هويه التشيع

اشارة

سرشناسه : وائلي، احمد

عنوان و نام پديدآور : هويه التشيع/ احمد الوائلي ؛ تحقيق موسسه السبطين عليهم ا السلام العالميه.

مشخصات نشر : قم: موسسه السبطين العالميه ، 1428ق = [1386].

مشخصات ظاهري : 285، [2] ص.

شابك : 16000 ريال 978-964-8716-51-1 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ سوم.

يادداشت : چاپ اول: 1426ق = [1384].

يادداشت : كتابنامه: 286 - 287، همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : شيعه -- عقايد

موضوع : شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها

شناسه افزوده : موسسه السبطين العالميه

رده بندي كنگره : BP211/5 /و2ھ9 1386

رده بندي ديويي : 297/4172

شماره كتابشناسي ملي : 1261259

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الأطهار وصحبه الأبرار ومن تبعهم بإحسان وبعد: لقد كان لهذا الكتيَّب علي وجازته صدي استحسان في نفوس القراء وذلك للمنهج الذي اختطه هذا الكتاب أكثر منه للكتاب نفسه لوضوح أنّ مضمون الكتاب ليس من الضخامة بحيث يشكل رقماً فريداً بل هو بضعة وريقات ربما أحسن فيها التعبير وحسن الإختيار والإلتفات لمواطن ذات وقع خاص بالنفوس ذلك مضافاً للمنهج، وكان من المؤشرات علي إقبال القراء عليه نفاذ نسخ الطبعة سريعاً مع أنّنا لم ننوه عنه في صحيفة أو دعاية بل طرح في السوق بصورة عادية. إنّ هذه الظاهرة تشجعنا علي الكتابة في أمثال هذا الموضوع مما هو محل أخذ ورد بين فرق المسلمين لا لزيادة الركام بل لصهره حتي يذوب علي أن يكون من وراء الكتابة في هذه المواضيع روح مؤمن سنشد وجه الله تعالي ويتوخّي إزالة الضباب عن طريق المعالم المشتركة بين المسلمين في مختلف أبعاد الحضارة الإِسلامية مما هو في حكم شرعي أو عقيدة إسلامية أو تاريخ مسلم، ولعل من نافلة القول أن ننوّه بأنّ ثمرات الأقلام النظيفة من الوسائل الناجعة لخدمة المسلمين ومن الطرق الصحيحة لتفاهم المسلمين.

هذا بالإضافة إلي أنّ ذلك يقطع الطريق علي الأقلام المأجورة التي ترتزق [ صفحه 4] باشعال النار وبث الألغام في المجتمع المسلم مما نراه عند كثير من المأجورين بين آونة واُخري حيث يزيد ذلك من قناعتنا بأنّ وراء ذلك أصابع تقليدية ما برحت تمارس لعلبتها الخبيثة كلما سنحت لها الفرص. وأكرر ما سبق أن أشرت إليه في الطبعة الأولي عن وجود شيء من التشنّج في التعبير مما قد يعتبر كاشفاً عن ضغن أو حقد _ معاذ الله _ في حين لا يعدو أن يكون غضبة إيمانية من روح حساس إزاء كل ما يمس وحدة المسلمين وقد يبرره تصور بفاعلية هذا الأسلوب من غيره. ولما كان الكمال لله وحده والإِنسان محل النقص كانت محاولة الإزدياد في التكامل من الأمور الحبوبة. ومن هذا المنطق قمت بشيء من التهذيب والإضافات التي أراها متممة لمواضيع الكتاب. وأملي بالقارئ الكريم أن يري في الكتاب صورة من صور النقد الموضوعي البنّاء. وصرخة في وجه بعض هواة الشتائم الذين ينبزون غيرهم بأمر هو عندهم قبل كونه عند خصومهم ولكنّ الهوي يعمي ويصم. وما أروع ما قيل من أنّ شخصاً قيل له: لماذا تبدّلون حرف الذال بالزاء والقاف بالغين في نطقكم؟ فقال: كلا (نحن لا نغول زلك) وفي نهاية هذه السطور أدعو القارئ الكريم أن يوجهني بالتنبيه علي ما في الكتاب من عيب أو شطحات فالمؤمن مرآة المؤمن. هدانا الله لما يحب ويرضي والحمدلله أولاً وآخراً. المؤلف [ صفحه 5]

مقدمة الطبعة الاولي

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين وبعد: هناك اُمور لا غنيً لقارئ هذا الكتاب عن الإلمام بها قبل الدخول في صلب الموضوع لأنّها تتضمن الإجابة لما

قد يعنّ للقارئ من سؤال خلال قراءته للكتاب كما أنّها ستجعل القارئ يفهم الكتاب في حدود عناوينه لئلا يكبر العنوان علي المعنون أو العكس. وتتخلص هذه الاُمور في الآتي: 1 _ قد يتبادر إلي ذهن القارئ من عنوان الكتاب _ هويّة التشيّع _ أنّ الكتاب سيبحث كل ما للتشيع من سمات وخواص سواء كانت من المقوّمات أو من السمات التي اُضيفت إليه. ولكي اُبعد القارئ عن هذا التصوّر: اُلفت نظره إلي أنّي لم أستوعب كل ما للتشيع من نعوت وصفات إنّما تعرضت هنا لاُمور تكفي لإيضاح هوية التشيع وفي الوقت ذاته يدور حولها نزاع بين مختلف الفرق الإِسلامية من جانب وبين الإِمامية من فرق المسلمين وما يزال الجدل يحتدم حولها برغم ما كتب حولها وبرغم إشباعها بالبحث منذ أزمنة طويلة وهي تتناول من التشيع جوانب عرقية وجوانب فكرية. 2 _ وعلي وجه القطع هناك كثيرون كتبوا في موضوع الشيعة والتشيع كتباً أكثر عمقاً وأوفي استيعاباً وأطول نفساً مما كتب هنا ولكني أتصور أنّي عالجتها هنا بنمط وأسلوب يختلف عن أنماط الأخري، ولست أريد أن أفضّل هذا النمط [ صفحه 6] الذي اخترته علي الأنماط الاخري ولكنّي أعتقد أنه أوصل إلي نفس القارئ من غيره فإن كان ذلك هو الواقع فهو المطلوب وإلا فلست بأول من اجتهد وأخطأ وما أكثرهم علي امتداد تاريخنا. 3 _ وسيجد القارئ في ثنايا هذا الكتاب بعض الإلتهابات التي سببتها الجروح المزمنة في تاريخ المسلمين وسيجد ما يتبع الإلتهابات من ألم وتشنج مما هو ظاهرة طبعية لا طبيعية يسببها إفلات الزمام أحياناً بالرغم من ترويض الأعصاب وقسرها علي التحمل، وكل من مارس الكتابة في آمثال هذه المواضيع يعلم مقدار الحرج والمشقة

في ضبط الأعصاب هنا لما يري _ ومع الأسف الشديد _ من مناولات بين فرق المسلمين فيها كثير من عدم الموضوعية وقفدان الشعور بمسؤولية الكلمة وأهميتها الأمور الذي تكوّن معه علي مرّ الأيام خزين وركام من التركة الخطرة والوباء الأسود الذي يعمد بين الآونة والاُخري جماعة ممن هم ليسوا ببعيدين عن الشبهات إلي إثارته والإصطياد خلال أجوائه المظلمة وسوف يبقي هذا الوضع خطراً ما دام هذا الركام موجوداً علي متناول أيدينا دون أن نعمل علي تصفيته وتسليط الأضواء عليه وتعريته تعرية كاملة لنصل إلي رأي في وجوده وآثاره. وأعود لأقول إنّ ضبط الأعصاب في مثل هذا الموقف أمر ليس بالهينّ بداهة ان الإِنسان مسير بأموره النفسية أكثر مما هو مسير باُموره العقلية إلا من عصمه الْخُلُق وهذبه الدين والله المسؤول أن يجعلنا منهم. 4 _ وقد يقول قائل: إنه مع ما ذكرت آنفاً فما هي جدوي الكتابة في أمثال هذه المواضيع؟ ونحن نجد إصراراً عجيباً علي طرحها كل مرة كما هي كأنّها لم تعالج ولم يكثر حولها الأخذ والرد ولم تحصل الإجابة علي مضامينها في أكثر من مورد ومورد. إنّ هذه الوضعية تكاد تجعل الإِنسان يقتنع بعدم جدوي علاج أمثال هذه الاُمور والحريص علي الوقت من أن يُهدر في أمثال هذه الميادين، وللإجابة علي ذلك أقول: إنّ افتراض أنّ الباب موصد في وجه [ صفحه 7] الإصلاح هو انهزامية أمام التحدي. وما كانت الفتوح في أي ميدان إلا مقابلة التحدي بمثله. إنّ الباحثين عن الواقع لم يخل منهم عصر من العصور، وإنّ الذين غلبت عليهم شبهات تاهوا فيها ليسوا بالقليلين وترك أمثال هذين بدون التعاون معهما أمر ليس مما يستسيغه من يحمل رسالة في دفع

الحياة إلي الأفضل كما أنه ليس من الدين في شيء. إنّ تمكين الأقلام المشبوهة من نفوس المسلمين وأفكارهم لتتخذ منها فرائس هو إسهام بشكل وآخر مع تلك الأقلام فيما تجترحه من آثام. إنّنا. مدعوون لكنس هذا الركام عن طريق المسلمين حتي يكون الدرب سمحاً لا حباً أمام خطاهم. وكل نتائج تحرز في هذا الميدان هي فتح وانسجام مع دعوة الإِسلام للجهاد بالقلم والفكر وليس في المنطق فس شيء أن نترك المريض يصارع الداء بدون أن نعطيه جرعة دواء ونحن نملك القدرة فيما نظن علي ذلك. وكم من إِنسان عاش دهراً طويلاً فريسة لعجز أو عصبية ثم رجع إلي الموضوعية نتجية إلحاح الأقلام علي تنقية الأجواء خصوصاً إذا استطاعت الأقلام أن تسافر بنا عبر دنيانا إلي فجرنا الأصيل الذي شع بالتسامح ورفت فيه نسائم من نقاء الروح وطهر الضمير وطبعت الحياة فيه علي مزاج الإِسلام الطهور. 5 _ وما يهوّن الخطب أنّ مواطن الخلاف بين فرق المسلمين منذ كانت لم تصل إلي الاُصول وإنما هي في نطاق الفروع وإن حاول كثير منهم أن يوصلها إلي الأصول عن طريق عناوين ثانوية ولوازم تحاول الدخول من أبواب خلفية. لكنّها وبشيءٍ من التأمل والتحليل ترتد عن الأصول إلي الفروع وما دام الإِسلام في روحه الكريمة يفترض الصحة في فعل المسلم ابتداءاً فعلينا معالجة هذه الاُمور بوحي من هذا الروح. وما دامت العقول متفاوتة والمدارك مختلفة فمن المنطق أن نقول إنّ الإختلاف في مسائل الفكر سنة الكون وسجية النفوس وخاصة العقول وإنما يحمل علي نسيان هذه الحقائق الاُفق الضيق والعصبية الرعناء والتسرع في الإندفاع وما أجدرنا بالإبتعاد عنها. [ صفحه 8] 6 _ ولما كانت مواضيع الكتاب ومسائله مختلفة فسوف

لا يجد القارئ وحدة في الموضوع واتبعاً لذلك فسيختلف أسلوب المعالجة ونمط التناول والمزاج الذي يمليه الموقف. مع إدراكنا أنّ هذه المسائل يجمعها عنوان العقائد ولكنّ أجزاء هذا العنوان متنوعة. ونحن ندرك أنّ تسمية كثير مما يحمله الإِنسان المسلم وينتحله عقيدة فيه كثير من التجوز، فقد لا يعتقد ولا يدين بما يحمله من أفكار أحياناً وإنما هو مجرد شعار تمليه مصلحة أو تحتمه عصبية أو تفرضه تقاليد درج عليها الإِنسان. وهذا هو سر تمسك بعض الناس بأفكار يعلم بطلانها سلفاً ولكنّه التمذهب الإيديولوجي الناتج من مختلف الأسباب والذي هو من مصائبنا التي نرجو أن يعافينا الله منها. 7 _ وكل الذي أرجوه من القارئ أن لايسمي بعض معالجات هذا الكتاب دعوة للطائفية عن طريق الدعوة إلي ترك الطائفية مما هو من قبيل المصادرة علي المطلوب. وذلك لأنّ منطق المقارعة أحياناً من طرق تصحيح المسار فإنّ مبضع الجراح لا يريد الإنتقام وإن سبب ألماً. وإنّ وضع السيف أمام السيف قد لا يكون دعوة إلي القتال بل دعوة إلي تركه وإنّ الحمل علي باب شرب الدواء ليس عن بغض وإن كان الدواء مرّاً. وستبقي الأهداف دائماً وراء الأعمال تحدد هوياتها وتشكل مبرراً لما قد يكون في وسائلها من قسوة شريطة أن لا تنزل الوسائل إلي المستويات الملوثة وما دام الهدف كبيراً فسوف تستساغ بعض الوسائل في حالات كثيرة كما يمليها العقل ويقرها الواقع. 8 _ وبعد ذلك كله فإنّي ومن منطلق كوني إمامياً أدعو كل قارئ أن يتلبس الأدوار التي مرت بالشيعة والظروف والملابسات التي اكتنفتهم وجوداً واستمراراً ثم يتصوّر ما تفرزه تلك الحالات من مظاهر سلوكية حتي تكون معياراً بين يديه يفسر خلال أجوائها المعاشة كثيراً

من مظاهر السلوك الفكري والإجتماعي عند الشيعة وبذلك يبتعد عن الشطط في الحكم عليهم. فإذا رآهم يشددون علي فكرة التقية فليعلم أنهم لم يخرجوا بها عن نطاق واقع مرّ. [ صفحه 9] تكيّفوا معه ضمن مقاييس الشرع، وإذا رأي أنّ ردود الفعل عن بعضهم في بعض المواقف عنيفة فلا ينسي عنف الفعل ذاته وهكذا ليكن الإِنسان نفسه مقياساً للآخرين وميزاناً يزن به سلوك غيره. 9 _ أضمّن هذه الوريقات دعوة إلي كل فرق المسلمين أن يدرسوا بعضهم البعض بروح عملية وأن يتبينوا هذه الخلفيات المشبوهة التي لعبت دوراً كبيراً وما زالت في تمزيق المسلمين ثم ليقيموا نتائج هذا الوضع ليروا من هو الذي يقطف الثمار من وراء هذا الوضع وبعد ذلك كله نحن مدعوون إلي وضع التاريخ في ساحة الإتهام وبالحروف الكبيرة لنحاكمه وننتهي إلي التخلص من كثير من مآسيه التي نعيشها فالتاريخ فاعل في داخلنا وإن بعد العهد بيننا وبين مواده ومكوناته. نسأل الله تعالي العون علي مسيرتنا في درب الحياة الوعر وإضاءة طريقنا بنور منه والحمد لله أولاً وآخراً. [ صفحه 11]

تمهيد

التشيع لغة: هو المشايعة أي المتابعة والمناصرة والموالاة [1] . فالشيعة بالمعني اللغوي هم الأتباع والأنصار وقد غلب هذا الإِسم علي أتباع عليٍّ عليه السلام حتي اختص بهم وأصبح إذا اُطلِق ينصرف إليهم. وبهذا المعني اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة كما في قوله تعالي: (وإنَّ من شيعته لإِبراهيم) 83 الصافات وكقوله تعالي: (هذا من شيعته وهذا من عدوِّه) 15 القصص. التشيع إصطلاحاً: هو: الإِعتقاد بآراء وأفكار معينة وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرة وقلة وسيمر علينا ذلك مفصلاً فالتشيع بالمعني الثاني أعم منه بالمعني الأول. وبينهما من

النسب عموم وخصوص مطلقاً والعموم في جانب التشيع بالمعني الثاني لشموله لكلِّ منهما. وانطلاقاً من كون التشيع اعتقاداً بآراء معينة ذهب العلماء والباحثون تبعاً لذلك إلي تعريفه علي اخلاف بينعم في سعة مدي هذه التعاريف وضيقه وإليك نماذج من تعريفاتهم: [ صفحه 12] 1 _ الشهيد الثاني في كتابه شرح اللمعة قال: «والشيعة من شايع علياً _ أي اتبعه وقدمه علي غيره في الإِمامة وإن لم يوافق علي إمامة باقي الأئمة، فيدخل فيهم الإِمامة والجارودية من الزيدية والإِسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحية» [2] . 2 _ الشيخ المفيد في كتاب الموسوعة كما نقله عنه المؤلف قال: «الشيعة هم من شايع علياً وقدمه علي أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله واعتقد أنّه الإِمام بوصية من رسول الله أو بإرادة من الله تعالي نصاً كما يري الإِمامية أو وصفاً كما يري الجارودية». وقد نقل هذا المضمون نفسه كامل مصطفي الشيبي في كتابه الصلة [3] . 3 _ الشهرستاني في الملل والنحل قال: «الشيعة هم الذين شايعوا علياً وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصاية أما جلياً وأما خفياً واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده» [4] . 4 _ النوبختي في كتابه الفرق قال: «الشيعة هم فرقة عليِّ بن أبي طالب المسمون بشيعة عليٍّ في زمن النبي ومن وافق مودته مودة عليٍّ» [5] . 5 _ محمد فريد وجدي في كتابه دائرة معارف القرن العشرين قال: «الشيعة هم الذين شايعوا علياً في إمامته واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج عن أولاده ويقولون بعصمة الأئمة من الكبائر والصغائر والقول بالتولِّي والتبرِّي [ صفحه 13] قولاً وفعلاً إلا في حال

التقية إذا خافوا بطش ظالم» [6] . هذه النماذج من التعريفات إنما قدمتها لنعرف ما هي مقومات التشيع في نظر الباحثين. وقد تبين من بعضها: الإِقطار علي وصف الشيعة بأنّهم يقدمون علياً علي غيره لوجود نصوص في ذلك أو وجود صفات اختص بها ولم تتوفر لغيره والواضح من ذلك أنّ جوهر التشيع هو الإِلتزام بإمامة عليٍّ وولده وتقديمه علي غيره لوجود نصوص عندهم في ذلك وينتج من ذلك الإِلتزام بأمرين: الأول: بما أنّ الإِمامة وليدة النصوص فهي امتداد للنوبة يترتب عليها ما يترتب علي النبوة من لوزام عدي الوحي فإنّ نزوله مختص بالأنبياء. الثاني: أنّ الإِمامة لا تتم بالإِنتخاب والإِختيار وإنّما بالتعيين من الله تعالي فهو الذي ينص علي الإِمام عن طريق النبيّ، وإنما يختاره لتوفر مؤهلات عنده لا توجد عند غيره. أما الزيادة علي ما ذكرناه والتي وردت في التعريفات التي نقلناها والتي قد توجد في كتب الشيعة الاُخري فهي مستفادة من أخبار وهي أعم من كونها من اُصول المذهب أو من اُصول الإِسلام كما سنري ذلك فيما يأتي أنّ الغرض من هذه الإِشارة هو إلقاء الضوء علي نقطة يؤكد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الشيعة وعقائدهم: ألا وهي التأكيد علي إدخال آراء اُريد لها أن تكون خيوطاً تصل بين التشيع واليهودية، أو النصرانية، أو الزندقة. ومحاولة إيصال التشيع لعرقيات معينة. وهي محاولة لا تخفي علي أعين النقاد بأنها غير موضوعية. إنّ هذه المحاولة تريد تصوير التشيع بأنّه تطور لا كما تتطور العقائد والمذاهب الاُخري. وفي التوسع وقبول الإِضافات السليمة نتيجة تبرعم بعض الآراء وإنما هو تطور غير سليم وغير نظيف أفسد مضمون التشيع. [ صفحه 14] وسأستعرض بعض هذه الأقوال لتكون مجرد مؤشر

علي هذا الإتجاه وساُعقّب عليها بما أراه: تطوّر التشيع 1 _ رسم الدكتور عبدالعزيز الدوري هذا التطور عن طريق تقسيمه للتشيع إلي روحيّ بدأ أيام النبي عليه الصلاة والسلام وسياسي حدث بعد مقتل الإِمام عليٍّ، وقد استدل لذلك بأنّ التشيع بمعناه البسيط دون باقي خواصه الإِصطلاحية قد استعمل في صحيفة التحكيم التي نصت علي شيعة لعليٍّ وشيعة لمعاوية مما يعطي معني المشايعة والمناصرة فقط دون باقي الصفات والأبعاد السياسية التي حدثت بعد ذلك [7] . 2 _ محمد فريد وجدي في دائرة المعارف قال: «الشيعة هم الذين شايعوا علياً في إمامته واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج عن أولاده ويقولون بعصمة الأئمة من الصغائر والكبائر والقول بالتولِّي والتبرّي قولاً وفعلاً إلا في حال التقية إذا خافوا بطش ظالم وهم خمس فرق: «كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية» وبعضهم يميل في الاُصول إلي الإِعتزال وبعضهم إلي السنة وبعضهم إلي التشبيه» [8] . إنّ هذه المقتطفة من فريد وجدي سبق أن ذكرت قسماً منها في التعريف بالتشيع، وذكرت هنا المقتطفة بكاملها ليتضح منها أنّ مضمونها يغطي التشيع منذ أيامه الاُلي حتي الآن لأنّ من الواضح أنّ هذه المضامين لم تولد دفعة واحدة وإنما دخلت لمضمون التشيع تدريجاً. وقد خلط فريد وجدي فيها بين السِّمات والمقوِّمات وجعل من ليس من الشيعة منهم ونسب لهم ما هم منه براء ولا اُريد أن أتعجل الرد عليه فستمر علينا أمثال هذه النسب الرد عليها في مكانها من الكتاب. [ صفحه 15] 3 _ الدكتور كامل مصطفي في كتابه الصِّلة قال: «ويتضح بعد ذلك أن التشيع قد عاصر بدء الإِسلام باعتباره جوهراً له، وأنه ظهر كحركة سياسية بعد أن نازع معاوية علياً علي الإِمارة

وتدبير شؤون المسلمين ويتبين بعد ذلك أنّ تبلور الحركة السياسية تحت إسم الشيعة كان بعد قتل الحسين عليه السلام مباشرة وإن كانت الحركة سبقت الإِصطلاح وبذلك يمكننا أن نلخص هذا الفصل في كلمة بيانها أنّ التشيع كان تكتلاً إسلامياً ظهرت نزعته أيام النبي وتبلور اتجاهه السياسي بعد قتل عثمان واستقل الإِصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين [9] وواضح من هذا النص أنّ التشيع مرّ بأدوار تطوّر فيها كما يقول كامل. 4 _ الدكتور أحمد أمين قال: «إنّ التشيع بدأ بمعني ساذج وهو أنّ علياً أولي من غيره من وجهتين: كفايته الشخصية وقرابته للنبي. ولكنّ هذا التشيع أخذ صيغة جديدة بدخول العناصر الاُخري في الإِسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية. وحيث أنّ أكبر عنصر دخل الإِسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع». [10] . وواضح هنا مما ذكره أحمد أمين أن التشيع تطور لا بشيء من داخله وإنما بإضافات واسباغ من عناصر اُخري دخلت الإِسلام واختارت التشيع فنقلت ما عندها من أفكار وعقائد إليه حتي أصبحت جزءاً منه وانّ الفرس بالذات تركوا بصماتهم علي المذهب أكثر من غيرهم كما يريد أحمد أمين أن يصوره. وهو زعم أخذه أحمد أمين من غيره وغيره أخذه من غيره وهكذا حتي أوشك أن يصبح من الاُمور المتسالم عليها عند الباحثين وقريباً ساُوقفك علي زيف هذه الدعوي والهدف من الإِصرار علي ربط التشيع بالفارسية شكلاً ومضموناً. 5_ الدكتور أحمد محمود صبحي قال: [ صفحه 16] «_ بعد ذكر الرواد من الشيعة _ والتشيع بالنسبة للشيعة المتأخرين مثل الزهد في عصر الرسول والخلفاء الراشدين والفرق بينه وبين التصوف الذي شابته عناصر غنوصية وتأثر بتيارات فكرية متباينة كما عرف لدي محيي الدين ابن عربي والسهروردي

مثلاً» [11] . وبعد أن استعرضنا هذه الأمثلة من أقول الكتاب التي فرقوا بها بين التشيع في الصدر الأول وما تلا ذلك من عصور أود أن أعقب علي ذلك بما يلي: 1 _ أنّ كمية الأفكار والمعتقدات في المضمون الشيعي تتسع في الأزمنة المتأخرة عما كانت عليه في الصدر الأول دون شك في ذلك ولكنّ هذه الزيادة ليست أكثر من المضمون الأصلي للتشيع وإنّما هي تفصيل وبيان لمجمله، إنّها ليست بإضافة أجزاء وإنّما هي ظهور جزئيات انطبق عليها المفهوم الكلي للتشيع وقد ظهرت هذه الجزيئات بفعل تطور الزمن. وكمثال لذلك: موضوع النصوص التي وردت علي لسان النبي عليه الصلاة والسلام هل هي مجرد إشارة لفضل الإِمام عليٍّ أم أنها علي شكل يلزم المسلمين بالقول بإمامته وعلي نحو الوصية له بالخلافة وتبعاً لذلك هل أنّ هذه الإِمامة تقف عند حد المؤهلات أم أنّ الإِمام يجب أن يكون النموذج المثالي فيكون أشجع الناس وأعلم الناس وأعدل الناس وهكذا تبرعم موضوع العصمة وغيره. وكل هذه الاُمور داخلة في صلب موضوع الإِمامة وليست هي باُمور زائدة علي الموضوع بل اشتقاقات أولدها التطور الفكري وزيادة أعداد وأنواع معتنقي المذهب. 2 _ إنّ مثل هذا التطور كمثل كل تطور حدث، ومن ذلك تطور الإِسلام بصفته مقسماً للمذاهب. فالمسلمون منذ وجدوا كان من عقيدتهم الإِعتراف بالله عز وجل ووجوده ووحدانيته واتصافه بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص وكل ذلك علي نحو الإِجمال. وعندما اتسعت مجالات التفكير وانفتح العالم الإِسلامي علي اُمم وثقافات متنوعة. تبرعمت أسئلة وجدت أفكار فرجع [ صفحه 17] المسلمون إلي ما آمنوا به إجمالاً يبينون مجمله ويفصلون مختصره، فنشأ من إيمانهم بأنّ الله خالق كل شيء: النزاع بإعطاء السبب

الطبيعي صفة الخلق وذلك يؤدي إلي تعدد الخالق كما تصوروا، أم أنّ ذلك لا يقدح بانفراد الله تعالي بصفة الخالق: إذ أنّ الله تعالي جهة تأثير ليست من مقدورات المخلوقين وكل ما للمخلوقين إنّما هو من جهة اُخري ولا يقدح ذلك في كون الله تعالي أحسن الخالقين. وتبرعمت عن هذه المسألة خلق أفعال العباد وربط ذلك كله بالجبر والإِختيار وهكذا. ومثل آخر هو إيمان المسلمين منذ وجدوا بحجية ظواهر القرآن الكريم فنشأ من ذلك النزاع حول حجية ظواهر بعض الآيات لأنّ لاّزم ذلك نسبة ما لا يصح إلي الله تعالي وذلك مثل قوله تعالي: (وجوه يؤمئذ ناضرة إلي ربها ناظرة) 22/سورة القيامة. حيث ذهب أهل السنة إلي جواز رؤية الله تعالي يوم القيامة استناداً إلي ظاهر الآية، بينما ذهب الإِمامية إلي استحالة رؤيته تعالي لاستلزام الرؤية الجسمية وبالتالي التركيب فالحاجة فالحدوث وانتهاء كل ذلك إلي نفي الاُلوهية وقد أولوا النظر هنا بأنّه انتظار الرحمة كما يقول شخص لآخر ينتظر منه الرحمة أنا أنظر إليك وإلي عطفك وذلك شائع في لغة العرب وحضارتهم والقرآن نزل بلغة العرب وسلك منهجهم في المحاورات. هذا بالإِضافة إلي أنّ الله تعالي نسب هنا النظر إلي الوجوه وهي ليست من أعضاء النظر من قبيل قوله تعالي: (ما ينظرون إلا صحية واحدة تأخذهم وهم يخصمون) 49/يس. مثال آخر أذكره للتدليل علي اتساع المضمون الإِسلامي عما كان عليه في الصدر الاأول فقد آمن المسلمون منذ وجدوا بأنّ الله تعالي لا يفعل العبث وجاءت ظواهر الآيات تؤيد ذلك فقد جاء في قوله تعالي: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) 2/سورة الملك. وجاء بقوله: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) 38/الدخان. فتنازع المسلمون بعد ذلك

في أنّ أفعال الله تعالي هل هي معللة ولازم ذلك نسبة النقص إلي الله لأنّ كل فاعل للعلة إنما يحتاج لتلك العلة، أم أنّ أفعاله تعالي غير معللة ولازم ذلك أنّ فعله [ صفحه 18] عبث تعالي الله عن ذلك، فذهب أهل السنة إلي أنّ أفعاله غير معللة، وذهب الإِمامية إلي أنّها معللة بدون حاجة منه تعالي للعلة وإنما يعود نفع العلة للعباد أنفسهم وبذلك يجمع بين الأمرين من كونه تعالي لا يفعل العبث ومن كونه غنياً عن الحاجة. ومع جميع ما ذكرناه لا يقال إنّ المسلمين تطورت عقائدهم وزاد مضمون الإِسلام عما كان عليه في الصدر الأول وإنما الذي حدث أنّ المسلمين توسعوا في شرح الاُمور المجملة عندما اضطروا لذلك نتيجة تفاعلهم مع ثقافات مختلفة وأفكار متنوعة فالمسلم في صدر الإِسلام والمسلم في أيامنا مصدر تشريعه الكتاب والسنة ولكنّه فيما مضي أخذهما مجملين والآن احتاج إلي التفصيل لوجود دواعي وجدت ولم تكن موجودة في الصدر الأول فإذا كان التطور المنسوب إلي التشيع علي هذا النحو الذي حدث في الإِسلام نفسه فهو واقع بهذا المعني لا نزاع في ذلك، أما إذا كان استحداث آراء جديدة وبعيدة عن روح الإِسلام فلا لأنّ كل ما يأباه الإِسلام يأباه التشيع بالضرورة إنّ التطور الذي حدث في الإِسلام علي الشكل الذي ذكرناه لم يشكل قدحاً في عقائد فرق المسلمين، وإذا كان ماحدث في التشيع من تطور مثل ما حدث في الإِسلام ككل فما له هنا يشكل قدحاً في العقيدة ويثير شكوكاً لا مبرر لها؟. 3 _ ومع التنزل وافتراض دخول عضو إضافي علي جسم التشيع كما يريد أن يثبته البعض اعتباطاً وهي منفي فإنّ مثل هذا الفرض يأباه الفكر

الشيعي إذا كان مما لا يلتقي مع كتاب الله تعالي وسنة نبيه صلّي الله عليه وآله والخطوط الإِسلامية العامة، إنّ مثل هذا الفرض هو رأي يرد إلي نحر قائله فكل ما هو ليس من الإِسلام فهو ليس من التشيع في شيءٍ بداهة أنّ التشيع من عطاء فكره أهل البيت وهم عدل الكتاب وهم مثل سفينة نوح فعلي هذا يكون ما ينسب إلي التشيع من هذا القبيل إنما هو خلط بين التشيع والشيعة وكثير ممن يُنعت بأنه من الشيعة يرفضه الهيكل الشيعي فيما له من حدود وهو ما سنمر عليه ونذكر أدلته، والشأن في ذلك شأن التفكير السنيّ الذي ينفي عنه بعض المنتسبين إليه ممن تثبت انحرافهم عن خطوط الإِسلام ولا يقدح وجود أمثالهم عند أهل السنة، ولا يُنتزع من وجود [ صفحه 19] أمثال هؤلاء حكم عام يعمم علي أهل السنة. وعلي اسوإ الفروض لو وجدت أفكار إضافية طارئة علي جسم أي مذهب من المذاهب وزائدة علي محتواه الأصلي كما هو الفرض ولكنّها لا تشكل إنكار ضرورية من ضروريات الدين ولا ردة ولا انحرافاً فإنّ أمثالها لا يبرر رمي من وجدت عنده بالمروق عن الدين والخروج عن الإِسلام وربطهم باليهودية والنصرانية وأمثال ذلك من النسب التي لا يتفوه بها مسلم علي أخيه وله ضمير خلق مسلم يصدر في سلوكه عن تعاليم الإِسلام. فمتي كان القول بالوصاية مثلاً وأنّ لكل نبيّ وصياً وأنّ الأوصياء يجب كونهم معصومين حتي يتحقق الغرض من نصبهم قادة للاُمة والإِعتقاد بأنّ المهديّ حيّ وأمثال ذلك من العقائد موجباً من الدين ومدعاة لشن حملات شعواء كانت وما تزال يجترها الخلف عن السلف دون أن يتبين ما هي مصادرها ودون أن يحللها ويناقشها.

إنّ صرف هذه الطاقات في ميادين التهريج أقل ما يوصف به أنّه عمل غير مسؤول بالإِضافة إلي إمكان توجيه هذه الطاقات إلي ميادين إيجابية في الخلق والإِبداع وفي جمع الشمل ولم الشعث وتنظيف الأجواء الإِسلامية من الحقد والكراهية التي لا يفيد منها إلا أعداء الإِسلام. إنّ الذين يقفون وراء نعرات التشويش والفرقة قوم بعيدون عن روح الإِسلام وجوهره وليسوا ببعيدين عن الشبهات خصوصاً وأنّ أمثال هذه المواضيع يجب أن تبفي محصورة في نطاق العلماء فقط وأن لا تنزل إلي مستوي الأوساط من الناس فضلاً عن العامة وذلك لأنّ للعماء مناعة تبعدهم عن النظرة المرتجلة والنعرة الجاهلية كما هو المفروض إنّ المفاعلات الطائفية في تصوري أخطر علي الإِنسانية من المفاعلات النووية، وحسب تاريخ المسلمين خلافات كانت وما تزال غصة في فم كل مؤمن بالله تعالي وبدينه وكل داع لرسالات السماء التي من أول أهدافها تأصيل الروح الإِنسانية في كل أنماط السلوك عند البشر. [ صفحه 23]

متي بدأ التشيع

فيما مضي في فصل التمهيد انتهينا إلي أنّ التشيع في بداياته ونهاياته واحد وأنّ التطور المفترض فيه ما هو إلا تبرعم أفكار مستنبطة من الاُصول حدثت عند الممارسة. وعناوين هي ثمرة لتفاعل بين أفكار ولمقارعة حجج بعضها ببعض مما يوجد عادة في التاريخ الثقافي لكل نحلة من النحل. والآن لا بد من الرجوع إلي بداية التشيع وبذرته التاريخية واستظهار ما إذا كانت سنخيتها تتحد مع الفكر الإِسلامي أم لا. ثم ما هو حجمها أي البنية الشيعية يوم ولادتها. وما هي أرضية تكوينها. وهل هي عملية عاطفية أم عملية عقلائية إنتهي إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين. ولما كانت هذه الاُمور مما اختلف فيه تبعاً لاستنتاج الباحثين ومزاجهم ومسبقاتهم وما ترجح

لديهم بمرجح من المرجحات فلا بد من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذه المواضيع تكون المادة الخام ثم يبقي علي القارئ أن يستشف الحقيقة من وراء ذلك ويكوّن له رأياً يجتهد في أن يكون موضوعياً. إنّ المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون علي مدي يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الحسين عليه السلام. وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلي آخر الفصل. أ _ رأي يري أنهم تكونوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام. وممن يذهب لهذا: [ صفحه 24] أولاً: ابن خلدون: فقد قال: إنّ الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأنّ الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعليٍّ ويرون استحقاقه علي غيره ولما عدل به إلي سواه تأففوا من ذلك [12] الخ. ثانياً: الدكتور أحمد أمين فقد قال: وكانت البذرة الأولي للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أنّ أهل بيته أولي الناس أن يخلفوه» [13] . ثالثاً: الدكتور حسن ابراهيم فقد قال: ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم فيمن يولونه الخلافة وانتهي الأمر بتولية أبي بكر وأدّي ذلك إلي انقسام الاُمة العربية إلي فريقين جماعة وشيعية [14] . رابعاً: اليعقوبي قال: ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الاُولي للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبدالمطلب [15] . وتعقيباً علي ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي: إنّ بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها علي أنّهم كلهم

من الشيعة. وقد يكون ما قاله صحيحاً غير أنّ المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم علي أنّهم شيعة وستأتي الإِشارة لذلك في محلها من الكتاب [16] . خامساً: المستشرق جولد تسيهر قال: إنّ التشيع نشأ بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وبالضبط بعد حادثة السقيفة [17] . [ صفحه 25] ب _: الرأي الذي يذهب إلي أنّ التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك: جماعة من المؤرخين والباحثين منهم: ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيي هاشم فرغل في كتابه [18] وقد استند إلي مبررات شرحها. ج _: الرأي الذي يذهب إلي تكوّن الشيعة أيام خلافة الإِمام عليٍّ عليه السلام، ومن الذاهبين إلي هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة [19] وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها [20] . د _: الرأي الذي يذهب إلي أنّ ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف علي اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يري بعضهم أنّ بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلي حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب [21] آخرون إلي إنّ وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعاً سياسياً وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلي كثير من المضامين، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب. يقول الدكتور كامل مصطفي إنّ استقلال الإصطلاح الدال علي التشيع إِنما كان بعد مقتل الحسين عليه السلام حيث أصبح التشيع كياناً مميزاً له طابعه الخاص. في حيث

يذهب الدكتور عبدالعزيز الدوري إلي أنّ التشيع تميز سياسياً ابتداءً من مقتل أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين عليه السلام حيث يعتبرها امتداداً للفترة السابقة [22] . وإلي هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإِسلامية حيث [ صفحه 26] يقول: والحق أنّ ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا علي زعمه _ قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب عليٍّ الذي أصبح بعد ملتقي جمع النزعات المناوئة للعرب _ وهو زعم باطل _ واليوم لا يزال ضريح الحسين عليه السلام في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه [23] . إنّ رأي بروكلمان بالإضافة لما فيه من دس يخالف ما عليه معظم من ربط ظهور التشيع بمقتل الحسين حيث يذهبون إلي أنّ التميز السياسي للمذهب ولدته واقعة الطف، بينما يري بروكلمان أن لا أثر سياسي للواقعة فهو من قبيل إنكار البدهيات وإنما يقصر أثر الواقعة علي تعميق المذهب دينياً فقط. وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيي فرغل مفصلاً في كتابه [24] إنّ هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر الرأي الخامس ومنه يتضح تماماً أنّ هذه الآراء تستند إلي أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكة بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول. وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم: ه_ _: رأي الشيعة وغيرهم من المحقيين من

المذاهب الاُخري. حيث ذهب هؤلاء إلي أنّ التشيع ولد أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وأنّ النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وكشفت عما لعليٍّ عليه السلام من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلي الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها: ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبدالله قال كنا عند النبي صلي الله عليه وآله وسلّم فأقبل عليّ عليه السلام [ صفحه 27] وفقال النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة: فنزل قوله تعالي: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية) وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالي: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لعليٍّ عليه السلام هم أنت وشيعتك. وأخرج ابن مردويه عن عليٍّ عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم: ألم تسمع قوله تعالي: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاُمم للحساب تدعون غراً محجلين [25] ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلي أنّ أول إسم لمذهب ظهور في الإِسلام هو الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسي وبعد صفين اشتهر موالي عليٍّ بهذا اللقب [26] . إنّ هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإِمامة فيقول: ولا

تفيد الأحاديث الواردة علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلّم في حق عليٍّ عليه السلام أنّ لعليٍّ شيعة في زمان النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلي الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنّه قال لعليٍّ إنّك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. ولا يدل ذلك علي وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة [27] وأنا اُلفت نظر الدكتور أحمد محمود إلي انّ الشيعة لا يستدلون علي ظهور التشيع أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلّم بما ورد علي لسانه من أحاديث، فالمسألة كما يسميها الأصوليون علي نحو القضية الحقيقية لا الخارجية،أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظره الدكتور وإنّما هي صفات ذكرها النبي صلي الله عليه وآله وسلّم للشيعة متي وجدوا وأينما وجدوا، أما الإِستدلال علي ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام، أورد قسماً منها الدكتور عبدالعزيز الدوري واستعرض مصادرها [28] مع ملاحظة أنّه قيد [ صفحه 28] التشيع بأنّه تشيع روحي كما نص علي قسم من أدلتهم علي ذلك يحيي هاشم فرغل في كتابه [29] . إنّ بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلي وقت مبكر في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل علياً عليه السلام علي غيره من الصحابة وتتخذه رئيساً ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبدالله واُبيّ بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم الخ [30] . ولهذا ذهب الباحثون إلي تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أنّ الأدلة التاريخية متوفرة علي وجودهم أيام الرّسول صلوات الله عليه وآله: يقول محمد

بن عبدالله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه علي الحادثة التي روتها كتب السيرة [31] حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالي: (وأنذر عشيرتك الأقربين) 214/الشعراء، ودعاهم إلي اتباعه فلم يجبه الا عليّ بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال: هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ. علق محمد عبدالله بقوله: من الخطأ أن يقال: إنّ الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين اُمر بإنذار عشيرته بهذه الآية. [ صفحه 29]

الادلة علي تكون الشيع أيام النبي

1 _ النصوص التاريخية علي وصف جماعة بالتشيع أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وقد مرت الإِشارة لذلك، ولهذا يقول الحسن بن موسي النوبختي عند تحديده للشيعة: فالشيعة فرقة عليٍّ بن أبي طالب المسمون بشعية عليٍّ في زمن النبي _ ثم عدد جماعة منهم وقال: _ وهم أول سمي باسم التشيع لأنّ اسم التشيع كان قديماً لشيعة إبراهيم [32] . 2 _ ما عليه جمهور البحاثين والمؤرخين الذين ذهبوا إلي أنّ التشيع ظهر يوم السقيفة فإنّ ذلك ينهص دليلاً علي وجوده أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لأنّه من غير المعقول أن يتبلور التشيع باُسبوع واحد _ أي المدة بين وجود الرسول ووفاته بحيث يتخذ جماعة من الناس مواقف معينة ويتضح لهم اتجاه له ميزاته وخواصه فإنّ مثل هذه الآراء تحتاج في تكوينها وتبلورها إلي وقت ليس بالقليل وكل من له إلمام بحوادث السقيفة وموقف الممتنعين عن بيعة أبي بكر وحجاجهم في ذلك الموضوع يجزم بأنّ تلك المواقف لم تتكوّن بوقت قصير وبسرعة كهذه السرعة وذلك لوجود اتجاهات متبلورة وتأصل في طرح نظريات معينة. 3 _

إنّ من غير المعقول أن ترد علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أحاديث في تفضيل [ صفحه 30] الإِمام عليٍّ عليه السلام والإِشارة إلي مؤهلاته ثم يقف المسلمون من ذلك موقف غير المبالي وهم من هم في إيمانهم وطاعتهم للرسول عليه السلام ولا سيما والمواقف في ذلك قد تعددت وسأذكر لك منها. أ _ الموقف الأول: عندما نزل قوله تعالي: (وأنذر عشيرتك الأقربين) 214/ من سورة الشعراء قال المؤرخون: إنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم دعا علياً عليه السلام وأمره أن يصنع طعاماً ويدعو آل عبدالمطلب وعددهم يومئذ أربعون رجلاً وبعد أن أكلوا وشربوا من لبن اُعدَّ لهم قام النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وقال: يا بني عبدالمطلب إنّي والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدينا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعاً _ يقول عليّ _ وقلت وإنّي لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع [33] . ب _ الموقف الثاني: يقول أبو رافع القبطي مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم: دخلت علي النبي وهو يوحي إليه فرأيت حية فنمت بينها وبين النبي لئلا يصل إليه أذي منها حتي انتهي عنه الوحي فأمرني بقتلها وسمعته يقول: الحمدلله الذي أكمل عليٍّ منته وهنيئاً عليٍّ بتفضيل الله إياه.. بعد أن

قرأ قوله تعالي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاه ويؤتون الزكاة وهم راكعون) 55/المائدة. وقد أجمع أعلام أهل السنة والشيعة علي نزول هذه الآية في عليّ عليه السلام ومنهم السيوطي في الدر المثور عند تفسير الآية المذكورة وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب والبيضاوي في [ صفحه 31] تفسيره والزمخشري في الكشاف والثعلبي في تفسيره والطبرسي في مجمع البيان وغيرهم من أعلام المفسرين والمحدثين. ومن الغريب أن يقف الألوسي في تفسيره روح المعاني موقفاً يمثل الإِسفاف والركة في دفع هذه الآية عن عليٍّ عليه السلام ويريك كيف يهبط التعصب بالإِنسان إلي درك مقيت وإلي تهافت غير معهود. وإنّ المرء ليستغرب من هذا الرجل فإنّ له مواقف متناقضة من عليٍّ عليه السلام فتارة يعطيه حقه واُخري يقف منه موقفاً متشنجاً وبوسع كل من قرأ الألوسي في مؤلفاته أن يري هذه الظاهرة. ج _ الموقف الثالث: موقف النبي صلي الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خم وذلك عند نزول الآية: (يا أيها الرسول بلغ ما اُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) 69/المائدة. وعندها أوقف النبي صلي الله عليه وآله وسلّم الركب وصنعوا له منبراً من أحداج الإِبل خطب عليه خطبته المعروفة ثم أخذ بيد عليٍّ وقال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، فكررها ثلاثاً ثم قال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه أللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فلقيه الخليفة الثاني فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة. وقد ذكر الرازي في سبب نزول الآية عشرة وجوه ومنها أنّها نزلت في عليٍّ عليه

السلام ثم عقب بعد ذلك بقوله: وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن عليٍّ _ يريد الباقر _ [34] إنّ حديث الغدير أخرجه جماعة من حفاظ أهل السنة وقد رواه ابن حجر في صواعقه عن ثلاثين صحابياً ونص علي أنّ طرقه صحيحة وبعضها حسن [35] . وأورده ابن حمزة الحنفي مخرجاً له عن أبي الطفيل عامر بن واثلة بهذه [ صفحه 32] الصورة. قال: إنّ اُسامة بن زيد قال لعليٍّ: لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: كأنّي قد دعيت فأجبت إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض إنّ الله مولاي وأنا مولي كل مؤمن من كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه [36] . وقد ألف في موضوع الغدير من السنة والشيعة ست وعشرون مؤلفاً [37] ولا اُريد التحدث بصراحة حديث الغدير في أولوية الإِمام علي عليه السلام وتقديمه علي كافة الصحابة فان الأمر قد أشبع من قبل الباحثين ولكني اُريد أن أسائل الدكتور أحمد شلبي الذي يقول إنّ حديث الغدير لم يرد له ذكر إلا في كتب الشيعة، فأقول له هل هناك شيء من الشعور بالمسؤولية عندك وعند أمثالك ممن يرمون الكلام علي عواهنه فأنت تحمل أمانة للأجيال فمن الأمانة هذا القول إنّ كتب أهل نحلتك وحفاظ قومك أوردت الحديث بمصادره الموثوقة فإذا كنت لا تقرأ أو تقرأ ولا تريد أن تعرف فاسكت يرحمك الله فهو خير لك من التعرض أما لنسبة الجهل أو العصبية، ولا يقل عن الدكتور

شلبي من يذهب إلي أنّ لفظ المولي هنا إنما يراد منه ابن العم فهو أحد معاني هذه اللفظة المشتركة ولا رد لي علي هذا إلا أن أقول: اللهم ارحم عقولنا من المسخ. إنّ هذه مجرد أمثلة من مواقف النبي صلي الله عليه وآله وسلّم في التنويه بفضل عليٍّ عليه السلام ولا يمكن أن تمر هذه المواقف والكثير الكثير من أمثالها دون أن تشد الناس لعليٍّ ودون أن تدفعهم للتعرف علي هذا الإِنسان الذي هو وصيّ النبي، الذي يشركه القرآن بالولاية العامة مع الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلّم ثم لا بد للمسلمين من إطاعة هذه الأوامر التي وردت بالنصوص والإِلتفاف حول من وردت فيه ذلك هو معني التشيع الذي نقول: إنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم هو الذي بذر بذرته وقد أينعت في حياته وعرف جماعة بالتشيع لعليٍّ والإِلتفاف حوله وللتدليل علي ذلك سأذكر لك اسماء الرعيل الأول من الصحابة الذين عرفوا بتشيعهم وولائهم للإِمام عليٍّ عليه السلام. [ صفحه 33]

رواد التشيع الأوائل

اشاره

جندب بن جنادة، أبو ذرّ الغفاري وعمار بن ياسر، سلمان الفارسي، المقداد بن عمر بن ثعلبة الكندي، حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي، خزيمة ابن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، الخباب بن الأرت الخزاعي أحد المعذبين في الله، سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري، قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري، أنس بن الحرث بن منبه أحد شهداء كربلاء، أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد الذي استضافه النبي صلي الله عليه وآله وسلّم عند دخوله للمدينة، جابر بن عبدالله الأنصاري أحد أصحاب بيعة العقبة، هاشم بن أبي وقاص المرقال فاتح جلولاء، محمد بن الخليفة أبي بكر تلميذ

عليٍّ وربيبه، مالك بن الحرث الأشتر النخعي، مالك بن نويرة ردف الملوك الذي قتله خالد بن الوليد، البراء ابن عازب الأنصاري، اُبيّ بن كعب سيد القراء، عبادة بن الصامت الأنصاري، عبدالله بن مسعود صاحب وضوء النبي صلي الله عليه وآله وسلّم ومن سادات القراء، أبو الأسود الدؤلي، ظالم بن عمير واضع اُسس النحو بأمر الإِمام عليٍّ، خالد بن سعيد بن أبي عامر بن اُمية بن عبد شمس خامس من أسلم، اُسيد بن ثعلبة الأنصاري من أهل بدر، الأسود بن عيسي بن وهب من أهل بدر، بشير ابن مسعود الأنصاري من أهل بدر ومن القتلي بواقعة الحرة بالمدينة، ثابت أبو فضالة الأنصاري من أهل بدر، الحارث بن النعمان بن اُمية الأنصاري من أهل بدر، رافع بن خديج الأنصاري ممن شهد اُحداً ولم يبلغ وأجازه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، [ صفحه 34] كعب بن عمير بن عبادة الأنصاري من أهل بدر، سماك بن خرشة أبو دجانة الأنصاري من أهل بدر، سهيل بن عمرو الأنصاري من أهل بدر، عتيك بن التيهان من أهل بدر، ثابت بن عبيد الأنصاري من أهل بدر، ثابت بن حطيم ابن عدي الأنصاري من أهل بدر، سهيل بن حنيف الأنصاري من أهل بدر، أبو مسعود عقبة بن عمر من أهل بدر، أبو رافع مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم الذي شهد مشاهده كلها مع مشاهد عليٍّ عليه السلام وممن بايع البيعتين العقبة والرضوان وهاجر الهجرتين للحبشة مع جعفر وللمدينة مع المسلمين، أبو بردة بن دينار الأنصاري من أهل بدر، أبو عمر الأنصاري من أهل بدر، أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري من أهل بدر، عقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري

من أهل بدر، قرظة بن كعب الأنصاري، بشير بن عبدالمنذر الأنصاري أحد النقباء ببيعة العقبة، يزيد بن نويرة بن الحارث الأنصاري ممن شهد له النبي صلي الله عليه وآله وسلّم بالجنة، ثابت بن عبدالله الأنصاري، جبلة بن ثعلبة الأنصاري، جبلة بن عمير بن أوس الأنصاري، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي، زيد بن أرقم الأنصاري، شهد مع النبي صلي الله عليه وآله وسلّم سبعة عشر وقعة، أعين بن ضبيعة بن ناجية التميمي، الأصبغ بن نباتة، يزيد الأسلمي من أهل بيعة الرضوان، تميم بن خزام، ثابت ابن دينار أبو حمزة الثمالي صاحب الدعاء المعروف، جندب بن زهير الأزدي، جعدة بن هبيرة المخزومي، حارثة بن قدامة التميمي، جبير بن الجناب الأنصاري، حبيب بن مظاهر الأسدي، حكيم بن جبلة العبدي الليثي، خالد ابن أبي دجانة الأنصاري، خالد بن الوليد الأنصاري، زيد بن صوحان الليثي، الحجاج بن غاربة الأنصاري، زيد بن شرحبيل الأنصاري، زيد بن جبلة التميمي، بديل بن ورقاء الخزاعي، أبو عثمان الأنصاري، مسعود بن مالك الأسدي، ثعلبة أبو عمرة الأنصاري، أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، عبدالله بن حزام الأنصاري شهيد اُحد، سعد بن منصور الثقفي، سعد بن الحارث ابن الصمد الأنصاري، الحارث بن عمر الأنصاري، سليمان بن صرد الخزاعي، شرحبيل بن مرة الهمداني، شبيب بن رت النميري، سهل بن عمر [ صفحه 35] صاحب المربد، سهيل بن عمر أخو سهل المار ذكره، عبد الرحمن الخزاعي، عبدالله بن خراش، عبدالله بن سهيل الأنصاري، عبيد الله بن العازر، عدي ابن حاتم الطائي، عروة بن مالك الأسلمي، عقبة بن عامر السلمي، عمر بن هلال الأنصاري، عمر بن أنس بن عون الأنصاري من أهل بدر، هند بن أبي هالة الأسدي،

وهب بن عبدالله بن مسلم بن جنادة، هاني بن عروة المذحجي، هبيرة بن النعمان الجعفي، يزيد بن قيس بن عبدالله، يزيد بن حوريت الأنصاري، يعلي بن عمير النهدي، أنس بن مدرك الخثعمي، عمرو العبدي الليثي، عميرة الليثي، عليم بن سلمة التميمي، عمير بن حارث السلمي، علباء بن الهيثم بن جرير وأبوه الهيثم من قواد الحملة في قتال الفرس بواقعة ذي قار، عون بن عبدالله الأزدي، علاء بن عمر الأنصاري، نهشل بن ضمرة الحنظلي، المهاجر بن خالد المخزومي، مخنف بن سليم العبدي الليثي، محمد بن عمير التميمي، حازم بن أبي حازم النجلي، عبيد بن التيهان الأنصاري، وهو أول المبايعين للنبي ليلة العقبة، أبو فضالة الأنصاري، أويس القرني الأنصاري، زياد بن النضر الحارثي، عوض بن علاط السلمي معاذ بن عفراء الأنصاري، عبدالله بن سليم العبدي الليثي، علاء بن عروة الأزدي، القاسم بن سليم العبدي الليثي، عبدالله بن رقية العبدي الليثي، منقذ بن النعمان العبدي الليثي، الحارث بن حسان الذهلي صاحب راية بكر بن وائل، بجير بن دلجة، يزيد بن حجية التميمي، عامر بن قيس الطائي، رافع الغطفاني الأشجعي، سالم بن أبي الجعد، عبيد بن أبي الجعد، زياد بن أبي الجعد، أبان ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس من أمراء السرايا أيام النبي صلي الله عليه وآله وسلّم ومن خلص أصحاب الإِمام عليّ عليه السلام. حرملة بن المنذر الطائي أبو زبيد، والمجموع مائة وثلاث وثلاثون. هذه شريحة أو نماذج من الرواد الأوائل في التشيع ذكرتهم بدون انتقاء أو اختيار وإنما مررت بكتب الرجال فذكرت منها هذه المجموعة وقد نصت علي [ صفحه 36] تشيعهم المصادر التالية [38] . بعد ملاحظة هذه الشريحة من الطبقة الأولي

من الشيعة تتضح لنا اُمور هامة، في موضوعنا أعرضها أمام القارئ الواعي الرائد للحق والموضوعية، وإلا فما أكثر من يقرأ ولا يتجاوز مضمون السطور عينيه، وقد يقرأ أحياناً ولا يريد أن يصدق ما يقرأ مع توفر شرائط الصحة فيما يقرأه ومع وجود الثقة النفسية بمضمون ما يقرأه، ولكنه التكوين النفسي والذهني الذي ينشأ عليه الإِنسان منذ الصغر فيكاد يكون غريزة من الغرائز التي يطبع عليها الإِنسان.

تعقيب علي الرواد من الشيعة

هذه الاُمور التي ذكرت أنّي سأعرض لها تعقيباً علي نوعية الرواد الأوائل هي: أولاً: إنّ هؤلاء الشيعة الذين مر ذكرهم مع أنّهم كانوا من الذاهبين إلي أولوية الإِمام عليٍّ عليه السلام بالخلافة لأنّه الإِمام المفترض الطاعة المنصوص عليه ومع اعتقادهم بأنّ من تقدم عليه أخذ ماليس له ومع امتناع كثير منهم من البيعة للخليفة الأول واعتصامهم ببيت الإِمام عليٍّ عليه السلام مع كل ذلك لم يعرف عن أحد منهم أنّه شتم فرداً من الصحابة أو تناوله بطريقة غير مستساغة بل كانوا أكبر من ذلك وأصلب عوداً من خصومهم _ مما يدل علي أنّ بعض من عرف بظاهرة شتم الصحابة إنّما صدر منه ذلك كعملية رد فعل لأفعال متعددة وسنمر علي ذلك قريباً _ إنّهم مع اختلافهم مع الحكم لم يلجأوا إلي شتم أو بذاء لأنّهم يعرفون أنّ الحقوق لا يوصل إليها بالشتم وليس الشتم من شيم الأبطال، والذي يريد أن يسجل ظلامة أو يشير إلي حق سليب فإن طرق ذلك ليس منها الشتم في شيءٍ، [ صفحه 37] وإنّما هناك مناهج سليمة في الوصول لذلك. وقد حرص أمير المؤمنين عليه السلام علي تربية أتباعه علي المنهج السليم ومن مواقفه في ذلك ما رواه نصر بن مزاحم قال: مرّ

أمير المؤمنين عليه السلام علي بعض من كان في جيشه بصفين فسمعهم يشتمون معاوية وأصحابه فقال لابن عدي ولعمر بن الحمق وغيرهما: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتبرأون ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا ومن أعمالهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالهم حتي يعرف الحق من جهله منهم، ويرعوي عن الغيّ والعدوان منهم من لهج به لكان أحب إليَّ وخيراً لكم فقالوا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك [39] إنّ هذا الموقف منه عليه السلام ليشعرهم أنّ الشتم وسيلة نابية وليست كريمة ثم هي بعد ذلك تنفيس عن طاقة يمكن الإِستفادة منها بادخارها وصرفها في عمل إيجابي يضاف لذلك أنّ الشتم مدعاة للإِساءة لمقدسات الشاتم نفسه ومن هنا حرم الفقهاء شتم الصنم إذا أدي إلي شتم الله تعالي مستفيدين ذلك من قوله تعالي: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) 108/الأنعام. من أجل ذلك كله كان الشيعة أطهر أَلسنةً من أن يشتموا وأبعد عن هذا الموقف النابي ولذلك رأينا كثيراً من الباحثين يؤكدون هذا الجانب في حياة الرواد الأوائل من الشيعة مع أنهم يثبتون عقيدتهم بتقديم الإِمام عليٍّ عليه السلام ومن هؤلاء: أ _ الدكتور أحمد أمين: يقول عن هؤلاء إنّهم قسم المقتصد الذي يري بأنّ أبا بكر وعرم وعثمان ومن شايعهم أخطأوا إذ رضوا أن يكونوا خلفاء مع علمهم بفضل عليٍّ وإنّه خير منهم [40] . [ صفحه 38] ب _ ابن خلدون يقول: كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعليٍّ ويرون استحقاقه

علي غيره ولما عدل به إلي سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له إلا أنّ القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم علي الإِلفة لم يزيدوا في ذلك علي النجوي بالتأفف والأسف [41] . ج _ ابن حجر في الإِستيعاب: يقول في ترجمة أبي الطفيل: عامر بن واثلة بن كنانة الليثي أبو الطفيل أدرك من حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم ثمان سنين وكان مولده عام اُحد ومات سنة مائة ويقال: إنّه آخر من مات ممن رأي النبي، وقد روي نحو أربعة أحاديث وكان محباً لعليٍّ وكان من أصحابه في مشاهده وكان ثقة مأموناً يعترف بفضل الشيخين إلا أنه يقدم علياً إنتهي باختصار [42] . وبعد هذه المقتطفات أود أن ألف النظر أنّي خلال مراجعاتي كتب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتي نهاية خلافة الخلفاء من عمد إلي الشتم من أصحاب الإِمام، وإنّما هناك من قيّم الخلفاء وقيّم الإِمام وحتي في أشد جمحات عاطفة الولاء لم نجد من يشتم أحداً ممن تقدم الإِمام بالخلافة يقول أبو الأسود الدؤلي: اُحبّ محمداً حباً شديداً++ وعباساً وحمزة والوصيا يقول الأرذلون بنو قشير++ طوال الدهر ما تنسي عليا اُحبّهمُ لحبِّ الله حتي++ أجيء إذا بعثت علي هويا بنو عم النبي وأقربوه++ أحبّ الناس كلهم إلينا فإن يك حبهم رشداً اُصبه++ ولست بمخطئ إن كان غياً [43] . [ صفحه 39] يضاف لذلك أنّه حتي في الفترة الثانية أي في عهود الاُمويين كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة، أو التابعين: يقول ابن خلكان في ترجمة يحيي بن يعمر: كان شيعياً من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم [44] . [

صفحه 40]

الشيعة غير الروافض

من كان ذكرته يتضح أمر آخر وهو أن ما دأب عليه بعض الكتاب من رمي الشيعة بالرفض وتسميتهم بالروافض نشأ مؤخراً وبأسباب خاصة سنذكرها: إن هذا الزمن الذي نشأ فيه نعت الشيعة بالروافض هو في أيام الأمويين، ولذك جاءت النصوص تنعت الروافض بأنهم قسم من الشيعة لا الشيعة كما يريد البعض ومن تلك النصوص: 1 _ محمد مرتضي الزبيدي في تاج العروس قال: والروافض كل جند تركوا قائدهم والرافضة فرقة منهم، والرافضة أيضاً فرقة من الشيعة قال الأصمعي سموا بذلك لأنهم باعيوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبي وقال لا كانا وزيري جدي فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه [45] . 2 _ إسماعيل بن حماد الجوهري قال في الصحاح: عند مادة رفض مورداً نفس المضمون الذي ذكره الزبيدي فكأنه نسخة طبق الأصل [46] . [ صفحه 41] 3 _ القاضي عياض فرق القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك بين الشيعة والرافضة وذلك حينما قارن مذهب الإِمام مالك بغيره فقال: فلم نر مذهباً من المذاهب غيره أسلم منه فإنّ فيهم الجهمية والرافضة والخوارج والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك فإنا ما سمعنا أحداً من نقله مذهبه قال بشيء من هذه البدع [47] . ومن الواضح من هذه الجملة أنّ الرافضة غير الشعية لمكان التغاير الناتج من العطف. ومن هذا ومن غيره مما نقله أصحاب المقالات مما لا يخرج عن نفس المضمون يتضح أنّ اصطلاح الروافض مأخوذ بمعناه اللغوي في انّه لكل جند رفضوا قائدهم، وتطبيقه علي أصحاب زيد من باب تطبيق الكلي علي أحد مصاديقه وإلي هنا فإنّ المسألة طبيعية. ولكن الذي يلفت النظر أن يكون أصحاب

زيد طلبوا منه البراءة من الشيخين فإنّ ذلك محل تأمل طويل للأسباب التالية: 1 _ إنّ هؤلاء الذين طلبوا البراءة لو كانوا شيعة فلا بد أنّهمم حريصون علي نصر زيد وكسب المعركة ضرورة أنّ مصيرهم مرتبط بمصير زيد فإذا هزم فمعني ذلك القضاء عليهم قضاءً تاماً خصوصاً وأنّ خصومهم الاُمويون الذين يقتلون علي الظنة والتهمة كل من يميل إلي آل أبي طالب، فما الذي دفعهم إلي خلق هذه البلبلة التي أدت إلي انفضاض جند زيد عنه وبالتالي إلي خسارته للمعركة فموته شهيداً علي أيدي الاُمويين فلا بد أن يكون هؤلاء ليسوا من الشيعة وإنّما هم جماعة مندسة أرادت إحداث البلبلة للقضاء علي زيد واحتمال كسبه للمعركة. 2 _ وعلي فرض التنزل والقول بوجود فرقة خاصة من رأيها رفض الشيخين فما معني سحب هذا اللقب علي كل شيعي يوالي أهل البيت حتي أصبح هذا الأمر من المسلمات فوجدنا الإِمام الشافعي يقول في أبياته الشهيرة: [ صفحه 42] يا راكباً قف بالمحصَّب من مني++ واهتف بقاعد جمعها والناهض سحراً إذا فاض الحجيج إلي مني++ فيضاً كملتطم الفرات الفائض أعلمتمُ أنّ التشيع مذهبي++ إنّي أقول به ولست بناقض إن كان رفضاً حبّ آل محمدٍ++ فليشهد الثقلان أنّي رافضي البيت الأخير من هذه الأبيات ذكره الزبيدي في تاج العورس في مادة رفض [48] وباقيها في ترجمة الشافعي بمختلف الكتب. إنّ تعبير الإِمام الشافعي: إن كان رفضاً حبّ آل محمد يدل علي أنّ هناك إرادة لسحب اللقب هو رافضي علي كل شيعي مبالغة في التشهير بهم وشحن المشاعر ضدهم مما سنلمح كثيراً من الأمثلة له، ومما يؤيد علي أنّها تتمشي مع تخطيط شامل يستهدف محاصرة التشيع والتشهير به وبكل وسيلة

سليمة كان أم لا. 3 _ قد يقال إنّه لا شك في وجود جماعة شتّامين للصحابة فما هو السبب في كونهم من هذا الصنف في حين تدعون أنّ الشتم لا تقره الشيعة ولا أئمتهم وللجواب علي هذا السؤال لا بد من الرجوع إلي مجموعة من الأسباب تشكل فعلاً عنيفاً استوجب رد الفعل ومن هذه الأسباب ما يلي: أسباب الشتم أ _ المطاردة والتنكيل المروع للشيعة وبالشيعة وما تعرضوا له من قتل وإبادة علي الظنة والتهمة وفي أحسن الحالات الملاحقة لهم والمحاربة برزقهم ومنعهم عن عطائهم من بيت المال وفرض الضرائب عليهم وغزلهم اجتماعياً وسياسياً وبوسع القارئ الرجوع إلي التاريخ الاُموي في الكوفة وغيرها من المدن الشيعية ليقف بنفسه علي ما وصلت إليه الحالة وما انتهي إليه ولاة الاُمويين من قسوة ومن هبوط [ صفحه 43] في الإِنسانية إلي مستويات يتبرأ منها الوحش في العهدين الاُموي والعباسي [49] إنّ مثل هذا الإضطهاد يستلزم التنفيس عن الكبت فقد يكون هذا التنفيس في عمل إيجابي بشكل من الأشكال وأحياناً قد يكون سلبياً فيلجأ إلي هذا الشتم. ولسنا نبرر ذلك بحال من الأحوال لما سبق أن ذكرناه من أسباب. ب _ إنّ الذي أسس هذه الظاهرة هم الاُمويون أنفسهم لأنّهم شتموا الإِمام علياً عليه السلام علي المنابر وشتموا أهل البيت لمدة ثمانين سنة واستمر هذا الوضع حتي أنّ محاولة الرجل الطيب عمر بن عبدالعزيز لم تنجح في منع الشتم وكانت كلمة الاُمويين وبالذات معاوية أنّهم إنما أسسوا شتمه ليدرج عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، فنشأت مقابل ذلك ردة الفعل. ومما عمّق هذه الظاهرة: هو الإِلتواء في معالجة هذه المشكلة من قبل بعض أعلام السنة. وعلي سبيل المثال نجد ابن

تيمية يؤلف كتابه الصارم المسلول في كفر من شتم الرسول أو أحد أصحاب الرسول، ويحشد فيه الأدلة علي كفر الشاتم ولكنّه مع ذلك ومع علمه بما قام به معاوية والأمويون لا يقول بكفر الامويين الذين قاموا بشتم الإِمام عليه السلام وأهله. إنّ عليّ بن أبي طالب أخو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم ومن ضحي بكل ذرة من كيانه في خدمة الإِسلام والمسلمين فلماذا لا يكفر شاتمه؟ وستسمع الجواب طبعاً بأنّه تاب وغفر الله له وانتهي الأمر. وإليك مثالاً آخر: لقد تولي يزيد بن معاوية الحكم لمدة ثلاث سنوات قتل في سنة منها الحسين وأهل بيت رسول الله وسبي عيالهم وذبح أطفالهم وعمل فيهم أعمالاً لا تصدر من كسري وقيصر. وفي سنة ثانية قتل عشرة آلاف من المسلمين وسبعمائة من الصحابة حملة القرآن، واستباح المدينة ثلاثة أيام وسمح لجند أهل الشام أن يهتكوا أعراض المسلمات وذبح الأطفال حتي كان الجندي الشامي يأخذ الرضيع من ضرع اُمه ويقذف به الجدار حتي ينتشر مخه علي الجدار وأجبر الناس علي بيعة يزيد علي [ صفحه 44] أساس أنّهم عبيد له، أخاف المدينة وروع الناس وأحال أرض المدينة المنورة إلي برك من الدماء وتلول من الأشلاء. وفي سنة ثالثة سلط المنجنيقات علي الكعبة وهدمها وأحرقها وزعزع أركانها وجعل القتال داخل المسجد الحرام وسال الدم حتي في قاع الكعبة وقد استعرض ذلك مفصلاً كل من تاريخ الخميس للديار بكري والطبري وابن الأثير والمسعودي في مروج الذهب وغيرهم من المؤرخين في أحداث سنة ستين حتي ثلاث وستين من الهجرة. ومع ذلك كله تجد كثيراً من أعلام السنة يخطئون من يخرج لقتال يزيد وأنّ الخارج عليه يحدث فتنة ووصل الأمر إلي

حد تخطئه الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنة فكأنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم عندما قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» ما كان يعلم بأنه يقاتل يزيد وحينما يقول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: «إنّ الحسين وأصحابه يدخلون الجنة بغير حساب» [50] لم يأخذ في حسابه أنّهم خارجون علي يزيد اللهم اهد قومنا، وكأنّ ابن العربي المالكي أعرف بمصائر الأمور من النبي نفسه الذي يرسم للحسين مصيره ويأمره بتنفيذ ذلك، أرأيت معي إلي أي مستوي من المهازل تصل الدنيا؟ وهذا الإِمام الغزالي الذي سنقف قريباً معه وقفة قصيرة يقول وأمام عينيه عشرات من كتب السير والتاريخ التي تؤكد بالطرق الموثوقة بشاعة الأحداث التي تمت بأمر يزيد وبفعله المباشر لبعضها. يقول في باب اللعن من كتابه إحياء العلوم: فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنّه قاتل الحسين، أو أمر به، قلنا هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنّه قتله أو أمر به مالم يثبت، فضلاً عن لعنه، لأنّه لا يجوز نسبة مسلم إلي كبيرة من غير تحقيق، إلي أن قال: فإن قيل: أن يقال «قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله» قلنا: الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله [51] . [ صفحه 45] بربّك أيها القارئ هل تملك أعصابك وأنت تسمع مثل هذا الكلام يصدر من مثل هذا الشخص؟. هل كل كتب السير والتاريخ عند المسلمين والتي نصت علي صدور هذه الأحداث أمراً ومباشراً من يزيد كلها لا تثبت أفعال يزيد ولا تدينه؟! وعنده أنّ يزيد وأمثاله من قتلة الأنبياء وأبناء الأنبياء ممن يوفقون للتوبة؟! إنّ كل وسائل الإِثبات لا تثبت إدانة يزيد

عن الغزالي، ولكن يثبت عنده من طيف رءآه أنّه رأي الله تعالي واجتمع به ووضع يده بيده وحادثه وأفاض عليه من نوره [52] . يقول صاحب مفتاح السعادة: إنّ أبا بكر النساج ألحد العزالي في قبره وخرج متغير اللون فسألوه عن ذلك فقال: رأيت يداً يمني خرجت من تجاه القبلة وسمعت منادياً ينادي ضع يد محمد الغزالي في يد سيد المرسلين [53] إنّ أمثال هذه المواقف تثبت بوسائل إثبات من هذا النوع ولكن كتب التاريخ كلها لا تشكل وسلية إثبات في إدانة يزيد!... ويصل الأمر إلي رمي آل البيت بالشذوذ فضلاً عن عدم ترتيب الأثر علي شتمهم فيقول ابن خلدون في المقدمة: وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه علي مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح وعلي قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها اُصول واهية. يقول ذلك ونصب عينيه أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلّم في أهل بيته كما رواه ابن حجر في بصواعقه [54] «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإنّ أئمتكم وفدكم إلي الله تعالي فانظروا من توفدون» ونصب عينه أيضاً ما قاله النبي صلي الله عليه وآله وسلّم كما رواه الحاكم في المستدرك: «ومن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني بها ربّي [ صفحه 46] وهي جنة الخلد فليتولَّ علياً وذريته من عبدي فإنّهم لم يخرجوكم من هدي ولن يدخلوكم باب ضلالة» [55] . ومع ذلك كله فأهل البيت شاذون مبتدعون في نظر الشعوبي ابن خلدون إنّي والله يعلم اذ أورد أمثال هذه المقاطع إنما اُريد وضع اليد

علي الدملة التي أهلكنا التهابها عبر السنين. إنّ أمثال هذه المواقف إنما تعمق جذور الخلاف فيكون التنفيس عنا سلبياً أحياناً إنّ كتّاب المسلمين مسؤولون عن شجب هذه المواقف التي رحل واضعوها وبقيت مصدر بلاء علي المسلمين. إنّ مما يبعث علي الإِستغراب أن يسكت علماء وكتّاب المسلمين علي أقوال ابن خلدون وأمثاله مع قيام الأدلة علي أنّ آل محمد هم الإِمتداد المضموني لمحمد صلي الله عليه وآله. بالإِضافة إلي ذلك كلّه إنّ السنن التي تروي عن طريق أهل البيت عليهم السلام لا يعمل بها بينما يعمل ببدع واستحسانات وردت عن طريق غيرهم خذ مثلاً مسألة الأذان الذي حذف منه فقرة حيّ علي خير العمل من ثبوتها وأنّها جزء من الأذان بطرق مختلفة يقول صاحب مبادئ الفقه في هذا الموضوع ما يلي: كيفية الأذان هي: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، حيَّ علي الصلاة حيَّ علي الصلاة حيَّ علي الفلاح، حيَّ علي الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله. هذا هو الأذان الذي اتفق البصريون والكوفيون علي كلماته، وتبعهما الشاميون والمصريون ومذهب الحجازيين والزيدية والمالكية إلي أنّ كلمة الله أكبر في أول الأذان مرتان لا أربع وعليه عمل أهل المدينة وأمّا «الصلاة خير من النوم» فليست من الأذان الشرعي: ففي تيسير الوصول عن مالك أنّه بلغه أنّ المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال: الصلاة خير من النوم فأمره عمر أن يجعلها نداء الصبح. ولذلك قال أبو حنيفة: هذه الجملة تزاد بعد إكمال [ صفحه 47] الأذان لأنّها ليست

من السنة. أما «حيَّ علي خير العمل» فمذاهب العترة أنّها بين حيّ علي الفلاح وبين الله أكبر، «دليلهم في ذلك من كتب السنة ما يلي: روي البيهقي في السنة أنّ عليّ ابن الحسين زين العابدين كان يقول إذا قال حيّ علي الفلاح حيّ علي خير العمل ويقول هو الأذان الأول. وأورد في شرح التجريد مثل هذه الرواية عن ابن أبي شيبة ثم قال: وليس يجوز أن يحمل قوله «هو الأذان الأول» لا علي أنّه أذان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم، وزاد رواية اخري عن ابن عمر: أنّه بما زاد في أذانه حيّ علي خير العمل، وأورد البيهقي هذه الرواية عن ابن عمر أيضاً. ونقل ابن الوزير عن المحبّ الطبري الشافعي في كتابه إحكام الأحكام ما نصه: ذكر الحيعلة بحيّ علي خير العمل عن صدقة بن يسار عن ابن أمامة سهل بن حنيف أنّه كان اذا أذن قال: «حيّ علي خير العمل» أخرجه سعيد بن منصور، وروي ابن حزم في كتاب الإِجماع عن ابن عمر: أنّه كان يقول «حيّ علي خير العمل». وقال علاء الدين مغلطاي الحنفي في كتاب التلويح شرح الجامع الصحيح: ما لفظه: وأما حيّ علي خير العمل فذكر ابن حزم أنّه صح عن عبدالله بن عمر وأبي أمامة سهل بن حنيف أنّهما كانا يقولان في أذانهما «حيّ علي خير العمل» وكان عليّ بن الحسين يفعله وذكر سعد الدين التفتازاني في حاشيته علي شرح العضدي علي مختصر الاصول لابن الحاجب أنّ حيّ علي خير العمل كان ثابتاً علي عهد رسول الله وأنّ عمر هو الذي أصرّ أن يكفّ الناس عن ذلك مخافة أن يثبّط الناس عن الجهاد ويتّكلوا علي الصلاة. وقال ابن

حميد في توضيحه: وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به: وقد قال كثير من علماء المالكية واغيرهم من الحنفية والشافعية أنّ حيّ علي خير العَمل كان من ألفاظ الأذان. [ صفحه 48] قال الزركشي في البحر المحيط: ومنها ما الخلاف فيه موجود كوجوده في غيرها، وكان ابن عمر عميد أهل المدينة يري افراد الأذان والقول فيه حيّ علي خير العمل [56] وبعد كل ما ذكرناه وما ورد في هذا الفصل المدعوم بروايات صحيحة في طرق أهل السنّة فماذا يا تري لا يعمل بما ورد عن آل محمد وبطريقهم من السنن الصحيحة مع أنّهم محالُّ رحمة الله وبيوتهم مهابط وحيه وصدورهم عيبة علم النبي ألا يبعث هذا علي الدّهشة؟ في حين نري من غيرهم أحكاماً لا تلتقي بحال من الأحوال مع المدارك السليمة ومع ذلك يؤخذ بها وتعتبر مدركاً من المدارك فعلي ماذا تحمل هذه الاُمور إن لم تحمل والعياذ بالله علي البعد عن آل محمد وهم عدل الكتاب بنص النبي عليه السلام خذ مثلاً: ما ذهب إليه بعض فقهاء السنة من أن الإِنسان إذا ترك الصلاة عمداً لا يجب عليه قضاؤها اما اذا تركها نسياناً فيجب عليه قضاؤها [57] واعتقد ان ذلك يخرج علي رأي من يقول أن الكافر لا يكلف بالفروع، وحيث ان التارك عمداً يمكن ان يكون تركه لها لعدم الإِيمان بها اساساً فهو كافر ومهما يكن فان هذا من الفروع البعيدة عن روح الأحكام الصحيحة. [ صفحه 51]

فارِسية التشيع

هذا الموضوع من المواضيع التي كثر الحديث حولها وهي في واقعها تكوّن جزءاً من محاصرة التشيع كما سبق أن ألمعت لذلك. إنّ خصوم الشيعة ومن تبعهم من المستشرقين وكل يضرب علي

وتر يستهدفه، جعلوا هذه القضية من الاُمور المسلمة وضلع تلامذتهم في ركابهم وحشدوا كل وسائلهم لترسيخها في الأذهان فما تركوا وسيلة لإِثبات أنّ التشيع فارسي شكلاً ومضموناً إلا وأخذوا بها مع تفاهة هذا المدعي كما سنري ومع أنّه من قبيل رمتني بدائها وانسلت والغريب أنّ هذه الفرية تعيش للآن مع وضوح الرؤية وانتشار المعارف وانكشاف الحقائق وسأبحث هذا الموضوع مفصلاً نظراً لأهميته. إنّ التشيع في معناه اللغوي: المناصرة والموالاة، وبالمعني الإصطلاحي هو الإعتقاد بأفكار معينة يشكل مجموعها مضمون التشيع، فكيف والحالة هذه أن نتصوّر كون التشيع فارسياً؟ وحتي نستوعب النقاط المتصورة في هذا الموضوع لا بد من شرح اُمور ننتهي معها إلي مقدار ما في هذا الإِدعاء من نسبة علمية أو تهريج فلا بد من ذكر اُمور: أولاً: إنّ المضمون الفكري للتشيع هو نفس المضمون الإِسلامي، وأي مضمون يشذ عن المضمون الإِسلامي في العقيدة والأحكام فالشيعة منه براء [ صفحه 52] بدليل أنّ مصادر التشريع عند الشيعة هي أربعة أذكرها لك علي التوالي: أ _ الكتاب الكريم: وهو ما اُنزل بمضامينه وألفاظه وأسلوبه واعتبر قرآناً وهو هذا المجموع بين الدفتين المتداول بأيدي المسلمين المنزه عن النقص والتحريف والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمتواتر بكلماته وحروفه بالتواتر القطعي من عهد النبوة حتي يومنا هذا وقد جمع علي عهد النبي بوضعه الحالي وكان جبرئيل يعرضه علي النبي صلي الله عليه وآله وسلّم كل عام [58] . ب _ السنة الشريفة: وهي قول المعصوم وفعله وتقريره الواصلة إلينا بالطريق الصحيح عن الثقات العدول، والتي لا يتم لنا الوصول إلي ملابسات الأحكام بدونها والتي جاء دليل حجيتها من القرآن الكريم بقوله تعالي: (وما آتاكم

الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فنتهوا) 7/ا الحشر. ج _ الإِجماع: الذي يكشف ضمناً عن قول المعصوم سواء قل المجمعون أم كثروا وسواء كان دليلاً مستقلاً مقابل الكتاب والسنة والعقل أم أنّه طريق وحاك عن رأي المعصوم، وأدلة حجيته مفصلة في الكتاب والسنة والعقل. د _ دليل العقل: ويرجع إليه وإلي قواعده عند فقدان النصوص أو تعارض الأدلة في تفصيل لا داعي لشرحه هنا: وملخصه: هو إدراك العقل بما هو عقل للحسن والقبيح في بعض الأفعال الملازم لإِدراكه تطابق العقلاء عليه وذلك ناتج من تأدب العقل بذلك وبما أن الشارع سيد العقلاء فقد حصل إدراك حكم الشارع قطعاً وليس [ صفحه 53] وراء القطع حجة. ونظراً لأهمية التعرف علي تفصيل هذه المصادر فإنّي اُحيل من يريد التوسع في فهمها واستيعاب معانيها إلي مجموعة من المصادر هي التالية: [59] . إن هذه المصادر التشريعية هي المكونات العضوية لهيكل الشريعة الاسلامية باتفاق جمهور المسلمين علي اختلاف بسيط في بعض تفاصيلها ولما كانت هي مصادر التشريع عند الإِمامية فما معني وصف التشيع بالفارسية. إذا كان الباحثون في التشيع يقصدون من الفارسية مضمون التشيع الفكري. وهذا ما أَستبعده فإنّه لا يمكن أن يقول به قائل، إذ لا يتصور أنّ إنساناً يفترض لأحكام شرعية نوعاً من العرقية، وعليه فلا بد من استبعاد هذا الفرض من فارسية التشيع والرجوع إلي فروض اُخري في هذا الموضوع يفترضها الباحثون. هناك فرض آخر لتصور فارسية التشيع: هو أن هناك مفاهيم معينة بالحضارة الفارسية انتقلت إلي التشيع بمعناه الإِصطلاحي عن طريق من اعتنق التشيع من الفرس ولم يستوعب التشيع كل أبعادهم فجاء من تصور هذه المعتقدات جزءاً من ماهية التشيع. وبقيت هكذا يتداولها خلف عن

سلف. وهذا الفرض قد صرح به أكثر من باحث كما سأذكره لك بعد قليل. وفيما يخص هذه الصورة وهذا الفرض لا بد من الإِشارة لاُمور: تعقيب أ _ إنّ هذا الإِشكال بناءاً علي فرض حدوث مضمونه، فإنّه يرد علي المضمون الإِسلامي نفسه حيث نص علي ذلك معظم من كتب في الحضارة [ صفحه 54] الإِسلامية وخصوصاً في الفترة الأولي من العهود الإِسلامية والتي شكلت مضامين العقيدة فيها جدولاً انصب فيه أكثر من رافد ورافد عن طريق الاُمم التي اعتنقت الإِسلام جماعات منها ودخلت وهي تحمل أفكارها وعقائدها التي لم تتخلص منها وظهرت في الأفكار والسلوك كجماعات الروم والفرس والصينيين والعبريين ولعل اليهود أكثر الجماعات تأثيراً في الحضارة الإِسلامية حيث تبدو روحهم واضحة في هذه الميادين. وذلك لأنّهم استأثروا بالتفسير بالقصص الديني لأنّهم أهل كتاب وفيهم كثير من الأحبار الذين يحفظون أحكام التوراة وقصص الاُمم التي حفظتها الحضارة العبرية والأساطير التي رافقت تلك القصص، ولما كانت الجزيرة العربية فقيرة إلي الأفكار الدينية والمضامين الثقافية لعب الفكر اليهودي دوراً هاماً في ملء هذا الفراغ وخصوصاً في الفكر السني الذي حاول أن يتخلص من هذا الرداء ويخلعه علي الشيعة عن طريق الشخصية الوهمية عبدالله بن سبأ كما سنبرهن لك وهمية هذه الشخصية قريباً. ولكن حقائق الاُمور والبحث الدقيق يثبت عكس ما ادعاه هؤلاء القوم وما نسبوه للشيعة. أجل إنّ آراء اليهود انتقلت إلي الفكر الإِسلامي عن طريق كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام وغيرهم وأخذت مكانها في كتب التفسير والحديث والتاريخ وتركت بصماتها علي كثير من بنود الشريعة. إنّ بوسع أي باحث الوقوف علي ذلك في كتب كثيرة مثل تاريخ الطبري، وتفسيره جامع البيان، وفي كتاب

البخاري وغيره من المؤلفات مما سنشير إلي مصادره عند ذكره. وستجد فصلاً ممتعاً في تعليل العداوة بين الإِنسان والحية يذكره الطبري في تفسيره بسنده عن وهب بن منبه وذلك عند تفسيره للآية السادسة والثلاثين من سورة البقرة وهي قوله تعالي: (قلنا اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو) الخ، يقول الطبري وأحسب أنّ الحرب التي بيننا _ أي نحن والحيات _ كان أصله ما ذكره علماؤنا الذين قدمنا الرواية عنهم في إدخالهنّ _ يعني الحيات _ إبليس الجنة بعد أن أخرجه الله منها، ويستمر في سرد أفكار عجيبة يستحسن أن يقرأها من [ صفحه 55] يريد الفائدة من تفسيره [60] ويقول الطبري في تاريخه عند شرح الذبح العظيم الذي فدي به إبراهيم ولده إسماعيل بأمر الله تعالي: ان الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبِّل منه [61] . وينقل في تاريخه قصصاً تلمس عليها الروح اليهودي واضحاً ومن ذلك ما ذكره فقال: تزوج اسحق امرأة فحملت بغلامين في بطن واحد فلما أرادت أن تضعهما اقتتل الغلامان في بطنها فأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلي لأعترضنّ في بطن اُمي ولأقتلنّها فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله وأخذ يعقوب بعقبه فمسي عيص عيصاً لأنّه عصي وسمي يعقوب يعقوباً لأنه خرج بعقب عيص، وكبر الغلامان وكان عيص أحب إلي أبيه ويعقوب أحب إلي اُمه وكان عيص صاحب صيد فلما عمي إسحق قال لعيص أطعمني لحم صيد واقترب مني حتي أدعولك، وكان عيص أشعر _ أي كثير الشعر _ ويعقوب أجرد فخرج عيص يتصيد وقالت اُمه لإِسحق إذبح كبشاً ثم اشوه والبس جلده وقدمه لأبيك كي يدعو لك فلما مسه قال من

أنت؟ قال: عيص، فقال: المس مس عيص والريح ريح يعقوب فقالت اُمه: هو ابنك عيص فادعو له الخ [62] ولست أدري كيف كان يعقوب لا يعرف أصوات أولاده وكيف تطلب الاُم البركة من دعوات إسحق وهي تكذب وكيف يكذب أبناؤها وأي بيت نبي هذا البيت الذي يكون أعضاؤه من هذا النوع، ثم أي اسم مشتق مثل يعقوب أو إسحق أو عيص لا يصلح لأن يشتق منه أمثال هذه الخزعبلات وهذا الهراء والسخف. وأما الإِمام البخاري فإنّك تلمس الروح الإسرائيلي في كثير من رواياته [ صفحه 56] وإليك نماذج من تلك الروايات التي يتضح فيها هذا الروح: يقول البخاري بسنده عن أبي هريرة: ما من بني آدم مولود يولد الا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها [63] وما أدري إذا كان هذا فضيلة فلم حرم منها نبينا صلي الله عليه وآله وسلّم وهو سيّد الأنبياء وإذا لم يكن ذلك فضيلة فما قيمة ذكرها، وما ذنب الأنبياء الباقين يمسهم الشيطان. ويقول البخاري بسنده عن عائشة اُم المؤمنين: إنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم سحر حتي كان يخيل إليه أنّه كان فعل الشيء ولا يفعله [64] . ويروي البخاري قصة موسي حين نزل إليه ملك الموت لقبض روحه فصكه موسي علي عينه حتي فقأها إلي أن قال: قال الله تعالي لملك الموت ارجع إليه وقل له ليضع يده علي جلد ثور فله بكل شعرة غطتها يده عمر سنة الخ [65] . وفي الواقع إنّ هذه العملية طريفة فإنّ الشَّعر الذي يغطيه الكف ربما يصل إلي خمسة آلاف شعرة، وعمر نبي الله موسي معروف فإما أن نكذب الرواية أو نكذب التاريخ. وذكر

البخاري بسنده عن اُم المؤمنين عائشة أنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم مكث كذا وكذا يخيل إليه أنّه يأتي أهله ولا يأتي إلي أن قال لي: يا عائشة إنّ الله أفتاني في أمر استفيته فيه أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رجلي للآخر ما بال الرجل؟ قال: مطبوب _ أي مسحور _ قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم الخ أن ذهب عنه أثر السحر بعد مدة [66] . ومعني هذه الرواية أنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم اُصيب بفقدان الذاكرة أو بالفصام وما أدري ما هو حال الوحي خلال هذه المدة فإذا جاز أن يصاب النبي بمثل هذا [ صفحه 57] المرض فما هو مقدار الثقة بالوحي وعلي كل تبقي مسؤولية الرواية علي عاتق أم المؤمنين والبخاري، ولقد حفل كتاب البخاري بمثل هذا اللون من الفكر اليهودي وذلك من قبيل ماذكره في كتاب الإِستئذان باب بدء السلام قال: بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم خلق الله آدم علي صورته _ الضمير يعود لله تعالي إذ لا معني لعوده لآدم قبل أن يخلق آدم وتعرف صورته _ طوله ستون ذراعاً فلما خلقه قال: إذهب فسلم علي أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنّها تحيّتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة علي صورة آدم فلم يزل الخلق ينقصون حتي الآن [67] إلي أمثال ذلك من هذه الروايات العبقرية، ومع هذا اللون من الفكر الغريب عن روح الإِسلام للزومه التجسيم والهرطقة فما وجدنا من ينبر حملة هذا الفكر بالخروج عن الإِسلام

أو باليهودية لنقلهم هذا الفكر الإِسرائيلي إلي الإِسلام أما إذا قدر أن شخصاً تشيع وحمل معه شيئاً من أفكاره للتشيع تحول التشيع فوراً إلي يهودية أو نصرانية مع أن تبعة كل فكر تقع علي حامله وقد أسلفنا أن كل ما ينافي الإِسلام يأباه التشيع جملة وتفصيلاً. وعلي تقدير أن هناك مجموعة من الأفكار نقلها الفرس الذين تشيعوا معهم للفكر الشيعي: كالقول بالحق الإِلهي الذي يقول به الفرس بالنسبة لملوكهم ويقول به الشيعة بالنسبة لأئمتهم _ مع وجود فوارق بين الأمرين _ وحتي أي مفهوم يحصل به التقاء بين الفكرين كما يصوّره البعض فإنّ ذلك لا يوجد قدحاً في العقيدة ما دامت الاُصول التي يتحقق معها عنوان الإِسلام محفوظة عند الشيعة بحيث إذا وجدت كان الإِنسان مسلماً باعتناقها ونحن نعلم أنّ الأصول التي تحدد إسلام المسلم هي ما حدده النبي نفسه كما في صحيح البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من صلّي صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته، كما أخرج البخاري عن [ صفحه 58] عليٍّ عليه السلام، أنه سأل النبي صلي الله عليه وآله وسلّم يوم خيبر علي ماذا اُقاتل الناس؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم [68] . وقال الإِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلي ظاهره جماعة من الناس [69] فصفة الإِسلام ثابتة لمن قال الشهادتين سواء اعتقد أنّ

الإِمامة نص من الله تعالي فهي حق إلهي، أو بالشوري فهي حق للجماعة يضعونه حيث تتوفر المؤهلات، حتي لولم يكن لمعتقد الإِمامة بالنص شبهة من دليل بل لو ذهب إلي أبعد من ذلك فابتدع وكان من أهل البدع فإنّ علماء المسلمين لا ينبزونه ولا يكفرونه. فقد عقد ابن حزم فصلاً مطولاً في كتابه الفصل في باب من يكفر أو لا يكفر وقد قال في ذلك الفصل: ذهبت طائفة إلي أنّه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فعل، وأنّ كل من اجتهد في شيءٍ من ذلك فدان بما رأي أنّه الحق فإنّه مأجور علي كل حال إن أصاب فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلي وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداوود بن عليّ وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة لا نعلم خلافاً في ذلك أصلاً [70] . ويروي أحمد بن زاهر السرخسي وهو من أصحاب الإِمام أبي الحسن الأشعري وقد توفي الأشعري بداره وقال: أمرني الأشعري بجمع أصحابه فجمعتهم له فقال اشهدوا عليَّ أنيّ لا أكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب لأنّي رأيتهم كلهم يشيرون إلي معبود واحد والإِسلام يشملهم ويعمهم [71] . وبعد ذلك كله فما هو وجه ربط التشيع باليهودية لأنّ فيه أفكاراً فارسية أو [ صفحه 59] نعته بأنه أثر فارسي إذا كان هناك بضعة آفكار نقلها معه بعض من أسلم منهم ودان بها وهي لاتتعدي رأياً أخذ به بشبهه من دليل أو حتي ببدعة كما مر عليك وقد عرفت آراء العلماء في ذلك. إنّ هذا التهور علي المسلمين والتهريج عليهم من خطل الرأي وسنوقفك عن قريب علي مصادر ما

ذهب إليه الشيعة من الكتاب والسنة وإن حسبه البعض أنه اقتباس من الفرس أما لقلة اطلاع أو لسوء قصد والله من وراء القصد. ج _ إنّ هذه الدعوي المقلوبة وهي فارسية التشيع سنوقفك قريباً علي إثبات عكسها وأقول علي فرض صحتها فما هو البأس في ذلك إذا كان الفارسي مسلماً ونحن نتكلم بلغة الإِسلام طبعاً وشعارنا (يا أيها الناس إنا خلقناكم ذكر واُنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم) 13/ الحجرات. فلماذا هذا الموقف وكيف ينسجم مع روح الإِسلام ولو كان نتكلم من منطلق قومي فإنّ لغة اُخري ستكون لنا حينئذٍ ولا يكون لنا أيّ مناقشة مع المتكلم بها هذا مع أنّ العقل والمنطق القومي السليم يحتم احترام القوميات الاُخري إذا أراد احترام قوميته وما أروع كلمة الإِمام الصادق عليه السلام في هذا المقام إذ يقول: ليس من العصبية أن تحب قومك ولكن من العصبية أن تجعل شرار قومك خيراً من خيار غيرهم، إنّ لغة الإِسلام لا تفرق بين جنس وجنس فلا يعتبر مسلماً من يتكلم بهذه اللغة، أما إذا كان له دوافع وراء هذه اللغة غير إسلامية فلا تخفي علي القارئ الفطن إنّ من يعتبر الناس مغفلين لهو المغفل الأكبر وسنري عن قريب الدوافع من وراء هذه المزاعم. هناك فرض آخر في تصور فارسية التشيع وهو أنّ كل أو غالبية الشيعة فرس وقد طغت أفكارهم الفارسية علي التشيع حتي غطته وربما أدت إلي الإِصطدام مع الشريعة الإِسلامية لمخالفة تلك العقائد للإِسلام هذا الفرض صرح به بعضهم [ صفحه 60] كما ستقرأه مع ما نعرضه من آراء في هذا الموضوع _ وستري أنّ هذا الرأي باطل ويعلم بطلان ذلك كل من له

إلمام بتاريخ المسلمين وعقائدهم وبطلانه للأسباب التالية: أ _ إنّ عقائد الشيعة تحفل بها مئات الكتب والمراجع وهي ميسورة تحت أيدي الباحثين والكتّاب في كل مكتبات العالم، وإنّ عقائد الشيعة مصدرها الكتاب والسنة وفقه الشيعة مصدره الكتاب والسنة والإِجماع والعقل كما مر علينا وأشرنا إلي الكتب التي تشرح ذلك مفصلاً ونضيف إليها كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد و عقائد الصدوق و الدرر والغرر للسيد المرتضي و أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين، ومن كتب الأخبار والأحاديث الكتب الأربعة وهي الاُصول المعتمدة عند الشيعة بالجملة وهي من لا يحضره الفقيه للصدوق، و الكافي اُصولاً وفروعاً لمحمد بن يعقوب الكليني و التهذيب و الإستبصار للشيخ الطوسي، مع ملاحظة أن ليس كل ما فيها معتمداً عندنا ولكل رواية حساب ولذلك قلت إنها معتمدة بالجملة وقد تعرضت كتب التقريرات لنقد كثير من مضامين الكتب المذكورة. ب _ إنّ الفرس لا يكوَّنون إلا جزءاً قليلاً من ناحية الكم الشيعي فالتشيع منتشر عند العرب والهنود والترك والأفغان والكرد والصينيين والتبتيين والخ ويشكل الفرس جزءاً من الشيعة ليس كما يصوره البعض عن سوء فهم أو سوء نية. ج _ إنّ بذرة التشيع نشأت في مهد العرب في الجزيرة العربية وإنّ الرواد الأوائل للتشيع يشكلون مؤشراً واضحاً في ذلك، وما كان من غير العرب في الرواد الأوائل من الشيعة عدي واحداً هو سلمان المحمدي كما سماه النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وكان فارساً. وقد ذكرنا الطبقة الأولي من الشيعة الذين تتوزع وشائجهم علي مختلف البطون والقبائل العربية، وأنت إذا تتبعت الطبقة الثانية والثالثة من الشيعة فسوف تجدهم عرباً في الأعم الأغلب ولا اُريد الإِطالة في هذا المورد [ صفحه 61] فذلك مكانه من

كتب السير والتراجم، وسيرد في نهاية هذا الفصل ما يثبت دعوانا من آراء الباحثين والمنقبين. ومع ما أسلفناه من كلام فما هو وجه نسبة التشيع للفارسية والذي أصبح يرسل عند بعضهم إرسال المسلمات كأنّه من الاُمور المفروغ منها. ولأجل أن نستوعب الموضوع سنضطر إلي الخوض في جوانب متنوعة ونستعرض آراء كثيرة وما بررت به هذه الآراء صحة هذه النسبة للتشيع وهي لا تختلف في مستواها من العلم عن أصل صحة هذه النسبة ولا أشك أنّك ستضحك كثيراً عندما تقرأ هذه الأسباب ويأخذك العجب كيف أنّ مثل هؤلاء الباحثين وهم علي منزلة من العلم والتحقيق لا يستهان بها: يقتنعون بوجاهة هذه الأسباب فضلاً عن أنّهم يسوقونها لإِقناع غيرهم لولا الهوي والعصبية أعاذنا الله تعالي وإياك منها، ولولا الأسر الذي يقع فيه من نشاء علي عقيدة ولا يسمح للضوء أن يسلط علي عقيدته ومسبقاته حتي يري منها ما كان ناتجاً من مجرد تقليد أعمي ويصطدم بالمقاييس الصحيحة فينبذه وما كان علي أرض صلبة ويلتئم مع قواعد الشرع فيتمسك به. [ صفحه 62]

اقوال الباحثين في فارسية التشيع

إنّ نسبة التشيع الي الفارسية نشأت في عصور متأخرة ولأسباب وظروف سياسية خاصة أهمها: أنّ الفرس لما كانوا ولأسباب سنشرحها غير مرغوبين من قبل العرب ولما كان الشيعة فئة معارضة للحكم طيلة العهود الثلاثة الصدر الأول والأموي والعباسي، وكوجه من وجوه محاصرة التشيع أرادوا رمي التشيع بما هو مكروه عند العرب وهذه الدعوي هي واحدة من مجموعة دعاوي سترد علينا ولا تتعدي هذا الهدف بل هي جزء من المخطط. أما الأسباب التي أدت إلي النفرة بين القوميتين العربية والفارسية فهي: 1_ أنّ الفرس ما كانوا يفرقون بين الإِسلام والعروبة وحيث أنّ الإِسلام قضي علي

دولتهم واجتاحهم فإنّهم بعد إسلامهم كانوا ينزعون لا سترداد مجدهم باُسلوبين أحدهما سليم إيجابي والآخر سلبي حتي إذا جاء دور الأمويين استعان الحكام بهم لتنظيم شؤون الدولة نظراً لخلفيتهم الحضارية وللإِستعانة بهم أحياناً لدعم جناح مقابل جناح، ولا ستيلاء جماعة منهم علي مناصب هامة في العهدين مما مكنهم من فرض نفوذهم كل ذلك أدي إلي احتكاك شديد بين العرب والفرس، إذ رأي العرب أنهم حملة الإِسلام والسبب في هداية الاُمم وهم العمد الذي قام الإِسلام عليه فلماذا يزاحمهم غيرهم، ويقدم عليهم ويلمع نجمه ويحتل مناصب كبيرة، ورأي الفرس أنّهم أبناء حضارة عريقة وأنّهم أكثر علماً ودراية بسياسة العرب وإدارة شؤون الحكم فلماذا يقدم عليهم من لا يملك هذه [ صفحه 63] المؤهلات. فأدّي ذلك كله للإِحتكاك ونجمت عنه ظاهرة الشعوبية وترك خزيناً كبيراً من الحقد في تاريخ القوميتين كما أدي إلي مواقف سلبية متبادلة. 2_ أنّ فتح الثغرة التي دخل منها الفرس أدي إلي دخول عناصر غير عربية اُخري مثل الترك وغيرهم مما كان له بعد ذلك آثاره السلبية الفظيعة وقد عصب كسر النطاق هذا بالفرس لأنّهم أول من فتح هذا الباب وأدي إلي تدمير الخلافة بعد ذلك. 3_ لعب الإِستعمار دوراً بارزاً فيما خلقه من النفخ بالأبواق التي يحسن صنعها وذلك لتحقيق مصالحه عن طريق فتح أمثال هذه الفجوات واختلاف خصائص للجنسين زعم أنّها تصطدم مع بعضها وآراء لا تتلاقي وتأثر بهذه الآراء فريق من هؤلاء وفريق من هؤلاء ممن عاش علي موائد المستشرقين ولم يتفطن إلي أهدافهم وغرّته الصبغة العلمية الظاهرية في أمثال هذه المزاعم فنسج علي منوال هؤلاء وكان صدي لهم وسلاحاً بأيدي هؤلاء لضرب أبناء دينه ولهدم عقيدته حتي خلقت من

ذلك تركة كبيرة تحتاج إلي جهد كبير لإِزالة هذا التراكم. إنّ أسباب الكره استغلت لينتزع منها كما ذكرت سبباً من الأسباب التي تبغض التشيع وتنفر النفوس منه. ولذلك لا نري هذه التهمة عند أوائل السنة وأسلافهم فيما قدّموه من قوائم الأسباب التي ينعت بها التشيع لأنّ أسبابها لم تكن قائمة آنذاك. ومن الغريب أنّ الألسن السليطة التي تشتم الشيعة هي ألسنة السنة الفرس كما سيرد ذلك قريباً. إنّ أصحاب الغرض الأصلي في الضرب علي هذا الوتر كثيرون ومن أكثرهم حماساً في ذلك المستشرقون وتلاميذهم حيث يستهدف المستشرقون مصالح لا تخفي ويضرب تلاميذهم علي نفس الطبول ولمختلف الغايات والأهداف وبالإِضافة إلي من يهتز علي هذا الإِيقاع وإليك آراء بعضهم: [ صفحه 64] 1 _ المستشرق دوزي: لقد قرر المستشرق دوزي أنّ أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية وذلك لأنّ العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك والوراثة ولا يعرفون معني الإِنتخاب ولما كان النبي صلي الله عليه وآله وسلّم قد انتقل إلي الرفيق الأعلي ولم يترك ولداً فعليّ أولي بالخلافة من بعده [72] . 2 _ المستشرق فان فلوتن: ذهب هذا المستشرق إلي نفس الرأي في كتابه اسيادة العربية ولكنّه رجح أخذ الشيعة من آراء اليهود أكثر من أخذهم من رأي الفرس ومبادئهم [73] . 3 _ المستشرق براون: قال إنّه لم تعتنق نظرية الحق الإِلهي بقوة كما اعتنقت في فارس ولمح إلي أخذ الشيعة منهم [74] . 4 _ المستشرق ولهوزن: إنّ هذا المستشرق أشار إلي فارسية قسم كبير من الشيعة ضمناً حيث ذكر أنّ أكثر من نصف سكان الكوفة من الموالي ولما كان معظمهم شيعة فقسم كبير منهم من الفرس [75] . 5 _ المستشرق بروكلمان:

الذي يقول وحزب الشيعة الذي أصبح فيما بعد ملتقي جميع النزعات المناوئة للعرب واليوم لا يزال ضريح الحسين في كربلا أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين مابرحوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية مايطمعون [ صفحه 65] فيه [76] وبالجملة فإنّ مراجعة أي بحث للمستشرقين في هذا الموضوع يظهر منه أنّ كثيراً منهم يذهبون إلي هذا الرأي ولأسباب لا تخفي. وقد ربطوا بفارسية التشيع أثراً آخر يكون بمثابة النتيجة للسبب وذلك الأثر هو أنه لما كان أكثر الفرس شيعة وكانوا يسمون بالموالي وحيث أنّهم يرون أنّ العرب انتزعوا دولتهم منهم ولما كانت الدولة الأموية يتجسد فيها المظهر العربي فقد زحف عليها الموالي وأسقطوها وأعلنوا بدلها دولة العباسيين التي دعمت الفرس والتي زحف معها بالتالي الفكر الشيعي فتغلغل أيام العباسيين، وأنت واجد هذه الأفكار عند معظم من كتب في العصور الإِسلامية وخصوصاً الكتّاب المصريين ويتلخص من هذه المقتطفة ثلاثة اُمور: 1 _ تصوير الزحف الذي جاء من خراسان للقضاء علي الدولة الاُموية بأنّه زحف دوافعه قومية وليست دوافع اجتماعية أو إنسانية وقد اجتمعت فيه أكثر من قومية واحدة وبذلك يطمس الهدف الإِجتماعي الذي كان من وراء تلك الحملة. 2 _ أنّ العنصر الرئيسي في الحملة والفاعل هم الفرس وبذلك تكون الحملة إنتقامية تستهدف إعادة مجد الفرس الذي قضي عليه العرب، وبذلك يطمس الدور الرئيسي الذي قام به العرب في الحملة وتولوا فيه القيادة. 3 _ أنّ الفكر الشيعي زحف بزحف هؤلاء وانتصر في العهد العباسي؛ إنّ كل هذه الاُمور غير مسلم بها ولم تقم علي واقع بل هي تغطية في محاولة مكشوفة. [ صفحه 66] تعقيب علي الأقوال أما الزعم الأول: فيبطله أن القادة الذين

قادوا الحملة إنّما قادوها لتخليص الناس من جور الاُمويين وبإمكان أي قارئ أن يستبين الحقيقة باستقراء أحوال الحكم الاُموي الذي سايره الجور والظلم من أيامه الاُولي حتي سقط أيام مروان بن محمد آخر حكام الاُمويين ومن الخطأ أن نورد شاهداً أو شاهدين للتدليل علي ذلك محاولة إضاح الظلم والجور فإن كل أيامهم كانت مليئة بالظلم والجور وإنّي لاُحيل القارئ إلي تتبع التاريخ من أيام معاوية الأول حتي نهاية الدولة وفي كتب كل المسلمين لا الشيعة وحدهم فربما يقال إنّ الشيعة خصوم الاُمويين وهم يحقدون عليهم وهذه كتب الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون وما شئت فخذ لتري إلي أين وصلت الحالة حتي بلغ الأمر حداً يوجزه أحد الشعراء بقوله: واحربا يا آل حرب منكم++ يا آل حرب منكم واحربا منكم وفيكم وإليكم وبكم++ ما لو شرحناه فضحنا الكتبا وأما الزعم الثاني: فيبطله أنّ قادة الحملة ووجوهها هم العرب وقد أفاض في ذلك الجاحظ برسالته المسماة مناقب الأتراك، وقد ذكر من قادة الحملة، قحطبة بن شبيب الطائي، وسليمان بن كثير الخزاعي، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وخالد بن إبراهيم الذهلي، ولاهز بن طريف المزني، وموسي بن كعب المزني، والقاسم ابن مجاشع المزني، كما نص المؤرخون علي أسماء القبائل العربية التي كانت مقيمة في خراسان والتي كونت الزحف في معظمه وهم خزاعة وتميم، وطي، وربيعة، ومزينة وغيرها من القبائل العربية وللتوسع في معرفة أسماء القادة والقبائل العربية التي جاءت في الحملة للقضاء علي الحكم الاُموي يراجع كتاب ابن الفوطي مؤرخ العراق لمحمد رضا الشبيبي فقد توسع في إيراد النصوص التاريخية من [ صفحه 67] اُمهات الكتب وشرح أهداف الحملة ونوعية الجيش والأقطاب الذين اشتركوا بالحملة وبالجملة بكل

ملابسات الموضوع [77] . والشق الثاني الوارد في الزعم وهو أن العناصر غير العربية أرادت الإِنتقام لأنّها كانت محرومة من الإِشراك بالمناصب فهو بالجملة غير صحيح لأنّ كثيراً من العناصر الأجنبية والموالي شغلوا مناصب كبيرة في العهد الأموي علي امتداد هذا العهد ولم يكن وضعهم أيام العباسيين يختلف كثيراً عن وضعهم أيام الاُمويين وقد أشار لذلك الدكتور أحمد أمين بقوله: فسلطة العنصر الفارسي كانت تنمو في الحكم الاُموي وعلي الأخص في آخر ولو لم يتح لها فرصة الدولة العباسية لاُتيحت فرص اُخري مختلفة الأشكال [78] . لقد تولي جماعة من غير العرب مناصب هامة ومنهم سرجون بن منصور كان مستشاراً لمعاوية ورئيس ديوان الرسائل ورئيس ديوان الخراج، ومرداس مولي زياد كان رئيس ديوان الرسائل، وزاذا نفروخ كان رئيس خراج العراق، ومحمد بن يزيد مولي الأنصار كان والياً علي مصر من قبل عمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن مسلم مولي ثقيف كان والياً علي مصر، وكان منه القضاة والولاة ورؤساء دواوين الخراج وقد تغلغلوا في أبعاد الدولة وشعبها بصورة واسعة [79] . هذا من ناحية ومن ناحية اُخري إنّ وضع العرب لم يكن يستأثر باهتمام الاُمويين إلا بمقدار ما يحقق مصالح الاُمويين أنفسهم فإذا اقتضت مصالحهم أن يضربوا العرب بعضهم ببعض فعلوا كما حدث ذلك أكثر من مرة في حكم الاُمويين فراجع [80] وقد تعرض الدكتور أحمد أمين إلي ذلك وشرحه مفصلاً وبينّ كيف كان العرب يضرب بعضهم بعضاً إذا اقتضي الأمر ذلك فراجع [81] . [ صفحه 68] وأما الزعم الثالث: وهو انتشار الفكر الشيعي عن طريق الموالي وتعاظم نفوذهم وامتداده تبعاً لذلك فيكذبه أنّ هذا المضمون بجملته غير صحيح فقد نكب الفرس أيام العباسيين وضرب

نفوذهم أكثر من مرة، ومن أمثلة ذلك القضاء علي أبي مسلم وأتباعه أيام المنصور والقضاء علي البرامكة أيام الرشيد، والقضاء علي آل سهل أيام المأمون وهكذا، يبقي أنّ الموالي لمعوا في ميادين اُخري فذلك صحيح بالجملة، وتصور نفوذ الفرس إنما هو من أيام السفاح حتي أيام المأمون وهي كما تري لا تثبت للفرس والموالي نفوذاً خارج دائرة العباسيين وإنّما ضمن دائرتهم بحيث يستطيعون احتواءهم في أي وقت. أما الفترة التي تبدأ من عصر المتوكل حتي نهاية الحكم العباسي فإنّ الحكم العباسي ضعف نفوذه حتي انقض عليه حكام الأطراف. ولا يعني ذلك استشراء نفوذ الفرس فقط بل هو شأن الكيان الضعيف الذي ينهشه كل طامع. إنّ العوامل التي أدت إلي ضعف الحكم العباسي أشبعها الباحثون بالتفصيل. إنّ التصوير نفوذ الفرس بالشكل الذي أورده بعضهم ونفوذ الموالي مبالغ فيه غاية المبالغة فإذا كانت الشعوبية قد وجدت أيام العباسيين فإنّها امتداد لنزعة الشعوبية منذ أيام الأمويين وإذا كان للفرس نفوذ فلم يصل إلي الحد الذي ينتزع نفوذ العرب، بل كان ذلك النفوذ ملحوضاً من قبل الدولة ومسموحاً به لأهداف كثيرة استهدفها العباسيون من السماح بذلك _. يقول فلهوزن عن نفوذ الفرس في العصر العباسي: أما أنّ النفوذ الفارسي كان هو الراجح فهو أمر غير مؤكد [82] . أما الشق الثاني من هذا الزعم وهو تنفس التشيع أيام العباسيين فهو غير صحيح بل العكس هو الصحيح فإنّ العباسيين أولعوا بدم الشيعة وأئمتهم [ صفحه 69] وتعرض التشيع في مختلف أدوارهم إلي محن وخطوب مروّعة عدي فترات بسيطة مرت مرور الغمام كما هو الحال في فترة البويهيين وبالجملة إنّ كتب التاريخ قد حفظت لنا صوراً مروعة من تعرض الشيعة للإبادة

أيام العباسيين وبوسع القارئ الرجوع إلي أي كتاب من كتب التاريخ الرئيسية ليري ذلك واضحاً. وبعد هذا التعقيب البسيط علي هذه المزاعم: أعود إلي تلاميذ المستشرقين الذين نسجوا علي منوال أساتذتهم فقلدوهم في هذا الزعم وهو فارسية التشيع ومنهم: 1 _ الدكتور أحمد أمين: يذهب الدكتور أحمد أمين إلي استيلاء الفكر الفارسي علي التشيع برغم قدم التشيع علي دخول الفرس فيه وذلك لأنّ أكثر الشيعة فرس _ علي زعمه _ فغلبت نزعاتهم علي التشيع وصبغته بالفارسية ولنستمع إلي قوله حرفياً: (والذي أري كما يدلنا التاريخ أنّ التشيع لعليٍّ بدأ قبل دخول الفرس في الإِسلام ولكن بمعني ساذج ولكنّ هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الاُخري في الإِسلام وحيث أنّ أكبر عنصر دخل الإِسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع [83] . ويقول في مورد آخر: فنظرة الشيعة في عليٍّ وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين من الملوك الساسانيين، وثنوية الفرس كانوا منبعاً يستقي منه الرافضة في الإِسلام فحرك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة [84] . إنّي أطلب من القارئ هنا التأمل في هذه اللهجة الحادة التي يفح منها الشرر والنار حتي يعرف مدي موضوعية أحمد أمين ونظرائه، وقد دأب أحمد أمين علي اجترار هذه الفكرة وترتيب الآثار عليها كما يظهر ذلك واضحاً في كل [ صفحه 70] مؤلفاته، إنّ التركيبة التي تكوّن منها أحمد أمين هي الحقد والكراهية للشيعة، زائداً تقليد المستشرقين فيما يقولونه عنهم. 2 _ محمد أبو زهرة: يذهب الشيخ محمد أبو زهرة إلي نفس رأي أحمد أمين ويضيف له: إنّ أكثر الشيعة الأوائل فرس ولنستمع إلي ما يقوله في هذا الموضوع وهو يستعرض آراء المستشرقين ويعقب عليها قال: وفي الحق أنا نعتقد أنّ

الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته ويزكي هذا أنّ أكثر أهل فارس إلي الآن من الشيعة وأنّ الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس [85] ورحم الله أبا الطيّب المتنبي إذ يقول: ودهر ناسه ناس صغار++ وإن كانت لهم جثث ضخام وأبو زهرة مورد انطباق هذا البيت، إنّه يقول إنّ الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس وأنا أطلب من كل قارئ أن يستخرج لي من الشيعة الأولين خمسة من الفرس وأنا متأكد سلفاً أنّهم لا يجدون هذا العدد، فهل تبقي بعد ذلك قيمة لأقوال مثل أبي زهرة وكم لأبي زهرة من أقوال لا تعرف التحقيق وعلي كل حال لقد لقي الرجل ربه وأسأل الله تعالي له العفو. 3 _ أحمد عطية الله: وهذا الرجل ممن نسج علي منوال المستشرقين بنسبة التشيع للفارسية فهو يري أنّ الأفكار الشيعية تأثرت بالفارسية عن طريق عبدالله بن سبأ الذي نقل للتشيع أكثر من رافد فكري ومن هذه الروافد: الفارسية فقد قال بالحرف الواحد: وإنّ ابن السوداء انتقل إلي المدينة وبث فيها أقوالاً وآراء منافية لروح الإِسلام نابعة من يهوديته، ومن معتقدات فارسية كانت شايعة في اليمن وبرز في [ صفحه 71] صورة الداعية المنتصر لحق الإِمام عليٍّ عليه السلام وادعي أنّ لكل نبي وصياً وأنّ علياً وصي محمد الخ [86] هذه مجرد عينة من النماذج التي نسجت علي منوال المستشرقين، وإنّك لتجد هذه الفكرة عند المتأخرين من كتاب السنة شائعة يتلقاها الخلف عن السلف ثم يحاول تعميقها وترسيخها بما يملكه هو من عبقرية وسوف لا أتعجل الرد علي الفكرة إلا بعد أن أستوفيها فأذكر لك أقوالهم في تعليل دخول الفرس للتشيع فإنّ ذلك يكون بمثابة الروح للبحث. إنّ

أبرز هذه التعليلات التي ساقوها واعتبروها مبرراً لدخول الفرس إلي التشيع ثلاثة اُمور: [ صفحه 72] اسباب دخول الفرس للتشيع في نظر السنة 1 _ الأمر الأول: إصهار الحسين إلي الفرس لأنّه تزوج ابنة يزدجرد وهو أحد الملوك الساسانيين واسمها شاه زنان فولدت له عليَّ بن الحسين الذي اجتمعت في الخواص الوراثية للأكاسرة وخواص الإِمامة من آبائه كما يقول أبو الأسود الدؤلي: وإنّ وليداً بين كسري وهاشم++ لأكرم من نيطت عليه التمائم وفي ذلك تقول سميرة الليثي معقبة علي رأي أرنولد توينبي في انتشار الإِسلام بين الفرس: الذي أدي إلي انتشار الإِسلام هو زواج الحسين من شاهبانو إحدي بنات يزدرجرد وقد رأي الفرس في أولاد شاهبانو والحسين وارثين لملوكهم الأقدمين [87] فزواج الحسين علي رأي هؤلاء أحد العوامل التي أدت إلي انتشار التشيع لأهل البيت عند الفرس. 2 _ الأمر الثاني: التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس ومن تلك موضوع الحق الإِلهي فكل [ صفحه 73] منهما يري أنّ الحق الإِلهي ثابت لمن يتولاه من القادة فالفارسي يراه للملوك الفرس والشيعي يراه للإِمام الذي يقول بإمامته، وهذا المعني وإن صوّره بعضهم بأنّه تأثر من الشيعة بالفرس، ولكن لما كان التشيع أقدم من دخول الفرس فيه ولما كان الرواد من الشيعة كلهم عرب كما أثبتنا ذلك فيما سلف ولما كانت نظرية الشيعة في الإِمام لم تختلف عند زرارة عما كانت عليه عند أبي ذر وعمار ينتج من ذلك أنّ نظرية الحق الإِلهي التقي بها الشيعة مع الفرس ولم تكن نتيجة تأثر بآراء الفرس بحكم إيمان الشيعة بأن علياً وصي النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وأنّه منصوص عليه، وقد دأب علي ذكر هذا التقارب كثير من

المستشرقين وتلاميذهم يقول محمد أبو زهرة: وبعض العلماء ومنهم دوزي المستشرق قرر أنّ أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية إذ أنّ العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك وبالوراثة ولا يعرفون معني الإِنتخاب، إلي أن قال إنّ الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته [88] . وكذلك يذهب إلي هذا الرأي أحمد أمين وجملة من المستشرقين ذكرهم هو من الذاهبين لهذا الرأي، وقد أفاض في شرح هذا المعني في كتابه فجر الإِسلام معززاً رأيه بآراء المستشرقين [89] . 3 _ الأمر الثالث: إرادة هدم الإِسلام عن طريق الدخول في المذهب الشيعي التستر بحب أهل البيت ثم نقل أفكارهم الهدامة للإسلام كالقول بالوصية والرجعة والمهدي وغير ذلك. وفي ذلك يقول أحمد أمين: الحق أنّ التشيع كان مأوي يلجأ إليه كل من أراد هدم الإِسلام لعداوة أو حقد ومن كان يريد إخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج علي مملكته كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً [90] وأرجو ملاحظة نغمة استعداء [ صفحه 74] السلطة علي الشيعة فهي نغمة ضرب عليها الكثيرون من قبله ومن بعده كصاحب المنار مثلاً [91] إنّ هذا الإِتجاه في تصوير التشيع بأنّه أثر فارسي واضح عند كثير من المتأخرين مثل محب الدين الخطيب، وأحمد شلبي، ومصطفي الشكعة وغيرهم. ولأجل إلقاء الضوء علي صحة أو عدم صحة هذه الدعاوي التي نسبت للتشيع وبالذات الاُمور الثلاثة التي عللوا بها دخول الفرس للتشيع لا بد من ذكر اُمور: 1 _ الرد علي الاُمور الثلاثة. 2 _ تحديد هوية التشيع عرقياً. 3 _ تحديد هوية التشيع فكرياً. 4 _ تحديد هوية السنة من نفس المنطلق والعلل التي أخذ

بها كتاب السنة. وسنبحث هذة الاُمور. [ صفحه 75] الإجابة علي أسباب دخول الفرس للتشيع 1 _ الأمر الأول: إصهار الحسين عليه السلام إلي الفرس. إنّ من القواعد المسلم بها أنّ حكم الأمثال فيها يجوز أو لا يجوز واحد، وبناءاً علي هذا فإنّ العلة التي ذكرها هؤلاء الكتاب في اعتناق التشيع من قبل الفرس وهي إصهار الحسين عليه السلام للفرس موجودة عند عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعند محمد بن أبي بكر، فقد ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره من المؤرخين، أنّ الصحابة لما جاؤا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الإِمام عليّ إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهنّ فقال الخليفة كيف الطريق إلي العمل معهنّ فقال: يقوَّمن ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ فقوِّمن فأخذهنَّ عليٌّ فدفع واحدة لعبدالله بن عمر واُخري لولده الحسين واُخري لمحمد بن أبي بكر، فأولد عبدالله بن عمر ولده سالماً، وأولد الحسين زين العابدين وأولد محمد ولده القاسم فهؤلاء أولاد خالة واُمهاتهم بنات يزدجرد [92] وهنا نسأل إذا كانت العلة في دخول الفرس للتشيع هي مصاهرة الحسين للفرس فلماذا لا تطّرد هذه العلة فيتسنن الفرس لإصهار عبدالله بن عمر لهم ومحمد بن أبي بكر كذلك؟ وكل من [ صفحه 76] محمد وعبدالله أبناء خليفة كما كان الحسين ابن خليفة. بالإِضافة لذلك إنّ كلاً من يزيد بن الوليد بن عبدالملك واُمه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد ومروان بن محمد آخر خلفاء بني اُمية اُمه ام ولد من كرد إيران فلماذا لا تطَّرد العلة هنا أيضاً [93] وبالعكس لماذا لايميل العرب السنة لأهل البيت الذين

اُمهاتهم عربية في حين نجد قسماً من العرب يبغض أهل البيت كالنواصب مثلاً. هذا سؤال يوجه للعقول التي تقول ولا تفكر. 2 _ الأمر الثاني: التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس. وأن كلاً منهما يقول بنظرية الحق الإِلهي، ويقول بالوراثة ولا يعرف الإِنتخاب، وفي هذا الأمر شيئان الأول الإِتحاد في الآراء الذي يسبب الدخول للتشيع وهذا الأمر لا يقول به من يحترم عقله فمتي كان مجرد الإِشتراك في رأي دافعاً للإِتحاد بالعقيدة، إنّ كل باحث يعلم أنّ كل اُمة أو جماعة لا تخلو من الإِتحاد مع بعض الاُمم الاُخري، في رأي من الآراء أو مسألة من المسائل ومع ذلك فلا يقوم ذلك سبباً للإندماج ولنعد لأحمد أمين نفسه ونلزمه بنتائج رأيه إذا وجد السبب فإنه يقول عند بحثه لمسألة الجبر والإِختيار: إنّ مسألة الجبر والإِختيار تكلم فيها قبل المسلمين فلاسفة اليونان ونقلها السريانيون عنهم وتكلم فيها الزرادشتيون كما بحث فيها النصاري ثم المسلمون [94] . وقد توزع هؤلاء بين القول بالجبر والقول بالاختيار، وبناءاً علي منطق أحمد أمين فإن المسلمين نصاري لأنّهم اتحدوا مع النصاري في شق من الرأي، وإلا فما هو مبرر أحمد أمين في اعتباره الشيعة فرساً لأنّهم اتحدوا مع الفرس بالقول ينظرية الحق الإِلهي.؟ [ صفحه 77] أما الشق الثاني من الدعوي وهو أن كلاً من الفرس والشيعة يقولون بالوراثة فهو باطل فيما يخص الشيعة لأن الشيعة لا تعتبر الإِمامة متوارثة ولا تقول بالإرث في ذلك بل تذهب إلي أنّ الإِمام منصوص عليه من قبل الله تعالي عن طريق النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أو الإِمام وكتب الشيعة طافحة بذلك [95] . وليست مسألة النص علي الإِمام من المسائل المتأخرة عندهم

بل هي معلومة من الصدر الأول عند الطبقة الأولي وذلك لوضوح النصوص التي اعتبروها مصدرهم في مسألة الإِمامة. وللتدليل علي ذلك أذكر محاورة طريفة حدثت بين الخليفة الثاني وعبدالله بن عباس وكان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيراً فقال له يوماً: ياعبدالله عليك دماء البدن إن كتمتها هل بقي في نفس عليٍّ شيء من الخلافة. يقول ابن عباس: قلت نعم، قال: أو يزعم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم نص عليه؟ قلت: نعم، فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لاتثبت حجة ولا تقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة علي الإِسلام فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك [96] إنّ المنع الذي أشار إليه الخليفة عمر هو عندما طلب النبي من أصحابه في ساعاته الأخيرة دواة وكتف وقال عليَّ بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال الخليفة عمر: إنّه يهجر وقد غلب عليه الوجع [97] . وعلي العموم إن هذه المحاورة وأمثالها توضح رأي الشيعة في موضوع [ صفحه 78] الإِمامة وأنّها بالنص وليست بالوراثة فمن أين جاء المستشرقون وتلاميذهم بنظرية الوراثة لولا عدم الإِحاطة بالتشيع أو التحرف واتباع الهوي. 3 _ الأمر الثالث وهو دخول الفرس في الإِسلام إرادة هدمه ثم لتحقيق مأربهم ونقل نظريات أسلافهم وهو ادعاء طريف ولا بد من الوقوف قليلاً حوله فنقول: أولاً: إنّ مؤلفات هؤلاء القوم في الدفاع عن الإِسلام ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية وجهادهم في سبيل الله كل ذلك يشكل شواهد قائمة علي كذب هذه الدعوي. وثانياً: لا بد من

سؤال لهؤلاء القائلين بهذا القول في أنّ إرادة الإِلحاد والهدم عند الفرس هل هي مختصة بالفرس الذين اختاروا الإِسلام ودخلوا في التشيع أم أنّها عند كل الفرس من كل من كان من السنة منهم أو من الشيعة، ولابد أن تكون الإِجابة بالعموم لأن إرادة الإِلحاد جاءت من كونهم فرساً لا من أمر آخر وإذا كانت كذلك فلماذا انصبت الحملات علي الفرس الشيعة فقط دون الفرس السنة. وقد يقول قائل إن ذلك انتقل للفرس من الشيعة وهنا ينتقل الكلام إلي عقائد الشيعة وقد ذكرنا أنّ مصدر عقائدهم الكتاب والسنة فلا سبيل لرميهم بما ينافي الكتاب والسنة هذا إذا كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة _ وهم أبعد الناس عنها _ ولو لم يكونوا بعيدين عن الإرادة الخيرة لما بضّعوا شلو الاُمة وفرقوها شيعاً ولخجلوا من المفارقات في أقوالهم لأننا سنوقفك عن قريب علي أنّ تاريخ وفقه وعقائد أهل السنة أبطاله الفرس أنفسهم ونحن لا نري بذلك أي عيب أو غضاضة ما دمنا نعلم أننا كلنا من مصدر واحد وما دام قرآننا يصرح آناء الليل وأطراف النهار بشعار الوحدة وتوحيد المصدر! بقوله تعالي: (ألم نخلقكم من ماء مهين) 20/المرسلات. ثالثاً: إنّ المسائل التي أوردها القوم واعتبروها مما يهدم الدين ورموا بها [ صفحه 79] الشيعة الفرس مثل الوصاية والرجعة والقول بالمهدية يشاركهم بها أو بمثلها أهل السنة وما سمعنا أحداً ينبزهم بها أو يعتبرها عليهم سبة، كما أنّ هذه القضايا وردت في روايات أهل السنة بطرق موثوقة وسنذكر ذلك قريباً إن شاء الله، هذا بالإِضافة إلي أن هذه الآراء ليست من ضروريات الإِسلام عند الشيعة وقد تكون من ضروريات المذهب كالقول بالمهدي، فلماذا كل هذا الضجيج المفتعل ولماذا

كل هذا الصرف للطاقات الذي يخلق فجوات بين أهل القبلة فضلاً عن عدم جدواه؟ ولماذا هذا الحماس المفتعل ازاء امور لا ينفرد بها الشيعة بل يقول بها السنة أنفسهم؟ [ صفحه 80]

هوية التشيع العرقية وآراء الباحثين فيها

اشاره

في صدر هذا العنوان لا بد من سؤال عن معني مضمون العروبة الذي يميزها عما عداها وأول ما يتبادر للذهن أن العربي هو الذي يولد من أبوين عربيين وبعبارة اُخري هو المتحدر من دم عربي، وهذا الفرض غير متحقق لأننا لا يمكننا الحصول علي دم خالص مائة بالمائة من الشوائب والإِختلاط ولأنّ الدماء إنسانية الإِنتماء كلها تعود لمصدر واحد وهي مختلطة اختلاطاً يصعب معه فرزها عن غيرها، ثم بعد ذلك لأنّه ليس من المتصور أنّ الدماء تتأثر بالعقيدة والفكر والمشاعر، فأي معني للعروبة مع هذه الفرض، وانطلاقاً من هذا فإنّ كل رأي يقوم علي فرض وجود دم عربي خالص هو فرض غير علمي ولا يمكن الركون إليه. ومع التنزل والتسليم بصحة هذه المقولة وهذا الفرض فقد ذكرنا فيما مر أنّ الشيعة الذين بدأ بهم التشيع وقام علي أيديهم هم من القبائل العربية وذكرنا الطبقة الاُولي منهم ولا نريد أن نثقل علي القارئ فنذكر له الطبقتين الثانية والثالثة فبوسع كل قارئ الرجوع إلي كتب التراجم ليري أنّهم في جمهورهم من العرب. وإذا كان افتراض أن هناك دماً خالصاً غير متأثر بغيره أمراً خيالياً نعود الي السؤال عن معني العروبة، وسنجد الجواب إنّ العروبة هي المزيج المتكوّن من الفكر والمشاعر واللغة والتربة، وانتزاع العروبة من هذه المصادر هو المسلك الصحيح فهي التي تحدد الهوية ومعظم من كتب في تحديد هوية الإِنسان أكدوا علي [ صفحه 81] هذه العوامل فقط وهي اللغة والتاريخ والبيئة والمصالح

المشتركة هذه هي التركيبة المزجية التي تكوِّن وتحدد معالم الإِنتماء لاُمة ما [98] وانطلاقاً من ذلك لنري أين مظان الشيعة من هذه العوامل ولنبدأ من ذلك بالعامل الأول.

مقومات الهوية العرقية

1 _ البيئة الجغرافية: إنّ مهد التشيع الأول هو الجزيرة العربية لأنّ شيعة عليٍّ عليه السلام الأوائل هم من الاصحابة ومن جزيرة العرب كما ذكرنا ذلك من قبل، ومع افتراض وجود شخص أو شخصين مثل سلمان الفارسي وأبي رافع القبطي فإنّ نشأة هؤلاء وإقامتهم لفترة طويلة بالحجاز ومن الحجاز انتشر التشيع إلي الأقطار الاُخري كالعراق وسوريا ومصر والشام وإفريقيا والهند والخليج وأوربا وأمريكا والصين وروسيا وغيرها من سائر أقطار العالم علي امتداد السنين. وسنري في آخر هذا الفصل أقوال الباحثين في ذلك ونصوصهم علي أنّ مهد الشيعة الأول هو الجزيرة العربية. 2 _ اللغة: يعتبر العلماء أنّ اللغة هي العامل الأساسي في تحديد انتماء كل شخص إلي قومية من القوميات لأنّ اللغة قسم من المشاعر بل تذهب البحوث الحديثة إلي انّها الجزء المهموس من الفكر وذلك لتقسيمهم للفكر إلي قسمين صامت ومهموس [99] وبحكم كون الشيعة من أهل الحجاز فلغتهم كانت العربية وشيعة عليٍّ كما هو واضح من الشريحة التي قدمناها من فصحاء العرب وأبطال البيان. [ صفحه 82] وكان تفوق رواد الشيعة بالبيان والخطابة أدباً أخذوه من إمامهم عليٍّ عليه السلام أمير البيان حتي نبغوا في ذلك وعدهم المؤرخون قادة بيان ونوابغ فصاحة ومن هؤلاء: عدي بن حاتم الطائي وهاشم المرقال وخالد بن سعيد العبشمي الأموي، والوليد بن جابر بن ظالم الطائي وغيرهم [100] . وبحكم كون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم فقد كان الشيعة يقعون عند التصنيف من قسم المتشددين في اعتبار اللغة

العربية لغة العبادة ولغة العقود ولا يتساهلون في ذلك أبداً ولا يقوم عندهم مقام اللغة العربية، في ذلك أي لغة اُخري، ونلمح من تشددهم في ذلك أنّ اللغة عندهم ليست مجرد قالب للمعني ولو كانت كذلك لقام مقامها قالب آخر، لكنّها عندهم تستبطن مشاعر وخواص أصيلة في مضمون الرسالة ولهذا نزل القرآن بها لذلك نري جمهور فقهاء الشيعة يذهبون إلي عدم جواز القراءة في الصلاة والأذان وافتتاح الصلاة بغير اللغة العربية، في حين يذهب كل من أبي حنيفة بصورة مطلقة والشافعية والمالكية بجواز إيقاع الأذان بغير العربية إذا كان المؤذن أعجمياً ويريد أن يؤذن لنفسه أو لجماعة أعاجم مثله [101] ويذهب الشافعي والأحناف والمالكية إلي جواز إيقاع تكبيرة الإِحرام بغير اللغة العربية إذا كان غير قادر علي اللغة العربية ذكر ذلك عنهم صاحب الفقه علي المذاهب الأربعة في باب شروط تكبيرة الإِحرام من الجزء الأول. ولم أجد في حدود ما عندي من مصادر: لهم اشتراطاً صريحاً في إيقاع العقود باللغة العربية في حين يذهب الشيعة إلي لزوم إيقاع العقد بالعربية اختياراً [102] وفيما يخص عقد النكاح يجوز الحنفية والمالكية والحنابلة إيقاعه بغير اللغة العربية مع القدرة عليها ويذهبون إلي صحة هذا العقد [103] . [ صفحه 83] 3 _ عروبة الخليفة: ومما يتصل بموضوع اللغة إنّه بالنظر لأهمية اللغة العربية في موقعها من الشريعة الذي يتضح من اختيار السماء لها لتكون الظرف الحامل للفكر الإِسلامي ولما كرم الله تعالي به هذه اللغة في كتابه إذ يقول في الآية الثانية من سورة يوسف: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) ويقول في الآية السابعة والثلاثين من سورة الرعد (وكذلك أنزلناه حكماً عربياً) الأمر الذي أجمع معه مفسروا

القرآن الكريم علي أنّ القرآن حكمة عربية ومحاوراته علي نسق محاورات العرب وأساليبهم، وإذا شئت قلت إنّه أخذ مشاعر العرب وخواصهم الحضارية عندما اختار لغتهم ولم يختص أو يتأطر بهم لأن رسالة الإِسلام عالمية ولكنّ الله تعالي جعل اللغة العربية هي القناة التي ينقل الدين القويم عن طريقها للناس. ولأجل ضمان حفظ خواص الرسالة ذهب كثير من الفرق الإِسلامية إلي ضرورة كون الخليفة عربياً. لا لسبب آخر قد يفهم منه معني عنصري فرسالات السماء منزهة عن ذلك وقد انشطرت الفرق الإِسلامية في اشتراط عروبة الخليفة إلي شطرين: وكان الشيعة من الشطر الذي يؤكد علي عروبة الخليفة لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: «الأمة من قريش» [104] في حين ذهب كثير من المسلمين غير الشيعة إلي عدم اشتراط هذا الشرط. ويبدو أنّ هذا المعني يبتدئ من الخليفة الثاني نفسه حيث قال: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولي أبي حذيفة وأبو عبيدة الجراح ولو كان سالم حياً ما جعلتها شوري [105] . وواضح من ذكره لسالم أنّ الخليفة لا يشترط عروبة الخليفة والا لنص علي العرب فقط وقد ذهب لذلك أيضاً مشاهير المعتزلة مثل ضرار بن عمر وثمامة بن أشرس والجاحظ وكثير غير هؤلاء [106] . [ صفحه 84] كما يذهب إلي عدم عروبة الخليفة الخوارج بجملتهم ونصوصهم صريحة بذلك [107] وإلي عدم اشتراط عروبة الخليفة يذهب الأحناف أيضاً ولذا صححوا خلافة آل عثمان [108] إنّ اشتراط عروبة الخليفة في واقع الأمر لا يمكن أن يصدر عن بواعث عنصرية أو عن تعصب فإنّ ذلك غير متصور في رسالة سماوية هي خاتمة الرسالات الإِنسانية ضرورة أن الإِسلام دين المساواة ولكن بهذا

الشرط يضمن الإِسلام توفر حاكم يعي دقائق الشريعة والخلفيات الحضارية التي ترتبط بها اللغة التي نزلت بها. لهذا فقط يشترط الإِسلام عروبة الخليفة من دون انتقاص للآخرين أو بخس لمكانتهم أو قدح بإخلاصهم. 4 _ التاريخ والمصالح المشتركة: إنّ تاريخ الشيعة الذين عددنا أسماءهم جزء من تاريخ الجزيرة العربية بكل أبعاد هذا التاريخ ومقوّماته. وكذلك المصالح المشتركة المادي منها والمعنوي وكذلك النهج الشعبي في التفكير والعادات والسلوك. ولذلك لما جاء الإِسلام أخذ يجاهد لتخليص المسلمين من بعض عاداتهم وأنماط سلوكهم التي كانت تؤلف قدراً مشتركاً بين سكان الجزيرة العربية وبالنظر لكون هذا المعني مما لا ينبغي الإِطالة فيه لأنّه بحكم البديهيات نكتفي بما ذكرناه ومن هذه الحقائق التي قدمناها تتضح الهوية العرقية للتشيع فهو عربي بانتمائه ومهده ولغته وآرائه ولأجل هذا ذكر الباحثون الموضوعيون أنّ التشيع عربي بكل خواصه وأقصد بالباحثين هنا المتأخرين منهم وذلك لأنّ هذه المسألة لم تكن تشغل بال خصوم الشيعة في العصور الاُولي وإنّما نشأت مؤخراً لأسباب كثيرة أهمها تحول الفرس إلي شيعة ابتداءاً من القرن العاشر أما التاريخ الذي يسبق القرن العاشر فالشيعة من الفرس كانوا فيه فئةً قليلة وسوف بأتينا هذا المعني مفصلاً. وحينما تحول الفرس إلي شيعة ظهرت لهم مثالب وعيوب لم تكن موجودة يوم أن كانوا من السنة ولا اُريد أن أتعجل بك النتائج فهي آتية إن شاء الله. [ صفحه 85] والآن دعني اُقدم لك نماذج من أقوال بعض الباحثين الذين تناولوا هذه المسألة فلم يسعهم من ناحية: إنكار عروبة التشيع، في الوقت الذي أرادوا فيه شتم الشيعة عن طريق شتم الفرس وشرح مثالبهم فلنستمع لما يقولون. 1 _ الدكتور أحمد أمين: يقول الدكتر أحمد أمين

في نص ذكرناه سابقاً واشتشهدنا بمقطع منه ونذكره هنا لارتباطه بالموضوع: والذي أري كما يدلنا التاريخ أنَّ التشيع لعليٍّ بدأ قبل دخول الفرس في الإِسلام ولكن بمعني ساذج وهو أنّ علياً أولي من غيره ومن وجهتين كفايته الشخصية وقرابته للنبي صلي الله عليه وآله وسلّم ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الاخري في الإِسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية وحيث أنّ أكبر عنصر دخل في الإِسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع، ورأيه هنا واضح أنّ أوائل الشيعة ليسوا بفرس وإن ناقض نفسه بمكان آخر [109] . 2 _ الدكتور علي حسين الخربوطلي قال: وهناك فريق من العرب تشيع لعليٍّ بعد أن آلت الخلافة إلي أبي بكر ويروي جولد تسيهر أنّ الحركة الشيعية نشأت في أرض عربية بحتة فقد مال لاعتناق التشيع قبائل عربية تشبعت بالآراء الثيوقراطية وبشرعية حق عليٍّ بالخلافة فأقبلت علي تعاليمه في لهفة وحماسة أهل العراق من الفرس، ورأوا أنّ الإِمامة ليست من المصالح التي تفوض إلي نظر الاُمة ويُعين القائم بها تعييناً باختيار جماعة المسلمين وانتخابهم بل هي ركن الدين وقاعدة الإِسلام فيجب تعيين الإِمام ويكون معصوماً وأنّ علياً هو الذي عيّنه الرسول [110] . 3 _ المستشرق فلهوزن قال: أما آراء الشيعة تلائم الإِيرانيين فهذا مما لا شك فيه، وأما كون هذه [ صفحه 86] الآراء انبعثت من الإِيرانيين فليست تلك الملائمة دليلاً عليه، بل الروايات التاريخية تقول عكس ذلك إذ تقول إنّ التشيع الواضح الصريح كان قائماً أولاً في الدوائر العربية ثم انتقل منها إلي الموالي [111] . 4 _ المستشرق آدم متز قال: إنّ مذهب الشيعة لا كما يعتقد البعض ردّ فعل من جانب الروح الإِيرانية تخالف الإِسلام

فقد كانت جزيرة العرب شيعية كلها عدي المدن الكبري كمكة وتهامة وصنعاء. وكان للشيعة غلبة في بعض المدن مثل عمان وهجر وصعدة وفي بلاد خوزستان التي تلي العراق فكان نصف أهلها علي مذهب الشيعة، أما إيران فكانت سنية عدي قم وكان أهل أصفهان يغالون في معاوية حتي اعتقد بعضهم أنّه نبي مرسل [112] . 5 _ المستشرق جولد تسيهر قال: إنّ من الخطأ القول إنّ التشيع في مَنشئِه ومراحل نموِّه يمثل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الاُمم الإِيرانية في الإِسلام بعد أن اعتنقته وخضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية وهذا الوهم الشائع مبني علي سوء فهم الحوادث التاريخية فالحركة العلوية نشأت في أرض عربية بحتة [113] . 6 _ المستشرق نولدكه قال: ظلت بلاد فارس في أجزاء كبيرة منها تدين بالمذهب السني واستمر ذلك حتي سنة 1500م عندما أعلن التشيع مذهباً رسمياً فيها بقيام الدولة الصفوية [114] . بعد استعراض هذه المقتطفات من أقوال الباحثين التي تؤكد عروبة التشيع [ صفحه 87] في طابعه العام في نفس الوقت الذي لا تنفي امتداده إلي جنسيات اُخري فإنّ باقي الجنسيات هي موضع احترامنا وتقديرنا فما كنا إلا مسلمين شعارنا قوله تعالي: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر واُنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) 13/الحجرات، ولكننا نقابل بذلك الأصوات التي تشهر بالمذهب الشيعي وتنسبه للفارسية، وإتماماً للبحث سنقدم هنا عينة من أقطاب المذهب الشيعي الذي قام الفكر الشيعي علي أقلامهم ومواقفهم وبعد ذلك نضع مقابل عناوين عروبة التشيع ما يقابلها من عناوين في أبعاد المذاهب الإِسلامية الاُخري. [ صفحه 88]

ائمة الشيعة من هم

اشاره

إنّ أئمة الشيعة الإِثني عشر ابتداءً من الإِمام عليٍّ عليه السلام حتي

الإِمام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه السلام الذين تعتبرهم الشيعة بأنّهم الإِمتداد الطبيعي للنبوة هم سادة العرب ومن صميمهم وبيت هاشم كما هو المعروف أشرف البيوتات العربية فلا حاجة للإِفاضة بذلك. يأتي بعد ذلك الرواد الأوائل من حملة علوم أهل البيت وبيوتات وأسر الشيعة الذين حملوا التشيع وبشروا به فإنّهم من صميم العرب وذلك ابتداءً من أقطاب مدرسة الإِمام الصادق عليه السلام مثل أبان بن تغلب بن رباح الكندي، وبيت آل أعين، وبيت آل حيان التغلبي، وآل عطية، وبني دراج وغيرهم [115] ثم الطبقة التي تلي هؤلاء كالشيخ المفيد محمد بن النعمان، والشريف المرتضي علم الهدي عليّ بن أبي الحسين، والعلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر، وعبد العزيز بن نحرير البراج وجمال الدين أحمد بن موسي بن طاووس واُسرة آل طاووس، ومحمد بن أحمد بن إدريس العجلي، ونجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي المعروف بالمحقق وجمال الدين المقداد بن عبدالله السيوري، والشهيد الأول محمد بن مكي والشهيد الثاني زين الدين العاملي وغيرهم فإنّ كل هؤلاء من صميم العرب. [ صفحه 89] أما أصحاب الصحاح الشيعة وهم كل من محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي، ومحمد بن عليّ بن الحسين المعروف بابن بابويه القمي، صاحب من لا يحضره الفقيه، ومحمد بن الحسن بن علي الشيخ الطوسي صاحب التهذيب والإِستبصار، فإنّ هؤلاء لا يوجد نص علي عدم عروبتهم ومن وجد دليلاً علي أعجميتهم فليفدنا. وختاماً لهذه الفصل أذكر أولاً رأي دائرة المعارف الإِسامية فقد قالت: إنّ أقدم الأئمة الكبار من الشيعة كانوا عرباً خلصاً وإن كانوا من اليمنيين خاصة [116] كما أذكر لكل من يريد التوسع بعض كتب التراجم الشيعية وغيرها ليطلع منها

علي نسبة العرب من الشيعة ومن أهم هذه الكتب: الأعلام للزركلي، وتأسيس الشيعة لعلوم الإِسلام للسيد حسن الصدر، وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي.

السنة والفرس

قبل الدخول في صميم هذا الموضوع لنبدأ أولاً بإيران وماهي هوية سكانها العقائدية وبالتحديد أين موقع سكانها من المذهبين السني والشيعي ففي ذلك بعض الأضواء التي لابد منها لإِنارة طريق البحث. لقد ذكر لنا المؤرخون أنّ فتوحات إيران بكل أجزائها امتدت فغطت فترة الخلافة الإِسلامية إلي نهاية فترة حكم الإِمام عليٍّ عليه السلام وكانت هذه البلدان عندما يتم فتحها قد يتخلف بعض جنود الحملة في تلك المدن وبعض هؤلاء كانوا من الشيعة ومن الذين حملوا معهم مبادئهم وعرفوا بها، وفي فترة حكم زياد بن أبيه للكوفة كانت في جملة تخطيطاته للقضاء علي التشيع بالكوفة أن هجّر خمسين ألف من الشيعة وسفّرهم إلي خراسان. ولا بدّ أنّ هؤلاء توالدوا كما أنّهم بشروا بأفكارهم وعقائدهم فتبعهم علي [ صفحه 90] ذلك جماعة، كما أنّ مدينة قم تم تمصيرها أيام الحجاج، وذلك أنّ عبدالرحمن ابن الأشعث كان أمير سجستان من قبل الحجاج ثم خرج علي الحجاج وقاتله وعندما فشلت حركته كان بجيشه مجموعة من علماء التابعين منهم: عبدالله، والأحوص، وعبدالرحمن، وإسحق، ونعيم، وهم بنو سعد بن مالك الأشعري فنزل هؤلاء علي سبعة قري في منطقة قم استولوا عليها وجعلوها سبع محلات لمدينة قم والتحق بعبدالله بن سعد ولد له كان إمامياً تربيّ بالكوفة فنقل التشيع لأهلها فليس بها سني قط [117] . هذه هي بذور التشيع في إيران تنمو في مجال محدود حتي بداية القرن العاشر حيث تحوّلت بعد ذلك مناطق كثيرة للتشيع أيام الصفويين. أما البدايات منذ الفتح وإلي القرن العاشر فكانت

إيران في جملتها سنيّة متوزعة بين المذاهب ويستثني من ذلك جيوب صغيرة كان فيها بعض الشيعة وقد أكد ذلك مؤرخوا السنة وإليك أقوالهم: [ صفحه 91]

ايران السنية

1 _ شمس الدين محمد بن أحمد يقول: إقليم خراسان للمعتزلة والشيعة والغلبة لأصحاب أبي حنيفة إلا في كورة الشاش فإنّهم شوافع وفيهم قوم علي مذهب عبدالله السرخسي، وإقليم الرحاب مذاهبهم مستقيمة إلا أنّ أهل الحديث حنابلة، والغالب بدبيل _ لعله يريد أردبيل _ مذهب أبي حنيفة، وبالجبال: أما بالري فمذاهبهم مختلفة والغلبة فيهم للحنفية، وبالري حنابلة كثيرة، وأهل قم شيعة والدينور غلبة لمذهب سفيان الثوري، وإقليم خوزستان مذاهبهم مختلفة، أكثر أهل الأهواز ورامهرمز والدورق حنابلة، ونصف الأهواز شيعة، وبه من أصحاب أبي حنيفة كثير، وبالأهواز مالكيون. إقليم فارس العمل في علي أصحاب الحديث، وأصحاب أبي حنيفة، إقليم كرمان المذاهب الغالبة للشافعي، إقليم السند مذاهبهم أكثرها أصحاب الحديث، وأهل الملتان شيعة يحيعلون في الأذان _ أي يقولون حيَّ علي خير العمل _ ويثنون في الإِقامة _ أي يقولون الله أكبر مرتين، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين أيضاً وهكذا _ ولا تخلو القصبات من فقهاء علي مذهب أبي حنيفة [118] . 2 _ ابن بطوطة في رحلته قال بالتلخيص: لما أعلن خدابنده حفيد هولاكو التشيع حمل الناس علي التشيع في مطلع القرن [ صفحه 92] الثامن وكان معه أحد الزنادقة الروافض ويدعي بجمال الدين بن المطهر _ يعني العلامة الحلي _ كتب إلي بلاد آذربايجان وكرمان وأصفهان وخراسان وشيراز والعراق بادخال اسم عليٍّ وبعض شيعته في خطبة الجمعة، وعدم ذكر الصحابة بها، كان أول بلاد وصل إليها الأمر بغداد وشيراز وأصفهان، فأما أهل بغداد فخرج منهم أهل

باب الأزج يقولون لا سمعاً ولا طاعة وجاؤوا للجامع وهددوا الخطيب بالقتل إن غير الخطبة وهكذا فعل أهل شيراز وأهل أصفهان. 3 _ القاضي عياض في مقدمة ترتيب المدارك قال: وقد حكي من انتشار مذهب مالك: وأما خراسان وما وراء العراق من بلاد المشرق فدخلها هذا المذهب أولاً بيحيي بن يحيي التميمي وعبدالله بن المبارك، وقتيبة بن سعيد فكان له هناك أئمة علي مر الأزمان، وتفشي بقزوين وما والاها من البلاد الجبل، وكان آخر من درس منه بنيسابور أبو إسحق بن القطان وغلب علي تلك البلاد مذهبا أبي حنيفة والشافعي [119] . 4 _ بروكلمان قال في تاريخ الشعوب: إنّ الشاه إسماعيل الصفوي بعد انتصاره علي الوند توجه نحو تبريز فأعلمه علماء الشيعة التبريزيون أنّ ثلثي سكان المدينة الذين يبلغ عددهم ثلثمائة ألف من السنة [120] مع لفت النظر إلي أنّ هذه الكمية من السنة في بلد واحد كانت في القرن العاشر وفي بدايته. 5 _ المستشرق كيب يقول: إنّ الفكرة الخاطئة والتي لا زالت منتشرة التي تقول بأنّ بلاد فارس كانت الموطن الأصلي للتشيع لا أصل لها بل الروايات التاريخية تثبت بأنّ الزرادشتيين كانوا أميل عموماً لاعتناق المذهب السنّي [121] . [ صفحه 93] ولا اُريد أن اُطيل عليك بالإكثار من إيراد الشواهد والنصوص التي تذكر أنّ إيران هي معقل التسنن حتي القرن العاشر بل وحتي الآن فإنّ فيها مقاطعات بكاملها سنية تستمتع بكل حرياتها الدينية وهي منبثة في إيران شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فأين موقع إيران ياتري من التشيع والتسنن هل لهؤلاء الكتاب أن يجيبونا علي هذا السؤال، ومتي كان منطق الحقد يعقل أو يفكر. [ صفحه 94]

اللغة والمذاهب الإسلامية

اشاره

سبق أن ذكرت موقف

المذاهب الإِسلامية في موضوع اشتراط عروبة الخليفة من حيث اللزوم وعدمه وكذلك اشتراط اللغة العربية في العبادات والعقود فلا داعي لإِعادة ذلك وإنما اُريد الإِشارة هنا إلي أنّ في السنة من يشترط العربية وفيهم من لا يشترطها في حين يؤكد المذهب الشيعي علي اشتراطها وذلك يكون مؤشراً علي عروبة التشيع و وضوح انتمائه للعربية شكلاً ومضموناً. من هم أئمة السنة وأقطابهم؟ لا اُريد أن اُعيد إلي ذهن القارئ أنّ أمثال هذه البحوث إنما هي من باب إشعار الطرف الآخر بأنّه لا يلتزم بما هو لازم ولا اُريد والله يعلم أن انتقض أي إنسان ينتمي لأي قومية كما لا أستطيع في هذه المقتطفات أن أستوعب كل الأقطاب الذين قام بناء الفكر السني عليهم وعلي أقلامهم ومواقفهم وإنّما ساُقدم منهم شريحة كافية للتدليل علي المطلوب. إنّ تاريخ الدنيا منذ وجد يصنف الناس إلي صنفين: صنف يقوم مقام الروح في الجسد وآخر يمثل الجسد وصنف يقوم مقام المحرك وآخر يمثل القاطرة التي يسحبها المحرك وسنري أنّ من يقوم مقام المحرك في الهيكل السني فارسي في الأعم الأغلب، ولنبدأ بمن يسمّي بالمذاهب الأربعة: [ صفحه 95] المذاهب الأربعة: تذهب جملة المصادر المعتبرة إلي أن ثلاثة من هؤلاء الأربعة هم من الفرس والعربي فيهم هو الرابع فقط أما الثلاثة فأولهم: أولاً: الإِمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي وهو مولي لبني تيم الله ومولده بالكوفة [122] . ثانياً: الإِمام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع مولي أبي لهب وقد طلب من الخليفة عمر أن يجعله من موالي قريش فامتنع، فطلب بعدها من الخليفة عثمان ذلك ففعل فهو من موالي قريش وقد ذكر ذلك كل من

الرازي في كتابه مناقب الشافعي وأبو زهرة في كتابه المعروف الإِمام الشافعي [123] . ثالثاً: الإِمام مالك بن أنس بن مالك ذهب كل من ابن عبد البر صاحب الإِستيعاب في كتابه الإِنتقاء، والواقدي محمد بن إسحق، والسيوطي في تزيين الممالك إلي أنّه موليً من موالي بني تيم وليس بعربيّ [124] . رابعاً: الإِمام أحمد بن حنبل وهو العربي الوحيد في المذاهب وينتمي إلي بكر بن وائل [125] علي أنّه هناك من يروي أنّ الثلاثة الأوائل أيضاً عرب ولكنّ ظروف الروايات لا تخفي علي الناقد وبوسع أي باحث تقييم تلك الروايات والإِنتهاء لرأي معين. أصحاب الصحاح: إنّ المصادر التي ترجمت لأصحاب الصحاح وزعتهم علي النحو التالي من حيث أنسابهم: [ صفحه 96] أ _ البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم صاحب الصحيح الشهير: أعجمي. ب _ الترمذي ابن عيسي بن سورة الضرير تلميذ البخاري كذلك. ج _ محمد بن يزيد بن ماجة مولي ربيعة، أعجمي. د _ أحمد بن علي بن شعيب النسائي نسبة لمدينة نسا بخراسان، أعجمي. ه_ _ سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني وهي بلدة بقرب هراة. ينسب إلي الأزد ولم ينصوا علي أنّ النسبة بالأصل أم بالولاء، ويبقي انتماؤه إلي بلد أعجمي. و _ مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري عربي منصوص علي عروبته [126] . شريحة ثالثة: هذه شريحة ثالثة متوزعة علي المذاهب الأربعة في امتداد تاريخها الطويل غير ملتزمة بالتسلسل الزمني اُقدمها لتكون مجرد مؤشر علي نسبة ما في المذاهب الأربعة من العلماء الفرس، ولا اُريد الإستقصاء لأنّه يستلزم إضاعة وقت وجهد الأولي صرفهما في مجال آخر. إن معظم رواة الأحكام والأخبار، ومعظم الفقهاء والمفسرين هم من الفرس، ومنهم

علي سبيل المثال: مجاهد، وعطاء بن أبي رياح، و عكرمة وسعيد بن جبير. ومجاهد وعكرمة ممن يعتمد عليه البخاري والشافعي ويوثقه ويأخذ بمروياته جملة وتفصيلاً [127] . ومنهم الليث بن سعد تلميذ يزيد بن حبيب والذي يعتبر مؤسس المدرسة [ صفحه 97] العلمية الدينية بمصر، ويقول عنه الشافعي الليث أفقه من مالك إلا أنّ أصحابه لم يقوموا به، وهو فارسي من أهل أصفهان؛ ومنهم ربيعة الرأي شيخ الإِمام مالك وهو ابن عبدالرحمن بن فروخ من أهل فارس؛ ومنهم طاووس بن كيسان الفارسي ترجم له الشيرازي في طبقات الفقهاء؛ ومنهم البيهقي صاحبب السنن الذي قيل عنه: للشافعي فضل علي كل أحد إلا البيهقي. ومنهم مكحول بن عبدالله مولي بني ليث، ومحمد بن سيرين مولي أنس ابن مالك، والحسن البصري الذي قيل عنه إنّه أشبه الناس بعمر بن الخطاب علي حد تعبير الشيرازي في الطبقات. ومنهم الحاكم صاحب المستدرك، وعبدالعزيز الماجشون الأصفهاني مولي بني تميم، و عاصم بن عليّ بن عاصم مولي بني تيم ومن شيوخ البخاري، و عبدالحق بن سيف الدين الدهلوي صاحب مقدمة في مصطلح الحديث، وعبد الحكيم القندهاري شارح البخاري في حاشيته، و عبدالحميد الخسر وشاهي صاحب اختصار المذهب في الفقه الشافعي. و عبدالرحمن رحيم مولي بني أمية ومحدث الشام علي مذهب الأوزاعي، و عبدالرحمن العضد الإِيجي صاحب كتاب المواقف، و عبدالرحمن الجامي صاحب فصوص الحكم، وعبد الرحمن الكرماني رئيس الأحناف بخراسان وصاحب شرح التجديد، و شيخي زادة صاحب كتاب مجمع الأنهار عبدالرحمن، و أحمد بن عامر المروزي صاحب كتاب مختصر المزني. و سهل بن محمد السجستاني صاحب كتاب إعراب القرآن، و محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي الذي يعد بمستوي البخاري، وأبو إسحاق

الشيرازي صاحب كتاب التشبيه. وعبدالله بن ذكوان أبو الزناد عالم المدينة بالفرائض والفقه وممن روي عنه مالك والليث؛ و أحمد بن الحسين شهاب الدين الاصبهاني صاحب كتاب غاية الاختصار؛ و يعقوب بن إسحاق النيسابوري صاحب المسند الصحيح المخرج [ صفحه 98] علي كتاب مسلم بن الحجاج؛ و أحمد بن عبدالله أبو نعيم صاحب الحلية، وابن خلكان صاحب وفيات الأعيان، و أحمد بن محمد الثعلبي المفسر [128] . ولو رمت أن أمشي معك علي هذا الخط فسنصل إلي نسب عالية جداً من الناحية الكمية من نسبة العلماء والمؤرخين والمفسرين من الفرس، إنّ الفكر السني بكل أبعاده مدين للفرس ومصبوغ بالفارسية وحتي الإِمام محمد بن عبدالوهاب تربّي ونشأ وتثقف علي أيدي الفرس وكانت تربيته وثقافته بين كردستان وهمدان، وأصفهان وقم كما نص علي ذلك جماعة [129] ومن الجدير بالذكر أنّ الألسنة الطويلة والبذيئة والمتسرعة التي تفتري ما تشاء علي الفرق الإِسلامية وخصوصاً علي الشيعة هي ألسنة فارسية. وساُقدم لك نموذجين من هذا الصنف الذي ليس علي ضميره ولسانه رقيب وما قلمه شعور بالمسؤولية. [ صفحه 99]

نموذجان من السنة الفرس

1 _ الشهرستاني محمد بن عبدالكريم صاحب كتاب الملل والنحل من أهل شهرستان: وهي بليدة بين نيسابور وخراسان، إنّ هذا الرجل قد كتب عن الفرق الإِسلامية فخلط وخبط خبط عشواء وافتري ونسب اُموراً بدون علم وتثبت حتي شحن كتابه بزاد موبوء، وخلف تركة من الإِفتراء تأخذ منها الأقلام والله تعالي سائله عن ذلك وقبل أن اُقدم لك نماذج من كتاباته أود أن أذكر لك بعض آراء قومه فيه. أ _ الإِمام الرازي: يقول في كتابه مناظرات مع أهل ما وراء النهر المسألة العاشرة متحدثاً عن كتاب الملل والنحل، إنّه كتاب

حكي فيه مذاهب أهل العالم بزعمه إلا أنّه غير معتمد عليه لأنّه نقل المذاهب الإِسلامية من الكتاب المسمي بالفرق بين الفرق من تصانيف الأستاذ أبي منصور البغدادي وهذا الاستاذ كان شديد التعصب علي المخالفين ولا يكاد ينقل مذهبهم علي الوجه الصحيح، ثم أنّ الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإِسلامية من ذلك الكتاب فلهذا السبب وقع فيه الخلل في نقل هذه المذاهب [130] . [ صفحه 100] هذا عن مدي توثيقه بالنقل، أما دينه وصدقه فيقول فيه بعض قومه ما يلي: ب _ ياقوت الحموي في معجمه: مادة شهرستان قال: ولولا تخبطه أي الشهرستاني في الإِعتقاد وميله إلي هذا الإِلحاد لكان الإِمام، وكثيراً ما كنا نتعجب من فور فضله وكمال عقله كيف مال إلي شيءٍ لا أصل له واختار أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً ونعمذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإِيمان وليس ذلك إلا لإِعراضه عن نور الشريعة واشتغاله بظلمات الفلسفة وقد حضرت عدة مجالس من وعظه فلم يكن فيها قال الله ولا قال رسول الله ولا جواب من المسائل الشرعية والله أعلم بحاله [131] . وبعد تقييم الشهرستاني من قبل قومه أذكر لك شيئاً مما كتبه عن الشيعة لتعرف مدي صدقه ووثاقته يقول عن الإِمامية إنّهم لم يَثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن والحسين وعليّ بن الحسين علي رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها إلي أن قال: إنّ الإِمام الصادق برئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول، والتشببيه، لكنّ الشيعة بعده أي بعد الصادق عليه السلام افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهباً [132] . إنّ كل من له إلمام بتاريخ الإِمامية من الشيعة

يعلم أنّهم لم يختلفوا في تسلسل الأئمة ابتداءً من الإِمام عليٍّ عليه السلام حتي الإِمام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه السلام والإِمامية علي ذلك منذ وجدوا، أما ماذكره من أنّ الإِمام الصادق عليه السلام تبرأ من حماقات الشيعة فهو محض افتراء ولم يحدث قط فإنّ أهل البيت أدري بما فيه، ولو كان هنالك شيء من هذا القبيل لذكره غير الشهرستاني أما ما تفضل به علي [ صفحه 101] الشيعة من هذه العقائد التي ذكرها كالتناسخ والحلول والتشبيه فإنّ الواقع يكذبه وهذه كتب الشيعة تملأ المكتبات فليذكر لنا أين آرائهم بالتناسخ اللهم إلا أن يكون كلامه عن اُمة بائدة كانت تقول بذلك قبل هذا. نعم، الشيعة تقول بغيبة المهدي عن المعرفة بمعني أنّه يري ولا يعرف فهو موجود بين الناس ولكن لا يعرفونه وهو يدلي برأيه أحياناً مع بعض الآراء وقد استفادوا ذلك من جملة من الأخبار التي أوردها علماء المسلمين من السنة والشيعة كالترمذي وابن ماجة وأبي داود وابن حجر وغيرهم ويكفيك الفصل الذي كتبه ابن حجر في الصواعق فراجعه وسنشرح ذلك فيها يأتي من فصول هذا الكتاب، كما يعتقد الشيعة بالبداء مستفيدين ذلك من الكتاب والسنة: فالكتاب كقوله تعالي: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) الرعد/39. وأما السنة فمثل مارواه البخاري في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أنّ ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمي وأقرع بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً الخ [133] . وكما روي الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة باسناده عن الإِمام الصادق عليه السلام: من زعم أنّ الله عزّ وجل يبدو له في شيءٍ يعلمه أمس فابرؤا منه [134] والبداء عند الشيعة

بمعني الإِظهار لا بعني أنّ الله يعلم بعد جهل تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً، أي أنّ علم الله تعالي تعلق بوقوع أمر في الخارج ولكن بشروط موقوفيته علي عدم تعلق مشيئة الله تعالي بخلافه. وهذا هو مورد البداء ومحل البداء من أقسام القضاء الإِلهي. ونظراً لأهمية موضوع البداء وما ثار حوله من نزاع بين المسلمين فإنّي اُحيل [ صفحه 102] القارئ إلي فصل مهم ممتع كتبه الإِمام الخوئي في كتابه البيان مقدمة تفسير القرآن [135] . أما موضوع الرجعة عندهم فهو مجرد فهم من كتاب الله تعالي لبعض الآيات ولمضمون تلك الآيات، ذلك بالإضافة إلي روايات كثيرة تدعم تلك المضامين، وهي: أعني الرجعة ليست من ضروريات الإِسلام عندهم. وبوسع القارئ الرجوع إلي قوله تعالي: (ويوم نحشر من كل اُمة فوجاً) النحل/83. وقوله تعالي: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) الكهف/47. فقد ورد في كثير من التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يفيد أنّ هناك حشراً قبل الحشر الأكبر وفيه روايات عن أهل البيت، وقد عقد الشيخ الصدوق في كتابه الإِعتقادات فصلاً عن الرجعة ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث علي ذلك وقال في آخره مستدلاً بقوله تعالي: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلي وعداً عليه حقاً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) النحل/38، ثم يقول بعد هذه الآية مباشرة: ليبين لهم الذي يختلفون فيه، والتبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة فالآية واردة في الرجعة كمافهم منها الصدوق، إلي أن يقول الصدوق منبهاً إلي أنّ البعض قد يفهم من عقيدة الشيعة القول بالتناسخ فيقول في ذلك والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر لأنّ في التناسخ: إبطال الجنة والنار، إنتهي كلامه

[136] . فالمسألة في الرجعة إذاً لاتعدو فهماً من كتاب الله تعالي بإمكان وقوع رجعة في فترة معينة وكل ذلك لا يستوجب هذه الجلبة والضوضاء في كتب السنة، وكم [ صفحه 103] من آراء لأهل السنة سنمر إن شاء الله علي بعضها وهي قد تستوجب ضجة ولكن كتاب الشيعة يعالجونها من زاوية علمية بدون تهريج ويحترمون فهم كل كاتب ما دام له منشأ انتزاع من نص من القرآن أو السنة، وأعود بعد ذلك للشهرستاني فهو عندما يعدد الأئمة يقول: إنّ الشيعة ساقوا الإِمامة بعد موسي بن جعفر فقالوا والإِمام بعده عليّ بن موسي الرضا ومشهده بطوس ثم بعده محمد التقي وهو بمقابر قريش ثم بعده عليّ بن محمد النقي وهو مشهده بقم، وبعده الحسن العسكري الزكي وبعده ابنه محمد القائم المنتظر، هذا هو طريق الإثني عشرية [137] وكل الباحثين يعلمون أنّ الشيعة لا يقولون إنّ ابن محمد النقي مدفون بقم لأنّه مدفون بسامراء ويزوره الآن الناس والمدفونة بقم شقيقة الإِمام الرضا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. 2 _ ابن حزم الأندلسي: هذا النموذج الثاني الذي اُقدمه وهو من الذين سلطوا لسانهم علي المسلمين إنّه عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي وهو من موالي يزيد بن معاوية وحسبه بذلك شرفاً وأول من دخل الأندلس من أجداده جده خلف. وكان ابن حزم في أول أمره شافعياً ثم انتقل إلي الظاهرية، وله كتب كثيرة منها الفصل في الملل والنحل والمحلي وغيرهما، ولهذا الرجل قدرة عجيبة علي الإِفتعال والإِختلاق وله جرأة في التهجم علي الناس تكشف عن عدم ورع وعدم التزام بالصدق وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه وتقييمهم له: فقد قال فيه أبو العباس بن العريف:

إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان فيما كتبه عنه في فصل طويل منه قوله: ومما يزيد في بغض الناس له حبه لبني اُمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتي نسب إلي النصب. وقال ابن العماد الحنبلي كان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء والمتقدمين لا [ صفحه 104] يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت منه القلوب. ويقول عنه مصطفي البرلسي البولاقي: أما ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزناً كما نقله عنهم المحققون كالتاج السبكي وغيره لأنّه وأصحابه ظاهرية محضة تكاد عقولهم أن تكون مسخت ومن وصل إلي أن يقول إن بال الشخص في الماء تنجس، أو في إناء ثم صبه في الماء لم يتنجس، كيف يقام له وزن ويعد في العقلاء فضلاً عن العلماء، ولابن حزم هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشيء الذي لا ينحصر، ومن تأمل كذبه عن العلماء ولا سيما إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أنّ الأولي به وبأمثاله أن يكونوا في حيّز الإِهمال وعدم رفع رأس لشيءٍ صدر منه، راجع فيما كتبناه عن ابن حزم المراجع أدناه فقد أفاضت في ترجمته وشرح حاله [138] . وبعد شهادة هؤلاء الأعلام التي هي في الواقع رمز لمحصلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء فإنّي لا أستكثر عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة: والقوم يعني الشيعة بالجملة ذووا أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديموا حياء نعوذ بالله من الضلال [139] . فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هم الذين يكتبون عن عقائد وفقه وسلوك الفرق الإِسلامية فهل يمكن للأجيال أن تثق بتاريخها وسيرة أسلافهم والأنكي من ذلك أنّ الذين ينتقدون الشهرستاني

وابن حزم وأمثالهما فإنّهم إنما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم، أما إذا شتم الشهرستاني وابن حزم غيرهم كالشيعة مثلاً فهو صادق وتؤخذ أقواله ولا تثير حساسية. [ صفحه 105] مثال ثالث وسترد علينا أمثلة لذلك، ولكنّي أستعجل لك مثلاً واحداً منها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرة وتحت أروقة جامعة حديثة وهو محمد حسن هيتو محقق كتاب المنخول للغزالي فإنّ هذا الرجل عندما يمر ببعض المواقف الحدية للغزالي من بعض المذاهب الإِسلامية كالإِمام مالك والإِمام أحمد بن حنبل والإِمام أبي حنيفة فيذكر بعض آرائهم ناقداً لها حيناً ومستهجناً حيناً آخر، مثلاً يذكر الغزالي عن ابي حنيفة رأيه في أقل الصلاة وهي: وضوء بالنبيذ في أولها وحدث في آخرها للخروج منها وبين ذلك نقر كنقر الغراب واكتفاء من القراءة بكلمة مدهامتاه باللغة الفارسية إلي آخر ما ذكره عن أقل الصلاة في رأي أبي حنيفة، وكما ذكر رأي مالك ببجواز قتل ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلي صلاح الثلثين الباقيين، وهكذا آراء بعض الأئمة التي ذكرها. إننا في مثل هذا نري محمد حسن هيتو يقع في ورطة فلا يدري أينفي ذلك وفيه تكذيب للغزالي، أم يثبت ذلك وفيه طعن علي أئمة المذاهب، فتراه مرة يقول انّ هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مربها الغزالي، وتخلص منها بعد ذلك، ومرة يقول إنّ الغزالي فرد من مدرسة تؤيد أهل الحديث وتطعن في أهل الرأي وإنّ ذلك تعصب أقلع عنه الغزالي بعد ذلك كما هو واضح في مؤلفاته التي صدرت بعد ذلك كالمستصفي المتأخر عن المنخول، وعلي أنّ هذا الإِعتذار لا يحل المشكلة التي هي كون الغزالي إما صادقاً وإما كاذباً. إنّ الذي يعنينا هنا أنّ هيتو إذا مرّ

الغزالي بالرافضة وشتمهم لا نجده يعلل ذلك الشتم بعصبية أو غيرها كأنّ الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع وكأنّ الحرص علي وحدة المسلمين ليس من موارده هذا المورد هذا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاء وإلا فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول علماء المنطق، وعلي كل اُلفت نظر إلي ما كتبه هيتو عن الغزالي [140] والله المستعان علي ما يصفون. [ صفحه 106] وعوداً علي بدء نقول إنّ ماقدمناه من شواهد وأمثلة كافٍ في تحديد موقع السنة من الفرس وتحديد مكان التشيع من العروبة لمن يعتبر هذا سبة وذلك فضيلة، أما المسلم الذي شعاره شعار القرآن فإنّ المسلمين عنده أكفاء بأموالهم ودمائهم وأعراضهم وأنسابهم، وإذا كانت هناك آثار متولدة من وحدة العرق والدم فإنّها سواء عند الفارسي الشيعي والفارسي السني ولا يمكن التفرقة بين الشيء ونفسه، وإلي هنا نكون ققد أعطينا صورة عن الهوية العرقية للتشيع والتسنن وبوسع طالب المزيد أن يتخذ من هذه الدراسة منهجاً وينحو هذا النحو في التوسع بالدراسة المختصة بهذا الموضوع. [ صفحه 107]

اسباب رمي التشيع بالفارسية

للإجابة علي هذا السؤال نقول

إنّه لا خصوصية لهذه التهمة بالفارسية، وإنما هي صورة من صور رمي التشيع بكل ما هو مكروه، ولما كانت العلاقات بين الفرس والعرب قد ساءت بعد أن امتد نفوذ الفرس في دولة الإِسلام كما أشرنا إليه سابقاً شاء أعداء الشيعة أن يرموهم بالفارسية ليضيفوا إلي قوائم التهريج قائمة اُخري هذا من جانب ومن جانب آخر لما كان الشيعة منذ فترة تكوينهم من المعارضين للحكم لأنّهم يرون أنّ الخلافة بالنص وليست بالشوري وأنّها لعليٍّ عليه السلام وولده وإنما تنازل عنها وسكت حرصاً علي مصحلة المسلمين وتضحية بالمهم في سبيل الأهم وقد حفظ ذلك بيضة الإِسلام، وأنّ عقيدتهم

هذه جرّت عليهم الملاحقة خصوصاً أيام معاوية وما تلاها إلي العصور المتأخرة، وللإِمعان بالتنكيل بهم وإبعادهم عن الساحة حشدت لهم السلطات كل ما تملك من وسائل التحطيم المادي منها والمعنوي فاعتبرتهم خوارج عن جسم الاُمة، ونسبت إليهم من الآراء ما هو بيعد عن روح الإِسلام وصوّرتهم بأنّهم دعاة فوضي ولاحقتهم بكل صنوف الملاحقة وكان من ذلك أنّها استغلت الشعور الملتهب ضد الفرس منذ أيام الإِحتكاك بين العرب والفرس فرمتهم بأنّهم ورثة الفرس وحملة عقائدهم فأضافتها إلي قائمة التهم التي أصبحت لا تعد ولا تحصي وأخذ كل خلف يضيف إلي القائمة التي وضعها السلف بدون تحرج ولا رادع من مسؤولية أو ضمير وأين المسؤولية والسيف [ صفحه 108] والقلم والحكم والأموال بيد خصوم الشيعة، وانتهي الأمر إلي أن تنفجر العبقريات بألوان الإِختلاق، وأصبح كل حامل سلاح لا يعرف مدي مضائه يجربه بجسم الشيعة، وكل من لا يعرف نفسه يتحسس بطولتها بالسباب والتهجم علي الشيعة، وبالإِختصار أصبح الشيعة مختبراً لممارسة البطولات من كل حامل سلاح حتي ولو كان سيفه مثلوماً ويده ترتعش.

في رمي التشيع بالفارسية

هو ما ألمحت إليه سابقاً من أنّ الفارسية ما كانت سبة يوم كان الفرس سنة وإنّما عادت سبة يوم تشيع قسم من الفرس ودليل ذلك أنّك تري الطبقة الأولي والثانية من الذين تهجموا علي الشيعة وكالوا لهم التهم لم يضعوا في قائمتهم تهمة الفارسية وبوسعك الرجوع إلي ما كتبه ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد بالفصل الخاص بالشيعة وارتجل لهم المثالب والمطاعن فيه فإنّك لا تجد هذه التهمة ضمن التهم [141] وكذلك لو راجعت ما كتبه الشهرستاني في ملله ونحله وما ذكره عن الشيعة فسوف لا تجد تهمة الفارسية من التهم التي ساقها

[142] . وأما شيخ أهل السباب وصاحب اللسان الذي ما عرف الورع فإنّه برغم ما صال به وجال وبرغم ما أملاه عليه الهوي فإنّه لم يذكر للشيعة هذه التهمة [143] . نعم ذكر ابن حزم أنّ هناك أفراداً من الفرس شيعة في بعض استطراداته حتي جاء المقريزي في القرن التاسع فرام أن يصوِّر أنّ التشيع فارسي فالمسألة جاءت متأخرة [144] وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التهمة وإنّما جاءت من بعد القرن التاسع وبدء القرن العاشر، والغريب أن يكون بعض فرسان هذه الحملة من الفرس أنفسهم أرادوا أن يظهروا أنفسهم بأنّهم أحرص [ صفحه 109] علي العروبة من العرب أنفسهم ورحم الله من يقول: رفقاً بنسبة عمرو حين تنسبه++ فإنّه عربيّ من قوارير ولا أستبعد أنّ له هدفاً خبيثاً من وراء ذلك وبذلك كانوا أساتذة للمستشرقين كما سيأتي:

في رمي الشيعة بالفارسية

يكمن في قوة استدلال الشيعة بأنّ الخلافة بالنص وليست بالشوري، لأنّ القائلين بالشوري يستدلون بقوله تعالي: (وأمرهم شوري بينهم) الشوري/38، وبقوله تعالي: (وشاورهم في الأمر) آل عمران/159، مع أنّ الآيتين أجنبيتان عن الموضوع لأنّ قوله تعالي (وأمرهم شوري بينهم) مدح للأنصار الذي كانوا قبل الإِسلام إذا أرادوا عمل شيءٍ تشاوروا فيما بينهم ولم يستبدوا بآرائهم، وأما قوله تعالي «وشاورهم» الخ فإنّه أراد تطييب قلوبهم وإشعارهم بأنّهم أهل للمشاورة ليرفع من معنوياتهم فكان النبي صلي الله عليه وآله وسلّم يشاورهم في اُمور الحرب وبعض الاُمور الدنيوية وبوسع القارئ الرجوع إلي التفاسير المحترمة مثل تفاسير الفخر الرازي والكشاف للزمخشري، ومجمع البيان للطبرسي وغيرهم فإنّ كل هؤلاء نصوا علي ماذكرته وقالوا: إنّ مشاورة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم للمسلمين فيما لم يرد فيه نص

وذلك عند تفسيرهم للآيتين المذكورتين. فالآيتان لم ينزلا في تشريع منهج لاختيار الإِمام عن طريق الشوري وإنما أراد بعض الباحثين أن يستفيد من الآيتين ما يلي: بما أنّ الخلافة سكت عنها النبي ولم ينص علي أحد وبما أنّ القرآن يمدح الشوري بالاُمور المهمة فنرجع فيه إلي منهج الشوري [145] أما الشيعة فقد رفضوا هذا وذهبوا إلي: أولاً: أنّ النبي كان إذا أراد الذهاب في سفر لا يترك المدينة بدون خليفة [ صفحه 110] عليها لو كان سفره ليوم واحد فكيف يترك اُمور الناس من بعده بدون راع. وثانياً: من الثابت أنّ الشريعة الإِسلامية تفرض الوصية علي المسلم حتي بعض الميراث البسيط وفي تلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة _ الآية/180: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً علي المتقين) فكيف يترك هذا الأمر المهم بدون أن يوصي به والحال أنّ استقرار الاُمة متوقف علي ذلك وبدون ذلك يؤول الأمر إلي التنازع. ثالثاً: تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة علي أنّ الإِمامة بجعل من الله ومن ذلك قوله تعالي: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) سورة الأنبياء/73. وقوله تعالي: (ونريد أن نمنّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة) القصص/5. وقوله تعالي: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) السجدة/24. هذه بعض الآيات التي يستدل منها علي أنّ الإِمامة بجعل من الله تعالي. بالإِضافة إلي نصوص النبي علي الإِمام من بعده ومن ذلك موقفه يوم الغدير عندما نزل عليه قوله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ من اُنزل إليك من ربّك) المائدة/70، فجمع النبي الناس وخطب خطبته المعروفة وقال في آخر خطبته: «ألست أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي، قال: اللهم فاشهد وأنت

يا جبرئيل فاشهد وكررها ثلاثاً، ثم أخذ بيد عليِّ بن أبي طالب ورفعه حتي بان بياض إبطيهما للناس وقال: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من نصب له العداوة والبغضاء» إلي آخر الواقعة. وقد روي هذا الموضوع مائة وعشرون صحابياً وأربعة وثمانون تابعياً وكان عدد طبقات رواته من أئمة الحديث يتجاوز ثلثمائة وستين راوياً وقد ألف في هذا [ صفحه 111] الموضوع من الشيعة والسنة ست وعشرون مؤلفاً وقد غطوا كل جوانب الموضوع أشبعوه بحثاً وتمحيصاً فراجع [146] . وبالرغم من وفرة مصادر هذا النص ودلالته الواضحة فإنّك لا تعدم من يؤوِّل هذا النص تأويلاً سخيفاً، أو من يقول أنّ حديث الغدير لم يرد الا في كتب الشيعة كما يقول أحمد شلبي في مؤلفاته، وقد تسمع من يقول إنّ الشيعة دسوا هذه الروايات في كتب السنة وأمثال ذلك من تافه الكلام الذي هو أشبه بخرافات العجائز وعلي العموم إنّ موضوع الإِمامة كتب فيه عشرات الكتب وهو ليس من صلب موضوعي وإنما فرضته المناسبة استطراداً، وقد اتضح من هذا أنّ الشيعة يستندون إلي النص في مسألة الإِمامة دون نظرية الشوري، وذلك لأنّ الشوري لا سند لها من الكتاب والسنة في نظرهم وإنّما هي مجرد اجتهاد من المسلمين الذين ظنوا أن لا نص هناك ثم أنّ الشيعة يتسائلون أين هي الشوري وما هي أركانها وشروطها وكيفيتها وهل تحققت في أيام الخلفاء ونصب الخلفاء بموجبها أم لا مع أننا نعلم أنّ الذين بايعوا الخليفة الأول بالسقيفة اثنان هم الخليفة الثاني وأبو عبيدة، وعلي رواية اُخري إنّهم أربعة كما يروي ذلك الحلبي في سيرته والبخاري

في باب فضل أبي بكر ولذلك ذهب أهل السنة إلي أنّ الإِمامة تنعقد ببيعة أثنين من أهل الحل والعقد فإنّ هذه النظرية واضح منها أنّها تصحيح للموقف يوم السقيفة ورفع للتناقض في منهج الشوري نظرياً وتطبيقاً فإنّه لا عاقل يمكن أن يتصور انتخاب خليفة من قبل اثنين فقط وهذا الإِثنان يتم تمثيل المسلمين بهما، وللتأكيد من عدد المبايعين ونظرية عدد أهل الحل والعقد راجع المصارد التالية [147] . ولقد صورت البيعة خير تصوير صادق كلمة الخليفة الثاني إنّ خلافة أبي [ صفحه 112] بكر فلتة وقي الله شرّها فإنّ تعبير الخليفة عنها أنّها فلتة يؤكد أنّها لم تكن عن منهاج سابق [148] . لقد بايع الإِثنان ثم بعد ذلك تمت البيعة كما رسمها المؤرخون ولم تتعد بعض أرباض المدينة فهل كانت شوري تتقوم باثنين أو حتي بالمدينة كلها مع أنّ مفاد قوله تعالي (وأمرهم شوري) يتناول المسلمين كافة وإذا كانت لا تتناول المسلمين كافة فلا تهنض بالدليلية كما هو واضح، وأروع من ذلك كله أن تري فقيهاً من فقهاء أهل السنة يقول: إنّ معني الشوري يتحقق ولو ببيعة رجل واحد، وهو ابن العربي المالكي وذلك في تفسيره لمعني الشوري. ثم يرد تسأول آخر هو هل أنّ الخليفة الثاني جاء إلي الحكم عن طريق الشوري أم عن طريق تعيين الخليفة الأول له كما هو واقع الحال؟ [149] ويتساءلون ثالثاً هل أنّ الخليفة الثالث جاء الحكم عن طريق الشوري أم عن طريق خمسة عينهم الخليفة الثاني لو يؤيده منهم إلا ثلاثة [150] إنّ كل باحث موضوعي لا يمكن أن يستند إلي صدور نظرية الشوري عن الشريعة الإِسلامية لا نظرياً ولا تطبيقياً. والآن لنرجع للأمر الثالث فنقول إنّ

نظرية الشوري لما كانت غير ناهضة بينما نظرية التعيين تقف علي أرض صلبة أراد البعض أن يبعد هذه النظرية عن إطارها الإِسلامي فافترض أنّها نظرية كان يذهب إليها الفرس ويرون أنّ ملوكهم حكموا بالحق الإِلهي وحيث أنّ الحسين صاهر الفرس فتزوج بنت يزدجرد انتقل إليه هذا الحق الإِلهي وقد سبق استعراض هذا المعني في أول الكتاب. فالهدف إذاً دفع نظرية النص والوصاية عن كونها من الإِسلام وجعلها من مورثات الفرس التي نقلوها معهم لما دخلوا إلي التشيع، فإذا قلت لهؤلاء إنّ الوصاية ثبتت بنصوص قبل دخول الفرس للإِسلام قيل لك إنّ هذه الروايات دسها الشيعة في كتب السنة فإذا ذكرت لهم عدة طرق للرواية قيل لك إنّ الوصية [ صفحه 113] التي تذهبون إليها إنّما هي في اُمور بسيطة بيتية وليس لها صلة بموضوع الخلافة وهكذا، هذه في نظري أهم الأسباب التي رمي التشيع بالفارسية من أجلها وهو زعم أصبح يفند نفسه بنفسه لوجود الواقع الخارجي الذي يعين هوية التشيع بصورة مجسدة، جاء المستشرقون بعد ذلك فضربوا علي هذا الوتر ومعهم تلاميذهم يرقصون علي أنغامهم إنّ أهداف كثير من المستشرقين لا تخفي لأنّها تستهدف صيد عصفورين بحجر، فإنّ الهدف الأساسي ضرب وحدة المسلمين، وبعد ذلك تزييف ركائزهم الفكرية، لأجل ذلك تجد كتب المستشرقين تؤكد علي هذه النقطة وترتب عليها آثاراً كثيرة، وكأنّ هذا الموضوع مختص بالشيعة فقط أما السنة الفرس فهم محروسون من أن يتدسس إليهم الفكر الفارسي حتي ولو كان ثمانون بالمئة من الفرس منهم. ولست أنفي أن تكون هناك أسباب اُخري لرمي الشيع بالفارسية قد يكون منها أحياناً بعض الإِستنتاجات المخطئة أو سوء الفهم الذي يعتبر كل التقاء بين نظريتين هو تأثير وتأثر

وقد يكون صدفة، إنّ مجرد التقاء نظرية للشيعة مع نظرية للفرس لا يشكل مبرراً بحال من الأحوال لاعتبار الفكر الفارسي مصدر العقائد الشيعية، لوضوح أنّ الفكر الديني في العقائد والأحكام مصدره الكتاب والسنة، في حين أنّ نظريات الفرس هي نظريات وضعية لا تستند إلي الشريعة واحدة أو متعددة حتي يقال إنّ هؤلاء أخذوا من هؤلاء.

كيف صار الفرس شيعة

إذا حاولنا مسح الأبعاد التاريخية البيئية للفرس نجد أنّ من تشيع منهم يقسَّمون أقساماً: 1 _ القسم الأول: وهو القسم الذي تشيع بعملية انتقاء واختيار عن طريق الصاحبة الذين رافقوا عمليات الفتح ونقلوا معهم عقائدهم وفكرهم الشيعي وقد ساعد علي [ صفحه 114] ذلك أنّ اعتناق التشيع آنذاك لا يسبب لهم ضرراً لأنّ العملية كانت شيئاً طبيعياً وبعدهم عن مواطن الإِحتكاك ولأنّ الفكر كان ضمن نطاق الاُمور العقائدية ولا يتجسد في فعاليات سياسية ومن أبرز مواطن التشيع في هذا القسم خراسان، ثم قم بعد ذلك. 2 _ القسم الثاني: هم الذين تشيعوا تعاطفاً مع الشيعة الذين نالهم الإِضطهاد بعد ذلك وهذا القسم جمعه الإِضطهاد معهم لأنّه كان مضطهداً ومن هؤلاء الموالي في قسم كبير منهم ممن كان داخل بلدان الخلافة أو الذين لحقهم الإِضطهاد داخل إيران وقد بدأت تصل إليهم أفواج من المهجرين المضطهدين لأجل تشيعهم والذين دفع منهم زياد بن أبيه خمسين ألفاً إلي خراسان حتي يخلّص الكوفة من العناصر الشيعية الصلبة [151] والإِضطهاد قرابة أيحاناً، وكان بعد ذلك أن تمازجت أفكارهم بعد التقاء مشاعرهم وصار الفكر متبادلاً بينهم وساعد علي ذلك استمرار الإِضطهاد فترات امتدت طويلاً والعقائد كثيراً ما يرسخها الإِضطهاد. 3 _ القسم الثالث: الذين تشيعوا عن طريق اللقاء الثقافي المعمق لأنّ الشيعة اضطروا إلي تعميق

ثقافتهم وولوج مختلف ميادين المعرفة للدفاع عن وجودهم والذود عن عقائدهم بالنظر إلي تعرضهم إلي وضعيات شرسة خصوصاً وأنّ الحكم ووسائل القوة ليست بأيديهم، وكان أن استهوت ثقافتهم قطاعاً كبيراً من الفرس نظراً لخلفيتهم الحضارية ونهوض الحجة في نظرهم لكثير من معتقدات الشيعة التي لم يدعمها سيف لا بريق مال ولا طمع في حكم بل لمجرد الإِقتناع بصحة أدلتهم. 4 _ القسم الرابع: هم الذين دخلوا التشيع مع التيار الذي صنعه الحكام وأعلنوا ضرورة [ صفحه 115] العدول إلي مذهب الشيعة وهؤلاء قلة يعتد بها وقد تظاهرت بذلك لأنّه لا يمكن للعقائد أن تفرض فرضاً وذلك حينما أعلن خدابنده ثم الصفويون في بداية القرن العاشر رسمية المذهب الشيعي وذلك مثلما حدث لديار بكر وربيعة التي كانت شيعية أيام الحمدانيين ثم حولهم الحكام إلي سنة، وكما حدث لمصر بعد حكم الفاطميين إذ حولت إلي سنية أيام الأيوبيين وكما حدث ذلك لكثير من البلدان. ولست أزعم أنّه لا يوجد من قد يكون دخل التشيع وله أهداف غير سليمة وليس ذلك بذنب للتشيع فكثير من اليهود دخلوا الإِسلام وتظاهروا بذلك وفي نفوسهم أهداف خبيثة ولا نعتبر الإِسلام مسؤولاً عن ذلك كا أنّ هذه الفصيلة التي تدخل الإِسلام أو التشيع ولها أهداف مسمومة لا تعدو أصابع اليد ولا تشكل خطراً بدليل أنّ جوهر الإِسلام محفوظ رغم وجود أمثال هؤلاء، وليس من المنطق في شيءٍ أن ننتزع حكماً عاماً علي مذهب من المذاهب لأنّ بعض الأفراد المندسين فيه عرفوا بنظريات هدامة، لا سيما إذا كانت اُسس المذهب واضحة لا تلتقي مع المندسين بشكل من الأشكال، فالإِصرار علي تحمل مذهب مسؤولية فعل فرد مندس فيه عملية إما أن تكون مشبوهة وغير

نظيفة وإما أن تكون بلهاء لا تتصرف بمقاييس. [ صفحه 119]

هوية التشيع العقائدية

التوطئة

قبل الولوج في صلب الموضوع لابد من الإِشارة إلي نقاط يتعين البدء بها تجنباً عن الخلط الذي يقع فيه كثير من الباحثين لسبب أو آخر وينتهي الأمر إلي التجنّي علي الحقائق وإلي الخلط وإلي أقوال هي بالهزل أشبه منها بالجد. والمؤسف أنّ مثل هذه الأقوال الهزيلة بقيت مع تاريخ كأنّها حقائق مقدسة وكأنّها مسلّمات لا تقبل النقاش يأخذها المتأخرون من المتقدمين بدون الرجوع إلي تمحيص أو إلي مقاييس، فما أعظم مسؤولية هؤلاء الذين رحلوا وخلفوا هذه التركة الموبوءة وهذا الزاد المسموم الذي ابتلي به المسلمون والله المستعان علي الخلاص منه وهاهنا نقاط سنجعلها توطئة لهذا العنوان حتي إذا دخلناه فعلي بصيرة. 1 _ النقطة الاُولي: إنّ الشيعة الذين أكتب عنهم هنا وأذكر آراءهم أو أدافع عما ينسب لهم هم الإِمامية الإِثنا عشرية الذين يؤلفون الجمهور الشيعي اليوم والذين تملأ كتبهم مكتبات العالم وإن شئت فقل الذين تعيش أفكارهم فعلاً وتتجسد في سلوك حيّ، وتدوّن اراؤهم فعلاً في الفقه والعقائد والتاريخ، ولست أتكلم عمن يسمي شيعياً لغة لأنّه ذهب إلي تفضيل عليٍّ عليه السلام علي غيره فعرف بالتشيع من أجل ذلك وما عدي ذلك فليس له مضمون عقائدي أو فقهي في أبعاد التشيع، فهناك [ صفحه 120] من سمي شيعياً وليس له من مضمون إلا أنّه يعتقد أنّ علياً أفضل من غيره وأنّه حيّ لم يمت انقرض هؤلاء الأشخاص من الوجود وهناك من يعدهم فرقة شيعية إلي الآن. إنّ مثل هذا القول يضحك ويبكي، فهو يضحك لأنّ مثل هؤلاء الأفراد يسمون فرقة، وبيكي لأنّ المسلمين وصل بهم الإسفاف إلي حد جعلهم يلتمسون أمثال هذه

الحالات للتهريج بعضهم علي بعض. ودعني أضرب لك مثلاً في مثل هذا الموضوع فانتبه له: فقد ذكر الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين: أنّ من فرق الشيعة فرقة الكاملية وقال عنها ما يلي بالحرف الواحد: وهم يزعمون أنّ الصحابة كلهم كفروا إذ فوضوا الأمر إلي أبي بكر، وكفر عليّ حيث لم يحارب أبا بكر، إنّ هؤلاء الأشخاص الذين لم يبين الرازي موقعهم ولا عددهم هم فرقة في نظره وكل مضمونهم الفكري هذه الكلمات الأربعة، ثم انّهم يكفرون الإِمام علياً وهم مع ذلك شيعة في نظر الرازي، هل سمعت بالأكوس عريض اللحية، إنّه هؤلاء هل رأيت هذا التناقض شيعي يتشيع لعليٍّ وهو بكفّر علياً، هل رأيت الخصومة كيف تنسي الإِنسان حتي البدهيات، وأي إنسان إنّه الرازي صاحب العقلية الكبيرة ومع ذلك يصل إلي حد هذا الإِسقاف اللهم إنا نعوذ بك الخذلان فراجع ما كتبه الرازي عن هذه الفرقة ونظائرها وقف بنفسك علي هذا التناقض [152] . 2_ النقطة الثانية: إنّ بعض ما يسميه كتاب الفرق بأنّه فرقة قد لا يتجاوز فرداً واحداً له رأي شاذ، وقد لا يتجاوز عدد أفراد الفرقة علي أحسن الفروض عشرة أفراد، وقد يكونون منقرضين لا يوجد لهم أثر إلا في مخيلة البعض أو في وريقات من كتب [ صفحه 121] مهجورة، فماذا تكون نسبة مثل هؤلاء إلي الاّمة حتي يسمون فرقة. هذا من ناحية، ومن ناحية اُخري إذا كانت كل فرقة تؤاخذ برأي فرد شاذ منها ويسمي ذلك الشاذ فرقة فإنّ كل فرد اُمة برأسه فلا يوجد شخص ليس له ما يمتاز به عن غيره في بعض الآراء السليمة، أما الآراء الشاذة فما دامت لا تعد من الآراء السائدة والمتعارف عليها

عند الفرقة فلا تعتبر من آرائها وقد بادت بعض الفرق ومع ذلك فلا تزال آراؤهم تلقي علي بعض من يعيش اليوم مع أنّه بريء منها. 3 _ النقطة الثالثة: يتحتم علي كل كاتب إذا أراد أن يكون لرأيه وزن أن يشعر بمسؤولية الكلمة لما يترتب علي الكلمة من آثار ولوازم ها خطرها وفعلها في المجتمع، فلا بد حين الكتابة من أن يعتمد علي مصادر الفئة نفسها التي يكتب عنها علي أن يكون ذلك المصدر أو الكتاب من الكتب المعتبرة عند الفئة والمتسالم عليها أنّها تمثل الفئة وتشكل محصل آرائهم وجماع مذهبهم كالصحاح عند السنة والصحاح عند الشيعة فيما تسالموا عليه من رواياتها واعترفوا بصحته لا كل مايرد فيها فإنّ في كتب الصحاح عند الفرقين ما لا يعترف به [153] كل ذلك مع اعتقاد الموضوعية والبحث عن الحقيقة، فضلاً عن أن يكتب الباحث عن فرقة ويكون مصدره في البحث عنها من مؤلفات خصومها، وليت الخصوم الذين يستند إليهم ممن يعرف بالصدق والإِستقامة ولكنّهم يستندون إلي أقوال من عرف بالموضع والإِفتعال وعدم التحرج فيرسلون رأيه إرسال المسلمات ويرتبون علي كلامه كل الوازم لتلك الكلمات. وهذا وضع من شأنه أن يسقط كل أمثال هذه الكتب عن الإِعتبار فمتي كان الكذب والوضع مصدراً عن أحوال الناس والله تعالي نهانا عن تصديق الفاسقين. [ صفحه 122] 4 _ النقطة الرابعة: أن يكون الكتاب الذي يؤخذ مصدراً من الكتب ذات الإِختصاص بموضوعه فلا يمكن أخذ رأي فقهيّ لبعض الفرق من كتاب أدب أو قصص ولا تؤخذ عقيدة فئة من ديوان شعر كما رأينا البعض يفعله فإنّ لكل فرع من فروع المعرفة كتباً تختص به فينبغي الرجوع إليها إذا كنا نتوخي الدقة

فيما نكتب وإلا فإنّ ما نكتبه سوف لا يوصف بالعملية. إنّ الملاحظ أنّ كتب الأدب عندنا تحفل بالآراء العقائدية والفقهية ويتخذها كثير من الكتاب مصدراً عما يكتبه من عقائد وأحكام الفرق، ولست اُريد أن أقول إن جميع كتب الأدب عندنا لا يعتمد عليها كلا، وإنّما المقصود أنّ الكتب ذات الإِختصاص تكون ألصق بموضوعها وأكثر إحاطة وبذلك توفر مصدراً موثوقاً. 5 _ النقطة الخامسة: إنّ معالجات كتاب الفرق فيما يقومون به من تقييم للفرق هي معالجات غير علمية وذلك لأن المفروض أن تكون العقائد والأحكام عند الفرق مصدرها واحداً من مصادر التشريع المعترف بها والتي تقرها الشريعة كالكتاب والسنة والإِجماع وغيرها. فإذا ذهب الشيعة مثلاً إلي نظرية التعيين في الخلافة وأوردوا دليلاً من الكتاب أو السنة فينبغي النظر إلي دليلهم فإذا كان الدليل مستوفياً لشروط الصحة فيها وإلا نوقش الدليل علمياً. لا أن يقال: إنّ الفرس يرون لملوكهم حقاً إلهياً بالحكم وبما أنّ الشيعة يقولون بالنص لا الشوري فهم قد أخذوا ذلك من الفرس إنّ مثل هذا المنطق لا يصدر عن عقلية ناضجة فمتي كان مجرد الإِلتقاء مع الآخرين بنظرية معناه الأخذ منهم. إنّ الإِسلام مثلاً يذهب إلي التأميم في حالات معينة إذا توقفت المصلحة العامة علي ذلك والشوعية تذهب إلي التأميم فهل معني ذلك أنّ الإِسلام شيوعي أو الشيوعية إسلام لأنّها التفت مع الإِسلام في موضوع معين. إنّي أطلب من قارئ الكتاب أن يعود إلي كتب الفرق فإذا وجد [ صفحه 123] فيها منطقاً غير هذا المنطق فليقل ماشاء، إنّ معظم أدلة ابن حزم والشهرستاني وابن عبد ربه الأندلسي ومن لف لفهم من هذا النمط، وبعضهم يصدر فتاوي بدون دليل وبدون شبهة من دليل وإنّما

هي مجرد استحسان انقدح في نفسه فأراد أن يدونه بدون مسؤولية. ودعني أضرب لك مثلاً واحداً ذلك هو أنّ المستشرق و لهوزن ذكر أنّ أصل الشيعة يهودي، واستند في ذلك إلي قول نسب للشعبي وقد نقله أصحاب كتب الفرق ابن حزم والشهرستاني وابن عبد ربه الأندلسي والقول المنسوب للشعبي هو:

قول للشعبي

قال الشعبي اُحذرك الأهواء المضلة: شرّها الرافضة فإنّها يهود هذه الاُمة يبغضون الإِسلام كما يبغض اليهود النصرانية ولم يدخلوا الإِسلام رغبة ولا رهبة من الله إنّ محبة الرافضة محبة اليهود قالت اليهود لا يكون الملك إلا في آل داود وقال الرافضة لا يكون الملك إلا في آل عليٍّ، وقالت اليهود لا يكون جهاد في سبيل الله حتي يخرج المسيح، وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل الله حتي يخرج المهدي، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتي تشتبك النجوم وكذلك الرافضة إنتهي بتلخيص [154] .

تعقيبان

هذه القصة استعرضها الدكتور عرفان عبدالحميد في كتابه دراسات في الفرق وعقب عليها ناقداً ومزيفاً بالاُمور التالية: أولاً: إنّ العقد الفريد وتاريخ الطبري هي كتب أدب وتاريخ وليست كتب عقائد. وثانياً: إنّ الطبري استند في هذه الرواية إلي سيف بن عمر وهو كذاب [ صفحه 124] متهم بالوضع وقد نصت علي كذبه كتب الجرح والتعديل ولم تأخذ بأقواله في شيء. ثالثاً: إنّ الشعبي نفسه متهم بالتشيع فلا يصدر منه مثل هذا القول وإنما اختاروه فوضعوا علي لسانه هذه القصة وقد عده ابن سعد والشهرستابي شيعياً [155] وأنا اُضيف إلي ملاحضات الدكتور عرفان مايلي: أ _ سؤال عن أنّه هل لليهود صلاة يشترط فيها وقت الغروب؟ هذا من جانب والجانب الآخر هذه الكتب الشيعة كافة في الفقه وأنا أتحدي من يجد فيها رأياً واحداً يذهب إلي أنّ وقت صلاة المغرب عند اشتباك النجوم وإنّما إجماعهم أنّه بعد غروب الشمس مباشرة ويحتاطون فيشترط بعضهم ذهاب الحمرة المشرقية فليراجع القارئ أي كتاب فقه من كتبهم. ب _ أما الجهاد فإنّ باب الجهاد في كل كتب الشيعة كفيل بالرد علي هذه الفرية فإنّ حكم الجهاد عندهم

أنّه قائم في كل وقت بشروطه كما هو عند سائر الفرق الإِسلامية. ج _ أما كون الخلافة عندهم في آل عليٍّ فليس ذلك منهم وإنّما هو استناد إلي أدلة الكتاب والسنة وقد تقدم بعضها وسيرد قسم آخر منها فينبغي النظر في أدلتهم والحكم عليها هل هي تامة أم لا، ثم ينبغي توجيه هذا الإِنتقاد للنبي صلي الله عليه وآله وسلّم لأنّه قال: الأئمة من قريش، كما يذهب لذلك جمهور المسلمين إنّ هذا النمط من الكلام يوقفك علي عقلية هؤلاء الكتّاب الذين يكتبون عن الشيعة ومصدرهم قول وهمي ينسب إلي شخص قبل ألف سنة وبين أيديهم مصادر الشيعة ولا يرجعون إليها فما تسمي هذا؟ وبعد هذا الإِستطراد نعود للهوية العقائدية عند الشيعة إنّها لا تختلف بشيءٍ عما عند باقي فرق المسلمين إلا اذا استثنينا موضوع الإِمامة وما يتصل به من صفات الإِمام أما باقي نقاط الخلاف [ صفحه 125] التي يفترق بها الشيعة عن باقي فرق المسلمين فإنّ ما بين المذاهب الأربعة أنفسهم من نقاط الخلاف أضعاف ما يوجد بين السنة والشيعة بل إنّ علماء المذهب الواحد وفقهائهم بينهم من الحلاف أكثر مما بين الشيعة والسنة بدون مبالغة، وربما يرد علينا ما يؤيد هذه الدعوي خلال البحث في فقرات قادمة.

عقائدهم بأقلامهم

سأذكر هنا جملاً قصيرة عما كتبه علماء الشيعة أنفسهم عن آرائهم الدينية وعقائدهم لتكون مجرد مؤشر لمن يريد التوسع ويبحث عن الحقيقة بعيداً عن الأهواء والعواطف. 1 _ ابن بابويه القمي: وكتابه «عقائد الشيعة» من الكتب الرائدة في هذا الميدان وقد ضمنه كل عقائد الشيعة بدون مواربة لذا كان كتابه من المصادر التي يرجع إليها بالإِضافة إلي أنّ الرجل من أساطين المذهب وعمالقة الطائفة. وهذه

نبذة عما كتبه عن عقيدة الإِمامية بالاُلوهية قال: إعتقادنا بالتوحيد: أنّ الله تعالي واحد ليس مثله شيء قديم لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً. لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض، خارج عن الحدين حد الإِبطال وحد التشبيه. واعتقادنا في القرآن: أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنّ القرآن الذي أنزله الله تعالي علي نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب _، هذا ما كتبه ابن بابويه الذي عاش وسط القرن الرابع وتوفي سنة 381 ه_ [156] . [ صفحه 126] 2_ الشيخ المفيد محمد بن النعمان قال في «أوائل المقالات»: إنّ الله عز وجل واحد في الإِلهية والأزلية لا يشبهه شيء وا يجوز أن يماثله شيء وإنّه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها علي الوجوه كلها والأسباب، علي هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه، وإنّ الله عز وجل حيّ لنفسه لا بحياة، وعالم لنفسه لا كما ذهب إليه المشبهة وقادر لنفسه، وأقول إنّ القرآن كلام الله ووحيه وإنّه محدث كما وصفه الله تعالي، وأمنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق، وإنّ الله عالم بكل ما يكون قبل كونه، وانه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلا وهو عالم بحقيقته، ولا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء لهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور. ثم تحدّث الشيخ المفيد وأشار إلي قول من يدعي أنّ القرآن حذف

منه شيء فأوّل هذا القول بأنّ المحذوف هو الشروح والتفسيرات ولا شيء من أصل القرآن محذوف وذكر أنّه من الذاهبين إلي هذا الرأي فقال في ذلك: وقال جماعة من أهل الإِمامة إنّه لم ينقص من آية ولا من كلمة ولا من سورة ولكن حذف ما كان مصحف عليٍّ من تأويله، وتفسير معانيه علي حقيقة تنزله، وذلك كان ثابتاً وإن لم يكن من كلام الله تعالي وقد يسمي تأويل القرآن قرآناً، قال الله تعالي: _ (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه) [157] فقد سمي تأويل القرآن قرآناً، وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادعي نقصان كلم نفس القرآن [158] . 3 _ السيد محسن الأمين العاملي قال: وعقيدة الشيعة أنّ كل من شك في وجود الباري أو وحدانيته، أو نبوة [ صفحه 127] النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أو جعل له شريكاً في النبوة فهو خارج عن دين الإِسلام، وكل من غالي في أحد من الناس من أهل البيت أو غيرهم وأخرجه عن درجة العبودية لله تعالي، وأثبت له نبوة أو مشاركة فيها، أو شيئاً من صفات الإِلهية فهو خارج عن ربقة الإِسلام، والشيعة يبرأون من جميع الغلاة والمفوضة وأمثالهم. إنتهي بتلخيص [159] . 4 _ محمد رضا المضفر قال: نعتقد أنّ الله واحد ليس كمثله شيء قديم لم يزل ولا يزال الأول والآخر، عليم حكيم عادل قادر حيّ غنيّ سميع بصير لا يوصف بما توصف به المخلوقات، ونعتقد بأنّه يجب توحيد الله تعالي من جميع الجهات بأنّه واحد في ذلك وصفاته عين ذاته، وكذلك يجب توحيده في العبادة، ونعتقد أنّ النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله لمن يختاره

من عباده الصالحين فيرسلهم إلي سائر الناس لإِرشادهم، ونعتقد أنّ الإِمامة أصل من اُصول الدين لا يتم الإِيمان إلا بالاعتقاد بها، ويجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة، وهي كالنبوة لطف الله تعالي. ونعتقد أنّ القرآن هو الوحي الإِلهي المنزل من الله تعالي علي لسان نبيه الأكرم، لا يعتربه التبديل والتغيير والتحريف، ومن ادعي فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط وكلهم علي غير هدي فإنّه كلام الله تعالي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه [160] . هذه أربع مقتطفات أوردتها بتلخيص لتكون مؤشراً لمن يريد التوسع في معرفة عقائد الشيعة وليرجع إلي المؤلفات في ذلك وراعيت فيها أن تكون ممتدة علي أبعاد التاريخ الشيعي فإنّ اثنين ممن ذكرتهم وهما الصدوق والمفيد عاشا في القرن الرابع أما الآخران فقد عاشا في القرن الرابع عشر. ومن المضحك حقاً بأن نسجل أننا قوم مسلمون ولكنّ كثيراً من الاُمور المضحكة قد يرغم الإِنسان [ صفحه 128] علي علملها بحكم الضرورة فما نصنع ونحن ما زلنا هدفاً للرماة وأيسر ما نرمي به هو ما يخرج عن الإِسلام وما يؤدّي إلي الكفر. وقد أردت بوضع هذه المقتطفات في صدر البحث لتكون مجرد مذكر للقارئ وهو يمشي معي بهذه المسيرة التي ساُطلعه خلالها علي ما ينسب للشيعة من دواهي، والقارئ الذي أقصده هو القارئ السنّي خاصة من دون باقي القراء لأنّ في ذهنه عن الشيعة صور من العسير جداً انتزاعها بسهولة الا أنّ أملي بعون الله وإخلاص قصدي في تخليص هذا الطريق من الشوائب يفتح لي باب أمل في وضع لبنة بصرح وحدة المسلمين. [ صفحه 129]

عبدالله بن سبأ

اشاره

بالرغم من وفرة المصادر عن الشيعة وبالرغم

من خطورة موضوع الكتابة عن العقائد، وبالرغم من الواقع المجسد للشيعة من مؤسسات دينية وفعاليات عقائدية ومساجد تردد كلمة التوحيد ليل نهار برغم ذلك كله فإننا ما زلنا نري من يكتب عن الشيعة يترك هذا الواقع القائم وراء ظهره ويولي وجهه شطر كتابات صدرت من قوم كتبوا ومن خلفهم دوافع غير سليمة لمختلف الأسباب فبدلاً من أن يعودوا إلي مؤلفات الشيعة أنفسهم رأيناهم يرجعون إلي أقوال صاغها الوهم وافترضها الحقد وخلقتها الخصومة وقد يكون الجهل أحد عوامل وجودها. ومما افترضه هؤلاء الكتاب بأنّ عقائد الشيعة الأساسية وضعها يهودي حاقد اندس في صفوف المسلمين اسمه عبدالله بن سبأ. وهذا العبد المفترض موضوعه طريف جداً، فقد صنعه قوم واخترعوه اختراعاً وأعطوه من الصفات والنعوت ما هو من المعجزات وصنعوا له من القابليات ما لا يمكن نسبته إلا إلي عفاريت الأساطير ومردة الجن وما تعجز عن تحقيقه اُمة قوية فضلاً عن فرد وإنّ مثل هذا الكلام يجسد فجيعتنا بعقولنا قيل أن يجسد هذه الخرافات في تاريخنا وسنري من الذي حاك عبدالله بن سبأ، ومن هو وما الذي عمله، ولماذا تربط الشيعة به. [ صفحه 130]

من الذي حاك عبدالله بن سبأ

إنّ الذي يريد التعرف علي مصدر ولادة عبدالله بن سبأ سيجد أنّه ولد من روايات الطبري وروايات الطبري تستند في هذا الموضوع علي ركيزتين هما: أ _ الركيزة الاُولي: سيف بن عمر وتقول عنه كتب التراجم ما يلي بالحرف الواحد. يقول ابن حيان كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا إنّه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة، كما يقول عنه الحاكم النيسابوري اتهم سيف بالزندقة وهو بالرواية ساقط، ويقول عنه ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها، ويقول

عنه ابن معين ضعيف الحديث فليس فيه خير، وقال ابن حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي وقال عنه أبو داود صاحب السنن ليس بشيء، وقال عنه النسائي صاحب السنن: ضعيف، وقال عنه السيوطي إنّه وضاع وقال محمد بن طاهر بن عليّ الهندي عنه: سيف بن عمر متروك اتهم بالوضع والزندقة وكان وضاعاً [161] . ب _ الركيزة الثانية: السري بن يحيي كما يسميه الطبري، وهو ليس بالسري بن يحيي الثقة، لأنّ السري بن يحيي الثقة يكون زمانه أقدم من الطبري فقد توفي 167سنة ه_. في حين ولد الطبري سنة 224، فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاماً، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيي غيره، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أنّ السري الذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحداً من اثنين: كل منهما [ صفحه 131] كذاب وهما: السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي وهو أولهما، وثانيهما السري ابن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفي سنة 258، والذي أدرك ابن جرير الطبري وعاصره أكثر من ثلاثين عاماً. وكل من هذين قد كذبه أهل الحديث واتهموه بالوضع فقد كذبهما صاحب تهذيب التهذيب، وصاحب ميزان الإِعتدال، وصاحب تذكرة الموضوعات، وصاحب لسان الميزان، وغيرهم واتهموا كل واحد منهم بالوضع ويوسع القارئ مراجعة المصادر التي ذكرتها في ترجمة المذكورين [162] وقد ذكر النقاد للطبري سبعمائة حديث وحديثاً واحداً، وهذه الأحاديث تغطي زمن الخلفاء الثلاثة وأسانيد هذه الروايات كلها عن السري الكذاب، وعن شعيب المجهول وعن سيف الوضاع المتهم بالزندقة. ومن تلك الروايات رواياته في أحوال عبدالله بن سبأ وسنده عن شعيب وعن سيف بن عمر، وكل من كتب عن عبدالله بن سبأ فهو عيال علي الطبري وعنه أخذ وإليه استند [163]

ومن ذلك تعرف مقدار ما في موضوع عبدالله بن سبأ من وثاقة وصدق وفي رأيي أنّ من العبث أن نلفت أنظار هؤلاء الذين يصرون علي وجوده وما قام به من أعمال لأنّهم يوجدونه حتي لو لم يكن موجوداً وذلك لأمور في نفوسهم. 1 _ من هو عبدالله بن سبأ: للتعرف علي هوية عبدالله بن سبأ سوف أبدأ بالمنبع الأساس وهو تاريخ الطبري واُعقبه بباقي المصادر عنه، وسأنقل قول الطبري من خلال ما نقله أبو زهرة، قال: كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء اُمه سوداء فأسلم أيام عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم فبدأ ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام، فلم يقدر علي ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتي أتي مصر فقال لهم فيما يقول: العجب ممن يزعم أنّ عيسي يرجع ويكذب بأن محمداً [ صفحه 132] يرجع وقد قال الله تعالي: (إنّ الذي فرض عليك القرآت لرادك إلي معاد) القصص/85. ثم أنّ محمداً أحق بالرجعة من عيسي، ثم قال ذلك إنّه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وعليّ وصي محمد، ومحمد خاتم النبين وعليّ خاتم الأوصياء [164] . وهنا نقاط ذكرها اُريد أن اُؤكد عليها للمقارنة مع غيرها وهي: أولاً أنّه ابن السوداء وثانياً أنه من أهل صنعاء، وثالثاً أنه يؤكد رجوع النبي صلي الله عليه وآله وسلّم للدنيا ورابعاً أنّه ذكر أنّ علياً وصي النبي، وخامساً أنّه أسلم أيام عثمان، وبعد ذلك نعود لأبي زهرة وفي نفس كتابه المذكور أي تاريخ المذاهب الإِسلامية قال في مورد آخر: عبدالله بن سبأ كان يهودياً من أهل الحيرة، أظهر الإِسلام وأخذ ينشر بين الناس أنّه وجد في التوراة أنّ لكل

نبي وصياً وأنّ علياً وصي محمد، وأنّ علياً أراد قتله ولكن نهاه عبدالله بن عباس فنفاه للمدائن بدل قتله [165] . وبين هذين المقتطفتين الفروق التالية الفت النظر إليها وهي: أنّه في الاُولي من أهل صنعاء، وفي الثانية من أهل الحيرة، وأنّه في الاُولي أسلم أيام عثمان وفي الثانية أظهر الإِسلام ولم يحدد وقت إسلامه، وأنّ الإِمام أراد قتله كما ذكر في الثانية في حين لم يذكر ذلك في الاُولي، وأنّه من المقطتفة الثانية قرأ فكرة الوصاية في التوراة في حين في الاُولي لم يذكر مصدر فكرة الوصاية فلنحفظ هذا لنري مابين المقتطفات من فروق وخصائص قد تتضارب. 2 _ محمد فريد وجدي في دائرة المعارف، وقال: السبائية أتباع عبدالله بن سبأ الذي غلا في الإِنتصار لعليٍّ وزعم أنّه كان نبياً ثم غلا فزعم أنّه الله ودعا إلي ذلك قوماً من أهل الكوفة فاتصل خبرهم بعليٍّ فأمر بإحراق قوم منهم، ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتقض عليه قوم فنفي [ صفحه 133] ابن سبأ للمدائن، فلما قتل عليّ زعم ابن سبأ أنّه ليس المقتول علياً وإنما هو شيطان صور علي صورته وهذه الطائفة تزعم أنّ المهدي المنتظر إنما هو عليّ، وكان ابن السوداء في الأصل يهودياً من أهل الحيرة فأظهر الإِسلام وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم أنّه وجد في التوراة أنّ لكل نبي وصياً وأنّ علياً وصي محمد صلي الله عليه وآله وسلّم فلما سمعوا ذلك قالوا لعليٍّ إنّه من محبيك فرفع عليّ قدره وأجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه عنه غلوه فيه فهمّ بقتله فنهاه عبدالله بن عباس فنفاه إلي المدائن [166] وفي هذه المقتطفة: أنّه من

أهل الحيرة لا صنعاء، وأنّه ابن السوداء وأنّ الإِمام علياً خدع به، وأنّه ادعي النبوة لعليٍّ، ثم ادعي له الاُلوهية وإلي هنا يمكن الجمع بين هذا الخلط العجيب ولكن كيف يمكن بعد ذلك أن نجمع بين كونه ينسب له الاُلوهية ثم يجعله وصياً لمحمد: أترك تقدير هذا إلي العقول الجبارة كمحمد فريد وجودي ونظائره ممن يقود خُطي الجماهير في دروب الثقافة والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه، ولا تستعجل أيها القارئ فستسمع اُموراً اُخري من المقتطفات القادمة تصطدم مع ما مر. 3 _ أحمد عطية الله، قال حفظه الله: ابن سبأ رأس الفرقة السبائية من الشيعة وهو عبدالله بن سبأ كان من يهود صنعاء وأظهر إسلامه في خلافة عثمان يعرف بابن السوداء انتقل إلي المدينة وبث فيها أقوالاً وآراء منافية لروح الإِسلام ونابعة من يهوديته ومن معتقدات فارسية كان شايعة في اليمن، برز في صورة المنتصر لحق عليٍّ، وادعي أنّ لكل نبيٍّ وصياً، وأنّ عليّاً وصي محمد، كما ادعي أنّ في عليٍّ جزءاً إلهياً، طاف بأنحاء العراق ناشراً دعوته فطرده عبدالله بن عامر من البصرة فنزل الكوفة وأوغر صدور الناس علي عثمان، وانتقل إلي دمشق في ولاية معاوية وفيها التقي بأبي ذر الغفاري وحرضه علي الثورة مدعياً أنّه ليس من حق الأغنياء أن يقتنوا مالاً، واُخرج من الشام فنزل مصر فالتف حوله الناقمون علي عثمان وفيهم محمد بن أبي [ صفحه 134] بكر وأبو حذيفة، و وضع علي لسان عليٍّ أقوالاً لم يقلها كادعاء علم الغيب وبعد استشهاد عليٍّ إنّه قال إنّه لم يقتل وسيرجع وبذلك وضع فكرة الرجعة بين الشيعة [167] . وفي هذه المقتطفة التي رواها عطية الله اُمور: منها: أنّ

ابن سبأ جمع إلي عقائده اليهودية معتقدات اُخري فنقلها للتشيع ومنها الرجعة ولكن الرجعة هنا لعليٍّ وليست لمحمد كما هي عند أبي زهرة، ومنها أنّه أعطي لعليٍّ جزءاً من الاُلوهية لا كلها، حتي يمكن الجمع بين كونه جزء إله وبين كونه وصياً للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، ومنها الكشف عن هذه الطاقات الهائلة عند ابن سبأ بحيث أنّ كل الثورات علي عثمان ومعاوية كانت من فعله. 4 _ وبنفس هذا المضمون المتضارب كتب كل من أحمد أمين في فجر الإِسلام، ومحمد بن يحيي في التمهيد والبيان في مقتل عثمان والزركلي في الأعلام [168] . ولا اُريد أن اُطيل عليك فإنّ كل خلف يأخذ عن سلفه بدون تمحيص مما أدي إلي هذا الخلط والإِضطراب في الروايات فهو في هذه الأخبار تارة من أهل الحيرة واُخري من أهل صنعاء، وهو عند ابن حزم والشهرستاني وغيرهما ابن السوداء، بينما يذهب ابن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق والأسفرايني في كتابه التبصرة في الدين أنّ ابن السوداء شخص آخر ليس عبدالله بن سبأ [169] . وهو في بعض هذه الروايات يدعي الرجعة للنبي، وفي بعضها الآخر يدعي الرجعة لعليٍّ وهو تارة يدعي بأنّ في عليٍّ جزءاً من الاُلوهية واُخري أنّه إله كامل، وفي هذه الروايات نجد علياً مرة يحرق الغلاة ولا يخاف، وأخري يخاف أن يحرق ابن السوداء مع أنه يهودي بسيط لا يأبه له أحد، وهكذا نقع في هذا الخليط المضطرب، وأهم هذه الأمور في نظرنا هو أنه مرة يكون داعياً لفضل علي [ صفحه 135] فقط وأخري يكون محرضاً علي عثمان وواضعاً لأهم عقائد الشيعة من وصية وعلم غيب للأئمة وقول بالرجعة، وهذان الأمران هما روح

الموضوع فإنّ من صنع فرية عبدالله بن سبأ رمي فيها عصفورين بحجر واحد وأراد هذين الأمرين: الأول: أنّ عثمان قتل بتحريض من السبائية لا أنّه صنع أشياء نقم فيها عليه المسلمون واشتركوا في قتله وفيهم صحابة النبي مما ذكره التاريخ مفصلاً بل كل ما في الأمر أنّ يهودياً حاقداً حرك المسلمين فانساقوا معه بغباء وبدون تفكير حتي ارتكبوا هذه الجناية وقتلوا الخليفة بدون أن يصدر منه ذنب. والثاني: أنّ عقائد الشيعة لا سند لها من الإِسلام وإنما هي من هذا اليهودي العبقري عبدالله بن سبأ فالشيعة إذاً يهود لا صلة لهم بالمسلمين. وعلي كل حال إنّ هذا الإِضطراب في الصورة المرسومة لعبدالله بن سبأ أيقظ الباحثين ودفعهم لإِلقاء الضوء علي هذه الشخصية الاُسطورية فأصحروا بآرائهم وكسروا الطوق وأعلنوا الناس زيف هذا الفرية التي لا سبيل للجمع بين أبعادها وأجزائها، وبدأ الواقع يتضح رويداً رويداً والأهداف من وراء اُسطورة ابن سبأ كشفت عن وجهها وسأذكر لك آراء كثير من النقاد بعد أن أذكر ما عندي في هذه المسألة لنصل إلي صورة واضحة في هذا الموضوع.

رأينا في عبدالله بن سبأ

إننا نري أنّ عبدالله بن سبأ شخصية وهمية مخترعة وندلل علي وهميتها بالاُمور التالية: 1 _ الإختلاف في أنّه هو ابن السوداء أم لا مع أنّ الذي قام بكل المصائب هو ابن السوداء، وابن طاهر والإِسفرايني يقولان إن ابن السوداء شخص آخر شارك عبدالله بن سبأ بمقالته. 2 _ الإِختلاف في وقت ظهوره فالطبري وجماعة يصرحون بأنّه ظهر أيام عثمان بينما يذهب جماعة آخرون إلي أنّه ظهر أيام عليٍّ عليه السلام أو بعد موته ومن هؤلاء [ صفحه 136] سعد بن عبدالله الأشعري في كتابه المقالات [170] وابن طاهر في

الفرق بين الفرق [171] وغيرهما كثير. 3 _ الإضطراب في الروايات في أصل دعوته فبينما رأينا الطبري وجماعة معه يقولون إنّ دعوته اقتصرت علي الغلو في عليٍّ والإِنتصار لحقه وكل ما يدور حول عليٍّ فقط نجد جماعة من المتأخرين يذهبون ومعهم أسانيدهم طبعاً إلي أنّه كان في كل بلد له دعوة خاصة، يقول محب الدين الخطيب بأسانيده التي ذكرها: ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنّه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعليٍّ عليه السلام وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير [172] . 4 _ إنّ بض الروايات ذكرت أنّه كان مقتصراً علي الإِشادة بفضل عليٍّ عليه السلام فقط في حين ذهب آخرون إلي أنه كان يحرض علي عثمان ويدس الدسائس وهو الذي دفع أبا ذر للثورة أما علي معاوية أو علي عثمان بروايات اُخري. 5 _ لم يعلل لنا واضعوا خرافة ابن سبأ لماذا سكت عنه عثمان وولاته مع أنّهم ضربوا المعارضين بمنتهي الشدة والقسوة وهم من خيرة الصحابة كعمار وابن مسعود وغيرهم. 6 _ لماذا تخلوا المصادر الصحيحة من ذكر قصة ابن سبأ كالبلاذري وابن سعد وغيرهما ممن يعتد بتاريخهم. 7 _ إنّ رواية عبدالله بن سبأ رواها الوضاعون الكذابون كما أسلفنا فيما مر. 8 _ يساعد علي أنّ الرواية موضوعة أنّها ليست الوحيدة التي وضعت ضدّ الشيعة وإنّما هي جزء من كل مما سنذكره لك فيها يأتي ونبرهن علي كذبه. حتي تعرف أنّ قصة عبدالله بن سبأ خرجت من نفس المقلع ولنفس الهدف. والآن [ صفحه 137] لنستعرض آراء النقاد والباحثين في هذه القصة لنصل إلي الحقيقة.

رأي طه حسين

استعرض الدكتور طه حسين الصورة التي رسمت لابن سبأ ومزقها بعد

تحليل دقيق وانتهي إلي أنّ ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالاُمور التالية: أولاً: إنّ كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلي قصة عبدالله بن سبأ لم يذكروا عنها شيئاً. ثانياً: إنّ المصدر الوحيد عنه سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب، ومقطوع بأنّه وضاع. ثالثاً: إنّ الاُمور التي اُسندت إلي عبدالله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبدالله بن سبأ وسخرهم لمآربه وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض: في منتهي البلاهة والسخف. رابعاً: عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر، وعمار وغيرهم. خامساً: قصة الإحراق وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإِحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر. سادساً: عدم وجود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النّهروان، وقد انتهي طه حسين إلي القول: أنّ ابن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج [173] ويشترك مع طه حسين كثير من [ صفحه 138] المستشرقين في وهمية وجود عبدالله بن سبأ ومنهم:

آراء المستشرقين

1 _ الدكتور برناد لويس: قال: ولكن التحقيق قد أظهر أنّ هذا استباق للحوادث وأنّه _ أيّ ابن سبأ _ صورة مثل بها في الماضي وتخيلها محدثوا القرن الثاني للهجرة من أحوالهم وأفكارهم السائدة حينئذٍ. 2 _ فلهوزن: ذهب إلي أنّ المؤامرة والدعوة والفعاليات المنسوبة لابن سبأ من اختلاق المتأخرين، وقد محص النصوص ودرس الموضوع وقام بتحليل دقيق. 3 _ فريدليندر: اشترك مع فلهوزن وانتهي لنفس النتيجة معه. 4 _ كايتاني: شك في وجود عبدالله

بن سبأ وقال عما ينسب له من أعمال ضخمة ومؤامرة مثل هذه بهذا التفكير وهذا التنظيم لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام خمسة وثلاثين بنظامه القائم علي سلطان الأبوة، إنّها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء [174] .

آراء إسلامية اخري بابن سبأ

هناك آراء اُخري في عبدالله بن سبأ تتراوح بين وجوده وعدم صلته بالشيعة، وبين عدم التصديق بما ينسب إليه لأنّه من غير الممكن صدور تلك الأعمال من شخص عادي، وبين نسبة هذه الأعمال لشخص آخر سمي بابن السوداء فلنستمع لهذه الآراء. أ _ محمد كرد علي قال في خطط الشام: أما ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن [ صفحه 139] سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة علم بتحقيق مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك علم مبلغ هذا القول من الصواب [175] . ب _ الدكتور أحمد محمود صبحي في نظرية الإِمامة قال: وليس ما يمنع أن يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ليحدث فتنة وليزيدها اشتعالاً وليؤلب الناس علي عثمان، بل أن ينادي بأفكار غريبة، ولكنّ السابق لأوانه ان يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق فيحدث هذا الإِنشقاق العقائدي بين طائفة كبيرة من المسلمين [176] . ج _ الدكتوران علي الوردي وكامل الشيبي التقيا في الآتي: إنّ المقصود بابن السوداء عمار بن ياسر وقد رمزت له قريش بابن السوداء ولم تصرح باسمه لأنّ له ثقلاً ومركزاً بين الصحابة وكان علي رأس الثائرين علي عثمان، فلم ترد قريش أن تضعه مقابل عثمان وبجانب عليٍّ لأنّه يرجّح كفة

عليٍّ ويهبط بكفة عثمان فرمزوا له وسموه بابن السوداء لأنّ اُمه أمة سوداء ولا وجود لابن سوداء غيره. إنّ رأي الدكتورين يلتقي مع رأي الأسفرايني، وابن طاهر البغدادي الذي أشرنا إليه فيما مضي عند ذكرنا لتعيين هوية ابن سبأ. وبعد هذا الجولة من الآراء اتضح أنّه لا وجود لابن سبأ لأنّ تسليمنا بوجوده يفضي إلي إلغاء عقولنا، ولأنّ منهح البحث العلمي يأبي وجوده لأنّ مصادره مختلفة، ولأنّ من خلقوا عبدالله بن سبأ خلقوا له أخوة من الإِدعاءات سنوقفك عليها قريباً وإن كانت ستهز مشاعرك وتدمر ثقتك بمن قد تعتبرهم من القمم في دنيا الإِسلام؛ ولأن الخوارق التي تنسب لابن سبأ لا يمكن تصديقها، ولأنّ سكوت عثمان عنه عجيب مع أنّه نفي أبا ذر للربذة مع أنّ أبا ذر من كبار [ صفحه 140] الصحابة لأنّ أبا ذر كان له رأي في البذخ في أموال المسلمين أيام عثمان، فلماذا هذا الحلم عن ابن سبأ، ولأنّ علياً وهو الخشن في ذات الله لماذا سكت عن ابن سبأ ولم يحرقه كغيره، لأنّ معاوية وهو الذي يقتل علي التهمة والظنة كيف سكت عن ابن سبأ والحال هو الذي دفع بسر للغارة علي خصومه وأدت الغارة إلي قتل ثلاثين ألفاً من الناس [177] إنّ كل هذه الاُمور تجعل حديث ابن سبأ حديث خرافة، وإنما اخترع لما ذكرنا سابقاً ليصنع منه مصدراً لعقائد الشيعة كلها كما جعله مصدراً لعقائد الشيعة كل من محيي الدين عبدالحميد في تعليقته علي كتاب مقالات الإِسلاميين وعلي سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي [178] وما كان كل من النشار ومحيي الدين عبد الحميد بالذي يجهل عقائد الشيعة أو لا يهتدي إلي مصادرها وبين أيديهما من

المصادر ما ينهض بالمطلوب وأمام بصرهما من الممارسات العقائدية ما هو واضح في تجسيد عقائد الشيعة ومع ذلك كله كتبا عن الشيعة مالا يجتمع وأمانة التاريخ وروح الإِسلام ولا ينبغي أن يفت في عضد المصلحين أمثال هؤلاء ممن هم علي أحسن الفروض أصداء بلهاء لغيرهم والا فعلامات الإِستفهام موجودة إزاء ماكتباه، في حين يؤكد الكتاب الموضوعين أن حديث ابن سبأ خرافة يقول احمد عباس الصالح: عبدالله بن سبأ رجل خرافي بغير شك فأنّي هو من هذه الأحداث جميعاً وساذج بغير شك الذي يتجه إلي خلق شخصية كهذا ليعطيها أثراً أي أثر فيما حدث من الأحداث إنّ كل ما حيك من قصوص حول عبدالله بن سبأ من وضع المتأخرين فلا دليل علي وجوده في المراجع [179] . [ صفحه 141]

لماذا تنسب الشيعة لابن سبأ

اشاره

في الإِجابة علي هذه السؤال يكمن مركز الثقل في قصة عبدالله بن سبأ كلها، فإنّ الفكر الشيعي في الإِمامة وما يلحق بها والمواقف المتساجلة بين فرق المسلمين من الشيعة وغيرهم، إذا شدت إلي جذرها من أدلتها من الكتاب والسنة فقد يختل الميزان لأنّ فكرة الوصية، والعصمة، وغيرهما تبعد عن الحكم _ في نظر الشيعة _ من لا تتوفر فيه هذه الشروط وتلك هي الطامة الكبري، وأي فكر أخطر من هذا الفكر، فلم لا يربط فكر الشيعة بجذر يهودي وتخترع له شخصية تكون كبش الفداء فيلقي اللوم عليها وعلي الذين أخذوا عنها ويشار إليهم بأنّهم مارقون الغموا تاريخ الاُمة ودسوا في عقائدها عقائد غريبة عن الإِسلام وهكذا صنع عبدالله بن سبأ ولو كان صنعه علي حساب الحقيقة وعلي رغم أنف العقول والمقاييس. وبالإِضافة لما ذكرنا هناك سبب آخر دفع إلي خلق عبدالله بن سبأ أشار إليه

الدكتور أحمد محمود صبحي وذلك بعد أن استعرض آراء الدكتور طه حسين في وهمية وجود عبدالله بن سبأ. قال الدكتور أحمد صبحي: ويبدو أنّ مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلي سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين، فلقد حدثت في الإِسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان ثم حرب الجمل وقد شارك فيها [ صفحه 142] كبار الصحابة وزوجة الرسول، وكلهم يتفرقون ويتحاربون وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، أن يبتلي تاريخ الإِسلام هذه الإِبتلاءات ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم وشاركوا في وضع اُسس الإِسلام، كان لا بد أن تلقي مسؤولية هذه الأحداث الجسام علي كاهل أحد، ولم يكن من المعقول أن يتحمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء اُبلوا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم بلاءً حسناً، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله علي ابن سبأ فهو الذي أثار الفتنة التي أدت لقتل عثمان، وهو الذي حرض الجيشين يوم الجمل علي الإِلتحام علي حين غفلة من عليٍّ وطلحة والزبير، أما في التاريخ الفكري فعلي عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الإِسلام بظهور الشيعة، هذا هو تفسير مبالغة كتّاب الفرق وأصحاب المذاهب لا سيما السلفيين والمؤخين: في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ. ولكن أليس عجيباً أيضاً أن يعبث دخيل في الإِسلام كل هذا العبث فيحرك تاريخ الإِسلام السياسي والعقائدي علي النحو الذي تم عليه وكبار الصحابة شهود [180] . وبعد هذه الإلمامة بملابسات موضوع عبدالله بن سبأ التي انتهينا منها إلي مسك طرف الخيط فيما نظن ألا وهو ربط عقائد

الشيعة بعبدالله بن سبأ وما اسندوه إليه من عقائد الشيعة ولنتبين مصدرها الإِسلامي وبذلك نكتفي عن الإِصرار علي وجود ابن سبأ أو عدم وجوده لأنّه قد ثبت أنّ هذه العقائد مصدرها الإِسلام فلا يبقي بعد ذلك قيمة لعدم وجود ابن سبأ أو لوجوده، لنبدأ من ذلك بموضوع الوصية. 1 _ الإِمام عليّ وصيّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلّم: قلنا فيما سبق أنّ من أحكام الإِسلام ضرورة أن يوصي الإِنسان قبل موته بما يريد التصرف به بعد موته فيها يملك من اُمور مادية، وذكرنا أنّ سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أنّه كان لا يخرج من المدينة في سفرة ولو ليوم واحد حتي يستخلف علي [ صفحه 143] المدينة، فكيف يترك أمر هذه الاُمة من بعده سدي ويعرضها إلي الفتن دون أن يوصي أو يرشح للأمر شخصاً من بعده، وبما أنّ هذه المسألة قد أشبعتها أقلام الباحثين من مختلف الفرق الإِسلامية فلا اُريد العودة إلي ما دار حولها، وكل ما يعنيني هنا أن اُبيّن أنّ مسألة الوصية مصدرها القرآن والسنة، أما القرآن فقد أشرك علياً بالولاية العامة وجعل إمامته امتداداً للنبوة حين تختم النبوة بموت الرسول فقال تعالي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنو الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وقد ذكرنا نزول هذه الآية في عليٍّ عليه السلام وما يترتب عليها من لوازم في مكان آخر من هذا الكتاب، وأما السنة الشريفة فإنّ الروايات المعتبرة متظافرة بأنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم نص علي عليٍّ بالوصية في أكثر من مورد، ومن تلك الموارد: ما نزل عليه قوله تعالي: (وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء/214، فجمع أقاربه وعددهم أربعون علي فخذ شاة وطلب

منهم أن يؤازروه علي الدعوة فلم يقم إليه إلا عليّ فأخذ برقبته وقال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا [181] فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لا بنك وتطيع. هذا وقد ذكر ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة فصلاً ممتعاً في موضوع وصاية الإِمام عليّ عليه السلام للنبي وأشبع الموضوع وبوسع القارئ الرجوع إليه، وها أنت قد سمعت أن الوصية جاءت علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لفظاً ومعني ومع ذلك تري هؤلاء يقولون إنّ موضوع الوصية اخترعه عبدالله بن سبأ وستسمع لو قلت لهم إنّ الوصية لها مصادرها من السنة: مَنْ يقول لك هذه أحاديث دسها الشيعة علي لسان السنة. 2 _ العصمة: موضوع العصمة موضوع مهم في الفكر الشيعي خاصة والإِسلامي عامة [ صفحه 144] وسأضطر للإِطالة فيه لأنّه يرتبط باُمور هامة لا بد من التعرف عليها. فالعصمة لغة هي المنع ومنه قوله تعالي: (سآوي إلي جبل يعصمني من الماء) سورة هود/43. أما في الإِصلاح الكلامي فالعصمة: لطف يفعله الله تعالي بالمكلف لا يكون معه داع إلي ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته علي ذلك [182] . وواضح من هذا التعريف أنّ العصمة لا إلجاء فيها وإنما هي مجدد مدد من الله تعالي واستعداد من العبد، فهي أشبه شيءٍ باستاذ يقبل علي تلميذه لأنّه وجد عند التلميذ استعداداً أكثر من غيره لتلقي العلم. وقد أجمعت الاُمة الإِسلامية علي عصمة الأنبياء عن تعمد الكذب فيها يبلغونه عن الله تعالي واختلفوا بعد ذلك في صدور ما ينافي العصمة منهم علي سبيل السهو أو النسيان سواء كانت أدلتهم في ذلك سمعية أو عقلية، علي صدور أو

عدم صدور ما ينافي العصمة ذهب بعض أئمة السنة إلي جواز وقوع كل ذنب منهم صغيراً كان أو كبيراً حتي الكفر وبوسع القارئ الرجوع إلي آراء الباقلاني والرازي والغزالي مفصلاً في نظرية الإِمامة [183] بينما البعض الآخر فصل في ذلك ولم يصل إلي هذا الحد في تجريدهم من العصمة. أما الشيعة فقد ذهبوا إلي عصمة الأنبياء مطلقاً قبل البعثة وبعدها [184] وقد ساقوا لذلك أدلة كثيرة. وقد تعرض الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء وكذلك الشيخ المجلسي في البحار مفصلاً لذلك والذي يهمني هنا عصمة الأئمة لأنّها موضع البحث، إنّ عصمة الأئمة أمر مفروغ عند الشيعة وقد أثبتها الشيعة للإِمام بأدلة من العقل والنقل أقتصر علي ذكر بعضها وبوسع طالب المزيد ان يرجع إلي الكتب والبحوث المطولة في ذلك. [ صفحه 145]

عصمة الأئمة وأدلتها العقلية

1 _ الدليل الأول: يقول العلامة الحلي في كتابه الألفين: الممكنات تحتاج في وجودها وعدمها إلي علة ليست من جنسها إذ لو كانت من جنسها لا حتاجت إلي علة اُخري واجبة غير ممكنة، كذلك الخطأ من البشر ممكن فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلي المجرد من الخطأ وهو المعصوم، ولا يمكن افتراض عدم عصمته لأدائه إلي التسلسل أو الدور أما التسلسل فإنّ الإِمام إذا لم يكن معصوماً احتاج إلي إمام آخر لأنّ العلة المحوجة إلي نصبه هي جواز الخطأ علي الرعية، فلو جاز عليه الخطأ لا حتاج إلي إمام آخر فإن كان معصوماً والالزم التسلسل، وأما الدور فلحاجة الإِمامة إذا لم يكن معصوماً للرعية لترده إلي الصواب مع حاجة الرعية للإِقتداء به [185] . 2 _ الدليل الثاني: يقول الشيعة إنّ مفهوم الإِمام يتضمن معني العصمة لأنّ الإِمام لغة

هو المؤتم به: كالرداء إسم لما يرتدي به، فلو جاز عليه الذنب فحال إقدامه علي الذنب إما أن يقتدي به أو لا؛ فإن كان الأول كان الله تعالي قد أمر بالذنب وهذا محال، وإن كان الثاني _ خرج الإِمام عن كونه إماماً فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مؤتماً به وبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بتصور أنّ العصمة متضمنة في مفهوم الإِمام ولازمة لوجوده [186] . [ صفحه 146] 3 _ الدليل الثالث: الإِمام حجة الله في تبليغ الشرع للعباد وهو لا يقرب العباد من الطاعة ويبعدهم عن المعصية من حيث كونه إنساناً، ولا من حيث سلطته فإنّ بعض الرؤساء الذين ادعود الإِمامة كانوا فجرة لا يصح الإِقتداء بهم فإذا أمروا بطاعة الله كانوا مصداق قوله تعالي: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) 44/البقرة. وفي مثل هذه الحالات لا يثق المكلف بقولهم وله عذره، فثبت أنّ تقريب الناس من طاعة الله لا من حيث كون الإِمام إماماً، وإنّما من حيث كونه معصوماً حيث لا يكون للناس عرذ عصيانه تصديقاً لقوله تعالي: (لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل) الآية/165 من سورة النساء، والأئمة حجج الله كالرسل سواء بسواء لأنّ الإِمام منصوب من قبل الله تعالي لهداية البشر [187] . هذه ثلاثة أدلة من كثير من الأدلة العقلية التي اعتمدوها في التدليل علي العصمة.

الادلة النقلية علي عصمة الإمام

أ _ قال الله تعالي في سورة البقرة: الآية/124 لنبيه إبراهيم: (إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومكن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) دلت هذه الاية علي العصمة لانّ المذنب ظالم ولو لنفسه لقوله تعالي: (فمنهم ظالم لنفسه) 32/فاطر. ب _ قال الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم) الآية/49 من سورة النساء، والدليل فيها: أنّ اُولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لأحكام الله تعالي لتجب لهم هذه الطاعة ولا يتسني هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإِنكار عليهم وذلك ينافي أمر الله بالطاعة لهم [188] . [ صفحه 147] ج _ ذهبت الآية الثانية والثلاثين من سورة الأحزاب إلي عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم وهي قوله تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فبعد إثبات نزولها في أهل البيت الذي نص عليه كل من الإِمام أحمد في مسنده، ومستدرك الصحيحين والدر المنثور، وكنز العمال وسنن الترمذي، وتفسير الطبري، وخصائص النسائي، وتاريخ بغداد، والإستيعاب لابن عبد البر، والرياض النضرة للمحب الطبري، ومسند أبي داوود وأسد الغابة، جميع هؤلاء قالوا إنّها نزلت في النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وعليّ عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام [189] . ويتساءل العلماء عن معني ذهاب الرجس لينتهوا إلي أنّه نفي كل ذنب وخطأ عنهم والإِرادة هنا تكوينية لا تشريعية لوضوح أنّ التشريعية مرادة لكل الناس. ولا يلزم منه الإِلجاء لما سبق أن ذكرناه من أنّ العصمة مدد من الله تعالي واستعداد من العبد. هذه بعض أدلة الشيعة في العصمة وهي كما تري منتزعة من الكتاب والسنة والعقل، فما وجه نسبتها إلي عبدالله بن سبأ؟ وأين موضع الصدق من تلك النسبة، إنّ القارئ من حقه أن يسأل هؤلاء الكتّاب هل اطلعوا علي مصادر الفكر الشيعي عندما كتبوا عن الشيعة أو لا، فإن كان الأول فما معني هذا الخبط وهذا النسب الباطلة، وإن كان الثاني فما هو المبرر لهم للخوض

في اُمور لم يطلعوا عليها أليس لهم رادع من مقاييس الأدب الإِسلامي الذي رسمه الله تعالي بقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً) الإسراء/36، وفي الوقت ذاته إنّ المنهج العلمي يأبي عليهم هذه التخرصات ونسبة الأشياء إلي غير مصادرها إذاً ففكرة العصمة حتي ولو كانت أدلتها غير ناهضة، فلا يجوز أن تنحي عن مصدرها وتنسب إلي شخصية وهمية خلقها الحقد وافتعلها الهوي. [ صفحه 148]

موقف السنة من العصمة

قبل الدخول بالموضوع اُلفت النظر إلي قصة تحكي ولها دلالتها في موضوعنا وهي: أنّ شخصاً مديناً جُلب إلي الحاكم فسأله الحاكم هل أنت مدين لهذا المدعي؟ قال: نعم، أنا مدين ولكنّي منكر للدَّين، إنّ هذه القصة تشبه تماماً موقف من ينكر علينا القول بالعصمة وفي الوقت ذاته يقول بها. علي أننا إنما نشترط العصمة في الإِمام لضمان وصول أحكام وعقائد صحيحة، ولضمان اجتناب المفارقات التي قد تنشأ من كون الإِمام غير معصوم، ولا نريد من العصمة أن تكون وساماً نضعه علي صدور الأئمة فإنّ لهم من فضائلهم ما يكفيهم كما أننا لا نسبح في بحر من الطوبائية لأننا نعيش دنيا الواقع بكل مفارقاتها، إننا من وراء القول بالعصمة نربأ بالإِمام أن يكون من سنخ من نراهم من الناس، لأنّه لو كان من نفس السنخ والسلوكية فما هي ميزته حتي يحكم الناس وفي الناس من هو أكثر منه استقامة ومؤهلات وقابلية، تلك هي الأمور التي نريدها من وراء العصمة لا أنّ المعصوم من نوع آخر غير نوع الإِنسان كما قد يتصور البعض. فالعصمة في نظرنا ضابط يؤدي إلي حفظ شريعة الله تعالي نظرناً وصيانتها من البعث تطبيقياً، وأساطين السنة يذهبون

لمثل ذلك ولكنّهم في الوقت نفسه ينكرون علينا القول بها وإليك نماذج من أقوالهم لتعرف صحة ما نسبناه لهم: 1 _ الرازي: يذهب الرازي في معرض رده علي عصمة الإِمام عند الشيعة: إلي أن لا حاجة إلي إمام معصوم، وذلك لأنّ الاُمة حال إجماعها تكون معصومة لا ستحالة اجتماع الأمة علي خطأ، بمقتضي حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم لا تجتمع اُمتي علي [ صفحه 149] ضلالة [190] ومع غض النظر عن صحة وعدم صحة هذا الحديث، نسأل هل مثل هذا الإِجماع ممكن بحيث يضم كل مسلم في شرق الأرض وغربها، قد يكون الجواب إنّ المسلمين يمثّلون في هذا الإِجماع بأهل الحل والعقد، وهنا نسأل: من هم وما عددهم؟ وهل هم محصورون في مكان معين؟ وما الدليل علي ذلك؟ ثم نسأل: هل المجموع إلا ضمّ فرد إلي فرد فإذا جاز الخطأ علي الأفراد جاز علي المجموع المكون من الأفراد، إنّ الإِمام ابن تيمية يجيب علي ذلك بأنّه لا يلزم أن يخطأ المجموع إذا أخطأ الأفراد لأنّ للجمع خاصية لا توجد في الأفراد، ومثلها مثل اللقمة الواحدة لا تشبع مجموع اللقم يشبع، والعصا الواحدة تكسر في حين مجموع العصيّ لا يكسر، إلي أن يقول قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: الشيطان مع الواحد وهو مع الإِثنين أبعد [191] وما أدري ما هو وجه الشبه بين كون اللقم تشبع بعكس اللقمة الواحدة، وبين كون المجموع يعصم والأفراد لاتعصم، وذلك لأنّ اللقمة تحمل قابلية الإِشباع بنسبة معينة فإذا ضمت إلي مثلها اجتمعت هذه الأفراد من قابلية الإِشباع فكونت إشباعاً كاملاً، وكذلك العصا تحمل نسبة من القوة فإذا ضمت لمثها كونت قوة كافية، وأين هذا

من الفرد المخطئ فإنّه لا يكوِّن نسبة من الصحة إذا ضمت لغيرها كونت مجموعاً صحيحاً، بل بالعكس فالفرد يمثل هنا نسبة من الخطأ إذا ضمت لمثلها تضاعف الخطأ وكوّن خطأً كبيراً، إنّ هذا القياس مع الفارق، هذا من ناحية، ومن ناحية اُخري فإنّ ابن تيمية لم ينف فكرة العصمة وإنما نفي أن يكون لواحد ليس إلاّ فكأنّ العقدة أن تكون لواحد أما لو نسبت لجماعة فلا إشكال ومن ناحية ثالثة إنّه إنما اشترط العصمة للأمة من أجل الثقة وضمان سلامة الأحكام وهو عين الهدف الذي تذهب إليه الشيعة وأنا أنقل لك رأيه مفصلاً: [ صفحه 150]

رأي ابن تيمية في العصمة

قال ابن تيمية عند رده علي الشيعة عند قولهم: إنّ وجود الإِمام المعصوم لابد منه بعد موت النبي وذلك لأنّ الأحكام تتجدد تبعاً للموضوعات، والأحوال تتغير وللقضاء علي الإِختلاف في تفاسير القرآن وفي فهم الأحاديث وغير ذلك. ولو كانت عصمة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وكمال الدين كافيين لما حدث الإِختلاف، فثبت أنّه لابد من إمام معصوم يبين لنا معاني القرآن ويعين لنا مقاصد الشرع كما هو مراده إلي آخر ما ذكروه في المقام: فقال ابن تيمية: لا يسلّم أهل السنة أن يكون الإِمام حافظاً للشرع بعد انقطاع الوحي لأنّ ذلم حاصل للمجموع، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد، فالقراء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه، والمحدثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها، والفقهاء معصومون في الكلام والإِستدلال [192] ويختلف هنا ابن تيمية عن الرازي فإذا كانت العصمة عند الرازي لمجموع الأمة فهي عند ابن تيمية لجماعة من الناس كالقراء والفقهاء والمحدثين، وهنا يشترط ابن تيمية العصمة لضمان حفظ مضمون الشريعة كما هو الحال

عند الآخرين من الشعية وغيرهم، فما الذي أجازها لمجموعة ومنعها عن فرد؟ إنّ عدد المعصومين عند الشيعة لا يتجاوز الأربعة عشر وهم مجموعة منتخبة خصها الله تعالي بكثير من الفضائل بإجماع فرق المسلمين فلماذا نستكثر عليهم العصمة ونجيزها لغيرهم مجرد سؤال؟

رأي جمهور السنة في العصمة

يمكن القول أنّ جمهور السنة يصححون الحديث المروي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» [193] ولازم هذا الحديث عصمة الصحابة كما سيرد به التصريح من بعضهم لأنّ صحة الإِقتداء [ صفحه 151] بأي منهم ومتابعته في الظلم لو حصلت حال كونه مرتكباً للذنب وهو الحاصل من كونه غير معصوم فمعناه الأمر من الله تعالي باتباع العاصي والظالم ولو لنفسه وإذا لم يتابع ويعمل بما أراده النبي فإنّ معناه ترك أمر القرآن لأنّه قال: (ما أتاكم الرسول فخذوه) [194] والصحابي هنا ينقل أمر الرسول، فإن قلت إنّ الله تعالي أمرنا بأن نأخذ الحديث من العادل الثقة لقوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة) الآية 6/الحجرات؛ التي دلت بمفهومها علي حجية خبر العادل، ونحن لا نأخذ الأمر إلا من العادل منهم، قلت: إنّ ذلك يدل بالمفهوم علي أنّ فيهم غير العادل حينئذ وهو المطلوب. وعلي العموم إنّ لازم الحديث المذكور عصمة الصحابة، وما سمعنا من ينكر علي هؤلاء فلماذا إذا قال الشيعة بعصمة أئمتهم ينتقدون؟

التفتازاني والعصمة

يقول التفتازاني وهو من أجلاء علماء السنة في كتابه شرح المقاصد: احتج أصحابنا علي عدم وجوب العصمة: بالإِجماع علي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان (رض) مع الإِجماع علي أنّهم لم تجب عصمتهم، وإن كانوا معصومين بمعني أنّهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها [195] وفي هذا النص اُمور: 1 _ إنّ التفتازاني هنا يصرح بعصمة الخلفاء الثلاثة. 2 _ يقول: إنّ عصمتهم غير واجبة بمعني أنّهم لا يقسرون عليها وإلا فلا يتصور تعلق الأحكام بالاُمور التكوينية

وإنما مجال الأحكام السلوك الإِختياري والإِستعداد لقبول العصمة أمر مخلوق فيهم. 3 _ مفاد كلامه أنّ العصمة ملكة تمنع صاحبها من مقارفة الذنب لا علي [ صفحه 152] نحو سلب الإِختيار وهذا عين ما يقوله الشيعة في أئمتهم وليرجع من شاء إلي بحث العصمة في كتب الكلام الشيعية، وعلي هذا فلماذا هذه الجعجعة يا مسلمون؟ شمس الدين الأصفهاني ونو محمد والعصمة يذهب الحافظ نور محمد وشمس الدين الأصفهاني الأول في تاريخ مزار شريف، والثاني كما نقله عنه الغدير إلي أنّ الخليفة عثمان معصوم [196] وقد نقله عن كتابه مطالع الأنظار. والرجلان من علماء أهل السنة.

الايجي والعصمة

يذهب عبدالرحمن الإِيجي صاحل كتاب المواقف في نفس الكتاب إلي عصمة الخلفاء وعلي النحو الذي قال به التفتازاني فيما ذكرناه عنه أي أنّها ملكة فيهم لا توجب سلب الإِختيار [197] وهو من علماء السنة وقد كشفت لنا هذه الجولة أنّ الشيعة لا ينفردون بالقول بالعصمة بل علماء السنة يذهبون لذلك، إذاً فما هو وجه نسبتها إلي عبدالله بن سبأ وما هو وجه نقد الشيعة علي القول بها؟ أنا لا اُريد أن أحشد للقارئ نقد كتب السنة ومؤلفيهم حول موضوع العصمة فإنّ كتبهم طافحة بذلك، ولكن سأستعرض لك رأي كاتب يعيش في القرن العشرين وفي عصر الذرة بالذات وهو وأيم الحق من أكثر أهل السنة الذين قرأت لهم اعتدالاً في الكتابة عن الشيعة ولكن مع ذلك كله تبقي الرواسب في النفوس تعمل عملها. إنّي أعتقد أنّ هذا الرجل قد بحث في كتب الشيعة وغيرهم قبل أن يكتب كتابه وذلك لما رأيت له من كثرة المصادر مع افتراض أنّه اطلع علي آراء أهل السنة في هذه المواضيع فلماذا الإِنكار علي الشيعة

دون الآخرين وإذا كان لم يطلع وهو ما أَستبعده، فلماذ يكتب؟ [ صفحه 153]

مناقشة كتاب نشأة الآراء والمذاهب

اشاره

يقول مؤلف الكتاب المذكور يحيي هاشم فرغل مستعرضاً فكرة عصمة الأئمة: إنّ عصمة الأئمة ظهرت عند غلاة الشيعة، ذكر أن زيد بن عليٍّ كان يستنكرها ثم استنتج أنّ السنة إنما بحثوا عصمة الأنبياء لأنّ الشيعة بحثوا عصمة الأئمة، وذكر أدلة الإِمامية علي العصمة ومنها حديث الثقلين وقد رواه هكذا: إنّي تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، ثم ذكر صوراً اُخري للحديث ثم قال: إنّ هذا الحديث جعل العترة أهل البيت بمنزلة القرآن وعدلاً له، كما جعل لهم جميع ما كان للنبي من المناصب إلا النبوة ليكون كأنه موجود بنفسه ليقوم علي رعاية الشريعة، وقد نزّل الحديث العترة منزلة القرآن فلا بد من أن يكون عندهم كل ما فيه من العلوم، فمن ثم يكون الإِمام عالماً بجميع تفاصيل القرآن والسنة لتؤخذ عنه علومهما كاملة. ثم أورد روايات للشيعة حو علم الإِمام ومنها ما ورد عن الإِمام عليٍّ عليه السلام: ما اُنزلت آية من القرآن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم إلا وأقرأنيها وتلاها عليَّ فكتبتها بيدي وعلمني تفسيرها وتأويلها ومحكمها ومتشابهها وناسخهها ومنسوخها وخاصها وعامها ودعا الله تعالي أن يعطيني فهمها وحفظها ووضع يده علي صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علماً وحكمة، ثم أورد روايات هي في الواقع تجسيد لمنطوق هذا الحديث وهذه الرواية: كوجود كتاب الجفر والجامعة ومصحف فاطمة [ صفحه 154] عند أهل البيت وشرح آراء الشيعة في معني وجود هذه الكتب

عند أهل البيت وذكر أنّ الشيعة قالوا إنّها بإملاء النبي وخط عليٍّ وأنّه ليس فيها من القرآن شيء وإنما هي شروح وأخبار بالملاحم، ثم ذكر الروايات التي تدل علي أنّ أهل البيت محدّثون وأنّهم يعضدون هذه الروايات بروايات سنية ومنها قول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم الذي اتفق عليه أهل السنة «إن فيكم محدثين» وقول بعض الصحابة: كنت اُحدث حتي اكتويت، ثم انتقل بعد ذلك إلي الروايات التي تدل علي وحدة السنخية بين النبي والأئمة كقول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله خلقني وخلق علياً والحسن والحسين من نور واحد، وقال في نهاية هذا الفصل: وإذا فنحن في النهاية نصل إلي عقيدة فلسفية أو ميتافيزيقية في الإِمام تجعل من الأئمة ومن الرسول جوهراً نورانياً واحداً سابقاً علي الوجود الأرضي وهنا نصل إلي نقطة هامة نسأل فيها عن ماهية درجة الإِمامة وهل هي بدرجة النبوة أم لا، واستطراداً من هنا أقول: إنّ المرء أمام هذه الآراء لا يتسغرب أن تنشأ في تربتها آراء الغلاة ودعاوي التنبؤ ويجد في هذه إظهاراً طبيعياً لمكونات تلك إنتهي كلام فرغل بتلخيص وتصرف في لفظ العبارة [198] مع حفط المضمون بمنتهي الضبط. إتضح من هذا الفصل الذي لخصناه أنّ فرغل يستنكر عدة اُمور ويعتبرها نوعاً من الغلو وهي العصمة، ثم وحدة الأصل والسنخية بين النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وأهله عليه السلام ثم استنكر ما ينسب لأهل البيت من علوم واستنكر رابعاً أن تكون منزلة الأئمة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وخامساً نسب الشيعة للغلو.

تعقيب

وأنا أوجه للأستاذ فرغل سؤالاً هو: لو أنّ هذه الاُمور التي استنكرها عند الشيعة وجدت عند السنة فهل ينتقد

السنة أم لا، وستعجب من هذا السؤال وتقول كيف لا ينتقدهم والموضوع واحد ولا فرق بين أن يقول به السنة أوالشيعة [ صفحه 155] وأنا اُجيبك أنّه لا ينتقدهم إذا كانوا غير شيعة وهو ما وقع بالفعل لأنّهم قالوا بهذه الاُمور التي نقد بها الشيعة وساُوقفك علي قولهم فيما يلي: 1 _ فالأمر الأول: الذي نقد به الشيعة القول بالعصمة ولا أحتاج أن اُكرر ما سبق أن ذكرته ودللت عليه من قول كثير من السنة بالعصمة إن لم يكن كلهم ومع ذلك لم يعرض له يحيي فرغل بالنقد، علي أنّ يحيي فرغل أهون من غيره في هذا الباب، ذلك أنّ غيره كان أكثر منه عنفاً وتهجماً خذ مثلاً: الدكتور نبيه حجاب أستاذ الأدب _ لو كان هناك أدب _ في دار العلوم بالقاهرة، إنّ هذا الرجل يشتم الشيعة شتماً عجيباً ويعتبر عقيدتهم بالعصمة مظهراً من مظاهر الشعوبية فاسمعه يقول: إنّ هذه العقيدة تسرّبت للشيعة عن الفرس الذي نشأوا علي تقديس الحاكم لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية _ ولا أعرف أحداً من العرب قال ذلك في حدود اطلاعي _ ولعل غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلي تنزيه عليٍّ عليه السلام عن الخطأ حتي يتضح للملأ عدوان بني اُمية في اغتصاب الخلافة هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب التي تسربت إلي الشيعة [199] أسمعت هذه الانشودة التي يتناقلها الخلف عن السلف بصورة بلهاء وقد فندنا لك هذا الزعم فيما مضي من مبحث فارسية التشيع. لكنّ الذي اُريد السؤال عنه ما هو الخطأ في سلوك الإِمام عليٍّ عليه السلام في نظر نبيه حجاب هل هو الحروب التي قام بها من أجل مبادئ مما أدي

إلي عدم الإِستقرار في الوقت الذي لم يستقر فيه وضع الامويين إلا علي الجماجم وعلي كل حال لا يضر علياً أن يخطئه نبيه حجاب بعد أن قال فيه الرسول عليّ مع الحق والحق مع علي. ومن الطبيعي جداً أن يكون علي في جانب مع من هو من معدنه ونبيه حجاب ومن هم من معدنه في الجانب المقابل. [ صفحه 156] 2 _ الأمر الثاني: الذي استنكره فرغل هو كون النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته من نور واحد، ولا أدري ما هو وجه الإِستغراب بعد أن أثبت الشيعة ذلك من مصادره الصحيحة هل لأنّ ذلك لم يصادف هوي في نفوس من لا يوالون أهل ابيت أم ماذا؟ ثم لماذ إذا وجد مثل هذا عند السنة لا يكون داعياً للإِستغراب: هذا الذهبي يروي في ميزان الإعتدال حديثاً عن طريق أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم أنه قال: خلقني الله من نور وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق عثمان من نور عمر وعمر سراج أهل الجنة [200] ولا أدري لماذا جاء النور إلي حد عثمان ولم يصل إلي عليٍّ مع أنّه علي الأقل خليفة رابع، لك الله يا ابن أبي طالب، وما أدري ماذا يقول الأستاذ فرغل هل هذا غلو أم لا أفتونا يرحمكم الله، هذا مع أنّه من الطبيعي وحدة السنخية بين الإِنسان وأهله، وآل محمد عدل الكتاب وعيبة علم النبي فلماذا يستكثر عليهم الاستاذ فرغل ما لا يستكثره علي غيرهم. 3 _ الأمر الثالث: الذي استنكره الأستاذ فرغل هو علم أهل البيت بالشريعة والعلوم القرآنية وعلوم السنة الشريفة وأن يكونوا محدّثين، وهنا يقول إنّ

علم أهل البيت أما أن يكون بالطرق العادية كالتلقي والمدارسة، أو يكون من قبيل الإِلهام وأنّهم محدَّثون، أما الطريق الأول فهو محقق لأهل البيت لأنّهم نشأوا في بيت محمد صلي الله عليه وآله وسلّم وتربوا في حجره وخذوا العلم من هذه البيئة وهذا الأمر لا غبار عليه، أما العلم بالطريقة الثانية وهو الإِلهام والتحديث كما تذهب إليه الروايات فالمسلمون كلهم يقرون بذلك وسأذكر جملة من نصوصهم في إمكان مثل هذا العلم: يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني عند تفسيره الآية 65 من سورة النحل: وهي قوله تعالي: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا [ صفحه 157] الله) عقب عليها فقال: لعل الحق أن يقال إنّ علم الغيب المنفي عن غيره جل وعلا هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته له، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شيءٍ وإنما هو من الواجب عز وجل إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه، فلا يقال إنّهم علموا بالغيب بذلك المعني فإنّه كفر بل يقال إنّهم اظهروا واطلعوا علي الغيب [201] . وماقاله الآلوسي هو عين ما ورد عن أئمة أهل البيت: يقول الإِمام الرضا ثامن أئمة أهل البيت: «يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم» وهذا المعني هو عين مفاد الآية: 27 من سورة الجن وهي قوله تعالي: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلا من ارتضي من رسوله) وفي شرح هذه الآية يقول الرضا لعمر بن هداب وقد سأله عن علم الأئمة قال: «إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم هو المرتضي عند الله ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله علي غيبه فعلمنا ما كان

وما يكون إلي يوم القيامة» [202] وفي هذا المعني يقول النيسابوري المفسر: إنّ امتناع الكرامة عن الأولياء إما لأنّ الله ليس أهلاً لأن يعطي المؤمن ما يريد، وإما لأنّ المؤمن ليس أهلاً لذلك وكل منهما بعيد فإنّ توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالي لعبده فإذا لم يبخل الفياض بالأشرف فلأن لا يبخل بالأدون أولي _. وقد ألقي الإِمام الصادق عليه السلام الضوء علي بعض العلوم التي أخذوها من القرآن بالطرق الطبيعية وذلك عندما سأله بعض أصحابه، فقال الصّادق: «إنّي أعلم ما في السموات والأرض وأعلم ما في الجنة والنار وأعلم ما كان وما يكون» فلما رأي أنّ السائل استغرب كلامه قال الإِمام: «إنّي علمت ذلك من كتاب الله عز وجل الذي يقول: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ وهديً ورحمة وبشري للمسلمين) الآية 89/ من سورة النحل» وقد روي ذلك عنه وعن [ صفحه 158] نظرية تلقي أهل البيت للعلم المقرم في فصل كبير [203] .

السنة و علم الغيب

وبعد أن أشرت إلي أنّ الشيعة يرون أنّ الإِمام مستعد لأن يفيض عليه الله عز وجل من نوره وعلمه لأنّه وُجد القابل فلا بخل، في ساحة الله تعالي فعلم الغيب للذات عند الشيعة مختص بالله تعالي أما علم أهل البيت فأما إفاضة مباشرة من الله عن طريق الإِلهام أو التحديث، أو بتوسط النبي، علي أنّه لا ينكر أنّ هناك من يغلو في أهل البيت ونحن من هؤلاء براء وسيمر علينا ذلك إلا أنّ الذي اُريد قوله: إنّ أهل السنة يثبتون علم الغيب لأئمتهم علي نحو ما يفعل الشيعة ويرون أنّهم محدّثون: ومن ذلك ما رواه القرطبي في تفسير للآية 52/من سورة الحج وهي قوله تعالي: (وما

أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي) إلي آخر الآية، فقال: جاء عن ابن عباس أنّه كان يقرأ الآية هكذا: وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث الخ ذكره مسلمة بن القاسم بن عبدالله ورواه سفيان عن عمر بن دينار عن ابن عباس قال مسلمة: فوجدنا المحدّثين معتصمين بالنبوة لأنّهم تكلموا باُمور عالية من أنباء الغيب خطرات، ونطقوا بالحكمة الباطنة فأصبوا فيما تكلموا وعصموا فيما نطقوا كعمر بن الخطاب في قصة سارية وما تكلم به من البراهين العالية هذا هو نص ما أورده القرطبي [204] وكذلك روي السيوطي قراءة الآية المذكورة وتكلم عن الحدّثين في تفسيره الدر المنثور فراجعه [205] . وقد روي البخاري في صحيحه باب مناقب عمر عن أبي هريرة قال قال النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لقد كان فيما قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا [ صفحه 159] أنبياء فإن يكن من اُمتي فيهم أحد فعمر، كما أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عائشة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم قد كان في الإِسلام قبلكم محدّثون فإن يكن في اُمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب منهم [206] . ولم يقف الأمر عند الخلفاء ولكنّه وصل إلي عمران بن الحصين، فعن مطرف قال: قال لي عمران بن الحصين: اُحدثك حديثاً عسي الله أن ينفعك به: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتي مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وإنّي كنت اُحدّث حتي اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد وقد روي ذلك كل من الدارمي ومسلم في صحيحيهما [207] . ولست أدري ما هي

صله الكي بهروب المحدّث والعلم عند الحصين رحمه الله. بل إنّ عمر بن عبدالعزيز الخليفة الاُموي كان الخضر يمشي معه ويحدثه كما رويّ ذلك ابن حجر في التهذيب [208] . وبعد كل هذا الذي أوردناه فهل يشكل هذا مبرراً لأن يكون أهل البيت ممن يفاض عليهم العلم أم لا؟ أغلب الظن أنّ الإِشكال سيبقي قائماً وسيبقي الشيعة غلاة أومخرفين لأنّهم يقولون إنّ الأئمة يعلمون الغيب بأمر الله. الأمر الرابع: الذي استنكره الاستاذ فرغل أن تأتي منزلة أئمة أهل البيت بعد منزلة النبي صلي الله عليه وآله وسلّم مباشرة عند الشيعة، والمقصود الأئمة الإثنا عشر فقط لا غيرهم، والحقيقة أنّ الشيعة ليسوا هم الذين وضعوا الأئمة بهذا الموضع بل السماء هي التي وضعتهم والشيعة تعبدوا بأمر السماء يقول الله عالي: (إنما وليكم الله ورسوله [ صفحه 160] والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) 56/المائدة. فقد تظافرت الروايات علي نزولها في الإِمام عليٍّ عليه السلام وأنّها أشركته في الولاية العامة وقد روي ذلك كل من الفخر الرازي في تفسيره، وابن جرير الطبري في تفسيره، والبيضاوي في تفسيره، وأبي حيان في تفسيره والزمخشري في تفسيره وابن كثير في تفسيره وغيرهم ثم من بعد القرآن الكريم أعطته السنة النبوية هذه المكانة فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلا أنّه لا نبيَّ بعدي، والحديث من الأحاديث المتواترة وقد أخرجه أهل الصحاح ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب فضائل علي من صحيح البخاري وكذلك من صحيح مسلم. ويأتي أولاد عليٍّ عليه السلام من بعده وقد وضعهم النبي صلي الله عليه وآله وسلّم في هذه المكانة وليس أدل علي ذلك

من أنّه جعلهم عدل الكتاب فقال صلي الله عليه وآله وسلّم إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً. إلي آخر الحديث [209] والآن لنرجع إلي الفكر السني فسنجده يضع أئمته في نفس الموضع بدون نكير بل يري أنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وهو المسدد بالوحي لا يستغني عن هؤلاء الأئمة لحاجته إليهم: يقول الحاكم في المستدرك بسنده عن حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم يقول لقد هممت أن أبعث إلي الآفاق رجالاً يعلمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسي بن مريم الحواريين، قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: إنه لا غني بي عنهما إنّهما من الدين كالسمع والبصر [210] بل أعطي السنة للصحابة منزلة تساوي منزلة النبي من ناحية حجية أقوالهم وأفعالهم وكونهم مصدراً للتشريع: يقول موسي جارالله في الوشيعة: «نحن فقهاء أهل السنة والجماعة نعتبر سيرة الشيخين الصديق والفاروق أصلاً تعادل سنن الشارع في إثبات الأحكام الشرعية في حياة الاُمة وإدارة الدولة وأنّ الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة وأنّها ناصفتها في [ صفحه 161] تثبيت أركان دين الإِسلام» [211] فالخلفاء كما ينص جارالله هنا سيرتهم تعادل سنة النبي ونص القرآن، والخلفاء معصومون كالنبي صلي الله عليه وآله وسلّم وأنّهم شاطروا النبي فلهم نصف تثبيت الإِسلام وللنبي صلي الله عليه وآله وسلّم النصف الثاني ويقول الإِمام الغزالي: مذهب الصحابي حجة مطلقاً [212] . ويقول: ابن قيم الجوزي إنّ فتاوي الصحابة أولي أن يؤخذ بها وإن اختلفوا فإن كان الخلفاء الأربعة في شق فلا شك أنّه الصواب وإن كان أكثرهم في

شق فالصواب الشق الأغلب وإن كانوا إثنين وإثنين فشق أبي بكر وعمر أقرب إلي الصواب فإن اختلف أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب [213] وما أدري ما يقصده ابن القيم من قرب العهد فإذا كان يريد القرب الزماني فكل الخلفاء كانوا مع النبي صلي الله عليه وآله وسلّم في زمان واحد وإن كان يريد القرب المكاني بالإِضافة لذلك فعليّ كان ألزم للنبي صلي الله عليه وآله وسلّم من ظله فعلي تعليل ابن القيم يجب تقديم قوله إذا تعارض مع أقوال غيره. ودعني اُحدثك عن أروع من هذا كله وهو أن يكون قول بعض أئمة السنة هو المقياس لتصحيح القرآن وأحاديث النبي صلي الله عليه وآله وسلّم إذا اختلف الكتاب والسنة مع قول ذلك الإِمام: يقول الكرخي من أئمة الأحناق: الأصل وجوب العمل بقول أبي حنيفة، فإن وافقه نص الكتاب والسنة فذالك. وإلا وجب تأويل الكتاب والسنة علي وفق قول أبي حنيفة، وقد ذكر ذلك الأستاذ رشيد رضا في تفسير المنار عند تفسير الآية: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً) الآية 165/ من سورة البقرة [214] ويأتي القوشجي دون الكرخي بمرقاة فإذا كان الكرخي جعل فقه الأحناف هو المقياس الذي يعرض عليه الكتاب والسنة، فإن القوشجي جعل للخليفة عمر حقاً في أن يجتهد مقابل [ صفحه 162] الرسول فاسمعه في مبحث الإِمامة من كتابه شرح التجريد يقول: إنّ عمر قال وهو علي المنبر: أيها الناس ثلاث كنَّ علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم وأنا أنهي عنهنّ واُحرمهنّ واُعاقب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيَّ علي خير العمل، ثم عقب القوشجي علي ذلك

بقوله: إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه فإنّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الإِجتهادية ليس ببدع [215] . بعد ذلك نقول للأستاذ فرغل إننا نضع الإِمامة بعد النبوة ونتعبد بما أعطاه النبي صلي الله عليه وآله وسلّم للإِمام عن صلاحيات، ولكننا لا نجعل الإِمام مقياساً يعرض عليه الكتاب والسنة بل العكس المقياس هو الكتاب والسنة ونرمي بما خالفهما عرض الجدار، كما أننا لا نجيز الإِجتهاد مقابل النص كما اعتبر القوشجي النبي صلي الله عليه وآله وسلّم علي أنّه مجتهد وقد خالف بذلك إطلاق قوله تعالي: (وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي) الآيتان 3و4/ من سورة النجم، ومع ذلك فإنّ تقييم الإِمام عندنا موضع استغراب، بينما يذهب غيرنا في أئمتهم إلي ما ذكرناه عنهم ومع ذلك لا تسمع من ينقدهم فلماذا هذا يا أستاذ فرغل؟ هل حاولت مرة أنت أو أمثالك أن تسألوا أنفسكم عن صحة عقائدكم أو تنقدوها كما تنقدون غيركم أم أنكم شعب الله المختار يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم أم ماذا؟ 5 _ الأمر الخامس: إعتبر الأستاذ فرغل روايات الشيعة بأنّها مناخ صالح للغلو، واُريد أن أشرح للأستاذ فرغل موقف الشيعة من الغلو والغلاة: فالغلو عرّفه الطبرسي في تفسيره عند شرح الآية 77 من سورة المائدة: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) بأنه ما يقابل التقصير وهو تجاوز الحد، فقال: إنّ معني الآية: لا تتجاوزوا الحد الذي حدّه الله، لكم إلي الإِزدياد، وضده: التقصير وهو الخروج عن الحد إلي النقصان، والزيادة في الحد والنقصان عنه كلاهما فساد، ودين الله الذي أمر به هو بين الغلو والتقصير وهو الإِقتصاد _ أي الإِعتدال _ [216] .

[ صفحه 163] أما مناشئ الغلو فأبرزها وأهمها في نظرنا أربعة مناشئ هي علي التوالي: أ _ المنشأ الأول: أن يغالي الإِنسان بشخص أو فكرة ليتخذ من ذلك مبرراً لاختياره الإِنتماء لهذه الفكرة أو الشخص فكأنّه يريد مرجحاً أمام الناس ومبرراً نفسياً ويتبلور هذا المعني أكثر وأكثر في العقيدة بالأشخاص فإنّ الأتباع يحاولون رفع من يعتقدون به إلي مستويات غير عادية وهذا المعني موجود علي الصعيد الديني والسياسي، فقد وصف هوبز الحاكم بأنّه المعبر عن إرادة الله وإرادة الشعب، ومنحه السلطة المطلقة في التصرف، ولم يعط الشعب حق عزله واعتبر إرادته من إرادة الله تعالي، وقد ذهب فلاسفة الألمان نفس المذهب فيما خلعوه علي الحاكم من صفات، وأشدهم في ذلك: هيكل أستاذ ماركس، فالملك عند هيكل صاحب السلطة المطلقة، وله مركز مستقل عن مصالح الأفراد وتتمثل في شخصيته الذات النهائية وهو مجموع الشعب مشخص في واحد، وهو وهو الخ. وقد سبق هؤلاء جميعاً أفلاطون حين أعطي الحاكم منازل مقدسة، وكذلك الفارابي حيث صور رئيس المدينة بأنّه متصل بالعقل الفعال حيث يقترب من الله تعالي [217] . إنّ كل هذه المواقف تبرير لاعتناق الفكرة بنحو وآخر يوجده تصور معين. ب _ المنشأ الثاني للغلو: رد الفعل فإنّ البعض قد يضطهد من أجل معتقداته، وقد ينتقص أو يشتم أو يهزأ به فيدفعه كل ذلك إلي المغالاة بدافع رد الفعل، ولهذا رأينا القرآن الكريم في مثل هذه المواطن أخذ العوامل النفسية بعين الأعتبار إذ يقول تعالي: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) 108/ الأنعام. وهذه المسألة لها تطبيقاتها علي أبعاد التاريخ في كثير من الموارد، ومن هنا ذهب دونالدسن: إلي أنّ القول

بالعصمة هو رد فعل من الخلفاء الغاصبين وهو [ صفحه 164] واهم بذلك [218] . وقد كان لردة الفعل دور كبير في تاريخ المسلمين وعقائدهم يجب أن يؤخذ بعين الإِعتبار عند معالجة كثير من المواقف وتقييم النصوص في مختلف الميادين. ج _ المنشأ الثالث: هو الغلو الذي ينشأ من الطيبة والبراءة وحسن الظن بالآخرين فيركن إلي مرويّاتهم من دون تمحيص خصوصاً من الذين اندسوا في الإِسلام لسبب وآخر وأردوا تغطية حقيقتهم فتحمسوا تحمساً مشبوهاً لأشخاص أو أفكار، وهذا المنشأ: الحديث فيه طويل فإنّ كثيراً من المندسين لبعوا دوراً بارزاً في تسجيل نظريات ومواقف تنزع إلي الغلو حتي أفسدوا علي كثير من المسلمين عقائدهم لمختلف الأهداف التي كانت تدفعهم وقد كان لكل مذهب من المذاهب حصة من هؤلاء تكثر أو تقل تبعاً لظروف المذهب نفسه وربما يمر علينا هذا المعني مفصلاً فيما يأتي. د _ المنشأ الرابع عدم الدقة: فقد يبتلي بعضهم بشبهات نتيجة فهم خاطئ، أو تعميم غير مبرر علمياً كان يري رأياً لشخص من طائفة فيعمم رأيه علي الطائفة كلها، وقد تذهب جماعة إلي رأي ثم تبيد ويبقي الرأي فيأتي من يحمل الرأي للآخرين، قد يكون استنتاجاً لرأي من لازم من لوازم القول لم يتفطن له صاحب القول نفسه، وقد يكون نتيجة خطأ في تطبق ضابط من الضوابط الكلية علي بعض الجزيئات وهكذا، ولذا لابد من التروي والحذر الشديد عند الكتابة عن فئة أو طائفة، ولا بد من أخذ رأيها من مصادرها المتسالم عليها، فإذا كان بعض الشيعة في يوم من الأيام غالي بالإِمام عليٍّ لقلعه باب خيبر فليس كل الشيعة كذلك وإذا كان شخص قال لعليٍّ وهو يخطب أنت أنت فليس كل الشيعة

كذلك. [ صفحه 165]

موقفنا من الغلو والغلاة

وبعد شرح مناشئ الغلو أو أهمها نقول: إنّ الشيعة تبعاً لمواقف أئمتهم وقفوا موقفاً حازماً من الغلوا والغلاة فسلطوا عليهم الأضواء وتبرأوا منهم وكافحوهم وشهروا بهم، وهم بذلك لا يتعدون موقف أمير المؤمنين عليه السلام حينما يقول: «هلك فيَّ اثنان محب غالٍ وعدو قال» وموقف الإِمام الصادق عليه السلام حينما يقول: «ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، والله مالنا علي الله من حجة ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون وموقوفون، ومسؤولون، من أحبَّ الغلاة فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، الغلاة كفار والمفوضة مشركون، لعن الله الغلاة ألا كانوا نصاري ألا كانوا قدرية ألا كانوا مرجئة ألا كانوا حرورية» [219] . والإِمامية لا يورثون الغلاة وإليك نص عبارتهم في ذلك: يرث المحق من المسلمين من مبطلهم ومبطلهم من محقهم ومبطلهم، الا الغلاة يرث منهم المسلمون وهم لا يرثون المسلمين كما أنّ الإِمامية لا يغسلون موتي الغلاة ولا يدفنونهم ويحرمون تزويجهم وإعطائهم الزكاة، وتجد هذه الأحكام موزعة في كتب فقه الإِمامية في أبواب الطهارة والزكاة والإِرث، إنّ الإِمامية لا يعتبرون الغلاة مسلمين: يقول الشهيدان الأول والثاني في اللمعة وشرحها في باب الوقف! عنه تعريف المسلمين: والمسلمون من صلّي إلي القبلة أي اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصلِّ لا مستحلاً، الا الخوارج والغلاة فلا يدخلون في مفهوم المسلمين وإن صلوا إليها للحكم بكفرهم [220] وألحقا بهم المشبهة والمجسمة في الحكم، بل إنّ [ صفحه 166] الإِمام الصادق عليه السلام يعتبر الجلوس إلي الغالي وتصديقه بحديثه مخرجاً من الإِيمان كما روي ذلك المفضل بن يزيد قال: قال لي أبو عبدالله الصادق وقد ذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة: «لا تقاعدوهم ولا تؤاكلوهم

ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا تورثوهم» وقال الصادق لمرازم أحد أصحابه: «قل للغالية توبوا إلي الله فإنّكم فساق مشركون» [221] .

آراء بعض الباحثين

وانطلاقاً من ذلك يقول الشيخ المفيد: الغلاة من المتظاهرين بالإِسلام وهم الذين نسبوا أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب وذريته إلي الاُلوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلي ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد فهم ضلاّل كفار [222] . ولا أحتاج إلي حشد النصوص والأدلة علي براءة الشيعة من الغلاة وأي موقف أشد صراحة من هذه المواقف التي ذكرتها. ولا يسع مؤمناً يؤمن بالله ورسوله ويصدر عن تعاليم الإِسلام في سلوكه ثم ينزع إلي الغلو في عقيدة أو بشر إلا من ضرب الله علي بصيرته. ولأجل وضوح موقف الشيعة من الغلاة انطلقت الأصوات الموضوعية تشهد ببراءتهم من ذلك، ومن هذه الأصوات: مؤلفوا دائرة المعارف الإِسلامية فقد جاء في دائرة المعارف: الزيدية والإِمامية الذين يؤلفون المذهب الوسط يحاربون الشيعة الحلوليين حرباً شعواء _ الحلولي لا نعتبره من الشيعة كما مر _ ويعتبرونهم غلاة يسيئون إلي المذهب بل يعتبرونهم مارقين عن الإِسلام [223] . ويقول الدكتور أحمد محمود في نظرية الإِمامة عند ذكره للبابية والبهائية: [ صفحه 167] وفي البابية آراء غالية جعلت منها مذهباً منشقاً تماماً عن الإِسلام، واتفق علماء الأزهر في مصر وعلماء الشيعة في العراق وإيران علي تكفير البابية والبهائية واُغلق المحفل البهائي في مصر [224] وقد استعرض الدكتور أحمد أمين حركة الغلاة فقال: إنّ أفراداً بسطاء هم الغلاة الذين يؤلهون علياً وإنّ الشيعة تبرأ منهم ولا يجوز عندهم الصلاة عليهم [225] هذه أمثلة بسيطة في موضوع الغلو والغلاة أضعها أمام الذين دأبوا علي رمي الشيعة بالغلو ولست أنفي

أن يكون بعض من شمله اسم الشيعة بمعني انتمائه إلي الفئة التي تفضل علياً أو قل للتشيع بمعناه اللغوي قد نسبت له آراء وأقوال تفيد الغلو وقد بادوا وبادت معهم آراؤهم ولا يوجد اليوم منهم أحد إلا في بطون الكتب ومن ذلك ماذكره البغدادي في الفَرْق بين الفِرَق حيث قال: الإِمامية من الرافضة هم خمس عشرة فرقة هي: الكاملية، والمحمدية، والباقرية، والناووسية، والشمطية، والعمارية، والإِسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والإِثنا عشرية، والهشامية، والزرارية، واليونسية، والشيطانية، [226] وتعقيباً علي قول البغدادي نذكر أن الإِمامية هم الإثنا عشرية وهم جمهور الشيعة اليوم ولا يوجد من الشيعة غيرهم وغير الزيدية والإسماعيلية في هذه الآونة، ثم إنّ الإِثني عشرية الذين هم مدار بحثنا يمتازون عن غيرهم بعقائدهم ولا يصح أن تنسب إليهم آراء غيرهم لأنّه يجمعه معهم الإِسم وشيء آخر هو أنّ من ذكرهم البغدادي قد يمثلون لكل فرقة ذكرها بضعة أفراد ليس إلا، وهذا اللون من الخبط والتساهل تعلمنا أن نري مثله كثيراً في كتاب الفرق لابن طاهر وغيره خذ مثلاً ما يقول ابن طاهر في كتابه الفَرق بين الفِرَق عن جابر بن يزيد الجعفي يقول: جابر بن يزيد الجعفي من المحمدية وهم أصحاب محمد بن عبدالله بن الحسن ينتظرون ظهوره وكان يقول برجعة الأموات إلي الدنيا قبل القيامة [227] . [ صفحه 168] ولم يكن جابر من أتباع محمد بن عبدالله بن الحسن، ولا كان يقول برجعة مطلق الأموات وإنما كان يقول برجعة بعض أهل البيت لروايات سمعها ليس إلا، وهكذا يكون التحقيق عند أمثال ابن طاهر من الكتّاب كأنّ مسألة العقائد أمر بهذه السهولة بحيث ينسب للناس ما لم يقولوه ويرجعهم إلي فئة ليسوا منها. وأعود لموضوع

الغلاة فأقول قد اتضح للقارئ موقف الشيعة من الغلاة ولكن مع ذلك تجد باحثاً كالزبيدي صاحب تاج العروس يعرف الإِمامية في كتابه التاج فيقول: الإِمامية هم فرقة من غلاة الشيعة [228] ، وتجد الدكتور محمود حلمي في كتابه تطور المجتمع الإِسلامي العربي يقول: وقد سموا بالشيعة لأنهم شايعوا علياً وقدّموه علي سائر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم واستشهد أهل الشيعة بنصوص من القرآن الكريم فسروها علي حسب نظريتهم وغالي بعض الشيعة في تبرير أحقية عليِّ بن أبي طالب وأضفي عليه بعض صفات التقديس والاُلوهية [229] إنّك لتستغرب لهجة هؤلاء الكتّاب خصوصاً بعض كتاب مصر فإنّهم يصوّرون الشيعة كأنّهم اُناس لا إيمان لهم ولا دين يتلاعبون بالنصوص من دون رقيب من الله تعالي ولا ضوابط من علم وخلق، وإنّهم والله أولي بذلك، وإلا فما الدليل علي ماذكره محمود حلمي وهذه كتب الإِمامية بين يديه فليدلنا علي مكان تنسب فيه الشيعة الحلول والاُلوهية إلي عليٍّ وسوف لا يجد ذلك قطعاً إنّهم يصدرون فيما يقولون عن عدم شعور بالمسؤولية: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا) الكهف/5 والأنكي من ذلك أن تجد من تأثر بهؤلاء الكتّاب من قريب أو بعيد وهو من الشيعة وتراه يكتب بنفس الأسلوب ورحم الله من يقول: وظلم ذوي القربي أشد مضاضة++ علي المرءِ من وقع الحسام المهنّد يقول الدكتور كامل مصطفي في كتابه: وبذلك يتبين أن الغلاة وإن كانوا مغضوباً عليهم من الشيعة المعتدلين وأئمتهم: قد أسسوا العقائد الأصلية للتشيع [ صفحه 169] في بداء، ورجعة، وعصمة وعلم لَدُنّي بحيث صارت مبادئ رسمية للتشيع فيما بعد ولكن علي صورة ملطفة إنتهي، وظهرلي أنّ الدكتور كامل أخذ ذلك من

تصريح ابن نوف وهو أحد أصحاب المختار وهو قد أخذها من المختار [230] واُعيد إلي الذاكرة أنّ العقائد قد أخذها الشيعة من القرآن والسنة كما برهنا عليه فيما مر، ثم لو قدر أنّ ابن نوف هذا او المختار قد قالا قولاً خاصاً بهما فما ذنب الشيعة ومن هو ابن نوف حتي يمثل الشيعة؟! وإذا كان الدكتور كامل يعترف بأنّ الغلاة مغضوب عليهم من الشيعة وأئمتهم فكيف تأخذ الشيعة منهم وهي إنما غضبت عليهم لغلوّهم إذا كانت هذه العقائد من الغلوّ وهو ليس منه في شيء، أليس هذا هو التناقض بعينه؟ وإذا كنا نعذر حلمي وأمثاله لأنّهم لم يأخذونا من مصادرنا فما عذر مثل كامل الشيبي وهو من الشيعة ويعيش بين مصادرهم. وليس هذا بالإِستنتاج الوحيد من الدكتور كامل الذي لا نقره عليه بل له استنتاجات كثيرة من هذا النوع ومنها: أنّه عندما استعرض مصادر القول بالرجعة عنه الشيعة ذكر أنّ من مصادرها كلمات للإِمام عليٍّ عليه السلام وردت في نهج البلاغة عندما أظفر الله تعالي بأصحاب الجمل وقال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا ليري ما نصرك الله به علي أعدائك فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أَهوي أخيك معنا؟ قال: نعم، قال: فقد شهدنا، ولعل الإِمام يشير إلي الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) 169/آل عمران. ولكنّ الخبر يتوجه إلي الرجعة بكل ما فيها من عبرة وعمق بل إنّ بقية الخبر تنفذ إلي أغوار بعيدة من فلسفة الرجعة وحكمتها فإنّ الإِمام يقول: ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمن ويقوي بهم الإِيمان، ومن ذلك يبدو أنّ

علياً لا يكتفي بتقرير عودة الماضين في الجهاد ليقطفوا ثمرة جهادهم بل يقرر أنّ المجاهدين الآتين يحضرون هذا النصر، ليزيد ذلك من أيدهم ويربط علي قلوبهم وتلك اُمور فيها من [ صفحه 170] الأفلاطونية القديمة والحديثة مدخل كبير انتهي كلامه [231] . وأنا أضع هذا النص بين يدي القارئ ليري ما هو مقدار الصواب من هذه الإِستنتاجات التي أوردها الدكتور والآثار التي رتبها عليها والإِكتشافات الأفلاطونية التي ذكرها، واُعقب علي ذلك بما يلي: أولاً: إذا كان هذا النص وارداً في الرجعة فمعني هذا أنّ الإِمام علياً عليه السلام هو الذي وضع عقيدة الرجعة وليس الغلاة كما يقول الدكتور كامل. ثانياً: إنّ هذا النص ولكل بساطة أجنبي بساطة أجنبي كما ذكره الدكتور ولا صلة له بالمرة بالمعاني التي ذكرها وكل ما في الأمر أنّ هذا النص يفيد معني الرواية «من أحبَّ عمل قوم حشر معهم وشاركهم في عملهم» ولذلك سأل الإِمام عليّ عليه السلام الرجل عن هوي أخيه هل هو مع أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه فلما أجابة بنعم قال: «لقد شهدنا» أي شاركنا بمشاعره ثم قال له الإِمام: إنّ جميع من سيرعف بهم الزمان وهم علي رأينا سيشاركوننا بعد ذلك بحصول الثواب والفرح بالنصر، وكم لهذا الموضوع من نظائر، ومن ذلك ما رواه مؤرخوا واقعة الطف حيث قالوا: إنّ جابر بن عبدالله زار الحسين عليه السلام بعد قتله فقال في زيارة: «أشهد أنّا شاركناكم فيما أنتم فيه» فقال له رفيقه الأعمش: إن القوم قطعت رؤوسهم وجاهدوا حتي قتلوا فكيف شاركناهم نحن فيما هم فيه؟ فقال له جابر: إنّ نيتي ونية أصحابي علي ما مضي عليه الحسين وأصحاب الحسين ذكر ذلك أصحاب المزارات كافة، هذا هو

معني كلام الإِمام عليّ عليه السلام لا كما ذهب إليه الدكتور.

اين موضع الغلو

أعود بعد ذلك لأضع بين يدي الأستاذ فرغل بضع روايات من مئات من نوعها تدله علي موضع الغلو ليعلم أنّ الغلو عند غير الشيعة، وعلي أسوأ [ صفحه 171] الفروض فإنّ عند السنة أضعاف ما عند الشيعة، وسأبدأ معه من الخلافة وأتسلسل معه. 1 _ الشاهد الأول: ذكر الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه عمدة التحقيق في بشائر آل الصديق قال روي أنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم قال يوماً لعائشة: إنّ الله لما خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة مرة وأربعين مرة _ مع ملاحضة أنّ حجم الشمس كما يقول الفلكيون مليون وثلثمائة ألف مرة تقريباً _ وجعلها علي عجلة وخلق للعجلة ثمانمائة عروة وستين عروة وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الأحمر، وأمر ستين ألفاً من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم التي اختصهم الله بها، والشمس مثل الفلك علي تلك العجلة وهي تجول في القبة الخضراء وتجلو جمالها علي أهل الغبراء وفي كل يوم تقف علي خط الإِستواء فوق الكعبة لأنّها مركز الأرض:_ ملاحظة: خط الإِستواء ليس فوق الكعبة _ وتقول يا ملائكة ربّي إنّي لأستحيي من الله عز وجل إذا وصلت إلي محاذاة الكعبة التي هي قبلة المسلمين أن أجوز عليها والملائكة تجر الشمس لتعبر علي الكعبة، بكل قوتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها فالله تعالي يوحي إلي الملائكة ومن الإِلهام فينادون: أيتها الشمس بحرمة الرجل الذي اسمه منقوش علي وجهك المنير الا رجعت إلي ما كنت في من السير، فإذا سمعت ذلك تحركت بقدر المالك فقالت عائشة: يا رسول الله

من الرجل الذي اسمه منقوش عليها؟ قال: هو أبو بكر الصديق يا عائشة قبل أن يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء ويخلق علي الهواء هذا السماء ويخلق بحراً من الماء ويخلق عليه عجلة مركباً للشمس المشرقة علي الدنيا وإنّ الشمس تتمرد علي الملائكة إذا وصلت الإِستواء وإنّ الله قدر أن يخلق في آخر الزمان نبياً مفضلاً علي الأنبياء وهو بعلك يا عائشة علي رغم الأعداء ونقش علي وجه الشمس إسم وزيره أعني أبا بكر صديق [ صفحه 172] المصطفي فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس وعادت إلي سيرها بقدرة المولي وكذلك إذا مر العاصي من اُمتي علي نار جهنم وأرادت النار أن تهجم علي المؤمن فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه علي لسامه ترجع النار إلي ورائها هاربة [232] . 2 _ الشاهد الثاني: ذكر محمد بن عبدالله الجرداني في مصباح الظلام قال: روي عن ابن عباس جاء جبرئيل وقال يا محمد اقرأ عمر السلام وأخبره أنّ رضاه عز، وغضبه حلم، وليبكِ الإِسلام بعد موتك علي موت عمر فقال: يا جبرئيل أخبرني عن فضائل عمر وما له عند الله تعالي؟ فقال: يا محمد لو جلست معك قدر ما لبث نوح لم أستطع أن اُخبرك بفضائل عمر وماله عند الله تعالي [233] . 3 _ الشاهد الثالث: ذكر الإِمام أحمد في مسنده بإسناده عن عائشة: أنّ أبا بكر استأذن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم وكان مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو علي تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلي الله

عليه وآله وسلّم وسوّي ثيابه فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلس فجلست وسويت ثيابك فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة [234] . هذا ثلاثة نماذج من عشرات من الروايات: التي يأباها الخلفاء أنفسهم فإنّ لهم من مواقفهم ومناقبهم ما يكفيهم إنّهم ليسوا بحاجة إلي أن تشاد لهم صروح من خيال أبله أّنّ تاريخنا الإِسلامي أعز علينا من أن نرضي بأن تكون [ صفحه 173] مادته من هذا التخريف، فإنّ لنا من محتويات تاريخنا الناصع ما هو محل اعتزاز الإِنسانية وإلحاقاً بهذا اُشفع لك هذا الروايات ببعض النماذج الاُخري التي خلقها التنافس بين المذاهب بدون أن يلتفت إلي أنّه بذلك يحط من قيمة المذاهب كلها. يقول ابن الجوزي في كتابه الياقوتة: إنّ أبا حنيفة كان في حياته يعلم الخضر ولما مات أسف الخضر وناجي ربه وقال إلهي إن كان لي عندك منزلة فأذن لأبي حنيفة حتي يعلمني من القبر علي حسب عادته حتي أتعلم شرع محمد علي الكمال فأحياه الله تعالي وتعلم منه العلم إلي خمسة وعشرين سنة الخ [235] فمن هو الذي يقول بالرجعة يا مسلمون؟ ويقول ابن الجوزية في كتاب المناقب عن عليِّ بن إسماعيل قال: رأيت القيامة قد قامت وجاء الناس إلي قنطرة ولا يترك أحد يجوز حتي يأتي بخاتم ورجل جالس ناحية يختم للناس ويعطيهم فقلت: من هذا؟ قالوا: أحمد بن حنبل [236] . وبوسعك أن تقرأ روايات في الإِمام مالك وفي الإِمام الشافعي وفي كثير من الفقهاء والأئمة مما نسج من الخيال ووضع في طريق القارئ يؤذي ذوقه ويخذش حسّه، وبعد

ذلك فماذا يسمّي مثل هذا هل هو غلو أم لا سؤال موجه للأستاذ فرغل؟. وساُقدم لفرغل نموذجاً واحداً فقط يقول صاحب تفسير روح البيان: عند تفسير قوله تعالي: (ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية) إنّ نصف الثمانية الذين ذكرتهم الآية هم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، ما يقول مولانا فرغل في ذلك؟؟!! [ صفحه 174]

من عقائدنا _ المهدي

اشاره

ما رأيت كتاباً كتب عن الشيعة إلا واتخذ من عقيدتهم بالمهدي وسيلة للسخرية والتهريج ووضع للفكرة حواشي ورتب عليها لوازم وأشرع سلاحه وتفيهق بكلامه وصال وجال كأنّه اكتشف كشفاً ضخماً وأنّه وحده العبقري وأنّ الآخرين بلهاء، ولنر من أين جاءت فكرة المهدي وهل أخذها الشيعة من مصدر ديني سليم أم لا؟ وهكذا نمشي مع الفكرة، إنّ الذين كتبوا عن المهدي ربطوا مصدر هذه الفكرة بأمرين أحدهما الفكر الوضعي والآخر العقيدة الدينية، والذين ربطوا العقيدة بالفكر الوضعي انقسموا أيضاً. وسنذكر أقوالهم حسب الشق الذي مالوا إليه ورجحوا أنّه المصدر لهذه الفكرة: 1 _ القسم الأول: الذين ربطوا الفكرة الإِمام المهدي بالفكرة الوضعي في بعده النفسي يرون أنّ عقيدة المهدوية ليست وقفاً علي الفكر الشيعي ولا علي المسلمين فقط بل ولا علي الديانات السماوية كلها إنما هي علي مستوي الشعوب ذلك أنّ العامل المشترك بين كل هذه الفئات هو عامل نفسي موحد: وهو الشعور بوضعية غير عادلة من حكم قائم بالفعل وخزين متراكم من حكام سابقين عاشوا مع شعوبهم علي شكل قاهر ومقهور، ومتسلط ومسحوق، ورزحوا تحت نير الظلم والطغيان. ولذا كانت هذه العقيدة عند الشعوب الشرقية ونظائرها ممن يشترك [ صفحه 175] مع الشعوب الشرقية بأنّه مسحوق، وحيث أنّ بعض هذه الشعوب عنده عقيدة دينية تبشر بالمهدي أيضاً:

فإنّ هذا العقيدة مهمتها تدعيم هذا العامل النفسي وخلق لون من المشروعية لهذه النزعة في نفوس الناس وهذا هو المعني الذي عبر عنه برتراند رسل بقوله: ليس السبب في تصديق كثير من المعتقدات الدينية الإِستناد إلي دليل قائم علي صحة واقع كما هو الحال في العلم، ولكنّه الشعور بالراحة المستمد من التصديق فإذا كان الإِيمان بقضية معينة يحقق رغباتي فأنا أتمني أن تكون هذه القضية صحيحة وبالتالي فأعتقد بصحتها [237] . إذاً فالقدر الجامع بناءً علي هذا هو الأمل بظهور مخلّص من واقع سيّئ تعيشه الجماعة، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمود: إنّ الإِعتقاد بظهور مسيح أو انتظار رجعة مخلص وليد العقل الجمعي في مجتمعات تفكر تفكيراً ثيوقراطياً في شؤونها السياسية، وبين شعوب قاست الظلم ورزحت تحت نير الطغيان، سواء من حكامهم أم من غزاة أجانب، فإزاء استبداد الحاكم وفي ظل التفكير الديني تتعلق الآمال بقيام مخلّص أو محرر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً [238] . فهذه العقيدة بالرغم من وجود مصادر دينية لها عند المسلمين واليهود والمسيحيين إلا أنّ هذه المصادر ليست هي العامل الأساسي في نظر هؤلاء بالإِعتقاد بها، وإنّما تعلب دوراً مبرراً ثانوياً، ويري الدكتور أحمد محمود أنّ عقيدة السنة بالصبر علي الظالم وعدم الخروج عليه عمقت نزعة المهدي وتركت الوسط الديني السني الذي الذي يعتقد بموضوع المهدي يعيش بين عامل الألم من الواقع الفاسد الذي عاشه أيام الأمويين وما تلاها من عصور، وبين ضرورة الخلاص، فمال إلي الخلاص في المدي الأبعد الذي وجده في عقيدة المهدي وقد حاول إشراك [ صفحه 176] الشيعة في ذلك باعتبارهم صابرين علي الظلم حيث قال: إنّ هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا

اولئك الذين يعانون صراعاً نفسياً نتيجة السخط علي تصرفات الحكام وعدم استحقاقهم لقب الخلافة لفسقهم، ونتيجة خضوعهم من ناحية ثانية للأمر الواقع أما خشية الفتنة كما هو عند السنة، الذين لا يرون الخروج علي أئمة الجور استناداً إلي أدلة عندهم، أو نتيجة للتخاذل بسبب فشل كثير من الحركات الثورية كما هو عند الشيعة الذين يرون الصبر علي الخلفاء تقية فعقيدة المهدي مخرج لهذا الصراع، أما الفرق التي تجعل من اُصول مبادئها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف كالخوارج والزيدية: فإنّ هذه العقيدة عندهم غير ذات موضوع، إلي أن قال: ولذا لا تبلغ أهمية المهدي عند فرقة من الفرق كما تبلغ عند الشيعة الإثني عشرية الذين يتطرف حكمهم علي الخلفاء من ناحية كما يتطرف تحريمهم الخروج علي الخلفاء من ناحية اُخري [239] هذا ملخص ما قاله الدكتور أحمد محمود ولنا علي مضامين هذا الفصل الملاحضات التالية: 1 _ الملاحظة الأولي: أنّ هذا الخلط بين السبب وبعض نتائجه ذلك لأنّ الشعوب المرتبطة بدين معيّن تُربط مظاهرها العقائدية بدينها في الجملة، فإذا لم يوجد مصدر ديني لذلك المظهر يبحث عندئذ عن سببه الآخر، ولا شك أنّ الأديان الثلاثة بشرت بفكرة المخلص وهو إما واحد للجميع يوحد به الله تعالي الأديان في الخلاص من الظلم، أو متعدد لكل اُمة من الاُمم مهديها، والهدف منه ومن التبشير به أن يوضع أمام كل اُمة مثل أعلي يجسد فكرة العدل ولتكون الشعوب علي تماس مباشر مع فكرة الخيّرة والمثل الأعلي كما هو متصور فالأصل في فكرة المهدي النصوص الدينية، وساعد علي ترسيخها في النفوس ارتياح النفوس إليها، خصوصاً إذا لم تقو علي تجسيد العدل لسبب ما. ولكنّها إذ تتخذ من فكرة المهدي

وسيلة تعويضية [ صفحه 177] تمسخ الغرض الأصلي من فكرة المهدي وهو أن تكون حافزاً يدفع الناس إلي السعي إلي دفع الظلم وفكرة قيام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خصوصاً إذا كانت النصوص الدينية قائمة في تحميل الإِنسان مسؤولية الدفاع عن نفسه وعن مقدساته بغض النظر عن قيام المهدي وعدمه كما هو واقع التعاليم الدينية، فلا ينبغي أن تتحول فكرة الإِمام المهدي من نصب مثل أعلي لاستشعار سبل ومناهج الحياة الكريمة إلي مخدر يميت في النفوس نزعات التطلع ووثبات الرجولة، أو من محفز إلي منوم. 2 _ الملاحظة الثانية: إنّ إشراك الشيعة مع السنة بأنّهم لا ينهضون ضد الظالم تقية مغالطة صريحة، وذلك لأنّ عامل صبر السنة علي الظلم عامل اختياري نتيجة تمسك بأحاديث يرون صحتها في حين أنّ صبر الشيعة علي الظلم نتيجة عامل قهري لعدم وجود قدرة ووسيلة للنهضة، وهذا عامل عام عند كل الناس، أما لو وجدت عوامل النهضة فلا ينتظر الشيعة خروج المهدي ليصلح لهم الأمر بدليل أنّ حكم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بشروطهما قائم عندهم فعلاً، وكذلك الجهاد بكل أقسامه بوجود نائب الإِمام الخاص أو العام في رأي بعضهم قائم بالفعل، أما دفاع الظالم عن النفس والمقدسات فلا يشترط فيه وجود إمام أو نائبه علي رأي جمهور فقهاء الشيعة لأنّه دفاع عن النفس ويتعين القيام به في كل وقت من الأوقات [240] . إنّ الرجوع إلي تاريخ الشيعة يشكل أدلة قائمة علي ما ذكرناه لكثرة ثوراتهم علي الباطل في مختلف العصور والجهاد مع باقي فرق المسلمين في ساحات الجهاد ضد الكفر والظلم ولست بحاجة للإِطالة بذلك لوضوحه. 3 _ الملاحظة الثالثة: لا ينهض اشتراك الشعوب في عقيدة المهدي دليلاً

علي وحدة العامل، لأننا [ صفحه 178] نري كثيراً من المظاهر السلوكية سواء كانت مظاهر دينية أم لا تشترك بها شعوب دون أن تصدر عن علة واحدة. خذ مثلاً ظاهرة تقديم القرابين فهي عند معتنقي الأديان السماوية شعيرة أمر بها الدين بهدف التوسعة علي الفقراء والمعوزين في حين نجدها عند بعض الشعوب بهدف اتقاء سخط الآلهة، وعند البعض الآخر لطرد الأرواح الشريرة وعند البعض الآخر تقدم الضحايا من البشر بهدف استدرار الخير كما هو عند قدماء المصريين، فلم تكن العلة واحدة عند الشعوب كما تري، إذاً فمن الممكن أن تكون فكرة الإِمام المهدي ليست عملية تعويض أو تنفيس وإنما هي فكرة تستهدف وضع نصب يظل شاخصاً دائماً يذكر الناس بأنّ الظالم قد يمهل ولكنّه لا يهمل لأنّ الناس إذا تقاعسوا عن طلب حقوقهم فإنّ السماء لا تسكت بل لا بد من الإِنتقام علي يد مخلص، مع ملاحضة أنّ الأصل في مثل هذه الحالات أن يتصدي الناس لتقويم الإِعوجاج ولذلك يقول الله تعالي: (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّي يغيّروا ما بأنفسهم) الرعد/12 فإذا غلب عليهم التخاذل فإنّ الله تعالي لا يهمل أمر عباده ولذلك تشير الآية الكريمة وهي قوله تعالي: (حتي إذا استيأس الرسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يوسف/110 وقد حام المفسرون حول هذا المعني الذي ذكرناه عند تفسيرها للآية المذكورة [241] وذكروا أنّ السماء تتدخل عندما يطول البلاء وتشتد الحالة ويهلع الناس إلي حد اليأس. 2 _ الشق الثاني: الذين ربطوا فكرة الإِمام المهدي عليه السلام بالأخذ التقليدي وقالوا إنّها عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون

هناك عامل شعوري مشترك وسواء اُخذت هذه العقيدة من هذا الشعب أو ذاك فإنّ جولد تسيهر، وفان فلوتن: المستشرقان قالا إنّها مقتبسة من اليهود بشكل وبآخر، ويؤكد فان فلوتن أنّها جاءت من تنبؤات كعب الأحبار ووهب بن منبه فهي من [ صفحه 179] الأفكار الإِسرائيلية التي نشرت بين المسلمين [242] في حين يذهب أحمد الكسروي إلي أنّها مقتبسة من الفرس حيث يقول: لا يخفي أنّ قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمي يزدن، وإله شرّ يسمي أهريمن، ويزعمون أنّهما لا يزالان يحكمان الأرض حتي يقوم ساوشيانت ابن زرادشت النبي، فيغلب أهريمن ويصير العالم مهداً للخير وقد تأصل عندهم هذا المعتقد فلما ظهر الإِسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالإِيرانيين سري ذلك المعتقد منهم إلي المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غربية ولسنا علي بينة من أمر كلمة المهدي من وضعها ومتي وضعت. إنتهي بتلخيص [243] إنّ هذا الرأي لا يستحق المناقشة في الواقع لأسباب كثيرة منها: افتراضه تساهل المسلمين بحيث يعتقدون باُمور لا يعرفون مصدرها ومنها عدم وجود صلة بين فكرة إلهي خير وشر وفكرة مخلّص، ومنها أنّ حجم مسألة المهدوية ليس بهذه البساطة فالفكرة من الفكر الكبيرة الحجم بالعقيدة الدينية. 3 _ الشق الثالث: ربط فكرة المهدي بالفكر الوضعي في بعده السياسي ويقول أصحاب هذه الفكرة أنّ فكرة المهدي اخترعها بعض الحكام الذين حكموا ولم تتوفر فيهم صفات يفترضها المسلمون في الحاكم، فافترضوا أنّ هناك إماماً غائباً محرّراً سيظهر بعد ذلك وقد عهد إليهم بالقيام بالحكم إلي أن يظهر وقالوا إنّ المختار الثقفي ممن سلك هذا الطريق وادعي أنّه منصوب من قبل المهدي من آل محمد، وممن أكد هذا الرأي المستشرق وات [244] وهذا الرأي يضع

الأثر مكان المؤثر فإنّ الذين اتخذوا من فكرة المهدي سناداً لهم علي فرض وجودهم بهذه الكثرة: لابد أن تكون فكرة المهدي شائعة عند الناس قبل مجيئهم فاستفادوا منها وركبوا ظهر العقيدة، علي أنّ نسبة هذا الرأي للمختار باعتباره جزءاً من العقيدة الكيسانية [ صفحه 180] فنّده كثير من المحققين، وحتي مع فرض صحته يبقي متأخراً عن وجود عقيدة المهدي كما ذكرنا. وليس للمختار تلك المكانة الكبيرة عند فرق المسلمين حتي يأخذوا عنه ويتأثروا بآرائه مع التفات المسلمين لهدفه.

عقيدة المسلمين بالمهدي

إنّ فكرة الإِمام المهدي في نطاق العقيدة الدينية بغض النظر عن تفاصيلها موضع اتفاق جمهور المسلمين فإنّ روايات المهدي وانتظار الفرج علي يديه وظهوره ليملأ الأرض عدلاً وردت عند كل من الشيعة والسنة، وممن رواها من أئمة السنة: الإِمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وأبو داوود في سننه، وابن ماجة في سننه، الحاكم في مستدركه، والكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان وابن حجر العسقلاني في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ويوسف بن يحيي الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الإِمام المنتظر، وأحمد بن عبدالله أبو نعيم صاحب الحلية في نعت المهدي، ومحمد بن ابراهيم الحموي في مشكاة المصابيح، والسمهودي في جواهر العقدين وعشرات من أعلام السنة وغيرهم [245] لا اُريد الإِطالة بذكرهم. وقد أخرج أئمة السنة أحاديث المهدي عن طريق الإِمام عليٍّ عليه السلام وابن عباس، وعبدالله بن عمر، وطلحة، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، واُم سلمة، وغيرهم. ومن تلك الأحاديث ما رواه ابن عمر بسنده عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت

جوراً، ذلك هو المهدي، وكقول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: المهدي من عترتي من ولد فاطمة، وقد صحح هذه الأحاديث وغيرها مما ورد في الإِمام المهدي: ابن تيمية [ صفحه 181] مستنداً إلي مسند الإِمام أحمد بن حنبل وصحيح الترمذي، وسنن أبي داوود [246] . وقد ذهب ابن حجر تبعاً للنصوص إلي تكفير منكر المهدي فقد أجاب في الفتاوي الحديثية حين سئل عمن ينكرون خروج المهدي المنتظر فقال: فهؤلاء المنكرون للمهدي الموعود به آخر الزمان وقد ورد في حديث عن أبي بكر الأسكافي أنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم قال: من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر، إلي أن قال: ونملي عليك من الأحاديث المصرحة بتكذيب هؤلاء وتضليلهم وتفسيقهم مافيه مقنع وكفاية لمن تدبره: أخرج أبو نعيم أنّه صلي الله عليه وآله وسلّم قال: يخرج المهدي وعلي رأسه عمامة ومعه مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه، ثم أخذ يورد الأحاديث الواردة في المهدي [247] هذا بعض المأثورات السنية في الإِمام المهدي، أما الشيعة فرواياتهم في موضوع الإِمام المهدي بكل جوانبه كثيرة واردة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته، وقد ألفوا في ذلك كتباً كثيرة استوفت وغطت كل التساؤلات حول موضوع الإِمام المهدي: مثل كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني، وكمال الدين وتمام النعمة لمحمد عليِّ بن بابويه القمي، وكتاب الغيبة لمحمد ابن الحسن الطوسي [248] وغيرهم كثير وقد تناولها فكتب بالمهدي كل من الصدوق في علل الشرائع، والمرتضي في تنزيه الأنبياء والمجلسي في البحار والمفيد في الفصول، وفي الإرشاد ومن المتأخرين كتب عشرات المؤلفين بالمهدي وأشبعوا الموضوع. وقد استعرضوا الأدلة في موضوع المهدي وأذكر من أدلتهم دليلين

فقط: 1 _ فمن الأدلة العقلية التي أوردها دليل اللطف ومفاد هذا الدليل: أنّ العقل يحكم بوجوب اللطف علي الله تعالي وهو فعل ما يقرب إلي الطاعة ويبعد عن المعصية ويوجب إزاحة العلة وقطع العذر بما لا يصل حد الإِلجاء لئلا يكون للناس علي الله حجة فكما أنّ العقل حاكم بوجوب إرسال الرسل وبعثة [ صفحه 182] الأنبياء ليبينوا للناس ما أراد الله منهم وللحكم بينهم بالعدل: كذلك يحب نصب الإِمام ليقوم مقامهم تحقيقاً لنفس العلة، فإنّ الله لا يخلي الأرض من حجة، وليس زمان بأولي من زمان في ذلك، إلي آخر ما أوردوه. 2 _ أما من الأدلة النقلية فذكروا ما يلي: قال الله تعالي (وعد الله الذين آمنو منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم) فقد فسرت هذه الآية كما عن الإِمام الصادق عليه السلام بخروج المهدي وتحقيق هذه الأشياء علي يديه [249] وقد قيل إنّ لسان هذه الآية عام يشير إلي تحقيق هذه الأمور علي أيدي المسلمين فأجابوا أنّ القرائن تفيد أنّ هذه الاُمور لم تتحقق علي النحو الذي ذكرته هذه الآية من مجيء الإِسلام حتي يومنا هذا، ووعدالله لا بد تحقيقه، وتلك قرينة علي تحققه في الستقبل، يضاف لذلك أنّ من أساليب القرآن الكريم أن يعبر عن الخاص بصيغة العام وعن المفرد بالجمع في كثير من الموارد، ولذلك قال الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا بخافون لومة لائم) الخ المائدة: /57. قال: إنّها نزلت في أبي بكر بقرينه

أنّه هو الذي قاتل المرتدين مع أنّ لسان الآية عام [250] ، ومن الأحاديث التي استدل بها الشيعة في موضوع المهدي ما رواه الطوسي في الغيبة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: لا تذهب الدنيا حتي يلي اُمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي [251] ، هذه فكرة موجزة أردت بها الإِشارة إلي إجماع المسلمين علي موضوع المهدي. وحينئذ لا يبقي قيمة لأقوال المهرجين الذين يريدون إبعاد الفكر عن الإِسلام غير عابئين بما ورد فيها من آثار ونصوص، وإذا كان البعض قد استغل الفكرة عبر التاريخ فما ذلك بموجب لنكرانها ورمي من يعتقد بها [ صفحه 183] بالتخريف، وما أسهل نفي فكرة إذا كانت لا تلتقي مع مصلحة شخص أو كان يجهلها. علي أنّني لا اُصحح جميع ما أحاط بها من ذيول بل لا بد من الإِقتصار علي ما تثبت صحته بالطرق المعتبرة ويجدر بالبعض أن يبتعد عن التهريج الذي يصل إلي القول: ما آن للسّرداب أن يلد الذي++ صيّرتموه بزعمكم إنسانا فعلي عقولكم العفاء لأنّكم++ ثلّثتموا العنقاء والغيلانا إنّ هؤلاء تسرعوا فقالوا بما لا يعرفون واننا نقول لأمثال هؤلاء سلاماً كما أمر القرآن الكريم.

المردود الإيجابي في عقيدة المهدي

بقي أن يعرف ما هي حصيلة عقيدتنا بوجود المهدي فإنّ تقييم مثل هذه الاُمور يصحح كثيراً من التصورات الخاطئة من أمثال هذه العقائد خصوصاً إذا عرفنا أنّ العقائد فواعل بالنفوس. 1 _ المردود الأول: فأول المردودات الإِيجابية بهذه العقيدة حصول الإِمثال لأمر الله تعالي بهذه العقيدة ككل العقائد، فإنّ المفروض أنّ النصوص تحتم الإِيمان بها كما ذكرنا آراء العلماء بذلك. 2 _ المردود الثاني: الشعور بقيام الحجة علي العباد لله تعالي بوجود الإِمام إذ لو حصلت الكفاية

بغيره لما حصل الخلاف بي المسلمين، فإن قيل إنّ الخلاف حاصل بالفعل قيل: إنّ ذلك ناتج من عدم الإِلتزام بإمامته، بالإِضافة إلي الشعور بالتسديد في آراء العلماء بوجود الإِمام بين أظهرهم وإن لم يعرفوه. [ صفحه 184] 3 _ المردود الثالث: في وجود المهدي لطف يقرب العباد إلي الله تعالي لشعورهم بأنّ الله تعالي يهيّئ لإِقامة العدل ورفع الظلم، فإن قيل إنّ رفع الظلم يجب أن يحدث بالأسباب الطبيعية من قبل الناس: قيل إنّ ذلك صحيح ولكن إذا تهاونوا بذلك فلا بد أن يدافع الله تعالي عن الذين آمنوا، فإن قيل إنّ ذلك يحصل بالآخرة، قيل إنّ مثل ذلك كمثل إقامة الحدود في الدنيا مع أنّ المجرم لا يترك بالآخرة. هذه بعض الفوائد في موضوع الإِمام المهدي وليست هي علة تامة بل حكمة ونحن نتعبد بما ورد في النصوص، وهناك فوائد اُخري ذكرتها المطولات وغطت أبعاد المسألة يمكن الرجوع إليها.

المردود السلبي في عقيدة المهدي

1 _ المردود الأول: إنّ أول المردودات السلبية أنّ هذه الفكرة تشل الإِنسان وتمنعه عن القيام بواجباته وتخدر الإِنسان وتتركه خائفاً ذليلاً بانتظار ظهور الإِمام ليأخذ له بحقه، وقد صوّر بعضهم شدة لهفة الشيعة لانتظار ظهور الإِمام بأنّ قسماً من الشيعة لا يصلّون مخافة أن يخرج الإِمام وهم مشغولون بالصلاة فلا يستطيعون اللحاق به [252] وهذ التصور مردود جملة وتفصيلاً فلا أحتاج إلي إكثار القول فيه بل اُلفت النظر إلي كتب فقه الإِمامية فإنّ الجهاد والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ووجوب الدفاع عن النفس قائم بالفعل ولا يرتبط بالمهدي من قريب أو بعيد ومن ادعي خلاف ذلك فليدلنا علي المصدر، وأما الدعاوي الفارغة والقول البذيء فمردود علي القائل وهو به أولي، ومن قفا مؤمناً

بما ليس فيه حسبه الله تعالي في ردغة الخبال، كما يقول الحديث النبوي الشريف [253] . [ صفحه 185] 2 _ المردود الثاني: أنّ اللإِيمان بفكرة المهدي يؤدي إلي الإِزدراء بالعقل لما في ذلك من مفارقات مثل طول العمر غير المعتاد، وغيبته عن الأبصار، وعدم وجود فائدة في إمام كهذا وغير ذلك. والجواب علي ذلك بالإِختصار: أنّ الشيعة لا يجعلون بقاءه هذه المدة أمراً طبيعياً وإنما هو معجزة لأنّهم يقولون لما ثبت بالأدلة وجوده وغيبته والوعد بظهوره فلا بد والحالة هذه من الإِيمان بذلك بالإِضافة لعدم خلو الزمان من إمام مفترض الطاعة، وبناءاً علي أنّ وجوده معجزة ينقل حينئذ الكلام إلي المعجزات ككل فأما أن تصدق أو تكذب وإذا كذبناها كذبنا الثابت في الإِسلام أما أنّه لا يري فليس بمعلوم بل يجوز أن يري ولا يعرف ويستفاد بآرائه لأنّه يشترك مع الناس بالآراء ويلقي بالرأي الصحيح، يبقي الكلام علي عدم تعليل اختفائه، وما أكثر العقائد والأحكام التي لا نجد لها علة ونقول بمضمونها مثل رمي الجمرات في الحج، والهرولة، ومعاقلة المرأة الرجل إلي ثلث الدية وأعداد ركعات الصلاة وهكذا. فإنّها كلها أحكام غير معللة بل معظم الأحكام هكذا، وكذلك كثير من العقائد. 3 _ المردود الثالث: الإزدواجية التي تحصل من وجود إمام تجب طاعته ولا يحكم وآخر يحكم ولا تجب طاعته، والجواب أنّ فقهاء الإِمامية بالجملة في حال غيبة الإِمام يقرون حكومة الحاكم العادل الذي يرعي مصالح المسلمين ويحمي ثغورهم ويجاهد عدوّهم ويرتبون المشروعية علي تصرفاته بالجملة. أما بعد فهذه إلمامة موجزة بفكرة الإِمام المهدي أردت أن اُذكّر من يكتبون عنها فيصوّرون الشيعة كأنّهم اقتبسوا أحكامهم من كسري وقيصر مع وفرة ما أوردناه من أحاديث

حول فكرة المهدي فهل يسع مسلماً يؤمن بالله نكرانها أورميها بعيداً عن الإِسلام، اللهم إلا أن يقال إنّ أحاديث اللمهدي دسها الشيعة في كتب السنة كما يقل ذلك موارد اُخر فإنّ بعضهم إذا لزمته الحجة بحديث قال ذلك، [ صفحه 186] وعليه يجب أن نرمي كل كتب التراث بالبحر إذا كانت قابلة لهذا التصوّر ولا يبقي بها ثقة إرضاء لسواد عيون بعض من لا يروق له الإِذعان للحق ويطربه أن يتأصل الخلافة بين المسلمين إنّنا مدعوون الي حمل شعار القرآن: (إنّ هذه اُمتكم اُمةً واحدة وأنا ربّكم فاعبدون) الأنبياء/92 وما أروع إيماءة القرآن بالأمر للامة بعبادة الله عقب ذكر وحدة الاُمة ففي الآية إشارة إلي أنّ كثيراً من الناس يعز عليهم وحدة الاُمة لأنّ مصلحتهم المادية في فرقتها ولأنّ أصناماً من العصبية في رؤوسهم يعبدونها وقد أمرهم الله تعالي بنبذها وعبادته وحده لأنّه وحّد الأمة وصهرها بكلمة التوحيد.

التقية و أحكامها

ومما اُلصق بالشيعة وأصبح لا يتخلف عنهم عندما يخطرون في الذهن وكأنّه عضو منهم خاصة دون باقي المسلمين: التقية، والذي ساعد علي ذلك أنّ التشيع انفرد علي مدي تاريخه بالتعرض إلي ضغط يفوق الوصف لأنّه يشكل جبهة المعارضة في وقت لا معني للمعارضة إلا العداء وليس كما تعطيه لفظة المعارضة من مدلول في الوقت الحاضر، وكان اعتيادياً أن يتعرضوا إلي مطاردة وتنكيل، وكان لا بد من المحافظة علي أنفسهم من الإِبادة التامة فلجئوا إلي التقية باعتبارها وسيلة يقرها الدِّين للإِحتماء بها عند الضرورة ورووا لها سندها من الكتاب والسنة وكان من الأولي أن يمدحوا علي ذلك لأنّهم استعملوا ما أمر به الشارع لحفظ النفس عند الخطر، ولئلا يعرضوا إلي أحد أمرين اما الإِبادة، أو الإِنهيار، والإِرتماء

في أحضان الظالمين كما فعل غيرهم ممن آوي إلي فراش الحكم والحكام يرتع في موائدهم ويعيش في حمايتهم ويتكلف الأدلة لتصبح آراؤهم منسجمة مع الشرع، كما قال ابن خلكان في ترجمة أبي يوسف القاضي: قال: إنّ زبيدة زوجة الرشيد كتبت إلي أبي يوسف القاضي ما تري في كذا، وأحب الأشياء إلي أن يكون الحق فيه كذا فأفتاها بما أحبت فبعثت إليه بحُقٍّ فضّة فيه حقاق فضة [ صفحه 187] مطبقات في كل واحد لون من الطيب وفي جام دراهم وسطها جام فيه دنانير، والخ [254] . وقد كان للشيعة مندوحة عن كل ما عانوه من الجور والظلم بشيءٍ من مجاراة الحكام ولكنّهم أبوا ذلك وتصلبوا من أجل مبادئهم إلا في حالات شاذة. علي أنّ هناك ظاهرة اُلفت النظر إليها: وهي أنّ الشيعة منذ تعرضوا للضغط عاشت عندهم التقية علي مستوي الفتاوي ولم تعش علي المستوي العملي بل كانوا عملياً من أكثر الناس تضحية وبوسع كل باحث أن يرجع إلي مواقف الشيعة مع معاوية وغيره من حكام الاُمويين وحكام العباسيين كحجر بن عدي وميثم التمّار ورشيد الهجري وكميل بن زياد ومئات غيرهم وكمواقف العلويين علي امتداد التاريخ وثوراتهم المتتالية. وبعد هذا فإنّ القول بالتقية لم ينفرد به الشيعة بل هم في ذلك كسائر المسلمين وذلك واضح من آراء المسلمين عند شرحهم للآيات الكريمة والأحاديث الواردة في هذا الخصوص. فمن الآيات الكريمة التي وردت في هذا الموضوع قوله تعالي: (لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تقاة وحيذركم الله نفسه وإلي الله المصير) آل عمران/28 وقوله تعالي: (الا من اُكره وقلبه مطمئنّ بالإِيمان) النحل/106.

أما الأحاديث فمنها ما ذكره البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم انا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم [255] . وكقوله: رفع عن اُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه [256] ذكر ذلك ابن عربي عند تفسيره للآية 106 من سورة النحل، وكقول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: [ صفحه 188] لمحمد بن مسلمة ومن معه لما أرسلهم لقتل كعب بن الأشرف فقالوا: يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك؟ فأذن لهم [257] وقد انقسم المسلمون في مفاد هذه النصوص ودلالتها علي التقية إلي أقسام قال بعضهم بجوازها بالقول دون الفعل، وعممها بعضهم إلي الفعل، واختلفوا في وجوبها مطلقاً، أو جوازها مطلقاً أو التفصيل فتجب في بعض الموارد وتجوز في اُخري وسأذكر لك في الفصل القادم آراء بعض فقهاء المسلمين لأخذ صورة عن الموضوع وذك بعد مدخل بسيط لصلب الموضوع:

تعريف التقية

عرّف المفسرون التقية بأنّها: «إخفاء المعتقد خوفاً من ضرر هالك، ومعاشرة ظاهرة مع العدوّ المخالف والقلب مطمئنّ بالعداوة والبغضاء، وانتظار زوال المانع من شق العصا» [258] وعرّفها الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات بأنّها: «كتمان الحق وستر الإِعتقاد به ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدنيا والدين» [259] والمؤدي واحد في كل من التعريفين. وبعد تعريف التقية أعود إلي آراء فقهاء المذاهب الإِسلامية في أحكام التقية المختلفة.

اقوال فرق المسلمين فيها

1 _ المعتزلة: أجاز المعتزلة التقية عند الخطر المهلك وعند الخوف تلف النفس وفي ذلك يقول أبو الهذيل العلاف: إنّ المكره إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما اُكره عليه فله أن يكذب ويكون وزر الكذب موضوعاً عنه [260] . [ صفحه 189] 2 _ الخوارج: إنقسم الخوارج حول التقية إلي ثلاثة أقسام: فقسم وهم الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق منعوا التقية ونددوا بمن يعمل بها بشدة وكفروا القاهدين عن الثورة بوجه الظلم والظالمين، وفي ذلك يقول نافع بن الأزرق: التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر واضح لقوله تعالي: (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله) الخ النساء/77. ولقوله تعالي: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) المائدة/55. والقسم الثاني وهم النجدات أتباع نجدة بن عويمر فقد أجازوا التقية في القول والعمل ولو أدي ذلك إلي قتل النفس التي حرّم الله. والقسم الثالث وهم الصفرية أتباع زياد بن الأصفر فكانوا وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء فأجازوها في القول دون الفعل، كما نص علي ذلك عنهم الشهرستاني [261] وأدلتهم قابلة للمناقشة ولست بصدد ذلك. 3 _ أهل السنة: التقية عند السنة بالإِجماع جائزة في القول دون العمل، ويذهب بعضهم إلي الوجوب فيقول بوجوبها في بعض الحالات

ومنهم الغزالي حيث يقول في ذلك: إنّ عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان القصد سفك دم مسلم فالكذب فيه واجب [262] وقد اقتصر بعضهم علي الرخصة بالتقية إذا كان المسلم بين كفار يخافهم علي نفسه أو ماله ومن هؤلاء القائلين بالرخصة الرازي المفسر والطبري كذلك في تفسيريهما عند قوله تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) [263] بينما ذهب قسم آخر من العلماء إلي أنّ التقية متعينة ليست بين الكفار فقط بل حتي إذا كان المسلم بين مسلمين شابهت حالهم الحال مع الكافرين أي في حال عدم قدرة المسلم علي [ صفحه 190] إظهار عقيدته المذهبية بين مسلمين من فرق اُخري وممن ذهب لهذا الرأي الإِمام الشافعي وابن حزم الظاهري [264] . وحكم التقية كباقي الأحكام باق إلي يوم القيامة خلافاً لمن قصره علي أيام ضعف الإِسلام وفي ذلك يقول الفقهاء: إنّها جائزة للمسلم إلي يوم القيامة، مستندين إلي قول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لعمار بن ياسر لما قال للنبي صلي الله عليه وآله وسلّم ما تركوني حتي نلت منك فقال له: إن عادوا فعد لهم بما قلت، ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره للآية 106 من سورة النحل فراجعه. 4 _ رأي الشيعة بالتقية: لا يختلف الشيعة عن السنة في القول بالتقية فإنّها عندهم وسيلة أرشد إليها الشرع لحفظ النفوس الواجب حفظها، وحفظ باقي الاُمور التي أمر الشرع بحفظها هذا كل هدف التقية عندهم لا غير، وليس كما يقول البعض إنّ الشيعة اتخذوا من التقية أداة للختل والمراوغة والإِزدواجية ولأجل المؤسسات السرية الهدامة [265] . والتقية عند الشيعة تختلف باختلاف المقام فقد تكون واجبة وقد تكون مباحة وقد تكون محرمة، ولذلك تجد عبارات فقهاء

الشيعة قد ذكرت الحالات الثلاث يقول ابن بابويه القمي: إعتقادنا في التقية: أنّها واجبة وأنّ من تركها فكأنّما ترك فرضاً لازماً كالصلاة، ومن تركها قبل ظهور المهدي فقد خرج عن دين الله ودين نبيه والأئمة، بينما يقول الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان: التقية جائزة عند الخوف علي النفس وقد تجوز في حال دونه عند الخوف علي المال ولضروب من الإِستصلاح، وأقول إنّها قد تجب أحياناً من غير وجوب وأقول إنّها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وليس تجوز في الأفعال في قتل المؤمنين وما [ صفحه 191] يغلب أنّه استفساد في الدين [266] . بينما يقول فقيه شيعي معاصر: وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر وليس هي بواجبة علي كل حال بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإِسلام وجهاد في سبيله فإنّه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة، أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً علي المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم، إلي أن قال: إنّ عقيدتنا في التقية قد استغلها من أراد التشنيع علي الإِمامية فجعلوها من جملة المطاعن فيهم وكأنّهم لا يشفي غليلهم إلا أن تقدم رقابهم _ أي رقاب الشيعة _ إلي السيوف لا ستئصالهم [267] . ومن هذه المقتطفات التي ذكرتها يتضح أنّ التقية تتبع الحالات والظروف وتكون محلاً للأحكام المذكورة تبعاً لاختلاف العناوين، وقد سبق أن ذكرنا استدلالات الشيعة للتقية من الكتاب والسنة، ولذلك كان الإِمام الصادق عليه السلام يقول: «التقية ديني ودين

آبائي» وخصوصاً في عصره حيث كانت السيوف هي اللغة الوحيدة، وقد حاول بعضهم أن يفلسف من موقف الإِمام الصادق ومواقف الشيعة في التقية بأنّ التقية علاج لأمرين: أ _ هو أنّ سكوت أئمة أهل البيت عن المطالبة بحقهم والتصدي للظالمين من ناحية، ومن ناحية اُخري إنّ المفروض أنّهم الأئمة المفترضة طاعتهم، إنّ ذلك يشكل تناقضاً لا مخرج منه إلا التقية، قال بذلك كل من الرازي في كتابه محصل آراء المتقدمين والمتأخرين والملطي في كتابه التنبيه والرد علي أهل الأهواء والبدع [268] . [ صفحه 192] ب _ والأمر الثاني هو ما يظهر من اختلاف في أقوال الأئمة بعضهم مع بعض وفي أقوال الإِمام الواحد في مقامات مختلفة مما يشكل علامة استفهام ودفعاً لذلك قالوا بالتقية حتي لا يبقي إشكال في ذلك، محصل قولهم ذكره صاحب كتاب دراسات في الفرق والعقائد [269] . إنّ هذا الباحث يظهر من تصويره لمسألة التقية عند الأئمة أنّه اختلط عليه المقسم بالقسم، وذلك أنّ الموردين الذين ذكرهما إنما هما من موارد تطبيق مبدإ التقية لا أنّ التقية اُنشئت من أجلهما، هذا مع أنّ هذا الباحث هو الدكتور عرفان من أكثر الناس إنصافاً للشيعة فيها كتب عنهم بالقياس إلي غيره فانظر لما كتبه حولهم [270] وقد اعتبر كثير من الكتّاب أنّ موقف الإِمام الصادق عليه السلام من التشديد علي التقية فيه ضعف وتخاذل بينما الواقع أنّ الإِمام بموقفه هذا حفظ أصحابه من هجمات شرسه فقدت صوابها ولم يعد لها من منطق غير المخلب والناب وفي مثل هذا الحالات لا بد من الحكمة، وسأذكر لك صوراً مصغرة عما كان عليه الحال: يقول الخطيب البغدادي بسنده عن أبي معاوية قال: دخلت علي هارون

الرشيد فقال لي: لقد هممت أنّ من يثبت الخلافة لعليٍّ أن أفعل به وأفعل قال أبو معاوية: فسكت، فقال لي: تكلم، قلت: إن أذنت لي؟ قال: تكلم، قلت: يا أمير المؤمنين قالت تيم منا خليفة رسول الله، وقال عدي منا خليفة رسول الله، وقالت بنو اُمية: منا خليفة الخلفاء، فأين حظكم يا بني هاشم، والله ما حظكم إلا ابن أبي طالب فسكت [271] لقد أحسن الرجل الدخول وعرف من أين يأتيه، وهنا نقول إذا كان من يذكر حق عليٍّ بالخلافة يصنع به ما يصنع فما رأي هؤلاء المتفيهقين في أيام الرخاء الذين لم تلفح وجوههم النار ولم يعضهم الحديد. [ صفحه 193] علي أنّ هناك شيئاً آخر وهو أنّ أئمة المسلمين الآخرين اضطروا إلي استعمال التقية فيما تعرضوا له من مواقف، ومن ذلك ما ذكره أحمد بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي عند استعراضه لموقف الإِمام أحمد بن حنبل أيام المحنة والقول بخلق القرآن قال: لما امتنع أحمد بن حنبل من القول بخلق القرآن وضرب عدة سياط قال إسحق بن إبراهيم للمعتصم ولني يا أمير المؤمنين مناظرته فقال: شأنك به، فقال إسحق للإِمام أحمد ما تقول في خلق القرآن؟ فقال الإِمام أحمد: أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا، فقال: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أم علمته من الرجال، فقال أحمد: بل علمته من الرجال، فقال إسحق علمته شيئاً بعد شيءٍ قال نعم، قال إسحق: فبقي عليك شيء لم تعلمه؟ فقال: نعم، قال: فهذا مما لم تعلم وعلمكه أمير المؤمنين، فقال أحمد: فإنّي أقول بقول أمير المؤمنين، فقال إسحق في خلق القرآن، قال أحمد في خلق القرآن فاشهد عليه، وخلع عليه وأطلقه

إلي منزله [272] . ولهذا قال الجاحظ في حواره مه أهل الحديث بعد أن ذكر محنة الإِمام أحمد بن حنبل وامتحانه: قد كان صاحبكم هذا _ يعني الإِمام _ يقول لا تقية إلا في دار الشرك فلو كان ما أقر به من خلق القرآن كان منه علي وجه التقية فلقد أعملها في دار الإِسلام وقد أكذب نفسه، ولو كان ما أقر به علي الصحة والحقيقة فلستم منه وليس منكم علي أنّه لم ير سيفاً مشهوراً ولا ضرب ضرباً كثيراً، ولا ضرب إلا الثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار مشبعة الأطراف حتي أفصح بالإِقرار مراراً، ولا كان في مجلس ضيق، ولا كانت حالته مؤيسة، ولا كان مثقلاً بالحديد، ولا خلع قلبه بشدة الوعيد، ولقد كان ينازع بألين الكلام ويجيب بأغلظ الجواب ويزنون ويخف ويحلمون ويطيش [273] . علي أنّ سيرة المسلمين بالفعل قائمة علي التقية فهناك اُمور لا يقرها بعض [ صفحه 194] المسلمين وهي قائمة عندهم. خذ مثلاً بقاء قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلّم فإنّ الوهابيين لا يتركون قبراً قائماً فقد رووا في الصحاح عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ألا أبعثك علي ما بعثني عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم ألاّ أدع قبراً قائماً الا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته وعلي هذه الرواية استند الوهابيون أو هي أحد مستنداتهم في تهديم القبور [274] ولكنّهم لم يتعرضوا لقبر النبي مع أنّ لسان الرواية عام لم يستثن قبراً وليس ذلك إلا تقية من المسلمين. وقد كان خبر أبي الهياج سبباً للتهريج عند ابن تيمية علي الشيعة مع أنّ الرواية ما ثبتت عندهم من ناحية سندها، لقد شحن

ابن تيمية كتابه بقوارص من الشتم يأباها خُلُق الإِسلام وأدب القرآن ومن ذلك أنّه إذا مرّ بذكر العلامة ابن المطهر الحلي يسميه بابن المنجس [275] . في حين كان العلامة في خصومته مع العلماء في غاية التهذيب وبوسع القارئ أن يرجع إلي الكتابين الذين طبعا معاً وأن يحكم علي الاُسلوبين ليري الفرق بينهما. وإلي هنا أرجو أن أكون قد وضعت بين يدي القارئ فكرة عن التقية كافية لأخذ صورة عن الموضوع ولا يخلو الواقع المعاصر من تقية متجسدة عند مختلف الشعوب. [ صفحه 197]

من الافتراءات علي الشيعة

اشاره

استهدفت فيها قدمته من بحوث توضيح هوية التشيع عرقياً وفكرياً، وكنت قد ذكرت سابقاً أنّ قصة عبدالله بن سبأ تؤلف جزءاً من كل يراد من ورائه مسخ صورة التشيع ولئلا يقول القارئ إنّ مسألة ابن سبأ لا يمكن أن تكون أمراً وهمياً فإنّي اُقدّم له هنا نماذج من المفتربات علي الشيعة مقطوعة الكذب حتي يري باُم عينه صدق دعوانا. إنّ هذه الاُمور التي سيرد ذكرها وغيرها تحتم إعادة النظر في محتوي تاريخنا وعقائدنا ومحاولة تصحيح هذا المحتوي لأنّ بقاء هذ الذخيرة الفاسدة في تاريخنا سيظل يعمل عمل السوس في اُسس البناء حتي ينهار البناء فجأة ولا يكون ضحية هذا الإِنهيار إلا المسلمون أنفسهم، أما من كتب بهذه الاُمور وسطرها فقد مضي إلي ربه وسيقف أمام حكم عدل، ولكنّنا نحن ملزمون في تصحيح أوضاعنا فلا يجوز بحال من الأحوال أن نلقح أنفسنا وأبنائنا ضد مرض الحصبة مثلاً وهو لا يمكث إلا بضعة أيام، ولا نلقح أنفسنا ضد الفرقة والتناحر، وضد الأوبئة الفكرية التي تبقي ويبقي أثرها طويلاً، وقد آن الأوان لاُقدم لك نماذج من هذه المفتريات.

في الجمع بين النساء

الجمع بين النساء وعددهنّ، وجمهور المسلمين علي أنّه لا يجوز للحر أن يجمع زيادة علي أربع زوجات لقوله تعالي: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع) النساء/3، وللسنة الشريفة التي حددت الزوجات بأربع كما سيأتي، والشيعة في ذلك كسائر فرق المسلمين لا يبيحون الجمع بين أكثر من أربع زوجات، وعندهم حتي لو طلق الرجل زوجة واحدة من الأربع فلا يجوز له [ صفحه 198] أن يكمل العدد برابعة حتي تنتهي عدة المطلقة، وقد أجمعوا علي ذلك وإليك نموذجين من أقوالهم: أولاً _: يقول الشيهد الأول في اللمعة:

لا يجوز للحر أن يجمع زيادة علي أربع حرائر أو حرتين وأمتين، أو ثلاث حرائر وأمة، ولا للعبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين، ولا يباح له ثلاث إماء وحرة [276] . ثانياً _: يقول المقداد السيوري في كنز العرفان: الحصر في الأربع وعدم جواز الزائد في النكاح الدائم إجماعي، وحتي المنقطع عند كثير من فقهائنا لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لغيلان لما أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعاً وفارق سائرهنّ أي باقيهنّ، ولقول الإِمام الصادق عليه السلام لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر [277] وبوسع القارئ أن يرجع لأي كتاب فقهي من كتب الإِمامية في باب النكاح ليري أنّ هذه المسألة إجماعية عندهم، ومع ذلك استمع إلي بعض فقهاء المسلمين من أهل السنة الذين يجب أن يكونوا قدوة في الأمانة والصدق: أ _: يقول ابن حزم في المحلي لم يختلف في انه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة: أحد من أهل الإِسلام وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يحل لهم عقد الإِسلام [278] . ب _: قال محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي: وأجاز الروافض تسعاً من الحرائر، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلي _ أي جوازالتسع _ وأجاز الخوارج ثماني عشرة، وحكي عن بعض الناس إباحة أي عدد شاء بلا حصر: وجه الأول: أنّه بين العدد المحلل بمثني وثلاث ورباع بحرف الجمع [ صفحه 199] والحاصل من ذلك تسع، ووجه الثاني ذلك الا أنّ مثني وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرّر علي ما عرف في العربية، فيصير ثمانية عشر، ووجه الثالث العمومات من نحو

فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ولفظ مثني وثلاث ورباع تعداد عرفي لا قيد، كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة أو قربتين أو ثلاثاً، ويخص الأولين تزوجه تسعاً والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل، إلي آخر ما أورده، ثم شرع يقدم أدلته علي الحصر بأربع [279] . وقد اتضح من قول ابن الهمام أمران: أولهما نسبة إباحة التسع للإِمامية وهو محض اختلاق ونتحدي من يذكر لنا مصدراً واحداً يقول بذلك من الشيعة، وثانيهما أنّ هناك من أهل السنة من يقول بإباحة التسع والأكثر من التسع كما نص عليه، ابن الهمام نفسه. ج _: يقول محمد أبو زهرة في الأحوال الشخصية: إنّ بعض الشيعة يجوّز الزواج بتسع حرائر لأنّ معني قوله تعالي: (مثني وثلاث ورباع) يعني اثنين وثلاثة وأربعة [280] وهذا من أبي زهرة كأمثال له كثيرة، إنّ الرجل فيما أعرفه من مؤلفاته كثير التساهل فيما ينسبه للغير، ولا يحتاط بالنقل وللمناقشة مكان غير هذا لأنّ موارد تساهله كثيرة تحتاج إلي جهد ومكان. وبعد ما ذكرته ساُقدم لك الأدلة علي أنّ هذا الرأي عند أهل السنة وليس عند الشيعة كما مر عليك: 1_ يقول الكاساني علاء الدين في البدائع: لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر والإِماء عند عامة العلماء، وقال بعضهم: يباح له الجمع بين التسع، وقال بعضهم: يباح له الجمع بين ثمانية عشر، واحتجوا بظاهر قوله تعالي: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) الخ فالأولون قالوا إنّه ذكر هذه الأعداد بحرف الجمع وهو الواو وجملتها تسعة، واستدلوا أيضاً بفعل [ صفحه 200] رسول الله وأنّه تزوج تسع نسوة وهو قدوة الأمة، والآخرون قالوا إنّ المثني ضعف الإِثنين والثلاث ضعف

الثلاثة، والرباع ضعف الأربعة وجملتها ثمانية عشرة، إلي آخر ما ذكره وظاهر قوله إنّ هذه الآراء عند أهل السنة لأنّه لو كان للشيعة رأي هنا لنص عليه كعادته [281] . 2 _ يقول إبراهيم بن موسي الغرناطي الشاطبي صاحب الموافقات في كتابه الإِعتصام: ثم أنّ بعض من نسب إلي الفرق ممن حرف _ من الحرفة _ التأويل في كتاب الله تعالي أجاز نكاح أكثر من أربع نسوة إما اقتداءاً في زعمه بالنبي حيث أحل له أكثر من ذلك ولم يلتفت إلي إجماع المسلمين أنّ ذلك خاص به، وإما تحريفاً لقوله تعالي: (فانكحوا ما طاب) الخ فأجاز الجمع بين تسع نسوة في ذلك فأتي ببدعة أجراها في هذه الاُمة [282] وما ذكره الشاطبي هو عند السنة ولو كان عند الشيعة، لنص عليه أولاً، وثانياً لتغيرت لهجته، فإنّ لهجة هذا الرجل مع الشيعة أترك نعتها بعد أن تسمعها فاسمع قول: «قال: يحكي عن الشيعة أنّ النبي أسقط عن أهل بيته ومن دان بحبّهم: جميع الأعمال، وأنّهم غير مكلفين إلا بما تطوعوا به، وأنّ المحظورات مباحة لهم كالخنزير والزنا والخمر وسائر الفواحش، وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهنّ علي المحتاجين رغبة في الأجر، وينكحون ما شاؤوا من الأخوات والبنات والاُمهات لا حرج عليهم ولا في تكثير النساء، ومن هؤلاء العبيدية الذين ملكوا مصر وافريقية ومما يحكي عنهم في ذلك أن يكون للمرأة ثلاثة أزواج وأكثر في بيت واحد يستولدونها وتنسب الولد لكل واحد منهم» إنتهي وقد عقب عليه الناشر بالحاشية بقوله: إنما يريد بعض فرق الشيعة الباطنية المارقين عن الإِسلام [283] إنّي أدعو القارئ ليضع يده علي أنفه لئلا يشم هذه الجيف، وبعد ذلك اُعقب علي قوله بما

يلي: [ صفحه 201] أولاً _: إنّ العبيدين وغيرهم ليسوا من الشيعة الإِمامية وإن كنت أعتقد جازماً عدم صحة ما نسبه إليهم قياساً علي ما نسبه لغيرهم وهو غير صحيح. ثانيا _: لسنا الذين نبيح نكاح المحارم وحكم من يقع علي إحدي محارمه عندنا القتل فراجع أي كتاب من كتب فقه الشيعة باب الحدود، وإنما يقول الإِمام أبو حنيفة من عقد علي اُمّه واُخته أو بنته، عالماً عامداً ودخل بها فلا يقام عليه الحد وإنما يعزر لأنّ العقد أورث شبهة [284] . إذاً فلسنا نحن الذين نتساهل في الإِعتداء علي المحارم كما أننا لا نريد التهريج علي أبي حنيفة بل رأيه هنا خطأً في تطبيق معني الشبهة هنا علي هذا العقد. لأنّ المحارم ليست محلاً للعقد. ثالثاً _: أنا أسأل الله تعالي أن يجعل حصيلة هذا القول في ميزان الشاطبي يوم يلقاه وسوف يسأله عن ذلك لأنّه تعالي يقول: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) 7و8 من سورة الزلزال، وأنا إنما أطلت الكلام في هذه المسألة وهي من البديهيات تقريباً حتي أوقفك علي مدي أمانة بعض الناس، ولست أدري بماذا يتعلل هؤلاء وحولهم كتب الشيعة تملأ المكتبات فهل ذكروا لنا كتاباً واحداً يفتي بإباحة لحم الخنزير أو شرب الخمر إنّ الذي يقول بذلك غيرنا إذا أحببت فراجع تفسير قوله تعالي: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون) النحل/67 في تفاسير أهل السنة لتري رأي الإِمام أبي حنيفة حول النبيذ فرأيه معروف، ودعني أذكر لك فتوي واحدة من فتاواه توضح لك رأيه في هذا الموضوع يقول أبو زهرة في كتابه فلسفة العقوبة:

والسبب في تساهل أبي حنيفة في موضوع بعض المسكرات هو أنّه ثبت بالرواية عنده أنّ بضع الصحابة تناول بعض هذه الأشربة، فامتنع عن تحريمها حتي لا يتهم الصحابة بالمعصية وقال في ذلك: لو غرقوني في الفرات لأقول إنّها [ صفحه 202] حرام ما فعلت، حتي لا أفسِّق بعض الصحابة ولو غرّقوني في الفرات علي أن أتناول قطرة منها ما فعلت، فالأمر بالنسبة لأبي حنيفة احتياط لكرامة الصحابة واحتياط لدينه [285] ولست أفهم الإِحتياط هنا فإنّ الحرام حرام علي الصحابة وغيرهم، إنّ استنتاج أبي زهرة لا يقبل بحال من الأحوال وصدق في تسمية كتابه فلسفة العقوبة فهو فلسفة غير ذات معني أحياناً. 3 _ الرأي الثالث الذي يدل علي أنّ الجمع بين أكثر من أربع عند غير الشيعة ما ذكره ابن قدامة في المغني معلقاً علي قول المتن: وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات أجمع أهل العلم علي هذا ولا نعلم أحداً خالفه إلا شيئاً يحكي عن ابن القاسم بن ابراهيم أنّه أباح تسعاً لقوله تعالي: (فانكخوا ما طاب لكم) الخ والواو للجمع، ولأنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلّم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء لأنّه خرق وترك للسنة، فإنّ رسول الله قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة: أمسك أربعاً وفارق سائرهنَّ [286] ومن ذلك يظهر أن لا قول للشيعة في المسألة فما أدري من أين جاء من ينسب هذا القول للشيعة بهذا القول. لقد أصبح هذا الخلط من الشاطبي وغيره زاداً دسماً للمستشرقين الذين أخذوا يؤكدون علي أنّ الشيعة والصوفية يسقطون الشريعة ويحلون المحارم عند وصول الحقيقة، الخ. [287] .

الشك بالنبوة

وإذا كانت بعض الإفتراءات علي الشيعة قيلت

ثم ماتت واندثرت، وبعضها قيلت ولكنّها لم تشتهر كما هو الحال في النموذج الأول الذي ذكرناه، فإنّ [ صفحه 203] هذه الفرية التي سأذكرها تعيش فعلاً وقد سئلت عنها حيثما ذهبت، وبالرغم مما شرحته لمن سألني في أنّها كاذبة، فإنّي أعتقد أنّها لم تمسح من أذهانهم، فإنّ ما يشب عليه الإِنسان ليس من السهل الخلاص منه إنّ هذه المسألة هي: أنّ الشيعة يعتقدون أنّ الوحي أراده الله تعالي لعليِّ بن أبي طالب ولكن جبرئيل خان أو خطأ فذهب بالوحي إلي النبي، هذا ملخص الفرية المنسوبة للشيعة ولقد وضعت هذه الفرية علي لسان الشعبي عامر بن شراحيل في مقالة سبق أن ذكرت مقطعاً منها وبينت كذب مضمونها، والآن أذكر لك صدر الكلمة وما يتصل بموضوعنا منها فقد ذكر ابن شاهين عمر بن أحمد في كتابه اللطف في السنة، كما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي، حدثني جعفر بن نصير الطوسي عن عبدالرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال: قال لي الشعبي: اخذركم أهل هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة، لم يدخلوا غي الإِسلام رغبة ولا رهبة، إلي أن قال: واليهود تبغض جبرئيل ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون غلط جبرئيل بالوحي علي محمد الخ [288] إنّ هذه الصورة التي وضعت علي لسان الشعبي: أخذها ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل فنسبها لفرقة من الغلاة سماهم الغرابية: لأنّهم قالوا إنّ علياً أشبه بمحمد من الغراب بالغراب، ولذلك غلط جبرئيل بالوحي فذهب به لمحمد وهو مبعوث لعليٍّ ولا لوم عليه لأنّه اشتبه، وبعضهم شتمه وقال بل تعمد ذلك، هكذا رواه ابن

حزم [289] في حين ذهب الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين إلي أنّهم قالوا غلط ولم يتعمد [290] وقد عرفت أنّ منشأ الرواية الشعبي ونظراً لأهمية الموضوع فساُناقش هذه الرواية وأذكر لك سخفها وانّ الذين وضعوها لم يتفطنوا إلي ما فيها من ثغرات: أ _ أول ما يقال في هذه الرواية أنّ الشعبي عندما كان يقارن بين اليهود [ صفحه 204] والشيعة يسمي الشيعة بالرافضة، وهذا اللقب الذي نبز به الشيعه وفندناه سابقاً، ذكر مؤرخوا السنة أنّه عرف في آخر أيام زيد بن عليٍّ عندما طلب منه أفراد جيشه البراءة من الخليفتين فأبي فرفضه قوم منهم سموا بالرافضة هذه هي رواية هذا اللقب وهذه الواقعة كانت سنة مقتل زيد أي 124 هجرية في حين أنّ الشعبي ولد سنة عشرين أو ثلاثين علي رواية اُخري من الهجرة فالفرق بين وجوده والرواية سبعة عشر سنة لأنّه مات سنة مائة وخمس من الهجرة، فأما أن يكون لفظ الرافض ورد قبل هذا وهو مالا تقول به رواياتهم أو أنّ القصة مخترعة وهو الأصح [291] . ب _ إنّ رجال سند هذه الرواية بين متهم مثل عبدالرحمن بن مالك بن مغول فقد قالت عنه كتب التراجم بأنّه ضعيف، وكذاب، ووضاع، ويقول عنه الدارقطني متروك، ويقول عنه أبو داوود كذاب وضاع، ويقول عنه النسائي ليس بثقة [292] . وبين مجهول: كمحمد الباهلي ولم أجد لمحمد هذا أي ذكر في لسان الميزان وتاريخ بغداد وغيرهما. ج _ سبق أن ذكرنا أنّ الشعبي يرمي بالتشيع وقد نص علي تشيعه كل من ابن سعد والشهرستاني ولا يعقل أن يقول شيعي هذا القول. د _ وعلي فرض صحة جميع هذه المقدمات فمن هم هؤلاء الغرابية

وكم عددهم وأين مكانهم وهل لهم من وجود خارجي، أغلب الظن أنّهم من المقلع الذي نحت منه عبدالله بن سبأ خلقتهم نفس الأهداف التي خلقته. ه_ _ إنّ الذي يدعي نبوة شخص فلا بد أن يكون هذا النبي منصوباً من رب وهنا يقال هل أنّ هذا الرب الذي أرسل رسوله لنبيه كان يعلم أنّ هذا الرسول مغفَّل لا يفرق بين اُرسل إليه وغيره أم لا فإذا كان لا يعلم فهو لا [ صفحه 205] يصلح للاُلوهية وإذا كان يعلم وأرسله مع علمه فأي رب هذا الذي يرسل من لا ينفذ أوامره أو أنه متواطئ مع جبرئيل فلا اشكال حينئذ. و _ أوليس القرآن الكريم يقول عن جبرئيل: (مطاع ثم أمين) التكوير/21. ويقول عن النبي صلي الله عليه وآله وسلّم: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب/40. والشيعة مسلمون يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار فكيف لا يفهمون ذلك، أللهم إلا أن يقال كما قيل: إنّهم يرون القرآن محرفاً، وقد فندنا هذا القول بما أوردناه من نصوص أنّ الثابت عند المسلمين قول النبي صلي الله عليه وآله وسلّم لا نبي بعدي والمسلمون سمعوا منه ذلك. ز _ كل من له إلمام بالتاريخ يعلم مدي طاعة الإِمام عليٍّ عليه السلام للنبي صلي الله عليه وآله وسلّم وجهاده بين يديه فكيف يجتمع ذلك مع علمه بأنّه أخذ منه الرسالة إلا أن يقال إنّه لا يعلم أنّ الرسالة هي له. ح_ _ إنّ مصدر التشريع الأول والأساس هو القرآن الكريم عند كل فرق المسلمين ومنهم الشيعة فإذا نزل القرآن علي مغفل وبيد خائن فأي ثقة تبقي به بعد ذلك. ط _ ألا تكفي آلاف المنائر والمساجد عند الشيعة والتي تصرخ

ليل نهار أشهد أنّ محمداً رسول الله للتدليل علي أنّ هذه القصة فرية مفتعلة كأخواتها. ي _ إنّ كتب عقائد وفقه الشيعة تملأ الدنيا فهل يوجد في كتاب واحد منها ما يشير إلي هذه الفرية ونرضي بأن يكون حتي من المخرفين ممن نراهم عند فئة اُخري. إننا نطالب بمصدر واحد اعتمد عليه هؤلاء في نقل ما نقلوه. وإذا كان العوام يتلقون أقوال رجال فكرهم بالقبول مهما كانت فما بال المثقفين يعيشون نفس العقلية وما فائدة العلم إذا لم يقوّم تفكير الإِنسان، وإلي كم يبقي المسلمون بجترّون ما اُدخل إلي أمعائهم يوماً مّا، ليت هؤلاء يصارحونا بأنّ لهم مصالح في بقاء هذه المهازل إذا لأراحوا الأجيال ولكانوا صادقين مع أنفسهم كما صنع مروان ابن الحكم في لحظة من لحظات استيقاظ ضميره وقد سئل عن موقف الإِمام عليٍّ عليه السلام [ صفحه 206] من عثمان بالثورة فقال: ما كان أحد أدفع عن عثمان من عليٍّ فقيل له: ما لكم تسبونه علي المنابر؟ فقال: لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك [293] ويبدو أنّ بعض الناس لا يصدق أنّ هذه الإِفتراءات لا أساس لها لأنّ تصديقه بذلك فيه تبرئة للروافض ومعناه ترك بعض الناس بدون عمل، علي أنّي لا أشك أنّ كثيراً من الناس لا مصلحة لهم في أمثال هذه التهم لكن ليس من السهل التخلص من محتوي نفسي نشأ معهم خلال أدوار العمر ولكن ذلك لا يبرر الإِصرار علي الخطأ. ك _ إنّ الله تعالي يقول (وما أرسلنا من قبلك الا رجالاً) وعليّ عند البعثة طفل ابن سبع سنين فالآية تنص علي ان النبوة لا تكون الا لرجل. وفي ختام هذا الفصل يحسن بنا الإِشارة إلي ما كتبه

جهابذة الشيعة في كتب العقائد عن النبوة وشخص النبي الكريم صلي الله عليه وآله وسلّم في كتب العقائد وأنا اُلفت النظر إلي عقائد الصدوق وأوائل المقالات للمفيد، والشريف المرتضي في تنزيه الأنبياء وغيرهم وأكتفي بفقرتين: الأولي: يقول السيد محسن الأمين العاملي: إنّ من شك في نبوة النبي وجعل له شريكاً في النبوة فهو خارج عن دين الإِسلام [294] . الثانية: يقول الرضا المظفر في عقائد الإِمامية. نعتقد أنّ صاحب الرسالة الإِسلامية هو محمد بن عبدالله وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأفضلهم علي الإِطلاق كما أنّه سيد البشر جميعاً لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة، وأنّه لعلي خلق عظيم [295] . [ صفحه 207]

رمي التشيع بالشعوبية

والشعوبية لغة: جمع شغوبي نسبة للشعب، وقد تطلق ويراد بها النزعة العدائية للعرب، وهي بالإِطلاق الثاني مصدر صناعي، والشعوبي في إطلاق آخر هو الذي يسوِّي بين العربي وغيره ولا يفضل العربي وقد اشتق هذا الإِسم من الآية الكريمة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر واُنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات/13. وذلك لأنّ المسلمين من غير العرب دعوا إلي التسوية وكانت هذه الأية من شعاراتهم، ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي علي عجمي كلكم لآدم وآدم من تراب، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي علي من يحقر العرب وتوسعوا بعد ذلك فأطلقوه علي الزنديق والملحد، معتبرين الزندقة والإِلحاد مظهراً ينم علي كره العرب لأنّه كره لدينهم، ثم اُطلق بعد ذلك علي الموالي. أسباب نشوء الشعوبية: تنقسم الأسباب إلي قسمين: القسم الأول: فعل والثاني رد فعل، وهذا الأخير أعني ردة الفعل: ملخصه أنّ العرب كانوا في الجاهلية ممزقين لا تجمعهم جامعة،

وكانت الدولة لغيرهم، فجاء الإِسلام ووحدهم وأوطأهم عروش كسري وقيصر فنظر العرب فجأة فإذا بهم اُمة عظيمة بيدها أكثر من سلاح تخافها الاُمم وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المبشرة بالإِسلام والحاملة لتعاليمه، فنفخ ذلك فيهم روح الغرور وأخذوا يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة فيها كثير من الغطرسة والصلف ولم يسووهم بهم، ومنعوا الموالي من الزواج بالعربية وسموا من يولد من زواج كهذا [ صفحه 208] هجيناً، وكانوا إذا عربي بحيّ من أحيائهم فمن العار أن يباع عليه الطعام بيعاً بل يقدم له بعكس الموالي: يقول جرير الشاعر: وقد نزل ببني العنبر فلم يضيفوه وباعوه القِري بيعاً: يامالك بن طريف إنّ بيعكم++ رفد القِري مفسد للدين والحسب قالوا نبيعكم بيعاً فقلت لهم++ بيعوا الموالي واستحيوا من العرب [296] . وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولي، وكانوا لا يكنون المولي ولا يمشون معه في الصف ولا يواكلونه بل يقف علي رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكاناً ليعرف أنّه مولي وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة [297] . ومن الحق أن يشار إلي أنّ فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو علي مستوي سائر الناس، أما ما كان علي مستوي الحكام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال مع الإِنسانية وخصوصاً ولاة الاُمويين كالحجاج الذي لم يرفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، والذي وسم أيدي الموالي وردهم إلي القري لما هاجروا للمدن

[298] كل ذلك دفع هؤلاء الموالي إلي تبني شعار الإِسلام والدعوة للمساواة فسموا أهل التسوية، ثم مرت ظروف أدت إلي رفع شأن الموالي خصوصاً أيام عمر بن عبدالعزيز وما بعده فتحفزوا لإِثبات وجودهم وتطور الأمر بعد ذلك أن بدأت ردود الفعل تشتد فتصل إلي احتقار العرب وشتمهم. أما القسم الثاني: الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة [ صفحه 209] والقياصرة ليس لهم شأن يذكر، وقد اختفت هذه النظرة للعرب لفترة طويلة بعد حكم الإِسلام هذه الشعوب، ولكن عادت إلي الظهور بفضل عوامل كثيرة لا سبيل للإِفاضة بها هنا، وساعد علي هذا أنّ الموالي من اُمم ذات خلفية حضارية فكان أن نبغ مجموعة من الشعوبيين في مختلف الشؤون الإدارية والعلمية فلعبوا دوراً كبيراً في أبعاد المجتمع المختلفة، يضاف لذلك أنّ الدولة العباسية اعتمدت علي كثير منهم لأمرين: الأول: لحاجتها لتنظيم شؤون الدولة والإِستفادة من خبرات هذه الاُمم في التطبيق وما لهم من قدم وعراقة في ذلك وتشبهاً بهم في البذخ والترف. والثاني: للإِستعانة بهم في كسر شوكة العرب لأنّهم خافوا من العرب وخصوصاً عندما شاهدوا ميل العرب للعلويين، وقد لعب الفرس والترك دوراً شرساً في كسر شوكة العرب وتحقيق مآرب العباسيين في ذلك ولكنّهم بعد ذلك قضوا علي الخلافة العباسية وحتي علي مظهرها العربي، وأحالوا بغداد إلي مؤسسة انمحت فيها آثار العروبة في تفصيل ليس محله هنا. مظاهر الشعوبية: المجالات التي ظهرت فيها الشعوبية اهمها الأدب بقسميه الشعر والنثر، ابتداءاً من أيام الامويين حتي العصر العباسي، وظهرت في تاريخ مرويات تحط من شأن العرب وترفع من غيرهم، ومظاهر أخري تجسدت في إحياء طقوس وعادات وعقائد كانت عند بعض تللك الأمم

التي دخلت الإِسلام، وحتي السلوك الاجتماعي عند الحكام والمواطنين في الأكل واللباس وانماط السلوك الاجتماعي الاخري ظهرت عليها سمات غير عربية وكان طبيعياً أن يكون هناك اقتباس لو اقتصر علي ذلك ولكنه اقتباس يرافقه تحدي وفخر بهذا المظهر وحط من مظاهر العرب وانتقاص من انماط معيشتها وحياتها. [ صفحه 210] علامة الشعوبية بالتشيع: وبعد هذه الجمل الموجزة عن الشعوبية نتساءل ما هي علاقة الشعوبية بالتشيع؟ وما هو منشأ رمي التشيع بالشعوبية الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول: وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يتسترون به [299] . ان رمي التشيع بالشعوبية أمر يدعو للاستغراب فليس هناك أي علاقة بين الشعوبية والتشيع، وسنحاول استقصاء الامور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبية لنري أين مكان الشيعة من هذه الامور، وبالتالي ما هي قيمة هذه التهمة: 1 _ الأصل غير العربي: لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم: من الموالي أو من أي عنصر غير العنصر العربي كما أسلفنا ذلك وذكرناه مفصلاً فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة لاعادته. 2 _ مواقف الشيعة ازاء العروبة: لقد وقف مؤلفوا ومفكروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفاً جليلاً في تكريم العرب وتكريم الفكر العربي والإِشادة بإسهامه في خدمة الشريعة مبرهنين علي أن الله تعالي كرم العرب بحملهم للرسالة وجعل لغة القرآن الكريم لغتهم، واعتبر أرضهم مهداً لا نطلاق الدعوة والذود عن حياضها وقد شرحنا موقفهم من اللغة وعروبة الخليفة وغير ذلك مفصلاً. 3 _ موقفهم من حضارة العرب: لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العرب بل العكس فالشيعة هم الرواد الأوائل في خدمة الحضارة العربية في مختلف أبعادها وإليك شريحة من [

صفحه 211] أعلامهم الذين خدموا في ميادين الثقافة فمن الرواد في علم السير والتواريخ عبدالله بن أبي رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي عليه السلام، ومحمد ابن اسحق صاحب السيرة النبوية، وجابر بن يزيد الجعفي ومن الرواد في علم النحو: أبو الأسود الدؤلي، والخليل بن أحمد إمام البصريين، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي والفراء، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي، ويحيي المبرد بن يعمر العدواني، ويحيي بن زياد الفراء، وبكر بن محمد أبو عثمان المازني، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد، وثعلبة بن ميمون أبو إسحق النحوي، ومحمد بن يحيي أبو بكر الصولي، وأبو علي الفارسي الحسن بن علي، والأخفش الأول أحمد بن عمران، ومحمد بن العباس أبو بكر الخوارزمي الذي يقول عنه الثعالبي في يتيمة الدهر: نابغة الدهر وبحر الأدب وعيلم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل، كان يجمع بين الفصاحة واللبلاغة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر، والتنوخي علي بن محمد، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية، وملك النحاة الحسن بن هاني، ومعاذ الهراء واضع علم التصريف، وعثمان بن جني أبو الفتح وأبان بن عثمان الأحمر، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان وصفي الدين الحلي صاحب الكافية في البديع والخالع النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر، والخ [300] . تعقيب هذه مجموعة بسيطة أردت منها أن تكون مجرد مؤشر إلي سبق الشيعة في خدمة الفكر العربي والإِشادة به، وليرجع القارئ إلي المصادر لأجل المزيد من ذلك. [ صفحه 212] 4 _ شعراء الشيعة: مواقف

شعراء الشيعة في الذود عن العرب والعروبة مشهورة ودفاعهم عن كل ماله صلة بوجود العرب ومجدهم، والوقوف بوجه خصوم العرب يشكل سفراً كبيراً لو جمع وساُورد لك نماذج: من مواقفهم في ذلك منهم: أ _ أبو الأسد نباتة بن عبدالله الحماني: لقد سكت عن تعيين مذهبه كل من أبي الفرج في الأغاني، والعباسي في معاهد التنصيص، وابن قتيبة في الشعر والشعراء، ولكنه شيعي لعدة قرائن منها: أولاً ارتباطه بأهل البيت بشعره، وولادته في محلة حمانا بالكوفة مهد التشيع، وانقطاعه لأبي دلف القائد الشيعي، وإليك قصيدته في هجاء الشعوبية ضمن هجائه لعلي بن يحيي المنجم، وسنري إلمامه القوي بالمصطلحات المحلية: صنع من الله أني كنت أعرفكم++ قبل اليسار وأنتم في التبابين [301] . فما مضت سنة حتي رأيتكم++ تمشون في القز والقوهي وفي اللين وفي المشاريق ما زالت نساؤكم++ يصحن تحت الدوالي بالوراشين فصرن يرفلن في وشي العراق وفي++ طرائف الخز من دكن وطاروني نسين قطع الحلاني من معادنها++ وحملهن كشوشاً في الشقابين حتي إذا أيسروا قالوا وقد كذبوا++ ونحن الشهاريج أولاد الدهاقين لو سيل أوضعهم قدراً أو انذلهم++ لقال من فخره أني ابن شوبين وقال أقطعني كسري وورثني++ فمن يفاخرني أم من يناويني فقل لهم وهُمُ أهل لتربية++ شر الخليقة يا بخر العثانين ما الناس إلا نزار في أرومتها++ وهاشم سرحة الشم العرانين والحي من سلفي قحطان انهم++ يزرون بالنبط اللكن الملاعين أما تراهم وقد حطوا براذعهم++ عن أتنهم واستبدوا بالبراذين وأخرجوا عن مشارات البقول إلي++ دور الملوك وأبواب السلاطين [ صفحه 213] تغلي علي العرب من غيظ مراجلهم++ عداوة لرسول الله والدين يقول فون كريمر في كتابه الحضارة الإِسلامية ان هذه القصيدة تمثل مشاعر

الحزب العربي تمثيلاً صادقاً [302] . ب _ الشريف الرضي محمد بن الحسين: ملأ ديوانه بالإِشادة بالعرب والعروبة ومن ذلك قوله في إحدي روائعه: أثرها علي ما بها من لغب++ يقلقل أغراضها والحقب وأنا نري لجوار الديار++ حقوقاً فكيف جوار النسب فان ترع شركة أحسابنا++ جميعاً فذلك دين العرب إذا لبست بقواها قوي++ وان طب مسن منها طنب [303] . ويقول في رائعة ثانية: نا الدوحة العليا التي نزعت لها++ إلي المجد أغضان الجدودِ الأطائب علونا إلي اثباجها ولغيرها++ عن المنكب العالي إذا رام ناكب فان تر فينا صولة عجرفية++ فقد عرقت فينا الجدود الأعارب [304] . والجدير بالذكر أن ديوان الشريف الرضي وديوان أخيه المرتضي وسائر مؤلفاتهما تعتبر من خمائل الفكر العربي المترفة ومن رياضه الأنيقة. ج _ أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين: والمتني عروبة متجسدة بالدم والفكر وقد عاش عمره يتطلع إلي تحقيق الوجود العربي علي مختلف المستويات ويرسم نهايات كل فضيلة علي انها بداية من حالة عربية وكم له في ثنايا شعره من اشادة بالعرب والعروبة وفخر واعتزاز بهذا الدم وهذه الأرومة، يقول، في مدح سيف الدولة: [ صفحه 214] رفعت بك العرب العماد وصيرت++ قمم الملوك مواقد النيران أنساب فخرهم إليك وإنما++ أنساب أصلهم إلي عدنان ويقول: تهاب سيوف الهند وهي حدائد++ فكيف إذا كانت نزارية عربا ونراه يتطلع إلي سيادة العرب وحكم العرب فلا خير في قوم يحكمهم أجنبي عنهم فيقول: وإنما الناي بالملوك وما++ تفلح عرب ملوكها عجم لا أدب عندهم ولا حسب++ ولا عهود لهم ولا ذمم بكل أرض وطئتها أمم++ ترعي بعبد كأنها غنم [305] . د _ الحارث الحمداني أبو فراس: من ألسنة العربية الفصاح

وممن أشاد بمجدهم وقد تألم لمنابرهم إذ يفترعها غيرهم: يقول في قصيدته الشافية: أبلغ لديك بني العباس مألكة++ يدَّعوا ملكها ملاكها العجم أي المفاخر أضحت في منابركم++ وغيركم آمر فيهن محتكم [306] . هذه مجرد نماذج بسيطة من مواقف شعراء الشيعة ازاء العرب والعروبة وبوسع القارئ مراجعة دواوين شعراء الشيعة في مختلف العصور ليري مدي عروبة الشيعة. ه_ _ الشعوبيون البارزون ليسوا بشيعة: أن أبرز من عرف بالشعوبية في مختلف الأبعاد الفكرية والإِجتماعية هم من غير الشيعة وسأذكر لك جملاً قصيرة من تراجمهم تنهض بالمطلوب. [ صفحه 215] أ _ معمر بن المثني أبو عبيدة: من أبرز المؤلفين وممن عرف بأنه من أئمة الشعوبية وهو من موالي بني تيم بالبصرة وكان يهودي الأصل اسلم جده علي يد بعض أولاد أبي بكر وهو الذي جدد كتاب مثالب العرب وزاد فيه: كان خارجياً يري رأي الأباضية [307] . ب _ الهيثم بن عدي بن زيد: كانت امه أمةً وأبوه عربياً وكان من أبرز الشعوبيين وكان كذلك خارجياً في عقيدته وقد وضح ذلك في كل كتبه منها كتاب المثالب الكبير، وكتاب المثالب الصغير [308] . ج _ علان الشعوبي: وهو علان بن الحسن الوراق كان من أبرز الشعوبيين وكان كما يقول الألوسي زنديقاً ثنوياً عمل كتاباً لطاهر بن الحسين بدأ فيه بمثالب بني هاشم، ثم بطون قريش، ثم سائر العرب [309] . د _ عبدالله بن مسلم بن قتيبة: كان من أئمة أهل السنة ومبرزيهم كان من الشعوبيين كما نص علي ذلك ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد، ولكن الدكتور محمد نبيه حجاب حاول تنزيهه عن الشعوبية لأنه كما يقول ورد له مدح للعرب، في حين ورد

لابن المقفع أكثر من نص في مدح العرب ومع ذلك كان الدكتور محمد نبيه إذا مر بالنصوص التي لابن المقفع في مدح العرب يقول إنه عمل ذلك للتستر، والسبب في موقف محمد نبيه هذا: ان عبدالله بن مسلم من أهل السنة في حين لم يكن ابن المقفع [ صفحه 216] شيعياً ولكن لأنه يميل للعلويين كما يقول محمد نبيه، وإذا عرف السبب بطل العجب [310] . ه_ _ عبدالله بن المقفع: عده الباحثون من الشعوبيين ولكن الأستاذ محمد كرد علي في كتاببه أمراء البيان تصدي للدفاع عنه واعتبره ممن أسلم وحسن إسلامة في حين يذهب جماعة من قدامي المؤرخين كأبي الفرج الأصبهاني والمسعودي والجهشياري إلي أنه زنديق، أما الدكتور محمد نبيه حجاب فيري أنه مجوسي الدين ثنوي العقيدة وانه لم يتخلًّ عن الطقوس المجوسية، ومع آراء المؤرخين القدامي فيه ومع رأي محمد نبيه نفسه في أنه مجوسي مع كل ذلك يقول نبيه حجاب إنه علوي السياسة وذلك استناداً إلي رأي رآه حنا فاخوري في كتابه تاريخ الأدب، وما أدري اين هي علويته مع ما ذكروه عنه [311] . و _ سهل بن هارون بن رهبون الفارسي: كان من صنائع البرامكة ورئيس بيت الحكمة للمأمون ترجم له أكثر من واحد ومنهم ياقوت الحموي في معجم الأدباء وابن النديم في الفهرست وفريد وجدي في دائرة معارفه. وغيرهم، وعلي هؤلاء اعتمدد محمد نبيه حجاب في ترجمته ولم ينص احد من هؤلاء الذين ذكرنا انهم ترجموا له: علي أنه من الشيعة، ولكن نبيه حجاب يقول: كان سهل علوي المذهب ميالاً إلي الإِعتزال كغيره من شيعة العراق في عصره وكان فارسي النزعة، في حين يذهب محمد كرد علي في كتابه

أمراء البيان للدفاع عنه ويبرئه من الشعوبية [312] . ز _ بشار بن برد: كان زنديقاً يكفر الناس كلها بما فيهم الهاشميين ويكفر الأمة كلها لأنها [ صفحه 217] حادت عن الجادة في نظره فقيل له وعلي ابن أبي طالب فقال متمثلاً: وما شر الثلاثة أم عمرو++ بصاحبك الذي لا تصحبينا وله مدح لابراهيم بن عبدالله بن الحسن لما خرج علي المنصور وذلك بأبياته التي يقول فيها: أقول لبسام عليه جلالة++ غدا اريحيا عاشقا للمكارم من الفاطميين الدعاة إلي الهدي++ جهاراً ومن يهديك مثل ابن فاطم سراجاً لعين المستضيء وتارة++ يكون ظلاماً للعدو المزاحم فاستدل نبيه حجاب من هذه الأبيات علي أنه من الشيعة، مع أنه مدح العباسيين بقصائد أكثر وأبيات أكثر حرارة وذلك كقوله: انصفمتونا فعابوا حكمكم حسداً++ والله يعصمكم من غل حساد لولا الخليفة أنا لا نخالفه++ لقد دلفنا لأرواد بأرواد ومدح غيرهم وغيرهم وذلك واضح في ديوانه ولكنه لم ينسب لمن مدحهم ولكن بمدحه لابراهيم صار شيعياً والغرض من ذلك أن يكون شيعياً وهو في نفس الوقت شعوبي حتي تنسب بعد ذلك الشعوبية للشيعة: فاستمع إلي ما يقول محمد نبيه حجاب: يقول في آخر ترجمته: هذا هو بشار الزنديق المارق الماجن المستهتر الزرادشتي العقيدة الشيعي المذهب الشعوبي المتعصب [313] . وتذكرني هذه العبقريات المتوثبة من نبيه حجاب بحكاية مثلها أذكرها لك وقد رواها عبدالحي الكتابي في كتابه التراتيب الإِدارية: قال: كان عند أولاد تيم الدراي كتاب النبي صلي الله عليه وآله وسلّم في قطعة أديم: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أنطي محمد رسول الله تميماً الداري أقطعه قريتين جبرون، وبيت عينون ببلد الخليل، فبقي ذلك في يده ويشاهد الناس كتابه إلي

[ صفحه 218] أن غلب الإِفرنج علي القدس والخليل سنة 492 ه_ قال ولقد اعترض بعض الولاة علي آل تميم أيام كنت بالشام _ الحديث لأبي بكر القاضي _ وأراد انتزاعها منهم فحضر القاضي حامد الهروي وكان حنفياً في الظاهر، معتزلياً في الباطن ملحداً شيعياً، فاحتج أولاد تميم بالكتاب فقال القاضي هذا الكتاب ليس بلازم إلي آخر القصة [314] أرأيت كيف يتفق منطق المهرجين في كل عصر: قاضي من الأحناف يريد أن يدفعه عن الأحناف فيجعله تارة معتزلياً وفي نفس الوقت حنفياً وملحداً وشيعياً وهكذا انه نفس منطق نبيه حجاب. ان أمثال هذا الأقوال يجب أن ترمي في الكتاسة لنخلص أجيالنا من هذه الجيف. ح _ يزيد بن ضبة مولي ثقيف: كان مع الاُمويين ويرمي بالمانوية والشعوبية وانقطع للوليد بن يزيد وعده أكثر من مؤلف من الشعوبيين [315] . ط _ حماد بن سابور: ابن المبارك المعروف بحماد الراوية ديلمي الأصل بكري الولاء وهو من أكابر الشعوبية [316] . ي _ إسماعيل بن يسار: كان منقطعاً لآل الزبير ثم مال لبني مروان وعده بعضهم انتهازياً وكان يعد من أبرز الشعوبيين وأشدهم تعصباً علي العرب [317] . ك _ إسحاق بن حسان الحريمي: لم يرد نص علي أنّه من النحلة الفلانية أو غيرها وكان من كبار الشعوبيين [ صفحه 219] ولكن الخطيب البغدادي يقول عنه كان يتأله ويتدين فهو عنده مؤمن [318] . ل _ إبراهيم بن حمشاذ المتوكلي: وقد كان من ندماء المتوكل الخليفة العباسي (محي السنة) وكان ينادمه علي الشراب حتي نسبه إليه، ولم يذكروا له عقيدة خاصة ولكن انتمائه إلي المتوكل قد يقوم قرينة علي الإِتحاد في الميول وكان من كبار الشعوبية [319]

. م _ الحسن بن هاني أبو نواس: مولي الجراح بن الحكم اعتبره بعضهم مجرد متهتك، واعتبره البعض الآخر زنديقاً، واعتبره آخرون مانوياً ورموه بالشعوبية، واعتبره نبيه حجاب كافراً ملحداً لا دين له [320] . ن _ ابن الرومي علي بن العباس بم جريح: يقول عنه نبيه حجاب: ولم يشر أحد من رواة الأدب ومؤرخيه إلي ما كان عنده من عصبية لقومه، ولكن أشعاره لا تخلو من هذه النزعة وان بدت في أبيات قليلة ومن هذه الأبيات قوله: ونحن بنو اليونان قوم لنا حجي++ ومجد وعيدان صلاب المعاجم ومنها قوله: وإذا ما حكيت الروم أهلي++ في كلام معرب كنت أهلا أما البيت الوحيد الذي قطع فيه نبيه حجاب علي شعوبية ابن الرومي فهو البيت الآتي: آبائي الروم توفيل وتوفلس++ ولم يلدني ربعي ولا شبث [ صفحه 220] مع أن ابن الرومي لم يقصد بربعي وشبث الكلي الطبيعي وإنما أراد به شبثاً وربعياً أباه الذي ثبت انه أحد قتلة الحسين عليه السلام، وكأن ابن الرومي يريد أن يقول مع أني ابن توفيل ولكني محب لآل رسول الله، ومع أن شبثاً وربعياً من العرب وممن رفعتهم رسالة النبي ولكنهم أعداء لآله وعلي العموم فابن الرومي شيعي مشهور وهذا هو السر في أن نبيه حجاب يعتبره من الشعوبيين وإلا فقد سمعت شهادة نبيه حجاب نفسه علي أنه لم ينص أحد المؤرخين وكتاب الأدب علي عصبيته لقومه [321] . س _ عبدالسلام بن رغبان: اعتبره من الشعوبيين ويقول نبيه حجاب لم نجد به بيتاً واحداً يشير إلي شعوبيته ومع ذلك فقد نص ابن خلكان علي عصبيته لقومه بقوله: مالهم _ يعني العرب _ فضل علينا أسلمنا وأسلموا، وبالوقت الذي

يقول فيه نبيه حجاب ما سمعته لكنه في الأخير: يقول وإذا علمنا أنه كان متشيعاً وانه كان ماجناً خليعاً عاكفاً علي اللهو والقصف كما يقول ابن خلكان، وهذان من مظاهر الشعوبية فقد حق لنا بعد هذا أن ننظمه في سمط الشعوبية كما فعل الأستاذ السباعي بيومي مع الخريمي وبشار وغيرهما: [322] . وأنا اُريد أسأل القارئ هل لاحظ هذه الأدلة القوية علي الشعوبية التي يوزعها هؤلاء العباقرة يميناً وشمالاً بأدلة كهذه الأدلة. أللهم إنك تعلم اننا نأسي علي الجيل الذي يربيه أمثال هؤلاء فان بلية العلم والأدب والفكر بهؤلاء عظيمة، واروع من ذلك ما سأقدمه لك في المثل الأخير وهو منطقه في الإِستدلال علي شعوبية دعبل بن علي فاستمع إليه. ع _ دعبل بن علي الخزاعي: وهو خزاعي صلبي وليس من الموالي كما حاول البعض أن يصوره وكتب [ صفحه 221] الأنساب قد أكدت ذلك. وكان من مشاهير الشيعة وأدبائهم وحمة المبادئ فيهم وهو صاحب القصائد الرائعة في مدح أهل البيت ورثائهم والتفجع لهم. وقد صورته كتب الأدب بأنه هجاء خبيث اللسان لم يسلم أحد من لسانه، وقد استدل نبيه حجاب علي أنه من الشعوبية لأنه هجا المأمون وفي ذلك يقول نبيه: وفي هجائه المأمون وتطاوله عليه تتجلي عصبيته وشعوبيته حيث فخر بقومه وبلائهم في الحروب واياديهم عليه في ارتقاء عرش الخلافة استمع إليه يقول: أيسومني المأمون خطة عاجز++ أو ما رأي بالأمس رأس محمد اني من القوم الذين سيوفهم++ قتلت أخاك وشرفتك بمقعد رفعوا محلك بعد طول خموله++ واستنقذوك من الحضيض الأوهد ويقول في آخر ترجمته: هذا هو دعبل الخزاعي وهذا هو لسانه السليط الذي جرده علي العرب وخلفائهم [323] . وهذه هي لأدلة

المثبتة التي تساق لنسبة الشعوبية إلي الشيعة فاعطفها علي ما سبقها من التهم. وبعد هذه الجولة نعود ثانية لنسائل الدكتور أحمد أمين ما هو دليله لنسبة الشعوبية للشيعة فانه عندما نطق بالعبارة التي أثبتناها في صدر هذا العنوان وعد بأنه سيبحث موضوع الشعوبية عند ذكره للمذاهب في فصل الشيعة لكنه لم ينفذ وعده لأنه لم يجد ولن يجد أي دليل علي قوله، وقد ذكرنا لك في هذا الفصل أسماء أبرز الشعوبيين كما ينص عليهم المؤرخون والكتاب وعرفت أين هم من الشيعة. وأختم هذا الفصل بصورة أضعها امامك فهي قوية في تعبيرها: يقول شكري الألوسي في كتابه بلوغ الإِرب في معرفة احوال العرب ما يلي: قال ابو عبيد البكري في شرح امالي القالي: كتاب مثالب العرب اصله [ صفحه 222] لزياد بن ابيه فانه لما ادّعي ابا سفيان أبا علم ان العرب لا تقرّ له بذلك مع علمهم بنسبه فعمل كتاب المثالب والصق بالعرب كل عيب وعار وباطل وافك وبهت ثم ثني علي ذلك الهيثم بن عدي وكان دعيّاً فأراد أن يعيّر أهل الشرف تشفّياً منهم ثم جدد ذلك ابو عبيدة محمد بن المثني وزاد فيه لأن اصله كان يهودياً اسلم جده علي يد بعض آل أبي بكر فانتمي الي ولاء تيم، انتهي النص كما ذكره الألوسي في فصل الشعوبية من كتابه المذكور. ان زياداً يعتبر مؤرخوا السنة وكتابهم من اسرة تمثل نموذجاً للحكم العربي وتطلعاته القومية وكان موقفه من العرب كما سمعت موقف مشوّه لتاريخهم طاعن في أنسابهم باحث في مثالبهم رائد من رواد الشعوبية بأقذر صورها. وبعد هذا ساُقدم لك موقف شيعي من الشيعة وان كان من اصل غير عربي حتي تتخذ من الموقفين

مؤشراً يدل علي اتجاه كل من الفريقين ازاء الشعوبية لتعليم اين مكان الشعوبية من الفريقين: يقول بديع الزمان الهمداني كنت عند الصاحب اسماعيل بن عباد يوماً وقد دخل عليه شاعر من شعراء العجم فأنشده قصيدة يفضل فيها قومه علي العرب ويذم العرب وهي: غنينا بالطبول عن الطلول++ وعن عيس عذافرة ذمول واذهلني عُقار عن عِقار++ ففي است ام القضاة مع العدول فلست بتارك ايوان كسري++ لتوضح أو لحومل فالذحُول وضب بالفلا ساع وذئب++ بها يعوي وليث وسط غيل يسلون السيوف لراس ضب++ حسراشاً بالغداة وبالأصيل اذا ذبحوا فذلك يوم عيد++ وان نحروا ففي عرس جليل اما لو لم يكن للفرس الا++ نجار الصاحب القرم النبيل لكان لهم بذلك خير فخر++ وجيلهم بذلك خير جيل فلما وصل إلي هذا الموضع من الانشاد قال له الصاحب فذاك ثم اشرأب ينظر الي الزوايا والي اهل المجلس وكنت جالساً في زاوية من البهو فلم يرني فقال [ صفحه 223] اين أبو الفضل. فقمت وقبلت الأرض وقت امرك فقال اجب عن ثلاثتك. قلت وما هي قال: ادبك ونسبك ومذهبك فقلت لا فسحة للقول ولا راحة للطبع الا السرد تسمع، ثم انشدت اقول: اراك علي شفا خطر مهول++ بما اودعت لفظك من فضول تريد علي مكارمنا دليلا++ متي احتاج النهار الي دليل السنا الضاربين جزيً عليكم++ وان الجزي اولي بالذليل متي قرع المنابر فارسي++ متي عرف الأغر من الحجول متي عرفت وانت بها زعيم++ اكف الفرس اعراف الخيول فخرت بملء ما ضغتيك هجرا++ علي قحطان والبيت الأصيل وتفخر ان ماكولا ولبساً++ وذلك فخر ربات الحجول ففاخرهن في خد اسيل++ وفرع في مفارقها رسيل فامجد من ابيك اذا تزيّا++ عراة كالليوث علي

الخيول قال فلما اتممت انشادي التفت إليه الصاحب وقال كيف رأيت. قال لو سمعت به ما صدقت. قال فإذاً جائزتك جوازك، ان رأيتك بعد هذا ضربت عنقك، ثم قال لا أدري احداً يفضل العجم الا وفيه عرق من المجوسية ينزع اليه. [324] واظنك تلمح معي نظرة الشيعي الايجابية التي تري في العرب موئل امجاد وموضع تشريف لحملهم رسالة الإِسلام وهي رسالة الخلود ولا اُريد الإِطالة لأترك لك ان تتمتع بأصداء هذا الموقف المشرف وتجيل ذهنك في اجوائه، اما بعد فإني في ختام هذا البحث أرجو أن أكون قد وضعت بين يدي القارئ بطاقة واضحة عن هوية التشيع ولم يكن رائدي والله يعلم حب التهجم أو الإِنتقام وممن ينتقم المسلم أمن أخيه المسلم؟ وذلك تفاهة وأي تفاهة وإنما كان رائدي لذلك رغبة ملحة في جلاء الضباب الذي حجب الرؤية الواضحة زماناً طويلاً لشيعة أهل البيت عن أنظار الباحثين مما سبب كثيراً من الخلط والتجديف، والله تعالي [ صفحه 224] هو المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين ويلم شعثهم والحمد لله أولاً وآخراً. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

پاورقي

[1] صحاح الجوهري: 3/156، وتاج العروس ولسان الميزان مادة شيع.

[2] شرح اللمعة 2/228.

[3] موسوعة العتبات المقدسة المدخل ص91.

[4] الملل والنحل ص107.

[5] فرق الشيعة.

[6] دائرة المعارف 5/424.

[7] مقدمة في تاريخ صدر الإِسلام ص72.

[8] دائرة معارف فريد وجدي 5/424.

[9] الصلة بين التصوف والتشيع ص23. [

[10] فجر الإِسلام ص276.

[11] نظرية الإِمامة ص35.

[12] تاريخ ابن خلدون: 3/364.

[13] فجر الإِسلام ص266.

[14] تاريخ الإِسلام: 1/371.

[15] تاريخ اليعقوبي: 2/104.

[16] نظرية الإِمامة ص33.

[17] العقيدة والشريعة ص174.

[18] عوامل أهداف نشأة علم الكلام 1/105.

[19] فرق الشيعة ص16.

[20] الفهرست لابن النديم ص175.

[21] الصلة بين التصوف والتشيع ص23.

[22] مقدمة

في تاريخ صدر الإِسلام ص72.

[23] تاريخ الشعوب الإِسلامية ص128.

[24] عوامل وأهداف نشأة علم الكلام 1/106.

[25] الدر المنثور للسيوطي 6/376.

[26] روضان الجنات للخونساري ص88.

[27] نظرية الإِمامية ص31.

[28] مقدمة في تاريخ صدر الإِسلام ص72.

[29] عوامل وأهداف نشأة علم الكلام 1/105.

[30] المصدر السابق ص106.

[31] حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص104.

[32] الفرق والمقالات للنوبختي باب تعريف الشيعة.

[33] تاريخ الطبري 2/216، وتاريخ ابن الأثير 2/28.

[34] تفسير الرازي 3/431.

[35] الصواعق المحرقة الباب الثاني من الفصل التاسع.

[36] البيان والتعريف 2/136.

[37] أعيان الشيعة ج3 باب الغدير.

[38] الكامل للمبرد هامش رغبة الأمل 7/130، وأسد الغابة 1/35 ط أوفست حرف الألف، و1/61 طبع دمشق، وفجر الإِسلام ص267، والاستيعاب 1/280، ومدخل موسوعة العتبات المقدسة الفصل الخاص بالشيعة بقلم عبدالواحد الأنصاري.

[39] صفين لنصر بن مزاحم ص115.

[40] فجر الإِسلام ص268.

[41] تاريخ ابن خلدون 3/364.

[42] الإِستيعاب 2/452.

[43] الكامل للبمرد هامش رغبة الأمل ج7.

[44] وفيات الأعيان 2/269.

[45] تاج العروس 5/34.

[46] صحاح الجوهري 3/1078 تسلسل عام الكتاب.

[47] ترتيب المدارك 1/51.

[48] تاج العروس 5/35.

[49] انظر مورج الذهب للمسعودي 3/12 و50، وانظر تاريخ الطبري 6/344.

[50] تهذيب التهذيب لابن حجر 2/347.

[51] إحياء العلوم 2/276.

[52] انظر الغدير للأميني 11/161.

[53] المصدر السابق نفس الصفحات.

[54] الصواعق المحرقة لابن حجر ص128.

[55] مستدرك الحاكم 3/148.

[56] نقلت هذا الفصل من كتاب مبادئ الفقه لمحمد سعيد العوفي ص52 طبع دمشق الثالثة 1977.

[57] نيل الاوطار للشوكاني ط مصر 1952 2/27.

[58] الفصول المهمة لشرف الدين ص163، والبيان للخوئي ص197.

[59] الأصول العامة للفقه المقارن ص179 حتي ص300 وانظر أصول الفقه للمظفر 3/338 فصاعداً وانظر البيان للسيد الخوئي مبحث صيانة القرآن عن التحريف.

[60] تفسير الطبري 1/234.

[61] تاريخ الطبري 1/142. وإذا كان يمكن لكبش أن يعيش هذه المدة الطويلة كما هو في الفكر

السني فلماذا يستكثر علينا اذا قلنا أنّ شخصاً عاش منذ ألف ومائة سنة تقريباً للآن ولا يستكثر علي من يفرض أنّ كبشاً عاش آلافاً مؤلفة من السنين.

[62] تاريخ الطبري 1/164.

[63] البخاري 4/164.

[64] البخاري 4/122.

[65] البخاري 4/157.

[66] البخاري 8/18.

[67] البخاري 8/50.

[68] انظر صحيح مسلم ج2 باب فضائل علي، البخاري ج3 باب غزوة خبير.

[69] الفصول المهمة لشرف الدين ص18.

[70] الفصل لابن حزم 3/247.

[71] الفصول المهمة لشرف الدين ص32.

[72] تاريخ المذاهب الإِسلامية لأبي زهرة 1/41.

[73] نفس المصدر السابق والصفحة.

[74] فجر الإِسلام ص111.

[75] فجر الإِسلام ص92.

[76] تاريخ الشعوب الإِسلامية ص128.

[77] مؤرخ العراق ابن الفوطي 1/36 و37.

[78] ضحي الإِسلام ج ص3.

[79] راجع الإِمام الصادق لأسد حيدر 1/344.

[80] مروج الذهب ج2.

[81] ضحي الإِسلام 1/20.

[82] الزندقة والشعوبية لسميرة الليثي ص81.

[83] فجر الإِسلام ص276.

[84] فجر الإِسلام ص111.

[85] تاريخ المذاهب الإِسلامية 1/41.

[86] القاموس الإِسلامي 3/222.

[87] الزندقة والشعوبية ص56.

[88] تاريخ المذاهب الإِسلامية 1/40.

[89] فجر الإِسلام ص276.

[90] فجر الإِسلام نفس الصحيفة 276.

[91] مجلة المنار لرشيد رضا مجلد 11 سنة 1326 ه_.

[92] فجر الإِسلام ص91.

[93] تاريخ الخميس للدياربكري 2/321 و322.

[94] فجر الإِسلام ص 284.

[95] الفصول المهمة لشرف الدين ص281، وعقائد الإِمامة للمظفر ص71.

[96] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/97.

[97] انظر صحيح البخاري 5/137، انظر طبقات ابن سعد 4/61، وانظر النهاية لابن الأثير 5/246 في مادة هجر. وفي هذا المعني يقول أحد الشعراء: أوصي النبي فقال قائلهم++ قد راح يهجر سيد البشر لكن أبا بكر أصاب ولم++ يهجر وقد أوصي إلي عمر لأنّ كلاً منهما كانت وصيته في مرض الموت.

[98] أنظر القومية العربية للدكتور حازم زكي نسيبه ص101، وأنظر نحو الوحدة العربية ليوسف هيكل فصل اللغة، وانظر آراء وأحاديث في الوطنية والقومية لساطع الحصري ص20.

[99] مجلة عالم

الفكر الكويتية مجلد 6 العدد الخاص باللغة. [

[100] انظر أسد الغابة 1/35، وأعيان الشيعة للأمين 1/61.

[101] انظر الفقه علي المذاهب الأربعة 1/314، وفجر الإِسلام ص250، وكنز العرفان للمقداد السيوري 1/117.

[102] كنز العرفان 2/72.

[103] الأحوال الشخصية لمحمد أبو زهرة ص27 ط مصر الأولي.

[104] الفصل بين الملل والنحل 4/89.

[105] طبقات ابن سعد 3/343.

[106] ضحي الإِسلام 1/62.

[107] الفرق بين الفرق للبغدادي باب الخوارج.

[108] الإِمام الصادق لأسد حيدر 1/157.

[109] فجر الإِسلام ص276.

[110] الدولة العربية ص127.

[111] الشيعة والخوارج ص241.

[112] الحضارة الإِسلامية 1/101.

[113] العقيدة والشريعة ص204.

[114] دراسات في الفرق والعقائد ص326.

[115] طبقات ابن سعد ج6 تراجم من سكن الكوفة من التابعين.

[116] دائرة المعارف 14/66.

[117] معجم البلدان لياقوت الحموي 4/397.

[118] أحسن التقاسيم للشاري ص199.

[119] ترتيب المدارك 1/53.

[120] تاريخ الشعوب الإِسلامية ص497.

[121] دراسات في الفرق والعقائد ص26.

[122] مناقب أبي حنيفة للموفق بن أحمد 1/16.

[123] انظر الإِمام الصادق لأسد حيدر 3/220.

[124] الإِمام الصادق لأسد حيدر 2/200.

[125] طبقات الحنابلة لأبي يعلي 1/4.

[126] أنظر في تلك وفيات الأعيان 1/21، والكني والألقاب 3/207، ومعجم المؤلفين 12/115، ومقدمات الصحاح الستة في تراجم أصحابها.

[127] فجر الإِسلام ص191، و204، ومعجم المؤلفين 1/59.

[128] انظر في تراجم هؤلاء معجم المؤلفين لكحالة 1/206، فجر الإِسلام ص241 والكني والألقاب للقمي 1/6 فصاعداً.

[129] زعماء الإِصلاح لأحمد أمين ص10.

[130] معجم البلدان 3/377.

[131] المناظرات للرازي ص25 بتوسط الإِمام الصادق 5/48.

[132] الملل واللنحل هامش الفصل 1/193، وحتي 2/3.

[133] صحيح البخاري 4/146 باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

[134] البيان للخوئي ص390.

[135] البيان للخوئي ص385 فصاعداً.

[136] الشيعة والرجعة للطبسي 2/248.

[137] الملل والنحل فصل الشيعة.

[138] شذرات الذهب 3/299، والسيف اليماني للبرلسي رسالة صغيرة مع عدة رسائل، ووفيات الأعيان 1/369، ولسان الميزان 4/199 فصاعداً.

[139] الفصل في المل والنحل 4/181.

[140] المنخول للغزالي ص354،

و488.

[141] العقد الفريد 2/404 فصاعداً.

[142] الملل والنحل هامش الفصل 1/195.

[143] الفصل في الملل والنحل 4/179.

[144] دراسات في الفرق والعقائد ص25.

[145] انظر فجر الإِسلام ص234.

[146] الجزء الأول من كتاب الغدير للأميني، والإصابة لابن حجر في ترجة الإِمام علي عليه السلام والإستيعاب لابن عبد البر في ترجمة الإِمام عليّ، وأعيان الشيعة ج3، وتفسير كل من الرازي، والدرّ المنثور للسيوطي عند تفسير الآية المذكورة وتفسير مجمع البيان كذلك.

[147] السيرة الحلبية 3/358، وصحيح البخاري باب فضل أبو بكر، والغدير للأميني 7/141.

[148] انظر تاريخ الطبري 3/330و301.

[149] تاريخ الطبري 4/54.

[150] الطبري 5/35.

[151] الطبري 6/126 طبعة 1932.

[152] اعتقادات فرق المسلمين ص60.

[153] دراسات في الكافي والصحيح لهاشم معروف طبعة بيروت الأولي.

[154] العقد الفريد 2/409.

[155] انظر دراسات في الفرق والعقائد: ص30.

[156] دراسات في عقائد والفرق الإِسلامية ص18.

[157] سورة طه آية 114.

[158] أوائل المقالات للمفيد ص53 إلي آخر الفصل.

[159] أعيان الشيعة للأمين 1/91.

[160] عقائد الإِمامية للمظفر ص43 فصاعداً.

[161] تهذيب التهذيب لابن حجر 4/295، والغدير للأميني 8/68.

[162] لسان الميزان 3/12، والغدير للأميني 8/143.

[163] انظر الغدير للأميني 9/218.

[164] تاريخ المذاهب الإِسلامية 1/32.

[165] تاريخ المذاهب الإِسلامية 1/43.

[166] داورة معارف القرن العشرين 5/17 فصاعداً.

[167] القاموس الإِسلامي 3/222.

[168] انظر فجر الإِسلام ص276، والتمهيد والبيان ص96، والأعلام للزركلي 4/220.

[169] انظر هامش منهاج السنة لابن تيمية ص220.

[170] المقالات والفرق ص15.

[171] انظر هامش منهاج السنة لابن تيمية ص15.

[172] الإِمام الصادق لأسد حيدر 6/237.

[173] طه حسين الفتنة الكبري فصل ابن سبأ.

[174] انظر آراء المستشرقين المذكورة في نظرية الإِمامة لأحمد محمود ص37.

[175] خطط الشام 6/251.

[176] نظرية الإِمامة ص37، وعاظ السلاطين ص279 والصلة بين التصوف والتشيع ص84.

[177] مروج الذهب للمسعودي 3/30.

[178] نشأة الفكر الفلسفي ص28.

[179] مجلة الكاتب عدد أذار 1965.

[180] نظرية الإِمامة ص39.

[181] انظر تاريخ الطبري

2/216، وتاريخ ابن الآثير 2/28، وتفسير الدر المنثور للسيوطي 45/97 طبعة أوفست.

[182] توفيق التطبيق للكيلاني ص16.

[183] نظرية الإِمامة ص111 و112.

[184] معالم الفلسفة لمغنية ص193.

[185] الألفين للعلامة الحلي ص54.

[186] الأربعين للرازي ص434.

[187] نهاية الإِقدام للشهرستاني ص85.

[188] كشف المراد للعلامة الحلي ص124.

[189] انظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة 5/219 فصاعداً.

[190] المستصفي مبحث أركان الإِجماع.

[191] نظرية الإِمامة: 117.

[192] نظرية الإِمامة 120.

[193] طبقات الفقهاء للشيرازي ص3.

[194] الآية 7 من سورة الحشر.

[195] شرح المقاصد بتوسط الغدير للأميني 9/375.

[196] الغدير نفس 9/375.

[197] الغدير لأميني 7/140. المواقف ص399.

[198] نشأة الآراء والمذاهب والفرق الكلامية 1/1279 حتي142.

[199] مظاهر الشعوبية في الأدب العربي ص492.

[200] ميزان الإعتدال 1/166.

[201] روح المعاني 20/9.

[202] البحار للمجلسي 12/22.

[203] مقتل الحسين للمقرم باب علم الإِمام ص24 فصاعداً.

[204] انظر القرطبي تفسير سورة الحج من تفسيره.

[205] انظر الدر المنثور 4/366.

[206] صحيح البخاري وصحيح مسلم باب فضائل عمر.

[207] الغدير للأميني 6/186.

[208] التهذيب لابن حجر 7/477.

[209] البيان والتعريف لابن حمزة الحنفي 2/136.

[210] مستدرك الحاكم 3/745.

[211] تظرية الإِمامة ص61.

[212] المستصفي 1/260.

[213] أعلام الموقعين 4/118.

[214] تفسير المنار 2/83.

[215] الغدير للأميني 6/223.

[216] مجمع البيان 2/230.

[217] نظرية الإِمامة ص135 فصاعداً.

[218] عقيدة الشيعة لدونالدسن ص228.

[219] بحار الأنوار للمجلسي 3/51.

[220] اللمعة الدمشقية 1/288 طبع إيران.

[221] الإِمام الصادق لأسد حيدر 4/150.

[222] شرح عقائد الصدوق للشيخ المفيد باب الغلاة.

[223] دائرة المعارف الإِسلامية 14/63.

[224] نظرية الإِمامة ص436 هامش.

[225] فجر الإِسلام ص2371.

[226] الفرق بين الفرق ص53.

[227] الفرق بين الفرق ص44.

[228] تاج العروس 8/194.

[229] تطور المجتمع الإِسلامي ص48.

[230] الصلة بين التصوف والتشيع _ فصل الغلاة.

[231] الصلة بين التصوف والتشيع ص114.

[232] عمدة التحقيق ص184.

[233] مصباح الظلام 2/216.

[234] مصباح الظلام 2/16.

[235] الإِمام الصادق لأسد حيدر 5/117.

[236] المصدر السابق 3/470.

[237] نظرية الإِمامة ص420.

[238] نفس المصدر السابق ص399.

[239] نظرية الإِمامة

ص127.

[240] شرح اللمعة للشهيد الثاني 2/381، وكنز العرفان للمقداد 1/342.

[241] صفوة البيان لمخلوق 1/397، ومجمع البيان للطبرسي 3/271.

[242] نظرية الإِمامة ص399.

[243] التشيع والشيعة ص35.

[244] تاريخ الإِمامية وأسلافهم ص165.

[245] راجع أعيان الشيعة 4/348.

[246] نظرية الإِمامة ص405.

[247] الإِمام الصادق 6/146.

[248] أعيان الشيعة 4/388.

[249] أعيان الشيعة 4/389.

[250] تفسير الرازي 3/416.

[251] أعيان الشيعة 4/390.

[252] منهاج السنة لابن تيمية 1/29.

[253] تفسير الفخر الرازي عند قوله تعالي (ولا تقف ما ليس لك به علم) الخ.

[254] وفيات الأعيان 2/465.

[255] البخاري 4/43.

[256] أحكام القرآن لابن العربي ص1166 تسلسل عام.

[257] المصدر السابق 2/1257.

[258] دراسات في الفرق والعقائد ص45.

[259] أوائل المقالات ص66.

[260] الإِنتصار للخياط 8/128.

[261] الملل والنحل هامش الفصل 4/68.

[262] إحياء العلوم 3/119.

[263] تفسير الطبري 3/229، وتفسير الرازي عند تفسير الآية المذكورة.

[264] المحلي لابن حزم 8/335، والمسألة 1408.

[265] ضحي الإِسلام 3/246.

[266] أوائل المقالات 97.

[267] عقائد الإِمامية للمظفر ص87.

[268] التنبيه والرد بحث التقية.

[269] دراسات في الفرق والعقائد ص53.

[270] دراسات في الفرق والعقائد ص42.

[271] الإِمام الصادق لأسد حيدر 2/310.

[272] تاريخ اليعقوبي 3/198.

[273] الإِمام الصادق لأسد حيدر 2/310.

[274] منهاج السنة لابن تيمية 1/333.

[275] المصدر السابق 1/13.

[276] شرح اللمعة 2/73.

[277] كنز العرفان 2/141.

[278] المحلي لابن حزم 6/441.

[279] شرح فتح القدير 2/379.

[280] الأحوال الشخصية ص83.

[281] بدائع الصنائع 7/65.

[282] الاعتصام 2/44.

[283] الإِعتصام 2/44.

[284] بدائع الصنائع 7/35.

[285] فلسفة العقوبة لأبي زهرة ص183.

[286] المغني لابن قدامة 6/439.

[287] الحضارة الإِسلامية لادم متز 2/30.

[288] منهاج السنة 1/16.

[289] الفصل بين الملل والنحل 4/183.

[290] اعتقادات فرق المسلمين ص59.

[291] راجع ترجمة الشعبي وفيات الأعيان 1/266.

[292] لسان الميزان /427.

[293] الصواعق المحرقة لابن حجر ص53.

[294] أعيان الشيعة 1/92.

[295] عقائد الإِمامية ص64.

[296] الكامل للمبرد 2.

[297] مظاهر الشعوبية لمحمد نبيه حجاب ص51.

[298] تاريخ الطبري 8/35.

[299] ضحي الإِسلام 1/63.

[300] تأسيس الشيعة لعلوم الإِسلام

46 إلي 182، والغدير للأميني 3/330.

[301] الأغاني 12/167 ط الساسي.

[302] انظر مظاهر الشعوبية ص317.

[303] ديوان الرضي 1/128.

[304] ديوان الرضي 1/145.

[305] ديوان المتنبي 4/179 و261.

[306] شرح الشافية ص219.

[307] معجم الأدباء 19/156 وانظر سر انحلال الامة العربية.

[308] معجم الأدباء 19/310.

[309] معجم الأدباء 12/191.

[310] مظاهر الشعوبية ص422.

[311] المصدر السابق ص397.

[312] دائرة معارف وجدي 20/505.

[313] مظاهر الشعوبية ص274.

[314] التراتيب الإِدارية 1/150.

[315] مظاهر الشعوبية ص161.

[316] مظاهر الشعوبية ص153.

[317] مظاهر الشعوبية 2/159.

[318] تاريخ الخطيب 6/326.

[319] مظاهر الشعوبية ص307.

[320] مظاهر الشعوبية ص286.

[321] مظاهر الشعوبية ص309.

[322] مظاهر الشعوبية ص313.

[323] مظاهر الشعوبية ص301.

[324] انظر انحلال الاُمة العربية ص29 لمحمد سعيد العوفي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.