كشف الحقائق : رد علي هذه نصيحتي الي كل شيعي

اشارة

سرشناسه : آل محسن، علي

عنوان قراردادي : هذه نصيحتي الي كل شيعي. شرح.

عنوان و نام پديدآور : كشف الحقائق : رد علي هذه نصيحتي الي كل شيعي/تاليف علي آل محسن.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1386.

مشخصات ظاهري : 233 ص.

شابك : 16000 ريال : 978-964-540-080-2

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ قبلي: دارالصفوه، 1374.

يادداشت : كتابنامه: ص. [211] - 233؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : جزايري، ابوبكرجابر. هذه نصيحتي الي كل شيعي -- نقد و تفسير.

موضوع : شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها.

شناسه افزوده : جزايري، ابوبكرجابر Jazairi, AbuBakr Jabir . هذه نصيحتي الي كل شيعي. شرح.

رده بندي كنگره : BP212 /ج4ھ4082 1386

رده بندي ديويي : 297/417

شماره كتابشناسي ملي : 1179309

تقاريض

تفضل الأديب الشاعر البارع السيد عبد الستار الحسني مشكوراً بهذه القصيدة أبا حسنٍ [1] . للدينِ لا زلتَ ناصراً تناضلُ عنه كلَّ باغٍ مُضلِّلِ وتدمغُ بالحقِّ الصّراحِ مبادراً أباطيلَ حاكتْها أناملُ مبطلِ فكم لكَ من برهانِ صدقٍ علي العدا صدعْتَ به بالنصِّ غيرَ مؤوَّلِ فكان علي أعداءِ آل محمدٍ (كجلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من علِ) جدَعتَ به أنفَ الكذوبِ وسِمتَه هواناً بتقريرِ الدليلِ المكمَّلِ وحسبُك ما أظهرتَ من بَهْتِ (جابر) وطبَّقتَ من (إلزامِه) كلَّ مِفصَلِ [2] . فعاد (أبو بكر) بصفقةِ خاسرٍ غداةَ ب_ (كشفِ الحقِّ) أفلجه (علي) [3] . غدا حيثُ قد سمَّي الخداعَ (نصيحةً) شبيهاً بمن يُعزَي لدينِ السموألِ وما ضرَّ من والي علياً ونسلَه كلامُ جهولٍ ناصبيٍّ مغفَّلِ كما نسبوا للمصطفي الطهرِ ضلّةً من (الهجرِ) ما شانوا به كلَّ محفلِ [ صفحه 6] وفي ردِّه (ما ينطقُ) الدهرُ شاهدٌ وتقريرُ هذا في (المساندِ) فاسألِ فللهِ درِّ الفذِّ من (آلِ محسنٍ) قريعِ المعالي والفخارِ المؤثَّلِ بما ذبَّ

عن نهجِ الهدي بِيَراعِهِ وذادَ عن الآلِ الكرامِ بِمِقْوَلِ بآثارِه لاحتْ شواهدُ فضلِه فدونَكَها من مجملٍ ومفصَّلِ وتلكَ أياديهِ علي (حوزةِ الهدي) كغيثٍ توالي بالمكارمِ مُسْبِلِ (سبوحٌ لها منها عليها شواهدٌ) فما شئتَ من أقْباسِها الزُّهْرِ فاجْتَلِ وقال في تأريخ عام صدور الطبعة الثانية من الكتاب: لاح (كشفُ الحقِّ) كالشمسِ سَنَاً عَمَّ منه الكونَ نورٌ ثاقبً سَرَّ أبناءَ الهدي في نشرِه وبه غِيظَ الكذوبُ الناصب جَلَّ من ذي صولةٍ أرِّخْ: بها (لأبي بكرٍ) (عليٌّ) غالب 8 265 110 1033 1416ه_ وسَمَح بهذه الأبيات الأديب الشاعر البارع الأستاذ محمد سعيد عبد الحسين الكاظمي، في ذي الحجة الحرام سنة 1416ه_، فشكراً له علي ما جاد به: أجِب يا (أبا بكر) (علياً) فإنه دعاك لمفروضٍ علي كلِّ مؤمنِ أتيتَ بدلوٍ فاحذرِ البحرَ مائجاً وبِعْ ماءَ هذا الدلوِ في غيرِ موطنِ فدونَك أخطارٌ ودون المني ضُبيً وأربابُ أقلامٍ وأفذاذُ ألسنِ أنُصْحاً وقد سطَّرتَ غيَّاً وفِرْيةً أسأتَ وكلُّ النصحِ في (آلِ محسنِ) [ صفحه 7] وأتحفنا ولدنا العزيز الشيخ أحمد بن الشيخ عباس كاشف الغطاء دام توفيقه بهذه الأبيات: أبا (كشفِ الحقائقِ) دمتَ فينا مناراً تستضيءُ به الحياري وترفعُ للشريعة بندَ عزٍّ يُلاذُ به إذا ما النقعُ ثارا بكشفِكَ للحقائقِ غضتَ قوماً غدوا في طيشِ جهلِهمُ سُكاري سللتَ لنصرة الكرارِ عضباً يمانياً لك ادُّخرَ ادّخارا ومَن بالنصرِ أولي من عليٍّ ومنهجِه لمن رام انتصارا لقد أوليتَني يا عَمُّ فضلاً شأي الأحوالَ واستبق النضارا فدونَك شكرَ أحمدَ مثلَ غيث علي الأرضينَ ينهمرُ انهمارا فأنتَ لكلِّ محمدة جديرٌ ففضلُكَ في البريةِ لا يواري [ صفحه 9]

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أفضل خلقه، وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين،

واللعنة الدائمة علي أعدائهم إلي قيام يوم الدين، وبعد: فقد صدر منذ مدة في البلاد السعودية كُتَيِب صغير، أسماه مؤلِّفه: « «هذه نصيحتي إلي كل شيعي» ولقي هذا الكتيب قبولاً عظيماً في أوساط أهل السنة في هذه البلاد، إذ رأي فيه كثير منهم أنه قد حقَّق نصراً عظيماً وفتحاً كبيراً لمذهب أهل السنة علي مذهب شيعة أهل البيت عليهم السلام. كما لقي رواجاً كبيراً، فطُبع عدة طبعات، ووُزِع مجاناً علي نطاقٍ واسع، وضويق به كثير من الشيعة في في أماكن كثيرة من هذه البلاد. [ صفحه 10] والسبب في كل هذه العناية يرجع إلي أمرين: الأمر الأول أن المؤلف زعم أنه قد اعتمد فيما وصل إليه من نتائج علي كتاب «الكافي»، الذي يعتبر من أهم مصادر استنباط الأحكام الفرعية عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية. والأمر الثاني أن المؤلف ظهر في زي الناصح المشفق علي الشيعة، الذي يريد لهم الهداية والخير والسعادة في الدين والدنيا. إلا أني لما تأملت هذا الكتيب وجدته ركيك الأُسلوب، واهي المعاني، متداعي المباني، مملوءاً بالحجج الضعيفة، والمغالطات المكشوفة، والتُهم المفضوحة، والأكاذيب الملفقة. قد سمَّي المؤلف الفرية حقيقة، والخديعة نصيحة، والضلال هداية، وتلبَّس بالنصيحة وهو بعيد عنها، وتظاهر بالمحبة وهو بمنأيً منها. ووجدتُه قد بادر إلي تكفير الشيعة بلا حجَّة صحيحة، وسارع إلي تضليلهم بلا بيِّنة معتمدة، فوقع في خطأ فاحش، وأقدم علي ظلم عظيم بتكفير طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، مخالفاً بذلك ما نصَّ عليه المنصفون من علماء أهل السنة من حرمة تكفير أحد من أهل القبلة بذنب. هذا مع أن هذا الكتيب لا يعدو أن يكون واحداً من كثيرٍ من الكتب والكراسات والنشرات التي ظهرت في السنين الأخيرة ضد الشيعة،

بسبب الأوضاع السياسية المعاصرة في المنطقة. ومع كل هذا فقد رأيت أن أكتب في ردّه ما يرفع الشبهة، ويدفع الفرية، ويكشف الباطل من الحق، والكذب من الصدق، نظراً للاهتمام الكبير الذي حظي به هذا الكتيب عند كثيرٍ من الناس. سائلاً المولي جل شأنه أن ينفع به إخواني المؤمنين، وينفعني به يوم [ صفحه 11] فقري وفاقتي، إنه سميع قريب مجيب، وهو الهادي إلي الحق والصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين الأطياب. علي آل محسن السبت 1 / 9 / 1414 ه_ [ صفحه 15]

رد ما جاء في المقدمة

مخالفة المؤلف لمنهج البحث العلمي

اعتمد المؤلف في كل ما أورده في هذا الكتيب علي أحاديث وردت في كتاب «الكافي»، الذي يُعتبر من مصادر استنباط الأحكام الفرعية عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، لمؤلفه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، المتوفي سنة 329ه_. ووصف المؤلف كتاب «الكافي» بأنه عمدة القوم _ يعني الشيعة _ في إثبات مذهبهم [4] ، وأنه أهم كتاب يعتمد عليه الشيعة في إثبات مذهبهم [5] ، وأنه عمدة مذهب الشيعة ومصدر تشيعهم [6] . كما وصف ما ذكره في كتيبه بأنها حقائق علمية، وكرَّر ذلك كثيراً، وزعم أنه استخلصها من كتاب «الكافي» [7] ، وأن هذه «الحقائق» هي أص_ل مذه_ب ك_ل شي_عي، وه_ي قواعد نِحلته [8] التي تأسس عليها مذهبه، وتوطد بها. ووصل المؤلف في خاتمة بحثه إلي نتائج كثيرة، منها: [ صفحه 16] _ أن المذهب الشيعي دين مستقل عن دين المسلمين، له أصوله ومبادؤه وكتابه وسنِّته وعلومه ومعارفه [9] . _ وأن مذهب الشيعة مذهب هدَّام مظلم، وأن عقيدتهم عقيدة باطلة [10] . _ وأن الشيعة يكفِّرون المسلمين ويلعنونهم ويعادونهم [11] ، وأنهم يحيكون المؤامرات ببدعة

الإمامة ضد خلافة المسلمين، ويثيرون الحروب الطاحنة بين المسلمين [12] ، وأن غرضهم هو هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين [13] ، والقضاء علي الإسلام خصم اليهودية والمجوسية، وإعادة دولة المجوس الكسروية التي هدم الإسلام أركانها وقوَّض عروشها [14] . إلي غير ذلك من الأمور العظيمة التي أودعها في ثنايا كلامه. إلا أن المؤلف لم يُثبت لقارئه أن كتاب «الكافي» هو من كتب الشيعة المعتمدة في إثبات المذهب، فضلاً عن كونه أهم كتاب يعتمدون عليه في ذلك. كما أن_ه لم يُث_بت أن الشيع_ة يصحِّحون كل أحاديث الكافي أو أكثرها، أو ع_لي الأق_ل يصحِّحون الأحاديث التي احتج بها في حقائقه السبع، أو يعتقدون بمضمون ما دلَّت عليه تلك الأحاديث. فالمؤلف لم يُثبت ذلك ولم يبيِّنه ولم يحم حوله مع أنه أمر مهم ينبغي [ صفحه 17] إثباته وإيضاحه، لأن كل نتائجه التي استخلصها من حقائقه السبع كانت معتمدة علي هذا الإثبات. و من الواضح أن كل تلك النتائج تسقط عن الاعتبار لو ثبت أن الشيعة لا يرون كتاب «الكافي» بهذه المنزلة، ولا يعتمدون عليه في إثبات مذهبهم، ولا يعوّلون علي كل حديث فيه، ولا سيما ما يرتبط منها بالأصول الاعتقادية، بل يُضعِّفون كثيراً من رواياته ويُسقطونها عن الحجيَّة والاعتبار كما سيأتي بيانه. وعليه، فاللازم علي المؤلف قبل كل شيء أن يبرهن علي ما اعت_مد عل_يه في إثبات حق_ائقه، بنق_ل ما قاله علماء الشيعة في كتاب «الكافي» وما اشتمل عليه من أحاديث، ولا سيما الأحاديث التي احتج بها في حقائقه السبع. ونحن إن ش_اء الله تعالي سنذك_ر فيما ي_أتي م_ن الك_لام منزل_ة كتاب «الكافي» عند الشيعة الإمامية، وما قاله أعلام الطائفة في هذا الشأن، ليتضح أن المؤلف لم

يتبع الأسلوب الصحيح للبحث العلمي، وأنه أسَّس بنيانه علي شفا جرف هارٍ، فأخطأ المرمي، وابتعد عن القصد. [ صفحه 18]

كتاب الكافي

منزلته عند الشيعة و مزاياه

كتاب الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي من أجّل كتب الحديث المعتمدة التي دارت عليها رحي استنباط الأحكام الفقهية عند الشيعة الإمامية، يحتوي علي ما لا يحويه غيره، جليل القدر عظيم المنزلة، جامع لكثير من الأحاديث المنقولة عن آل الرسول عليهم السلام في الفروع والأصول، حسن التبويب والترتيب، ألَّفه الكليني في عشرين سنة في زمن السفارة في الغيبة الصغري. يشت_مل علي أربع_ة وثلاثين كتاب_اً، وثلاثمائة وستة وعشرين باباً، وأحاديثه حُصرت في 16199 حديثاً، فتكون أحاديثه أكثر من أحاديث الصحاح الستة عند أهل السنة. وم_ن خصائصه أن مؤلفه كان حياً في زمن سفراء المهدي عليه السلام، وأنه حاوٍ لكثير من العلوم الإلهية التي لم يحوها غيره في الأصول والفروع. وقد طُبع طبعات كثيرة، وكثرت عليه الشروح والحواشي، وتعاهده الشيعة علي ممر العصور بالعناية والضبط. من أجَل شروحه وأشهرها كتاب «مرآة العقول في شرح أخبار [ صفحه 19] الرسول» في ستة وعشرين مجلداً، لصاحب موسوعة «بحار الأنوار» المولي محمد باقر المجلسي أعلي الله مقامه، المتوفي سنة 1110ه_، وشرح المولي محمد صالح المازندراني المتوفي سنة 1080ه_ وغيرهما.

ثناء العلماء عليه

1 _ قال الشيخ المفيد (ت413 ه_): كتاب الكافي وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة [15] . 2 _ وقال الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (ت 786ه_) في إج_ازته لابن الخازن: كتاب الكافي في الحديث الذي لم يُعمل للإمامية مثله، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني [16] . 3 _ وقال المحقق الشيخ ع_لي الكركي (ت 940ه_) في إجازته للقاضي صفي الدين عيسي: ومنها جميع مصنفات ومرويات الشيخ الإمام السعيد الحافظ المحدِّث الثقة جامع أحاديث أهل البيت عليهم السلام أبي جعفر محمد بن

يعقوب الكليني صاحب الكتاب الكبير في الحديث المسمَّي بالكافي الذي لم يُعمل مثله... وقد جمع هذا الكتاب من الأحاديث الشرعية والأسرار الدينية ما لا يوجد في غيره [17] . 4 _ وقال الشيخ إبراهيم القطيفي (ت 950ه_) في إجازته للشيخ شمس الدين الإسترابادي: وكتاب محمد بن يعقوب الكليني، فإنه كاسمه كافٍ شافٍ واف [18] . 5 _ وقال الفيض الكاشاني (ت 1091ه_): أما الكافي فهو... أشرفها _ [ صفحه 20] يعني الكتب الأربعة _ وأوثقها وأتمها وأجمعها، لاشتماله علي الأصول من بينها، وخلوِّه من الفضول وشينها [19] 6 _ وقال المولي محمد باقر المجلسي: كتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الإسلام، مقبول طوائف الأنام، ممدوح الخاص والعام، محمد بن يعقوب الكليني... كان أضبط الأصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها [20] . 7 _ وقال السيد بحر العلوم (ت 1212ه_): كتاب الكافي الذي صنَّفه هذا الإمام طاب ثراه … كتاب جليل عظيم النفع، عديم النظير، فائ_ق ع_لي جميع كتب الح_ديث بحسن الترتيب، وزي_ادة الضبط والتهذيب، وجمعه للأصول والفروع، واشتماله علي أكثر الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام [21] .

اسباب شهرة الكافي وسمو مكانته

لقد نصَّ غير واحد من الأعلام علي أن من الأسباب التي جعلت هذا الكتاب يتبوأ هذه المكانة بين كتب الحديث المعروفة عند الشيعة الإمامية هي أن الكافي حوي ما لم يحوه غيره من أحاديث الأصول والفروع والأخلاق والمواعظ وغيرها من فنون الدين. قال الميرزا حسين النوري قدس سره (ت 1330ه_) بعد أن أورد كلمة الشيخ المفيد المتقدمة: إنما كان أكثر فائدة من غيره من حيث إنه جامع للأصول والأخلاق والفروع والمواعظ والآداب وغير ذلك من المواضيع [22] . وقال السيد هاشم معروف: ويؤيد ذلك ما

جاء في أسباب تأليف الكافي من أنه ألَّفه إجابة لمن طلب منه كتاباً يجمع من جميع فنون الدين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقِين عليهم السلام، والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدَّي فرض الله عز وجل وسنة نبيه صلي الله عليه وآله [23] فاستجاب لطلبهم وألَّفه في تلك المدة الطويلة التي حدَّدها كل من ترجمه وتعرض لتاريخه بعشرين عاماً، فجاء جامعاً لما يحتاج إليه المحدِّث والفقيه والمتكلم والواعظ والمجادل والمتعلم. والكتاب الذي يحتوي علي هذه المواضيع لا بد وأن يُلفت الأنظار، ويصادف تقدير الباحثين من العلماء، لأنه يوفِّر عليهم عناء البحث عن الروايات، ويسد حاجة الفقيه والمحدِّث والمتكلم وغيرهم في آن واحد. هذا بالإضافة إلي ما كان يتمتع به مؤلفه من ثقة عالية، وشهرة واسعة، ومكانة في العلم والدين تؤهله لأن يحتل المكانة التي تليق به في النفوس [24] . ومن أسباب شهرة هذا الكتاب أيضاً وسمو مكانته أنه امتاز بحسن الترتيب، وزيادة الضبط والإتقان كما مر، وذلك لأن الكليني رحمه الله قد تأنَّي في تأليفه، فصرف في جمعه من عمره الشريف عشرين سنة، بذل فيها جهده، وسافر فيها إلي البلدان الكثيرة لمصاحبة شيوخ الإجازات، وملاقاة المهرة في معرفة الأحاديث. هذا مع أنه عاش في زمن سفراء الإمام المهدي عليه السلام حيث كانت الأصول الأربعمائة التي حوت آثار الصادقين عليهم السلام متداولة ومتوافرة، [ صفحه 22] وهذان الأمران ربما يسَّرا له السبيل للتحقق من صحة رواياته.

كتاب الكافي فيه الصحيح والضعيف

إن علماء الشيعة الإمامية لم يعطوا كتاب الكافي ولا غيره من كتب الحديث تلك المنزلة التي أعطاها علماء أهل السنة إلي صحيحي البخاري ومسلم، الذين

أجمعوا علي صحة كل ما فيهما من أحاديث، وحكموا بأنها صادرة من النبي صلي الله عليه وآله قطعاً. وإنما حكم علماء الإمامية بأن ما في الكافي من الأحاديث، منه الصحيح المعتبر، ومنه الضعيف الذي لا يُحتج به ولا يعوَّل عليه. قال المحقق السيد الخوئي أعلي الله مقامه: لم تثبت صحة جميع روايات الكافي، بل لا شك في أن بعضها ضعيفة، بل إن بعضها يُطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام [25] . وقال السيد محمد المجاهد قدس سره (ت 1242ه_): الذي عليه محققو أصحابنا عدم حجية ما ذكره الكليني، ولهذا لم يعتمدوا علي كل رواية مروية في الكافي، بل شاع بين المتأخرين تضعيف كثير من الأخبار المروية فيه سنداً... وقد اتفق لجماعة من القدماء كالمفيد وابن زهرة وابن إدريس والشيخ والصدوق الطعن في بعض أخبار الكافي... وقد ذُكرت عباراتهم في الوسائل [26] . وبه_ذا يتضح أن عل_ماء الإمامية وقفوا من كتاب الكافي موقفاً معتدلاً، لم يجنحوا فيه إلي طرف الإفراط بتصحيح كل أحاديثه، فيس_اووه بكتاب الله العزي_ز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولم يميلوا إلي جانب التفريط بإسقاطه عن الحجية والاعتبار فيبخسوه حقه. [ صفحه 23] قال السيد هاشم معروف: ومع أنه نال إعجاب الجميع وتقديرهم لم يغالِ به أحد غلو محدِّثي السنة في البخاري، ولم يدَّعِ أحد بأنه صحيح بجميع مروياته لا يَقبل المراجعة والمناقشة، سوي جماعة من المتقدمين تعرضوا للنقد اللاذع من بعض من تأخر عنهم من الفقهاء والمحدثين، ولم يقل أحد بأن من روي عنه الكليني فقد جاز القنطرة كما قال الكثيرون من محدّثي السنة في البخاري، بل وقف منه بعضهم موقف الناقد لمروياته من ناحية ضعف

رجالها، وإرسال بعضها، وتقطيعها، وغير ذلك من الطعون التي تخفف من حدة الحماس له والتعصب لمروياته [27] . فأحاديث الكافي إذن فيها الصحيح وفيها الضعيف، بل إن الضعيف منها أكثر من الصحيح كما نص عليه كثير من الأعلام، مثل فخر الدين الطريحي (ت 1085ه_) [28] ، والشي_خ ي_وسف البح_راني (ت 1186ه_) ع_ن بع_ض مشائ_خه المت_أخرين [29] ، والسيد بحر العلوم [30] ، والميرزا محمد بن سليمان التنكابني (ت 1310ه_) [31] ، وآغ_ا بزرك الطهراني [32] ، وغيرهم. ق_ال الط_ريحي ق_دس س_ره: أم_ا الك_افي فجميع أحاديثه حُصرت في [33] ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً، الصح_يح منها باص_طلاح مَن تأخر [34] خمسة آلاف واثنان وسبعون، [والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً]، والموثَّق [35] أل_ف وم_ائة وثمانية عشر حديثاً، والقوي منها [36] اثنان وثلاثمائة، والضعيف منها [37] [ صفحه 24] أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً، والله أعلم. والحاصل أن الكليني رضوان الله عليه مع أنه حاول أن يجمع في كتابه الكافي الأحاديث الصحيحة التي يكون بنظره عليها المعوّل، وبها يؤدَّي فرض الله عز وجل كما أوضح في مقدمة الكتاب، إلا أن عل_ماء الإم_امية ل_م يتابعوه في تصحيح كل الأحاديث التي رواها في كتابه، وفي جواز العمل بها، بل ضعَّفوا كثيراً من أحاديثه كما تقدم، مع أنه من أجَل الكتب عندهم وأكثرها فائدة، من حيث إنه حوي أكثر من ستة آلاف وسبعمائة حديث معتبر. وبذلك يتضح الفارق بين نظر أهل السنة إلي صحيح البخاري، ونظر الشيعة إلي كتاب الكافي، فإن مكانة صحيح البخاري التي تبوَّأها عند أهل السنة إنما حصلت بسبب إجماع علماء أهل السنة علي صحة أحاديثه كلها [38] ، بخلاف الكافي وغيره من كتب

الحديث عند الشيعة الإمامية، فإنها لم تنل هذه المنزلة عندهم. ولهذا نري جمعاً من حفَّاظ الحديث من أهل السنة مع أنهم صنَّفوا [ صفحه 25] كتباً التزموا فيها جمع الصحيح من الحديث بنظرهم [39] ، إلا أن كتبهم تلك لم تنل مكانة صحيح البخاري عند أهل السنة، فإن العلماء لم يُجْمِعوا علي صحَّة كل ما روي فيها من أحاديث، كما كان الحال في أحاديث صحيح البخاري. ومن ذلك يتضح أن حال كتاب الكافي عند الشيعة الإمامية حال المستدرك علي الصحيحين أو صحيح ابن حبان وغيرهما من المصنفات التي حاول مؤلفوها جمع الصحيح فيها فقط، ولم يتحقق إجماع علي قبول كل ما فيها من أحاديث. وحينئذ فلا مناص من عرض أحاديث هذه المجاميع علي قواعد علم الدراية، لتمييز الصحيح من غيره، فيُحكم بصحة ما كان مستجمعاً لشرائط الصحة، وبضعف ما لم يستجمع تلك الشرائط وإن حكم مؤلفٌ ما بصحة هذا الحديث أو ذاك، لأن اجتهاد مجتهد لا يكون حجَّة علي غيره من المجتهدين.

لا يحتج بكتاب الكافي في إثبات المذهب

وهذه المسألة تتضح بأمور: 1_ أن كت_اب الك_افي _ كم_ا أوضحنا _ فيه الأحاديث الصحيحة المعتبرة، وفيه الأح_اديث الضعيفة، وعليه فلا يصح الاستناد في إثبات شيء من الأحكام الشرعية الفقهية، فضلاً عن إثبات المذاهب الكلامية والأصول الاعتقادية علي أي حديث مروي في كتاب الكافي ما لم يستجمع شرائط الاعتبار والحجية. [ صفحه 26] 2_ أن أصول الدين لا يصح إثباتها بأخبار الآحاد [40] وإن كانت تلك الأخبار صحيحة، وذلك لأن المسائل الاعتقادية يشترط فيها أن تكون قطعية، وأخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن الذي لا يجوز التعويل عليه في هذه المسائل. ق_ال السيد المرتضي أع_لي الله م_قام_ه (ت 436ه_) في معرض الجواب

ع_ن ج_واز الرج_وع في تعرُّف الأح_كام إلي رسال_ة «المقنعة» للمفيد، أو رسالة ابن بابويه، أو كتاب «الكافي» للكليني، أو غيرها: إن الرجوع فيالأصول إلي هذه الكتب خطأ وجهل [41] . وقال في النكير علي من يعمل بأخبار الآحاد مطلقاً: ألا تري أن هؤلاء بأعيانهم قد يحتجّون في أصول الدين من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة بأخبار الآحاد، ومعلوم عند كل عاقل أنها ليست بحجة في ذلك [42] . وقال الشيخ الأعظم الشيخ مرتضي الأنصاري أعلي الله مقامه (ت 1281ه_): ظاهر الشيخ [الطوسي] في «العُدّة» أن عدم جواز التعويل في أصول الدين علي أخبار الآحاد اتفاقي، إلا عن بعض غَفَلة أصحاب الحديث. وظاهر المحكي في «السرائر» عن السيد المرتضي عدم الخلاف فيه أصلاً [43] . وقال شيخنا الشهيد الثاني أعلي الله مقامه (ت 966ه_) في «المقاصد العلية» بعد أن ذكر أن المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد غير [ صفحه 27] لازمة: وأما ما ورد عنه صلي الله عليه وآله في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التص_ديق ب_ه مطلقاً وإن كان طريقه صحيحاً، لأن الخبر الواحد ظني، وقد اختُلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية، فكيف بالأحكام الاعتقادية العلمية؟! [44] . وعليه، فال_ذي يجب اعتقاده ه_و م_ا دلَّ عليه ظاهر كتاب الله المجيد، وما عُلم بالتواتر من أقوال النبي صلي الله عليه وآله والأئمة المعصومين من أهل بيته عليهم السلام وأفعالهم وتقريرهم، وما عُلم بالضرورة أنه من دين الإسلام. وأما ما عدا ذلك فهو موضوع عن الناس، لا يجب عليهم الاعتقاد به إلا إذا حصل لهم العلم به. قال الشيخ الأنصاري قدس سره: المستفاد من الأخبار المصرّحة بعدم اعتبار مع_رفة أزيد مما ذُك_ر فيها _ وهو

الظاهر من جماعة من علمائنا الأخيار، كالشهيدين في الألفية وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية وشارحها وغيرهم _ هو أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً، وواجب الوجود لذاته، والتصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلي صفتي العلم والقدرة، ونفي الصفات الراجعة إلي الحاجة والحدوث، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً... ويكفي في معرفة النبي صلي الله عليه وآله معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص ب_ه، والتصديق بنبوته وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته _ أعني ك_ونه معصوماً بالملكة _ من أول عمره إلي آخره... إلي أن قال: ويكفي في معرفة الأئمة صلوات الله عليهم معرفتهم بنسبهم المعروف، والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق، ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم، وفي وجوب الزائد علي ما ذُكر من عصمتهم الوجهان... [ صفحه 28] ويكفي في التصديق بما جاء به النبي صلي الله عليه وآله التصديق بما عُلم مجيئه به متواتراً من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات، والسؤال في القبر وعذابه، والمعاد الجسماني، والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً... ثم قال: وما استقربناه فيما يعتبر في الإيمان وجَدْتُه بعد ذلك في كلام محكي عن المحقق الورع الأردبيلي في شرح إرشاد الأذهان [45] .

الخلاصة

أن أبا بكر الجزائري لم يتَّبع في «نصيحته» إلي كل شيعي المنهج الصحيح للبحث العلمي، إذ وصف كتاب الكافي بأنه عمدة الشيعة في إثبات مذهبهم، وأنه أهم كتاب يعتمدون عليه في إثبات المذهب، وأنه عمدة مذهب الشيعة، ومصدر تشيعهم. وه_ذا ك_له ل_م يثبت، بل الثابت خلافه، فإن كتاب الكافي وإن كان من أجَل الكتب المعتمدة عند الشيعة الإمامية في استنباط الأحكام الشرعية، إلا أن فيه أحاديث ضعيفة لا يجوز الاستناد إليها في فروع الدين فضلاً

عن أصوله، كما لا يصح الاستناد إلي أحاديث الكافي وغيره _ وإن ك_انت صحيحة _ في إثبات المذهب، أو إثبات شيء من أصوله وعقائده التي لا بد أن تكون معلومة بالقطع واليقين، اللهم إلا ما كان منها متواتراً قد عُلم صدوره من النبي صلي الله عليه وآله والأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام. ثم إن علماء المذهب قدس الله أسرارهم قد أثبتوا صحة مذهب الإمامية وسلامة عقائده بالأدلة القطعية، العقلية منها والنقلية، واحتجوا علي خصومهم بما صحَّ من حديث رسول الله صلي الله عليه وآله مما رواه الخصوم في كتبهم المعتمدة، ولم يُلزِموا مخالفيهم بما رووه هم في كتبهم من الأحاديث التي لا يسلِّم بها غيرهم. [ صفحه 29] وهذا معلوم من حالهم، يعرفه كل من اطّلع علي ما حرروه في كتبهم الكلامية، وما كتبوه في إثبات المذهب وإبطال مذاهب أهل الخلاف، فراج_ع إن شئت كتاب «الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد» للشيخ محمد ب_ن الحسن الطوسي، وكتاب «كشف المراد» و «نهج المسترشدين» و «الباب الحادي عشر» و «نهج الحق وكشف الصدق» و «كشف اليقين» كلها للعلامة الحلّي، وكتاب «الغدير» للشيخ عبد الحسين الأميني، وكتاب «المراجعات» للسيد عبد الحسين شرف الدين... وغيرها من الكتب التي لا تحصي كثرة. ولهذا كله لم يحاول الجزائري أن يُثْبت شيئاً مما ادّعاه، بالنقل عن جهابذة علماء الشيعة وأساطين المذهب الذين حرّروا هذه المسألة في مصنفاتهم المعروفة. كما أن_ه ل_م يحاول أن يُثبت لقارئ_ه أيض_اً أن «حقائقه» التي ذكرها في كُتيّبه قد استخلصها من أحاديث صحيحة، وأن الشيعة يعتقدون بمفادها، ويعدُّونها من أُسس تشيّعهم وأصول مذهبهم. وهذا كله لو حاول إثباته فلن يتأتي له، لأن علماءنا الأبرار قد أثبتوا في مصنفاتهم

أن كت_اب الكافي _ كما تق_دم _ فيه جملة وافرة من الأحاديث الضعيفة التي لا يجوز العمل بها، ولا يصح الاحتجاج بها في فروع الدين وأصوله، وصرَّحوا أنه لا يلزم الشيعي حتي يكون شيعياً أن يعتقد بتفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة وغيرها، بل يجب عليه أن يعتقد بالأُسس العامة للمذهب كما أوضحناه مفصلاً. وم_ن الغ_ريب أن هذا الرجل قد اختار أحاديث ضعيفة زعم أن الشيعة تعتقد بمفادها، وزعم أنه توصَّل بها إلي حقائق ثابتة هي أصل مذهب التشيع، مع أن تلك الأحاديث _ مضافاً إلي ضعف سندها _ لا تدل علي ما ادّعي أنها تدل عليه، فإنه حمَّلها ما لا تحتمل من الوجوه الضعيفة [ صفحه 30] والمعاني الباطلة. هذا مضافاً إلي أنه جاء ببعض الأحاديث التي حرَّفها بأبشع تحريف، ونسبها إلي الكافي كما سيتضح في كشف الحقيقة السابعة إن شاء الله تعالي. وهذا مما يؤسف له، ويدل علي أن الرجل لم يكن مخلصاً في نصيحته، ولا صادقاً في دعوته، ولا أميناً في نقله، ولا ثقة في قوله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [ صفحه 33]

كشف الحقيقة 01

اشاره

استغناء آل البيت وشيعتهم عن القرآن الكريم بما عند آل البيت من الكتب الإلهية الأولي التي هي التوراة والزبور والإنجيل إن الذي يثبت هذه الحقيقة ويؤكدها، ويلزمك أيها الشيعي بها: هو ما جاء في كتاب الكافي من قول المؤلف: «باب أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عز وجل، وأنهم يعرفونها كلها علي اختلاف ألسنتها» مستدلاً علي ذلك بحديثين يرفعهما إلي أبي عبد الله، وأنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية.

رد قوله: استغناء آل البيت وشيعتهم عن القرآن

وأقول: الحديث الأول: أخرجه الكليني رحمه الله بسنده عن هشام بن الحكم في حديث بُرَيه، أنه لما جاء معه إلي أبي عبد الله عليه السلام فلقي أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السلام، فحكي له هشام الحكاية، فلما فرغ قال أبو الحسن عليه السلام لبريه: يا بريه، كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم. ثم قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه. قال: فابتدأ أبو الحسن عليه السلام يقرأ الإنجيل، فقال بريه: إيَّاك كنتُ أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك. قال: فآمن بريه، وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه. فدخل هشام وبريه والمرأة علي أبي عبد الله عليه السلام، فحكي له هشام الكلام الذي جري بين أبي الحسن موسي عليه السلام وبين بريه، فقال أبو [ صفحه 34] عبد الله عليه السلام: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم). فقال بريه: أنَّي لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرأوها، ون_قولها كم_ا ق_الوا، إن الله لا يجعل ح_جَّة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول: لا أدري [46] .

ضعف سند الحديث 01

سند الحديث هذا الحديث ضعيف السند، لجهالة أحد رواته، وهو الحسن بن إبراهيم. قال المولي محمد باقر المجلسي قدس سره: [في سنده] مجهول [47] . وقال المامقاني قدس سره في ترجمة الراوي المذكور: الحسن بن إبراهيم الكوفي، ع_دَّه الشيخ في رج_اله م_ن أصحاب الرضا عليهم السلام... وظاهره كونه إمامياً إلا أن حاله مجهول [48] .

ضعف سند الحديث 02

والحديث الثاني: رواه الكليني أيضاً عن مفضل بن عمر، قال: أتينا باب أبي عبد الله ونحن نريد الإذن عليه، فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية، فتوهمنا أنه بالسريانية، ثم بكي فبكينا لبكائه، ثم خ_رج إلينا الغلام، ف_أذن لنا فدخلنا عليه، فقلت: أصلحك الله، أتيناك نريد الإذن عليك، فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية، فتوهمنا أنه بالسريانية، ثم بكيت فبكينا لبكائك. فقال: نعم، ذكرتُ إلياس النبي، وكان من عبَّاد أنبياء بني إسرائيل، فقلت كما كان يقول في سجوده. ثم اندفع فيه بالسريانية، فلا والله ما رأينا قسًّاً ولا جاثليقاً أفصح لهجة منه به، ثم فسره [ صفحه 35] لنا بالعربية، فقال: كان يقول في سجوده: أتراك معذِّبي وقد أظمأتُ لك هواجري؟ أتراك معذّبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي؟ أتراك معذّبي وقد اجتنبتُ لك المعاصي؟ أتراك معذبي وق_د أسهرت لك ليلي؟. قال: فأوحي الله إليه أن ارفع رأسك، فإني غير معذبك، قال: فقال: إن قلتَ: «لا أعذِّبك» ثم عذَّبتَني ماذا؟ ألستُ عبدك، وأنت ربّي؟! قال: فأوحي الله إليه أن ارفع رأسك، فإني غير معذّبك، إني إذا وعدتُ وعداً وفيتُ به [49] . سند الحديث هذا الحديث أيضاً ضعيف السند. قال المولي المجلسي قدس سره: الحديث الثاني ضعيف [50] . وحسبك أن من جملة رواته سهل بن زياد، وبكر بن صالح، ومحمد بن

سنان. أما سهل بن زياد فذهب المشهور إلي أنه ضعيف. قال المامقاني قدس سره: إن علماء الرجال قد اختلفوا في الرجل علي قولين: أحدهما: أنه ضعيف، وهو خيرة النجاشي وابن الغضائري والشيخ في الفهرست، والعلاَّمة في الخلاصة وجملة من كتبه الفقهية كالمنتهي والمختلف وغيرهما، وابن داود في رجاله، والمحقق في الشرائع ومواضع من نكت النهاية والمعتبر، والآبي في محكي كشف الرموز، والسيوري في التنقيح، والشهيد الثاني والشيخ البهائي وصاحب المدارك والمولي الصالح المازندراني والمحقق الأردبيلي والسبزواري وغيرهم، بل هو المشهور بين [ صفحه 36] الفقهاء وأصحاب الحديث وعلماء الرجال [51] وق_ال المحقق الخوئي ق_دس س_ره: وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً، أو لم تثبت وثاقته [52] . وأما بكر بن صالح فقد ضعَّفه النجاشي [53] . وقال ابن الغضائري: بكر بن صالح الرازي ضعيف ج_داً، كثير التف_رد بالغرائب [54] . وضعَّفه العلاَّمة في الخلاصة بنحو ما قاله ابن الغضائري [55] . وذكره ابن داود في القسم الثاني وضعَّفه، ونقل كلام ابن الغضائري، كما ضعَّفه الشيخ البهائي في الوجيزة [56] . قال المامقاني قدس سره: ضعْف بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه السلام مما لا ينبغي الريب فيه، واشتراك غيره معه م_ن دون تمييز صحيح يُسقِط ك_ل رواية لبكر بن صالح _ أيّ بكر كان _ عن الاعتبار [57] . وأما محمد بن سنان فالمشهور أيضاً أنه ضعيف. قال المامقاني بعد أن ذكر أنه اختلف فيه علي قولين: أحدهما: أنه ضعيف، وهو المشهور بين الفقهاء وعلماء الرجال. ثم نقل تضعيفه عن الشيخ الطوسي في رجاله وفهرسته، والنجاشي وابن عقدة أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد وابن الغضائري والمفيد [ صفحه

37] الذي قال فيه: محمد بن سنان وهو مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، ومن كان هذا سبيله لا يُعتمد عليه في الدين [58] . قال المامقاني: وممن ضعَّفه المحقق رحمه الله في مواض_ع من المعتبر، والعلاّمة في موضع من المختلف، وكاشف الرموز والشهيد الثاني في باب المهور من المسالك، وصاحب المدارك، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، وصاحب الذخيرة، وهو المحكي عن المعتصم والمنتقي ومشرق الشمسين والحبل المتين وحاشية المولي صالح والتنقيح والفخري في مرتب مشيخة الصدوق والذكري والروضة وغيرها [59] . قال السيد الخوئي قدس سره: تضعيف هؤلاء الأعلام يصدّنا عن الاعتماد عليه والعمل برواياته [60] .

مناقشة الجزائري في دلالة الحديثين

قال الجزائري: وقصد المؤلف من وراء هذا معروف، وهو أن آل البيت _ وشيعتهم تبع لهم _ يمكنهم الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب الأوّلين. وهذه خطوة عظيمة في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين، إذ ما من شك في أن من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه فقد خرج من الإسلام، وانسلخ من جماعة المسلمين. ثم قال: إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه أو عن بعضه بأي حال من الأحوال، هو ردَّة عن الإسلام ومروق منه، لا يبقيان لصاحبها نسبة إلي الإسلام ولا إلي المسلمين. أما الحديث الأول: فهو لا يدل علي أن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ق_د استغنوا بكتب الأوَّلِين عن القرآن الكريم، وإنما يدل بوضوح علي أن أهل البيت عليهم السلام عندهم تلك الكتب غير محرَّفة ولا مبدَّلة، ورثوها من النبي صلي الله عليه وآله، وهم يعرفونها علي اختلاف ألسنتها كما عنْوَنَ الكليني رحمه الله الباب بذلك. وظاهر الحديث أن أبا الحسن موسي عليه السلام قرأ علي

بُريه من الإنجيل ما يُلزمه ويأخذ بعنقه للدخول في الإسلام، بدليل أنه أسلم في الحال، ولعلَّه قرأ عليه من الإنجيل ما يدل علي نبوة نبينا محمد صلي الله عليه وآله، فإن ذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل كما أخبر سبحانه وتعالي في محكم كتاب_ه إذ ق_ال: (والذين ه_م بآياتنا يؤمنون - الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم...) [61] . قال ابن كثير: هذه _ يعني قوله تعالي (يأمرهم بالمعروف...) الآية _ صفة محمد صلي الله عليه وآله في كتب الأنبياء، بشَّروا أُممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم [62] . وقال: إن الأنبياء عليهم السلام لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها علي أممها، [ صفحه 39] وتأمرهم باتّباعه ونصره ومؤازرته إذا بعث [63] . وقال البيهقي: إن الله تعالي أمَر عيسي عليه السلام فبشَّر به قومه، فعرفه بنو إسرائيل قبل أن يُخلق [64] . قلت: يدل علي ذلك قوله تعالي (وإذ قال عيسي بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدِّقاً لما بين يدي من التوراة ومبشِّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [65] . والاحتجاج بالتوراة والإنجيل علي أهل تلك الملل جائز لا ضير فيه، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر (رض) أن اليهود جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وآله برجل منهم وامرأة قد زنيا، فق_ال لهم: كيف تفع_لون بمن زني منكم؟ قالوا: نُحمِّمُهما [66] ونضربهما. فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيها شيئاً.

فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مِدْراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفَّه علي آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم. فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يجنأ عليها [67] ، يقيها الحجارة [68] . ولهذا أفتي مَن وقفنا علي فتاواه من العلماء بجواز اقتناء التوراة [ صفحه 40] والإنجيل، بل كتب الضلال كلها لنقضها أو للاحتجاج بها علي من يعتقد بها. وعليه، فلعل اقتناء أهل البيت عليهم السلام له_ذه الكتب كان لأجل هذه الغاية، فلا يستخرجون شيئاً منها إلا وقت الحاجة إليه، كما صنع الإمام عليه السلام مع بُريه. وقد ورد ما يشهد لذلك في كتبهم، فقد قال الشيخ محمد بن علي الصبان: إن المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية، وأسفار التوراة من جبل بالشام، يحاج بها اليهود، فيسلم كثير منهم [69] . ومما ينبغي بيانه ههنا أن الكتب السماوية التي في أيدي الناس لا ريب في كونها من كتب الضلال، بسبب ما دخلها من التحريف، وأما ما عند أهل البيت عليهم السلام من كتب الأنبياء السابقين فهي وإن كانت منسوخة قد انتهي أمد العمل بها، إلا أنها لا تشتمل علي ضلال، لأن الله سبحانه لا يقول إلا الحق، ولا يُنْزل إلي الناس باطلاً. قال صاحب الجواهر أعلي الله مقامه: ليس من كتب الضلال كتب الأنبياء السابقين، ما لم يكن فيها تحريف، إذ النسخ لا يُصيُرها ضلالاً، ولذا كان بعضها عند أئمتنا عليهم السلام، وربما أخرجوها لبعض أصحابهم، بل ما كان منها مثل الزبور ونحوه من أحسن كتب الرشاد، لأنها ليست إلا مواعظ ونحوها علي حسب

ما رأينا، والله أعلم [70] . ولهذا قال الإمام عليه السلام في حديث الكافي الذي نحن بصدد الكلام فيه: [ صفحه 41] «نقرؤها كما قرأوها، ونقولها كما قالوا»: أي أن ما نق_رؤه منها هو عين ما كان يقرؤه الأنبياء عليهم السلام من هذه الكتب، لا تحريف فيه ولا تغيير، وأن ما نقوله للناس في تفسيرها وتأويلها هو عين ما يقولونه عليهم السلام من التفسير والتأويل. وبهذا يتضح مما تقدم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام وإن كانت كتب الأنبياء السابقين عندهم، إلا أن ما يخصُّون شيعتهم به من العلوم الإلهية والمعارف الدينية هو مما أنزله الله تعالي علي نبيه صلي الله عليه وآله، فعلَّمه لباب مدينة العلم، الأُذُن الواعية لعلمه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي أفاض علومه علي مَن جاء بعده من أئمة العترة النبوية الطاهرة، ثم أفاض كل إمام ما عنده من العلوم علي الإمام الذي يأتي من بعده. وما أحسن قول الشاعر: إذا شئتَ أن تبغي لنفس_ك مذهباً وتعل_مَ أن الن_اس في نق_ل أخبارِ فدَعْ عنك قولَ الشافع_ي ومالكٍ وأحم_دَ والمروي عن كع_ب أحبارِ ووالِ أناساً قولُه_م وحديث_ه_م روي ج_دُّنا ع_ن جبرئيلَ عن الباري وأما الحديث الثاني: فهو لا يدل أيضاً علي ما قاله، بل إن أقصي ما يدل عليه الحديث أن أبا عبد الله عليه السلام كان يدعو بدعاء النبي إلياس عليه السلام. أما أن هذا الدعاء كان مذكوراً في أحد الكتب السماوية، أو مما رواه الصادق عليه السلام عن آبائه الطاهرين عن النبي صلي الله عليه وآله أو غير ذلك، فهذا لم يتضح من الحديث. وعلي كل الاحتمالات فلا دلالة في ذلك علي الاستغناء عن كتاب الله

العزيز، فإن مجرد الدعاء بمثل ما دعا به أحد الأنبياء عليهم السلام لا يدل علي [ صفحه 42] الرغبة عما جاء به النبي صلي الله عليه وآله كما هو واضح. ولو سلمنا أن ما دعا به أبو عبد الله عليه السلام كان قد أخذه من أحد الكتب السماوية، فإن التحديث عن تلك الكتب التي لم تصل إليها يد التحريف ولا سيما في الدعاء وما شابهه جائز، وهو أولي من التحديث عن اليهود والنصاري الذي جوّزه علماء أهل السنَّة. فقد أخ_رج البخاري والترمذي وأحمد بن حنبل _ واللفظ لهم _ وأبو داود وغيرهم عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلي الله عليه وآله قال: بلّغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار [71] . قال ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم، لأنه كان قد تقدم منه صلي الله عليه وآله الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك. وكأن النهي قد وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار. وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي صلي الله عليه وآله لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعني حدِّثوا عن بني اسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوِّزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم [72] . وقال المناوي: «حدِّثوا عن بني إسرائيل» أي بلِّغوا عنهم قصصهم [ صفحه 43] ومواعظهم ونحو ذلك مما اتَّضح معناه، فإن في ذلك عبرة لأولي الأبصار، «ولا حرج» عليكم في التحديث عنهم

ولو بغير سند، لتعذِّره بطول الأمد، فيكفي غلبة الظن بأنه عنهم، إنما الحرج فيما لم يتَّضح معناه [73] .

رد قوله: كيف تجوز قراءة الكتب المنسوخة المحرفة

وقول الجزائري وكيف تجوز قراءة تلك الكتب المنسوخة المحرَّفة والرسول صلي الله عليه وآله يري عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي يده ورقة من التوراة فينتهره قائلاً: ألم آتيكم بها بيضاء نقية؟! جوابه: أن ما عند أئمة أهل البيت عليهم السلام من كتب الأنبياء السابقين لم تصل إليها يد التحريف كما مر، وحينئذ يجوز التحديث عنها وإن كانت منسوخة، ولا سيما فيما يتعلق بالدعاء والمواعظ ونحوهما. وأما نهر النبي صلي الله عليه وآله لعمر فلعله كان في بداية الدعوة، ثم رُفع المنع منه لما استقرت الأحكام كما تقدم في كلام ابن حجر. أو لعل النبي صلي الله عليه وآله علم أن عمر أراد أن يأخذ بما حوَتْه تل_ك الورق_ة من عق_ائد فاسدة وأحكام باطلة أو منسوخة لا يجوز العمل بها، لا مثل الدعاء والمواعظ التي لا بأس بالنظر فيها. أو أن النبي صلي الله عليه وآله خشي أن يُعني المسلمون بما يجدونه بأيدي أهل الكتاب من التوراة والإنجيل، فيأخ_ذون ما لا يصح، ويعملون بما لا يجوز، فنهي عمرَ عن ذلك سدًّا لهذا الباب الذي يأتي منه الفساد. وقوله: إن اعتقاد امرئ الاستغناء عن القرآن أو عن بعضه بأي حال من الأحوال هو ردة عن الإسلام ومروق منه. جوابه: أنه لا نزاع بيننا في أنه لا يجوز لمسلم أن يهجر كتاب الله العزيز أو يعتقد الاستغناء عنه بغيره، وإنما الكلام في أن الشيعة الإمامية هل يعتقدون جواز الاستغناء عن القرآن بالتوراة والإنجيل كما زعم الجزائري أم لا؟ [ صفحه 44]

عقيدة الشيعة في القرآن

والذي أقوله: إن عقيدة الشيعة الإمامية في كتاب الله العزيز أشهر من أن نتكلف بيانها، أو نتجشَّم إيضاحها، إلا أنا نذكر شيئاً مما قاله

بعض علمائنا الأعلام في بيان عقيدة الإمامية في القرآن، قطعاً لشغب المشاغبين، وتشويش المشوِّشين، فنقول: 1_ قال أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق (ت 381ه_): اعتقادنا في القرآن أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم، وأنه القصص الحق، وأنه لقول فصل وما هو بالهزل، وأن الله تبارك وتعالي محدِثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلم به [74] . 2_ وقال الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره: يعتقد الشيعة الإمامية... أن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه _ يعني النبي صلي الله عليه وآله _ للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلي هذا إجماعهم [75] . 3_ وقال الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره: نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالي علي لسان نبيه الأكرم، فيه تبيان لكل شيء، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما حوي من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل علي النبي، ومن ادّعي فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلهم علي غير هدي، فإنه كلام الله الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من [ صفحه 45] خلفه) [76] . ومن الغريب أن الجزائري قد اختار هذين الحديثين، وزعم أنهما يدلان علي أن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم قد استغنوا عن القرآن الكريم بالتوراة والإنجيل المحرَّفين، ليصل إلي النتيجة التي يريدها، وهي أن كل من اعتقد الاستغناء

عن كتاب الله فهو كافر، والشيعة يعتقدون ذلك، فهم كفار مارقون من الدين، مرتدون عن الإسلام. فأقدم علي تكفير الشيعة بهذين الحديثين الضعيفين، اللذين حمَّلهما من المعاني ما لا يحتملانه، وأعرض عن الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي أخرجها الكليني في «الكافي» في فضل القرآن، وفضل قراءته والعمل به.

ما رواه الكليني في الكافي في فضل القرآن

ومن راجع كتاب الكافي يجد أن الكليني رحمه الله جعل للقرآن كتاباً كاملاً، أسماه «كتاب فضل القرآن»، وذكر فيه 124 حديثاً، رتَّبها في أبواب مختلفة، منها: _ باب فضل حامل القرآن. _ باب من يتعلم القرآن بمشقة. _ باب من حفظ القرآن ثم نسيه. _ باب في قراءته. _ باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن. _ باب ثواب قراءة القرآن. _ باب قراءة القرآن في المصحف. _ باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن. _ باب فيمن يظهر الغشية عند قراءة القرآن. [ صفحه 46] _ باب في كم يُقرأ القرآن ويُختم. _ باب في أن القرآن يُرفع كما أُنزل. _ باب فضل القرآن [77] . فمما ورد في فضل العامل بالقرآن الحافظ له ما رواه الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الحافظ للقرآن العامل به مع السفَرة الكرام البررة [78] . ومما ورد في الحث علي قراءته ما رواه حريز في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: القرآن عهد الله إلي خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية [79] . ومما ورد في ثواب قراءته ما رواه الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلي منزله

أن لا ينام حتي يقرأ سورة من القرآن، فتُكتب له مكان كل آية يقرؤها عشر حسنات، ويمحي عنه عشر سيئات [80] . هذا مع أن الكليني رحمه الله قد روي في «الكافي» في باب الرد إلي الكتاب والسنة ما يدل علي أنه ليس شيء من الحلال والحرام وما يحتاج إليه الناس إلا وقد جاء في كتاب الله أو سنة نبيه صلي الله عليه وآله. ومن ذلك صحيحة حمَّاد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة [81] . [ صفحه 47] وفي موثَّقة سماعة، عن أبي الحسن موسي عليه السلام، قال: أّكُلُّ شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وآله؟ أو تقولون فيه؟ ق_ال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وآله [82] . وروي رحمه الله أيضاً في باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ما يدل علي لزوم الأخذ بما وافق الكتاب من الأحاديث المروية، وطرح ما خالفه. ومن ذلك صحيحة أيوب بن الحر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ك_ل شيء م_ردود إلي الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف [83] . وخبر هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: خطب النبي صلي الله عليه وآله بمني، فقال: أيها الناس، ما جاءكم عني يواف_ق كت_اب الله ف_أنا قل_ته، وما ج_اءكم يخ_الف كتاب الله فلم أقله [84] . وهذا كله يدل علي أن مَن يعتقد ذلك في كتاب الله العزيز لا يتّجه منه اعتقاد الاستغناء عن القرآن الكريم بغيره من كتب الأنبياء السابقين عليهم السلام وإن كانت غير محرفة. والحاصل أن تمسُّك

العترة النبوية الطاهرة وشيعتهم بكتاب الله المجيد واحتجاجهم به وتعويلهم عليه مما لا يخفي علي أحد، وإنكار ذلك مكابرة ظاهرة وسفسطة واضحة. [ صفحه 51]

كشف الحقيقة 02

لم يجمع القرآن و لم يحفظه إلا أهل البيت

اعتقاد أن القرآن الكريم لم يجمعه ولم يحفظه أحد من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله إلا علي والأئمة من آل البيت هذا الاعتقاد أثبتَه صاحب كتاب «الكافي» جازماً به مستدلاً عليه بقوله: عن جابر قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادّعي أحد من الناس أنه جَمَع القرآن كله إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نُزِّل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده. وأقول:

ضعف الحديثين اللذين احتج بهما الجزائري

اخرج الكليني رحمه الله طائفة من الأحاديث في باب «أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله» [85] ، ومنها الحديث الذي ذكره الجزائري في حقيقته هذه، وفي سنده عمرو بن أبي المقدام، وهو مختلف في وثاقته. قال المولي المجلسي قدس سره: الحديث الأول [في سنده] مختلف فيه [86] . [ صفحه 52] والذي يظهر من كلمات الأعلام أن الأكثر ذهب إلي تضعيفه [87] . وكيف كان فالرجل لم تثبت وثاقته بدليل معتمد، ولا سيما مع اضطراب كلام العلماء فيه، فإن ابن الغضائري وثَّقه في أحد قوليه، وضعَّفه في قوله الآخر، وذكره العلاّمة قدس س_ره مرة في القسم الأول من خلاصته في الثقات، وذكره مرة ثانية في القسم الثاني منها في الضعفاء [88] ، وكذلك صنع ابن داود في رجاله [89] وعليه فالرجل لا يُعتمد حديثه لجهالته. وأما الحديث الثاني فقد رواه الكليني عن محمد بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن محمد ب_ن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخَّل، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأصياء. وهذا الحديث ضعيف السند أيضاً، وحسبك أن من

جملة رواته محمد بن سنان والمنخَّل. أما محمد بن سنان فقد مرَّ بيان حاله، وأما المنخَّل فهو المنخل بن جميل الأسدي، وهو ضعيف جداً. قال فيه النجاشي: ضعيف فاسد الرواية [90] . وقال ابن الغضائري: ضعيف، في مذهبه غلو [91] . وقال العلاّمة: كان كوفياً ضعيفاً، وفي مذهبه غلو وارتفاع. قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسين عن المنخل بن جميل، فقال: هو [ صفحه 53] لا شيء، متَّهم [92] . وقال المامقاني: كأن الكل متفقون علي ضعفه [93] .

احاديث الباب كلها تدل علي أن الأئمة عليهم السلام عندهم علم الكتاب

وأما باقي أحاديث الباب فكلها تدل علي أن الأئمة عليهم السلام عندهم علم الكتاب كله. ومنها: رواية سلمة بن محرز، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن مِن علْم ما أُوتينا تفسير القرآن وأحكامه، وعلم تغيير الزمان وحدثانه... ثم قال: ولو وجدنا أوعية أو مستراحاً لقلنا [94] ، والله المستعان. ومنها: رواية عبد الأعلي مولي آل سام، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلي آخره كأنه في كفّي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عز وجل (فيه تبيان كل شيء). ومنها: رواية عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وعندنا والله علم الكتاب كله. ومنها: حسنة أو صحيحة بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (قل كفي بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: إيانا عني، وعليٌّ أوَّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلي الله عليه وآله. ومعرفة الأئمة عليهم السلام بعلم الكتاب لا كلام لنا فيه الآن، فإن الجزائري لم يذكره، فلنكتفِ بمناقشته فيما عَنْوَن به حقيقته،

ومناقشته في دلالة [ صفحه 54] الحديثين الأولين اللذين استخلص منهما حقيقته هذه، فنقول:

مناقشة الجزائري في دلالة الحديثين

قال: إن اعتقاداً كهذا _ وهو عدم وجود مَن جمع القرآن وحفظه من المسلمين إلا الأئمة من آل البيت _ اعتقاد فاسد وباطل، القصد منه عند واضعه هو تكفير المسلمين من غير آل البيت وشيعتهم، وكفي بذلك فساداً وباطلاً [كذا] وشراً.

المراد بجمع القرآن أحد معنيين

العلم بما فيه

أقول: ليس المراد بجمع القرآن وحفظه من الحديثين هو جمع سوره وآياته في مصحف كما ظن الجزائري، بل المراد بجمعه أحد معنيين: المعني الاول: هو العلم بتفسيره ومعرفة ما فيه من أحكام ومعارف. ويدل علي ذلك قوله عليه السلام في الحديث الثاني: «ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء». فإنه ظاهر فيما قلناه، وإلا لو كان المراد بجمع القرآن في الحديث جمع ألفاظه في مصحف لكان أكثر هذه الأمّة يدّعون أن عندهم جميع القرآن كلّه. أما ادّعاء العلم بالقرآن وفهم آياته ومعانيه الظاهرة والباطنة كما أنزلها الله سبحانه فهذا لم يقع من أحد من هذه الأمة إلا من أهل بيت النبوة عليهم السلام. وقوله: «ظاهره وباطنه» يرشد إلي ذلك، فإن ظاهر القرآن وباطنه مرتبطان بمعانيه لا بألفاظه [95] ، وجمع الظاهر والباطن يعني الإحاطة بمعاني آيات الكتاب العزيز كلها، أو أن الظاهر هو لفظه، والباطن معناه، فيكون المعني أنه لا يستطيع أحد أن يدَّعي أن عنده علماً بألفاظ القرآن [ صفحه 55] ومعانيه كاملة إلا الأوصياء عليهم السلام. ولو كان المراد بجمع القرآن جمع ألفاظه كاملة في مصحف لما صحَّ لنا أن نقول: «إن غير علي عليه السلام من أئمة أهل البيت عليهم السلام قد جَمَعه»، لأنه إذا كان علي علي السلام قد جمعه قبلهم، فكيف يتأتي لهم أن يجمعوا ما كان مجموعاً؟! هذا مضافاً إلي

أن الظاهر من أحاديث الباب أنها جاءت تؤكد حقيقة واحدة، هي أن أئمة أهل البيت عليهم السلام علموا تفسير القرآن وفهموا معانيه كلها، وعرفوا أحكامه كما أرادها الله سبحانه، وأن أحداً من هذه الأمة لا يستطيع أن يدّعي أنه يعلم ذلك إلا هُم. وأما مسألة جمع القرآن بالمعني الذي ذكره الجزائري فلم يكن مراداً بالحديثين الأولين، ولم تح_مْ حوله باقي الأح_اديث الأُخ_ر المذكورة في هذا الباب.

جمعه مرتبا كما أنزل

المعني الثاني: أن المراد بجمع القرآن كما أُنزل هو جمعه في مصحف رُتِّب فيه المنسوخ قبل الناسخ، والمكّي قبل المدني، والسابق نزولاً قبل اللاحق، وهكذا. وجمع القرآن بهذا النحو لم يتأتَّ لأحد من هذه الأمّة إلا لعليٍّ بن أبي طالب علي السلام. فقد أخرج ابن سعد وابن أبي داود وغيرهما عن محمد بن سيرين، قال: لمَّا توفي النبي صلي الله عليه وآله أبطأ ع_لي عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا، ولكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلي الصلاة حتي أجمع القرآن. فزعموا أنه كتبه علي تنزيله. فقال محمد: لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم [96] . [ صفحه 56] و قال السيوطي: وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين، وفيه أنه _ يعني عليًّا عليه السلام _ كتَب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، وأن ابن سيرين قال: تطلَّبتُ ذلك الكتاب، وكتبتُ فيه إلي المدينة فلم أقدر عليه [97] .

رد قوله: إن القصد من وضع هذا الحديث تكفير باقي المسلمين

وقول الجزائري: «والقصد منه عند واضعه هو تكفير المسلمين من غير آل البيت وشيعتهم». يردّه أن القول بأن أهل البيت عليهم السلام جمعوا القرآن كله ظاهره وباطنه _ أي علموا تفسيره وفهموا معانيه وأحكامه كما أرادها الله سبحانه، وأن غيرهم ليس كذلك _ لا يلزم منه تكفير أحد من أهل القبلة، بل إن ذلك من تمام نعم الله علي هذه الأمة أن جعل فيهم أئمة يهدون إلي الحق وبه يعدلون. بل حتي لو قلنا: إن المراد بجمع القرآن هنا هو جمع ألفاظه كما ظن الجزائري، فإن ذلك لا يستلزم تكفير أحد من المسلمين الذين تلقَّوا القرآن من غيرهم ناقصاً قد سقطت بعض آياته أو

كلماته، لأنه يحتمل أن يكون الناقص مما لا يجب الاعتقاد به، ولا يضر جهله بجاهله، إذ ليس كل ما في القرآن يجب علي كافة المسلمين أن يعرفوه ويعتقدوا به، وإلا كان واجباً علي كل مسلم أن يكون جامعاً لعلوم القرآن وأحكامه، وعارفاً بمعانيه، ومعتقداً بمضامينه، وهذا لا يقول به أحد. ثم إن الجزائري قد ذكر ما يستلزمه اعتقاد أن أهل البيت عليهم السلام هم [ صفحه 57] الذين جمعوا ألفاظ القرآن كله دون غيرهم، وحيث إنَّا قد أوضحنا أن ما فهمه من معني جمع القرآن غير صحيح، فإن اللوازم التي ذكرها لا نحتاج إلي تكلّف ردّها، إلا أنا سنذكرها مع ذلك لبيان فسادها في نفسها، فنقول: قال: [يلزم من ذلك] تكذيب كل من ادّعي حفظ كتاب الله وجمعه في صدره أو في مصحفه كعثمان وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وغيرهم من مئات أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله.

رد قوله باستلزام تكذيب كل من حفظ القرآن في صدره أو في مصحفه

والجواب: لقد نص الحديث علي كذب كل من ادَّعي العلم بأحكام القرآن وفهم معانيه الظاهرة والباطنة كما أرادها الله تعالي من غير أئمة أهل البيت عليهم السلام. أما تكذيب من ادّعي حفظه عن ظهر قلب أو في مصحف فغير مراد بالحديث كما أوضحنا، بل إن حفظه بهذا المعني لا يتَّجه إنكاره البتة، بسبب وقوعه من كثير من الناس حتي الصِّبْية الذين لم يبلغوا الحلم. اللهم إلا إذا قلنا: إن مَن جمعه في مصحف أو حفظه لم يجمعه كما أُن_زل، أي م_رتباً علي حسب النزول، بأنْ جَمَع المنسوخ منه قبل الناسخ، والمكي قبل المدني، والسابق نزولاً قبل اللاحق، فحينئذ يصح لنا أن نكذّب كل مَن ادّعي جمعه أو حفظه بهذا النحو.

ومن الواضح أن معرفة تفسير القرآن وفهم معانيه كما أرادها الله سبحانه لم تُدّعَ لأحد من علماء الصحابة وغيرهم إلا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فقد أخرج أبو نعيم الأصفهاني وابن عساكر وغيرهما عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: إن القرآن أُنزل علي سبعة أحرف، ما منها حرف إلا له [ صفحه 58] ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن [98] . وكان أمير المؤمنين عليه السلام يخبر بذلك مراراً، كما أخرج ابن سعد وأبو نعيم وغيرهما عن علي عليه السلام أنه قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وعلي من نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً صادقاً ناطقاً [99] . وأخرج ابن سعد وغيره عن علي عليه السلام، قال: سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل [100] . قال الجزائري: [ويلزم] ضلال عامة المسلمين ما عدا شيعة آل البيت، وذلك أن من عمل ببعض القرآن دون البعض لا شك في كفره وضلاله، إذ من المحتمل أن يكون بعض القرآن الذي لم يحصل عليه المسلمون مشتملاً علي العقائد والعبادات والآداب والأحكام.

رد قوله باستلزام ضلال عامة المسلمين

وأقول: لقد أوضحنا المراد بالحديث، ومعني الحديث لا يستلزم ما ذكره من ضلال أو كفر عامة المسلمين، بل حتي لو كان معني الحديث ما زعمه هو فلا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة تلقّي القرآن ناقصاً كما مرَّ آنفاً. وقوله: «إن من عمل ببعض القرآن دون البعض لا شك في كفره وضلاله» غير صحيح، لأن مَن تلقي القرآن ناقصاً وعمل بما عنده من كتاب الله

لا يجوز تكفيره ما لم ينكر شيئاً عُلِم بالضرورة أنه من الدين. وقوله: «لأنه لم يعبد الله تعالي بكل ما شرع» غير صحيح، لأن ما [ صفحه 59] يُفترض أنه سقط من القرآن يُحتمل أن لا يكون من الواجبات العبادية، وعلي فرض كونه منها فقد يكون موضَّحاً في السنّة النبوية الشريفة، ثم إن مَن لم يأتِ ببعض التكاليف لعذر كالجهل ونحوه لا يوصف بالكفر أو الضلال. وقال: إذ من المحتمل أن يكون بعض القرآن الذي لم يحصل عليه المسلمون مشتملاً علي العقائد والعبادات والآداب والأحكام. وجوابه: أن احتمال ذلك لا يرفع احتمال عدمه، فلعل ما يُفترض أنه ساقط من القرآن هو من الآداب والسُنن، لا من الأصول التي يجب اعتقادها. ولو سلّمنا بأن ما يفترض سقوطه من كتاب الله هو من العقائد التي يجب اعتقادها، فلا يلزم من ذلك الحكم بكفر أحد، إذ يُحتمَل أن تلك المعتقدات كانت موضّحة أيضاً في سنة النبي صلي الله عليه وآله المتواترة التي أخذ بها المسلمون وحفظوها. قال: هذا الاعتقاد لازمه تكذيب الله في قوله (إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون) وتكذيب الله تعالي كفر، وأي كفر.

رد قوله باستلزام تكذيب قوله تعالي و إنا له لحافظون

وأقول: إن الاعتقاد بأن الله سبحانه قد اختص أهل البيت عليهم السلام بفهم معاني القرآن الظاهرة والباطنة، ومعرفة أحكامه كلها، لا يستلزم تكذيباً لله تعالي ولا لنبيه صلي الله عليه وآله كما هو واضح. بل حتي لو قلنا: إن القرآن الكريم لم يجمعه أحد من هذه الأمة كما أُنزل إلا أئمة أهل البيت عليهم السلام، فإن هذا القول لا ينافي الآية المباركة، لأن المحصَّل حينئذ أن الله سبحانه حفظ الذِّكْر بأئمة الحق عليهم السلام. [ صفحه 60] وإذا كان هذا

الحديث الضعيف المروي في كتاب «الكافي» الدال علي أن أهل البيت عليهم السلام جمعوا القرآن بالمعني الذي بيَّنَّاه، يستلزم تكذيب قول الله تعالي (إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون)، فما بالك

الاحاديث الدالة علي تحريف القرآن في كتب

أهل السنة بالأحاديث الكثيرة التي رواها أهل السنة وصحَّحوها، التي تدل علي سقوط كلمات بل آيات بل سوَر من القرآن الكريم؟! ألا يدل ذلك علي تكذيب الله عز وجل في حفظ كتابه العزيز، ولا سيّما أن أهل السنة لا يرون أن أحداً من هذه الأمة عنده قرآن غير هذا القرآن الذي هو في أيدي الناس. وإذا أردت قارئي العزيز أن تطّلع علي بعض تلك الأحاديث فإنّا نسوق لك شيئاً منها، ونقسِّم ما نورده لك إلي طوائف:

دلت علي ذهاب سور من القرآن

ومن ذلك ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي الأسود، قال: بعث أبو موسي الأشعري إلي قرَّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرَّاؤهم، فاتلوه ولا يطولَنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنا نقرأ سورة، كنا نشبِّهها في الطول والشدة ببراءة، فأُنسيتها غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدي المسبِّحات [101] فأُنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لمَ تق_ولون م_ا لا تفعلون، فتُكتب شهادةً في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة [102] .

دلت علي نقصان سورة براءة والأحزاب

ومن ذلك ما أخرجه الحاكم والهيثمي وغيرهما عن حذيفة رضي الله عنه، قال: ما تقرأون ربعها، وإنكم تسمُّونها سورة التوبة، وهي سورة العذاب [103] . وأخرج الحاكم وصحَّحه وأحمد _ واللفظ له _ والسيوطي والبيهقي والطيالسي وغيرهم، عن زر بن حبيش قال: قال لي أُبَي بن كعب: كائن تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كائن تعدُّها؟ قال: قلت: ثلاثاً وسبعين آية. فقال: قط؟ لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عليم حكيم [104] . وفي لفظ آخر له: قال: كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية. قال: لقد قرأتُها مع رسول الله صلي الله عليه وآله مثل البقرة أو أكثر، وإن فيها آية الرجم [105] .

دلت علي ذهاب آيات من القرآن

منها: 1 _ آية الرجْم: أخرج البخاري ومسلم _ واللفظ له _ والترمذي وأبو [ صفحه 62] داود وابن ماجة ومالك وأحمد والحاكم والبيهقي والهيثمي وغيرهم، عن عبد الله بن عباس، قال عمر بن الخطاب وهو جالس علي منبر رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الله قد بعث محمداً صلي الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجْم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجَم رسول الله ورجَمْنا بع_ده، فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: «ما نجد الرجم في كتاب الله» فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله... [106] وفي رواية أبي داود، قال: وأيم الله لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتُها [107] . وفي رواية الموطأ، قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، يقول ق_ائل: «لا نجد حدَّين في كتاب الله»، فقد رجم رسول الله صلي الله

عليه وآله ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا يقول الناس: «زاد عمر في كتاب الله» لكتبتها: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة» فإنا قد قرأناها [108] . وأخرج الحاكم عن أبي أمامة أن خالته أخبرته، قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلي الله عليه وآله آية الرجم: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما [ صفحه 63] قضيا من اللذة [109] . 2 _ آية ثانية: ورد ذكرها في حديث طويل أخرجه البخاري عن ابن عباس، أن عمر قال: ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: «أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم» [110] 3 _ آية ثالثة: تقدم ذكرها في الطائفة الأولي، وهي قوله: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب». وأخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال: جاء رجل إلي عمر رحمه الله يسأله، فجعل عمر ينظر إلي رأسه مرة وإلي رجليه أخري، هل يري عليه من البؤس، ثم قال له عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإبل. قال ابن عباس: قلت: صدق الله ورسوله: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغي ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله علي من ت_اب. فقال عمر: م_ا هذا؟ قلت: هكذا أقرأنيها أُبيّ. قال: فمُرْ بنا إليه. قال: فجاء إلي أُبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال أُبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وآله. قال: أفأثبتُها في المصحف؟ قال: نعم [111] . وأخرج الترمذي _ واللفظ له _ وأحمد والطيالسي والحاكم والسيوطي والهيثمي وغيرهم عن أُبي بن كعب، أن رسول

الله صلي الله عليه وآله قال له: إن الله أمرني أن أقرأ عليك. فقرأ عليه: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) [ صفحه 64] فقرأ فيها: إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية، مَن يعمل خيراً فلن يكفره. وقرأ عليه: ولو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغي إليه ث_انياً، ولو ك_ان له ثانياً لابتغي إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله علي من تاب [112] .

دلت علي سقوط كلمات من بعض آيات القرآن أو زيادتها

ومن ذلك ما أخرجه البخاري أن أبا الدرداء سأل علقمة (راوي الحديث)، قال: كيف كان عبد الله [113] يقرأ (والليل إذا يغشي - والن_هار إذا تجلي). قلت: (والذكر والأنثي). قال: ما زال بي هؤلاء حتي كادوا يستزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله [114] . وفي رواية أخري: فقرأت (والليل إذا يغشي - والنهار إذا تجلي - والذكر والأنثي). قال: أقرأنيها النبي صلي الله عليه وآله فاه إلي فيَّ، فما زال هؤلاء حتي كادوا يَردُّوني [115] . ومنه ما أخرجه الحاكم وغيره عن علي رضي الله عنه، أنه قرأ: [ صفحه 65] والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر [116] . وأخرج مسلم وغيره عن أبي يونس مولي عائشة، أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، وقالت: إذا بلغتَ هذه الآية فآذنِّي: (حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي). فلما بلغتُها آذنتُها، فأملَتْ عليَّ: حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلي الله عليه وآله [117] .

دلت علي أن المعوذتين ليستا من القرآن

ومن ذلك ما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، عن عبد الرحمن بن يزيد، ق_ال: كان عبد الله _ يعني ابن مسعود _ يَحُكّ المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله [118] . قال السيوطي: أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طُرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يَحُك المعوذتين من المصحف ويقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أُمر النبي صلي الله عليه وآله أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما [119] . هذا مع أنهم رووا

عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: مَن أحبّ أن يقرأ القرآن [ صفحه 66] غضاً كما أُنزل فليقرأه علي قراءة ابن أم عبد [120] _ يعني ابن مسعود. ورووا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يعرض القرآن علي جبريل عليه السلام كل عام مرة، فلما العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين، وكان آخر القراءة قراءة عبد الله [121] . ورووا عن مسروق أنه قال: ذُكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال: ذلك رجل لا أزال أُحبه، سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود _ فبدأ به _ وسالم مولي أبي حذيفة ومعاد بن جبل وأُبي بن كعب [122] . قال الفخر الرازي: إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا إن كونهما من الق_رآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذا عقدة عصبة [123] . هذا غيض من فيض، ولو شئنا أن نذكر كل ما وقفنا عليه من هذه [ صفحه 67] الأحاديث لطال بنا المقام، وخرجنا عن موضوع الكتاب. وهنا نسأل الجزائري: ألا تدل هذه الأحاديث الصحيحة علي تكذيب قول الله تعالي (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؟

رد ما قالوه من حمل تلك الأحاديث علي نسخ التلاوة

فإن أجاب: بأن هذه الأحاديث وأمثالها تدل علي أن من آيات القرآن الكريم ما نُسخت تلاوته، بمعني أن آية الرجم وغيرها كانت مما أُنزل من القرآن علي النبي صلي الله عليه وآله، إلا أنها نُسخت، فأمر النبي صلي الله

عليه وآله بإزالتها من المصاحف ونهي عن التعبد بتلاوتها. قلنا له: إن ظاهر كثير من الأحاديث يدفع هذا التخريج، فإن قول عمر: «لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتُها» دال _ كما تقدّم عن الزركشي _ علي أن هذه الآية كانت ثابتة في كتاب الله، إلا أن خوف عمر من الناس منعه عن كتابتها في المصحف. كما أن جواب أُبيّ بن كعب ب_ «نعم»، لما سأله عمر عن إثبات «لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» في المصحف، دال بوضوح علي أنها من القرآن، ولم تُنسخ تلاوتها، وإلا لما جاز إثباتها في المصحف. وقول أبي الدرداء: «ما زال بي هؤلاء حتي كادوا يستزلّوني عن شيء سمعته من رسول الله» ظاهر في أن (وما خلق الذكر والأنثي) ليست من القرآن المنزل علي النبي، وإنما هو شيء أثبته القوم من عند أنفسهم. إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة علي ما قلناه. هذا مضافاً إلي أن هناك أحاديث أُخر تصرِّح بأن التحريف وقع بعد زمان النبي صلي الله عليه وآله: منها: ما أخرجه مسلم ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وغيرهم عن عائشة، أنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن «عَشر رضعات معلومات [ صفحه 68] يُحرِّمن» ثم نُسخن ب_ «خمس معلومات»، فتوفي رسول الله صلي الله عليه وآله وهن فيما يُقرأ من القرآن [124] . ومنها: ما أخرجه ابن ماجة وأحمد والدارقطني وغيرهم عن عائشة، قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلي الله عليه وآله وتشاغلنا بموته دخَل داجن [125] فأكلها [126] . ومنها: ما أخرجه السيوطي عن عائشة، قالت: كانت سورة الأحزاب

تُقرأ في زمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يُقْدَر منها إلا علي ما هو الآن [127] . وأخرج عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: قرأ عليَّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة «إن الله وملائكته يصلون علي النبي، يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلموا تسليماً وعلي الذين يصَلّون في الصفوف الأُوَل». قالت: قبل أن يغير عثمان المصاحف [128] . وعن ابن عمر، قال: لَيقولنَّ أحدكم: «قد أخذتُ القرآن [ صفحه 69] كلّه»، وما يدريه ما كلّه، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقُل: قد أخذتُ منه ما ظهر [129] . وثانياً: أن ما ذكروه من آية الرجم وغيرها لا يشبه أُسلوبها الأُسلوب القرآني ولا يدانيه، بل هو كلام ألفاظه ركيكة، ومعانيه ضعيفة، لا يصح نسبة مثله إلي الله جل شأنه. والحاصل أن دلالة هذه الأحاديث علي التحريف ثابتة، لا تندفع بما قالوه من نسخ التلاوة وغيره من الوجوه التي لا يخفي ضعفها. قال الجزائري: هل يجوز لأهل البيت أن يستأثروا بكتاب الله تعالي وحدهم دون المسلمين إلا من شاؤوا من شيعتهم؟!

رد ما قاله باستلزام استئثار أهل البيت بالقرآن

أقول: أما كتاب الله العزيز فهو بين أيدي المسلمين، لم يرفعه الله تعالي منذ أن أنزله علي نبيه الكريم صلي الله عليه وآله. وأما فهم معانيه الظاهرة والباطنه ومعرفة أحكامه فهو مما اختص الله به أئمة أهل البيت عليهم السلام. وأهل البيت عليهم السلام لم يألوا جهداً في هداية الناس وإرشادهم والنصح لهم، إلا أن كثيراً من الناس أعرضوا عنهم ورغبوا عما عندهم، وقدموا غيرهم عليهم. وقوله: «أليس هذا احتكاراً لرحمة الله واغتصاباً لها، يُنَزَّه أهل البيت عنه» كلام ركيك المعني، إذ

كيف يتحقق احتكار الرحمة واغتصابها حتي يُنزَّه أهل البيت عليهم السلام عنها؟! إن رحمة الله سبحانه واسعة كما قال الله في كتابه العزيز [ صفحه 70] (ورحمتي وسعت كل شيء) [130] ، إلا أنه تعالي قد يختص بعض عباده برحمة منه كما قال (والله يختص برحمته من يش_اء والله ذو الفضل العظيم) [131] ، وقال (نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) [132] . وفهْم أهل البيت عليهم السلام معاني القرآن ومعرفة أحكامه رحمة اختصهم الله سبحانه وتعالي بها فيما اختصّهم به، وهذا لا محذور فيه. قال: اللهم إنا لنعلم أن آل بيت رسولك بُرَآء من هذا الكذب، فالعن اللهم من كذب عليهم وافتري.

ان القرآن كان مجموعا في زمان النبي

أقول: لقد أوضحنا فيما تقدم أنا لم نقُل إن كل إمام من أئمة العترة النبوية الطاهرة جمع ألفاظ القرآن الكريم في مصحف، فإنا قد بيَّنا فساده. بل الذي ذهب إليه مَن وقفنا علي قوله من علماء الشيعة الأبرار أن القرآن كان مجموعاً في زمان رسول الله صلي الله عليه وآله غير متفرق. فقد ذكر أمين الإسلام الطبرسي رضوان الله عليه (ت 548ه_) ما أفاده السيد المرتضي رحمه الله في هذه المسألة إذ قال: وذكر [في أجوبة المسائل الطرابلسيات] أيضاً أن القرآن كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله مجموعاً مؤلَّفاً علي ما هو عليه الآن، واستدل علي ذلك بأن القرآن كان يُدرَس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتي عين علي جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يُعرَض علي النبي صلي الله عليه وآله ويُتلَي عليه، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأُبَي بن كعب [ صفحه 71] وغيرهما ختموا القرآن علي النبي

صلي الله عليه وآله عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدني تأمل علي أنه كان مجموعاً مرتَّباً غير مبتور ولا مبثوث. وذكَر أن مَن خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يُعتَد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلي قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحَّتها، لا يُرجَع بمثلها عن المعلوم المقطوع علي صحته [133] . وقال السيد شرف الدين قدس سره: إن القرآن عندنا كان مجموعاً علي عهد الوحي والنبوة، مؤلَّفاً علي ما هو عليه الآن، وقد عرَضه الصحابة علي النبي صلي الله عليه وآله وتَلَوه عليه من أوله إلي آخره، وكان جبرئيل عليه السلام يعارضه صلي الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين، وهذا كله من الأمور الضرورية لدي المحقّقين من علماء الإمامية، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم، كما لا عبرة بالحشوية من أهل السنة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله، فإنهم لا يفقهون [134] . وهذا ما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة، فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والطيالسي وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه أنه قال: جمع القرآن علي عهد النبي صلي الله عليه وآله أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد بن ثابت [135] . قال الجزائري: لازم هذا الاعتقاد أن طائفة الشيعة هم وحدهم [ صفحه 72] أهل الحق والقائمون عليه، لأنهم هم الذين بأيديهم كتاب الله كاملاً غير منقوص، فهم يعبدون الله بكل ما شرع. وأما من عداهم من المسلمين فهم ضالون لحرمانهم من كثير من كتاب الله تعالي وهدايته فيه. أقول: كل طائفة من طوائف هذه الأمة تعتقد أو تدَّعي بأنها هي الطائفة المحقِّة

والفرقة الناجية، أهل السنة والشيعة في ذلك سواء.

الشيعة وحدهم هم أهل الحق

والشيعة الإمامية يعتقدون بأنهم هم أهل الحق، لأنهم تأمَّلوا المذاهب،

مصادر حديث افتراق الأمة إلي ثلاث و سبعين فرقة

ونظروا في قول النبي صلي الله عليه وآله: «ستفترق أمتي إلي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» [136] ، ورأوا أن النبي قد عيَّن هذه الفرقة في أحاديث [ صفحه 73]

مصادر حديث الثقلين

صحيحة، منها قوله صلي الله عليه وآله: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلُّوا بعدي أبداً» [137] ،

مصادر الأحاديث الدالة علي أن عليا وفاطمة والحسنين هم عترة النبي، وهم أهل بيته دون غيرهم

وكَشَف المراد بأهل بيته في أحاديث أخر، حيث قال: «اللهم هؤلاء أهلي» أو «... أهل بيتي» [138] ، يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وعيَّن صلي الله عليه وآله عدد أئمة الحق بقوله: «لا يزال الاسلام عزيزاً إلي اثني [ صفحه 74]

مصادر حديث الخلفاء الاثني عشر

عشر خليفة... كلهم من قريش» [139] ورأوا أن أئمة أهل البيت الاثني عشر قد اتفقت الأمة علي نجاتهم ونجاة أتباعهم. فلما رأوا كل ذلك اتبَّعوهم، فصاروا بذلك هم الناجين دون غيرهم [140] . أما أن الشيعة رأوا أنهم هم أهل الحق لما قاله الجزائري فهذا غير صحيح، وقد أوضحنا ذلك فيما تقَّدم، فلا نعيده. قال الجزائري: أرأيت لو قيل لهذا القائل: أرِنا هذا القرآن الذي خَصَّ به آل البيت شيعتهم، أرنا منه سورة أو سوراً _ يتحداه في ذلك، فماذا يكون موقفه؟ [ صفحه 75]

ان أهل البيت لم يخصوا شيعتهم بقرآن غير هذا القرآن

أقول: إن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يخصُّوا شيعتهم بقرآن غير هذا القرآن الذي يتداوله الناس، ولو كان عندهم قرآن آخر لأظهروه ولما خافوا في الله لومة لائم، وكل مَن نسب إليهم غير هذا فهو كاذب مفترٍ عليهم، وقد أوضح ذلك أعلام المذهب في مصنفاتهم المعروفة، وأثبتوا أن ما أنزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، لم يُزَد فيه ولم يُنقَص منه. قال الشيخ الصدوق: إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالي علي نبيه محمد صلي الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سُوَره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة... ومَ_ن نسب إلينا أنا نقول: «إنه أكثر من ذلك» فهو كاذب [141] . وقال أمين الاسلام الطبرسي (ت 548 ه_): الكلام في زيادة القرآن ونقصانه... لا يليق بالتفسير، فأما الزيادة فيه فمُجمَع علي بطلانها، وأما النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضي قدس الله روحه

واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء [142] .

عقيدة الشيعة الإمامية أن القرآن سالم من التحريف

وقال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (ت 460 ه_): الكلام في زيادته ونقصانه... الزيادة فيه مجمع علي بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وه_و الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضي رحمه الله، وهو الظاهر في الروايات [143] . وقال الشيخ المفيد أعلي الله مقامه: أما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع منه... وقد قال جماعة من أهل الإمامة: إنه لم ينقص من [ صفحه 76] كلِمِه ولا من آيِهِ ولا من سورِه، ولكن حُذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه علي حقيقة تنزيله... وقد يسمَّي تأويل القرآن قرآناً... وعندي أن هذا القول أشبه مِن مقال مَن ادَّعي نقصان كلم من نفس القرآن علي الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل. وقال: وأما الزيادة فمقطوع علي فسادها [144] . وقال السيد رضي الدين ابن طاووس (ت 664 ه_): كان القرآن مصوناً من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع [145] . وقال الميرزا محمد حسن الإشتياني قدس سره: المشهور بين المجتهدين والأصوليين، بل أكثر المحدثين عدم وقوع التغيير مطلقاً، بل ادّعي غير واحد الإجماع علي ذلك [146] . والحاصل أن القول بسلامة القرآن من التحريف بالزيادة أو النقصان هو الذي عليه عامة علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً، ومن ذهب إلي غير هذا القول فهو شاذ لا يعتد به ولا يعول عليه. [ صفحه 79]

كشف الحقيقة 03

استئثار أهل البيت و شيعتهم بآيات الأنبياء

استئثار آل البيت وشيعتهم دون المسلمين بآيات الأنبياء كالحجر والعصا يشهد لهذه الحقيقة ويثبتها ما أورده صاحب الكافي بقوله: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة مظلمة وهو يقول: هَمْهَمة همهمة، وليلة مظلمة،

خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسي. وأورد أيضاً قوله: عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام ق_ال: سمعته يقول: ألواح موسي عندنا، وعصا موسي عندنا، ونحن ورثة النبيين.

كل أحاديث هذا الباب ضعيفة

أقول كل الأحاديث المروية في هذا الباب من الكافي ضعيفة [147] . [ صفحه 80]

ضعف الحديثين اللذين احتج بهما الجزائري

أما الحديث الأول: الذي أورده الجزائري في حقيقته هذه فقد رواه الكليني رحمه الله عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن موسي بن سعدان، عن أبي الحسن الأسدي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام. وحسبك أن من جملة رواته موسي بن سعدان، وهو موسي بن سعدان الحناط الكوفي، وهو ضعيف لا يعتمد حديثه. قال النجاشي: موسي بن سعدان الحناط ضعيف في الحديث [148] . وقال ابن الغضائري: موسي بن سعدان الحناط كوفي، روي عن أبي الحسن عليه السلام، ضعيف، في مذهبه غلو [149] . ومثله كلام العلامة في الخلاصة [150] . وأما الحديث الثاني: فقد رواه الكليني رحمه الله عن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسي، عن موسي بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط،عن محمد بن الفضيل، عن ابي حمزة الثمالي، عن أبي عبدالله عليه السلام. وعمران بن موسي مشترك بين عمران بن موسي الخشاب، وهو مجهول الحال، وبين عمران بن موسي الأشعري، وهو مجهول أيضاً، وبين عمران بن موسي الزيتوني الثقة. وأما موسي بن جعفر البغدادي فهو مجهول الحال ايضاً. قال [ صفحه 81] المامقاني: ظاهره كونه إمامياً، إلا أن حاله مجهول [151] . وأما محمد بن الفضيل فهو مشترك بين الضعيف وغيره. قال المامقاني: الرجل إما ضعيف أو مجهول، اتحد أو تعدد [152] . قال الجزائري: وبعد: أيها الشيعي إن هذا المعتقد في هذه الحقيقة بالذات يلزمك أموراً في غاية الفساد والقبح، لا يمكنك وأنت العاقل إلا أن تتبرأ منها ولا تعترف بها، وهي: 1 _ تكذيب علي رضي الله عنه

في قوله _ وقد سئل: هل خصّكم رسول الله صلي الله عليه وسلم آل البيت بشيء؟ فقال: لا، إلا ما كان في قراب سيفي هذا. فأخرج صحيفة مكتوباً فيها أموراً أربعة، ذكرها أهل الحديث كالبخاري ومسلم.

رد قوله باستلزام تكذيب علي

أقول: كل ما ذكره من اللوازم غير لازم للشيعة، وذلك لأمرين: الأول: أن أحاديث هذا الباب كما قلنا كلها ضعيفة، والحديث الضعيف لا يُلزِم ولا يُلزَم به كما هو واضح. الثاني: ما ظنه الجزائري من اللوازم _ ولا سيما الث_ال_ث والرابع مما ذكره _ هو في حقيقة الأمر ليس بلازم، وهذا ما سيتضح فيما سيأتي قريباً. أما ما ذكره من لزوم تكذيب علي عليه السلام فيما قاله في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم فغير صحيح، وذلك لأن هذا الحديث الذي ساقه ليس متواتراً عن علي عليه السلام، وإنما هو حديث رواه أهل السنة في كتبهم، [ صفحه 82] فلا يصح الاحتجاج به علي غيرهم. ولو سلَّمنا بصحته فلا نقطع بصدوره من علي عليه السلام وإن كان حجة يلزم العمل به، وذلك لأن الخبر الصحيح لا يفيد القطع، بل غاية ما يفيده الظن.

لا تعارض بين حديث الكافي و حديث البخاري

ثم إنَّا لو صحَّحنا هاتين الروايتين _ أعني رواية الكليني ورواية البخاري _ وسلَّمنا بالتعارض بينهما، فمَن أخذ بأحد الخبرين المتعارضين المرويين عن علي عليه السلام وترك الآخر فإنه لا يُعَد مكذِّباً له عليه السلام، وإلا لما جاز العمل بالأخبار المتعارضة. ثم إن أكثر الشيعة ولا سيَّما عوامّهم لم يطَّلعوا علي هذا الحديث الذي رووه عن علي عليه السلام، فكيف يتحقق تكذيبهم لكلام لم يطلعوا عليه؟! هذا مع أنه لا تعارض في البين بين أحاديث هذا الباب من الكافي والحديث الذي رووه عن علي عليه السلام، وذلك لأن المروي في صحيح البخاري أن علي عليه السلام سُئل: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة... [153] . وفيه أيضاً: عن علي رضي

الله عنه، قال: ما كتبنا عن النبي صلي الله عليه وآله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة، قال النبي صلي الله عليه وآله: المدينة حرام ما بين عائر إلي كذا، فمن أحدث أو آوي محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين... [154] . وفيه أيضاً: أن علياً خطب فقال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة... [155] . [ صفحه 83] وفي رواية مسلم أن علياً قال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب... [156] . ولو سلَّمنا بصحة هذه الأحاديث فالظاهر منها أن علياً عليه السلام قد أخبر أنه ليس عند آل بيت النبي صلي الله عليه وآله شيء مكتوب يقرؤونه، قد خصَّهم به رسول الله صلي الله عليه وآله دون الناس غير القرآن إلا تلك الصحيفة. ولهذا قال ابن حجر في شرح قول السائل: «هل عندكم كتاب»: أي مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلي الله عليه وآله مما أوحي إليه. ويدل علي ذلك رواية المصنف _ يعني البخاري _ في الجهاد: «ه_ل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟» [157] ، وله في الديات: «هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟» [158] ، وفي مسند إسحاق بن راهوايه: عن جرير، عن مطرف: «هل علمت شيئا من الوحي؟» [159] . وقال السندي في حاشيته علي سنن النسائي في شرح قول السائل: «هل عندكم من رسول الله صلي الله عليه وآله شيء سوي القرآن؟»: أي شيء مكتوب، وإلا فلا شك أنه كان عنده أكثر مما ذكر [160] . ويدل علي ذلك أيضاً أن ما ذكر في

الصحيفة لم يكن من الأمور المخصوصة بعلي عليه السلام دون سائر المسلمين [161] . [ صفحه 84] قال أبو الطيب العظيم آبادي: ليس يخفي أن ما في كتابه _ أي صحيفة علي عليه السلام _ ليس من الأمور المخصوصة [162] . ومثله قول السندي في حاشيته علي سنن النسائي [163] . وهذا يدل علي أن مراد السائل هو معرفة ما إذا كان النبي صلي الله عليه وآله قد اختص علياً عليه السلام دون الناس بشيء مكتوب فيه شيء من العلم. لأن داعي السؤال هو أن علياً عليه السلام كان إذا وقع حدث قال: صدق الله ورسوله. وهذا يشعر بأن النبي صلي الله عليه وآله كان قد اختصّه بأمور غيبيّه تقع، أخبره بها ولم يخبر أحداً سواه. قال ابن حجر: السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق أبي حسّان، أن علياً كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه. فيقول: صدق الله ورسوله. فقال له الأشتر: هذا الذي تقول أهو شيء عهد إليك رسول الله صلي الله عليه وآله خاصةً دون الناس... [164] . وجواب علي عليه السلام يدل علي أن النبي صلي الله عليه وآله لم يخصه بشيء مكتوب دون الناس إلا ما في تلك الصحيفة التي حوت أموراً غير مخصوصة به. أما [ صفحه 85] ما خصّه رسول الله صلي الله عليه وسلم من غير ما ذُكر فلم يقع في جواب علي عليه السلام وإن قصده السائل.

حيازة أهل البيت بعض مقتنيات النبي

ومنه يتضح أن الأحاديث المذكورة في الكافي في باب ما عند الأئمة عليهم السلام من آيات الأنبياء عليهم السلام لا تتنافي مع ما أخرجه البخاري ومسلم من أحاديث الصحيفة،

لأن تلك الأخبار تدل علي أن النبي صلي الله عليه وآله قد اختص أهل بيته ببعض آيات الأنبياء، كقميص آدم وعصا موسي وخاتم سليمان، وأحاديث الصحيفة تنفي أن يكون النبي صلي الله عليه وآله قد اختص علياً وأهل بيته عليهم السلام بكتاب غير القرآن إلا تلك الصحيفة، وهذا لا ينفي اختصاصه صلي الله عليه وآله لأهل بيته بغير ذلك من المقتنيات والعلوم. علي أنَّا لو لم نقل إن النبي صلي الله عليه وآله ورّث أهل بيته بعض آيات الأنبياء التي كانت عنده فلا نجد محذوراً في القول بحيازتهم لها بعد ذلك، إذ للّها كانت في أيديهم عندما قُبض رسول الله صلي الله عليه وآله، فبقيت كذلك، كما قالوا في حيازة أبي بكر لخاتم النبي صلي الله عليه وآله، وحيازة عائشة لبعض ثيابه، وحيزة غيرهما لغيرها. فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر (رض)، قال: اتخَّذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خاتماً من ورِق [165] ، وكان في يده، ثم كان بعدُ في يد أبي بكر، ثم كان بعدُ في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتي وقع بعد في بئر أريس، نقشه: محمد رسول الله [166] . وأخرج البخاري أيضاً بسنده عن أبي بردة، قال: أخرجتْ إلينا [ صفحه 86] عائشة رضي الله عنها كساءاً ملبَّداً، وقالت: في هذا نُزع روح النبي صلي الله عليه وآله. وزاد سليمان، عن حميد، عن أبي ب_ردة، ق_ال: أخرجتْ إلينا عائشة رضي الله عنها إزاراً غليظاً مما يُصنع باليمن، وكساءاً من هذه التي تدْعونها الملبَّدة [167] . وهذه المقتنيات وغيرها بقيت بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله بيد مَن كانت عنده كما نصَّ علي

ذلك ابن حجر، حيث قال: إنه صلي الله عليه وآله لم يوُرِّث ولا بِيْع موجودُهُ، بل تُرك بيد مَن صار إليه للتبّرك به، ولو كانت ميراثاً لبيعت وقُسِّمت [168] . وعليه، فلا ينبغي الريب في أن أهل البيت عليهم السلام كانت عندهم بعض مقتنيات رسول الله صلي الله عليه وآله كالثياب والسلاح وغيرها، لأنهم أولي الناس به. وقد دلَّت بعض الأخبار علي ذلك: فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن شهاب: أن علي بن حسين حدَّثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية [بعد] مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: فهل أنت معطيَّ سيف رسول الله صلي الله عليه وآله؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم الله لئن أُعطيتنيه لا يُخلص إليه أبداً حتي تبلغ نفسي... [169] . وبهذا يتضح السر في إخفاء النبي صلي الله عليه وآله حيازته لمواريث الأنبياء عليهم السلام [ صفحه 87] عن الناس، إذ لم نجد في الأحاديث المروية عنه صلي الله عليه وآله في كتب أهل السنة مما يتعلق بذلك عيناً ولا أثراً، وذلك حتي لا يُغلب عليها أهل البيت عليهم السلام من بعده كما غُلبوا علي غيرها. قال الجزائري: 2 _ الكذب عليه رضي الله عنه بنسبة هذا القول إليه. أقول: لقد أوضحنا أن أحاديث هذا الباب من الكافي كلها ضعيفة. وعليه فنحن لا نعلم بصدور هذا القول من أمير المؤمنين عليه السلام، ولم نقل نحن ولا قال الكليني قدس سره بأنه عليه السلام قد قاله حتي تتجه نسبة الكذب إليه أو إلينا، ولا سيما أنا لا نقطع بصدور هذا

القول منه عليه السلام حتي لو صحَّ الخبر عنه، فمع عدم صحّته لا يحصل عندنا ظن بالصدور كما هو واضح. هذا مضافاً إلي أن الكليني رحمه الله روي هذه الأحاديث عن غيره، ولم يقل: «إن علياً عليه السلام قاله» حتي ننسبه إلي الكذب علي علي عليه السلام، وإنما قال: «حدثني فلان عن فلان أن علياً عليه السلام قال كذا وكذا»، والكليني صادق فيما قال من تحديث غيره له، أما أن علياً عليه السلام قد قال ذلك أو لم يقله فهذا ما لا نعلمه، ولا نُسأل عنه، ولا نُحاسب عليه. ولا أدري لمَ جزم الجزائري ب_أن علياً عليه السلام لم يقل ذلك القول، مع أنه لم يكن مناقضاً لنص القرآن الكريم، أو مخالفاً للسنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو حكم العقل. وكونه خبراً ضعيفاً لا يدل علي عدم وقوعه وإن كان بعض رواته معروفاً بالكذب، لأن الكذوب قد يصدق، ولهذا أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يتبيّنوا في أخبار الفاسقين، حيث قال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينَّوا أن تصيبوا ق_وماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم [ صفحه 88] نادمين) [170] . فأمر بالتبيُّن في أخبارهم، ولم يأمر بردها. ومن البيِّن أن هذا الأمر إنما اتَّجه لأجل احتمال صحة خبر الفاسق ولو في بعض الأحيان. والحاصل أن جزم الجزائري بأن هذا الخبر مكذوب علي أمير المؤمنين عليه السلام في غير محله، لعدم جريانه علي القواعد العلمية. اللهم إلا إذا كان يدَّعي أن لديه ملكة قدسية نورانية، يستطيع بها تمييز الحديث المكذوب من غيره... وهذا ما يحتاج منه إلي إثبات [171] .

دابة الأرض تخرج و معها خاتم سليمان وعصا موسي

والظاهر أن الجزائري جزم بكذب أحاديث هذا الباب من الكافي لأنه

استعظم أن يكون عند علي عليه السلام قميص آدم عليه السلام، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسي عليهما السلام، مع أنهم روَوا أن دابة الأرض التي تظهر في آخر الزمان، تخرج وفي يدها خاتم سليمان وعصا موسي. فقد أخرج الترمذي وحسَّنه وابن ماجة وأحمد والطيالسي والحاكم وغيرهم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسي، فتجلو وجه المؤمن، وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتي إن أهل الخِوان ليجتمعون فيقول: ها ها يا مؤمن. ويقال: ها ها يا كافر. ويقول هذا: يا مؤمن. وهذا: يا كافر [172] . [ صفحه 89] وروَوا أن دابة الجنة هي علي بن أبي طالب عليه السلام فيما أخرجه الهيثمي والمتقي الهندي وغيرهما عن عمرو بن الحمق، قال: هاجرت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله، فبينما أنا عنده ذات يوم قال لي: هل أُريك دابة الجنة تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتمشي في الأسواق؟ قال: قلت بلي بأبي أنت. قال: «هذا دابة الجنة». وأشار إلي علي بن أبي طالب [173] .

علي هو دابة الجنة

وروَوا عن علي عليه السلام أنه سُئل عن دابة الأرض فقال: أمَا والله ما لها ذنَب، وإن لها لَلِحية. قال الماوردي: وفي هذا القول منه إشارة إلي أنها من الإنس وإن لم يصرّح به [174] . قال القرطبي: ولهذا _ والله أعلم _ قال بعض المتأخرين من المفسرين: إن الأقرب أن تكون هذه الدابة إنساناً متكلماً يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة [175] . أقول: ويدل علي أنها من الإنس أنها تكلِّم الناس كما في قوله تعالي (تكلِّمهم)، وأنها تميِّز

المؤمن من الكافر، وأنها تسِمُ المؤمن بالعصا، وتختم الكافر بالخاتم... وذلك كله من الصفات المعهودة في البشر لا في غيرهم. وعلي كل حال، فإن قلنا إن دابة الأرض هي علي بن أبي طالب عليه السلام، فليس من الإنصاف أن ننكر أن عنده عصا موسي وخاتم سليمان، وإن قلنا إن دابة الأرض غيره، فليس من الإنصاف أن نستعظم حيازته [ صفحه 90] عليه السلام للعصا والخاتم، ولا نستعظم حيازة الدابة لهما. قال الجزائري: 3 _ الازدراء من نفس صاحب هذا المعتقد والدلالة القاطعة علي تفاهة فهمه، ونقصان عقله، وعدم احترامه لنفسه، إذ لو قيل له: أين الخاتم؟ أو أين العصا؟ أو أين الألواح مثلاً؟ لما حار جواباً، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك، وبه يتبيَّن كذب القصة من أولها إلي آخرها.

ازدراء الجزائري بمن يعتقد أن آيات الأنبياء عند أهل البيت

وأقول: لا أدري كيف يُلزَم كل شيعي بالازدراء منه؟! وهل يُعد الازدراء من الشيعة من الأمور التي يُلزَمون بها إذا اعتقدوا أن آل البيت عليه السلام عندهم مواريث الأنبياء؟! ولا أدري لِمَ يزدري الجزائري ممن يعتقد أن آيات الأنبياء كخاتم سليمان وعصا موسي وقميص آدم، قد صانها الله سبحانه وحفظها عند أشرف خلقه وهم أنبياؤه ورسله، إلي أن صارت عند أئمة العترة النبوية الطاهرة، ولا يزدري ممن يعتقد أن خاتم سليمان وعصا موسي يكونان في آخر الزمان عند دابة الأرض التي وصفوها بأنها دابة ذات قوائم أربع لها زغَب [176] وريش، ورُغاء كرغاء الإبل؟! [177] . [ صفحه 91] هذا مع أنَّا قد قلنا فيما تقدم أن هذا وأمثاله مما لا يجب معرفته ولا يضر بالشيعي جهله، ولعل أكثر عوام الشيعة لا يعرفون شيئاً من ذلك. ومن الغريب أن هذا الرجل قد استدل

علي تفاهة فهم ونقصان عقل من يعتقد بأن آيات الأنبياء عليهم السلام عند أهل البيت بأنه لو قيل له: أين الخاتم؟ أو أين العصا؟ أو أين الألواح مثلاً؟ لما حار جواباً، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك. ومن الواضح أنا لا نقول: «إن هذه الآيات عندنا» حتي نُطالَب بأن نأتي بها، بل هي عند أهل البيت عليهم السلام يتوارثونها. وقال: وأوضح من ذلك فإنه قد يُقال: لو كان ما قد قيل حقاً لِمَ لا يستخدم آل البيت هذه الآيات كالعصا والخاتم في تدمير أعدائهم والقضاء عليهم، وهم قد تعرضوا لكثير من الأذي والشر من قِبلهم؟!

رد إشكاله بعدم تدمير أهل البيت لأعدائهم

والج_واب: 1 _ أن أهل البيت عليهم السلام عباد لله مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. والله قادر علي نصرهم بغير العصا، ولكن اقتضت حكمته جل شأنه أن يمهل أعداء الدين من أئمة الجور، ويملي لهم ليزدادوا إثماً، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. قال تعالي (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، ولهم عذاب مهين) [178] . [ صفحه 92] 2 _ لقد كان أعداء أهل البيت يُظهِرون الإسلام أو يتظاهرون به، ولم يكن حالهم في إعلان الحرب لله كحال فرعون الذي عتا عتواً كبيراً. قال تعالي (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفةً منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) [179] . ثم تمادي في غيِّه فادّعي الربوبية لنفسه، وكذب بموسي عليه السلام لما جاءه بالدلائل الواضحة الدالة علي صدقه. قال سبحانه (اذهب إلي فرعون إنه طغي - فقل له هل لك إلي أن تزكي - وأهديك إلي ربك فتخشي - فأراه الآية الكبري

- فكذب وعصي - ثم أدبر يسعي - فحشر فنادي - فقال أنا ربكم الأعلي) [180] . فلما آمن بموسي من آمن توعدَّهم فرعون بالتنكيل والقتل (قال آمنتم به قبل أن آذن لكم، إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون، لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خ_لاف ولأصلبنَّكم أجمعين) [181] وقال تعالي (ولقد أرسلنا موسي بآياتنا وسلطان مبين - إلي فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب - فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال) [182] . ثم سعي لقتل موسي عليه السلام ومن آمن معه. قال تعالي (وقال فرعون ذروني أقتل موسي وليدعُ ربَّه، إني أخاف أن يبدل دينكم، أو أن يُظهر في الأرض الفساد) [183] . فأوحي الله إلي موسي عليه السلام أن يخرج ليلاً هو ومن آمن معه. قال [ صفحه 93] سبحانه (وأوحينا إلي موسي أن أسر بعبادي إنكم متَّبَعون) [184] (فأتبعهم فرعون بجنوده) [185] (فلما تراءي الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمُدرَكون - قال كلا إن معي ربي سيهدين - فأوحينا إلي موسي أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم - وأزلفنا ثم الآخرين - وأنجينا موسي ومن معه أجمعين - ثم أغرقنا الآخرين) [186] . والحاصل أن الله سبحانه قد استنفد مع فرعون كل السبل، إلا أنه أبي واستكبر وأسرف وعلا علواً كبيراً، (فأخذه الله نكال الآخرة والأولي) [187] ، فهل كان حال أعداء أهل البيت كحال فرعون؟! 3 _ إن إنزال العذاب معلق علي مشيئة الله سبحانه، كما أخبر في كتابه العزيز إذ قال (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذِّب من يشاء ويغفر

لمن يشاء، والله علي كل شيء قدير) [188] ، (قال عذابي أُصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) [189] . وقد شاء الله سبحانه أن يمهل أعداء الدين ويملي لهم ليزدادوا إثماً كما تقدم. 4 _ إن أهل البيت عليهم السلام رحمة مهداة إلي هذه الأمة وأمان لها، بهم يرفع الله العذاب عن الناس، فإذا ذهبوا أتي الأمَّة ما يوعدون، كما أخبر النبي صلي الله عليه وآله فيما أخرجه الحاكم وصحَّحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء، فإن طُمست أتي [ صفحه 94] السماء ما يُوعَدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا قُبِضت أتي أصحابي ما يُوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتي أمتي ما يوعدون [190] . قال المناوي: شبَّههم بنجوم السماء، وهي التي يقع بها الإهتداء، وهي الطوالع والغوارب والسيارات والثابتات، فكذلك بهم الإقتداء وبهم الأمان من الهلاك [191] .

رد قوله بأن الهدف من ادعاء حيازة أهل البيت آيات الأنبياء إثبات هداية الشيعة

قال الجزائري: 4 _ إن الهدف من هذا الكذب المرذول هو إثبات هداية الشيعة وضلال مَن عداهم من المسلمين. وأقول: إن هداية الشيعة لا تثبت بمثل هذه الأحاديث الضعيفة، بل حتي لو صحَّت هذه الأحاديث وسلَّم بها الخصم، فإنها مع ذلك لا تدل علي هداية فئة ولا ضلال فئة أخري، وهو واضح. قال: والقصد من وراء ذلك الإبقاء علي المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية، ليتحقق لرؤساء الطائفة ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش ع_لي حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين. أقول: هذا القول من التُّهَم الكثيرة الباطلة التي سَوَّد بها كتيّبه، وحسبك أنه [ صفحه 95] لم يقم

دليلاً واحداً يُثبت به ما قاله.

رد قوله بأن القصد أيضا هو إبقاء المذهب الشيعي مستقلا

ولا أدري كيف يتحقق الإبقاء علي المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية، و كيف يعيش علماء الشيعة علي حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين بإثبات أن أهل البيت عليهم السلام قد ورثوا بعض آيات الأنبياء السابقين صلي الله عليه وآله من رسول الله صلي الله عليه وآله؟! أين هذا من ذاك؟! ثم ما هو مراده بالأمة الإسلامية؟ إن كان مراده بالأمّة باقي المسلمين، فما قاله يُلزم أهل السنة كما يلزم الشيعة، لأن كل فرقة لها كيان عقائدي مستقل عن غيرها من باقي فرق المسلمين. وإن عني بالأمّة أهل السنة، فمخالفتهم لا تضر ولا تشين، لأنَّا لم نجد دليلاً واحداً في كتاب الله أو في سُنة نبيِّه صلي الله عليه وآله يحذِّر من مخالفة مَن يُعرفون بهذا الاسم، بل إن الأدلة الصحيحة تحث علي لزوم اتِّباع أئمة أهل البيت صلي الله عليه وآله دون غيرهم [192] . وقوله: ليتحقق لرؤساء هذه الطائفة ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش علي حساب هدم الإسلام [ صفحه 96] وتمزيق شمل المسلمين.

رد اتهامه لعلماء الشيعة بأنهم يريدون العيش علي حساب هدم الإسلام

جوابه: أن أئمة أهل البيت عليهم السلام مع أنهم كانوا هم أولي الناس بالأمر إلا أنهم لم يدّخروا وسعاً في إرشاد الناس عامة و نصح الخلفاء خاصة بما يضمن للمسلمين عزّهم ووحدتهم.

حرص أهل البيت وعلماء المذهب علي وحدة المسلمين

قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره في طي كلامه الذي عقده لبيان عقيدة الشيعة في الوحدة الإسلامية: عُرف آل البيت عليهم السلام بحرصهم علي بقاء مظاهر الإسلام والدعوة إلي عزّته ووحدة كلمة أهله، وحفظ التآخي بينهم، ورفع السخيمة من القلوب والأحقاد من النفوس. ثم ذكر جملة من مواقف أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام الدالَّة علي ذلك، ثم قال: وكذلك باقي الأئمة عليهم السلام في مواقفهم مع ملوك عصرهم وإن لاقوا منهم أنواع الضغط والتنكيل، فإنهم لما علموا أن دولة الحق لا تعود إليهم انصرفوا إلي تعليم الناس معالم دينهم، وتوجيه أَتْباعهم التوجيه الديني العالي. وكل الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين لم تكن عن إشارتهم ورغبتهم، بل كانت كلها مخالفة صريحة لأوامرهم وتشديداتهم، فإنهم كانوا أحرص علي كيان الدولة الإسلامية من كل أحد حتي من خلفاء بني العباس أنفسهم. وكفي أن نقرأ وصية الإمام موسي بن جعفر عليه السلام لشيعته: لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلاً فاسألوا الله بقاءه، وإن كان جائراً فاسألوا الله إصلاحه، فإن صلاحكم في صلاح سلطانكم، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم [193] . [ صفحه 97] قال: وهذا غاية ما يُوصف في محافظة الرعية علي سلامة السلطان أن يحبُّوا له ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لها [194] . وأما علماء الشيعة الإمامية فهم تبع لأئمة أهل البيت عليهم السلام

في ذلك، ومواقفهم وكلماتهم وفتاواهم في هذا الشأن أدل دليل علي ذلك، إذ تدل بوضوح علي أنهم أكثر علماء هذه الأمة سعياً في رأب الصدع ولمّ الشمل وتوحيد الكلمة. وحسبك دليلاً علي ذلك ما أفتي به مَن وقفنا علي فتواه منهم من استحباب الصلاة في جماعة أهل السنة، وحرمة أو كراهة التظاهر بمخالفة أهل السنة في المسائل الخلافية بين السنة والشيعة، وحرمة مخالفة أهل السنة في وقوف الحج في عرفات وغير ذلك مما يعرفه المتتبّع. ثم ما الذي يستفيده علماء الشيعة الإمامية من العيش علي حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين وه_م الذين صرفوا زهرة أعمارهم في الذب عن الإسلام والمسلمين؟! هذا مع أنهم لو ساروا في ركاب الحكَّام والأُمراء و السلاطين وأكلوا من فتات موائدهم كما يصنع غيرهم، لكان ذلك أرغد لدنياهم وأرخي لبالهم. هذا في الوقت الذي كان كثير من علماء أهل السنّة قد دأبوا منذ مئات السنين إلي يومنا هذا علي تصنيف المصنفات الكثيرة التي نقدوا فيها عقائد الشيعة الإمامية، وحكموا فيها بضلالهم وكفرهم، وأفتوا فيها بإباحة دمائهم وأموالهم. ومن العجب أن هذا الرجل الذي يكتب مثل هذا الكتيّب الذي يؤجّج به نائرة الفتنة، ويزيد به الفُرقة بتكفير طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، يرمي علماء الشيعة بهدم الإسلام وتمزيق شمل [ صفحه 98] المسلمين، وهل هذا إلا مصداق قوله سبحانه (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرمِ به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا) [195] . [ صفحه 101]

كشف الحقيقة 04

اختصاص أهل البيت بعلوم نبوية وإلهية

اعتقاد اختصاص أهل البيت وشيعتهم بعلوم ومعارف نبوية وإلهية دون سائر المسلمين ومستند هذه الحقيقة ما أورده صاحب الكافي بقوله: عن أبي بصير قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام، فقلت:

جُعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علَّم علياً عليه السلام ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب. قال: فقال: يا أبا محمد، علَّم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام ألف باب، يفتح له من كل باب ألف باب. قال: قلت: هذا بذاك. قال: ثم قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأملاه من فلق فيه، وخط علي بيمينه كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتي الأرش والخدش. قال: قلت: هذا والله العلم! قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة ثم قال: عندنا الجفر، ما يدريهم ما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل. قال: قلت: إن هذا العلم! قال: إنه العلم، وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد! قال: [ صفحه 102] قلت: هذا والله العلم. قال: إنه العلم، وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا علم ما كان وما هو كائن إلي أن تقوم الساعة. انتهي بالحرف الواحد. ثم إن الجزائري بني علي هذا الحديث أموراً غريبة ونتائج عجيبة، فقال: و بعد: إن النتيجة الحقيقية لهذا الاعتقاد الباطل لا يمكن أن تكون إلا كما يلي: 1 _ الاستغناء عن كتاب الله تعالي، وهو كفر صراح.

رد قوله باستلزام الاستغناء عن القرآن

والجواب إن هذا الحديث

لا يدل علي هذه النتيجة ولا علي غيرها من النتائج التي ذكرها كما سيتضح قريباً إن شاء الله تعالي. وهذا الحديث المروي في الكافي صحيح الإسناد، فيه بيان ما خُصَّ به أهل البيت عليهم السلام من الصحائف والكتب وما عندهم من العلوم الشرعية والمعارف الإلهية التي لم تكن عند غيرهم من الناس.

الصحيفة الجامعة

ومنها: الجامعة: وهي صحيفة أملاها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكتبها أمير المؤمنين عليه السلام، طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. والظاهر من الأخبار أنها تشتمل علي كل الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وكل ما يحتاج إليه الناس حتي أرش الخدش كما نصَّ عليه هذا الحديث وغيره [196] .

مصحف فاطمة

ومنها: مصحف فاطمة عليها السلام: وهو كتاب فيه علم ما يكون [ صفحه 103] وأسماء من يملكون إلي قيام الساعة، بإملاء جبرئيل عليه السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه السلام، كما دلت عليه الأخبار الكثيرة كخبر حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام. قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالي لما قبض نبيّه صلي الله عليه وآله دخل علي فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملَكاً يسلّي غمّها و يحدّثها، فشكَت ذلك إلي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إذا أحسستِ بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كل ما سمع، حتي أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون [197] وفي صحيحة أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد علي أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها علي أبيها ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه،

ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان ع_لي عليه السلام يكتب ذلك، ف_هذا مصحف فاطمة عليها السلام [198] .

الجفر الأبيض والأحمر

وأما الجفر فهو كما في الأخبار وعاء من جلد فيه كتب الأنبياء السابقين ك_الزبور والت_وراة والإنجيل وصحف إبراهيم ومصحف فاطمة، وفيه الحلال والحرام وغير ذلك، وهو الجفر الأبيض. وأما الجفر الأحمر فهو وعاء آخر فيه سلاح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يخرجه الإمام المهدي عليه السلام حين خروجه كما في صحيحة الحسين بن أبي العلاء، [ صفحه 104] قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عندي الجفر الأبيض. قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود وتوراة موسي وإنجيل عيسي وصحف إبراهيم عليه السلام والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلي أحد، حتي فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر. قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك إنما يُفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل... [199] . إذا اتضح ذلك نقول:

حيازة هذه الكتب لا تدل علي الاستغناء عن القرآن

إن حيازة مثل هذه الكتب وغيرها لا تدل بأية دلالة علي الاستغناء بها عن كتاب الله العزيز، وإلا كان حيازة كتب الفقه والحديث والتاريخ وغيرها كفراً صراحاً. ثم إن الاستغناء عن كتاب الله عز وجل لا يتحقق إلا بالإعراض عنه إلي غيره، وأما الاستفادة من الكتب المدونة في شتي العلوم والفنون فهي لا تدل علي الرغبة عن كتاب الله العزيز، ولا سيما إذا كانت مبيِّنة لمجملات القرآن، وموضحة لما يحتاج منه إلي بيان كما هو الحال في الصحيفة الجامعة، التي تشتمل علي الحلال والحرام وما يحتاج إليه الناس مفصّلاً، أو كانت مشتملة علي بيان الملاحم والفتن وما يكون إلي قيام الساعة، كما هو الحال في مصحف فاطمة عليها السلام. وعلي كل حال فإن

الصحيفة الجامعة كتاب جامع في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ومصحف فاطمة عليها السلام كتاب مشتمل علي حديث جبرئيل عليه السلام، وباقي الكتب هي من كلام الله عز وجل، وكل ذلك حق لا يجوز نسبته إلي الباطل كما هو واضح. [ صفحه 105] علي أنّا لو أردنا أن نثير الدفائن ونُخرج المخبوء لقلنا: إن غير الشيعة الإمامية هم الذين قد استغنوا عن كتاب الله العزيز بما سطّروه في كتبهم المعتمدة من أحاديث واهية وأخبار ضعيفة مخالفة لآيات الكتاب العزيز كما سيتضح في كشف الحقيقة السابعة إن شاء الله تعالي. وعليك أيها القارئ العزيز بمراجعة ما سبق بيانه في ردّ ما تمسَّك به الجزائري في إثبات هذه التهمة في حقيقته الأولي.

لا يجوز تكذيب أن أهل البيت عندهم مصحف فاطمة

شُبْهة وجوابها لعل الخصم يقول: إن كل ذلك لا يصح، ولو أنا علمنا أن علياً عليه السلام كتب الصحيفة الجامعة من إملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ومصحف فاطمة عليها السلام من إملاء جبريل عليه السلام لما نازعناكم في كل ذلك، ولكن ذلك لم يثبت، فلا يمكن قبوله بحال.

رد قوله بأن اختصاص أهل البيت بعلوم دون سائر المسلمين خيانة صريحة تنسب للنبي

والجواب: أنا قد تلقَّينا ذلك من الثقات الأَثبات فلا نردّه وإن كان لا يلزمنا الاعتقاد به، لِما بيّناه فيما تقدَّم من أن الاعتقادات لا بد أن تكون يقينية، والخبر الصحيح وإن كان حجَّة في الأحكام الشرعية إلا أنه غير حجَّة في المعتقدات، لأن أقصي ما يفيده الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً. وعليه، فإذا كنا لا نلتزم بالاعتقاد به فمن باب أولي لا نُلزم الخصم به، إلا أن ردّه مع عدم استحالته مشكل، ولا سيما مع ورود النهي عن رد ما قاله أهل الكتاب مما لم تثبت صحته ولم يتّضح بطلانه. فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا (آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إليكم) الآية [200] . [ صفحه 106] وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أبي نملة الأنصاري، عن أبيه: أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلي الله عليه وآله وعنده رجل من اليهود مرّ بجنازة، فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ ف_قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: الله أعلم. فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ما حدّثكم أهل الكتاب فلا

تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا بالله ورسله. فإن كان باطلاً لم تصدّقوه، وإن كان حقاً لم تكذّبوه [201] . قال الجزائري: 2 _ اختصاص آل البيت بعلوم ومعارف دون سائر المسلمين، وهو خيانة صريحة تنسب إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ونسبة الخيانة إليه صلي الله عليه وآله كفر لا شك فيه ولا جدال. والج_واب 1_ أن اختصاص النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحداً من هذه الأمة بعلم لا يُعد خطأ ولا خيانة، ولا سيما إذا كانت ثمة منفعة خاصة أو عامة، ولهذا خص النبي صلي الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بأسماء المنافقين دون غيره من الناس حتي سُمّي بصاحب سر رسول الله. كما خص بعض أزواجه بحديث وسألها كتمانه [202] ، فلما أفشته أطلعه [ صفحه 107] الله عليه. قال عز من قائل (وإذ أسرَّ النبي إلي بعض أزواجه حديثاً فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبَّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبَّأني العليم الخبير) [203] .

بيان ما خص النبي به عليا و فاطمة

وخصَّ فاطمة عليها السلام بما خصّها به عند وفاته فيما أخرجه البخاري بسنده عن عائشة، قالت: أقبلتْ فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلي الله عليه وآله: مرحباً بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لمَ تبكين؟ ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرَحاً أقربَ من حزن. فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، حتي قُبض النبي صلي الله عليه وآله فسألتها فقالت: أسرَّ إليَّ: إن

جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العامَ مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي. فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين. فضحكت لذلك [204] . وخصَّ أمير المؤمنين عليه السلام بما لم يخص به غيره كما أخرج الترمذي بسنده عن جابر، قال: دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ما انتجيته ولكن الله انتجاه [205] . [ صفحه 108] وأخرج أحمد والحاكم وغيرهما عن أم سلمة، قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. قالت: عدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غداة بعد غداة، يقول: «جاء علي؟» مراراً. قالت فاطمة: كان بعثه في حاجة. قالت: فجاء بعد. قالت: فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، وكنت من أدناهم إلي الباب، فأكبَّ عليه علي فجعل يسارُّه ويناجيه، ثم قُبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس به عهداً [206] . وأخرج ابن سعد وأبو نعيم والهيثمي وغيرهم عن ابن عباس قال: كنا نتحدّث أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عهد إلي علي سبعين عهداً لم يعهدها إلي غيره [207] . هذا كله مضافاً إلي أن آية النجوي وهي قوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر، فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) [208] لم يعمل بها

أحد من هذه الأمة إلا علي بن أبي طالب عليه السلام كما نص عليه كل من وقفنا علي قوله في الآية من العلماء والحفاظ والمفسرين [209] . [ صفحه 109] 2 _ كانت لأمير المؤمنين عليه السلام منزلة عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم تكن لأحد غيره، فهو ربيبه وصهره علي ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام وابن عمه وأخوه بالمؤاخاة دون غيره من المسلمين، ولهذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الوقت الذي لا يدخل عليه فيه أحد من الناس، كما أخرج النسائي وأحمد وابن خزيمة وغيرهم عن علي عليه السلام، أنه قال: كانت لي منزلة من رسول الله 0لم تكن لأحد من الخلائق، آتيه بأعلي سَحَر، فأقول: السلام عليك يا نبي الله. فإن تنحنح انصرفت إلي أهلي، وإلا دخلت عليه [210] .

منزلة أميرالمؤمنين عند رسول الله

وأخرج أحمد وابن خزيمة والبيهقي والطحاوي وغيرهم عن علي عليه السلام أنه قال: كانت لي ساعة من السَّحَر أدخل فيها علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فإن كان في صلاته سبَّح، فكان ذلك إذنه لي، وإن لم يكن في صلاته أذن لي [211] . وروي السيد الرضي أعلي الله مقامه في نهج البلاغة عن علي عليه السلام أنه قال واصفاً منزلته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وقد علمتم موضعي من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلي صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه... [ صفحه 110] إلي أن قال: ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر

أمّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علَماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، وإنك تسمع ما أسمع، وتري ما أري، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وإنك علي خير [212] . والحاصل أن منزلة علي عليه السلام من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تقتضي أن يسمع منه صلي الله عليه وآله ما لا يسمعه غيره، وأن يعلم منه ما لا يعلمه غيره، كما صحَّ عندهم مثل ذلك في أبي هريرة فيما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة إذ قال: إن الناس يق_ولون: أكثَرَ أبو ه_ريرة. ول_ولا آيتان في كتاب الله ما حدَّثت حديثاً. ثم يتلو (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات) إلي قوله (الرحيم)، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون [213] . وأخرج أيضاً عنه أنه قال: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثْته، وأما الآخر فلو بثثْته قُطع هذا البلعوم [214] . فإذا صح عندهم مثل ذلك في حق أبي هريرة فمن باب أولي يصح مثله علي الأقل في حق

علي عليه السلام الذي صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم منذ نعومة [ صفحه 111] أظفاره إلي أن التحق النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي جوار ربه، بينما لم تزد صحبة أبي هريرة أكثر من ثلاث سنين [215] .

حرص أميرالمؤمنين علي تحصيل العلوم من النبي

3 _ كان علي عليه السلام شديد الحرص علي تحصيل العلوم، فكان يسأل النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أمور الدين والدنيا، وكان صلي الله عليه وآله وسلم يحرص علي تعليمه كما أخرج الترمذي و حسَّنه عن عبد الله بن عمرو بن هند الحبلي، قال: قال علي: كنت إذا سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أعطاني، و إذا سكتُّ ابتدأني [216] . وأخرج ابن سعد عن علي عليه السلام أنه قيل له: مالَك أكثر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكتُّ ابتداني [217] .

مصادر الأحاديث الدالة علي أن عليا هو الأذن الواعية

هذا مضافاً إلي ما ورد من أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سأل الله جل شأنه أن يجعل علياً عليه السلام الأذن الواعية لعلمه، حيث قال عند نزول قوله تعالي (وتعيها أذن واعية) [218] : سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي. قال علي: فما نسيت شيئاً بعد ذلك، وما كان لي أن أنسي [219] . هذا كله مع ما امتاز به علي عليه السلام من شدة الذكاء والفطنة ورجاحة [ صفحه 112] العقل وقوة الحافظة، ولهذا كان عليه السلام يقول: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً [220] . وبالجملة فمن كل ما تقدم يتضح أنه لا محذور في أن يخص النبي صلي الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام بما شاء من العلوم، ولا استبعاد في أن يكتب علي عليه السلام شيئاً مما كان قد سمعه من النبي صلي الله عليه وآله وسلم في صحيفة أسماها أو سُمّيت بعد ذلك الصحيفة الجامعة،

ولا سيما أن غيره من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كانوا يكتبون بعض مسموعاتهم من النبي صلي الله عليه وآله وسلم كعبد الله بن عمرو بن العاص، كما في حديث البخاري الذي رواه عن أبي هريرة إذ قال: ما من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب [221] . هذا مع نص بعض أعلام أهل السنة علي أن علياً عليه السلام كان ممن يكتب حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم. قال ابن الصلاح: اختلف الصدر الأول رضي الله عنهم في كتابة الحديث، فمنهم من كرِه كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه، ومنهم من أجاز ذلك... إلي أن قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعَله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين [222] . وقال السيوطي: وأباحها _ أي كتابة الحديث _ طائفة وفعلوها، منهم [ صفحه 113] عمر وعلي وابنه الحسن وابن عمرو وأنس وجابر وابن عباس وابن عمر أيضاً، والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز، وحكاه عياض عن أكثر الصحابة والتابعين [223] . قال الجزائري: 3 _ تكذيب علي رضي الله عنه في قوله الثابت الصحيح: لم يخصنا رسول الله آل البيت بشيء، وكذب علي علي كالكذب علي غيره حرام لا يحل.

رد قوله باستلزام ذلك تكذيب علي

والجواب أنا قد أوضحنا فيما تقدم أن هذا القول المروي عن علي عليه السلام ليس متواتراً حتي يلزم تكذيبه، وإنما هو مما رواه أهل السنة في كتبهم، فلا يصح الاحتجاج

به علي غيرهم. علي أنا لو سلَّمنا بصحة هذا الحديث وغيره مما يؤدِّي معناه فالظاهر منه أن علياً عليه السلام قد أخبر أنه ليس عند أهل البيت عليهم السلام شيء مكتوب يقرؤونه قد خصَّهم به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم دون الناس غير القرآن إلا تلك الصحيفة كما بيَّناه فيما تقدم. أما أن علياً عليه السلام قد كتب أو لم يكتب صحيفة أخري تشتمل علي بعض ما سمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهذا شيء آخر لم يرد له ذكر في تلك الأحاديث، فإن ظاهر بعض تلك الأحاديث يدل علي أن علياً عليه السلام قد سُئل عما خصَّه به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مما هو مكتوب، أما ما كتبه هو عليه السلام من حديثه صلي الله عليه وآله وسلم فلم يُرِده السائل، ولم يرِد في جوابه عليه السلام. هذا وقد سبق بيان المزيد في هذا الحديث، فراجعه. [ صفحه 114] قال الجزائري: 4 _ الكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو من أعظم الذنوب وأقبحها عند الله، إذ قال عليه الصلاة والسلام: إن كذباً عليَّ ليس ككذب علي أحدكم، من كذب عليَّ متعمداً فليلج النار.

رد قوله باستلزام ذلك الكذب علي النبي

والجواب إن أراد أن ما جاء في الحديث من أن رسول الله صلي الله عليه وآله علَّم علياً عليه السلام ألف باب من العلم، يُفتح له من كل باب ألف باب هو كذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فيردُّه أنه مروي في كتبهم أيضاً فيما أخرجه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال عن علي عليه السلام أنه قال: علمني رسول الله صلي الله عليه وآله

وسلم ألف باب، كل باب يفتح ألف باب. وعن ابن عباس قال: إن علياً خطب الناس فقال: يا أيها الناس، ما هذه المقالة السيئة التي تبلغنيعنكم؟ والله لتقتلُنَّ طلحة والزبير ولتفتحُنَّ البصرة، ولتأتينكم مادة من الكوفة، ستة آلاف وخمسمائة وستين، أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين. قال ابن عباس: فقلت الحرب خدعة. قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس: كم أنتم؟ فقالوا كما قال. فقلت: هذا مما أسرَّه إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، إنه علَّمه ألف ألف كلمة، كل كلمة تفتح ألف ألف كلمة [224] . هذا مع أنا قد أوضحنا فيما تقدَّم أن علياً عليه السلام كان ملازماً لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكان شديد الحرص علي التعلم منه واقتفاء آثاره، وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم شديد العناية به والرعاية له والحرص علي تعليمه، فكان يجيب علياً عليه السلام إذا سأله، ويبتدؤه إذا لم يسأله. وإذا صح عندهم أن أبا هريرة كان عنده وعاءان من العلم تلقَّاهما من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فبثَّ أحاديثه الكثيرة من أحد ذينك الوعاءين، فكيف [ صفحه 115] يُستبعد أن يحوي علي عليه السلام ألف باب من العلم، يُفتح له من كل باب ألف باب، مع قرب منزلته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكثرة ملازمته له، وطول صحبته، وكثرة مساءلته لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وشدة ذكائه، وقوة حافظته كما مر بيانه مفصلاً؟!

احاطة علي بعلوم القرآن

هذا مضافاً إلي أن علياً عليه السلام قد أحاط بعلوم القرآن كما مرَّ من قوله عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ أُنزلت وأين نزلت. وقوله عليه السلام: سلوني عن

كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل. وقول ابن مسعود رضي الله عنه أن عليّا عليه السلام أُوتي علم الظاهر والباطن. وقد تقدم [225] . هذا كله مع ما صح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها [226] . وأما إذا أراد أن ما جاء في الحديث من أن الجامعة هي من إملاء رس_ول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو كذب علي النبي صلي الله عليه وآله، فهذا أمر لا يُجزم بعدم وقوعه، فلا يصح نفيه، ولا سيما أن الأحاديث التي سقناها إليك آنفاً قد دلَّت علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كثيراً ما كان ينتجي عليًّا عليه السلام فيخصّه بما شاء، وكان علي عليه السلام يسأل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيجيبه، بل كان يبتدؤه بالتعليم ابتداءاً فيفيده، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب بعض ما سمعه من حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وعليه فلا استبعاد ولا غرابة في أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد أملي علي أمير المؤمنين عليه السلام صحيفة جامعة في الحلال والحرام، ولا سيما أن [ صفحه 116] بعض الأحاديث الصحيحة قد نصَّت علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب للأمّة كتاباً، فحِيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب. فقد أخرج البخاري _ واللفظ له _ ومسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن ابن عباس، قال: لما حُضِر [227] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هلم

أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده. فقال عمر: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي صلي الله عليه وآله وسلم كتاباً لن تضلُّوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلي الله عليه وآله: قوموا. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [228] . وأخرج مسلم عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس. ثم جعل تسيل دموعه، حتي رأيت علي خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

مصادر حديث الدواة والكتف

ائتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده. فقالوا: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يهجر [229] . والذي احتمله النووي وغيره أن الذي أراده النبي صلي الله عليه وآله وسلم من ذلك [ صفحه 117] الكتاب هو أن يكتب مهمات أحكام الدين، أو ينص علي الخلفاء من بعده [230] ، فإن صح الاحتمال الأول [231] فليس من البعيد أن نقول: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما حيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب أملاه علي أمير المؤمنين عليه السلام، فكتب من إملائه صلي الله عليه وآله وسلم صحيفة جامعة مشتملة علي كل أحكام الدين من الحلال والحرام، والله العالم بحقائق الأمور.

رد قوله باستلزام الكذب علي فاطمة

قال الجزائري: 5 _ الكذب علي فاطمة رضي الله عنها بأن لها مصحفاً خاصاً يعدل القرآن ثلاث مرات، وليس فيه من القرآن حرف واحد. والجواب لقد أوضحنا فيما سبق أن مصحف فاطمة عليها السلام هو كتاب فيه علم ما يكون وأسماء من يملكون إلي قيام الساعة، بإملاء الملَك أو جبرئيل عليه السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه السلام. شُبهة وجوابها: قد يقول قائل: إن ادِّعاء تكليم الملائكة غير الأنبياء باطل، فلا يصح ادعاء سماع فاطمة وعلي عليهما السلام كلام الملائكة عامة أو جبريل خاصة.

اثبات إمكان كلام الملائكة مع علي و فاطمة

والجواب: أن الأحاديث التي أخرجها حفاظ الحديث من أهل السنة قد دلَّت علي أكثر من ذلك في حق مَن هم دون أمير المؤمنين فاطمة عليها السلام. ولنا أن نقسم تلك الأحاديث إلي أربع طوائف: الطائفة الأولي: دلَّت علي أن الناس لو استقاموا لصافحتهم الملائكة.

لو استقام الناس لصافحتهم الملائكة

ومن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والحميدي والطيالسي وابن حبان وغيرهم عن حنظلة التميمي الأسيدي، أن النبي صلي الله عليه وآله قال: يا حنظلة، لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة علي فرشكم أو في طرقكم [232] . وفي رواية أخري، قال: لو كنتم تكونون إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّها، ولزارتكم في بيوتكم [233] . [ صفحه 119] وعلي ذلك يُحمل تكليم الملائكة لمريم عليها السلام فيما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز، إذ قال (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً - فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويًّا - قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًّا - قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيًّا - قالت أنَّي يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًّا - قال كذلك قال ربك هو علي هيِّن ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيًّا) [234] . وقال عز من قائل (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك علي نساء العالمين - يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) [235] .

مصادر حديث: علي مولي كل مؤمن و مؤمنة

وعليه فهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن أمير المؤمنين عليه السلام الاستقامة التي تؤهّله لأن تتحدَّث معه الملائكة في بيته، وهو مولي كل مؤمن ومؤمنة [236] ، الذي يدور معه الحق حيثما دار [237] ، وأخو النبي [ صفحه 120] صلي الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة [238] ، وباب مدينة علمه [239] ، الذي يحبه الله ورسوله، و يحبه الله ورسوله [240] ، ومنزلته من النبي كمنزلة

هارون من موسي [241] ، ولا يحبّه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق [242] ؟!

مصادر أحاديث أخري في فضل علي

وهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن فاطمة. [ صفحه 121]

مصادر حديث: فاطمة سيدة نساء العالمين

الزهراء عليها السلام الأهلية لذلك، وهي سيّدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة [243] ،

مصادر حديث: من آذي فاطمة فقد آذاني

وبضعة النبي التي يؤذيه ما يؤذيها [244] ، والتي يرضي الله لرضاها ويغضب لغضبها [245] .

احاديث دلت علي أن بعض الصحابة سمعوا كلام الملائكة

الطائفة الثانية: دلَّت علي أن بعضاً من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم سمع كلام بعض الملائكة. ومنها ما أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان أنه أتي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: بينما أنا أصلّي إذ سمعت متكلماً يقول: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك [ صفحه 122] كله، بيدك الخير كله، إليك يرجع الأمر كله، علانيته وسرّه، فأهل أن تُحمد، إنك علي كل شيء قدير، اللهم اغفر لي جميع ما مضي من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملاً زاكياً ترضي به عني. فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ذاك ملَك أتاك يعلِّمك تحميد ربك [246] .

احاديث دلت علي أن بعض الصحابة رأوا جبرئيل

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علي أن جمعاً من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم رأوا جبرئيل عليه السلام. ومن ذلك ما أخرجه مسلم _ واللفظ له _ والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوماً بارزاً للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر. قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه فإنه يراك. إلي أن قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: رُدُّوا عليَّ الرجل. فأخذوا ليَردُّوه فلم يروا شيئاً، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: هذا جبريل جاء ليُعَلِّم الناس دينهم [247] . وممن رُوي

أنه رأي جبريل عليه السلام عائشة فيما أخرجه ابن سعد عنها أنها قالت: لقد رأيت جبريل واقفاً في حجرتي هذه علي فرس ورسول الله [ صفحه 123] يناجيه، فلما دخل قلت: يا رسول الله، من هذا الذي رأيتك تناجيه؟ قال: وهل رأيتِه؟ قلت: نعم. قال: فبمن شبَّهتِه؟ قلت: بدحية الكلبي. قال: لقد رأيتِ خيراً كثيراً، ذاك جبريل... [248] . وأخرج أحمد عن عائشة أنها قالت: رأيتك يا رسول الله وأنت قائم تكلم دحية الكلبي. فقال: وقد رأيتِه؟ قالت: نعم. قال: فإنه جبريل، وهو يقرئك السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله، جزاه الله من زائر ودخيل، فنعم الصاحب ونعم الدخيل [249] . ومنهم: عبد الله بن العباس فيما أخرجه أحمد عن ابن عباس، قال: كنت مع أبي عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعنده رجل يناجيه، فكان كالمعرض عن أبي، فخرجنا من عنده، فقال لي أبي: أي بُني، ألم ترَ إلي ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: يا أبتِ، إنه كان عنده رجل يناجيه. قال: فرجعنا إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال أبي: يا رسول الله، قلتُ لعبد الله كذا وكذا، فأخبرني أنه كان عندك رجل يناجيك، فهل كان عندك أحد؟ فق_ال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وهل رأيتَه يا عبد الله؟ قال: قلت: نعم. قال: فإن ذاك جبريل، وهو الذي شغلني عنك [250] . ومنهم: محمد بن مسلمة فيما أخرجه الذهبي عنه، قال: مررت فإذا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي الصفا واضعاً يده علي يد رجل، فذهبت. فقال: ما منعك أن تسلِّم؟ قلت: يا رسول الله، فعلتَ بهذا الرجل شيئاً ما فعلته بأحد، فكرهت أن أقطع عليك

حديثك، مَن كان يا رسول الله؟ قال: جبريل، وقال لي: هذا محمد بن مسلمة لم يسلِّم، أما إنه لو سلَّم رددنا [ صفحه 124] عليه السلام [251] . ومنهم: حارثة بن النعمان فيما أخرجه ابن سعد والهيثمي عنه، قال: رأيت جبريل من الدهر مرتين، يوم الصَّوْرَين حين خرج رسول الله إلي بني قريظة، مرَّ بنا في صورة دحية، فأمرَنا بلبس السلاح، ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين [252] . وأخرج أحمد عنه، قال: مررت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومعه جبريل جالس في المقاعد، فسلَّمت عليه ثم أجزت، فلما رجعت وانصرف النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: هل رأيت الذي كان معي؟ قلت: نعم. ق_ال: إنه جبريل عليه السلام وقد ردَّ عليك السلام [253] .

احاديث دلت علي أن بعضهم تسلم عليه الملائكة وتصافحه

الطائفة الرابعة: دلت علي أن بعض صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كانت الملائكة تسلِّم عليه وتصافحه ويراهم عياناً. ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن عمران بن حصين _ في حديث _ قال: وقد كان يُسَلَّم عليَّ حتي اكتويتُ فتُرِكْتُ، ثم تَركْتُ الكَيّ فعاد [254] . وأخرج ابن سعد عن قتادة: أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتي اكتوي فتَنَحَّتْ [255] . قال الذهبي في ترجمة عمران بن حصين: وكان ممن يسلّم عليه الملائكة... وقال: وكان به داء الناصور فاكتوي لأجله، فقال: اكتوينا فما أفلحن [ صفحه 125] ولا أنجحن. وروينا أنه لما اكتوي انقطع عنه التسليم مدة ثم عاد إليه [256] . وقال ابن حجر: وكانت الملائكة تصافحه قبل أن يكتوي [257] . وقال النووي: كانت الملائكة تسلّم عليه ويراهم عياناً كما جاء مصرحاً به في صحيح مسلم [258] . وقال

ابن عبد البر: يقول عنه أهل البصرة: إنه كان يري الحفَظة، وكانت تكلّمه حتي اكتوي [259] . إلي غير ذلك مما لا يُحصي كثرة، ولا نحتاج إلي تتبّعه واستقصائه [260] . وبالجملة فالأحاديث المروية الدالة علي رؤية جمع الصحابة للملائكة وسلامهم عليهم وكلامهم معهم لا تُحصي كثرة، وفيما ذكرناه كفاية. ومن كل ذلك نخلص إلي أن سماع أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين عليهما السلام ح_ديث الملَك أو جبرئيل عليه السلام ممكن الوقوع، بل إن ذلك غير مستبعد منهما، ولا سيما بعدما رأينا الأحاديث الكثيرة الدالة علي تكليم الملائكة وسلامهم ومصافحتهم لمن هو دونهما عليهما السلام، فالجرأة علي إنكار كلام الملائكة مع علي وفاطمة عليهما السلام خطأ بيِّن فاحش لا يجوز لمسلم أن يقدم عليه، لأنه طعن واضح في العترة النبوية الطاهرة، أعاذنا الله من ذلك. [ صفحه 126] قال الجزائري: 6 _ صاحب هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون من المسلمين أو يُعَد من جماعتهم وهو يعيش علي علوم ومعارف وهداية ليس للمسلمين منها شيء. والجواب الظاهر أنه يشير إلي اعتقاد أن أهل البيت عليهم السلام عندهم الجامعة والجفر ومصحف فاطمة عليها السلام بقرينة قوله: وهو يعيش علي علوم ومعارف وهداية ليس للمسلمين منها شيء. وكيف كان، فالذي يعتقد بذلك لحصول أدلة صحيحة عنده لا يجوز التسرُّع في الحكم بكفره والجزم بخروجه عن جماعة المسلمين، لأن هذا الاعتقاد لو سلَّمنا ببطلانه جدلاً فمَن اعتقد به عن شُبهة لا يُكفَّر بل ولا يُفسَّق، لأنه لم يجحد ما عُلم ثبوته في الدين بالضرورة، بل إن شُبهته تمنع من الإقدام علي تكفيره حتي لو أنكر ضرورياً فضلاً عن غيره. ومن الواضح أن اعتقاد حيازة أهل البيت عليهم السلام

لهذه الكتب لا يستلزم إنكار ضروري في الدين، بل إن إنكار ذلك فيه احتمال الوقوع في الهلكة برد ما هو ثابت وصحيح، وبالإقدام علي النيل من العترة النبوية الطاهرة، عصمنا الله من ذلك بمنّه وكرمه. وقد مر ما ينفع في المقام آنفاً عند ذِكرنا للأحاديث الناهية عن رد ما يقوله أهل الكتاب، فراجعه. وتعليل خروج من يعتقد بهذا الأمر عن دائرة الإسلام وجماعة المسلمين بأنه يعيش علي علوم ومعارف وهداية ليس للمسلمين منها شيء تعليل باطل، لأن اعتقاد ذلك لا يعني أن هذه الكتب والصحف هي في حيازة الشيعة يهتدون بها دون سائر المسلمين، ولو سلَّمنا بذلك فلا محذور في أن يتمسك الشيعة الإمامية بالعترة النبوية الطاهرة، فيأخذون بهديهم، ويتزوَّدون من علومهم، وينهلون من معارفهم اتباعاً لأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 127] بالتمسك بالثقلين الذين خلَّفهما للأمة، إذ قال: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلُّوا بعدي الثقلين، أحدهما أكب_ر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض [261] . هذا مضافاً إلي أن الفرقة الناجية لا بد أن تكون لها هداية ومعارف ليست لغيرها من الطوائف، وإلا لما كان في المسلمين فرقة ناجية واحدة، ووجب أن تكون كل فِرَق المسلمين ناجية، وهو باطل. قال الجزائري: 7 _ وأخيراً فهل مثل هذا الهراء الباطل والكذب السخيف تصح نسبته إلي الإسلام، دين الله الذي لا يقبل غيره؟! (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). والجواب: أنَّا أوضحنا بما لا مزيد عليه أن كل ما أنكره الجزائري وشنع به علي الشيعة لا

محذور فيه، والأحاديث الصحيحة المروية في كتب أهل السنة تعضِّده وتؤيِّده، مع أن مثله مذكور في كتب أهل السنة أو أكثر منه. وكل ما ذكره من اللوازم غير لازم، فإنه حمَّل حديث «الكافي» الذي افتتح به حقيقته هذه ما لا يحتمل من الخيالات الباطلة والأوهام الفاسدة، التي كان الداعي إلي ذكرها هو التعلق بكل ما يكفّر به الشيعة وإن كان باطلاً. وعليه فأي هراء باطل في هذا الحديث وأي كذب سخيف؟! والذي رأيناه في كلمات القوم أنهم يرون كل فضيلة لأهل البيت عليهم السلام [ صفحه 128] هراءاً باطلاً وكذباً سخيفاً، وكل فضيلة لغيرهم هي من الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وكلام الجزائري هنا جارٍ علي هذا المنوال، فلا نتعجب من صدور ذلك منه وممن هو علي شاكلته، والله المستعان وإليه المشتكي. [ صفحه 131]

كشف الحقيقة 05

ان موسي الكاظم فدي الشيعة بنفسه

اعتقاد أن موسي الكاظم قد فدي الشيعة بنفسه!! أورد صاحب الكافي هذه الحقيقة بقوله: إن أبا الحسن موسي الكاظم _ وهو الإمام السابع من أئمة الشيعة الاثني عشرية _ قال: الله عز وجل غضب علي الشيعة، فخيَّرني نفسي أو هم، فوقيتهم بنفسي. أقول: هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن موسي عليه السلام. فهو حديث ضعيف الإسناد، لأنه مرسَل قد جُهل بعض رواته. قال الجزائري: والآن أيها الشيعي، فما مدلول هذه الحكاية التي ألزموك باعتقادها، بعدما فرضوا عليك الإيمان بها وتصديق مدلولها حسب ألفاظها قطعاً؟ إن موسي الكاظم رحمه الله تعالي قد رضي بقتل نفسه فداءً لأتباعه، من أجل أن يغفر الله لهم، ويدخلهم الجنة بغير حساب. [ صفحه 132]

ضعف الحديث الذي احتج به الجرائري

والجواب: أنا ذكرنا أن هذا الحديث ضعيف السند، فلا يصح العمل به ولا الاعتقاد بمضمونه، لأنا أوضحنا مكرراً أن المعتقدات لا يجوز إثباتها بالحديث الصحيح فضلاً عن الضعيف. وعليه، فزعم الجزائري أن مضمون هذا الخبر مما أُلزم الشيعي باعتقاده وفُرض عليه الإيمان به زعم باطل لم يستند إلي حجة، ومجرد روايته في الكافي لا يدل علي أن الشيعة يعتقدون به كما أوضحناه فيما تقدم. وما ذكره من التعليل في قوله: «إن موسي الكاظم رحمه الله تعالي قد رضي بقتل نفسه فداءً لأتباعه من أجل أن يغفر الله لهم، ويدخلهم الجنة بغير حساب» لا يدل عليه الحديث، فإن ظاهر الحديث قد دلَّ علي أن الإمام الكاظم عليه السلام قد وقي الشيعة بنفسه من القتل في الدنيا، أما أنه علي السلام قد فداهم بنفسه لغفران ذنوبهم ولإدخالهم الجنة بغير حساب فلا يدل عليه

الحديث بأي دلالة كما هو واضح.

معني الحديث

قوله عليه السلام: «إن الله غضب علي الشيعة» يعني به جماعة من الشيعة المعاصرين له عليه السلام، وإنما غضب عليهم لأمور وقعت منهم. قال المولي المجلسي أعلي الله مقامه: «غضب علي الشيعة» إما لتركهم التقية، فانتشر أمر إمامته عليه السلام، فتردد الأمر بين أن يقتل الرشيد شيعته ويتتبعهم، أو يحبسه عليه السلام ويقتله، فدعا عليه السلام لشيعته، واختار البلاء لنفسه. وإما لعدم انقيادهم لإمامهم وخلوصهم في متابعته وإطاعة أوامره، فخيَّره الله تعالي بين أن يخرج علي الرشيد فتُقتل شيعته إذا يخرج، فينتهي الأمر إلي ما انتهي إليه. وقيل: خيَّرني الله بين أن أوطِّن نفسي علي الهلاك والموت، أو [ صفحه 133] أرضي بإهلاك الشيعة، «فوقيتهم والله بنفسي» يعني فاخترتُ هلاكي دونهم. وقيل: أي فخيرني بين إرادة موتي أو موتهم، لتحقّق المفارقة بيني وبينهم، فاخترتُ لقاء الله شفقة عليهم [262] . وحاصل معني الحديث أن الله سبحانه قد غضب علي بعض الشيعة لأمور قبيحة صدرت منهم، فدار الأمر حينئذ بين قتل الإمام موسي بن جعفر عليه السلام وبين هلاك الشيعة، فاختار الإمام عليه السلام قتله، ووقي شيعته بنفسه، فحصلت لهم بذلك النجاة من القتل والبلاء. قال الجزائري: تأمل أيها الشيعي وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه من صالح المعتقد والقول والعمل. تأمل هذه الفرية ولا أقول غير الفرية [263] ، وذلك لمجانبتها الحق، وبعدها كل البعد عن الواقع والصدق، تأملها فإنك تجدها تلزم معتقدها بأمور عظيمة، كل واحد لا ترضي أن ينسب إليك أو تنتسب أنت إليه ما دمت ترضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيًّا. والجواب: أنَّا أوضحنا أن هذا الحديث ضعيف السند، والحديث الضعيف كما مر لا

يُلزم الشيعة بشيء مما جاء فيه، ولا يُحتج عليهم به. علي أنَّا لو سلَّمنا بصحة هذا الحديث فإن معناه لا تردُّه العقول، ولا يستلزم شيئاً من اللوازم الفاسده التي ذكرها الجزائري، لإمكان حمله علي وجوه صحيحة لا تأباها ألفاظ الحديث كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالي. [ صفحه 134] ثم إن الجزائري أخذ في سرد أمور جعلها لوازم يُلزَم بها كل واحد من الشيعة الإمامية، فقال:

رد قوله باستلزام الكذب علي الله

وتلك الأمور: 1 _ الكذب علي الله عز وجل في أنه أوحي إلي موسي الكاظم بأنه غضب علي الشيعة، وأنه خيَّره نفسه أو شيعته، وأنه فداهم بنفسه، فهذا والله لكذب عليه عز وجل، وهو يقول (ومن أظلم ممن افتري علي الله كذباً).

اثبات وجود المحدثين في هذه الأمة

والج_واب: 1 _ أن الحديث لا دلالة فيه علي أن الله أوحي إلي الإمام موسي الكاظم عليه السلام أنه غضب علي الشيعة وأنه خيَّره نفسه أو الشيعة، لأنه عليه السلام لم يقل: «إن الله عز وجل أوحي إليَّ ذلك». والحديث لا يدل علي أكثر من أن الإمام عليه السلام علم بأن الله سبحانه قد غضب علي جمع من الشيعة، أما كيف علم الإمام عليه السلام بذلك فهذا شيء آخر. ويحتمل في المقام أمران: 1 _ أنه عليه السلام علم ذلك بالإلهام، فإن الإلهام يقع في هذه الأمَّة، وأثبته أهل السنة لجمع من الناس، منهم عمر بن الخطاب. واستدلوا علي ثبوت الإلهام لخصوص عمر بن الخطاب بما أخرجه البخاري مسلم والترمذي وأحمد والحاكم وابن حبان والطيالسي والطحاوي وغيرهم عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر [264] . [ صفحه 135] قال ابن حجر: «محدَّثون» جمع محدَّث، واختُلف في تأويله، فقيل: مُلهَم. قاله الأكثرون، قالوا: المحدَّث هو الرجل الصادق الظن، وهو مَن أُلقي في روعه شيء من قِبَل الملأ الأعلي، فيكون كالذي حدَّثه غيره به [265] .

اقوال علماء أهل السنة في مدح الإمام الكاظم والثناء عليه

وقال أيضاً: وتمحَّضت الحكمة في وجودهم _ يعني المحدَّثين _ وكثرتهم بعد العصر الأول في زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيه، وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فيهم، فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها لكون نبيّها خاتم الأنبياء، عُوِّضوا بكثرة الملهَمين [266] . وعلي هذا فليس بمستبعد أن يكون الإمام الكاظم عليه السلام واحداً من هؤلاء المحدَّثين الكثيرين في هذه الأمة. لأنه

إمام من أئمة المسلمين وواحد من رؤساء الدين. وهذه كلمات أعلام أهل السنة تصدح في الإشادة بجلالته والتنويه بعظمته وسمو مكانته، وهي أكثر من أن يتسع لها المقام، وإليك بعضاً منها: قال ابن حجر: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق عابد [267] . وقال: ومناقبه كثيرة [268] . [ صفحه 136] وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين [269] . وقال الذهبي: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر [270] . وقال: قد كان موسي من أجواد الحكماء ومن العُبَّاد الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد [271] . وقال أيضاً: أجلّ آل جعفر وأشرفهم ابنه موسي الكاظم، الإمام القدوة السيد أبو الحسن العلوي والد الإمام علي بن موسي الرضا، مدني نزل بغداد [272] . وقال كذلك: روي أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فسجد سجدة في أول الليل، فسُمع وهو يقول في سجوده: «عظُم الذنب عندي، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوي ويا أهل المغفرة»، فجعل يردّدها حتي أصبح. وكان سخيًّا كريماً، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرّة فيها ألف دينار [273] . وقال يحيي بن الحسن بن جعفر النسابة: كان موسي بن جعفر يُدعي العبد الصالح من عبادته واجتهاده [274] . وقال ابن الجوزي: كان يُدعي العبد الصالح، لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال [275] . [ صفحه 137] وقال ابن كثير: كان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل له بالذهب والتحف [276] . وقال ابن تيمية: وموسي بن

جعفر مشهور بالعبادة والنّسك [277] . وقال السويدي: هو الإمام الكبير القدر، الكثير الخير، كان يقوم ليله، ويصوم نهاره، وسُمّي كاظماً لفرط تجاوزه عن المعتدين... وكانت له كرامات ظاهرة ومناقب لا يسع مثل هذا الموضع ذكرها [278] . وبالجملة، فالإمام موسي بن جعفر عليه السلام هو بدرجة من الجلالة والرفعة وعظم الشأن بحيث لا يُنكر في حقه أن يكون واحداً من أولئك المحدَّثين. 2_ لعلَّ الإمام عليه السلام إنما قال ذلك بناءً علي ما هو الظاهر من أن الله سبحانه يغضب علي مَن فعَل فعلاً من الأمور العظيمة التي يكون لها آثار سيّئة علي الإسلام والمسلمين، فإن الإمام عليه السلام لما رأي أن جماعة من الشيعة قد تركوا التقية وصرَّحوا باسم الإمام عليه السلام، علِمَ أن الله قد غضب عليهم، بتعريضهم الإمام عليه السلام أو باقي الشيعة للقتل والهلاك، لأن مَن أعان علي قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه: «آيس من رحمة الله» كما جاء في الخبر [279] ، فكيف بمن تسبَّب في قتل إمام المسلمين؟! قال الجزائري: 2 _ الكذب علي موسي الكاظم رحمه الله وبهته بهذه [ صفحه 138] الفرية التي هو منها والله لبراء.

رد قوله باستلزام الكذب علي الإمام الكاظم

والج_واب: أن الكليني قدس سره روي هذا الحديث في كتابه الكافي بظن أنه معتبر، وغيره من علماء الشيعة لم يوافقوه في ذلك، فالكليني اجتهد في الحديث فأخطأ في الحكم عليه بالاعتبار، وهذا من الأمور المغتفرة للعالم المجتهد كما هو معلوم. والحديث مع قولنا بضعفه إلا أنّا لا نجزم بأنه مكذوب علي الإمام الكاظم عليه السلام، وقد اتضح ذلك مما تقدم. علي أنه لو ثبت أن هذا الحديث مكذوب علي الإمام الكاظم عليه

السلام فمن الجور أن يُنْسب الشيعة كلهم إلي الكذب في الوقت الذي نري فيه علماء الشيعة لا يصحّحون هذا الحديث ولا يعتقدون بمضونه. وكيف كان فلو جاز ذلك لحق لنا نسبة كل الطوائف إلي الكذب، لأنه ما من طائفة إلا وفي كتبها المعتمدة كثير من الأحاديث المكذوبة كما لا يخفي علي من تتبّع كتب الأحاديث. وقوله: «وبهته بهذه الفرية التي هو منها والله براء» فيه أن البهتان هو الكذب علي المرء بما ليس فيه مما يشينه ويضعه كما دلَّت عليه الأحاديث المفرِّقة بين الغيبة والبهتان، فإن الغيبة هي أن تتكلم في الرجل بما فيه، والبهتان هو أن تتكلم فيه بما ليس فيه [280] . وما نحن فيه ليس كذلك، فإن الحديث فيه مدح للإمام عليه السلام بأنه وقي شيعته بنفسه، فكيف يتحقق بهته عليه السلام بذلك؟! هذا مع أن الجزائري قد أكثر من الحلف بالله علي ما لا يعلم، والله سبحانه يقول (ولا تجعلوا الله عرضة لأَيمانكم) [281] ، فحلفه دائر بين أمرين اثنين، لأنه لا يخلو إما أن يكون كاذباً فحلفه محرَّم، وإما أن يكون صادقاً فحلفه مكروه. قال الفخر الرازي: الذي ذكره أبو مسلم الأصفهاني _ وهو الأحسن _ أن قوله (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) نهي عن الجراءة علي الله بكثرة الحلف به. وقال: وقد ذم الله تعالي مَن أكثر الحلف بقوله (ولا تطع كل حلاَّف مهين) وقال (واحفظوا أيمانكم)، والعرب كانوا يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف... والحكمة في الأمر بتقليل الأَيمان أن مَن حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك، ولا يبقي لليمين في قلبه وقع، فلا يؤمَن إقدامه علي اليمين الكاذبة، فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين،

وأيضاً: كلما كان الإنسان أكثر تعظيماً لله تعالي كان أكمل في العبودية، ومن كمال العبودية أن يكون ذكر الله تعالي أجل وأعلي عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية [282] . قال الجزائري: 3 _ اعتقاد نبوّة موسي الكاظم رحمه الله، وما هو والله بنبي ولا رسول، فقول المفتري: إن الله أخبر موسي الكاظم بأنه غضبان علي الشيعة، وأنه خيَّره بين نفسه وشيعته فاختار شيعته، ورضي لنفسه [ صفحه 140] بالقتل فداءاً لهم، يدل دلالة واضحة بمنطوقه ومفهومه علي نبوة موسي الكاظم، مع العلم بأن المسلمين مجمعون علي كفر من اعتقد نبوة أحد بعد النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وذلك لتكذيبه بصريح قوله تعالي(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).

رد قوله باستلزام اعتقاد نبوة الإمام الكاظم

والج_واب: أن عقيدة الشيعة الإمامية في الأئمة الاثني عشر عليهم السلام أشهر من أن تُذكر، وأظهر من أن تُنكر، ولا أحد من الشيعة يعتقد بنبوة الإمام الكاظم أو غيره من الأئمة عليهم السلام.

بيان أن الوحي لا يستلزم النبوة

والحديث الذي رواه الكليني رحمه الله مع ضعفه لا يدل علي أن الله سبحانه أوحي إلي الإمام عليه السلام، ولو سلَّمنا بدلالته علي ذلك فالوحي لا يستلزم النبوة، فإن الله جل شأنه أوحي إلي أُم موسي عليه السلام، فقال (وأوحينا إلي أُم موسي أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنَّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين) [283] . قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالي (قال قد أُوتيتَ سؤلك يا موسي - ولقد منَنَّا عليك مرة أخري - إذ أوحينا إلي أُمك ما يوحي) [284] : اتفق الأكثرون علي أن أُم موسي عليه السلام ما كانت من الأنبياء والرسل، فلا يجوز أن يكون المراد من هذا الوحي هو الوحي الواصل إلي الأنبياء. وكيف لا نقول ذلك والمرأة لا تصلح للقضاء والإمامة، بل عند الشافعي رحمه الله لا تمكَّن من تزويج نفسها، فكيف تصلح للنبوة؟! ويدل عليه قوله تعالي (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم)، وهو صريح في الباب، وأيضاً فالوحي قد جاء في القرآن لا بمعني النبوة، قال تعالي (وأوحي ربّك إلي [ صفحه 141] النحل)، وقال (وإذ أوحيت إلي الحواريين) [285] . وقال القرطبي: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أُوحي إليها كما أوحي إلي النبيين [286] . والحاصل أن زعمه بأن الحديث يدل دلالة واضحة بمنطوقه ومفهومه علي نبوة موسي الكاظم زعم باطل، فإن الحديث بمنطوقه لا يدل _ كما قلنا _ علي

أكثر من أن الإمام الكاظم عليه السلام قد علم أن الله غضب علي جماعة من الشيعة، فخيَّره الله نفسه أو الشيعة، فاختار عليه السلام وقايتهم بنفسه. أما كيف علم الإمام عليه السلام أن الله قد غضب علي الشيعة، وكيف خيَّره الله بين ذينك الأمرين، فهذا لم يتضح لا من منطوق الحديث ولا من مفهومه كما هو واضح، وقد بيَّنَّاه فيما تقدم. وأما المفهوم، فإن كان لهذا الحديث مفهوم فهو مفهوم اللقَب، وهو غير حجة كما هو معلوم عند الأصوليين. والظاهر أن الجزائري ذكر هذه الكلمة وهو لا يعرف معناها في الاصطلاح، ويدل علي ذلك زعمه دلالة المنطوق والمفهوم كليهما علي معني واحد، وهو غير صحيح، لأن المنطوق والمفهوم لا ب_د أن ي_دل كل واحد منهما علي معني لا يدل عليه الآخر، وهو واضح لمن لديه أدني معرفة بالمفاهيم. وعلي كل حال، فإنا لو سلَّمنا جدَلاً بدلالة هذا الحديث علي ما قاله فعقيدة الشيعة في الإمام موسي الكاظم عليه السلام معروفة غير خافية علي أحد، ولا يمكن أن يُشكَّك فيها بحديث ضعيف مروي في كتاب الكافي أو في غيره من مصادر الحديث المعتمدة عند الشيعة. [ صفحه 142]

رد قوله باتحاد الشيعة والنصاري في عقيدة الصلب والفداء

قال الجزائري: 4 _ إتحاد الشيعة والنصاري في عقيدة الصلب والفداء، فكما أن النصاري يعتقدون أن عيسي فدي البشرية بنفسه، إذ رضي بالصلب تكفيراً عن خطيئة البشرية، وفداءً لها من غضب الرب وعذابه، فكذلك الشيعة يعتقدون بحكم هذه الحقيقة أن موسي الكاظم خيَّره ربه بين إهلاك شيعته أو قتل نفسه، فرضي بالقتل وفدي الشيعة من غضب الرب وعذابه، فالشيعة إذن والنصاري عقيدتهما واحدة، والنصاري كفَّار بصريح كتاب الله عز وجل، فهل يرضي الشيعي بالكفر بعد الإيمان؟ قد

هيَّؤوكَ لأمرٍ لو فطنتَ له فاربأ بنفسِكَ أن ترعَي مع الهمَلِ والج_واب: أنا قد أوضحنا أن الحديث الذي بني عليه الجزائري حقيقته هذه مع ضَعفه لا يدل علي ما ادَّعي الجزائري دلالته عليه، والذي دلَّ عليه الحديث _ كما مرَّ مكرَّراً _ أن الإمام عليه السلام قد وقي الشيعة بنفسه لئلا يقتلهم هارون الرشيد، لا أن قتله عليه السلام كان تكفيراً عن ذنوب الشيعة وفداءً لهم من غضب الرب وعذابه كما زعم الجزائري. ولعل غضب الله عليهم إنما كان لتركهم التقية كما تقدم، إذ صرَّحوا باسم الإمام عليه السلام، أو لأنهم تركوا طاعة الإمام عليه السلام فعملوا ما يستوجب غضب الرشيد، فرأي الإمام عليه السلام أنه إن نجا بنفسه تتبَّع الرشيد الشيعة ولاحقهم، فإما أن يهلكهم، أو يظفر بالإمام عليه السلام، فاختار الإمام عليه السلام أن يظهر للرشيد وقاية للشيعة مما يتوقع نزوله بهم من القتل. فالإمام عليه السلام أخبر بأنه فعل ما يوجب حفظ الشيعة وحقن دمائهم مع ما صدر منهم من الأفعال التي نتج عنها تعريض الإمام عليه السلام للقتل. والحاصل أن الحديث لا يدل علي أن الإمام فدي الشيعة من غضب الله وعذابه حتي يلزم منه اتحاد الشيعة والنصاري في عقيدة الصلب والفداء. [ صفحه 143] ولو سلَّمنا بدلالة الحديث علي ذلك فمع ضعف سنده لا يصلح للاحتجاج به علي شيء. ومع الإغماض عن ذلك، وتسليم أن الشيعة يعتقدون أن الإمام الكاظم عليه السلام قد فداهم من غضب الرب وعذابه، فهذا لا يستلزم أن تكون عقيدة الشيعة والنصاري واحدة، لأن النصاري يعتقدون ذلك في المسيح عليه السلام لا الإمام الكاظم، ولو سلمنا بأن الشيعة يعتقدون الفداء من الإمام الكاظم عليه السلام، فهم

لا يعتقدون ذلك من المسيح عليه السلام، ومجرد تشابه المعتقدات من بعض الجهات لا يعني اتحادها، فإن النصاري يعتقدون أن المسيح عليه السلام هو خاتم الأنبياء، والمسلمون يعتقدون أن خاتمهم هو النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يعني اتحاد المسلمين والنصاري في إحدي العقائد، وإلا لكان المسلمون والوثنيون وعُبَّاد غير الله سبحانه متَّحدين في عقيدة الربوبية، وهذا باطل بالإتفاق. هذا مع أن مجرد الإتحاد بين الإديان في بعض المعتقدات لا يدل علي اتحادها في كل العقائد، فإن المسلمين والنصاري يعتقدون بنزول عيسي عليه السلام في آخر الزمان، وه_ذا لا يعني اتحاد المسلمين والنصاري في عقائدهم حتي يترتب علي أولئك ما يترتب علي هؤلاء، ويلزم إحدي الطائفتين ما يلزم الأخري. والحاصل أن الشيعة والنصاري لم تتَّحد عقيدتهم في هذه المسألة التي ذكرها، وهي عقيدة الصلب والفداء، ولو سلَّمنا جدلاً باتحادهم فيها، فهذا لا يعني أن عقائد الشيعة والنصاري واحدة كما هو واضح. ومنه يتَّضح وجه المغالطة الواهية في قوله: فالشيعة إذن والنصاري عقيدتهم واحدة، والنصاري كفَّار بصريح كتاب الله عز وجل، فهل يرضي الشيعي بالكفر بعد الإيمان؟! [ صفحه 144] قال الجزائري: وأخيراً، انقذ نفسك أيها الشيعي، وتبرَّأ من هذه الخزعبلات والأباطيل، ودونك صراط الله وسبيل المؤمنين.

رد نصيحته للشيعة بالسير في طريق أهل السنة

وأقول: إن الشيعي بحمد الله ومنِّه قد أنقذ نفسه بالسير في صراط الله المستقيم، واتَّباع سبيل المؤمنين، والتمسّك بكتاب الله العزيز، والعترة النبوية الطاهرة، أخذاً بوصية النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم لأمته حيث قال: إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتي يردا عليَّ

الحوض، فانظروا كيف تخلِّفونِّي فيهما. وقال: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس [287] . وقال: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق [288] . وما أحسن قول القائل: لما رأيتُ الناسَ قد ذهبتْ به_م مذاهبُهم في أبحر الغي والجه_لِ ركبت علي اسم الله في سفن النجا وهم أهل بيت المصطفي سيدِ الرُّسْلِ [ صفحه 145] وأمسكتُ حبلَ الله وه_و ولاؤهم كما قد أُمرنا بالتمسُّك بالحبلِ إذا افترقتْ في الدين سبعون فرق_ةً فقُل لي بها يا ذا الرجاحة والعقلِ أفي الفِرقة الهُلاَّك آلُ محمدٍ أم الفرقة اللاتي نجَتْ؟ قل ل_ي فإن قلتَ في الناجين فالق_ول واحد وإن قلتَ في الهُلاَّك حدتَ عن العدل إذا كان مولي القوم منهم فإنن_ي رضيتُ بهم لا زال في ظلِّهم ظلّ_ي رضيتُ عليًّا لي إمام_اً ونسلَ_ه وأنت من الباقين في أوس_ع الحِ_ل ولهذا كان الشيعة ه_م الفائزين الناجين من ك_ل فِرَق هذه الأمة، وه_ذا ما أخبر ب_ه الصادق الأمين صلي الله عليه وآله وسلم حيث قال: عليٌّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة [289] . ولما نزل قوله تعالي (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) [290] ، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين [291] . ولستُ أدري بمَ يعتذر الجزائري وغيره عن طرح الأحاديث الصحيحة _ كحديث الثقلين وغيره _ الدالَّة بما لا يدع مجالاً للشك علي لزوم اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، ناهيك عن غيرها من الأدلة الأخري الكثيرة

التي مُلِئتْ بها كتبهم. وعليك قارئي العزيز بمطالعة ما كتبناه في كتابينا (دليل المتحيِّرين) و(مسائل خلافية) من الأدلِّة الدالة علي لزوم اتِّباع مذهب أهل البيت عليهم [ صفحه 146] السلام، وعلي أن أَتْباعهم بحق هم الشيعة الإمامية، فإنه مهم جداً. [ صفحه 149]

كشف الحقيقة 06

اعتقاد أن أئمة الشيعة بمنزلة

اعتقاد أن أئمة الشيعة بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في العصمة والوحي والطاعة وغيرها، إلا في أمر النساء، فلا يحل لهم ما يحل له صلي الله عليه وآله وسلم هذا المعتقد الذي يجعل أئمة الشيعة بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله أثبته صاحب الكافي بروايتين: أولهما: أنه قال: كان المفضَّل عند أبي عبد الله، فقال له: جُعلتُ فداك، أيفرض الله طاعة عبد علي العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ فقال له أبو عبد الله _ الإمام _: لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد علي العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً.

ضعف الرواية الأولي التي احتج بها الجزائري

وأق_ول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها سهل، وهو سهل بن زياد، وقد مرّ بيان حاله. ومن رواتها أيضاً جماعة بن سعد الخثعمي أو الجعفي، وهو ضعيف في الحديث، خطَّابي المذهب، خرج مع أبي الخطاب الملعون علي لسان [ صفحه 150] الإمام الصادق عليه السلام وقُتل معه. وقد ضعَّفه ابن الغضائري وابن داود [292] والعلاَّمة الحلي [293] والمامقاني [294] والخوئي [295] وغيرهم [296] .

رد قوله بأن الحديث يثبت أن أئمة الشيعة أنبياء مرسلون

ثم إن هذه الرواية كما لا يخفي لا تدل علي ما عنوَن الجزائري به حقيقته هذه، من أن الأئمة عليهم السلام بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في العصمة والوحي والطاعة وغيرها. قال الجزائري: فهذه الرواية تثبت بمنطوقها أن أئمة الشيعة قد فرض الله طاعتهم علي الناس مطلقاً، كما فرض طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم _ أئمة الشيعة _ يوحي إليهم، ويتلقَّون خبر السماء صباحاً مساءً، وهم بذلك أنبياء مرسلون أو كالأنبياء المرسلين سواء بسواء. والج_واب: أنا لو صرفنا النظر عن ضعف الرواية، فهي _ كما قلنا _ لا تدل علي ما قاله الجزائري، بل إنها لا تدل علي أكثر من أن الله سبحانه إذا فرض طاعة عبد علي العباد _ سواء أكان نبيًّا أم إماماً _ فإنه لا يحجب عنه خبر السماء. أما أن الأئمة عليهم السلام تجب طاعتهم مطلقاً أو في حدود معينة، وأنهم يوحي إليهم أو يُلهمون أو يتلقَّون علومهم من بعضهم أو من غيرهم، وأنهم [ صفحه 151] معصومون أو يخطئون، فهذا لم يرد له بيان في هذه الرواية كما هو واضح. وعلي كل حال لو تركنا الرواية جانباً، وأردنا أن ننظر إلي عقيدة الشيعة في طاعة الأئمة عليهم السلام، وفي

الوحي إليهم، فإنا نقول:

وجوب طاعة الأئمة

أما طاعتهم فهي واجبة مطلقاً، لأنه قد ثبت في محلِّه أنهم عليهم السلام معصومون، والمعصوم تجب طاعته مطلقاً، لأن عصمته مانعة من خطئه، فلا ينطق ولا يأمر إلا بالحق، والحق أحق أن يُتَّبع.

آية الولاية تدل علي عصمة الأئمة

ويدل علي ذلك أيضاً قوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون ب_الله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً) [297] . قال الفخر الرازي: إنه تعالي أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظة واحدة، وهو قوله (وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معاً. فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر [298] . قلت: كل مَن أوجب الله طاعته مطلقاً لا بد أن يكون معصوماً، لئلا تجب طاعته في فعل المعاصي والقبائح وفي ترك الواجبات، وهو محال. قال الفخر الرازي: إن الله تعالي أمر بطاعة أولي الأمر علي سبيل الجزم [299] في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته علي سبيل الجزم والقطع لا بد أن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه علي الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهيٌّ عنه، فهذا يفضي إلي اجتماع الأمر والنهي [ صفحه 152] في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنه محال. فثبت أن الله تعالي أمر بطاعة أولي الأمر علي سبيل الجزم، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته علي سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية

لا بد وأن يكون معصوماً [300] . قلت: وعليه، فإن قلنا بعصمة أئمة أهل البيت عليهم السلام وجبت طاعتهم مطلقاً دون غيرهم. وإن قلنا بعدم عصمتهم لزم التكليف بالمحال، إذ أوجب الله علينا طاعة المعصوم، والمعصوم معدوم حسب الفرض، لتحقق إجماع المسلمين كافة علي أن غيرهم ليس بمعصوم، والتكليف بالمحال محال علي الله، وبهذا تثبت عصمتهم ووجوب طاعتهم مطلقاً. وأما الوحي إليهم فإن أُريد به أنهم محدَّثون فهذا لا نمنعه، وقد تقدم بيانه. وإن أُريد به أنهم عليهم السلام يُوحَي إليهم قرآن كما يوحي إلي النبي صلي الله عليه وآله، فهذا لا نقول به، ولا يدل عليه الحديث المزبور. قال المجلسي أعلي الله مقامه: «خبر السماء» أي الخبر النازل من السماء، سواءً نزل عليهم بالتحديث، أو نزل علي مَن قبله. وقال: وكون مثل هذا العالِم بين العباد لطف ورأفة بالنسبة إليهم، ليرجعوا إليه في كل ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم، والله أرأف بعباده من أن يمنعهم مثل هذا اللطف، ويفرض طاعة من ليس كذلك، فيصير سبباً لمزيد تحيّرهم [301] . قال الجزائري: وهم بذلك أنبياء مرسلون أو كالأنبياء المرسلين [ صفحه 153] سواءً بسواء.

بيان أن الأئمة محدثون

وأق_ول: إن القول بأن الله تعالي لا يحجب عن الأئمة عليهم السلام خبر السماء لا يستلزم أن يكونوا أنبياء، إذ يحتمل أنه تعالي يُلهِمهم أخبار السماء وما يحتاج إليه الناس، أو يحدِّثهم الملَك، أو أنهم تلقَّوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه وآله. ثم إنا بيَّنَّا أن الأئمة عليهم السلام ليسوا بأنبياء مرسلين، بل إن القول بنبوة واحد منهم كفر بلا إشكال، وإنما هم علماء صادقون محدَّثون ملهَمون، وبهذا نطقت الأخبار الثابتة، كصحيحة محمد بن إسماعيل، قال: سمعت

أبا الحسن عليه السلام يقول: الأئمة علماء صادقون مفهَّمون محدَّثون [302] . أمَّا أنهم عليهم السلام كالأنبياء المرسلين فهذا لا نمنعه، إذا كان المراد بذلك أنهم كالأنبياء في أنهم حُجج الله علي خلقه، وأن طاعتهم واجبة علي العباد، وأنهم معصومون، ويعلمون كل ما يحتاج إليه الناس في دينهم ودنياهم. وأما إذا أراد بذلك أن الشيعة يعتقدون أن الأئمة عليهم السلام كالأنبياء في أنهم يُوحي إليهم قرآن أو كُتُب، أو في نزول الوحي عليهم، فهذا محض افتراء علي الشيعة، والحديث الذي ساقه لا يدل عليه بأي دلالة، وهو جلي واضح. قال الجزائري: واعتقاد نبي يوحي الله إليه بعد النبي محمد صلي الله عليه وآله ردَّة في [ صفحه 154] الإسلام وكفر بإجماع المسلمين، فسبحان الله كيف يرضي الشيعي المغرور بعقيدة تُفتري له افتراءً، ويلزم اعتقادها ليعيش بعيداً عن الإسلام كافراً من حيث إنه ما اعتقد هذا الباطل إلا من أجل الإيمان والإسلام ليفوز بهما ويكون من أهلهما. وأق_ول: لا ريب في أن من يعتقد بنبوَّة نبي بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهو كافر بإجماع المسلمين، إلا أن محل الكلام هو أن الشيعة الإمامية هل يعتقدون بنبوة واحد من الأئمة عليهم السلام أم لا؟ ومن البيِّن أن هذه المسألة لا ينبغي الكلام ولا الخوض فيها، لأنها فرية بلا مرية، وبهتان عظيم لم يَسبق الجزائري إليه أحدٌ من العالَمين. ومن الغريب أن هذا الرجل يعمد إلي أحاديث ضعيفة، ويحمِّلها من الوجوه الفاسدة ما لا تحتمله، ثم يأتي بما يزعم أنها لوازم يُلزم بها الشيعة، ويكفِّرهم بها بلا رويَّة ولا خوف من الله، مع أنه يعلم معتقَد الإمامية في المسألة التي يتحدَّث فيها. ثم كيف يرضي

هذا الرجل لنفسه أن يكتب مثل هذه الأباطيل المكشوفة والإفتراءات المفضوحة، ليكفِّر بها طائفة من طوائف المسلمين، والله جل شأنه يقول (تالله لتُسألُنَّ عما كنتم تفترون) [303] ، ويقول (وليُسألُن يوم القيامة عما كانوا يفترون) [304] ، و(إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) [305] . وبعد هذا كله لا أدري ما هي الغاية التي يريد الجزائري أن يحقِّقها من [ صفحه 155] تسرُّعه في تكفير الشيعة وبهتهم بهذا البهتان العظيم، مع أن في تكفير المسلم إيقاعاً للنفس في المهالك، فقد أخرج مسلم وغيره عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أيُّما امرئ قال لأخيه: «يا كافر» فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعتْ إليه [306] . وأخرج البخاري ومسلم ومالك وأحمد وغيرهم عنه صلي الله عليه وآله أنه قال: إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما [307] . هذا مع أن في تكفير مَن شهد الشهادتين مخالفة صريحة لما نصَّ عليه أعلام أهل السنة من عدم جواز تكفير أحد من أهل القبلة بذنب. قال النووي: اعلم أن مذهب أهل الحق _ يعني أهل السنة _ أنه لا يُكفَّر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يُكفَّر أهل الأهواء والبِدَع [308] . قال الجزائري: وثانيتهما: قال: عن محمد بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الأئمة بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي، فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

ضعف الرواية الثانية

وأق_ول: هذا الحديث أيضاً ضعيف السند، وحسبك أن من جملة

رواته عبد الله بن بحر، وهو ضعيف في الحديث. [ صفحه 156] قال المامقاني قدس سره: عبد الله بن بحر... وقد ضعَّف الرجل ابن الغضائري، حيث قال: عبد الله بن بحر كوفي صيرفي، يروي عن أبي العباس، ضعيف مرتفع القول [309] . ونقَل تضعيفه عن كل من العلاَّمة الحلي في الخلاصة، وابن داود في رجاله، والشيخ البهائي في الوجيزة [310] . قلت: وضعفه كذلك المحقق الخوئي [311] ، وضعف رواياته النجفي في الجواهر [312] ، والعاملي في المدارك، والبحراني في الحدائق، والحكيم في المستمسك وغيرهم [313] .

بيان معني أن الأئمة بمنزلة رسول الله

قال الجزائري: هذه الرواية، فإنها وإن كان في ظاهرها بعض التناقض، فإنها كسابقتها تقرِّر عصمة الأئمة ووجوب طاعتهم، وأنهم يُوحي إليهم، لأن عبارة «الأئمة بمنزلة الرسول إلا في موضوع النساء» صريحة في أنهم يوحي إليهم وأنهم معصومون، وأن طاعتهم واجبة، وأن لهم جميع الكمالات والخصائص التي هي للنبي صلي الله عليه وسلم. [ صفحه 157] والج_واب: أن الرواية المذكورة مع ضعف سندها لا تناقض فيها، والظاهر أنه ظن أن قوله: «الأئمة بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم» يستلزم القول بأنهم عليه السلام يُوحَي إليهم، وهذا عنده يناقض قوله عليه السلام: «إلا أنهم ليسوا بأنبياء»، مع أن المراد بالعبارة الأولي هو أن الأئمة عليه السلام بمنزلة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في العصمة ووجوب الطاعة، وأنهم يعلمون كل ما يحتاج إليه الناس في دينهم ودنياهم.

مصادر أخري لحديث من كنت مولاه فعلي مولاه

والمراد بأنهم ليسوا بأنبياء هو أنهم وإن اشتركوا مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في كثير من الأمور، إلا أنهم لا يشتركون معه في النبوة وأمر النساء. ومن ذلك يتَّضح أن ليس المراد بأن الأئمة عليهم السلام بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو أنهم يساوون النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الفضل، فإن المسلمين قاطبة _ سنة وشيعة _ قد اتفقوا علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو سيِّد ولد آدم من الأولين والأخرين. وإنما المراد هو أنهم لمَّا كانوا هم القائمين بالأمر من بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فإن ذلك يعني أنهم علماء معصومون صادقون مفهَّمون محدَّثون، يعلمون كل ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم ودنياهم، وأنهم أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فتثبت لهم المودة الواجبة، والطاعة

المفروضة. إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء أكثر من أربع، فإن ذلك ليس مما تقتضيه الخلافة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما لا يخفي. هذا وقد نص النبي صلي الله عليه وآله وسلم في غدير خُم علي أن أمير المؤمنين عليه السلام له ما للنبي صلي الله عليه وآله وسلم من كونه أولي بالمؤمنين من أنفسهم، إذ قال: أيها الناس، ألستُ أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه [314] . فأثبت النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام ما هو ثابت له من الولاية الواجبة والطاعة المفروضة، كما أثبت لأهل بيته أنهم بمنزلته في أمور لا يختلف فيها الناس، وهي كثيرة، منها:

اشتراك النبي والآل في عدة أمور متفق عليها

1_ الصلاة عليهم فقد أخرج البخاري _ واللفظ له _ ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وأحمد والدارمي وغيرهم، عن كعب بن عجرة، أنه قال: سألْنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علَّمنا كيف نسلِّم؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ علي محمد وعلي آل محمد كما صلَّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد [315] . وإنما سأل الناس عن الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لمَّا توجَّه إليهم الأمر من الله سبحانه بالصلاة عليه صلي الله عليه وآله وسلم، حيث قال (إن الله وملائكته يصلُّون علي النبي، يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه [ صفحه 159] وسلِّموا تسليماً) [316] . 2 _ التطهير من الرجس وإذهاب السوء والفحشاء عنهم قال عز من قائل (إنما

يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً) [317] . 3 _ تحريم الصدقة عليهم تنزيهاً لهم عنها فقد روي في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد [318] . إلي غير ذلك مما هو معلوم ومشهور.

الاشكال علي أهل السنة بأنهم نفوا طاعة من أمروا بطاعتهم وأوجبوا طاعة سلاطين الجور

ثم لا أدري لمَ ينكر الجزائري وجوب طاعة أئمة أهل البيت عليهم السلام مع صحة حديث الثقلين عندهم، الدال بأتم وأوضح دلالة علي وجوب التمسّك بهم والاهتداء بهديهم. بينما لا يري هو ولا وغيره من أهل السنة غضاضة في طاعة سلاطين الجور والضلال، بل إنهم يرون أن طاعتهم واجبة، وأن مَن عصاهم فقد عصي الله، ومَن فَارقَهم فقد فَارق الجماعَة، وأحاديثهم الدالة علي ذلك كثيرة جداً. منها: ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، أنه قال: مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن يعصني فقد عصي الله، [ صفحه 160] ومَن يطع الأمير فقد أطاعني، ومَن يعصِ الأمير فقد عصاني [319] . ومنها: ما أخرجه مسلم عن أبي يونس، قال: سمعت أبا هريرة يقول عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بذلك، وقال: «من أطاع الأمير»، ولم يقل: «من أطاع أميري»، وكذلك في حديث همام عن أبي هريرة [320] . ومنها: ما أخرجه البخاري _ واللفظ له _ ومسلم وأحمد والدارمي والبيهقي وغيرهم، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: مَن رأي من أميره شيئاً فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية [321] . فإذا كان الحال كذلك فأي غضاضة في

أن تكون طاعة أئمة أهل البيت عليهم السلام واجبة، ويكون اتِّباعهم لازماً، فإنهم أحد الثقلين اللذين حثَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي مراعاتهما والتمسّك بهما، وإنهم الذين أوجب الله مودَّتهم، وأذهب عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، وعلي أقل تقدير فطاعتهم أولي من طاعة سلاطين الجور من الطُّلقاء وأبناء الطلقاء وغيرهم. قال الجزائري: والقصد الصحيح من هذا الاختلاق والكذب الملفَّق _ أيها الشيعي _ هو دائماً فصل أمَّة الشيعة عن الإسلام والمسلمين للقضاء [ صفحه 161] علي الإسلام والمسلمين، بحجَّة أن أمَّة الشيعة في غنيً عما عند المسلمين من وحي الكتاب الكريم وهداية السنة النبوية علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكي التسليم، وذلك بما لديها من مصحف فاطمة الذي يفوق القرآن الكريم، والجفر والجامعة وعلوم النبيين السابقين ووحي الأئمة المعصومين الذين هم بمنزلة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إلا في مسألة نكاح أكثر من أربع نسوة، وما إلي ذلك مما سَلَخ أمة الشيعة المعتقدة لهذا الاعتقاد من الإسلام، وسلَّها من المسلمين انسلال الشعرة من العجين.

رد قوله بأن القصد من هذه الأحاديث فصل الشيعة عن باقي المسلمين

والج_واب: أنا لا نعلم كيف يتم فصل أمَّة الشيعة عن الإسلام، إلا إذا قلنا بكفرهم ومروقهم من الدين. وعليه، فكيف يكون القصد الصحيح عند مَن اختلق هذا الحديث _ وهو شيعي علي الظاهر _ هو إخراج أمَّة الشيعة من الإسلام؟! ثم كيف يثبت كفر الشيعة ومروقهم من الدين باعتقادهم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هم الذين تجب مودَّتهم وموالاتهم وطاعتهم، والاقتداء بهم، والتمسّك بحبلهم، ويجب اعتقاد عصمتهم، وما إلي ذلك مما ثبت لهم بالأدلة الصحيحة، ولا يثبت كفر أهل السنة باعتقادهم وجوب موالاة كافة الصحابة حتي المنافقين منهم والطلقاء وأبناء الطلقاء، ووجوب التمسك بهم واقتفاء آثارهم، كما تجب

طاع_ة سلاط_ين الجور المتسلِّطين علي الأمة بالقوة والقهر، ويجب اعتقاد عصمة هذه الأمة من الخطأ، إلي غير ذلك مما هو معلوم من عقائدهم؟! وأما فصل أمَّة الشيعة عن المسلمين فقد أجبنا عنه فيما تقدَّم، وقلنا بأنه إن كان مراده بالمسلمين هم مَن يُعرفون بأهل السنة فهؤلاء لا يجب اتِّباعهم، وإن أراد بهم غيرهم فكل طائفة من طوائف المسلمين قد افترقت عن غيرها في أصولها وفروعها، والمحذور هو مخالفة الكتاب والسنة، وأما [ صفحه 162] ما عدا ذلك فلا محذور في مخالفته أصلاً. وقوله: «إن القصد من اختلاق هذه الأحاديث هو فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين، للقضاء علي الإسلام والمسلمين» لا يخفي ما فيه من الضعف والركاكة [322] ، لأن الأحاديث المذكورة أحاديث ضعيفة، لا يمكن أن يكون لها هذا الأثر العظيم في فصل الشيعة عن باقي المسلمين، ولا سيما إذا علمنا بوجود الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي تحث علي حسن معاشرة أهل السنة، والصلاة معهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، والشهادة لهم وعليهم... وما إلي ذلك. ثم إن الشيعة إذا خرجوا من الإسلام، وفارقوا باقي فِرَق المسلمين أو أهل السنة بخصوصهم كيف يتسبَّب من ذلك القضاء علي الإسلام والمسلمين، وهم لم يشهروا علي باقي المسلمين سيفاً، ولم يكيدوا لهم مكيدة أبداً في سرٍّ أو علانية؟! والإنصاف أن هذا الحديث وأمثاله لا ينشأ منه فصل الشيعة عن الإسلام ولا عن باقي المسلمين، وإنما يسبب افتراق المسلمين واختلافهم ما يكتبه هؤلاء الكُتَّاب الذين يسعون باذلين جهدهم لتكفير طائفة عظيمة من طوائف المسلمين، متشبِّثين بأحاديث ضعيفة لم يفهموا معانيها، أو فهموها ولكن سوَّلت لهم أنفسهم أمراً، فحمَّلوها ما لا تحتمل من الوجوه الفاسدة والاحتمالات الواهية... فكفَّروا مَن شاؤوا بلوازم فاسدة،

لمعانٍ غير صحيحة، لأحاديث ضعيفة. وقوله: «بحجَّة أن أمة الشيعة في غنيً عما عند المسلمين من وحي الكتاب الك_ريم وهداي_ة السنة النبوية... وذلك بما لديها من مصحف [ صفحه 163] فاطمة... إلي آخره» واضح الضعف، فإن الشيعة الإمامية لم يفارقوا باقي فرق المسلمين حتي يتذرعوا لمفارقتهم بأمثال هذه الخيالات الواهية أو بغيرها، ولم يستغنوا عن كتاب الله العزيز وسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بغيرهما. وهذه كتبهم ومصنفاتهم تنص علي أن الكتاب والسنة هما أهم مصادر الاستنباط عندهم، فكيف يستغنون عن الكتاب والسنة بمصحف فاطمة والجفر والجامعة وغيرها من الكتب التي ليست عندهم، بل لم يرَوها ولم يطَّلعوا علي ما فيها؟! قال الجزائري: أَلا قاتل الله روح الشر التي اقتطعت قطعة عزيزة من جسم أمَّة الإسلام باسم الإسلام، وأبعدت خلقاً كثيراً عن طريق آل البيت باسم نصرة آل البيت. وقال: اللهم اقطع يد الإجرام الأولي التي قطعت هؤلاء الناس عنك، وأضلَّتهم عن سبيلك.

دفاع عن علماء الشيعة و بيان أنهم دعاة للوحدة

وأق_ول: إن روح الشر في حقيقة الأمر هي الروح التي تسعي لإثارة الفُرقة بين المسلمين، بتكفير طائفة كبيرة من أتباع أهل البيت عليه السلام، وإن يد الإجرام هي اليد التي تكتب من غير حجَّة معتمَدة أو برهان صحيح في الطعن في مذهب أهل البيت عليهم السلام، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، وأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم باتِّباعهم والتمسّك بحبلهم. ومن الواضح أن الذين أشار إليهم الجزائري بيد الإجرام الأولي وروح الشر التي أبعدت الشيعة عن طريق أهل البيت هم علماء الشيعة الأولون قدس الله أسرارهم. وهذا القول غير مستبعد ممن يلقي الكلام علي عواهنه، ولا يتورَّع [ صفحه 164] عن التهمة بكل وجه قدر عليه.

الادلة الدالة علي أن الشيعة الإمامية هم أتباع أهل البيت

ومن البيِّن أن علماء الشيعة الأبرار _ رحم الله الماضين منهم، وحفظ الباقين _ هم الصلحاء الأتقياء الزهَّاد العُبَّاد، الذين لم يسيروا كغيرهم في ركاب سلاطين الجور، ولم يأكلوا من فتات موائدهم، ولم يحلِّلوا لهم الحرام، ويحرِّموا لهم الحلال، ولم يصحِّحوا أخطاءهم، ويبرِّروا قبائحهم، ولو أرادوا ذلك لعرفوا الطريق إليه، وسَعَوا في الحرص عليه [323] . وهم مع ذلك لم يغرِّروا بأحد من الشيعة ولا من غيرهم، وحسبك أنهم أوجبوا علي كل مكلَّف أن يأخذ أصول دينه ومعتقداته الحقَّة بالدليل القطعي لا بالإتباع والتقليد، وأكَّدوا علي ذلك في كتبهم الكلامية، وهذه طريقة لا يتَّبعها مَن يريد أن يغرِّر بالعوام من الناس، ويسعي لإضلالهم عن سبيل الله، وإبعادهم عن دين الله. وأما قوله: «إن علماء الشيعة قد اقتطعوا الشيعة من جسم أمة الإسلام، وأبعدوهم عن طريق آل البيت باسم نصرة آل البيت» فيردّه أن متابعة الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام مما لا يرتاب فيه منصف

عاقل، ولا [ صفحه 165] يشك فيه عالم فاضل. ويدل علي ذلك أمور [324] : أولاً: أن الشيعة الإمامية قصَروا الإمامة في أهل البيت عليهم السلام، وحصَروا التقليد فيهم، فلا حجة إلا لقولهم، ولا حق إلا ما صدر منهم. ولهذا تتابع الشيعة خلفاً عن سلف في تدوين علومهم، وكتابة أحاديثهم في أصول الدين وفروعه حتي جمعوا الشيء الكثير. وعليه، فالداعي إلي متابعتهم والأخذ بهديهم والسير علي نهجهم _ وهو اعتقاد إمامتهم دون سواهم _ موجود، والمانع من متابعتهم مفقود، فلا بد من حصول الاتِّباع وتحقق الموالاة. وثانياً: اعتراف جمع من أرباب التحقيق من أهل السنة بمتابعة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام ومشايعتهم لهم. 1 _ قال الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليًّا رضي الله عنه علي الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصًّا ووصيّة، إما جليًّا وإما خفيًّا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده [325] . وقال في ترجمة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات... وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض علي الموالين له أسرار العلوم [326] . 2_ وقال ابن منظور في لسان العرب، والفيروزآبادي في القاموس المحيط، والزبيدي في ت_اج العروس: وقد غلب هذا الاسم _ أي الشيعة _ علي مَن [ صفحه 166] يتوالي عليًّا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتي صار لهم اسماً خاصاً، فإذا قيل: «فلان من الشيعة»، عُرف أنه منهم [327] . 3 _ وقال الزهري: والشيعة قوم يهوون هوي عترة النبي 0 ويوالونهم [328] . 4 _ وقال ابن خلدون: اعلم أن الشيعة لغةً: الصَّحْب والأَتْباع،

ويطلق في عُرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف علي أَتْباع علي وبنيه رضي الله عنهم [329] . ثالثاً: سلوك الشيعة الكاشف عن ولائهم لأهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم لهم، فقد دأبوا علي تدوين معارفهم وعلومهم، ورواية أحاديثهم، وأخذ أقوالهم، والتسليم لهم، ونشر فضائلهم، وكتابة سِيَرهم، وإقامة مآتمهم، والحزن علي مصابهم وما جري عليهم، ووالوا أولياءهم، وتبرَّأوا من أعدائهم، حتي حكموا بضعف كل من انحرف عنهم، وبنجاسة كل من تجاهر بمعاداتهم. وبالجملة، فإنّا لو لم نقل بأن الشيعة الإمامية هم أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام مع تحقق هذه الأمور، لحقَّ لنا إنكار متابعة كل فرقة لمن تنتسب إليه، ولأمكننا أن نشكِّك في متابعة أهل السنة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم. [ صفحه 169]

كشف الحقيقة 07

اشاره

اعتقاد ردَّة وكفر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ماعدا آل البيت ونفراً قليلاً كسلمان وعمار وبلال هذا المعتقد يكاد يجمع عليه رؤساء الشيعة من فقهائهم وعلمائهم، وبذلك تنطق تآليفهم وتصرِّح كتبهم، وما ترك الإعلان به أحد منهم غالباً إلا من باب التقية الواجبة عندهم.

رد قوله بأن الشيعة يعتقدون ردة و كفر أصحاب النبي

وأق_ول: إن الشيعة الإمامية لا يعتقدون بكفر عامة صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلا نفر قليل كما زعم الجزائري، وعقيدتهم في هذه المسألة معروفة، وقد بيَّنها العلماء في كتبهم، وأوضحوها في مصنفاتهم. ويمكن أن نجملها بأن نقول:

عقيدة الشيعة الإمامية في الصحابة

اشاره

يعتقد الشيعة الإمامية أن من اصطُلح عليهم بصحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ينقسمون إلي ثلاث فئات:

الصحابة ثلاث فئات

السابقون الأولون

هم الذين آمنوا بالله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، واتَّبعوا النبي [ صفحه 170] صلي الله عليه وآله وسلم، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتي جعلوا كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلي، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان. وهؤلاء هم الذين مدحهم الله في كتابه وأثني عليهم بقوله (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) [330] .

المنافقون

الفئة الثانية: هم المنافقون الذين كانوا يتربَّصون بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم الدوائر، ويكيدون المكائد للإسلام ولخُلَّص المؤمنين. وهم الذين عناهم الله سبحانه بقوله (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مرَدوا علي النفاق لا تعلَمهم نحن نعلَمهم سنعذّبهم مرتين ثم يُردّون إلي عذاب عظيم) [331] . وهؤلاء المنافقون قد دلَّت الأحاديث الكثيرة علي وجودهم في أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حياته صلي الله عليه وآله وسلم وبعد مماته. ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن حذيفة أنه قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سَم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدُّبيلة [332] ، وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم [333] . [ صفحه 171]

الذين خلطوا عملا صالحا بآخر سيئ

والفئة الثالثة: وهم المؤمنون الذين خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيّئ، فلم يبلغوا بأعمالهم إلي مرتبة الفئة الأولي، ولم تحطَّهم ذنوبهم إلي أن يكونوا من الفئة الثانية. ومن هؤلاء مَن وصفهم الله سبحانه بقوله (وآخرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً عسي الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) [334] . ومنهم مَن أشار إليهم بقوله جل شأنه (قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلِتْكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم) [335] . هذا ما يعتقده الشيعة الإمامية في صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وكل من نسب إليهم غير ذلك إما جاهل بعقيدتهم غير متثبِّت في نقلها، أو كاذب مفترٍ عليهم. وهذا الذي قلناه هو ما قرَّره علماؤنا الأعلام في كتبهم وأوضحوه في تآليفهم. قال

السيد شرف الدين الموسوي أعلي الله مقامه: إن مَن وقف علي رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرِّط فيه تفريط الغلاة الذين كفَّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثَّقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو علي شاكلتهم قالوا بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة بعدالة كل فرد ممن سمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو رآه من المسلمين مطلقاً، واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين. أما نحن فإن الصحبة بمجرَّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها _ [ صفحه 172] بما هي ومن حيث هي _ غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة علي الوصي أخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن أرطاة وأمثالهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتي نتبيَّن أمره [336] .

ايراد الجزائري النصوص الدالة علي طعن الشيعة في الصحابة

ومما تقدم يظهر أن ما زعمه الجزائري من أن كفر عامة الصحابة مما يكاد يجمع عليه رؤساء الشيعة وبه تنطق تآليفهم وتصرِّح كتبهم، غير صحيح، وحسبك أنه لم يدلِّل علي زعمه بدليل واحد منقول من كلمات علماء الشيعة، الذين ينبغي الاحتجاج بكلماتهم في هذه المسألة، فإن ذلك أولي من ذكر حديث يمكن المناقشة في سنده ودلالته. هذا مع أن الحديث الذي نقَلَه ليس من أحاديث الكافي، ولا يدل علي مطلوبه كما سيأتي بيانه، وهذا دليل واضح علي عوز النصوص التي يحتاج إليها لإثبات حقيقته. ثم إن ما قاله يتعارض مع قوله:

«وما ترك الإعلان به أحد منهم غالباً إلا من باب التقيَّة الواجبة عندهم»، وذلك لأن التقية إذا كانت واجبة عند الشيعة، وكانت تقتضي ترك الإعلان بهذا المعتقَد، فكيف نطقت به تآليف علماء الشيعة وصرَّحت به كتبهم؟! قال الجزائري: وتدليلاً علي هذه الحقيقة وتوكيداً لها نورد النصوص الآتية: [ صفحه 173] جاء في روضة الكافي للكليني صاحب كتاب الكافي ص 202 قوله: عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر قال: ارتد الناس بعد النبي صلي الله عليه وسلم إلا ثلاثة هم: المقداد وسلمان وأبو ذر. كما جاء في تفسير الصافي _ والذي هو من أشهر وأجل تفاسير الشيعة وأكثرها اعتباراً _ روايات كثيرة تؤكد هذا المعتقد، وهو أن أصحاب رسول الله قد ارتدوا بعد وفاته إلا آل البيت ونفراً كسلمان وعمار وبلال رضي الله تعالي عنهم.

بيان أن هذه الأحاديث لم يروها الكليني في الكافي

وأق_ول: هذا الحديث لم يروه الكليني في الكافي بهذا اللفظ [337] ، لا في الروضة ولا في غيرها، بل ولم يرد له ذكر في باقي الكتب الأربعة المشهورة عند الإمامية، وإنما جاء مروياً في رجال الكشِّي [338] وبعض الكتب الأخري التي لا يعوَّل عليها في إثبات الأحاديث. ومع ذلك فهذا الحديث لا يدل علي ما عنوَنَ به الجزائري حقيقته ه_ذه، ف_إن الارتداد في اللغة هو الرجوع عن الشيء. قال عز من قائل (فلما أن جاء البشير ألقاه علي وجهه فارتد بصيراً) [339] ، وقال (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) [340] ، وقال (مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم) [341] . وإذا أُريد بالارتداد الرجوع عن الدين قُيِّد، ولهذا لم يَرِد في كتاب [ صفحه 174] الله إلا مقيَّداً. قال

سبحانه (مَن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبّونه) [342] ، وقال (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) [343] ، وقال (إن الذين ارتدوا علي أدبارهم من بعد ما تبيَّن لهم الهدي الشيطان سوَّل لهم) [344] ، وقال (ولا ترتدوا علي أدباركم فتنقلبوا خاسرين) [345] .

بيان معني ارتداد الصحابة الوارد في بعض الأحاديث

والحاصل أن الحديث الذي احتج به الجزائري لم يقيَّد فيه الارتداد بأنه عن الدين أو علي الأدبار والأعقاب. وعليه، فمعني الحديث هو أن الناس بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رجعوا عما التزموا به في حياته صلي الله عليه وآله وسلم من مبايعة علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فبايعوا غيره. وبهذا المعني للارتداد فسَّر ابن الأثير هذه اللفظة التي وردت في أحاديث الحوض التي سيأتي ذكرها، حيث قال: وفي حديث القيامة والحوض: «فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين علي أدبارهم القهقري»: أي متخلِّفين عن بعض الواجبات. ولم يُرِد ردَّة الكفر، ولهذا قيَّده بأعقابهم، لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب [346] . فإذا صحَّ ذلك يلتئم الحديثان، ويتطابق معناهما، ويكون المراد بارتداد الناس بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو أنهم رجعوا عن أهم الواجبات [ صفحه 175] الدينية المنوطة بهم، وهي مبايعة علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وخلافة رسول رب العالمين. والذي يدل علي أن ما قلناه هو المراد بالحديث ما رواه الكليني رحمه الله في الروضة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان

الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير [347] وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا، حتي جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع، وذلك قوله تعالي (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) [348] . فإن هذا الحديث ظاهر في أن الثلاثة المذكورين التزموا ببيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يبايعوا غيره، حتي بايع مكرَهاً فبايعوا بعده. ومن الغريب أن الجزائري الذي ساق هذا الحديث ونسبه للكافي وفسَّر معناه بغير ما هو مراد، نسي أو تناسي أحاديث كثيرة صحيحة أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما تدل علي ردَّة زُمَر وأقوام من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد وفاته.

ما رواه أهل السنة من الأحاديث الدالة علي ارتداد بعض الصحابة

ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يرِد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيُحَلَّؤن [349] عن الحوض، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا [ صفحه 176] بعدك، إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري [350] . وعن أبي هريرة أيضاً، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: بينما أنا قائم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمَّ. فقلت: أين؟ قال: إلي النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري. ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمَّ. قلت: أين؟ قال: إلي النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري.

فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همَل النعم [351] . قلت: الظاهر أن الضمير المجرور في «فلا يخلص منهم» يعود علي صحابته صلي الله عليه وآله وسلم، ولا يعود علي خصوص المرتدين علي أدبارهم، لأن هؤلاء المرتدين لا يخلص منهم أحد. وعنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: يرِد عليَّ الحوض رجال من أصحابي، فيحلّؤون عنه، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري [352] . وأخرج مسلم عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا فرَطكم [353] علي الحوض، ولأُنازَعَنَّ أقواماً ثم لأُغلَبَنَّ عليهم [354] ، فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [355] . [ صفحه 177] وأخرج البخاري _ واللفظ له _ ومسلم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله: إني فرطكم علي الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، لَيَرِدن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أَشهدُ علي أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي [356] . وهذه الأحاديث رواها حفَّاظ الحديث من أهل السنة بطرق كثيرة جداً وبألفاظ متقاربة، وفيما ذكرناه كفاية [357] .

ادعاء الجزائري أن الأحاديث الواردة في كتب الشيعة الدالة علي كفر الشيخين كثيرة جدا وإيراده حديثين منها

قال الجزائري: وأما بخاصة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالي عنهما ففي كتب القوم نصوص لا تحصي كثرة في تكفير الشيعة لهما، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكليني صفحة 20 حيث قال: سألت أبا جعفر

عن الشيخين. فقال: فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأورد أيضاً في صفحة 107 قوله: تسألني عن أبي بكر وعمر؟ فلعمري لقد نافقا وردَّا علي الله كلامه، وهزئا برسوله، وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

نسبة الجزائري بعض الأحاديث المختلقة إلي الكافي

وأق_ول: مما يؤسف له أن يعمد الجزائري للتدليل علي حقائقه إلي اختلاق أحاديث مكذوبة ينسبها إلي الكافي، لتكفير طائفة كبيرة من طوائف المسلمين. ومع أن هذين الحديثين لا يشبهان أحاديث أهل البيت عليهم السلام، ولم يسبق أن قرأتهما لا في الكافي ولا في غيره، فإني بحثت عنهما فيه وفي باقي الكتب الأربعة فلم أجد لهذين الحديثين عيناً ولا أثراً. نعم الذي وجدته مروياً في صفحة 107 من روضة الكافي بسند ضعيف [358] مكاتبة الإمام الكاظم عليهم السلام لعلي بن سويد، وهي مشتملة علي أجوبة مسائل عديدة سُئل عنها الإمام عليهم السلام. ومما جاء في هذه المكاتبة قوله عليهم السلام: وسألتَ عن رجلين اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه علي الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله، فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتي حمَّلاه إياه كرهاً فوق رقبته إلي منازلهما، فلما أحرزاه تولَّيا إنفاقه، أيبلغان بذلك كفراً؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك، وردَّا علي الله عز وجل كلامه، وهزئا برسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وهما الكافران، عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وهذه الفقرة الأخيرة هي التي نقلها الجزائري في الحديث الذي احتج به بعد أن وضع لها سؤالاً من عنده، ليلائم الغرض الذي يريده. وكيف كان، فلا يمكن أن نقول: إن المراد بالرجلين المذكورين في هذه المكاتبة أبو بكر وعمر، إلا بحمل ألفاظ الحديث علي

ما لا تحتمله، فإن المال [ صفحه 179] لا يمكن أن يرمز به إلي الخلافة، لأن الحديث قد نصَّ علي أن صاحب المال كان ينفقه علي الفقراء والمساكين، والخلافة لا يُنفق شيء منها علي فقير أو مسكين. ثم كيف حمَّل أبو بكر وعمر عليًّا عليه السلام الخلافة إلي منازلهما لينفقا منها كيف شاءا؟ وجواب الإمام عليه السلام بأن الرجلين المسؤول عنهما قد نافقا فيه بيان بأن الذي لا يسلَم المسلمون من يده ولسانه فليس بمسلم، وإظهاره للإسلام إذا لم يعمل به هو ضرب من النفاق. والحاصل أن تحريف الجزائري لهذا الحديث يدل دلالة واضحة علي أنه لم يعثر علي حديث واضح يدلِّل به علي حقيقته هذه، وأن ما قاله من أن النصوص المروية في كتب الشيعة في تكفير أبي بكر وعمر لا تحصي كثرة، غير صحيح. وعلي كل حال فإنَّا لا ننكر أن في بعض كتب الشيعة أحاديث ظاهرها الطعن في بعض مَن صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم، إلا أن هذه الأحاديث مع التسليم بصحتها ووضوح دلالتها لا تستلزم كفراً، وإلا لزم تكفير الأمة جمعاء، لأن كتب الشيعة إن كانت مشتملة علي أحاديث ظاهرها الطعن في بعض الصحابة، فكتب أهل السنة مملوءة بأحاديث كثيرة تطعن في بعض آخر منها، بل فيها ما هو أدهي وأمَرّ، وهو الطعن في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما سيتّضح فيما سيأتي إن شاء الله تعالي. قال الجزائري: وبعد أيها الشيعي، فهل من المعقول الحكم بالكفر والردة علي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهم حواريوه وأنصار دينه، وحملة شريعته، رضي الله عنهم في كتابه، وبشَّرهم بجنَّته علي لسان نبيِّه، حمي [ صفحه 180]

الله بهم الدين، وأعزَّ بهم المسلمين، وخلّد لهم ذكراً في العالمين وإلي يوم الدين؟!

رد قوله بأن الشيعة تكفر كل الصحابة

والجواب: لقد أوضحنا آنفاً أنَّا لم نقل بكفر أو ارتداد أو فسق عامة الصحابة، وبيَّنَّا بما لا مزيد عليه أن رأي الشيعة الإمامية في الصحابة هو أعدل الآراء، وهو الموافق لآيات الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهَّرة.

بيان أن الاختلاف في تمييز المنافق من المؤمن من الصحابة لا يستلزم كفرا

والذي لا ينبغي إنكاره والمناقشة فيه أن بعض من صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان منافقاً في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته، وأن بعضهم ارتد بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما دلَّت عليه الأحاديث المتقدمة وغيرها، ومن أنكر ذلك فهو مكابر متعصب عنيد، أو جاهل بليد. وأما أصحاب رسول الله المنتجبون، وحواريوه وأنصار دينه وحملة شريعته، الذين رضي الله عنهم في كتابه، وبشّرهم بجنّته علي لسان نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم، وحمي الله بهم الدين، وأعزَّ بهم المسلمين، فهؤلاء نتولاهم في الدنيا والآخرة، وندعو لهم، ونترحم عليهم. وأما غيرهم من المنافقين وأعداء أمير المؤمنين وأهل بيته الطيبين الطاهرين فلا حرمة لهم ولا كرامة، وإن تسمَّوا بالصحبة، وتظاهروا للنبي صلي الله عليه وآله وسلم بالمودة والمحبة. وتمييز هذين الصنفين من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا بد فيه من الإجتهاد والنظر، بدراسة سِيَرهم ومعرفة أحوالهم وما صدر منهم. واختلاف الاجتهاد في هذه المسألة وإن أدَّي إلي الحكم بكفر أو نفاق بعضهم لا يستلزم تكفير طائفة من طوائف المسلمين أو أحد من أهل القِبلة، ولا سيما إذا كان صدور ذلك الحكم ناشئاً عن خطأ وشبهة. ولو تأملنا صحاح أهل السنة ومصادر الحديث عندهم لوجدناها [ صفحه 181]

ان عمر كفر حاطب بن أبي بلتعة

مملوءة بأمثال هذه الإجتهادات، وحسبك ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وأحمد وغيرهم عن عمر أنه قال لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق [359] _ يعني حاطب بن أبي بلتعة الذي هو واحد من أهل بدر. ومن ذلك ما ورد في حديث الإفك المروي عن عائشة، أن أسيد

بن الحضير قال لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين [360] . ومنه ما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن جابر، أنه قال: صلي معاذ بن جبل الأنصاري بأصحابه العشاء، فطوَّل عليهم، فانصرف رجل منا فصلي، فأُخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق. فلما بلغ ذلك الرجل، دخل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أتريد أن تكون فتَّاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلي، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشي [361] .

ان عائشة كفرت عثمان

وقد كانت عائشة تكفِّر عثمان، وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر [362] . [ صفحه 182] فلما أرادت بعد قتله أن تطالب بدمه قال لها ابن أم كلاب: منكِ البداءُ ومنكِ الغي_رْ ومنكِ الرياحُ ومنكِ المطر وأنتِ أمرتِ بقتلِ الإمام وقلتِ لنا: إنه قد كفرْ فهبن_ا أطعناكِ في قتلِهِ وقاتلُه عندنا مَن أمَ_رْ [363] . ولما حُصِر عثمان في بيته كفَّر كل أهل المدينة من الصحابة وغيرهم. قال الطبري: لما رأي عثمان ما قد نزل به، وما قد انبعث عليه من الناس، كتب إلي معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإن أهل المدينة قد كفروا، واخلفوا الطاعة، ونكثوا البيعة، فابعث إليَّ من قِبَلك من مقاتلة أهل الشام علي كل صعب وذلول [364] .

ان مشهور أهل السنة كفروا سيدا من سادات المسلمين وهو أبوطالب

هذا مضافاً إلي أن جمهور أهل السنة قد ذهبوا إلي كفر أبي طالب عليه السلام، مع أنه من أجِلاء صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وإسلامه ودفاعه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وذبّه عن الإسلام أوضح من أن يحتاج إلي بيان. وحسبك دليلاً علي إيمانه أقواله المأثورة وأشعاره المشهورة.

بعض أشعار أبي طالب الدالة علي إيمانه

ومنها قوله: واللهِ لن يصل_وا إلي_كَ بجمعِهم حت_ي أُوسَّدَ في الت_رابِ دفينا فاصدعْ بأمرِك ما عليكَ غضاضةٌ وابشرْ ب_ذاك وق_رَّ منكَ عيونا ولقد علمتُ بأن دينَ محمدٍ مِن خيرِ أديانِ البريَّ_ةِ دينا [365] . [ صفحه 183] وقوله: ألا أبلِغ_ا عني علي ذاتِ بينِنا لُؤيًّا وخُصَّ_ا من لؤيّ بني كعْ_بِ ألم تعلم_وا أنَّ_ا وجدنا محمداً نبيًّا كم_وسي خُطَّ في أولِ الكتْ_بِ وأن عليه في العبادِ محبة ولا خير ممن خصَّه الله بالحُبِّ [366] . والحاصل أن القول بكفر واحد ممن صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإن جلَّ عند قوم لا يستلزم كفر طائفة من طوائف المسلمين أو أحد من أهل القبلة، وما يُلزَم به الشيعة من تكفير بعض من يعتبرهم أهل السنة من أجلاء الصحابة، يرِد علي أهل السنة سواءً بسواء، بل إن الحجة علي أهل السنة أتم وأظهر، وذلك لأن أبا طالب عليه السلام الذي تجرَّأوا علي تكفيره، يعترف جمع من علمائهم بإيمانه، فكان الواجب عليهم ألا يتسرَّعوا في تكفير من اختلفوا هم أنفسهم في إيمانه وكفره، بخلاف من كفره الشيعة، فإنهم لم يختلفوا فيه، وشتان ما بين هذين الأمرين. قال الجزائري: فقل لي بربك أيها الشيعي، ألم يكن لهذا التكفير واللعن والبراء لأصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هدف وغاية؟ بلي أيها الشيعي، إن هناك

هدفاً وأي هدف؟ وغاية وأية غاية؟ إن الهدف هو القضاء علي الإسلام خصم اليهودية والمجوسية وعدو كل شرك ووثنية!!

رد قوله بأن هدف الشيعة من تكفير بعض الصحابة هو القضاء علي الإسلام

والج_واب: أنا لم نقل بارتداد عامة الصحابة عن الدين كما أوضحناه مكرَّراً، وإنما قلنا برجوع أكثرهم عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا المعني هو المراد بالارتداد المذكور في الحديث الذي احتج به. [ صفحه 184] وأما ما ألصقه بالشيعة من القول بارتداد عامة الصحابة إلا نفراً قليلاً _ وإن كنا لا نقول به _ إلا أنه هو الظاهر من قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث البخاري المتقدم الذي قال فيه: «فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همَل النعَم» كما بيَّنَّاه آنفاً. وبعبارة أخري: إن ما ألصقه بالشيعة من القول بارتداد أكثر الصحابة عن الدين بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يقوله الشيعة، ولا تدل عليه الأحاديث المروية من طرقهم، بل دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة التي ذكرنا بعضاً منها. ومما تقدَّم يتَّضح سقوط كل ما سيأتي من اللوازم الفاسدة التي ساقها الجزائري، لأنها كلها مبتنية علي القول بارتداد عامة الصحابة عن الدين، ونحن لا نقول به كما بيَّنَّاه مفصَّلاً، وهو واضح. وقوله: «إن الهدف من هذا التكفير واللعن والبراء لأصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو القضاء علي الإسلام خصم اليهودية والمجوسية» لا يخفي فساده، ولا يستحق الرد عليه، إلا أنا مع ذلك نقول: إن أراد بأصحاب النبي كل أصحابه صلي الله عليه وآله وسلم، فنحن لا نكفِّرهم ولا نلعنهم جميعاً كما أوضحناه فيما تقدَّم. وإن أراد بعضهم فارتداد ونفاق بعض من صحب النبي صلي الله عليه وآله

وسلم متَّفق عليه، ودلَّت عليه الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة كما مر آنفاً.

بيان أن الحكم بارتداد و نفاق بعض الصحابة محل وفاق بين السنة والشيعة

والنتيجة المتحصَّلة هي أن الشيعة وأهل السنة في هذه المسألة سواء، فما يلزم أولئك يلزم هؤلاء. ثم إنا لا نعلم كيف يتم القضاء علي الإسلام بسبب الاعتقاد بنفاق أو ارتداد بعض صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع أن الشيعة وأهل السنة كلهم يرون ذلك والإسلام بحمد الله باقٍ، وسيبقي إن شاء الله تعالي إلي أن يرث الله الأرض [ صفحه 185] ومن عليها. ولا يخفي أن الجزائري في كلامه هنا بل في كل ما سطَّره في هذا الكتيِّب يريد بالإسلام مذهب أهل السنة، المبني علي القول بعدالة كل من صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم، مع أن القول بعدالة كل الصحابة يبطله الكتاب والسنة والإجماع والعقل، والإسلام غير منحصر في مذهب تبطله الأدلة الصحيحة.

بيان أن الردة حقيقة تاريخية ثابتة و لا تستلزم القضاء علي الإسلام

والحكم بأن الغاية من اعتقاد ردَّة بعض من صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم هي القضاء علي الإسلام خصم اليهودية والمجوسية حكم باطل، بل هو من الكلام الذي لا يجوز قوله، لما فيه من رد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الثابتة. ثم كيف يتسبَّب من اعتقاد ردَّة بعض من صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم القضاء علي الإسلام؟ والحال أن الردة حقيقة تاريخية لا ينكرها أحد، غاية ما في الأمر أنهم يقولون إنها وقعت في كل الأمصار ما عدا الحرمين والطائف، ولو سلَّمنا بذلك فصحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كانوا متوافرين في بلاد العرب كلها. وأما هدف الشيعة من بيان أن جمعاً من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد ارتدّوا من بعده فهو بيان ما أراد رسول الله بيانه للأمة، حتي لا يُغتَر بكل من يدَّعي الصحبة، ويتخذها وسيلة لإضلال الأمة المهدية

وتحريف السنة النبوية. قال الجزائري: وإن الغاية هي إعادة دولة المجوس الكسروية بعد أن هَدم الإسلام أركانها، وقوَّض عروشها، ومحا أثر وجودها، وإلي الأبد إن شاء الله تعالي، وهاك إشارة مغنية عن عبارة: ألم يُقتل ثاني خليفة للمسلمين بيد غلام مجوسي؟ [ صفحه 186] ألم يحمل راية الفتنة ضد الخليفة عثمان فيذهب ضحيَّتها وتكون أول بذرة للشر والفتنة في ديار المسلمين، اليهودي عبد الله بن سبأ؟

زعم الجزائري أن غاية الشيعة هي إعادة دولة المجوس الكسروية

والج_واب: أن إعادة دولة المجوس الكسروية ليست من غايات الشيعة، ولو كانت هذه هي غايتهم لَسَعوا إليها وأعادوا بناءها، فإن الشيعة قامت لهم دول علي ممر العصور، ولم يعيِدوا المجوسية ولا اليهودية، ولم يدعُوا إليهما.

بيان أن قاتل عمر لم يكن شيعيا

وأما ما أشار إليه من قتل عمر بن الخطاب بيد غلام مجوسي، فهذا لا علاقة له بالشيعة، لأن هذا الغلام لم يكن شيعياً ولا مملوكاً لواحد من الشيعة، وإنما هو غلام للمغيرة بن شعبة الذي كان من المنحرفين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وكان هذا الغلام حدَّاداً نقَّاشاً نجَّاراً حاذقاً، وكان المغيرة قد ضرب عليه مائة درهم في الشهر كما في بعض الأخبار، أو أربعة دراهم في اليوم كما في بعض آخر، فاشتكي إلي عمر شدة الخراج، فقال له عمر: ما خراجك بكثير. فانصرَف ساخطاً يتذمّر، وأضمر لعمر السوء، فكمن له وقتله [367] . هذا مع أن الذي ذكره غير واحد أنه كان غلاماً نصرانيًّا ولم يكن مجوسيًّا [368] ، ولا أقل فالأخبار في دينه متضاربة. ولعله كان مسلماً، إلا أنه لمَّا قتل عمر وصَموه بالمجوسية، والله أعلم بحقائق الأمور. وأما عبد الله بن سبأ ، فالذي أفاده جمع من المحققين [369] والباحثين أنه [ صفحه 187] رجل اختلقه خصوم الشيعة كيداً لهم وإزراءً عليهم. قال الدكتور طه حسين: إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلَّفاً منحولاً، قد اختُرع بأخَرَة، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفِرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يُدخِلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهوديًّا، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم [370] . وقال الدكتور عبد العزيز الهلابي الأستاذ في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض:

وعلي أية حال، فسَيف _ وهو راوي قصة ابن سبأ كما سيأتي _ أراد طعن الشيعة في الصميم، وذلك بنسبة مذهب التشيع إلي يهودي حاقد علي الإسلام، يريد تقويضه من الداخل، وأن أفكار الشيعة _ المعتدلين منهم والغلاة _ ليست سوي أفكار هذا اليهودي [371] . ويدل علي أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية مختلقة أمور: الأول: أن كل الأحاديث التي ذُكرت فيها قصة عبد الله بن سبأ تنتهي إلي سيف بن عمر التميمي المتوفي سنة 180ه_ كما في تاريخ الطبري وتاريخ دمشق وتاريخ الإسلام وغيرها. وسيف بن عمر ضعيف جداً، اتفق الجميع علي تضعيفه. [ صفحه 188] قال يحيي بن معين: ضعيف الحديث. وقال: فُلَيس خير منه [372] . وقال أبو داود: ليس بشيء [373] . وقال أبو حاتم الرازي [374] والدارقطني [375] : متروك الحديث. وقال ابن حبان: اتُّهم بالزندقة. وقال: يروي الموضوعات عن الأَثبات [376] . وقال ابن عدي: عامة حديثه منكَر [377] . وقال الحاكم: اتُّهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط [378] . وقال النسائي: ضعيف [379] . وقال ابن حجر: ضعيف الحديث [380] . الثاني: أن الذين سبقوا سيف بن عمر والذين عاصروه من المؤرخين والرواة لم يذكروا ابن سبأ في أحاديثهم ومصنفاتهم. قال الدكتور عبد العزيز الهلابي: أما الرواة والأخباريون المتقدمون كعروة بن الزبير (ت 94ه_) ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت 124ه_) وابن اسحاق (ت 150ه_) والواقدي (ت 207ه_) وخليفة بن خياط (ت 240ه_) في تاريخه، وابن سعد (ت 230ه_) في كتاب الطبقات، وابن الحكم [ صفحه 189] (ت 257ه_) في كتابه «فتوح مصر وأخبارها»، وأب_وحنيفة الدينوري (ت 282ه_) في كتابه «الأخبار الطوال» والكندي (ت 283ه_)

في كت_اب «ال_ولاة والق_ضاة»، واليعقوبي (ت 292ه_) في تاريخه، والمسعودي (ت 346ه_) في كتبه، وغيرهم من مؤرخي القرن الثالث والرابع الهجريين، فلم يرد عند أحد من هؤلاء في مروياتهم أو في كتب المؤلفين منهم أي ذكر عن ابن سبأ ودوره في الأحداث [381] . قلت: إن إغفال هؤلاء المؤرخين لهذا الرجل الذي كان له هذا الدور الكبير في إحداث الفتنة وفي تغيير وجه التاريخ الإسلامي دليل علي أن الرجل مكذوب مختلق في عصر متأخر عن عصر أولئك المؤرخين المذكورين وغيرهم. الثالث: أن الأحاديث قد تضاربت في بيان شخصية ابن سبأ تضارباً شديداً، فتارة ذُكر فيها باسم عبد الله بن سبأ، وتارة باسم ابن السوداء، والذي يظهر من كلام عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرْق بين الفِرَق أنهما رجلان لا رجل واحد، بينما يري الأكثر أن عبد الله بن سبأ هو ابن السوداء. كما أن الظاهر مما قاله البلاذري في أنساب الأشراف، والسمعاني في الأنساب، والمقريزي في الخطط والآثار، أن ابن سبأ هو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني الذي كان من رؤساء الخوارج وقُتل معهم في معركة النهروان [382] . والمروي في أكثر الأخبار أنه من يهود اليمن [383] ، إلا أن عبد القاهر [ صفحه 190] البغدادي روي عن الشعبي أنه في الأصل من يهود الحيرة [384] . ثم إن المروي في أكثر الأخبار أيضاً أن عليًّا عليه السلام نفاه إلي المدائن، فلما قُتل علي عليه السلام وبلغه ذلك قال: إن جئتمونا بدماغه في سبعين صُرَّة لم نصدِّق بموته، لا يموت حتي ينزل من السماء ويملك الأرض بحذافيرها [385] . بينما روي في أخبار أُخَر أن عليًّا عليه السلام أحرقه بالنار [386] . والظاهر

من أكثر الأخبار أن سبب نفيه للمدائن هو ادعاء الألوهية في الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، إلا أن ابن عساكر وغيره رووا أن عليًّا عليه السلام نفاه للمدائن لما بلغه أنه كان يقع في أبي بكر وعمر [387] وفي بعضها أنه نفاه لما قال له: أنت دابة الأرض [388] . كما أنهم رووا أنه غلا في علي عليه السلام، فزعم أنه نبي، ثم غلا فيه فزعم أنه إله. بينما رووا أيضاً أنه كان يقول: إنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيًّا، وأن عليًّا عليه السلام هو وصي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنه خير الأوصياء كما أن محمداً صلي الله عليه وآله وسلم خير الأنبياء [389] . الرابع: أن رجلاً أسود مجهولاً من أهل اليمن، لا يُعرف نسبه، يهودي الأصل، حديث عهد بالإسلام، قد أظهر الغلو في علي عليه السلام، كيف تأتَّي له أن يعبث بعقول صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خاصة والناس عامة، فاستطاع أن يؤلِّبهم علي عثمان، حتي انقسموا فيه قسمين: إما خاذل له، [ صفحه 191] أو متحامل عليه؟! ثم كيف تيسَّر له أن يُظهِر في ذلك المجتمع المسلم ما شاء من الآراء الفاسدة والمعتقدات الباطلة، فيجهر بالغلو في علي عليه السلام فلا يعارضه معارض، ولا يردعه رادع؟! من كل ذلك نخلص إلي أن ابن سبأ كان شخصية وهمية اختلقها سيف ابن عمر أو غيره للدفاع عن عثمان من جهة، وللطعن في علي وشيعته من جهة أخري [390] .

لا علاقة بين مذهب الشيعة و عبدالله بن سبأ

وعلي أية حال، فإنا لو سلَّمنا بأن عبد الله بن سبأ كان رجلاً قد عاش في تلك الفترة وكان له أثر سيِّئ في إحداث الفتنة، فإن

مذهب الشيعة الإمامية لا يرتبط به من قريب ولا بعيد، وحسبك دليلاً علي ذلك: 1 _ أنا لا نجد حديثاً واحداً مروياً عنه في كتب الإمامية، ولو كان مذهب الشيعة من صنيعة عبد الله بن سبأ لكانت آثاره وآراؤه وأخباره واضحة جليّة في مذهبهم، وكل ما نسبوه إلي ابن سبأ من عقائد الشيعة ككون عليّ عليه السلام وصي رسول الله، وأنه دابة الأرض، فهو محض افتراء منهم، لتتم لهم هذه الفرية، وتلتئم به هذه الكذبة. 2 _ أن أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام المروية في كتب الإمامية قد [ صفحه 192] وردت بذمِّه ولعنه. فقد روي الكشي بسنده عن هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو يحدِّث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ، وما ادَّعي من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: إنه لما ادَّعي ذلك فيه استتابه أمير المؤمنين عليه السلام فأبي أن يتوب، فأحرقه بالنار. وعن أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادَّعي الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلي الله منهم [391] . 2 _ أن علماء الإمامية نصوا علي كفره وسوء حاله، وإليك بعض أقوالهم: قال العلاَّمة الحلي: عبد الله بن سبأ غالٍ ملعون، حرَّقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنار، كان يزعم أن عليًّا عليه السلام إله، وأنه نبي [392] . وقال الشيخ الطوسي وابن داود: عبد الله بن سبأ الذي رجع إلي الكفر وأظهر الغلو

[393] . وقال أبو عمرو الكشي: كان يدَّعي النبوة وأن عليًّا عليه السلام هو الله، فاستتابه عليه السلام ثلاثة أيام، فلم يرجع فأحرقه بالنار في جملة سبعين رجلاً ادَّعوا فيه ذلك [394] . [ صفحه 193] قال الجزائري: وفي هذه الرحم المشؤومة تخلَّق شيطان الشيعة ووُلد من ساعته، يحمل راية بدعة (الولاية) و(الإمامة) كسيفين مصلتين علي رأس الإسلام والمسلمين.

بيان أن الشيعة لا شيطان لهم و بيان شياطين أهل السنة

والج_واب: أن الشيعة لا شيطان لهم، ولا شيطان لواحد من أئمتهم عليهم السلام، وقصة تخلّق هذا الشيطان الذي ذكره الجزائري أشبه ما تكون بأساطير اليونان القديمة التي لا واقع لها ولا دليل عليها. علي أنَّا لو تأمَّلنا الأحاديث الصحيحة التي يعتقد أهل السنة بمضمونها لوجدناها تدل علي أنهم يعتقدون بأن كل واحد منهم له شيطان يستفزّه ويضلّه. ومن ذلك ما أخرجه مسلم والنسائي وأحمد وغيرهم عن عروة، أن عائشة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم حدَّثتْه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خرج من عندها ليلاً. قالت: فغِرتُ عليه، فجاء فرأي ما أصنع، فقال: ما لكِ يا عائشة؟ أغِرْتِ؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي علي مثلك؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أقد جاءك شيطانك؟ قلت: يا رسول الله، أو معي شيطان؟ قال: نعم. قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم. قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتي أسلم [395] . وأخرج أحمد والهيثمي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم، عن ابن عباس وغيره، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ليس منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الشياطين. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم، ولكن الله [ صفحه 194]

أعانني عليه فأَسلم [396] . ومن هذا الباب ما روي عن أبي بكر أنه قال في خطبته الأولي لما تولَّي الأمر: أما بعد، فإني وُلِّيتُ هذا الأمر وأنا له كاره، ووالله لوددتُ أن بعضكم كفانيه... ألا وإنما أنا بشَر، ولست بخير من أحد منكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإن رأيتموني زغت فقوّموني، واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أُوثر في أشعاركم وأبشاركم [397] . هذا مع أن الله جل شأنه قد قال في كتابه العزيز (ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين) [398] ، وقال (ألم ترَ أنّا أرسلنا الشياطين علي الكافرين تؤزّهم أزّاً) [399] ، وقال (هل أنبِّئكم علي مَن تَنَزَّل الشياطين - تَنَزَّل علي كل أفَّاك أثيم) [400] ، وقال (ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً) [401] . وقول الجزائري: «يحمل راية بدعة الولاية والإمامة كسيفين مصلتين علي رأس الإسلام والمسلمين»

بيان أن الولاية والإمامة من العقائد الإسلامية المؤكدة

عجيب منه، فإن الولاية والإمامة من شعائر الإسلام المؤكدة التي لا تخفي علي أحد. فإن الجزائري إن أراد بالولاية الإمارة فلا يسعه إنكار لزومها، لاتفاق [ صفحه 195] المسلمين علي أنه لا بد لهم من أمير يحفظ الثغور، ويؤمّن السُّبُل، ويقيم الحدود، ويفض المنازعات، وينتصف للمظلوم من الظالم. هذا وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما _ في حديث _ عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن بعضكم علي بعض أمَراء تكرمة الله هذه الأمّة [402] . فإن إمارة بعض المسلمين علي ب_عض مضافاً إلي لزومها وضرورتها فهي مما كرَّم الله به هذه الأمة وشرَّفها به كما يدل عليه هذا الحديث. وأما إذا أراد بالولاية النصرة والمحبة، فيدل علي ثبوتها

قوله تعالي (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) [403] . وإن أراد بالولاية الأولوية بالتصرف، وهو معني الإمامة العظمي والخلافة الكبري، فيدل عليه قوله تعالي (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون - ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) [404] . وقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم في غدير خم: أيها الناس، ألستُ أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه [405] . وأما الإمامة فهي أحد معاني الولاية التي مرَّ بيانها، وهو المعني الأخير لها. وقد أثبتها الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز في آيات كثيرة، فأخبر أنه قد جعل بعض أنبيائه أئمة للناس، إذ قال (قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [406] . [ صفحه 196] وقال عز من قائل (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين - وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [407] . وأخبر جل شأنه أنه جعل للناس أئمة يدعون إلي الحق، فقال (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [408] ، وقال (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) [409] . ثم إن الأحاديث النبوية الدالة علي ثبوت الإمامة أكثر من تُحصر. ومنها: ما أخرجه أحمد والهيثمي والطيالسي وأبو نعيم وابن حجر وابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي والسيوطي وغيرهم، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: الأئمة من قريش [410] .

زعم الجزائري أن الشيعة كفروا الصحابة و كل من يترضي عنهم بسبب الدعوة إلي الولاية

قال الجزائري: وبالدعوة

إلي الولاية كُفِّر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولُعِنوا، وكُفِّر ولُعن كل من يرضي عنهم أو يترضي عليهم من المسلمين. [ صفحه 197]

بيان أن الشيعة لا يكفرون كل من شهد الشهادتين

والج_واب: لقد أوضحنا فيما تقدم عقيدة الشيعة في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبيَّنَّا أنَّا لا نكفِّر أحداً منهم إلا المنافقين الذين كانوا يكيدون للإسلام المكائد، ويدسُّون له الدسائس. وهذه مصنفات علماء الإمامية التي كتبوها عبر العصور تؤكد أن كل من شهد الشهادتين فهو مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، إلا من قامت الأدلة علي كفره كالناصبي والغالي ومن أنكر ضروريًّا من ضروريات الدين.

لا تلازم بين ولاية أهل البيت و تكفير الصحابة، و بيان أن النبي هو أول من دعا إلي الولاية

ثم ما هو التلازم بين الدعوة إلي الولاية أو موالاة علي عليه السلام خاصة وأهل البيت عليهم السلام عامة وبين تكفير أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والحال أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان أول من دعا إليها، حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه [411] . وقال: إن عليَّا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي [412] . وقال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما [413] . وهذا هو معني الولاية التي نعتقد بها، ولا نعني بها شيئاً آخر غير هذا. [ صفحه 198] قال الجزائري: وببدعة الإمامة حيكت المؤامرات ضد خلافة المسلمين، وأُثيرت الحروب الطاحنة بين المسلمين، وسُفكت دماء، وهُدم بناء، وعاش الإسلام مفكك الأوصال، مزعزع الأركان، أعداؤه منه كأعدائه من غيره، وخصومه من المنتسبين إليه كخصومه من الكافرين به.

رد زعمه بأن الشيعة حاكوا المؤامرات ضد خلافة المسلمين

والج_واب: أن الإمامة والخلافة شيء واحد، ولهذا ورد التعبير عن أولي الأمر تارة بالأئمة كما في حديث «الأئمة من قريش»، وتارة بلفظ الخلفاء كما في قوله صلي الله عليه وآله وسلم: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلي اثني عشر خليفة... كلهم من قريش [414] . وعليه، فكيف تكون الإمامة بدعة ولا تكون الخلافة كذلك؟! ثم كيف تحاك المؤامرات بالإمامة ضد الخلافة؟! هذا مع أنا لو سبرنا ما حدث منذ العصر الأول إلي يومنا هذا فإنا لا نجد التاريخ يحدِّث أن ثمة مؤامرات حاكها الشيعة ضد خلافة المسلمين، أو أن حروباً طاحنة أثارها الشيعة قد وقعت بين المسلمين.

وأما أن الإسلام عاش مفكك الأوصال، مزعزع الأركان، فكل ذلك إنما حصَل بسبب ابتعاد المسلمين عن الأخذ بشعائر الإسلام المهمة التي منها اتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام وتقديمهم والتمسك بحبلهم، فإن الناس لما مالوا عنهم إلي غيرهم، وصارت الخلافة العظمي يتداولها الطلقاء وأبناء الطلقاء، وصارت أمور المسلمين بيد كل طامع متغلِّب، آلت الأحوال إلي ما هي عليه الآن. قال الجزائري: علي هذا الأساس أيها الشيعي وُضعت عقائد الشيعة وسُن مذهبها، فكان ديناً مستقلاً عن دين المسلمين، له أصوله ومبادئه وكتابه وسنَّته وعلومه ومعارفه. وقد تقدم في هذه الرسالة مصداق ذلك وشاهده، فارجع إليه وتأمله إن كنت فيه من الممترين.

رد قوله بأن الشيعة لهم دين مستقل عن دين المسلمين

والج_واب: أن الشيعة الإمامية أخذوا عقائدهم من أئمة أهل البيت الذين أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم باتباعهم والتمسك بحبلهم، ونصَّ في أحاديث كثيرة علي أنهم هم الناجون الفائزون دون غيرهم، وقد ذكرنا ما يدل علي ذلك فيما تقدم. وأما أن الشيعة لهم دين مستقل عن دين المسلمين فإثبات ذلك دونه خرط القتاد، والأحاديث المروية عند أهل السنة تكذِّب ذلك، بل تثبت بما لا يدع مجالاً للريب أن الشيعة مسلمون مؤمنون محسنون. فإن تلك الأحاديث دلَّت علي أن الإسلام قد بُني علي خمس كما روي عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: بُني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت [415] . كما دلَّت علي أن الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقَدَر خيره وشرِّه. وأن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك

كما في حديث سؤال جبرئيل عليه السلام الذي [ صفحه 200] تقدَّم ذكره [416] . وأما أصول مذهب الشيعة الإمامية ومبادئه وعلومه ومعارفه فهي معلومة ومبثوثة فيما صنَّفه علماء المذهب قدَّس الله أسرارهم، وهي غير خافية علي الجزائري ولا علي غيره ممن كتب ضد الشيعة. وكان الأجدر بالجزائري الذي يزعم هذا الزعم أن ينقل لقارئه شيئاً من أصول ومبادئ وعلوم مذهب الإمامية التي خالفوا بها قواعد الإسلام، ليتيسَّر له ما يريد، بدلاً من أن يتجشم تكفير الشيعة بلوازم فاسدة، لأحاديث ضعيفة قد حمَّلها من الخيالات والأوهام ما لا تحتمله، ثم نسب ذلك كله إلي الشيعة. قال الجزائري: ولولا القصد السيئ والغرض الخبيث لما كان للولاية من معني يفرق المسلمين، ويبذر الشر والفتنة والعداء فيهم.

بيان أن أهل البيت أمان من الاختلاف

والج_واب: أن ولاية أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت عليهم السلام مضافاً إلي ثبوت وجوبها بالأدلة الصحيحة فهي جامعة لشمل الأمة، عاصمة لهم من الشقاق والافتراق كما دلَّت علي ذلك الأخبار والآثار. ومن ذلك ما أخرجه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس [417] . وعنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان [ صفحه 201] لأمتي [418] . قال الجزائري: إذ المسلمون أهل السنة والجماعة، والذين هم وحدهم يُطلق عليهم بحق كلمة المسلمين، لا يوجد بينهم فرد واحد يكره آل بيت رسول الله.

رد زعمه بأن المسلمين بحق هم أهل السنة وحدهم

والج_واب: أما أن الذين يُطلق عليهم بحق كلمة «المسلمون» هم أهل السنة وحدهم فهذا ادِّعاء محض، لأن لفظ «المسلم» يصح إطلاقه علي كل من شهد الشهادتين، وأظهر شعائر الإسلام، ولم ينكر ضروريًّا من ضروريات الدين. هذا ما دلَّت عليه الأحاديث النبوية ونصَّ عليه أعلام أهل السنة. ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري والنسائي وغيرهما، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلي صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم وعليه ما علي المسلم [419] . قال السندي في حاشيته علي سنن النسائي: قوله «من صلي صلاتنا» أي من أظهر شعائر الإسلام [420] . [ صفحه 202] وأخرج البخاري عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: مَن صلَّي صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذاك المسلم

الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته [421] . فكل من أظهر شعائر الإسلام حُكِم بإسلامه، وحَرُم إيذاؤه بنفي الإسلام عنه، كما قال سبحانه (ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لستَ مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) [422] ، وذلك لأن الإيمان أمر خفي لا يقدر أحد علي الجزم بنفيه.

رد قوله أن أهل السنة لا يوجد فيهم من يبغض أهل البيت

وأما أن أهل السنة لا يوجد بينهم فرد واحد يبغض آل البيت فغير صحيح، لأن كثيراً من علمائهم وإن كانوا يزعمون أنهم يحبّون أهل البيت عليهم السلام إلا أن ما يظهر منهم خلاف ذلك. ويكفي في الدلالة علي ذلك أن علماء أهل السنة حكموا بأن التشيع لأهل البيت منقصة قادحة في وثاقة الراوي، فيضعّفون الرجل لموالاته لأهل البيت عليهم السلام، فيطرحون رواياته، وإن كان صدوقاً ثبتاً، وينبزونه بالرفض، ويصمونه بما لا يحسن من قبيح الصفات، فصار كل من يحبّهم أو يروي فضائلهم، أو ينقل مآثرهم، وينوِّه بذكرهم، أو يفضّلهم علي غيرهم، شيعيًّا مذموماً، أو رافضيًّا خبيثاً، لا حرمة له ولا كرامة.

الامام الشافعي رمي بالتشيع لما تجاهر بحب أهل البيت

حتي أن الإمام الشافعي الذي هو علَم من أعلام أهل السنة وإمام من أئمتهم قد رُمي بالتشيع لما تجاهر بحب أهل البيت عليهم السلام، فقيل له: إن أناساً لا يصبرون علي سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت، فإذا رأوا أحداً يذكر شيئاً من ذلك قالوا: تجاوزوا عن هذا، فهو رافضي. فأنشأ يقول: إذا في مجلسٍ نذكر علياً وابنيهِ وفاطمةَ الزكيَّهْ [ صفحه 203] يُقال: تجاوزوا يا قومُ هذا فه_ذا من حديثِ الرافضيهْ ب_رئتُ إلي المهيمنِ من أناسٍ يرون الرفضَ حبَّ الفاطميهْ [423] . وقيل له: إن فيك بعض التشيع! قال: وكيف؟ قالوا: ذلك لأنك تظهر حب آل محمد. فقال: يا قوم... أليس من الدين أن أحب قرابة رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا كانوا من المتقين، لأنه كان يحب قرابته، وأنشد: يا راكبا قفْ بالمحصَّبِ من مِني واهتفْ بساكنِ خيفِها والناهضِ سحَراً إذا فاضَ الحجيجُ إلي مِني فيضاً كملتطمِ الف_راتِ الفائضِ إن كان رفضاً حُ_بُّ آل محمدٍ فليشهدِ الثقلانِ أني رافضي [424]

. وهناك جمع من الحفَّاظ والرواة والعلماء البارزين من أهل السنّة عُرفوا ببغض أهل البيت عليهم السلام ومعاداتهم لهم. فمن حفاظ الحديث إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: عدَّه الذهبي [425] والسيوطي [426] من حفَّاظ الحديث، وهو من رجال الجرح والتعديل عندهم، روي له أبو داود والترمذي والنسائي، ووثَّقه النسائي والدارقطني وابن حبان، مشهور بالنصب والتحامل علي علي عليه السلام [427] . ومنهم: حريز بن عثمان الحافظ أبو عثمان الرحبي: عدَّه الذهبي [428] والسيوطي [429] وابن العماد الحنبلي [430] من حفَّاظ الحديث، وهو ناصبي [ صفحه 204] معروف، روي له البخاري والأربعة، سُئل عنه أحمد بن حنبل فقال: ثقة ثقة. وقال: ليس بالشام أثبت من حريز. ووثَّقه ابن معين ودحيم وأحمد ابن يحيي والمفضل بن غسان والعجلي وأبو حاتم وابن عدي والقطان. قال ابن المديني: لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثِّقونه. كان يلعن أمير المؤمنين عليه السلام وينتقصه وينال منه. قال ابن حبان: كان يلعن عليًّا بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة [431] . وأما النواصب من رواة الأحاديث فكثيرون: منهم: عبد الله بن شقيق العقيلي، وإسماعيل بن سميع الكوفي الحنفي، والحصين بن نمير الواسطي، وزياد بن جبير بن حية الثقفي البصري، وزياد بن علاقة بن مالك الثعلبي، وعبيد الله بن زيد بن قلابة الجرمي، ومحمد بن زياد الألهاني، ونعيم بن أبي هند الأشجعي، وخالد ابن سلمة بن العاص المعروف بالفأفأ وغيرهم [432] . وأما النواصب من علماء أهل السنة فكثيرون أيضاً، منهم ابن تيمية وابن كثير الدمشقي وابن الجوزي وشمس الدين الذهبي وابن حزم الأندلسي وغيرهم، وهؤلاء وإن نفوا عن أنفسهم النَّصْب إلا أن المتأمل في كتبهم يحصل له الجزم بما قلناه، ولولا خشية الإطالة

والخروج عن موضوع الكتاب لأقمنا الأدلة الواضحة الدالة علي عداوتهم لأهل البيت عليهم السلام من كتبهم ومن أقوال العلماء الآخرين فيهم. قال الجزائري: فلماذا تمتاز طائفة الشيعة بوصف الولاية، وتجعلها هدفاً وغاية، وتعادي من أجلها المسلمين، بل تكفرهم وتلعنهم كما سبق [ صفحه 205] أن عرفت وقدمناه.

رد قول الجزائري بأن الشيعة جعلوا الولاية هدفا يعادون من أجلها المسلمين

والج_واب: أن الولاية وإن كانت من شعائر الإسلام المؤكدة التي دلَّت عليها آيات الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، إلا أن الشيعة لم يجعلوها هدفاً وغاية _ كما زعم الجزائري _ يُعادون من أجلها المسلمين، أو يكفِّرونهم أو يلعنونهم.

حث أئمة أهل البيت شيعتهم علي حسن معاشرة أهل السنة

بل إن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يحثُّون شيعتهم ومواليهم علي حسن الجوار مع أهل السنة وعلي التلطّف في معاشرتهم [433] ، وأحاديثهم في ذلك كثيرة جداً. منها: صحيحة معاوية بن وهب، قال: قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا علي أمرنا؟ قال: تنظرون إلي أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون كما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم [434] . وفي صحيحة زيد الشحام، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إقرأ علي من تري أنه يطيعني ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوي الله عز وجل، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه وآله وسلم. أدّوا الأمانة إلي من [ صفحه 206] ائتمنكم عليها برًّا أو فاجراً، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدَّي الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري. فيسرُّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: هذا أدَب جعفر. وإذا كان علي غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره، وقيل: هذا أدَب جعفر. فوالله لَحدَّثني أبي عليه السلام أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرةَ عنه، فتقول: مَن مثل

فلان؟ إنه لآدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث [435] . وفي خبر أبي علي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لنا إماماً مخالفاً وهو يبغض أصحابنا كلهم. فقال: ما عليك من قوله، والله لئن كنتَ صادقاً لأنت أحق بالمسجد منه، فكن أول داخل وآخر خارج، وأحسن خلقك مع الناس، وقل خيراً [436] .

ان أهل السنة جعلوا موالاة كل الصحابة سببا لتكفير الشيعة

والإنصاف أن أهل السنة هم الذين جعلوا موالاة كل الصحابة سبباً لتكفير كل من لا يري رأيهم، فقد أفتي جمع من أعلامهم بأن كل من كره واحداً منهم أو طعن في روايته فهو كافر. قال ابن حجر بعد أن ساق قوله تعالي (محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم) إلي قوله (ليغيظ بهم الكفار) الآية [437] : ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأن الصحابة يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر. وقال ابن حجر: وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الأية، ومن ثم [ صفحه 207] وافقه الشافعي رضي الله عنه في قوله بكفرهم، ووافقه جماعة من الأئمة [438] . وقال القرطبي: لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردَّ علي الله رب العالمين، وأبطل شرائع الإسلام [439] . أق_ول: إن الإنصاف في هذه المسألة يقتضي الحكم علي كل من قال بعدالة كل الصحابة بأنه قد ردَّ آيات الكتاب العزيز الدالة بأوضح دلالة علي وجود النفاق في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واستفحاله، حتي نزلت فيهم آيات كثيرة بل سورة بكاملها سُمّيت بهم، ولم نعثر علي دليل واحد تام يعدّل كل الصحابة، وكل ما تمسَّكوا به إنما هو

مجرد خيالات واهية وأوهام فاسدة كما هو واضح جلي لكل ذي عينين. وأما هذه الآية فلا تدل علي أن كل من اغتاظ من واحد من الصحابة فهو كافر، وإلا لحكمنا بكفر جمع من الصحابة كانوا يحملون علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ويبغضونه، أمثال معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة، وآخرين لا نود ذكرهم كانوا لا يستطيعون إخفاء بغضهم له عليه السلام حتي في محضر النبي صلي الله عليه وآله وسلم، حتي قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ما تريدون من علي؟ إن عليًّا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. بل ظاهر الآية أن صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم _ بنحو العموم المجموعي _ يغيظ الله بهم الكفار، لا بنحو العموم الأفرادي، يعني أن الله سبحانه قد أغاظ الكفار بصحابته صلي الله عليه وآله وسلم بما هم مجموع، لا بكل فرد منهم، فإن بعضهم كما هو معلوم لم يُغظ واحداً من الكفار، ولا سيما بعض من صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد فتح مكة. [ صفحه 208] ولو سلَّمنا أن الآية تدل علي هذا المعني، فهي لا تدل علي أن كل من أغاظوه أو اغتاظ منهم فهو كافر، وهذا واضح لا يحتاج إلي مزيد بيان. قال الجزائري: والإمامة أيضاً: أليس من السخرية والعبث أن يترك الإسلام للمسلمين أمر اختيار مَن يحكمهم بشريعة الإل_ه ربهم وهدي نبيّهم، فيختارون مَن شاؤوا ممن يرونه صالحاً لإمامتهم وقيادتهم بحسب كفاءته ومؤهلاته، فتقول جماعة الشيعة: لا، لا، يجب أن يكون موصي به، منصوصاً عليه، ومعصوماً ويوحي إليه، ومتي يجد المسلمون هذا الإمام؟ أمن أجل هذا تنحاز

الشيعة جانباً تلعن المسلمين وتعاديهم؟!

رد قوله بأن الله جعل الخلافة شوري، و بيان بطلان الشوري في الخلافة

والج_واب: أن الله سبحانه لم يجعل الخلافة شوري، ولم يترك للمسلمين أمر اختيار مَن يحكمهم، بل اختار لهم الأصلح لهم في دينهم ودنياهم. ويدل علي بطلان الشوري في الخلافة أمور: 1 _ أن الشوري تسبِّب الاختلاف والتنازع، وهذا ما وقع بين المسلمين في سقيفة بني ساعدة، واستمر الخلاف بسبب ذلك إلي يومنا هذا، مع أن من غايات الشارع المقدس إغلاق كل باب يؤدي إلي النزاع، وسد كل ثغرة تؤدي إلي الخلاف. وعليه، فلا يمكن أن يفتح الله للمسلمين باباً يؤدي إلي الفرقة مع إمكان النص علي الخليفة الذي تجتمع عليه الأمة، وتتَّحد به الكلمة. 2 _ أن منصب الخلافة الكبري والإمامة العظمي من أهم المناصب الدينية التي تترتب عليها أعظم المصالح وأشد المفاسد، فلا يصح إيكالها إلي الناس الذين لا يعلمون بخفايا النفوس ولا خبايا القلوب، إذ لا يؤمن حينئذ [ صفحه 209] من اختيار أهل الشقاق والنفاق خلفاء علي المسلمين وأئمة للمؤمنين، فيحرِّفون الكتاب، ويبدِّلون السنَّة، ويحرِّمون الحلال، ويحلِّلون الحرام، ويتَّخذون عباد الله خِوَلاً، ومال المسلمين دِوَلاً. 3 _ أن الشوري مبتنية علي اختيار الأكثر، والله سبحانه لم يجعل ذلك علامة علي الحق، بل ذمَّ الكثرة في آيات كثيرة من كتابه العزيز، فقال جل شأنه (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله إن يتَّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) [440] وقال (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) [441] وقال (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [442] ، وقال (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [443] . وأما قوله تعالي (وشاورهم في الأمر) [444] وقوله (وأمرهم شوري بينهم) [445] فلا يراد بهما الشوري في الخلافة،

وإلا لكان علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يشاور أصحابه في اختيار الخليفة من بعده، مع أنه لم يصدر منه ذلك بالاتفاق، وإنما كان يشاور أصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب ونحوها. قال ابن كثير: كان صلي الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها [446] . وقال الفخر الرازي: قال الكلبي وكثير من العلماء: هذا الأمر _ أي [ صفحه 210] في (وشاورهم) _ مخصوص بالمشاورة في الحروب [447] . وقال القرطبي: وقد كان يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب [448] . ثم إن أهل السنة صحَّحوا خلافة عمر مع أنها لم تكن بمشورة من المسلمين، وإنما كانت بنصٍّ من أبي بكر. والحاصل أن مسألة الشوري لا دليل صحيح يدل علي أنها من شرائع الإسلام، ولو كانت كذلك لبُيِّنت أحكامها وحدودها، فإن أهم أُسُسها _ وهو مَن يدخل في الشوري ومَن لا يدخل _ اختلف علماء أهل السنة فيه علي أقوال كثيرة [449] ، فكيف بسائر أحكامها؟! وهذا دليل واضح علي أن مسألة الشوري في اختيار الخلفاء إنما وضعها الناس من عند أنفسهم. ولهذا قال القرطبي: وقد جعل عمر رضي الله عنه الخلافة _ وهي أعظم النوازل _ شوري [450] .

بيان اشتراط العصمة في إمام المسلمين

أما أن الإمام يجب أن يكون معصوماً فلأن غير المعصوم ظالم لنفسه لوقوع المعاصي منه، وكل من وقعت منه معصية فهو ظالم لنفسه علي الأقل، فلا يصلح للإمامة العظمي، لقوله جل وعلا (قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [451] . ثم إن غير المعصوم لا يُوثق بصحة قوله، ويُشَك في نفاذ أمره وحكمه، [ صفحه 211] لاحتمال خطئه ونسيانه وغفلته وجهله وتعمده للكذب، فلا

يتوجه الأمر بطاعته مطلقاً في قوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [452] مع أن الله سبحانه ساوي في هذه الآية بين طاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر _ وهم الأئمة عليهم السلام _ وذلك لانتفاء الخطأ في الكل، وقد تقدّم بيان ذلك مفصَّلاً. هذا مضافاً إلي أن الإمامة العظمي والخلافة الكبري التي يتوقف عليها بقاء الدين واستقامة أمور المسلمين لا يصح أن توكل إلي إمام يصيب ويخطئ، ويحكم في القضية بحكم ثم ينقضه، ويفتي في المسألة بفتوي ثم يبدّلها، فينمحق الدين وتتبدَّل أحكام شريعة سيد المرسلين مع توالي الأئمة وتطاول الأزمنة. لأجل ذلك كله وجب أن يكون إمام المسلمين معصوماً منصوصاً عليه.

بيان أن النبي نص علي أئمة أهل البيت

أما متي يجد المسلمون هذا الإمام؟ فالجواب أنه موجود، والنبي صلي الله عليه وآله وسلم نص علي الأئمة من بعده، فبيَّن أنهم من أهل بيته حيث قال: إني تارك فيكم الثقلين: «كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً». وبيَّن المراد بأهل بيته فيما أخرجه مسلم عن عائشة، قالت: خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعليه مِرْط مرحَّل من شَعر أسوَد، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) [453] . [ صفحه 212] وبيَّن أن الأئمة من بعده اثنا عشر، فقال: لا يزال الإسلام عزيزاً إلي اثني عشر خليفة... كلهم من قريش. وبيَّن أن هؤلاء الأئمة هم الذين اجتمعت الأمّة علي صلاحهم وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، إذ قال في بعض الطرق الصحيحة: كلهم تجتمع عليه الأمة

[454] . ومن ذلك كله يتضح أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نص علي الأئمة من بعده، فذكر عددهم وأوصافهم التي لا تنطبق إلا علي أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام. هذا مع أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب قبل موته كتاباً يبيِّن فيه الخلفاء من بعده، فأمر بإحضار دواة وكتف، فعلم القوم بغرضه، فحالوا بينه وبين كتابة ذلك الكتاب، وقد مرَّ بيان ذلك، فراجعه. فإذا كانوا قد تجَّرأوا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فحالوا بينه وبين كتابة أسماء الخلفاء، فجرأتهم من بعده علي جحد النصوص الكلامية سهلة ومتوقعة، إلا أن ما بقي من النصوص فيه غنيً وكفاية لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. قال الجزائري: أيها الشيعي اعلم أنك مسؤول عن نجاة نفسك ونجاة أسرتك، فابدأ بإنقاذهما من عذاب الله، واعلم أن ذلك لا يكون إلا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، وأن الإيمان الصحيح كالعمل الصالح لا [ صفحه 213] تجدهما إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنك _ وأنت محصور في سجن المذهب الشيعي المظلم _ لا يمكنك أن تظفر بمعرفة الإيمان الصحيح ولا العمل الصالح إلا إذا فررت إلي ساحة أهل السنة والجماعة، حيث تجد كتاب الله خالياً من شوائب التأويل الباطل، الذي تعمّده المغرضون من دعاة الشيعة للإضلال والإفساد.

رد قوله بأن الإيمان الصحيح لا يكون إلا باتباع أهل السنة

والج_واب: أما أن المرء لا يمكنه أن يظفر بالإيمان الصحيح والعمل الصالح إلا إذا فرَّ إلي ساحة أهل السنة والجماعة فهذا ادِّعاء محض، يدَّعيه أهل السنة ويدَّعي مثله غيرهم، لأن (كل حزب بما لديهم فرحون) وبما عندهم راضون. وساحة أهل السنة التي ذكرها رأيناها بعد مزيد

الفحص والتتبُّع جدباء مقفرة، فيها ظلمات بعضها فوق بعض.

بيان أن أئمة مذاهب أهل السنة طعن بعضهم في بعض

ثم إن أهل السنة أنفسهم اختلفوا إلي مذاهب عديدة يطعن بعضهم في بعض، ولو أردنا أن نستقصي هذه الطعون لملأنا الصحف والطوامير، إلا أنا نذكر يسيراً يغني عن كثير: ومن ذلك ما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن أبي بكر بي أبي داود السجستاني أنه قال يوماً لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من هذه. فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا علي ضلال أبي حنيفة [455] . وقال الأوزاعي وحماد وسفيان الثوري وابن عون: ما وُلد مولود في [ صفحه 214] الإسلام أضر علي الإسلام من أبي حنيفة [456] . وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن ابن معين قال: كان مالك يتكلم في سعد سيد من سادات قريش. وقال: إنما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسَب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثَبْتٌ لا شك فيه. قال ابن حجر: يقال إن سعداً وعظ مالكاً، فوجد عليه فلم يروِ عنه [457] . وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: قال سلمة بن سليمان لابن المبارك: وضعتَ من رأي أبي حنيفة، ولم تضع من رأي مالك؟ قال: لم أره علماً [458] . وقال: وقد تكلم ابن أبي ذؤيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره، وهو مشهور عنه... وكان إبراهيم بن سعد يتكلم فيه ويدعو عليه، وتكلم في مالك أيضاً _ فيما ذكره

الساحي في كتاب العلل _ عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن إسحاق وابن أبي يحيي وابن أبي الزناد، وعابوا عليه أشياء من مذهبه، وتكلم فيه غيرهم... وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسَداً لموضع إمامته، وعابه قوم في إنكاره المسح علي الخفين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، ونسبوه في ذلك إلي ما لا يحسن ذكره [459] . وقال أيضاً في نفس المصدر: ومما نقم علي ابن معين وعيب به قوله في الشافعي: إنه ليس بثقة. وقال: قد صح عن ابن معين أنه كان يتكلم في الشافعي. إلي غير ذلك مما يطول ذكره، فراجع إن شئت كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر [460] ، فإنه ذكر شيئاً كثيراً من هذه النظائر. وبعد هذا كله، نسأل الجزائري: أي ساحة من هذه الساحات هي التي نظفر فيها بمعرفة الإيمان الصحيح والعمل الصالح؟! إن الأدلة الصحيحة الثابتة _ وهي الكتاب والسنة المتواترة _ التي يلزمنا الرجوع إليها لمعرفة الطريق الذي نسلكه والمذهب الذي نتَّبعه، كلها ترشد إلي اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم. وأما مذاهب أهل السنة فما أمر الله ولا رسوله صلي الله عليه وآله وسلم باتباعها والأخذ منها، وما أحسن قول الشاعر: قال الشريفُ الفاطم_ي أحمدُ أَبدأُ باس_م الله ثم أَحمَ_دُ مصلِّياً علي النبي المرسَلِ مدينةِ العل_مِ وبابِها علي وأهلِ بيتِ الوحيِ والتنزي_لِ ومعدَنِ الحكم_ةِ والتأويلِ بعدُ: فهاك ما عن المخت_ارِ مضمونَ ما شاع من الأخبارِ تفترقُ الأمَّةُ بعدما ضحي ظِل النبيِّ فِرَقاً لن تب_رح_ا واحدةٌ ناجي_ةٌ والباقي_هْ هالكةٌ وفي الجحي_مِ هاوي_هْ فاصغِ لما أقول يا عمروُ فما تقول

في آلِ النبيِّ الكُرم_ا؟ هل هلكوا؟! أَستغفرُ الله وقدْ قام لفسط_اط الهدي بهم عَمَدْ لا بل نجوا ومَن عداهم هلكوا ونح_ن ممن بهمُ تمسَّكوا وقد أخذنا قولَه_م ففزن_ا وعن سوي آل النبي جزنا [ صفحه 216] متَّخذي_ن مذهب الأطائ_بِ من آلِه لا سائ_رَ المذاهبِ فمَذهب الصادق [461] خي_رُ مذهبِ وهو وبيتِ اللهِ أولي بالنبي وما أخذتم منه_مُ وعنه_مُ بل اتَّبعتم مَ_ن همُ دونَه_مُ حتي انته_ي الأم_رُ إلي التقليد في شرائع الدين القويم الحنفي قلَّدت_مُ النعم_ان أو محمدا أو مالكَ بنَ أنسٍ أو أحمدا [462] . فهل أتي الذِّكْرُ ب_ه أو وصَّ_ي به النب_يُّ أو وج_دتم نصَّا؟! [463] .

رد زعمه بأن أهل السنة عندهم كتاب الله خاليا من التأويل الباطل و بيان تأويلات أهل السنة المخالفة لأحاديثهم الصحيحة

وأما زعمه أنا نجد عند أهل السنة كتاب الله خالياً من شوائب التأويل الباطل فغير صحيح، لأن كل متأمل فيما كتبه علماء أهل السنة في تفسير القرآن الكريم يجد أنهم يصرِفون أكثر الآيات النازلة في أهل البيت عامة وفي علي عليه السلام خاصة إلي غيرهم، أو يؤوِّلونها بما يخرجها عن أن تكون فضيلة خاصة بهم.

تأويلهم لآية التطهير

فصرفوا آية التطهير _ وهي قوله تعالي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً) _ عن أصحاب الكساء، وزعموا نزولها في نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم خاصة، أو فيهن وفي علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، مع أن الأحاديث الدالة علي أن المراد بأهل البيت في الآية هم علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام كثيرة جداً [464] . منها: ما أخرجه الترمذي وصحَّحه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في سُننه من طُرُق [465] ، عن أم سلمة قالت: [ صفحه 217] في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين، فجلَّلهم رسول الله بكساء كان عليه، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهِبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً.

تأويلهم لآية الولاية

والتجلُّل بالكساء يدل علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أراد أن يبيِّن أن الذين أذهب الله عنهم الرجس هم هؤلاء الخمسة دون نسائه صلي الله عليه وآله وسلم ومنهن أم سلمة التي وقعت الحادثة أو نزلت هذه الآية في بيتها، ولهذا جذب النبي صلي الله عليه وآله وسلم الكساء من يدها لما أرادت أن تدخل معهم، ومنعها من ذلك، وقال لها: أنت علي خير، أنت علي خير [466] . ولولا دلالة التجلُّل بالكساء علي ذلك لكان هذا الفعل عبثاً لا يليق بأدني الناس فضلاً عن سيد الأنبياء والمرسلين. وكذلك صرفوا قوله تعالي (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [467] عن أمير المؤمنين عليه السلام، فزعموا أن المراد ب_ (الذين أمنوا) هم المؤمنون عامة، مع أنهم رووا الأحاديث الكثيرة الدالة علي نزول هذه الآية

في علي عليه السلام لما تصدَّق بخاتمه في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [468] . والولي هنا لا يصح أن يكون بمعني الناصر والمحب، بل هو بمعني الأولي بالتصرّف، لأن الولاية لو كانت بمعني النصرة والمحبة لكانت عامة للمؤمنين، [ صفحه 218] لقوله تعالي (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) [469] مع أن الآية نزلت في علي عليه السلام كما دلَّت عليه الأحاديث الكثيرة. مضافاً إلي أن الآية حصرت الأولياء في ثلاثة، وهم: الله، ورسوله، والمؤمنون المتصفون بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم راكعون. وعموم المؤمنين لم يتصفوا بهذه الصفات، وهذا يدلّ بوضوح علي أن المراد بالذين آمنوا في الآية بعض المؤمنين لا كلهم. ومن هذا البيان يتضح أن معني هذه الآية هو معني قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بيَّن المراد بالمولي بقوله قبل ذلك: أيها الناس، ألستُ أولي بكم من أنفسكم؟ وقد تقدَّم بيان ذلك مكرراً.

تأويلهم لآية المودة

وكذلك صرفوا قوله تعالي (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي) [470] عن آل البيت عليهم السلام، وزعموا أن النبي سأل قريشاً أن يودُّوه لأجل القربي التي بينه وبينهم، أو أنه صلي الله عليه وآله وسلم سأل الناس عامة أن يودُّوا قراباتهم، مع أن الأحاديث المؤكَّدة علي لزوم مودّة أهل البيت عليهم السلام أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تُذكر. منها: ما أخرجه مسلم عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم غدير خم: أُذكِّركم الله في أهل بيتي [471] . وأخرج الترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم والهيثمي وغيرهم، أن [ صفحه 219] رسول الله صلي الله

عليه وآله وسلم قال: لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتي يحبّكم لله ولقرابتي [472] . وأخرج الترمذي عن ابن عباس، أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أحِبُّوا الله لما يغذُوكم بنِعَمه، وأحبّوني بحب الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي [473] . هذه نماذج من تأويل علماء أهل السنة لآيات الكتاب العزيز التي صرفوها عن المراد بها إلي ما يوافق عقيدتهم وإن خالفوا الأحاديث الصحيحة التي يروونها في كتبهم المعتمدة.

بيان أن أهل السنة لم يفهموا بعض الآيات فوقعوا في التجسيم

ولعل الجزائري أراد بالتأويل الباطل الذي تبرَّأ منه هو تأويل بعض الآيات القرآنية التي اشتملت علي نسبة اليد أو الوجه أو الأعين أو الساق أو ما شاكل ذلك إلي الله جل شأنه، فإن الشيعة الإمامية أوَّلوا هذه الآيات بالمعاني المناسبة لها الدالة علي تنزيه الله سبحانه عن أن يكون له أجزاء أو أعضاء كأعضاء الآدميين. أما أهل السنة _ وبالأخص الحنابلة منهم _ فإنهم نظروا في الآيات التي ورد فيها ذكر ذلك فحملوها علي معانيها الحقيقية، فأثبتوا لله يداً ووجهاً وساقاً وعيناً تليق بجلاله في زعمهم. قال السفاريني: وجب أن يُحمَل الوجه في حق الباري علي وجه يليق به، وهو أن يكون صفة زائدة علي تسمية قولنا ذات [474] . وقال أبو الحسن الأشعري: مَن سأَلَنا فقال: أتقولون إن لله سبحانه وجهاً؟ قيل له: نقول ذلك خلافاً لما قاله المبتدعون، وقد دل علي ذلك [ صفحه 220] قوله عز وجل (ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام)... فإن سُئلنا: أتقولون إن لله يدَيْن؟ قيل: نق_ول ذلك، وقد دلَّ عليه قوله عز وج_ل (يد الله فوق أيديهم) وقوله عز وجل (لما خلقت بيدي) [475] . وقال: إن معني قوله (بيدي) إثبات يدين ليستا

جارحتين ولا قُدرتين ولا نعمتين، ولا يوصفان إلا بأنهما يدان ليستا كالأيدي، خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة [476] . وقال السفاريني: مذهب السلف والأئمة الأربعة وبه قال الحنفية والحنابلة وكثير من الشافعية وغيرهم هو إجراء آيات الصفات وأحاديثها علي ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها [477] . أقول: إن إثبات اليد والوجه والساق وغيرها لله تعالي هو عين التشبيه والتكييف، فإن اليد وإن اختلفت صُوَرها إلا أن حقيقتها واحدة، ولولا ذلك لما سُمّيتْ يداً، وكذلك الوجه والساق والعين وغيرها، فأهل السنة شبهوا الله بخلقه، وجعلوه جسماً وإن نفوا عنه الجسمية، فإنهم ينفون التسمية، ويثبتون الماهية. وقد وجدتُ كلاماً يناسب المقام لتاج الدين السبكي في الرد علي أستاذه الحافظ شمس الدين الذهبي الذي حاول الغضَّ من أبي الحسن الأشعري في ترجمته له في كتابه تاريخ الإسلام، فقال مخاطباً له: وأما إشارتك بقولك «ونبغض أعداءك» إلي أن الشيخ من أعداء الله، وأنك تبغضه، فسوف تقف معه بين يدي الله تعالي، يوم يأتي وبين يديه طوائف العلماء من المذاهب الأربعة، والصالحين من الصوفية، والجهابذة الحفَّاظ المحدّثين، وتأتي أنت تتسكَّع في ظُلَم التجسيم الذي تدَّعي [ صفحه 221] أنك بريء منه، وأنت من أعظم الدعاة إليه، وتزعم أنك تعرف هذا الفن وأنت لا تفهم فيه نقيراً ولا قطميراً، وليت شعري مَن الذي يصف الله بما وصف به نفسه؟ مَن شبَّهه بخَلْقه، أم من قال: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)؟! [478] . قال الجزائري: وتجد السنة النبوية خالية من الكذب والتشيُّع، وبذلك يمكنك أن تفوز بالإيمان الصحيح والعقيدة الإسلامية السليمة، وبالعمل الصالح الذي شرعه الله تعالي لعباده يزكّي به أنفسهم، ويعدهم به للفوز والفلاح.

رد زعمه أن السنة النبوية عند أهل السنّة خالية من الكذب، و بيان أن صحاحهم مملوءة بالأحاديث المكذوبة

والج_واب: أن صحاح أهل

السنة وكتبهم الحديثية والكلامية مملوءة بالأحاديث الكثيرة المكذوبة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، الدالة علي ما يخالف آيات الكتاب العزيز، وما لا يصح شيء منه في دين الإسلام. وهي أحاديث كثيرة لا يسعنا استقصاؤها في هذا الكتاب، إلا أنا نذكر منها ما يدل علي بطلان قوله وفساد زعمه، ونكتفي بذكر طائفتين من تلكم الأحاديث.

الاحاديث التي نسب فيها إلي الله ما لا يليق به

الطائفة الأولي: ما نسَبَتْ إلي الله جل شأنه ما لا يليق به. منها: ما دل علي أن لله صورة كصورة آدم عليه السلام: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: خلق الله آدم علي صورته، طوله ستون ذراعاً... [479] . [ صفحه 222] وأخرج مسلم في الموضع نفسه عن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم علي صورته. قال السيد عبد الحسين شرف الدين أعلي الله مقامه: وهذا مما لا يجوز علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولا علي غيره من الأنبياء ولا علي أوصيائهم عليهم السلام. ولعل أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الإصحاح الأول من إصحاحات التكوين من كتاب اليهود _ العهد القديم _، وإليك نصها بعين لفظه، قال: فخلق الله الإنسان علي صورته، علي صورة الله خلَقه ذكراً وأنثي خلَقهم [480] . ومنها: ما دل علي أن لله أصابع: فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله رضي الله عنه، قال: جاء حَبر من الأحبار إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: يا محمد، إنّا نجد أن الله يجعل السماوات علي

إصبع، والأرضين علي إصبع، والشجر علي إصبع، والماء والثري علي إصبع، وسائر الخلائق علي إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلي الله عليه وسلم حتي بدَت نواجذه تصديقاً لقول الحَبر، ثم قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالي عما يشركون) [481] . ومنها: ما دل علي أن لله قدماً: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس، عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: لا تزال جهنم يُلقي فيها وتقول: هل من مزيد. حتي يضع رب العزة فيها قدَمه، فينزوي بعضها إلي بعض، وتقول: قَط قَط، بعزّتك وبكرمك [482] . [ صفحه 223] وفي رواية أخري: فأما النار فلا تمتلئ حتي يضع رِجله، فتقول: قَط قَط قَط. فهنالك تمتلئ ويُزوي بعضها إلي بعض [483] . ومنها: ما دلَّ علي أن الله علي صورة الآدميين وأن صورته تتبدَّل وتتغير: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة حديثاً طويلاً رواه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال فيه: يجمع الله الناس فيقول: مَن كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقي هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربّنا. فيتبعونه [484] .

الاحاديث التي نسبت إلي النبي ما لا يليق به

الطائفة الثانية: ما نسبت إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما لا يليق به. منها: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قدَّم لغيره

طعاماً ذُبح علي الأنصاب: فقد أخرج البخاري عن سالم أنه سمع عبد الله يحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدَح، وذاك قبل أن يُنَزَّل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الوحي، فقدَّم إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سفرة فيها لحم، فأبي أن يأكل منها، وقال: إني لا آكل مما تذبحون علي أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكر اسم الله عليه [485] . [ صفحه 224] ومنها: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم همَّ بالصلاة جُنُباً: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أنه قال: أُقيمت الصلاة وعُدّلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنُب، فقال لنا: مكانكم. ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبَّر فصلّينا معه [486] . ومنها: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يغضب ويسب ويلعن بغير حق: فقد أخرج مسلم عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رجلان فكلّماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبَّهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله مَن أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان. قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما. قال: أوما علمتِ ما شارطتُ عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشَر، فأي المسلمين لعنتُه أو سببتُه فاجعله له زكاة وأجراً. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: اللهم إنما أنا بشَر، فأيما رجل من المسلمين سببتُه أو لعنتُه أو جلدتُه فاجعلها له زكاة ورحمة [487] . ومنها: أن النبي يبول قائماً: فقد

أخرج البخاري ومسلم عن حذيفة، قال: أتي النبي صلي الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ [488] . ومنها: أن النبي أبدي عورته أمام الناس: فقد أخرج البخاري [ صفحه 225] ومسلم _ واللفظ له _ عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمُّه: يا ابن أخي، لو حللتَ إزارك فجعلته علي منكبك دون الحجارة. قال: فحلَّه فجعله علي منكبه، فسقط مغشياً عليه، قال: فما رؤي بعد ذلك اليوم عرياناً [489] . ومنها: أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يسمع الغناء: فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان في أيام مني، تدفِّفان وتضربان والنبي صلي الله عليه وآله وسلم مُتَغَشٍّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد. وتلك الأيام أيام مني [490] . ومنها: أن النبي في رأسه قمل، وتفليه امرأة أجنبية: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس، قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يدخل علي أم حَرَام بنت مِلحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه... [491] . ومنها: أن النبي لا يغسل ثيابه من المني: فقد أخرج مسلم عن عائشة في المني قالت: كنت أفركه من ثوب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [492] . [ صفحه 226] وفي رواية أخري، قالت: لقد رأيتني وإني لأحكُّه من ثوب رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم يابساً بظفري [493] . وفي رواية ثالثة، قالت: إن كنت لأفرك المني من ثوب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم يصلي فيه [494] . ومنها: أن النبي كلما أبطأ عنه الوحي أراد أن يقتل نفسه: فقد أخرج البخاري وأحمد وغيرهما، عن عائشة _ في حديث طويل _ قالت: وفَتَر الوحي فترة حتي حزن النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيما بلَغَنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردَّي من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفي بذِروة جبل لكي يلقي نفسه تبدَّي له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه، وتقر عينه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفي بذروة جبل تبدَّي له جبريل فقال مثل ذلك [495] . هذا غيض من فيض، ولو أردنا أن نستقصي ما روي في كتب أهل السنة من أمثال هذه الأحاديث الباطلة لطال بنا المقام، ولخرجنا بذلك عن موضوع الكتاب، إلا أن فيما ذكرناه غنيً وكفاية [496] .

بيان أن أحاديث أهل السنة دلت علي أنهم ضيعوا كل شيء من الدين حتي الصلاة

ثم كيف نجد السنة النبوية الصحيحة عند أهل السنة وهم يروون بأنهم ضيَّعوا كل شيء كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي الصلاة. فقد أخرج البخاري وغيره عن الزهري أنه قال: دخلتُ علي أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه [ صفحه 227] الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ. وفي رواية أخري قال: ما أعرف شيئاً مما كان علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم. قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها؟! [497] . وكيف نجد هذه السنَّة النبوية الصحيحة خالية من

الكذب مع أن أبا حنيفة _ كما قيل _ لم يصح عنده إلا سبعة عشر حديثاً أو نحوها، ولم يصح عند الإمام مالك بن أنس إلا ما في الموطَّأ فقط، وغايتها ثلاثمائة حديث أو نحوها [498] . هذا مضافاً إلي أن أهل السنة قد تفرَّقوا إلي مذاهب كثيرة، واختلفوا في أكثر المسائل إلي أقوال عديدة، فأين كانت هذه السنة الصحيحة الخالية من الكذب التي يلزمهم الرجوع إليها لرفع ذلك الخلاف الحاصل بينهم؟!

بيان أن كل إمام من أئمة أهل السنة له فتاوي عيب بها

ثم إنك لا تجد إماماً من أئمتهم إلا وله فتاوي غريبة وأقوال عجيبة مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. وما أحسن قول الزمخشري: إذا سألوا عن مذهبي لم أبُحْ به وأكتمُ_هُ كتمانُ_هُ لي أسلَ_مُ فإن حنفيًّا قلتُ قالوا بأنني أبيح الطلا وهو الشرابُ المحرَّمُ وإن مالكيًّا قلتُ قالوا بأنن_ي أبيحُ لهم أكلَ الكلابِ وهمْ ه_مُ وإن شافعيًّا قلتُ قالوا بأنن_ي أبيحُ نكاح البنتِ والبنتُ تح_رمُ وإن حنبليًّا قلتُ قالوا بأنن_ي ثقيلٌ حلولي بغي_ضٌ مجسِّمُ [ صفحه 228] وإن قلتُ من أهلِ الحديثِ وحزبِهِ يقول_ون تَيْسٌ ليس يدري ويفهمُ [499] . وقال ابن الحجاج: الشافعيُّ من الأئمةِ قائ_لٌ اللعْبُ بالشطرنجِ غيرُ حرامِ وأبو حنيفةَ ق_الَ وهو مصدَّق فيما يبلِّغُه منَ الأحك_امِ شُرْبُ المثلّثِ والمنصَّفِ جائز فاشرب علي طرَبٍ من الأي_امِ وأباحَ مالك الفُقاعَ تطرّق_اً وبه قوامُ الدينِ والإس_لامِ [500] . والحَبْرُ أحمدُ حلَّ جَلْدَ عميرة [501] وبذاك يُستغني عن الأرحامِ فاشرب ولُط وازنِ وقامرْ واحتجِجْ في كل مسألةٍ بقول إم_امِ قال الجزائري: واعلم أخيراً أني لم أتقدم إليك بهذه النصيحة طمعاً فيما عندك، أو عند غيرك من بني الناس، أو خوفاً منك أو من غيرك من البشر، كلا والله،

وإنما هو الإخاء الإسلامي وواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، هذا الذي حملني علي أن أقدم إليك هذه النصيحة، راجياً من الله تعالي أن يشرح صدرك لها، وأن يهديك بها إلي ما فيه سعادتك في دنياك وآخرتك، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

بيان أن الشيعة لا يردون النصيحة الصادقة

وأق_ول: لقد اتضح للقارئ العزيز أن كل ما أورده الجزائري في هذا الكتيِّب مما أطلق عليه حقائق لا يعدو أن يكون اتهامات باطلة وادعاءات فاسدة. والظاهر أن هذا الكتيِّب قد أبرز رغبة في نفس الجزائري لتكفير الشيعة [ صفحه 229] الإمامية، فأظهر هذا التكفير في صورة نصيحة منمَّقة، وتظاهر بأنه مشفق علي الشيعة حريص علي هدايتهم، إلا أن فلتات لسانه قد فضحته، فبدا لكل ذي عينين بادي العورة، منكشف السريرة، قد باء بالخيبة والخذلان، ورجع بالحسرة والخسران. ومن الغريب أنه في الوقت الذي يُكفِّر فيه الشيعة ويخرجهم من دائرة المسلمين، يذْكر أن الذي حداه لهذه النصيحة هو الإخاء الإسلامي وواجب النصيحة للمسلمين، فما أبعد ما بين حكمه علي الشيعة بأنهم كفَّار، وبين اعتبارهم إخوة مسلمين تجب عليه نصيحتهم. وعلي كل حال، فإن الشيعة لا يردُّون النصيحة الصادقة، ولا يأبون سماع وأخذ الحقيقة، ولا يرفضون الأخوة الإسلامية، ولكن يردُّون الإتهامات الباطلة، والإفتراءات الكاذبة، ويمقتون إلباس الحق بالباطل والصدق بالكذب، وتسمية الفرية حقيقة، والغش نصيحة، والباطل هداية. هذا تمام ما تيسَّر لي كتابته في الرد علي ما كتبه أبو بكر الجزائري في كتيّبه الذي أسماه «هذه نصيحتي إلي كل شيعي»، ولولا خشية الإطالة لأشبعت الجواب عن كل مسألة ذكَرها بأكثر مما صنعت، إلا أن فيما ذكرته من الردود غنيً وكفاية لكل طالب للحق راغب فيه. [ صفحه 233]

هذه نصيحتي للجزائري و غيره

هذه نصيحتي نصيحتي للجزائري أن يقرأ كتابي هذا قراءة متأمِّل منصف، ليري أن حق_ائقه قد تهدَّمت أركانها، وصارت خاوية علي عروشها، وما كانت إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً حتي إذا جاءه لم يجده شيئاً. وليعلم أنه قد أذنب ذنباً فاحشاً، وارتكب موبقة عظيمة بكتابة هذا الكتيِّب، لأنه

ألْبَسَ الحق بالباطل، ونصر الباطل وخذل الحق، وكفَّر ط_ائفة كبيرة م_ن طوائف المسلمين بغير ح_ق، ونسَب إليهم م_ا هم بُرآء منه، واتَّهم شيعة أهل البيت عليهم السلام بأنهم يريدون تقويض الإسلام عدوِّ المجوسية واليهودية، وزعم أن مذهب أهل البيت عليهم السلام مذهب هدَّام مظلم، فظَلَمَهم سلام الله عليهم أيَّ ظلم، وجارَ علي شيعتهم ومحبّيهم أيَّ جور. فليستغفر الله من ذنبه العظيم، وليكفِّر عن خطيئته، وليرجع إلي ما كتبه في ذلك فيضرب عليه بالقلم، وليكتب في نقضه ما يكون لله فيه رِضا وللناس فيه صلاح وفائدة. وأرجو ألا يكون قد ضلَّ بكتابه واحد من جُهَّال الشيعة، أو شكَّ مؤمن بسببه في إيمانه، أو جزَم مبطل بسببه بباطله، فإنه إن وقع ذلك كان الجزائري من الهالكين. وآمُل منه _ كما آمل من كل كاتب من كتَّاب أهل السنة _ ألا يكتب إلا ما به تجتمع الكلمة، وتأتلف الفرقة، وتطيب النفوس، وتبرأ الكلوم، [ صفحه 234] وتزول الضغائن والأحقاد، فنحن المسلمين اليوم أحوج ما نكون للألفة، ونبذ الاختلاف والفرقة، فإن أعداء الإسلام يتربّصون به وبأهله الدوائر، وهم كثيرون، والمسلمون غافلون، بأْسُهم بينهم شديد، قد شُغِلوا ببعضهم عن الخطر المحدق بهم الذي ينتظرهم، فصار بعضهم يكفِّر بعضاً، وبعضهم يطعن في بعض، وبعضهم يحارب بعضاً. فليكتب كل كاتب ما يسرُّه أن يكون في صحيفة أعماله الصالحة مما ينفع الناس ويمكث في الأرض، ولا يكتب ما يكون عليه عاراً في الدنيا ووبالاً في الآخرة. وما أحسن قول من قال: وما مِن كاتب إلا وتبقي كتابته وإن فنِي_َتْ يداهُ فلا تكتبْ بخطِّك غير شيءٍ يسرُّك في القيام_ة أن تراهُ وعلي الكاتب الرسالي أن يدعو إلي ما يري أنه هو الحق بما أمر

الله به الداعي إليه، إذ قال (ادعُ إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، فيسلك سبيل الرِّفق واللِّين، ويلتزم بالحق وقول الصدق، ويجتنب التكفير وكيل الإتهامات الباطلة، لتتحقّق الغاية المرجوة والمنفعة المطلوبة. ونصيحتي لإخواني المؤمنين من الشيعة الكرام ألا يُعنَوا بأمثال هذه الكتب الهدَّامة، التي مُلِئتْ بالأباطيل المنمَّقة، والإتِّهامات الملفَّقة، والأكاذيب المزوَّقة، فإنها عديمة الفائدة، معلومة المضرَّة، لأنها إن لم تُحدِث في نفس قارئها شكًّا، فلا بد أن تحدث في قلبه همًّا وحزناً وغيضاً. وعليهم أن يقرأوا ما كتبه في هذا المجال علماؤنا الأعلام جزاهم الله نقَّحوا المذهب، وزيَّفوا شُبُهات المخالفين، وأبطلوا تشكيكاتهم وحججهم بما [ صفحه 235] لا مزيد عليه، حتي بدا الحق جليًّا واضحاً لا مرية فيه، ولا شبهة تعتريه. فإن أقل ما ينتفع به قارِئُها أنها تزيده إيماناً في دِينه، ورسوخاً في معتقده، ناهيك عما فيها من علم جليل نافع، ومعرفة كثيرة بما يصح في الدين وبما لا يصح. ونصيحتي لإخواني الكرام من أهل السنة ألا يأخذوا كل ما كتبه كُتَّابهم في نقض عقائد الشيعة أخذ المسلَّمات، وليحتملوا فيه الخطأ كما يحتملون فيه الصواب، وعليهم أن يقرأوا بالمقابل ما كتبه علماء الشيعة في هذا الشأن، ليحصل لهم اليقين بصحة ما هم عليه أو بفساده، ولئلا يك_ونوا جائ_رين في حكمهم، ظ_المين لغ_يرهم، ومقصِّرين في حق أنفسهم، إذا سمعوا قول أحد الخصمين المتنازعين، ولم يسمعوا قول الآخر، فحكموا بصحة القول الذي سمعوه دون غيره. وليعلموا _ وفَّقهم الله لطاعته _ أن علماء الشيعة حمَلَة حق ودعاة إلي الصدق، يدعون إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلون غيرهم بالتي هي أحسن، رغبة في ثواب الله، وطمعاً في جزيل إحسانه. وأن قضيَّتهم ليست هي

تكفير أهل السنة، أو تكفير أحد من المسلمين، ولو شاؤوا إبداء عورات أهل السنة وكشف فضائحهم من كتبهم لفعلوا وهم قادرون، ولكنهم رأوا أن السبيل الأقوم هو أن يدْعوا كافة طوائف المسلمين إلي الوحدة، وأن يناشدوهم بالأخوة والمحبة والألفة، ليكونوا معهم كالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد الذي إذا اشتكي منه عضو تداعَت له سائر الأعضاء بالحمي والسهر. وفي الختام أسأل الله أن يجمع شمل المسلمين، ويوحِّد صفوفهم، [ صفحه 236] ويجمع كلمتهم، ويؤلّف بين قلوبهم، ويجعل كلمتهم هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

پاورقي

[1] كنية المؤلف.

[2] يريد بجابر: أبا بكر جابر الجزائري.

[3] يريد بأبي بكر: أبا بكر الجزائري، وبعلي: المؤلف، وفي البيت من الإشارة اللطيفة ما لايخفي.

[4] ص4.

[5] ص5.

[6] ص6.

[7] ص4، 5.

[8] ص6.

[9] ص35. [

[10] ص36.

[11] ص35.

[12] ص34.

[13] ص36.

[14] ص33.

[15] تصحيح الاعتقاد، ص55.

[16] بحار الأنوار 107/190.

[17] المصدر السابق 108/75.

[18] المصدر السابق 108/114.

[19] الوافي 1/6.

[20] مرآة العقول 1/3.

[21] رجال بحر العلوم 3/330.

[22] مستدرك الوسائل ج3.

[23] الكافي 1/8.

[24] دراسات في الحديث والمحدثين ص131.

[25] معجم رجال الحديث 1/92.

[26] مفاتيح الأصول، ص334.

[27] دراسات في الحديث والمحدثين ص132.

[28] جامع المقال، ص193.

[29] لؤلؤة البحرين، ص394.

[30] رجال السيد بحر العلوم 3/331.

[31] قصص العلماء، ص420.

[32] الذريعة إلي تصانيف الشيعة 17/245.

[33] قال الحافظ أبو نصر الوايلي السجزي: أجمع أهل العلم _ الفقهاء وغيرهم _ علي أن رجلاً لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي قد صح عنه، ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قاله، لا شك أنه لا يحنث، والمرأة بحالها في حبالته (مقدمة ابن الصلاح، ص13). وقال

أبو المعالي الجويني: لو حلف إنسان بطلاق امرأته ان ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لما ألزمته الصلاق ولا حنثته، لإجماع علماء المسلمين علي صحتهما (صحيح مسلم بشرح النووي 1/20، تدريب الراوي 1/131). وقال ابن تيمية في كتابه علوم الحديث، ص72: ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث، كجمهور أحاديث البخاري ومسلم، فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث.

[34] مثل كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري، والمسند الصحيح علي التقاسيم والأنواع، المعروف بصحيح ابن حبان، وكذلك صحيح ابن خزيمة.

[35] وهي الأحايث غير المتواترة. وكون أكثر أحاديث الكافي من أخبار الآحاد مما لا نزاع فيه.

[36] رسائل الشريف المرتضي 2 / 333.

[37] المصدر السابق 1 / 211.

[38] فرائد الاصول 1 / 372.

[39] المصدر السابق 1/371.

[40] فرائد الاصول 1/377 _ 380.

[41] أصول الكافي 1/227. والحديث بطوله مذكور في مرآة العقول 3/25، وكتاب التوحيد، ص270.

[42] مرآة العقول 3/24.

[43] تنقيح المقال 1/265.

[44] أصول الكافي 1/227.

[45] مرآة العقول 3/28.

[46] تنقيح المقال 2/75.

[47] معجم رجال الحديث 8/340.

[48] رجال النجاشي 1/270.

[49] تنقيح المقال 1/178.

[50] رجال العلامة الحلي، ص207.

[51] تنقيح المقال 1/178.

[52] المصدر السابق 1/179.

[53] المصدر السابق 3/124.

[54] المصدر السابق 3/125.

[55] معجم رجال الحديث 16/160. أقول: لو سلمنا بصحَّة الحديثين جدلاً فهما مع ذلك لا يدلان علي شيء مما قاله.

[56] سورة الاعراف، الآتيان 156 _ 157.

[57] تفسير القرآن العظيم 2/251.

[58] المصدر السابق 4/360.

[59] دلائل النبوة 1/81.

[60] سورة الصف، الآية 6.

[61] أي نسكب عليهما الماء الحميم، وقيل: نجعل في وجوههما الحمة، أي السواد.

[62] أي يحني ظهره عليها.

[63] صحيح البخاري 6/46 كتاب التفسير، سورة

آل عمران، 9/205 كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر، باب الرجم في البلاط، وصفحة 214 باب أحكام أهل الذمة. وراجع صحيح مسلم 3/1326 كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا.

[64] إسعاف الراغبين ص150، وأخرج السيوطي في كتابه «العرف الوردي في أخبار المهدي» المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/81 نقلا عن أبي عمرو الداني في سننه، عن ابن شورب قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلي جبل من جبال الشام، يستخرج منه أسفار التوراة، يحاج بها اليهود فيسلم علي يديه جماعة من اليهود.

[65] جواهر الكلام 22/60.

[66] صحيح البخاري 4/207 كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل. سنن أبي داود 3/322. مسند أحمد بن حنبل 2/159، 202، 474، 502، 3/46. سنن الدارمي 1/136. سنن الترمذي 5/40. صحيح سنن أبي داود 2/697. صحيح الجامع الصغير 2/600. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/50 _ 51. الجامع الصغير 1/570.

[67] فتح الباري 6/388.

[68] فيض القدير 3/377.

[69] عقائد الصدوق، ص30.

[70] أصل الشيعة وأصولها، ص132.

[71] عقائد الإمامية، ص95.

[72] راجع الجزء الثاني من أصول الكافي من ص596 إلي ص634.

[73] أصول الكافي 2/603.

[74] المصدر السابق 2/609.

[75] المصدر السابق 2/611.

[76] المصدر السابق 1/59.

[77] المصدر السابق 1/62.

[78] المصدر السابق 1/69.

[79] المصدر السابق 1/69.

[80] أصول الكافي 1/228.

[81] مرآة العقول 3/30.

[82] راجع تنقيح المقال 2/324، رجال العلامة، ص241.

[83] رجال العلامة، ص120، 241.

[84] راجع تنقيح المقال 2/324.

[85] رجال النجاشي 2/372.

[86] راجع تنقيح المقال 3/247.

[87] رجال العلامة، ص261.

[88] تنقيح المقال 3/247.

[89] قال المجلسي في مرآة العقول 3/32 _ 33: «الأوعية» جمع وعاء... أي قلوبا كاتمة للأسرار حافظة لها، «أو مستراحاً» أي من لم يكن قابلاً لفهم الأسرار وحفظها كما ينبغي، لكن لا يفشيها ولا يذيعها، ولا يترتب ضرر علي

اطلاعه عليها فتستريح النفس بذلك.

[90] الظاهر: ما ظهر معناه، والباطن: ما خفي تأويله.

[91] الطبقات الكبري 2/238، المصاحف ص16، وراجع تاريخ الخلفاء، ص173، الإتقان في علوم القرآن 1/127، كنز العمال 2/558، حلية الأولياء 1/67، الفهرست لابن النديم، ص41.

[92] الإتقان في علوم القرآن 1/127.

[93] حلية الأولياء 1/65، ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق 3/32.

[94] حلية الأولياء 1/68، الطبقات الكبري 2/338.

[95] الطبقات الكبري 2/338.

[96] هي السور التي افتتحت بسبحان وسبَّح ويسبَِح وسبِّح.

[97] صحيح مسلم 2/726 كتاب الزكوة، باب (39) لو أن لابن آدم واديين لابتغي ثالثاً.

[98] المستدرك 2/331. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 7/28. وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. الدر المنثور 4/120.

[99] المستدرك 4/359 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مسند أحمد 5/132. السنن الكبري 8/211. كنز العمال 2/480. مسند أبي داود الطيالسي، ص73. الدر المنثور 6/558 عن عبدالرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن منيع والنسائي وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والدار قطني في الأفراد والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة. [

[100] مسند أحمد 5/132.

[101] صحيح البخاري 8/208 _ 209 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت. صحيح مسلم 3/1317 كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنا. سنن الترمذي 4/38 _ 39. سنن أبي داود 4/144 _ 145. سنن ابن ماجة 2/359. الموطأ، ص458 حديث 1501، المستدرك 4/359 وصححه ووافقه الذهبي. السنن الكبري 8/212 _ 213. مجمع الزوائد 6/5 _ 6.

[102] سنن أبي داود 4/144 _ 145 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/835 وإرواء الغليل 8/3. قال الزركشي في

«البرهان في علوم القرآن» 2/36: ظاهر قوله: «لولا أن يقول الناس... الخ» أن كتابتها جائزة لزم أن تكون ثابتة، لأن هذا شأن المكتوب.

[103] الموطأ، ص458.

[104] المستدرك 4/359 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي.

[105] صحيح البخاري 8/210 كتاب المحاربين أهل من الكفر والردة، باب رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت.

[106] عن مجمع الزوائد 7/141 وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

[107] سنن الترمذي 5/665، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد 5/132. مسند أبي داود الطيالسي، ص73. المستدرك 2/224، 531، وقال الحاكم في الموضعين: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 7/140. الدر المنثور 8/586 _ 588. تفسير القرآن العظيم 4/536.

[108] يعني ابن مسعود.

[109] صحيح البخاري 5/31 كتاب فضائل أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما.

[110] المصدر السابق 5/35 كتاب فضائل أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، باب مناقب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

[111] المستدرك 2/534 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. الدر المنثور 8/621. تفسير الطبري 30/187 وزاد: وإنه فيه: إلي آخر الدهر.

[112] صحيح مسلم 1/437 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب رقم 36. سنن الترمذي 5/217. سنن النسائي 1/236. سنن أبي داود 1/112.

[113] مسند أحمد بن حنبل 5/ 129 _ 130. وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7/149 وقال: رواه عبدالله بن أحمد والطبراني، ورجال عبدالله رجال صحيح، ورجال الطبراني ثقات.

[114] الدر المنثور 8/683. وراجع مجمع الزوائد 7/149. قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات.

[115] سنن ابن ماجة 1/49. مسند أحمد 1/7، 26، 38، 445، 454. المستدرك 3/227، 318 وصححه الحاكم علي شرط

الشيخين، ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 9/287 أخرجه بطرق رجاله بعضها ثقات. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/29 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 5/379.

[116] مجمع الزوائد 9/288 قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح.

[117] صحيح البخاري 5/45 باب مناقب أبي بن كعب، ص34 باب مناقب بن مسعود. صحيح مسلم 4/1913 كتاب فضائل الصحابة، باب 22. سنن الترمذي 5/674. المستدرك 3/225، 527.

[118] فتح الباري 8/604.

[119] صحيح مسلم 2/1075 كتاب الرضاع، باب 6. الموطأ، ص324 كتاب الرضاعة، باب 3. سنن الترمذي 3/456. سنن أبي داود 2/223 _ 224. سنن النسائي 6/100. صحيح سنن أبي داود 2/389. صحيح سنن النسائي 2/696. إرواء الغليل 7/218. سنن الدارمي 2/157. السنن الكبري 7/454. كتاب الأم 5/26.

[120] الداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، وقد يطلق علي غير الشاة مما يألف البيوت كالطير وغيرها.

[121] سنن ابن ماجة 1/625 _ 626. مسند أحمد 6/269. سنن الدارقطني 4/179. الدر المنثور 2/471 في تفسيره الآية 23 من سورة النساء. صحيح سنن ابن ماجة 1/328.

[122] الدر المنثور 6/560. الإتقان في علوم القرآن 2/52 _ 53.

[123] الإتقان في علوك القرآن 2/53.

[124] المصدر السابق 2/52.

[125] سورة الاعراف، الآية 156.

[126] سورة البقرة، الآية 105.

[127] سورة يوسف، الآية 56.

[128] مجمع البيان 1/15.

[129] أجوبة مسائل جار الله، ص30.

[130] صحيح البخاري 5/45 كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح مسلم 4/1914، 1915 كتاب فضائل الصحابة، باب رقم 23. سنن الترمذي 5/666. مسند أحمد 3/233، 277. مسند أبي داود الطيالسي، ص270.

[131] أخرجه الترمذي في سننه 5/25، 26، وأبو داود في سننه 4/197، 198، وابن ماجة كذلك 2/1321، 1322، والدارمي كذلك 2/241، واحمد في المسند 2/32، 3/120، 145، والحاكم في

المستدرك 1/6، 128، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/258، وابن أبي عاصم في كتاب السنة 1/7، 25، 32، 33، والسيوطي في الجامع الصغير 1/184، والدر المنثور 2/289، والبيهقي في السنن الكبري 10/208، والبغوي في شرح السنة 1/213، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح 1/61، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية 3/86، 87، والهيثمي في مجمع الزوائد 7/258، 260. وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والبغوي والسيوطي فيما تقدم من كتبهم، والبوصيري في مصباح الزجاجة 3/239، والسخاوي في المقاصد الحسنة، ص158، والشاطبي في الاعتصام 2/189، والسفاريني في لوامع الأنوار البهية 1/93، والزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار 3/230، وابن تيمية في كتاب المسائل كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/359، والألباني في سلسلته الصحيحة 1/356، 358، وصحيح الجامع الصغير 1/245، 516، وصحيح سنن أبي داود 3/869. وصحيح سنن ابن ماجة 2/364، بل ادعي السيوطي تواتره كما في فيض القدير 2/21، وكذلك الكتاني في نظم المتناثر، ص57.

[132] أخرجه الترمذي في سننه 5/662، 663، وأحمد في المسند 3/14، 17، 26، 59، 5/181، 189، والحاكم في المستدرك 3/109 _ 110، وابن سعد في الطبقات الكبري 2/194، وابن ابي عاصم في كتاب السنة، ص629 _ 630، والسيوطي في الجامع الصغير 1/402 والدر المنثور 7/349 في تفسير الآية 23 من سورة الشوري، وفي إحياء الميت، ص 28، 29، 39، 40، 48، 55، 56، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية 4/65، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح 3/1735، أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء 1/335، والبغوي في شرح السنة 14/119، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ص96، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/170،

9/162 وما بعدها، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم 4/113، وفي البداية والنهاية 5/184. وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والسيوطي وابن حجر العسقلاني والهيثمي وابن كثير فيما تقدم من كتبهم. وصححه كذلك ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة، ص45، 228، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/355 وصحيح الجامع الصغير 1/482.

[133] قال صلي الله عليه وآله ذلك في أحاديث كثيرة، مها حديث المباهلة وحديث الكساء. راجع صحيح مسلم 4/1871، 1883، وسنن الترمذي 5/225، 352، والمستدرك 3/108 _ 109، 133، 146، 147، 150، 158، ومجمع الزوائد 9/166، وما بعدها، ومسند أحمد 1/185، 330 _ 331، 4/107، 6/292، 323، والاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/61، والسنن الكبري 2/149، ومسند أبي داود الطيالسي، ص274، وكتاب السنة، ص588 _ 589، ومشكاة المصابيح 3/1731، والدر المنثور 6/603 وما بعدها في تفسير آية التطهير، وتاريخ بغداد 10/278، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ص 30 _ 7، 47 _ 49، 73.

[134] أخرج حديث الخلفاء الاثني عشر باختلاف ألفاظه: البخاري في صحيحه 9/101 كتاب الأحكام، باب 51، ومسلم في صحيحه 3/1452 _ 1454 كتاب الإمارة، باب 1 بتسعة طرق، والترمذي في سننه 4/501 بطريقين صححهما، وأبو داود في مسنده 4/106. بثلاثة طرق صحّحها الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/807. وأخرجه أحمد في مسنده 1/398، 5/86 _ 90، 92 _ 101، 106 _ 108، والحاكم في المستدرك 3/617، 618، وأبو داود الطيالسي في مسنده، ص180، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الاولياء 4/333، وأبو عوانة في مسنده 4/396 _ 399، وابن أبي عاصم في كتاب السنة 2/518، 534، 544، 549، والبيهقي في دلائل النبوة 6/519 _ 523 والخطيب البغدادي في تاريخ

بغداد 2/126، والهيثمي في مجمع الزوائد 5/190، 191، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية 2/197، وابن حبان في صحيحه كما في الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/226، 229، 230، والبغوي في شرح السنة 15/30، 31 والألباني في صحيح ابن الجامع الصغير 2/1274، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 1/651 رقم 376، 2/690 رقم 964.

[135] راجع كتابنا دليل المتحيرين، فإنا ذكرنا فيه مزيداً من الأدلة الدالة علي ان الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية دون غيرهم.

[136] الاعتقادات، ص74 _ 75.

[137] مجمع البيان 1/15.

[138] التبيان في تفسير القرآن 1/3.

[139] أوائل المقالات، ص91 _ 92.

[140] سعد السعود، ص193 _ 194.

[141] بحر الفوائد، ص99. كشف الحقيقة الثالثة.

[142] الحديث الأول من الباب هو خبر محمد بن الفيض عن أبي جعفر عليه السلام، ومن جملة رواته سلمة بن الخطاب، وهو ضعيف ضعفه النجاشي في رجاله، ص133، وابن الغضائري كما في معجم رجال الحديث 8/204، والعلامة في الخلاصة، ص227 وغيرهم. ومن رواته أيضا منيع بن الحجاج البصري ومحمد ابن الفيض وهما مجهولان. وأما الحديث الثاني فهو خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبدالله عليه السلام، وهو الحديث الثاني الذي ذكره الجزائري في حقيقته هذه، وسيأتي بيان ما فيه. وأما الحديث الثالث والرابع (وهو أول الحديثين اللذين ذكرهما الجزائري ههنا) فمن رواتهما موسي بن سعدان، وهو ضعيف كما سيتضح حاله. وأما الحديث الخامس والأخير فمن رواته بشر بن جعفر وهو مجهول الحال، والمفضل بن عمر وهو مختلف في وثاقته، والمشهور ضعفه، إذ ضعفه النجاشي في رجاله، ص295، وابن الغضائري والعلامة في الخلاصة، ص285، وابن داود وغيرهم. راجع تنقيح المقال 3/238.

[143] رجال النجاشي، ص289.

[144] راجع تنقيح المقال 3/265، والخلاصة، ص257.

[145] الخلاصة، ص257.

[146] تنقيح المقال 3/254.

[147] المصدر السابق 3/172.

[148]

صحيح البخاري 1/38 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

[149] المصدر السابق 4/124 _ 125 كتاب الجزية، باب إثم من عاهد ثم غدر.

[150] المصدر السابق 4/122 كتاب الجزية، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة...

[151] صحيح مسلم 2/1147 كتاب العتق، باب تتحريم تولي العتيق غير مواليه.

[152] صحيح البخاري 4/84 كتاب الجهاد، باب فك الاسير.

[153] المصدر السابق 9/13 _ 14 كتاب الديات، باب العاقلة.

[154] فتح الباري 1/165.

[155] سنن النسائي بشرح السيوطي 8/23.

[156] ما ذكر في الصحيفة هو: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الارض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله آوي محدثا (راجع صحيح مسلم 3/1567، ومسند أحمد 1/118). وذكر فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات وفيها أيضا: المدينة حرم ما بين عير إلي ثور، فمن أحدث فيها أو آوي محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعي بها أدناهم، ومن ادعي الي غير أبيه، أو انتمي إلي غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، (راجع صحيح مسلم 2/1147، ومسند أحمد 1/119، 122، 151، 152، وسنن النسائي 8/19، 23، وسنن أبي داود 4/180 _ 181 وما سبق ذكره من صحيح البخاري).

[157] عون المعبود 12/160.

[158] سنن النسائي بشرح السيوطي 8/19.

[159] فتح الباري 1/166.

[160] أي فضة.

[161] صحيح البخاري 7/202 كتاب اللباس، باب نقش الخاتم. وراجع ص203، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، 4/100 كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعصاه... الخ. صحيح مسلم 3/1656 كتاب اللباس والزينة، باب لبس النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)

خاتماً من ورق... الخ.

[162] صحيح البخاري 4/101 كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلي الله عليه وآله وعصاه... الخ.

[163] فتح الباري 6/160.

[164] صحيح البخاري 4/101، صحيح مسلم 4/1903 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة عليها السلام.

[165] سورة الحجرات، الآية 6.

[166] قال ابن حجر العسقلاني في «نزهة النظر» ص44: والحكم عليه _ أي علي الحديث _ بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع، إذ قد يصدق، لكن لا لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاما، وذهنه ثاقبا، وفهمه قويا، ومعرفته بالقرائن الدالة علي ذلك متمكنة.

[167] سنن الترمذي 5/340. سنن ابن ماجة 2/1351. مسند أحمد 2/295، 491. مسند أبي داود الطيالسي، ص334. الجامع الصغير 1/502. المستدرك 4/485. الدر المنثور 6/381. تفسير الطبري 20/11. تفسير القرآن العظيم 3/375، 376. كنز العمال 14/341.

[168] مجمع الزوائد 9/118. كنز العمال 11/626.

[169] الجامع لأحكام القرآن 13/236.

[170] المصدر السابق.

[171] الزغب هو صغار الشر والريش.

[172] قال القرطبي في بيان أقوال علماء أهل السنة في دابة الأرض: فأول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح، وهو أصحها... إلي أن قال: وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب، فانفتح له حجر فدخل في جوفه، ثم انطبق عليه، فهو فيه حتي يخرج بإذن الله عز وجل. وروي أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم أربع، طولها ستون ذراعاً، ويقال إنها الجساسة، وهو قول عبد الله بن عمر... وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان، وذكر الماوردي والثعلبي: وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان، وذكر الماوردي والثعلبي: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وإذنها أذن فيل، وقرنها قرن إيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون

نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً _ الزمخشري: بذراع آدم عليه السلام _ ويخرج معها عصا موسي وخاتم سليمان... الخ. راجع الجامع لأحكام القرآن 13/235.

[173] سورة آل العمران، الآية 178.

[174] سورة القصص، الآية 4.

[175] سورة النازعات، الآيات 17 _ 24.

[176] سورة الشعراء، الآية 49.

[177] سورة غافر، الآيات 23 _ 25.

[178] سورة غافر، الآية 26.

[179] سورة الشعراء، الآية 52.

[180] سورة طه، الآية 78.

[181] سورة الشعراء، الآيات 61 _ 66.

[182] سورة النازعات، الآية 25.

[183] سورة المائدة، الآية 40.

[184] سورة الأعراف، الآية 156.

[185] المستدرك 3/457. وراجع مجمع الزوائد 9/174، الجامع الصغير 2/680، والمطالب العالية 4/74، وإحياء الميت، ص37، 45، والخصائص الكبري 2/266، وفضائل الصحابة 2/671.

[186] فيض القدير 6/297.

[187] من الآيات الدالة علي لزوم اتباع أهل البيت عليهم السلام قوله سبحانه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطيراً) الأحزاب: 33. راجع ما كتبه السيد عبد الحسين شرف الدين أعلي الله مقامه في كتابه الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء، ص 11 _ 52 حول هذه الآية. ومن الاحاديث قوله صلي الله عليه وآله: (اني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين، أحدهما أكبر من ألآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لي يفترقا حتي يردا عليّ الحوض). راجع ما كتبناه حول هذا الحديث في كتابنا دليل المتحيرين، ص189 _ 200.

[188] وسائل الشيعة 11/472.

[189] عقائد الامامية، ص144.

[190] سورة النساء، الآية 112. كشف الحقيقة الرابعة.

[191] راجع بحار الأنوار 25/116، 26/18، 20، 21، 22، 23، 33، 34، 35، 36، 38، 39، 41، 45، 46، 48، 47/26.

[192] الكافي 1/240.

[193] المصدر

السابق 1/241.

[194] المصدر السابق 1/240.

[195] صحيح البخاري 3/237 كتاب الشهادات، باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، 6/25 كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، باب وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه، 9/136 كتاب الاعتصام، باب قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء.

[196] سنن ابي داود 3/318 حديث 3644. مسند أحمد 4/136. المستدرك علي الصحيحين 3/358. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/52. شرح السنة 1/268.

[197] قيل نبأها بأن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده، وهو مروي عن ابن عباس. وقيل: نبأها بأنه حرم مارية علي نفسه، أو حرم علي نفسه شرب العسل. راجع تفسير القرآن العظيم 4/390، التفسير الكبير 30/42 _ 43، الدر المنثور 8/218.

[198] سورة التحريم، الآية 3.

[199] صحيح البخاري 4/247 _ 248 كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.

[200] سنن الترمذي 5/639. قال الملا علي القاري في شرح الحديث في مرقاة المفاتيح 10/471: والمعني أني بلغته عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه علي سبيل النجوي. وقال: قال الطيبي رحمه الله: كان ذلك أسرارا إلهية وأمورا غيبية جعله من خزائها.

[201] مسند احمد 6/300. المستدرك 3/138 وقال: هذا حديث صحيح الإسنا ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. فضائل الصحابة 2/686.

[202] الطبقات الكبري 2/338. حلية الأولياء 1/686. مجمع الزوائد 9/113.

[203] سورة المجادلة، الآية 12.

[204] أخرج الحاكم في المستدرك 2/482 وغيره عن علي عليه السلام أنه قال:... إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوي (يا أيها الذين آمنو إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) الآية. قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فناجيت النبي صلي الله عليه وآله، فكنت كلما ناجيت النبي

صلي الله عليه وآله قدمت بين يدي نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية. قال الحاكم: هذا الحديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهب. راجع جامع البيان في تفسير القرآن 28/14. تفسير القرآن العظيم 4/326. الجامع لأحكام القرآن 17/301. التفسير الكبير 29/270. الدر المنثور 8/83. الكشاف 4/76.

[205] سنن النسائي 3/12 كتاب السهو، باب رقم 17. مسند أحمد 1/85. صحيح ابن خزيمة 2/54. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ص132. مرقاة المفاتيح 10/478.

[206] مسند أحمد 1/77. صحيح ابن خزيمة 2/54. السنن الكبري 2/247. مشكل الآثار 2/306. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص130.

[207] نهج البلاغة، ص200.

[208] صحيح البخاري 1/39 كتاب العلم، باب حفظ العلم.

[209] المصر السابق 1/40.

[210] أخر البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام 4/239، بسنده عن أبي هريرة، قال: صحبت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص علي أن أعي الحديث مني فيهن.

[211] سنن الترمذي 5/640.

[212] الطبقات الكبري 2/338. ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق 2/456.

[213] سورة الحاقة، الآية.

[214] جامع البيان في تفسير القرآن 29/35، 36. الدر المنثور 8/267. تفسير القرآن العظيم 4/413. التفسير الكبير 10/107. الجامع لأحكام القرآن 18/264. الكشاف 4/134. فتح القدير 5/282. تفسير غريب القرآن المطبوع بهامش تفسير الطبري 29/30 _ 31. أسباب النزول، ص294. لباب النقول في أسباب النزول، ص219.

[215] الطبقات الكبري 2/338. حلية الأولياء 1/67 _ 68. ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق 3/26.

[216] صحيح البخاري 1/38 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

[217] مقدمة ابن الصلاح،

ص87 _ 88.

[218] تدريب الراوي 2/65.

[219] منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد 5/43.

[220] تقدم في ص63. وراجع الطبقات الكبري 2/338.

[221] صححه الحاكم في المستدرك 3/126، وحسنه السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص159، وابن حجر والزركشي والعلائي كما في فيض القدير 3/46، 47.

[222] أي حضره الموت.

[223] صحيح البخاري 7/155 _ 156 كتاب الطب، باب قول المريض قوموا عني. 9/137 كتاب الاعتصام، باب كراهية الخلاف. 6/11 كتاب المغازي، باب مرض النبي صلي الله عليه وآله وسلم ووفاته، 4/121 كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 4/185 كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلي اهل الذمة ومعاملتهم. صحيح مسلم 3/1259 كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه. مسند أحمد 1/324 _ 325، 336. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/201.

[224] صحيح مسلم 3/1259. مسند أحمد 1/355. وراجع مسند أحمد 1/222، 293 المستدرك 3/477. مجمع الزوائد 4/214، 5/181.

[225] صحيح مسلم بشرح النووي 11/90.

[226] الصحيح هو أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أراد أن ينص علي أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده، وذلك لأن مهمات الأحكام كانت مبينة وموضحة في ذلك الحين، وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة قبل هذا اليوم، ولأن النص علي الخلفاء أهم من إعادة أحكام مبينة، وبالنص علي الخلفاء يندفع كل اختلاف وبلاء وتضليل، ولأن من خفيت عليه مهمات الأحكام فخالفها لا يكون ضالا بل حتي لو خالفها وهو بها عالم، فإنه يكون فاسقا لا غير، ولان النبي صلي الله عليه وآله وسلم لو أراد أن يكتب مهمات الأحكام لما حدث اللغط والاختلاف ونسبة الهجر إليه، وما سبب اللغط إلا علمهم بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يريد أن

ينص علي الخلفاء من بعده، ثم إن المناسب في ذلك الوقت _ وهو قبيل وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأيام قليلة _ مع شدة وجع النبي صلي الله عليه وآله وسلم وانشغاله بنفسه أن ينص علي من يقوم بالأمر من بعده لا كتابة مهمات الأحكام قبيل وفاته بأيام قليلة. وإنما سُمِّي مصحفاً لأنه كتاب جامع لصُحُف مكتوبة، وكل ما كان كذلك فهو مصحف لغة، وإن لم يكن قرآناً أو فيه شيء من سُوَره وآياته.

[227] صحيح مسلم 4/2106 _ 2107 كتاب التوبة، باب رقم 3. سنن الترمذي 4/666 وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة 2/1416. مسند أحمد 2/305، 3/175، 4/178، 346، الجامع الصغير 2/428 حديث رقم 7418، 7419. مسند أبي داود الطيالسي، ص191. شرح السنة 1/167. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/240 _ 241. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/415 _ 416، وصحيح الجامع الصغير 2/931، 1190، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/606.

[228] مسند أبي داود الطيالسي، ص337.

[229] سورة مريم، الآيات 16 _ 21.

[230] سورة آل عمران، الآيتان 42، 43.

[231] قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه». راجع سنن الترمذي 5/633. سنن ابن ماجة 1/43. المستدرك 3/109، 110. مسند أحمد 1/84، 118، 119، 152، 321، 4/281، 368، 370، 372، 5/347، 66، 419. حلية الاولياء 4/23، 5/27، 364. مجمع الزوائد 9/103 _ 106. كتاب السنة، ص590، 596. عده السيوطي في قطف الازهار المتناثرة، ص277 من الاحاديث المتواترة، وكذا الكتاني في نظم المتناثر، ص205، والزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة، ص205، والحافظ شمس الدين الجزري في أسني المطالب، ص5، والألباني في سلسلة الاحايث الصحيحة 4/343. وصححه جمع من اعلام

اهل السنة. راجع كتابنا دليل المتحيرين، ص370.

[232] أخرج الحاكم في المستدرك 3/124 _ 125 عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: اللهم أدر الحق معه حيث دار. وقال: هذاحديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. راجع كتابنا المذكور، ص253 _ 254.

[233] أخرج الترمذي في سننه 5/636 وحسنه، والحاكم في المستدرك 3/14 وغيرهما، عن ابن عمر، قال: آخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد! فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

[234] أخرج الحاكم في المستدرك 3/126 _ 127 وصححه عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. وأخرجه الترمذي في سننه 5/637، إلا أنه قال: أنا دار الحكمة.... راجع مصادر هذا الحديث في كتاب الغدير للأميني 6/61 _ 81.

[235] أخرج البخاري في صحيحه 5/22 _ 23، ومسلم كذلك 4/1871 _ 1872، والترمذي في سننه 5/638 وصححه، وأحمد في المسند 1/78، 99، 133، 185، 330، 5/333، 358، والحاكم في المستدرك 3/38، 109، 437 وصححه ووافقه الذهبي، عن سعد وغيره، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله علي يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.

[236] أخرج البخاري في صحيحه 5/24، ومسلم كذلك 4/1870 _ 1871، والترمذي في سننه 5/638 وصححه، وابن ماجة في سننه 1/42، وأحمد في المسند 1/170، 173، 174، 175، 177، 179، 182، 184، 185، 330، 3/32، 338، 6/369، 438، والحاكم

في المستدرك 3/109 وصححه ووافقه الذهبي، أبو داود الطيالسي في مسنده، ص29، عن سعد وغيره، قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي غير أنه لا نبي بعدي.

[237] أخرج مسلم في صحيحه 1/84، 95، 262، والترمذي في سننه 5/643، 645، وابن ماجة في سننه 1/42، وأحمد في المسند 1/170، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/298، صحيح سنن ابن ماجة 1/25، صحيح سنن النسائي 3/1033.

[238] صحيح البخاري 5/25 كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ص36 مناقب فاطمة عليها السلام. 5/247 كتاب المناقب،باب علامات النبوة في الإسلام. 8/79 كتاب الاستئذان، باب من ناجي بين يدي الناس... الخ. صحيح مسلم 4/1904 _ 1906 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة عليها السلام. سنن الترمذي 5/660. سنن ابن ماجة 1/518. صحيح سنن ابن ماجة 1/270. سنن الطيالسي، ص196. المستدرك 3/151، 156 وصححه وافقه الذهبي. الطبقات الكبري 8/26. مسند أحمد 5/391، 6/282. حلية الاولياء 2/39، 42. مشكل الآثار 1/48، 50. مجمع الزوائد 9/201. در السحابة، ص274، 276. شرح السنة 14/160 وقال: هذا حديث متفق علي صحته. مشكاة المصابيح 3/1731. فضائل الصحابة 2/763.

[239] صحيح البخاري 5/36 كتاب فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم، باب مناقب فاطمة عليها السلام. 7/47 كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. صحيح مسلم 4/1902 _ 1904 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة عليها السلام. سنن أبي داود 2/226. سنن الترمذي 5/698، 699 وصححهما. سنن ابن ماجة 1/643. صحيح سنن أبي داود 2/391. مسند أحمد 4/223، 236، 328، 332. المستدرك 3/154، 158،

159. مشكاة المصابيح 3/1732. فضائل الصحابة 2/755، 756، 765. السنن الكبري 10/201. شرح السنة 14/158، 159، وقال: هذا حديث متفق علي صحته.

[240] المستدرك 3/154 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. مجمع الزوائد9/203 قال: رواه الطبراني، وإسناده حسن. در السحابة، ص277.

[241] مسند أحمد 5/396.

[242] صحيح مسلم 1/36 _ 40 كتاب الإيمان، باب رقم 1. سنن أبي داود 4/223. سنن الترمذي 5/6. سنن ابن ماجة 1/24 _ 25. سنن النسائي 1/249. مسند أحمد 1/27، 28، 52، 53.

[243] الطبقات الكبري 8/67 _ 68.

[244] مسند أحمد 6/74 _ 75، 146.

[245] المصدر السابق 1/293 _ 294، 312.

[246] سير أعلام النبلاء 2/370.

[247] الطبقات الكبري 3/488.

[248] مسند أحمد 5/433، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/313: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

[249] صحيح مسلم 2/899: كتاب الحج، باب جواز التمتع.

[250] الطبقات الكبري 4/288.

[251] تذكرة الحفاظ 1/29 _ 30.

[252] تهذيب التهذيب 8/112.

[253] تهذيب الأسماء واللغات 2/36.

[254] الاستيعاب 3/22.

[255] راجع إن شئت سنن أبي داود 4/5. مسند أحمد 4/427. المستدرك 3/472. أُسد الغابة 4/138. الإصابة 3/26، 27. سير أعلام النبلاء 2/508، 510، 511. شذرات الذهب 1/58. تاريخ الإسلام 3/275، 276. البداية والنهاية 8/62.

[256] سبق تخريج مصادره في صفحة 73 من هذا الكتاب.

[257] مرآة العقول 3/126.

[258] صدق الجزائري في هذا القول، فإنه لم يقل في كتيبه هذا علي الشيعة إلا الفرية.

[259] صحيح البخاري 4/211 كتاب الأنبياء، باب رقم 51. صحيح مسلم 4/1864 كتاب فضائل الصحابة، باب رقم 2. سنن الترمذي 5/622. مسند أحمد 2/339، 6/55. المستدرك 3/86. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/21. مسند أبي داود الطيالسي، ص308. مشكل الآثار 2/256. فضائل الصحابة 1/354 _ 355، 361، 362. در السحابة، ص161. مشكاة المصابيح 3/1702. الفردوس بمأثور الخطاب

3/278.

[260] فتح الباري 7/39.

[261] المصدر السابق 7/40.

[262] تقريب التهذيب، ص550.

[263] تهذيب التهذيب 10/303.

[264] الجرح والتعديل 8/139.

[265] العبر في خبر من غير 1/222.

[266] ميزان الاعتدال 4/202.

[267] سير أعلام النبلاء 6/270.

[268] المصدر السابق 6/271.

[269] تهذيب التهذيب 10/302.

[270] صفة الصفوة 2/184.

[271] البداية والنهاية 10/189.

[272] منهاج السنة النبوية 2/124.

[273] سبائك الذهب، ص75.

[274] أخرجه ابن ماجة في السنن 2/874، والبيهقي في السنن الكبري 8/22، والمنذري في الترغيب والترهيب 3/185، والتبريزي في مشكاة المصابيح 2/1035 وغيرهم.

[275] من ذلك ما أخرجه مسلم _ واللفظ له _ والترمذي وأبو داود وأحمد والدارمي وغيرهم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. راجع صحيح مسلم 4/2001 كتاب البر والصلة والآداب، باب رقم 20. سنن أبي داود 4/269. سنن الترمذي 4/329. مسند أحمد 2/230،384، 386، 458. سنن الدارمي 2/299.

[276] سورة البقرة، الآية 224.

[277] التفسير الكبير 6/75.

[278] سورة القصص، الآية 7.

[279] سورة طه، الآيات 36 _ 38.

[280] التفسير الكبير 22/51.

[281] الجامع لأحكام القرآن 11/195.

[282] المستدرك 3/149 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم، ولم يخرجاه. مجمع الزوائد 9/168. إحياء الميت، ص41 _ 42. الخصائص الكبري 2/266. حلية الاولياء 4/306. تاريخ بغداد 12/91. وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير 2/533 ورمز له بالحسن.

[283] المستدرك 2/343، 3/150. مجمع الزوائد 9/168. مشكاة المصابيح 3/1742. إحياء الميت، ص41 _ 42. الخصائص الكبري 2/266. حلية الاولياء 4/306. تاريخ بغداد 12/91. المعجم الصغير 1/139/140.

[284] الدر المنثور 8/589. فتح القدير 5/477. ترجمة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام

من تاريخ دمشق 2/348. شواهد التنزيل، ص820. الفردوس بمأثور الخطاب 3/61.

[285] سورة البينة، الآية 7.

[286] جامع البيان في تفسير القرآن 30/171. الدر المنثور 8/589. فتح القدير 5/477. الصواعق المحرقة، ص191. شواهد التنزيل، ص814 _ 819.

[287] كما في تنقيح المقال 1/230.

[288] رجال العلامة الحلي، ص211.

[289] تنقيح المقال 1/230.

[290] معجم رجال الحديث 4/143.

[291] مجمع الرجال 2/49. جامع الرواة 1/164.

[292] سورة النساء، الآية 59.

[293] التفسير الكبير 10/146.

[294] يعني أن الامر بالطاعة لم يقع مقيدا او مشروطا بشيء، وهو معني كونه مطلقا.

[295] التفسير الكبير 10/144.

[296] مرآة العقول 3/130.

[297] الكافي 1/271. قال المجلسي في مرآة العقول 3/164: علماء أي هم العلماء المذكورون في قوله تعالي (هل يستوي الذين يعملون) الاية. صادقون إشارة إلي قوله سبحانه (وكونوا مع الصادقين). مفهومون من جهة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فهمهم القرآن وتفسيره وتأويله وغير ذلك من العلوم والمعارف. محدثون من الملك.

[298] سورة النحل، الآية 116.

[299] سورة العنكبوت، الآية 13.

[300] سورة النحل، الآية 105.

[301] صحيح مسلم 1/79 كتاب الإيمان، باب رقم 26.

[302] صحيح البخاري 8/32 كتاب الأدب، باب منكفر أخاه بلا تأويل فهو كما قال. صحيح مسلم 1/79 كتاب الإيمان، باب رقم 26. الموطأ، ص538، مسند أحمد 2/44، 60، 77، 105، 113.

[303] صحيح مسلم بشرح النووي 1/150.

[304] قال المامقاني في مقباس الهداية 2/305: قولهم: «مرتفع القول» جعله في الدراية من الفاظ الجرح، وفسره بأنه لا يقبل قوله ولا يعتمد عليه... والذي أظن أن المراد بقولهم: «مرتفع القول» أنه من أهل الارتفاع والغلو، فيكون لذلك جرحا حينئذ لذلك، فتأمل.

[305] تنقيح المقال 2/169.

[306] معجم رجال الحديث 10/118.

[307] جواهر الكلام 1/231، 19/185.

[308] راجع مدارك الاحكام 8/56، الحدائق الناضرة 24/222، مستمسك العروة الوثقي 14/335.

[309] أخرجه أحمد بن

حنبل في المسند 1/118، 119، 4/281، 370، 372، 5/347 وابن ماجة في السنن 1/43. وابن حبان في صحيحه كما في الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/42. وابن أبي عاصم في كتاب السنة، ص592. والحاكم في المستدرك 3/109 _ 110، 116. وقال: صحيح علي شرط الشيخين. والهيثمي في مجمع الزوائد 9/104 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. وأخرجه كذلك النسائي في خصائص أمير المؤمنين عليه السلام، ص99، 100. وصححه الألباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة 4/330، وصحيح سنن ابن ماجة 1/26، راجع صفحة 137 من هذا الكتاب.

[310] صحيح البخاري 4/178 كتاب الانبياء، باب يزفون النسلان في المشي. و6/151 كتاب التفسير، تفسير سورة الاحزاب. و8/95 كتاب الدعوات، باب الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم رقم 31، وباب 32. صحيح مسلم 1/305 كتاب الصلاة، باب الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد التشهد. سنن الترمذي 5/359. سنن أبي داود 1/257. سنن النسائي3/45. سنن الدارمي 1/390. الموطأ، ص83. مسند أحمد 1/162، 3/27، 4/118، 241، 243، 244، 5/274، 374، 424.

[311] سورة الاحزاب، الآية 56.

[312] سورة الاحزاب، الاية 33.

[313] صحيح مسلم 2/754 كتاب الزكاة، باب رقم 51. ص751 باب رقم 50 وما بعده. وراجع صحيح البخاري 2/156 كتاب الزكاة، باب أخذ صدقة التمر، ص157 باب ما يذكر في صدقة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، 3/71 كتاب البيوع، باب رقم 4، 4/90 كتاب الجهاد، باب من تكلم بالفارسية، 7/61 كتاب الطلاق، باب رقم 14. الموطأ، ص546. سنن أبي داود 2/123. سنن الترمذي 3/46. سنن النسائي 5/107. مسند أحمد 1/200، 279، 444، 476، 3/490، 4/35، 5/354، 390.

[314] صحيح البخاري 4/60 كتاب فضل الجهاد

والسير، باب يقاتل من وراء الامام ويتقي به، 9/77 كتاب الاحكام، الباب الاول. مسند أحمد 2/252 _ 253، 342، 416، 467.

[315] صحيح مسلم 3/1476 كتاب الامارة، باب وجوب طاعة الامراء في غير معصية.

[316] صحيح البخاري 9/59 كتاب الفتن، باب قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: سترون بعدي امورا تنكرونها، 9/78 كتاب الاحكام، باب السمع والطاعة للامام ما لم تكن معصية. صحيح مسلم 3/1477 كتاب الامارة، باب رقم 13. مسند أحمد 1/275، 297، 310. سنن الدارمي 2/241. السنن الكبري 8/157.

[317] إن الكاتب ليشعر بالخجل من العلماء والمفكرين والمثقفين وهو يرد علي هذا الكلام الركيك المضطرب وأمثاله مما ملأ الجزائري به كتيبه، ولكن يلجئني إلي رده خوفي من أن ينخدع به بعض ضعفة المؤمنين، والله المستعان.

[318] بن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي علي نمطه، حتي شهد له أربعون شيخا بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب. ويكفي شهادة المناوي في وصف أكثر علماء زمانه الذين يظهر منه أنهم من علماء أهل السنة، حيث قال: واكثر علماء الزمان ضربان: ضر منكب علي حطام الدنيا، لا يمل من جمعه، وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهمج في المزابل، يطير من عذرة إلي عذرة، وقد أخذت الدنيا بمجامع قلبه، ولزمه خوف الفقر وحب الاكثار.... وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام، شحا علي رئاستهم، يلتقطون الرخص، ويخادعون الله بالحيل، ديدنهم المداهنة، وساكن قلوبهم المني،طمأنينتهم إلي الدنيا، وسكونهم إلي أسبابها...

[319] نقلنا هذه الادلة من كتابنا دليل المتحيرين، ص351 _ 353.

[320] الملل والنحل 1/146.

[321] المصدر السابق 1/166.

[322] لسان العرب 8/189. القاموس المحيط 3/49. تاج العروس 21/303.

[323] لسان العرب 8/189. تاج العروس 21/303.

[324] مقدمة ابن خلدون،

ص196.

[325] سورة التوبة، الآية 100.

[326] سورة التوبة، الآية 101.

[327] قال في لسان العرب 11/235: الدبيلة: خراج ودمل كبير تظهر في الجوف، فتقتل صاحبها غالباً. وورد تفسيرها في بعض الأحاديث كما في البداية والنهاية 5/19 ودلائل النبوة 5/261 بأنها شهاب من نار يقع علي نياط قلب أحدهم فيهلك.

[328] صحيح مسلم 4/2143 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث 9.

[329] سورة التوبة، الآية 102.

[330] سورة الحجرات، الآية 14.

[331] أجوبة مسائل جار الله، ص14 _ 15.

[332] بل رواه بلفظ آخر سنذكره قريباً إن شاء الله، ولعل عدول الجزائري عنه إلي الحديث الذي احتج به علي حقيقته مع أنه لم يرو في الكافي، إنما كان لأن الحديث الذي ذكره يوهم في الجلالة علي مطلوبه أكثر من غيره، والله أعلم.

[333] اختيار معرفة الرجال، ص5.

[334] سورة يوسف، الآية 96.

[335] سورة النمل، الآية 40.

[336] سورة إبراهيم، الآية 43.

[337] سورة المائدة، الآية 54.

[338] سورة البقرة، الآية 217.

[339] سورة محمد، الآية 25.

[340] سورة المائدة، الآية 21.

[341] النهاية في غريب الحديث 2/2214. ونقل ابن منظور هذه العبارة بعينها في لسان العرب 3/173.

[342] أي ثم إن أناسا عرفوا أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الأولي بالأمر بعد وقت يسير.

[343] روضة الكافي، ص213 _ 214.

[344] أي يطردون يبعدون.

[345] صحيح البخاري 8/150 كتاب الرقاق، باب في الحوض.

[346] صحيح البخاري 8/150. قال في لسان العرب 11/710: وفي حديث الحوض: «فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم» الهمل: ضوال الإبل، واحدها هامل، أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة.

[347] صحيح البخاري 8/150.

[348] أي سابقكم ومتقدمكم.

[349] أي سأجادل عن أقوام رغبة في خلاصهم فلا ينفعهم ذلك.

[350] صحيح مسلم 4/1796 كتاب الفضائل، باب رقم 9.

[351] صحيح البخاري 8/150. صحيح مسلم 4/1793.

[352] راجع

إن شئت سنن الترمذي 5/321. سنن النسائي 2/133، 4/117. سنن ابن ماجة 2/1016. مسند أحمد 1/235، 253، 254، 384، 402، 406، 407، 425، 439، 453، 455، 3/28، 102، 281، 5/48، 50، 388، 393، 400، 412. صحيح ابن خزيمة 1/6. مجمع الزوائد 10/363 _ 365. صحيح سنن النسائي 2/499. صحيح سنن ابن ماجة 2/182.

[353] روي هذا الحديث بثلاثة طرق. الأول منها في سنده سهل بن زياد، وقد مر تضعيفه، ومحمد بن منصور الخزاعي وهو مجهول. والطريق الثاني: فيه حمزة بن بزيع، وهو واقفي ضعيف. والطريق الثالث: فيه محمد بن منصور، وهو الخزاعي المذكور آنفاً.

[354] صحيح البخاري 4/72 _ 73 كتاب الجهاد، باب الجاسوس. صحيح مسلم 4/1941 كتاب فضائل الصحابة، باب رقم 36. سنن الترمذي 5/409. سنن ابي داود 3/47. مسند أحمد 1/79 _ 80، مسند حميدي 1/27. وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 8/125 عن البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وأحمد والحميدي وأبي عوانة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وأبي نعيم وعبد بن حميد.

[355] صحيح البخاري 3/229 كتاب الشهادات، باب تعديل النساء، 5/153 كتاب المغازي، باب حديث الإفك، 6/130 كتاب التفسير، تفسير سورة النور.

[356] صحيح مسلم 1/340 كتاب الصلاة، باب رقم 36. سنن النسائي 2/172. سنن ابن ماجة 1/315.

[357] شرح نهج البلاغة 2/77.

[358] تاريخ الطبري 3/477. الكامل في التاريخ 3/206.

[359] تاريخ الطبري 3/402.

[360] البداية والنهاية 3/41. المواهب اللدنية 1/46. أسني المطالب، ص25. وهذه الأبيات أورده الأميني رضوان الله عليه في موسوعة الغدير 7/334 وقال: رواها الثعلبي في تفسيره وقال: قد اتفق علي صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب مقاتل وعبدالله بن عباس والقسم بن محضرة وعطاء بن دينار.

[361]

السيرة النبوية 1/352. البداية والنهاية 3/84. أسني المطالب، ص24.

[362] الطبقات الكبري 3/345. المستدرك 3/91. تاريخ الإسلام 3/277. تاريخ الخلفاء، ص106. تاريخ الخميس 2/248. مروج الذهب 2/320. الكامل في التاريخ 3/49.

[363] المستدرك 3/91. الكامل في التاريخ 3/49.

[364] قال السيد أبو القاسم الخوئي أعلي الله مقامه في كتابه معجم رجال الحديث 12/194: إن اسطورة عبدالله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة اختلقها سيف بن عمر الوضاع الكذاب، ولا يسعنا المقام الإطالة في ذلك والتدليل عليه، وقد أغنانا العلامة الجليل والباحث المحقق السيد مرتضي العسكري في ما قدم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية، وعن سيف وموضوعاته، في مجلدين ضخمين طبعا باسم عبدالله بن سبأ، وفي كتابه الآخر خمسون ومائة صحابي مختلق.

[365] علي وبنوه، ص518.

[366] عبدالله بن سبأ للهلابي، ص26.

[367] تهذيب التهذيب 4/259. ميزان الاعتدال 2/255. تهذيب الكمال 12/326.

[368] تهذيب التهذيب 4/259. ميزان الاعتدال 2/255. تهذيب الكمال 12/326.

[369] تهذيب التهذيب 4/259. ميزان الاعتدال 2/255. الجرح والتعديل 4/278.

[370] تهذيب التهذيب 4/260. وعده في الضعفاء في كتابه الضعفاء والمتروكون، ص243.

[371] تهذيب التهذيب 4/260. تهذيب الكمال 12/326.

[372] ميزان الاعتدال 2/255. تهذيب الكمال 12/326.

[373] تهذيب التهذيب 4/260.

[374] المصدر السابق 4/260.

[375] تقريب التهذيب، ص262.

[376] عبد الله بن سبأ للهلابي، ص13.

[377] أنساب الأشراف 2/383، عن عبدالله بن سبأ للعسكري 2/321. وقال طه حسين في كتابه علي وبنوه، ص519: وابن سبأ عند البلاذري ليس ابن السوداء، وإنما هو عبد الله بن وهب الهمداني.

[378] تاريخ دمشق 34/1. لسان الميزان 3/289.

[379] الفرق بين الفرق، ص235.

[380] الفرق بين الفرق، ص234. الفصل في الملل والأهواء والنحل 5/36.

[381] قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/426: عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، ضال مضل، أحسب أن عليا حرقه

بالنار.

[382] تاريخ دمشق 34/7.

[383] المصدر السابق.

[384] الفرق بين الفرق، ص235. تاريخ دمشق 34/2. البداية والنهاية 7/174.

[385] قال الدكتور عبد العزيز الهلابي في كتابه عبدالله بن سبأ، ص40: يمكن أن نلخص موقف سيف في رواياته عن أحداث الفتنة بالنقاط التالية: 1 _ الدفاع عن عثمان وأم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وولاة عثمان، وتبرير مواقفهم حتي لو بلغ به الأمر إلي اختلاق الروايات وتحريفها. 2 _ النيل من الخليفة علي بطريق غير مباشر. 3 _ تجريح كل من انتقد الخليفة عثمان أو طعن في ولاته في الأمصار، أو انضم إلي جانب الخليفة علي في البصرة، سواء كان هؤلاء من الصحابة أم من غيرهم. 4 _ التصدي للروايات الشيعية التي تنال من عثمان وعائشة وطلحة والزبير بروايات متاقضة أو مضادة... إلي آخر ما قال.

[386] راجع مجمع الرجال 3/284. وتنقيح المقال 2/184. ومعجم رجال الحديث 10/192 _ 194.

[387] رجال العلامة الحلي، ص237. وهي عين عبارة ابن طاووس كما في التحرير الطاووسي، ص173.

[388] تنقيح المقال 2/183 _ 184.

[389] تنقيح المقال 2/184.

[390] صحيح مسلم 4/2168 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب رقم 16. سنن النسائي 7/72. مسند أحمد 6/115. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 3/831.

[391] مسند أحمد 1/257. مجمع الزوائد 8/225، وقال: رواه الطبراني والبزار، ورجال الصحيح. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/100. صحيح ابن خزيمة 1/330. المطالب العالية 4/29.

[392] الطبقات الكبري 3/212. تاريخ الطبري 2/460. البداية والنهاية 6/307. مجمع الزوائد 5/183.

[393] سورة الزخرف، الآية 36.

[394] سورة مريم، الآية 83.

[395] سورة الشعراء، الآيتان 221، 222.

[396] سورة النساء، الآية 38.

[397] صحيح مسلم 1/137 كتاب الإيمان، باب رقم 71. مسند أحمد 4/217.

[398] سورة التوبة، الآية 71.

[399] سورة المائدة، الآيتان 55 _ 56.

[400] سبق

تصحيحه وتخريجه في صفحة 119، 157.

[401] سورة البقرة، الآية 124.

[402] سورة الأنبياء، الآيتان 72، 73.

[403] سورة السجدة، الآية 24.

[404] سورة القصص، الآية 5.

[405] مسند أحمد 3/129، 183. مسند أبي داود الطيالسي، ص125، 284. حلية الأولياء 3/171، 5/8، 7/242، 8/123. مجمع الزوائد 5/192. السنن الكبري 3/121. كتاب السنة، ص517، 518. المعجم الصغير للطبراني 1/152. الجامع الصغير 1/480. صحيح الجامع الصغير 1/534. إرواء الغليل 2/298. وقد نص علي تواتر هذا الحديث السيوطي في «قطف الأزهار المتناثرة»، ص248، والكتاني في «نظم المتناثر»، ص169.

[406] سبق تخريج مصادره وتصحيحه في صفحة 119، 157.

[407] سنن الترمذي 5/632. مسند أحمد 4/437 _ 438، 5/356. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/42. المستدرك 3/110 وصححه ووافقه الذهبي. سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/261، 263.

[408] سبق تخريج مصادره في ص73.

[409] سبق تخريج مصادره في ص74.

[410] صحيح البخاري 1/10 كتاب الايمان، باب رقم 2. صحيح مسلم 1/45 كتاب الايمان، باب رقم 5. سنن الترمذي 5/5. سنن النسائي 8/107. مسند أحمد 2/26، 93، 120، 143، 4/363. صحيح ابن خزيمة 1/159، 3/187. السنن الكبري 4/199. الإحسان بترتيب ابن حبان 1/188، 3/3. صحيح سنن النسائي 3/1029. إرواء الغليل 3/248.

[411] تقدم في صفحة 122 من هذا الكتاب.

[412] سبق تخريج مصادره في صفحة 144.

[413] الجامع الصغير 2/680 ورمز له بالحسن. مجمع الزوائد 9/174. المطالب العالية 4/74، 374. إحياء الميت، ص37، 45. الخصائص الكبري 2/266. فضائل الصحابة 2/671.

[414] صحيح البخاري 1/103 كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة. سنن النسائي 7/75، 8/105، 109.

[415] سنن النسائي 8/105.

[416] صحيح البخاري 1/103.

[417] سورة النساء، الآية 94.

[418] نور الابصار، ص200، والأبيات موجودة في الديوان، ص90.

[419] الانتقاء في فضائل الثلاثة الائمة الفقهاء، ص91.

[420] تذكرة الحفاظ 2/549. العبر 1/372. ميزان الاعتدال

1/75.

[421] طبقات الحفاظ، ص244.

[422] راجع تهذيب التهذيب 1/158. ميزان الاعتدال 1/75.

[423] تذكرة الحفاظ 1/176. سير اعلام النبلاء 7/79.

[424] طبقات الحفاظ، ص78.

[425] شذرات الذهب 1/257.

[426] راجع تهذيب التهذيب 2/207. ميزان الاعتدال 1/457. تهذيب الكمال 5/568. سير اعلام النبلاء 7/79. تاريخ بغداد 8/265.

[427] راجع ما كتبناه عن هؤلاء الرواة في كتابنا دليل المتحيرين، ص358 _ 359.

[428] كل من خالط الشيعة الامامية وجاورهم يتضح له انهم يتوددون إلي اهل السنة، ولا يحملون حقدا ولا ضغينة علي احد منهم. قال الشيخ محمد ابو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الاسلامية 1/50: والاثنا عشرية يوجدون الآن في العراق... وهم عدد كبير يقارب النصف، يسيرون علي مقتضي المذهب الاثنا عشري في عقائدهم ونظمهم في الاحوال الشخصية والمواريث والوصايا والاوقاف والزكوات والعبادات كلها، وكذلك أكثر أهل إيران، ومنهم من ينبثون في بقاع من سوريا ولبنان وكثير من البلاد الاسلامية، وهم يتوددون إلي من يجاورونهم من السنيين ولا ينافرونهم.

[429] الكافي 2/636.

[430] المصدر السابق.

[431] وسائل الشيعة 5/382.

[432] سورة الفتح، الآية 29.

[433] الصواعق المحرقة، ص243. وراجع تفسير القرآن العظيم 4/204.

[434] الجامع لأحكام القرآن 16/296.

[435] سورة الانعام، الآية 116.

[436] سورة الزخرف، الآية 78.

[437] سورة يوسف، الآية 103.

[438] سورة الأعراف، الآية 178. سورة يوسف، الآية 21. سورة النحل، الآية 38. سورة الروم، الآية 6. سورة القصص، الآية 30, سورة سبأ، الآية 36.

[439] سورة آل عمران، الآية 159.

[440] سورة الشوري 38.

[441] تفسير القرآن العظيم 1/420.

[442] التفسير الكبير 9/67.

[443] الجامع لأحكام القرآن 16/37.

[444] قيل: لا يدخل في الشوري إلا أهل المدينة. وقيل: خصوص الصحابة. وقيل: أهل الحل والعقد. وقيل: سائر المسلمين. وقيل غير ذلك.

[445] الجامع لأحكام القرآن 4/251.

[446] سورة البقرة، الآية 124.

[447] سورة النساء، الآية 59.

[448] صحيح مسلم 4/1883 كتاب

فضائل الصحابة، باب فضائل اهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفي رواية قال (صلي الله عليه وآله وسلم): رب إن هؤلاء أهل بيتي (المستدرك 3/108 _ 109 وصححه ووافقه الذهبي). وفي رواية أخري قال: اللهم هؤلاء أهلي (المستدرك 3/146 وصححه ووافقه الذهبي أيضا). راجع روايات الباب في كتابنا دليل المتحيرين ص206 _ 209.

[449] أخرجه أبو داود في سننه 4/106، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/807..

[450] تاريخ بغداد 13/349.

[451] راجع ما كتبه الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة في تاريخ بغداد 13/369 _ 451، وكذلك ما كتبه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 8/449.

[452] تهذيب التهذيب 3/403.

[453] جامع بيان العلم وفضله 2/157.

[454] المصدر السابق 2/160.

[455] المصدر السابق 2/150 _ 163.

[456] هو مذهب الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وهو مذهب الشيعة الامامية الجعفرية الاثني عشرية.

[457] يعني بالنعمان أبا حنيفة، ومحمد هو الشافعي، وأحمد هو ابن حنبل.

[458] منظومة الشهاب الثاقب، ص119 _ 120.

[459] راجع ما كتبناه حول هذه الآية في كتابنا دليل متحيرين، ص206 _ 215.

[460] عن فتح القدير 4/279.

[461] راجع فتح القدير 4/279. سنن الترمذي 5/351. مسند أحمد 6/292، 304. المستدرك 2/416 وصححه ووافقه الذهبي. تفسير القرآن العظيم 3/484، 485. الدر المنثور 6/603، 604. الجامع لأحكام القرآن 14/183.

[462] سورة المائدة، الآية 55.

[463] راجع تفسير القرآن العظيم 2/71. الدر المنثور 3/104 _ 106. جامع البيان في تفسير القرآن 6/186. الجامع لأحكام القرآن 6/221 _ 222. فتح القدير 2/53. الكشاف 1/347. التفسير الكبير 12/26.

[464] سورة التوبة، الآية 71.

[465] سورة الشوري، الآية 23.

[466] صحيح مسلم 4/1873 كتاب الفضائل، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الجامع الصغير 1/244 ورمز له بالصحة. وصححه

الالباني في صحيح الجامع الصغير 1/287 وتخريج شرح العقيدة الطحاوية، ص490. كتاب السنة، ص629.

[467] سنن الترمذي 5/625 وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة 1/50. مسند أحمد 1/207، 208، 4/165. المستدرك 4/75. مجمع الزوائد 1/88، 9/170. الفردوس بمأثور الخطاب 4/361.

[468] سنن الترمذي 5/664 وقال: حديث حسن.

[469] لوامع الأنوار البهية 1/227.

[470] الإبانة عن اصول الديانة، ص78.

[471] المصدر السابق، ص82.

[472] لوامع الانوار البهية 1/225.

[473] طبقات الشافعية 3/353.

[474] صحيح البخاري 8/62 كتاب الاستئذان، الباب الاول. صحيح مسلم 4/2183 كتاب الجنة، باب رقم 11.

[475] أبو هريرة، ص60.

[476] صحيح البخاري 6/157 كتاب التفسير، سورة الزمر.

[477] صحيح البخاري 8/168 كتاب الايمان والنذور، باب الحلف بعزة الله وصفاته 9/143 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالي (أنا الرزاق ذو القوة المتين). صحيح مسلم 4/2188 كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب رقم 13.

[478] صحيح البخاري 6/173 كتاب التفسير، سورة ق. صحيح مسلم 4/2187 _ 2188.

[479] صحيح البخاري 8/147 كتاب الرقاق، باب الصراط جسر جهنم. 9/156 كتاب التوحيد، باب وكان عرشه علي الماء. صحيح مسلم 1/163، 167 كتاب الايمان، باب معرفة طريق الرؤية.

[480] صحيح البخاري 7/118 كتاب الذبائح والصيد، باب ما ذبح علي النصب والاصنام.

[481] صحيح البخاري 1/74 كتاب الغسل، باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب، 1/155 كتاب بدء الأذان، باب هل يخرج من المسجد لعلة، وباب إذا قال الامام مكانكم حتي رجع. صحيح مسلم 1/422 _ 423 كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

[482] صحيح مسلم 4/2007 كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة. وراجع صحيح البخاري 8/96 كتاب الدعوات، باب قول النبي صلي الله عليه وآله

وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة.

[483] صحيح البخاري 1/64 كتاب الوضوء، باب البول قائما وقاعدا. وراجع الباب الذي يليه، وهو باب البول عند سباطة قوم، وباب البول عند صاحبه والتستر بالحائط. صحيح مسلم 1/228 كتاب الطهارة، باب رقم 22.

[484] صحيح مسلم 1/268 كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة. صحيح البخاري 5/51 كتاب فضائل أصحاب النبي، باب بنيان الكعبة.

[485] صحيح البخاري 2/20 كتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، وباب سنة العيدين لأهل الإسلام، وباب إذا فاته العيد يصلي ركعتين. 4/225 كتاب المناقب باب قصة الحبش. صحيح مسلم 2/607 _ 609 كتاب صلاة العيدين، باب رقم 4.

[486] صحيح البخاري 4/19 كتاب الجهاد، باب الدعاء بالجهاد والشهادة. صحيح مسلم 3/1518 كتاب الإمارة، باب رقم 49.

[487] صحيح مسلم 1/238 كتاب الطهارة، باب حكم المني.

[488] صحيح مسلم 1/240.

[489] السنن الكبري 2/417.

[490] صحيح البخاري 9/38 كتاب تعبير الرؤيا، الباب الأول. مسند أحمد 6/233.

[491] للأطلاع علي المزيد من أمثال هذه الاحاديث راجع كتاب (أبو هريرة) للسيد عبدالحسين شرف الدين رضوان الله عليه، وكتاب (تأملات في الصحيحين) لمحمد صادق نجمي، وكتاب (فاسألوا أهل الذكر) للدكتور محمد التيجاني السماوي.

[492] صحيح البخاري 1/133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، باب تضييع الصلاة عن وقتها.

[493] مقدمة ابن خلدون، ص444. وأحاديث الموطأ المطبوع تنيف علي الف وثمانمائة حديث أكثرها مراسيل، ولعل المسند منها ثلاثمائة حديث أو نحوها.

[494] تفسير الكشاف 4/310.

[495] جلد عميرة هو الاستمناء.

[496] رواه بعضهم هكذا: وأباح مالك اللواط تكرما في ظهر جارية وظهر غلام.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.