: ج3 ص283 وسيرة أحمد زيني دحلان: ج3 ص3، وغيرها من مصادر العامة. أنظر الغدير: ج1 ص9 واقعة الغدير.

() هي المنطقة التي تتشعّب منها الطرق إلي المدينة والعراق ومصر واليمن.

() سورة المائدة: 67.

() سورة المائدة: 67.

() منطقة في بلاد الشام، قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

() راجع بحار الأنوار: ج37 في أخبار الغدير ص108.

() سورة الحشر: 18.

() سورة المائدة: 3.

() سورة التوبة: 17.

() أنظر الصراط المستقيم: ج1 ص301 ب9.

() سورة المائدة: 3.

() أنظر تفسير العياشي: ج1 ص293 ح20، 21، 22، تفسير قوله تعالي: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ

عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً?، وأنظر تفسير القمي: ج1 ص162 تفسير سورة المائدة، وتفسير فرات الكوفي: ص120 تفسير سورة المائدة، والتبيان في تفسير القرآن: ج3 ص413 تفسير سورة المائدة، وتفسير مجمع البيان: ج3 ص257 سورة المائدة وفضلها، وتفسير الصافي: ج2 ص5 سورة المائدة، وتفسير الأصفي: ج1 ص260، وتفسير نور الثقلين: ج1 ص587 سورة المائدة، وأنظر شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني: ج1 ص201 ح211 - 219.

() أي: الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج37 ص138 ب52 ح28.

() التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين: ص579 القسم 1 ب29.

() قمَّ الشيء قمَّاً: كنسه، أنظر لسان العرب: ج12 ص493 مادة (قم).

() سورة المائدة: 67.

() سورة المائدة: 55.

() سورة الفتح: 11.

() سورة النور: 15.

() سورة التوبة: 61.

() سورة المائدة: 67.

() سورة البقرة: 24.

() سورة ق: 29.

() سورة المائدة: 3.

() سورة آل عمران: 85.

() سورة التوبة 17.

() سورة الإنسان: 1.

() سورة العصر: 1 2.

() سورة النور: 54.

() سورة آل عمران: 102

() سورة النساء: 47.

() سورة آل عمران: 144.

() سورة النساء: 145.

() سورة غافر: 76.

() سورة الرحمن: 35.

() أي سورة فاتحة الكتاب.

() سورة يونس: 62.

() سورة المائدة: 56.

() سورة الأنعام: 112.

() سورة المجادلة: 22.

() سورة الأنعام: 82.

() سورة الزمر: 73.

() سورة غافر: 40.

() سورة النساء: 10.

() سورة الأعراف: 38.

() سورة الملك: 8

() سورة الملك: 11.

() سورة الملك: 12.

() في العدد القوية وردت بلفظ (مصافقته) ص178 خطبة النبي صلي الله عليه و اله يوم غدير خم.

() سورة الفتح: 10.

() سورة البقرة: 158.

() انظر قصة الغدير وتصريح النبي صلي الله عليه و اله بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من بعده بألفاظ مختلفة وفي أحاديث متواترة رواها الأميني

? في (الغدير)، واليك بعض المصادر من كتب العامة: صحيح ابن حبان: ج15 ص176 ط مؤسسة الرسالة بيروت، والمستدرك علي الصحيحين: ج3 ص118 و126 و613 ط دار الكتب العلمية، ومسند أحمد: ج1 ص84 و88 و118 و119 و152 وج4 ص368 و370 ط مؤسسة قرطبة مصر، ومسند أبي يعلي: ج1 ص249 ط دار المأمون للتراث دمشق، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج2 ص572 و585 و586 و613 و682 و705 ط مؤسسة الرسالة بيروت، وفضائل الصحابة للنسائي: ج1 ص15 ط دار الكتب العلمية بيروت، ومعجم ما استعجم: ج1 ص368 ط عالم الكتاب بيروت، وتفسير ابن كثير: ج2 ص15 ط دار الفكر، والأحاديث المختارة: ج2 ص80 و87 و105 و106 و173 و174 و274 وج3 ص213 ط مكتبة النهضة الحديثة مكة المكرمة، وموارد الظمآن: ص544 ط دار الكتب العلمية بيروت، ومجمع الزوائد: ج5 ص14 وج9 ص104 و105 و106 و107 و164 ط دار الريان للتراث القاهرة، والسنن الكبري للنسائي: ج5 ص45 و130 و132 و134 و135 و136 و154 ط دار الكتب العلمية بيروت، ومعتصر المختصر: ج2 ص301 ط عالم الكتب بيروت، ومسند الشاسي: ج1 ص127 و166 ط المدينة المنورة، والمعجم الأوسط: ج2 ص257 و369 ط دار الحرمين القاهرة. ومسند البزار: ج2 ص133 و235 وج3 ص35 ط مؤسسة علوم القرآن بيروت. والمعجم الصغير: ج1 ص119 ط المكتب الإسلامي بيروت، والمعجم الكبير: ج2 ص357 وج4 ص16 وج5 ص166 و170 و171 و191 و192 و195 و204 ط الموصل، وأمالي المحاملي: ص162 ط الأردن، والسنة لابن أبي عاصم: ج2 ص607 ط المكتب الإسلامي بيروت، وفيض القدير: ج6 ص218 ط مصر، والتاريخ الكبير للبخاري: ج4 ص193 ط دار الفكر، وتهذيب التهذيب: ج7 ص296 وج8 ص106 ط دار الفكر بيروت، وتهذيب

الكمال: ج11 ص99 وج20 ص484 وج22 ص398 وج33 ص283 ط مؤسسة الرسالة بيروت، وتاريخ بغداد: ج8 ص289 ط دار الكتب العلمية بيروت، ومعجم الصحابة: ج1 ص199 ط المدينة المنورة، وصفوة الصفوة: ج1 ص313 ط دار المعرفة بيروت، والاستيعاب: ج3 ص1099 ط دار الجيل بيروت، والإصابة: ج3 ص592 و597 وج4 ص328 وج7 ص330 ط دار الجيل، ونزهة الحفاظ: ص102 ط مؤسسة الكتب الثقافية بيروت، وتالي تشخيص المتشابه للخطيب البغدادي: ج1 ص130 ط الرياض، والعلل المتناهية: ج1 ص226 ط دار الكتب العلمية بيروت، وانظر تذكرة الحفاظ: ج2 ص713 ط الرياض، وسير أعلام النبلاء: ج14 ص207 وص274 و277 ط مؤسسة الرسالة بيروت، وغيرها من كتب العامة والمصادر التاريخية التي ذكرت فيها هذه الواقعة العظيمة.

() مصباح الكفعمي: ص700 الفصل 49.

() سورة التوبة: 119.

() بحار الأنوار: ج23 ص105 ب7 ح3.

() سورة القمر: 15.

() هذه الأسماء (إيليا، شبر، شبير) باللغة السامانية ومعناها بالعربية: علي، الحسن، الحسين عليهم السلام.

() اللوحة موجودة في متحف الآثار القديمة بموسكو.

() أنظر تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص166، وفيه: «سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام ?أمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ? (سورة الزمر: 9)، قال الرجل: فأتيت عليا عليه السلام لأنظر عبادته، فأشهد الله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ جلس للتعقيب إلي أن قام إلي العشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلي أن طلع الفجر، ثم جدد وضوئه وخرج إلي المسجد فصلي بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلي أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل

يختصم إليه رجلان فإذا فرغا قام آخران، إلي أن قام إلي صلاة الظهر فجدد لصلاة الظهر وضوءه ثم صلي بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلي أن صلي بهم العصر، ثم أتاه الناس فجعل يقوم إليه رجلان ويقعد رجلان وهو يقضي بينهم ويفتيهم إلي أن غربت الشمس، فخرجت وأنا أقول: أشهد بالله سبحانه أن هذه الآية نزلت فيه».

() أمالي الشيخ الصدوق: ص77 المجلس18 ح9.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص77 المجلس18 ح9.

() قال الناشئ الصغير:

علي الدر والذهب المصفي

وباقي الناس كلهم تراب

إذا لم تبر من أعدا علي

فما لك في محبته ثواب

إذا نادت صوارمه نفوساً

فليس لها سوا نعم جواب

فبين سنانه والدرع سلم

وبين البيض والبيض اصطحاب

هو البكاء في المحراب ليلاً

هو الضحاك إن جدَّ الضراب

ومن في خفه طرح الأعادي

حباباً كي يلبس الحباب

الغدير: ج4 ص26 القرن الرابع، الناشئ الصغير 271-365ه.

() وتشهد له عليه السلام وقائع عدة من أبرزها وقعة الأحزاب ويوم الخندق وغزوة خيبر وغيرها كثير. أنظر في تفصيل ذلك بحار الأنوار: ج20 ص188 ب17 وب11 وب12 الخ.

() أمالي الشيخ الصدوق ?: ص318 المجلس 52 ح4.

() نهج البلاغة، الخطبة: 5 من خطبة له عليه السلام لما قبض رسول الله.

() انظر نهج الحق: ص310 سب معاوية علياً عليه السلام. وروي ابن أبي الحديد في شرح النهج: «أعطي معاوية سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم علي أن يخطب في أهل الشام بأن قوله تعالي: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ? وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ? (سورة البقرة: 204) إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن قوله تعالي:

?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللهِ? (سورة البقرة: 207) نزلت في ابن ملجم أشقي مراد. أنظر شرح نهج البلاغة: ج4 ص73 فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي عليه السلام، وأنظر الغدير: ج11 ص30.

وانظر أيضاً: ج2 ص101، وفيه قال الأميني: فهو معاوية مبتدع هذه الخزايات العايدة عليه وعلي لفيفه في عهد ملوكيته المظلم، وعلي هذا كان دينه وديدنه، ثم تمرنت رواة السوء من بعده علي رواية الموضوعات وشاعت وكثرت إلي أن ألقت العلماء وحفظة الحديث في جهود متعبة بالتأليف في تمييز الموضوع من غيره، والخبيث من الطيب. لم يزل معاوية دائبا علي ذلك متهالكا فيه حتي كبر عليه الصغير، وشاخ الكهل وهرم الكبير، فتداخل بغض أهل البيت عليهم السلام في قلوب ران عليها ذلك التمويه، فتسني له لعن أمير المؤمنين عليه السلام وسبه في أعقاب الصلوات في الجمعة والجماعات وعلي صهوات المنابر في شرق الأرض وغربها، حتي في مهبط وحي الله (المدينة المنورة)، قال الحموي في معجم البلدان: ج5 ص 38: لعن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) علي منابر الشرق والغرب، ولم يلعن علي منبر سجستان إلا مرة وامتنعوا علي بني أمية حتي زادوا في عهدهم: وأن لا يلعن علي منبرهم أحد. وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلي الله عليه و اله علي منبرهم وهو يلعن علي منابر الحرمين مكة والمدينة.

وقال الأميني ? :

لما مات الحسن بن علي عليهما السلام حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله فقيل له: إن ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضي بهذا فابعث إليه وخذ رأيه، فأرسل إليه

وذكر له ذلك فقال: إن فعلت لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتي مات سعد، فلما مات لعنه علي المنبر وكتب إلي عماله: أن يلعنوه علي المنابر. ففعلوا فكتبت أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه و اله إلي معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله علي منابركم؛ وذلك إنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت إلي كلامها.

وقال ابن أبي الحديد: قال الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك، وصد عن سبيك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك إلي الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها علي المنابر إلي أيام عمر بن عبد العزيز، أنظر: ج4 ص57 وإن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين؟ إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال: لا والله حتي يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا. ذكره ابن أبي الحديد في شرحه: ج4 ص57.

قال الزمخشري في ربيع الأبرار علي ما يعلق بالخاطر، والحافظ السيوطي: إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته:

وقد حكي الشيخ السيوطي إنه

قد كان فيما جعلوه سنه

سبعون ألف منبر وعشره

من فوقهن يلعنون حيدره

وهذه في جنبها العظائم

تصغر بل توجه اللوائم

فهل تري من سنها يعادي؟

أم لا وهل يستر أو يهادي؟

أو عالم يقول: عنه نسكت

أجب فإني للجواب منصت

وليت شعري هل يقال: اجتهدا

كقولهم في بغيه أم ألحدا

أليس ذا يؤذيه أم لا؟ فاسمعن

إن الذي

يؤذيه من ومن ومن

بل جاء في حديث أم سلمة

هل فيكم الله يسب مه لمه؟

عاون أخا العرفان بالجواب

وعاد من عادي أبا تراب

أنظر الغدير: ج5 ص102.

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يخبر بذلك كله ويقول: «أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني … ». أنظر وسائل الشيعة: ج16 ص229 ب29 ح21431.

وقال الأميني ? أيضاً: ونحن لو بسطنا القول في المقام لخرج الكتاب عن وضعه إذ صحايف تاريخ معاوية السوداء ومن لف لفه من بني أمية إنما تعد بالآلاف لا بالعشرات والمئات أنظر: ج2 ص103.

وقال الشيخ الأميني في ج2 ص 298:

ومن نماذج شعر الشاعر ابو محمد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي قال:

وقد روي عكرمة في خبر

ما شك فيه أحد ولا امتري

مر ابن عباس علي قوم وقد

سبوا عليا فاستراع وبكا

وقال مغتاظا لهم: أيكم

سب إله الخلق جل وعلا؟!

قالوا: معاذ الله قال: أيكم

سب رسول الله ظلما واجترا؟!

قالوا: معاذ الله قال: أيكم

سب عليا خير من وطئ الحصا؟!

قالوا: نعم قد كان ذا فقال: قد

سمعت والله النبي المجتبا

يقول: من سب عليا سبني

وسبني سب الإله واكتفا

محمد وصنوه وابنته

وابنيه خير من تحفي واحتذا

صلي عليهم ربنا باري الوري

ومنشئ الخلق علي وجه الثري

صفاهم الله تعالي وارتضي

واختارهم من الأنام واجتبي

لولاهم الله ما رفع السما

ولا دحي الأرض ولا أنشا الوري

لا يقبل الله لعبد عملا

حتي يواليهم بإخلاص الولا

ولا يتم لامرء صلاته

إلا بذكراهم ولا يزكوا الدعا

لو لم يكونوا خير من وطئ الحصا

ما قال جبريل بهم تحت العبا

هل أنا منكم؟! شرفا ثم علا

يفاخر الأملاك إذ قالوا: بلي

لو أن عبدا لقي الله بأعمال

جميع الخلق برا وتقي

ولم يكن والي عليا حبطت

أعماله وكب في نار لظي

وإن جبريل الأمين

قال لي

عن ملكيه الكاتبين مذ دنا

إنهما ما كتبوا قط علي

الطهر علي زلة ولا خنا

() بحار الأنوار: ج38 ص29 ب57 ح1 ولمعرفة المزيد عن تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام راجع بحار الأنوار لأجزاء: 35،36،37، 3،39،40،41،42.

() بحار الأنوار: ج38 ص29 ب57 ح2.

() الذي يقع في زقاق ضيق في منطقة القيمرية في دمشق القديمة.

() قبر السيدة رقية بنت الحسين عليهما السلام التي توفيت عليهما السلام علي رأس أبيها (صلوات الله عليه) حين طلبت رؤيته عليه السلام فأتوا لها بالرأس الشريف، ويقع قبرها الشريف في محلة العمارة وهو مزار مهيب ذو بناء واسع وعظيم وعامر دائماً بمحبي أهل البيت عليهم السلام وحتي من المخالفين أصحاب الحوائج.

() سورة الفرقان: 38.

() سورة النساء: 163.

() سورة يونس: 71.

() سورة هود: 48.

() سورة الاحزاب: 7

() سورة الصافات: 79.

() الكافي: ج2 ص66 باب التفويض بالله والتوكل عليه ح7.

() سورة الطلاق: 2،3.

() سورة آل عمران: 172 174.

() بحار الأنوار: ج39 ص37 ب73 ح7.

() بحار الأنوار: ج36 ص226 ب41 ح2.

() بحار الأنوار: ج36 ص227 ب41 ح5.

() سورة النجم: 3-4.

() في بحار الأنوار وردت «مما»، أنظر: ج94 ص112 ب60 ح8.

() في بحار الأنوار ورد «وصمدانيته وربانيته وفردانيته»، أنظر: ج94 ص112 ب60 ح8.

() في بحار الأنوار وردت «كمن في إبطال اللفظ حقيقة»، أنظر: ج94 ص113 ب60 ح8.

() في بحار الأنوار وردت «المطوي»، أنظر: ج94 ص113 ب60 ح8.

() في بحار الأنوار وردت «وبين بها عندهم بها»، أنظر: ج94 ص114 ب60 ح8.

() أمعن الرجل: هرب وتباعد، أنظر لسان العرب: ج13 ص409 مادة «معن».

() نشق: النشق صب سعوط في الأنف، أنظر لسان العرب: ج10 ص353 مادة «نشق».

() سورة الاحزاب: 67 68.

() سورة غافر: 47.

() سورة إبراهيم: 21.

() سورة الصف: 4.

() إقبال

الأعمال: ص461 فصل فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند اهل العقول من طريق المنقول.

() فقد روي عن يزيد بن قعنب أنه قال: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزي بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: «رب إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وأنه بني البيت العتيق، فبحق الذي بني هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني، لما يسرت علي ولادتي».

قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عزوجل، ثم خرجت بعد الرابع، وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام ثم قالت: «إني فضلت علي من تقدمني من النساء؛ لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، وأن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتي أكلت منها رطبا جنيا، وأني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سميه عليا فهو علي، والله العلي الأعلي يقول: إني شققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي ووقفته علي غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني، فطوبي لمن أحبه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه» أنظر أمالي الشيخ الصدوق: ص132 المجلس 27 ح9.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص318 المجلس 52 ح4.

() سورة المائدة: 67.

() سورة المائدة:

3.

() سورة المائدة: 55.

() سورة يونس: 35.

() سورة البقرة: 124.

() سورة الأنبياء: 73.

() سورة التوبة: 19.

() سورة النبأ: 1 3.

() سورة البقرة: 207.

() سورة الشوري: 23.

() سورة البينة: 7.

() سورة النساء: 59.

() سورة الأنعام: 153.

لمعرفة المزيد من الآيات الواردة في حق أمير المؤمنين عليه السلام راجع كتاب (علي عليه السلام في القرآن) لآية الله العظمي الفقيه المحقق السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) هذا الكتاب الذي طبع لأول مرة عام (1399ه 1979م) وطبعته الثانية عام (1409ه 1989م) والطبعة الثالثة عام (1421ه 2001م)، وقال سماحته (دام ظله) في مقدمة الكتاب: هذه مجموعة من الآيات القرآنية في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تنزيلاً، أو تأويلاً، أو مصداقاً أكمل وفرداً أتم، أو تنظيراً، جمعتها من كتب العامة سواء ما نقلتها منها مباشرة، أو بواسطة كتاب آخر قد نقل عنها مما ذكرته في محله وأشرت إليه. والكتاب مجلد يقع في جزأين نشر دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع.

() بحار الأنوار: ج37 ص109 ب52 ح2.

() مستدرك الوسائل: ج18 ص181 ب8 ح22445.

() أمالي الشيخ المفيد ?: ص14 المجلس 2 ح3.

() أمالي الشيخ الصدوق ?: ص548 المجلس81 ح20.

() بحار الأنوار: ج40 ص23 ب91 ح42.

() الكافي: ج1 ص197 باب أن الأئمة عليهم السلام هم أركان الأرض ح3.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص6 ب30 ح13.

() المناقب: ج2 ص64 فصل في المسابقة الي الهجرة.

() سورة النساء: 59.

() تفسير العياشي: ج1 ص251 من سورة النساء ح171.

() سورة الشوري: 23.

() بحار الأنوار: ج36 ص166 ب39 ح151.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ب5 الفصل 1 ح2030.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص117 ب5 الفصل 1 ح2033.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص116 ب5 الفصل

1 ح2025.

() غرر الحكم ودرر الكلم ص116 ب5 الفصل 1 ح2023.

() غرر الحكم ودرر الكلم ص115 ب5 الفصل 1 ح1995.

() أخذنا هذه الخاتمة من كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج2 الفصل الأخير وما قبله، للإمام الشيرازي ?.

() سورة المائدة: 67.

() سورة المائدة: 67.

() سورة الإنسان: 1.

() سورة الفتح: 10.

() أنظر بحار الأنوار: ج21 ص388 ب36 ح10.

() سورة المائدة: 3.

() أنظر خصائص الأئمة: ص42 فصل فيما روي من الأشعار في نص النبي صلي الله عليه و اله علي أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير.

() سورة المعارج: 1.

() بحار الأنوار: ج37 ص175 ب52 ح62.

() بحار الأنوار: ج27 ص1 ب10 ح1. وأنظر شرائع الإسلام تحقيق آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي (دام ظله): ج1 ص60 في الآذان والإقامة.

() راجع موسوعة الفقه ج19 كتاب الصلاة، في فصول الأذان والإقامة.

() هرشي: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يري منها البحر، وقال ابن الأثير: هي ثنية بين مكة والمدينة، وقيل: هرشي جبل قريب من الجحفة. أنظر لسان العرب: ج6 ص363 مادة (هرش).

() أنظر بحار الأنوار: ج28 ص100 ب3 ح3.

() الإرشاد: ج1 ص181 فصل.

() سورة الشوري: 23.

() سورة الأحزاب: 6.

() راجع بحار الأنوار: ج22 ص489 ب1 ح35، وأنظر الصراط المستقيم: ج2 ص93 ب9 الفصل 17 ح13.

() راجع شرح النهج لابن أبي الحديد: ج6 ص52، دار إحياء التراث العربي، وفيه:» انفذوا جيش اُسامة، لعن الله من تخلّف عنه، وكرّر ذلك «، راجع إعلام الوري: ص133 ب4.

() أنظر بحار الأنوار: ج22 ص516 ب2 ح21.

() أنظر المناقب: ج1 ص234 فصل في وفاته صلي الله عليه و اله.

() أنظر بحار الأنوار: ج22 ص466 ب1 ح19، وقصص الأنبياء للراوندي: ص357 ب2 ح433.

() راجع الاحتجاج:

ج1 ص70.

() راجع بحار الأنوار: ج28 ص175 ب4 ح1.

() بحار الأنوار: ج27 ص324 ب1 ح4.

() خصائص الأئمة: ص75 خطبته صلي الله عليه و اله بعد الصلاة وفيها الوصية لعلي عليه السلام، وانظر بحار الأنوار: ج22 ص487 ب1 ح31.

() وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: انفذوا جيش اُسامة لعن الله من تخلّف عنه وكرر ذلك: ج6 ص52 ذكر أمر فاطمة عليهما السلام مع أبي بكر/ دار إحياء التراث العربي.

() راجع مسند أحمد بن حنبل: ج1 ص355 ح3326 وفيه: قال رسول الله: «ائتوني باللوح والدواة، أو الكتف، اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً»، فقالوا: إن رسول الله ليهجر، ومثله في صحيح مسلم: ج3 ص1259 ح1، وراجع صحيح البخاري ج1 ص29 ط/ دار إحياء التراث العربي، باب كتابة العلم، وفيه: قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، والبخاري: ج6 ص11 باب مرض النبي، وفيه: فقال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.

() النجم: 2 4.

() راجع نهج الحق: ص333 قول عمر: إن النبي ليهجر.

() أنظر الإرشاد: ج1 ص184 فصل، وإعلام الوري: ص135، وعيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص61 ب31 ح244.

() كشف الغمة: ج1 ص380 ذكر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

() سورة فاطر: 10.

() بحار الأنوار: ج22 ص476 ب1 ح27.

() أنظر أمالي الشيخ الطوسي: ص478 المجلس 17 ح14.

() راجع بحار الأنوار: ج22 ص475 ب1 ح25، وأمالي الشيخ المفيد: ص134 المجلس 16 ح13.

() سورة المجادلة: 21،

() أنظر من لا يحضره الفقيه: ج4 ص163 باب ما يجب من إحياء القصاص ح5370.

() بصائر الدرجات: ص444 ج9 ب13 ح3.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص163 ب100 ح13787.

() أنظر أمالي الشيخ الطوسي: ص600 المجلس

27 ح1244.

() أنظر تفسير فرات الكوفي: ص463 ح464 من سورة الواقعة.

() روضة الواعظين: ص72 مجلس في ذكر وفاة سيدنا رسول الله صلي الله عليه و اله.

() أي: أطلب من الله سبحانه أن يتفضل بالمزيد عليكم ولفظ (اوصي) من باب المشاكلة مثل قوله تعالي: ?تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ? سورة المائدة: 116.

() سورة القصص: 83.

() سورة الزمر: 60.

() أمالي الشيخ الطوسي: ص206 المجلس 8 ح4.

() بحار الأنوار: ج22 ص494 ب1 ح40.

() راجع أمالي الطوسي: ص385 المجلس 13 ح836.

() أنظر كفاية الأثر: ص125 باب ما جاء عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه).

() بحار الأنوار: ج22 ص478 ب1 ضمن ح27.

() أنظر الكافي: ج1 ص281 باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً لا يفعلون إلا بعهد من الله عزوجل وأمر منه لا يتجاوزونه..

() أنظر بحار الأنوار: ج22 ص484 ب1 ح31.

() بحار الأنوار: ج22 ص492 ب1 ح38.

() مدينة المعاجز: ج3 ص58 ح721، ومستدرك الوسائل: ج2 ص209، أبواب الكفن ب1 ح1814.

() الإرشاد: ج1 ص185 فصل ومن ذلك ما جاءت به الأخبار في تسمية رسول الله صلي الله عليه و اله علياً بإمرة المؤمنين في حياته. وأنظر بحار الأنوار: ج22 ص469 ب1 ح19.

() الخصال: ج2 ص643 أبواب الثمانين وما فوقه ح22.

() أنظر كشف الغمة: ج1 ص17 ذكر مدة حياته صلي الله عليه و اله.

() أو بعد خمسة وتسعين يوماً، علي اختلاف الروايات.

() هذا مثال الزيادة، لا العدد، فهو من قبيل قوله تعالي: ?إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً? سورة التوبة: 80.

() كشف الغمة: ج1 ص497 فاطمة عليهما السلام.

() سورة آل عمران: 144،

() أنظر بحار الأنوار: ج22 ص470 ب10 ح19.

() أنظر الأنوار البهية: ص39 فصل في وفاته صلي

الله عليه و اله باختلاف يسير باللفظ.

() سورة الضحي: 4 5.

() راجع كشف الغمة: ج1 ص18 ذكر مدة حياته صلي الله عليه و اله قريب منه، وأنظر بحار الأنوار: ج22 ص503 من أبواب ما يتعلق بارتحاله إلي عالم البقاء …

() أي آخر هبوط علي رسول الله صلي الله عليه و اله لأجل إبلاغ الوحي وإلاّ فقد نزل جبرائيل بعده في قصص مختلفة لا لأجل الوحي.

() أنظر إعلام الوري: ص137 ب4.

() الأنوار البهية: ص40 فصل في وفاته صلي الله عليه و اله باختلاف يسير في اللفظ، وقريب منه في المناقب: ج1 ص203 فصل في وفاته صلي الله عليه و اله، وأنظر تفسير العياشي: ج1 ص209 سورة آل عمران ح166.

() أنظر الحدائق الناضرة: ج4 ص168 فصل هل يجوز النوح علي الميت؟ وقريب منه في سبل الهدي في سيرة خير العباد: ج12 ص266 ب24.

() أنظر إعلام الوري: ص136 ب4.

() المناقب: ج1 ص238 فصل في وفاته صلي الله عليه و اله.

() المناقب: ج1 ص241 فصل في وفاته صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج22 ص523 ب2.

() راجع مستدرك سفينة البحار: ج5 ص470 الفصل 14 أشعار فاطمة الزهراء عليهما السلام، وأنظر بيت الأحزان: ص167 وفيهما وفي غيرهما: وذكر أبي مذمات والله أزيد.

() كمال الدين: ج1 ص27 إثبات الغيبة والحكمة فيها.

() الاحتجاج: ج1 ص80 ذكر طرف مما جري بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله..

() سورة الأحزاب: 56.

() الكافي: ج1 ص450 أبواب التاريخ باب مولد النبي ووفاته صلي الله عليه و اله ح35.

() إعلام الوري: ص138 ب4، وأنظر الإرشاد: ج1 ص189.

() إقبال الأعمال: ص492 فصل فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد.

() مصباح المتهجد: ص580 دعاء كل ليلة

من شهر رمضان …

() سورة المائدة: 67.

() سورة النجم: 3-4.

() سورة الشوري: 23.

() سورة الشوري: 38.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.