الطريق إلي الغيب

اشارة

اسم الكتاب: الطريق إلي الغيب

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

يَوْمَ تَرَي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

يَسْعَي نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي

مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا

ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

صدق الله العلي العظيم

سورة الحديد: 12

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين المنتجبين.

مالحياة الدنيا إلا لعب ولهو، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان. ومن أهم وظائف الإنسان في حياته التجهز للآخرة، وسلوك سبيل القربي والتوسم يسمة العبودية لله عزوجل؛ لأنه لا مناص للإنسان من المثول بين يدي ربه وخالقه سبحانه. فعليه أن يقف موقف المسكنة وينصب من نفسه شاخص العبودية، ويقيم وجهه لربه رب العزة ويستقبل ساحة الكبرياء والعظمة، ويتقرب إليه بأسمائه الحسني وصفاته ووسائل الدعاء وبما أمره به من اتخاذ السبل، حيث قال تبارك وتعالي: ?وابتغُوا إليه الوسيلة?().

فاللازم أن يتقرب الإنسان إلي الله تعالي بالمراقبة في مختلف الليالي والأيام والشهور والأعوام.

وهذا لا يكون إلا بالتقوي؛ لأنه لا يمكن بدونها الوصول والاتصال بساحة القدس والغيب، ولا يمكن بدونها بلوغ أي مقام؛ لأن النفس الإنسانية ما دامت ملوثة بالمحرمات لا تكون داخلة في الإنسانية ولا سالكة طريقها. وما دامت تميل إلي الشهوات واللذائذ النفسية وتستطيب حلاوتها فلن تصل إلي أول مقامات الكمال الإنساني، ومادام حب الدنيا والتعلق بها في القلب فلا يمكن أن تصل إلي مقام الزاهدين. وهكذا كلما طهرت النفس من المتعلقات والشوائب ارتفعت وسمت باتجاه الكمال الأكثر، فتقوي العامة تكون من المحرمات، وتقوي الخاصة تكون من المشتهيات، وتقوي الزاهدين في حب الدنيا وهكذا.

وبما أن الأعمال الحسنة أو السيئة يكون لها تأثير في النفس وتكون

التقوي هي المزكية والمطهرة من الدنس والقذارات، فهذا يحتاج إلي خشية من الحق سبحانه، التي بها التأثير التام في تقوي النفوس، ومن العوامل الكبيرة لإصلاح النفوس وذات دور في إصابة الأعمال وحسنها وكمالها.

والعامل الآخر الذي يحتاجه الإنسان والذي يكون بمثابة القوة الفاعلة هي النية الصادقة والإرادة الخالصة؛ لأنه ليس في العبادات شيء ذو أهمية مثل النية وخلوصها، فكلما كانت العبادة لا تتعلق بشيء سوي حب الله عزوجل، كانت هي التي تصل بقلوب أصحابها إلي محضر القدس الإلهي، فينظر بنور الله ويفيض عليهم اليقين ويكشف لهم الحقائق المستورة عن الأعين.

فهذه سيرة السابقين المقربين من رفقة هذا الطريق، طريق العبودية لله عزوجل، أعني محمداً وآله الطاهرين عليهم السلام وسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وما بين يديك عزيزي القارئ هذا الكتاب (الطريق إلي الغيب) وفيه جمل ولطائف يستفيد منها الراغبون، وهو من محاضرة ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي الإمام الشيرازي (دام ظله) الذي كانت له وقفات متنوعة في شتي المواضيع فزود بها المكتبة الإسلامية. حيث تناول سماحته (دام ظله) هذا الموضوع مدعوماً بقصص من قصص أولياء الله المؤثرة، واختتم حديثه (دام ظله) بما تيسر له من الآيات الكريمة والمأثور من الروايات الشريفة، وإيماناً منا بأهمية هذا السفر القيّم قمنا بطباعته ونشره وكذلك غيره من البحوث والمحاضرات التي ألقاها سماحته (دام ظله) في أوقات وأماكن مختلفة.

وقد راجع بعضها سماحة الإمام وأضاف إليها بعض الإضافات فأصبحت كمؤلفاته التي تجاوزت الألف وخمسمائة كتاب وكراس.

وفي الختام نرجو من الله عزوجل السداد والقبول وأن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان /ص.ب: 6080/13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد

وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الخوف والرجاء والحب

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «..فإن تقوي الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمي أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم، وجلاء عشا أبصاركم، وأمن فزع جأشكم، وضياء سواد ظلمتكم» ().

وفي كلام آخر له عليه السلام انه قال: «صفتان لا يقبل الله سبحانه الأعمال إلا بهما: التقي والإخلاص» ().

وهناك كثير من الآيات القرآنية التي تكشف لنا عن هذا المعني وتحثّنا عليه، ومن هنا يتبين أن سبب قبول الأعمال عند الله هو التقوي، حيث يقول عز من قائل: ?إنّما يتقبّلُ اللهُ من المُتّقين?() فعندما يصل الإنسان إلي هذه المرحلة والدرجة الرفيعة فإنه سوف ينظر بنور الله، وقد جاء عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «إتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله عزوجل» ().

فلنخض في هذا البحر العميق، وفي تلك الأمواج المتلاطمة، ولو شيئاً يسيراً من باب التذكير، وبذلك أمرنا ربنا بقوله: ?وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين?().

التقرب إلي الله

إن بعض الناس في هذه الدنيا يتقربون إلي الله سبحانه وتعالي باحدي طرقٍ ثلاث: وهي إما الخوف خوفاً من النار ، أو الرجاء طمعاً في الجنة ، أو الحب حب الله ، وهذه طرق ثلاث للتقرب إلي الله سبحانه، وبعضهم قال: هي قسمة عقلية لا استقرائية، كما في لغة أهل المنطق. ولعل في هذه الطرق الثلاث إشارة إلي أن ترك الدنيا وعدم الانخداع بمغرياتها من أهم الممهدات لنيل القربة عند الله سبحانه وتعالي.

قال تعالي: ?وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور?() فعلي المؤمن أن يتنبه إلي حقيقة الدنيا وهي أنها متاع الغرور لمن اغتر بها ولم يعمل لآخرته.

قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة،

ومن اشتغل بطلبها فهي له متاع بلاغ إلي ما هو خير منه، وقيل معناه: والعمل للحياة الدنيا متاع الغرور، وإنه كهذه الأشياء التي مثل بها في الزوال والفناء().

فالدنيا إذاً زائلة، ومتاع قليل، وتعقبها دار البقاء وهي الآخرة، فيها ينال الإنسان غاية أعماله وآماله. فعلي المؤمن أن يجعل الدنيا ممراً إلي الآخرة، متزوداً منها بالتقوي والإيمان. وفي وصية لقمان الحكيم لابنه قال: «..يا بني، إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصَّبر..» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتي يقتله» ().

اختيار الإنسان

إن طباع الناس ومواقفهم مختلفة في قبال هذه الطرق الثلاث الخوف والرجاء والحب ، فبعضهم وهو الغالب من الناس يغلب علي أنفسهم الخوف، حيث إنهم كلّما فكّروا فيما أوعد الله الظالمين، والذين يرتكبون المعاصي والذنوب من أنواع العذاب الذي أعدّ لهم زادهم ذلك في أنفسهم خوفاً وارتعاداً، وبذلك لجؤوا إلي عبادته تعالي خوفاً من عذابه.

أما الفئة الثانية من الناس فيغلب علي أنفسهم الرجاء، حيث إنهم كلما فكروا فيما وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من النعمة والكرامة وحسن العاقبة، زاد رجاؤهم وبالغوا في التقوي والتزموا بالأعمال الصالحة طمعاً في المغفرة والجنة.

والطائفة الثالثة حيث هذا الكلام المختصر يدور حولهم وهم الذين لا يعبدون الله خوفاً من عقابه، ولا طمعاً في جنته، وإنما يعبدونه عزوجل لأنه أهل للعبادة، وهم الذي محضوا الإيمان محضاً، والذين هم ينظرون بنور الله، وهم القليل النادر من الخلق؛ ذلك لأنهم عرفوا الله حق معرفته بأسمائه الحسني وصفاته العليا، فهم يعبدون الله ولا يريدون في شيء

من أعمالهم فعلاً أو تركاً إلا وجهه، ولا يلتفتون فيها إلي عقاب يخوّفهم، ولا إلي ثواب يرجيهم، وإن خافوا عذابه ورجوا رحمته، والي هذا يشير مولي المتقين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول: «إلهي، ما عبدتك خوفاً من عقابك، ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «لا يمحض رجل الإيمان بالله حتي يكون الله أحب إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله ومن الناس كلهم» ().

المرتبة الرفيعة

فعندما يصل الإنسان إلي هذه الدرجة الرفيعة من التقوي تنجذب نفسه إلي ساحة العزة والعظمة، ويغشي قلبه من المحبة الالهية ما ينسيه نفسه وكل شيء، وتمحي عن باطنه كل الأهواء والميول النفسانية التي تتعلق بالإنسان في هذه الدنيا، دون أن يشعر، ويبدل فؤاده قلباً سليماً ليس فيه إلا الله (عز اسمه)، فقد قال تعالي: ?والذين آمنوا أشد حباً لله?()؛ ولذلك يري أهل هذا الطريق أن الطريقين الآخرين طريق العبادة خوفاً وطريق العبادة طمعاً

لا يمثلان العبادة الخالصة المتكاملة؛ فإن الذي يعبد الله تعالي خوفاً من عذابه يتوسل به تعالي إلي دفع العذاب عن نفسه. كما أن من يعبده طمعاً في ثوابه يتوسل به تعالي إلي الفوز بالنعمة والكرامة، ولعل بعضهم لو تمكّن من الوصول إلي ما يبتغيه من غير أن يعبده تبارك وتعالي لم يعبده. وإنما كان أهل الحب وهو الطريق الثالث أولياء الله لتنزّههم عن الأهواء النفسانية والميول المادية.

إذن فلا يتم الإخلاص في العبادة إلا عن طريق الحب لله وفي الله وبالله، وهذا من أوثق عري الإيمان().

وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطي الله، فهو ممن

كمل إيمانه» ().

ويروي أن النبي عيسي عليه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم، فقال لهم: «ما الذي بلغ بكم ما أري»؟ فقالوا: الخوف من النار، فقال: «حق علي الله أن يؤمن الخائف» ، ثم جاوزهم إلي ثلاثة آخرين، فإذا هم أشد نحولاً وتغيراً، فقال: «ما الذي بلغ بكم ما أري؟» قالوا: الشوق إلي الجنة، فقال: «حق علي الله أن يعطيكم ما ترجون» ، ثم جاوزهم إلي ثلاثة آخرين، فإذا هم أشد نحولاً وتغيراً، كأن علي وجوههم المرايا من النور، فقال: «ما الذي بلغ بكم ما أري؟» فقالوا: نحب الله عزوجل، فقال: «أنتم المقرّبون أنتم المقربون» (). وفي بعض الروايات أنه عليه السلام قال للطائفتين الأوليين: مخلوقاً خفتم، ومخلوقاً رجوتم، وقال للطائفة الثالثة: أنتم أولياء الله حقاً، معكم أمرت أن أقيم.

كيف يورث هذا الحب الإخلاص؟

ورب سائل يسأل: كيف يورث هذا الحب الإخلاص؟

في مقام الجواب عن هذا السؤال نقول:

عبادته تعالي خوفاً من العذاب تبعث الإنسان علي الابتعاد عن المعاصي وملذات الدنيا للنجاة في الآخرة، وعبادته تعالي طمعاً في الثواب تبعث الإنسان إلي العمل الصالح لنيل نعمة الآخرة والجنة، والطريقان بكل جوانبهما لا يحققان الإخلاص لله بما هو ومن حيث هو، وإن احتمل إنهما يدعوان الإخلاص للدين لا لربّ الدين.

وأما محبة الله سبحانه وتعالي فإنها تطهّر القلب من التعلق بغيره تعالي من زخارف الدنيا وزينتها، وهذا يكشف عنه أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) في إحدي خطبه، المعروفة بالشقشقية، حيث يقول فيها عليه السلام:

«فَمَا رَاعَنِي إِلا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ()، إِلَيَّ يَنْثَالُونَ()، عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّي لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ. فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، ومَرَقَتْ أُخْرَي، وقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ

سُبْحَانَهُ يَقُولُ: ?تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَساداً والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ?() بَلَي واللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا ووَعَوْهَا، ولَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ، ورَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا، أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَولا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، ومَا أَخَذَ اللَّهُ عَلي الْعُلَمَاءِ أَلا يُقَارُّوا عَلَي كِظَّةِ ظَالِمٍ، ولا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَي غَارِبِهَا، ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ()» ().

وهذا الإنسان يحب من الأعمال ما يحبه الله، ويبغض منها ما يبغضه الله، ويرضي برضا الله ويغضب بغضب الله، وهو النور الذي يضيء له طريق العمل، وهؤلاء هم المقربون الفائزون بقربه تعالي، إذ لا يحول بينهم وبين ربهم شيء، مما يقع عليه الحس أو يتعلق به الوهم، أو تهواه النفس أو يهمز به الشيطان، فإن كل ما يتراءي لهم ليس إلا آية كاشفة عن الحق المتعال لا يحول بينه وبينهم حجاب، فيفيض عليهم ربهم (علم اليقين)، ويكشف لهم عما عنده من الحقائق المستورة عن هذه الأعين في هذا العالم المادّي بعدما يرفع الستر فيما بينهم وبينه، كما يشير قوله تعالي: ?كَلاَ إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ? وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ? كِتَابٌ مَرْقُومٌ ? يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ?().

وإجمالاً: إن مثل هؤلاء في الحقيقة هم المتوكلون علي الله، المفوضون إليه أمورهم، الراضون بقضائه، المسلِّمون لأمره، إذ لا يرون منه إلا خيراً ولا يشاهدون إلا جميلاً، فهم مخلصون لله في أخلاقهم كما كانوا مخلصين في أعمالهم، هذا معني إخلاص العبد دينه لله تعالي.

النظر بنور الله

وبعد أن يتوصل العبد إلي التقوي الحقيقية التي تقربه من الله تعالي، فإن هذا المؤمن ينظر بنور الله، وهذا ما يسمي بالتوسّم أو التفرس، وهو

الانتقال من رؤية الأشياء الظاهر إلي الباطن وكشفها علي حقيقة حالها، قال تعالي: ?إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ?()، وكما أشرنا سابقاً لحديث رسول الله الأعظم صلي الله عليه و اله: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عزوجل» (). وفراسة المؤمن أو التفرس: هو التثبت والنظر وإعمال الحدس الصائب في الأمور()؛ لذا فإن المؤمن يتدبر ويتفكر في الدلائل والبراهين من الكتاب والسنة والأدلة العقلية، ويختار من العقائد والأعمال ما هو أحسنها وأوفقها للأدلة، وفي بعض الكتب: «اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله» يقال بمعنيين، أحدهما: ما دلّ ظاهر هذا الحديث عليه، وهو ما يوقعه الله تعالي في قلوب أوليائه، فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس. والثاني: نوع يُتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق وللرياضيات الروحية، فتعرف به أحوال الناس.. ورجل فارس بالأمر: أي عالم به بصير().

نعم، المؤمن ينظر بنور الله، والتفرس من خواص المؤمن الذي قذف الله تعالي في قلبه أنواراً فأدرك بها المعاني، ولا يكون ذلك إلا لمن غضّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمّر باطنه بصفاء السريرة ومراقبة الله تعالي باتباع الكتاب والسنة، ولم يدخل معدته الحرام، وخرس لسانه من الكذب والغيبة ولغو القول.

والروايات التي وردت عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام كثيرة في هذا المجال، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلي بينة، يلهمه الله تعالي فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استنبطوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسم، قال الله سبحانه وتعالي: ?إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ? وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ?()» ().

وفي رواية أخري عن محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت

جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: يا بن رسول الله، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها، فقال: «إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، وإن شئت فاسأل».

قال: قلت له: يا بن رسول الله، وبأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟

فقال: «بالتوسم والتفرس، أما سمعت قول الله عزوجل: ?إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ? وقول رسول الله صلي الله عليه و اله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ().

وكل ذلك لامتلاكهم ذلك الصفاء الخالص الذي لا يخالطه شيء، ولأنهم محضوا الإيمان محضاً وسلكوا الطريق الثالث الذي أشرنا إليه سابقاً حب الله عزوجل .

ولننقل لكم بعض الشواهد والمصاديق علي ذلك:

قصة خطيب

ذكر أحد الخطباء حادثة وقعت له، حيث ذكر أنه كان يذهب للقراءة في مكان ناء وفي مجلس خاص، وكان من المقرر أن يستمر المجلس لمدة أربعين يوماً، ولم يكن أحد يعرف بهذا الأمر إطلاقاً، حتي زوجته وأولاده، وكان موضوع المجلس مكرّساً ضد أحد الأشخاص والنيل منه، وفي اليوم السابع بينما كان المجلس منعقداً بعد صلاة الصبح وكانوا قد قرروا قطع تيار الهاتف يومياً من بداية المجلس حتي نهايته، كي لا يسبب ذلك انزعاجاً للخطيب أو المستمعين ، وبينما كان الخطيب مستمراً في حديثه رن جرس الهاتف! فتأثر الخطيب كثيراً لنسيان قطع الهاتف، وبعد أن رفعوا سماعة الهاتف كان المتكلم هو أحد أبناء المراجع، وقد كلفه والده بأن يقول لهذا الخطيب أن يكف عن هذا الحديث، ويترك إقامة تلك المجالس!!

فمن أخبر المرجع بأن الخطيب يريد التحدث حول فلان؟.. ومن أخبره بمكان المجلس أين؟ ومن أخبره بالخطيب؟ ألم يكن ذلك سوي صفاء باطنه وفراسته.

إن (صفاء الباطن) يعد أمراً واقعياً في هذه الدنيا، وقد ابتعد عنه كثير

من المسلمين، واندفعوا بقوة نحو الحاجات المادية في هذا العالم المادي، في حين إن علي الإنسان أن يكون علي مستوي من المعنويات، وأن لا يأخذ أي شيء بنظر الاعتبار سوي رضا الله تعالي، وليس معني هذا أن لا نأكل الطعام أو ننزوي عن الحياة، بل المعني: أن تكون لنا رابطة قوية بالله وأن تكون لنا معنويات عالية حتي نحصل علي صفاء الباطن وصفوا السريرة.

قال أبو عبد الله عليه السلام: «إن الله عزوجل يقول: إني لست كل كلام الحكمة أتقبل، إنما أتقبل هواه وهمه، فإن كان هواه وهمه في رضاي جعلت همه تقديساً وتسبيحاً» ().

وقال أبو جعفر عليه السلام: «ما أخلص عبد الإيمان أربعين يوماً أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوماً إلا زهده الله في الدنيا وبصره داءها ودواءها وأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، ثم تلا: ?إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين?() فلا تري صاحب بدعة إلا ذليلاً، أو مفترياً علي الله عزوجل وعلي رسوله وأهل بيته صلي الله عليه و اله إلا ذليلاً» ().

صفاء القلب عند السيد محمد تقي الطباطبائي رحمة الله عليه

السيد محمد تقي الطباطبائي هو أحد العلماء الأتقياء ممن عاصرناه، وكان رحمة الله عليه يقيم الصلاة جماعة في صحن الإمام الحسين عليه السلام وذات مرة كان حاضراً في مدرسة (حسن خان) في كربلاء في ليلة من ليالي شهر رمضان، وكان يقرأ في كل ليلة مائة مرة (سورة الدخان)، حيث ذكر في الروايات أن من قرأها في كل ليلة من ليالي شهر رمضان مائة مرة مع سورة الإخلاص فإنه يري الغرائب والعجائب().

وفي إحدي الليالي وبينما كان السيد منشغلاً بالإحياء والذكر انتبه إلي سقف الغرفة التي كان يجلس فيها،

فإذا به يرتفع عن موقعه وأساسه، وإذا بالملائكة تنزل من السماء إلي الأرض.وقد روي عنهم عليهم السلام أن هكذا أفراد (عاشوا في الدنيا بأرواح معلقة بالملأ ()

الأعلي)()، فإنه لولا صفاء الباطن الذي تحلّي به السيد رحمة الله عليه ومحضه للإيمان لم تنكشف له تلك المغيبات التي رآها بنور الله عزوجل، وهذه الكرامات قد خص الله بها أولياءه.

قصة الشيخ دخني!

ذكر أحد المؤمنين الثقاة بأنه كان يوماً في مسجد الكوفة، وحينما أراد الوضوء نزل إلي سرداب المسجد المعروف عند الناس ب(سفينة نوح عليه السلام) فشاهد هناك شخصاً ذا هيبة كان يتوضأ، يقول ذلك الشخص: فقلت له: اسمح لي أن أتوضأ لكي أتمكن من الالتحاق بصلاة الجماعة بامامة الشيخ عبد الله (وكان الشيخ عبد الله يقيم الصلاة جماعة في مسجد الكوفة كل يوم) فقال لي: أتعني الصلاة بإمامة الشيخ دخني؟ فقلت له: لا بإمامة الشيخ عبد الله، وبعدها توضأت والتحقت بالصلاة، ثم بعد أن أتم الجميع صلاتهم ذهبت إلي الشيخ عبد الله، وسألته عما إذا كان لقبه الدخني أم لا؟

فأجابني: لا، وقال: من أخبرك بذلك؟ فحدثته عما جري، فقال: عجيب! إنني الآن حينما كنت في الصلاة كنت أفكر في الدخن وشدة نعومته، ولربما كان الذي تحدث معك هو (ولي العصر (أرواحنا فداه)) أو هو من أولياء الله الصالحين! وقد تأثر الشيخ عبد الله كثيراً بسبب ذلك.

لذا علينا أن نجدَّ لنتمكن من تقوية صفاء قلوبنا، وكذلك نلقّن هذا الصفاء للناس؛ وذلك لأن كثيراً من الناس هم اليوم قد ابتعدوا عن المعنويات واتجهوا صوب الماديات فنسيهم الله سبحانه وصاروا هدفاً لهجوم المستعمرين قال تعالي: ?نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ?().

قوة الروح عند الميرزا علي آغا الزاهد

نقل أحد طلبة العلوم الدينية فقال: كنا في مسجد الكوفة وأردنا أن نذهب من هناك إلي النجف، وفي مسجد الكوفة رأيت الميرزا (علي آغا) وهو من الزهّاد المعروفين، وما أن سلمت عليه حتي أخذ بيدي إلي زاوية من زوايا المسجد وبدأ بنصيحتي، وفي هذه الأثناء رأيت (أفعي) زحفت نحونا، فقلت (للميرزا علي آغا) بفزع وخوف: حية حية، فأشار الميرزا إليها بيده وأمرها بالوقوف فوقفت، فبقيت متعجباً لما رأيت من أمر الميرزا،

وبعد أن افترقنا ذهبت إلي تلك الحية وكنت خائفاً حذراً فوجدت أنها قد يبست في مكانها وأصبحت دون روح؟

فهل هذا يعزي إلي شيء آخر غير قوة الروح وصفاء الباطن عند (الشيخ الميرزا علي آغا رحمة الله عليه)؟

قصة أخري

ذكر أحد طلاب الشيخ الميرزا علي آغا يقول: في أحد الأيام طلبت من الشيخ (الميرزا) أن يعلمني طريقة أحصل بها علي صفاء القلب؛ وبذلك أستطيع الحصول علي شرف زيارة الإمام صاحب الزمان عليه السلام، فأجابني الميرزا قائلاً: أنت غير مؤهّل للقاء صاحب الزمان عليه السلام ولكن لإصرارك الشديد فإنك تستطيع أن تذهب أربعين مرة في كل ليلة أربعاء إلي مسجد السهلة() وتؤدي كذا أعمال (كناية عن أوراد وأذكار معينة). فذهبت، وعملت بما علمني حتي إذا صارت ليلة الأربعاء الأخيرة، سمعت صوتاً مهيباً من خلفي: يا فلان تهيأ للقاء الإمام صاحب الزمان عليه السلام، وتكرر النداء ثلاث مرات، ولكني من شدة الهيبة والرهبة أغمي علي من الليل ولم أفق حتي بزوغ الشمس من اليوم الثاني، ولم أحصل علي أية نتيجة، وعند عودتي أخبرت الأستاذ الميرزا بما حصل، فقال لي: ألم أقل لك أنك لا تملك الأهلية للقاء الإمام عليه السلام!.

فهل هذا الإخبار قبل أربعين أسبوعاً يدل علي شيء غير علوّ روح الميرزا رحمة الله عليه، وما وصل إليه من المكاشفة والإخبار عن الغيب!؟

مكاشفة في عالم البرزخ

حدثني اثنان من الزهاد وهما يعيشان الآن في مدينة قم المقدسة أن أحدهما بقي في مسجد السهلة سنة كاملة، والآخر بقي هناك سبع سنوات، كما يقول أحد هذين الزاهدين: عندما جئت إلي إيران، رأيت بعيني كلما مررت علي مدينة (شاه عبد العظيم) حيث قبر بهلوي هناك ألسنة النار تخرج من شعلة كبيرة كأنها التنور، كما رأيت البهلوي رضا خان() وآخر معه بين لحظة وأخري يحاولان الخروج من التنور حتي إذا أوشكا الخروج منها أرجعاً ثانية قسراً إلي التنور …

ولم تكن تلك رؤيا في عالم المنام بل هي حقيقة من عالم اليقظة، إذ أن

المؤمن ينظر بنور الله، وقد سألته عن الشخص الثاني الذي كان مع بهلوي؟ فقال: لا أعرف اسمه إلا أنه كان أقصر قامة من بهلوي وعلي رقبته صليب!

شهر رمضان فرصة لتقوية الروح

والآن أيها الأخوة، هذا شهر رمضان، وهو وقت مناسب لتقوية الروح الإنسانية حتي تحصل علي صفائها، وهو أفضل فرصة تستثمر لترويض الإنسان نفسه؛ لأجل أن يري صغر وحقارة الدنيا في عينه، ويكون دائم الانتباه، ويلاحظ فقط رضا الله تعالي؛ لأن الدنيا أشبه بالجسر الذي يتوجب علي الإنسان الاستفادة منها أثناء عبوره، فالدنيا ليست دار بقاء بل هي وسيلة لحياة الإنسان الباقية والأبدية، وكما قال النبي عيسي عليه السلام للحواريين: «انما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها» ().

وسئل النبي نوح عليه السلام الذي عاش ما يقارب (2500) عام عن الدنيا فقال عليه السلام: «كأني دخلت من باب وخرجت من أخري» ().

ومن الأشياء التي يجب أن يُذكّر بها الناس: الروايات والآيات التي تخص العقاب والثواب()، وهي كثيرة جداً في هذا المجال، لما لها من فعل مؤثر ومشوق، ولها القدرة علي أن تقوم بدور كبير في تعادل وتوازن المجتمع الإسلامي.

الميرزا صادق التبريزي تنبّأ بوفاته!

طلب تلامذة الشيخ (الميرزا صادق التبريزي) من أستاذهم يوماً أن يرافقهم في سفرة إلي همدان، لزيارة قبر الشيخ (محمد البهاري)، فقال لهم أستاذهم (التبريزي): إذهبوا أنتم للزيارة، أما أنا فسوف أزوره ليلة الجمعة، وما أن حان وقت ليلة الجمعة حتي ارتحل (الميرزا صادق التبريزي) من دار الدنيا إلي الآخرة، ولمّا سمع طلابه خبر وفاته() عرفوا معني كلامه وأنه كان موعد لقاء روحه بروح الشيخ البهاري (رحمة الله عليهما).

لذا، فلو صلح الباطن (الذي هو في مقدمة كل الأمور) لجعل الله لجميع المشاكل الدنيوية والأخروية فرجاً ومخرجاً.

من هم المتقون؟

إن صفاء الباطن والوصول إلي التقوي الحقيقية التي أرادها الله سبحانه وتعالي، هي من الرياضات النفسية التي لا تحصل إلا بالعناء والجهد الكبيرين، وأظهر مصداق لتلك الحقيقة هو ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله أحد أصحابه وهو همام. فقد روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همّامٌ، كان رجلاً عابداً، فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المُتّقين حتّي كأنّي أنظر إليهم؟ فتثاقل عليه السلام عن جوابه، ثُمّ قال: «يا همّام اتّق اللّه وأحسن، ف?إنّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هُم مُحسنُون?()». فلم يقنع همّامٌ بهذا القول حتي عزم عليه، فحمد اللّه وأثني عليه وصلّي علي النّبيّ صلي الله عليه و اله ثُمّ قال عليه السلام:

«..فالمُتّقُون فيها هُم أهلُ الفضائل، منطقُهُمُ الصّواب، وملبسُهُمُ الاقتصادُ، ومشيُهُمُ التّواضُعُ، غضُّوا أبصارهُم عمّا حرّم اللّهُ عليهم، ووقفُوا أسماعهُم علي العلم النّافع لهُم، نُزّلت أنفُسُهُم منهُم في البلاء كالّتي نُزّلت في الرّخاء، ولولا الأجلُ الّذي كتب اللّهُ عليهم لم تستقرّ أرواحُهُم في أجسادهم طرفة عينٍ؛ شوقاً إلي الثّواب وخوفاً من العقاب، عظُم الخالقُ في أنفُسهم، فصغُر ما دُونهُ في أعيُنهم، فهُم

والجنّةُ كمن قد رآها، فهُم فيها مُنعّمُون، وهُم والنّارُ كمن قد رآها، فهُم فيها مُعذّبُون، قُلُوبُهُم محزُونةٌ، وشُرُورُهُم مأمُونة، وأجسادُهُم نحيفةٌ، وحاجاتُهُم خفيفةٌ، وأنفُسُهُم عفيفةٌ، صبرُوا أيّاماً قصيرةً أعقبتهُم راحةً طويلةً، تجارةٌ مُربحةٌ، يسّرها لهُم ربُّهُم، أرادتهُمُ الدُّنيا فلم يُريدُوها، وأسَرَتهُم ففدوا أنفُسهُم منها. أمّا اللّيل، فصافُّون أقدامهُم تالين لأجزاء القُرآن يُرتّلُونها ترتيلا؛ يُحزّنُون به أنفُسهُم، ويستثيرُون به دواء دائهم، فإذا مرُّوا بآيةٍ فيها تشويقٌ ركنُوا إليها طمعاً، وتطلّعت نُفُوسُهُم إليها شوقاً، وظنُّوا أنّها نُصب أعيُنهم. وإذا مرُّوا بآيةٍ فيها تخويفٌ، أصغوا إليها مسامع قُلُوبهم، وظنُّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أُصُول آذانهم، فهُم حانُون علي أوساطهم مُفترشُون لجباههم وأكُفّهم ورُكبهم وأطراف أقدامهم، يطلُبُون إلي اللّه تعالي في فكاك رقابهم. وأمّا النّهار، فحُلماءُ عُلماءُ أبرارٌ أتقياءُ، قد براهُمُ الخوفُ بري القداح، ينظُرُ إليهمُ النّاظرُ فيحسبُهُم مرضي، وما بالقوم من مرضٍ، ويقُولُ لقد خُولطُوا، ولقد خالطهُم أمرٌ عظيمٌ، لا يرضون من أعمالهمُ القليل، ولا يستكثرُون الكثير؛ فهُم لأنفسهم مُتّهمُون، ومن أعمالهم مُشفقُون، إذا زُكّي أحدٌ منهُم خاف ممّا يُقالُ لهُ، فيقُولُ: أنا أعلمُ بنفسي من غيري، وربّي أعلمُ بي منّي بنفسي، اللّهُمّ لا تُؤاخذني بما يقُولُون، واجعلني أفضل ممّا يظُنُّون، واغفر لي ما لا يعلمُون. فمن علامة أحدهم أنّك تري لهُ قُوّةً في دينٍ، وحزماً في لينٍ، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علمٍ، وعلماً في حلمٍ، وقصداً في غنًي، وخُشُوعاً في عبادة، وتجمُّلا في فاقةٍ، وصبراً في شدّةٍ، وطلباً في حلالٍ، ونشاطاً في هُدًي، وتحرُّجاً عن طمعٍ. يعملُ الأعمال الصّالحة وهُو علي وجلٍ، يُمسي وهمُّهُ الشُّكرُ، ويُصبحُ وهمُّهُ الذّكرُ، يبيتُ حذراً ويُصبحُ فرحاً، حذراً لما حُذّر من الغفلة، وفرحاً بما أصاب من الفضل والرّحمة. إن استصعبت

عليه نفسُهُ فيما تكرهُ، لم يُعطها سُؤلها فيما تُحبُّ، قُرّةُ عينه فيما لايزُولُ، وزهادتُهُ فيما لا يبقي، يمزُجُ الحلم بالعلم، والقول بالعمل، تراهُ قريباً أملُهُ، قليلا زللُهُ، خاشعاً قلبُهُ، قانعةً نفسُهُ، منزُوراً أكلُهُ، سهلا أمرُه، حريزاً دينُهُ، ميّتةً شهوتُهُ، مكظُوماً غيظُهُ. الخيرُ منهُ مأمُولٌ، والشّرُّ منهُ مأمُونٌ. إن كان في الغافلين كُتب في الذّاكرين، وإن كان في الذّاكرين لم يُكتب من الغافلين. يعفُو عمّن ظلمهُ، ويُعطي من حرمهُ، ويصلُ من قطعهُ، بعيداً فُحشُهُ، ليّناً قولُهُ، غائباً مُنكرُهُ، حاضراً معرُوفُهُ، مُقبلا خيرُهُ، مُدبراً شرُّهُ، في الزّلازل وقُور، وفي المكاره صبُور، وفي الرّخاء شكُورٌ لا يحيفُ علي من يُبغضُ، ولا يأثمُ فيمن يُحبُّ. يعترفُ بالحقّ قبل أن يُشهد عليه، لا يُضيعُ ما استُحفظ، ولا ينسي ما ذُكّر، ولا يُنابزُ بالألقاب، ولا يُضارُّ بالجار، ولا يشمتُ بالمصائب، ولا يدخُلُ في الباطل، ولا يخرُجُ من الحقّ. إن صمت لم يغُمّهُ صمتُه، وإن ضحك لم يعلُ صوتُهُ، وإن بُغي عليه صبر، حتّي يكُون اللّهُ هُو الّذي ينتقمُ لهُ. نفسُهُ منهُ في عناءٍ، والنّاسُ منهُ في راحةٍ، أتعب نفسهُ لآخرته، وأراح النّاس من نفسه، بُعدُهُ عمّن تباعد عنهُ زُهدٌ ونزاهةٌ، ودُنُوُّهُ ممّن دنا منهُ لينٌ ورحمةٌ، ليس تباعُدُهُ بكبرٍ وعظمة، ولا دُنُوُّهُ بمكرٍ وخديعةٍ» ().

وهذه الكمالات، بدورها هي التي توصلنا إلي ذلك الصفاء (صفاء الباطن)، والتي من خلالها يمكن أن يهتدي الإنسان بنور الله سبحانه وتعالي.

«إلهي أنت الغني بذاتك أن يصل إليك النفع منك، فكيف لا تكون غنياً عني، إلهي إنّ القضاء والقدر يمنيني [يميتني]، وإن الهوي بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت النصير لي، حتي تنصرني وتبصرني، واغنني بفضلك حتي أستغني بك عن طلبي [طلبتي]، أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب

أوليائك حتي عرفوك ووحدوك [ووجدوك]، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك، حتي لم يحبوا سواك، ولم يلجأوا إلي غيرك» ().

من هدي القرآن الحكيم

ما يورث التقوي

وقال سبحانه: ?يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون?().

وقال عزوجل: ?وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون?().

وقال جل وعلا: ?الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون?().

وقال سبحانه: ?وتوكّل علي الحيّ الّذي لا يموت وسبّح بحمده?().

العبادة التصديقية

وقال سبحانه: ?إيّاك نعبد وإيّاك نستعين?().

وقال تعالي: ?ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطّاغوت?().

وقال عزوجل: ?ولا تعملون من عملٍ إلاّ كنّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه?().

وقال جل وعلا: ?ذلكم الله ربّكم لا إله إلاّ هو خالق كلّ شيءٍ فاعبدوه?().

أحباب الله

وقال عزوجل: ?فإنّ الله يحبّ المتّقين?().

وقال جل وعلا: ?إنّ الله يحبّ المحسنين?().

وقال سبحانه: ?والله يحبّ الصّابرين?().

نور التقوي

قال سبحانه: ?يا أيّها الّذين ءامنوا اتّقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به?().

وقال تعالي: ?يوم تري المؤمنين والمؤمنات يسعي نورهم بين أيديهم وبأيمانهم?().

وقال جل وعلا: ? يا أيّها الّذين ءامنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً?().

وقال سبحانه: ?أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها?().

ثمار التقوي

قال سبحانه: ?ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً?().

وقال تعالي: ?ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً?().

وقال جل وعلا: ? ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ? ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل علي الله فهو حسبه?().

وقال تعالي: ?وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خيرٌ ولنعم دار المتقين?().

من هدي السنة المطهرة

سمات المتقين

من وصايا النبي صلي الله عليه و اله لأبي ذر (رض) قال:

«يا أبا ذر، لا يكون الرجل من المتقين حتي يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه،

فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه أمن حل أم من حرام؟» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «التقوي ثمرة الدين وأمارة اليقين» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إن لأهل التقوي علامات يعرفون بها: صدق الحديث وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقلة الفخر والبخل، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتباع العلم فيما يقرب إلي الله عزوجل» ().

العبادة التصديقية

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «..يا أبا ذر، أعبد الله كأنك تراه، فان كنت لا تراه فانه يراك، وأعلم، أن أول عبادة الله المعرفة به، فهو الأول قبل كل شيء فلا شيء قبله، والفرد فلا ثاني له … ثم الإيمان بي، والإقرار بأن الله تعالي أرسلني إلي كافة الناس بشيراً ونذيراً ?وَدَاعِياً إِلَي اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً?()، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله أيضاً: «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، وأحبها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرغ لها، فهولا يبالي علي ما أصبح من الدنيا علي عسر أم علي يسرٍ» ().

وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «من عمل بما افترض الله عليه فهو من أعبد الناس» ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: «إن العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزوجل خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالي طلب الثواب، فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عزوجل حباً له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة» ().

اكتساب الحب الإلهي

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أحب عباد الله إلي الله جل جلاله أنفعهم لعباده، وأقومهم بحقه الذين يحبب إليهم المعروف وفعاله» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلي الله من نفع عيال الله، وأدخل علي أهل بيتٍ سروراً» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أحب العباد إلي الله عزوجل: رجل صدوق في حديثه، محافظ علي صلواته وما افترض الله عليه، مع أدائه الأمانة» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة المائدة: 35.

() نهج البلاغة: خطبة 198 من خطبة له عليه السلام ينبه علي إحاطة علم الله بالجزئيات ثم يحث علي التقوي ويبين فضل الإسلام.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 الفصل4 في العمل ح2914.

() سورة المائدة: 27.

() الكافي: ج1 ص218 ح3.

() سورة الذاريات: 55.

() سورة الحديد: 20.

() تفسير مجمع البيان: ج9 ص239 في تفسير سورة الحديد.

() الكافي: ج1 ص16 كتاب العقل والجهل ح11.

() الكافي: ج2 ص136 باب ذم الدنيا ح24.

() بحار الأنوار: ج41 ص14 ب101 ح4. وأنظر غوالي اللآلي: ج1 ص404 المسلك الثالث ح63 وفيه قال عليه السلام:» ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك «.

() بحار الأنوار: ج67 ص25 ب43 ح25.

() سورة البقرة: 165.

() كما قال الإمام الصادق عليه السلام:» من أوثق عري الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع في الله «الكافي: ج2 ص125 باب الحب في الله والبغض في الله ح2.

() الكافي: ج2 ص124 باب الحب في الله والبغض في الله ح1.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص224 بيان الحب لله ولرسوله ?.

() عُرف: عرف الديك والفرس والدابة وغيرها، منبت الشعر والريش من العنق، والجمع أعراف

والضبع يقال لها عرفاء لطول عرفها وكثرة شعرها وهو ثخين يضرب به المثل في الكثرة والازدحام، أنظر لسان العرب: ج9 ص241 مادة (عرف).

() ينثالون: يتتابعون مزدحمين، مجمع البحرين: ج5 ص477 مادة (نثل)، وفي لسان العرب: تناثل الناس إليه أي انصبوا ج11 ص645 مادة (نثل).

() سورة القصص: 83.

() أي ضرطة عنز. لسان العرب ج7 ص353 مادة (عفط).

() نهج البلاغة، خطبة: 3 المعروفة بالشقشقية.

() سورة المطففين: 18-21.

() سورة الحجر: 75.

() الكافي: ج1 ص218 ح3.

() أنظر لسان العرب: ج6 ص160 مادة (فرس).

() راجع لسان العرب: ج6 ص160 مادة (فرس)، والنهاية لابن أثير: ج3 ص428 مادة (فرس).

() سورة الحجر: 75-76.

() الإرشاد: ج2 ص386 باب ذكر علامات قيام القائم ?.

() بحار الأنوار: ج38 ص79 ب60 ح2.

() وسائل الشيعة: ج15 ص279 ب32 ح20512.

() سورة الأعراف: 152.

() بحار الأنوار: ج67 ص240 ب54 ح8.

() أنظر وسائل الشيعة: ج10 ص363 ب34، وتأويل الآيات: ص555، وثواب الأعمال: ص114 ثواب من قرأ سورة الدخان.

() الملأ: هم الرؤساء، سموا بذلك لأنهم ملاء بما يحتاج إليهم وقيل أشراف القوم ووجوههم ورؤسائهم ومقدموهم وفي الحديث: هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ يريد الملائكة المقربين. أنظر لسان العرب: ج1 ص159 مادة (ملأ).

() أنظر الكافي: ج1 ص335 باب نادر في حالة الغيبة ح3، والخصال: ج1 ص186 باب الثلاثة ح257.

() سورة التوبة: 67.

() يقع مسجد السهلة في العراق قرب مدينة الكوفة، حيث يقصده المؤمنون للعبادة وتهذيب النفس، كما يقصده ذوو الحاجة ومن يودّ رؤية الإمام الحجة المهدي المنتظر ?، وهو مشهور بحدوث كرامات عظيمة فيه.

() رضا بهلوي (1878-1944م) شاه إيران حكم بالظلم والجور والاستبداد ونشر الفساد، تنازل لابنه محمد عام (1941م).

() بحار الأنوار: ج14 ص319 ب21 ح20.

() راجع تنبيه الخواطر ونزهة النواظر:

ج1 ص131، وفيه: ان جبرائيل عليه السلام قال لنوح عليه السلام: «يا أطول الأنبياء عمراً، كيف وجدت الدنيا؟ قال عليه السلام: كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر».

() للإفادة أكثر مطالعة كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق رحمة الله عليه وما أشبه.

() دفن الشيخ التبريزي رحمة الله عليه في مدينة قم المقدسة وله كرامات ظاهرة وكثيرة.

() سورة النحل: 128.

() نهج البلاغة، الخطبة: 193، يصف عليه السلام فيها المتقين.

() الاقبال: ص349 فصل من أدعية يوم عرفة، عنه مفاتيح الجنان من دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة.

() سورة الأنبياء: 20.

() سورة الأنعام: 153.

() سورة البقرة: 3.

() سورة الفرقان: 58.

() سورة الفاتحة: 5.

() سورة النحل: 36.

() سورة يونس: 31.

() سورة الأنعام: 102.

() سورة آل عمران: 76.

() سورة البقرة: 195.

() سورة آل عمران: 146.

() سورة الحديد: 28.

() سورة الحديد: 12.

() سورة الأنفال: 29.

() سورة الأنعام: 122.

() سورة الطلاق: 4.

() سورة الطلاق: 5.

() سورة الطلاق: 2-3.

() سورة النحل: 30.

() مكارم الأخلاق: ص468 ب12 الفصل 5 في وصية رسول الله ? لأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه).

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص271 الفصل 5 في التقوي والورع ح5902.

() الخصال: ج2 ص483 لأهل التقوي اثنا عشر علامة ح56.

() سورة الأحزاب: 44.

() بحار الأنوار: ج74 ص76 ب4 ح3.

() الكافي: ج2 ص83 باب العبادة ح3.

() الكافي: ج2 ص84 باب العبادة ح7.

() الكافي: ج2 ص84 باب العبادة ح5.

() بحار الأنوار: ج74 ص154 ب7 ح110.

() الكافي: ج2 ص164 باب الاهتمام بأمور المسلمين ح6.

() بحار الأنوار: ج80 ب6 ص11 ح10.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.