نقض رسالة الحبل الوثيق في نصرة الصديق للحافظ جلال الدين السيوطي

اشارة

عنوان : نقض رسالة الحبل الوثيق في نصرة الصديق للحافظ جلال الدين السيوطي
پديدآورندگان : حسن حسيني آل مجدد شيرازي(پديدآور)
نشر : موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)

المقدمة

الحمد لله الذي يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين، وصلّي الله وسـلّم وبارك علي سـيّد الاَوّلين والآخِرين، نبـيّنا محمّـدٍ وعلي آله الغـرّ الكرام الطاهرين، وخِـيَرة صحبه والتابعين، المقتـفين لسُـنّته غير محـدِثين ولا مغيِّـرين. أمّـا بعـد: فإنّ من مكائد القوم المخالفين أنّهم لمّا لم يسعهم إنكار ما نزل من آيات الكتاب العزيز في فضل سيّدنا وإمامنا أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام وجحده، لكثرته واشتهاره بين أهل الاِسلام كافّـةً [1] . [ صفحه 2] عمدوا إلي اختلاق ما يضاهيه في شأن أبي بكر بن أبي قحافة! فمـمّا زعموا نزوله فيه قوله عـزّ من قائل: (وسـيجنّبها الاَتقي - الذي يؤتي ماله يتزكّي) [2] الآيات، وأنّ المراد بالاَتقي أبو بكر خاصة! واحتجّوا بذلك علي أفضليّته علي سائر الخلق بعد النبيّين صلّي الله تعالي وسـلّم عليهم أجمعين! وقد صنّف الحافظ شيخ الاِسلام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي في ذلك رسـالةً وَسَمَها بـ: «الحبل الوثيق في نصرة الصدّيق» [3] ، فنظرنا فيها فإذا هي مبنـيّة علي أُسـس العناد واللجاج، حائدة عن سنن المناظرة والاحتجاج، وفيها من التقوّل الصريح علي الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم ما لا يكاد يخفي علي أُولي الاَلباب.. (ولو تقوّل علينا بعض الاَقاويل - لاَخذنا منه باليمين - ثمّ لقطعنا منه الوتين) [4] . فلَم أرَ بُـدّاً من التنبـيه علي سقطاته، وإيقاف بغاة الحقّ علي غلطاته، ونقـض عُري حبلها الخَلَق عروةً عروة، مستعيناً بالله ذي الحول والقوّة، في هذه الاَلوكة الموسومة بـ: انبلاج الفَلَق بانفصام عُري الحَبْل الخَلَق، وإيّاه أسـأل الهداية للحقّ والصواب، إنّه هو الكريم الوهّاب. [ صفحه 3]

تمهيد

إعلـم أنّ السـيوطي عمـل رسـالته المـذكـورة في ردّ كـلام الشـيخ شـمس الدين الجوجري، الذي ادّعي أنّ الآية وإنْ نزلت في أبي بكر فإنّها عامة المعني، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فلذلك أخذ في النيل منه والحطّ عليه بما لا ينبغي سطره هنا! وقد ذكر في الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة الجدليّة: أنّه ما كان يليق بالجوجري في مثل هذه الواقعة [5] أن يفتي بأنّ الآية ليست خاصّة بأبي بكر ولا دالّة علي أفضليّته، فيؤيّد مقالة الرافضي ويثبّـته علي معتقده، ويدحض حجّةً قرّرها أئمّـةٌ، كلُّ فردٍ منهم أعلم بالتفسير والكلام وأُصول الفقه من مائة ألفٍ مِن مثل الجوجري! ثمّ ازداد في تعنّته وشططه إيغالاً فقال: والله لو كان هذا القول في الآية هو المرجوح، لكان اللائق في مثل هذه الواقعة أن يفتي به، فكيف وهو الراجـح؟! انتهي. نسـأل الله العافية والسـلامة من الخذلان. فانظـر إلي قلّة إنصاف الرجل في محاجّـته مع خصومه [6] واعجـب! [ صفحه 4] فها هو يوبّخ الجوجـري علي إيثاره الحقّ، ونطقه بالصـدق والصواب، ويحمله علي التفوّه بمقالة فاسدة، وكأنّه ما دري أنّ (الحقّ ينطق منصفاً وعنيداً) وأنّه أحقّ أن يتّـبع، والله تبارك وتعـالي يقول: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديداً) [7] . وليس ينقضي العجب ممّن يدّعي الاجتهاد المطلق! ويزعم تجديده لاَمر الدِين علي رأس المائة التاسعة أن يتكلّم بهذا الباطل! وكلُّ بني آدم يعرفون قبح العصبيّة وحميّة الجاهليّة، قال صلي الله عليه وآله وسلم: ليس منّا من دعا إلي عصبيّة، وليس منّا من قاتل علي عصبيّة، وليس منّا من مات علي عصبيّة [8] . فكيف يُـؤمَن هذا ـ وأضرابه من المتشدّقين بالعلم ـ علي دين الله؟! ولسانه دالع بما حكيناه! وإذا كان هذا شأن إمامٍ كبيرٍ من أئمّتهم! فما ظنّك بالسوقة والرعيّة منهم وهم يتأسّون بساداتهم وكبرائهم؟! والخطب الفادح أن يسـنّوا لهم ذلك، ويفتحوا هذا الباب علي مصراعيه. والمسلمون بمنظر وبمسمع++ لا منكر منهم ولا متفجّع ولله درّ من قال: أيا علماءَ السوءِ يا مِلحَ البلدْ++ ما يُصلِحُ الزادَ إذا الملحُ فسدْ؟! وقد أخذ الله علي العلماء الاَمانة وتبليغ الحقّ إلي الخلق، فما هذا الاِغراء بالجهل والقبيح، والاِرغام علي هجر المذهب الصحيح، المعتضد بالنصّ الصريح؟! [ صفحه 5] وَيْ! وَيْ! علي العلم والتحقيق العفا إنْ كان تقرير الاَدلّة وترجيح الاَقوال بهذا النمط! هذا، وإنّنا لنشهد بالمروءة والاِنصاف لكثير من علماء القوم ممّن اتّقي الله وخشيه، فلم تأخذه فيه لومة لائم، ولم يؤثر دنياه علي أُخـراه، فكان حقيقاً بالاتّباع، وجديراً بالاقتفاء.. (أُولـئك الّذين هدي الله فبهداهم اقتـده) [9] . إذا تمهّد هذا فينـبغي الشروع في ردّ كلام السيوطي ونقضه، وبيان وهنه ودحضه، والله المستعان في الاَُمور كلّها، دِقّها وجِلِّها، وهو المرشد للحقّ والهادي للصواب. [ صفحه 6] قـال: الفصل الاَوّل: في تقرير أنّها [10] نزلت في حقّ أبي بكر.. قال البزّار في مسنده: حدّثنا بعض أصحابنا، عن بشر بن السري، ثنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبـدالله بن الزبير، عن أبيه، قال: نزلت هذه الآية (وسـيُجنّبها الاَتقي - الذي يؤتي ماله يتزكّي) إلي آخر السورة، في أبي بكر الصدّيق. انتـهي. أقـول: هذا خبر آحاد معلَّق، والواسطة مجهولة، وهو كافٍ في سقوطه وعدم اعتباره، فكيف إذا اشتمل إسناده علي من لا يحتجّ به؟! فأمّا بشر بن السري، فقد قال أحمد: سمعنا منه، ثمّ ذكر حديث: (ناضرة - إلي ربّها ناظرة) [11] فقال: ما أدري ما هذا؟! أيش هذا؟! فوثب به الحميدي وأهل مكّة فاعتذر، فلم يُقبل منه وزهد الناس فيه، فلمّا قدمت مكّة المرّة الثانية كان يجيء إلينا فلا نكتب عنه. وقال ابن عديّ: له غرائب عن الثوري ومسعر وغيرهما؛ قال: ويقع في أحاديثه من النكرة؛ لاَنّه يروي عن كلّ شيخ محتمل ـ كما بترجمته في تهذيب التهـذيب [12] . وكان يُرمي برأي جهم، وهو نفي صفات الله تعالي والقول بخلق القـرآن. [ صفحه 7] وأمّا مصعب بن ثابت بن عبـدالله بن الزبير، فإنّ عبـدالله بن أحمد حكي عن أبيه أنّه قال: أراه ضعيف الحديث، لم أرَ الناس يحمدون حديثه. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ضعيف. وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: كثير الغلط، ليس بالقويّ. وقال النسائي: مصعب بن ثابت ليس بالقويّ في الحديث. وقال ابن حبّان في «الضعفاء»: انفرد بالمناكير عن المشاهير، فلمّا كثر ذلك فيه استحقّ مجانبة حديثه. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، يسـتضعف. وقال الدارقطني: ليس بالقويّ [13] . وقال الهيثمي: فيه ضعف [14] . وأمّا عبـدالله بن الزبير، وما أدراك مَن ابن الزبير؟! فإنّه كان يبغض عليّـاً عليه السلام وينال منه وينتقصه! وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا يحبّ عليّـاً منافق، ولا يبغضه مؤمن [15] وقال صلي الله عليه وآله وسلم: من سـبّ عليّـاً فقد سـبّني، ومن سـبّني فقد سـبّ الله [16] . [ صفحه 8] وروي عمر بن شبّة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السِـيَر، أنّه مكث أيّام ادّعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلّي فيها علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم وقال: لا يمنعني من ذِكره إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها! وفي رواية محمّـد بن حبيب وأبي عبيدة معمر بن المثنّي: أنّ له أُهيلَ سوءٍ ينغضون رؤوسهم عند ذِكره! [17] . وروي سـعيد بن جبير أنّ عبـدالله بن الزبير قال لعبـدالله بن عبّـاس: ما حديثٌ أسمعه عنك؟! قال: ما هـو؟ قال: تأنيبي وذمّي! فقال: إنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: بئس المرء يشـبع ويجوع جـاره. فقال ابن الزبير: إنّي لاَكتم بغضكم أهلَ البيت منذ أربعين سنة [18] . وفي نهج البلاغة: ما زال الزبير رجلاً منّا أهلَ البيت حتّي نشأ ابنه المشؤوم عبـدالله [19] . وقال عليُّ بن زيد الجدعاني: كان بخيلاً ضيّق العطاء، سيّيَ الخلق، حسوداً، كثير الخلاف، أخرج محمّـد بن الحنفية، ونفي عبـدالله بن عبّاس إلي الطـائف [20] . وذكر المسعودي في «مروج الذهب» [21] أنّه جمع بني هاشم كلّهم في [ صفحه 9] سجن عارم، وأراد أن يحرقهم بالنار، وجعل في فم الشِعب حطباً كثيراً فأرسل المختارُ أبا عبـدالله الجَدَلي في أربعة آلاف فهزموا ابن الزبير. قال ابن أبي الحـديد [22] وعبـدالله هو الذي حمل الزبير علي الحرب، وهو الذي زيَّن لعائشة مسيرَها إلي البصرة، وكان سبّاباً فاحشاً يبغض بني هاشم ويلعن ويسبّ عليَّ بن أبي طالب عليه السلام. انتهي. فهل يحسن من ذي ديانة أن يركن إلي هذا الناصبيّ في رواياته وأخباره، لا سيّما ما يتعلّق منها بشأن نزول آيات الكتاب العزيز؟! كلاّ وربِّ الراقصات إلي مِني! كيـف؟! وإنّ أُولي الاَلباب لَيعلمون أنّ هذا العلج متّـهَم في نقله هذا، فإنّ أبا بكر جدُّه، فلم يبقَ للناصبة متشـبَّث بإفكه البيّن، ولله الحمـد. هـذا، مع غرابة الخبر! إذ انفرد بشر بن السري بروايته عن مصعب بن ثابت، ولم يتابعه عليه أحد، كما يشهد لذلك الطرق الثلاثة الاَُخري التي حكاها السيوطي عن تفسيرَي ابن جرير الطبري وابن المنذر وعن الآجري في (الشـريعة). مضافاً إلي أنّ عبـدالله لم يشهد شيئاً ممّا حكي؛ لاَنّ عتق الرقاب كان بمكّة، وهو قد وُلِد بالمدينة! فلا يُعلم عمّن أرسل ذلك! قـال: وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: ثنا أبي، ثنا محمّـد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أنّ أبا بكر الصدّيق أعتق [ صفحه 10] سبعةً كلّهم يعذَّب في الله، منهم بلال وعامر بن فهيرة، وفيه نزلت: (وسيُجنّبها الاَتقي) إلي آخر السورة. انتهي. أقـول: عروة بن الزبير تابعيٌّ وُلِد في آخر خلافة عمر، فخبره هذا مرسَـل وهو مردود عند الشافعي ـ إمام السيوطي ـ وكذا القاضي الباقلاّني، واختاره الغزّالي في «المستصفي» [23] . فإن قيـل: إنّ مِثلَه لا يروي إلاّ عن صحابي، فينبغي قبول مرسَلِه. قلنـا: كـلاّ! فإنّ مثل هؤلاء التابعين قد يروون عن غير الصحابي من الاَعراب الّذين لا صحبة لهم، كما اتّفق لعروة هذا فيما أرسـله عن بسرة حيث قال: حدّثني به بعض الحرس. وقال الزهري ـ بعد الاِرسال ـ: حدّثني به رجل علي باب عبـد الملـك [24] . هـذا، مع ما حُكي من سوء حاله، إذ كان يعذر أخاه عبـدالله في حصر بني هاشم في الشِعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول [25] إنّما أراد بذلك أن لا تنتـشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون [ صفحه 11] الكلمة واحـدة!! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنْ يقولون إلاّ كذباً). وذكر أبو جعفر الاِسكافي: أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في عليٍ عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جُعلاً يُرغب في مثله! فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة؛ ومن التابعين عروة بن الزبيـر. روي الزهري أنّ عروة بن الزبير حدّثه، قال: حدّثتني عائشة، قالت: كنت عند رسـول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ أقبل العبّـاس وعليٌّ، فقال: يا عائشة! إنّ هذين يموتان علي غير ملّتي ـ أو قال: ديني ـ!! وروي عبد الرزّاق عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في عليٍ عليه السلام، فسألته يوماً، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟! الله أعلم بهما! إنّي لاَتّهمهما في بني هاشم! قال: فأمّا الحديث الاَوّل فقد ذكرناه، وأمّا الحديث الثاني فهو أنّ عروة زعم أنّ عائشة حدّثته قالت: كنت عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ أقبل العبّاس وعليٌّ، فقال: يا عائشة! إنْ سرّك أن تنظري إلي رجلين من أهل النار فانظري إلي هذين قد طلعا؛ فنظرت فإذا العبّاس وعليُّ بن أبي طالب! [26] . وقال أبو جعفر أيضاً: قد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنّه كان يأخذه الزمَع [27] عند ذِكر عليٍ! فيسـبّه ويضرب بإحدي يديه علي الاَُخري ويقول: وما يغني أنّه لم يخالف إلي ما نهي عنه وقد أراق من دماء المسلمين [ صفحه 12] مـا أراق؟! [28] . وروي جرير بن عبد الحميد عن محمّـد بن شيبة، قال: شهدت مسـجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسـان يذكران عليّـاً عليه السلام، فنالا منه، فبلغ ذلك عليَّ بن الحسين عليهما السلام، فجاء حتّي وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة، فـإنّ أبي حاكَـمَ أبـاك إلي الله فحَـكمَ لاَبي علي أبيـك؛ وأمّا أنت يا زهري، فلو كنت بمكّة لاَريتك كير أبيك! وروي عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيي بن عروة، قال: كان أبي إذا ذكر عليّـاً نال منه! [29] . وصدق الله العليّ العظيم حيث يقول: (والبلدُ الطيّبُ يَخرجُ نباتُه بإذنِ ربّه والذي خَبُثَ لا يَخرجُ إلاّ نكِداً) [30] (ومَثلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتُـثّت مِن فوقِ الاَرضِ ما لها من قَرار) [31] . فوالذي لا إله إلاّ هو لقد أوغل آل الزبير في طغيانهم، ولجّ أُولئك المنافقون في عدوانهم، فلم يزالوا ينالون من آل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ويقعون فيهم علي ريق لم يبلعوه، ونَـفَس لم يقطعوه، ولم يألوا جهداً في ابتغاء الفتنة حتّي خرجوا بعائشة باغين علي عليٍ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسـلام، وقلّبوا الاَُمور حتّي جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون (وخَسِـرَ هنالِكَ المُـبْطِلُون) [32] . ولو شـئنا أن نسرد لك من فضائح هؤلاء الشرذمة ومخازي ذراري [ صفحه 13] ومكاشفتهم لآل محمّـد صلّي الله عليه وعليهم وسلّم في النصب والعداوة لاَملينا عليك كراريس من ذلك! لكن فيما ذكرنا كفاية للمتدبِّر. وبالجملة: فالرجل متّهم كأخيه في مثل هذه الاَخبار والآثار، فلا ينبغي لذي تحصيل أن يُعير لها أُذُناً صاغية. وأمّا ولده هشام، فمدلّس كما حكي شيخ الاِسلام الحافظ ابن حجر [33] عن يعقوب بن شيبة، أنّه قال: كان تساهله ـ يعني هشاماً ـ أنّه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. قـال ابن حجـر: هذا هو التدليـس، وأمّـا قول ابن خـرّاش: كان مالك لا يرضاه، فقد حكي عن مالك أشدّ من هذا. انتهي. قلـت: هو ما حكاه الخطيب في «تاريخ بغداد» [34] ، والحافظ الذهبي في «الكاشف» عن مالك، أنّه قال: هشام بن عروة كذّاب. انتهي. وأمّا سفيان بن عيينة الهلالي، فقد كان مدلّساً أيضاً ـ كما نصّ عليه الذهبي في ميزان الاعتدال وتذكرة الحفّاظ [35] . وأمّا محمّـد بن يحيي بن أبي عمر العدني، فإنّ ابن أبي حاتم حكي عن أبيه أنّه كان به غفلة، قال أبو حاتم: ورأيت عنده حديثاً موضوعاً حدّث به عن ابن عيينة ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب [36] . [ صفحه 14] قـال: وقال ابن جـرير: حدّثنا ابن عبـد الاَعلي، ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني سعيد، عن قتادة، في قوله: (وما لاَحدٍ عندَه مِن نِعمةٍ تُجزي) [37] قال: نزلت في أبي بكر، أعتق ناساً لم يلتمس منهم جزاءً ولا شكوراً، سـتّة أو سبعة، منهم: بلال وعامر بن فهيرة. انتهي [38] . أقـول: هذا الحديث مرسَل أيضاً، وفي إسناده معمر بن راشد، وهو هنا روي عن سعيد بن بشير الاَزدي ـ ويقال: البصري ـ وقد قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيي بن معين يقول: إذا حدّثك معمر عن العراقيّين فخالفه إلاّ عن الزهري وابن طاووس، فإنّ حديثه عنهما مستقيم، فأمّا أهل الكوفة وأهل البصـرة فلا. قال يحيي: وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب، مضطرب كثير الاَوهام [39] . وكان من تدليسه علي الضعفاء، ما حكاه ابن الاَعرابي عن أبي داود، أنّه قال: كان معمر إذا حدّث أهل البصرة قال لهم: عمرو بن عبـدالله، وإذا حدّث أهل اليمن لا يسمّيه ـ كما بترجمة عمرو بن عبـدالله بن الاَسوار اليماني [ صفحه 15] من «تهذيب التهذيب» [40] . وفي إسـناده أيضاً: سـعيد بن بشـير. قال يعقوب بن سـفيان: سـألت أبا مسهر عنه فقال: لم يكن في جندنا أحفظ منه، وهو ضعيف منكَر الحديث. وقال سـعيد بن عبد العزيز: كان حاطب ليـل. وقال عمرو بن عليّ ومحمّـد بن المثنّي: حدّث عنه ابن مهدي ثمّ تـركـه. وكذا قال أبو داود عن أحمد. وقال الميموني: رأيت أبا عبـدالله يضعِّف أمره. وقال الدوري وغيره عن ابن معين: ليس بشيء. وقال عثمان الدارمي وغيره عن ابن معين: ضعيف. وكذا قال النسائي وأبو داود. وقال عليّ بن المديني: كان ضعيفاً. وقال محمّـد بن عبـدالله بن نمير: منكَر الحديث، ليس بشيء، ليس بقويّ الحديث، يروي عن قتادة المنكَرات. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويّ عندهم. وقال الساجي: حدّث عن قتادة بمناكير. وقال ابن حبّـان: كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه، وعن عمرو بن دينار ما ليس يُعرف من حديثه [41] . وأمّا قتادة بن دعامة السدوسي البصري، فقد كان رأساً في بدعة القدر، [ صفحه 16] قال عليّ بن المديني: قلت ليحيي بن سعيد: إنّ عبد الرحمن يقول: اتـرك مَن كان رأساً في بدعة يدعو إليها، قال: كيف تصنع بقتادة وابن أبي داود وعمر بن ذرّ؟! وذكر قوماً. وقال معتمر بن سليمان عن أبي عمرو بن العلاء: كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شيء، يأخذان عن كلّ أحد. وقال ابن حّبان: كان مدلّساً علي قَـدَرٍ فيه [42] . وقال الحافظ الذهبي في (التذكرة) [43] كان قتادة معروفاً بالتدليس. وقال أبو داود: حدّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يَسمع منهم ـ كما بترجمته في «تهذيب التهذيب» [44] . هـذا، وقد ذكر أبو جعفر الاِسكافي في «نقض العثمانية» [45] أنّ بلالاً وعامر بن فهيرة إنّما أعتقهما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، روي ذلك الواقديّ وابن إسـحاق وغيرهما. قال أبو جعفر: وأمّا باقي مواليهم الاَربعة، فإنْ سامحناكم في دعواكم لم يبلغ ثمنهم في تلك الحال ـ لشدّة بغض مواليهم لهم ـ إلاّ مائة درهم أو نحوها، فأيّ فخر في هذا؟! انتهي. قـال: وقال ابن إسحاق: حدّثني محمّـد بن أبي عتيق، عن عامر بن عبـدالله، عن أبيـه، قال: [ صفحه 17] قال أبو قحافـة لاَبي بكر: أراك تعتق رقاباً ضعـافاً، فلو أنّك إذ فعلتَ ما فعلتَ أعتقتَ رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون دونك؟ فقال: يا أبتِ إنّي إنّما أُريد ما أُريد! ثمّ نزلت هذه الآيات فيه: (وسيُجنّبها الاَتقي - الذي يؤتي مالَه يتزكّي - وما لاَحـدٍ عندَه من نعمةٍ تُجـزي - إلاّ ابتغاءَ وجهِ ربّهِ الاَعلي - ولَسـوفَ يَرضي) [46] . أخرجه الحاكم في «المستدرك» من طريق زياد البكائي عن ابن إسحاق، وقال: صحيح علي شرط مسلم. انتهي. أقـول: يقـع الكلام علي هذا الخبر تارةً في إسناده، وأُخري في متنه. أمّا إسناده ففيه محمّـد بن إسحاق بن يسار ـ صاحب «السيرة» ـ وقد تكلّموا فيه، قال مالك: دجّال من الدجاجلة؛ وقال ابن معين: ليس بحجّة؛ وقال أيضاً: ليس بذاك، ضعيف؛ وقال مرّة: ليس بالقويّ؛ وكذلك قال النسـائي [47] . وقال يحيي القطّان: أشهد أنّه كذّاب؛ وقال هشام بن عروة: كذّاب ـ كما في «ميزان الاعتدال» [48] . وقال أحمد: يدلّس؛ وسأله أيّوب بن إسحاق فقال: تقبله إذا انفرد؟ قال: لا والله! [ صفحه 18] وقال الذهبي في «تذكرة الحفّاظ» [49] ليس بذاك المتقن، فانحطّ حديثه عن رتبة الصحّة. وقال الدارقطني: لا يحتجّ به، وقال وهيب: سألت مالكاً عنه فاتّهمه، وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان يحيي بن سعيد الاَنصاري ومالك يجرحان ابن إسحاق [50] . هـذا، واعلم أنّ عتق الرقاب ـ علي تقدير تسليمه ـ إنّما وقع بمكّة، وعبـدالله بن الزبير وُلِد بالمدينة في السنة الاَُولي من الهجرة ـ أو بعد عشرين شهراً ـ فلم يسمع من أبي قحافة ما حكاه عنه، وإنّما أرسله رأساً ولم يسنده إلي من أخذه عنه، فتـنبّه! وأمّا زياد بن عبـدالله بن الطفيل البَـكّائي، فقد قال فيه ابن معين: ليس بشيء؛ وقال أيضاً: كان ضعيفاً؛ وكذا قال ابن سعد. وقال عبـدالله بن عليّ بن المديني: سألت أبي عنه فضعّفه؛ وقال النسـائي: ضعيـف؛ وقال في موضع آخر: ليس بالقـويّ؛ وقال أبو حـاتم: لا يحتجّ به؛ وقال ابن حبّان: كان فاحش الخطأ، كثير الوهم، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد [51] انتهي. ولا يذهب عليك أنّه لا عبرة بتصحيح الحاكم، فإنّ تساهله أعدم النفع بكتابه ـ كما قال الحافظ ابن حجر ـ، ولخّص الذهبي ما ورد من الموضوعات في «المستدرك» فبلغ مائة حديث [52] . [ صفحه 19] ثمّ إنّ متن هذا الخبر ظاهـر النكارة، إذ قد ذكر أصحـاب التواريخ أنّه لم يكن لاَبي بكر ثروة سالفة ولا رئاسة متقدّمة، ولا لاَبيه ولا جدّه، وكان في الجاهلية يعلّم الناس ويأخذ الاَُجرة علي تعليمه، ثمّ صار في الاِسلام خيّاطاً، وليس هذا صنيع الموسرين، وكان أبوه شديد الفقر والمسكنة، حتّي أنّه كان يؤجر نفسـه للناس في أُمور خسـيـسـة! فكان ينادي علي مائـدة عبـدالله بن جُدعان ويطرد عنها الذبّان [53] بأجر طفيف، وفي ذلك يقول أُميّة ابن أبي الصلت في مرثيّة ابن جُدعان: له داعٍ بمكّـة مشـمعل++ وأخر فوق دارته ينادي إلي ردحٍ من الشيزي ملاء++ لُباب البُرّ يلبك بالشهادِ [54] . فمن أين انتقل الغني إلي أبي بكر؟!++ ومن أين اجتمع له ذلك المال؟! ولوكان غنيّـاً لكفي أباه آكل الذبّان! [55] وحسبك في معرفة ضيق عيش أبي بكر وصاحبه ما أخرجه مسلم في صحيحه [56] عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: [ صفحه 20] الجـوع يا رسـول الله! ـ وساق الحديث إلي قوله: ـ فلمّا أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاَبي بكر وعمر: والذي نفسي بيده، لتُسألنّ عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوعُ ثمّ لم ترجعوا حتّي أصابكم هذا النعيـم. فإذا كان هذا حال أبي بكر بالمدينة ـ وقد فتح الله تعالي علي المسلمين من الفتوح والغنائم ما استغنوا به ـ فما ظنّك به إذ كان بمكّة؟! علي أنّك لو تأمّلت وأنصفت لاَذعنت بانتفاء النسبة بين مَن أعتق نفراً من العذاب الدنيوي ـ علي تقدير ثبوته ـ وبين مَن أعتق مَن لا يحصي عددهم إلاّ الله من العذاب الاَبدي، فهذا القسم الاَخير حلية أمير المؤمنين عليه السلام، الواضحة براهينها، اللائح يقينها دون أبي بكر وغيره ممّن قصر عن مجده الشامخ، وشرفه الباذخ، الذي تعدّي ذُري الاَفلاك، وزاحم شرف الاَملاك [57] . قـال: وقال ابن جرير: حدّثني هارون بن إدريس الاَصمّ، ثنا عبد الرحمن بن محمّـد المحاربي، ثنا محمّـد بن إسحاق، عن محمّـد بن عبـدالله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، عن عامر بن عبـدالله بن الزبير، قال: كان أبو بكر الصدّيق يعتق علي الاِسلام بمكّة، فكان يعتق نساءً إذا أسلمن؛ فقال له أبوه: أيْ بُنيّ! أراك تعتق أُناساً ضعفاء، فلو أنّك أعتقت رجالاً جلداً يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟! فقال: أيْ أبتِ إنّما أُريد ما عند الله. قال: فحدّثني بعض أهل بيتي أنّ هذه الآية نزلت فيه: (فأمّا مَن [ صفحه 21] أعطي واتّقي - وصدّق بالحسني) إلي قوله: (وما لاَحدٍ عنده من نعمةٍ تُجزي - إلاّ ابتغاءَ وجهِ ربّه الاَعلي) [58] انتهي. أقـول: هذا هو حديث ابن إسحاق المتقدّم، وقد قضينا الوطر من الكلام عليه، ورواه عبد الرحمن بن محمّـد بن زياد المحاربي هنا عنه. قال أبو حاتم: صدوقٌ إذا حدّث عن الثقات [59] ، ويروي عن المجهولين أحاديث منكَرة فيفسد حديثه. وقال عثمان الدارمي: ليس بذاك. وقال العجلي: كان يدلّس. وقال عبـدالله بن أحمد عن أبيه: بلغنا أنّه كان يدلّس [60] . قـال: وقال ابن أبي حاتم: ثنا أبي، ثنا منصور بن أبي مزاحم، ثنا ابن أبي الوضّاح، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبـدالله بن مسـعود: أنّ أبا بكر الصدّيق اشتري بلالاً من أُميّة بن خلف وأُبَيّ بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لله، فأنزل الله: (والليل إذا يغشي) إلي آخرها في أبي بكر وأُميّة بن خلف. انتهي. [ صفحه 22] أقـول: إسناد هذا الحديث مشتمل علي من لا يحتـجّ به. فأمّا منصور بن أبي مزاحم بشير التركي، فإنّ أحمد بن أبي يحيي حكي عن ابن معين: أنّه ليس به بأس إذا حدّث عن الثقات [61] ، لكنّه هنا حدّث عن أبي سعيد المؤدّب محمّـد بن مسلم بن أبي الوضّاح، وقد قال البخاري: فيه نظر [62] . وأمّا يونس بن أبي إسحاق السـبيعي، فكان الاِمام أحمد يضعِّف حديثه عن أبيه ـ كما هنا ـ. وحكي عنه ابنُه عبـدالله: أنّ حديثه مضطرب؛ وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب [63] . وأمّا أبو إسحاق عمرو بن عبـدالله السبيعي الكوفي، فإنّه لم يسمع عبـدَالله بن مسـعود ألبتّـة؛ لاَنّ ابن مسـعود توفّي سـنة اثنـتين وثـلاثين، وأبو إسحاق وُلِد فيها ـ علي ما في «الكاشف» للذهبي ـ وفي اللباب: أنّه وُلِد سنة تسع وعشرين! وأنت خبير بأنّه لا يتحقّق سماعٌ حينئذٍ، فحديثه عن ابن مسعود مرسَل بلا ريب. هـذا، مع ما ذكروا في حقّه من كونه مدلّساً، وقال ابن المديني في (العلل): قال شعبة: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن الحارث بن الاَزمع بحديث فقلت له: سمعتَ منه؟ فقال: حدّثني مجالد عن الشعبي عنه. قال شعبة: وكان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجلٍ قلت له: هذا أكبر [ صفحه 23] منك؟ فإن قال: نعم، علمت أنّه لقي، وإن قال: أنا أكبر منه، تركته. وقال معن: أفسد حديث أهل الكوفة الاَعمشُ وأبو إسحاق ـ يعني للتدليس ـ [64] . وروي عن عمر بن سعد قاتلِ الحسين عليه السلام وشمر بن ذي الجوشن لعنه الله تعالي [65] قال ابن معـين: كيف يكون مَن قتل الحسـين عليه السلام ثقـة [66] . هـذا، واعلم أنّ جميع ما ذكرناه هنا يأتي بحذافيره في الحديث الذي أورده السيوطي بعد هذا، فلم نرَ وجهاً للتطويل بإعادته، والله المستعان. قـال: وفي تفسير البغوي: قال سعيد بن المسيّب: بلغني أنّ أُميّة بن خلف قال لاَبي بكر الصدّيق في بلالٍ حين قال: أتبيعَنيه؟ قال: نعم أبيعه بقسطاس ـ عبدٌ لاَبي بكر ـ صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوارٍ ومواشٍ، وكان مشركاً يأبي الاِسـلام، فاشتراه أبو بكر به، فقال المشـركون: ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلاّ ليدٍ كانت لبلال عنده، فأنزل الله: (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي). انتهي. أقـول: لسنا نعلم عمّن بلَغَ ابنَ المسـيّب هذا البلاغ لنـنظر في شأنه! [ صفحه 24] فإن قال قائل: إنّ الشافعي احتـجّ بمراسيله. قلنـا: مع أنّ ذلك لو ثبت لم يكن حجّة علي غيره، فإنّ البلقيني حكي في «محاسن الاصطلاح» عن الماورديّ في «الحاوي» أنّ الشافعي اختلف قوله في مراسيل سعيد، فكان في القديم يحتجّ بها بانفرادها، ومذهبه في الجديد أنّـه كغيره [67] انتهي. ثمّ ليعلم أنّ الحديثين المتقدّمين الصريحين في شراء أبي بكر بلالاً، وكذا بلاغ ابن المسيّب، يدفعها ما رواه ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» [68] بترجمة بلال بن رَباح الحبشي مؤذّن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: حدّثنا أبو محمّد عبـدالله بن محمّـد، قال: نا محمّـد بن بكر، قال: نا أبو داود، قال: قُريَ علي سلمة بن شبيب ـ وأنا شاهد ـ قال: نا عبد الرزّاق، قال: نا معمر، عن عطـاء الخراساني، قال: كنت عند سـعيد بن المسيّب فذكر بلالاً، فقال: كان شحيحاً علي دينه، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم قال: الله الله! فلقي النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم أبا بكر فقال: لو كان عندنا مال اشترينا بلالاً. قال: فلقي أبو بكر العبّاسَ بن عبد المطّلب فقال لسيّدته: هل لكِ أن تبيعيني عبدَك هذا قبل أن يفوتَكِ خيرُه وتُحرمي ثمنَه؟ قالت: وما تصنع به؟! [ صفحه 25] إنّه خبيث وإنّه.. قال: ثمّ لقيها فقال مثل مقالته، فاشتراه العبّاس، فبعث به إلي أبي بكر فأعتقه... إلي آخره. فتبيّن بهذا أنّ غاية ما هنالك أنّ أبا بكر تولّي عتق بلال فحسب، وأنّ الذي دفع ثمنه إنّما هو العبّاس رضي الله عنه، ويؤيّد ذلك ما مرّ ويأتي من ضيق عيش أبي بكر، وقلّة ذات يده، وشدّة فقره ومسكنته، وكذا ما في هذا الاَثر من رجوعه إلي عمّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم في شراء بلال، فليس في مثل هذا الاِعتاق فضلٌ فضلاً عن أن ينزل فيه قرآنٌ يُتلي إلي يوم القيامة! قـال: وفي تفسير القرطبي: روي عطاء والضحّاك عن ابن عبّـاس، قال: عذّب المشركون بلالاً فاشتراه أبو بكر برطلٍ من ذهب من أُميّة بن خلف وأعتقه، فقال المشركون: ما أعتقه أبو بكر إلاّ ليدٍ كانت عنده، فنزلت: (وما لاَحدٍ عنده من نعمةٍ تجزي). انتهي. أقـول: إنّ الضحّاك بن مزاحم لم يثبت له سماع من أحدٍ من الصحابة ـ كما قيل ـ، وأنكر جماعةٌ أن يكون لقي ابنَ عبّاس وسمع منه، منهم مشاش السلمي وعبد الملك بن ميسرة وشعبة. وقال أبو أُسامة، عن المعلّي، عن شعبة، عن عبد الملك، قلت للضحّاك: سمعتَ من ابن عبّاس؟ قال: لا، قلت: فهذا الذي تحدّثه عمّن أخذته؟! قال: عن ذا وعن ذا [69] . [ صفحه 26] وأمّا عطـاء، فإنْ كان روي عنه هـذا فقد روي عنه غيره! أخرج الثعلبي في تفسيره بسنده عن عطاء، قال: كان لرجلٍ من الاَنصار نخلة، وكان يسقط من نخلها في دار جاره، وكان صبيانه يتناولونه، فشـكا ذلك إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فقال له النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: بعنيها بنخلة في الجنّة؛ فأبي! فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال له: هل لك أن تبيعَـنيها بحبس ـ يعني حائطاً ـ؟ فقال: هي لك! فأتي النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أتشتريها منّي بنخلة في الجنّة؟ قال: نعم، هي لك؛ فدعا النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم جارَ الاَنصاري فقال: خذها. فأنزل الله تعالي: (والليل إذا يغشي) إلي قوله: (إنّ سـعيكم لشـتّي) أبو الدحـداح والاَنصـاري صاحـب النخلة، (فأمّا مـن أعطـي واتّقـي) أبـو الدحـداح (وصـدّق بالحسـني) يعـني: الثـواب، وأنّ (الاَشـقي) صـاحب النخلـة، قـال: (وسـيُجنّبها الاَتـقي) يعـني: أبا الدحداح (الذي يؤتي ماله يتزكّي) أبو الدحداح (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي) يكافئه بها، يعني: أبا الدحداح. فكان النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم يمرّ بذلك الحبس وعذوقه دانية فيقول: عذوق وأيّ عذوقٍ لاَبي الدحداح في الجنّة! انتهي. ومثل هذا لا يقال مِن قِبل الرأي، وإنّما يكون عن رواية، وقد أرسل الاِمـام الطبرسـي رحمه الله في «مجمـع البيـان» [70] عـن عطـاء أنّ اسـم الرجـل أبو الدحـداح. وروي نحوه الواحدي في «أسباب النزول» والسيوطي في «لباب [ صفحه 27] النقول» [71] عن ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: إنّ رجلاً كانت له نخلة فرعها في دار رجلٍ ـ وساق القصّة إلي قوله: ـ ثمّ ذهب الرجل فلقي رجلاً هو ابن الدحداح [72] كان يسمع الكلام من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أتعطيني ما أعطيت الرجلَ نخلةً في الجنّة إنْ أنا أخذتها؟ قال: نعم؛ فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة فساومها منه. قال: ثمّ ذهب إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إنّ النخلة قد صارت في ملكي فهي لك. فذهـب رسـول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي صاحـب الـدار فقال: إنّ النخلـة لك ولعيالك، فأنزل الله تبارك وتعالي: (والليل إذا يغشي - والنهار إذا تجلّي - وما خلق الذكر والاَُنثي - إنّ سعيكم لشتّي). انتهي. وروي ابن أبي حـاتم عن ابن عبّـاس نحـوه مطـوّلاً مبهمـاً فيـه: أبـو الدحداح [73] . وأرسل الرازي في تفسيره الكبير 31|202 في قوله تعالي: (لا يَصْلاها إلاّ الاَشـقي) [74] قال: نزلت في أُميّة بن خلـف وأمثاله الّذين كذّبوا محمّـداً صلي الله عليه وآله وسلم والاَنبـياء قبله. انتهي. فلم يذكر شيئاً ممّا ذكروه من عتق العبيد بمكّة، ولو كان لذكره. وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة أبي الدحداح الاَنصاري من «الاِصابـة» [75] روي أحمد [76] والبغوي والحاكم من طريق حمّاد بن سـلمة، [ صفحه 28] عن ثابت، عن أنس: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنّ لفلان نخلة وأنا أُقيم حائطي بها، فَـأْمُـرْهُ أن يعطيني حتّي أُقيم حائطي بها؛ فقال له النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: أعطه إيّاها بنخلة في الجنّة؛ فأبي! قال: فأتاه أبو الدحداح فقال: بِعني نخلتك بحائطي، قال: ففعل؛ فأتي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! ابتعتُ النخلة بحائطي، فاجعلها له فقد أعطيتكها؛ فقال: كم من عذق رداح لاَبي الدحداح في الجنّة ـ قالها مراراً ـ. قال: فأتي امرأته فقال: يا أُمّ الدحداح! أُخرجي من الحائط، فإنّي قد بعته بنخلة في الجنّة؛ فقالت: ربح البيع ـ أو كلمة تشبهها ـ. انتهي. وقال ابن عبد البرّ بترجمة أبي الدحداح في «الاستيعاب» [77] روي عقيل عن ابن شهاب، أنّ يتيماً خاصم أبا لبابة في نخلة، فقضي بها رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم لاَبي لبابة، فبكي الغلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاَبي لبابة: اعطه نخلتك؛ فقال: لا؛ فقال: اعطه إيّاها ولك بها عذق في الجنّة؛ فقال: لا؛ فسمع بذلك أبو الدحداح فقال لاَبي لبابة: أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه؟ قال: نعم؛ فجاء أبو الدحداح رسولَ الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! النخلة التي سألتَ لليتيم إنْ أعطيتُه إيّاها ألي بها عذق في الجنّة؟ قال: نعـم. انتهي. وحكي الشهابان الخفّاجي والآلوسي [78] عن السدّي: أنّ سورة الليل نزلت في أبي الدحداح الاَنصاري، وذلك أنّه كان في دار منافق نخلة يقع منها في دار يتاميً في جواره بعض بلح فيأخذه منهم، فقال له صلي الله عليه وآله وسلم: دعها لهم ولك بدلها نخل في الجنّة؛ فأبي! فاشتراها أبو الدحداح بحائطها وقال [ صفحه 29] للنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: أهبها لهم بالنخلة التي في الجنّة؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: افعل؛ فوهبها، فنزلـت. انتهي. قلـت: مجموع هذه النقول ـ علي اختلاف خصوصيّاتها ـ تدلّ علي أنّ للقصّة أصلاً أصيلاً وأنّها سبب النزول، ويؤخذ من ذلك أنّ سورة الليل مدنيّة، فحينئذٍ لا يمكن التعلّق بها في قصّة عتق العبيد بمكّة، ولا الاحتجاج بها علي أفضلية أبي بكر. وقد اختلفوا في مكّـيّتها ومدنيّـتها، فالجمهور علي أنّها مكّـيّة، وقال عليّ بن أبي طلحة: مدنيّة [79] ، وقيل: بعضها مكّيّ وبعضها مدنيّ [80] ، وقال صاحب الميزان رحمه الله: إنّ السورة تحتمل المكّـيّة والمدنيّة بحسب سياقها [81] . فظهر بذلك أنّ دعوي السيوطي: توارد خلائق من المفسّرين لا يحصون علي أنّها نزلت في أبي بكر، وكذا أصحاب الكتب المؤلَّفة في المبهمات، وزَعْم الآلوسي أنّ ذلك روي بأسانيد صحيحة [82] بل تجرُّؤ أبي الفرج ابن الجوزي البكري في «زاد المسير» [83] علي إرسال دعوي إجماع المفسِّرين علي أنّ المراد بالاَتقي في الآية أبو بكر إرسال المسلَّمات.. ممّا لا يقام له وزن ألبتّة، لِما عرفت من أنّ دعواهم معارَضة بمثلها، مضافاً إلي اتّفاق الشيعة ـ وهم شطر الاَُمّة ـ علي نزولها في أبي الدحداح الاَنصاري، [ صفحه 30] فلا ينعقد إجماع علي تلك الدعوي ـ مع اختلاف العامّة أنفسهم فيها ـ إلاّ من شرذمة النواصب، وليس يعتدّ بشيء من أباطيلهم. علي أنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا يدري ما يخرج من رأسه! وقد كثر اعتراض الناس عليه [84] لكثرة أغاليطه في تصانيفه، فكان يصنِّف الكتابَ ولا يعتبره، وينقل من المصنَّفات من غير أن يكون متقِناً لذلك العلم من جهة الشيوخ والبحث، ولهذا نُقل عنه أنّه قال: أنا مرتِّب ولستُ بمصنِّف [85] . ثمّ إنّك لو تأمّلت سياق الآيات لتحقّقت أنّها بقصّة أبي الدحداح أشبه، إذ لا يقال لمن يؤذي عبده كأُميّة بن خلف إنّه بخيل ولا إنّه كذّب وتولّي، وإنّما البخيل ذاك الذي بخل بنخلته فلم يبعها بنخلة في الجنّة وكذّب بعِدَة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وتولي عنه، وهو صاحب النخلة ـ كما مرّ ـ فهو المعنيّ بالاَشقي في قوله تعالي: (لا يصلاها إلاّ الاَشقي) فتنـبّه [86] . أخرج الحميري في «قرب الاِسناد» [87] عن أحمد بن محمّـد بن عيسي، عن أحمد بن محمّـد بن أبي نصر، قال: سمعت الرضـا عليه السلام يقول في تفسير (والليل إذا يغشي): إنّ رجلاً من الاَنصار كان لرجلٍ في حائطه نخلة، وكان يضرُّ به، فشكا ذلك إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فدعاه فقال: أعطني نخلتك بنخلة في الجنّة؛ فأبي! فبلغ ذلك رجلاً من الاَنصار يكنّي أبا الدحداح، فجاء إلي صاحب النخلة فقال: بعني نخلتك بحائطي فباعه، فجاء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، قد اشتريت نخلة فلان بحائطي؛ قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: فلَكَ بدلها نخلة في الجنّة.. الحـديث. ورواه القمّي في تفسيره مرسَلاً مضمراً. وقد تبيّن أنّ نزول سورة الليل في أبي الدحداح مرويٌّ من طرق الفريقين، فينبغي الاَخذ به والتعويل عليه؛ لاَنّه ممّا وقع عليه الاتّفاق دون غيره، والله الموفّق والمستعان. [ صفحه 31] ثمّ إنّ السيوطي عقد فصلاً آخر لتضعيف ما أفتي به الجوجري، وذكر فيه أربعة وجوه، ثلاثة منها جدليّة ينبغي أن تطوي ولا تروي! وأمّا الوجه الرابع الذي ردّ به عليه من جهة التحقيق ـ كما قال ـ فهو ما ذكره بقوله: قال البغوي في «معالم التنزيل»: يريد بـ: (الاَتقي - الذي يؤتي ماله يتزكّي) يطلب أن يكون عند الله زكيّاً، لا رياءً ولا سمعةً ـ يعني أبا بكر الصدّيق في قول الجميع ـ؛ وقال ابن الخازن في تفسيره: (الاَتقي) هنا أبو بكر الصدّيق في قول جميع المفسّرين؛ وقال الاِمام فخر الدين الرازي في تفسيره: أجمع المفسّرون منّا علي أنّ المراد بـ: (الاَتقي) أبو بكر، وذهبت الشيعة إلي أنّ المراد به عليٌّ، فانظر إلي نقل هؤلاء الاَئمّة الثلاثة إجماع المفسّرين علي أنّ المراد بـ: (الاَتقي) أبو بكر، لا كلَّ تقيّ. انتهي. أقـول: لا نقيم لاِجماعهم وزناً؛ لِما انكشف من حال الاَحاديث والآثار التي ليس لها من الحقيقة مسـيـس، ولا من القوّة والمتانة رسـيـس، فلا ينعقد علي دعواهم إجماع إلاّ إجماعاً هو أوهن من بيت العنكبوت. وأمّا عزو الرازي إلي الشيعة بأسرهم نزول الآية في حقّ عليِّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام فافتراء ظاهر، وقد عرفت قولهم في ذلك. نعم، حكي هو في تفسيره [88] عن بعض الشيعة الاستدلال علي ذلك بقوله تعالي: (ويؤتون الزكاة وهم راكعُون) [89] ، بتقريب أنّ قوله عزَّ من [ صفحه 32] قائل: (الاَتقي - الذي يؤتي ماله يتزكّي) إشارة إلي ما في تلك الآيـة. لكن ليس هذا قولاً لهم قاطبة، وإنّما هو شيء احتمله بعضهم، وكأنّه مأخوذ ممّا رواه البرقي عن إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن أبي بصير، عن أبي عبـدالله عليه السلام ـ من حديث ـ قال: وأمّا قوله تعالي: (وسيُجنّبها الاَتقي) قال: رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومَن تبعه، و (الذي يؤتي ماله يتزكّي) قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله: (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وقوله: (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي) فهو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي ليس لاَحدٍ عنده نعمة تجزي، ونعمته جارية علي جميع الخلق صلوات الله عليه. انتهي. قلـت: أيمن بن محرز مجهول الحال، فالرواية ضعيفة، وهي من قبيل الجري والتطبيق دون التفسير ـ كما قال صاحب الميزان رحمه الله [90] . ونحو ذلك الاسـتئناس بقوله تعالي: (ويطعمون الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً - إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) [91] الوارد في حقّ عليٍ عليه السلام، فقد يقال: إنّه يناسب قوله: (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي - إلاّ ابتغاء وجه ربّه الاَعلي) لكن لا يُنمي ذلك إلي الشيعة طـرّاً؛ فافهم. هـذا، وقد حكي الفخر الرازي في تفسـيره [92] عنهم أنّ قوله تعالي في [ صفحه 33] سورة الاَعلي: (ويتجنّبها الاَشقي - الذي يصلي النار الكبري) [93] نزل في الوليد وعتبة وأُبَيّ. قال: وأنت تعلم أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. انتهي. قلـت: هذا الكلام جارٍ بعينه فيما نحن فيه، ويستفاد منه أنّ (الاَتقي) في الآية ليس أفعل تفضيل، وإلاّ لَما صدق الوصف علي الثلاثة؛ لاَنّ (أفعل) التي للتفضيل موضوعة لتفرّد الموصوف بالصفة وأنّه لا مساوي له فيها ـ كما قال السيوطي أيضاً ـ فهي كقوله تعالي: (أصحاب الجنّة يؤمنذٍ خير مستقرّاً وأحسن مقيلاً) [94] ، وعلي فرض إرادة خصوص (الاَتقي) و(الاَشقي) فإنّ الاتّقائية والاِشقائية نسـبيّة، فأبو بكر مثلاً أتقي بالنسبة إلي أُميّة بن خلف، لا أنّه كذلك مطلقاً، وإلاّ لزم أن يكون (الاَشقي) في سورتَي الليل والاَعلي واحـداً.. وليس كذلك. هـذا، مع أنّ ابن أبي الحديد المعتزلي ـ وليس هو ممّن يُـتّهم في أبي بكر ـ حكي عن بعضهم أنّ السورة نزلت في مصعب بن عمير [95] ، فمع احتمال هذا القول ـ علي الاَقلّ ـ وكذا ما سلف من القول بنزولها في أبي الدحداح لا يتأتّي الجزم بنزولها في أبي بكر؛ فتأمّل جيّداً. قـال: وقال الاَصبهانيّ في تفسيره: خـصّ الصَلْي بالاَشقي والتجنّب بالاَتقي [ صفحه 34] ـ وقد عُلم أنّ كلّ شقيٍّ يصلاها، وكلّ تقيٍّ يُجنَّبها، لا يختصّ بالصَلْي أشقي الاَشقياء، ولا بالنجاة أتقي الاَتقياء ـ لاَنّ الآية واردة في الموازنة بين حالتَي عظيمٍ من المشركين وعظيمٍ من المؤمنين، فأُريدَ أن يبالغ في صفتَيهما المتناقضتين، فقيل: الاَشقي، وجُعل مختصّاً بالصَلْي، كأنّ النار لم تُخلق إلاّ له، وقيل: الاَتقي، وجُعل مختصّاً بالنجاة، كأنّ الجنّة لم تُخلق إلاّ له. انتـهي. قال السيوطي: وهذا صريح في أنّ المراد بـ: (الاَتقي) أتقي الاَتقياء علي الاِطلاق لا مطلق التقيّ، وأتقي الاَتقياء علي الاِطلاق بعد النبـيّين أبو بكر الصدّيق! انتـهي. أقـول: دلّ كلام الاَصبهاني علي أنّ صيغة (أفعل) هنا ليست علي ظاهرها من التفضيل، بل (الاَشقي) هنا بمعني الشقيّ، و (الاَتقي) بمعني التقيّ لمكان التعليل المذكور في كلامه خلافاً لِما أصرّ عليه السيوطي ومن تابعه علي ذلـك. وأمّا قول الاَصبهاني: «لاَنّ الآية واردة في الموازنة...» فيردّ عليه أنّ الموازنة المذكورة متوقّفة علي كون (أفعل) هنا للتفضيل، وقد دلّ قوله: «وقد عُلم أنّ كلّ شقيٍّ يصلاها...» وقوله: «فأُريدَ أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الاَشقي... وقيل: الاَتقي...» علي أنّ (أفعل) هنا ليست للتفضيل ـ كما ذكرنا آنفاً ـ. هـذا، مع أنّ كون (أفعل) هنا للتفضيل متوقّف علي ثبوت إرادة [ صفحه 35] الموازنة بين حالتَي عظيمٍ من المشركين وعظيمٍ من المؤمنين، ودونه خرط القتاد، لِما عرفتَ في شأن نزول الآيات، وما أرسله الاِمام الرازي عن ابن عبّاس رضي الله عنه ـ كما مرّ ـ فالاستدلال لكلّ من الاَمرين دوريّ. وممّا ذكرنا يظهر لك ما في كلام السيوطي، حيث أخذ من تقرير الاَصبهاني أنّ (أفعل) هنا للتفضيل، وأنّ المراد بـ (الاَتقي) أتقي الاَتقياء علي الاِطلاق وتطبيق ذلك علي أبي بكر. وقد يقال: لا يخلو إمّا أن يُراد بـ (الاَتقي) أتقي الاَتقياء علي الاِطلاق، أو مَن هو أتقي من بعض المؤمنين. فأمّا الاَوّل، فلا ريب أنّ ذاك لم يكن ولا يكن إلاّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بإجماع أهل الاِسلام. وأمّا الثاني، فإنّا لا نسلّم دخول عليٍ عليه الصلاة والسلام في ذلك البعض حتّي يكون أبو بكر أفضل منه! بل نقطع بخروجه عليه السلام ـ علي تقدير كون المراد بـ (الاَتقي) ابن أبي قحافة ـ لاَنّه نفـس النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم كما دلّ عليه قوله عزّ سلطانه في آية المباهلة: (وأنفسنا وأنفسكم) [96] فيخرج عليه السلام كما خرج صلي الله عليه وآله وسلم من ذلك البعض. ومعلوم بالضرورة أنّ الاَكرم عند الله تعالي علي الاِطلاق هو الذي يكون أتقي من جميع المؤمنين لا من بعضهم، وإذا تطرّق التخصيص إلي (الاَتقي) سقط الاستدلال ـ كما قال قاضي القضاة التستري رحمه الله [97] . وأيضـاً: فإنّ صحّة السؤال عن كون أبي بكر أتقي المؤمنين جميعاً أو بعضهم، ومن كلّ الوجوه أو من بعضها، دليلٌ علي عدم دلالة الآية علي أنّه أتقي الخلق وأفضلهم بعد النبـيّين صلّي الله وسلّم عليهم أجمعين؛ فتنـبّه! [ صفحه 36] قـال: وقال النسفي في تفسيره: (الاَتقي) الاَكمل تقويً، وهو صفة أبي بكر الصدّيق. قال: ودلّ علي فضله علي جميع الاَُمّة، قوله تعالي: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) [98] . وقال القرطبي في تفسيره: قال ابن عبّاس: (الاَتقي) أبو بكر الصدّيق، وقال بعض أهل المعاني: أراد بـ: (الاَشقي) و (الاَتقي) الشقيَّ والتقيَّ، كقول طرفـة: تمنّي رجالٌ أنْ أموتَ وإنْ أمتْ++ فتلك سبيلٌ لستُ فيها بأَوحدِ أي: واحد ووحيد، فوضع (أفعل) موضع (فعيل). انتهي. قال السيوطي: وهذا الذي نقله عن بعض أهل المعاني هو الذي أفتي به الجوجري عادلاً عن قول جميع المفسّرين إلي قول بعض أهل النحو. انتـهي. أقـول: كلام النسفي مصادره ظاهرة ودعويً بلا بيّـنة، ولله شرف الدين البوصيري حيث يقول: والدعاوي ما لم تقيموا عليها++ بيّـناتٍ أبنـاؤها أدعيـاءُ فلا ينبغي الاِصغاء إليه، ولا التعريج عليه. وأمّا ما حكاه القرطبي عن ابن عبّاس، فقد تقدّم عن حبر الاَُمّة [ صفحه 37] ما يدفعه، فراجع ثمّة إنْ شئت. وفي «تنوير المقباس في تفسير ابن عبّاس» [99] (الاَشقي) الشقيّ، و (الاَتقي) التقيّ. وأمّا ما نقله عن بعض أهل المعاني، فسيأتي بيان شواهده إن شاء الله تعالي، وكونه المتعيّن في المقام. وأمّا تهجّم السيوطي علي الجوجري ورميه بالعدول عن قول جميع المفسّرين إلي قول بعض أهل النحو. فيقال عليه: إنّه لم يتّفق المفسّرون من أهل نحلته ـ فضلاً عن غيرهم ـ علي رأي واحدٍ، بل ذهب إلي كلٍّ من القولين فريق، وكم منهم مَن اختار القول الآخر، كالسيوطي المعترِض في «تفسير الجلالين» [100] حيث قال: (لا يصلاها) يدخلها (إلاّ الاَشقي) بمعني الشقيّ؛ قال: (وسيجنّبها) يبعّد عنها (الاَتقي) بمعني التقيّ. وقال في تفسير سورة الاَعلي [101] (الاَشقي) بمعني الشقيّ، أي: الكافـر. انتهي. وما أصدق المثل السائر في حقّه: «رمتني بدائها وانسلّت»! قـال: وكذا نقل ابن جرير في تفسيره هذه المقالة عن بعض أهل العربيّة، ثمّ قال: والصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل أنّها في أبي بكر، بعتقه مَن أعتق مِن المماليك ابتغاء وجه الله. [ صفحه 38] قال السيوطي: فأنت تري هذه النقول تنادي علي أنّ الذي أفتي به الجوجري مقالةً في الآية لبعض النحويّين، مشي عليها بعض المصنّفين في التفسير، وأنّ الذي وردت به الآثار وقاله المفسّرون من السلف وصحّحه الخلف اختصاصها بأبي بكر إبقاءً للصيغة علي بابها؛ هذا بيان رجحان ذلك من حيث التفسير. انتـهي. أقـول: اختلط علي السيوطيّ كلام ابن جرير الطبري في «جامع البيان» ونحن ننقل لك عبارته لتقف علي حقيقة ما ذهب إليه. قال ـ بعدما حكي عن بعض أهل العربيّة قولاً في قوله تعالي: (الذي كذّب وتولّي) وقوله: (وسـيجنّبها الاَتقي) ـ [102] يقول ـ يعني الحقّ سبحانه ـ: وسيوقي صَلْي النار التي تلظي التقيّ، ووضع (أفعل) موضع (فعيل) كما قال طرفة: تمنّي رجالٌ أنْ أموتَ وإنْ أمتْ++ فتلك سبيلٌ لستُ فيها بأَوحدِ انتـهي. وهذا صريح في أنّ ذلك مختاره، وأنّه لم ينقله عن بعض أهل العربيّـة! وإذا كان هذا مذهب إمام مفسّريهم ومقدَّمهم ـ في ذا الشأن ـ من دون مُدافع ولا نكير، فكيف تسـنّي للسيوطي أن يعزو الاِجماع إلي المفسّرين وهم [ صفحه 39] مختلفون في ذلك؟! (إنْ هذا إلاّ اختلاق). وأمّا قوله: وكذا نقل ابن جرير في تفسيره هذه المقالة عن بعض أهل العربيّة، ثمّ قال: والصحيح الذي جاءت به الآثار... فإنّ ذلك ممّا يقوّي الريب في نقول السيوطي، إذ ربط بين شيئين لا تعلّق بينهما! وابتدع عبارةً تعضد مذهبه، وينبغي حكاية كلام ابن جرير لتطّلع علي تلبيـسه.. قال ـ بعد أن نقل عن بعض أهل العربية قولاً في تأويل قوله عزّ من قائل: (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي) ـ [103] وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربيّة، وزعم أنّه ممّا يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل، وقالوا: نزلت في أبي بكر بعتقه من أعتق. انتهي. ثمّ طفق يذكر من قال ذلك، وأين هذا من العبارة التي لفّقها الرجل؟! فإنّ كلام ابن جرير هنا صريح في تعيّن ما حكاه من قول بعض أهل العربيّة في هذا المقام وأنّه هو الصحيح، فانظر واعجب لا سيّما من مثل هذا المجدّد الذي أرعد وأبرق وادّعي الدعاوي الطويلة العريضة!! وهذا طرف من شطحاته وزلاّته ـ كما تري ـ.. نسأل الله السلامة. قـال: وأمّا من حيث أُصول الفقه والعربيّة فأقول: قول الجوجري: «إنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» فرع أن يكون في اللفظ عموم حتّي يكون العبرة به، والآية لا عموم فيها أصلاً ورأساً، بل هي نصٌّ في الخصوص. انتـهي. [ صفحه 40] أقـول: سيأتي منّا تحقيق الكلام في أنّ الآية هل فيها عموم أم لا؟ وهناك يُحصحِص الحقُّ ويسفر عن محضه إن شاء الله، لكن ينبغي أن يُعلم أنّ جماعة ممّن تقدّموا السيوطي وممّن تأخّروا عنه ادّعوا العموم في الآية. - قال القفّال: نزلت هذه السورة في أبي بكر وإنفاقه علي المسلمين، وفي أُميّة بن خلف وبُخله وكفره بالله، إلاّ أنّها وإنْ كانت كذلك لكنّ معانيها عامّة للناس، ألا تري أنّ الله تعالي قال: (إنّ سعيكم لشتّي) [104] وقال: (فأنذرتكم ناراً تلظّي) [105] . قال: ويُروي عن عليٍ عليه السلام أنّه قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في جنازة، فقعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقعدنا حوله فقال: ما منكم نفس منفوسة إلاّ وقد علم الله مكانها من الجنّة والنار؛ فقلنا: يا رسول الله! أفلا نتّـكل؟ فقال: اعملوا، فكلٌّ ميسَّـرٌ لِما خُلق له (فأمّا من أعطي واتّقي - وصدّق بالحسني - فسنـيسّره لليسري) [106] ؛ فبان بهذا الحديث عموم هذه السـورة. انتـهي [107] . - وقال النيسابوري في «غرائب القرآن» [108] إنْ كان المراد بـ (الاَشقي) هو أبو سفيان أو أُميّة، وبـ (الاَتقي) هو أبو بكر، فلا إشكال، [ صفحه 41] وتـتناول الآية غيرَهما من الاَشقياء والاَتقياء بالتبعيّة، إذ لا عبرة بخصوص السـبب. انتهي. وقال ابن كثير في تفسيره [109] لا شكّ أنّه ـ يعني أبا بكر ـ داخل فيها ـ أي الآيات ـ وأَوْلي الاَُمّة بعمومها، فإنّ لفظها لفظ العموم وهو قوله تعالي: (وسيجنّبها الاَتقي - الذي يؤتي ماله يتزكّي - وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي). انتـهي. - وقال الشهاب الخفّاجي في «عناية القاضي» [110] وخصوص السبب لا ينافي عموم الحكم واللفظ ـ كما توهّمه الجوجري هنا ـ. نعم، يقتضي الدخول فيه دخولاً أوّليّـاً. انتهي. - وقال أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي في «روح المعاني» [111] المراد بـ (من أعطي) إلي آخره.. وبـ (من بخل) إلي آخره.. المتّصف بعنوان الصلة مطلقاً وإنْ كان السبب خاصاً، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السـبب. انتهي. فأنت تري أنّ الجوجري له سلفٌ في ذلك ولم ينفرد بمقالته! فما كان ينبغي للسيوطي أن يعنّفه ويعذله بنحو قوله: هذا شأن من يلقي نفسه في كلّ وادٍ؛ وغير ذلك من ضروب العتب والملام، كأنّ الرجل أحدث في الاِسلام حدثاً، أو أورد فيه فتقاً ـ والعياذ بالله ـ. قـال: وبيان ذلك من وجهين: [ صفحه 42] أحدهمـا: أنّ العمـوم إنّما يسـتفاد في مثل هذه الصيغـة من (أل) الموصولة أو التعريفيّة، وليسـت (أل) هذه موصولة قطعاً؛ لاَنّ (الاَتقي) أفعل تفضيل، و(أل) الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل بإجماع النحاة، وإنّما توصل باسم الفاعل والمفعول، وفي الصفة المشبَّهة خلاف، وأمّا أفعل التفضيل فلا توصل به بلا خلاف. وأمّا التعريفيّة فإنّما تفيد العموم إذا دخلت علي الجمع، فإن دخلت علي مفرد لم تفده ـ كما اختار الاِمام فخر الدين ـ، ومن قال: إنّها تفيده فيه قيّده بأن لا يكون هناك عهد، فإن كان لم تفده قطعاً. هذا هو المقرَّر في علم الاَُصول، و (الاَتقي) مفرد لا جمع، والعهد فيه موجود، فلا عموم فيه قطعاً، فعُلم بذلك أنّه لا عموم في (الاَتقي) فتأمّـل، فإنّه نفيسٌ فتح الله به علَيَّ تأييداً للجناب الصدّيقي. انتهي. أقـول: تأمّلنا كلامه فوجدناه قد أسّـس بنيانه علي شفي جرفٍ هارٍ، وذلك أنّه ظنَّ أنّ (أفعل) هنا للتفضيل اغتراراً بالصيغة! ونحن نبيّن لك زلّته في ذلك، لتعرف أنّه لم يمحّص المسألة كما كان ينبغي له، وإنّما عوّل فيها علي مَن أحسن الظنّ به من أصحاب الكتب المصنَّفة في التفسير والكلام. إعلـم: أنّ (أفعل) قد تسـتعمل في موضع (فاعـل) و (فعيـل) ولا يراد بها التفضيل. حكي محمّـد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي [112] عن أبي عبيدة، أنّه قال: إنّ (الاَشقي) هنا ـ يعني في سورة الليل ـ بمعني الشقيّ، والمراد به [ صفحه 43] الكافر، والعرب تستعمل (أفعل) في موضع (فاعل) ولا تريد به التفضيل. انتـهي. قلـت: ويجري الكلام بعينه في (الاَتقي). وقال أيضاً في قوله تعالي: (وهو أهون عليه) [113] [114] معناه وهو هيّن عليه، وقد جاء في كلام العرب (أفعل) من غير تفضيل، ومنه قولهم في الاَذان: (الله أكبر) أي: الله كبير في قول بعضهم، وقال الفرزدق: إنّ الذي سَمَكَ السماءَ بني لنا++ بيـتـاً دعائـمُـه أعـزُّ وأطولُ أي: عزيزة طويلة. وقال معن بن أوس المزني: لعَمرك ما أدري وإنّي لاَوْجَلُ++ علي أيِّنا تعدو المنيّـةُ أوّلُ أي: وإنّي لوجل. وقال آخر: أصبحتُ أمنحك الصدودَ وإنّني++ قَسَماً إليك مع الصدودِ لاَمْـيَـلُ أي: لمائل. وقال آخر: تمنّي رجالٌ أنْ أموتَ وإنْ أَمُتْ++ فتلكَ سبيلٌ لستُ فيها بأَوْحَدِ أي: بواحـد. انتـهي. وذكر الطبري نحو ذلك في تفسير قوله تعالي: (وهو أهون عليـه) [115] . [ صفحه 44] وجوّز أبو العبّاس شهاب الدين الفيّومي في خاتمة «المصباح المنير» [116] أن يكون (أفعل) بمعني اسم الفاعل، فينفرد بذلك الوصف من غير مشارك فيه. قال ابن الدهّان: ويجوز استعمال (أفعل) عارياً عن اللام والاِضافة و (مِن)، مجرَّداً عن معني التفضيل، مؤوَّلاً باسم الفاعل أو الصفة المشبَّهة، قياساً عند المبرّد سماعاً عند غيره، قال: قبحـتم يا آلَ زيدٍ نَفَـرَا++ أَلاَْمُ قومٍ أصغَـراً وأكبَـرا أي: صغيراً وكبيراً. ومنه قولهم: نصيب أشعر الحبشة، أي: شاعرهم، إذ لا شاعر فيهم غيره؛ ومنه ـ عند جماعة ـ قوله تعالي: (وهو أهون عليه) أي: هيّن، وزيدٌ الاَحسن والاَفضل، أي: الحسن والفاضل؛ ويقال لاَخوين مثلاً: زيدٌ الاَصغر وعمرو الاَكبر، أي: الصغير والكبير؛ وعلي هذا المعني (يوسف أحسن إخوته) أي: حسـنهم. انتهي. وقد تبـيّن من جميع ما مرّ أنّ (أفعل) هنا ليست للتفضيل، وأنّ الآيات عامّة في الاَتقياء والاَشقياء، غير مختصّة بأبي بكر وأُميّة بن خلف أو أبي سفيان بن حرب ـ كما زعموا ـ. وظهر أيضاً الجواب عن قول السيوطي: بأنّ من جنح من أهل العربيّة إلي أنّها ـ يعني صيغة (أفعل) هنا ـ للعموم احتاج إلي تأويل (الاَتقي) بالتقيّ، وهذا مجاز قطعاً، وهو خلاف الاَصل، فلا يُصار إليه إلاّ بدليل ولا دليل يساعده، بل الدليل يعارضه، وهو الاَحاديث الواردة في سبب النزول وإجماع المفسّـرين. انتهي. [ صفحه 45] فإنّـا قد بيّـنّا تعيّن هذا التأويل في المقام حذراً من ترتّب المحذورات الباطلة واللوازم الفاسدة علي إجراء (أفعل) علي ظاهره من التفضيل. وأمّا الاَحاديث المفتراة فقد زيّفناها، والاِجماع المزعوم أبطلناه، ولم نُبقِ لهم مُسْـكَةً علي دعواهم. وممّا قرّرنا تعرف أنّ (أل) هنا تعريفيّة دخلت علي مفرد، وقد اختلفوا في أنّ المفرد المحلّي بها هل يفيد العموم أم لا؟ كما اختلف المثبـتون في أنّ ذلك بالوضع أم بالاِطلاق بمقتضي مقدّمات الحكمة. والحـقّ: إفادته العموم، وهو اختيار الغزّالي والآمدي وحكاه عن الشافعي والاَكثر، ونقله الفخر الرازي عن الفقهاء والمبرّد والجبّائي، ونقله العضد في شرح المختصر عن المحقّقين من دون إشعار بخلاف فيه بينهم. وقال نجم الاَئمّة المحقّق الرضيّ رضي الله عنه في «شرح الكافية» [117] كلّ اسم دخله اللام لا يكون فيه علامة كونه بعضاً من كلّ، فيُنظر ذلك الاسم، فإن لم تكن معه قرينة حاليّة ولا مقاليّة دالّة علي أنّه بعضٌ مجهولٌ من كلّ فهي اللام التي جيء بها للتعريف اللفظي والاسم المحلّي بها لاستغراق الجنـس. انتـهي. وقال السعد التفتازاني في «المطوّل» [118] اللفظ إذا دلّ علي الحقيقة باعتبار وجودها في الخارج، فإمّا أن يكون لجميع الاَفراد أو لبعضها، إذ لا واسطة بينهما في الخارج، فإذا لم يكن للبعضية ـ لعدم دليلها ـ وجب أن يكون للجميع، وإلي هذا ينظر صاحب «الكشّاف» حيث يطلق لام الجنس علي ما يفيد الاستغراق كما ذكره في قوله تعالي: (إنّ الاِنسان لفي [ صفحه 46] خسرٍ) [119] أنّه للجنس، وقال في قوله تعالي: (إنّ الله يحبّ المحسنين) [120] إنّ اللام للجنس فيتناول كلَّ محسن. انتهي. وأمّا قول السيوطي: إنّ من قال إنّها تفيده فيه قيّده بأن لا يكون هناك عهد، فإنْ كان لم تفده قطعاً، فهو حقّ، بَـيْد أنّك دريت أنّ شيئاً من تلك الاَحاديث والاِجماعات لم يثبت، فلا يسـتقرّ عهد ليمنع من انعقاد العمـوم. علي أنّ عهده منقوضٌ بعهدٍ آخر، أعني قصّة أبي الدحداح مع صاحب النخلة ـ كما أخرجها في «لباب النقول» ـ. وممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع كلامه في الوجه الثاني بحذافيره، لابتـنائه علي القول بأنّ (أفعل) هنا للتفضيل، وقد أوقفناك علي بطلانه وفساده، والله المسـتعان. قـال: وقد قرّر الاِمام فخر الدين اختصاص الآية بأبي بكر والاستدلال بها علي أفضليّـته بطريق آخر، فقال: أجمع المفسّرون منّـا علي أنّ المراد بـ (الاَتقي): أبو بكر، وذهب الشيعة إلي أنّ المراد به عليٌّ عليه السلام، والدلالة النقلية تردّ ذلك وتؤيّد الاَوّل. وبيان ذلك: أنّ المراد من هذا (الاَتقي) أفضل الخلق، لقوله تعالي: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) والاَكرم هو الاَفضل، فالاَتقي المذكور هنا هو أفضل الخلق عند الله، والاَُمّة مجمعة علي أنّ أفضل الخلق بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إمّا أبو بكر وإمّا عليٌّ عليه السلام، ولا يمكن حمل الآية علي [ صفحه 47] عليّ عليه السلام، فتعيَّن حملها علي أبي بكر. وإنّما لم يمكن حملها علي عليٍ عليه السلام؛ لاَنّه قال عقيب صفة هذا الاَتقي: (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي) وهذا الوصف لا يصدق علي عليٍ عليه السلام؛ لاَنّه كان في تربية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم؛ لاَنّه أخذه من أبيه فكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربّيه، فكان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم منعماً عليه نعمة يجب جـزاؤها. أمّا أبو بكر فلم يكن للنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم عليه نعمة دنيوية، بل أبو بكر كان ينفق علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وإنّما كان للرسول صلي الله عليه وآله وسلم نعمة الهداية والاِرشاد إلي الدين، وهذه نعمة لا تجزي لقوله تعالي: (لا أسألكم عليه أجراً) [121] والمذكور ها هنا مطلق النعمة، بل نعمة تجزي، فعُلم أنّ هذه الآية لا تصلح لعليٍ عليه السلام. وإذا ثبت أنّ المراد بهذه الآية مَن كان أفضل الخلق، وثبت أنّ ذلك الاَفضل من الآية إمّا أبو بكر وإمّا عليٌّ عليه السلام، وثبت أنّ الآية غير صالحة لعليٍ عليه السلام، تعيّن حملها علي أبي بكر، وثبت دلالة الآية أيضاً علي أنّ أبا بكر أفضل الاَُمّة. انتهي. أقـول: لا يخفي أنّ الرازي بني برهانه علي مقدّمات فاسدة، ومعلوم بالضرورة أنّ ما يُـبني علي الفاسد فاسد لا محالة؛ ولذا قال الآلوسي [122] إنّه أتي بما لا يخلو عن قيل وقال. [ صفحه 48] فأمّا قوله: «ذهب الشيعة...». فقد بيّـنّـا لك زيفه فيما سلف [123] . وأمّا قوله: «إنّ المراد من هذا الاَتقي أفضل الخلق...». فإنّـا ذكرنا فيما مضي أنّ (أفعل) هنا ليست للتفضيل، ولا بأس أن نورد في هذا المقام كلامَ سيّدنا الشريف العلاّمة الطباطبائي رحمه الله في ردّ شبهة الرازي ومن قلّده في ذلك، ليسفر الصبح لذي عينين، وينكشف عن قلبك الرَين، وإنّه والله لنفيس، فاشدد به يديك، وعضّ عليه بناجذيك. قال ـ أجزل الله مثوبته ـ [124] المراد بـ (الاَتقي) من هو أتقي من غيره ممّن يتّقي المخاطر، فهناك من يتّقي ضيعة النفوس كالموت والقتل، ومن يتّقي فساد الاَموال، ومن يتّقي العدم والفقر فيمسك عن بذل المال وهكذا، ومنهم من يتّقي الله فيبذل المال، وأتقي هؤلاء الطوائف من يتّقي الله فيبذل المال لوجهه، وإنْ شـئت فقل: يتّقي خسران الآخرة فيتزكّي بالاِعطاء. فالمفضَّل عليه للاَتقي هو من لا يتّقي بإعطاء المال وإن اتّقي سائر المخاطر الدنيوية أو اتّقي الله بسائر الاَعمال الصالحة، فالآية عامّة بحسب مدلولها غير خاصّة، ويدلّ عليه توصيف (الاَتقي) بقوله: (الذي يؤتي ماله) إلي آخره، هو وصف عامّ، وكذا ما يتلوه، ولا ينافي ذلك كون الآيات أو جميع السورة نازلة لسبب خاصّ كما ورد في أسباب النزول. قال رحمه الله: وأمّا إطلاق المفضّل عليه بحيث يشمل جميع الناس من طالحٍ أو صالحٍ، ولازمه انحصار المفضَّل في واحدٍ مطلقاً أو واحدٍ في كلّ عصر، ويكون المعني: وسيُجنّبها من هو أتقي الناس كلّهم، وكذا المعني في نظيره: [ صفحه 49] لا يصلاها إلاّ أشقي الناس كلّهم، فلا يساعد عليه سياق آيات صدر السورة، وكذا الاِنذار العامّ الذي في قوله: (فأنذرتكم ناراً تلظّي) فلا معني لاَن يقال: أنذرتكم جميعاً ناراً لا يخلّد فيها إلاّ واحد منكم جميعاً، ولا ينجو منها إلاّ واحد منكم جميعاً. انتهي. وأمّا قوله: «وهذا الوصف لا يصدق علي عليٍ عليه السلام؛ لاَنّه كان في تربية النـبيّ صلي الله عليه وآله وسلم...». فيقال عليه: إنّ توهّمه العموم في الآية حمله علي التفوّه بذلك، حيث ظنّ أنّ المراد بقوله عزّ من قائل: (وما لاَحدٍ عنده من نعمة تجزي) أن لا يكون عنده نعمة يكافيَ عليها أعمّ من أن يكون ذلك الاَحد من الّذين آتاهم النعمة أم لا، وهذا خلاف الظاهر، إذ لم يكن أبو بكر نفسه كذلك قطعاً، كيف؟! وقد كان في حجر تربية والديه كما كان عليٌّ عليه السلام في تربية النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وكان صلي الله عليه وآله وسلم في حجر تربية عمّه أبي طالب رضي الله عنه، بل لا يكاد يوجد علي وجه البسيطة من لا يكون لاَحدٍ في حقّه حقُّ نعمةٍ من طعام أو شراب ونحوهما، فليس المقصود في الآية ـ والله أعلم ـ نفي خصوص نعمة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، بل نفي نعمة كلّ من آتاه النعمة، أي لا يكون عنده لاَحدٍ من الّذين آتاهم النعمة نعمة تجزي [125] ـ كما هو ظاهر ـ. وأمّا قوله: «بل كان أبو بكر ينفق علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم...». فهو بيت القصيد، وعليه تدور رحي استدلال الفخر الرازي التيميّ البكري بالآية علي أفضليّـة أبي بكر بن أبي قحافة! وينبغي بسط المقال في هذا المجال، لتنكشف لك حقيقة الحال وتعرف الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال، فنقول: [ صفحه 50] قد مرّ عليك آنفاً أنّ أبا بكر لم يكن موسراً ذا ثروة، وكيف يُدّعي له الاِنفاق الجليل؟! وقد باع من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعيرين عند خروجه إلي يثرب وأخذ منه الثمن في مثل تلك الحال الشديدة! [126] ، فمَن لم تسمح نفسه بثمن بعيرين، لا يُظنّ به أن ينفق علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وينعم عليه ألبتّـة! أم كيف يجوز أن يدّعي لاَبي بكر بذل المال؟! وقد أشفق أن يقدّم بين يدي نجواه صدقةً يسيرة! وترك أهل المحاويج بلا شيء يوم الهجرة، وأخذ ماله معه وكان خمسة آلاف أو ستّة آلاف درهم! كما رواه أحمد عن أسماء بنت أبي بكر [127] ، ورواه الحاكم وصحّحه علي شرط مسـلم [128] . وأين كان عن ابنته أسماء إذ زوّجها من الزبير، وكان فقيراً لا يملك غير فرسه؟! فكانت تخدم البيت وتسوس الفرس وتدقّ النوي لناضحه وتعلفه وتسـتقي الماء، وكانت تنقل النوي علي رأسها من أرض الزبير التي أقطعها إيّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهي علي ثُلثي فرسخ من منزلها! كما رواه أحمد والبخاري ومسلم [129] . هـذا، مع أنّ أصل دعوي الاِنفاق عليه صلي الله عليه وآله وسلم يكذّبها قوله تعالي في سورة الضحي ـ وهي مكّـيّة ـ (ووجدك عائلاً فأغني) [130] . [ صفحه 51] ثمّ يقال لهم: خبِّرونا عن هذا الاِنفاق أين كان؟! بمكّة أم بالمدينة؟! فإن قالوا: كان في مكّة. قيل لهم: إنّه صلي الله عليه وآله وسلم كان إذ ذاك غنيّاً بمال أُمّ المؤمنين خديجة رضي الله تعالي عنها، التي تُضرب بكثرة مالها الاَمثال، وكان ينفق منه علي من شاء في أوّل النبوّة. وإن قالوا: كان ذلك بالمدينة. قيل لهم: إنّ الله سبحانه وتعالي قد أغناه بما فتح عليه من الفتوح والغنائم، ففي أيّ الوقتين احتاج إلي مال ابن أبي قحافة يا أُولي الاَلباب؟! ولاَولياء أبي بكر أحاديث في هذا الباب يروونها، وضرورة العقل تشهد ببطلانها، فلا نطيل بذِكرها، وفيما ذكرناه غُنية وكفاية لمن أخذت بيده العناية. وأمّا قوله: «وهذه النعمة لا تُجزي لقوله تعالي: (لا أسألكم عليه أجـراً)...». فهو واضح البطلان، بيّن الفساد، كيـف؟! وإنّ قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) [131] نصٌّ صريح في ثبوت المطالبة بالاَجر والجزاء ـ أعني مودّة ذوي القربي ـ وهو اسـتثناء من عموم نفي سؤال الاَجر علي تبليغ الرسالة، فثبـتت المطالبة بالجزاء موجبةً جزئيّة، فكيف يقال إنّ نعمة الهداية والاِرشاد إلي الدين لا تُجزي؟! [ صفحه 52]

تنبيه

استدلّ الفخر الرازي في تفسيره الكبير [132] بقوله تعالي: (وما أسألكم عليه من أجر) [133] وأنت خبير بأنّ هذه الآية مخصَّصة بآية المودّة في القربي، فتنـبّه. هـذا، وقد تبيّن لك أنّ السيوطي لم يبذل وسعه وجهده في تحقيق المسألة، وكان الاََوْلي له قبل الكتابة أن ينظر كتب التفسير وغيرها ممّا يحتاج إليه في هذا الشأن، ويتعب كلّ التعب، ويجدّ كلّ الجدّ، ويعتزل الراحة والشغل، ولا يسأم ولا يضجر، ويدع الفتيا تمكث عنده الشهر والشهرين والعام والعامين، فإذا وقف علي متفرّقات كلام الناس في المسألة، ونظر وحقّق، وأورد علي نفسه كلّ إشكال، وأعدّ له الجواب المقبول، حطم حينئذٍ علي الكتابة، وحكم بين الاَُمراء، وفصل بين العلماء! وأمّا الاستعجال في الجواب والكتابة بمجرّد ما يخطر بباله، أو يظهر في باديَ الرأي مع الراحة والاتّـكال علي الشهرة فإنّه لا يليق! وليته التزم بذلك إذ عذل به الجوجري ونسي نفسه، والله تعالي يقول: (أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم) [134] وقال عزّ مِن قائلٍ عظيم: (يا أيّها الّذين آمنوا لِم تقولون ما لا تفعلون - كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [135] فما أحراه بقول أبي الاَسود الدؤلي رحمه الله: [ صفحه 53] يا أيّها الرجل المعلِّمُ غيرَه++ هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ تصف الدواء مِن السقام لذي الردي++ ومن الردي قد كنتَ أنت سقيمُ لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثلَه++ عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ وابدأ بنفسك فانهها عن غيّها++ فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حليمُ فهناك يُقبل ما تقولُ ويُقتدي++ بالقول منك وينفع التعليمُ نسـأل الله العافيـة. وإذ بطل الاحتجاج بالآية علي أفضليّة أبي بكر بن أبي قحافة، فاعلم أنّ آيات الكتاب المجيد والفرقان الحميد دلّت علي أفضليّة سيّدنا ومولانا وإمامنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام. وقد جمع الحاكم الحسكاني جملةً صالحةً منها في كتاب «شواهد التنزيل لقواعد التفضيل» وكذا أصحابنا ـ رحمهم الله ورضي عنهم ـ في مطوّلات زبرهم الكلامية ومختصراتها، فمن شاء فليرجع إليها وليقف عليها. والحمـد لله علي هدايته لدينه، والتوفيق لِما دعا إليه من سبيله، وصلّي الله وسلّم علي سيّدنا محمّـد وآله الناهلين الرحيقَ المختوم من سلسـبيله.

پاورقي

[1] أخرج ابن عساكر عن ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: ما نزل في أحـدٍ من كتاب الله تعالي ما نزل في عليّ. وأخرج عنه أيضاً، قال: نزلت في عليٍ ثلاثمائة آية. انظر: تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ: 171 ـ 172.
[2] سورة الليل 92: 17 و 18.
[3] وهي مطبوعة ضمن كتابه «الحاوي للفتاوي»، وقد اشتهر عند العامّـة تلقيب أبي بكر بالصدّيق، وبنته عائشة بالصدّيقة، وعمر بالفاروق، وعثمان بذي النورين؛ ولنا رسالة حافلة في تزييف هذه الدعاوي الباطلة.
[4] سورة الحاقّة 69: 44 ـ 46.
[5] وهي التي ذكرها في مقدّمة رسالته بقوله: إنّ الاَمير أزدمر حاجب الحجّـاب والاَمير خاير بك وقع بيـنهما تنازع في أبي بكر، هل هو أفضل الصحابة؟ وإنّ خاير بك قائل بذلك، وإنّ أزدمر ينكر ذلك، وإنّه طالب خاير بك بدليل من القرآن علي أنّ أبا بكر أفضل؛ وإنّ خاير بك استدلّ عليه بقوله تعالي: (وسـيجنّبها الاَتقـي) فإنّـها نزلت في حـقّ أبي بكر، وقد قال الله تعالي: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) إلي آخره!.
[6] لا يخفي أنّ ممّا دعا السيوطي إلي التشـنيع علي الجوجري أنّه كان من أصحاب الحافظ السخاوي، الذي جرت بينه وبين السيوطي من فظائع الاَقوال وشنائع الاَحوال ما يصكّ الاَسماع وينفّر الطباع! فراجع كتب التراجم لتقف علي ما كان بينهما من التنافر والتهاجم.
[7] سورة الاَحزاب 33: 70.
[8] أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
[9] سورة الاَنعام 6: 90. [
[10] يعني قوله تعالي: (وسيجنّبها الاَتقي - الذي يؤتي ماله يتزكّي) الآيات.
[11] سورة القيامة 75: 22 ـ 23.
[12] تهذيب التهذيب 1|284.
[13] تهذيب التهذيب 5|447 ـ 448، الترغيب والترهيب ـ للمنذري ـ 4|578.
[14] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9|51.
[15] أخرجه الترمذي عن أُمّ سلمة، وفي كتاب الاِيمان من صحيح مسلم عن عليٍ عليه السلام قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبيّ الاَُمّيّ إليَّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق. ورواه خلـقٌ آخـرون، فـراجع كتـاب «فضائل الخمسـة من الصحـاح السـتّة» 2|230 ـ 234.
[16] أخرجه الاِمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن أُمّ سلمة رضي الله تعالي عنها، ورمز السيوطي في «الجامع الصغير» لصحّـته.
[17] شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 4|62 و 20|127.
[18] شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 4|62 و 20|148.
[19] وذكره ابن عبد البرّ بترجمته من الاستيعاب 2|302 المطبوع بهامش الاِصابة.
[20] الاستيعاب 2|302.
[21] مروج الذهب 3|85 ـ ط مطبعة السعادة، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 20|146.
[22] شرح نهج البلاغة 4|79.
[23] المستصفي من علم الاَُصول 1|169.
[24] المستصفي 1|171.
[25] مروج الذهب 3|86.
[26] شرح نهج البلاغة 4|63 ـ 64.
[27] أي: الرعـدة.
[28] شرح نهج البلاغة 4|69.
[29] شرح نهج البلاغة 4|102.
[30] سورة الاَعراف 7: 58.
[31] سورة إبراهيم 14: 26.
[32] سورة غافر 40: 78.
[33] تهذيب التهذيب 6|35، هدي الساري: 471.
[34] تاريخ بغـداد 1|223.
[35] ميزان الاعتدال 2|170 رقم 3327، تذكرة الحفّاظ 1|264.
[36] تهذيب التهذيب 5|332.
[37] سورة الليل 92: 19.
[38] صحّحنا الحديث من تفسير ابن جرير الطبري 30|146، لاَنّه مشوّش في نسخة «الحبل الوثيق» التي بأيدينا، فليُعلم ذلك.
[39] تهذيب التهذيب 5|502.
[40] تهذيب التهذيب 4|355.
[41] تهذيب التهذيب 2|291 ـ 292.
[42] تهذيب التهذيب 4|541 ـ 542.
[43] تذكرة الحفّاظ 1|123.
[44] تهذيب التهذيب 4|543.
[45] كما في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13|273.
[46] سورة الليل 92: 17 ـ 21.
[47] تهذيب التهذيب 5|29 ـ 31.
[48] ميزان الاعتدال 3|469.
[49] تذكرة الحفّاظ 1|173.
[50] الترغيب والترهيب 4|577.
[51] تهذيب التهذيب 2|220.
[52] راجع مقدّمة عبد الوهّاب عبد اللطيف لكتاب «تنزيه الشريعة» لابن عرّاق الكناني، ج 1 ص (م).
[53] شرح نهج البلاغة 13|275.
[54] تاج العروس من جواهر القاموس 5|296.
[55] كأنّ أبا قحافة كان مشهوراً بذلك، فقد أخرج الدولابي في الكني والاَسماء 1|202 أنّ أبا طالب عمّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بعث إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: أطعِمني من عنب جنّتك؟ وأبو بكر جالس عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: حرّمها الله الكافرين؛ فقال أبو طالب: فلاَبي قحافة آكل الذبّان تدَّخرها؟! انتهي. وقال السـيّد الحميري رحمه الله: أتري صهاكاً وابنها وابن ابنها++ وأبا قحافة آكِلَ الذبّانِ كانوا يَرون، وفي الاَُمور عجائبٌ++ يأتي بهنّ تصرُّفُ الاَزمانِ أنّ الخلافةَ في ذؤابة هاشم++ فيهم تصيرُ وهيبةَ السُلطانِ.
[56] صحيح مسلم ـ كتاب الاَشربة ـ باب جواز استتباعه غيره... إلي آخره.
[57] بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرسالة العثمانية: 92.
[58] سورة الليل 92: 5 ـ 20.
[59] وهنا حدّث عن ابن إسحاق ـ كما تري ـ.
[60] تهذيب التهذيب 3|416 ـ 417.
[61] كما بترجمته من تهذيب التهذيب 5|543.
[62] تهذيب التهذيب 5|289.
[63] تهذيب التهذيب 6|274.
[64] تهذيب التهذيب 4|358 ـ 359.
[65] ميزان الاعتدال 2|311.
[66] الكاشف ـ للذهبي ـ 2|311.
[67] حاشية العطّار علي شرح «جمع الجوامع» للجلال المحلّي 2|203 ـ 204.
[68] الاستيعاب 1|143 ـ 144، أُسد الغابة 1|243.
[69] تهذيب التهذيب 2|572.
[70] مجمع البيان 5|501، زاد المسير 9|147 و 148.
[71] أسباب النزول: 254 ـ ط البابي الحلبي، لباب النقول في أسباب النزول: 211.
[72] كذا، والمشهور «أبو الدحداح» كما تقدّم ويأتي.
[73] الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 6|357.
[74] سورة الليل 92: 15.
[75] الاِصابة في تمييز الصحابة 4|59.
[76] مسند أحمد 3|146.
[77] الاستيعاب 4|61.
[78] عناية القاضي وكفاية الراضي (حاشية البيضاوي) 8|367، روح المعاني 30|147.
[79] الاِتقان 1|44.
[80] روح المعاني 30|147.
[81] الميزان في تفسير القرآن 20|302.
[82] روح المعاني 30|147.
[83] زاد المسير في علم التفسير 9|152.
[84] فتح الملك العليّ: 160.
[85] راجع مقدمة «تنزيه الشريعة المرفوعة» ج1 ص (م) نقلاً عن ذيل طبقات ابن ابي يعلي، وانظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1347.
[86] الصوارم المهرقة: 303.
[87] قرب الاِسناد: 355 ـ 356.
[88] التفسير الكبير 31|204.
[89] سورة المائدة 5: 55.
[90] الميزان في تفسير القرآن 20|308.
[91] سورة الاِنسان 76: 8 و 9.
[92] التفسير الكبير 31|146.
[93] سورة الاَعلي 87: 11 و 12.
[94] سورة الفرقان 25: 24.
[95] شرح نهج البلاغة 13|273.
[96] سورة آل عمران 3: 61.
[97] الصوارم المهرقة: 304.
[98] سورة الحجرات 49: 13.
[99] تنوير المقباس ـ المطبوع بهامش الدرّ المنثور ـ 6|312 و 314. [
[100] تفسير الجلالين 2|563.
[101] تفسير الجلالين 2|554.
[102] جامع البيان في تفسير القرآن 30|145.
[103] جامع البيان 30|146.
[104] سورة الليل 92: 4.
[105] سورة الليل 92: 14.
[106] سورة الليل 92: 5 ـ 7.
[107] تفسير الفخر الرازي 31|197.
[108] غرائب القرآن ورغائب الفرقان (تفسير النيسابوري) 30|104 المطبوع بهامش تفسير الطبري.
[109] تفسير ابن كثير 30|556.
[110] عناية القاضي وكفاية الراضي 8|369.
[111] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 30|149.
[112] مسائل الرازي وأجوبتها من غرائب آي التنزيل: 374.
[113] سورة الروم 30: 27.
[114] مسائل الرازي وأجوبتها من غرائب آي التنزيل: 268 ـ 269.
[115] جامع البيان 21|24 ـ 25.
[116] المصباح المنير: 709.
[117] شرح الكافية 2|129.
[118] المطوّل: 81 ـ ط إسطنبول سنة 1330 هـ.
[119] سورة العصر 103: 2.
[120] سورة البقرة 2: 195، وسورة المائدة 5: 13.
[121] سورة الاَنعام 6: 90، سورة هود 11: 51، سورة الشوري 42: 23.
[122] روح المعاني 30|153.
[123] انظر صفحة 37 و 38.
[124] الميزان في تفسير القرآن 20|306.
[125] الصوارم المهرقة: 305 ـ 306.
[126] شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13|274، صحيح البخاري: باب هجرة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي المدينة، الكامل في التأريخ 2|49، تاريخ الطبري 2|102 و 104.
[127] مسند أحمد 6|350.
[128] المستدرك علي الصحيحين 3|5.
[129] مسند أحمد 6|347، صحيح البخاري: باب الغيرة من كتاب النكاح، صحيح مسلم: كتاب النكاح ـ باب جواز إرداف المرأة الاَجنبية إذا أعيت في الطريق، دلائل الصدق 2|130 وص 399 ـ 400.
[130] سورة الضحي 93: 8.
[131] سورة الشوري 42: 23.
[132] التفسير الكبير 31|204.
[133] سورة الشعراء 26: 109 و 127 و 145 و 164 و 180.
[134] سورة البقرة 2: 44.
[135] سورة الصفّ 61: 2 و 3.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.