العدالة الإسلامية

اشارة

اسم الكتاب: العدالة الإسلامية

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1420 ق

الطبعة: دوم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الله يأمر

بالعدل والإحسان

وإيتاء ذي القربي

وينهي عن الفحشاء

والمنكر والبغي

يعظكم لعلكم تذكرون

سورة النحل: 90

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن العدالة والمساواة والقسط.. وغيرها من الألفاظ المتقاربة المعاني لغة وربما اصطلاحاً، تراها متداولة في الكثير من لغات العالم، وفي الكثير من الدول لاسيما التي تدّعي التحضر والرقي، ولكنها لا تتجاوز إلا شعارات رنانة، تكتب بالخط العريض وتقام لها المظاهرات وتعقد لها المهرجانات الخطابية الحماسية فحسب!

فما هي الديمقراطيات التي تطرح؟

والحريات التي ينادي بها في جميع بقاع العالم، حتي إن المستعمرين هيمنوا علي دول الأرض تحت هذه الشعارات وهذه الكلمات الجوفاء والخالية من الروح والمعني الحقيقي لها..

فالعدالة يجب أن تؤخذ من قوانين السماء، ويلزم أن نستفيدها من الوحي والتنزيل، ويطبقها أنبياء وأوصياء أمناء عليها، علماء بها، حكماء في تطبيقها.

فإن الرسالات السماوية أنزلت وتأيدت بالكتب والمعجزات والرسل الربانيين من أجل تحقيق معني هذه الكلمة وتطبيق حقيقة هذا الشعار الاجتماعي العام..

فإن الإنسان هو الذي يحرم أخيه الإنسان من أبسط حقوقه فيطغي عليه إما بالسلطة أو بالقوة والغلبة أو بالمال والاقتصاد، فيخلخل الموازين الاجتماعية وتختل العدالة وربما تذهب إلي غير رجعة لولا السماء ورسالاتها المتتابعة..

فهي المنقذ كلما اكتسحت بني البشر موجة عاتية من أمواج الظلم والجهل والطغيان، وراح الإنسان يظلم ويستعبد أخيه الإنسان بلا شفقة ولا رحمة ولاوازع من خلق أو ضمير..

والإسلام هو الرسالة الخاتمة، وهو المنقذ الأخير للبشرية.

والذي يقرأ تاريخ العالم حين بعث الرسول الأعظم (ص) يعرف تمام المعرفة حقيقة ما ذكرناه، والذي ينظر اليوم إلي خارطة العالم بتغوص وتمعن يعلم أن الأزمة العالمية هي أزمة اللاعدالة

وهي أزمة مفتعلة من البشر نفسه..

والإسلام الحنيف كدين سماوي هو الحل الوحيد للعالم أجمع..

و «العدالة الإسلامية» هو عنوان هذا الكتاب القيم الذي جاد به سماحة المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) قبل أكثر من أربعين سنة، وهو كتاب لطيف وجميل في موضوعه وعميق في بحثه وقد قمنا بطبعه مجدداً تعميماً للفائدة.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان، ص.ب: 6080 / 13

مقدمة الناشر

في الطبعة الأولي

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله تعالي: ?يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون?().

إن أقرب الوسائل للوصول إلي الله تعالي، وللنيل من منابعه الفياضة وفواضله العميمة علي الخلق: هو العمل في سبيل رفع راية الإسلام، والجهاد في سبيله، وصيانته من أيادي الدخلاء والعملاء..

والوسيلة التي نصل بها إلي هذا الهدف الأسمي إنما تتم عن طريق الدعاية والقيام بنشرها علي أكمل وجه وأصوبه..

ونحن نريد: أن نضع بين ظهراني المسلمين وغير المسلمين معلومات عامة من (منابع الثقافة الإسلامية) التي شملها هذا القانون الإسلامي لكي يعرفوا جيداً ما في هذا الدين من ثمار شهية ومنابع ثرية تغني روادها من الاستنجاد بالشرق والغرب لحل مشاكلها السياسية، أو الاقتصادية، أو المدنية.

ونحن إذ نسير بواجبنا الإسلامي سيرنا السريع نأمل من كبار الباحثين المتعمقين في الدراسة الإسلامية أن يساعدونا في هذا المشروع الجبار ويشاركونا في أداء هذا الواجب، بكتاباتهم القيمة، ودراساتهم العميقة حول الإسلام..

?فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره?().

?وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين?().

?وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون?().

والله تعالي الهادي الموفق.

مكتب منابع الثقافة الإسلامية

1380 ه / العراق

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم إلي يوم الدين.

جعل الإسلام منهاجاً دقيقاً للحياة يشتمل جميع جوانبها، ولايشذ عنها شاذ، فهو يقرر:

برامج للفرد..

ودساتير للعائلة..

ومناهج للمجتمع..

إلي جنب أنه يقرر للروح أنظمة..

وللجسم قوانين..

ثم يربط الجميع برابط عام يكون بمثابة الروح للقوانين والمقاييس.. وهو تقوي الله الذي يعلم السر والعلن، والظاهر والباطن.. يجازي بالإحسان حسناً، وبالإساءة سيئاً.

وبذلك يستتب النظام.. وتتسق الأمور.. في إطار عام من السكينة والراحة، والهدوء والرفاه.. فينقلب المجتمع من الجحيم الذي لا يطاق إلي جنة نعيم،

يضرب الأمن والسعادة أطنابه علي الأفراد والجماعات..

وتخيم الراحة والرفاه علي كل ذي روح.. وفي مثل هذا الظرف فقط ينمو كل شيء نموَّه المقدر له، ويكتمل كماله اللائق به.. فتزدهر الحياة المادية وتستقيم الملكات الروحية.. في ظل الحق والعدل.

والإسلام في عهده الطويل الذي كان قابضاً بزمام الحكم طيلة ثلاثة عشر قرناً بما في ذلك من بعض الخارجين علي أنظمته، والدخلاء العاملين بوحي من أهوائهم وشهواتهم الرخيصة.. قد أدبنا ما لم يسبق له في التاريخ نظير..

أما هذا العصر: عصر القتل والجهل.. والسجن والظلم.. والمرض والفقر.. «قرن العشرين» فيكفي أقل نظر إليه، ثم مقايسته بالعصر الإسلامي، كي يعلم الفرق الواضح.. والبون الشاسع، ويعرف إلي أي مهوي تردت البشرية في ظل الأنظمة المسماة بالديمقراطية!!. والحكومات الدستورية.. إذ أزيح الإسلام عن الحكم واستبد به الغرب المادي.. والشرق الملحد.

ومن السمات البارزة للإسلام، والخطوط العريضة التي وضعها للرفاه والسعادة: هي (العدالة) و(المساواة) اللتان يتحلي بهما هذا الدين، في كل جانب من جوانبه، وناحية من نواحيه: ناحية السلطة والقضاء.. والعائلة والأسرة.. والمعاملة والمعاشرة.. وأخيراً: المجتمع كله.

وها نحن نقدم طرفاً من العدالة والمساواة الإسلاميتين في هذا الكتاب، إيضاحاً للحقيقة.. وتنويراً للمجتمع.. حتي يعرفوا كم خسر العالم من إزاحة الإسلام عن الحكم، لعل أن يندموا علي ما فرطوا، ويعملوا لأن تكون كلمة الإسلام هي السائدة، وبها يرجع ما فاتهم من خيرات إلي عالم الوجود، وبذلك يكونوا قد قدموا إلي البشرية خير الدنيا، وسعادة الآخرة.

ولا أراني بحاجة إلي المقارنات، بين العدالة الإسلامية، وبين العدالة المسماة بالديمقراطية! (إن كانت فيها عدالة) التي تظللنا اليوم..

إذ كلنا يعرف هذا العدالة المزعومة، ولا يحتاج إلي أكثر من أن يري العدالة الإسلامية، كما أن من في الظلمة لا يحتاج لعرفانه الحقيقة

إلي أكثر من أن يفتح له روشن من الضياء، كي يدرك ما يعيش فيه من الظلمة والعمي! والله الموفق.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

الخطوط العامة

الإسلام يري الكون جهازاً موحداً يرتبط بعض أجزائه ببعض كارتباط الطائرة بعض آلاتها ببعض، وقد خلق الجميع خالق عالم قدير لأغراض معقولة، وأهداف حكيمة، لا فرق في ذلك بين سمائه وأرضه.. نباته وجماده.. حيوانه وإنسانه.. صلبه وسائله.. كبيره وصغيره..

فالكل مرتبط في تناسق بديع، وإحكام رصين، والكل في قبضته يديرها كيف يشاء، ويقلبها كما يريد.. فكل ذرة وضعت في موضعها اللائق بها، بحيث لو حادت عنه، أورثت تفككاً وخبالاً…

فبالعدل جعلت الكواكب، وخلقت الأقمار، واختلف الليل والنهار..

وبالعدل جرت الأنهار وعذبت.. وركدت البحار وملحت..

وبالعدل ينبت النبات وتخرج الأرض زهرتها..

وبالعدل يحس الحيوان ويدرك مطاليبه ومقوماته..

وبالعدل يبصر الإنسان ويسمع ويشم ويتذوق، ويلمس ويدرك، ويعلم ويشعر، ويجوع ويعطش.

لا كما يظن الخراصون! من أن العالم خلق صدفة، وتولد الإنسان من سلالة القرود، وكل شيء يرجع إلي أصل واحد، ثم تنوع حسب البيئات والصدف، عن طبيعة عمياء جاهلة!، إنه في منطق الإسلام والعلم فرار عن الحقائق ولجوء إلي أوهام.

إذاً: فبالعدل قامت السماوات والأرضون.. وبالمقاييس الدقيقة والمقادير العادلة تجري الأكوان لمستقر لها، ذلك تقدير العزيز العليم().. حتي أن كل حبة من حبات الرمال، وكل جرثومة من جراثيم الحياة، وكل خلية من خلايا الأشجار.. وهكذا.. جعلت في المحل اللائق بها، والمكان المناسب لها، وإن لم يعرف السر والحكمة أقوام، وجهل العلة والسبب أجيال.

أرأيت كيف فشل (دارون) () لما سُلط الضوء علي الزائدة الدودية؟

أرأيت كيف انسحب من المعركة (فرويد)() حيث تقدم علم النفس؟

أرأيت كيف شُجب (ماركس)() إذ تبينت أصالة الغرائز الطبقية في الإنسان؟

وأرأيت..؟

وأرأيت..؟

فالعدل هو المقياس العام الذي يلف في إطاره الكون: من

المجرة إلي الذرة.. ومن المادة إلي الروح.. ومن الحياة إلي الموت.. ومن الضياء إلي الظلمة.. ومن الدفء إلي البرد.. قال الإمام الصادق عليه السلام لمفضل: (جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة، وقصرت أفهامهم عن تأمل الصواب والحكمة، في ما ذرأ الباري جل قدسه وبرأ من صنوف خلقه في البر والبحر والسهل والوعر، فخرجوا لقصر علومهم إلي الجحود… وادعوا أن كونها بالإهمال، لا صنعة فيها ولا تقدير.. فهم في ضلالهم وعماهم وتحيرهم بمنزلة عميان دخلوا داراً، قد بنيت أتقن بناء وأحسنه، وفرشت بأحسن الفرش وأفخره، وأعد فيها ضروب الأطعمة والأشربة، والملابس والمآدب، التي يحتاج إليها لا يستغني عنها، ووضع كل شيء من ذلك موضعه، علي صواب من التقدير وحكمة من التدبير، فجعلوا يترددون فيها يميناً وشمالاً، ويطوفون بيوتها إقبالاً وإدباراً، محجوبة أبصارهم عنها، لا يبصرون بنية الدار، وما أعد فيها، وربما عثر بعضهم بالشيء الذي قد وضع موضعه، وأعد للحاجة إليه، وهو جاهل بالمعني فيه، ولما أعد، ولماذا جعل كذلك، فتذمر وتسخط وذم الدار وبانيها، فهذا حال هذا الصنف في إنكارهم ما أنكروا من أمر الخلقة، وثبات الصنعة، فإنهم لما غربت أذهانهم عن معرفة الأسباب والعلل في الأشياء، صاروا يجولون في هذا العالم، حياري ولا يفهمون ما هو عليه من إتقان خلقته، وحسن صنعته، وصواب تهيئته، وربما وقف بعضهم علي الشيء لجهل سببه، والإرب فيه، فيسرع إلي ذمه ووصفه بالإحالة والخطأ.. ().

يا مفضل، أول العبر والأدلة علي الباري جل قدسه، تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها علي ما هي عليه، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك، وميزته بعقلك، وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر

مخزونة كالذخائر، وكل شيء فيها لشأنه معد، والإنسان كالمملك ذلك البيت والمخول جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لمآدبه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه … ().

كل شيء موضوع في محله، وكل جزء منه مرتبط بالآخر فشمس تمد الهواء، وهواء يرفع الماء، وماء يحيي الأرض، فتهتز وتنبت من كل زوج بهيج.. ونبات يأكله الحيوان فينقلب منياً ثم يصبح حيواناً.. ثم يعدم ويمسي جزءاً من الأرض التي استمد منها.. وهكذا وهكذا..

حتي أن لبعض الأشياء مما لا يري له أي ارتباط مع الآخر، يظهر له أوثق الصلات به لدي الدقة والتعمق.

وفي كتاب (غرائز الحيوانات): لو لم يكن للطائر ريش لما عاش علي ظهر الأرض إنسان أو حيوان! لأن الريش هو الكساء الذي يغطي جسم الطائر ويصونه من حر الصيف وبرد الشتاء، ولولاه لهلك الطائر وزال أهم عائق طبيعي يعوق نمو الحشرات، فتنتشر بشكل مروع، وتحصد الزرع وتأكل الخضرة، وتموت الحيوانات آكلة العشب، ثم تموت الحيوانات آكلة اللحوم، وتصبح الأرض قبراً، لادبيب للحياة فيها.

وفي الطبيعة توازن عجيب بين الحشرات والطيور، فالأولي تظهر في أواخر الربيع من بيضة وضعت في العام السابق، أو من شرنقة كانت تضمها في الشتاء، وفي نفس الوقت الذي تكثر فيه الحشرات، تكون صغار الطيور قد خرجت من بيضها واحتاجت إلي الغذاء، فيجمع لها أبواها الحشرات بمقادير كبيرة من مطلع الشمس إلي مغربها، فينقص عدد الحشرات نقصاً بالغاً، ولولا ذلك لأصبحت وباءاً يعجز الإنسان عن مكافحته.

وإذا كان الإسلام ينظر إلي الكون هذه النظرة، ويؤمن بالعدل في كل شيء.. فمن البديهي أن يقرر القوانين العادلة، وينظم الأنظمة المستقيمة، للسير بالكون إلي الأمام.. إلي النمو الصحيح والازدهار.. حتي أن كل منهج من مناهجه، وكل حكم من أحكامه..

سياسية كانت، أم اجتماعية، أم قضائية، أم اقتصادية، أم نفسية، أم مادية.. أم.. أم.. أول ما يلاحظ فيها العدل..

فالاجتماع الرصين، والسياسة الراشدة، والقضاء العادل، والاقتصاد المتكامل، والنفس المستقيمة.. هو هدف الإسلام الذي يتوخاه، من جعل الأنظمة، وسن الدساتير.. وعلي هذه النظرة العامة يضرب الإسلام بيد من حديد، علي كل من يمزق العدل، ويبغي الانحراف عن سنة الكون..

فالمنحرف المعتدي، لا يسبب خبالاً علي نفسه، ولا فساداً في مجتمعه فحسب، بل هو يمزق النظام، ويسير بالكون إلي غير الهدف، وإن ظهر بادئ ذي بدء ظالماً لنفسه، أو معتدياً علي فرد فحسب.. إنه بعمله الاعتدائي، يمثل من يفسد من معمل النسيج مثلاً وتداً، إنه ضئيل جداً في أول نظرة: وتد! وما قيمته؟ لكن لدي الدقة يعرف الخبال الشامل:

1: المعمل سكن عن العمل.

2: العمال تعطلوا وهم زهاء ألف.

3: عوائلهم يتضورون جوعاً.

4: معمل الغزل الذي كان ينتج لغرض نسج هذا المعمل سكن.

5: عماله تعطلوا.

6: عوائلهم افتقروا.

7: جهاز بيع الصوف المصروف لغرض الغزل توقف.

8: كسر السوق علي مقدار افتقار العمال، فأثر في سائر البضائع.

9: تشكل جيش من العاطلين.

10: وأخيراً: انتشرت البطالة والتذمر، مما نظم مظاهرة مسلحة ذهبت ضحيتها نفوس.

وقد مثلوا قديماً: ب «العجوز التي أثارت فتنة عظيمة بين قبيلتين بإلقائها وردة في الماء» وهكذا يكون التعدي عن العدل، فإن صغيره في النظر، كبير في الواقع.. ولذا يمنح الإسلام هذه الناحية اهتماماً كبيراً، فيوجب العدل، ويحرم الظلم، ويعاقب مقترفه نكالاً شديداً، ويتوعده في الآخرة بكل شر.

وفي القرآن الحكيم، والأحاديث الكريمة كثرة هائلة، بهذا العدد:

يقول تعالي: ?فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم?().

ويقول سبحانه: ?ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون?().

ويقول

تعالي: ?وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون?().

ويقول سبحانه: ?يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنئآن قوم علي أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون?().

ويقول تعالي: ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي?().

إلي غير هذه من الآيات الكثيرة.. وسيأتي بعضها في الفصول القادمة.

أما الأحاديث المحرضة علي العدل بصورة عامة فهي كثيرة:

قال رسول الله (ص): (عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها)().

وقال الصادق (ع): (العدل أحلي من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل)().

وقال (ع): (العدل أحلي من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحاً من المسك)().

وقال (ع): (اتقوا الله واعدلوا..)().

وهذه الخطوط العامة للعدل، لا يقصد بها الإسلام أمراً معيناً أو أموراً، بل المقصود منها العدل في كل شيء:

العدل في الزواج والطلاق.

والعدل في تربية الأولاد.

والعدل في صلة الأرحام.

والعدل في معاشرة الناس.

والعدل في المعاملة.

والعدل في السلطة والقضاء.

والعدل في العبادة والطاعة..

وبالجملة: العدل في كل حركة وسكون، وائتلاف وافتراق، وقصد وعمل..

وعلي ضوء هذا المعني العام من العدل، يضع الإسلام خطوط المساواة بين الأفراد والمجتمعات.. فليست المساواة في نظر الإسلام بالمعني الذي يحلو لبعض الناس التشدق به، من توزيع الثروات.. واستواء الأفراد مهما افترقوا في العمل والعلم وسائر الميزات أمام القانون.

إنه الجور الواضح، فكيف يساوي بين العالم القدير الذي تشع من أنوار علمه المدن والأرياف، وبين الجاهل الذي لا يساهم في ترقية الحياة شيء، وهكذا.. قل: بين الطبيب والمهندس والفقيه و.. و.. وبين غيرهم ممن لا طائل في وجودهم؟

إذاً: فالمساواة في نظر الإسلام مساواة عادلة، لا مساواة عمياء.. مساواة تراعي الحقوق المايزة.. فهي مساواة في جهة التساوي وتمايز في جهة الاختلاف،

فلا تمايز بلا مبرر، ولا تساوي من غير استواء، وعلي هذه القاعدة قسم الإسلام الحقوق والواجبات.. علي الرجل والمرأة.. والغني والفقير.. والملك والسوقة.. والكبير والصغير.. والشريف والوضيع.. والأفراد والجماعات..

فصل في عدالة الأسرة

عدالة الأسرة

يتكون الاجتماع من الأسر، فهي وحدات تتشكل منها الجماعات، وأول الأسرة: زوجان رجل وامرأة، فهي اللبنة الأولي في قاعدة المجتمع، وهذا الرباط له ناحيتان: ناحية الزواج والطلاق، وناحية العشرة والألفة.

وقد اهتم الإسلام بالعدالة التامة في هاتين الناحيتين، حتي أن لحاظ الأوامر الصادرة لضمان العائلة يكفي لدرك المدي البعيد الذي نظر إليه الإسلام لتأمين العدالة في الزواج والعشرة والطلاق.

ولنقف قليلاً عند كل من الزواج، والعشرة، والطلاق.. كي نري العدالة المأخوذة في كل منها.

الزواج

الزواج رباط مقدس في نظر الإسلام، ترتبط به الحياة العائلية أولاً، وتربية الأولاد ثانياً، وتكوّن المجتمع ثالثاً.. ولذا يهتم الإسلام به أكبر اهتمام، ويدقق في لحاظ العدالة في جميع شؤونه، فيشترط الكفاءة بين الزوجين باديء ذي بدء .

والكفاءة في نظر الإسلام ليست بالمال والجمال والشرف، فإن الإسلام لا يقيم لهذه الأمور وزناً عند الله ?إن أكرمكم عند الله أتقاكم?() بل الكفاءة الإسلامية هي المناط، ففي ظله يزدهر العيش، ويخيم الرفاه، وتظل السعادة.. أما المال والجمال والجاه فإنها يجب أن تكون سبباً لشد الرباط في المجتمع، لا لتمزيق الصلة.. ولتقريب الأفراد بعضهم إلي بعض، لا لتبعيدهم بعضهم عن بعض.. فكيف يجعلها الإسلام فوارق تفصل طبقة عن طبقة، وجماعات عن جماعات؟ بل يقف الإسلام من هذه الفوارق المزعومة موقف العدو اللدود، ويصب غضبه علي من يقيم لهذه الأمور وزناً.

قال أبو حمزة الثمالي: (كنت عند أبي جعفر (ع)، إذا استأذن عليه رجل فأذن له فدخل عليه فسلم فرحب به أبو جعفر وأدناه وسأله فقال الرجل جعلت فداك، إني خطبت إلي مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة، فردني ورغب عني وازدراني، لدمامتي وحاجتي وغربتي! وقد دخلني من ذلك عضاضة غص لها قلبي تمنيت عندها الموت.

فقال أبو

جعفر (ع) اذهب، فأنت رسولي إليه، وقل له: يقول لك محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع): زوج منجح بن رباح مولاي ابنتك فلانة ولا ترده.. ثم قال أبو جعفر(ع): إن رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر، أتي رسول الله (ص) منتجعاً للإسلام، فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قباح السودان.. وإن رسول الله (ص) نظر إلي جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقة عليه، فقال: يا جويبر لو تزوجت امرأة، فعففت بها فرجك وأعانتك علي دنياك وآخرتك؟

فقال له جويبر: يا رسول الله (ص)، بأبي أنت وأمي، من يرغب في؟ فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأية امرأة ترغب في؟

فقال له رسول الله: يا جويبر، إن الله قد وضع بالإسلام من كان بالجاهلية شريفاً، وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية، وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها..

فالناس اليوم كلهم: أبيضهم وأسودهم، وقرشيهم وعربيهم وعجميهم، من آدم، وإن آدم خلقه الله من طين، وأن أحب الناس إلي الله عزوجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً، إلا لمن كان اتقي الله منك وأطوع.

ثم قال له: انطلق يا جويبر إلي زياد بن لبيد، فإنه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إني رسول رسول الله(ص) إليك، وهو يقول لك: زوج جويبراً ابنتك الذلفاء.

إلي آخر الحديث()..

وفيه: إن زياد أطاع النبي (ص) وزوج جويبر ابنته الدلفاء، بعد ما راجع النبي (ص) فقال له: (يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفؤ المؤمنة، والمسلم كفؤ المسلمة،

فزوجه يا زياد ولا ترغب عنه)().

ولم يكن نبي الإسلام العظيم (ص)، والأئمة الطاهرون عليهم السلام، ككثير من زعماء العالم وكبرائه يسنون القوانين للشعوب ثم يترفعون هم بأنفسهم عنها جرياً وراء الزعامة المزعومة، والشرف الموهوم، بل كانوا عليهم السلام أشد الناس تمسكاً بمبادئ الإسلام، ومناهج القرآن:

قال الإمام الصادق (ع): (إن رسول الله (ص) زوج المقداد بن الأسود صنباعة إبنة الزبير بن عبد المطلب، ثم قال: إنما زوجها المقداد، لتتضع المناكح، ولتتأسوا برسول الله (ص)، ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما)().

وروي يزيد بن حاتم، قال: (كان لعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي عين بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها، وإن علي بن الحسين (عليهما السلام) أعتق جارية له ثم تزوجها، فكتب العين إلي عبد الملك، فكتب عبد الملك إلي علي بن الحسين(ع): أما بعد فقد بلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنه في أكفائك من قريش من تمجد به في الصهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت، ولاعلي ولدك أبقيت، والسلام، فكتب إليه علي بن الحسين عليه السلام:

(أما بعد: فقد بلغني كتابك، تعنفني بتزويج مولاتي، وتزعم أنه قد كان في نساء قريش من أتمجد به في الصهر، واستنجبه في الولد! وأنه ليس فوق رسول الله (ص) مرتقي في مجد، ولا مستزاد في كرم، وإنما كانت ملك يميني، خرجت مني، أراد الله عزوجل مني بأمر التمست ثوابه، ثم ارتجعتها علي سنته، ومن كان زكياً في دين الله فليس يخل به شيء من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمم به النقيصة، واذهب به اللؤم، فلا لؤم علي امرئ مسلم، إنما اللوم لوم الجاهلية والسلام)().

وفي حديث آخر: زيادة هذه الجملة:

(ولنا برسول الله أسوة، زوج زينب بنت عمه زيداً مولاه، وتزوج مولاته صفية بنت يحيي بن أخطب)().

فلما انتهي الكتاب إلي عبد الملك، قال: «لقد صنع علي بن الحسين (ع) أمرين، ما كان يصنعها أحد إلا علي بن الحسين، فإن بذلك زاد شرفاً» ().

وروي زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث : أن علي بن الحسين(ع) تزوج امرأة: (.. وكان له صديق من الأنصار، فاغتم لذلك وسئل عنها؟ فأخبر أنها من بني شيبان، في بيت عال من قومها، فأقبل علي علي بن الحسين عليه السلام، فقال: ما زال تزويجك هذه المرأة في نفسي، وقلت: تزوج علي بن الحسين امرأة مجهولة، ويقوله الناس أيضاً، فلم أزل أسأل عنها، حتي عرفتها ووجدتها في بيت قومها شيبانية! فقال له علي بن الحسين (ع): قد كنت أحسبك أحسن رأياً مما أري! إن الله أتي بالإسلام فرفع به الخسيسة، وأتم به الناقصة، وكرم به من اللوم، فلا لوم علي مسلم)().

تعدد الزوجات

وقد يسنح خصوم الإسلام، فرصة تعدد الزوجات لمهاجمة العدالة الإسلامية، لكن الأمر بالعكس: إن إباحة تعدد الزوجات، من أدق العدالات الإسلامية، التي لا عدالة بمثالها.. وأقل نظرة إلي المجتمعات التي تحرم التعدد، مما يسبب نشور أو تفشي الزنا واللواط، واتخاذ الرجال خليلات، والنساء أخلاء.. ثم المرض الناجم عن هذه الأعمال القذرة.. كافية لدرك العدالة الإسلامية في هذا الشأن..

(فقد قرر أساتذة علم الاجتماع، أمثال: (جينز برح)، و(وسترمارك): إن تعدد الزوجات كان النظام المتبع في الشعوب المتمدنة، في حين كان نظام الزوجة الواحدة هو النظام المتبع عند الشعوب المتأخرة، وإن الشعوب التي كانت تحرم الزاوج بأكثر من واحدة إنما كانت تتبع تقاليد لا تتصل بالدين من قريب أو بعيد، كما أن الشعوب التي

أجازت الزواج بأكثر من واحدة، إنما أجازته طبقاً لما رأت فيه من فوائد اقتصادية أو عمرانية، دون نظر كذلك إلي الدين، فلم يرد في الإنجيل نص صريح يدل علي تحريم الزواج بأكثر من واحدة، وإن الإسلام في إباحة تعدد الزوجات قد أباحه في حدود بعينها، ولظروف حددها، وبقيود تجعل من العسير الأخذ بها إلا في حالات اضطرارية.

هذا ويثبت علم الإحصاء أن نسبة الوفيات في الذكور أكثر منها في الإناث وذلك من ساعات الولادة حتي أول مراحل الشباب.. الأمر الذي يسبب زيادة نسبة الأحياء من الإناث علي الذكور..

وفي طور الشباب تظل النسبة كذلك محفوظة، إذ يموت من الشبان أكثر من الشابات. وذلك يرجع إلي الحروب أولاً، التي تكون نسبة الوفيات منها قتيل واحدة، لكل أربعة آلاف قتيل.. ويرجع كذلك إلي أخطار العمل، ففي المصانع والمعامل نجد الوفيات بين الشبان أكثر قطعاً مما هي بين الشابات.. وكذلك بسبب التزاحم في طلب الرزق، من حوادث تزيد كذلك وفيات الشبان عن الإناث.. وكافة الأعمال التي تنتج الأمراض الخطيرة والموت المفاجئ والحوادث القاتلة، يقوم بها الشبان دون الفتيات.. كرجال المطافئ.. والغواصون، ورجال الإنقاذ، ورجال الملاحة وغيرهم.. مما يجعل نسبة الأحياء من الشابات أكثر من الشبان.. الأمر الذي يقطع بزيادة عددهن عن عدد الشبان.

وإذا افترضنا جدلاً أن جيلاً من الأجيال، لسبب أو لغيره، انعدمت فيه الحرب والحوادث، تساوت نسبة الأحياء بين الذكور والإناث في العمر الواحد وحتي مرحلة الشباب، فإن كل شابة تكون صالحة للزواج بل في انتظاره ابتداء من سن البلوغ، في حين أن الذي يصلح للزواج من الشبان ويطلبونه، نسبة تقل كثيراً عن الربع، لأسباب قد تكون تعليمية، إذ أن الطالب يدرس إلي سن تقارب الخامسة والعشرين، وبعد انتهائها

لا يقبل علي الزواج إلا بعد سنوات، في حين أن زميلته في العمر، تكون قد بلغت الثلاثين عاماً، قد كبرت وأصبحت من المتخلفات عن الزواج وتصبح من تصلح كزوجة له عشرات من الشابات، يبدأ سنهن من السادسة عشرة إلي الثلاثين.. وقد يصرف الشبان النظر عن الزواج أسباب معيشية.. فلا يزيد الشبان الذين تمكنهم حالتهم الاقتصادية من الزواج علي الربع بأي حال، ويبقي ثلاثة أرباعهم بلا زواج.. ومن ذلك تظل ثلاثة أرباع الشابات بلا زواج، ولهذا لو تساوت نسبة العدد.. فما بالنا والنسبة لا تتساوي..؟

كل ذلك يسبب تخلف نسبة كبيرة من الإناث عن الزواج، والنتيجة الحتمية لذلك ما نراه من انتشار البغاء العلني والسري، في الأمم التي تحدد الزوجات، انتشاراً يفوق انتشاره في غيرها أضعافاً مضاعفة كما تنتشر ولادة الأولاد غير الشرعيين، وهم نتيجة الزنا في كثير من البلاد، إلي نسبة خطيرة تصل أحياناً إلي ما يقرب من ربع المواليد الشرعيين إن لم تزد()، كما تزيد الإصابة بالأمراض السرية في مثل هذه البلاد زيادة كبيرة()..

أفلا يكون تعدد الزوجات في بعض الحالات علاجاً ناجعاً لمثل هذه المشاكل؟ ولا سيما أن هناك ظروفاً قاسية، تمر بالإنسان لا يجد مندوحة إلاّ من الزواج بامرأة غير زوجته.. أفلا يكون أكرم للزوجة أن تقاسمها غيرها زوجها، في هدوء وبلا ضجة، خصوصاً إذا ما كان بهذه الزوجة من العيوب ما لا يمكن للزوج احتماله..؟

وفي مقال عن مجلة هاربر، بقلم (سيليج جرينبرج)، ونشرته مجلة المختار، في عددها الصادر في فبراير 1958م:

إن بالولايات المتحدة الآن نحو مليون امرأة أكثر من الرجال، ويتنبأ مكتب التعداد، بأن عدد النساء في أمريكا في سنة 1975م سوف يربو علي عدد الرجال بما يزيد علي 3.600.000 امرأة، ويعزو علماء

الحياة ذلك، إلي ما تتميز به المرأة عن الرجل بدنيا، وإلي أن الأمراض كلها تقريباً تهلك من الرجال أكثر مما تهلك من النساء، ولذا فإن في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر (7.700.000) أرملة، ويكفينا مكتب التعداد الأمريكي بأن هذه الفئة سيرتفع عددها في أمريكا بمعدل مليونين كل عشر سنين، وأن الدكتورة (ماريون لانجر) العالمة الاجتماعية المتخصصة في استشارات الزواج تقول: إن لدي المجتمع حلين ممكنين فقط لتغطية النقص المتزايد في الرجال.. إما تعدد الزوجات، أو إيجاد طريقة ما لإطالة أعمار الرجال..

فهل يمكن إيجاد طريقة لإطالة عمر الإنسان.. الرجل دون المرأة؟… أم تري سيلجأ العالم إلي إباحة تعدد الزوجات..()

لكن الإسلام العارف بالضمائر، المطلع علي ميول البشر ورغباته، لا يساس قياد التعدد بدون توجيه وإرشاد، بل يقرر إلي جنب إباحة التعدد لزوم العدالة بين الأزواج، يقول الله تعالي:

?.. فانكحوا ما طاب لكم من النساء: مثني، وثلاث، ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة?().

ثم يؤكد تعالي في آية أخري صعوبة هذه العدالة، وينهي عن الميل إلي التعدد لمن لا يتمكن من العدل بين أزواج، فيسبب تزوجها الإرهاق بالنسبة إليها، فتصير كالمعلقة، التي هي لا ذات بعل ولامطلقة، فيقول سبحانه: ?ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً?().

وعلي ضوء هذه العدالة يقرر الإسلام تقسيم الليالي، فعلي من تزوج أربعاً، أن يبيت كل ليلة عند واحدة منهن، كما يحبذ العدل الكامل في النفقة والكسوة.. وما إليها.

يروي الحلبي في حديث عن الصادق (ع): (.. إن له أن يتزوج أربع نسوة فلكل امرأة ليلة..)().

وسأل معمر بن خلاد أبا الحسن (ع): (هل يفضل الرجل نسائه بعضهن علي بعض؟ قال: لا:

ولا بأس به في الإماء)().

نعم لا يدخل الإسلام الرجل في العنت بوجوب التساوي الدقيق، مما لا يلائم المشاعر، ولا تحمله العامة، فإن ذلك من العسر والحرج الذين وضعهما الإسلام.

قال عبد الملك بن عتبة الهاشمي: (سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل تكون له امرأتان، يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة والعطية، أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس، واجهد في العدل بينهما)().

كما أن الإسلام لا يحول بين المفاضلة القلبية، بأن يحب الرجل إحدي زوجاته أكثر، فأنه مستحيل إذ كيف يسدل الإنسان الستار بين نفسه وبين ما يحب، سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله (ع): (عن قوله تعالي: ?فانكحوا ما طاب لكم من النساء: مثني وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة?()؟ قال: يعني في النفقة. وعن قوله تعالي: ?ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل، فتذروها كالمعلقة?() يعني في المودة)().

وفي حديث زيادة لهذه العبارة: (فإنه لا يقدر أحد علي أن يعدل بين امرأتين في المودة)().

وقد كان قسم النبي(ص) والوصي (ع) مثلين رائعين في المساواة والعدالة التامة، فعن الإمام الصادق (ع)، عن آبائه عليهم السلام: (أن النبي كان يقسم بين نسائه في مرضه، فيطاف به بينهن)().

وفي حديث (أن أمير المؤمنين (ع) كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة، لا يتوضأ في بيت الأخري)().

المساواة بين الزوج والزوجة

وربما يزعم البعض أن الإسلام لم يساو بين الزوج والزوجة في الحقوق والواجبات.! لكنه زعم يشجبه الإسلام بنصوصه:

يقول القرآن الحكيم: ?.. ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم?().

وقد قرر الإسلام لكل من الرجل والمرأة الزوجين حقوقاً بإزاء ما جعل عليهما من الواجبات:

فحق الزوجة النفقة والإسكان والكسوة وإشباع الجسد.. وواجبها إطاعة الزوج في التمكين من الاستمتاع والخروج

من الدار بإذنه..

والعكس بالعكس: فحق الرجل إطاعة الزوجة له.. وواجبه: النفقة.. الخ..

لكن ليس معني هذا المساواة العمياء، بل في حدود العدالة العامة، فالرجل بما أنه المنفق علي المرأة، ورئيس الأسرة لابد وأن تكون له السلطة، حتي تصل سفينة الأسرة إلي شاطئ السلامة وهذه السلطة هي الدرجة المذكورة في الآية السابقة().. ولذا يفسرها الإسلام في آية أخري: ?الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم?() فلهم القوامية عليهن.. لا اعتباطاً، بل قبال الواجب الذي هو تنظيم الأسرة، والقوامية ليست لأنه أكرم وأعز! كلا ?إن أكرمكم عند الله أتقاكم?() بل لأنه مفضل خلقة، ولأنه أقوي ومنظم الأسرة والمنفق عليها.

وتوضيحاً لذلك نقول: العائلة المكونة من زوجين وبنين وبنات والأحفاد أحياناً هل تحتاج إلي منظم ورئيس أم لا تحتاج؟

والإجابة علي ذلك بالإثبات طبعاً، إذ أي فارق بين العائلة وبين المدينة إلا بالكبر والصغر؟ فكما تحتاج المدينة إلي رئيس وحاكم، فكذا العائلة إذاً: فهل المنظم والرئيس:

1: الزوج فقط؟

2: الزوجة فقط؟

3: كلاهما بالاشتراك؟

لكن الثالث موجب لاختلال النظام، فإن تنفيذ إرادتين في مجتمع واحد يوجب الانحطاط والفساد، والثاني قلب للمقاييس الفطرية، فإن المرأة أدق مشاعراً، وأقل احتمالاً للمكاره، بالإضافة إلي أن مدة الحمل والرضاع.. مانعة عن القيمومة التامة، وبعد ذلك هنا سؤال يفرض نفسه: وهو أن المرأة لم صارت القيم دون الرجل؟.. وحينئذ فلا مندوحة عن الأول.

العشرة البيتية

وبعد دور الزواج الذي هو بدء الرباط بين رجل وامرأة، يأتي دور العشرة البيتية، وكيفية معاشرة الزوجين.. والأبوين والأولاد بعضهم مع بعض..

وقد قرر الإسلام أفضل الأنظمة التي عرفها البشر منذ فجر التاريخ، إلي هذا اليوم، لتأمين سعادة العائلة، علي نحو العدل والاستقامة..

فقد جعل المدار في العشرة: العشرة بالمعروف، بما

تحمل هذه الكلمة من معني إنساني جميل: ?وعاشروهن بالمعروف?() كما جعل لكل منهما الحق علي الآخر بمثل الحق الذي للآخر عليه باستثناء القيمومة: ?ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف?().

فكل اعتداء من أحد الزوجين مخالف للإسلام، ويستحق مرتكبه العقاب.. بل أكثر من هذا: كل معاشرة لا تتصف بكونها معروفة تجاوز عن الحدود وانحراف عن المنهج المقرر.

وبعد ذلك: لا يغفل الإسلام عن طبيعة الرجل المائلة للسيادة فوق ماله من حق القيمومة، ولذا يكرر لزوم عشرته مع زوجته بالإحسان والإغضاء عن زلاتها..

قال رسول الله (ص): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)().

وقال (ص): (ملعون ملعون من ضيع من يعول)().

وقال (ص): (من صبر علي خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب ذلك الأجر، أعطاه أجر الشاكرين)().

وقال الإمام الصادق (ع): (اتقوا الله في الضعيفين، يعني بذلك: اليتيم والنساء)().

وقال إسحاق بن عمار: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (ما حق المرأة علي زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها)().

وقال (ع): (كانت امرأة عند أبي عليه السلام تؤذيه فيغفر لها)().

وقال (ع): (قال رسول الله (ص): أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة، حتي ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة)().

وقال يونس بن عمار: (زوجني أبو عبد الله (ع) جارية كانت لإسماعيل إبنه، فقال: أحسن إليها، قلت: وما الإحسان؟ قال: أشبع بطنها، واكس جثتها، واغفر ذنبها)().

وقال (ع): (رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته)(). الحديث.

وهل هناك فوق ذلك؟:

المعاشرة بالمعروف..

لهن مثل الذي عليهن..

الصبر علي الأذي وغفران الذنب..

ويذهب الإسلام شوطاً أبعد، فيندب علي الرجل الزينة للزوجة كما يندب عليها الزينة للزوج، وذلك عدالة في الأمر، وتحصناً علي النساء حتي أنه يرفع في الجملة لوم عدم عفة النساء علي الرجال الذين لا يتزينون

لهن.

قال حسن بن الجهم: (رأيت أبا الحسن (ع) اختضب! فقلت: جعلت فداك اختضبت! فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة، ثم قال: أيسرك أن تراها علي ما تراك عليه إن كنت علي غير تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهو ذاك، ثم قال، من أخلاق الأنبياء: التنظف والتطيب، وحلق الشعر وكثرة الطروقة..)().

الطلاق

أباح الإسلام الطلاق، تفادياً عن البشرية كي لا يزهق في حالات كثيرة، وقد جري في ذلك علي حسب خطوط العدالة العامة، فإن المنع عن الطلاق معناه تنكيد كثير من الأزواج، إذ كثيراً ما تكون العشرة مستحيلة، وينقلب البيت جحيماً لا يطاق.

و(الأمر في تطليق المرأة متروك للرجل، وأباحت الشريعة للمرأة أن تطلب من القضاء أن يطلقها علي الخروج، إذا أثبتت أنه يضارها ضرراً مادياً أو أدبياً، أو لا يؤدي لها ما توجبه الشريعة علي الزوج من حقوق الزوجة..()).

كما قال تعالي: ?فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان?().

(.. وأساس الفرق بين الرجل والمرأة في استعمال حق الطلاق: إن للرجل حق القوامة والرئاسة فيما يتعلق بشؤون الزوجية، وهو الذي يتحمل وحده أعباءها، فهو ملزم بمهر الزوجة ونفقات الزواج، وملزم بالإنفاق علي الزوجة من يوم العقد ولو لم تنتقل إلي بيته، وملزم بالإنفاق عليها وعلي أولادها منه، فأعطي له حق الطلاق مطلقاً من كل قيد، في مقابل هذه المسؤوليات الجسيمة … أما المرأة فأعطي لها حق الطلاق مقيداً بحصول ضرر مادي أو أدبي، وفي هذا ما يتفق مع تقديم الرجل عليها درجة في شؤون الزوجية، وما يحميها حماية كافية من تعنت الزوج، وما يحمي الزوج في الوقت نفسه من أن تسيء الزوجة استعمال حقها في طلب الطلاق)().

ومع ذلك فقد جعل الإسلام الطلاق

مكروهاً للغاية، قال الإمام الصادق (ع): قال رسول الله (ص): (تزوجوا وزوجوا، ألا فمن حظ امرئ مسلم إنفاق قيمة ايمة، وما من شيء أحب إلي الله عزوجل من بيت يعمر بالنكاح، وما من شيء أبغض إلي الله عزوجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطلاق)().

وفي حديث أنه قال (ع): (تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه العرش)().

بين الأبوين والأولاد

وبعد تنظيم الإسلام العدالة بين الزوجين، من حيث النكاح والعشرة والطلاق، يضع التصاميم اللازمة لمراعاة العدالة بين الأبوين والأولاد، فيقرر علي كل من الطرفين حقوقاً وواجبات:

فحق الأكبرين علي الأولاد الإطاعة لهما والإحسان إليهما، وخفض الجناح إزائهما.. والنفقة لدي افتقار الأبوين واحتياجهما وغناء الأولاد.

وحق الأولاد علي الأبوين: الاهتمام بشؤونهم وتربيتهم والإنفاق عليهم..

يقول القرآن الحكيم: ?وقضي ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً? واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا?().

ويقول: ?ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ? وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً، واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون?().

وقال رسول الله (ص): (بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله).

وقال (ص): (من أصبح مرضياً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلي الجنة).

وقال رجل للإمام الرضا (ع): (أدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما وتصدق عنهما، وإن كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما، فإن رسول الله (ص) قال: إن الله بعثني بالرحمة لابالعقوق)().

وقال

أبو ولاد الحناط: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزوجل: ?وبالوالدين إحساناً?() ما هذا الإحسان؟ فقال: أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً مما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين، أليس يقول الله عزوجل: ?لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون?().

ثم قال: ?إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما?(): قال: إن ضجراك فلا تقل لهما أف، ولاتنهرهما إن ضرباك. قال: ?وقل لهما قولاً كريماً?(): قال: إن ضرباك، فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم، قال: ?واخفض لهما جناح الذل من الرحمة?(): قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما)().

إلي كثير.. وكثير.. من أمثال هذه الآيات والأحاديث.

وكما إن الإسلام يقرر حقوقاً علي الأولاد تجاه الوالدين، كذلك يقرر حقوقاً علي الوالدين إزاء الأولاد، حتي تكافئ الحقوق والواجبات وإن كانت حقوق الوالدين أكثر.. لما تكبداه من المحن لتنشئة الأولاد.

عن أبي الحسن موسي (ع)، قال: (جاء رجل إلي النبي (ص) فقال: يا رسول الله، ما حق ابني هذا؟ قال (ص): تحسن اسمه، وأدبه، وضعه موضعاً حسناً)().

وقال الصادق (ص): (قال رسول الله (ص): رحم الله والدين أعانا ولدهما علي برهما)().

وقال (ع): (قال رسول الله (ص): حق الولد علي والده إذا كان ذكراً: أن يستفره أمه، ويستحسن اسمه، ويعلمه كتاب الله، ويطهره، ويعلمه السباحة، وإذا كانت أنثي، أن يستفره أمها، ويستحسن اسمها، ويعلمها سورة النور، ولا يعلمها سورة يوسف()، ولا ينزلها الغرف، ويعجل سراحها إلي بيت زوجها)().

وقال (ع): (من حق الولد علي والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ) ().

وأخيراً يجمع الإسلام عامة حقوق

الولد علي والديه في ألفاظ قلائل دالة علي ما للأولاد وما عليهم:

روي زيد بن علي عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله(ص): (يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما)().

وقد بلغ من عدل الإسلام ومساواته: أنه كره تفضيل بعض الأولاد علي بعض بغير مبرر:

روي السكوني، قال: (نظر رسول الله (ص) إلي رجل له ابنان، فقبل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي (ص): فهلا واسيت بينهما)().

وهذه نبذ من عدالة الإسلام بالنسبة إلي الأسرة: زواجاً وعشرة وطلاقاً، بما فيها من أولاد، فهل يوجد في أنظمة العالم قبل الإسلام وبعده مثل هذه العدالة؟

إن الكتب المنسوبة إلي الوحي: من العهدين وغيرهما موجودة، والقوانين الوضعية ولائد أدمغة قادة الدول..! في متناول الأيدي..

فهل فيها ما يضاهي عشر معشار ما في الشريعة الإسلامية بالنسبة إلي الأسرة، التي نحن بصددها من قوانين إنسانية، ودساتير عادلة، ومناهج صحيحة، وأنظمة عطوفة؟

ثم: هل الأسرة قبل الإسلام، كانت كالأسرة الإسلامية، تخيم عليها السعادة، ويظللها العطف والحب والحنان؟

وهل الأسرة في عصرنا هذا، من حين أزيح الإسلام عن الحكم، وتبعاً لإزاحته من القيادة الدنيوية، أزيح عن القيادة الروحية والفكرية، تتمتع بما كانت تتمتع بن من ألوان الرفاه والاستقرار والطمأنينة في ظل الحكم الإسلامي..؟

إن الأسرة اليوم في العالم: شرقه وغربه، تعاني أزمة روحية ومادية، لم يسبق لها مثيل، وليس ذلك إلا من جراء انطفاء الشرائع السماوية، وبالأخص الإسلام العظيم، وسيطرة المادية الكافرة علي النفوس ولا منجي للأسرة من هذه الكارثة، إلا التمسك بتعاليم الإسلام، والرجوع إلي شرائع السماء، وللإطلاع علي ما تعانيه الأسرة اليوم، يكفي أقل مراجعة إلي الكتب المعنية بهذا الأمر().

فصل في عدالة العشرة

عدالة العشرة

إن الإسلام ضرب الرقم القياسي في تقرير العدالة مع الناس: قريبهم وبعيدهم، صديقهم وعدوهم كما

هو شأن الإسلام في كل تشريع فقد جعل عشرة الناس بالحسني دعامة الحياة السعيدة في الدنيا، والفوز والزلفي في الآخرة.

والقلم يكاد يعجز عن شمول ما للإسلام في هذه الناحية من توجيهات وإرشادات، وليس هذا بدعاً من الإسلام الذي يري الأفراد سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحدهم علي الآخر إلا بالتقوي..

الإسلام الذي يري الأفراد منتهين إلي أب واحد: هو آدم (ع)، وأم واحدة: هي حواء عليها السلام.. وهما من تراب..

الإسلام الذي يري البشر عائلة واحدة خلقت لأجل تعمير الأرض والسير بها إلي الرقي، لغرض حياة لا موت فيها.. وراحة لا تعب يشوبها.. وأمن لا خوف ينغصه..

وعلي ضوء هذه النظرة الإنسانية يقرر الإسلام المناهج التالية لتأمين الحياة الاجتماعية:

1 منهج معاشرة الأقرباء..

2 منهج معاشرة الناس عامة..

3 منهج معاشرة الأعداء.

منهج معاشرة الأقرباء

أما الأقرباء: فالإسلام يؤكد علي صلة بعضهم لبعض، وإحسان بعضهم تجاه الآخرين.. بل فوق ذلك: أنه يوجب التآلف والتقارب بينهم، ويحذر المخالف بالعقاب الأليم.

ولا يوجب الإسلام الصلة علي بعض دون بعض، بل كلهم علي حد سواء في وجوب صلة رحمه، فعلي كل من الواجب قدر ما له من الحقوق، ويعتني الإسلام بالأرحام أكثر من غيرهم من البعداء، ويشير إلي هذا المعني الفطري الإنساني القرآن الحكيم، حيث يقول: ?وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله?().

فهم أولي بالإحسان والمغفرة، والصلة، والإرث.. أولي بكل شيء، إنهم جمعتهم رحم واحدة، ولهم حنين خاص نحو الآخرين، لا يزول وإن قامت العداوات، واشتجرت المخاصمات من أقرب منهم، حتي يخص بالرحمة دونهم، فأبوان، وبنين وبنات في الطبقة الأولي، ثم أخوة وأخوات في الطبقة الثانية، ثم جد وجدة، وعم وعمة، وخال وخالة، ومن انتسب إليهم بولادة أو قرابة.. إنهم أقرب الناس والأقرب يمنع الأبعد.. وهم في

الدرجة الثالثة من التوقير والاحترام، والإكرام والإحسان في نظر الإسلام.

يقول القرآن الكريم: ?وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله، وبالوالدين إحساناً وذي القربي?().

« … والأرحام هي القطعة الكبيرة من الأمة، المشتملة علي قطع صغيرة، فلو صلحت الأرحام استقامت الأمة، وورقت أغصانها وأتت ثمرتها، وهو التمسك والاتحاد(): فرد، فعائلة، فأرحام، فأمة..».

والإسلام كما هو شأنه في كل شيء يتدرج في إصلاح المجتمع، فيهذب الفرد، ثم يصرف النظر إلي العائلة، فيقوي عراها، ويشذب زوائدها، ثم يتوجه إلي الأرحام، فيحكم الصلات بينهم ويندب تماسكهم ويندد بمن قطع الود منهم..

حتي يصل الدور إلي المجتمع، وقد تكاملت أعضاؤه، واستتبت أجزاؤه، وانتظمت أفراده وعوائله، فيقرب طريق صلاحه، ويسهل تقوية روابطه.

ويجعل الإسلام من الثواب لصلة الرحم، قدراً يظن الغر أنه محاباة ومبالغة ولكن الحقيقة.. والحقيقة وحدها().

وقد كرر القرآن الإيصاء بالرحم، في مناسبة.. ومناسبة.. فقال: ?واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً، وبذي القربي?().

وقال: ?واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً?().

وقال: ?الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ? والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبي الدار?().

والأحاديث عن النبي (ص) والأئمة الطاهرين عليهم السلام كثيرة جداً:

قال رسول الله (ص): (أوصي الشاهد من أمتي والغائب، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلي يوم القيامة: أن يصل الرحم، وإن كانت منه علي مسيرة سنة، فإن ذلك من الدين)().

ولا يتوهم إن في هذا التكليف حرجاً، إذ الصلة علي أنواع.. ومنها: إرسال الكتاب والاستفسار عن الأحوال..

وقال (ص): (إن أعجل الخير ثواباً: صلة الرحم)().

وقال (ص): (من سره النسأ في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه)().

إن

الله تعالي جعل من فضله الواسع هذا الثواب للصلة.. ومما يمكن أن يكون علة لهذا التلازم بين الصلة وبين طول العمر والازدياد في الرزق، هو أن الصلة توجب اطمئنان النفس، وسكون الخاطر، وكلما ازداد الإنسان اطمئناناً ازداد صحة واستقراراً.. وبالصحة يطول العمر، والشخص مع الاستقرار أمكن من تحصيل الرزق، فإن من تشتت خاطره لم يتمكن من السعي قدر ما يتمكن غيره، هذا مضافاً إلي الأسباب الغيبية.

وفي هذا المعني أيضاً، قال (ص): (من سره أن يمد الله في عمره وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه)().

وقال الإمام الصادق (ع): (صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)().

وقال عليه السلام: (ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلا صلة الرحم، حتي أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين، فيكون وصولاً للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة، فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة، فيكون قاطعاً للرحم، فينقصه الله تعالي ثلاثين سنة، ويجعل أجله إلي ثلاث سنين)().

وقال (ع): (إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب، ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبروا بإخوانكم، ولو بحسن السلام ورد الجواب)().

وقال (ع): (صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، وهي منساة في العمر، وتقي مصارع السوء)().

وقال الإمام الباقر (ع): (صلة الأرحام تحسن الخلق، وتسمح الكف، وتطيب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجل)().

إلي غير ذلك..

والإسلام لا ينظر إلي الرحم كنظر الناس إليها، بالحدود الضيقة والمقاييس القصيرة، بل الرحم عند الإسلام أوسع منها.. وأوسع..

يروي الحسن بن علي الوشا عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص): لما أسري بي إلي السماء، رأيت رحماً متعلقة بالعرش تشكو إلي الله رحماً لها، فقلت: كم بينك وبينها من أب؟ فقال: نلتقي

في أربعين أباً!)().

وكلما كان الشخص أقرب رحماً، كانت صلته أكثر، حتي أن العم بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، والأخ الأكبر أوجب احتراماً وصلة من غيره.

روي أبو خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال:

(جاء إلي النبي(ص) رجل، فقال له: إني ولدت بنتاً وربيتها حتي إذا بلغت فألبستها وحليتها، ثم جئت بها إلي قليب، فدفعتها إلي جوفه، فكان آخر ما سمعت منها وهي تقول: يا أبتاه، فما كفارة ذلك؟

قال(ص): ألك أمّ حية؟

قال: لا.

قال: فلك خالة حية؟

قال: نعم.

قال: فأبررها فإنها بمنزلة الأم، يكفر عنك ما صنعت)..

قال أبو خديجة: فقلت لأبي عبد الله (ع): متي كان هذا؟ فقال: كان في الجاهلية، وكانوا يقتلون البنات، مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين)().

وقال رسول الله (ص): (حق كبير الأخوة علي صغيرهم كحق الوالد علي ولده).

وفي الأحاديث: تسمية العم باسم الأب().

وقد كان نبي الإسلام (ص) وآله الطاهرون عليهم السلام يحضون علي صلة الأرحام، ويخصصون أكثر الناس براً بأكبر احترام وتقدير..

قال عمار بن حيان: خبرت أبا عبد الله (ع) ببر إسماعيل ابني بي، فقال: (لقد كنت أحبه، وقد ازددت له حباً، إن رسول الله(ص) أتته أخت له من الرضاعة، فلما نظر إليها سر بها، وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها، ثم قامت فذهبت وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟ فقال: لأنها كانت أبر بوالديها منه)().

قال زكريا بن إبراهيم لأبي عبد الله (ع) : (إني كنت نصرانياً فأسلمت، وإن أبي وأمي علي النصرانية وأهل بيتي، وأمي مكفوفة البصر، فأكون معهم، وآكل في آنيتهم؟ قال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا ولا يمسونه، فقال: لا بأس،

فانظر أمك فبرها، فإذا ماتت فلا تكلها إلي غيرك، ثم ذكر أنه زاد في برها علي ما كان يفعل وهو نصراني فسألته؟ فأخبرها أن الصادق (ع) أمره، فأسلمت)().

ولقد كان النبي العظيم (ص) وأهل بيته الطاهرون (عليهم السلام) أروع الأمثلة لصلة الرحم، وذلك وفقاً بطبيعة الإسلام الذي كانت قادته ألزم الناس بمبادئه ودساتيره، علي العكس من قادة الأمم باستثناء الأنبياء عليهم السلام ومن إليهم حيث كانوا أبعد الناس عن المبادئ التي دعوا الناس إليها.!

قال الشيخ المفيد رحمة الله عليه: (وقف علي علي بن الحسين عليه السلام رجل من أهل بيته، فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه، قد سمعتم ما قال الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتي تسمعوا ردي عليه.

قال: فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن تقول له ويقول..

قال: فأخذ نعليه ومشي وهو يقول: ?والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين?()، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً..

قال: فخرج حتي أتي منزل الرجل فصرخ به فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين.

قال: فخرج إلينا متوثباً للشر، وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له علي بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين: يا أخي إنك قد وقفت عليَّ آنفاً، فقلت.. وقلت.. فإن كنت قد قلت ما في، فأنا أستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك..؟

قال: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بلي، بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به)().

وروي حماد اللحام، قال: (أتي رجل أبا عبد الله (ع)، فقال: إن فلاناً ابن عمك ذكرك، فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلا قاله فيك..

فقال: أبو عبد الله (ع) للجارية: إيتيني بوضوء فتوضأ ودخل..

فقلت في نفسي

يدعو عليه!

فصلي ركعتين فقال: يا رب هو حقي قد وهبته، وأنت أجود مني وأكرم، فهبه لي ولا تؤاخذه بي ولا تقاسيه، ثم رق فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجب)().

وروت سالمة مولاة أبي عبد الله (ع)، قالت: (كنت عند أبي عبد الله: جعفر بن محمد عليه السلام، حين حضرته الوفاة وأغمي عليه فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين ديناراً.. وأعطي فلاناً كذا.. وفلاناً كذا.. فقلت: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة، يريد أن يقتلك؟! قال: تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عزوجل: ?والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب?()؟! نعم يا سالمة، إن الله تعالي خلق الجنة فطيبها وطيب ريحها، وأن ريحها يوجد من مسيرة ألفي عام ولا يجدها عاق ولا قاطع رحم)().

وهكذا كان قادة الإسلام يعملون بالعدل والإحسان.. وهكذا يأمر الإسلام.. فهل توجد قادة كهؤلاء؟

وهل في المبادئ والقوانين ما يشابه هذه؟

كلا.

إنه الإسلام وحده.. وقادة الإسلام وحدهم مع الغض عن سائر أنبياء الله عليهم السلام وشرائع السماء هكذا..

منهج معاشرة الناس عامة

وأما الناس عامة: فمنهج الإسلام بالنسبة إلي معاشرتهم واضح لا غبار عليه، وقد حدده القرآن الحكيم في آيات: ?إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي?().

و?خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين?().

و?إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?().

و?وأحسنوا إن الله يحب المحسنين?().

وكذلك: وردت أحاديث كثيرة عن نبي الإسلام (ص) وأئمة المسلمين عليهم السلام بهذا الصدد.

وكلها ترنو إلي شيء واحد وهو: إيجاد مجتمع صالح، يسوده الرخاء والاطمئنان، ويكتنفه الأمن والهدوء.. في نطاق العدل والإحسان، والإخاء والمساواة.. لا في الأمور العامة المهمة فحسب، بل

حتي في الصغار التي لا تقيم القوانين والمبادئ لها أية قيمة.. حتي في النظر إلي المجلس، وإليك هذا الحديث الذي يكشف عن مدي اهتمام الإسلام بالعدل في كل صغير وكبير:

روي جميل بن دراج عن أبي عبد الله الصادق (ع)، قال: (كان رسول الله (ص) يقسم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلي ذا وينظر إلي ذا بالسوية!

قال: ولم يبسط رسول الله (ص) رجليه بين أصحابه قط:

وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله (ص) يده من يده حتي يكون هو التارك، فلما فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه مال بيده فنزعها من يده)().

وقد نظم الإسلام مناهج العشرة تنظيماً دقيقاً، حتي ينتشر في جميع جوانبها العدل والفضل، فقرر:

مناهج اللسان..

ودساتير للعين..

وأنظمة للأذن..

وقوانين للملمس..

وأحكاماً للجسد عامة..

كما أرشد إلي الفضيلة والرذيلة في القلب..

ثم بين كيفية معاشرة الجار، والصاحب، والصديق، والغني، والفقير، والحر، والعبد، والعالم، والمتعلم، والحاكم والمحكوم، والتاجر، والزارع، و.. و..

وفي كل ذلك يبين الطريقة العادلة التي ينبغي السير عليها، ويحذر عن السبل الملتوية، والمناهج المنحرفة إشاعة للعدل، واجتثاثاً لأصول الظلم والعدوان..

وباتباع هذه المناهج تمكن المسلمون الأول من توحيد الصفوف، وحمل راية العدل ومشاعل الفضيلة.. إلي مشارق الأرض ومغاربها، في ظل دولة موحدة تعمل بالقرآن والسنة، فذابت الفوارق القبلية، والنزعات الطائفية، والأنانيات النفسية، والحواجز الإقليمية.. كما أماتت العناوين المزعومة، والسيادات المزيفة..

فكل مسلم أخو المسلم.. وكل إنسان صديق إنسان.. وكل بلدة شقيقة بلدة.. وكل جار محب جار..

لا غيبة ولا نميمة، ولا غش ولا خداع، ولا ظلم ولا عدوان، ولا استغلال ولا احتكار، ولا بخل ولا حسد، ولا.. ولا..

بل أخوة وصداقة، وحب وألفة، وتزاور وتحابب، وإحسان وإكرام، وبشر وبشاشة، وعدل وفضل، وتوقير واحترام، ورحم ومروءة، وعلم وعمل، ودنيا وآخرة..

ولا نكران: في أن الشواذ

من المسلمين كانوا يخترقون أنظمة الإسلام، ويخرجون عن حدوده، ولكن الصبغة العامة كانت هي العدالة والفضيلة..

وبالعكس من ذلك كله: دنيا اليوم فالموجود في قاموسها كل تباعد وتناكر، وعداء وبغضاء، وظلم واستعباد، وتفسخ واستهتار، وهي الصبغة العامة للمجتمعات إلا ما شذّ!.

ولا يرجع إلي البشر بصورة عامة، وإلي المسلمين بصورة خاصة، ما فقدوه من الضياء والهدي.. إلا بالرجوع إلي شرائع السماء، وتعاليم الوحي، وإرشادات الأنبياء عليهم السلام.. وبالأخص إلي الإسلام الذي تفيأوا بظلاله طيلة ثلاثة عشر قرناً، فوفر لهم الحرية بكل ما في الكلمة من معني: من حرية التجارة والصحافة، والسفر، والتنقل، والعمل والعلم.. كما منحهم المساواة بمعناها الصحيح.. والرفاه والعز والكرامة، مما يليق بالإنسانية.

أما مناهج الغرب والشرق، التي وقع المسلمون وغير المسلمين علي حد سواء في دوامتها ممن أعرضوا عن شرائع الأنبياء، فلا تزيد إلا المشاكل، ولا تجرّ إلا إلي العبودية، ولا تبث إلا الشقاق، ولاتوفر إلا التطاحن والتهاتر، ولا تنتج أخيراً إلا الحروب المدمرة، والإبادة الجماعية، وتبديل دفء الحياة ببرد الموت، وعمارة الأرض بشظايا ودماء.

ولنذكر في هذا العدد مقتطفات من مناهج الإسلام المقررة والمعاشرة إلماعاً إلي طرف من العدالة الاجتماعية التي اعتني بها الإسلام أكبر اعتناء، وحدد حدودها، وبين معالمها لسعادة الإنسان، والإبقاء علي حضارته وازدهاره..

قال معاوية بن وهب لأبي عبد الله (ع): (كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟؟

قال: فقال (ع): (تؤدون الأمانة إليهم، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم)().

وعن زيد الشحام: قال: قال لي أبو عبد الله (ع): (اقرأ علي من تري أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوي الله عزوجل، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة وطول السجود،

وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد(ص). أدوا الأمانة إلي من أئتمنكم عليها، براً أو فاجراً، فإن رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدي الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري، فيسرني ذلك، ويدخل علي منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر..! وإذا كان علي غير ذلك، دخل عليّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر..! فوالله لحدثني أبي (ع): إن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (ع)، فيكون زينها، آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه، فتقول: من مثل فلان؟! إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث)().

وقال مرارزم: قال أبو عبد الله (ع): (عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز، إنه لابد لكم من الناس، إن أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لابد لبعضهم من بعض)().

إن هذه الأمور آداب إسلامية، وليست بفرائض إلا نادراً ومع ذلك فالإسلام يحث عليها أشد الحث.. حتي أنه يصدرها بكلمة: (عليكم).. ولماذا؟ لأن الإسلام دين اجتماع وألفة، وتحبب وتودد..

يروي أبو بصير عن الإمام الباقر (ع): قال: (إن أعرابياً من بني تميم أتي النبي (ص)، فقال له: أوصني، فكان مما أوصاه: تحبب إلي الناس يحبوك)().

ويروي موسي بن بكير عن أبي الحسن (ع)، قال: (التودد إلي الناس نصف العقل)().

وقد بين الإمام الحسن بن علي عليه السلام مقياس الاجتماع الصحيح، وأنه لا يتحقق إلا بالألفة والمحبة، فلا اجتماع بدونها، وإن كانت القرابة تتوسط الأطراف، قال (ع): (القريب من قرّبته المودة وإن بعد نسبه، والبعيد من بعدته المودة وإن قرب نسبه..)().

ثم مثل الإمام (ع) لذلك مثلاً رائعاً،

فقال: (.. لا شيء أقرب إلي شيء من يد إلي جسد، وإن اليد تغل فتقطع، وتقطع فتحسم)().

وأخيراً فإن التحبب إلي الناس في نظر الإسلام من العقل بل نصف العقل:

قال الإمام الصادق (ع): (قال رسول الله (ص): التودد إلي الناس نصف العقل)().

والناس في المعاشرة صنفان: صنف يصارح كل أحد بما يكره، ثم يعتز بصفته هذه ويفتخر: بأنه صريح..!

وهذا خلاف الموازين الأخلاقية والعدالة الاجتماعية، فإن الأفراد لو صارحوا الناس بمساويهم، لم يبق اجتماع صالح، بل ينقلب المجتمع جحيماً لا يطاق..!

وصنف يداجي ويماري، ويذكر كل أحد بما يحب.. وإن كان ذلك خيالياً، وبعيداً عن موازين العدل: إنه مداجاة ظالم، وقد كان الأحري أن يخاشن ردعاً عن الباطل، وتوجيهاً إلي الحق.. وبعد ذلك يفتخر هذا الصنف: بأنه حسن الأخلاق، يعاشر الناس بالحسن..! ولكن الحق في خلافه أيضاً.

إنهما بعيدان عن العدل، بين مُفرِط ومفرِّط، والوسط هو المجاملة.. إنها مندوبة عقلاً وشرعاً.

روي السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال رسول الله (ص): ثلاث يصفين ود المؤمن لأخيه المسلم: يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه)().

إنها مجاملة وقد مدحها الإسلام: قال الصادق (ع): (مجاملة الناس ثلث العقل)().

أما التعدي عن ذلك إلي الباطل، فيمدح من لا يستحق المدح، أو يثني بما ليس في الرجل، أو يخضع للباطل، فإنها ليست بمجاملة.. وإنما هي محايلة كما أن التنقيب عن المساوئ، والتجسس عن العيوب، والتفحص عن المذام، فإنها خلال رذيلة تأباها الشرائع والعقول.

وضع أحد الحكماء أمام تلاميذه ورقاً أبيض، في وسطه نقطة سوداء، ثم قال لهم: ما ترون؟

قالوا: نري نقطة سوداء.

قال: فهلا رأيتم الورق الأبيض؟!!

كلكم يغمض عن البياض ويري السواد!

ويروي (أن عيسي المسيح (ع)، كان يسافر مع

جمع من الحواريين، فرموا علي كلب ميت منتن، قد كلح وجهه، حتي بدت أسنانه.. فوقف عليه المسيح عليه السلام، وإذا بأصحابه ينفرون، ويذكرون ما للكلب من بشاعة المنظر، وكراهة الريح.. قال المسيح العظيم(ع): أما أنا فأري أسنانه البيضاء).

الرجل الطيب يري الطيب، ويتغاضي عن الخبيث، وبالعكس الشخص غير المهذب.. أما رأيت الذباب، يترك المواضع الحسناء من الجسد، ويحط علي القروح والدماميل؟!

كان أحد الخطباء بليغاً مجيداً للخطابة.. ولكن كان يبدل السين بالشين، فلم يكن يقدر علي النطق بهذا الحرف، يقول الشاعر سعدي، كنت في مجلس يخطب فيه هذا الرجل، وكنت مغرماً بخطاباته الرنانة، وإذا بشخص إلي جنبي يقول: لا يجيد الخطيب السين..! قلت له: هلا نظرت إلي خطابته البليغة؟!

وعلي أي.. فالإسلام يكره كل كشف عن العيوب وذكرها، فإن ذلك يثير البغضاء، ويفصم عري الاجتماع، ويخل بالتوازن، وينافي العدالة.! كما يكره كل رياء ومداجاة ومداهنة ومصانعة.

يقول القرآن الحكيم: ?ولا تجسسوا?().

ويقول: ?ودوا لو تدهن فيدهنون?().

ولكن لا يحابي الإسلام الحقوق والواجبات، بل يجعل إزاء كل واجب حقاً، فمن دفع الحق استحق الواجب، وإلا فلا..

عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه عليهم السلام: في وصية النبي (ص) لعلي(ع) قال: (يا علي من لم تنتفع بدينه ولا دنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة)().

وليس معني هذا أن الإسلام لا يحب العفو والإحسان، بل معناه: أن الحقوق بإزاء الواجبات، وبعد ذلك يبقي الفضل، وإن انتهي دور العدل..

جاء رجل إلي الصادق (ع)، فقال: يا ابن رسول الله أخبرني عن مكارم الأخلاق، فقال: (العفو عمن ظلمك، وصلة من قطعك، وإعطاء من حرمك، وقول الحق ولو علي نفسك)().

???

وبعدما يفرغ الإسلام من وضع الخطط العامة لعدالة العشرة، ومنهاج الحياة المستقيمة،

يتوجه إلي الفروع والتوابع: فيبين كل فضيلة وكل رذيلة.. ويرغب في الأولي ويحذر عن الأخري، ليعيش المجتمع في ظل الرفاه ويسوده العدل والإخاء.. وللأخلاق في الإسلام عرض عريض، نحيله إلي كتب الأخلاق().

ونذكر ههنا أنموذجاً من التوجيهات الإسلامية بهذا الصدد:

الإنصاف

الإنسان يحتاج إلي معاشرة الناس، في بيعه وشرائه.. في زواجه وفراقه.. في تعليمه وتعلمه.. في حله وترحاله.. والعشرة لابد وأن يقع فيها التضارب، ومن طبيعة البشر الشرهة (أن تجر النار إلي قرصها) وبهذا تتعقد المشاكل، وتدور المهاترات، ويقع الناس في دوامة العداء والبغضاء.. إن كل واحد من الطرفين لا يفكر إلا في أن الحق لنفسه ولا ينظر إلي المتخاصم فيه إلا من زاوية لنفسه، وبذلك تتباين وجهات النظر.

وإذا اصطدمت المشكلة بالمحاكم، فحدث عن الأموال والأعراض والأوقات المهدورة ولا حرج، وبعد كل ذلك، فالمشكلة بحالها..!

وليس من حل صحيح للمشاكل إلا: (بالإنصاف) فلو نظر كل فرد إلي نفسه وإلي غريمه، من زاوية حيادية، ورأي ماله وما عليه، فسرعان ما تحل المشاكل.. إن لم يكن كلها فالكثرة الغالبة منها، وفي القلة الباقية تتوافق وجهات الأنظار إلا في قليل من الخصومة، وأجدر بها أن تزول بشيء من التنازل، أو يسير من التواضع..

ومعظم الفضل في حل المشاكل سريعاً، في ظل الدساتير الإسلامية يرجع إلي تشبع المسلمين بروح الإنصاف آنذاك .

أما الغرب الآخذ بالزمام اليوم فقد محا عن قاموسه ذلك، ولذا تري المحاكم دعوي مخمرة منذ ثلاثين سنة، وعشرين وعشرة.. وأمام عيني الآن ترافع في قطعة من الأرض طال ثلاث عشرة سنة، حتي مات أحد المتخاصمين بعدما استنفذت المحاكم والمحامون ومن إليهم.. قوي الطرفين الخيرة من مال وجاه ونشاط بدني وفكري..!!

أما الإسلام فمن جانب: يشبع الطرفين بروح الإنصاف،ومن جانب: يسير دفة المحاكم

علي العدل والبساطة، ولذا لا تطول المرافعة في ظل الإسلام أكثر من ساعات..!!

وبالعكس من كلا الجانبين الأنظمة الغريبة: التي تبني المحاكم علي الرشوة والخديعة والظلم.. وتملأ الأفراد بالشحناء والكراهية والتعدي.. فلا تحل المشاكل إلي يوم يبعثون..!!

ولهذا الغرض لا تحل المشاكل الترافعية فحسب، بل تحل كل خلاف بين الأفراد والجماعات، مهما كان نوعه : يحث الإسلام علي تحلي الناس بالإنصاف، حتي إذا حدث خلاف.. أو مالوا إليه.. رجعوا إلي الميزان الفطري، الذي ينطوي عليه الرجل المنصف، وإذا به يندك أمام هذه الفضيلة الرفيعة.

روي السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): (سيد الأعمال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله علي كل حال)().

وروي زرارة عن أبي جعفر (ع)، قال: قال أمير المؤمنين (ع) في كلام له: (ألا إنه من ينصف الناس من نفسه، لم يزده الله إلا عزاً)().

وروي محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (ع)، قال: (ثلاث هم أقرب الخلق إلي الله عزوجل يوم القيامة، حتي يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه إلي أن يحيف علي من تحت يده، ورجل مشي بين اثنين فلم يمل مع أحدهما علي الآخر بشعيرة، ورجل قال بالحق فيما له وعليه)().

وعن جعفر بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله(ص): (من واسي الفقير من ماله، وأنصف الناس من نفسه، فذلك المؤمن حقاً)().

وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: (كان رسول الله (ص) يقول في آخر خطبته: طوبي لمن طاب خلقه وطهرت سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه)().

وعن معاوية بن وهب: عن أبي عبد

الله (ع) قال: (من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة، أنفق ولا تخف فقراً، وافش السلام في العالم، واترك المراء وإن كنت محقاً، وانصف الناس من نفسك)().

إلي أحاديث.. وأحاديث..

التآخي

أفراد الإنسان فرع شجرة واحدة: أصلها: آدم وحواء عليه السلام، ثم رؤوس القبائل كالأغصان، والأفراد كالأوراق، فهم أخوة في أصل الخلق، ينتهون إلي نسب واحد.

وينسب إلي أمير المؤمنين (ع):

الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهم آدم والأم حواء()

إذاً: فالأفضل بهم أن يتآخوا خُلُقاً وعشرة، كما هم أخوة نسباً وأصلاً.

وبالأخوة البشرية تتقارب القلوب وينتظم الاجتماع، وتصفو النفوس، ويسود الجميع حب وسلام.. ومن العدل أن يتكافأ الأفراد أخوة ووداداً.. كما أن من الظلم أن يتجنب بعض عن بعض، ويبتعد إنسان عن إنسان، ولماذا تميل كفة أحدهم إلي العلو، وكفة الآخر إلي الأسفل؟! إنهما كفتان متقابلتان.

أما المال والجاه والشرف، فأجدر بهما أن تكونا أسباباً للعدل لاللظلم، وللتواضع لا للتكبر!!

وقد حرص الإسلام الحرص كله، علي الأخوة الإسلامية بما في الكلمة من معني وقد آخي نبي الإسلام العظيم (ص) بين المسلمين، بعدما هاجر من مكة إلي المدينة، وما نري اليوم من خطاب المسلمين بعضهم لبعض بكلمة: (الأخ) ليس إلا من تلك البذرة التي بذرها الإسلام قبل أربعة عشر قرناَ، في الجزيرة العربية، فأصبح المسلم في شرق الأرض أخاً للمسلم في غربها، من غير فرق بين الفقير والغني.. والحاكم والمحكوم.. والعالم والمتعلم.. والحر والعبد.. والشريف والوضيع.. حتي أن من يخرج عن هذه الأخوة، يعد خارجاً عن ربقة الإسلام، فالمسلم أخ المسلم رضي أو كره..

وليس هذا فحسب.. بل حرض الإسلام علي استفادة الإخوان والتحبب إليهم، وإيجاد الصداقة مع الناس، كل ذلك حرصاً علي العدالة الاجتماعية، وإذابة للفوارق المزعومة.

قال أمير المؤمنين (ع): قال رسول الله

(ص): (لا يدخل الجنة رجل ليس له فرط، قيل يا رسول الله ولكل فرط؟ قال: نعم إن من فرط الرجل أخاه في الله)().

وقال أمير المؤمنين (ع):

عليك بإخوان الصفا، فإنهم

عماد إذا استنجدتهم وظهور

وما بكثير ألف خل وصاحب

وإن عدواً واحداً لكثير()

وروي محمد بن زيد قال: سمعت الرضا (ع) يقول: (من استفاد أخا في الله، استفاد بيتاً في الجنة)().

وروي جعفر بن ابراهيم، عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) قال: (أكثروا من الأصدقاء في الدنيا، فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فحوائج يقومون بها، وأما الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: ?فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم?())().

وروي عن الصادق (ع) قال: (استكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة.. وقال: استكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن شفاعة.. وقال: أكثروا من مؤاخاة المؤمنين، فإن لهم عند الله يداً، يكافئهم بها يوم القيامة)().

وفي نهج البلاغة عن الإمام أمير المؤمنين (ع): (أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم)().

وليست الأخوة الإسلامية، أخوة إسمية، وإنما هي عنوان علي الأخوة الراقية، يحب أحدهما للآخر ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.

سأل ابن أعين الصادق (ع): (عن حق المسلم علي أخيه؟

فلم يجبه..

قال: فلما جئت أودعه..

قلت: سألتك فلم تجبني؟

قال: إني أخاف أن تكفروا، وان من أشد ما افترض الله علي خلقه ثلاثاً: إنصاف المؤمن من نفسه، حتي لا يرضي لأخيه المؤمن من نفسه إلا بما يرضي لنفسه، ومواساة الأخ المؤمن في المال، وذكر الله علي كل حال، ليس سبحان الله والحمد لله، ولكن عند ما حرم الله عليه فيدعه)().

قال الوصافي: قال لي أبو جعفر (ع): (أرأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء، وعند

بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟

قلت: لا.

قال: فإذا كان عنده ليس إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتي يجد له إزاراً؟

قلت: لا.

فضرب بيده علي فخذه، ثم قال: ما هؤلاء بأخوة)().

العدالة حتي مع الأعداء

والإسلام بعد الحث علي العدالة بالنسبة إلي الأقرباء والأباعد يذهب شوطاً آخر، وهو الحث علي العدالة بالنسبة إلي الأعداء، وهذا في الحقيقة من كمال الإسلام الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وما أحوج المجتمع إلي الإرشاد بالنسبة إلي العدالة مع الأعداء، فإن الإنسان مهما لزم جانب العدل والإنصاف، نحو الأقرباء وسائر الناس.. فانه يزيغ مع الأعداء عادة، فإن العدو بما له من اصطدام عنيف مع النفس يولد في النفوس وقعاً عدوانياً، وهو كاف للخروج عن الموازين.. ولذا نري أن من سبَّه أحداً يقابل بأضعافه من الشتم والوقيعة.. وهكذا من ضرب رجلاً ضربة تلقي ضربات..

وعلي هذا يقرر الإسلام أولاً رد الاعتداء بمثله، لا أكثر، فإذا رد أكثر كان ينظر الإسلام المقدار الزائد اعتداءاً وظلماً، وبهذا المعني يروي:

(إن المظلوم قد يصبح ظالماً..).

يقول القرآن الحكيم: ?فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم?().

وثانياً: يحبذ العفو وعدم الانتقام، وقلع جذور البغضاء والعدوان عن النفس يقول القرآن الحكيم: ?وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين?().

ويقول: ?خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين?().

وقال رسول الله (ص): (ثلاث والذي نفسي بيده، إن كنت حالفاً لحلفت عليهن: ما نقصت صدقة من مال فقد قرا، ولا عافا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة، ولا فتح رجل علي نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر).

وقال (ص): (العفو لا يزيد الناس إلا عزاً، فاعفوا يعزكم الله)().

وقال (ص) لعتبة:

(ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟: تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك)().

وقال (ص): (قال موسي: يا رب أي عبادك أعز عليك؟ قال: الذي إذا قدر عفا).

إلي مئات الأحاديث.. وألوفها.. مما تأمر بالعفو وحسن معاشرة الأعداء..!

ولقد عفي رسول الله (ص) عن (وحشي) قاتل (حمزة سيد الشهداء) مع ما ارتكبه من عظيم الإثم().. وعفي عن أهل مكة().. مع أنهم كانوا رؤساء المؤامرات علي النبي (ص) وأصحابه من أول البعثة إلي أواخر عمره الشريف.. وعفي.. وعفي..

وعفي أمير المؤمنين (ع) عن أهل الجمل(): كمروان وابن الزبير وأضرابهما، مع أنهم جروا إليه كل أذية وصعوبة كان (ع) يقاسيها طيلة حياته، وبسبب ذلك قتل شهيداً، وأوذي في ولده: فإن الجمل صار سبباً لصفين.. وصفين ولد النهروان.. وكان قتله (ع) من ولائد النهروان..

وعفي الإمام الحسن (ع) عمن كان يسبه بأمر مروان، حين أقدم الإمام الحسين (ع) وأراد الانتقام منه.. وعفي.. وعفي..

وعفي الإمام الحسين (ع) عن الحر بن يزيد الرياحي، مع أنه كان أول خارج عليه، وأول من حبسه حتي انجر إلي قتله().

وهكذا سائر الأئمة عليهم السلام:

فهذا علي بن الحسين زين العابدين (ع) كان من أعدي أعدائه وأعداء أبيه: مروان، آذي أمير المؤمنين (ع) وأقام عليه حرباً.. وآذي الإمام الحسن (ع) وسبه ورمي جنازته بالنبال.. وآذي الإمام الحسين (ع) وشتمه وكان شريكاً في تشريده (ع) من وطنه إلي حيث قتل، ثم فرح بذلك وآذي الإمام السجاد (ع) بنفسه..

ثم انظر: أرسل يزيد بن معاوية جيشاً لإباحة المدينة المنورة فأباحوها في يوم الحرة وإذا بمروان يأتي إلي علي بن الحسين (ع)، ويقول: إن لي حرماً، وحرمي يكون مع حرمك؟ وكان غير حرم علي بن الحسين (ع) مستباح العرض والقتل وكل شيء

.

فقال الإمام (ع): افعل.

فبعث مروان بامرأته، وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان وحرمه إلي علي بن الحسين عليه السلام، فخرج الإمام (ع) بحرمه وحرم مروان إلي ينبع.. فما أصيب حرم مروان بشيء..!!()

وهذا الإمام الباقر (ع): قال له نصراني: أنت بقر!

قال: لا، أنا باقر.

قال: أنت ابن الطباخة!

قال: ذاك حرفتها.

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية!

قال: إن كنت صدقت غفر الله لها وإن كنت كذبت غفر الله لك.!!!

فأسلم النصراني().

وهكذا سائر أئمة الإسلام عليهم السلام.. مما هو مذكور في كتب السير والأخبار والتواريخ..

كلمة الختام

عندما شرعنا في الكتاب كنا عازمين علي بيان العدالة الإسلامية من ستة نواح:

1: عدالة الأسرة..

2: عدالة العشرة..

3: عدالة القضاء..

4: عدالة السلطة..

5: عدالة العبادة..

6: عدالة ذوات الأرواح..

كل ذلك بصورة مفصلة: لكن عوائق حالت دون الإسهاب في الموضوع.. كما أن موانع حدثت من إتمام ما رمناه من عرض النواحي الست.. وها نقدم هذا الموجز إلي الطبع. سائلين الله تعالي أن يوفقنا لإتمام النواحي المقصودة في مجلد ثان.

كما وان من الواجب أن أعترف بأن الظروف الملابسة لم تسمح بتنقيح المباحث السالفة كما ينبغي فإن العدالة الإسلامية ذات أغصان وجذور، تورف الحياة بوارف ظلها، فإنه المبدأ الوحيد الذي يسبغ علي الكون العدل والإحسان، ويتفيأ الإنسان في ظلاله في السعادة والرفاه.. ويتقدم نحو الرقي والكمال، وهو حقيقة اعترف بها المنصفون من علماء الدنيا من حين بزوغ نور الإسلام في ربوع الجزيرة العربية إلي هذا اليوم.

وإليك اعتراف (برنارد شو) الذي يعد من أعظم علماء الغرب:

(إن العالم أحوج ما يكون إلي رجل في تفكير (محمد): هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، وهو أقوي دين علي هضم المدنيات، خالد خلود الأبد، ولقد رأيت كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين

علي بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في القارة الأوربية بعد هذه الحرب، وإذا أراد العالم النجاة من هذه الشرور، فعليه بهذا الدين إنه دين السلام والتعاون والعدالة.

في ظل شريعة متمدنة محكمة.

لم تنس أمراً من أمور الدنيا إلا رسمته ووزنته بميزان لا يخطئ أبداً.

ويؤسفني أن أقول:

إني وضعت كتاباً عن (محمد) لكنه صودر لخروجه علي تقاليد السكسون).

***

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة المائدة: 35.

() سورة الزلزلة: 7.

() سورة آل عمران: 171.

() سورة التوبة: 105.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم?. سورة يس: 38.

()داروين، تشارلز روبرت (1809 – 1882م) صاحب النظرية الداروينية في اصل الانواع وتطورها وهو يقول بان الكائنات الحية تنزع الي انتاج مواليد تختلف اختلافا طفيفا عن آبائها، وبان عملية الاصطفاء الطبيعي (را.) تفضي الي بقاء الاصلح او الاكثر تكيفا مع البيئة وبان ذلك كله يؤدي في نهاية المطاف الي ظهور انواع جديدة لم تكن معروفة من قبل، وقد بسط داروين مذهبه هدا في كتابه (في اصل الأنواع).on the origin of species الذي اثار عند نشره عام 1859م عاصفة في الدوائر العلمية والفلسفية والدينية جميعاً فهلل له جمع وسفهه آخرون وقد وجهت له حملات نقدية كثيرة حتي الآن.

() فرويد (1856-1939م) طبيب امراض عصبية، نمساوي، اكد علي اثر اللاوعي والغريزة الجنسية في تكوين الشخصية، اصيب بالسرطان حوالي عام 1923م ومات به، اشهر آثاره (دراسات في الهستيريا) stu bien ber hysteyie عام 1895م و(تأويل الاحلام) dile tyaumdeutung عام 1899م.

() ماركس كارل (1818م –

1883م)، نشر مع صديقه (فريد ريك انجلز) كتاب (البيان الشيوعي) عام 1848م communist manifesto واشهر آثاره (رأس المال) das kapital.في ثلاثة مجلدات.

() بحار الأنوار: ج3 ص59 ب4 ح1.

() بحار الأنوار: ج3 ص61 ب4 ح1.

() سورة الشوري: 15.

() سورة الأعراف: 159.

() سورة الأعراف: 181.

() سورة المائدة: 8.

() سورة النحل: 90.

() بحار الأنوار: ج72 ص352 ب81 ح61.

() الكافي: ج2 ص147 ح15.

() الكافي: ج2 ص147 ح14.

() بحار الأنوار: ج72 ص38 ب35 ح36.

() سورة الحجرات: 13، راجع الكافي: ج5 ص344 ح2.

() الكافي: ج5 ص339 ح1.

() الكافي: ج5 ص339 ح1.

() الكافي: ج5 ص344 ح2.

() وسائل الشيعة: ج14 ص47 ب27 ح2.

() وسائل الشيعة: ج14 ص50 ب27 ح10.

() تهذيب الأحكام: ج7 ص397 ب21 ح11.

() وسائل الشيعة: ج14 ص50 ب27 ح11.

() وقد كشف مكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة أن نصف الأطفال في بريطانيا تنجبهم أمهاتهم خارج الرباط الزوجي، مسجلا ارتفاعا مثيرا، إذا كانت النسبة الثلث قبل عشر سنوات وخاصة في مقاطعتي إنجلترة وويلز.

وأكد المكتب أن من بين (800) ألف امرأة حملن عام 1997 هناك (400) ألف منهم حملن خارج الإطار الزوجي، مقارنة مع (305) ألف امرأة من مجموع (819) ألف امرأة عام1986.

الرأي الآخر / السنة الثالثة العدد33 غرة محرم 1420ه

• كما أكدت هيئة الاحصاء الحكومية الفرنسية في 7/1/1999 ان 2 من بين كل 5 مواليد جدد في فرنسا يولدون من سفاح، واضافت الهيئة ان اولاد السفاح يزدادون تزامنا مع انخفاض معدلات الزواج.

(الرأي الآخر: العدد 30 ص5 بتاريخ 1شوال 1419ه 18/1/ 1999)

() أما في هذا اليوم فالإصابة بالإيدز أخذت تهدد الشعوب بأسرها لا الأشخاص فحسب وهذه بعض التقارير عن مجلة (المجلة):

8500 شخص جديد يصابون كل يوم بينهم 1000 طفل تحت سن 15 عاماً.

اكثر

من 8 ملايين طفل فقدوا أمهاتهم بسبب الإصابة بالإيدز.

حوالي 8 ملايين شخص أصيبوا منذ بداية انتشار المرض وتوفي 6 ملايين آخرين. (المجلة / العدد 905، القسم الملحق)

تتجاوز الحالات الجديدة المسجلة سنويا للأمراض المنقولة جنسيا 233 مليون إصابة بين الرجال والنساء وتنقل ما بين 30% و 70% من النساء المصابات هذه الأمراض إلي أطفالهن وتذكر الأكاديمية الأمريكية للعلوم من جهة ثانية ان هناك 22 مليون شخص في العالم يحملون فيروس الإيدز ويعيش 14 مليونا منهم في إفريقيا كما يسجل المرض انتشاراً متسارعاً في جنوب وجنوب شرق آسيا. (المجلة العدد 948 الملحق ص 6)

() الإسلام والعلم الحديث.

() سورة النساء: 3.

() سورة النساء: 129.

() وسائل الشيعة: ج15 ص89 ب9 ح3.

() وسائل الشيعة: ج15 ص83 ب3 ح2.

() وسائل الشيعة: ج15 ص83 ب3 ح1.

() سورة النساء: 3.

() سورة النساء: 129.

() وسائل الشيعة: ج15 ص86 ب7 ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص86 ب7 ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص84 ب5 ح2.

() وسائل الشيعة: ج15 ص85 ب5 ح3.

() سورة البقرة: 228.

() سورة البقرة: 228.

() سورة النساء: 34.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة النساء: 19.

() سورة البقرة: 228.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 ب2 ح4908.

() الكافي: ج4 ص12 ح9.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص11 ب2 ح11.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص392 ب2 ح4379.

() الكافي: ج5 ص510 ح1.

() الكافي: ج5 ص510 ح1.

() الكافي: ج5 ص512 ح6.

() الكافي: ج5 ص511 ح4.

() الكافي: ج3 ص433 ب2 ح4537.

() الكافي: ج5 ص567 ح50.

() التشريع الجنائي الإسلامي.

() سورة البقرة: 229.

() التشريع الجنائي الإسلامي.

() الكافي: ج5 ص328 ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص268 ب1 ح7.

() سورة الإسراء: 23 و24.

() سورة لقمان: 14 و15.

() الكافي: ج2 ص159 ح8.

() سورة الإسراء: 23.

() سورة

آل عمران: 92.

() سورة الإسراء: 23.

() سورة الإسراء: 23.

() سورة الإسراء: 24.

() وسائل الشيعة: ج15 ص204 ب92 ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص198 ب86 ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص199 ب86 ح4.

() إذا كان ذلك سبباً لإغرائها.

() الكافي: ج6 ص48 ح6.

() وسائل الشيعة: ج21 ص482 ب86 ح27646.

() وسائل الشيعة: ج21 ص480 ب86 ح27642.

() وسائل الشيعة: ج21 ص487 ب91 ح27662.

() يذكر طرفاً من ذلك (الأستاذ المودودي) في كتابه (الحجاب).

() سورة الأنفال: 75.

() سورة البقرة: 83.

() هناك كلمة غير مقروءة في النسخة الموجودة عندنا. (الناشر)

() الأخلاق الإسلامية: ص97.

() سورة النساء: 36.

() سورة النساء: 1.

() سورة الرعد: 21 و22.

() الكافي: ج2 ص151 ح5.

() الكافي: ج2 ص152 ح15.

() الكافي: ج2 ص152 ح16.

() الكافي: ج2 ص156 ح29.

() الكافي: ج2 ص152 ح14.

() الكافي: ج2 ص152 ح17.

() الكافي: ج2 ص157 ح31.

() الكافي: ج2 ص157 ح32.

() الكافي: ج2 ص151 ح6.

() وسائل الشيعة: ج15 ص222 ب108 ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص215 ب103 ح1.

() وكذلك في قوله تعالي: عن لسان إبراهيم حيث خاطب عمه آزر: ?وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر…? سورة الأنعام: 74.

() الكافي: ج2 ص161 ح12.

() وسائل الشيعة: ج15 ص207 ب94 ح2.

() سورة آل عمران: 134.

() الارشاد: ج2 ص145.

() مشكاة الأنوار: ص217.

() سورة الرعد: 21.

() غيبة الطوسي: ص197.

() سورة النحل: 90.

() سورة الأعراف: 199.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة البقرة: 195.

() الكافي: ج2 ص671 ح1.

() الكافي: ج2 ص635 ح2.

() الكافي: ج2 ص636 ح5.

() وسائل الشيعة: ج8 ص399 ب1 ح5.

() وسائل الشيعة: ج8 ص433 ب29 ح1.

() وسائل الشيعة: ج8 ص433 ب29 ح2.

() وسائل الشيعة: ج8 ص433 ب29 ح4.

() وسائل الشيعة: ج8 ص433 ب29 ح4.

() وسائل الشيعة: ج8 ص433 ب29 ح5.

() الكافي: ج2 ص643 ح3.

() الكافي: ج2 ص643 ح2.

()

سورة الحجرات: 12.

() سورة القلم: 9.

() وسائل الشيعة: ج8 ص431 ب28 ح1.

() بحار الأنوار: ج66 ص368 ب38 ح6.

() انظر (الفضائل والأضداد) و(الأخلاق الإسلامية) و(الفضيلة الإسلامية) وموسوعة الفقه كتاب (الآداب والسنن) للإمام الشيرازي.

() وسائل الشيعة: ج11 ص225 ب34 ح2.

() وسائل الشيعة: ج11 ص225 ب34 ح3.

() الكافي: ج2 ص140 ح5.

() الكافي: ج2 ص147 ح17.

() الكافي: ج2 ص144 ح1.

() الكافي: ج2 ص144 ح2.

() ديوان الإمام علي عليه السلام: ص24.

() وسائل الشيعة: ج8 ص407 ب7 ح4.

() ديوان الإمام علي عليه السلام: ص207.

() وسائل الشيعة: ج8 ص407 ب7 ح1.

() سورة الشعراء: 100، 101.

() وسائل الشيعة: ج8 ص407 ب7 ح5.

() وسائل الشيعة: ج8 ص408 ب7 ح6.

() نهج البلاغة: ج18 ص12 ص112.

() وسائل الشيعة: ج8 ص415 ب14 ح5.

() وسائل الشيعة: ج8 ص414 ب14 ح1.

() سورة البقرة: 194.

() سورة النحل: 126.

() سورة الأعراف: 199.

() راجع وسائل الشيعة: ج11 ص218 ب29 ح1، وفيه: «العفو يزيد صاحبه عزاً». الحديث.

() راجع وسائل الشيعة: ج8 ص521 ب113 ح5، وفيه: «ألا أدلكم علي خير خلائق أهل الدنيا والآخرة…». الحديث.

() راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج1 2، للإمام المؤلف (دام ظله).

() راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج1 2، للإمام المؤلف (دام ظله).

() راجع كتاب (الحكومة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عليه السلام)، للإمام المؤلف (دام ظله).

() راجع كتاب (جهاد الحسين عليه السلام ومصرعه)، للإمام المؤلف (دام ظله).

() راجع كتاب (حكومة الرسول صلي الله عليه و اله والإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام) للإمام المؤلف (دام ظله).

() بحار الأنوار: ج46 ص289 ب6 ح12.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.