رسائل و مقالات: تبحث في مواضيع فقهيه، اصوليه، كلاميه، تراجم، و مكاتبات و حورات مع بعض‌الاعلام

اشارة

‏سرشناسه : سبحاني تبريزي، جعفر،‏ ۱۳۰۸ - ‏
‏عنوان و نام پديدآور : رسائل و مقالات: تبحث في مواضيع فقهيه، اصوليه، كلاميه، تراجم، و مكاتبات و حورات مع بعض‌الاعلام/ تاليف جعفر السبحاني.
‏مشخصات نشر : قم: موسسه‌الامام‌الصادق (ع)‏، ۱۴ق.‏= ۱۳ -
‏مشخصات ظاهري : ‏ج.
‏يادداشت : عربي.
‏يادداشت : فهرست‌نويسي بر اساس جلد ششم: ۱۴۲۸ق. = ۱۳۸۶.
‏يادداشت : كتابنامه.
‏موضوع : اسلام -- بررسي و شناخت
‏شناسه افزوده : موسسه امام صادق (ع)
‏رده بندي كنگره : ‏BP۱۱‏/س۲ر۵ ۱۳۰۰ي
‏رده بندي ديويي : ‏۲۹۷
‏شماره كتابشناسي ملي : ۱۰۵۳۰۷۶

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبيه وآله الطاهرين. أما بعد: هذه رسائل ومقالات كتبت في ظروف مختلفة لدواعي شتي، يجمعها هدف واحد، وهو الذب عن الإسلام والتعريف بالتشيع، وفيها بحوث فلسفية وكلامية وتاريخية، صرفت في كتابتها وقتا كثيرا، علي أمل أن تكون مشعلا منيرا في سبيل الوحدة الإسلامية التي هي أمنية كل مسلم واع، وكل مؤمن ملم بالأخطار المحدقة بالإسلام والمسلمين. والله من وراء القصد قم المشرفة - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام جعفر السبحاني [ صفحه 6] قد طلب الأستاذ رئيس تحرير مجلة " آفاق الإسلام " التي تصدر في المملكة الأردنية الهاشمية، مني كتابة مقال مسهب أبين فيه أصول المذهب الجعفري وفروعه، فنزلت عند رغبته وبعثت بهذا المقال إليه، فنشره علي صفحات مجلته، السنة الخامسة، العدد الأول، آذار 1997، وقد نشر قبل هذا العدد ترجمة الأئمة الأربعة للمذاهب الفقهية، وبهذا المقال اكتملت الحلقات حول المذاهب الفقهية الإسلامية. نعم يمتاز هذا المقال أنه صب اهتمامه علي أصول الشيعة وفروعها مكان ترجمة الإمام الصادق عليه السلام. فأتقدم بالشكر الجزيل إلي الأستاذ رئيس التحرير علي مساهمته في إنجاز هذا العمل ونفض غبار التعصب من خلال نشر هذا المقال في الأوساط السنية. شكر الله مساعي الجميع المؤلف [ صفحه 7]

الشيعة الإمامية الاثنا عشرية

اشاره

رسالة موجزة تتناول تاريخ الشيعة الإمامية الاثني عشرية، نشأتهم، عقائدهم، ومنهجهم الفقهي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبيه وآله وعلي رواة سننه وحملة أحاديثه، وحفظة كلمه صلاة دائمة ما دام الفرقدان وكر الجديدان. أما بعد: فهذا مقال موجز عن الشيعة الإمامية يبين نشأتهم وعقائدهم ومنهجهم الفقهي والتراث العلمي الذي تركوه، إلي غير ذلك مما يمت لهم بصلة. إن المذهب الشيعي الإمامي يقوم علي دعامتين: 1 - الأصول التي يتبناها في مجال العقيدة. 2 - الشريعة التي يقررها دستورا لجوانب الحياة كافة. [ صفحه 8] وليس المذهب الشيعي مذهبا فقهيا بحتا كالمذاهب الأربعة، وإنما هو منهج متكامل يغذي الإنسان فكرا وعملا، وعلي ضوء ذلك فلا محيص عن دراسة المذهب من جانبين: أحدهما يتعلق بالا صول، والآخر بالفروع. وإليك الكلام في الجانب الأول.

الشيعة لغة و اصطلاحا و تاريخا

اشاره

الشيعة لغة هم الجماعة المتعاونون علي أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم: إذا تعاونوا، وربما يطلق علي مطلق التابع، قال تعالي: - (وإن من شيعته لإبراهيم - إذ جاء ربه بقلب سليم) - [1] . وأما اصطلاحا فتطلق علي من يشايع عليا والأئمة من بعده باعتبار أنهم خلفاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، نصبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه. فالتشيع عبارة عن استمرار قيادة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، بمن نصبه للناس إماما وقائدا للأمة. وأما تاريخا فالشيعة هم ثلة من المسلمين الأوائل الذين عاصروا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وآزروه وعاضدوه في مواقف عصيبة، فلما مضي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إلي الرفيق الأعلي انطووا تحت قيادة علي عليه السلام وأولاده باعتباره الممثل الشرعي للخلافة والمنصوص عليه من قبل النبي صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 9] فليس التشيع ظاهرة طارئة علي الإسلام، ولا أن الشيعة وليدة الأحداث التي رافقت وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. وليس للتشيع تاريخ وراء تاريخ الإسلام، ولا للشيعة أصول سوي أنهم رهط من المسلمين الأوائل في عصر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومن جاء بعدهم عبر القرون، كل ذلك يعلم من خلال التحليلات التي ستمر عليك.

تسمية التشيع

إن الآثار المروية علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم تكشف اللثام عن وجه الحقيقة وتعرب عن التفاف ثلة من المهاجرين والأنصار حول الإمام علي في حياة الرسول وكانوا معروفين بشيعة علي، وأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سماهم الشيعة ووصفهم بأنهم الفائزون، وإليك بعض ما روي مقتصرا بالقليل من الكثير: 1 - أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأقبل علي، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) - [2] فكان أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية [3] . 2 - أخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت: - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) - قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين [4] . [ صفحه 10] وعلي ضوء هذه التسمية غلب لفظ الشيعة علي من يشايع عليا في كلمات غير واحد من المؤرخين. 3 - قال المسعودي في حوادث وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إن الإمام عليا أقام ومنمعه من شيعته في منزله بعد أن تمت البيعة لأبي بكر [5] . 4 - وقال النوبختي: إن أول فرق الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته [6] . 5 - وقال الإمام أبو الحسن الأشعري: إنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليا وقدموه علي سائر أصحاب رسول الله [7] . 6 - يقول الشهرستاني: الشيعة هم الذين شايعوا عليا علي الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية [8] . 7 - وقال ابن حزم: ومن وافق الشيعة في أن عليا أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا [9] . جاءت دعوته صلي الله عليه وآله وسلم إلي التشيع متزامنة مع دعوته للرسالة، فقد بذر التشيع حال حياته في غير موقف من مواقفه الحاسمة، وإليك نماذج منها: 1 - حديث يوم الدار الذي جمع فيه أكابر بني هاشم وعشيرته وعرض [ صفحه 11] عليهم رسالته، وقال: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤمن بي ويؤازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فلم يقم أحد إلا علي، فقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا [10] . 2 - حديث المنزلة أعني قوله: " أما ترضي (مخاطبا عليا) أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " [11] . 3 - حديث الغدير الذي سيوافيك تفصيله. إن هذه الأحاديث وغيرها الناصة علي إمامة علي عليه السلام وخلافته بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم توقفنا علي أنه صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي بذر بذرة التشيع حال حياته وألفت أنظار المهاجرين والأنصار إلي قيادة علي عليه السلام للأمة بعد رحيله صلي الله عليه وآله وسلم، مضافا إلي ما صدر علي لسانه صلي الله عليه وآله وسلم من الفضائل والمناقب لعلي وعترته حيث صار سببا لاستقطاب الناس حوله في حال حياته صلي الله عليه وآله وسلم وبعد رحيله. هذا، وقد تزامنت دعوته صلي الله عليه وآله وسلم للرسالة، دعوته للإمامة دون أن يكون بينهما سبق ولحوق. وهو ما عبرنا عنه أن التشيع ليس ظاهرة طارئة، ولا الشيعة وليدة الأحداث التي رافقت وفاته صلي الله عليه وآله وسلم، بل إن الإسلام والتشيع وجهان لعملة واحدة. وإليك أسماء مجموعة من رواد الشيعة في عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم. رواد التشيع في عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم: [ صفحه 12] لما كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو الباذر الأول للتشيع في عصره، فقد التف حول الإمام علي عليه السلام مجموعة من المهاجرين والأنصار في عصره صلوات الله عليه وبعد رحيله، وناصروه في مواقف عديدة وعرفوا بشيعة علي، ولأجل مرافقة المدعي بالدليل نذكر هنا أسماء رواد التشيع من الصحابة في صدر الإسلام: 1 - عبد الله بن عباس. 2 - الفضل بن العباس. 3 - قثم بن العباس. 4 - عبد الرحمان بن العباس. 5 - تمام بن العباس. 6 - عقيل بن أبي طالب. 7 - أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. 8 - نوفل بن الحرث. 9 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. 10 - عون بن جعفر. 11 - محمد بن جعفر. 12 - ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب. 13 - الطفيل بن الحرث. 14 - المغيرة بن نوفل بن الحارث. 15 - عبد الله بن الحرث بن نوفل. 16 - عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث. 17 - العباس بن ربيعة بن الحرث. 18 - العباس بن عتبة بن أبي لهب. 19 - عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث. 20 - جعفر بن أبي سفيان بن الحرث. هؤلاء من مشاهير بني هاشم، وأما غيرهم فإليك أسماء لفيف منهم: 21 - سلمان المحمدي. 22 - المقداد بن الأسود الكندي. 23 - أبو ذر الغفاري. 24 - عمار بن ياسر. 25 - حذيفة بن اليمان. 26 - خزيمة بن ثابت. 27 - أبو أيوب الأنصاري (مضيف النبي صلي الله عليه وآله وسلم). 28 - أبو الهيثم مالك بن التيهان. [ صفحه 13] 29 - أبي بن كعب. 30 - قيس بن سعد بن عبادة. 31 - عدي بن حاتم. 32 - عبادة بن الصامت. 33 - بلال بن رباح الحبشي. 34 - أبو رافع مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. 35 - هاشم بن عتبة. 36 - عثمان بن حنيف. 37 - سهل بن حنيف. 38 - حكيم بن جبلة العبدي. 39 - خالد بن سعيد بن العاص. 40 - بريدة بن الحصيب الأسلمي. 41 - هند بن أبي هالة التميمي. 42 - جعدة بن هبيرة. 43 - حجر بن عدي الكندي. 44 - عمرو بن الحمق الخزاعي. 45 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 46 - محمد بن الخليفة أبي بكر. 47 - أبان بن سعيد بن العاص. 48 - أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم. 49 - أم هاني بنت أبي طالب. 50 - أسماء بنت عميس. هؤلاء خمسون صحابيا من رواد الشيعة، فمن أراد التفصيل والوقوف علي حياتهم وتشيعهم فليرجع إلي الكتب المؤلفة في الرجال. قال محمد كرد علي في كتابه " خطط الشام ": عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مثل: سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول الله علي النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له، ومثل: أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة، ولما سئل عن الأربع، قال: الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج، فقيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب، قيل له: وإنها لمفروضة معهن؟ قال: نعم هي مفروضة معهن، ومثل: أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، [ صفحه 14] وخالد بن سعيد، وقيس بن سعد بن عبادة [12] . وبذلك يستغني القارئ عن الافتراضات الوهمية التي أبداها لفيف من المستشرقين تبعا لما ورد علي لسان بعض الباحثين من أسطورة عبد الله بن سبأ التي حاكها سيف بن عمر الكذاب الوضاع [13] . هذا هو معني الشيعة لغة واصطلاحا وتاريخا ذكرناه بصورة موجزة والتفصيل يطلب من الكتب المعدة لهذا الغرض. وأما دراسة عقائد الشيعة ومنهجهم الفقهي فتتم ضمن فصول سبعة: الأول: الشيعة والتوحيد. الثاني: الشيعة والعدل. الثالث: الشيعة والنبوة. الرابع: الشيعة والمعاد. الخامس: الشيعة والإمامة والخلافة. السادس: الشيعة والمنهج الفقهي. السابع: الشيعة والتراث الفكري. [ صفحه 15]

الشيعة والتوحيد

اشاره

الشيعة تصف الله سبحانه كما وصف به نفسه ويقول: - (قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفوا أحد) -. وتصفه بأنه سبحانه قديم لم يزل ولا يزال، عالم قادر، حي قيوم، سميع بصير، متعال عن جميع صفات خلقه، خارج عن الحدين: حد التعطيل، وحد التشبيه، لا يجوز تعطيل ذاته عن صفاته كما لا يجوز تشبيه ذاته بمخلوقاته. تعتقد الشيعة في توحيده ما كتبه الإمام الرضا عليه السلام للمأمون العباسي، حيث سأله المأمون أن يكتب له محض الإسلام علي سبيل الإيجاز والاختصار. فكتب عليه السلام له: " إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا فردا، صمدا، قيوما، سميعا بصيرا، قديرا قديما قائما، باقيا، عالما لا يجهل، قادرا لا يعجز، غنيا لا يحتاج، عدلا لا يجور وأنه خالق كل شئ، وليس كمثله شئ، لا شبه له، ولا ضد له، ولا ند له، ولا كفو له، وأنه المقصود بالعبادة والدعاء، والرغبة والرهبة " [14] . وقد عرض عبد العظيم الحسني عقيدته علي الإمام الهادي علي بن محمد النقي عليهما السلام فقال له: يا بن رسول الله، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا ثبت عليه حتي ألقي الله عز وجل. [ صفحه 16] فقال عليه السلام: هاتها. فقلت: إني أقول إن الله تبارك وتعالي واحد ليس كمثله شئ، خارج عن الحدين: حد الإبطال، وحد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شئ ومالكه وجاعله ومحدثه [15] . هذه عقيدة الشيعة في توحيده وتنزيهه، والقارئ إذا رجع إلي الكتب الكلامية والعقائدية التي ألفت بيد علماء الشيعة منذ أوائل القرن الثالث إلي العصر الحاضر يري اتفاقهم علي ما ذكرنا، وقد اخترنا لك نصين: أحدهما: للرضا عليه السلام الإمام الثامن للشيعة الإمامية (148 - 203 ه). وثانيهما: للإمام الهادي الإمام العاشر (232 - 254 ه) فقد أمضي ما ذكره عبد العظيم الحسني عليه. اخترنا هذين النصين ليعلم أن الشيعة أهل التنزيه منذ عهد مبكر، ومع ذلك كله فقد قسم علماء الشيعة التوحيد إلي مراتب ودرجات نذكرها علي وجه الإيجاز. 1 - التوحيد الذاتي: واحد لا نظير له. 2 - التوحيد الذاتي أيضا: بسيط ليس بمركب. 3 - التوحيد الأفعالي: إنه لا خالق في الكون إلا هو. 4 - التوحيد التدبيري: إنه لا مدبر للكون إلا هو. 5 - التوحيد العبادي: لا معبود سواه. [ صفحه 17] ثم إن هناك مراتب للتوحيد ذكرها علماء الشيعة في كتبهم الكلامية واستنبطوها من القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة، وهي: 6 - التوحيد في التقنين والتشريع: إنه لا مقنن ولا مشرع إلا هو، وليس لأحد حق التشريع. 7 - التوحيد في الطاعة: إنه لا مطاع بالذات إلا هو، ولو وجبت إطاعة النبي والإمام فإنما هي بأمره سبحانه. 8 - التوحيد في الحاكمية: لا حاكم إلا هو، وأنه ليس لأحد أن يحكم إلا بإذنه سبحانه. 9 - التوحيد في الشفاعة: والمراد أن الشفاعة حق لله سبحانه، ولا يشفع لأحد إلا بإذنه - (ولا يشفعون إلا لمن ارتضي) - [16] . 10 - التوحيد في الاستعانة: وإنه لا يستعان إلا به، ولو استعان بغيره بزعم أنه يقوم بالإعانة مستقلا فهو مشرك، ولو استعان بغيره معتقدا بأنه معين بحول وقوة منه سبحانه فهو عين التوحيد. 11 - التوحيد في المغفرة: وإنه لا يغفر الذنوب إلا هو. 12 - التوحيد في الرازقية: وإنه لا رازق إلا هو. هذه مراتب التوحيد الاثنا عشر التي يتفقون فيها مع إخوانهم أهل السنة لا سيما الأشاعرة. نعم هناك مرتبة من التوحيد تختص بالشيعة الإمامية يختلفون فيها عن سائر الفرق والطوائف الإسلامية وهي: [ صفحه 18] التوحيد في الصفات: والمراد به أن صفاته الثبوتية كالعلم والقدرة والحياة عين ذاته لا زائدة علي الذات وإلا يلزم تعدد القدماء الثمانية - وهي مسألة كلامية خاض فيها عباقرة علم الكلام - خلافا للأشاعرة القائلين بزيادة الصفات علي الذات. وهناك مصطلح كلامي وهو الصفات الخبرية والمقصود منها هي الصفات التي أخبر بها القرآن الكريم وأثبتها الوحي لله سبحانه كعين الله، ويد الله، واستوائه علي العرش، وما ماثلها، والمسلمون فيها علي أقوال: فمن معطل يفوض تفسير هذه الآيات والصفات إلي الله تبارك وتعالي، إلي مجسم يفسرها بالمعاني اللغوية من دون أن يجعلها ذريعة إلي المعاني المجازية، إلي مؤول يؤولها إلي معاني تجتمع مع تنزيهه. والشيعة الإمامية تحملها علي المعاني اللغوية ولكن تجعلها كناية عن المفاهيم العالية، ولا تري ذلك تأويلا، فإن كلام العرب مشحون بالمجاز فاليد في قوله سبحانه: - (يد الله فوق أيديهم) - [17] مستعملة في نفس المعني اللغوي لكن كناية عن سعة قدرته، وهو أمر رائج بين البلغاء ولا يعد تأويلا. ثم إن توحيده سبحانه بكونه الخالق والمدبر لا يعني سلب التأثير عن العوامل الطبيعية والجنود الغيبية للرب، فإن سلب التأثير الظلي والتبعي عن كل موجود سوي الله، يرده الذكر الحكيم بقوله سبحانه: - (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) - [18] . وعلي ضوء ذلك فالماء يروي العطشان، كما أن الخبز يشبع الجائع، والماء ينبت النبت والزرع، لكن بأثر مودع فيه من جانب خالقه، فالقول بتأثيره في ظل [ صفحه 19] إرادته سبحانه وأمره عين التوحيد الذي دعا إليه الذكر الحكيم. ومن أراد أن يفسر التوحيد في الخالقية والتدبير، بسلب الأثر عن كل موجود سواه، فقد خالف القرآن والوجدان الصريح ووقع في متاهات الجبر الذي سيوافيك بطلانه في الفصل الثاني.

تقسيم صفاته إلي ذاتي و فعلي

اشاره

إن صفاته سبحانه تنقسم إلي ذاتي قائم بذاته، وفعلي يعد وصفا لفعله، والميزان في تمييز الصفات الذاتية عن الفعلية هو أن القسم الأول لا يقبل السلب والإيجاب، بخلاف الثاني ولذلك لا يصح أن يقال الله يعلم ولا يعلم، أو يقدر ولا يقدر، بخلاف الرزق فيصدق إنه يرزق ولا يرزق ولذلك تعتقد الشيعة بأن من صفاته الفعلية كونه متكلما فالتكلم صفة من صفاته الفعلية بالشرح التالي:

في تكلمه سبحانه

اتفقت الشيعة علي أنه سبحانه متكلم، ولكن التكلم عندهم من صفات الأفعال ويفسر كونه متكلما بأمرين. الأول: إن كل ما في الكون كلام الله سبحانه، فكما أن الكلمة تعرب عما يقوم في نفس المتكلم من المعاني فكذلك كل ما في الكون يعرب عن حكمته وعلمه وقدرته الواسعة قال سبحانه: - (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) - [19] . قال علي عليه السلام: يقول لمن أراد كونه: " كن فيكون "، لا بصوت يقرع، ولا بنداء [ صفحه 20] يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولوكان قديما لكان إلها ثانيا [20] . فكل ما في صحيفة الوجود من الموجودات الإمكانية، كلماته وتخبر عما في خالقها من كمال وجمال، وعلم وقدرة. الثاني: إنه سبحانه يخلق الحروف المنظومة والأصوات المقطعة، يسمعها نبيه ورسوله أو يرسل رسولا فيبلغه آياته، أو يلقي في روع النبي، وإلي هذه الأقسام الثلاثة يشير سبحانه، بقوله: - (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو منوراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) - [21] . وقد بين تعالي أن تكلمه مع الأنبياء لا يعدو عن الأقسام التالية: 1 - - (إلا وحيا) -. 2 - - (أو من وراء حجاب) -. 3 - - (أو يرسل رسولا) -. فقد أشار بقوله: - (إلا وحيا) - إلي الكلام الملقي في روع الأنبياء بسرعة وخفاء. كما أشار بقوله: - (أو من وراء حجاب) - إلي الكلام المسموع لموسي عليه السلام في البقعة المباركة. قال تعالي: - (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسي إني أنا الله رب العالمين) - [22] . [ صفحه 21] وأشار بقوله: - (أو يرسل رسولا) - إلي الإلقاء الذي يتوسط فيه ملك الوحي، قال سبحانه: - (نزل به الروح الأمين - علي قلبك) - [23] ففي الحقيقة الموحي في الأقسام الثلاثة هو الله سبحانه، تارة بلا واسطة، بالإلقاء في الروع، وأخري بالتكلم من وراء حجاب بحيث يسمع الصوت ولا يري المتكلم وذلك بخلق الأصوات والحروف، وثالثة بواسطة الرسول (أمين الوحي جبرائيل)، فهذه الأقسام الثلاثة الواردة في الآية المباركة. إن موقف أئمة أهل البيت في مسألة خلق القرآن وقدمه هو الموقف الإيجابي وإنهم كانوا يرون القرآن حادثا لا قديما وإلا يلزم أن يكون القرآن إلها ثانيا. وأما أنه مخلوق فلو أريد أنه مختلق فهو أمر باطل شبيه قول الوليد بن المغيرة الذي حكاه القرآن عنه: - (إن هذا إلا قول البشر) - [24] . وإن أريد أنه مخلوق لله، وهو منزله وهو نفس المطلوب، وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن واقع القرآن فقال: هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهذا الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [25] . ومن هنا يعلم أن مسألة خلق القرآن كانت فتنة ابتلي بها المسلمون في عصر المأمون واستغلتها النصاري لصالحهم، وأوجدت فجوة عميقة بين المسلمين وكان النزاع نزاعا بلا ثمر. [ صفحه 22]

تقسيم صفاته إلي ثبوتية و سلبية

إن المتكلمين قسموا صفاته سبحانه إلي ثبوتية وسلبية وقد بسطوا القول فيها ومن جملتها أنه سبحانه: 1 - ليس بجسم. 2 - ليس في جهة. 3 - ليس في محل. 4 - ليس حالا في شئ ولا متحدا مع غيره. إلي غير ذلك من الصفات السلبية التي مرجعها إلي سلب النقائص عن ذاته سبحانه لأنه الكمال المطلق. وأما رؤيته سبحانه فقد اتفق المسلمون علي أنه سبحانه لا يري في الدنيا وإنما اختلفوا في رؤيته في الآخرة. رؤيته تعالي في الآخرة: ذهبت الشيعة الإمامية تبعا للذكر الحكيم وما جاء في خطب الإمام أمير المؤمنين إلي امتناع رؤيته، قال سبحانه: - (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) - [26] . وقال الإمام علي عليه السلام في وصفه سبحانه: الأول الذي لم يكن له قبل، فيكون شئ قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه [27] . [ صفحه 23] وفي خطبة أخري: الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر [28] . وفي كلامه لذعلب اليماني عندما قال له: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: " أفأعبد ما لا أري؟ " فقال: وكيف تراه؟ فقال: " لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء، غير ملابس، بعيد منها غير مباين " [29] . وأما ما يستدل به علي جواز الرؤية في الآخرة فليس بتام، وقد استدل القائلون بجوازها قديما وحديثا بقوله سبحانه: - (وجوه يومئذ ناضرة - إلي ربها ناظرة - ووجوه يومئذ باسرة - تظن أن يفعل بها فاقرة) - [30] . والدقة في الآيات الأربع توقفنا علي أن المراد بالنظر هو انتظار الرحمة وذلك لوجهين: 1 - إنه سبحانه: يسند النظر إلي الوجوه لا العيون، فلو كان المراد من النظر هو الرؤية كان اللازم أن يقول مكان " الوجوه ": العيون. 2 - إن مقابلة بعض الآيات ببعض يرفع الإبهام عن قوله: - (إلي ربها ناظرة) - ويتعين كونه بمعني انتظار الرحمة وذلك بالشكل التالي: أ - - (وجوه يومئذ ناظرة) - يقابلها قوله: - (وجوه يومئذ باسرة) -. ب - - (إلي ربها ناظرة) - يقابلها قوله: - (تظن أن يفعل بها فاقرة) -. لا شك أن الفقرتين الأوليتين واضحتان جدا، وإنما الكلام في الفقرة الثالثة [ صفحه 24] فيجب رفع إبهامها عن طريق الفقرة الرابعة التي تقابل الثالثة، بحكم أن الأشياء تعرف بأضدادها. وبما أن المراد من الفقرة الرابعة هو توقع العذاب الكاسر للفقار، والقاصم للظهر يكون ذلك قرينة علي أن المراد من الفقرة الثالثة ضد ذلك وليس هو إلا انتظار فضله سبحانه وكرمه. علي أنه نسأل من يدعي إمكان الرؤية لله سبحانه في الآخرة، هل الرؤية تتعلق بكل ذاته أو ببعضه؟ فإن تعلقت بالجميع يكون سبحانه محاطا مع أنه جل جلاله محيط. وإن تعلقت بالبعض فصار ذات أجزاء وأبعاض تعالي عن التركيب. وأما ما ورد في الروايات حول الرؤية فكلها أخبار آحاد لا تثبت بها العقيدة خصوصا إذا كانت مضادة للذكر الحكيم والعقل السليم، علي أن في سند البعض ضعفا. هذا إجمال القول في توحيده وصفاته الذاتية والفعلية، والإيجابية والسلبية.

نتيجة البحث

وقد خرجنا من هذا البحث الضافي بالنتيجة التالية: إن المسلمين متفقون جميعا علي توحيده وتنزيهه ووصفه بالكمال، وإنما تختلف الشيعة عن أهل السنة في المسائل الكلامية التالية: أ - إن صفاته الثبوتية كالعلم والقدرة عين ذاته وجودا وتحققا وإن كانت [ صفحه 25] غيره مفهوما، وذلك لئلا يلزم تعدد القدماء خلافا للأشاعرة حيث قالوا بزيادة الأوصاف علي الذات، ولو أرادت الأشاعرة المغايرة والزيادة مفهوما، لا تحققا وخارجا يصبح النزاع لفظيا، ولو أرادت المغايرة خارجا وعينا يلزم تعدد القدماء، تعالي عن ذلك علوا كبيرا. ب - إن التكلم من صفاته الفعلية كالرزق والمغفرة والرحمة خلافا للأشاعرة حيث فسروه بالكلام النفسي القائم بذاته. ج - إنه سبحانه منزه عن الرؤية في الدنيا والآخرة خلافا لأهل السنة حيث قالوا بجوازها في الآخرة. [ صفحه 26]

الشيعة والعدل

اشاره

اتفق المسلمون علي أنه سبحانه عادل لا يجور، غير أن الشيعة اعتمدت في حكمها هذا علي البرهان العقلي كما سيوافيك بيانه، واعتمدت السنة في وصفه بالعدل علي السمع، حيث يصفه القرآن الكريم بكونه قائما بالقسط، قال سبحانه:- (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) - [31] . والاختلاف في مصدر عدله نابع عن الاختلاف في مسألة أخري وهي مسألة التحسين والتقبيح العقليين أو الشرعيين، فذهبت الشيعة الإمامية إلي أن العقل قادر علي أن يدرك حسن الأفعال وقبحها، ويستقل بالبعث إلي الفعل الحسن، والزجر عن الفعل القبيح، كالعدل والظلم فكل إنسان إذا جرد نفسه عن كل شئ يري في صميم ذاته حسن الأول وقبح الثاني، ومثله مجازاة الإحسان بالإحسان أو بالسوء، والعمل بالميثاق ونقضه فيستقل بحسن الأوليين وقبح الأخيريين ولأجله قالوا بأن التحسين والتقبيح عقليان لا شرعيان. ولو حكم الشارع بحسن شئ أو قبحه فقد حكم العقل به قبله، لأنه رسول باطني، وحكم الشرع مؤكد لحكم العقل وليس حكما تأسيسيا. هذا هو موقف الشيعة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين وعلي ذلك بنت أصولا كلامية لا تقبل النقاش، وإليك تلك الأصول: [ صفحه 27]

لا جبر و لا تفويض

طرحت مسألة الجبر والتفويض في أواسط القرن الأول بين المسلمين فصاروا إلي أقوال وأوجدت فجوة سحيقة بين المسلمين ولم تزل آثارها إلي يومنا هذا. فمن قائل بالجبر وإنه سبحانه هو الخالق لفعل الإنسان والموجد له وليس للإنسان أي دور في أفعاله وأعماله، وإنما هو ظرف لظهور إرادته سبحانه في أعماله وأفعاله. وإنما ذهب القائل إلي هذا القول لأجل أنه فسر التوحيد بالخالقية بالمعني الباطل وزعم أن معناه سلب الأثر عن العلل والعوامل الطبيعية، وعند ذاك يتجلي الإنسان في مجال الأفعال كالظرف ليس له دور ولا تأثير في أفعاله وأعماله. ولا شك أن تفسير التوحيد بالخالقية بهذا المعني باطل، لما عرفت من تصريح الذكر الحكيم بدور العلل الطبيعية في نمو الأزهار والأشجار - مضافا إلي أن القول بالجبر ينافي عدله سبحانه - فكيف يكون هو الخالق لعمل الإنسان ولا يكون له دور فيه، لكن هو المسؤول عن العمل؟! إن للقول بالجبر سببا آخر وهو تفسير القضاء والقدر - الذي لا غبار في صحتهما - بالمعني السالب للاختيار عن الإنسان، وسيوافيك أن القضاء والقدر حق ولكنهما لا يسلبان الاختيار عن الإنسان. فهذا وذاك صارا سببين لنشوء القول بالجبر بين كثير من المسلمين حيث صيرهم مكتوفي الأيدي أمام الحوادث والطوارئ. فكما أن الجبر يخالف عدله سبحانه فكذلك التفويض ينافي توحيده، لأن [ صفحه 28] معني القول بالتفويض كون الإنسان مستقلا في فعله وعمله عن الله سبحانه، وبذلك يصبح العمل إلها ثانيا لاستغنائه عن الله، مضافا إلي أنه كيف يمكن الجمع بين فقر الإنسان في ذاته، وغناه في فعله عنه مع أن الفعل أثر الذات، والفعل متوقف علي ذات الفاعل وهو الواجب مفيض الوجود، فيكون الفعل - بالتالي - متوقفا علي الواجب؟ والصحيح أنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين، ومعناه أن الإنسان في فعله يعتمد علي قدرته سبحانه ومواهبه فبذلك يكون للواجب دور في عمله، وبما أنه إنسان موجود مختار في أعمال القدرة والسلطنة في أي جانب من جوانب حياته، يكون هو المسؤول عن عمله لا غيره فالعمل نتاج المواهب الإلهية وإعمال السلطنة من ناحية العبد. ولتقريب ذلك المعني أمثلة كثيرة مسطورة في الكتب الكلامية.

التكليف بما لا يطاق أمر غير جائز

إذا قلنا بأنه سبحانه عادل لا يجور فلا يصح علي الحكيم تكليف العبد فوق قدرته، وقولنا إنه لا يصح لله سبحانه ذلك النوع من التكليف لا يعني تحكيم فكرتنا وإرادتنا علي الله سبحانه بل معناه إنا نستكشف من التدبر في صفاته سبحانه وهو كونه حكيما لا يعبث، وعادلا لا يجور، إنه لا يكلف إنسانا إلا بما في وسعه وقدرته، قال سبحانه: - (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) - [32] .

افعاله سبحانه معللة بالأغراض

اتفقت الشيعة - بما أنه سبحانه حكيم لا يعبث - علي أن أفعاله معللة بالأغراض، ومعني ذلك أن فعله لا ينفك عن الغرض، وليس الغرض غرضا [ صفحه 29] للفاعل وإنما هو غرض لنفس الفعل، وكم فرق بين كون الغرض عائدا إلي الفاعل، وبين كون الفعل غير خال عن الغرض، ومقتضي الحكمة هو الثاني، أي عدم خلو فعله عن الغرض، ومقتضي غناه وكماله المطلق عدم عود الغرض إلي الفاعل. وأظن أن النزاع بين الشيعة وأهل السنة لفظي، فإن أهل السنة ينفون أن يكون له سبحانه غرض في فعله يستكمل به ذاته والشيعة أيضا يوافقونهم علي ذلك ويقولون بأنه سبحانه هو فوق الكمال ومن هو بهذه المكانة أسمي من أن يطلب غرضا يستكمل به. ولكن الشيعة تعتقد أن الغرض لا ينحصر بالغرض العائد إلي الفاعل بل هناك قسم آخر يخرج به الفعل عن العبثية ويضفي عليه وصف الحكمة ويكون غرضه سبحانه عائدا إلي المكلفين، وهذا ما يتراءي من الذكر الحكيم في موارد مختلفة ويقول: - (سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) - [33] . فإن خلق السماوات والأرض لم يكن عبثا، قال سبحانه: - (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) - [34] . وقال سبحانه: - (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين) - [35] .

القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار

إن القضاء والقدر من المفاهيم الإسلامية الواردة في الكتاب والسنة، قال سبحانه: - (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن [ صفحه 30] نبرأها إن ذلك علي الله يسير) - [36] . وفي السنة النبوية وأحاديث العترة الطاهرة تصريحات بالقضاء والقدر، وهذا مما اتفق عليه المسلمون وإنما الكلام في تفسيرهما. إن اليهود ممن غالت في التقدير حتي جعلته إلها ثانيا إلي حد ليس لله سبحانه تغيير قضائه وقدره، يقول سبحانه حاكيا عنهم: - (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء...) - [37] . فمن أراد تفسير القضاء والقدر علي نحو يسلبان الاختيار عن الإنسان فقد وقع في متاهات الجبر فالإيمان بالقضاء والقدر يجب أن يكون بنحو لا يسلب عن الإنسان اختياره قال سبحانه: - (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) - [38] وقال سبحانه: - (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) - [39] . إن تقديره وقضاءه سبحانه يختلف حسب اختلاف الفاعل، فلو كان الفاعل فاعلا موجبا كالنار بالنسبة إلي الحرارة، وسقوط الحجر علي الأرض فقد قدر وقضي بصدور الفعل عن الفاعل عن جبر واضطرار، وأما إذا كان الفاعل فاعلا مختارا ومسؤولا أمام الله فقد قدر وقضي علي صدور فعله منه عن إرادة واختيار. فالتقدير والقضاء عند الشيعة يخالفان الجبر ويؤيدان الاختيار قال سبحانه: - (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة علي أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) - [40] . [ صفحه 31]

تعذيب البرئ مخالف لعدله

اتفقت الشيعة علي أنه لا يجوز سبحانه أن يعذب أطفال الكفار يوم القيامة، وذلك أن تعذيبهم بغير جرم اقترفوه مخالف لعدله وحكمته. وقد أشرنا أن قولنا " لا يجوز " أو " يجوز " لا يعني تحكيم إرادتنا وفكرتنا علي الله سبحانه حتي يكون الواجب محكوما بحكم البشر فإن ذلك باطل لا مرية فيه، ولكن المراد هو استكشاف حال الواجب من خلال أوصافه من كونه حكيما عادلا فنستكشف من هذين الوصفين أنه لا يعذب طفلا بريئا سواء أكان طفلا لمسلم أم لكافر.

وجوب المعرفة

اتفقت الشيعة علي لزوم معرفة الله سبحانه لزوما عقليا بمعني أن العقل يحكم بحسن المعرفة وقبح تركها، لما في المعرفة من أداء شكر المنعم وهو حسن، وفي تركها احتمال الوقوع في الضرر وهو قبيح. نعم غير الشيعة لم تلتزم بلزوم معرفة الله إلا سمعا ونقلا، ولكن لم يتبين لنا كنه مرادهم فإن المفروض أن الشريعة بعد لم تثبت فكيف يثبت وجوب المعرفة بحكم الشريعة؟

لزوم تكليف العباد

إذا كان فعله سبحانه منزها عن العبث يستقل العقل بالحكم بلزوم إيصال كل مكلف إلي الغاية التي خلق لها، وذلك يتحقق في مورد الإنسان بالتكليف. [ صفحه 32]

لزوم بعث الأنبياء

إذا كان الإنسان لم يخلق سدي بل خلق لغاية، والغاية مما لا يدركها البشر بعقله العادي، ففي ذمته سبحانه إرسال الرسل لهداية الناس إلي الغايات المنشودة وإلا يلزم أن يكون خلق الإنسان سدي وعبث.

قاعدة اللطف

إن قاعدة اللطف لها دور في الكلام الشيعي وتترتب عليها قواعد وأحكام، وحاصلها أنه إذا كان الغرض المترتب علي التكليف لا يحصل إلا بفعل يقرب العبد من الطاعة ويبعده عن المعصية، كان علي الله سبحانه القيام بذلك. وبعبارة أخري كل ما هو دخيل في تحقق الرغبة إلي الطاعة والابتعاد عن التمرد والمعصية في نفوس الأكثرية الساحقة من البشر يجب علي الله سبحانه القيام به صونا للتكليف عن اللغو يقول سبحانه: - (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) - [41] وقال تعالي: - (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) - [42] . فإن تعليل ابتلاء الناس بالسراء والضراء لرجاء رجوعهم للطاعة دليل علي أن كل ما يكون سببا للجوء الناس للطاعة كان عليه سبحانه أن يقوم به لأنه مقتضي حكمته. والعقل يستقل بحسن ذلك.

لزوم النظر في برهان مدعي النبوة

يجب النظر في برهان المدعي إذا ادعي مسألة تمت إلي الدين بصلة علي وجه يعاقب الإنسان لو لم يعتقد بها أو اعتقد بالخلاف. [ صفحه 33] إن للتحسين والتقبيح العقليين دورا عظيما في المسائل الكلامية اقتصرنا علي هذه النتائج القليلة ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة الكتب الكلامية المطولة [43] .

خاتمة المطاف

اشاره

وفي خاتمة هذا الفصل أود أن أطرح مسألتين لهما دوي في الأوساط العلمية، والمسألتان هما عبارة عن القول بالبداء والتقية، فقد وقعا غرضا للنبال وأخذ المخالف يعترض علي الشيعة بالقول بهما غافلا عن أن النزاع بين الطائفتين نزاع لفظي ولو وقف المخالف علي الحقيقة، لتجاوب معها وإليك البيان:

البداء عند الشيعة

البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء، قال سبحانه: - (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون - وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) - [44] . والبداء بهذا المعني، لا يطلق علي الله تعالي بتاتا، لاستلزامه حدوث علمه بعد جهله بالشئ، تعالي عما يقول الظالمون. وهذا هو الذي ينسبه متكلمو السنة إلي الشيعة، وهم براء من تلك النسبة وإنما أرادوا منه المعني الثاني الآتي. وهو أن تقديره سبحانه للحوادث علي قسمين: أ - تقدير قطعي وقضاء مبرم. ب - تقدير معلق وقضاء غير منجز. [ صفحه 34] فأما القسم الأول: فلا يتسرب إليه البداء لافتراض كونه تقديرا حتميا وقضاء مبرما، وإنما يتسرب البداء إلي القسم الثاني وهو القضاء المعلق فهو يتغير إما بالأعمال الصالحة أو الطالحة قال سبحانه: - (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) - [45] . وقال سبحانه: - (ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) - [46] . وقال تعالي: حاكيا عن شيخ الأنبياء نوح عليه السلام: - (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا - يرسل السماء عليكم مدرارا - ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) - [47] . فالبداء بهذا المعني مما اتفق عليه المسلمون قاطبة كما اتفقوا علي عدم صحة البداء بالمعني الأول، وأما استعمال البداء " بدا لله " في هذا المقام مع أنه بداء لنا من الله فهو أشبه بالمجاز وقد استعمل النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث الأقرع والأبرص والأعمي تلك اللفظة، وقال: وبدا لله عز وجل أن يبتليهم [48] وعلي كل تقدير فليس النزاع في اللفظ والتسمية بل مورده هو المسمي والمقصود. ولو أن علماء السنة وقفوا علي ما هو المقصود من القول بالبداء لله لما اعترضوا علي الشيعة الإمامية. وكم من مسائل خلافية لو طرحت في جو هادئ يسوده روح البحث العلمي بعيد عن التعصب لزالت حواجز الاختلاف ولتقاربت وجهات نظر الطائفتين. [ صفحه 35]

التقية عند الشيعة

التقية من المفاهيم القرآنية التي وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم، والغاية منها هي صيانة النفس والعرض والمال، وذلك في البيئات التي صودرت فيها الحريات في القول والعمل، والرأي والعقيدة، فلا ينجو المخالف إلا بالصمت والسكوت، مرغما أو بالتظاهر بما يوافق هوي السلطة وأفكارها. إن التقية سلاح الضعيف وكهف الخائف أمام القوي الغاشم، سلاح من يبتلي بمن لا يحترم دمه وعرضه وماله، لا لشئ إلا لأنه لا يتفق معه في بعض الأفكار والمبادئ. وهذا شئ يستسيغه العقل كما ورد في الشرع، قال سبحانه: - (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) - [49] . وقال سبحانه: - (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) - [50] . ولا تختص بتقية المسلم من المشرك والكافر بل تعم تقية المسلم من المسلم الجائر أيضا. قال الرازي: إن مذهب الشافعي (رض): إن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلت التقية محاماة عن النفس، وقال: التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد [51] . [ صفحه 36] وقال جمال الدين القاسمي: وزاد الحق غموضا وخفاء، أمران: خوف العارفين - مع قلتهم - من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن، وإجماع أهل الإسلام، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق، وما برح المحق عدوا لأكثر الخلق، وقد صح عن أبي هريرة (رض) أنه قال في ذلك العصر الأول: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم [52] . وليعلم أن التقية إنما تتصور في القضايا الشخصية أي تقية شخص من شخص آخر في بيئته. وأما التقية العامة بأن تصور العقائد أو الأحكام في الكتب الفقهية بشكل يوافق عقائد الموافق وفقهه فهذا ليس بصحيح. فالشيعة لم تتق ولن تتق في محاضراتها وكتبها ومنشوراتها قدر شعرة، فمن يتهم الشيعة بالتقية في كتمان عقائدها وتحرير فقهها، فقد خبط خبطة عشواء لما عرفت من أن التقية ترجع إلي القضايا الشخصية. وأين هم من الباطنية الذين يخفون كتبهم حتي عن معتنقيهم، والشيعة الإمامية لم تزل مجهرة بعقائدها بشتي الطرق وأساليبها. أضف إلي ذلك أن الشيعة قامت لهم دول مختلفة في فترات كثيرة من التاريخ منذ ألف سنة فلماذا تتقي في تحرير عقائدها ونشر أفكارها وبث فقهها؟! [ صفحه 37]

الشيعة والنبوة العامة والخاصة

اشاره

النبوة عند الشيعة كسائر المسلمين: سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده لهدايتهم إلي ما فيه السعادة في معاشهم ومعادهم. والنبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالي بإحدي الطرق المعروفة الواردة في الذكر الحكيم. أعني قوله سبحانه: - (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) - [53] . وبما أن صفحات التاريخ تشهد علي وجود أناس ادعوا السفارة من الله والإنباء عنه عن كذب وافتراء ولم يكن لهم متاع غير التزوير، ولا سلعة سوي السلطة فلا بد في تمييز النبي عن المتنبي من معايير وضوابط تكون هي الفصل في القضاء بالحق، وهي إحدي الأمور الثلاثة التالية:

التحدي بالإعجاز

تجهيز الأنبياء بالمعاجز عند طرحهم دعوي النبوة. والإعجاز يدل بالدلالة المنطقية علي صدق دعواه، وذلك لأن المعجزة فيها خرق للنواميس الطبيعية فلا [ صفحه 38] يمكن أن تقع من أحد إلا بعناية من الله تعالي، واقتدار منه، فلو كان مدع النبوة كاذبا في دعواه كان إقداره علي المعجزة من قبله سبحانه إغرارا بالجهل، وإشادة بالباطل، وذلك محال علي الحكيم تعالي، فإذا ظهرت المعجزة علي يده كانت دالة علي صدقه وكاشفة عن نبوته. يقول سبحانه: - (ولو تقول علينا بعض الأقاويل - لأخذنا منه باليمين - ثم لقطعنا منه الوتين - فما منكم من أحد عنه حاجزين) - [54] . يريد سبحانه أن محمدا الذي أثبتنا نبوته وأظهرنا المعجزة بتصديقه لا يمكن أن يتقول علينا بعض الأقاويل ولو صنع ذلك لأخذنا منه باليمين ولقطعنا منه الوتين، فإن في سكوتنا عن هذه الأقاويل إمضاء منا لها وإدخالا للباطل في شريعة الحق فيجب علينا حفظ الشريعة في مرحلة البقاء كما يجب علينا حفظها في مرحلة الحدوث.

تنصيص النبي السابق علي نبوة النبي اللاحق

إذا ثبتت نبوة نبي بدلائل مفيدة للعلم ثم نص هذا النبي علي نبوة نبي لاحق يأتي من بعده، كان ذلك حجة قطعية علي نبوة النبي اللاحق لا تقل في دلالتها عن المعجزة. ولأجل ذلك يستدل المسلمون بالبشارات الواردة في العهدين علي نبوة نبي الإسلام، ويرشدنا إليه قوله سبحانه حاكيا عن المسيح: - (وإذ قال عيسي ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) - [55] . [ صفحه 39]

جمع القرائن والشواهد

اشاره

إن جمع القرائن والشواهد ضابطة مطردة في المحاكم الوضعية تتخذها القضاة في إصدار أحكامهم، ويستند إليها المحامون في إبراء موكليهم، فبجمع تلك القرائن والشواهد يمكن أن نستعلم صحة دعوي المدعي أو إنكار المنكر. فعلي ضوء ذلك، فللباحث أن يتحري القرائن المكتنفة بدعوي النبوة حتي يقطع معها بصدق الدعوي أو كذبها وهذه القرائن تتلخص في الأمور التالية: أ - سيرة المدعي قبل الدعوة. ب - سمات بيئته. ج - مضمون الدعوة. د - ثباته في طريق الدعوة. ه - الأدوات التي يستخدمها في نشر دعوته. و - المؤمنون الملتفون حوله. ز - مكانة أتباعه في الورع والتقوي والعلم والوعي. هذه القرائن وأشباهها ترشدنا إلي أحد الأمرين: إما أنه نبي صادق أو مت نبي كاذب.

الوحي

إن تحديد حقيقة الوحي وتبيين ماهيته من المواضيع الحساسة في أبحاث النبوة العامة، والأنبياء يتلقون تعاليمهم عن هذا الطريق ولولاه لانقطعت أخبار السماء عن الأرض وصلة الأنبياء بالله. [ صفحه 40] والشيعة الإمامية تعتقد بأن الوحي يختص بالأنبياء وليس هو نتاج الحس ولا العقل ولا الغريزة وإنما هو شعور خاص لا نعلم حقيقته، وهو يغاير الشعور الفكري المشترك بين أفراد الإنسان قاطبة. والوحي لا يغلط معه النبي في إدراكه، ولا يشتبه، ولا يختلجه شك ولا يعترضه ريب فهو يدركه من غير أن يحتاج إلي إعمال نظر أو التماس دليل، أو إقامة حجة، إذ لو افتقر إلي شئ من ذلك لكان اكتسابا عن طريق القوة النظرية لا تلقيا من الغيب من غير توسط القوة الفكرية.قال سبحانه: - (نزل به الروح الأمين - علي قلبك لتكون من المنذرين) - [56] .

سمات الأنبياء

إن أخطر المناصب وأكبرها مسؤولية قيادة المجتمع البشري وهدايته إلي السعادة فإنها تتطلب في المتصدي لها، مؤهلات وامتيازات خاصة ينفرد بها عن سائر الناس، وهذه في الأنبياء تتلخص في الأمور التالية: 1 - العصمة ولها مراتب ثلاث: المرتبة الأولي: المصونية عن الذنب ومخالفة الأوامر المولوية قبل البعثة وبعدها، وخالف بعض أهل السنة في عصمة النبي قبلها خصوصا في صغائر الذنوب فجوزها له. المرتبة الثانية: المصونية في تلقي الوحي ووعيه وإبلاغه إلي الناس. المرتبة الثالثة: المصونية من الخطأ والاشتباه في تطبيق الشريعة والأمور [ صفحه 41] الفردية والاجتماعية. 2 - التنزه عن كل ما يوجب نفرة الناس عنه وعقم التبليغ. 3 - الاطلاع علي أصول الدين وفروعه وكل ما ألقي إبلاغه علي عاتقه. 4 - التحلي بكفاءة خاصة في القيادة والإدارة مقترنة بحسن التدبير، وقد برهن الكلام الشيعي علي لزوم هذه السمات في الأنبياء عامة والنبي صلي الله عليه وآله وسلم خاصة. ومن أراد الوقوف فعليه الرجوع إلي الكتب الكلامية.

النبوة الخاصة

كان الكلام السابق في النبوة العامة من دون تخصيص بنبي، وأما النبوة الخاصة أي نبوة نبي الإسلام، فالشيعة الإمامية تعتقد بأن محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلم نبي الله الخاتم جاء لهداية الناس في الوقت الذي عمت سيادة الشرك وعبادة الأصنام أكثر ربوع المعمورة، وفي هذا الظرف قام رجل بين أمة متقهقرة تقطن أراض جدباء، ومعشر ليس لهم من الحضارة أي سهم يذكر، يسفكون دماءهم ويقطعون أرحامهم، فادعي النبوة والسفارة من الله تعالي علي أساس نشر التوحيد، ورفض الوثنية وعبادة الأصنام، وإقامة العدل، وبسط القسط، ورفض التمييز، وحماية المضطهدين والمظلومين، وقد كان تاريخ دعوته في أوائل القرن السابع الميلادي 610 وأول ما بدأ به، بدأ بدعوة أقربائه وعشيرته. واستطاع هداية جمع من عشيرته ثم وجه دعوته إلي عموم الناس من غير خصوصية بين قبيلة وغيرها. ويستدل علي صحة دعوته بالطرق الثلاثة: 1 - معجزته الخالدة القرآن الكريم الذي تحدي به الأمم ولم يزل متحديا إلي يومنا هذا، قال سبحانه: - (قل لأن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا [ صفحه 42] القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) - [57] . مضافا إلي سائر معجزاته التي كانت تظهر منه بين آونة وأخري. 2 - بشائره في العهدين وقد بقيت - بحمد الله - إلي يومنا هذا. 3 - دلالة القرائن الداخلية والخارجية علي صحة دعوته.

سمات دعوته

عالمية رسالته

اتفقت الشيعة علي أن الإسلام عقيدة وعمل لا ينفرد بهما شعب أو مجتمع خاص ولا يختص ببلد دون بلد، بل هو دين يعم المجتمع الإنساني ككل، علي اختلافه في العنصر والوطن واللسان، ولا يفترض لنفوذه حاجزا بين أبناء الإنسان، ولا يعترف بأية فواصل قومية أو إقليمية. قال سبحانه: - (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) - [58] . وقال تعالي: - (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) - [59] .

خاتمية رسالته

اتفقت الشيعة عن بكرة أبيها علي أن نبيها محمدا خاتم النبيين، وأن شريعته خاتمة الشرائع، وكتابه خاتم الكتب والصحف، فهو آخر السفراء الإلهيين أوصد به باب الرسالة والنبوة وختمت به رسالة السماء إلي الأرض، وأن دينه دين الله [ صفحه 43] الأبدي، وأن كتابه كتاب الله الخالد، وقد أنهي الله إليه كل تشريع فاكتملت بدينه وكتابه الشرائع السماوية التي هي رسالة السماء إلي الأرض قال سبحانه: - (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما) - [60] .

صيانة القرآن من التحريف

القرآن الكريم هو المصدر الأول لدي المسلمين من غير فرق بين الشيعة وأهل السنة، وهو كلام الله ووحيه وقوله وكتابه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم، وأنه الحق الفصل وما هو بالهزل، وإن الله تبارك وتعالي منزله وحافظه صانه من الزيادة والنقيصة. وهذه عقيدة كبار المحققين من الشيعة. قال السيد المرتضي (355 - 436 ه): إن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وغيرهما ختم القرآن علي النبي عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدني تأمل علي أنه مجموع مرتب غير مبتور ولا مبثوث [61] . وقد تقدمه في هذا القول (صيانة القرآن من التحريف) مشايخ الشيعة كالفضل بن شاذان (المتوفي 260 ه) والشيخ الصدوق (306 - 381 ه) والشيخ المفيد (336 - 413 ه) وتبعه أيضا الطوسي (385 - 460) والطبرسي (471 - 548 ه) والسيد ابن طاووس (المتوفي 664 ه) إلي غير ذلك من أعلام الأمة إلي يومنا هذا. وإليك كلمة قيمة للأستاذ الأكبر الإمام الخميني قدس سره في محاضراته حيث [ صفحه 44] قال: إن الواقف علي عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة يقف علي بطلان دعوي التحريف وأنه لا ينبغي أن يركن إليها، وما وردت من الأخبار في التحريف فهي: بين ضعيف لا يستدل به، إلي مجهول تدل أمارات الجعل علي وضعه، إلي غريب يقضي بالعجب، إلي صحيح يدل علي أن الساقطه و تأويل الكتاب وتفسيره لا نفس الكتاب... [62] . نعم ذهب شذاذ من الأخبارية والحشوية من الشيعة والسنة إلي القول بالتحريف فلا يقام لأقوالهم وزن بعد كونها مخالفة للقرآن الكريم بإجماع الأمة.

خرجنا بالنتيجة التالية

لا خلاف بين الشيعة والسنة في حقل النبوة العامة والخاصة إلا شيئا لا يذكر وهو تجويز العصيان للأنبياء قبل دعوي النبوة فتنفيه الشيعة، ومجموعة من السنة ويجوزه لفيف منهم. [ صفحه 45]

الشيعة والمعاد

اشاره

المعاد وحشر الإنسان بعد الدنيا إجابة عن أحد الأسئلة التي طالما أخذت جل تفكيره فمذ فتح عينيه علي الحياة يسأل نفسه عن الأمور التالية: 1 - ما هو مبدأ العالم والإنسان؟ 2 - ما هو الهدف من وجود الإنسان؟ 3 - إلي أين المصير بعد الموت؟ فالبحث عن الصانع إجابة عن السؤال الأول. كما أن البحث عن كونه حكيما وأن فعله منزه عن العبث إجابة عن الثاني. والقول بأن الموت ليس نهاية الحياة وإن الإنسان لا يفني بموته، وإنما هو جسر ينتقل عبره من نشأة إلي نشأة أخري أكمل من الأولي، هو جواب عن السؤال الثالث. إن الاعتقاد بالمعاد عنصر أساسي في كل شريعة لها صلة بالسماء، ولأجل ذلك أصبح المعاد في الشرائع السابقة أصلا مسلما حتي عند اليهود في العهد القديم [63] . [ صفحه 46] وإذا كان المعاد يحتل المكانة العليا في الشرائع السماوية وكان القرآن خاتم الكتب، والمبعوث به خاتم الأنبياء فيناسب أن يكون المعاد مطروحا فيه بشكل واسع مقترنا بالدلائل العقلية المقنعة. وقد صدق الخبر الخبر، فالذكر الحكيم يعتني بالمعاد، ويهتم به اهتماما بالغا تكشف عنه كثرة الآيات الواردة في مجال المعاد وربما تبلغ زهاء ألف وأربعمائة آية، وكان أستاذنا العلامة الطباطبائي يقول: تربو علي الألفين ولعله قدس سره ضم الإشارة إلي التصريح به فبلغت ما تربو علي ألفي آية. وعلي أية حال فالشيعة لا تختلف عن سائر الفرق الإسلامية في هذا الأصل الخطير وتقول: إن الله سبحانه سيجمع الناس يوم القيامة ويضع الموازين القسط فلا يظلم أحدا مثقال ذرة، وتوفي كل نفس ما عملت فإما إلي النعيم الدائم أو إلي العذاب المقيم. وهناك أصول اتفقت الشيعة عليها نذكرها لشدة مناسبتها بالمقام: 1 - اتفقت الشيعة علي أن المسلم المؤمن العاصي غير مخلد في النار وهو مؤمن فاسق فليس بكافر ولا بالمنزلة بين المنزلتين. 2 - اتفقت علي أن الشفاعة حق، وأن لخاتم الأنبياء مقام الشفاعة الكبري كما تعتقد بجواز طلبها من النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حياته ومماته. قال سبحانه: - (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفرلهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) - [64] . وليس طلب الشفاعة إلا طلب الدعاء فإذا جاز في حال الحياة يجوز بعد الرحيل أيضا لافتراض أنه صلي الله عليه وآله وسلم حي يرزق وأنه بإذنه سبحانه يسمع كلامنا ويجيب سلامنا. [ صفحه 47] 3 - اتفقت الشيعة علي أن التناسخ باطل والقائل به كافر، والمراد منه انتقال النفس من بدن إلي بدن آخر في هذه النشأة فإذا مات البدن الثاني انتقلت إلي ثالث وهكذا. والداعي للقول بالتناسخ هو إنكار المعاد كما حقق في محله. 4 - اتفقت الشيعة علي أن حقيقة التوبة عبارة عن الندم عما مضي والعزم علي عدم العودة عليه وإذا قدر الإنسان عليها وجبت ولا تقبل حين الموت. 5 - اتفقت الشيعة علي أن حب النبي والأئمة المعصومين يقرب الإنسان من الله تبارك وتعالي ويبعث في روعه روح الطاعة والمشاكلة معهم في الإتيان بالواجبات والتحرز عن المحرمات، وأما الحب المجرد عن العمل فليس سببا للنجاة وإنما النجاة هو العمل بعد الحب. 6 - إن الشيعة تبعا واقتداء بأئمتهم يقدسون الصحابة الذين عملوا بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه، ولم يتجاوزوهما، كما أنهم يتبرأون ممن خالف كتاب الله وسنة رسوله وفي هذا المقام كلمة مباركة للإمام زين العابدين قال في دعاء له: " اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلي وفادته، وسابقوا إلي دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به ومن كانوا منطوين علي محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القربات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم علي هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلي ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم. اللهم وأوصل إلي التابعين لهم بإحسان [ صفحه 48] الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا [65] . نعم لا يقولون بعدالة كل صحابي وكل من رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولو يوما أو أياما بل يقسمون الصحابة كالتابعين إلي قسمين تبعا للذكر الحكيم والسنة النبوية، وهذا هو الذكر الحكيم يصف بعض الصحابة بالفسق يقول: - (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) - [66] . كما أن الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم يصفهم في حديث الحوض بما لا يتلاءم مع عدالة الجميع. روي البخاري ومسلم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ويحلؤون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري [67] . هذا هو قدامة بن مظعون صحابي بدري شرب الخمر وأقام عليه عمرالحد [68] . ومن الصحابة من خضبوا وجه الأرض بالدماء، فهذا بسر بن أرطأة قد قتل مئات المسلمين وما نقم منهم إلا أنهم كانوا يحبون علي بن أبي طالب، ولم يكتف بذلك فحسب، بل قتل طفلين لعبيد الله بن عباس [69] . [ صفحه 49]

الي هنا خرجنا بالنتيجة التالية

لا اختلاف بين المذهبين: فيما يرجع إلي المعاد والأصول الستة التي تتبناها الشيعة إلا في الأصل السادس فالسنة تعتقد بعدالة كل صحابي خلافا للشيعة حيث تقسمهم إلي مثالي يستدر به الغمام، ومؤمن يضحي بنفسه ونفيسه في طريق الدين وإعلاء كلمة الله، إلي من يصفه سبحانه في محكم كتابه [70] علي خلاف هذين الصنفين. [ صفحه 50]

الشيعة والإمامة والخلافة

اشاره

الخلافة عند الشيعة إمرة إلهية واستمرار لتحقيق أهداف النبي صلي الله عليه وآله وسلم ووظائفه، والإمام له نفس الصلاحيات والوظائف المخولة إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم غير أنه ليس بنبي ولا يوحي إليه والنبوة أوصدت وختمت بالرسول فلا نبي ولا رسول بعده، ولكن الوظائف كلها مستمرة، ولأجل ذلك يجب أن يكون الإمام قائما بوظائفه الروحية والمادية والعلمية والاجتماعية كي يسد الفراغ الحاصل بوفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومن جملة وظائفه صلي الله عليه وآله وسلم: 1 - تبيين الأحكام الشرعية والوظائف الاجتماعية. 2 - تفسير القرآن الكريم وتوضيح إجماله وتبيين متشابهه. 3 - تبيين الأحكام الشرعية للحوادث المستجدة. 4 - إزالة الشبهات الطارئة من قبل الفرق المختلفة. 5 - إزالة الخلاف الناجم بين أصحابه باعتباره محورا للحق والباطل. هذا ما يرجع إلي الوظائف الروحية وأما ما يرجع إلي الوظائف المادية فحدث عنها ولا حرج فقد كان رئيسا للدولة، مرسلا الجيوش لنشر الدعوة الإسلامية، مؤمنا لميزانية الدولة عن طريق جلب الضرائب والزكوات، باعثا السرايا لإخماد الفتن إلي غير ذلك. فالإمام عند الشيعة الإمامية هو الذي يقوم بهذه الوظائف كافة بلا استثناء ولا [ صفحه 51] يقوم بها إلا الأمثل فالأمثل من الأمة، ومن تمتع بتربية إلهية وكان ذا كفاءة وجدارة علي إدارة الدولة بمختلف شؤونها، وليس التعرف علي مثل ذلك الإنسان أمرا يسيرا بل لا يعلمه إلا الله سبحانه والنبي صلي الله عليه وآله وسلم عن طريق إبلاغه. وهذه هي نظرية التنصيص عند الإمامية فهم لا يرضون إلا بتنصيص النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي من يخلفه لملء الفراغ الحاصل بعد غيابه صلي الله عليه وآله وسلم عن المسرح السياسي والاجتماعي وليس في مقدرة الشوري ولا وسع البيعة العامة التعرف علي ذلك الرجل المثالي والكفوء الذي يلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الفضائل والمناقب. إن انتخاب الخليفة عن طريق شوري المهاجرين والأنصار أو البيعة العامة قد تعرض إليه علماء الكلام نظريا، دون أن يدخل حيز التطبيق العملي بل واقع الخلافة في صدر الإسلام أثبت خلاف ذلك، ويعرب هذا عن أن المعهود في ذلك العصر هو التنصيص لا المشاورة ولا الاستفتاء ولا بيعة عامة. فهذا عمر بن الخطاب قد أخذ بزمام الأمور من قبل الخليفة الأول حيثقال: إني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب [71] . كما أن الخليفة الثالث تسلم مقاليد الأمور عن طريق شوري سداسية عين أعضاءها عمر بن الخطاب [72] . روي المؤرخون أن عمر بن الخطاب لما أحس بالموت قال لابنه عبد الله: إذهب إلي عائشة وأقرأها مني السلام واستأذن منها أن أقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر. فأتاها عبد الله بن عمر فأعلمها فقالت: نعم وكرامة، ثم قالت: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع واستخلف عليهم ولا تدعهم بعدك [ صفحه 52] هملا فإني أخشي عليهم الفتنة [73] . إن عبد الله بن عمر دخل علي أبيه قبيل وفاته، فقال: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، وزعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لكراع إبل، أو راع غنم ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد [74] . إلي غير ذلك من النصوص الحاكية علي أن النظرية التي تبناها المسلمون الأوائل هي نظرية التنصيص، ولكنهم عدلوا عن تنصيصه سبحانه إلي تنصيص نفس الخليفة.

هل المصلحة كانت تكمن في تعيين الوصي أو تركه إلي انتخاب الأمة؟

هل المصلحة العامة عند الرسول تكمن في تعيين الوصي والقائم بشؤون الخلافة، أو تكمن في تركه إلي الأمة؟ إن دراسة أحوال المسلمين يوم ذاك، تحتم علينا، أن نقول بأن المصلحة العامة كانت رهن تعيين الوصي. وقد فرضت الأخطار الداخلية والخارجية المحدقة بالإسلام علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم تعيين وصي يسد ذلك الفراغ الحاصل بغيابه عن المسرح السياسي ويسد باب الجدل والنقاش في وجه الأمة. إن الخطر الثلاثي لم يكن أمرا خفيا علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم خاصة إن إمبراطورية إيران ذات الحضارة الزاهرة تهدد كيان الحكومة الفتية، كما أن الإمبراطورية البيزنطية في شمال الجزيرة العربية لم تكن بأقل من إمبراطورية إيران خطرا في [ صفحه 53] إيجاد الفتن والفوضي فأخذت تشغل بال النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولم يبارحه التفكير في خطرها حتي لحق بالرفيق الأعلي، وأضف إلي ذلك خطر المنافقين من الداخل الذين كانوا يتحينون الفرص ويتربصون الدوائر لتسديد ضربة قاصمة إلي الإسلام. واتحاد هذا المثلث الخطر: الفرس والروم والمنافقون، لاكتساح الإسلام واجتثاث جذوره، بات أمرا محتملا، خاصة بعد رحيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم وغيابه عن الساحة السياسية. أفهل يمكن أن يغيب عن قلب النبي صلي الله عليه وآله وسلم هذا الخطر ليحول دون وقوعه بتعيين الوصي فيلتف المسلمون حوله ويفض النقاش والجدال بينهم؟! هذا التهديد التاريخي يجرنا إلي القول بأن المصلحة اقتضت التنصيص علي الوصي لا أن يترك الأمر سدي يتلقفه الصحابة بالجدال والنقاش الحاد دون أن ينتهي عند حد. فنري أن الشيخ الرئيس - ذلك العقل الكبير - يقول: والاستخلاف بالنص أصوب، فإن ذلك لا يؤدي إلي التشعب والتشاغب والاختلاف [75] .

السنة النبوية والتنصيص علي إمامة علي

اشاره

إن من أحاط علما بسيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في تأسيس دولة الإسلام، وتشريع أحكامها وتمهيد قواعدها، وبمواقف علي بن أبي طالب وزير رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أمره وظهيره علي عدوه، وعيبة علمه، ووارث حكمه، وولي عهده، وصاحب الأمر [ صفحه 54] بعده ومن وقف علي أقوال النبي وأفعاله في حله وترحاله، يجد أن نصوص النبي صلي الله عليه وآله وسلم في خلافة علي عليه السلام وإمامته متواترة، وإليك البيان:

حديث بدء الدعوة

أخرج الطبري وغيره أنه لما نزلت هذه الآية علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: - (وأنذر عشيرتك الأقربين) - [76] دعا رسول الله عليا، فقال له: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني حتي أباديهم بهذا الأمر أري منهم ما أكره، فاصنع لنا يا علي صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ عسا من اللبن. فلما جاء القوم وأكلوا وشربوا قام النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقال: يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني علي هذا الأمر، علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا [77] . ودلالة الحديث علي الخلافة لعلي والوصاية له لا تحتاج إلي بيان، وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن النبوة والإمامة كانتا متعاقدتين بعقد واحد تتجليان معا ولا تتخلفان. [ صفحه 55]

حديث المنزلة

روي البخاري ومسلم في صحيحيهما وكثير من أهل السير والتاريخ أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خلف علي بن أبي طالب عليه السلام علي أهله في المدينة عند توجهه إلي تبوك فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، وتخففا به، فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام سلاحه وخرج حتي أتي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو نازل بالجرف، فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني، وتخففت بي، فقال: كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضي يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي؟ فرجع علي إلي المدينة ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في سفره [78] . الحديث يدل بوضوح علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أفاض علي علي عليه السلام بإذن من الله سبحانه الخلافة والوصاية، فكل مقام كان ثابتا لهارون فهو أيضا ثابت لعلي عليه السلام إلا ما استثناه وهي النبوة، علي أن الاستثناء دليل العموم. وما جاء في صدر الحديث من أنه خلفه علي أهله لا يكون دليلا علي التخصيص لبداهة أن المورد لا يكون مخصصا.

حديث الغدير

حديث الغدير حديث الولاية الكبري، حديث كمال الدين وإتمام النعمة [ صفحه 56] ورضي الرب تعالي وهو حديث نزل به كتاب الله المبين وتواترت به السنة النبوية، وتواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة والتابعين إلي يومنا هذا. وقد صب شعراء الإسلام واقعة الغدير في قوالب شعرية وإليك خلاصة تلك الواقعة: أجمع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الخروج إلي الحج في السنة العاشرة من الهجرة تلك الحجة التي سميت بحجة الوداع وحجة الإسلام وحجة البلاغ، فلما قضي مناسكه انصرف راجعا إلي المدينة ومن معه من الجموع المذكورة وصل إلي غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة فعند ذاك نزل جبرئيل الأمين بقوله: - (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) - [79] . وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة فأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يرد من تقدمهم ويحبس من تأخر عنهم حتي إذا أخذ القوم منازلهم نودي بالصلاة، صلاة الظهر، فصلي الناس، وكان يوما حارا يضع الرجل بعض ردائه علي رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، فلما انصرف من صلاته قام خطيبا وسط القوم علي أقتاب الإبل، وأسمع الجميع رافعا عقيرته، فقال: الحمد لله، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدي، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: أيها الناس، إني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: " نشهد أنك قد بلغت ونصحت، وجاهدت، فجزاك الله خيرا ". [ صفحه 57] قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ ". قالوا: " بلي نشهد بذلك ". قال: " اللهم اشهد ". ثم قال: " أيها الناس، ألا تسمعون؟ " قالوا: " نعم ". قال: " فإني فرط علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ". فنادي مناد: " وما الثقلان يا رسول الله؟ " قال: الثقل الأكبر، كتاب الله، والآخر الأصغر، عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ". ثم أخذ بيد علي فرفعها، حتي رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: " أيها الناس، من أولي الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ ". قالوا: " الله ورسوله أعلم ". قال: " إن الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فعلي مولاه - يقولها ثلاث مرات - ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ". ثم لم يتفرقوا حتي نزل أمين وحي الله بقوله: - (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) - الآية [80] ، فقال رسول [ صفحه 58] الله: " الله أكبر علي إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي ". ثم أخذ الناس يهنئون عليا، وممن هناه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر، كل يقول: بخ بخ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي، ومولي كل مؤمن ومؤمنة. وقال حسان: أتأذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا، فقال: قل علي بركة الله، فقام حسان، فقال: يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا فقال فمن مولاكم ونبيكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت نبينا ولم تلق منا في الولاية عاصيا فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أتباع صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادي عليا معاديا [ صفحه 59] فلما سمع النبي أبياته قال: " لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ". هذا مجمل الحديث في واقعة الغدير، وقد أصفقت الأمة علي نقله، فلا نجد حديثا يبلغ درجته في التواتر والتضافر ولا في الاهتمام به نظما ونثرا. لا أظن أن أحدا ينكر سند الحديث وتواتره، فقد رواه: 1 - من الصحابة 110 صحابيا. 2 - ومن التابعين 84. وأما عدد الرواة من العلماء والمحدثين فنذكرهم علي ترتيب القرون. 3 - في القرن الثاني: 56 عالما ومحدثا. 4 - في القرن الثالث: 92 عالما ومحدثا. 5 - في القرن الرابع: 43 عالما ومحدثا. 6 - في القرن الخامس: 24 عالما ومحدثا. 7 - في القرن السادس: 20 عالما ومحدثا. 8 - في القرن السابع: 20 عالما ومحدثا. 9 - في القرن الثامن: 19 عالما ومحدثا. 10 - في القرن التاسع: 16 عالما ومحدثا. 11 - في القرن العاشر: 14 عالما ومحدثا. [ صفحه 60] 12 - في القرن الحادي عشر: 12 عالما ومحدثا. 13 - في القرن الثاني عشر: 13 عالما ومحدثا. 14 - في القرن الثالث عشر: 12 عالما ومحدثا.15 - في القرن الرابع عشر: 19 عالما ومحدثا [81] . وقد ألف غير واحد من أعلام الفريقين كتبا في أسناد الحديث وتواتره وإنما المهم هو تبيين دلالة الحديث علي الإمامة الكبري.

دلالة الحديث علي الولاية الكبري

إن لفظة " مولي " في كلام النبي صلي الله عليه وآله وسلم " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " بمعني " أولي " كما في قوله سبحانه: - (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) - [82] . وقد فسر المفسرون قوله: - (هي مولاكم) - بقولهم هي أولي لكم، وهناك قرائن حالية ومقالية علي أن المراد من ذلك اللفظ هي الولاية. أما القرائن الحالية فهي أن النبي أمر بحبس المتقدم في السير ومنع التالي في محل ليس صالحا للنزول، غير أن الوحي حبسه هناك والناس قد أنهكتهم وعثاء السفر وحر الهجير وحراجة الموقف حتي أن أحدهم ليضع طرفا من ردائه تحت قدميه فعند ذاك رقي رسول الله منبر الأهداج. فهل يصح أن يراد من المولي في هذا الموقف الحرج غير إبلاغ الولاية لعلي وأنه هو المتصرف والآخذ بالزمام بعده، وإلا فلو أغمض علي هذا المعني [ صفحه 61] وقيل بأن المراد من المولي الناصر والمحب لسقط الكلام عن البلاغة واحتفظ عامة الناس بحق النقد والرد علي النبي بعدم ضرورة حبس هذه الحشود في ذلك الموقف غير الصالح للنزول، وإلقاء الخطبة لأجل تفهيم الجميع أمرا واضحا وهو الدعوة إلي نصرة علي وحبه. فلا يسوغ للنبي صلي الله عليه وآله وسلم حشر الجماهير في حر الرمضاء إلا أن تكون الخطبة حول أمر خطير تناط به حياة الإسلام وكيان المسلمين وهي تعيين الوصي بعده وإضفاء الولاية العامة علي من بعده. وأما القرائن المقالية فكثيرة ونشير إلي بعضها: الأولي: صدر الحديث وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ألست أولي بكم من أنفسكم "، فهذه قرينة علي أن المراد من المولي ما ورد في الصدر وهي الأولوية في النفوس والأموال قال سبحانه: - (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) - [83] . الثانية: قوله في ذيل الحديث: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " وفي جملة من الحديث قوله " وانصر من نصره واخذل من خذله " أو ما يؤدي مؤداه فلو أريد منه غير الولاية العامة والأولوية بالتصرف فما معني هذه الإطالة. الثالثة: أخذ الشهادة من الناس حيث قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق " فإن وقوع قوله " من كنت مولاه " في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة يحقق أن المراد هو الخلافة بعد الرسالة للأولوية علي الناس. ولعل يكفيك ما ذكرنا من القرائن ولم يفهم الشعراء والأدباء منذ صدور الحديث من صاحب الرسالة إلا الولاية العامة لعلي عليه السلام، وقد أنشأ حسان شعرا في هذا المقام حيث قال: [ صفحه 62] فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا وهذا هو علي صاحب الولاية يقول في شعره: وأوجب لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم وهذا هو قيس بن سعد بن عبادة ذلك الصحابي العظيم يقول: وعلي إمامنا وإمام لسوانا أتي به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه فهذا مولاه خطب جليل هذا هو داهية العرب عمرو بن العاص يكتب إلي معاوية رسالة وفيها قصيدته المعروفة بالجلجلية يقول فيها معترضا علي معاوية: وكم قد سمعنا من المصطفي وصايا مخصصة في علي وفي يوم خم رقي منبرا وبلغ والصحب لم ترحل فأمنحه إمرة المؤمنين من آل مستخلف المنحل [84] هذا هو خلاصة القول في إمامة علي بعد رحيل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من الله. ومن عجائب الأمور أن الشيعة قد ذهبت إلي أن عدد الخلفاء بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو اثنا عشر خليفة، ونري ذلك أيضا في الصحاح والمسانيد، وقد تضافرت الروايات الناهزة علي سبع عشرة رواية، أن عدد خلفاء الرسول هو اثنا عشر خليفة والمواصفات المحددة لهم تنطبق بالتمام علي أئمة الشيعة، وإليك بيانه. روي البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا [ صفحه 63] عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش [85] . وروي مسلم عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا يزال الإسلام عزيزا إلي اثني عشر خليفة " ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟قال: " كلهم من قريش " [86] . وروي أيضا: لا يزال هذا الدين منيعا إلي اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمنيها الناس، فقلت لأبي ما قال؟ قال: " كلهم من قريش " [87] . هذه النصوص تثبت أن صيغة الحكومة والإمامة عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم كانت هي التنصيص وقد نص علي علي عليه السلام وهو نص علي ولده الحسن عليه السلام وهو علي أخيه الحسين عليه السلام وتوالت الأوصياء حسب التنصيص إلي اثني عشر إماما، وعلي ضوء ذلك اتفقت الشيعة علي أن الأئمة الاثني عشر خلفاء الرسول وأنهم منصوبون من الله لزعامة الأمة وقد نص الرسول علي عددهم بل وعلي أسمائهم كما ونص كل خليفة سابق منهم علي الخليفة من بعده ودونك أسماءهم: أولهم الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول وصهره تربي في حجره، ولم يزل يقفو أثره طول حياته وهو أول الناس إسلاما وأشدهم استقامة في طاعة الله وتفانيا في الدين، بلغ في علمه وتقاه درجة تقاصر عنها شأو أقرانه. كان الإمام أفضل الناس وأمثلهم بعد رسول الله ولم يكن يومذاك رجل أليق بزعامة الأمة وقيادتها منه. نعم قدمت مجموعة من المهاجرين غيره عليه عليه السلام وتناسوا النص وأجمعوا [ صفحه 64] علي صرف الخلافة من أول يومها عن وليه المنصوص عليه. ولم ير الإمام بدا - لحفظ مصالح الدين والمسلمين - من تسليم الأمر إليهم فلزم عقر داره مدة خمسة وعشرين عاما إلي أن رجعت إليه الخلافة واتفقت علي قيادته وزعامته كلمتهم لا سيما جبهة الأنصار وسنام العرب. فتولي الإمام مقاليد الخلافة وأحيا سنة النبي الأعظم في عدله وإنصافه ومساواته بين الناس ولم يكن لأحد فيه مطمع، ولا عنده هوادة ولم يكن يقيم وزنا لغير الحق ولم يحكم بين الأمة إلا بالحق والعدالة حتي قتل في محراب عبادته لشدة عدله. فالحق أن الإمام مفخرة من مفاخر المسلمين علي الإطلاق بل الإنسانية جمعاء. فالإمام علي عليه السلام أول الأئمة الاثني عشر، ويليه: الحسن بن علي، الحسين بن علي، فعلي بن الحسين زين العابدين، فمحمد ابن علي الباقر، فجعفر بن محمد الصادق، فموسي بن جعفر الكاظم، فعلي بن موسي الرضا، فمحمد بن علي الجواد، فعلي بن محمد الهادي، فالحسن بن علي العسكري، فمحمد بن علي بن الحسن الحجة المهدي المنتظر. هؤلاء أئمة الشيعة الاثني عشر وقادتهم يقتبس من أنوارهم ويهتدي بهداهم وقد حفظت تواريخهم وآثارهم ودونت أحاديثهم وما رويت عنهم. والإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي المنتظر الذي تواترت الروايات علي ظهوره في آخر الزمان. إن الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عقيدة مشتركة بين جميع المسلمين، إلا من أصمه الله، فكل من كان له أدني إلمام بالحديث يقف علي تواتر البشارة عن النبي وآله وأصحابه، بظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم، ونشر [ صفحه 65] أعلام العلم والعدل، وإعلاء كلمة الحق وإظهار الدين كله ولو كره المشركون، وهو بإذن الله ينجي العالم من ذل العبودية لغير الله ويبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء. ويقطع دابر التعصبات القومية والعنصرية، ويزيل العداء والبغضاء التي صارت سببا لاختلاف الأمة واضطراب الكلمة، وتأجيج نار الفتن والمنازعات، ويحقق الله بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله: - (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) - [88] . وقال سبحانه: - (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) - [89] . هذا ما اتفق عليه المسلمون في الصدر الأول والأزمنة اللاحقة وقد تضافر مضمون قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ". ولو وجد هناك خلاف بين أكثر السنة والشيعة فالاختلاف في ولادته، فإن الأكثرية من أهل السنة يقولون بأنه سيولد في آخر الزمان، والشيعة بفضل الروايات المتواترة تذهب إلي أنه ولد في " سر من رأي " عام 255 ه، وغاب بأمر الله سبحانه سنة وفاة والده، عام 260 ه، وهو يحيي حياة طبيعية كسائر الناس غير أن الناس يرونه ولا يعرفونه، وسوف يظهره الله سبحانه ليحقق عدله. وهذا المقدار من الاختلاف لا يجعل العقيدة بالمهدي من المسائل [ صفحه 66] الخلافية، ومن أراد أن يقف علي عقيدة السنة والشيعة في مسألة المهدي، فعليه أن يرجع إلي الكتب التالية لمحققي السنة ومحدثيهم: 1 - " صفة المهدي " للحافظ أبي نعيم الأصفهاني. 2 - " البيان في أخبار صاحب الزمان " للكنجي الشافعي. 3 - " البرهان في علامات مهدي آخر الزمان " لملا علي المتقي. 4 - " العرف الوردي في أخبار المهدي " للحافظ السيوطي. 5 - " القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " لابن حجر. 6 - " عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر " للشيخ جمال الدين الدمشقي. وعلي ضوء ذلك اتفقت الشيعة علي أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو غائبا مستورا، وتلك الحجج في عامة الأدوار تتمثل إما في نبي أو في وصي نبي، والحجة المهدي (عجل الله تعالي فرجه) هو خاتم الأوصياء حي يرزق منحه الله من العمر أطوله كما منح للمسيح ذلك، وليس علي الله بعسير فهو القادر علي كل شئ فله أن يمنح عبدا من عباده أي قدر شاء من العمر، فلا قدرة الله متناهية ولا الموضوع في نفسه محال ولا أسس علم الحياة تعانده، وما جاء العلم بحد لحياة البشر لا يتجاوزه. وقد ادخره الله ليوم يتظاهر فيه الزمان بالجور والعدوان والقتل وسفك الدماء والفساد وإحاطة المجتمع بأنواع العذاب والبلاء. فهذه الكوارث والمكاره تهيئ المجتمع وتدفعه إلي ثورة عارمة علي الظلم والعدوان، تقتلع بها جذور الفساد وتقطع دابر الجبابرة عن أديم الأرض، حتي ترفرف رايات العدل والإسلام في شرق الأرض وغربها بقيادة آخر الخلفاء وخاتم الأوصياء فيملأ الله به الأرض عدلا وأمنا كما ملئت ظلما وجورا. [ صفحه 67] هذه خلاصة القول في الإمام المهدي. وفي خاتمة المطاف نأتي بما كتبه الدكتور عبد الباقي في كتابه الذي أسماه " بين يدي الساعة " وقد طبع في السعودية، فقال في تضافر الأخبار الواردة في حق المهدي: إن المشكلة ليست في حديث أو حديثين أو راو أو راويين إنها مجموعة من الأحاديث والأخبار تبلغ الثمانين تقريبا اجتمع علي تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح. فلماذا ترد كل هذه الكمية، أكلها فاسدة؟ لو صح هذا الحكم لأنهار الدين - والعياذ بالله - نتيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلي ما عداهما من سنة رسول الله. وإذا نظرنا إلي المهدي نظرة مجردة فإنا لا نجد حرجا من قبولها وتصديقها أو علي الأقل عدم رفضها [90] . [ صفحه 68]

الشيعة والمنهج الفقهي

اشاره

لقد سبق قولنا أن مذهب الشيعة مزيج من العقيدة والشريعة وليس مذهبا كلاميا بحتا حتي نقتصر في دراسته علي بيان الأصول الكلامية، ولا مذهبا فقهيا كالمذاهب الفقهية الأربعة حتي يكتفي في تعريفه بما يتبني من فروع في باب العبادات والمعاملات والإيقاعات والسياسات، وقد وقفت علي موجز عقائدهم في المسائل الكلامية في الفصول الخمسة السالفة الذكر، وإليك الإشارة إلي ما يدينون به في باب الأحكام. ينقسم فقه الشيعة إلي: 1 - عبادات 2 - عقود 3 - إيقاعات [91] 4 - سياسات. وهناك تقسيم آخر وهو تقسيمه إلي العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، والسياسات.

مصادر الفقه الشيعي

تعتمد الشيعة في استنباط الأحكام الشرعية علي الأدلة الأربعة لا غير: الأول: كتاب الله العزيز ولا يعدل عنه إلي غيره مطلقا. الثاني: السنة المأثورة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن طريق أئمة أهل البيت وسائر [ صفحه 69] الثقات، فإن المأثور عن أئمة أهل البيت يصل إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بسند عال غير خاضع للنقاش. الثالث: الإجماع: إجماع المسلمين علي حكم شرعي، أو إجماع الطائفة الشيعية الكاشف عن وجود النص الواصل إلي يد المجمعين وغير الواصل إلينا. وليس الإجماع عندهم بنفسه حجة، بل لأجل كشفه عن دليل شرعي موجود لدي المجمعين. الرابع: العقل: أعني الإدراكات القطعية العقلية التي لا يتردد فيها ولا يشك في صحتها، كيف والعقل هو الحجة الباطنية التي يحتج بها المولي سبحانه علي العباد، ثم بحكم العقل الذي له صلاحية الحكم والقضاء يستكشف حكم الشرع، للملازمة بين حكم العقل والشرع واستحالة التفكيك بينهما، فمثلا إذا استقل العقل بقبح العقاب بلا بيان فيفتي المجتهد في الموارد التي لم يرد فيها دليل شرعي علي الحكم الشرعي، بالبراءة أو الحلية. هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة وليس هناك مصدر آخر تعتمد عليه. وأما الرجوع إلي العرف، فإنما هو لتحديد المفاهيم وتبيين الأوضاع كالرجوع إلي قول اللغوي. نعم، رفضت الشيعة منذ زمن مبكر القياس والاستحسان وسد الذرائع وما يماثلها من الأدلة الظنية التي لم يقم دليل عندهم علي حجيتها. اتفقت الشيعة علي أن السنة المطهرة كما تثبت بالخبر المتواتر، والخبر المحفوف بالقرائن، تثبت أيضا بالخبر الواحد إذا كان رواته ثقات في جميع السلسلة. [ صفحه 70]

فتح باب الاجتهاد

الاجتهاد هو بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعينة وهو رمز خلود الدين وبقاء قوانينه، لأنه يحفظ غضارته وطراوته ويصونه عن الاندراس ويغني المسلمين عن التطفل علي موائد الأجانب بإعطاء كل موضوع ما يقتضيه من الحكم. وقد حث أئمة أهل البيت شيعتهم علي التفقه في الدين والاجتهاد فيه وأنه من لم يتفقه في الدين فهو أعرابي، وأرشدوهم إلي كيفية استخراج الفروع المتشابكة، من الآيات والأصول المتلقاة عنهم، كل ذلك صار سببا لاندفاع الشيعة نحو دراسة كتاب الله والأحاديث المروية وبذل الجهد في استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية ورأوا أن الاجتهاد أمر لازم لأن بين الأخبار ما هو عام وخاص ومطلق ومقيد، وبين الآيات ناسخ ومنسوخ، وبين الأحكام ما هو مجمع عليه ومختلف فيه. كل ذلك جرهم إلي فتح باب الاجتهاد أي بذل الوسع في فهم الحكم الشرعي من أدلته. وأما لزوم فتح هذا الباب في عصرنا فلا يحتاج إلي البرهنة والدليل، لأننا أمام موضوعات مستجدة تتطلب لنفسها الجواب، والجواب إما يطلب من بذل الوسع في استنباط أحكام الموضوعات المستجدة من الأصول والقواعد الإسلامية، أو اتباع المبادئ الغربية من غير نظر إلي مقاصد الشريعة. ومن المعلوم تعين الأول وبطلان الثاني.

فقهاء الشيعة

لقد أنجبت مدرسة أهل البيت فقهاء في عصر الأئمة ك " زرارة بن أعين " (80 - 150 ه) و " محمد بن مسلم الطائفي " (80 - 150 ه) و " محمد بن أبي [ صفحه 71] عمير " (المتوفي 217 ه) و " الحسن بن محبوب " (150 - 224 ه) إلي غير ذلك من فقهاء الشيعة في القرن الثاني والثالث. احتفل القرن الرابع والخامس بفقهاء كبار لهم مكانتهم في الفقه الشيعي ك " علي بن بابويه " (المتوفي 329 ه)، و " محمد بن جعفر بن قولويه " (المتوفي 369 ه)، و " الشيخ الصدوق " (306 - 381 ه) و " الشيخ المفيد " (336 - 413 ه)، و " السيد المرتضي " (355 - 436 ه)، و " الشيخ الكراجكي " (المتوفي 449 ه)، و " الشيخ الطوسي " (385 - 460 ه)، و " سلار الديلمي " مؤلف المراسم، و " ابن البراج " (401 - 489 ه) مؤلف المهذب، وغيرهم من الذين ملأت أسماؤهم كتب التراجم والرجال، ومن أراد الوقوف علي حياتهم وكتبهم فعليه الرجوع إلي الموسوعات الرجالية وفهارس المؤلفات، وأخص بالذكر كتاب الذريعة إلي تصانيف الشيعة، وتوالي التأليف في الفقه بأشكال وصور مختلفة إلي العصر الحاضر وتري فيه موسوعات كبيرة كجواهر الكلام في 42 جزءا، والحدائق الناضرة في 26 جزءا. إن لكل كتاب أو باب فقهي شأنا ومكانة خاصة تدور عليها رحي الحياة المادية والروحية للمسلم ولا يستغني المجتمع الإسلامي عن واحد منها، غير أن هناك موضوعات تعد بمثابة أصول لها منزلة متميزة وهي ما نسميه أركان الفقه.

اركان الفقه و أسسه

1 - الصلاة: وهو ركن عظيم إسلامي، فيجب علي كل مسلم أن يقيم الصلوات اليومية في أوقاتها الخاصة إلي الجهة (القبلة) التي نص عليها القرآن وأطبق المسلمون عليها، وهي الكعبة. 2 - الصوم: يجب علي كل مسلم أن يصوم شهر رمضان كله بادئا برؤية هلاله [ صفحه 72] وخاتما بهلال شوال. 3 - الحج: يجب علي كل مسلم مستطيع أن يحج بيت الله الحرام ولو مرة واحدة، ويجتمع مع سائر إخوانه في ذلك المشهد العظيم الذي ينعقد مرة واحدة كل سنة. 4 - الزكاة: وهي عند الشيعة ركن اجتماعي بارز وضريبة إسلامية، وهي حق الجماعة في عنق الفرد وعلي عاتق المكلفين، حدد لها الإسلام نصابا، وجعل لها شرائط، وأوضح جهة مصارفها كمساعدة الفقراء والمساكين وتجهيز المجاهدين ودعم المرابطة وعلاج المرضي وكل ما يمت إلي مصالح الإسلام والمسلمين بصلة. 5 - الخمس: وهي ضريبة إسلامية أخري تتعلق بأموال المتمكنين من المسلمين ولها شرائط وضوابط محررة في مواضعها. 6 - الجهاد: وهو ركن من أركان الإسلام فيجب علي كل مسلم الوقوف أمام أعداء الإسلام بكل حول وقوة بتضحية النفوس والأموال. 7 و 8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هما من أفضل القربات لدي الشيعة أساسهما الدعوة إلي الحق، والهدي، ومكافحة الفساد، بألوانه المختلفة الفردية والاجتماعية علي ضوء العلم والمنطق الصحيح، وهما وظيفة الشعب المسلم ولا يختص بطائفة دون أخري ليقف علي الأحداث المهددة لمجتمعه ويعالجها بالحكمة والموعظة الحسنة. وأما تنفيذهما فيقع علي عاتق الدولة الإسلامية وليس له شكل خاص وإنما يتبع المصالح العامة حسب اختلاف الظروف. ما ذكرنا من العناوين الفقهية تعد من أركان الفقه وأسسه، وأما الكتب الفقهية التي وقعت في إطار البحث والنقاش بين فقهاء الشيعة فتربو علي أكثر من خمسين [ صفحه 73] كتابا، وإليك أسماءها: 1 - كتاب الطهارة. 2 - كتاب الصلاة. 3 - كتاب الزكاة. 4 - كتاب الخمس. 5 - كتاب الصوم. 6 - كتاب الاعتكاف. 7 - كتاب الحج. 8 - كتاب الجهاد. 9 - كتاب الكفارات. 10 - كتاب النذر. 11 - كتاب القضاء. 12 - كتاب الشهادات. 13 - كتاب الوقف. 14 - كتاب العطية. 15 - كتاب المتاجر. 16 - كتاب الدين. 17 - كتاب الرهن. 18 - كتاب الحجر. 19 - كتاب الضمان. 20 - كتاب الحوالة. 21 - كتاب الكفالة. 22 - كتاب الصلح. 23 - كتاب الشركة. 24 - كتاب المضاربة. 25 - كتاب الوديعة. 26 - كتاب العارية. 27 - كتاب المزارعة. 28 - كتاب المساقاة. 29 - كتاب الإجارة. 30 - كتاب الوكالة. 31 - كتاب الشفعة. 32 - كتاب السبق والرماية. 33 - كتاب الجعالة. 34 - كتاب الوصايا. 35 - كتاب النكاح. 36 - كتاب الطلاق. 37 - كتاب الخلع والمباراة. 38 - كتاب الظهار. 39 - كتاب الإيلاء. 40 - كتاب اللعان. 41 - كتاب العتق. 42 - كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاء. 43 - كتاب الإقرار. 44 - كتاب الغصب. 45 - كتاب اللقطة. 46 - كتاب إحياء الموات. 47 - كتاب الصيد والذبائح. 48 - كتاب الأطعمة والأشربة. 49 - كتاب الميراث. 50 - كتاب الحدود. 51 - كتاب القصاص. 52 - كتاب الديات. [ صفحه 74]

الملامح العامة للفقه الشيعي

إن للفقه الشيعي ملامح عامة يتميز بها عن سائر المناهج الفقهية، وإليك بيانها: 1 - الفقه الشيعي هو حصيلة النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة وذلك، لأن الأحاديث الفقهية عند أهل السنة لا تتجاوز عن 500 حديث يدعمها مراسيل وموقوفات، قال السيد محمد رشيد رضا مؤلف المنار: إن أحاديث أحكام الأصول خمسمائة حديث فعدها أربعة آلاف فيما أذكر [92] ، وما يذكره من أربعة آلاف إنما هي موقوفات ومراسيل لا يحتج بها. وعلي كل تقدير صار ذلك سببا للجوئهم في استنباط الأحكام إلي غير النصوص، كالقياس والاستحسان وسد الذرائع، وأما الشيعة فبما أنهم أناخوا مطيتهم علي باب العترة الطاهرة فتسني لهم الوقوف علي حجم هائل من الأحاديث النبوية أكثر من غيرهم حتي صار ذلك سببا لثراء الفقه الشيعي، من غير حاجة إلي العمل بغير النصوص. 2 - قد عرفت أن باب الاجتهاد مفتوح عندهم منذ رحيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي يومنا هذا ولم يتوقف يوما ما فأدي إلي نضارة الفقه وتبلوره وإعداده للإجابة علي المستجدات الطارئة. ولا شك أن الحقيقة بنت البحث، والعلم يتكامل إذا دخل حلبة الصراع الفكري، وفقهاء الشيعة بذلوا جهودا مضنية علي هذا الصعيد بغية تنمية الفقه وتكامله فصار فقههم متكامل الجوانب. [ صفحه 75] 3 - إن الاجتهاد عند فقهاء الشيعة ليس اجتهادا في مذهب خاص وإنما هو اجتهاد حر موضوعي لا يختص بمذهب دون آخر. فالمجتهد الحنفي إنما يجتهد للبحث عن رأي إمامه في المسألة، وهكذا المجتهد الشافعي ولا يخرج عن إطار المذهب وإن تبين أن الحق علي خلافه. وأما الاجتهاد في المذهب الشيعي فليس اجتهاد في مذهب الإمام جعفر الصادق أو غيره من أئمة الشيعة، إذ ليست الأئمة عندهم مجتهدين أو مفتين وإنما هم رواة سنن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعيبة علمه غير مشوب بالخطأ، فالمجتهد الشيعي إنما هو بصدد استنباط الحكم الواقعي الذي نزل به الوحي وبينه النبي صلي الله عليه وآله وسلم. 4 - المذهب الفقهي يتمتع بالدقة في السند والدلالة فرب رواية يراها الإنسان العادي دليلا علي الحكم الشرعي، ولكنهم بإمعان الدقة، يرونها غير دالة عليه، يعلم ذلك بالرجوع إلي كتبهم الفقهية. 5 - الشيعة تستمد اجتهادها من القواعد العامة المسماة بأصول الفقه، وقد تكامل هذا العلم منذ عصر الأئمة إلي يومنا هذا علي وجه أوجد فجوة سحيقة بين ما ألفه علماء السنة في الأصول كالمختصر لابن الحاجب، والمستصفي للغزالي، وما ألفه علماء الشيعة في أصول الفقه في القرنين الأخيرين، وما ذلك إلا نتيجة التعمق في القواعد الأصولية من خلال فتح باب الاجتهاد.

و حصيلة القول

إن الفقه الشيعي كالفقه السني يسيران جنبا إلي جنب في استنباط الحكم الشرعي مع اختلاف يسير في الطرق والمشارب. فالأدلة الفقهية عند الشيعة هي الأربعة السالفة الذكر، وعند السنة إضافة إلي [ صفحه 76] الكتاب والسنة والإجماع، القياس والاستحسان وسد الذرائع. فنجد أن الفقه الشيعي يتفق في غالب المسائل الفقهية مع أحد المذاهب الأربعة نتيجة اتفاقهم في أصول الاستنباط، وأمامك كتاب الخلاف للشيخ الطوسي (385 - 460 ه) فهو خير شاهد علي ما ندعيه، فإنه فقه مقارن يبحث عن الحكم الشرعي علي ضوء المذاهب الخمسة. نعم ثمة مسائل خلافية انفردت الشيعة بها ونشير إلي بعضها: 1 - إن الشيعي يمسح الرجلين في الوضوء والسني يغسلهما. 2 - إن الشيعي يصلي بلا قبض اليسري باليمني والسني يصلي مع القبض إلا المالكي. 3 - الشيعي يطلق ضريبة الخمس إلي أرباح المكاسب والسني يخصصها بالغنائم الحربية. 4 - الشيعي جوز الوصية للوارث دون السني. 5 - السني يقول بالعول والتعصيب في الإرث دون الشيعي. وهذا المقدار الضئيل من الاختلافات ليس بشئ أمام الفقه الإسلامي الواسع والذي هو محيط لا يدرك ساحله ولا يضر بالوحدة المنشودة ولا يقطع عري الأخوة. ولو أقيم مؤتمر فقهي حول هذه المسائل التي تفردت بها الشيعة لتجلت الحقيقة بأجلي مظاهرها، وتقاربت الخطي وأخذ الجميع برأي واحد كما صار الحال كذلك في الطلاق ثلاثا في مجلس واحد، فقد أخذ الفقه المصري في هذه المسألة برأي الشيعة الإمامية من أنه يحسب طلاقا واحدا، لا ثلاثا وصادقت المحاكم المصرية علي ذلك. [ صفحه 77]

الشيعة والتراث الفكري

اشاره

إن المسلمين بصورة عامة شيدوا أركان الحضارة الإسلامية في ظل الخطوط التي رسمها النبي صلي الله عليه وآله وسلم من خلال القرآن والسنة فأصبحت لهم قوة اقتصادية ونظم سياسية وتقاليد دينية وخلقية، وأصبحت العلوم والفنون تتطور وتتقدم، وقد قاموا بترجمة كتب اليونانيين والفرس وغيرهم إلي لغتهم فصارت الحضارة الإسلامية مزدهرة، بفضل هذه العلوم وتطويرها. والذي يطيب لنا في هذا الموضوع ذكر مساهمة الشيعة في بناء الحضارة خصوصا فيما يرجع إلي العلوم والفنون:

الشيعة و علم النحو

قام أبو الأسود الدؤلي - الذي كان من سادات التابعين وصاحب عليا عليه السلام وشهد معه الجمل وصفين - بوضع قواعد نحوية ودونها بأمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وإرشاده وتعليمه قسما من القواعد. ومن المعلوم أن هذه القواعد لم تكن تسد الحاجة الملحة ولكن أبا الأسود قام بإكمالها، ثم عرف فيما بعد بأنه مدون علم النحو وواضعه وتوالي التأليف بعده من الطائفتين. [ صفحه 78]

الشيعة و علم الصرف

كما أن أول من دون الصرف هو أبو عثمان المازني، وكان قبل ذلك مندرجا في علم النحو كما ذكره في كشف الظنون. وأبسط كتاب في الصرف، ما كتبه نجم الأئمة أعني محمد بن الحسن الأسترآبادي الغروي، له شرح الشافية في الصرف كما له شرح الكافية في النحو، وكلا الكتابين جليلا الخطر محمودا الأثر.

الشيعة و علم اللغة

وقد ألفت الشيعة كتبا في علم اللغة، فأول من ضبط اللغة هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد البصري الفراهيدي الأزدي الذي وضع علم العروض فهو سيد أهل الأدب، وقد سبق الجميع إلي تدوين اللغة وترتيب ألفاظها علي حروف المعجم، فألف كتابه " العين " جمع فيه ما كان معروفا في أيامه من ألفاظ اللغة وأحكامها وقواعدها، ورتب ذلك علي ترتيب خاص. ولم يشك أحد من علمائنا أن الخليل كان شيعيا، وعن المرزباني أنه ولد عام مائة بعد الهجرة وتوفي عام 170 أو 175 ه، وقد ألف كتابا في الإمامة كما نقله ابن قانع.

الشيعة و علم العروض

وإذا كانت الشيعة هي التي ابتكرت علم النحو بهداية من أمير المؤمنين علي عليه السلام، ولحسن الحظ أنها المبتكرة أيضا لعلم العروض وظهوره إلي الوجود، كما تقدم وقد ألف كافي الكفاة الصاحب بن عباد الذائع الصيت، كتابا في العروض أسماه " الاقناع " وقد توالي التأليف بعده إلي عصرنا هذا، ومن أراد التفصيل فليرجع إلي المعاجم حول مصنفات الشيعة. [ صفحه 79]

الشيعة والشعر

وجدت في الشيعة طبقة راقية منذ أوائل القرون الأولي، وكان أئمة أهل البيت يقدرون جهودهم ويرحبون بهم بكل حفاوة كما نطق به التاريخ في حق الفرزدق وميميته، وهاشميات الكميت، وعينية الحميري، وتائية دعبل، لقد حظوا جميعا بتقدير واحترام الأئمة وصار عملهم في هذا المجال أسوة الشيعة. وإليك أسماء قليل من شعراء الشيعة: 1 - قيس بن سعد بن عبادة. 2 - الكميت. 3 - السيد الحميري. 4 - دعبل الخزاعي. 5 - ابن الرومي. 6 - أبو فراس. 7 - أبو الطيب المتنبي.

الشيعة و علم التفسير

إن مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي يومنا هذا، أنتجت تفاسير علي أصعدة مختلفة وخدمت الذكر الحكيم بصور شتي. إن أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هم المفسرون للقرآن الكريم حيث فسروا القرآن بالعلوم التي نحلهم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذ عن قول الرسول وفعله وتقريره، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسرين ولا نعترف بحقوق أئمة أهل البيت عليهم السلام. [ صفحه 80] عكف المسلمون علي دراسة القرآن وأول ما فوجئوا به بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو قصور باع لفيف منهم عن فهم بعض ألفاظ القرآن، والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز، لكن توجد فيه ألفاظ غير رائجة وربما كانت رائجة بين القبائل الأخري، وهذا النوع من الألفاظ ما سموه " غريب القرآن ". وبما أن تفسير غريب القرآن كانت الخطوة الأولي لتفسيره، ألف غير واحد من علماء الشيعة إبان التدوين كتبا في ذلك المضمار، نذكر إليك بعضها: 1 - غريب القرآن لأبان بن تغلب بن رباح البكري (المتوفي 141 ه). 2 - غريب القرآن لمحمد بن السائب الكلبي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام. 3 - غريب القرآن لأبي روق، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي. 4 - غريب القرآن لعبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي. 5 - غريب القرآن للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطبري الآملي الوزير الشيعي المتوفي عام 313 ه. كما أن هناك لونا آخر من التفسير يهدف إلي بيان مقاصده ومعانيه فيما إذا كانت الآية مشتملة علي المجاز والكناية والاستعارة، ونأتي ببعض ما ألف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة: 1 - مجاز القرآن، لشيخ النحاة الفراء يحيي بن زياد الكوفي المتوفي عام 207 ه. 2 - مجاز القرآن، لمحمد بن جعفر أبو الفتح الهمداني وله كتاب " ذكر المجاز في القرآن ". 3 - مجازات القرآن، للشريف الرضي المسمي ب " تلخيص البيان في مجازات القرآن ". [ صفحه 81] وهناك لون آخر من التفسير يندفع فيه المفسر إلي توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصة كالمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وآيات الأحكام، وقصص الأنبياء، وأمثال القرآن، والآيات الواردة في مغازي النبي صلي الله عليه وآله وسلم والنازلة في حق العترة الطاهرة إلي غيرها من الموضوعات التي لا تعم جميع آيات القرآن بل تختص بموضوع واحد. وقد خدمت الشيعة كتاب الله العزيز بهذه الأنواع من التفاسير ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلي المعاجم وأخص بالذكر الذريعة إلي تصانيف الشيعة.

الشيعة والتفسير الموضوعي

إن هذا النمط من التفسير هو غير النمط المعروف بالتفسير الترتيبي فإن النمط الثاني يتجه إلي تفسير القرآن سورة بعد سورة وآية بعد آية، وأما النمط الأول فيحاول فيه المفسر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاص في مجال البحث وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محل واحد. ولعل العلامة المجلسي (1037 - 1110 ه) أول من فتح هذا الباب علي مصراعيه في موسوعته " بحار الأنوار " حيث يورد في أول كل باب الآيات الواردة حولها ثم يفسرها إجمالا، وبعد الفراغ عنها، ينتقل إلي الأحاديث التي لها صلة بالباب.

الشيعة والتفسير الترتيبي

إن المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخرين هو التفسير الترتيبي، وقد نهجت الشيعة منذ عصر الإمام علي إلي العصر الحاضر هذا النمط من التفسير، إما [ صفحه 82] بتفسير جميع السور أو بعضها، والغالب علي التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الأولي، هو التفسير بالأثر ولكن تحول إلي أسلوب آخر وهو التفسير العلمي والتحليلي منذ أواخر القرن الرابع. فأول من ألف من الشيعة علي هذا الأسلوب هو الشريف الرضي (357 - 406 ه) مؤلف كتاب " حقائق التأويل " في عشرين جزءا ثم جاء بعده أخوه الشريف المرتضي فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بالدرر والغرر، ثم توالي التأليف علي هذا الأسلوب في عصر الشيخ الأكبر الطوسي (385 - 460 ه) مؤلف " التبيان في تفسير القرآن " في عشرة أجزاء.

الشيعة و علم الحديث

إن السنة هي المصدر الثاني للثقافة الإسلامية علي كافة الأصعدة، ولم يكن شئ أهم، بعد كتابة القرآن وتدوينه وصيانته من نقص وزيادة، من كتابة حديث الرسول وتدوينه وصيانته من الدس والدجل وقد أمر به الرسول صلي الله عليه وآله وسلم غير مرة. لقد تعرفت علي أن أئمة أهل البيت هم رواة سنن النبي وأحاديثه وقد التف حولهم الشيعة فأنجبت مدرسة أهل البيت في القرون الثلاثة الأولي محدثين كبار لكل منهم جامع حديثي نذكر منهم ما يلي: 1 - يونس بن عبد الرحمن، من تلامذة الإمام موسي بن جعفر والإمام الرضا عليهما السلام، وقد وصفه ابن النديم في فهرسته بعلامة زمانه، له جوامع الآثار، والجامع الكبير، وكتاب الشرائع. 2 - صفوان بن يحيي البجلي (المتوفي 220 ه) كان أوثق أهل زمانه وصنف ثلاثين كتابا. [ صفحه 83] 3 و 4 - الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد الأهوازي صنفا 30 كتابا. 5 - أحمد بن محمد بن خالد البرقي (المتوفي 274 ه) صاحب كتاب المحاسن. 6 - محمد بن أحمد بن يحيي الأشعري القمي صاحب الجامع المعروف (المتوفي حوالي 293 ه). 7 - أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي (المتوفي 221 ه) صاحب الجامع المعروف. هذه هي الجوامع الحديثية الأولية للشيعة، وهناك جوامع حديثية أخري ألفت في القرن الرابع والخامس مستمدة تأليفها من الجوامع الأولية وهي: 1 - الكافي، لثقة الإسلام الكليني (المتوفي 329 ه) طبع في 8 أجزاء. 2 - من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق (306 - 381 ه) طبع في 4 أجزاء. 3 - التهذيب طبع في عشرة أجزاء. 4 - الاستبصار طبع في أربعة أجزاء. كلاهما لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه). وهذه هي الجوامع الحديثية الثانوية. وهناك جوامع أخري ألفت في القرن الحادي عشر وقد استمد مؤلفوها من الجوامع الثانوية وهي: 1 - وسائل الشيعة، للشيخ الحر العاملي (المتوفي 1104 ه) وطبع في 20 جزءا. [ صفحه 84] 2 - الوافي، للمحدث الكاشاني (المتوفي 1091 ه) طبع حديثا وراء طبعته القديمة في خمسة وعشرين جزءا. 3 - بحار الأنوار، للشيخ محمد باقر المجلسي (1037 - 1110 ه) وقد طبع في مائة وعشرة أجزاء. والركب بعد غير متوقف فقد انتشر في الآونة الأخيرة جامع حديثي للشيعة ألفته لجنة علمية بإشراف من فقيه العصر ومحدثه السيد حسين البروجردي، وقد تم طبعه في 26 جزءا. كل ذلك ينم عن اعتناء الشيعة بالأحاديث النبوية والآثار المروية عن أئمة أهل البيت، ولو رجع محدثو السنة وفقهاؤهم إلي هذه الكنوز الثمينة لوجدوا فيها دررا ولآلئ لامعة تقر بها عيونهم.

الشيعة و علم أصول الفقه

انبري أئمة أهل البيت عليهم السلام إلي إملاء ضوابط وقواعد يرجع إليها الفقيه عند فقدان النص، أو إجماله أو تعارضه إلي غير ذلك من الحالات، وتلك الأصول هي التي تشكل أساسا لعلم أصول الفقه، ولقد جمعها عدة من الأعلام في كتب خاصة أفضلها " الفصول المهمة في أصول الأئمة " للشيخ المحدث الحر العاملي المتوفي عام 1104 ه. كما ونري أن لفيفا من صحابة الأئمة درسوا بعض مسائل أصول الفقه نظير: 1 - هشام بن الحكم (المتوفي سنة 199 ه) صنف كتاب الألفاظ. 2 - يونس بن عبد الرحمن، صنف كتاب اختلاف الحديث ومسائله. 3 - إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت (237 - 311 [ صفحه 85] ه) صنف كتاب الخصوص والعموم وكتاب إبطال القياس وكتاب نقض اجتهاد الرأي. 4 - أبو محمد الحسن بن موسي النوبختي من علماء القرن الثالث، له كتاب الخصوص والعموم والخبر الواحد. 5 - محمد بن أحمد بن داود بن علي المتوفي عام 368 ه، له كتاب الحديثين المختلفين. 6 - محمد بن أحمد بن الجنيد المتوفي عام 381 ه، له كتاب كشف التمويه والالتباس في إبطال القياس.

الشيعة و علم المغازي والسير

مغازي النبي صلي الله عليه وآله وسلم جزء من تاريخ حياته وسيرته، والرسول صلي الله عليه وآله وسلم قدوة وأسوة وفعله كقوله حجة بلا إشكال، وقد وضع بعضهم كتبا في فقه السيرة فكان علي المسلمين ضبط دقيقها وجليلها وقد قاموا بذلك لولا أن الجهاز الحاكم حال دون تحقق تلك الأمنية. ولكن قيض الله سبحانه رجالا من الشيعة في ذلك المجال ضبطوا سيرة الرسول ومغازيه، منهم: 1 - محمد بن إسحاق بن يسار (المتوفي 151 ه). 2 - عبيد الله بن أبي رافع، من أصحاب الإمام أمير المؤمنين فقد عمل كتابا أسماه " تسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان من الصحابة ". 3 - كما ألف جابر بن يزيد الجعفي (المتوفي 128 ه) كتبا في ذلك المجال، منها: كتاب الجمل، كتاب صفين، كتاب النهروان، كتاب مقتل أمير [ صفحه 86] المؤمنين وكتاب مقتل الحسين عليه السلام. 4 - أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي. 5 - أبو مخنف لوط بن يحيي الأزدي الغامدي، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة، صنف كتبا منها: كتاب المغازي، وكتاب السقيفة، وكتاب الردة، وكتاب فتوح الإسلام، وكتاب المختار الثقفي، وكتاب صفين، وكتاب الجمل. 6 - نصر بن مزاحم ألف كتبا كثيرة في هذا المجال أشهرها كتاب صفين، وهو كبير الحجم. 7 - هشام بن محمد بن السائب الكلبي (المتوفي 206 ه).

الشيعة و علم الرجال

اهتم علماء الشيعة بعد عصر التابعين بعلم الرجال، نذكر المؤلفين الأوائل منهم: 1 - عبد الله بن جبلة الكناني (المتوفي 219 ه). 2 - علي بن الحسن بن فضال، كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث. 3 - الحسن بن محبوب السراد (150 - 224 ه) له كتاب " المشيخة " و " معرفة رواة الأخبار ". 4 - أبو عمرو الكشي، له كتاب " معرفة الرجال ". 5 - أبو العباس أحمد بن علي النجاشي (372 - 450 ه). 6 - الطوسي (385 - 460 ه) له كتاب " الفهرست " و " الرجال ". [ صفحه 87]

الشيعة والعلوم العقلية

إن خطب الإمام علي عليه السلام ورسائله وقصار حكمه شكلت إحدي المصادر المهمة لكلام الشيعة وآرائهم في العقائد والمعارف، ولم يقف نشاط الشيعة عند هذا الحد بل جاءت الأئمة عليهم السلام وحثوا شيعتهم علي التدبر والتفكر في المعارف حتي تربي في مدرستهم رواد الفكر من عصر سيد الساجدين إلي عصر الإمام العسكري، تجد أسماءهم وتآليفهم وأفكارهم في المعاجم وكتب الرجال. وقد نبغ في عصر أئمة أهل البيت مفكرون بارزون أفادوا الأجيال من بعدهم. وإليك أسماء بعض متكلمي الشيعة في القرون الأولي: 1 - زرارة بن أعين، شيخ أصحابنا في زمانه، كان قارئا متكلما، قال ابن النديم: وزرارة أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام (المتوفي 150 ه). 2 - محمد بن علي بن النعمان البجلي المعروف بمؤمن الطاق (المتوفي 148 ه). له كتب في الكلام قال ابن النديم: وكان متكلما حاذقا، وله من الكتب: كتاب الإمامة والمعرفة، وكتاب الرد علي المعتزلة. 3 - هشام بن الحكم، قال ابن النديم: هو من متكلمي الشيعة الإمامية وبطانتهم، وقد ذكر الرجالي المعروف النجاشي كتبه الكلامية البالغة 30 كتابا، قال أحمد أمين المصري: هشام بن الحكم أكبر شخصية شيعية في الكلام، وكان قوي الحجة، ناظر المعتزلة وناظروه. 4 - قيس بن الماصر، أحد أعلام المتكلمين تعلم الكلام من علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وهو من عيون المتكلمين بين أصحاب الإمام الصادق عليه السلام. 5 - عيسي بن روضة، كان متكلما جيد الكلام وله كتب في الإمامة. [ صفحه 88] إلي غير ذلك من متكلمي القرن الثاني ويليهم في القرن الثالث أناس بارزون في الكلام، وإليك أسماء طائفة منهم: 1 - الفضل بن شاذان (المتوفي 260 ه). 2 - الحكم بن هشام بن الحكم المتوفي في أوائل القرن الثالث. 3 - محمد بن عبد الله بن مملك الأصفهاني، له كتاب مجالس مع أبي علي الجبائي. 4 - إسماعيل بن محمد المخزومي، له كتاب المعرفة. إلي غير ذلك من متكلمي الشيعة في القرن الثالث. دخل القرن الرابع وبرز متكلمون من الشيعة، كالحسن بن علي بن أبي عقيل، وإسماعيل بن علي بن نوبخت، ومحمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي، والحسن بن موسي أبي محمد النوبختي، مؤلف كتاب الآراء والديانات، وكتاب فرق الشيعة. وأما القرن الخامس فحدث عن متكلمي الشيعة فيه ولا حرج كابن المعلم المفيد (المتوفي 413 ه) الذي انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة وتلميذه السيد الرضي، وتلميذه الآخر السيد المرتضي وغيرهم. وأما مساهمة الشيعة في العلوم الطبيعية فمن أكبر علمائهم جابر بن حيان وهو الذي ظهر في حقل الكيمياء، والشريف أبو القاسم علي بن قاسم القصري من علماء القرن الرابع، إلي إن وصلت النوبة إلي نصير الملة والدين نصير الدين الطوسي، فأسس معهدا للأبحاث الطبيعية لا مثيل له وجهزه بالآلات الفلكية التي زادت في شهرة المعهد ورفعت مكانته. كما أسس مرصد مراغة وجلب إليه علماء من مختلف أنحاء المعمورة. [ صفحه 89] تقول السيدة زيغريد هونكه: " إن نصير الدين أحضر إلي مكتبة المعهد أربعمائة ألف مجلد كانت قد سرقت من مكتبات بغداد وسوريا وبلاد بابل، وقد استدعي علماء ذوي شهرة واسعة من إسبانيا ودمشق وتفليس والموصل إلي مدينة مراغة لكي يعملوا علي وضع الأزياج بأسرع وقت ممكن " [93] . وفي مجال الجغرافيا نذكر في المقام رحالتين طافا في البلاد الإسلامية وكتبا ما يرجع إلي جغرافية البلدان وقد صار كتاباهما أساسا للآخرين: 1 - أحمد بن أبي يعقوب بن واضح المعروف باليعقوبي، المتوفي في أواخر القرن الثالث، فهو أول جغرافي بين العرب وصف الممالك معتمدا علي ملاحظاته الخاصة متوخيا ضبط ما أراد من وصف البلد وخصائصه. 2 - أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (المتوفي 346 ه) فقد ألف في ذلك المضمار كتاب " مروج الذهب ومعادن الجوهر " وكتابه الآخر: " التاريخ في أخبار الأمم من العرب والعجم " وكتابه الثالث " التنبيه والإشراف " فقد اشتمل وراء التاريخ علي الجغرافية وتقويم البلدان، وقد جره حبه للاستطلاع إلي السفر إلي بلاد نائية فكتب ما رآه وشاهده. هذه إلمامة عابرة حول الشيعة وفقهها وتاريخها، وتراثها، والأعمال التي قامت بها في بناء الحضارة الإسلامية ذكرناها علي وجه الإيجاز، ومن أراد التفصيل فليرجع إلي الكتب الموسعة المعدة لذلك، ونذكر علي سبيل المثال: 1 - المراجعات، تأليف السيد شرف الدين الموسوي العاملي (1290 - [ صفحه 90] 1377 ه). 2 - أصل الشيعة وأصولها، للشيخ محمد كاشف الغطاء (1295 - 1373 ه). 3 - تاريخ الشيعة، للشيخ محمد حسين المظفر (المتوفي 1375 ه). 4 - أوائل المقالات، للشيخ المفيد (336 - 403 ه). 5 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة الإمامية، للسيد صدر الدين المدني الحسيني (المتوفي 1120 ه). 6 - الذريعة إلي تصانيف الشيعة، للشيخ آغا بزرگ الطهراني (1293 - 1389 ه). 7 - الشيعة والتشيع، تأليف محمد جواد مغنية (المتوفي 1400 ه). 8 - الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، تأليف هاشم معروف الحسني (المتوفي 1407 ه). 9 - أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين العاملي (1284 - 1371 ه). 10 - آخرها " الإلهيات " بقلم المؤلف.

جامعات الشيعة

اشاره

الإسلام دين العلم والمعرفة يحاول دفع الإنسان من حضيض الجهل إلي أعلي مستويات العلم والكمال، فأراد للإنسان حياة نابضة بالفكر والثقافة وقد كانت للشيعة خلال القرون الماضية جامعات في أقطار مختلفة نشير إلي بعضها:

المدينة المنورة

إن الجامعة الأولي للشيعة أسست بيد الإمامين الهمامين الباقر والصادق [ صفحه 91] عليهما السلام فقد تقاطر طلاب العلم وعشاق الحقيقة إلي الاستفادة من علومهما، وكان لهما دور في صيانة وإحياء السنة النبوية وتفسير القرآن الكريم وتربية طليعة إسلامية في العلوم المختلفة.

الكوفة و جامعها الكبير

لما هاجر الإمام أمير المؤمنين من المدينة إلي الكوفة، استوطن معه خيار شيعته ومن تربي علي يديه من الصحابة والتابعين وكانت نواة لجامعة شيعية ثانية. ولما غادر الإمام الصادق المدينة المنورة إلي الكوفة أيام أبي العباس السفاح حيث مكث فيها مدة سنتين مغتنما تلك الفرصة الذهبية التي أوجدتها الظروف السياسية، فربي جيلا كبيرا من المحدثين والفقهاء في عصره، وكان أبو حنيفة واحدا ممن تربي علي يد الإمام الصادق عليه السلام مدة سنتين. وهذا هو الحسن بن علي الوشاء يحكي لنا ازدهار مدرسة الكوفة بعد رحيل الإمام الصادق عليه السلام يقول: أدركت في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام. ويضيف النجاشي - ذلك الرجالي الكبير - ويقول: كان هذا الشيخ (الحسن بن الوشاء) عينا من عيون هذه الطائفة، ثم ذكر كتبه. ومن خريجي هذه المدرسة: هشام بن محمد بن سالم الكلبي الذي ألف أكثر من مائتي كتاب، وابن شاذان الذي ألف 280 كتابا، وابن أبي عمير الذي صنف 194 كتابا، وابن دوئل الذي صنف 100 كتاب، وجابر بن حيان أستاذ الكيمياء والعلوم الطبيعية. [ صفحه 92]

مدرسة قم والري

كانت مدرسة الكوفة مزدهرة بالعلم والثقافة ففي حوالي سنة 250 ه هاجر إبراهيم بن هاشم الكوفي إلي قم ونشر فيها حديث الكوفيين فصارت مدرسة قم والري مزدهرة بالمحدثين والرواة الكبار، وساعد علي ذلك بسط الدولة البويهية نفوذها علي تلك البلدان، وقد خرج من تلك المدرسة علماء ومحدثون، نظراء: 1 - محمد بن يعقوب الكليني المتوفي 329 ه مؤلف الكافي في الأصول والفروع. 2 - علي بن حسين بن بابويه والد الشيخ الصدوق صاحب الشرائع المتوفي عام 329 ه. 3 - ابن قولويه أبي القاسم جعفر بن محمد (285 - 368 ه) إلي غير ذلك من أعلام الحديث والفقه.

مدرسة بغداد

كانت مدرسة الكوفة تزدهر بمختلف النشاطات العلمية حينما كانت بغداد عاصمة للخلافة. ولما أخذ الضعف يدب في الخلافة العباسية وكانت مقاليد الأمور بيد البويهيين، تنفس علماء الشيعة الصعداء في أكثر مناطق العراق فأسسوا مدرسة رابعة للشيعة في بغداد أنجبت شخصيات مرموقة تفتخر بها الإنسانية ومن نتائجها ظهور أعلام نظير: 1 - الشيخ المفيد (336 - 413 ه) تلك الشخصية الفذة حيث اعترف الموافق والمخالف بعلمه وفضله. 2 - السيد المرتضي (355 - 436 ه) صاحب الانتصار في الفقه والأمالي. [ صفحه 93] 3 - السيد الرضي (359 - 406 ه) جامع نهج البلاغة، ومؤلف الكتب القيمة في التفسير والأدب، وهو وأخوه كوكبان في سماء العلم والأدب غنيان عن التعريف. 4 - الشيخ الطوسي (385 - 460 ه) وهو شيخ الطائفة ومن أعلام الأمة تربي علي يد شيخه المفيد والسيد المرتضي وله كتاب " التبيان في تفسير القرآن " و " التهذيب " و " الاستبصار " وهما من المصادر المهمة عند الشيعة. وكانت مدرسة بغداد زاهرة في عهد هؤلاء الأعلام، وقام كل منهم بدور كبير في تطوير العلوم وتقدمها من خلال تخريج نخبة من المجتهدين والمحدثين، من الشيعة والسنة.

جامعة النجف الأشرف

لما دخل طغرل بك - الحاكم التركي - بغداد وأشعل نار الفتنة بين الطائفتين السنة والشيعة، وأحرق دورا في الكرخ ومكتبة الشيخ الطوسي، لم يجد زعيم الشيعة آنذاك بدا من مغادرة بغداد إلي النجف الأشرف، وتأسيس جامعة علمية فقهية عند جوار ضريح أمير المؤمنين عليه السلام سنة 448 ه. وقد مضي علي عمرها قرابة ألف سنة وهي جامعة كبيرة لها حقوقها الكبري علي الإسلام والمسلمين، وقد خرجت الكثير من المحققين والمفكرين في مختلف أصناف العلوم ولم تزل مشعة حتي اليوم.

مدرسة الحلة

في الوقت الذي كانت جامعة النجف تزدهر وتنجب أفذاذا أسست جامعة في الحلة الفيحاء وكانت تحتضن كبار المحققين، كالمحقق الحلي صاحب [ صفحه 94] الشرائع (602 - 667 ه)، وجمال الدين الحسن بن يوسف المعروف بالعلامة الحلي (648 - 726 ه) صاحب الموسوعات الفقهية الكبيرة، وفخر المحققين ولد العلامة الحلي (682 - 771 ه)، إلي غير ذلك من رجال الفكر كابن طاووس، وابن ورام، وابن نما، وابن أبي الفوارس الذين أنجبتهم مدرسة الحلة.

الجامع الأزهر

امتد سلطان الدولة الفاطمية من المحيط الأطلسي غربا إلي البحر الأحمر شرقا، ونافست الدولة الفاطمية الشيعية خلافة الحكام العباسيين في بغداد، وكان المعز لدين الله (319 - 365 ه) أحد الخلفاء الفاطميين بمصر رجلا مثقفا ومولعا بالعلوم والآداب، وقد أسس أعظم جامعة علمية إسلامية باسم الجامع الأزهر، وكانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلي قرنين. وهناك جامعات أخري للشيعة في أقطار العالم كأفغانستان وباكستان والهند وسوريا تضم علماء ومدرسين كبار. وأما اليوم فالجامعة العلمية بقم التي أسسها الشيخ عبد الكريم الحائري (1274 - 1355 ه) عام 1340 ه أكبر جامعة شيعية تحتضن قرابة 28 ألف أستاذ ومساعد وطالب ومحقق وكاتب ومفكر.

دول الشيعة

حاول الأمويون القضاء علي التشيع وأراد العباسيون الحد من انتشاره بعد اليأس من استئصاله ولكن نمي وازدهر عبر القرون بالرغم من تلك العوائق، بل قامت لهم هنا وهناك دول ودويلات نظير: [ صفحه 95] 1 - دولة الأدارسة في المغرب (194 - 305 ه). 2 - دولة العلويين في الديلم (205 - 304 ه). 3 - دولة البويهيين في العراق وما يتصل بها من بلاد فارس (321 - 447 ه). 4 - دولة الحمدانيين في سوريا والموصل وكركوك (293 - 392 ه). 5 - دولة الفاطميين في مصر (296 - 567 ه). 6 - دولة الصفويين في إيران (905 - 1133 ه). 7 - دولة الزنديين (1148 - 1193 ه). 8 - دولة القاجاريين (1200 - 1344 ه). أضف إلي ذلك وجود إمارات للشيعة في نقاط مختلفة. إن اطناب القول في مؤسس هذه الدول وترجمة أحوالهم وما آل إليه مصيرهم يحوجنا إلي تأليف كتاب مستقل فنترك المقال في ذلك وعلي القراء مراجعة الكتب المؤلفة في هذه المواضيع. أما اليوم فتتواجد الشيعة في جميع أنحاء العالم بنسب مختلفة وربما تعد بعض البلدان معقل الشيعة والتشيع مذهبا سائدا فيها. وإليك أسماء بعضها وهي: إيران، والعراق، والحجاز، والشام، وتركيا، وأفغانستان، والباكستان، والهند، واليمن، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والأحساء، والقطيف، والكويت، ومسقط، وعمان، والتبت، والصين، وجمهورية آذربايجان، وطاجيكستان، والجمهوريات المتحررة بانحلال الاتحاد السوفيتي، وماليزيا، وإندونيسيا، وسيلان، وتايلند، وسنغافورة، وإفريقيا الشمالية، والصومال، والأرجنتين، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وألبانيا، والولايات المتحدة، وكندا، وغيرها مما يعسر عدها. [ صفحه 96]

قاربوا الخطي أيها المسلمون

قد تعرفت علي المنهج الشيعي عقيدة وشريعة، بقيت هنا كلمة وهي أن المذهب الشيعي علي الرغم من امتيازه بأصول وفروع نابعة عن صميمه، لكنه لا يحول دون اتحاد المسلم الشيعي مع أخيه المسلم السني. هذا هو القرآن الكريم يتطرق إلي الوحدة ورص الصفوف ويمدحه بحماس ويقول: - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) - [94] . ويقول أيضا: - (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) - [95] . ويذم بشدة كل ما يمس بهذه الوحدة قائلا: - (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) - [96] . حتي إنه سبحانه يعد الفرقة نوع عذاب من الله سبحانه إلي من سعي إليها. ويقول سبحانه: - (قل هو القادر علي أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) - [97] . ففي ظل هذه الدعوة المباركة ترحب الشيعة بكل خطوة نحو التقريب ولم الشمل وتندد بكل نعرة طائفية تفرق شمل المسلمين وتهدد كيانهم. إن دعاة الوحدة لا يبغون سوي تقريب الخطي وتعريف المسلمين بعضهم [ صفحه 97] ببعض حتي يقفوا علي المشتركات الكثيرة التي تجمعهم وهي الكتاب وسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإنما اختلافهم في فهم هذين المصدرين ولكل حجته ودليله. وللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. نحن نعيش في عصر تحالفت فيه القوي الكافرة، علي إطفاء نور الله والحد من الصحوة الإسلامية فعلي الرغم من التشتت السائد بين تلك القوي الغاشمة في أصول السياسة والاقتصاد، لكنهم متفقون علي إبعاد الإسلام عن ساحة الصراع الحضاري وللحيلولة دون وصول المسلمين إلي مركزهم المرموق في بناء الحضارة. فالمعسكر الشرقي والغربي طرفا مقص يتحركان معا لاجتثاث الإسلام. فإذا كان هذا ديدنهم فلماذا لا نتحد نحن معاشر المسلمين فإن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا؟ إن التعاون والمواساة من أهم الأصول الاجتماعية، إذ بالتعاون يقوم صرح المجتمع وقد ندب إليه الإسلام حيث قال صلي الله عليه وآله وسلم: " من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم "، فعلي المسلمين جميعا أن يتعاونوا في مسائلهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصناعية ليستغنوا بذلك عن القوي الشرقية والغربية. يا أبناء أمتنا الإسلامية المجيدة فالله ربكم والقرآن كتابكم والكعبة قبلتكم والسنة منهجكم، فكونوا يدا واحدة علي من سواكم، ورصوا صفوفكم أمام أعدائكم، ولا تصغوا لكل نعرة تهدد وحدة كلمتكم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين جعفر السبحاني قم - الحوزة العلمية 11 / ربيع الآخر / 1417 ه [ صفحه 99]

الشيعة الإمامية في دائرة المعارف المصرية السفير

اشاره

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين. أما بعد: فقد وقفت علي مقال حول الفرقة الاثني عشرية في دائرة المعارف المصرية " السفير "، قرأته بإمعان ودقة فوجدت فيه أخطاء لا تغفر، وزلات لا تستقال، علقت عليه التعاليق الآتية مع تبني الإيجاز والاختصار. إن السنة المتبعة عند كتاب دائرة المعارف هو تبيين المفاهيم المختلفة استنادا إلي المصادر والمراجع المقبولة، بلا أي تحيز، لكن المقال كتب لغاية الرد علي هذه الطائفة لا علي تبيين عقائدها حقة كانت أم باطلة. كان من اللازم علي كاتبه أن يشير إلي عقائدهم وأصولهم وفروع مذهبهم في مقال خاص، ثم يعلق عليها في آخر المقال بشئ...، لا أن يبتدئ بالرد والنقد العنيف معتمدا علي كتب الخصوم بدل كتبهم الخاصة بهم. هذه هي السنة الدارجة بين أبناء دائرة المعارف ولكن الكاتب لم يتبعها. فما هو الوجه؟ لا أدري ولا المنجم يدري، ولا القراء يدرون!! ولإيقاف القارئ علي ما في المقال من الأخطاء والقضاء الجائر نأتي بنصه أولا ثم نردفه بالتعاليق ثانيا: [ صفحه 100]

نص المقال في دائرة المعارف المصرية السفير

الاثنا عشرية

اشاره

هي إحدي فرق الشيعة، ويطلق عليها أيضا عدة أسماء أخري، منها: " الجعفرية " نسبة إلي " جعفر الصادق ". و " الرافضة " لأنهم رفضوا نصرة الإمام " زيد بن علي زين العابدين " (79 - 122 ه = 698 - 740 م) حين طلبوا منه سب " أبي بكر " و " عمر " - رضي الله عنهما - فأبي. و " الإمامية " نظرا لآرائهم الخاصة في الإمامة، وجعلهم إياها أصلا من أصول الدين. أما لقبهم " الاثنا عشرية "، فلقولهم بأن منصب الإمامة ليس باختيار الأمة، وإنما قد حدده الله وعينه في " علي بن أبي طالب " رضي الله عنه، وفي أحد عشر من ذريته من أولاد " فاطمة الزهراء " رضي الله عنها، وهم بالتتابع بعد " علي " رضي الله عنه (المعروف عندهم بعلي المرتضي): 1 - " الحسن بن علي " المتوفي سنة (50 ه = 670 م) ولقبه " الحسن المجتبي ". 2 - " الحسين بن علي " المتوفي سنة (61 ه = 680 م) ولقبه " الحسين الشهيد ". 3 - " علي زين العابدين بن الحسين " المتوفي سنة (94 ه = 712 م) ولقبه " السجاد ". [ صفحه 101] 4 - " محمد بن علي زين العابدين " المتوفي سنة (114 ه = 732 م) ولقبه " محمد الباقر ". 5 - " جعفر بن محمد " المتوفي سنة (148 ه = 765 م) ولقبه " جعفر الصادق ". 6 - " موسي بن جعفر " المتوفي سنة (183 ه = 799 م) ولقبه " موسي الكاظم ". 7 - " علي بن موسي " المتوفي سنة (203 ه = 818 م) ولقبه " علي الرضا ". 8 - " محمد بن علي " المتوفي سنة (226 ه = 840 م) ولقبه " محمد الجواد ". 9 - " علي بن محمد " المتوفي سنة (254 ه = 868 م) ولقبه " علي الهادي ". 10 - " الحسن بن علي " المتوفي سنة (260 ه = 873 م) ولقبه " الحسن العسكري ". 11 - " محمد بن الحسن " المتوفي سنة (265 ه = 878 م) ولقبه " محمد المهدي ". و " الاثنا عشرية " أكثر فرق الشيعة عددا في العالم، وبخاصة في قارة " آسيا "، ويبلغ عدد الشيعة بعامة قرابة (100) مليون شخص يمثلون حوالي 10 % تقريبا من إجمالي عدد المسلمين. وفي أواخر عهد الإمام السادس " جعفر الصادق " أخذ بعض الغلاة يتجمعون حول ولده إسماعيل، مما دفعه إلي جمع الناس وإشهادهم علي وفاة إسماعيل الذي مات في حياة أبيه عام (143 ه = 760 م) واختار ولده الآخر " موسي الكاظم " - كما تروي الاثنا عشرية - إماما بعده، وقد قام بأمر الطائفة في نطاق سياسة أبيه " جعفر " التي نزعت إلي السلم، واتجهت إلي العلم والنشاط [ صفحه 102] الروحي، ومن " الكاظم " تناسل الأئمة حتي " محمد بن الحسن العسكري " الإمام الثاني عشر و " المهدي المنتظر ". لكن الشيعة انقسموا بعد وفاة " جعفر " - رضي الله عنه - فتبع أكثرهم " الكاظم " وهم الاثنا عشرية، وأصرت طائفة أخري علي إمامة " إسماعيل " منكرة إمامة " الكاظم "، وقالوا بإمامة " محمد بن إسماعيل " بعد " جعفر " مباشرة، ومن هؤلاء تشكلت طائفة الإسماعيلية التي تغلو في التأويل الباطني، وتري أن للإمام وظيفة كونية بجانب سلطته التشريعية كمصدر للشرع، وسلطته التنفيذية كمنفذ له. كما نزعت إلي المبالغة في التقية والاختفاء، والظاهر والباطن في تأويل أحكام الدين، وقد استخدمت دولتها الفاطمية في " مصر " و " المغرب " في تحقيق ما ترمي إليه. وكان الشيعة الاثنا عشرية - بخلاف " الزيدية " و " الإسماعيلية " - قد اتجهوا وجهة ثقافية روحية بتأثير " جعفر الصادق "، وأعرضوا عن النشاط السياسي إلي حد كبير، وبخاصة النشاط الثوري المسلح الذي لجأت إليه فرق الشيعة الأخري، إلا ما كان منهم عند سقوط " بغداد " في يد " التتار " ونشوء الدولة " الإيلخانية " التي قامت بعد ذلك في القرنين (7، 8 ه = 13، 14 م). وعلي الرغم مما يؤخذ عليهم في أثناء هذه الفترة، فقد أسهموا في تحويل بعض قادة المغول إلي الإسلام، وإلي التشيع بطبيعة الحال، ولكنهم أحسوا ببعض القوة في العهد الجديد الذي أعقب سقوط الخلافة العباسية، مما كان له أثر في إشعال الجدل الطائفي الذي يتمثل في عدة مؤلفات: من أبرزها كتاب " الحسن بن المطهر " " منهاج الكرامة " الذي رد عليه " ابن تيمية " بكتابه " منهاج السنة "، وتابعه علماء آخرون، وبخاصة في الهند وفارس وما حولهما. ومن أبرز ما كتبه أهل السنة في ذلك " التحفة الاثنا عشرية " للشيخ " عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي ". [ صفحه 103] وفي أواخر عهد الأئمة كان من بين الاثني عشرية رجل بلغ النشاط والحماسة للمذهب، مع نزوع إلي الغلو، اسمه " محمد بن نصير النميري " (270 ه = 883 م) وقد عاصر الأئمة الثلاثة المتأخرين: " علي الهادي " (214 - 254 ه = 829 - 868 م) و " الحسن العسكري " (230 - 260 ه = 844 - 873 م) و " محمد المهدي " الثاني عشر المولود (255 ه = 868 م) والمنتظر ظهوره فيما يعتقدون. وقد زعم " ابن نصير " هذا أنه " الباب " إلي الإمام " الحسن العسكري "، فتبعه طائفة من الشيعة سموا بالنصيرية، وخالفه جمهورهم الذين أنكروا ادعاءاته، وقالوا بأن المرجعية الدينية بعد موت " العسكري " وغيبة ولده " المهدي " ترجع إلي لجنة من أربعة أشخاص، هم: " عثمان بن سعيد العمري "، و " محمد بن عثمان بن سعيد "، و " الحسين بن روح النوبختي "، و " علي بن محمد السمري ". ويغلب الغلو علي عقائد النصيرية، إذ يؤلهون عليا، ويتركون ظاهر الشرع، ويهملون المساجد وصيام رمضان، ويخالفون بعض الأحكام في النكاح وغيره، ويقولون بثالوث من علي ومحمد وسلمان الفارسي، وأن معني الألوهية تشخص في علي، ثم محمد، ثم سلمان الفارسي، ثم المقداد. وتتسم عقيدتهم بالمبالغة في السرية، وهم في هذا كله يقلدون من سبقهم من غلاة الشيعة منذ عبد الله بن سبأ، ومن جاء بعده، وخاصة " الخطابية " أتباع " أبي الخطاب الكاهلي " الذي زعم أنه (الباب) للإمام الخامس [98] " موسي الكاظم "، ثم قال بتأليه الأئمة ونسخ بعض الأحكام الشرعية، والإسراف في التأويل الباطني، فأخذ النصيرية بهذا كله. ولكن " الاثني عشرية " ينكرون مزاعم " ابن نصير " ويكفرون من اعتقد هذه [ صفحه 104] الأقاويل، بصرف النظر عن العلاقات العملية التي قد تقوم بين الطائفتين. وقد عادت الطائفة " الاثنا عشرية " إلي تقاليدها المسالمة وعنايتها بإشاعة العلم والاهتمام بالشؤون الاجتماعية والروحية لأتباعها إلي أن قامت للاثني عشرية دولة في " إيران " لأول مرة في التاريخ علي يد الشاه " إسماعيل الصفوي " (906 - 930 ه = 1500 - 1523 م) الذي نزع هو وخلفاؤه إلي التشيع علي الرغم من أصولهم السنية الصوفية. وقد استمر حكم " الصوفيين " لإيران قرابة قرنين ونصف قرن إلي سنة (1148 ه [99] = 1735 م)، وكانوا خلال حكمهم في عداء شبه مستمر مع الخلافة العثمانية، ونشبت بينهما الحروب التي أسهمت في انحسار المد الإسلامي عن " أوربا " وتمزق بلدان العالم الإسلامي وتفككها، ثم سقوطها في براثن الاستعمار الغربي، ومما ساعد علي ذلك: اتفاق الشاه " إسماعيل الصفوي " مع البرتغاليين ضد دولة الخلافة العثمانية، وسيطرتهم علي بعض جزر الخليج كقاعدة موجهة لحرب " الخلافة العثمانية "، ثم قيام الشاه " عباس الصفوي " بعد توليه الحكم عام (996 ه = 1587 م) بالتحالف مع " الإنجليز " لمحاربة دولة الخلافة، كما توقف الحج إلي " مكة " في عهده، وروجت الدولة لزيارة مدينة " مشهد "، وهي مدينة " طوس " القديمة التي دفن بها " الرشيد " وولد فيها " أبو حامد الغزالي " وغيره من أئمة المسلمين، ولكن مكانتها الدينية لدي الاثني عشرية ترجع إلي كونها تضم رفات الإمام الثامن " علي الرضا ". وهو الإمام الوحيد المدفون بإيران، وبسبب ذلك اشتهرت باسمها الحالي. وهذا التحالف مع الغزاة الأجانب، مع تمادي الخلاف بين الدولتين، قد مهد للاستعمار الغربي فرصة تمزيق العالم الإسلامي واحتلال أراضيه، وكان هذا الصراع المذهبي والسياسي من أهم أسباب هزيمة العثمانيين - والعالم الإسلامي [ صفحه 105] من ورائهم - أمام حمية الغرب الغازية. وحين تحولت " الدولة الصفوية " إلي المذهب الشيعي كثر التشيع بإيران وصار أتباعه هناك أكثرية. بعد أن كانت الأغلبية سنية في تلك البلاد، ويرجع الاضطراب بين الطائفتين - إلي حد كبير - إلي العداء الذي خلفته " الدولة الصفوية " في إيران ضد أهل السنة، فبرغم أن عدد أهل السنة يصل الآن حوالي 20 % من إجمالي عدد السكان في إيران إلا أنهم محرومون من تولي الوظائف الرئيسية في الدولة، ومن صلاة العيدين، ومن بناء مسجد لهم بطهران العاصمة، علي الرغم من وجود (12) كنيسة للنصاري بها ومعبدين لليهود، ومثلهما للمجوس، وآخرين للهندوس. وقد تطور مذهب الاثني عشرية علي مر الزمن وأسهم العداء السياسي والغلو المذهبي في انفراد الطائفة بعقائد ومبادئ تتجافي عن روح الإسلام السمحة، ومقتضيات المنطق السليم، ومنها:

الامامة والخلافة

يدعي " الاثنا عشرية " أن الله أمر نبيه بأن يعلن في الناس أن عليا وصيه وأنه الإمام من بعده عقيب حجة الوادع في طريق عودته من مكة إلي المدينة عند مكان يسمي " غدير خم "، ويرون أن تستمر الإمامة في ولد " علي بن أبي طالب " و " فاطمة الزهراء " إلي يوم القيامة، وأن " عليا " هو الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم بلا فصل بتعيين الله له، ولكن الصحابة بايعوا " أبا بكر الصديق " و " عمر " و " عثمان " - رضي الله عنهم - ولذلك فإنهم يعتقدون أن أكثر الصحابة خالفوا النص، وهو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". [100] . [ صفحه 106] وقوله: "... اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه ". [101] وقد ورد كلا الحديثين فيما يرويه أهل السنة من سنن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وآثاره، ومعناهما - فيما يتأوله " الاثنا عشرية " - الوصية له بالخلافة، ولكنها لدي أهل السنة وصية عامة بإكرام آل البيت، وتنويه بمكانة " علي " رضي الله عنه. وهم يستشهدون أيضا بآثار أخري، بعضها ضعيف والآخر موضوع (زائف) تدل لديهم علي ولاية الإمام " علي بن أبي طالب " - رضي الله عنه - وخلافته للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، وهذه الآثار لا تدل عند علماء السلف والخلف من أهل السنة علي ما ذهبوا إليه من وصية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لعلي بالخلافة من بعده، إذ الولاية ترد بمعني النصرة والمودة والولاء والأخوة، لا بمعني الإمامة والخلافة حتما، كما في قوله تعالي عن ولاية المؤمنين بعضهم بعضا: - (والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) -. [102] كما قال سبحانه عن ولاية الكافرين بعضهم بعضا: - (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) -. [103] والإمامة عند الاثني عشرية من حق " علي " رضي الله عنه، وأحد عشر من ذريته، حيث نص كل إمام علي من بعده حسب رواياتهم المتداولة فيما بينهم. وهم يعنون الإمامة ركنا وأصلا من أصول الدين، ولكنها (أي الإمامة) أصل مذهبي في رأيهم، فمن لم يعرف إمام زمانه ولم يبايعه عد خارجا عن المذهب، ولكنه في عامة المسلمين، وربما غلا بعضهم فكفره، غير أنهم يرون فسق من لم يبايع الإمام وكفر من يحاربه، مع أن الإمام " عليا " - رضي الله عنه - لم يكفر [ صفحه 107] الخوارج الذين كفروه وحاربوه، وأمر ألا يمنعوا من المساجد، وأن يدفن موتاهم في مقابر المسلمين. ويزعم " الاثنا عشرية " أن أئمتهم معصومون من الخطأ، والمعصية، ولهم صفة المعرفة اللدنية، دون حاجة إلي تلقين الرواة، فيصح لهم أن يرووا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة دون سند من الرجال، كما أنهم يعلمون الغيب، ولا يموتون إلا باختيار منهم، ولذا يعتبرون عهد الوحي مستمرا إلي غيبة الإمام الثاني عشر، ولا يباح الاجتهاد مع وجود الإمام، وإنما يبدأ الاجتهاد الفقهي بعد تلك الغيبة. وفكرة " الإمامة " علي هذا النحو ترجع إلي آراء مغالية ظهرت في الفترات الأولي من تاريخ المسلمين، ثم ورثها الاثنا عشرية، واتخذوها أصولا لهم، وكان من نتائجها إيقاع العداوة والشقاق بين جمهور المسلمين. ومما يدل علي بطلان مبدأ " الإمامة " بصيغته تلك - عند " الاثني عشرية " - ما فعله الإمام " علي " رضي الله عنه، إذ بايع " أبا بكر الصديق "، ونصره بنفسه وولده، مما يدل علي عدم وجود نص لديه يوصي له بالإمامة، ولو وجد هذا النص لأخذ به الصحابة - رضوان الله عنهم - الذين كانوا أشد حرصا علي طاعة الله ورسوله، وكذلك بايع " علي " - رضي الله عنه - كلا من " عمر " و " عثمان " - رضي الله عنهما - بالخلافة، وسمي أولاده بأسمائهم، كما زوج " عمر بن الخطاب " من ابنته " أم كلثوم "، وأخلص لهؤلاء الخلفاء الثلاثة المشورة والنصرة. وكل هذه الوقائع تدل علي أنه بايع مختارا، وليس مكرها كما يدعي " الاثنا عشرية "، وعندما سئل وهو علي فراش الموت عمن يستخلفه من بعده، قال: " لا، ولكن أترككم إلي ما ترككم إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ". ولو كانت الإمامة حددت في " علي " وأولاده كما يزعمون، لعين الإمام " علي ابن أبي طالب " - كرم الله وجهه - ابنه " الحسن " - رضي الله عنه - خليفة [ صفحه 108] للمسلمين من بعده. وبعد أن بويع " الحسن " بالخلافة، صالح " معاوية بن أبي سفيان " - رضي الله عنه - وتنازل له عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين، مما يسقط دعاوي القوم في بطلان ولاية أي إمام غير الاثني عشر. ثم إن الإمامة لو كانت معينة بوصية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في " علي " وأولاده كما يرون، لما استطاع أحد من الصحابة أن يخالفها.

المعاد والرجعة

تعتقد الاثنا عشرية بالمعاد واليوم الآخر، وبتفاصيل ذلك من الجنة والنار، والنعيم والعذاب الحسيين، وبالحياة البرزخية، والحشر والنشر، والميزان والصراط كما وردت في الكتاب والسنة، وأن الله تعالي هو الذي يحاسب الخلق علي ما قدموا في حياتهم الدنيا، ويجزيهم عليها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ويعتقدون برجعة " المهدي المنتظر " الإمام الثاني عشر " محمد بن الحسن العسكري " قبل القيامة مهما طالت غيبته ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ويقول بعض غلاتهم برجوع الأئمة الاثني عشر إلي الدنيا بعد أن يكون " المهدي " قد سبقهم إليها، كما يعود إلي الحياة أعداء الأئمة من الصحابة وغيرهم ليقتص منهم علي رؤوس الأشهاد، ثم يموتون انتظارا للبعث والجزاء الأخروي. وهذه المعتقدات الغالية - مما لا دليل عليه - ليست عامة في مذهبهم، ولكن ما هي إلا روايات ضعيفة منسوبة إلي بعض أئمتهم. وأول من قال بفكرة (الرجعة) ودعا إليها " عبد الله بن سبأ " اليهودي، فأخذ يقول برجعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مثل " عيسي " عليه السلام، واستشهد بقول الله تعالي: [ صفحه 109] - (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد) -. [104] ثم قال برجعة " علي بن أبي طالب " - رضي الله عنه -. وقد ترتب علي القول بعقيدة " الرجعة " تمزيق الصف الإسلامي، وتقوية الفرقة بين الشيعة وأهل السنة، كما أثرت في دعاة الفرق الغالية المتأخرة التي تشبثت بهذه الأقاويل الفاسدة، من آخرهم: " ميرزا محمد " مؤسس " البابية " (وهي فرقة دينية نشأت بإيران منشقة عن الاثني عشرية إبان القرن 13 ه = 19 م) و " الميرزا حسين، بهاء الله " مؤسس " البهائية " وهي صورة متطورة من البابية اختلفت عنها في أهدافها وأساليبها، تنحت تقليد الغلاة السابقين، وأعلنت نفسها ديانة جديدة تنسخ الجهاد وتنادي بالسلام، وتتخذ كتبا مقدسة بديلة عن القرآن، وتهدد وحدة الأمة الإسلامية بوجه خاص، وتحظي بتأييد الغرب وأجهزته الاستعمارية، ويعيش رؤساؤها الآن في ظعن الدولة الصهيونية التي تحتل فلسطين.

سب بعض الصحابة و أزواج الرسول

ويستبيح " الاثنا عشرية " سب بعض الصحابة وأزواج الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وبخاصة السيدة " حفصة " والسيدة " عائشة " رضي الله عنهما، علي الرغم من نهي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن سب الصحابة - رضوان الله عليهم -، فقال: " لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ". [105] وبرغم أن سب الصحابة - رضوان الله عليهم - واتهامهم بالكذب قد يؤدي [ صفحه 110] إلي التشكيك في القرآن الكريم والسنة النبوية، لأنهما نقلا عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم، ومن بعدهم من علماء الأمة بالشروط الشرعية في العدالة، والضبط وما يتصل بهما. وسب الصحابة يشيع للأسف بين عوام الاثني عشرية، ويوجد كذلك في كتب شيوخهم وعلمائهم، وكان ينبغي تنزههم عن ذلك ما داموا يدعون إلي تقارب المذاهب والفرق الإسلامية.

الطعن في القرآن الكريم و دعوي التحريف

يؤمن جمهور " الاثني عشرية " بالمصحف الذي بين أيدي المسلمين، ويعتقد بعض غلاتهم أن الإمام " عليا " - كرم الله وجهه - والسيدة " فاطمة الزهراء " - رضي الله عنها - كان لهما مصحف يخالف هذا المصحف المتواتر بين المسلمين، ويزعم هؤلاء الغلاة أن الصحابة قاموا بتبديله فأسقطوا كثيرا من السور والآيات التي نزلت في فضائل أهل البيت، ومن جملة ما يدعون إسقاطه ما يسمونه سورة " الولاية "، وادعوا أنه كان فيها: (يا أيها الذين آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلي صراط مستقيم... الخ). وقد يضيفون أحيانا إلي بعض الآيات في السور الموجودة بالمصحف المتواتر عبارات من عندهم ليؤيدوا بها ولاية " علي " - رضي الله عنه - وأبناءه الأئمة، ومن ذلك: (ألم نشرح لك صدرك [بعلي]. ومن يطع الله ورسوله [في ولاية علي والأئمة بعده] فقد فاز فوزا عظيما). وهؤلاء الغلاة من دعاة التحريف يتواصون بالعمل بما في المصحف الذي بين أيدينا، حتي يخرج " المهدي " ومعه المصحف الكامل في زعمهم. ولا يخفي أن ما ذهبوا إليه باطل من أساسه، فقد تكفل الله تعالي بحفظ القرآن، فقال: [ صفحه 111] - (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) -. [106] وقد روت الأمة - بأجيالها المتعاقبة وشعوبها في أركان الأرض - القرآن الكريم بسوره وآياته وحروفه بالتواتر والإجماع، كما شهدت الأمة كلها علي مدي (14) قرنا أن المصحف الذي بين الدفتين هو القرآن الذي نزل علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم دون تحريف أو تبديل، ولم يثبت وجود مصحف لعلي أو " فاطمة الزهراء " - رضي الله عنهما - مخالف لما في أيدي المسلمين، وكان سائر أئمتهم يتلون هذا القرآن في صلواتهم ويستشهدون به في دروسهم، وكل ما روي عنهم ما زال علي ما هو عليه الآن في أيدي المسلمين. وقد سئل " علي بن أبي طالب " نفسه: هل عندكم شئ ما ليس في القرآن، فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (كل كائن حي فيه روح) ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطي رجل في كتابه... ". [107] وهذا ما أجمع عليه المسلمون كافة.

التقية

ويقصدون بها أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، فيقول شيئا ويضمر غيره، أو أن يقوم بعمل تعبدي لا يعتقد صحته، ثم يؤديه بعد ذلك بالصورة التي يعتقد صحتها، فالشيعي يتصرف بين خصومه كما لو كان يدين بعقيدتهم. وقد بدأوا العمل بهذا المبدأ منذ القرن الرابع الهجري، وقد يصل العمل بهذه التقية إلي حد استباحة الكذب والنفاق، وإخفاء العقيدة الأصلية عن الخصوم، ومع هذا فإنهم ينسبونها إلي أئمتهم، بل يرفعونها إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فيما زعموا، مع أنه صلي الله عليه وآله وسلم - [ صفحه 112] وأبناءه من علماء أهل البيت - كانوا أبعد الناس عن التقية، وكانوا من الشجاعة والإقدام بحيث يتحملون المشاق الناجمة عن مواقفهم وآرائهم بلا خوف أو تردد. وهم ينسبون إلي " جعفر الصادق " قوله: " التقية ديني ودين آبائي ". والتقية مبيحة للكذب والنفاق مبدأ مذموم في الإسلام، قال تعالي في معرض ذمه للمنافقين: - (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون) -. [108] وقال صلي الله عليه وآله وسلم: " كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب ". [109] وقال أيضا: " إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلي الجنة، وإن العبد ليتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلي النار، وإن العبد ليتحري الكذب حتي يكتب كذابا ". [110] وقد كانت التقية من أهم الأسباب التي أدت إلي غلو كثير من الشيعة، وإلي إنشاء الجمعيات المنحرفة ذات الأهداف الباطنية الهدامة، وإن كان القرآن الكريم قد أباح للمسلم - في حالة الخوف والإكراه الملجئ - أن ينطق بكلمة الكفر ظاهرا وقلبه مطمئن بالإيمان، كما في قوله تعالي: - (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) -. [111] . [ صفحه 113]

البداء

يقول بعض الغلاة بأن الله سبحانه وتعالي يبدو له - أحيانا - غير الذي أراده فيرجع عن إرادته الأولي إلي الذي بدا له، وفي هذا مساس بالقدرة الإلهية، والكمال الإلهي، مما يتناقض مع العقيدة السليمة ومقتضيات العقل، كما يتعارض مع صريح القرآن الكريم، قال تعالي: - (لا يضل ربي ولا ينسي) -. [112] وقال تعالي: - (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد) -. [113] والبداء بهذا المعني فكرة يهودية روجها " عبد الله بن سبأ " واستغلها بعض الشيعة، لئلا يظهر علي أئمتهم كذب فيما يدعونه من علم الغيب، فإن تحقق ما يقولونه لأتباعهم، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا سيكون، فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء عن الله، وإن جاء الواقع بخلافه اعتذروا لشيعتهم وقالوا لهم: بدا لله في ذلك أمر. ولكن " الاثني عشرية " وإن قالوا بالبداء، فهم يفسرونه بمثل ما قال به بعض أهل السنة، من قضاء مبرم وقضاء معلق، وما أشارت إليه خواتيم سورة الرعد من محو وإثبات: - (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتب) -. [114] فأما القضاء المعلق فهو ما توجهت إليه الإرادة من البداية معلقا علي شرط حصوله، وكلاهما مراد منذ البدء دون بداء أو تغير في العلم أو الإرادة، وليس هذا من قبيل ما كان يلجأ إليه كذبة الغلاة تضليلا لأتباعهم حين يتخلف بعض ما قالوا، [ صفحه 114] ولا هو مستلزم لنسبة الجهل أو تخلف المعلوم إلي الله تعالي ويقولون بأن النسخ في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فكما أن للنسخ حكما وأسرارا قد تظهر أو لا تظهر، فللبداء بهذا المعني حكم ومصالح قد تخفي علي العباد.

زواج المتعة

وهو الزواج لمدة محددة، وكان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد أباحه في بدء البعثة [115] ، ثم حرمه تحريما مؤبدا بعد ذلك وثبت ذلك عنه صلي الله عليه وآله وسلم، كما حرمه الإمام " علي بن أبي طالب " أيضا وعمل الإمام حجة ملزمة عند الشيعة، ومع هذا فإن جمهور الشيعة وبعض علمائها يبيحونه ويستدلون له بآية من سورة النساء كما يؤولونها، وهي قوله سبحانه: - (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) -. [116] وإباحة زواج المتعة يسبب اضطراب العلاقة الزوجية، ويهز أركان الأسرة المسلمة، وإن كانوا يبررونها بأمور، منها أنها تحل مشاكل الشباب المسلم حين يرحل إلي خارج العالم الإسلامي، غير أن مسألة نكاح المتعة علي كل حال حكم فرعي لا يتصل بالعقيدة. وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نسخه، حيث قال: " يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلي يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ". [117] . [ صفحه 115]

بدع يوم عاشوراء

يقوم عوام الشيعة بضرب ظهورهم بالسلاسل حتي يدموها، وضرب أجسادهم بالسيوف حتي يقطعوها حزنا علي استشهاد " الحسين " وفقده، أو تطهرا من مسؤولية خذلانه، وغالبا ما تؤدي هذه العادات المنكرة إلي حدوث صراع بين الشيعة والسنة في المجتمعات المشتركة، وذهاب العديد من الأرواح البريئة. وليست هذه الأمور من أصول المذهب أو فروعه، ولكنها شاعت بين جماهيره - وخاصة العوام منهم - في أقطار عديدة. وكانت السياسة الاستعمارية قد روجت لشيوع ذلك في العالم الإسلامي منذ (200) عام، وبخاصة في شبه القارة الهندية، ولا يزال لهذه العادة نفوذ بالغ وأثر سيئ هناك، وإن أخذت تقل حدتها وتختفي في مناطق أخري. ويستغل أعداء الإسلام فرصة هذه المواكب المشينة في يوم عاشوراء، ويسجلونها، ويصفون المسلمين من أجلها بالوحشية والرجعية.

الخمس

يري الاثنا عشرية وجوب دفع الخمس من دخل كل اثني عشري في كل عام إلي مراجع المذهب، وهم المجتهدون من قادة الطائفة الذين يتبعهم العوام ويقلدونهم ويلتزمون بفتاواهم، وذلك لينفق منه علي الشؤون المذهبية والمصالح الدينية التي يقدرها هؤلاء القادة، وهم يرون ذلك بديلا عن الزكاة وفي بعض المجتمعات التي فرضت فيها الزكاة الشرعية بحكم القانون - كباكستان - رفض الاثنا عشرية دفعها للدولة بسبب دفعهم هذا الخمس إلي مراجعهم الدينية الخاصة. هذا وقد أحدثت " الاثنا عشرية " في الصلاة أمورا منها " السجود علي التربة [ صفحه 116] الحسينية " وذلك لأنهم يقدسون تراب مدينة كربلاء (النجف) التي استشهد فيها الإمام " الحسين بن علي " رضي الله عنهما، فلا يكاد يخلو بيت من بيوت الشيعة من تلك التربة. ومن مظاهر تقديسهم لها أنهم يقومون بالسجود عليها وتقبيلها والتبرك بها، بل وأكل قليل منها للشفاء - علي الرغم من أن الفقه الشيعي يحرم أكل التراب - كما يصنعون من هذه التربة أشكالا مختلفة يحملونها في سفرهم ويسجدون عليها في صلواتهم التماسا للقبول والبركة. وأهم تطور في حياة الفرقة " الاثني عشرية " في العصر الحديث هو اتجاههم إلي النشاط السياسي، والعمل علي إقامة الدولة التي ترعي المذهب وتحقق أهدافه وتنشر مبادئه، وأهم مظهر لذلك هو قيام دولتهم المسماة " بالجمهورية الإسلامية " في إيران التي ينظمها دستور أعلنه الخميني قائد الثورة التي أقامت هذه الجمهورية. ومارس فيها الخميني ومن بعده خليفته - مرشد الجمهورية - السلطة العليا نيابة عن الإمام الغائب حتي يظهر بناء علي ما للفقيه من سلطة وولاية حال غياب الإمام، برغم أن الثورة قبل قيام الجمهورية كانت تبدي وجها إسلاميا متسامحا، ولا تتورط في مثل هذه الأمور الطائفية، ولكن بعض الشيعة من المجتهدين وغيرهم في بعض أنحاء العالم الإسلامي يرون أن ولاية الفقيه بهذا المفهوم السياسي ليست من مسلمات المذهب، وأن الأقرب إلي موقف الأئمة وخاصة " علي " - رضي الله عنه - تقديم وحدة الأمة علي مسائل الإمامة، وجمع كل المسلمين علي ما يحفظ مصالحهم في ظل الشريعة الخاتمة أيا كان شخص الحاكم القائم بذلك فيهم، فعسي أن يحقق الله ذلك وهو الغالب علي أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. [ صفحه 117] كان هذا نص المقال المنشور في دائرة المعارف الموسومة ب " السفير "، وقد بلغنا أن بعض المهتمين بهذه الموسوعة قد وقف علي أن فيه بخسا لبعض حقوق الاثني عشرية فاستعدوا لتصحيحها بإرشادهم إلي مواقف الخطأ والاشتباه حتي يستدركوا في الطبعة الثانية فقمنا بعملين: 1 - التنويه بمواضع الخطأ والاشتباه في المقال المطبوع وناقشناها بأرقام متسلسلة. وهذا هو الذي نقدمه في هذه الكراسة. 2 - تأليف مقال [118] يتضمن تاريخ الفرقة الاثني عشرية وجذورهم وأصولهم وعقائدهم ودورهم في بناء الحضارة الإسلامية. سوف يرسل إلي اللجنة التي ترأس دائرة المعارف إذا طلبت منا. راجين أن ينشر بدلا عن المقال المنشور سابقا. ونقتصر في النقد والتحليل بما يمت إلي المذهب الاثني عشري بصلة وأما ما طرحه في ثنايا المقال من مسائل سياسية واشتباهات من تحالف الصفوية مع انكلترا، فنمر عليها مر الكرام. [ صفحه 118]

تحليل المقال و نقده

اشاره

1 - يقول: " من أسمائهم الرافضة لأنهم رفضوا نصرة الإمام زيد بن علي زين العابدين (79 - 122 ه) حين طلبوا منه سب أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) فأبي ".

مناقشتنا

إن الرافضة مصطلح سياسي قد كان رائجا قبل ولادة زيد بن علي بأعوام، وكان يطلق علي من لم يعترف بشرعية النظام السياسي الحاكم، ولأجل ذلك نري أن معاوية يصف مخالفي علي عليه السلام بالرفض ويسميهم بالرافضة. ينقل نصر بن مزاحم المنقري (212 ه) في كتابه " وقعة صفين " عن معاوية، أنه كتب إلي عمرو بن العاص وهو في البيع في فلسطين، أما بعد: فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله... " [119] . تري أنه يصف مروان بن الحكم ومن كان معه بالرفض وما ذلك إلا لأنهم [ صفحه 119] لم يعترفوا بشرعية حكومة الإمام علي عليه السلام وهذا يعرب عن تقدم الاستعمال علي ولادة زيد. إن الشيعة عن بكرة أبيهم لم يعترفوا بشرعية خلافة غير الإمام فصاروا رافضة، كما أن الخوارج والأمويين بما أنهم لم يعترفوا بشرعية خلافة الإمام سموا رافضة. فلا يصح إسناد تسمية الشيعة بالرافضة إلي زيد بن علي عليه السلام، فما جاء في المقال مأخوذ من كتب المخالفين. يقول البزدوي: " وإنما سموا روافض، لأنهم وقعوا في أبي بكر وعمر فزجرهم زيد فرفضوه فسموا روافض " [120] . والتاريخ يشهد بأن الشيعة كانت تسمي بالرافضة في أعوام متقدمة علي ميلاد زيد [121] . 2 - يقول الكاتب في شأن الإمام الثاني عشر: " محمد بن الحسن المتوفي سنة 265 = 878 الخ ".

مناقشتنا

الإمام الثاني عشر عند الاثني عشرية حي يرزق فكيف يقول بأنه المتوفي سنة 265؟!. والظاهر أنه من هفوة القلم. كما أن عد الإمام الكاظم عليه السلام الإمام الخامس ناشئ من قلة الإمعان في دراسة الموضوع. [ صفحه 120] 3 - يقول في عدد الشيعة: " ويبلغ عدد الشيعة بعامة فرقها، قرابة 100 مليون شخص يمثلون حوالي 10 % تقريبا من إجمالي عدد المسلمين ".

مناقشتنا

أن دوائر الاحصاء في العالم تحت نفوذ الصهاينة، وأعداء الإسلام وهمهم تقليل المسلمين وتكثير غيرهم. وعدد الشيعة ما يقارب 250 مليون شخص وهم يمثلون 25 % تقريبا من إجمالي عدد المسلمين لو صح أن عددهم في العالم يبلغ مليار مسلم. 4 - يقول: " وفي أواخر عهد الإمام السادس، جعفر الصادق أخذ بعض الغلاة يتجمعون حول ولده إسماعيل مما دفعه إلي جمع الناس وإشهادهم علي وفاة إسماعيل الذي مات في حياة أبيه عام 143 ".

مناقشتنا

أن إسماعيل أعلي شأنا ومقاما من أن يجتمع حوله بعض الغلاة ويستغلوا مكانته الاجتماعية، والدليل علي ذلك " أن الإمام جعفر الصادق عليه السلام كان يحبه حبا كثيرا وعندما توفي جزع أبو عبد الله عليه السلام جزعا شديدا، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء وأمر بوضع سريره علي الأرض قبل دفنه، مرارا واستناب أجيرا ليحج عنه وكتب علي كفنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " [122] . فلو كان إسماعيل ممن تستغله الغلاة لما كال له الإمام الصادق بهذا الصاع الكبير. [ صفحه 121] وأما استشهاد الإمام علي وفاته فلم يكن لأجل اجتماع الغلاة حوله، بل كان ردا لما اشتهر بين الشيعة في ذلك اليوم، أن الإمامة للولد الأكبر وكان إسماعيل أكبر ولده، فلأجل إبطال تلك الفكرة أشهد الإمام عليه السلام علي وفاته، ومع ذلك ذهبت ثلة من الشيعة - بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام - إلي إمامة ولده محمد بن إسماعيل. 5 - يقول في حق الإمام الكاظم عليه السلام: " وقد قام بأمر الطائفة في نطاق سياسة أبيه جعفر التي نزعت إلي السلم ".

مناقشتنا

إن نسبة النزوع إلي السلم إلي الإمام الصادق وولده الكاظم عليهما السلام نسبة خاطئة مستندة إلي النظر إلي ظواهر الأحوال من دون فحص عما كان يقوم به الإمام عليه السلام سرا، فقد كان الإمام الصادق عليه السلام يدعم ثورة زيد وثورات الآخرين التي تلت ثورته. وكان الإمام الكاظم عليه السلام مساندا لثورة الحسين بن علي الخير (شهيد فخ). نعم كانت المصالح يومذاك تستدعي كون الحركة ثقافية في الظاهر، ودعم الكفاح المسلح ضد الطغاة سرا لا علانية. وبذلك يعلم عدم صواب كلامه الآخر، حينما قال: " وكان الشيعة الاثنا عشرية قد اتجهوا وجهة ثقافية روحية بتأثير جعفر الصادق وأعرضوا عن النشاط السياسي إلي حد كبير ". ولا نعود إلي نقده. [ صفحه 122] 6 - يقول: " وعلي الرغم مما يؤخذ عليهم في أثناء هذه الفترة فقد أسهموا في تحويل بعض قادة المغول إلي الإسلام وإلي التشيع بطبيعة الحال، ولكنهم أحسوا ببعض القوة في العهد الجديد الذي أعقب سقوط الخلافة العباسية، مما كان له أثر في إشعال الجدل الطائفي الذي يتمثل في عدة مؤلفات من أبرزها كتاب الحسن بن المطهر " منهاج الكرامة " الذي رد عليه ابن تيمية بكتابه " منهاج السنة ".

مناقشتنا

إن السقيفة التي تم فيها الانتخاب المسرحي للخلافة كان مبدأ لانفتاح باب الجدل الطائفي وربما أعقب حروبا دامية ولأجل ذلك يقول الشهرستاني: " وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في الإسلام علي قاعدة دينية مثل ما سل علي الإمامة في كل زمان " [123] ، وقد اشتد الجدال الكلامي في القرن الثاني في عصر الإمام الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام يعلم ذلك من المناظرات التي دارت بين تلاميذهما كهشام بن الحكم، ومؤمن الطاق، وهشام بن سالم، مع مخالفيهم. وفي القرن الرابع والخامس استفحل فيهما الجدال في الإمامة بين المعتزلة والشيعة الإمامية وهذا هو عبد الجبار القاضي المتوفي عام 415 ه ألف كتابه المغني في عشرين جزء وخص الجزء الأخير بمسألة الإمامة في الرد علي الإمامية، ونقضه السيد المرتضي (355 - 436 ه) بكتاب أسماه " الشافي " وقد طبع في أربعة أجزاء ولخصه تلميذه الشيخ الطوسي (385 - 460 ه) إلي غير ذلك من المؤلفات الكلامية قبل حلول القرن السابع. والذي يدل علي سبق الجدال إنه ألف عشرات الكتب باسم الإمامة قبل حلول القرن الرابع. لاحظ الذريعة [124] . [ صفحه 123] 7 - يقول: " وفي أواخر عهد الأئمة كان من بين الاثني عشرية رجل بلغ النشاط والحماسة للمذهب، مع نزوع إلي الغلو اسمه محمد بن نصير النميري... ".

مناقشتنا

كان اللازم لمن يريد أن يكتب عن الاثني عشرية أن لا يكتب عن الغلاة شيئا لأن الغلاة عندهم وعند جمهور المسلمين ليسوا بمسلمين. 8 - يقول: " إن المرجعية الدينية بعد موت العسكري وغيبة ولده المهدي ترجع إلي لجنة من أربعة أشخاص، هم: عثمان بن سعيد العمري، ومحمد ابن عثمان بن سعيد، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري ".

مناقشتنا

إن ما ذكره من غرائب الهفوات فإنه لم تكن هناك أي لجنة بينهم لإدارة أمور الشيعة بل كان كل واحد من الأربعة سفيرا عن الإمام في عصر يختلف عن عصور الآخرين. وإليك تاريخ سفارتهم: 1 - عثمان بن سعيد العمري وكانت سفارته ما بين 260 - 265 ه. 2 - محمد بن عثمان العمري وكانت سفارته ما بين 265 - 305 ه. 3 - الحسين بن روح النوبختي وكانت سفارته بين 305 - 326 ه. 4 - علي بن محمد السمري وكانت سفارته بين 326 - 329 ه. [ صفحه 124] 9 - يقول: " ولكن الاثني عشرية ينكرون مزاعم ابن نصير ويكفرون من اعتقد هذه الأقاويل بصرف النظر عن العلاقات العملية التي قد تقوم بين الطائفتين ".

مناقشتنا

إن صدر هذا الكلام يناقض ذيله، فإذا كانت الاثنا عشرية يكفرون النصيرية فما معني العلاقات العملية التي تقوم بين الطائفتين؟! 10 - يقول: " إلي أن قامت للاثني عشرية دولة في إيران لأول مرة في التاريخ علي يد الشاه إسماعيل (906 - 930) الخ ".

مناقشتنا

مضافا إلي أن مبدأ الحكومة الصفوية كان عام 905 لا 906، إنه قد سبقت الدولة الصفوية في إيران، دولة البويهيين في العراق، وما اتصل بها من بلاد فارس وغيرها، ودولة السربدارية في خراسان حوالي 780، وقد طلب رئيس الدولة السربدارية وهو علي بن مؤيد من الشهيد الأول محمد المكي العاملي (734 - 786) السفر إلي خراسان فامتنع الشهيد عن ذلك وأرسل إليهم رسالة اللمعة الدمشقية وهي دورة فقهية مختصرة علي أساس الفقه الإمامي. وكذلك دولة السلطان خدابنده المغولي الذي تشيع علي يد العلامة الحلي وأمر بذكر " حي علي خير العمل " في الأذان وضرب السكة بأسماء أئمة أهل البيت عليهم السلام. وكان حاكما علي البلاد بين سنة 703 - 716. [ صفحه 125] 11 - يصف الشاه إسماعيل بقوله: " الذي نزع هو وخلفاؤه إلي التشيع علي الرغم من أصولهم السنية الصوفية ".

مناقشتنا

إنه لم يكن الشاه إسماعيل ولا أبوه وجده سنيين وإنما طرأ عليهم التشيع في القرن الثامن وأول من تشيع منهم جدهم الأعلي صفي الدين الأردبيلي المتوفي عام 735 أي قبل نشوء الدولة الصفوية بقرنين. 12 - يصف حكم الصفويين بأنهم كانوا خلال حكمهم في عداء شبه مستمر مع الخلافة العثمانية ونشبت بينهما الحروب التي أسهمت في انحسار المد الإسلامي عن أوربا وتمزق بلدان العالم الإسلامي وتفككها. الخ ".

مناقشتنا

لا شك أنه قامت بين الدولتين حروب طاحنة إنما المهم هو تعيين المعتدي، والكاتب كتب وقد أغمض عينه عن الواقع التاريخي فإن اعتداء الخلافة العثمانية علي الشيعة إلي عهد انقراضها، كالشمس في رائعة النهار وقد قتل السلطان سليم العثماني من الشيعة في يوم واحد حوالي أربعين ألفا، مضافا إلي اعتداءات وجرائم نكراء بأيدي عماله في العراق والشام ولبنان ضد المواطنين الشيعة، وقصة الجزار معروفة فمن أراد أن يقف علي تلك الاعتداءات ويتعرف علي البادئ فليراجع كتاب " الشيعة والحاكمون " وبما أن التفصيل في المقام موجب لجرح العواطف نقتصر علي هذا الموجز. ثم إن الخلافة العثمانية كانت في عهد الصفويين في ذروة قدرتها وسلطانها، ولم يكن آنذاك أي انحسار للمد الإسلامي. [ صفحه 126] وإنما بدأ الانحسار في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجري لعلل داخلية وخيانات في البلاط العثماني، والضباط الأتراك العملاء للأحزاب العلمانية. ولا تنس يا كاتب! أن فكرة العروبة والقومية العربية التي كان يتبناها سياسي و الأمة العربية في القرنين الأخيرين، كانت هي الضربة القاضية علي هيكل الخلافة العثمانية، وهذه الفكرة بعد لا تزال حية، ولما سقطت قلعة العثمانيين ارتفعت قلاع باسم الدول العربية تحمل الشعارات القومية بدل الإسلامية. لا تكشفن مغطا فلربما كشفت جيفة تلك شقشقة هدرت ثم قرت. 13 - يقول عن عهد الشاه عباس الصفوي بأنه: " توقف الحج إلي مكة في عهده ووجبت زيارة مدينة مشهد وهي مدينة طوس القديمة الخ ".

مناقشتنا

إنه لو ثبت أن الحج توقف يوم ذاك فإنما توقف لفقد شرط وجوبه وهو أمن السرب والطريق ولم يكن المنع مختصا بهذا العصر ففي عصر القرامطة منع المسلمون من الحج لأجل فقد شرطه. علي أن عمل فرد من ملوك الشيعة لا يعتبر دليلا علي أنه من عقائد الشيعة والكاتب بصدد بيان مذهب الاثني عشرية بما له من الأصول والفروع. 14 - يقول: " فبرغم أن عدد أهل السنة في إيران يصل إلي حوالي 20 % من إجمالي عدد السكان في إيران إلا أنهم محرومون من تولي الوظائف الرئيسية في الدولة، ومن صلاة العيدين، ومن بناء مسجد لهم بطهران العاصمة الخ ". [ صفحه 127]

مناقشتنا

إن الكاتب كأنه يكتب عن أمة بعيدة عن أعين المسلمين ووكالات الأنباء العالمية، ونحن ندعو الكاتب لزيارة إيران حتي يري بأم عينه أن إخواننا السنة أحرار في عقائدهم وشعائرهم كما أن لهم مندوبين في مجلس الشوري الإسلامي، وأن الجمهورية الإسلامية هي المتبنية للتقريب بين المسلمين عن طريق مساهمتها في تأسيس دار المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد شارك في تأسيس تلك الدار رجال من الشيعة والسنة من الداخل والخارج، كما وتصدر عنها مجلة رسالة التقريب، والكاتب إنما كتب هذه السطور لإثارة الفتنة بين الإخوة. لكن نعود فنسأله أن القاهرة مكتظة بالشيعة، فهل لهم فيها مكتبة رسمية أو مسجد أو مدرسة؟ وهل تسمح الحكومة بإقامة شعائرهم علنا. إن الحرمين الشريفين لا يختصان بطائفة دون أخري وإنما هما لجميع المسلمين - (سواء العاكف فيه والباد...) -. [125] ولكن الشيعة محظور عليهم التظاهر بشعائر دينهم أو بناء مسجد أو مدرسة أو مكتبة لهم. فدع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن حديثا ما حديث الرواحل وأما ما ذكر من عدد أهل السنة فلا أدري من أين جاء بتلك الاحصاءات فإن إحصاء عدد النفوس في إيران لم يتم علي أساس المذهب حرصا علي وحدة الكلمة بين الطائفتين. [ صفحه 128] 15 - يقول: " وقد تطور مذهب الاثني عشرية علي مر الزمن وأسهم العداء السياسي والغلو المذهبي في انفراد الطائفة بعقائد ومبادئ تتجافي عن روح الإسلام السمحة ومقتضيات المنطق السليم ".

مناقشتنا

إن عقائد الإمامية مأخوذة من الكتاب وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام والعقل الصريح ولم يكن هناك أي تطور فيها. نعم نضجت المسائل الكلامية عبر القرون كسائر العلوم الإسلامية، ولأجل الإشارة إلي ذلك نذكر فيما يلي ما كتب حول عقائد الشيعة في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث:ألف - كتب الإمام الرضا عليه السلام للمأمون رسالة في محض الإسلام [126] . ب - وقد عرض السيد عبد العظيم الحسني عقائده علي الإمام الهادي عليه السلام المتوفي عام 254 ه، وهو مكتوب [127] . ج - وبعده توالت الرسائل العقائدية للشيعة ومعارفهم. يقف عليها من تتبع كتبهم الكلامية. فهذا هو الصدوق (306 - 381 ه) له رسالة في عقائد الشيعة، وللشيخ المفيد (336 - 413 ه) رسالة أسماها " شرح عقائد الصدوق "، وللمرتضي (355 - 436 ه) رسالة " جمل العلم والعمل " ومن تتبعها يري أن الرسائل كلها علي غرار واحد ولو كان هناك خلاف فإنما هو في البحوث الكلامية والتي لا تمت إلي ذات العقائد بصلة. نحن لا نريد المقابلة بالمثل، وإلا فإن الإمام الأشعري كتب عقائد أهل السنة [ صفحه 129] في عدة بنود في كتابه " الإبانة عن أصول الديانة " وأفرد كل واحد منها، للرد علي الفرق الإسلامية فصارت عقائد أهل السنة حصيلة الردود علي عقائد الآخرين، ولولا هذه الفرق، لم يكن هناك سبب لعقدها. 16. يتعرض الكاتب إلي حديث الغدير ويؤوله بأنه لدي أهل السنة وصية عامة لإكرام آل البيت والتنويه بمكانة علي رضي الله عنه.

مناقشتنا

إن من قرأ تاريخ حديث الغدير وتدبر في خطبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم قبل أن يدلي بقوله في حق علي عليه السلام: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " لا يشك في أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بصدد تعيين الوصي من بعده. ونحن نذكر مقتطفا من خطبة النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم في ذلك الحشد العظيم حتي يعلم مدي صدق قول القائل بأنها بصدد إيصاء عام بإكرام آل البيت عليهم السلام؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: " أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن أدعي فأجيب وأني مسؤول وأنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ ". قالوا: نشهد إنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا، فقال: " أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلي، نشهد بذلك، قال: " اللهم اشهد " ثم قال: " يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا - يعني عليا - مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " ثم قال: " يا أيها الناس إني فرطكم وأنكم واردون علي الحوض، حوض أعرض مما بين [ صفحه 130] بصري، إلي صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة وأني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتي يردا علي الحوض " [128] . وأخرجه غير واحد من أئمة الحديث منهم الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم، قال: نزلنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: " فخطبنا وظلل لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بثوب علي شجرة سمرة من الشمس، فقال: " ألستم تعلمون، أولستم تشهدون، أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ " قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " [129] . وأخرجه الحاكم في مناقب علي من مستدركه عن طريق زيد بن أرقم من طريقين صححهما علي شرط الشيخين، قال: لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، فقال: " إني دعيت فأجبت، قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولي كل مؤمن - ثم أخذ بيد علي فقال: - من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه... " [130] . وأخرجه النسائي في خصائصه عن زيد بن أرقم، قال: لما رجع النبي صلي الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: " كأني دعيت [ صفحه 131] فأجبت، وأني تارك فيكم الثقلين: أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وأهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض - ثم قال: - إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن - ثم أخذ بيد علي فقال: - من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "، قال أبو الطفيل: فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بإذنه [131] . إن سؤال أبي الطفيل يعرب عن حقيقة مرة، وهو أنه يري التنافي بين مضمون الحديث وعمل أكثر الأمة، فإن الحديث نص علي ولايته وخلافته، وأكثر الأمة صرفتها عن علي، فلأجل ذاك عاد يتعجب ويسأل، وليس التعجب مختصا به، فهذا هو الكميت يصرح به في هاشمياته ويقول: ويوم الدوح دوح غدير خم أبان له الخلافة لو أطيعا ولكن الرجال تبايعوها فلم أر مثلها خطرا مبيعا ولم أر مثل ذاك اليوم يوما ولم أر مثله حقا أضيعا [132] ولو أردنا استقصاء مصادر الحديث وأسانيده ورواته من الصحابة والتابعين والعلماء لأحوجنا ذلك إلي تأليف مفرد، وقد قام بحمد الله أعلام العصر ومحققوه بذلك المجهود [133] . والمهم هو دلالة الحديث علي الولاية العامة والخلافة الكبري لعلي بعد الرسول، وقبل الخوض في ذلك نقدم الأمور التالية: [ صفحه 132] 1 - إنه صلي الله عليه وآله وسلم قال في خطبته: " إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين وأنا أولي بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا - يعني عليا - مولاه " وهذا قرينة لفظية علي أن المراد من " مولاه " الثانية عين المراد من " مولاه " الأولي فالمعني أن الله أولي بي من نفسي، وأنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ومن كنت أولي به من نفسه، فعلي أولي به من نفسه، وهذا هو معني الولاية الكبري للإمام. 2 - ذيل الحديث وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " وفي بعض الطرق " وانصر من نصره واخذل من خذله " فإنه صلي الله عليه وآله وسلم لما نصبه إماما علي الأمة بعده، كان يعلم أن تطبيق هذا الأمر رهن توفر الجنود والأعوان، وطاعة أصحاب الولايات والعمال، مع علمه بأن في الملأ من يحسده وفيهم من يحقد عليه، وفي زمرة المنافقين من يضمر له العداء، فعاد يدعو لمن والاه ونصره، وعلي من عاداه وخذله، ليتم أمر الخلافة وليعلم الناس أن موالاته موالاة لله وأن عداءه عداؤه، والحاصل أن هذا الدعاء لا يناسب إلا من نصب زعيما للإمامة والخلافة. 3 - إنه صلي الله عليه وآله وسلم صدر كلامه بأخذ الشهادة من الحاضرين بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم قال: إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين وأنا أولي بهم من أنفسهم، فقال: " فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه "، وهذا يدل علي أن التالي، من جنس المقدم وأنه ركن من الدين كما هما ركنان. 4 - إنه صلي الله عليه وآله وسلم ذكر قبل بيان الولاية قوله: " كأني دعيت فأجبت " أو ما يقرب من ذلك، وهو يعرب عن أنه صلي الله عليه وآله وسلم لم يبق من عمره إلا قليل ويحاذر أن يدركه الأجل، فأراد سد الفراغ الحاصل بموته ورحلته بتنصيب علي إماما وقائدا من بعده. هذه القرائن وغيرها الموجودة في كلامه، توجب اليقين بأن الهدف من هذا النبأ في ذلك الحشد العظيم ليس إلا إكمال الدين وإتمام النعمة من خلال ما أعلن [ صفحه 133] عنه صلي الله عليه وآله وسلم أن عليا قائد وإمام للأمة، ومن أراد الحصول علي المزيد من هذه القرائن فليرجع إلي كتاب الغدير القيم [134] . لا يشك من درس مضمون حديث الغدير وما احتف به من القرائن يقف علي أن المراد منه هو نصب علي للإمامة والخلافة وهذا هو الذي فهمه الحضور من المهاجرين والأنصار في ذلك المحفل كما فهمه من بلغه النبأ بعد حين، ممن يحتج بقوله في اللغة، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجال الأدب إلي العصر الحاضر، وهذا هو حسان بن ثابت الذي حضر مشهد الغدير قد استأذن رسول الله أن ينظم الحديث في أبيات منها قوله: وقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا [135] . 17. يقول: " وهذه الآثار لا تدل عند علماء السلف والخلف من أهل السنة علي ما ذهبوا إليه من وصية الرسول لعلي بالخلافة من بعده إذ الولاية ترد بمعني النصرة والمودة والولاء والأخوة لا بمعني الإمامة والخلافة حتما ".

مناقشتنا

إنه ورد في الحديث لفظ المولي وليس له إلا معني واحد وهو الأولي، قال سبحانه: - (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) -. [136] وقد فسر المولي في الآية بمعني الأولي، وإذا استعمل في مورد الجار وابن العم والعبد وغيرهم فبنفس ذاك الملاك فالجار أولي بأن يحمي الجار، وابن العم [ صفحه 134] أولي بنصر ابن عمه، والعبد أولي بإطاعة أمر مولاه وهكذا. والدليل علي أن المولي في حديث الغدير بمعني الأولي هو كلام الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قبل هذه الجملة فقد قال: " ألستم تشهدون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي. قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه " [137] . علي أن ذكر التوحيد والمعاد والرسالة في خطبة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والتنويه برحيله عن قريب وذكر الثقلين، كل ذلك يعرب عن أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بصدد بيان أمر خطير فيه إكمال الدين وإتمام النعمة لا بصدد الايصاء بإكرام أهل بيته الذي لم يكن أمرا مستورا علي الأمة. أضف إلي ذلك أنه لو كان الهدف من كلام النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو الايصاء بالمحبة والمودة فلماذا أخره إلي أخريات أيام حياته الشريفة؟ ولماذا نوه به في حشد عظيم في صحراء لا يخيم علي الناس فيها إلا حر الشمس؟ أوليس هذا بعيدا عن بلاغة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ورعاية مقتضي الحال؟ 18. يقول: " والشيعة يستشهدون أيضا بآثار أخري بعضها ضعيف والآخر موضوع ".

مناقشتنا

ماذا يريد بالآثار الموضوعة؟ فالشيعة تستدل بحديث الثقلين الذي مر في كلام الرسول في خطبة الغدير، وأخرجه الترمذي والنسائي في سننهما، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه فلاحظ المصادر التالية: ألف - كنز العمال 1 / 44. [ صفحه 135] ب - مسند أحمد 5 / 182 و 189 و ج 3 / 17 و 26. ج - المستدرك للحاكم 3 / 109. إلي غيرها من المصادر المتوفرة التي يضيق المقام عن بيانها. وقد ألف غير واحد من المحققين رسائل في أسانيد هذا الحديث. وتستدل الشيعة بحديث السفينة وفيه يقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". يرويه الحاكم بسنده إلي أبي ذر، لاحظ ج 3 / 151، وبسنده إلي ابن عباس ج 3 / 149، ويرويه النبهاني في أربعينه ص 216، نقله عن الطبراني في الأوسط، ويرويه ابن حجر في صواعقه الباب الحادي عشر ص 91 و 149. والشيعة تستدل بحديث الأئمة الاثني عشر، فقد أخرج البخاري عن جابر ابن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش " [138] . وأخرج مسلم عنه أيضا، قال: دخلت مع أبي علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: " أن هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " قال ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: " كلهم من قريش " [139] إلي غير ذلك من الأحاديث التي جاءت في المجاميع الحديثية. فما ظنك بحديث يرويه الشيخان؟ فهل ما يرويه الإمام البخاري موضوع فلو كان موضوعا - (فبأي حديث بعده يؤمنون) - [140] ؟!! إن الأحاديث التي تنص علي عدد خلفاء النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتذكر سماتهم أكثر [ صفحه 136] مما نقلناه ونقتصر في المقام علي نقل السمات الواردة فيها حتي نتعرف من خلالها علي أصحابها فقد ورد فيها: 1 - لا يزال الإسلام عزيزا إلي اثني عشر خليفة. 2 - لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا. 3 - لا يزال الدين قائما. 4 - لا يزال أمر أمتي صالحا. 5 - لا يزال أمر هذه الأمة ظاهرا. 6 - حتي يمضي فيهم اثنا عشر. 7 - ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. 8 - عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل. وهذه السمات والخصوصيات لا توجد مجتمعة إلا في الأئمة الاثني عشر المعروفين عند الفريقين، وتلك الأحاديث من أنباء الغيب ومعجزات النبي صلي الله عليه وآله وسلم خصوصا إذا ضمت إليها أحاديث الثقلين والسفينة وكون أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم أمانا لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. فالأئمة الاثنا عشر المعروفون بين المسلمين، أولهم علي أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم المهدي عليه السلام تنطبق عليهم تلك العلائم، ومن وقف علي حياتهم العلمية والاجتماعية والسياسية يجزم أو يقطع بأنهم هم المثل العليا في سماء الأخلاق والعلم والإحاطة بالقرآن والسنة، وأنه سبحانه بهم حفظ دينه عن التحريف وبهم اعتز الدين. وأما ما ورد في بعض هذه الطرق: " كلهم تجتمع عليهم الأمة " علي فرض الصحة، فالمراد تجتمع علي الإقرار بإمامتهم جميعا وقت ظهور آخرهم، و - علي [ صفحه 137] فرض الإبهام - لا تمنع عن الأخذ بمضامين الحديث. هلم معي نقرأ ماذا يقول غير الشيعة في حق هذه الأحاديث، وكيف يفسرها بالخلفاء القائمين بالأمر بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم؟ ولننقل إليك شيئا من كلامهم: إن قوله اثنا عشر إشارة إلي عدد خلفاء بني أمية وأول بني أمية يزيد بن معاوية وآخرهم مروان الحمار وعدتهم اثنا عشر ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير لكونهم صحابة، ولا مروان بن الحكم لكونه صحابيا أو لأنه كان متغلبا بعد أن اجتمع الناس علي عبد الله بن الزبير، وليس علي المدح بل علي استقامة السلطنة وهم يزيد بن معاوية وابنه معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد ثم يزيد بن الوليد، ثم إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمد [141] . يلاحظ عليه: إذا كان الرسول أراد هذا ولم يكن في مقام مدحهم فأي فائدة في الإخبار بذلك. ثم كيف يقول إنها صدرت علي غير سبيل المدح مع ما عرفت من السمات الواردة الصريحة في المدح فيقول: " لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا قائما "، أو " أمر أمتي صالحا " والعجب أنه جعل أول الخلفاء يزيد بن معاوية بحجة أنه استقامت له السلطنة، إذ كيف استتبت له السلطنة وقد ثار عليه أهل العراق في السنة الأولي وثار عليه أهل المدينة في السنة الثانية وكان مجموع أيامه مؤلف من حروب دامية وقتل ونهب وتدمير. 19. يقول: الإمامة عند الشيعة ركن وأصل من أصول الدين ولكنها (أي الإمامة) أصل مذهبي في رأيهم فمن لم يعرف أمام زمانه ولم يبايعه عد خارجا عن [ صفحه 138] المذهب ولكنه في عامة المسلمين وربما غلا بعضهم فكفره الخ ".

مناقشتنا

إن الإمامة عند الشيعة من الأصول ولكن إنكارها لا يلازم الخروج عن الإسلام بل يوجب الخروج عن حظيرة التشيع ثم إن الكاتب يذكر في ذيل كلامه أن عليا لم يكفر الخوارج الذين كفروه وحاربوه " وليس لكلامه هذا صلة بعقائد الشيعة. فإن الشيعة عن بكرة أبيهم يعدون أهل السنة إخوانا وإن كانوا خاطئين في مسألة الإمامة. 20. قال: " ويزعم الاثنا عشرية أن أئمتهم معصومون من الخطأ والمعصية، ولهم صفة المعرفة اللدنية، دون حاجة إلي تلقين الرواة فيصح لهم أن يرووا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة دون سند من الرجال، كما أنهم يعلمون الغيب، ولا يموتون إلا باختيار منهم، ولذا يعتبرون عهد الوحي مستمرا إلي غيبة الإمام الثاني عشر، ولا يباح الاجتهاد في وجود الإمام، وإنما يبدأ الاجتهاد الفقهي بعد تلك الغيبة ".

مناقشتنا

إن هذه الفقرة تشتمل علي أمور صحيحة، وأخري خاطئة نشير إليها علي وجه الإجمال لأن التفصيل يحوجنا إلي إفراد رسالة خاصة. ألف - إن الأئمة الاثني عشر معصومون من الخطأ والمعصية بدليل أنهم عدل الكتاب وقرناؤه في قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، إن اقتران العترة بالقرآن يدل: [ صفحه 139] أولا: علي أن عندهم علم القرآن وفهمه فهما لائقا بشأنه. وثانيا: إن التمسك بالكتاب والعترة يعصم من الضلالة. وثالثا: يحرم التقدم علي العترة كما يحرم الابتعاد عنهم. ورابعا: إن العترة لا تفارق الكتاب إلي يوم القيامة. وخامسا: إن الكتاب مصون من الخطأ وهكذا عدله. مضافا إلي قوله سبحانه: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. [142] والمراد من الرجس هو العصيان والإرادة إرادة كونية وهي التي لا تنفك فيها الإرادة عن المراد والمراد من أهل البيت هم الذين أدخلهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تحت الكساء، وقال: اللهم إن لكل نبي أهل بيت وهؤلاء أهل بيتي. ولما أرادت أم سلمة أن تدخل تحت الكساء منعها وقال: أنت علي خير ولست من أهل البيت. ب - إن علوم أئمة أهل البيت عليهم السلام مستندة إلي مصادر مختلفة فتارة يروون الحديث عن آبائهم عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما أكثر هذا القسم من الأحاديث في رواياتهم. وأخري يعتمدون علي كتاب علي الذي أملاه الرسول وكتبه الوصي وهو في سبعين ذراعا. وثالثة يعتمدون علي تحديث الملك فهم محدثون والمحدث عبارة عمن يسمع كلام الملك ولا يري عينه وقد عقد الإمام البخاري بابا للمحدث وعد منهم عمر بن الخطاب والمحدث غير الرسول والنبي ومن أراد الوقوف علي واقع المحدث فعليه بشرح صحيح مسلم للإمام النووي فقد أسهب فيه الكلام. روي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن [ صفحه 140] من أمتي منهم أحد، فعمر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من نبي ولامحدث [143] . وبذلك يعلم مدي صحة كلمة الكاتب: من أن للأئمة أن يرووا عن رسول الله مباشرة من دون سند من الرجال. وذلك لما عرفت أن مصادر علومهم مختلفة فتارة يروون عن طريق آبائهم عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأخري يروون عن كتاب علي وثالثة يروون عن طريق التحديث. ج - قال: إن الأئمة يعلمون الغيب.

مناقشتنا

إن علم الغيب مختص بالله تبارك وتعالي، قال سبحانه: - (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) -. [144] وأما تحديثهم عن الغيب فإنما هو تعلم من ذي علم فلا مانع من أن يلهم الله سبحانه أولياءه أمورا غيبية كما ألهم يوسف وهو شاب غير مبعوث ثم استمر الإلهام إلي آخر عمره. وليست أئمة أهل البيت عليهم السلام بأقل شأنا من أم موسي فقد أخبرها سبحانه عن مصير ولدها، وقد علم مصاحب موسي بمصير الغلام الذي قتله، وقال: - (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) - [145] إلي غير ذلك من الأمور الغيبية التي أوقف الله سبحانه عباده الصالحين عليها من دون أن يكونوا أنبياء كرامة لهم، وإعظاما لمقامهم. د - يقول: ولذا يعتبرون عهد الوحي مستمرا إلي غيبة الإمام الثاني عشر. [ صفحه 141]

مناقشتنا

إنه خلط في كلامه الوحي التشريعي المختص بالأنبياء والرسل، بالتحديث الذي أطبقت الأمة علي حصوله وعلي وجود محدثين في الأمة الإسلامية، فالأئمة ملهمون، محدثون وليسوا أنبياء يوحي إليهم. ه - يقول: ولا يباح الاجتهاد في وجود الإمام وإنما يبدأ الاجتهاد الفقهي بعد تلك الغيبة.

مناقشتنا

أن الاجتهاد كان موجودا بعد رحيل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إلي يومنا هذا ومفتوحا بابه في وجه الأمة ولم يغلق أبدا ويحرم تقليد المجتهد لغيره وأما عدم الاجتهاد عند وجود الإمام فالمراد منه أن يكون الإنسان في حضرة الإمام، وأما البعيد عنه كمن يقطن خراسان والإمام في المدينة فله أن يجتهد علي ضوء الكتاب والسنة وأحاديث أئمة أهل البيت وقد كان بين أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام مجتهدون كبار يعلم من رجع إلي أحوالهم. 21. يقول: " وفكرة الإمامة علي هذا النحو ترجع إلي آراء مغالية ظهرت في الفترات الأولي من تاريخ المسلمين ثم ورثها الاثنا عشرية واتخذوها أصولا لهم وكان من نتائجها إيقاع العداوة والشقاق بين جمهور المسلمين ".

مناقشتنا

إن فكرة الإمامة ترجع إلي الكتاب والسنة بشرط الفحص عن أسباب النزول، والتاريخ الصحيح، والروايات الواردة حول الآيات. [ صفحه 142] إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي بذر فكرة الإمامة في حديث الدار عندما نزل قوله سبحانه: - (وأنذر عشيرتك الأقربين) -. [146] ففي هذا اليوم قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم في علي: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا " [147] . ولما نزل قوله سبحانه: - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) - قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: " هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين " [148] . وفي رواية أخري، قال: " والذي نفسي بيده أن هذا (مشير إلي علي) وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة " [149] . إن فكرة الإمامة تمخضت من حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث الغدير إلي غير ذلك من الأحاديث الواردة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإذا كان ثمة اعتراض فإنما يتوجه إلي المعرضين عن هذه الأحاديث لا إلي المتمسكين بها. إن الذي أوقع العداوة والشقاق بين جمهور المسلمين هو معاوية وحزبه الأموي. فقد أصدر بيانا قاطعا حاسما بقتل الشيعة وقطع منحهم وبذلك أغري الحزب الأموي ومن والاه علي الخوض في دماء شيعة أهل البيت. [ صفحه 143] كتب معاوية نسخة واحدة إلي عماله بدء عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعلي كل منبر يلعنون عليا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليها زياد بن سمية وضم إليه البصرة، وكان تتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم علي جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة [150] . نسأل الكاتب، فمن الذي أوقع العداوة والشقاق بين جمهور المسلمين؟ ولو أردنا أن نسبر التاريخ لنري قتلي الشيعة من صحابيهم إلي تابعيهم إلي تابعي التابعين لطال بنا المقام. 22. يقول: " ومما يدل علي بطلان مبدأ الإمامة بصيغته تلك عند الاثني عشرية فعل الإمام علي رضي الله عنه إذ بايع أبا بكر الصديق ونصره بنفسه وولده وكذلك بايع كلا من عمر وعثمان بالخلافة الخ ".

مناقشتنا

العجب كل العجب أن نترك النصوص الواردة في الكتاب والسنة والتاريخ الصحيح ونستدل بفعل علي وبيعته التي لم تثبت قط وإنما يرويها رواة مدرسة الخلفاء وتكذبها رواة مدرسة أهل البيت. إن الإمام لم يبايع قط، وإنما تعاون مع [ صفحه 144] الخلفاء لما رأي أن في ترك التعاون معهم ضررا أعظم من ذهاب ولايته وهو سلام الله عليه يشرح لنا سبب مساهمته وسكوته ورفقه. إذ يقول عليه السلام: " فوالله ما كان يلقي في روعي، ولا يخطر ببالي، أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلي الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده. فما راعني إلا انثيال الناس علي فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلي محق دين محمد صلي الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أري فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتي زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه " [151] . فقد جاء في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: الذي ورد فيه ذكر حوادث حدثت في صدر الإسلام والكتاب جدير بالمطالعة لطالبي الحقيقة وقد جاء فيه أن أبا بكر أرسل عمر ومعه جماعة إلي بيت فاطمة الذي كان فيه علي وجماعة من بني هاشم متخلفين عن البيعة فأزعجوا فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أيما إزعاج حيث نادت بأعلي صوتها: يا أبتا يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا ومضوا به إلي أبي بكر فقالوا له بايع، قال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: أتقتلون عبد الله وأخا رسوله؟ قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخا رسوله فلا. وأبو بكر ساكت لا يتكلم. فقال عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لاأكرهه علي شئ ما كانت فاطمة إلي جنبه [152] . [ صفحه 145] وهذا شاعر النيل حافظ إبراهيم المصري (المتوفي 1351 ه) يصف لنا كيف تم أخذ البيعة في قصيدته العمرية ويقول: وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عدنان وحاميها [153] . أفبعد هذا يمكن أن يحتج بهذا الشكل من البيعة؟ والنار مؤججة تكاد أن تأكل الرطب واليابس وهذا هو الطبري (المتوفي 310 ه) يصف لنا كيفية أخذ البيعة ويقول: أتي عمر بن الخطاب منزل علي فقال لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلي البيعة [154] . وهذا ابن عبد ربه الأندلسي (المتوفي 495 ه) يقول: بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من النار علي أن يضرم عليهم الدار. فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة [155] . 23. قال: " ولو وجد هذا النص لأخذ به الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا أشد حرصا علي طاعة الله ورسوله ".

مناقشتنا

قد أخذ لفيف من الصحابة بنصوص الخلافة في حق علي عليه السلام من مشاهير بني هاشم وغيرهم. [ صفحه 146] وإليك فهرس أسماء خمسين صحابيا كانوا رواد التشيع في عصر النبي وما بعده: 1 - عبد الله بن عباس 2 - الفضل بن العباس 3 - عبيد الله بن العباس 4 - قثم بن العباس 5 - عبد الرحمان بن العباس 6 - تمام بن العباس 7 - عقيل بن أبي طالب 8 - أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب 9 - نوفل بن الحرث 10 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب 11 - عون بن جعفر 12 - محمد بن جعفر 13 - ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب 14 - الطفيل بن الحرث 15 - المغيرة ابن نوفل بن الحارث 16 - عبد الله بن الحرث ابن نوفل 17 - عبد الله بن أبي سفيان ابن الحرث 18 - العباس بن ربيعة بن الحرث 19 - العباس بن عتبة بن أبي لهب 20 - عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث 21 - جعفر بن أبي سفيان بن الحرث. هؤلاء من مشاهير بني هاشم، وأما غيرهم فإليك أسماء ثلة منهم: 22 - سلمان المحمدي 23 - المقداد بن الأسود الكندي 24 - أبو ذر الغفاري 25 - عمار بن ياسر 26 - حذيفة بن اليمان 27 - خزيمة بن ثابت 28 - أبو أيوب الأنصاري مضيف النبي 29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان 30 - أبي بن كعب 31 - سعد بن عبادة 32 - قيس بن سعد بن عبادة 33 - عدي ابن حاتم 34 - عبادة بن الصامت 35 - بلال بن رباح الحبشي 36 - أبو رافع مولي رسول الله 37 - هاشم بن عتبة 38 - عثمان بن حنيف 39 - سهل بن حنيف 40 - حكيم بن جبلة العبدي 41 - خالد بن سعيد بن العاص 42 - ابن الحصيب الأسلمي 43 - هند بن أبي هالة التميمي 44 - جعدة بن هبيرة 45 - حجر بن عدي الكندي 46 - عمرو بن الحمق الخزاعي 47 - جابر بن عبد الله الأنصاري 48 - محمد بن الخليفة أبي بكر 49 - أبان بن سعيد بن العاص 50 - زيد بن صوحان العبدي. [ صفحه 147] هؤلاء خمسون صحابيا من الطبقة الأولي للشيعة، فمن أراد التفصيل والوقوف علي حياتهم وتشيعهم فليرجع إلي الكتب المؤلفة في الرجال ولكن ببصيرة نافذة. وأما الذين لم يأخذوا به فهؤلاء هم الذين خالفوا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في غير واحد من المواقف. فقد خالفوه في المواقف التالية: 1 - في الأنفال والأسري في غزوة بدر. 2 - في أحد حيث أعرضوا عن امتثال أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الوقوف في المضيق. 3 - في صلح الحديبية حيث نسبوا صلحه إلي الدنية في الدين. 4 - في تجهيز جيش أسامة حيث لم يخرجوا معه وقاموا في معسكر المدينة حتي أتي قبض النبي صلي الله عليه وآله وسلم فرجعوا إلي البلدة وفعلوا ما فعلوا. 5 - في إحضار القلم والدواة في أخريات عمره الشريف. 6 - زيادتهم في الأذان التثويب (أي الصلاة خير من النوم) حسب ما يرويه الإمام مالك في موطئه. 7 - حذف (حي علي خير العمل) من فصول الأذان. 8 - الحيلولة بين فاطمة وميراثها. 9 - النهي عن متعة الحج. 10 - إسقاط أسهم ذوي القربي من الخمس بعد وفاة الرسول. تلك عشرة كاملة خالف فيها بعض الصحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكم لها من نظير. والعجب أن الكاتب ومن لف لفه ألبسوا الصحابة ثوب العصمة فصار صمتهم وسكوتهم حجة إلهية فضلا عن قولهم وكلامهم وفيهم المنافقون المندسون غير المعروفين حتي لدي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 148] قال سبحانه: - (ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) - [156] . إنه لا يرضي من الشيعة القول بعصمة اثني عشر إماما، ولكنه ومن لف لفه يرون أن الصحابة معصومون ولا يذكرون لهم أي ذنب ولا خطأ. إنهم ينسبون في تواريخهم وتفاسيرهم أمورا إلي الأنبياء من الخطأ والعصيان بارتياح وبلا تحرج فلاحظ كتب التفسير والتاريخ فإنها مليئة بنسبة الخطايا والذنوب إلي يوسف وداود وسليمان وغيرهم. وعند ما يذكر أحد شيئا في حق الصحابة مما يعاب به عليهم، ثارت ثائرتهم وما هذا إلا لأن الصحابة بمنزلة الساتر الأول لهم ومنهم أخذوا دينهم، فإذا دب الجرح إليهم انهار دينهم وفقههم، ولأجل صونهم عن أي ذنب وخطأ، حرموا أي كلام حولهم واتفقوا علي عدالتهم المساوية لعصمتهم. 24. يقول: " لو كانت الإمامة حددت في علي وأولاده كما يزعمون لعين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ابنه الحسن رضي الله عنه خليفة للمسلمين من بعده ".

مناقشتنا

إن ما ذكره تجاهل للواقع أو غفلة عن حقيقة الحال أو ناشئ عن قلة التتبع. فقد تضافر النص من علي عليه السلام علي وصيه وإمام المسلمين من بعده. وهو الحسن بن علي عليه السلام فمن أراد الوقوف علي النص فليرجع إلي مظانه [157] . [ صفحه 149] وأما ما نسب إلي علي من أنه سئل عمن يستخلفه من بعده، فقال: ولكن أترككم إلي ما ترككم إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: فهو موضوع علي لسانه. فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يترك الأمة سدي وهو الذي يأمر الأمة أن لا يموت واحد منهم بلا وصية فكيف يموت هو صلي الله عليه وآله وسلم بلا وصية؟ وقد كانت سيرة الخلفاء علي الايصاء فقد أوصي أبو بكر إلي عمر بن الخطاب كما أن عمر بن الخطاب لم يترك الناس علي أن يختاروا لأنفسهم خليفة باختيارهم فقام بتشكيل شوري سداسية أشبه بلعبة سياسية منتهية إلي خلافة من كان يهوي خلافته. وهذه هي السيدة عائشة حينما ضرب عمر في بطنه وأشرف علي الموت قالت لعبد الله بن عمر: " أبلغ أباك سلامي وقل له لا تدع أمة محمد بلا راع استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا " [158] . وهذا هو معاوية بن أبي سفيان قد أخذ البيعة لابنه يزيد في حياته بترغيب وإرهاب. فلو كانت السنة الموروثة في الخلافة هي ترك الايصاء فلماذا خالفها الخلفاء حيث لم يتركوا الأمة سدي ونصبوا قائدا لها بأشكال مختلفة؟ أو ليس الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هو الأسوة كما قال سبحانه: - (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) - [159] ؟ وكل ذلك يشهد علي أن الرواية موضوعة علي لسان علي عليه السلام الذي لم يكن يتخلف عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قيد شعرة. [ صفحه 150] 25. يقول: " بعدما بويع الحسن بالخلافة وتنازل لمعاوية عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين مما يسقط دعاوي القوم في بطلان ولاية أي إمام غير الاثني عشر ".

مناقشتنا

إن الإمام الحسن عليه السلام لم يتنازل عن الخلافة إلا بعد أن أتم الحجة وأرسل كتائبه إلي ميادين الحرب فلما لم يجد في جيشه من يناصره وكادت الحرب تنتهي إلي إهراق دماء الصلحاء من شيعة علي عليه السلام بلا جدوي. إضافة إلي ما وصله من أخبار تهيؤ الروم للوثوب علي بلاد الإسلام وعزمهم علي سحق المسلمين بلا فرق بين أموي وعلوي فلم يكن أمامه عليه السلام مناص إلا التنازل عن الخلافة لحفظ كيان الإسلام. كما تنازل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن كتابة " رسول الله " بعد اسمه الشريف في صلح الحديبية [160] فلم يكن التنازل حجة علي أنه ليس برسول الله. 26. يقول: " ويعتقدون برجعة الإمام المهدي المنتظر قبل القيامة ".

مناقشتنا

إن مسألة المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) مسألة إسلامية لا تختص بطائفة دون طائفة فقد أطبقت الأمة علي ظهور المهدي في آخر الزمان وليس حديث الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) حديث رواية واحدة أو اثنتين بل روايات متواترة ملأت الصحاح والمسانيد ومن أراد فليرجع إلي الكتب المؤلفة في هذا الصدد ولكن الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) عند الشيعة حي يرزق وليس له رجوع وإنما له ظهور بعد الغيبة [ صفحه 151] الكبري. فليرجع الكاتب إلي الكتب التالية: 1 - " البيان في أخبار صاحب الزمان " للكنجي الشافعي. 2 - " البرهان في علامات المهدي آخر الزمان "، لملا علي المتقي صاحب كنز العمال. 3 - " العرف الوردي في أخبار المهدي " للحافظ السيوطي. 4 - " القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " لابن حجر. 5 - " عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر " للشيخ جمال الدين الدمشقي. 6 - وأخيرا " بين يدي الساعة " للدكتور عبد الباقي إلي غير ذلك من المؤلفات. 27. ويقول: " ويقول بعض غلاتهم برجوع الأئمة الاثني عشر إلي الدنيا بعد أن يكون المهدي قد سبقهم إليها ".

مناقشتنا

القول بالرجعة عقيدة معروفة عند الشيعة ويعنون برجوع الأئمة عليهم السلام أحد الأمرين إما رجوع دولتهم لا أنفسهم كما عليه جماعة من أعلامهم كالسيد المرتضي وغيره، أو رجوع أعيانهم وليس فيه أي بعد وعجب فإنه سبحانه أحيي أناسا من الأمم السالفة. يقول سبحانه: - (أو كالذي مر علي قرية وهي خاوية علي عروشها قال أني يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه...) - [161] . [ صفحه 152] وقد أحيي أصحاب الكهف بعد أن أنامهم نومة شبه الموت مئات السنين. يقول سبحانه: - (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم...) - [162] . إلي أن قال سبحانه: - (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) - [163] . ومن أنكر إمكان الرجعة فقد أنكر قدرة الله، وأما الوقوع فإن كانت الروايات متواترة نأخذ بها في مجال العقيدة وإلا فروايات الآحاد لا تفيد في مجالها ولا يؤخذ بها. 28. يقول: " وأول من قال بفكرة الرجعة ودعا إليها عبد الله بن سبأ اليهودي فأخذ يقول برجعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مثل عيسي واستشهد بقول الله تعالي: - (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد) - ". [164] .

مناقشتنا

إن من المؤسف جدا أن ينسب فكرة الرجعة إلي شخصية أسطورية لم يثبت أي وجود لها بالوصف المذكور في التاريخ حيث إنه يوصف فيه أنه بتجوله في البلاد استطاع أن يقلب وضع المسلمين رأسا علي عقب ويثيرهم ضد الخليفة عثمان بن عفان و...، أن ذلك مما لا يقبله العقل السليم، ولا سيرة المسلمين أيام الخلفاء. لم يكن ابن سبأ المزعوم بأعز من أبي ذر - ذلك الصحابي العظيم - عند عثمان فقد نفاه إلي الربذة فمات هناك وحيدا فلم لم يقم به الخليفة في حق عدوه المزعوم حتي أفسد الجو وأثار الفتنة وانتهي الأمر إلي قتله في عقر داره كل ذلك [ صفحه 153] يؤكد أن ما ذكر له من الصفات مما صنعته يد الوضع ضد الشيعة، وأن للمقال صلة موكولة إلي محلها. إن أول من قال بالرجعة هو الذكر الحكيم. يقول سبحانه: - (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) - [165] . والآية لا علاقة لها بيوم القيامة فإن الحشر هناك يتعلق بالجميع لا بالبعض علي خلاف ما ورد في هذه الآية. قال سبحانه: - (ويوم نسير الجبال وتري الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) - [166] . ثم إن من أنكر موت الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وقال إنه سيرجع ويقطع أيدي القائلين بموته هو عمر بن الخطاب. فهذا ابن سعد يقول: " لما توفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بكي الناس فقام عمر بن الخطاب في المسجد خطيبا فقال: لا أسمعن أحدا يقول: إن محمدا مات ولكنه أرسل إليه كما أرسل إلي موسي بن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة. والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات ". فقال العباس: ادفنوا صاحبكم، أيميت أحدكم ميتة واحدة ويميته إماتتين؟ وقد كان عمر بن الخطاب مصرا علي أنه سيرجع حتي خطب أبو بكر فأمره بالسكوت فحمد الله وأثني عليه ثم قرأ: - (إنك ميت وإنهم ميتون) - [167] إلي آخر ماذكر [168] . وقد ذكر ذلك ابن هشام في السيرة النبوية أيضا. [ صفحه 154] 29. يقول: " إن البابية فرقة دينية نشأت في إيران منشعبة عن الاثني عشرية أبان القرن الثالث عشر والميرزا حسن بهاء الله مؤسس البهائية وهي صورة متطورة من البابية اختلفت عنها في أهدافها وأساليبها ".

مناقشتنا

لم أزل أتعجب من الكاتب كيف ينسب البابية والبهائية إلي الشيعة الاثني عشرية!! وليست البابية والبهائية إلا حزبين سياسيين أضفي عليهما طابع الدين أسسهما الاستعمار الغربي لإيجاد الفوضي الدينية في الأوساط الشيعية كالحركة القاديانية في الأوساط السنية. البهائية - بدد الله شملهم - ينكرون الخاتمية ويدعون النبوة بل الألوهية لزعيمهم حسين علي البهائي وقد ألف علماء الشيعة ردودا عليهم وأقصوهم عن مجامع المسلمين ومجالسهم أفهل يصح لنا أن ننسب إلي السنة، المذهب القادياني وهو في حركته كحركة البابية والبهائية، غير أنهما حدثا في إيران بين الشيعة، والقاديانية حدثت في الهند بين السنة. 30. يقول: " ويستبيح الاثنا عشرية سب بعض الصحابة وأزواج الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وبخاصة السيدة حفصة والسيدة عائشة - رضي الله عنهما -... ".

مناقشتنا

إنه من المستحيل أن يحب الإنسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفي الوقت نفسه يبغض من ضحي بنفسه ونفيسه في طريق رسالته، والانسان العاقل لا يمكنه أن يجمع في قلبه حالتين متضادتين. والذي دعا أهل السنة إلي اتهام الشيعة بالسب هو اعتقادهم بعدالة الصحابة [ صفحه 155] كلهم من أولهم إلي آخرهم، والشيعة الاثنا عشرية لا تعترف بذلك، بل أن الصحابة والتابعين وغيرهم من تابعي التابعين عندهم في صف واحد ولا تري أي ملازمة بين كون الرجل صحابيا رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وبين كونه رجلا مثاليا يكون القدوة والأسوة للمسلمين إلي يوم القيامة. بل تعتقد أن مصير الصحابة كمصير الآخرين فيهم الصالح والتقي والمخلص، وفيهم الطالح والمنافق ويدل علي ذلك أمور كثيرة نذكر منها ما يلي: 1 - إن المنافقين كانوا مندسين بين الصحابة وحتي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن يعلم بهم. قال سبحانه: - (ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) - [169] ومع ذلك كيف يصح أخذ الدين والحكم الشرعي عن كل صحابي بمجرد أنه رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع أنه من المحتمل أن يكون منافقا فلأجل ذلك يجب التمحيص والتفريق بين من ثبت إسلامه وإيمانه ومن ثبت نفاقه كعبد الله بن أبي، والاجتناب عمن لم يعرف بأحد الأمرين: الإيمان والنفاق. 2 - إنه سبحانه يقول: - (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) - [170] فنسأل: من هذا الفاسق الذي جاء بخبر كاذب في عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم فهل كان واحدا من الصحابة أم كان من غيرهم؟ إننا إذا راجعنا أسباب النزول نري أن الروايات متفقة علي أن المراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة الصحابي الذي كان عاملا للخليفة عثمان في الكوفة وقد ألقي إليه زمام المسلمين من قبل الخليفة هناك. ومن أراد أن يقف علي رأي الشيعة في الصحابة فعليه بما يقوله إمام المسلمين علي عليه السلام في حقهم، يقول: " أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا علي [ صفحه 156] الحق. أين عمار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا علي المنية وأبرد برؤوسهم إلي الفجرة. أوه علي إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض وأقاموه، أحيوا السنة وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتبعوه " [171] . وهذا هو علي بن الحسين عليهما السلام وهو الإمام الرابع للشيعة يذكر في بعض الأدعية صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويقول: اللهم وأصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه، وأسرعوا إلي وفادته، وسابقوا إلي دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته الخ " [172] . أفهل يمكن بعد كل هذه التصريحات أن ينسب سب بعض الصحابة إلي عقائد الشيعة؟ نعم إذا كان للشيعة كلام حول بعض الصحابة فإنما يذكرون أعمالهم ويصفون أفعالهم حسب ما ورد في القرآن والسنة مثلا السيدة عائشة مع ما لها من المكانة بين المسلمين ولكنهم لا يمنعهم ذلك عن الحكم بخطئها في خروجها علي علي عليه السلام لأنها كانت مأمورة بلزوم بيتها. يقول سبحانه: - (... وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي...) - [173] فما للنساء وقيادة الجيش الجرار ضد من أصفقت الأمة علي خلافته وإمامته وبايعه وجوه الصحابة من الأنصار والمهاجرين إلا من شذ من الذين لا يعبأ بهم أمام غالبية المسلمين. [ صفحه 157] فتحليل حياة السيدة عائشة علي ضوء الكتاب والسنة والتاريخ الصحيح لا يعد سبا بل يعد فهما للتاريخ وتعرفا علي الصحابيات عن كثب. إن الذكر الحكيم قد تعرض إلي بعض أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقال في حقهما: - (إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) - [174] . فمن يضفي علي أمهات المؤمنين ثوب العصمة فعليه دراسة هذه الآية بإمعان بما لها من سبب للنزول. إن أول من روج سب الصحابة هو معاوية بن أبي سفيان. فقد أمر بسب أول المؤمنين إسلاما وإيمانا وأخا رسول الله عليا حتي سب علي صهوات المنابر بأمره قرابة ستين سنة ومع ذلك كله هو صحابي يدعي له كلما ذكر ب - رضي الله عنه -. فما هذا التناقض في حياة الصحابة يا تري؟! وتبرير أفعال السابين بالاجتهاد أشبه بالمهزلة، أفيصح الاجتهاد مع وجود الدليل القاطع؟ ما هذا الاجتهاد الذي يبيح إراقة دماء آلاف من المسلمين في حروب الناكثين والقاسطين فما قيمة صحابي أو صحابية أثار أو أثارت فتنة قتل فيها الأبرار من الصحابة والتابعين. والنبي الأعظم أعرف من كل الناس بصحابته ومكانتهم من الأمانة والديانة فها هو يحدثنا عن حالاتهم يوم القيامة: روي أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " إني فرطكم [175] علي الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم [ صفحه 158] ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم... " قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم بهذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول، فقلت: نعم قال: وأنا أشهد علي أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول: " إنهم مني " فقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: " سحقا سحقا لمن بدل بعدي ". أخرجه البخاري ومسلم [176] . وظاهر الحديث أن المراد بقرينة " بدل بعدي " أصحابه الذين عاصروه وصحبوه وبقوا بعده مدة ثم مضوا. أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي - أو قال من أمتي - فيحلؤون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك أنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري [177] . ثم قال: وللبخاري: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " بينا أنا قائم علي الحوض إذا زمرة، حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم. فقلت: أين؟ فقال: إلي النار والله، فقلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة أخري، حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال لهم: هلم. فقلت إلي أين؟ قال: إلي النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا علي أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا همل النعم " [178] . وظاهر الحديث بقرينة " حتي إذا عرفتهم " وقوله: " ارتدوا علي أدبارهم القهقري " أن الذين أدركوا عصره وكانوا معه هم الذين يرتدون بعده. [ صفحه 159] 31. يقول: " يؤمن جمهور الاثني عشرية بالمصحف الذي بين يدي المسلمين ويعتقد بعض غلاتهم أن الإمام عليا كرم الله وجهه والسيدة فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - كان لهما مصحف يخالف هذا المصحف المتواتر بين المسلمين... ".

مناقشتنا

إن جمهور الشيعة الإمامية يعتقدون بصيانة القرآن عن التحريف كما اعترف به الكاتب وأما ما نسب إلي بعضهم فقد أخطأ فيه من وجهين: ألف - إن القرآن الذي قام علي بجمعه هو نفس ذلك القرآن ولكن يختلف معه في ترتيب السور فقد جمع الإمام الذكر الحكيم حسب تاريخ النزول وهذا أمر مشهور بين المفسرين. ب - وأما المصحف المنسوب إلي السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فلا يراد به القرآن بل المصحف بمعني الكتاب وهو ما حدثتها به الملائكة من الحوادث المستقبلية وكتبه علي عن لسانها. فالمصحف بمعني القرآن مصطلح متأخر وهو في عصر النزول بمعني مطلق الكتاب، يقول سبحانه: - (وإذا الصحف نشرت) - [179] والإمام الصادق عليه السلام يصف مصحف فاطمة ويقول: " والله ما فيه من قرآنكم حرفواحد " [180] . ونحن بدورنا نتقدم بالشكر إلي الكاتب لأنه لم ينسب التحريف إلي جمهور الإمامية كما فعله بعض المغفلين من الكتاب الجدد، ولكن يجب إضافة هذه النكتة أنه ليس كل من قال بالتحريف فهو غال وإنما هو مخطئ في تلك [ صفحه 160] الفكرة التي تضاد الذكر الحكيم حيث تكفل الله تعالي بحفظ القرآن، وقال: - (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) - [181] . فليس القول بالتحريف ملازما للغلو هذا هو الإمام البخاري ينقل عن عمر بن الخطاب سقوط آية الرجم من القرآن الكريم [182] وقد روي أن السيدة عائشة تقول: إن سورة الأحزاب كانت مائتي آية [183] . ولما كانت هذه الروايات تمس كرامة القائلين بالتحريف راحوا يؤولونها بأنها من باب نسخ التلاوة. فإذا كان هذا التأويل صحيحا فليكن صحيحا في ما يقوله بعض الشواذ من الشيعة. 32. يقول: " ويقصدون بالتقية أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن... فالشيعي يتصرف بين خصومه كما لو كان يدين بعقيدتهم. وقد بدأوا العمل بهذا المبدأ منذ القرن الرابع الهجري، وقد يصل العمل بهذه التقية إلي حد استباحة الكذب والنفاق... ومع هذا فإنهم ينسبونها إلي أئمتهم بل يرفعونها إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فيما زعموا، مع أنه صلي الله عليه وآله وسلم - وأبناءه من علماء أهل البيت - كانوا أبعد الناس عن التقية وكانوا من الشجاعة والإقدام بحيث يتحملون المشاق الناجمة عن مواقفهم وآرائهم بلا خوف أو تردد ".

مناقشتنا

إن الكاتب خلط بين النفاق والتقية، والنفاق إظهار الإيمان وإبطان الكفر، [ صفحه 161] والتقية علي خلافه فهي عبارة عن إظهار الكفر وإبطان الإيمان. وشتان ما بينهما. إن التقية سلاح الضعيف في مقابل القوي الغاشم. سلاح من يبتلي بمن لا يحترم دمه وعرضه وماله، لا لشئ إلا لأنه لا يتفق معه في بعض المبادئ والأفكار. إنما يمارس التقية من يعيش في بيئة صودرت فيها الحرية في القول والعمل والرأي والعقيدة فلا ينجو المخالف إلا بالصمت والسكوت مرغما أو بالتظاهر بما يوافق هوي السلطة وأفكارها وربما يتظاهر بموافقة السلطة لأجل أن ينجي مؤمنا كما كان عليه مؤمن آل فرعون. فإذا كان هذا مفهوم التقية وعللها فهو مما يبرره ويمضيه الشرع في غير واحد من آياته. قال سبحانه: - (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) - [184] . وقال سبحانه: - (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) - [185] . وقد فسرت الآيتان بالتقية: قال جمال الدين القاسمي: " استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف، وقد نقل الإجماع علي جوازها عند ذلك الإمام مرتضي اليماني في كتابه إيثار الحق علي الخلق " [186] . ومورد الآيات وإن كان هو التقية في مقابل الكافر ولكن العلماء فهموا المعني العام حتي في مقابل المسلم الظالم. [ صفحه 162] قال الرازي ناقلا عن الإمام الشافعي: " إن الحالة بين المسلمين، إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلت التقية محاماة عن النفس " [187] . إن الشيعة والسنة يتقون الكفار لصيانة النفس والنفيس غير أن الشيعي ربما يتقي أخاه المسلم لا لتقصير أو قصور في الشيعي بل لخوفه بطش أخيه الذي دفعه إلي ذلك لأنه يدرك أن الفتك والقتل مصيره إذا ما صرح بمعتقده الذي هو موافق عنده للدليل والبرهان. إن الشيعي يتحاشي أن يقول: إن الله ليس له جهة، ولا يري يوم القيامة وأن المرجعية العلمية والسياسية لأهل البيت بعد رحيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأن حكم المتعة غير منسوخ وذلك لأنه إذا صرح بمعتقده فقد عرض نفسه ونفيسه للمهالك والمخاطر. قال جمال الدين القاسمي: " وزاد الحق غموضا وخفاء، خوف العارفين مع قلتهم من علماء السوء وسلاطين الجور، وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام. وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق وما برح المحق عدوا لأكثر الخلق وقد صح عن أبي هريرة، أنه قال: في ذلك العصر الأول: حفظت من رسول الله وعائين أما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم " [188] . ومن وقف علي الظروف العصيبة التي مرت بها الشيعة وجد المبرر الكافي لأعمالهم التقية صيانة لوجودهم وكيانهم فلو كان في التقية غضاضة فهي تتوجه علي من حمل الشيعة علي التقية. [ صفحه 163] 33. يقول: " يقول بعض الغلاة بأن الله سبحانه يبدو له أحيانا غير الذي أراده فيرجع عن إرادته الأولي إلي الذي بدا له... ولكن الاثني عشرية وإن قالوا بالبداء فهم يفسرونه بمثل ما قال به أهل السنة من قضاء مبرم وقضاء معلق ".

مناقشتنا

إن مسألة البداء من المسائل التي كان يتحامل بها علي الشيعة، وذلك لأن أهل السنة يزعمون أن الشيعة يقولون بمقالة الغلاة (لو صحت النسبة إليهم) ولأجل ذلك تري أن علماءهم يتحاملون علي الشيعة في كتبهم الكلامية والتفسيرية بالبداء، ونحن نشكر الكاتب حيث خطي خطوة مباركة بتفسيره البداء تفسيرا صحيحا. وقد ورد البداء بهذا المعني في كتب أهل السنة حتي في صحيح البخاري في حديث الأبرص والأقرع والأعمي حيث ينقل عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، أنه قال: " بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا الخ " [189] . وواقع البداء هو عبارة عن تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة. وهو من ضروريات الإسلام والذكر الحكيم. قال سبحانه: - (ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) - [190] . فالقول بالبداء علي طرف النقيض مما يزعم به اليهود قائلين: - (يد الله مغلولة غلت أيديهم) - [191] كما أن الكاتب أمعن النظر ووصل إلي ألحق في قضية [ صفحه 164] البداء، فالمرجو أن يمعن النظر فيما نقدمه إليه في هذا الكراس لكي يري أن وجهات نظرنا معه في أكثر مواضيع العقيدة والأحكام متقاربة. 34. ويقول في حق زواج المتعة: " هو الزواج لمدة محدودة وكان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد أباحه في بدء البعثة ثم حرمه تحريما مؤبدا بعد ذلك وثبت ذلك عنه كما حرمه الإمام علي بن أبي طالب أيضا وعمل الإمام حجة ملزمة عند الشيعة ".

مناقشتنا

إن الكاتب لا يملك المعرفة التامة حول زواج المتعة واكتفي بقوله " الزواج لمدة محدودة " وواقعه: عبارة عن تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسها، إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدة أو غير ذلك من الموانع الشرعية بمهر مسمي إلي أجل مسمي بالموافقة والاتفاق. فإذا انتهي الأجل تبين الزوجة عنه من غير طلاق ويجب عليها مع الدخول بها - إذا لم تكن يائسة - أن تعتد عدة الطلاق إذا كانت ممن تحيض وإلا فبخمسة وأربعين يوما، وولد المتعة ذكرا كان أو أنثي يلحق بهما ويرثهما كما يرثانه حسب ما أوصانا الله سبحانه به في كتابه العزيز وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والأمهات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات. وقد اتفق المسلمون علي أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم شرع زواج المتعة بعد الهجرة حتي أن معظم المفسرين قالوا بنزول قوله سبحانه: - (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) - [192] في متعة النساء. [ صفحه 165] وإنما اختلفوا في نسخه وعدمه. فالشيعة الإمامية قالوا ببقائه علي حكمه، وأهل السنة ذهبوا إلي كونه منسوخا وهذه مسألة فقهية لا تمس إلي العقائد بصلة، وإنما أوردها الكاتب للإزدراء بالشيعة، لكنه غفل عن النكات التالية: ألف - أن تشريع المتعة دليل علي كمال الدين وتمام النعمة علي الأمة لأنه حل شرعي لأزمة جنسية تهدد دين الشباب والفتيات بالخطر. فلنفترض أن طالبا يدرس في الغرب وله من الشبق الجنسي ما لا يتركه ليلا ونهارا والذي يطلب غايته فأمامه طرق أربعة: 1 - أن يتزوج نكاحا دائما وأني له ذلك إذ ليس له من المال والإمكانيات ما تفي بذلك مضافا إلي أنه ربما لا يرغب الإقامة في ذلك البلد وإنما يريد الرجوع إلي وطنه والتزوج هناك من بنات بلده. 2 - أن يكبح جماح الشهوة وهو وإن كان أمرا حسنا وآية للتقوي لكنه لا يقوم به إلا الأمثل فالأمثل وليس كل طالب علي تلك الدرجة من العفاف. 3 - أن يتردد إلي بيوت الدعارة وهذا ما تمنعه منه كرامته وعزة نفسه ودينه. 4 - أن يتزوج نكاحا مؤقتا علي الشرائط المذكورة. إذ ليس هناك طريق خامس حتي يكون حلا للأزمة. أو لسنا نقول إن التشريع الإسلامي أغنانا عن كل تشريع بشري، فعندئذ نسأل ما هو الحل الإسلامي لهذه المشكلة؟ ولا شك أن الحل منحصر بما قام به التشريع الإلهي في قرآنه وسنته. ب - إن أهل السنة وإن كانوا ينكرون حلية المتعة بقاء ولكنهم يقولون بها بصورة أخري وقد أفتوا بصحة الزواج الدائم بنية الطلاق بعد مدة وهذا نفس المتعة مادة ومعني، وإن كان يختلف عنها صورة بل المتعة أفضل من هذا النوع من [ صفحه 166] الزواج. لأن فيه خداعا وتزويرا لا يوجد في المتعة. ج - والذي لا ينقضي منه عجبي أن الكاتب يقول " وكان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد أباحه في بدء البعثة "، مع أن أقوالهم تنفي ذلك. لأنهم يقولون: أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر. ما أحلت إلا في عمرة القضاء. كانت مباحة ونهي عنها في عام الفتح. أبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها. ثم إن سورة النساء مدنية وحكم المتعة جاء في تلك السورة فكيف يصح القول بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحلها في بدء البعثة؟ علي أن في بدء البعثة لم يكن هناك أي تشريع مدني حتي تصل النوبة إلي زواج المتعة. د - والعجب أيضا أنه يقول إن الإمام عليا عليه السلام حرمه مع أن المنقول عن الإمام عليه السلام أنه قال: " لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زني إلا شقي " وقد أخرجه الطبري بأسانيده [193] . نعم، أول من نهي عنه هو عمر بن الخطاب. روي مسلم في صحيحه عن ابن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة. وكان ابن الزبير ينهي عنها. فذكر ذلك لجابر فقال: علي يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلما قام عمر، قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة وأبتوا نكاح هذه النساء فلأن أوتي برجل نكح امرأة إلي أجل إلا رجمته بالحجارة " [194] . [ صفحه 167] وهناك نصوص أخري طوينا الكلام عن نقلها وكفاك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين. قال: " نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتي مات. قال رجل برأيه ما شاء " [195] . وقد تضافر النقل عن عمر، أنه قال: متعتان كانتا في زمن النبي حلالا وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما. 35 - يقول حول يوم عاشوراء: " يقوم عوام الشيعة بضرب ظهورهم بالسلاسل حتي يدموها، وضرب أجسادهم بالسيوف حتي يقطعوها حزنا علي استشهاد الحسين، وفقده، وتطهرا من مسؤولية خذلانه ".

مناقشتنا

كان علي الكاتب أن يشير إلي عظمة يوم عاشوراء وما كان عليه سيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا له علي الدنية. وقد عرض عليه الأمان، فأبي الذل واختار الموت علي ذلك. إن ثورة الحسين منذ تفجرها صارت أسوة وقدوة للمضطهدين علي وجه البسيطة والمعذبين تحت نير الطغاة، وللمعانين من حكومات الجور والعسف في الأوساط الإسلامية وانحراف الدول والحكومات عن خط العدل والاقتصاد. لقد لمس الثائرون أن ثورة الحسين كانت ثورة مبدئية إلهية، لأجل صيانة الدين عن التحريف والمجتمع عن الانحراف والاعتساف، فهذه الغاية دفعت [ صفحه 168] الإمام إلي الثورة والتضحية بشيخه وكهله وشابه وطفله الرضيع حتي يتبين عمق الثورة فلما كانت ثورة الحسين ثورة منهجية نابضة، فالشيعة بمواكبها ومظاهراتها يوم عاشوراء تريد أن يبقي المنهج حيا غضا مثمرا عبر القرون. نعم يجب أن تكون المواكب والمظاهرات موافقة للا صول والموازين الشرعية. وهذا ما أهاب به غير واحد من علمائنا. ولكن يا للأسف أن بعض الجهلة، أعداء أئمة أهل البيت، حملة النزعة الأموية، شنوا هجوما شنيعا علي المواكب الحسينية أسفر عنه قتل الأبرياء من محبي أئمة أهل البيت عليهم السلام وهؤلاء هم أعداء الرسول وآله وبما أنهم لا يتجرأون علي إظهار العداوة والبغضاء لصاحب الرسالة وأهل بيته لذا يوجهون سهام حقدهم إلي شيعتهم ومحبيهم. وهناك من يجد في نفسه الجرأة فيضيف إلي سب الشيعة وقتلهم، سب وقتل أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم من غير اكتراث وقد قتل بنوا أمية السبط الحسين عليه السلام تشفيا لغليل قلوبهم من قتل آبائهم الكافرين في بدر وأحد وها هو يزيد الكافر يتشدق بهذه الأبيات ويقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا لأهلوا واستهلوا فرحا جزع الخزرج من وقع الأسل ثم قالوا يا يزيد لا تشل 36. يقول حول الخمس: " يري الاثنا عشرية وجوب دفع الخمس من دخل كل اثني عشري في كل عام إلي مراجع المذهب... وهم يرون ذلك بديلا عن الزكاة، وفي بعض المجتمعات التي فرضت فيها الزكاة الشرعية بحكم القانون - كباكستان - رفض الاثنا عشرية دفعها للدولة بسبب دفعهم هذا الخمس إلي مراجعهم الدينية الخاصة ". [ صفحه 169]

مناقشتنا

الشيعة تعتقد بأن الغنيمة الواردة في قوله سبحانه: - (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شئ قدير) - [196] عامة لكل ما يفوز به الإنسان سواء كان في ساحة الحرب أو غيرها.قال الأزهري: " الغنم، الفوز بالشئ والاغتنام، انتهاز الغنم " [197] . قال الراغب: الغنم معروف والغنم إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدي وغيرهم. قال: - (واعلموا أنما غنمتم من شئ) -، - (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) - [198] المغنم: ما يغنم وجمعه مغانم. قال: - (فعند الله مغانم كثيرة) - [199] . إلي غير ذلك من النصوص لأهل اللغة المعربة عن كون المادة موضوعة لأوسع مما يفوز به الإنسان في ساحات الحروب، حتي أنه سبحانه يستعمله في المغانم الأخروية قال تعالي: - (فعند الله مغانم كثيرة) - وقد استعملت المادة في الحديث النبوي في المعني الأعم. روي ابن ماجة في سننه، أنه جاء عن رسول الله: " اللهم اجعلها (الزكاة) مغنما ولا تجعلها مغرما " [200] . ونزول الآية في الغنائم الحربية لا يكون مخصصا، ولأجل ذلك لا يختص الخمس عند أهل السنة بما يفوز به الإنسان في الحروب. [ صفحه 170] ففي مسند أحمد وسنن ابن ماجة، واللفظ للأول عن ابن عباس، قال:" قضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الركاز الخمس " [201] . وقد تضافر هذا الحديث في غير واحد من المجاميع الحديثية. وأما أرباح المكاسب فقد ذهبت الشيعة فيها إلي لزوم إخراج الخمس اقتداء بأئمة أهل البيت، وقد ورد إخراج الخمس فيها في روايات أهل السنة، وإليك بعض ما ورد: لما وفد عبد القيس إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قالوا: إن بيننا وبينك المشركين وإنا لا نصل إليك إلا في الأشهر الحرم فمرنا بجمل الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من ورائنا. فقال: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وهل تدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتؤتوا الخمس من المغنم " [202] . ومن المعلوم أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من أحيائهم في غير الأشهر الحرم خوفا من المشركين فيكون المراد أن يدفعوا خمس ما يفوزون به ويربحونه. وهناك روايات أخري تدل علي لزوم دفع خمس كل ما يفوز به الإنسان تركنا ذكرها للاختصار. فمن أراد التوسع فليرجع إلي كتابنا " الاعتصام بالكتاب والسنة " ص 100 - 105. فما ذنب الشيعة إذا عملت بروايات رواها إخوانهم أهل السنة، وتركهم [ صفحه 171] العمل بها لا يكون مبررا لترك غيرهم الذين قامت الحجة عندهم علي لزوم دفع الخمس. فما ذكره من أن الشيعة يرون الخمس بديلا عن الزكاة فهو كذب وافتراء وهذه مئات الكتب الفقهية التي جاء فيها الخمس تاليا للزكاة. وما نقله عن بعض المجتمعات - علي فرض الصحة - لا يكون دليلا علي أن منعهم يمت إلي المذهب بصلة، وما عللوا به من أنهم يدفعون الخمس إلي مراجعهم الدينية غطاء وواجهة للمنع. والسبب الواقعي للمنع عبارة عن أن للزكاة مصارف معينة عند الشيعة وهم يعلمون أن الحكومات لا تصرفها في مصارفها الواقعية لعدم التزام أصحاب السلطة بالعمل بالواقع غالبا. 37. يقول: " وقد أحدثت الاثنا عشرية في الصلاة أمورا منها " السجود علي التربة الحسينية " ذلك لأنهم يقدسون تراب مدينة كربلاء (النجف) التي استشهد فيها الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما فلا يكاد يخلو بيت من بيوت الشيعة من تلك التربة. ومن مظاهر تقديسهم لها أنهم يقومون بالسجود عليها وتقبيلها والتبرك بها، بل وأكل قليل منها للشفاء علي الرغم من أن الفقه الشيعي يحرم أكل التراب كما يصنعون من هذه التربة أشكالا مختلفة يحملونها في سفرهم ويسجدون عليها في صلواتهم التماسا للقبول والبركة ".

مناقشتنا

إنه سبحانه هو المسجود له والأرض وما ينبت منها عند الشيعة هو المسجود عليه، فيشترط في فقه الشيعة أن يكون المسجود عليه هو مطلق الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس، ولا تشترط في صحة الصلاة، السجود علي [ صفحه 172] التربة الحسينية أخذا بالمتضافر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " [203] . وليس المراد من الأرض كل ما يداس حتي يعم الفرش والسجاد بل المراد هو التراب والحصي والحجر وما أشبهها وذلك لأجل قوله صلي الله عليه وآله وسلم " وطهورا "، بمعني مطهرا من الحدث ومن المعلوم أنه لا يجوز التيمم إلا علي الصعيد الطيب. كما قال سبحانه: - (فتيمموا صعيدا طيبا) - [204] وهو الأرض لا كل ما يداس. وهناك روايات تدل علي أن السيرة في عصر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كانت جارية علي السجود علي التربة لا علي الثياب ولا علي الفرش. روي جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنت أصلي مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم الظهر فآخذ قبضة من الحصي فأجعلها في كفي ثم أحولها إلي الكف الأخري حتي تبرد ثم أضعها لجبيني حتي أسجد عليها من شدة الحر [205] . يقول البيهقي معلقا علي الحديث: قال الشيخ: ولو جاز السجود علي ثوب متصل به لكان أسهل من تبريد الحصي بالكف ووضعها للسجود. ونقول: لو جاز السجود علي مطلق غير الأرض سواء أكان متصلا أم منفصلا كالمناديل لما وصلت النوبة إلي تبريد الحصي. روي الحسن، قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده، فإذا برد، وضعه وسجد عليه [206] . وهناك روايات أخري تدل علي هذا الأمر. فعن خالد الجهني قال رأي النبي صهيبا يسجد كأنه يتقي التراب، فقال له: [ صفحه 173] ترب وجهك يا صهيب [207] . روت أم سلمة: رأي النبي غلاما لنا يقال له أفلح ينفخ إذا سجد، فقال: يا أفلح، ترب [208] . وهناك قسم ثالث من الروايات نري النبي صلي الله عليه وآله وسلم فيها يحسر العمامة عن جبهة المصلي لكي لا يسجد عليها. روي صالح بن حيوان السباعي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رأي رجلا يسجد بجنبه وقد اعتم علي جبهته. فحسر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن جبهته [209] . وما ذكرناه غيض من فيض. إن الشيعة لا يلتزمون بكون التربة التي يسجد عليها لا بد أن تكون من تربة كربلاء، بل يسوغون السجود علي التربة من أي مكان كانت. نعم يستحب أن يكون المسجود عليه من تربة كربلاء وذلك لأن تلك التربة عجنت بدم المجاهد الشهم أبي الشهداء الحسين بن علي عليه السلام الذي ضحي بنفسه ونفيسه من أجل كسر جبروت الطواغيت وإحياء الإسلام. وأما الالتزام باتخاذ تربة طاهرة طيبة في البيوت فسببه عدم تمكن المصلي من السجود في جميع الأمكنة علي الأرض الطيبة. لأن البيوت والمساجد مفروشة غالبا فلا مناص من اتخاذ أقراص ترابية طاهرة يتمكن من السجود عليها. وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها فقد روي: أن التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع المتوفي عام 62 كان [ صفحه 174] يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها. كما أخرجه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف، باب من كان حمل في السفينة شيئا يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها [210] . 38. ثم إن الكاتب ختم المقال بالنشاط السياسي الأخير للشيعة وانتهي كلامه إلي القول بولاية الفقيه بمفهومه السياسي ونقل عمن يزعم أن ولاية الفقيه ليست من مسلمات المذهب وأن الأقرب إلي موقف الأئمة هو تقديم وحدة الأمة علي مسائل الإمامة....

مناقشتنا

إن من مفاخر الشيعة الإمامية أنهم قاموا بتشكيل دولة إسلامية وسط أجواء سادها العداء السافر للدين وإعلان انتهاء عصر الحياة الدينية. فأثبتوا بعملهم هذا أن الإسلام دين صالح للماضي كما هو صالح للحال والمستقبل وأنه لم ينته عصر الدين وأن الجوهر الديني له جذور راسخة لا يقهر أمام تلك التيارات المادية. وأما مسألة ولاية الفقيه فالبحث عنها لا يناسب هذا الكراس وإجمال القول فيها: أن الحكومة الإسلامية حكومية إلهية منهجية لا يليق بإدارتها إلا الحاكم الإلهي العارف بالكتاب والسنة والواقف علي حاجات الأمة والقادر علي تطبيق الأحكام الشرعية علي الساحة الاجتماعية وليس هو إلا المجتهد العارف بالإسلام، المعبر عنه بالفقيه ويعبر عن صلاحيته الشرعية لإدارة شؤون المجتمع، بولاية الفقيه، وليس ذلك بدعا فإن هناك جماعة من أهل السنة يشترطون في الحاكم الاجتهاد والعرفان بالكتاب والسنة. [ صفحه 175] والعجب أن الكاتب زعم أن ولاية الفقيه تزاحم وحدة الأمة مع أن ولاية الفقيه سلطة في يد الفقيه يمكنه استخدامها في سبيل تأليف الأمة وجمع كلمتهم ولم شملهم، فها نحن نري أن قائد الجمهورية الإسلامية في إيران قام بتأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. والذي قام بإصدار مجلة تحت عنوان: " رسالة التقريب ". فهل كانت ولاية الفقيه مضادة لوحدة الأمة يا تري؟! هذا غيض من فيض وقليل من كثير ذكرناه لإيقاف الكاتب علي الهفوات والأخطاء الواضحة في كلامه وفيه عبرة لمن يأخذ بالقلم ويكتب عن الشيعة بلا مراجعة مصادرهم. هذه التعاليق الموجزة ربما تثير حفائظ من لا يحب وحدة الكلمة واتفاق الأمة لكنها تقع موقع القبول ممن يحب تقريب الخطي وتقارب المسلمين في الوقت الذي يئن المسجد الأقصي أولي القبلتين ومسري سيد الثقلين من وطأة الصهاينة. وفي نهاية المطاف نحن علي استعداد لإرسال مقال حول الفرقة الاثني عشرية يتضمن تاريخ نشوئها والأصول التي تتبناها، والفروع التي تدين بها، والخدمات التي قدمتها إلي الأمة وتبين مساهماتها في بناء الحضارة الإسلامية. والحمد لله علي ما هدانا. جعفر السبحاني قم - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام 10 صفر المظفر عام 1417 [ صفحه 177]

الدفاع عن الحقيقة

اشاره

الغاية من كتابة هذا المقال هو الدفاع عن حقيقة واضحة كتمها كاتب باسم جبرين في السعودية في جوابه علي سؤال شخص سأله عن حلية ذبائح الشيعة وطعامهم، فأجاب بما تقرأونه في رسالته المختصرة. ولما كانت الرسالة قاسية بمكان وبعيدة عن أدب الإسلام وروحه معربة عن جهله بأصول الإسلام وفروعه وما أطبق عليه أئمته في مجال الإسلام والإيمان، قمنا بتأليف هذه الرسالة، وبعثنا بها إلي السعودية، لتنشر هناك كي يقف المسلمون علي الخطط التي يحيكها الاستعمار بغية زرع بذور التفرقة في أوساطهم. لا يشك أي ذي مسكة إلي ضرورة توحيد الصفوف ورصها للحفاظ علي كيان الإسلام والمسلمين ومواجهة المؤامرات الخطيرة في الوقت الذي يتحالف فيه أعداء الإسلام، للقضاء علي الصحوة الإسلامية الصاعدة... من خلال إثارة النعرات الطائفية التي تهدف إلي شق العصا وتفريق الصفوف، والحيلولة دون تقارب طوائف المسلمين لتحقيق الوحدة المطلوبة التي يخشاها المستعمرون، ويرهبها أعداء الإسلام من الصهاينة والصلبيين الجدد. [ صفحه 178] نري أن رجلا يعد نفسه فقيها مفتيا يقوم بتكفير طائفة كبيرة من المسلمين. لهم جذور في التاريخ، وخدمات جليلة في الحضارة الإسلامية. ويجيب علي سؤال بعثه إليه رجل مجهول الاسم والهوية، وإليك السؤال والجواب:

السؤال

اشاره

يوجد في بلدتنا شخص رافضي يعمل قصاب [211] ، ويحضره أهل السنة كي يذبح ذبائحهم. وكذلك هناك بعض المطاعم تتعامل مع هذا الشخص الرافضي وغيره من الرافضة الذين يعملون في نفس المهنة.. فما حكم التعامل مع هذا الرافضي وأمثاله؟ وما حكم ذبحه وهل ذبيحته حلال أم حرام؟ أفتونا مأجورين، والله ولي التوفيق.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد فلا يحل ذبح الرافضي، ولا أكل ذبيحته فإن الرافضة غالبا مشركون، حيث يدعون علي بن أبي طالب دائما في الشدة والرخاء، حتي في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم مرارا. وهذا شرك أكبر، وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها كما هم يغالون في وصف علي - رضي الله عنه -، ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله، كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون حيث جعلوه ربا وخالقا ومتصرفا في الكون ويعلم الغيب ويملك الضر والنفع، ونحو ذلك كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم، ويزعمون أن الصحابة حرفوه، وحذفوا منه أشياء كثيرة متعلق بأهل البيت وأعدائهم. فلا يقتدون به ولا يرونه دليلا. [ صفحه 179] كما أنهم يطعنون في أكابر الصحابة كالخلفاء الثلاثة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين. فمشاهير الصحابة كأنس وجابر وأبي هريرة ونحوهم فلا يقبلون أحاديثهم لأنهم كفار في زعمهم، ولا يعملون بأحاديث الصحيحين إلا ما كان عن أهل البيت ويتعلقون بأحاديث مكذوبة ولا دليل فيها علي ما يقولون، ولكنهم مع ذلك يفتون فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك. ويقولون من لا تقية له فلا دين له فلا تقبل دعواهم في الآخرة و... الخ. فالنفاق عقيدة عندهم كفي الله شرهم وصلي الله علي محمد وآله وصحبه وسلم. جبرين 22 / 2 / 1412 هذا هو نص السؤال والجواب وقبل أن نخوض في الإجابة علي ما ساق من التهم علي الشيعة. ننبه علي أمور: 1 - السنة الرائجة في الإجابة علي الأسئلة الفقهية هو الاقتصار علي نفس الفتوي. وكان علي المفتي أن يقتصر علي تحريم الأكل من دون حاجة إلي التفصيل. وما جاء به يعرب عن أن هناك مؤامرة، وأن السؤال والجواب دبرا بليل. فالمقصود إيجاد القلق وإشاعة التهم ضد الشيعة سواء أصح السؤال أو لا، وهل كان هناك سائل أم لا؟. 2 - إن الكلمة التي يستخدمها العوام في التعبير عن هذه الطائفة هو لفظ الشيعة، وأما الرافضي وهي كلمة يستخدمها أصحاب المقالات وكتاب الملل [ صفحه 180] والنحل. فاستخدام كلمة الرافضي بدل كلمة الشيعة يرشدنا إلي أن السؤال كان مصطنعا ممن لهم ممارسة في تكفير الفرق. 3 - سواء أصحت تلك التهم أم لا فقد أسماهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بشيعة علي بن أبي طالب وقال: إن هذا - علي عليه السلام - وشيعته لهم الفائزون، وهم اختاروا لأنفسهم تلك الكلمة. فاستخدام الرافضي في هذا المجال من قبيل التنابز بالألقاب، وهو أمر محرم علي كل تقدير. 4 - إن المجيب يقول: فإن الرافضة غالبا مشركون، وهذا يدل علي أن فيهم موحدين، أوليس من واجب المفتي أن يسأل السائل عن القصاب الذي يذبح ذبائحهم هل هو من الغالب أو من غيرهم، فلا يحكم علي البرئ بحكم المجرم. ومن أدراه أن الذي يذبح هو من المشركين؟! كل ذلك يسوقنا إلي أن الهدف لم يكن إرشاد العوام ولا الإجابة علي السؤال وإنما كان الهدف إيجاد البلوي والشغب وضرب المسلمين بعضهم ببعض لتصفو المياه للمستعمرين. إذا وقفت علي ذلك فنرجع إلي الإجابة عن التهم الباطلة التي أجيب عنها عشرات المرات. ونحن نعلم أن خلافا دام قرونا لا يرتفع بهذه الرسالة وأمثالها. غير أنا نقوم بواجبنا الذي أدلي به الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في كلامه المشرق: " إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله " [212] وأي بدعة أفظع من تكفير أمة كبيرة تعد ربع المسلمين أو أكثر وليس لهم جريمة سوي حب أهل البيت الذين أمر الله سبحانه بمودتهم وسوي المشايعة للثقلين الذين أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهما؟!! [ صفحه 181]

وحدة الأمة أمنية النبي الكبري

إن وحدة الكلمة كانت أمنية النبي صلي الله عليه وآله وسلم العليا، فقد كان رسول الإسلام محمد ابن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلم يهدف دائما إلي توحيد المسلمين ويحافظ أبدا علي وحدة صفوفهم، ويسعي إلي إطفاء أية نائرة أو ثائرة تهدد هذه الوحدة. فيوم دخل شاب يهودي مجتمع الأوس والخزرج الذين جمعهم الإسلام بعد طول نزاع وتشاجر وتقاتل، وأخذ يذكرهم بما وقع بينهم في عهد الجاهلية، من قتال، فأحيي فيهم الحمية الجاهلية حتي استعدوا للنزاع والجدال، وكادت نيران الفتنة تثور من جديد بينهم بعد أن أشعلها ذلك اليهودي المت آمر، وتواثب رجلان من القبيلتين وتقاولا، وبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتي جاءهم، فقال: " يا معشر المسلمين! الله الله أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله بالإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم من الكفر،وألف بين قلوبكم " [213] . فإذا كانت هذه هي أهمية الوحدة في الأمة الإسلامية فما جزاء من يرفع عقيرته يريد تفريق صفوف المسلمين بفتوي ظالمة مخالفة لنصوص الكتاب العزيز والسنة المحمدية الشريفة؟ وهو بذلك لا يخدم إلا القوي الاستعمارية الكافرة المعادية للإسلام والمسلمين إذ لا ينتفع من هذه الفتوي المفرقة، غيرهم. ما جزاء هذا المتسمي باسم أهل العلم المتصدي لمقام الدعوة والإفتاء؟ ينبري في وقت أشد ما يكون فيه المسلمون إلي التآخي والتقارب ينجس ويكفر طائفة كبري من طوائف المسلمين. فيقول: " لا يحل ذبح الرافضي - ويقصد [ صفحه 182] به شيعة الإمام علي عليه السلام من أتباع الإسلام - ولا أكل ذبيحته، فإن الرافضة غالبا مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائما في الشدة والرخاء حتي في عرفات والطواف والسعي ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم مرارا وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها كما هم يغالون في وصف علي رضي الله عنه ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله كما سمعناهم في عرفات وهم بذلك مرتدون حيث جعلوه ربا وخالقا ومتصرفا في الكون "!! إن هذا الرجل يتطاول علي شيعة أهل البيت عليهم السلام ويذلقهم بلسان حاد ويتهمهم بالشرك والارتداد بينما هو يسكت ويخرس في قضية سلمان رشدي الذي تجرأ علي رسول الله وأمهات المؤمنين وأصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وتجاسر عليهم ومس كرامتهم، ونال من شرفهم، ولا يشير إلي ارتداد سلمان رشدي، وهو ينشر تلك الترهات والإساءات إلي المقدسات الإسلامية. وما هذا السكوت إلا لأن أسيادهم يرفضون تكفير رشدي، بينما يتكلفون خلق الشبهات الباطلة لإلصاقها بشيعة أهل البيت عليهم السلام وتكفيرهم ويغمضون عيونهم عن الحقائق الناصعة التي تحكي إيمانهم الصادق بالله ورسوله وكتابه وأحكامه وإنهم صفوة الله ورسوله وأهل بيته في رفع شأن هذا الدين وحمل هموم المسلمين والدفاع عنهم والعمل علي ترسيخ وحدتهم علي مر العصور والأزمان. كما أن الغاية من هذا التكفير هو التغطية علي جريمة السماح باستيطان اليهود والنصاري في أرض مكة والمدينة المقدسة، وبهذا أثبتوا صلتهم بالأجانب المستعمرين. أجل للتغطية علي هذا العار وتحريفا لأذهان ومشاعر الشعوب الإسلامية الجريحة بسبب تدنيس الأمريكان وحلفاؤهم أرض المقدسات مكة والمدينة، عمد المدعو عبد الله بن عبد الرحمان الجبرين إلي تكفير الشيعة ورميهم [ صفحه 183] بالشرك، ليخفي الحقيقة عن المسلمين غافلا عن أن الشعوب الإسلامية قد أصبحت اليوم واعية تميز بين الحق والباطل ولم تعد تخفي عليها حقيقة المدعو " جبرين " ونظرائه من مفرقي الصفوف الإسلامية، تحت غطاء الدفاع عن التوحيد. وإلا فما ذنب الشيعة إلا كونهم موالين لأئمة أهل البيت الذين " أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". كما فرض في الكتاب مودتهم وجعلها أجرا للرسالة المحمدية؟! ما ذنب الشيعة إلا كونهم أمة مقاومة للاستعمار البغيض رافضة لخططه الجهنمية، أمة مجاهدة امتزجت حياتهم بالجهاد والدفاع عن حياض الإسلام الحنيف... والنبي وآله الكرام. وهو رمز معاداة الكفر لهم.

ما هو ميزان التوحيد والشرك؟

لقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يكتفي في قبول الإسلام من الذين يريدون الانضواء تحت رايته بمجرد الشهادة بالوحدانية واستقبال القبلة والصلاة. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلي صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، له ما للمسلم وعليه ما علي المسلم " [214] وقال صلي الله عليه وآله وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " [215] . بهذا كان يكتفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لإطلاق وصف الإسلام علي الأشخاص [ صفحه 184] من دون أن ينبش في أعرافهم الاجتماعية وممارساتهم التقليدية، عند احترام شخصياتهم وتكريمهم. فما بال المدعو " جبرين " وأضرابه يكفرون بسهولة أمة كبيرة من الموحدين المؤمنين بالرسالة المحمدية، التابعين للعترة الطاهرة المجاهدين للكفار والمستعمرين؟ مع أنهم يشهدون بالوحدانية والرسالة والمعاد ويصلون ويصومون ويحجون ويزكون. وهل يحق لهم التكفير وقد نهاهم رسول الإسلام صلي الله عليه وآله وسلم عن ذلك في أكثر من حديث صحيح تنقله مصادر السنة والشيعة: " كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب، فمن كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلي الكفر أقرب ". " من قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفسا بشئ عذبه الله بما قتل "." إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله " [216] .

هل دعاء الصالحين عبادة لهم و شرك؟

يقول صاحب هذه الفتوي الظالمة الباطلة: إن الرافضة مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائما في الشدة والرخاء. إنه يتمسك بهذه الحجة (أي دعاء الأولياء الصالحين في الشدة والرخاء) لرمي الشيعة المسلمين المؤمنين بالكفر والشرك. وهو أكبر حججهم لتكفير عامة المسلمين وليس خصوص الشيعة وهو لا يدرك أن دعاء الأولياء يقع علي وجهين: الأول: دعاء الولي ونداؤه بما أنه عبد صالح تستجاب دعوته عند الله إذا طلب منه تعالي شيئا، وهو شئ أباحه القرآن بل أمر به إذ قال: - (ولو أنهم إذ ظلموا [ صفحه 185] أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) - [217] . عن يعقوب عليه السلام أنه لما طلب منه أبناؤه أن يدعو لهم ويستغفر لذنبهم قال: - (سوف أستغفر لكم) - وهو أمر جائز وجار في حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وحال مماته، إذ الموت لا يغير الموضوع كما أنه ليس دخيلا في مفهوم التوحيد والشرك، ما دام الداعي يؤمن بالله الواحد ويعتبره الرب الخالق والمدبر المستقل دون سواه. روي الطبراني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف: أن رجلا كان يختلف إلي عثمان بن عفان في حاجة له، فكأن عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلي ربي فتقضي لي حاجتي، فتذكر حاجتك ورح حتي أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتي باب عثمان بن عفان (رض) فجاء البواب حتي أخذ بيده فأدخله علي عثمان بن عفان (رض) فأجلسه معه علي الطنفسة، فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتي كان الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتي كلمته في. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكني شهدت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد أتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فتصبر، [ صفحه 186] فقال: يا رسول الله ليس لي قائد، فقد شق علي، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات ". قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتي دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط [218] . إن هذه الرواية ونظائرها تكشف عن أن الصحابة كانوا يدعون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويتوسلون به حتي بعد وفاته صلي الله عليه وآله وسلم من دون أن يعتبروا ذلك محرما بل ولا مكروها. الثاني: لا شك أن دعاء النبي أو الصالح ونداءهما والتوسل بهما باعتقاد أنه إله أو رب أو خالق أو مستقل في التأثير أو ملك للشفاعة والمغفرة شرك وكفر، ولكنه لا يقوم به أي مسلم في أقطار الأرض، بل ولا يخطر ببال أحد وهو يقرأ آيات الكتاب العزيز آناء الليل وأطراف النهار، ويتلو قوله سبحانه:- (هل من خالق غير الله) - [219] . - (أإله مع الله تعالي الله عما يشركون) - [220] . - (قل أغير الله أبغي ربا...) - [221] . - (قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله) - [222] . إن المسلمين لا يعتقدون في النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المطهرين: (فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام) إلا كونهم عبادا صالحين مقربين عند الله مستجابة [ صفحه 187] دعوتهم. ولا يعتقدون بغير ذلك من ربوبية أو إلوهية أو مالكية للشفاعة والمغفرة أبدا. ولكن القوم الذين عمدوا إلي تكفير الشيعة وغيرهم من المسلمين لم يفرقوا بين الدعاءين والندائين، فرموهما بسهم واحد. ثم يقول المدعو جبرين: " حيث جعلوه - أي عليا عليه السلام - ربا وخالقا ومتصرفا في الكون " ويا لها من كذبة وقحة، وفرية فاضحة، وتهمة للمسلمين الموحدين. فما الرب عند المسلمين شيعة وسنة، وما الخالق وما المتصرف الحقيقي في الكون إلا الله سبحانه دون سواه... وهذه كتبهم ومصنفاتهم في العقائد والحديث والتفسير، فهي طافحة بالاعتراف والإقرار بوحدانية الله تعالي في الذات والصفات والخالقية والتدبير والحاكمية والتشريع والطاعة، والعبودية والشفاعة والمغفرة. وكيف تري يحق لجبرين ونظرائه أن يكفروا المسلمين شيعة وسنة الذين يوحدون الله، بشئ لم يعتقدوا به ولم يقولوا به؟ ولو صح أن دعاء أحد يستلزم القول بألوهيته أو ربوبيته ويعد هذا الدعاء والنداء شركا وكفرا فكيف نادي ودعي إخوة يوسف، أخاهم يوسف وقالوا: - (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) - [223] ؟ ولم يعتبر القرآن هذا شركا. فهل النبي الأكرم محمد صلي الله عليه وآله وسلم أقل شأنا ودرجة من عزيز مصر يوسف الصديق عليه السلام؟! وأما كون النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم يختلف عن العزيز بأنه ميت فهو عذر تافه [ صفحه 188] وكلام باطل، إذ حياة النبي وأهل بيته الشهداء في سبيل الله في البرزخ أمر مسلم، كيف والقرآن الكريم يقول: - (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) - [224] وقال: - (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) - [225] . مع العلم أن الشهداء يأتون في المرتبة الثالثة في قوله تعالي: - (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) - [226] . لو كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ميتا فما معني قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عز وجل علي روحي حتي أرد عليه السلام " [227] ؟ وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " [228] . إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والأئمة الطاهرين من أهل بيته الذين يشاركونه في الطهر والقداسة لآية التطهير والمباهلة والمودة، والذين قتلوا في سبيل الله ودفاعا عن حياض الشريعة المحمدية المقدسة، متماثلون في الحياة بعد الموت، فكيف يكون نداؤهم ودعاؤهم دعاء للميت الذي لا يسمع؟

العلم بالغيب علي نوعين

ويقول جبرين في فتواه: " وجعلوه - يعني عليا - يعلم الغيب ". إن صاحب هذه الفتوي الباطلة جاهل حتي باللغة العربية والمصطلح [ صفحه 189] الديني، فإن العلم بالغيب في الكتاب العزيز هو العلم النابع من الذات (أي من ذات العالم) غير المكتسب من آخر وهذا يختص بالله الواحد الأحد، وإليه يشير قوله سبحانه: - (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) - [229] ، وأما الإخبار بالغيب بتعليم من الله فالكتاب العزيز والسنة الشريفة مليئان منه. فهذه سورة يوسف تخبرنا بأن يعقوب وابنه يوسف قد أخبرا عن حوادث مستقبلية كثيرة.. أي أخبرا بالغيب: 1 - لما أخبر يوسف والده بأنه رأي أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له، قال يعقوب عليه السلام: - (يا بني لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيكيدوا لك كيدا) - [230] وبذلك أخبر ضمنا عن مستقبله المشرق الذي لو عرف به إخوته لثارت عليه حفائظهم. 2 - لما أخبر صاحبا يوسف في السجن يوسف برؤياهما قال عليه السلام لمن أخبره بأنه يعصر خمرا: - (أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) - وقال للثاني - الذي قال إنه رأي يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه -: - (وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) - [231] . 3 - لما فصلت العير قال أبوهم " يعقوب ": - (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) - [232] . 4 - قال النبي عيسي عليه السلام لقومه في معرض بيان معاجزه وبيناته: [ صفحه 190] - (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) - [233] . أليست كل هذه إخبارات بالغيب، ومغيبات أنبأ بها الرسل؟ وإذا هي ثبتت لنبي جاز نسبتها إلي العترة الطاهرة لما لهم من المنزلة والمكانة العليا، وهل علي عليه السلام أقل شأنا من هارون عليه السلام وقد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم في شأنه: " يا علي أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي "؟ [234] الذي يعني أنه له ما للرسول إلا أنه ليس نبيا، لختم النبوة برسول الله محمد صلي الله عليه وآله وسلم. كيف لا، وعلي عليه السلام وارث علم رسول الله بإجماع الأمة الإسلامية، وهل علي عليه السلام أقل من كعب الأحبار الذي أخبر الخليفة الثاني بأنه سيموت بعد ثلاثة أيام وتحققت هذه النبوءة فعلا [235] . وهلا علم " جبرين " ما أخرجه قومه في أئمتهم من العلم بالغيب ففي مسند أحمد: أن عمر بن الخطاب أخبر بموته بسبب رؤيا رآها وكان بين رؤياه وبين يوم مصرعه أسبوع واحد [236] .

الشيعة و صيانة القرآن عن التحريف

ويقول جبرين في فتواه الجائرة علي شيعة أهل البيت: " كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم.. ". إن الشيعة أيها الشيخ لا يطعنون في القرآن ولا يقولون بوقوع التحريف فيه. [ صفحه 191] ولكن غيرهم قال بهذا، راجع تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: وكانت هذه السورة (أي سورة الأحزاب) تعدل سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم). ذكره أبو بكر الأنباري عن أبي بن كعب. ثم قال: وقد حدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد قال: حدثنا أبو عبيد القاسم ابن سلام قال: حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة، قالت: كانت سورة الأحزاب تعدل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مائتي آية، فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا علي ما هي الآن [237] . وروي أيضا عن أبي بن كعب قوله: " فوالذي يحلف به أبي بن كعب إنها كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم). وفي موطأ مالك قال عمر بن الخطاب: والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالي لكتبتها: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها " [238] . إذن فأين ذهبت هذه الآية؟! وجاء في صحيح البخاري ومسند أحمد: قال عمر بن الخطاب:... ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عنآبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) [239] . فهذا هو الخليفة يصرح بسقوط آية من القرآن الحكيم! [ صفحه 192] أما ما يقوله الشيعة حول القرآن الكريم فإليك طائفة من أقوال أبرز شخصياتهم القدامي والمتأخرين نذكرها علي سبيل المثال لا الحصر: 1 - قال الشيخ الصدوق (المتوفي 381 ه) في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة الإمامية: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالي علي نبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين وهو ما بأيدي الناس ليس بأكثر من ذلك.ثم قال: ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب [240] . 2 - قال الشريف المرتضي (المتوفي عام 436 ه): إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت علي نقله وحراسته، وبلغت إلي حد لم يبلغه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتي عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيرا ومنقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟ [241] 3 - وقال الشيخ الطوسي (المتوفي 460 ه): وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق بهذا الكتاب المقصود منه العلم بمعاني القرآن، لأن الزيادة مجمع علي بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا [242] . 4 - قال العلامة الحلي (المتوفي 726 ه) في أحد مؤلفاته: الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه (أي القرآن) وأنه لم يزد ولم ينقص ونعوذ بالله تعالي من [ صفحه 193] أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنه يوجب التطرق إلي معجزة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم المنقولة بالتواتر [243] . 5 - وقال السيد محسن الأمين العاملي (المتوفي عام 1371 ه): لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا أن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلا عن كلهم، بل كلهم متفقون علي عدم الزيادة ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون علي أنه لم ينقص منه، ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ علي الله ورسوله [244] . 6 - وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (المتوفي عام 1373 ه): إن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه صلي الله عليه وآله وسلم للإعجاز والتحدي ولتعليم الأحكام ولتمييز الحلال والحرام، وأنه لا نقص فيه ولا تحريفولا زيادة وعلي هذا إجماعهم (أي إجماع الشيعة الإمامية) [245] . 7 - وقال الإمام شرف الدين العاملي (المتوفي عام 1377 ه): كل من نسب إليهم تحريف القرآن فإنه مفتر ظالم لهم، لأن قداسة القرآن الحكيم من ضروريات الدين الإسلامي ومذهبهم الإمامي - إلي أن قال: - وتلك كتبهم في الحديث والفقه والأصول صريحة بما نقول: والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ولا تبديل لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكل حرف من حروفه متواتر فيكل جيل تواترا قطعيا إلي عهد الوحي والنبوة [246] . [ صفحه 194] 8 - وقال السيد الإمام الخميني قدس سره: إن الواقف علي عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة يقف علي بطلان تلك المزعمة. وما ورد فيه من أخبار - حسبما تمسكوا - إما ضعيف لا يصلح للاستدلال به أو مجعول تلوح عليه إمارات الجعل، أو غريب يقضي بالعجب، أما الصحيح منها فيرمي إلي مسألة التأويل والتفسير وأن التحريف إنما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته. وتفصيل ذلك يحتاج إلي تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون ويتلخص في أن الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفتين لا زيادة فيه ولا نقصان، وأن الاختلاف في القراءات أمر حادث ناشئ عن اختلاف في الاجتهادات من غير أن يمس جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين علي قلب سيد المرسلين [247] . 9 - وقال السيد الإمام الگلبايگاني قدس سره: الصحيح من مذهبنا أن كتاب الله الكريم الذي بأيدينا بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه من لدن عزيز حكيم، المجموع المرتب في زمانه (أي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعصره) بأمره بلا تحريف وتغيير وزيادة ونقصان والدليل علي ذلك تواتره بين المسلمين، كلا وبعضا، ترتيبا وقراءة... [248] 10 - وللسيد الإمام الخوئي قدس سره: بحث مفصل يؤكد فيه علي خلو القرآن الكريم من أية زيادة أو نقيصة في مقدمة تفسيره البيان [249] . هذه هي نماذج صريحة تعكس عقيدة الشيعة الإمامية منذ القديم وإلي الآن حول القرآن الكريم، وكلها تؤكد علي صيانة الكتاب العزيز من أية زيادة أو نقيصة [ صفحه 195] وخلوه من كل تغيير أو تبديل، فكيف يتهم " جبرين " الشيعة الإمامية بأنهم يطعنون في القرآن؟! وأما الروايات فهي مضافا إلي كونها ضعيفة شاذة، أو مجعولة موضوعة لا يأبه بها الشيعة الإمامية - لا تشكل عقيدة الشيعة الإمامية، إذ ليس كل ما في الروايات يعكس عقيدتهم، حتي يؤاخذون عليها، حتي لو افترضت صحة بعضها سندا - فكيف يؤاخذون عليها والحال أنها - كما قلناه - ليست بصحيحة. إن القرآن الكريم حسب عقيدة المسلمين سنة وشيعة الذي بأيدي الناس هو ما نزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في جميع خصوصياته الحاضرة. وكما لا يعبأ أعلام السنة بروايات التحريف الواردة في مصادرهم، كذلك لا يأبه علماء الشيعة أيضا بما ورد في بعض مصادرهم لضعفها وشذوذها، وظهور آثار الاختلاق عليها.

الصحابة من منظار القرآن والحديث

وأما قول " جبرين ": حول موقف الشيعة الإمامية من الصحابة ففيه مغالطة وتغطية للحق إذ لا تجد علي أديم الأرض مسلما يعتنق الإسلام ويحب النبي الأكرم، يبغض أصحاب النبي الأكرم بما أنهم أصحابه وأنصاره، بل الكل ينظر إليهم في هذا المجال بنظر التكريم والتبجيل، ومن أبغضهم أو سبهم بهذا المنظار، فهو كافر، أبعده الله. ولكن إذا صدر منهم فعل لا يوافق الكتاب والسنة فقام أحد بذكر فعله وتوصيف حاله حسب دلالة عمله وفعله عليه وقال: إنه صدرت منه المعصية، أو قتل نفسا بغير نفس، إلي غير ذلك من المحرمات والموبقات، فقد تبع القرآن الكريم والسنة والنبوية والسلف الصالح. [ صفحه 196] فحب الصحابي بما هو صحابي أمر، وتوصيف أعماله وأفعاله - إن خيرا فخير وإن شرا فشر - أمر آخر يهدف إلي الموضوعية في البحث، والقضاء والابتعاد عن العشوائية في الاعتقاد، " وجبرين " لا يفرق بين الأمرين ويضربهما بسهم واحد لغايات سياسية. إن صحبة الصحابة لم تكن بأكثر ولا أقوي من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنتهما من الله شيئا، قال سبحانه: - (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) - [250] . إن التشرف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازا وتأثيرا من التشرف بالزواج من النبي، وقد قال سبحانه في شأن أزواجه: - (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا) - [251] . وكما أنهم كانوا مختلفين في السن عند الانقياد للإسلام، كذلك كانوا مختلفين أيضا في مقدار الصحبة، فبعضهم صحب النبي صلي الله عليه وآله وسلم من بدء البعثة إلي لحظة الرحلة، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدركوا من الصحبة سنة أو شهرا أو أياما أو ساعات. فهل يصح أن نقول: إن صحبة ما قلعت ما في نفوسهم جميعا من جذور غير صالحة وملكات رديئة وكونت منهم شخصيات ممتازة أعلي وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح؟ إن تأثير الصحبة عند من يعتقد بعدالة الصحابة كلهم أشبه شئ بمادة كيمياوية تستعمل في تحويل عنصر كالنحاس إلي عنصر آخر كالذهب، فكأن [ صفحه 197] الصحبة قلبت كل مصاحب إلي إنسان مثالي يتحلي بالعدالة، وهذا مما يرده المنطق والبرهان السليم، وذلك لأن الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم لم يقم بتربية الناس وتعليمهم عن طريق الإعجاز - (فلو شاء لهداكم أجمعين) - [252] . بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلي الحق وصبهم في بوتقة الكمال مستعينا بالأساليب الطبيعية والإمكانات الموجودة كتلاوة القرآن الكريم، والنصيحة بكلماته النافذة، وسلوكه القويم وبعث رسله ودعاة دينه إلي الأقطار، ونحو ذلك. والدعوة القائمة علي هذا الأساس، يختلف أثرها في النفوس حسب اختلاف استعدادها وقابلياتها فلا يصح لنا أن نرمي الجميع بسهم واحد.

الصحابة في الذكر الحكيم

اشاره

نري أن الذكر الحكيم يصنف صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويمدحهم ضمن أصناف نأتي ببعضها:

السابقون الأولون

يصف الذكر الحكيم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان بأن الله رضي عنهم وهم رضوا عنه. قال عز من قائل: - (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) - [253] .

المبايعون تحت الشجرة

ويصف سبحانه الصحابة الذين بايعوا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة بنزول [ صفحه 198] السكينة عليهم قائلا في محكم كتابه: - (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) - [254] .

المهاجرون

وهؤلاء هم الذين يصفهم تعالي ذكره بقوله: - (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) - [255] .

اصحاب الفتح

وهؤلاء هم الذين وصفهم الله سبحانه وتعالي في آخر سورة الفتح بقوله: - (محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) - [256] .

الاصناف الأخري للصحابة

اشاره

فالناظر المخلص المتجرد عن كل رأي مسبق يجد في نفسه تكريما لهؤلاء الصحابة. غير أن الرأي الحاسم في عامة الصحابة يستوجب النظر إلي كل الآيات [ صفحه 199] القرآنية الواردة في حقهم، فعندئذ يتبين لنا أن هناك أصنافا أخري من الصحابة غير ما سبق ذكرها، تمنعنا من أن نضرب الكل بسهم واحد، ونصف الكل بالرضا والرضوان. وهذا الصنف من الآيات يدل بوضوح علي وجود مجموعات من الصحابة تضاد الأصناف السابقة في الخلقيات والملكات والسلوك والعمل، وهم:

المنافقون المعروفون

المنافقون المعروفون بالنفاق الذين نزلت في حقهم سورة " المنافقون " قال سبحانه: - (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون...) - إلي آخر السورة [257] . فهذه الآيات تعرب بوضوح عن وجود كتلة قوية من المنافقين بين الصحابة آنذاك، وكان لهم شأن ودور في المجتمع الإسلامي فنزلت سورة قرآنية كاملة في حقهم.

المنافقون المختفون

تدل بعض الآيات علي أنه كانت بين الأعراب القاطنين خارج المدينة ومن نفس أهل المدينة جماعة مردوا علي النفاق وكان النبي الأعظم لا يعرف بعضهم ومن تلك الآيات قوله سبحانه: - (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق [258] لا تعلمهم نحن نعلمهم) - [259] . [ صفحه 200] لقد بذل القرآن الكريم عناية خاصة بعصبة المنافقين وأعرب عن نواياهم وندد بهم في السور التالية: البقرة، آل عمران، المائدة، التوبة، العنكبوت، الأحزاب، محمد، الفتح، الحديد، المجادلة، الحشر، والمنافقون. وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن المنافقين كانوا جماعة هائلة في المجتمع الإسلامي بين معروف، عرف بسمة النفاق ووسمة الكذب، وغير معروف بذلك مقنع بقناع التظاهر بالإيمان والحب للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلو كان المنافقون جماعة قليلة غير مؤثرة لما رأيت هذه العناية البالغة في القرآن الكريم. وهناك ثلة من المحققين كتبوا حول النفاق والمنافقين رسائل وكتابات وقد قام بعضهم بإحصاء ما يرجع إليهم فبلغ مقدارا يقرب من عشر القرآن الكريم [260] ، وهذا يدل علي كثرة أصحاب النفاق وتأثيرهم يوم ذاك في المجتمع الإسلامي، وعلي ذلك لا يصح لنا الحكم بعدالة كل من صحب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مع غض النظر عن تلك العصابة، المتظاهرة بالنفاق والمختفية في أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

مرضي القلوب

وهذه المجموعة من الصحابة لم يكونوا من زمرة المنافقين بل كانوا يتلونهم في الروحيات والملكات مع ضعف في الإيمان والثقة بالله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، قال سبحانه بحقهم: - (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) - [261] . فأني لنا أن نصف مرضي القلوب الذين ينسبون خلف الوعد إلي الله سبحانه وإلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بالتقوي والعدالة؟ [ صفحه 201]

السماعون

تلك المجموعة كانت قلوبهم كالريشة في مهب الريح تميل إلي هؤلاء تارة وإلي أولئك أخري، وذلك بسبب ضعف إيمانهم وقد حذر الباري عز وجل المسلمين منهم حيث قال عز من قائل، واصفا إياهم بالسماعين لأهل الريب: - (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون - ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين - لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) - [262] وذيل الآية دليل علي كون السماعين من الظالمين لا من العدول.

خالطوا العمل الصالح بالسيئ

وهؤلاء هم الذين يقومون بالصلاح والفلاح تارة، والفساد والعبث أخري، فلأجل ذلك خلطوا عملا صالحا بعمل سئ، قال سبحانه: - (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) - [263] .

المشرفون علي الارتداد

إن بعض الآيات تدل علي أن مجموعة من الصحابة كانت قد أشرفت علي الارتداد يوم دارت عليهم الدوائر، وكانت الحرب بينهم وبين قريش طاحنة فأحسوا بالضعف، وقد أشرفوا علي الارتداد وقد عرفهم الحق سبحانه بقوله: - (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا [ صفحه 202] من الأمر من شئ قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا) - [264] .

الفاسق

إن القرآن الكريم يحث المؤمنين وفي مقدمتهم الصحابة، علي التحرز من خبر الفاسق حتي يتحقق التبين. فمن هذا الفاسق الذي أمر القرآن بالتحرز من خبره؟ إقرأ أنت ما ورد حول الآية من شأن النزول واحكم بما هو الحق، قال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) - [265] . فإن من المجمع عليه بين أهل العلم أنه نزل في حق الوليد بن عقبة بن أبي معيط وذكره المفسرون في تفسير الآية فلا نحتاج إلي ذكر المصادر. كما نزل في حقه قوله تعالي: - (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون) - [266] . نقل الطبري في تفسيره بإسناده أنه كان بين الوليد وعلي، كلام فقال الوليد: أنا أسلط منك لسانا، وأحد منك سنانا وأرد منك للكتيبة. فقال علي: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما: - (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) - [267] . وقد نظم الحديث حسان بن ثابت (شاعر عصر الرسالة) وقال: [ صفحه 203] أنزل الله والكتاب عزيز في علي وفي الوليد قرآنا فتبوأ الوليد إذ ذاك فسقا وعلي مبوء إيمانا سوف يدعي الوليد بعد قليل وعلي إلي الحساب عيانا فعلي يجزي بذاك جنانا ووليد يجزي بذاك هوانا [268] أفهل يمكن لباحث حر، التصديق بما ذكره ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر، وفي مقدمتهم أبو زرعة الرازي الذي هاجم المتفحصين المحققين في أحوال الصحابة واتهمهم بالزندقة؟

المسلمون غير المؤمنين

إن القرآن يعد جماعة من الأعراب الذين رأوا النبي صلي الله عليه وآله وسلم وشاهدوه وتكلموا معه، مسلمين غير مؤمنين وأنهم بعد لم يدخل الإيمان في قلوبهم، قال سبحانه: - (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم) - [269] . أفهل يصح عد عصابة غير مؤمنة من العدول الأتقياء؟!

المؤلفة قلوبهم

اتفق الفقهاء علي أن المؤلفة قلوبهم ممن تصرف عليهم الصدقات، قال سبحانه: - (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم [ صفحه 204] حكيم) - [270] . و " المؤلفة قلوبهم ": هم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام، يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم. وهناك أقوال أخر فيهم متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء [271] .

المولون أمام الكفار

إن التولي عن الجهاد والفرار منه، من الكبائر الموبقة التي ندد بها سبحانه بقوله: - (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار - ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) - [272] . إن التحذير من التولي والفرار من الزحف، والحث علي الصمود أمام العدو، لم يصدر من القرآن إلا بعد فرار مجموعة كبيرة من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في غزوة " أحد " و " حنين ". أ. ما الأول: فيكفيك قول ابن هشام في تفسير الآيات النازلة في أحد، قال: " ثم أنبهم بالفرار عن نبيهم وهم يدعون، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم فقال: - (إذ تصعدون ولا تلوون علي أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) - [273] . وأما الثاني: فقد قال ابن هشام فيه أيضا: فلما انهزم الناس ورأي من كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من [ صفحه 205] الضغن فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وصرخ جبلة بن حنبل: ألا بطل السحر اليوم... [274] . أفبعد هذا يصح أن يعد جميع الصحابة، بحجة أنهم رأوا نور النبوة، عدولا أتقياء؟ قال القرطبي في تفسيره: قد فر الناس يوم " أحد " وعفي الله عنهم وقال الله فيهم يوم حنين: - (ثم وليتم مدبرين) - ثم ذكر فرار عدة من أصحاب النبي من بعض السرايا [275] . هذه هي الأصناف العشرة من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ممن لا يمكن توصيفهم بالعدالة والتقوي، أتينا بها في هذه العجالة. ولكن نلفت نظر القارئ الكريم إلي الآيات الواردة في أوائل سورة البقرة وسورة النساء وغيرها من الآيات القرآنية فيري فيها أن الإيمان بعدالة الصحابة بأجمعهم خطأ في القول، وزلة في الرأي، يضاد نصوص الذكر الحكيم، ولم يكن الصحابة إلا كسائر الناس فيهم صالح تقي بلغ القمة في التقي والنزاهة، وفيهم طالح شقي سقط إلي هوة الشقاء والدناءة. ولكن الذي يميز الصحابة عن غيرهم أنهم رأوا نور النبوة وتشرفوا بصحبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وشاهدوا معجزاته في حلبة المباراة بأم أعينهم، ولأجل ذلك تحملوا مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام رسوله وأمام الأجيال المعاصرة لهم واللاحقة بهم، فإنهم ليسوا كسائر الناس، فزيغهم وميلهم عن الحق أشد ولا يعادل زيغ أكثر الناس وانحرافهم. وقد قال سبحانه في حق أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم: - (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) - [276] فإن انحرف هؤلاء فقد انحرفوا في حال شهدوا النور، ولمسوا الحقيقة، وشتان بينهم وبين غيرهم. [ صفحه 206]

الصحابة في السنة النبوية

ونذكر في المقام بعض ما ورد في مصادر أهل السنة أنفسهم حول بعض الصحابة. ففي صحيح البخاري: في تفسير سورة المائدة بسنده عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم... - إلي أن قال: - ويجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: - (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) - [277] فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم [278] . ورواه الترمذي في تفسير سورة الأنبياء أيضا. وجاء في موطأ مالك: عن أبي النضر أنه بلغه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: بلي ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي. فبكي أبو بكر ثم قال: أئنا لكائنون بعدك؟ [279] . وهل أتي الشيعة الإمامية بجديد إذا كانوا يفرقون في الحب والمودة بين جماعة وأخري، وقد أمر القرآن بذلك في أكثر من آية؟ ثم إن " جبرين " وأمثاله لماذا يغمضون عيونهم عن حقائق القرآن ولا يصارحون الناس بها فهم بدل اتخاذ مواقف شريفة يمليها الحق والإنصاف؟ يعمدون إلي تكفير طائفة كبري من طوائف المسلمين وهم الشيعة الإمامية [ صفحه 207] ويرونهم مستحقين للقتل والإبادة، ولا يوجه مثل هذه الفتوي ضد الصهاينة في فلسطين، والأمريكان الذين يدنسون أرض المقدسات؟ لماذا لا يحارب الفساد الأخلاقي والسياسي في مشرق الإسلام ومهجر الرسول، ولا يفكر في تسيب الشباب هناك وتسرب اللا دينية، والانحراف العقائدي إلي قلوبهم البريئة؟! لماذا تصدر هذه الفتوي في هذا الظرف الذي انهارت فيه الشيوعية، واعترف " غور باتشوف " بأن السبب الرئيسي وراء هذا المصير الذي آل إليه الاتحاد السوفيتي هو نسيان الله وتجاهل الفطرة التي فطر الناس عليها كما قال في خطاب الاستقالة مؤخرا؟! وهو الأمر الذي ذكره به الإمام الراحل الخميني في رسالته التاريخية إليه. لماذا في مثل هذا الظرف إلهام الذي يتوجه العالم إلي الإسلام ويتطلع المستضعفون إلي المسلمين، وهو أمر يفرض العمل الجاد لتوحيد صفوف المسلمين وإظهارهم في مظهر الأمة الواحدة القوية علي اختلاف مذاهبها ومسالكها التي تتمحور حول أصول الإيمان وتتفق فيها وإن اختلفت في بعض الاجتهادات الفرعية العلمية؟! أقول: لماذا ينبري مجلس الإفتاء السعودي متمثلا بالمدعو " جبرين " وبعض زملائه إلي شق عصا المسلمين وإثارة النعرات الطائفية، وعزل أكبر قطعة من جسم الأمة الإسلامية التي هي الآن صخرة صماء أمام تلاطم أمواج الكفر والاستكبار رافعة راية لا إله إلا الله، كلمة وعملا وظهرها ومتكأها هو الباري صاحب الكلمة، فأين يا تري موقفه أمام أعداء الإسلام اليوم وكيف سيواجه خالقه وقد أفرح بفعلته هذه قلوب المستكبرين والظلمة والمنافقين؟!! وهل أذنب الشيعة إذا هم اتبعوا وأحبوا من أمر القرآن باتباعهم ومحبتهم من [ صفحه 208] أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين فرض محبتهم ومودتهم بقوله: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) - [280] .

المطلوب مؤتمر للحوار العلمي الديني

نحن ندعو علماء الوهابية إلي حوار علمي صريح وبناء يحضره علماء المسلمين لمناقشة ما يعتقدونه، أولا، وما يرمون به المسلمين ويكفرونهم بسببه ثانيا، إنهاء لهذه المواقف المضرة بالمسلمين وقطعا لدابر الفتنة والاختلاف. نحن نهيب بمفكري الأمة الإسلامية وبالشباب في البلاد الإسلامية أن يضغطوا علي مجلس الإفتاء السعودي بغية الدخول في مناظرة مع علماء الشيعة الإمامية بصورة خاصة، وعلماء الطوائف الإسلامية الأخري بصورة عامة في حوار علمي جاد... لوضع حد لمسلسل التكفيرات والمذابح الناشئة عنها، ونحن نحمل المسلمين كل الجرائم التي ستنشأ من هذه التكفيرات التي تعكس أهداف الاستعمار الحاقد، لو سكتوا وتركوا الأمر. وإننا لنحذر المسلمين بأن هذا الموقف الصادر من " الجبرين " ونظرائه الذين لا يهمهم إلا تكفير المسلمين ورميهم بالشرك تاركين الصهاينة والصليبيين يسرحون ويمرحون في بلاد الإسلام، لن يقتصر علي الشيعة الإمامية بل سيشمل الطوائف الأخري، لأن الوهابيين الذين يرفعون شعار التوحيد يكفرون عامة المسلمين إلا أنفسهم، فهل من مدكر؟!. جعفر السبحاني قم - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام [ صفحه 209]

المسلمون و تكفير أهل القبلة

اشاره

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبيه وآله وصحبه المنتجبين إلي إخواننا المسلمين في اليابان وفقهم الله لمرضاته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلتنا بعض المنشورات التي تتبني إيجاد الفرقة بين المسلمين مكان الدعوة إلي الاعتصام بحبل الله والتمسك بالكتاب والسنة، والعيش تحت ظلال الإيمان بالله تبارك وتعالي، ورسالة نبيه صلي الله عليه وآله وسلم، اللذين يربطان عامة المسلمين بعضهم ببعض. في العصر الذي ترزح فيه أولي القبلتين تحت وطأة الصهاينة، وأصبحت بلاد الوحي والرسالة مركزا لجيوش الغزو الغربي، وتجري في البوسنة والهرسك مذابح عامة للمسلمين، نسائهم وأطفالهم. وفي هذا العصر الذي يهاجم فيه الغرب المسلمين ويقتل مفكريهم وشبابهم ويفسد أخلاقهم ويدمر كيانهم قامت عدة من العملاء بفصل طائفة كبيرة من المسلمين عن كيان الأمة الإسلامية وكأن الهجوم علي أتباع أئمة أهل البيت وتكفيرهم ورميهم بالابتداع هو الدواء الناجع. إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلي التماسك والوحدة ورص الصفوف [ صفحه 210] أمام الهجوم الثقافي والفكري، فمن دعا إلي الوحدة والاعتصام فقد اقتفي الذكر الحكيم، قال سبحانه: - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) - [281] ومن دعا إلي الفرقة فقد ابتعد عما دعا إليه الكتاب واقتفي سنة المشركين قال سبحانه: - (... ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) - [282] ولكنا نمر علي كلماتهم وأعمالهم مرور الكرام ونركز علي تحليل مسألتين في ضوء الكتاب والسنة حتي يتبين المبتدع من المتمسك بهما وهما: 1 - الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم. 2 - تكفير أهل القبلة. فقد استعرض الأولي الشيخ صالح بن غانم السدلان وزميله الدكتور فهد السنيدي فتكريم النبي صلي الله عليه وآله وسلم يوم ميلاده وتعزيره عندهم بدعة وقد نشرت مجلة الشرق الأوسط ما أدليا به، وليس في كلاميهما شئ جديد سوي ما في كلام شيخهما ابن تيمية ومجدد مذهبه محمد بن عبد الوهاب وقد عاد المحاضران يجتران نفس ما ورثاه من إماميهما. ومن العجب جدا أن إقامة الاحتفال لميلاد الملوك والرؤساء تكريما لهم أمر غير محظور ولكن تكريم ميلاد النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم أمر مبتدع حرام وكأنهم لم يسمعوا قوله سبحانه: - (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه) - [283] فتعزيره غير نصره، وغير الإيمان به فكما أن الإيمان به لا يختص بوقت دون وقت فكذلك تكريمه وتعظيمه، فهذه الآية الداعية إلي تكريم النبي صلي الله عليه وآله وسلم مطلقة غير محددة بزمان خاص من حيث الدعوة وتخصيصه بيوم الميلاد من جهة ملابسات تسهل للمسلمين تجسيد الآية في ذلك اليوم. [ صفحه 211] إنه سبحانه يصف النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويقول: - (ورفعنا لك ذكرك) - [284] فالمحتفلون يوم ميلاده يجسدون ذلك الترفيع.. أفيمكن أن يكون ترفيعه اتباعا للذكر الحكيم حراما؟! وأما الثانية: فإن القائلين بتكفير بعض الطوائف الإسلامية هم الذين لا يرغبون في وحدة المسلمين، وهم لا يكفرون الشيعة فحسب بل يكفرون قاطبة المسلمين سوي أتباع محمد بن عبد الوهاب غير أنهم كانوا يجهرون بتكفير جميع المسلمين في الأزمنة السابقة ويغزونهم ويقتلونهم وينهبون أموالهم ولكنهم اليوم يتقون ولا يبدون كل ما يضمرون غير تكفير الشيعة فهذا " موسي بايكي " أحد العملاء للوهابية أخذ يكفر الشيعة ويحرم ذبائحهم، فهل درس القرآن الكريم والسنة النبوية في تحديد الإيمان والكفر أو أنه أخذ مقياسا من عند نفسه دعما لمبدئه فصار يكفر شيعة آل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟ وها نحن ندرس في هذه الرسالة المتواضعة حدود الكفر والإيمان، حتي يقف القارئ علي أن الطوائف الإسلامية المشهورة بين السنة والشيعة كلهم مسلمون مؤمنون حسب الضابطة التي نص عليها النبي صلي الله عليه وآله وسلم وجري عليها السلف الصالح طيلة القرون الماضية وإليك البيان: [ صفحه 212]

الاحتفال بمولد النبي

اشاره

الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، من مظاهر حب النبي الأكرم الذي حبه وتكريمه وتعزيره أصل في الكتاب والسنة. إن لحب نبي الإسلام مظاهر ومجالي، إذ ليس الحب شيئا يستقر في صقع النفس من دون أن يكون له انعكاس خارجي علي أعمال الإنسان وتصرفاته، بل إن من خصائص الحب أن يظهر أثره علي جسم الإنسان وملامحه، وعلي قوله وفعله، بصورة مشهورة وملموسة. فحب الله ورسوله الكريم لا ينفك عن اتباع دينه، والاستنان بسنته، والإتيان بأوامره والانتهاء عن نواهيه، ولا يعقل أبدا أن يكون المرء محبا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أشد الحب، ومع ذلك يخالفه فيما يبغضه ولا يرضيه، فمن ادعي حبا في نفسه وخالفه في عمله فقد جمع بين شيئين متخالفين متضادين. ولنعم ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في هذا الصدد موجها كلامه إلي مدعي الحب الإلهي كذبا: تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع [285] . [ صفحه 213]

للحب مظاهر وراء الاتباع

نعم لا يقتصر أثر الحب علي هذا، بل له آثار أخري في حياة المحب، فهو يزور محبوبه ويكرمه ويعظمه ويزيل حاجته، ويذب عنه، ويدفع عنه كل كارثة ويهيئ له ما يريحه ويسره إذا كان حيا. وإذا كان المحبوب ميتا أو مفقودا حزن عليه أشد الحزن، وأجري له الدموع كما فعل النبي يعقوب عليه السلام عندما افتقد ولده الحبيب يوسف عليه السلام فبكاه حتي ابيضت عيناه من الحزن، وبقي كظيما حتي إذا هب عليه نسيم من جانب ولده الحبيب المفقود، هش له وبش، وهفا إليه شوقا وحبا. بل يتعدي أثر الحب عند فقد الحبيب وموته هذا الحد، فنجد المحب يحفظ آثار محبوبه، وكل ما يتصل به، من لباسه وأشيائه كقلمه ودفتره وعصاه ونظارته. كما ويحترم أبناءه وأولاده، ويحترم جنازته ومثواه، ويحتفل كل عام بميلاده وذكري موته، ويكرمه ويعظمه حبا به ومودة له. إلي هنا ثبت، أن حب النبي وتكريمه أصل من أصول الإسلام لا يصح لأحد إنكاره، ومن المعلوم أن المطلوب ليس الحب الكامن في القلب من دون أن يري أثره علي الحياة الواقعية، وعلي هذا يجوز للمسلم القيام بكل ما يعد مظهرا لحب النبي شريطة أن يكون عملا حلالا بالذات ولا يكون منكرا في الشريعة، نظير: 1 - تنظيم السنة النبوية، وإعراب أحاديثها وطبعها ونشرها بالصور المختلفة، والأساليب الحديثة، وفعل مثل هذا بالنسبة إلي أقوال أهل البيت وأحاديثهم. 2 - نشر المقالات والكلمات، وتأليف الكتب المختصرة والمطولة حول [ صفحه 214] حياة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعترته، وإنشاء القصائد بشتي اللغات والألسن في حقهم، كما كان يفعله المسلمون الأوائل. فالأدب العربي بعد ظهور الإسلام يكشف عن أن إنشاء القصائد في مدح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان مما يعبر به أصحابها عن حبهم لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فهذا هو كعب بن زهير ينشئ قصيدة مطولة في مدح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منطلقا من إعجابه وحبه له صلي الله عليه وآله وسلم فيقول في جملة ما يقول: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول ويقول: مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول [286] . وقد ألقي هذه القصيدة في مجلس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ولم ينكر عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وهذا هو حسان بن ثابت الأنصاري يرثي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ويذكر فيه مدائحه، ويقول: بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد إلي أن قال: يدل علي الرحمان من يقتدي به وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا [287] . [ صفحه 215] وهذا هو عبد الله بن رواحة ينشئ أبياتا في هذا السياق فيقول فيها: خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقيله أعرف حق الله في قبوله [288] . هذه نماذج مما أنشأها الشعراء المعاصرون لعهد الرسالة في النبي صلي الله عليه وآله وسلم ونكتفي بها لدلالتها علي ما ذكرنا. ولو قام باحث بجمع ما قيل من الأشعار والقصائد في حق النبي صلي الله عليه وآله وسلم لاحتاج في تأليفه إلي عشرات المجلدات. إن مدح النبي كان الشغل الشاغل للمخلصين والمؤمنين منذ أن لبي الرسول دعوة ربه، ولا أظن أن أحدا عاش في هذه البسيطة نال من المدح بمقدار ما ناله الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من المدح بمختلف الأساليب والنظم. وهناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائل النبي ومناقبه في قصائد رائعة وخالدة مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم والسنة المطهرة في هذا المجال، فشكر الله مساعيهم الحميدة وجهودهم المخلصة. 3 - تقبيل كل ما يمت إلي النبي بصلة كباب داره، وضريحه وأستار قبره انطلاقا من مبدأ الحب الذي عرفت أدلته. وهذا أمر طبيعي وفطري فبما أن الإنسان المؤمن لا يتمكن بعد رحلة النبي صلي الله عليه وآله وسلم من تقبيل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم [289] فيقبل ما يتصل به بنوع من الاتصال، وهو كما [ صفحه 216] أسلفنا، أمر طبيعي في حياة البشر حيث يلثمون ما يرتبط بحبيبهم ويقصدون بذلك نفسه. فهذا هو المجنون العامري كان يقبل جدار بيت ليلي ويصرح بأنه لا يقبل الجدار، بل يقصد تقبيل صاحب الجدار، يقول: أمر علي الديار ديار ليلي أقبل ذا الجدار وذا الجدارا فما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا 4 - إقامة الاحتفالات في مواليدهم وإلقاء الخطب والقصائد في مدحهم وذكر جهودهم ودرجاتهم في الكتاب والسنة، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالمنهيات والمحرمات. ومن دعا إلي الاحتفال بمولد النبي في أي قرن من القرون، فقد انطلق من هذا المبدأ أي حب النبي الذي أمر به القرآن والسنة بهذا العمل. هذا هو مؤلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد: لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الشريف، ويظهرعليهم من كراماته كل فضل عظيم [290] . وقال أبو شامة المقدسي في كتابه: ومن أحسن ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده صلي الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف بإظهار الزينة والسرور، فإن في ذلكمع ما فيه من الإحسان للفقراء شعارا لمحبته [291] . وقال القسطلاني: ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام، ويعملون الولائم، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون في [ صفحه 217] المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم... فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة علي منفي قلبه مرض وأعيا داء [292] . إذا عرفت ما ذكرناه فلا تظن أن يشك أحد في جواز الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، احتفالا دينيا فيه رضي الله ورسوله، ولا تصح تسميته بدعة، إذ البدعة هي التي ليس لها أصل في الكتاب والسنة، وليس المراد من الأصل، الدليل الخاص، بل يكفي الدليل العام في ذلك. ويرشدك إلي أن هذه الاحتفالات تجسيد لتكريم النبي، وجدانك الحر، فإنه يقضي - بلا مرية - علي أنها إعلاء لمقام النبي وإشادة بكرامته وعظمته، بل يتلقاها كل من شاهدها عن كثب علي أن المحتفلين يعزرون نبيهم ويكرمونه ويرفعون مقامه اقتداء بقوله سبحانه: - (ورفعنا لك ذكرك) - [293] .

السنة النبوية و كرامة يوم مولده

1 - أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي قتادة أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: " فيه ولدت، وفيه أنزل علي " [294] . يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي - عند الكلام في استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله علي عباده - ما هذا لفظه: إن من أعظم نعم الله علي هذه الأمة إظهار محمد صلي الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم، كما قال الله تعالي: - (لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) - [295] فصيام يوم تجددت فيه هذه [ صفحه 218] النعمة من الله سبحانه علي عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلةالنعم في أوقات تجددها بالشكر [296] . 2 - روي مسلم في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي صلي الله عليه وآله وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هو اليوم الذي أظفر الله موسي وبني إسرائيل علي فرعون، ونحن نصوم تعظيما له، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " نحن أولي بموسي " وأمر بصومه [297] . وقد استدل ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث علي مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي علي ما نقله الحافظ السيوطي، فقال: فيستفاد منه فعل الشكر لله تعالي علي ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم [298] . 3 - وللسيوطي أيضا كلام آخر نأتي بنصه، يقول: وقد ظهر لي تخريج عمل المولد علي أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك علي أن الذي فعله النبي صلي الله عليه وآله وسلم إظهار للشكر علي إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريفا لأمته كما كان يصلي علي نفسه، لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع، وإطعام الطعام، ونحوذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات [299] . [ صفحه 219] 4 - أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود، قال له: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال: أي آية؟ قال: - (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) - [300] . قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة [301] . وأخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه وقال: فيه نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة، وقال الترمذي: وهو صحيح [302] . وفي هذا الأثر موافقة عمر بن الخطاب علي اتخاذ اليوم الذي حدثت فيه نعمة عظيمة، عيدا لأن الزمان ظرف للحدث العظيم، فعند عود اليوم الذي وقعت فيه الحادثة كان موسما لشكر تلك النعمة، وفرصة لإظهار الفرح والسرور [303] . نري أن المسيح عندما دعا ربه أن ينزل مائدة عليه وعلي حوارييه قال: - (اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين) - [304] . فقد اتخذ يوم نزول النعمة المادية التي تشبع البطون عيدا، والرسول صلي الله عليه وآله وسلم نعمة عظيمة من بها الله علي المسلمين بميلاده، فلم لا نتخذه يوم فرح وسرور؟ [ صفحه 220]

اجماع المسلمين علي تكريم مولده

ذكروا أن أول من أقام المولد هو الملك المظفر صاحب إربل، وقد توفي عام 630 ه، وربما يقال: أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، أولهم المعز لدين الله، توجه من المغرب إلي مصر في شوال 361 ه، وقيل في ذلك غيره، وعلي أي تقدير فقد احتفل المسلمون حقبا وأعواما من دون أن يعترض عليهم أي ابن أنثي، وعلي أي حال فقد تحقق الإجماع علي جوازه وتسويغه واستحبابه قبل أن يولد باذر هذه الشكوك، فلماذا لم يكن هذا الإجماع حجة؟! مع أن اتفاق الأمة بنفسه أحد الأدلة، وكانت السيرة قائمة علي تبجيل مولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي أن جاء ابن تيمية، وعبد العزيز بن عبد السلام [305] ، والشاطبي فناقشوا فيه ووصفوه بالبدعة، مع أن الإجماع فيه انعقد قبل هؤلاء بقرنين أو قرون، أوليس انعقاد الإجماع في عصر من العصور حجة بنفسه؟ إلي هنا وقفت علي أن شرعية الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم يثبتها القرآن الكريم والسنة النبوية واتفاق المسلمين ومن فارقهم فقد فارق الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، قال سبحانه: - (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) - [306] . وإليك الكلام في المسألة الثانية: [ صفحه 221]

تكفير أهل القبلة

اشاره

لا يصح تكفير فرقة من الفرق الإسلامية ما دامت تعترف بالشهادتين ولا تنكر ما يعد من ضروريات الدين التي يعرفها كل من له أدني إلمام بالشريعة وإن لم تكن له مخالطة كثيرة مع المسلمين. وعلي ذلك فالبلاء الذي حاق بالمسلمين في القرون الماضية وامتد إلي عصرنا الحاضر بلاء مبدد لشمل المسلمين أولا، ومحرم في نفس الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ثانيا، ومن المؤسف أن التعصبات المذهبية الكلامية صارت أساسا لتكفير المعتزلة أصحاب الحديث والأشاعرة وبالعكس، وربما عم البلاء شيعة أئمة أهل البيت، فتري أن بعض المتعصبين أخذوا يكفرون الشيعة بأمور لو ثبتت لا تكون سببا للتكفير، فضلا عن كون أكثرها تهما باطلة كالقول بتحريف القرآن ونظيره وأن الثابت منها، مدعم بالكتاب والسنة، ولأجل أن يقف القارئ علي مدي البلاء في العصور السابقة، نذكر ما يلي: 1 - قال ابن حزم عندما تكلم فيمن يكفر ولا يكفر: وذهبت طائفة إلي أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قال في اعتقاد، أو فتيا، وإن كل من اجتهد في شئ من ذلك فدان بما رأي أنه الحق فإنه مأجور علي كل حال إن أصاب فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد. قال وهذا قول ابن أبي ليلي وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن [ صفحه 222] علي، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة (رضي الله عنهم) لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا [307] . 2 - وقال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي: إن الإقدام علي تكفير المؤمنين عسر جدا، وكل من كان في قلبه إيمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع مع قولهم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فإن التكفير أمر هائل عظيم الخطر (إلي آخر كلامه وقد أطال في تعظيم التكفير وتعظيم خطره) [308] . 3 - وكان أحمد بن زاهر السرخسي الأشعري يقول: لما حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتهم له، فقال: اشهدوا علي أنني لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلي معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمهم [309] . 4 - وقال القاضي الإيجي: جمهور المتكلمين والفقهاء علي أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة واستدل علي مختارة بقوله: إن المسائل التي اختلف فيها أهل القبلة من كون الله تعالي عالما بعلم زائد علي ذاته أو موجدا لفعل العبد، أو غير متحيز ولا في جهة ونحوها لم يبحث النبي عن اعتقاد من حكم بإسلامه فيها ولا الصحابة ولا التابعون، فعلم أن الخطأ فيها ليس قادحا في حقيقة الإسلام. ثم إن الإيجي ذكر الأسباب الستة التي بها كفرت الأشاعرة المعتزلة، ثم ناقش في جميع تلك الأسباب وأنها لا تكون دليلا للكفر. ثم ذكر الأسباب الأربعة التي بها كفرت المعتزلة الأشاعرة وناقش فيها وأنها لا تكون سببا للتكفير. ثم ذكر الأسباب الثلاثة التي بها تكفر شيعة أهل البيت وناقش فيها وأنها [ صفحه 223] لا تكون سببا للكفر [310] . والحق أن القاضي قد نظر إلي المسألة بعين التحقيق وأصاب الحق إلا في بعض المسائل. فقد ناقش في أسباب تكفير المجسمة وهو في غير محله والتفصيل لا يناسب المقام. 5 - وقال التفتازاني: إن مخالف الحق من أهل القبلة ليس بكافر ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد، واستدل بقوله: إن النبي ومن بعده لم يكونوا يفتشون عن العقائد وينبهون علي ما هو الحق. فإن قيل: فكذا في الأصول المتفق عليها. قلنا: لاشتهارها وظهور أدلتها علي ما يليق بأصحاب الجمل. ثم أجاب بجواب آخر وقال: قد يقال ترك البيان إنما كان اكتفاء بالتصديق الإجمالي إذ التفصيل إنما يجب عند ملاحظة التفاصيل، وإلا فكم مؤمن لا يعرف معني القديم والحادث. فقد ذهب الشيخ الأشعري إلي أن المخالف في غير ما ثبت كونه من ضروريات الدين ليس بكافر، وبه يشعر ما قاله الشافعي - رحمه الله -: لا أرد شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لاستحلالهم الكذب. وفي المنتقي عن أبي حنيفة أنه لم يكفر واحدا من أهل القبلة وعليه أكثر الفقهاء، ثم ذكر بعض الأقوال من الأشاعرة والمعتزلة الذين كانوا يكفرون مخالفيهم في المسألة [311] . قال ابن عابدين: نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير، لكن ليس من [ صفحه 224] كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون، بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا [312] . ولعل بعض البسطاء يتصور أن العاطفة والمرونة الخارجة عن إطار الإسلام هي التي صارت مصدرا لهذه الفتيا، ولكنه سرعان ما يرجع عن قضائه إذا وقف علي الأحاديث المتوفرة الواردة في المقام الناهية عن تكفير أهل القبلة، وإليك سردها:

السنة النبوية و تكفير المسلم

قد وردت أحاديث كثيرة تنهي عن تكفير المسلم الذي أقر بالشهادتين فضلا عمن يمارس الفرائض الدينية، وإليك طائفة من هذه الأحاديث: 1 - " بني الإسلام علي خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، والجهاد ماض منذ بعث رسله إلي آخر عصابة تكون من المسلمين... فلا تكفروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك ".2 - " لا تكفروا أهل ملتكم وإن عملوا الكبائر " [313] . 3 - " لا تكفروا أحدا من أهل القبلة بذنب وإن عملوا الكبائر ". 4 - " بني الإسلام علي ثلاث:... أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب ولا تشهدوا لهم بشرك ". 5 - عن أبي ذر: أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ". [ صفحه 225] 6 - عن ابن عمر: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ". 7 - " من قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفسا بشئ عذبه الله بما قتل ". 8 - " من كفر أخاه فقد باء بها أحدهما ". 9 - " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله ". 10 - " أيما رجل مسلم كفر رجلا مسلما فإن كان كافرا وإلا كان هو الكافر ". 11 - " كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب، فمن كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلي الكفر أقرب ". 12 - " أيما امرئ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ". 13 - " ما أكفر رجل رجلا قط إلا باء بها أحدهما ". 14 - " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما إن كان الذي قيل له كافرا فهو كافر، وإلا رجع إلي من قال ". 15 - " ما شهد رجل علي رجل بكفر إلا باء بها أحدهما، إن كان كافرا فهو كما قال، وإن لم يكن كافرا فقد كفر بتكفيره إياه ". 16 - عن علي عليه السلام: في الرجل يقول للرجل: يا كافر يا خبيث يا فاسق يا حمار؟ قال: " ليس عليه حد معلوم، يعزر الوالي بما رأي " [314] . [ صفحه 226] 17 - حدثنا أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سرية إلي الحرقات، فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلا فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فضربناه حتي قتلناه فعرض في نفسي من ذلك شئ فذكرته لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ " قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها مخافة السلاح والقتل، فقال: " ألا شققت عن قلبه حتي تعلم من أجل ذلك أم لا؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ " قال: فما زال يقول ذلك حتي وددت أني لم أسلم إلا يومئذ [315] . 18 - لما خاطب ذو الخويصرة الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بقوله أعدل، ثارت ثائرة من كان في المجلس ومنهم خالد بن الوليد قال: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " فلعله يكون يصلي "، فقال: إنه رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم " [316] .

ما هو المقوم للإسلام

إن دخول الإنسان في حظيرة الإسلام رهن الإقرار بالشهادتين والتصديق بالتوحيد والرسالة وفي بعض الروايات يضاف إليهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان، وإليك الصنفين: [ صفحه 227]

الصنف الأول، و هو ما اقتصر علي إظهار الشهادتين

1 - أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أن عليا صرخ: " يا رسول الله علي ماذا أقاتل الناس؟ " قال صلي الله عليه وآله وسلم: " قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله " [317] . 2 - ما أخرجه الإمام الشافعي عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " لا أزال أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله " [318] . 3 - روي التميمي عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي، قال: " قال النبي: أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا حرمت علي دماؤهم وأموالهم " [319] . 4 - روي البرقي مسندا عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: " الإسلام يحقن به الدم، وتؤدي به الأمانة، ويستحل به الفرج، والثواب علي الإيمان " [320] . 5 - وقال الإمام الصادق عليه السلام: " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله، به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث " [321] . 6 - قال الإمام الشافعي: فأعلم رسول الله أنه سبحانه فرض أن يقاتلهم حتي [ صفحه 228] يظهروا أن لا إله إلا الله، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها [322] . 7 - قال القاضي عياض: اختصاص عصم النفس والمال بمن قال: لا إله إلا الله، تعبير عن الإجابة إلي الإيمان، أو أن المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلي الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، ولذلك جاء في الحديث الآخر: وأني رسول الله، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة [323] .

و أما الصنف الثاني فنأتي ببعض نصوصه

8 - ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: " بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة،وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم شهر رمضان " [324] . 9 - ما تضافر عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا وصلي صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، له ما للمسلم وعليه ما علي المسلم " [325] . 10 - روي أنس بن مالك عن رسول الله قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " [326] . [ صفحه 229] وهذه النصوص - وما أكثرها - تصرح بأن ما تحقن به الدماء وتصان به الأعراض ويدخل به الإنسان في عداد المسلمين ويتخيم بخيمة الإسلام، هو الاعتقاد بتوحيده سبحانه ورسالة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا ما نعبر عنه ببساطة العقيدة وسهولة التكاليف الإسلامية. إذا عرفت هذين الصنفين من الروايات فاعلم أن الجميع يهدف إلي أمر واحد وهو أن الدخول في الإسلام والدخول تحت مظلته ليس بأمر عسير بل سهل جدا، وليس في الإسلام ما هو معقد في المعارف، ولا معسور في الأحكام، وشتان بين بساطة العقيدة فيه، والتعقيد الموجود في المسيحية من القول بالتثليث وفي الوقت نفسه الاعتقاد بكونه سبحانه إلها واحدا. وعلي ضوء هذا البحث فالمسلمون في أقطار العالم إخوة بكل طوائفهم تربطهم شهادة التوحيد والرسالة فتحرم دماؤهم ونواميسهم وأموالهم وتحل ذبائحهم، وبالجملة فالكل مسلمون مؤمنون لهم من الأحكام ما للمسلم والمؤمن. فهذه المنشورات التي تهدف إلي فصل طائفة من المسلمين باتهامهم بالشرك، أوراق ضالة مضلة يضرب بها عرض الجدار ولا يقام لها في سوق الدين قيمة. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله. جعفر السبحاني قم المشرفة تحريرا في 4 جمادي الأولي عام 1416 ه [ صفحه 231]

موقف الشيعة الإمامية من حديث الإفك

إن السيدة عائشة من زوجات النبي وأمهات المؤمنين لها من الشرف والكرامة ما لسائر نسائه صلي الله عليه وآله وسلم غير خديجة - رضي الله عنها - فقد رأت النور في بيتها، وعاشت معه فترة طويلة، ولم يشك أحد من المسلمين القدامي والجدد في براءتها من الإفك الذي صنعته يد النفاق، ونشره عميد المنافقين وأذنابه " عبد الله بن أبي سلول " في عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحدث عنه القرآن في آيات، يقول سبحانه: - (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم) - [327] . - (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) - [328] . وكفي في براءتها أنه سبحانه سمي النسبة إفكا وبهتانا عظيما وأوعد من [ صفحه 232] تولي كبره بعذاب أليم. ولأجل إيقاف إخواننا أهل السنة علي موقف الشيعة من هذه المسألة نأتي بنص أحد أقطاب التفسير من علماء الإمامية في القرن السادس، أعني: الشيخ الطبرسي (471 - 548 ه) مؤلف " مجمع البيان في علوم القرآن "، الذي طبق اسمه وكتابه أقطار العالم الإسلامي، يعرفه كل من له صلة بالتفسير وعلومه. يقول رحمه الله بعد نقل آيات من سورة النور فيما لها صلة بالموضوع: " روي الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وغيرهما، عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها، فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فخرجت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي فرغ من غزوه وقفل. وروي أنها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعة قالت: ودنونا من المدينة، فقمت حين أذنوا بالرحيل، فمشيت حتي جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلي الرحل، فلمست صدرتي فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فحملوا هودجي علي بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن اللحم ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي، وجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فسموت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة إذ غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان، المعطل السلمي قد عرس من وراء الجيش فأصبح عند منزلي، فرأي سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني، فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما كلمني بكلمة حتي أناخ راحلته، فركبتها، فانطلق يقود الراحلة حتي أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في حر الظهيرة فهلك من هلك في. [ صفحه 233] وكان الذي تولي كبره منهم عبد الله بن أبي سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشئ من ذلك وهو يرثيني في وجعي، غير أني لا أعرف من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اللطف الذي كنت أري من حين اشتكي إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فذلك يحزنني ولا أشعر بالسر - إلي أن قالت: - استأذنت رسول الله إلي بيت أبي فأذن لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فجئت أبوي وقلت لا مي: يا أماه ماذا يتحدث الناس؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قلت: سبحان الله أوقد يحدث الناس بهذا؟ قالت: نعم، فمكثت تلك الليلة حتي أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي، ودعي رسول الله أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب عليه السلام حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالذي علم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا، فأما علي بن أبي طالب - عليه أفضل الصلوات - فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بريرة، فقال: يا بريرة! هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟ قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها. قالت: وأنا والله أعلم أني بريئة، وما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلي، ولكني كنت أرجو أن يري رسول الله رؤيا يبرئني الله بها، فأنزل الله تعالي علي نبيه وأخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتي أنه لينحدر عنه مثل الجمان من العرق في اليوم الثاني من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سري عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا [ صفحه 234] أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، فهو الذي أنزل براءتي فأنزل الله تعالي: - (إن الذين جاءوا بالإفك) - الآيات العشر [329] . هذه مقالة الشيعة ولو كان لهم ولغيرهم من سائر الطوائف الإسلامية كلام في حق السيدة فإنما يرجع إلي وقعة الجمل وهي ذي شجون ولأعلام المسلمين ومحققي التاريخ كلمات حولها ومن أراد فليرجع إليها. اللهم ارزق المسلمين توحيد الكلمة، كما رزقتهم كلمة التوحيد جعفر السبحاني قم المقدسة 8 جمادي الآخرة عام 1415 ه [ صفحه 235]

مبدأ حي و تعاليم قيمة

اشاره

كانت مجلة " مكتب إسلام " [330] قد نشرت في عددها الخاص [331] مقالا ضافيا حول مذهب الشيعة باللغات العالمية الحية: العربية والانكليزية والفارسية. ولما كان المقال علي منهج جديد، تجاوب مع شعور كثير من القراء والمفكرين في العالم الإسلامي وقد ألحوا علينا أن نفرد المقال بالطبع والنشر. ومما لا يشك أي ذي مسكة فيه، أن السلطات الجائرة في غابر الزمان والدعايات المسمومة من جانب أعداء الإسلام أوجدت ستارا وألقت أسدالا علي وجه الحقيقة، حالت دون وقوف المسلمين علي مذهب الشيعة. فلأجل هذا وذاك قامت الهيئة التحريرية للمجلة بتلبية نداء هذا الصنف من القراء بإفراد المقال بالطبع وتوزيعه في مختلف الأقطار علي نطاق واسع بعد إعادة النظر فيه. فها نحن نقدم للأمة الإسلامية وسائر الأمم أمهات عقائد الشيعة ولباب أصولها بغية تقريب الخطي، وحفظا للوحدة والوئام بين الأمة جمعاء. قم: إيران - مجلة " مكتب إسلام " [ صفحه 236] بسم الله الرحمن الرحيم ليس الغرض من وضع هذا المقال سرد عقائد الشيعة وما لها من أصول ومبادئ وأفكار، لأن ذلك يدفعنا إلي تأليف كتاب مفرد، وإنما الهدف إيقاف القارئ علي مبادئ التشيع وأسسه علي وجه الإجمال بأوضح العبارات وأخصرها كي يرجع إليه من ليس له إلمام صحيح ومعرفة وافية بأصول تلك الطائفة ولا يكون من الذين أخذوا مبادئ التشيع عن كتاب مغرضين. ولما كان هذا المقال يصدر عن معهد علمي له تاريخه الحافل بين معاهد الشيعة الكبيرة، فسيجده القارئ كافيا في إزاحة الستار عن كثير من المختلقات والمبهمات التي حامت حول مذهب الشيعة وفيه أجوبة لكثير من الأسئلة التي قد تتبادر إلي الأذهان. وإليك الإشارة إلي العناوين المطروحة في المقال: الشيعة في الوقت الحاضر الجامعات العلمية للشيعة نشوء مذهب الشيعة مكانة القرآن الكريم عند الشيعة الشيعة وسائر الفرق الإسلامية عقائد الشيعة مميزات الشيعة المصادر الدينية للشيعة نماذج من الوظائف الأخلاقية والاجتماعية عند الشيعة وذلك ضمن فصول: [ صفحه 237]

الشيعة في الماضي والحاضر

اشاره

تدلنا الإحصاءات الدقيقة علي أن التشيع في الوقت الحاضر يدين به أكثر من مائتين وخمسين مليون نسمة وهم متفرقون في أقطار العالم وأرجاء الدنيا يقطنون غالبا في إيران والعراق وباكستان والهند واندونسيا وسوريا ولبنان و المملكة السعودية وأفغانستان وتركيا والقفقاس ومصر وأمارات الخليج وإفريقية الشرقية والمركزية والأمريكتين والصين، إلي غيرها من البلاد، وتشكل الشيعة ربع فرق المسلمين. ولهذه الطائفة مساهمة فعالة في تأسيس الحضارة الإسلامية، فإنهم حازوا قصب السبق علي غيرهم في حفظ التراث الإسلامي. ومع الأسف الشديد لم تعرف الشيعة حق المعرفة حتي أن إخواننا أهل السنة علي الرغم من تعايشهم مع الشيعة لا يعرفون عن مذهب الشيعة إلا النزر اليسير. وليس ذلك جديدا فإن المستعمرين وأذنابهم وجدوا أهدافهم وتحقق مآربهم في فصل السنة عن الشيعة وتأجيج نار الشحناء والبغضاء بينهما، ولم يقتصروا علي ذلك فحسب بل استعانوا بتشويه الحقائق وتحويرها بغية ترسيخ ذلك التعصب البغيض. [ صفحه 238] وقد خلفت تلك العوامل مضاعفات سيئة، أعقبها حروب طاحنة بين الفئتين غير أن تلك القلاقل والفتن لم تنتج سوي وهن الإسلام وضرب المسلم أخاه المسلم. لكن الله أبطل سعيهم وأفسد كيدهم بيقظة المسلمين بعد طول سبات، وتقدمهم في معترك الحياة فتعارفوا بعد ما تناكروا وتآلفوا بعدما تباغضوا. وقد قام عدد كبير من أساتذة جامعة الأزهر بمعاضدة بعض مفكري الشيعة بتأسيس دار للتقريب بين المذاهب الإسلامية والهدف الأسمي لتلك الجمعية الثقافية كما ينبئ عنه عنوان " دار التقريب بين المذاهب الإسلامية " هو التقريب بين فرق المسلمين والقيام علي جمع كلمة الطوائف الإسلامية الذين فرقتهم آراء لا تتصل بالعقائد التي يجب الإيمان بها وقد تألفت الجمعية من أعلام السنة والشيعة، والسكرتير العام للجماعة هو شيعي إيراني. كما قامت الجمعية بإصدار مجلة علمية سمتها " رسالة الإسلام " لنشر دعوتها ورسالتها، وهي صحيفة حافلة بالمواضيع العلمية الحية التي تلائم روح دعوتها ويساهم في كتابتها عدة من كتاب علماء السنة والشيعة وقد قطعت في ذلك المضمار شوطا كبيرا. ومن نتائج دعوتها الفتوي التاريخية التي أصدرها فضيلة الأستاذ الأكبر الفقيد الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر فقال: إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق. [332] . [ صفحه 239] ولم يكن شيخ الأزهر الفقيد وحيدا في فتواه فقد سبقه إلي هذا الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر في وقته وإن لم يكن مجاهرا مثله. وقد كان لتلك الفتوي التاريخية صدي واسع في المجتمع الإسلامي حيث أحكمت أواصر الأخوة وكرست روح التفاهم بين الطائفتين وتلقاها أعلام السنة والشيعة بصدور رحبة.

الجامعات العلمية للشيعة

للشيعة الإمامية جامعات علمية مكتظة بالأساتذة ورواد العلم والتحقيق وأخص بالذكر جامعتين كبيرتين لهما منزلة ومكانة عظيمة: 1 - جامعة النجف الأشرف ذلك المركز العلمي العريق الذي أسس منذ قرابة ألف عام عند مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. 2 - جامعة قم وهي جامعة كبيرة لها الأثر الكبير في نشر المذهب الشيعي إضافة إلي جامعة مشهد التي تأسست عند مرقد الإمام الطاهر علي بن موسي الرضا عليهما السلام وتضم الجامعات المذكورة أكابر مراجع الشيعة وأعاظم زعمائها الدينيين وقادتها الروحيين ومهمتهم تحمل أعباء الزعامة والمرجعية الروحية العامة مع بذل جهدهم في صيانة الجامعة وتربية طلابها بإلقاء الدروس في أندية البحث والتدريس وراء ما يقومون به من مهمة الإفتاء. وقد اكتظت الجامعات منذ تأسيسها بآلاف من رواد العلم والمعرفة في كافة الاختصاصات، كل حسب استعداده وكفاءته إلي أن يقضي وطره وينال من التحصيل بغيته فتخوله المرجعية الدينية مهمة من المهمات إما بالتخصص في الوعظ والإرشاد، وإما بتمثيل الزعيم الديني في بلد أو قطر، وإما بإقامة الجماعة في مسجد، أو بالتدريس في نفس الجامعة إلي غير ذلك من الصلاحيات. [ صفحه 240] ومن مفاخر الشيعة أنهم حازوا قصب السبق في تأسيس فنون الإسلام وتدوينها يقف علي ذلك كل من سبر تاريخ العلوم الإسلامية وأمعن النظر في نشوئها وتكاملها ففي طيات التاريخ والمعاجم دلائل واضحة علي أن جل العلوم الإسلامية أسست بيد الفطاحل من الشيعة والأعلام من أقدميهم. [333] وللشيعة منهج خاص في تربية الخطيب والمبلغ فتري الخطيب واقفا أمام حشد عظيم يلقي خطابة حماسية أو كلمة اجتماعية ارتجالا بأحسن العبارات وأفصحها. كان الزعيم الديني الأكبر الإمام البروجردي قدس الله سره (1292 - 1380 ه. ق) باذلا تمام جهده في تعريف الشيعة علي وجهها الصحيح ساعيا في هذا الطريق بكل ما أوتي من حول وقوة، لإيمانه بأن التشيع قائم علي أسس منطقية وأنه الملجأ الوحيد لحل المشاكل الاجتماعية والأخلاقية التي حاقت بالغرب. كان الإمام المغفور له علي إيمان بأنه لو وقف العالم الغربي والشبيبة المتربية في أحضانه علي مبادئ التشيع وأصوله ومعتقداته للجؤوا إليه بخاطر رحب وصدر منشرح. وقد نجح رحمه الله بعض النجاح في أهدافه فقام بإزاحة العقبات والعراقيل التي وضعت أمامه ببعث رجال العلم إلي البلاد النائية مثل " واشنطن " و " هامبورغ " في أمريكا وألمانيا، فقاموا بأعباء التبليغ والإشادة بمذهب الشيعة وتشكيل أندية الوعظ والإرشاد، وإقامة المؤتمرات حتي وفق لبناء مسجد عامر في ساحل بحيرة " الستر " في هامبورغ، وقد قام البناء علي مزيج من الفنون المعمارية [ صفحه 241] الشرقية الإسلامية والغربية علي أرض تربو مساحتها علي أربعة آلاف متر تقام فيه الصلاة وتعقد فيه المؤتمرات والندوات يحضرها العديد من الجامعيين والتجار ومن أسلم من الغربيين من غير فرق بين الشيعي والسني والأبيض والأسود بل الجميع يقفون في صف واحد. وللشيعة مكتبات عامرة ذات عظمة وشأن وفي طليعتها مكتبات النجف الأشرف وقم ومشهد وطهران تحفظ فيها النفائس والمخطوطات والآثار الإسلامية. ومما هو جدير بالذكر أن جامعتي الأزهر والقرويين في القاهرة والمغرب من أقدم الجامعات التي أسست بيد الشيعة، فقد قام المعز لدين الله أحد الخلفاء الفاطميين المجاهرين بالتشيع بتأسيس الأزهر الشريف في أواسط القرن الرابع كما أن جامعة القرويين من آثار " الأدارسة " الحسنيين ملوك مراكش.

نشوء مذهب الشيعة

لقد فسح المجال لذوي الأقلام المستأجرة لتشويه سمعة الشيعة ورمي التشيع بأنه فكرة خاصة لطائفة انطوت علي نفسها لا تمت إلي المسلمين والإسلام بصلة، وإن اتسمت بطابع الإسلام مع أنها هي الإسلام نفسه. إذ ليس التشيع مبدأ خاصا وراء الإسلام، ولا الإسلام مبدأ يغاير التشيع، إنما التشيع هو نفس الإسلام الذي جاء به نبينا الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم، والشيعة تدعي أن أحسن الطرق وأبعدها عن الريب إلي معرفة الإسلام وما فيه من تعاليم إنما هو أوصياؤه وأهل بيته الذين تربوا في مهبط الوحي فصاروا أقرب الناس إلي رسول الله من غيرهم، فالإسلام والتشيع حقيقة واحدة حدثا وتكونا في آن واحد. [ صفحه 242]

مكانة القرآن الكريم عند الشيعة

إن القرآن الكريم هو المصدر الأول لدي الشيعة كما هو عند المسلمين كافة ولم يتطرق إليه تحريف أو تشويه، وهو عندهم المقياس الوحيد لتمييز الموضوع من الصحيح في الأحاديث الإسلامية، وأن كل حديث خالف كتاب الله فهو زخرف يضرب به عرض الحائط.

الشيعة و سائر الفرق الإسلامية

لعلك تقول: لماذا افترقت السنة عن الشيعة؟ وما هي أسباب ذلك؟ فنقول: إن الفارق الأساسي إنما هو موضوع الإمامة، فإن الخلافة الإسلامية عند الشيعة منصب إلهي خطير لا يقوم به إلا الأمثل فالأمثل من الأمة، وليس تشخيص ذلك إلا لله ولرسوله من بعده، فلأجله ذهبت الشيعة إلي أن الإمامة كالنبوة لا تنعقد إلا بتنصيص وتعيين من الله. اتفقت الشيعة علي أن الأئمة الاثني عشر خلفاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأنهم منصوبون من الله لقيادة الأمة وزعامتها وقد نص الرسول علي عددهم وأسمائهم ونص كل خليفة سابق منهم علي الخليفة من بعده، ودونك أسماءهم: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عم الرسول وصهره تربي في حجره ولم يزل يقفو أثره طول حياته، وهو أول الناس إسلاما، وأشدهم استقامة في مصالح الدين الإسلامي وتفانيا في تثبيته وتركيزه، بلغ في علمه وتقواه رتبة تقاصر عنها الأقران وتراجع عنها الأكفاء. نص النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم في حشد عظيم علي خلافته وولايته، عند منصرفه من مكة عام حجة الوداع في موضع يقال له " غدير خم " ولم تكن أول مرة شاد [ صفحه 243] فيها الرسول بمقام وصيه فقد كان طول حياته ينوه بوصايته وخلافته، من بدء إظهار الدعوة إلي مرضه الذي توفي فيه. كان الإمام أفضل الناس وأمثلهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا يبلغ شأوه أحد من الصحابة، ولم يكن يوم ذاك رجل أليق بزعامة الأمة وقيادتها منه. غير أن قريشا قد تمالأت علي تداول الخلافة في قبائلها، واشرأبت إلي ذلك أطماعها فتصافق الأغلب منهم علي تناسي النص، وأجمعوا علي صرف الخلافة من أول أيامها عن وليها المنصوص عليه. نعم تصافقت مع علي عليه السلام ثلة جليلة من الشخصيات البارزة من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان فبقوا علي منهاج نبيهم ولم يرضوا إلا بولايته وخلافته التي صدع بها نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم في حياته، ولم يبايعوا غيره ونصروا إمامهم بتضحية نفوسهم وبذل أموالهم وقد حفظ التاريخ أسماءهم وما لهم من مواقف، غير أن شيعة علي تحفظا للوحدة والوئام خطوا خطوة إمامهم من ترك التعرض لم تقمصي الخلافة، والمماشاة معهم في مهام الأمور ومصالح الدين والمسلمين. ولم ير الإمام بدا لحفظ مصالح الدين من تسليم الأمر إلي المجلبين علي الخلافة فلزم عقر داره مدة تربو علي خمسة وعشرين عاما إلي أن رجعت إليه الخلافة، فتصافقت علي قيادته وزعامته جبهة الأنصار والمهاجرين وألقوا إليه مقاليد الخلافة، فأحيا الإمام عليه السلام سنة النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم في عدله وإنصافه ومساواته بين الناس ولم يكن لأحد فيه مطمع، ولا عنده هوادة، ولم يكن يقيم وزنا لغير الحق، ولم يحكم بين الأمة إلا بالحق والعدالة، وهذه الحكومة الإلهية وإن لم تطل أيامها ولم تتجاوز خمسة أعوام، وانتهت باغتياله عليه السلام إلا أنها كانت مثالا نموذجيا لحكومة الحق والعدالة والمثل الراقية، وهذه خطبه ورسائله توقفنا علي أصالة رأيه وسداد منطقه وعدله. [ صفحه 244] والإمام مفخرة من مفاخر المسلمين علي الإطلاق، لا بل الإنسانية جمعاء، وليست الشيعة إلا من تابع الإمام وشايعه في أقواله وأفعاله، وما أطلق لفظ الشيعة علي هذه الفئة إلا لمشايعتهم الإمام فيما كان يأخذ ويذر. فالإمام علي أول الأئمة الاثني عشر، ويليه الحسن بن علي، فالحسين بن علي، فعلي بن الحسين، فمحمد بن علي، فجعفر بن محمد، فموسي بن جعفر، فعلي بن موسي، فمحمد بن علي، فعلي بن محمد، فالحسن بن علي، فمحمد بن الحسن عليهم السلام هؤلاء أئمة الشيعة وقادتهم، نقتبس من أنوارهم، ونهتدي بهداهم، وقد حفظت تواريخهم وآثارهم ودونت أحاديثهم وما روي عنهم. اتفقت الشيعة علي أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة، إما ظاهرا مشهورا أو غائبا مستورا يسلك بالمجتمع طريق المكارم، ويرفع لهم أعلام الهداية، ويربيهم ويرشدهم إلي صراط الحق، وتلكم الحجج في عامة الأدوار تمثل إما في نبي أو وصي نبي، هذا منهج الشيعة تسير عليه في أبحاثها الكلامية، وتبرهن عليه بالوجوه العقلية والنصوص المتضافرة، كما وتعتقد أن الإمام الثاني عشر عليه السلام آخر الأئمة حي يرزق، منحه الله من العمر أطوله، وليس ذلك في عقيدة الشيعة بجديد، فقد قالت جمهرة المسلمين بأن المسيح حي يرزق بعد مرور عشرين قرنا علي ميلاده لحد الساعة هذه، وليس علي الله بعسير فهو القادر علي كل شئ فله أن يمنح عبدا من عباده أي قدر شاء من العمر، فلا قدرة الله متناهية ولا طول العمر محال في نفسه، ولا الأصول المحررة في علم الحياة تعانده وما جاء العلم لحياة البشر بحد لا يتجاوزه. وقد ادخره الله ليوم يتظاهر فيه الزمان بالجور والعدوان، ويشاع فيه القتل وسفك الدماء والفساد ويحيق بالمجتمع ألوان العذاب والبلاء حتي تضيق بهم الحياة. [ صفحه 245] غير أن هذه المصائب والمكاره تهيئ المجتمع وتدفعه إلي ثورة عارمة ضد الظلم والعدوان تقلع وتقطع جذور الجبابرة عن أديم الأرض إلي أن ترفرف أعلام العدل والسلام في شرق الأرض وغربها وهذه الثورة الإلهية الموعودة التي تغير الزمان وأهله ستتحقق بإذن الله بقيادة آخر الخلفاء من أئمة الشيعة فيملأ الله به الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا. وعقيدة الشيعة في الإسلام أنه ليس دين رهبانية وتزمت ولا دينا يصب اهتمامه علي النفعية والانتهازية والعمل غير المشروع وإنما هو دين انطلاق مع المثل الراقية وأصول الحياة. ودونك بيان عصارة عقائد الشيعة تحت أصول ثلاثة: [ صفحه 246]

عقايد الشيعة

التوحيد

أقامت الشيعة براهين قيمة علي أنه تعالي واحد لا شريك له ولا نظير ولا شبيه له لم يلد ولم يولد وهي تكافح كل لون من ألوان الشرك وأي انحراف عن صراط التوحيد. أجمعت الشيعة علي أن العالم مخلوق لله ومصنوع له لم يشاركه فيه أحد من خلقه، ولم ينازعه أحد في ملكه ولا خالق إلا الله. وهذا الأصل هو الذي أرشدهم إلي القول بأن كل ما في الكون من حقير وخطير ليس فيه إلا الخير و الصلاح وأن كل انحراف وفساد فهو من فعل الإنسان. اتفقت الشيعة علي تنزيه الله تبارك وتعالي عن الجسم ولوازم الجسمانيات وأنه تعالي فوق المادة والماديات، فليس هو في حيز ولا يحيط به شئ، وعلمه قد أحاط بكل شئ، وهو أقرب إلي عبده من حبل الوريد، بصير سميع لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء. وهو محيط بكل الأزمنة والأمكنة، فالماضي والمستقبل والعالي والداني عنده سواء، والموجودات بهوياتها وحقائقها الخارجية حاضرة لديه منكشفة له أتم الانكشاف، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. الشيعة توحد الله أتم التوحيد، فالله جل وعلا عندهم بسيط لا جزء له، [ صفحه 247] حتي أن صفاته الجمالية كعلمه وقدرته عين ذاته لا زائدة عليها، فليست هاهنا ذات وراء الصفات حتي تكون معروضة لها كما في غيره من الممكنات، وهذا لا يعني خلو ذاته سبحانه عن العلم والقدرة كما عليه بعض الفرق الإسلامية، بل يعني أن الذات بلغ في الكمال بمكان صار نفس العلم والقدرة. كما أنه لا حد لوجوده فهو أزلي أبدي غير متناه من جميع الجهات. وهو جل وعلا لا يجانس أحدا من مخلوقاته في صفاته وأوصافه، إذ لا سنخية بينه وبين مصنوعاته ولا تشابه بين المتناهي وغير المتناهي. اتفقت الشيعة علي أن الله هو الغافر لذنوب عباده وزلات خلائقه دون غيره، ولا يشاركه في ذلك أحد، ولا يشفع أحد من أنبيائه وأوليائه إلا بإذنه.

النبوة و بعثة الرسل

اتفقت الشيعة علي أن الله تعالي بعث رسله وأنبياءه إلي عباده وهم خيار خلائقه ليهدوهم إلي صراطه ويخرجوهم من ظلام الجهل إلي نور العلم والإيمان، لأنه لم يخلقهم إلا للفوز بالسعادة، وقد جبلهم علي مؤهلات في أنفسهم تحبب إليهم الخير والسعادة وتبعثهم إلي الابتعاد عن الظلم والانحراف وما شابه ذلك من مساوي الأخلاق. ثم إنه تعالي عزز الفطرة وكملها ببعث رسله وقادة هداه، وأمرهم بإبلاغ أحكامه ونصح خلائقه حتي يتسني لهم الارتقاء إلي قمة الكمال الممكن، وهذا يعني أن الشرائع السماوية لا تفارق الفطرة قط بل تماشيها، وكل ما يطرق سمعك مما هو منسوب للدين وتتجافي عنه الفطرة فاعلم أنه ليس من الدين وأنه مختلق مصنوع. أجمعت الشيعة علي أن ما تحملته الرسل من المحن والمكاره وما أصابهم [ صفحه 248] في جنب الله من الأذي لم يكن لفداء أمتهم وتأمين أتباعهم مما اقترفوا من ذنب وارتكبوا من خطيئة، بل كان لمرضاة الله وخدمة المجتمع، وقد نوه القرآن علي ذلك غير مرة. تعتقد الشيعة أن الأنبياء والرسل صفوة الناس وخيرتهم وأفضلهم وأنه يجب علي كل إنسان تكريمهم، غير أن أيدي السوء عبثت بالكتب السماوية ما سوي القرآن، فحرفت منها ما كان حقا لا شائبة فيه، وثبتت فيها خرافات هي أشبه بقصص القصاصين لا تنسجم مع المنطق السليم. والعصمة عند الشيعة أصل مبرهن عليه، والأنبياء عندهم معصومون من الذنوب نزيهون عن الخطأ والنسيان. أجمعت الأمة الإسلامية علي أن نبي الإسلام أعظم الأنبياء منزلة، وهو خاتمهم، ودينه خاتمة الشرائع.

المعاد

وهو أصل إسلامي خطير، وقد اتفقت السنة والشيعة علي أن الله يحيي الناس يوم القيامة ويضع الموازين القسط فلا يظلم أحد مثقال ذرة، ووفيت كل نفس ما عملت، فإما إلي النعيم الدائم وإما إلي العذاب المقيم.

ميزات الشيعة

اشاره

هذه الأصول الثلاثة تشترك فيها عامة فرق المسلمين غير أن للشيعة أصولا اختصت وانفردت بها عن سائر الفرق وهي: 1 - الإمامة والخلافة: الإمامة كما قلنا منصب إلهي يمنحه الله لخاصة عباده وهم الأئمة الاثنا عشر خلفاء الله وخلفاء نبيه صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 249] 2 - العدل: اتفقت الشيعة علي عدله تعالي فلا يظلم عباده مثقال ذرة لأن الظلم ينشأ إما عن الجهل بقبحه وإما عن الحاجة إليه وكلاهما آية النقص وهو تعالي منزه عن كل ذلك لكماله المطلق وعلي هذا الأساس قالت الشيعة ببطلان الجبر في أفعال العباد وأن المكلفين غير مجبورين في أفعالهم وأقوالهم، خلقهم الله مختارين في ما يفعلون ويتركون غير مضطرين في طاعة أو معصية، وجعل الإنسان تام التصرف في ما يسعد به ويشقي، وأنه - (لا تزر وازرة وزر أخري) - [334] و- (أن ليس للإنسان إلا ما سعي) - [335] و - (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) - [336] . لكن إخواننا أبناء السنة لما لم يعترفوا بالحسن والقبح العقليين ولم يعتقدوا بأن النفس تدرك حسن العدل وقبح الظلم، قالوا بأن ما حسنه الشرع فهو حسن، حتي لو أمر بالظلم والعدوان، وكل ما قبحه الشرع فهو قبيح حتي لو نهي عن العدل والإحسان، وآلت النتيجة أنه لا مفهوم للحسن والقبح ولا للعدل والظلم بالنسبة إليه تعالي.

المصادر الدينية للشيعة

الشيعة كسائر الفرق الإسلامية تعتمد علي كتاب الله العزيز، الذي هو مقياس يوزن به الحق والباطل، وتعتمد علي السنة المأثورة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن طريق الثقات وعلي ما اتفق عليه المسلمون في الأجيال السالفة والحاضرة، وعلي الأحاديث المأثورة عن الأئمة الاثني عشر الذين هم أقرب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعنه أخذوا علومهم ومعارفهم بلا واسطة أو بواسطة آبائهم. والمصدر الأخير عند الشيعة من أهم مصادر التشريع تعتمد عليه في غالب شؤونها، وهم يتمسكون في حجية هذا المصدر بقول الرسول الأعظم -: " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا علي [ صفحه 250] الحوض " فجعل أئمة الشيعة أعدال الكتاب وقرناءه، والشيعة تتمسك بأهداب ولائهم ويروون أقوالهم وأفعالهم كقول نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره. والشيعة تعتمد علي ما يحكم به العقل حكما باتا وهذه المصادر الأربعة: (كتاب الله، وسنة رسوله، وما أجمع عليه المسلمون وما حكم به العقل) هي مدارك الشيعة ومصادر أحكامها ولا تعتمد علي الأقيسة والاستحسانات وغيرها من الوجوه الظنية. كما يجب علي من تصدي للإفتاء والقضاء استنفاد وسعه في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المذكورة، ولا يجوز له أن يرتجل الأحكام ارتجالا خارجا عن المصادر المذكورة. إن باب الاجتهاد عند الشيعة مفتوح علي مصراعيه إلي يوم القيامة، ولا يختص بفرد دون فرد أو جمع دون جمع، والشيعة لا تسلب العقول المستنيرة حريتها ولا تلزمها بالرجوع إلي مجتهد خاص، ومن بلغ رتبة الاجتهاد عندهم حرم عليه العمل بالتقليد ولزمه العمل وفق رأيه سواء وافق سائر المذاهب أم خالفها، والشيعة في هذا الجانب تخالف السنة في انسداد باب الاجتهاد بعد الأئمة الأربعة. بيد أن السنة والشيعة وإن اختلفوا فيما تقدم من الأمور فإنهم لا يختلفون في أصول الأحكام الإسلامية وأمهاتها وهذه الفوارق لا تخرجهما عن كونهما أمة واحدة وذات دين واحد. الإسلام عند الشيعة شريعة سهلة سمحة تحقق سعادة الإنسان في جميع نواحيه وفي كافة أدوار حياته وفيه مرونة تماشي جميع الأزمنة والأجيال. دونت الشيعة أصول الإسلام وفروعه وما يرجع إلي المسؤوليات الفردية والاجتماعية وتحملوا في سبيل ذلك جهودا مضنية وقد اضطروا في هذا المضمار (الاجتهاد في الأحكام الفرعية) إلي تأسيس علوم تعد مبادئ له حيث لا يتم [ صفحه 251] الاجتهاد إلا بها. وها نحن نشير إلي قليل من كثير من الفروع التي تعد أسسا وأركانا للإسلام: 1 - الصلاة: وهو ركن عظيم إسلامي، فيجب علي كل مسلم أن يقيم الصلوات اليومية في أوقاتها الخاصة إلي الجهة (القبلة) التي نص عليها القرآن وأطبق المسلمون عليها. 2 - الصوم: يجب علي كل مسلم أن يصوم شهر رمضان كله بادئا برؤية الهلال وخاتما بهلال شوال. 3 - الحج: يجب علي كل مسلم مستطيع أن يحج بيت الله الحرام ويجتمع مع سائر إخوانه في ذلك المشهد العظيم الذي ينعقد كل سنة مرة واحدة. 4 - الزكاة: وهي عند الشيعة ركن اجتماعي بارز، لها صلة وثيقة بسياسة المال في الإسلام، وهي حق الجماعة في عنق الفرد وضريبة إسلامية علي عاتق المكلفين - وقد حدد لها الإسلام نصابا وجعل لها شرائط، وأوضح مواضع صرفها، التي منها الفقراء والمساكين وفي " سبيل الله " وهو مصرف عام تحدده الظروف، ومنها تجهيز المجاهدين وعلاج المرضي وكل ما يمت لصالح الإسلام والمسلمين بصلة. 5 - الخمس: وهو ضريبة إسلامية أخري تتعلق بأموال المسلمين وله شرائط وحدود محررة في مواضعها. 6 - الجهاد: وهو ركن من أركان الإسلام، فيجب علي كل مسلم جهاد العدو وطرده إذا حاول القضاء علي الإسلام بتضحية النفوس والأموال. 7 و 8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هما لدي الشيعة من أفضل القربات أساسهما الدعوة إلي الحق ونبذ الباطل ومكافحة الفساد بألوانه المختلفة الفردية والاجتماعية علي ضوء العلم والمنطق الصحيح وهو وظيفة الشعب المسلم كله ولا يختص بطائفة دون أخري. [ صفحه 252]

نماذج من الوظائف الأخلاقية والاجتماعية عند الشيعة

المسلم من يكون متذكرا لخالقه، صادقا في أقواله، أمينا في أفعاله، محبا لإخوانه، مستطلعا عن أحوالهم، معينا لهم بما في وسعه بنفسه وماله، معتقدا بأن المسلم أخو المسلم وأن لكل أخ علي أخيه حقوقا متقابلة متساوية والأخوة من أوثق الوشائج بين أفراد الإنسان، ولذلك أسماهم كتاب الله إخوة، كما قال تعالي: - (إنما المؤمنون إخوة) - [337] . الإنسان عند الشيعة يرجع بجميع ألوانه وأنسابه إلي أصل واحد لا فضل لفرد علي آخر بلون أو نسب أو جنس إلا بالتقوي والإيمان، وأن الناس جميعا كأسنان المشط سواسية في ما لهم وما عليهم. وقد أفرد غير واحد من علماء الشيعة كتبا فيما يرجع إلي الوظائف الفردية والاجتماعية وبحثوا في دقائق الحقوق صغيرها وكبيرها، وقد توسعوا في التحقيق، فلم يدعوا في القوس منزعا حتي حرروا حقوق الحيوان علي مقتنيه، حين لم يكن لهذه البحوث في الجوامع الغربية وزن ولا قيمة، وقد احتذوا في ذلك حذو صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام. [ صفحه 253] يجب علي كل مسلم عند الشيعة أن يعول نفسه وعياله، ويسعي لتأمين قوته ولا يجوز له ترك السعي، نعم يجب عليه في سعيه مراعاة أصول الفضيلة والأخلاق ولا يجوز له الاسعاف والركض إلي كل مظنة ولو كانت ساقطة، فإن شرف النفس فوق شرف الترفه في المعاش. اتفقت الشيعة علي أن المسكرات ولحم الخنزير والميسر والربا وكل ما يمس بكرامة الإنسان حرام إلا أن المحرمات غير منحصرة فيما مر. المواساة والتعاون من أهم الأصول الاجتماعية لدي الشيعة، إذ بالتعاون يقوم صرح الاجتماع، وقد ندب إليه الإسلام لما قال صلي الله عليه وآله وسلم: " من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ". إن الشيعة كسائر الفرق الإسلامية يجعلون للإنسان وكل ما يمت إليه وزنا وقيمة وبالأخص لدمه، فمن قتل نفسا أو سفك دما أو جرح إنسانا، فقد جعل الله لوليه سلطانا إما أن يقتص منه أو يأخذ الدية المقررة. ويهتم المذهب الشيعي بفرض نظم خاصة بالنسبة إلي الأدب البيتي والعائلي فقد فرض علي الرجل المسلم القيام بتربية أولاده وتهذيبهم وأوصي المسلمين بمواصلة الأقارب والأرحام سواء القريب منهم أو البعيد، وعد تجافي القريب عن قريبه من قطع الرحم والانحراف عن الجادة المنشودة للإسلام، كما ركز علي حقوق الجار وآداب الجوار وتوثيق الصلة بين أفراد المجتمع بالدعوة للألفة والوئام. اتفقت الشيعة والسنة علي أن الإسلام نهي عن الاسترسال في الشهوات، غير أنه أباح لكل مسلم أن يتزوج بأكثر من واحدة - (مثني وثلاث ورباع) - لكن [ صفحه 254] مشروطا بشروط كثيرة لا يتسني لكل إنسان تحملها. وتتصور الدواعي الدافعة للإنسان إلي تعدد الزوجات في عدة أمور، فربما يكون الرجل شبقا فلا تقوم الزوجة الواحدة بحاجته، أو تكون الزوجة خامدة الشهوة، أو تكون ناحلة الجسم، أو تكون عقيما، إلي غير ذلك من العوامل الدافعة إلي تعدد الزوجات. ولا نزال نلمس من الغربيين روح استنكار للشرقيين في تزوجهم لأكثر من زوجة واحدة ظنا منهم أن ذلك إرخاص لحقوق المرأة في حين أن الواقع خلافه. فالمسلم لثقته بنفسه في إقامة العدل والمساواة يقدم علي التزوج بأكثر من واحدة، علي أن الروابط المشروعة لا تقاس بالسفاح ومطاردة النساء كما تلوح علي الجيل المائع في عصرنا الحاضر. اتفقت الشيعة علي أنه يلزم علي كل مسلم أن يساهم مع سائر الأمة في المسائل الاجتماعية والسياسية فإن الإسلام ليس دين رهبانية. [ صفحه 255]

الشيعة و علم الكلام عبر القرون السبعة

اشاره

إن الذي أكد عزمي علي الكتابة في هذا الموضوع، ما وقفت عليه في كلام المستشرق " آدم متز " مؤلف كتاب " الحضارة الإسلامية في القرن الرابع " [338] ، وقد خص الفصل الخامس من كتابه بالشيعة، ولم يكن عنده من كتبهم إلا مخطوط علل الشرائع للصدوق (306 - 381 ه) وقد عثر عليه في مكتبة برلين، ولم يذكر في هذا الفصل شيئا مهما عن هذه الطائفة سوي المعارضات والفتن التي دارت بين السنة والشيعة في القرن الثالث والرابع في عاصمة الخلافة " بغداد " وغيرها، وقد جمع تلك المعارضات بجد وحماس، وكأنه يريد أن يلخص الشيعة في إثارة الفتنة والفساد، كأنهم لم يلعبوا دورا كبيرا في الدين والأدب، ولم يشاركوا المسلمين في بناء الحضارة الإسلامية، وإن أشار في ثنايا كتابه إلي بعض الشخصيات اللامعة منهم كنصير الدين الطوسي، وليته يقتنع في ترسيم تلك الطائفة بما ذكر، ولم يتهمهم بكونهم تبعا للمعتزلة في الأصول والآراء، وأنه لم يكن لهم في القرن الرابع مذهب كلامي مدون، وإليك نص كلامه: [ صفحه 256] " إن الشيعة هم ورثة المعتزلة، ولا بد أن تكون قلة اعتداد المعتزلة بالأخبار المأثورة مما لائم أغراض الشيعة، ولم يكن للشيعة في القرن الرابع (300 - 400) مذهب كلامي خاص بهم، فتجد مثلا أن عضد الدولة (المتوفي 372 ه) وهو من الأمراء المتشيعين يعمل علي حسب مذهب المعتزلة، ولم يكن هناك مذهب شيعي للفاطميين، ويصرح المقدسي بأنهم يوافقون المعتزلة في أكثر الأصول، وعلي العكس من هذا نجد الشيعة الزيدية يرتقون بسند مذهب المعتزلة حتي ينتهي إلي علي بن أبي طالب " رضي الله عنه "، ويقولون: إن واصلا أخذ عن محمد بن علي ابن أبي طالب، وأن محمدا أخذ عن أبيه، والزيدية، يوافقون المعتزلة في أصولهم إلا في مسألة الإمامة، ويدل علي العلاقة الوثيقة بين المعتزلة والشيعة أن الخليفة القادر جمع بينهما حينما نهي في عام (408) عن الكلام والمناظرة في الاعتزال والرفض (مذهب الشيعة)، والمقالات المخالفة للإسلام. ثم إن الطريقة التي سار عليها ابن بابويه القمي أكبر علماء الشيعة في القرن الرابع الهجري في كتابه المسمي بكتاب " العلل " تذكرنا بطريقة علماء المعتزلة الذين يبحثون عن علل كل شئ. [339] إن في كلام الأستاذ موارد للتأمل والنقاش: 1 - اتهام الشيعة بقلة الاعتداد بالأخبار المأثورة كقلة اعتداد المعتزلة بها. يلاحظ عليه: أن الشيعة أول من اهتم بتدوين الحديث ودراسته ونقله حينما كانت كتابة الحديث ممنوعة ونقلها أمرا مكروها يعرف ذلك من درس تاريخ الحديث عند الشيعة، ولهم في كل قرن من القرون الأربعة - التي يكتب هو عن القرن الأخير منها - محدثون كبار، منهم: الشيخ الصدوق الذي وقف علي كتابه [ صفحه 257] " علل الشرائع "، فقد ألف عشرات الكتب والرسائل في الحديث [340] ، وقد ألفت الشيعة في عصر الإمام علي عليه السلام إلي عصر الإمام العسكري عليه السلام (المتوفي 260 ه) في حقل الحديث ما يتجاوز الألوف يقف عليها من سبر الكتب الرجالية [341] ، وبما أن الموضوع واضح جدا لا نطيل الكلام فيه. 2 - إن عضد الدولة وهو من الأمراء المتشيعين يعمل علي حسب مذهب المعتزلة. يلاحظ عليه: أنه لم يكن للمعتزلة آنذاك مذهب فقهي حتي يعمل علي وفقه أمير الشيعة في عصره، والاعتزال مذهب كلامي لا مذهب فقهي. فلا صلة له بالعمل، وتفسيره بالاعتقاد بمذهب المعتزلة يناقض كونه من المتشيعين، لأن الطائفتين تفترقان في مسألة الإمامة افتراقا واضحا، وتخصيصه بالاعتقاد بسائر الأصول غير الإمامة كما تري. 3 - إن الزيدية يرتقون بسند مذهب المعتزلة إلي علي بن أبي طالب، ويقولون: إن واصلا أخذ عن محمد بن الحنفية. يلاحظ عليه: أن واصلا ولد عام 80 ه، - أو بعده بقليل - وتوفي محمد بن الحنفية ذلك العام أو بعده بسنة، فكيف يصح له أن يأخذ عنه واصل بن عطاء؟! والصحيح أن يقول: إن واصلا أخذ عن أبي هاشم: عبد الله بن محمد ابن الحنفية وهو عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام. [342] . [ صفحه 258] 4 - إن الخليفة القادر منع الطائفتين عن الكلام عام 408 ه. يلاحظ عليه: أن الشيعة والمعتزلة يتوافقان في التمسك بالعقل وتحليل العقائد عن طريق الدليل العلمي، ويخالفون الحنابلة والأشاعرة بالجمود علي ظواهر النصوص، وكانوا يناظرون القشريين، ولأجل ذلك منعهما الخليفة عن الكلام والجدل، وهذا لا يكون دليلا علي اتفاقهما في جميع الأصول سوي الإمامة، بل الجامع بينهما هو التعويل علي العقل في مجال العقيدة. 5 - إن الطريقة التي سار عليها ابن بابويه القمي في كتابه " العلل " تذكرنا بطريقة علماء المعتزلة. يلاحظ عليه: أن المؤلف وقف علي كتاب الصدوق وقوفا عابرا. فإن الصدوق جمع فيه الأحاديث الواردة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وآله حول علل الأحكام ومصالحها الواردة عن طريق الشرع، وأين ذلك من صنع المعتزلة الذين قاموا بتحليل الأصول الاعتقادية عن طريق العقل وحكموه فيما لا مجال فيه؟ ولأجل ذلك عادوا إلي تأويل كثير من ظواهر الكتاب والسنة التي لا تلائم عقائدهم وأصولهم. وعلي أية حال، فلنعد إلي كلامه الذي لأجله عقدنا هذا المقال وهو: " إن الشيعة ورثة المعتزلة وإنه لم يكن للشيعة في القرن الرابع مذهب كلامي خاص بهم ". وقد اغتر بكلامه هذا بعض من تأخر عنه من الكتاب، كأحمد أمين المصري في " فجر الإسلام " وغيره وهو الذي وقف علي كتاب " الحضارة الإسلامية " باللغة الألمانية، واختار هذا الكتاب للترجمة وشجع محمد عبد الهادي أبو ريدة علي ترجمته. [343] . [ صفحه 259] ففي هذا المقال نعالج المواضيع التالية: 1 - المنهج الصحيح في تفسير المعارف القرآنية. 2 - علم الكلام وعوامل نشأته الداخلية والخارجية. 3 - بدايات المسائل الكلامية في القرنين الأول والثاني. 4 - الدفاع عن العقيدة والشريعة، وفهرس أسماء متكلمي الشيعة في القرون الأربعة. 5 - الجدل المستمر بين الشيعة والمعتزلة. 6 - الفوارق الفكرية بين الشيعة والمعتزلة. فيقع الكلام في فصول ستة: [ صفحه 260]

المنهج الصحيح في تفسير المعارف القرآنية

اشاره

يتميز الإنسان عن كل ذي روح وشعور، بقوة التفكير والتعقل، والجوهرة الفريدة التي بها يهتدي في ظلمات الحياة. فتنظيم المقدمات البديهية لغاية الاهتداء إلي حل المجاهيل من خصائصه وميزاته، فلو كرمه ربه، وحمله في البر والبحر وفضله علي كثير ممن خلق [344] ، فإنما هو بفضل تلك القوة التي لها الرئاسة التامة علي سائر القوي الجزئية الكامنة فيه. إن الإنسان مهما أسف إلي الأمور الدنية، فلا يستطيع إخلاء نفسه عن التعقل والاستدلال حتي أن الطغمة المنكرة للبرهنة، والداعية إلي الاقتصار علي الحس والتجربة، تراهم يبرهنون علي ذلك بالدليل وبالتالي يبطلون الاستدلال بالاستدلال. وهذا يعرب عن أن التفكير وحل المجهولات في ظل المعلومات من الأمور الفطرية التي لا تنفك عن الإنسان في حياته أبدا وإن تظاهر برفض القيم العقلية، والاقتصار في الحياة العلمية علي مجال الحواس. [ صفحه 261] جاء القرآن يدعو الإنسان إلي التفكير والاستدلال المنطقي، ويصده عن تقليد الآباء ويحرر عقله عن الأغلال التي خلفتها له الأجيال الغابرة حتي يكون علي بصيرة في حياته وأمر دينه وأخراه، ونسمع هتافه وصراخه ودويه في آيات كثيرة نقتصر منها علي ما يلي: قال سبحانه: - (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) - [345] . وقال عز وجل: - (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) - [346] ، فإذا كان الشكر هو صرف النعمة في موضعها، فشكر السمع والبصر هو إدراك المسموعات والمبصرات بهما. وشكر الفؤاد، درك المعقولات غير المشهودة الخارجة عن إطار الحس به، فمن فتح عينه علي الكون الفسيح وتدبر أسراره ودقائقه فقد شكره، ومن أقفل عقله وفؤاده، فقد كفر بنعمته. فلوح نفس كل إنسان يوم خلقت، خال عن كل علم وإدراك، ثم تنتقش فيها الأشياء والمعلومات شيئا فشيئا عن طريق الحس والعقل. وقال سبحانه حاكيا عن المشركين: - (إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون - قل أو لو جئتكم بأهدي مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) -. [347] وهذا ديدنه في غير واحد من الآيات، اكتفينا بما ذكر، روما للاختصار. [ صفحه 262] إن القرآن يخاطب العقل ويدعوه إلي التأمل والتفكر، ويخاطب القلب والضمير ويدعوه إلي التدبر في ما حوله من الأدلة الناطقة، ولأجل ذلك تري أن يستعمل مادة العقل بصور مختلفة " 47 " مرة، والتفكر كذلك " 18 " مرة، واللب " 16 " مرة، والتدبر " 8 " مرات، والنهي مرتين، وبذلك يرفع الإنسان من حضيض الجهل إلي أوج العلم والمعرفة. إن القرآن لم يقتصر علي الدعوة إلي التفكر والبرهنة بل طبقها في غير واحد من مجالات العقيدة والتشريع، فأثبت مقاصده بناصع بيانه، وساطع برهانه نأتي بنموذجين منها. الأول: قال سبحانه: - (أفرأيتم ما تمنون - ء أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون - نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين - علي أن نبدل أمثالكم وننشأكم في ما لا تعلمون - ولقد علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون - أفرأيتم ما تحرثون - ء أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون - لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون - إنا لمغرمون بل نحن محرومون - أفرأيتم الماء الذي تشربون - أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون - لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون - أفرأيتم النار التي تورون - أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) -. [348] فالله سبحانه يذكر في هذه الآيات شواهد ربوبيته، وأنه هو الخالق والمدبر، ولا خالق ولا مدبر سواه، وأن من يزعم أن هناك خالقا أو مدبرا غيره، فقد قصر فهمه أو قصر في تفكيره. فما أروع بيانه وأتقن برهانه، يذكر فيها أمر الخلق والزرع والماء والنار ويذكر دور الإنسان فيها، فأمره في الأول، لا يزيد علي أن يودع الرجل ما يمني، رحم امرأة ثم ينقطع عمله وعملها، فالعقل يحكم بأن هناك قدرة غيبية تأخذ في [ صفحه 263] العمل، تعمل في هذا الماء المهين، في تنميته وبناء هيكله ونفخ الروح فيه. وأمره في الثاني لا يزيد علي الحرث وإلقاء الحب والبذر الذي هو من صنعه سبحانه ثم ينتهي دوره فلا محيص عن وجود قدرة تحميه تحت التراب والطين وتجعله سنبلا أو سنابل فيها حبات كثيرة. وأما الماء فليس للإنسان فيه أي دور لكنه أصل الحياة وعنصرها، لا تقوم إلا به، فمن الذي خلقه وأنزله من المزن وأسكنه في الأرض، ومثله النار فليس له فيها شأن سوي أنه يوقدها، ولكن من الذي خلق وقودها وأنشأ شجرها الذي توقد. فقد عرض الذكر الحكيم هذه الأمور لغاية الاهتداء بها إلي الحقيقة التي تنتهي إليها كافة الحقائق والتي ينحصر بها التأثير في هذه الظواهر الكونية ولأجل ذلك ختم الآيات بقوله: - (فسبح باسم ربك العظيم) -. فكأن عالم الكون عملة لها وجهان: صورة حسية لامعة تخدع البسطاء الذين يقفون عليها ولا يتجاوزون عنها إلي غيرها، وصورة غيبية التي هي روحها وبها قوامها، وهي التي خلقها وأتقنها، - (صنع الله الذي أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون) -. [349] الثاني: قال سبحانه: - (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون - أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) -. [350] فلو فسرنا " الشئ " في الآية بالسبب والعلة فالجزء الأول من الآية يشير إلي برهان الإمكان الذي يقوم علي لزوم سبب [ صفحه 264] موجب لخروج الشئ من العدم إلي الوجود، والجزء الثاني منها يشير إلي بطلان كونهم خالقين أنفسهم، الذي يستقل العقل ببطلانه قبل أن يستقل ببطلان الدور اللازم عليه. ومن سبر هذه الآيات وتدبر فيها يقف علي مدي صحة قوله سبحانه: - (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شئ شهيد) -. [351] فيتخلص لنا من عرض هذه الآيات، أن القرآن، يحث علي المعرفة من طريق الحس والعقل، ويدعو إلي استغلالهما في مجاليهما، فالاقتصار علي الحس، بخس وخسران، كما أن الاكتفاء بالعقل وإلغاء الحس، مغالاة في حق العقل. فاليمين والشمال مضلة، والطريق الوسطي هي الجادة [352] فيستهدي إلي ما في القرآن من العلوم والمعارف القرآنية الباحثة عن ذاته سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله، بالحس والعقل، فهما جناحا الإنسان في سماء العلم والمعرفة ومجال التدبر والتفكر قال سبحانه: - (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) -. [353] .

المعارف القرآنية بين التعطيل والتشبيه

إن هناك من حبسوا أنفسهم في إطار المادة والماديات وجدران الزمان والمكان فتجدهم لا يأنسون بالمعارف العقلية إلا عن طريق التشبيه والمحاكات، فصعب عليهم فهم المعارف القرآنية، وعسر عليهم تصور أن في صحيفة الوجود [ صفحه 265] موجودا ليس له جسم ولا جهة ولا مكان، ولا يحويه زمان ولا مكان، ولا يوصف بالكيف والكم، وما هذا إلا لأنهم أسراء المادة والجسمانية، فوقعوا فريسة لمخالب التجسيم، وتورطوا في مخاطر التشبيه، فصاروا من المشبهة والمجسمة لا يتورعون عن وصفه سبحانه بكل ما توحي إليهم القوة الخيالية الأسيرة لعالم الحس والمادة، فأثبتوا لله سبحانه يدا ورجلا وعينا وغير ذلك مما جاء في الذكر الحكيم، وفسروها بالمعاني الإفرادية الملازمة للتجسيم، وكأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه: - (ليس كمثله شئ) - [354] ، أو لم يسمعوا قول الله سبحانه: - (ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) -. [355] وفي مقابل هؤلاء، المعطلة [356] ، وهم وإن تورعوا عن التجسيم والتشبيه ولكنهم عطلوا العقول عن المعارف بحجة أن البشر أعطي العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ولم يدرك الربوبية. [357] وكأن القائل يفسر العبودية بالقيام والقعود، والإمساك والصيام التي هي من واجبات الأعضاء، وغفل عن أن لها ركنا آخر يرجع إلي العقل واللب، فتعطيل العقول عن معرفة المعبود، بالمقدار المستطاع تعطيل لإقامة العبودية أو لجزئها، فلو اقتصر الإنسان في إقامة العبودية علي الجزء الأول من دون إدراك ما للمعبود من صفات الجمال والجلال، لكانت عبوديته كعبودية الحيوان والنبات والجماد، بل تكون أنزل منها. قال سبحانه: - (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها [ صفحه 266] لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) -. [358] فالحجر يستشعر بعظمته سبحانه حسب قابليته، ولكن الإنسان تفرض عليه تلاوة كتاب الله سبحانه ثم السكوت عليه. قد ورد في الذكر الحكيم مسائل، لا يحيط بها الحس، ولا تقع في إطار الطبيعة، وليست الغاية من طرحها، هو التلاوة والسكوت حتي تصبح تلاوة الآيات لقلقة لسان، لا تخرج عن تراقي القارئ بدل أن تتسرب إلي صميم الذهن وأعماق الروح. وإن كنت في ريب من وجودها، فلاحظ الآيات التالية: 1 - - (فأينما تولوا فثم وجه الله) -. [359] 2 - - (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) -. [360] 3 - - (وهو معكم أين ما كنتم) -. [361] 4 - - (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) -. [362] 5 - - (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما يصفون) -. [363] . [ صفحه 267] 6 - - (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) -. [364] إلي غير ذلك من الآيات الواردة حول ذاته وصفاته وأفعاله، التي هي من أمهات المعارف القرآنية. فلرواد العلم والمعرفة التدبر والتفكر فيها من خلال الاستعانة بالقضايا البديهية والنظرية المعتبرة والتدبر في الآيات الواردة في هذا الشأن، وبما أن المقدمات بديهية الصدق أو قطعية لدي العقل، والآيات الواردة حول موضوع واحد خالية عن التناقض والاختلاف، تكون النتيجة أمرا قطعيا وحجة بين الإنسان وربه. إن تعطيل العقول عن التدبر فيها إسدال الستار علي المعارف القرآنية، وخسارة عظمي للعلم وأهله، وعدم خوض السلف من الصحابة والتابعين، لا يكون دليلا علي حرمة الخوض، وليس السلف قدوة في التروك لو سلمنا كونهم قدوة في الأفعال، كما ليس الخلف بأقل منهم في صحة الاقتداء.

القول الحاسم في المقام

إن هؤلاء أي الذين يحرمون الخوض في المعارف العقلية، ويقولون: إن واجبنا هو الإيمان والإقرار أو التلاوة والسكوت، خلطوا مرحلة الإيمان القلبي المطلوب من جميع الناس، بمرحلة الفهم والنظر العقلي الذي لا يقوم به إلا الأماثل من الناس، وصاحب المواهب والمؤهلات الفكرية الخاصة، وما ذكروه راجع إلي المرحلة الأولي فإن الإيمان المنقذ من الضلال والعذاب، هو الاعتقاد بصحة ما جاء في الكتاب العزيز حول أسمائه وصفاته وأفعاله، حتي في مجالات [ صفحه 268] الصفات الخبرية من اليد والوجه والعين والاستواء علي العرش، وبما أن الأكثرية الساحقة لا يستطيعون فهم ما فيها من الدقائق والمعارف وربما يكون الخوض منتهيا إلي ما لا يحمد، كفي لهم الإيمان والإقرار والإمرار والسكوت، وما نقل عن الإمام مالك (المتوفي 179 ه): إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله ما البدع؟ قال: أصحاب البدع هم الذين يتكلمون في أسمائه وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان [365] لعله ناظر إلي هذه الطائفة الذين لو خاضوا فيها، فسدوا وأفسدوا، ولم يأتوا بشئ. وأما إذا انتقل إلي المرحلة الثانية أي مرحلة الفهم والدراية والبحث والنظر وصياغة العقائد في ضوء الكتاب والسنة والعقل، فلا يصح له الاكتفاء بالإقرار والإمرار، فإن الاستطلاع أمر طبيعي للبشر، وهو أحد الأبعاد الأربعة الروحية له، فلا يمكن كبح جماح فهمه ونظره بحجة أن الصحابة والتابعين سكتوا عنه، وكأن السلف هم القدوة دون الذكر الحكيم، ودون النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعترته الذين تكلموا فيها، وأضاءوا الطريق لسالكيه، وكأن قوة التفكير والنظر والمواهب العقلية المودعة في الإنسان خلقت سدي وبلا غاية. وهل يمكن أن يفرض علي عمالقة الفكر وأصحاب المواهب العقلية أن يقفوا دون هذه المعارف ويطفئوا نور عقلهم وفي التالي يكونوا كأجلاف البيداء لا هم لهم سوي الأكل والشرب والسير طلبا للماء والعشب؟! وعلي هذا فيجب تصنيف الناس علي صنفين، قابل وغير قابل، مستعد وغير مستعد، فلو صح الحرمان فإنما للسوقة من الناس دون من أوتي تفكيرا قويا واستعدادا وقادا. [ صفحه 269] ثم إنه كما يجب تصنيف الناس يجب تصنيف المسائل بين ما يمكن للإنسان الخوض فيه والرجوع بفكر صحيح، وما لا يمكن للإنسان دركه وفهمه، فإن البحث عن ذاته سبحانه أمر غير ممكن إذ ليس كمثله شئ حتي يعرف الذات به، ولأجل ذلك ورد النهي الأكيد عن البحث والجدال في ذاته، ومثله البحث عن حقيقة الوحي والنبوة، أو عن حقيقة الجنة والنار، إلي غير ذلك من الأمور الغيبية التي لا يلمسها ولا يدركها إلا نبي يوحي إليه أو إنسان خرج من الدنيا ودخل الآخرة والواجب فيها الإيمان فقط، قال سبحانه: - (الذين يؤمنون بالغيب) - [366] . فإن الإنسان المحبوس في سجن المادة، لا يمكن له درك حقيقتها، وإن كان له البحث عن آثار الوحي والنبوة وخصائصهما. ثم إنه لا محيص للمانعين عن الخوض في المعارف القرآنية بل العقلية علي الإطلاق، عن سلوك أحد طريقين: 1 - التلاوة والسكوت والإمرار والإقرار وتفويض معانيها إلي منزلها. 2 - الأخذ بظواهر الآيات الحرفية وتفسيرها بظواهرها الحرفية. أما الأول فينتهي إلي تعطيل العقول عن المعارف وبالتالي يتنزل الإنسان إلي حد الحيوان ويكون وظيفة الحكيم العارف المقتدر علي درك دقائق التوحيد ورقائقها نفس وظيفة الجاهل البائل علي عقبه، في مجال العقيدة والتفكير، وهو كما تري. وأما الثاني فهو ينتهي إلي التشبيه والتجسيم، وأقصي ما عند هؤلاء الذين يأخذون بالظواهر الحرفية هو ضم كلمة " بلا كيف ولا تمثيل " إلي مفاد هذه الآيات، فيقولون: إن لله يدا ورجلا وعينا واستواء علي العرش بنفس المعني اللغوي، ولكن بلا كيف ولا تمثيل. [ صفحه 270] يلاحظ عليه أولا: أنه لم ترد تلك الجملة في نص قرآني ولا سنة نبوية، فمن أين لهم هذه الجملة وتفسير الآيات علي ضوئها، أليس الواجب هو تعطيل الفهم، والجمود علي ما ورد في النصوص؟ والمفروض أنه لم يرد فيها هذه الجملة. وثانيا: أن اليد وأضرابها موضوعة حسب اللغة للأعضاء المحسوسة، التي لها هيئات ومواصفات وهي مقوماتها، فإجراؤها علي الله سبحانه مع حفظ المقومات، يستلزم التشبيه والتمثيل، ومع عدمها، يستلزم التأويل، فاليد في - (يد الله فوق أيديهم) - [367] إما مستعملة في اليد المحسوسة فهو مثار التشبيه، وإما في غيرها فهو مثار التأويل الذي يفرون منه فرار المزكوم من المسك. وهذه المضاعفات ناشئة عن الجمود علي الظواهر الحرفية والأخذ بالظهور التصوري، دون الظهور التصديقي الذي لا يخالف العقل قيد شعرة في آية من الآيات. إن الدعوة السلفية التي أحدثت ضجة هذه الأيام قد طرحت الصفات الخبرية علي صعيد البحث في الآونة الأخيرة، وتصر علي الأخذ بمعانيها الحرفية، وقد عرفت أنها تنتهي إلي التجسيم أو التأويل. ومن المؤسف جدا إن أكثر السلفيين كانوا يصرون علي الأخذ بحرفية الصفات، وإليك بعض نصوصهم: 1 - قيل لعبد الله بن مبارك: كيف يعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة وعلي العرش بائن من خلقه. 2 - وقال الأوزاعي: إن الله علي عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. [ صفحه 271] 3 - وقال الدارمي في مقدمة كتابه " الرد علي الجهمية " استوي علي عرشه فبان من خلقه. 4 - وقال القرطبي في تفسير قوله سبحانه: - (ثم استوي علي العرش) - [368] وقد كان السلف لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم، والكافة بإثباتها لله تعالي كما نطق كتابه وأخبرت رسله ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوي علي عرشه حقيقة. [369] - (ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي) -. [370] .

شبهات عقيمة

إن للمانعين عن الخوض في المسائل العقلية شبهات طرحوها أمام السالكين، نذكرها مع التحليل: 1 - إذا كان الإنسان قادرا علي فهم المسائل، فما معني قوله سبحانه: - (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) - [371] وقوله سبحانه: - (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه) -. [372] 2 - إن البحث والحوار في المسائل الغيبية يورث الشقاق والتخاصم بين [ صفحه 272] المسلمين، قال سبحانه: - (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) -. [373] والإجابة عن هذه الشبه واضحة، أما الآية الأولي فإن الإنسان مهما بلغ من العلم فعلمه بالنسبة إلي الأسرار الكامنة في صحيفة الكون والوجود، ضئيل جدا، فأين عقله المحدود من العالم اللا محدود؟ فإن نسبة ما يعلمه إلي ما لا يعلمه كنسبة الذرة إلي المجرة، فهو لم يعرج من سلم العلم والمعرفة إلا درجات معدودة لا يعتد بها. وأما الآية الناهية عن اتباع المتشابه: فهي علي عكس المقصود أدل، فإن الأخذ بحرفية الظواهر فيما يرجع إلي الله سبحانه وصفاته وأفعاله اتباع للمتشابه وإن لم يكن ابتغاء للفتنة، بخلاف ما إذا قلنا بجواز الخوض فإن الواجب عندئذ هو إرجاع المتشابهات إلي المحكمات وتفسيرها بها، لأنها أم الكتاب كما قال سبحانه: - (هن أم الكتاب) -. وأما الدليل الثاني، أعني كون البحث عن المعارف القرآنية مورثا للشقاق فهو تجاهل بقيمة ذلك العلم، فإن الذي يورث الشقاق هي العوامل النفسية الكامنة في ذات المجادل التي تصده عن اتباع الحق فيلقي أشواكا في طريق الحقيقة. ولو سلمت نفسه عن الأهواء لحسم الخلاف وانعدم الشقاق. إن الجدال إذا انتهي إلي المراء في الدين، يحرم بلا إشكال، ولكن إذا كانت المجادلة علي أساس علمي، ودافع موضوعي، وقصد منها كشف المجاهيل في ظل تلاقي الأفكار، فليس بحرام قطعا، وعليها بنيت الحضارة العلمية فإنه من قبيل دراسة العلم ومذاكرته التي أمر بها الإسلام. إن الله سبحانه، أمر نبيه بالمجادلة بالتي هي أحسن، وقال: - (وجادلهم بالتي [ صفحه 273] هي أحسن) -. [374] وقال عز وجل: - (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) -. [375] وقال تعالي: - (ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) -. [376] وقد نقل سبحانه احتجاج إبراهيم علي عبدة الأجرام السماوية والأصنام الأرضية وقال: - (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين - فلما جن عليه الليل رأي كوكبا) - - إلي أن قال: - - (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) -. [377] وقد تضمنت تلك الآيات أروع البراهين وأتقن الأدلة في إبطال ربوبية الأجرام والأصنام وحصرها في الله سبحانه. إلي غير ذلك من الحجاج والحوار الوارد في الذكر الحكيم. إن " أهل السنة " نسبوا إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، النهي عن الخوض في موضوعات عالم الغيب، ولكنه يعارض سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وجداله مع الوثنيين والأحبار والرهبان بوحي من الله سبحانه، ويكفي في ذلك دراسة الآيات الواردة في ذلك المجال، وقد جمعنا احتجاجات النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحواره مع المشركين وأهل الكتاب في موسوعتنا " مفاهيم القرآن " [378] وهي مبثوثة في السور القرآنية. [ صفحه 274] وحصيلة البحث، أن النهي عن الخوض في المعارف الإلهية التي للعقل فيها مجال النظر، تجميد للعلم والمعرفة، وإيقاف للركب الحضاري عن المسير في طريق التكامل الفكري، وإن الصراع العلمي إذا كان بدافع كشف الحقيقة فهو من أدوات المعرفة، وعليه جرت سيرة العلماء المحققين. وإذا أردت أن تلمس ذلك بوضوح قارن بين ما يدرسه السلفيون في مجال العقائد في عصرنا هذا، مع ما كتبه الشيخ الرئيس في الشفاء، أو المحقق الطوسي في التجريد تري البساطة والسذاجة في الأول، والعمق والتحقيق في الآخرين. إن كتب العقائد عند السلفية لا تتجاوز عن نقول عن ذلك الصحابي، وهذا التابعي، بلا تحليل ومثل هذه لا تفيد إلا للطبقة الساذجة المثقفون الجامعيون الذين يريدون تحليل العقائد وتبيينها علي أسس منطقية فلا تفيدهم تلك الكتب أصلا لو لم نقل أنها تنفرهم عن الإسلام. ولو كان ما ذكره صحيحا، لعم البلاء جميع الشرائع السماوية، فإن نزول شريعة تلو الأخري، أورث ذلك الخلاف والجدل.

زلة لا تستقال

إلي هنا تبين أن الخوض في المسائل العقلية لمن له أهلية أمر معقول وكمال للنفس وعمل بالقرآن. ثم إن بعض رواد التفكير الحنبلي والسلفي زعم صحة نهي الرسول والصحابة عن الخوض في موضوعات عالم الغيب وقال: وكان أحري بالمتكلمين أن ينتهجوا نفس النهج إلا أن الحق أن يقال: ما كان ذلك منهم عن زيغ في القلوب أو ابتغاء فتنة وإنما أكرهوا علي ذلك إكراها واضطروا إلي ذلك اضطرارا [ صفحه 275] أحل المحظور. [379] يلاحظ عليه: أن الكتاب العزيز هو الذي فتح باب التفكير في المعارف الإلهية، فكيف يمكن للنبي صلي الله عليه وآله وسلم النهي عنه، وأين هذا النهي، ومن نقله وأين يوجد؟ وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان كانوا علي صنفين: فعلي عليه السلام وعترته وشيعته، فقد فتحوا أبواب المعارف في وجوه المسلمين، ومن سبر خطب الإمام علي عليه السلام ورسائله وكلمه القصار، أو رجع إلي أدعية الإمام زين العابدين والأحاديث المروية عن الصادقين يجد فيها كمية هائلة من البحوث القيمة حول المبدأ و المعاد، وأفعال العباد، وأما غيرهم فكانوا يمرون علي المعارف ويرون أن الفريضة تلاوتها وقراءتها لا الخوض في معانيها وحقائقها، وعند ذلك فالاستدلال بسكوت قسم من السلف وإسدال الستار علي تكلم الآخرين خروج عن طور الإنصاف. ثم إذا كان خوض السابقين في هاتيك المسائل من باب الاضطرار والضرورة المبيحة للمحظور، فقد ارتفع المسوغ في هذه الأيام بعد تأليف مئات الكتب في الكلام والعقائد، فما هو المسوغ لارتكاب المؤلف للمحظور، ومخالفة النهي الصريح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم؟!!! والتمرد علي سيرة السلف الصالح، بوضع كتاب في علم الكلام في عدة أجزاء. [ صفحه 276]

علم الكلام و عوامل نشأته

اشاره

إن علم الكلام كسائر العلوم الإنسانية، ظاهرة علمية نشأت بين المسلمين في ظل أسباب سيوافيك بيانها، ولا يقتصر هذا العلم علي المسلمين فحسب بل كانت للا مم السابقة مذاهب كلامية ومدارس دينية يبحث فيها عن اللاهوت والناسوت، وقد ألف غير واحد من علماء اليهود والنصاري كتبا كلامية يرجع تاريخها إلي القرنين الخامس والسادس. وأما عوامل نشأته بين المسلمين فتتلخص في عامل داخلي وآخر خارجي، وإليك البيان:

القرآن هو المنطلق الأول لنشوء علم الكلام

إن القرآن المجيد هو المنطلق الأول لنشوء علم الكلام ونضجه وارتقائه عند المسلمين، وإليه يرجع كل متكلم إسلامي باحث عن المبدأ وأسمائه وصفاته وأفعاله، وقد تضمن القرآن إشارات فلسفية وعقلية قامت علي أسس منطقية مذكورة في نفس الآيات أو معلومة من القرائن. فمن سبر القرآن الكريم فيما يرجع إلي التوحيد بأنواعه يجد الحجج الملزمة، والبينات المسلمة التي لا تدع لباحث الشك فيها. كما أنه أرفق الدعوة إلي المعاد والحياة الأخروية بالبراهين المشرقة، والدلائل الواضحة التي لا تقبل الخدش. [ صفحه 277] إن القصص الواردة في القرآن الكريم تتضمن احتجاجات الأنبياء وصراعهم الفكري مع الوثنيين والمعاندين من أهل اللجاج، فهي مما يستند إليها المتكلم في آرائه الكلامية. كما تتضمن بحوثا في الإنسان وأفعاله ومسيره ومصيره، وغير ذلك مما جعل القرآن الكريم المنطلق الأول لنشأة علم الكلام في الإسلام.

السنة هي المنطلق الثاني

إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ناظر المشركين وأهل الكتاب بمرأي ومسمع من المسلمين، وهذه احتجاجاته مع نصاري نجران في العام العاشر من الهجرة، حتي أنه صلي الله عليه وآله وسلم بعدما أفحمهم دعاهم إلي المباهلة، وقد حفل التاريخ وكتب السير والتفسير بما دار بين الرسول وبطارقة نجران وقساوستهم، وقد استدلوا علي ألوهية المسيح بقولهم: هل رأيت ولدا من غير ذكر؟ فأفحمهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بإيحاء من الله: إن مثل عيسي في عالم الخلقة كمثل آدم، وقد خلق من غير أب ولا أم، فليس هو أبدع ولا أعجب منه [380] . إن النهي عن كتابة الحديث نجم عنه خسارة فادحة أدت إلي ضياع الكثير من احتجاجات النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومناظراته مع المشركين وأهل الكتاب، فقد ذهبت كذهاب سائر خطبه، ولكن الشيعة اقتداء بالعترة احتفظت بكثير من هذه المناظرات في كتبهم الحديثية، فمن سبرها يري فيها بحوثا ومناظرات تصلح لأن تكون هي المنطلق في الصدر الأول لأهل الكلام من الشيعة وغيرهم [381] . [ صفحه 278]

خطب الإمام علي هي المنطلق الثالث

إن خطب الإمام ورسائله وكلمه القصار، التي حفظها التاريخ عن العصف والضياع لأوضح دليل علي أن الإمام كان هو المؤسس للا صول الكلامية خصوصا فيما يرجع إلي التوحيد والعدل، وبين يديك نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي مما وصل إليه من خطبه، تجد فيه من الأصول الكلامية ما لا تجده في غيره، وإلي ذلك يشير السيد المرتضي في أماليه فيقول: " اعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - وخطبه، فإنها تتضمن من ذلك ما لا زيادة عليه ولا غاية وراءه. ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه إنما هو تفصيل لتلك الجمل وشرح لتلك الأصول، وروي عن الأئمة من أبنائه عليهم السلام في ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه فطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة ولقاح للعقول العقيمة " [382] . وقال ابن أبي الحديد: " إن أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف، ومن كلامه عليه السلام اقتبس، وعنه نقل، ومنه ابتدئ وإليه انتهي، فإن المعتزلة - الذين هم أصل التوحيد والعدل وأرباب النظر ومنهم من تعلم الناس هذا الفن - تلامذته وأصحابه، لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه، وأما الأشعرية فإنهم ينتمون إلي أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي أحد مشايخ [ صفحه 279] المعتزلة فالأشعرية ينتهون بالآخرة [383] إلي أستاذ المعتزلة ومعلمهم، وهو علي بن أبي طالب " [384] .

العترة الطاهرة و دورهم في نشوء هذا العلم

اشاره

إن العترة الطاهرة وإن أقصيت عن القيادة الإسلامية، إلا أنه أتيحت لهم الفرصة في آخر عهد الأمويين وأوائل حكومة العباسيين، في شرح المعارف وتوضيح الحقائق وتربية رواد الفكر، وإرشاد الحكيم إلي دلائل وبراهين لا يقف عليها إلا الأوحدي من الناس والتلميح إلي نكات عرفانية، لا يدركها إلا العارف المتأله. ففي أدعية الإمام زين العابدين إشارات كلامية وتلميحات عرفانية، كما أن في الأحاديث المروية عن الصادقين والكاظمين كمية هائلة من البحوث الكلامية، والمناظرات العلمية التي أدت إلي نضوج علم الكلام الإسلامي بوجه واضح، وها نحن نذكر احتجاجين قصيرين للإمامين الصادق والرضا عليهما السلام ليكونا نموذجين لما لم نذكره:

مناظرة الإمام الصادق مع أحد القدرية

روي العياشي: أنه طلب عبد الملك بن مروان من عامله بالمدينة أن يوجه إليه محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام حتي يناظر رجلا من القدرية وقد أعيا الجميع، فبعث أبو جعفر ولده مكانه، فقدم الشام وتسامع الناس بقدومه لمخاصمة القدرية، فقال عبد الملك لأبي عبد الله: إنه قد أعيانا أمر هذا القدري، فقال الإمام: [ صفحه 280] " إن الله يكفيناه " فلما اجتمعوا، قال القدري لأبي عبد الله عليه السلام: سل عما شئت؟ فقال له: " اقرأ سورة الحمد ". قال: فقرأها، فلما بلغ قول الله تبارك وتعالي: - (إياك نعبد وإياك نستعين) - فقال جعفر: " قف! من تستعين؟ وما حاجتك إلي المؤونة أن الأمر إليك "، فبهت الرجل [385] . إن القدرية هم أسلاف المعتزلة، وقد تبنت فكرة استغناء الممكن في فعله (لا في ذاته) في عصر خلافة عبد الملك (65 - 86 ه) وكان لها دوي في عصره، وقد أخذتها المعتزلة عنهم وصقلتها وجعلتها من توابع القول بالعدل وغفلت عن أن القول بالحرية إلي حد الاستغناء عن الواجب ينسجم مع التنزيه لكنه يهدم التوحيد الذاتي، فيكون الممكن مثل الواجب في الاستغناء عن غيره في مقام الإيجاد، ولأجل ذلك تضافرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام:" لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين " [386] .

احتجاج الإمام الرضا مع أبي قرة

قال أبو قرة للإمام الرضا عليه السلام: إنا روينا أن الله عز وجل قسم الرؤية والكلام بين اثنين، فقسم لموسي عليه السلام الكلام، ولمحمد صلي الله عليه وآله وسلم الرؤية. فقال أبو الحسن عليه السلام: " فمن المبلغ عن الله عز وجل إلي الثقلين: الجن والإنس - (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) - [387] و - (ولا يحيطون به علما) - [388] و - (ليس كمثله شئ) - [389] أليس محمدا صلي الله عليه وآله وسلم؟! " قال: بلي. قال: " فكيف يجئ رجل إلي الخلق [ صفحه 281] جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلي الله بأمر الله، ويقول: - (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) - و - (ولا يحيطون به علما) - و - (ليس كمثله شئ) - ثم يقول: أنا رأيته بعيني وأحطت به علما، وهو علي صورة البشر! أما تستحيون، ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا: أن يكون يأتي عن الله بشئ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر " [390] . ومن وقف علي كتب أهل الحديث والأشاعرة، يقف علي أن لهم في إثبات الرؤية، إصرارا عجيبا، وتري أن الإمام كيف قطع الطريق علي أبي قرة الذي اغتر بأحاديث مدسوسة اختلقتها اليهود وأنصارهم وبثوها بين المسلمين، ولولا ضيق المجال لنقلت قسما وافرا من خطبهم ومناظراتهم عليهم السلام في مجال العقائد حتي تقف علي أن حديثهم هو المنطلق الرابع لنشوء علم الكلام ونضوجه وتكامله. فمن المؤسف جدا أن يتهم شيعة العترة الطاهرة بما في كلام المستشرق (آدم متز) فقد وصفهم بأنه لم يكن للشيعة مذهب كلامي إلي القرن الرابع، مع أن فيهم أئمة المسلمين وقادة الأمة الذين يصدق فيهم قول الشاعر: من تلق منهم، تلق كهلا أو فتي علم الهدي بحر الندي المورودا إلي هنا، تبين أن أحد الأسباب لنشوء علم الكلام هو العامل الداخلي الذي لا يتجاوز عن إطار القرآن والسنة النبوية وكلمات العترة الطاهرة، وهناك عامل خارجي صار سببا لنمو الأفكار الكلامية المأخوذة عن الأصول الموجودة في الكتاب والسنة وهو وجود الصراع الفكري بين المسلمين وغيرهم، وإليك بيانه: [ صفحه 282]

الاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري

إذا كان الكتاب والسنة وحديث العترة الطاهرة هو المنطلق لنشوء علم الكلام وظهوره بين المسلمين، فقد كان للاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري دور خاص في ذلك المجال، وهو أنه دفع عجلة علم الكلام إلي الأمام، وصار سببا لنموه ونضوجه بين المسلمين، ولولا هذا الصراع الفكري لما نمت تلك البذور الطيبة الكامنة في الكتاب والسنة، وما استوت علي سوقها، وهذان العاملان (الداخلي والخارجي) وإن صارا سببا لنشوء هذا العلم وتكامله إلا أن دور الأول، يخالف دور الثاني، فالأول يعد مصادر علم الكلام ومنابعه ومناشئه، وأما الثاني، فهو الذي أيقظ المفكرين من المسلمين حتي ينموا ما تعلموه في مدرسة الدين من الأصول والعقائد، وإليك بيان ذلك العامل الخارجي. بعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم بدين عالمي، ونبوة خاتمة، وكتاب خاتم للكتب، والمهيمن عليها، وبث شريعته الغراء في ربوع الجزيرة العربية في بضع سنين، إلي أن مضي إلي جوار ربه، وراية الإسلام خفاقة عالية، تدين أهلها بالتوحيد، وتكافح الثنوية، وتؤمن بالحياة الأخروية وتعمل بسنن الإسلام وطقوسه. وقد أحس المسلمون بواجبهم - بعد رحلته - وهو نشر الإسلام وبسطه في العالم كله ودعوة جميع البشر علي مختلف قومياتهم إلي الانضواء تحت راية الإسلام، بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم كسر الأصنام والأوثان بالجهاد المتواصل، وبذل النفس والنفيس في سبيله، حتي تصبح الأجواء صافية، والظروف حرة، وترتفع العوائق والموانع بغية دخول الناس في دين الله زرافات ووحدانا عن طوع ورغبة، بلا خوف ولا رهبة من طواغيت العصر. قام المسلمون بواجبهم ففتحوا البلاد، ونشروا الثقافة الإسلامية بين الأمم المتحضرة والتي كانت تتمتع - وراء الآداب والفنون والعلوم والصناعات - بمناهج [ صفحه 283] فلسفية، وآراء كلامية لا يذعن بها الإسلام. وقد كان في ذلك الاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري تأثير بالغ عاد علي الإسلام والمسلمين بالخير الكثير إلا أن هذا الاحتكاك لا يخلو عن مضاعفات، وهي انتقال تلك الآراء والأفكار إلي الأوساط الإسلامية وهم غير متدرعين تجاه تلك الشبهات والمشاكل. وأعان علي ذلك أمر ثان وهو انتقال عدة من الأسري إلي العواصم الإسلامية فانتقلوا إليها بآرائهم وأفكارهم وعقائدهم المضادة للإسلام وأسسه، وكان بين المسلمين من لم يتورع في أخذ هاتيك العقائد الفاسدة، نظراء: عبد الكريم ابن أبي العوجاء، وحماد بن عجرد، ويحيي بن زياد، ومطيع بن أياس، وعبد الله بن المقفع إلي غير ذلك بين غير متدرع أو غير متورع، فأوجد ذلك بلبلة في الأفكار والعقائد بين المسلمين. أضف إلي ذلك أمرا ثالثا كان له التأثير الحاسم في بسط الإلحاد والزندقة وهو نقل الكتب الرومانية واليونانية والفارسية إلي اللغة العربية من دون نظارة ورقابة وجعلها في متناول أيدي الناس، وقد ذكر ابن النديم تاريخ ترجمة تلك الكتب فقال: " كان خالد بن يزيد بن معاوية محبا للعلوم، فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان ممن كان ينزل مدينة مصر، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلي العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلي لغة، ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية إلي العربية في أيام الحجاج، وكان أمر الترجمة يتقدم ببطء، إلي أن ظهر المأمون في ساحة الخلافة، فراسل ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة، المدخرة في بلد الروم، فأجاب إلي ذلك بعد امتناع، فبعث المأمون جماعة، منهم: الحجاج بن مطر، [ صفحه 284] وابن بطريق، ومحمد بن أحمد والحسين بنو شاكر المنجم، فجاءوا بطرائف الكتب، وغرائب المصنفات في الفلسفة والهندسة وغيرهما "، ثم ذكر ابن النديم أسماء النقلة من اللغات المختلفة إلي اللغة العربية، وجاء بأسماء كمية هائلة [391] فأخذوا يصبون ما وجدوه من غث وسمين في كتب الوثنيين والمسيحيين علي رؤوس المسلمين، وهم غير متدرعين وغير واقفين علي جذور هذه الشبه، مع أنها كانت تزعزع أركان الإسلام. فقد أثار انتقال هذه الشبه والعقائد والآراء إلي أوساط المسلمين ضجة كبري بينهم، فافترقوا إلي فرقتين: فرقة اقتصرت في الذب عن حياض الإسلام بتضليلهم وتكفيرهم وتوصيفهم بالزندقة وتحذير المسلمين من الالتقاء بهم وقراءة كتبهم والاستماع إلي كلامهم، إلي غير ذلك مما كان يعد مكافحة سلبية والتي لا تصمد أمام ذلك السيل الجارف. وفرقة قد أحسوا بخطورة الموقف وأن المكافحة السلبية لها أثرها المؤقت، وإن ذلك الداء لو لم يعالج بالدواء الناجع سوف يعم المجتمع كله أو أكثره، فقاموا بمكافحة إيجابية أي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال الذي يستحسنه الإسلام، فأزالوا شبهاتهم، ونقدوا أفكارهم في ضوء العقل والبرهان، وقد نجحوا في ذلك نجاحا باهرا، وهؤلاء هم الشيعة خريجو مدرسة أهل البيت أولا، والمعتزلة أتباع واصل بن عطاء ثانيا الذين أخذوا أصول مذهبهم عن علي عليه السلام بواسطتين: 1 - أبي هاشم ابن محمد بن الحنفية. 2 - محمد ابن الحنفية ابن علي بن أبي طالب. [ صفحه 285] ففي تلك الأجواء المشحونة بالبحث والجدل استفحل أمر الكلام، أي العلم الباحث عن المبدأ وأسمائه وصفاته وأفعاله لغاية الذب عن الإسلام، فكان علم الكلام وليد الحاجة، ورهن الصراع الفكري مع التيارات الإلحادية المتحدية للإسلام والمسلمين، وفي هذه الظروف العصيبة قام أهل البيت عليهم السلام بتربية جموع غفيرة من أصحاب المواهب للذب عن الإسلام وأصوله أولا، وحريم الولاية ثانيا، في ضوء العقل والبرهان، فصاروا يناظرون كل فرقة ونحلة بأمتن البراهين وأسلمها، وقد حفظ التاريخ أسماء لفيف من الرافلين في حلل الفضائل والمعارف، وسوف يوافيك أسماؤهم لاحقا. [ صفحه 286]

بدايات المسائل الكلامية في القرنين الأولين

اشاره

قد عرفت أن القرآن والسنة، وأحاديث العترة الطاهرة هي المنطلق الحقيقي لنشوء علم الكلام وأن المسلمين بطوائفهم المختلفة كانوا يصدرون عنها، نعم كان للقاء الحضاري والاحتكاك الثقافي دور هام في تكامل علم الكلام وكثرة مسائله، فالكتاب والسنة كانا مرجعين للاهتداء إلي موقف الإسلام فيها، واللقاء الحضاري كان سببا لطرح المسائل في الأوساط، وانتقال الأذهان إليها، وعلي كل حال أصبح الأمران سببا لنشوء علم الكلام ونضوجه بين المسلمين علي نزعاتهم المختلفة. إن كتاب الملل والنحل يصرون علي أن الاختلاف في الإمامة كان أول اختلاف ديني وأعظم خلاف بين الأمة. يقول الإمام أبو الحسن الأشعري: أول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد وفاة نبيهم اختلافهم في الإمامة [392] . ويقول الشهرستاني: إن الاختلاف في الإمامة أعظم خلاف بين الأمة، إذ ماسل سيف في الإسلام علي قاعدة دينية مثل ما سل علي الإمامة في كل زمان [393] . [ صفحه 287] يلاحظ عليه: أن الاختلاف في الإمامة بعد أيام الخلفاء وإن أصبح اختلافا كلاميا، فذهبت الشيعة إلي أنها تنصيصية والسنة إلي غيرها، لكن الاختلاف يوم ارتحل الرسول لم يكن اختلافا في قاعدة دينية، وجدالا في مسألة كلامية بل كان جدالا سياسيا محضا، لم يكن مبنيا علي قاعدة دينية، إذ كان علي عليه السلام وأهل بيت النبي ولفيف من شيعة الإمام بعيدين عن السقيفة وما جري فيها، مشغولين بتجهيز النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأما الأنصار فكانوا يرون أنفسهم أولي بإدارة الأمور لأنهم آووا النبي ونصروه، وكان المهاجرون يرون أنفسهم أولي بها لأنهم أصل النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعشيرته، من دون أن يبحث أحد من الفئتين عن القاعدة الدينية في مجال الإمامة، وأنها هل هي التنصيص، أو الشوري أو غيرهما، وما هو الملاك فيها؟ بل كانت هذه الأمور مغفولا عنها يوم ذاك، وكان الهدف هو تسنم منصة الخلافة وتداول كرتها بين أبنائهم وعشيرتهم، حتي لو لم تكن حكومة الرسول حكومة دينية وكان الرسول قائدا بشريا مات عنها، لقام المهاجرون والأنصار بنفس ذلك الجدال، وكل سعي إلي جر النار إلي قرصه. فما في أكثر الكتب الكلامية من تصوير الاختلاف في مسألة الإمامة، اختلافا كلاميا ناشئ عن النظر إليها فيما بعد السقيفة، وأما إذا نظرنا إليها من منظار المهاجرين والأنصار، فالاختلاف بينهم لم يكن نزاعا كلاميا ودينيا بل سياسيا بحتا، مبنيا علي تناسي النص، وتصوير الخلافة الإسلامية كخلافة موروثة من القائد لأمته، وإلا فلو كان النزاع علي أساس ديني، لما كان للاختلاف مجال، وكفتهم هتافات الرسول في بدء الدعوة، ويوم ترك المدينة لغزوة تبوك، ويوم الغدير وغيرها. وإليك نماذج من بدايات المسائل الكلامية في القرنين الأولين: [ صفحه 288]

مسألة التحكيم

إن أول خلاف ظهر بين المسلمين، وصيرهم فرقتين، هو مسألة التحكيم في وقعة صفين، والمسألة يوم ذاك وإن اصطبغت بصبغة سياسية لكن كان لها أساس ديني، وهو أن الخوارج خالفوا عليا عليه السلام وانعزلوا عن جنده بحجة أن حكم الله في الباغي، هو مواصلة الحرب والجهاد حتي يفئ إلي حكم الله لا التصالح وإيقاف الحرب، وحجتهم وإن كانت مردودة لأجل أن التحكيم إنما فرض علي الإمام، لا أنه قبله عن اختيار وحرية، والخوارج هم الذين فرضوه عليه، ولم يكتفوا بذلك حتي فرضوا عليه صيغة التحكيم ووثيقته، وحتي المحكم الذي يشارك فيه مع مندوب معاوية، إلا أن هذا الاعوجاج الفكري صار سببا لتشكل فرقتين متخاصمتين إلي عهود وقرون. وبذلك يفترق اختلافهم مع اختلاف أمثال طلحة والزبير ومعاوية إذ لم يكن اختلافهم حول المبادئ وإنما طمعوا أن يكونوا خلفاء و... ولذلك لم يثيروا إلا مشاكل سياسية دموية، بخلاف اختلاف الخوارج فإن اختلافهم كان حول المبادئ وكانوا يرددون كلمة " لا حكم إلا لله " وكان علي عليه السلام وحواريه ابن عباس يحتجان عليهم بالقرآن والسنة. وبظهور الخوارج علي الصعيد الإسلامي، ورفضهم التحكيم، طرحت مسائل أخري بين المسلمين شكلت مسائل كلامية عبر القرون، وهي:

حكم مرتكب الكبيرة

إن الخوارج كانوا يحبون الشيخين ويبغضون الصهرين، بمعني أنهم كانوا يوافقون عثمان في سني خلافته إلي ست سنين، ولما ظهر منه التطرف والجنوح [ صفحه 289] إلي النزعة الأموية، واستئثار الأموال أبغضوه، وأما علي عليه السلام فقد كانوا مصدقيه إلي قضية التحكيم، فلما فرض عليه التحكيم وقبل هو ذلك المخطط عن ضرورة واضطرار، خالفوه ووصفوه باقتراف الكبيرة، - فعند ذاك - نجمت مسألة كلامية وهي ما هو حكم مرتكب الكبيرة؟ وقد استفحل أمرها أيام محاربة الخوارج مع الأمويين الذين كانوا معروفين بالفسق والفجور، وسفك الدماء وغصب الأموال، فكان الخوارج يحاربونهم بحجة أنهم كفرة لا حرمة لدمائهم ولا أعراضهم ولا نفوسهم لاقترافهم الكبائر. وعلي أي تقدير ففي المسألة أقوال: ألف. مرتكب الكبيرة كافر. ب. مرتكب الكبيرة فاسق منافق. ج. مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق. د. مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا فاسق بل منزلة بين المنزلتين. فالأول خيرة الخوارج، والثاني مختار الحسن البصري، والثالث مختار الإمامية والأشاعرة، والرابع نظرية المعتزلة.

تحديد مفهوم الإيمان

وقد انبثق من هذا النزاع، نزاع كلامي آخر وهو: تحديد مفهوم الإيمان، وإن العمل داخل في حقيقة الإيمان أو لا؟ فعلي قول الخوارج والمعتزلة، فالعمل مقوم للإيمان، بخلافه علي القول الآخر، وقد صارت تلك المسألة ذات أهمية في الأوساط الإسلامية وانتهت إلي مسألة أخري، وهي زيادة الإيمان ونقصه بصالح الأعمال وعدمها. [ صفحه 290]

الارجاء والمرجئة

إن فكرة إرجاء حكم مرتكب الكبيرة إلي الله سبحانه تعالي، أو إرجاء حكم الصهرين إلي الله سبحانه، حتي لا ينبس فيهما المسلم ببنت شفة، أخذت تنمو حتي تحولت إلي الإباحية التي تنزع التقوي من المسلم وتفتح أمامه أبواب المعاصي، وهو تقديم الإيمان وتأخير العمل، وإن المهم هو الاعتقاد القلبي والعمل ليس شيئا يعتد به، وإن التعذيب إنما يكون علي الكفر، وإما التعذيب علي اقتراف المعاصي فغير معلوم، وقد اشتهر عنهم قولهم: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

مسألة القضاء والقدر

اشاره

إن مسألة القضاء والقدر وإن كان لها جذور قبل بزوغ نجم الإسلام وبعده، لكنها أخذت لنفسها أهمية خاصة في عصر الأمويين حيث كانوا يبررون استئثارهم وأعمالهم الإجرامية بالقضاء والقدر، فصار ذلك سببا، لوقوع المسألة مثارا للبحث والنقاش بين المفكرين المسلمين. فالمسألة وإن كانت مطروحة بين المسلمين قبل الأمويين لكنها لم تشكل تيارا فكريا ولا مذهبا كلاميا. روي الواقدي في مغازيه عن أم الحارث الأنصارية وهي تحدث عن فرار المسلمين يوم حنين قالت: مر بي عمر بن الخطاب (منهزما) فقلت: ما هذا؟ فقالعمر: أمر الله [394] . [ صفحه 291] وقد كانت تلك الفكرة سائدة حتي بعد رحلة النبي صلي الله عليه وآله وسلم روي عبد الله بن عمر أنه جاء رجل إلي أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ قال: نعم. قال: الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال: نعم يا بن اللخناء، أما والله لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك [395] .

استغلال الأمويين للقدر

لقد اتخذ الأمويون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيئة وكانوا ينسبون وضعهم الراهن بما فيه من شتي ضروب العيث والفساد إلي القدر. قال أبو هلال العسكري: إن معاوية أول من زعم أن الله يريد أفعال العباد كلها [396] . ولأجل ذلك لما سألت أم المؤمنين عائشة، معاوية عن سبب تنصيب ولده يزيد للخلافة والإمامة أجابها: أن أمر يزيد قضاء من القضاء وليس للعباد الخيرة من أمرهم [397] . وبهذا أيضا أجاب معاوية عبد الله بن عمر عندما استفسر معاوية عن تنصيبه يزيد فقال: إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعي في تفريق ملئهم وأن تسفك دماءهم وأن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم [398] . وقد كانت الحكومة الأموية الجائرة متحمسة إلي تثبيت هذه الفكرة في المجتمع الإسلامي وكانت تواجه المخالف بالشتم والضرب والإبعاد. [ صفحه 292] قال الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه " نظرية الإمامة ": إن معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب، ولكن بإيديولوجية تمس العقيدة في الصميم، فلقد كان يعلن في الناس أن الخلافة بينه وبين علي عليه السلام قد احتكما فيها إلي الله، وقضي الله له علي علي، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أن اختيار يزيد للخلافة كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد يستقر في أذهان المسلمين، أن كل ما يأمر به الخليفة حتي لوكانت طاعة الله في خلافه (فهو) قضاء من الله قد قدر علي العباد [399] . وقد سرت هذه الفكرة إلي غير الأمويين من الذين كانوا في خدمة خلفائهم وأمرائهم فهذا عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الإمام الشهيد الحسين عليه السلام لما اعترض عليه عبد الله بن مطيع العدوي، بقوله: اخترت همدان والري علي قتل ابن عمك، فقال عمر: كانت أمور قضيت من السماء، وقد أعذرت إلي ابن عم يقبل الوقعة فأبي إلا ما أبي [400] . ويظهر أيضا مما رواه الخطيب عن أبي قتادة عندما ذكر قصة الخوارج في النهروان لعائشة، فقالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " تفترق أمتي علي فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم، يحفون شواربهم، أزرهم إلي أنصاف سوقهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبهم إلي، وأحبهم إلي الله ". قال فقلت: يا أم المؤمنين فأنت تعلمين هذا، فلم كان الذي منك؟! قالت: يا أبا قتادة وكان أمر الله قدرا مقدورا وللقدر أسباب [401] . [ صفحه 293] وقد كان حماس الأمويين في هذه المسألة إلي حد قد كبح ألسن الخطباء عن الإصحار بالحقيقة، فهذا الحسن البصري الذي كان من مشاهير الخطباء ووجوه التابعين وكان يسكت أمام أعمالهم الإجرامية، ولكن كان يخالفهم في القول بالقدر بالمعني الذي كانت تعتمد عليه السلطة آنذاك. فلما خوفه بعض أصدقائه من السلطان، فوعد أن لا يعود، روي ابن سعد في طبقاته عن أيوب قال: نازلت الحسن في القدر غير مرة حتي خوفته من السلطان، فقال: لا أعود بعد اليوم [402] . كيف وقد جلد محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية المعروفة في مخالفته في القدر قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: إن محمد بن إسحاق اتهم بالقدر، وقال الزبير عن الدراوردي: وجلد ابن إسحاق يعني في القدر [403] . إذا كانت العوامل الداخلية سببا لإثارة المسائل السابقة، فقد أثار العامل الخارجي أي الاحتكاك والصراع الفكري بين المسلمين وأهل الكتاب مسائل أخري نشير إلي أهمها:

مسألة التشبيه والتنزيه

تلتقي اليهودية مع الإسلام في التوحيد والنبوة، لكنها تفارقها في أوصاف الرب، فالتوراة تصف الإله بصورة بشر وله صورة، ويقول: خلق الله آدم علي صورته [404] ، وإذا عمل يتعب فيحتاج إلي الاستراحة، يقول: وفرغ الله في اليوم السادس في عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع [405] وأنه يمشي بين رياض الجنة وله نداء [406] إلي غير ذلك مما ورد في العهد القديم من التشبيه والتجسيم [ صفحه 294] والتمثيل، وقد دست الأحبار كثيرا من البدع بين الأحاديث لاعتماد الرواة علي أناس نظراء: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وتميم الداري وغيرهم. فأصبحت مسألة التشبيه وحديث الصفات الخبرية الواردة ذات أهمية كبري فرقت المسلمين إلي طوائف واستفحل أمرها بوجود روايات التشبيه والتجسيم في الصحاح والمسانيد التي عكف علي روايتها المحدثون السذج، غير العارفين بدسائس اليهود ومكرهم. فحسبوها حقائق راهنة، والخلاف في تفسير الصفات الخبرية بعد باق إلي يومنا هذا.

النسخ في الشريعة

إن مسألة إمكان النسخ في مجال التشريع اكتسبت لنفسها مكانة بين المسائل الكلامية، وبما أن طائفة اليهود كانت منكرة لنبوة المسيح والنبي الخاتم صلي الله عليه وآله وسلم، عادت إلي إنكار إمكان النسخ متمسكة بما جاء في التوراة: " إن هذه الشريعة مؤبدة عليكم ولازمة لكم ما دامت السماوات لا نسخ لها ولا تبديل " ومستدلة بأن النسخ مستلزم للبداء أي الظهور بعد الخفاء. فصارت تلك الفكرة سببا لطرحها في المحافل الإسلامية، فأخذ المتكلمون بالبحث والنقد وأن النص في التوراة إما منحول أو مؤول، وإن النسخ لا يستلزم البداء المستحيل وإنما هو إظهار بعد إخفاء، وإنه من قبيل الدفع لا الرفع.

عصمة الأنبياء

إن أبرز ما يفترق فيه القرآن عن العهدين هو مسألة حياة رجال الوحي والهداية الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: - (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) - [ صفحه 295] [407] وقد ذكر من قصصهم الشئ الكثير فلا تجد فيه شيئا يمس كرامتهم أو يحط من مقامهم وأما التوراة والإنجيل (المحرفتان) فقد جاءا بأساطير خيالية تمس كرامة الله أولا، وكرامة أنبيائه ثانيا، فالأنبياء فيها يشربون الخمر [408] يمكرون [409] ويقترفون الزنا [410] إلي غير ذلك مما يخجل القلم عن بيانه. فصار ذلك سببا لطرح مسألة العصمة بين المسلمين، فهم بين مثبت وناف ومفصل، وإن كان النافي بينهم أقل.

حدوث القرآن و قدمه

كان أهل الحديث ملتزمين بعدم اتخاذ موقف خاص فيما لم يرد فيه نص عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو عهد من الصحابة إلا أنهم خالفوا منهجهم في هذه المسألة وقد كانت تلعب وراءها يد الأجانب، فقد طرحها يوحنا الدمشقي في كتابه فعلم أتباعه المسيحيين أن يسألوا المسلمين عن السيد المسيح فإذا أجابوهم بنص قرآنهم: - (إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه) - [411] فيقولوا هل كلمة الله وروحه مخلوقة أم غير مخلوقة؟ فإن قالوا مخلوقة، فألزموهم بأن معناه أن الله كان ولم تكن له كلمة ولا روح وإن قالوا قديمة يثبت قدم المسيح، وكونه ابن الله وأحد الثلاثة [412] . وقد كان للتخطيط المسيحي أثره الخاص فأوجدت تلك المسألة ضجة [ صفحه 296] كبري بين المسلمين، فالمحدثون علي عدم كونه مخلوقا والمتفكرون كالشيعة والمعتزلة علي الحدوث. فهذه المسائل الأربع، دخلت أوساط المسلمين وتناولها المفكرون بالبحث والنقاش، لدافع خارجي، كما عرفت. هذه نماذج من المسائل الكلامية التي طرحت في القرن الأول والثاني، ولم تزل المسائل تطرح واحدة بعد الأخري حسب امتداد الصراع الفكري بين المسلمين وسائر الشعوب من مسيحية ويهودية ومجوسية وبوذية، فقد دفع هذا الاحتكاك الثقافي عجلة علم الكلام إلي الأمام، فأصبح المتكلمون يبحثون عن مسائل أخري ربما تقع ذريعة للرد علي الإسلام، إلي أن صار علم الكلام، علما متكامل الأركان متشعب الفنون ناضج الثمار داني القطوف. [ صفحه 297]

متكلمو الشيعة عبر القرون

اشاره

قد تعرفت علي رؤوس المسائل الكلامية التي شغلت بال المفكرين المسلمين عبر القرنين: الأول والثاني، ومن حسن الحظ أن أئمة أهل البيت عليهم السلام، أخذوها بالبحث والتحليل في خطبهم ورسائلهم وقصار كلمهم، وإنهم وإن أقصوا عن سدة الحكم والخلافة لكن الأمة عكفت علي بابهم فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة، واعترفت بمرجعيتهم فيهما حتي المتقمصين للخلافة. ولو أنك سبرت ما أثر عن أمير المؤمنين عليه السلام وولديه السبطين، وما ورد في أدعية السجاد عليهم السلام لوجدت في كلامهم إشارات لتلك المسائل، نذكر بعض النماذج منها. كان لمسألة القضاء والقدر دوي في العقد الثالث والرابع من الهجرة وكان القدر بمعني السالب عن الاختيار متفشيا بين المسلمين، وقد سأل الإمام عليا عليه السلام أحد أصحابه عند منصرفه من صفين - وكان انطباعه عن التقدير أنه لا دور للإنسان في محاسن أفعاله ومساويها - وقال: أخبرنا عن خروجنا إلي أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: " أجل يا شيخ، فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من [ صفحه 298] الله وقدر ". فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي [413] يا أمير المؤمنين، فقال: " مهلا يا شيخ: لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي والزجر، ولسقط معني الوعيد والوعد، ولم يكن علي مسيئ لائمة ولا لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولي باللائمة من المذنب، والمذنب أولي بالإحسان من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها، يا شيخ إن الله عز وجل كلف تخييرا، ونهي تحذيرا، وأعطي علي القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا - (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) - [414] ". قال: فنهض الشيخ وهو يقول: أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه إحسانا [415] وفي كلام آخر له ينهي فيه البسطاء عن الخوض في القدر فقال عليه السلام: " طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه " [416] . إن خطب الإمام أو رسائله وقصار كلمه، مملوءة بالمعارف الإلهية، [ صفحه 299] والأجوبة علي هذه المسائل وأشباهها، وقد عرفت كلام الشارح الحديدي أن المتكلمين أخذوا أصولهم عن خطبه. استشهد الإمام بسيف الجور والظلم، وجاء دور السبط الأكبر، فقد قام بنفس الدور، وكان مرجعا للمسائل والأحكام، نذكر نموذجا مما أثر عنه.

رسالة الحسن البصري إلي السبط الأكبر

كان الحسن البصري خطيب القوم ومتكلمهم، وكان يشار إليه بالبنان خصوصا في أواخر القرن الأول، ووقع كثير من أهل الحديث في ورطة الجبر زعما منهم أن القول بالقضاء والقدر، يسلب الحرية عن الإنسان، ويجعله مكتوف الأيدي في الحياة، هذا، ومن جانب آخر، فإن تلك الفكرة تضاد الفطرة الإنسانية وتجعل جهود الأنبياء والأولياء وعلماء التربية تذهب سدي. فكتب الحسن البصري إلي السبط يسأله عن تلك المعضلة، وإليك السؤال والجواب: أما بعد: فإنكم معشر بني هاشم، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيرة الشاهرة، أو كسفينة نوح عليه السلام التي نزلها المؤمنون، ونجا فيها المسلمون، كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السلام، فإن من علم الله علمكم، وأنتم شهداءعلي الناس والله الشاهد عليكم - (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) - [417] . فأجابه الحسن عليه السلام: " بسم الله الرحمن الرحيم، وصل إلي كتابك، ولولا ما [ صفحه 300] ذكرته من حيرتك وحيرة من مضي قبلك إذا ما أخبرتك، أما بعد: فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره وإن الله يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصي علي الله فقد فجر، إن الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يهمل العباد سدي من المملكة، بل هو المالك لما ملكهم والقادر علي ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا، ونهاهم تحذيرا، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادا، وإن انتهوا إلي معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها، فعل، وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا، ولا ألزموها كرها، بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم، لا جبلا لهم علي ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبرا لهم علي ما نهاهم عنه، ولله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين، والسلام علي من اتبع الهدي " [418] .

مكافحة السبطين للتشبيه

قد كان للأحبار والرهبان دور مهم في بث أحاديث التجسيم بين المسلمين، فكان القول به متفشيا بين أهل الحديث ولكن السبطين كافحاه بخطبهم وكلامهم. وقد خطب الحسن بن علي عليه السلام وقال: " الحمد لله الذي لم يكن فيه أول معلوم، ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، فلا تدرك العقول أوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها صفته فتقول: متي ولا بدئ مما، ولاظاهر علي ما، ولا باطن فيما " [419] . [ صفحه 301]

سؤال نافع بن الأزرق عن الإله الذي يعبد

كان نافع بن الأزرق من رؤوس الخوارج ومتطرفيهم، وكان يتعلم من ابن عباس ما يجهله من مفاهيم القرآن، نقل عكرمة عن ابن عباس أنه بينما كان يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال له: يا ابن عباس تفتي الناس في النملة والقملة، صف لي إلهك الذي تعبد؟! فأطرق ابن عباس إعظاما لقوله، وكان الحسين بن علي جالسا ناحية فقال: " إلي يا ابن الأزرق "، قال ابن الأزرق: لست إياك أسأل. قال ابن عباس: يا ابن الأزرق، إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع نحو الحسين عليه السلام، فقال له الحسين عليه السلام: " يا نافع إن من وضع دينه علي القياس لم يزل الدهر في الالتباس، سائلا ناكبا عن المنهاج، ظاعنا بالاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل. يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير منقص، يوحد ولا يتبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال ". فبكي ابن الأزرق، وقال: يا حسين ما أحسن كلامك! قال له الحسين عليه السلام: " بلغني أنك تشهد علي أبي وعلي أخي بالكفر وعلي؟ " قال ابن الأزرق: أما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام ونجوم الأحكام، فقال له الحسين عليه السلام: " إني سائلك عن مسألة "، قال: اسأل، فسأله عن هذه الآية: - (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة) - [420] . يا ابن الأزرق من حفظ في الغلامين؟ " قال ابن الأزرق: أبوهما. قال [ صفحه 302] الحسين: " فأبوهما خير أم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ " قال ابن الأزرق: قد أنبأنا الله تعالي أنكم قوم خصمون [421] .

دور الإمام السجاد في الدفاع عن العقيدة

اشاره

قام الإمام السجاد بنفس الأمر الذي قام به جده وأبوه وعمه، فقال لما سئل عن التوحيد: إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالي: - (قل هو الله أحد) - والآيات الست من أول سورة الحديد وهي: بسم الله الرحمن الرحيم - (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم - له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو علي كل شئ قدير - هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم - هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير - له ملك السماوات والأرض وإلي الله ترجع الأمور - يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور) - [422] . روي الشيخ المفيد أن علي بن الحسين عليه السلام كان في مسجد رسول الله ذات يوم إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه، ففزع لذلك وارتاع له، ونهض حتي أتي قبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فوقف عنده، ورفع صوته يناجي ربه، فقال في مناجاته له: " إلهي بدت قدرتك، ولم تبد هيئة جلالك، فجهلوك، وقدروك بالتقدير علي غير ما أنت به، شبهوك وأنا برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس [ صفحه 303] كمثلك شئ إلهي ولم يدركوك، وظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي مندوحة عن أن يناولوك، بل سووك بخلقك، فمن ثم لم يعرفوك واتخذوا بعض آياتك ربا، فبذلك وصفوك، فتعاليت يا إلهي عما به المشبهون نعتوك " [423] . وقد ضاق المجال علي الإمام، وكانت السلطة لا تسمح له بالكلام والخطابة، فتفرغ إلي العبادة ومناجاة ربه، وخلف أدعية ضمت في طياتها، بحرا من المعرفة ودقايق العرفان. هذا دور أئمة الشيعة الأربعة في القرن الأول وقد تربي في مدرستهم رجال ذبوا عن حياض العقيدة، بكل ما يملكون من حول وقوة، وإليك أسماء بعضهم:

سلمان الفارسي

وله مشاهد ومواقف جليلة لا سيما بعد انتزاع الخلافة من أهل بيت النبي الأكرم، وقد خطب بعد رحلة النبي صلي الله عليه وآله وسلم خطبة مطولة قال فيها: ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا، فإن عند علي علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب علي منهاج هارون بن عمران، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسي "، ولكنكم أصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سبيلكم، والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقا عن طبق سنة بني إسرائيل، القذة بالقذة، أما والله لو وليتموهما عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم فأبشروا بالبلاء، واقنطوا من الرخاء، ونابذتكم علي سواء وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء... [424] . [ صفحه 304]

ابوذر الغفاري جندب بن جنادة

جندب بن جنادة ذلك الصحابي الجليل الذي كانت له مواقف مشهودة بعد رحلة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأيام خلافة عثمان، حتي لفظ نفسه في صحراء لا ماء فيها ولا كلاء لأجل تلك المواقف، وقد قال في حقه النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر "، وهو الذي أخذ بحلقة باب الكعبة ونادي بأعلي صوته: " أنا جندب بن جنادة لمن عرفني، وأبو ذر لمن لم يعرفني، إني سمعت رسول الله يقول: " إن مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق "، ألا هل بلغت؟ " [425] . وله مواقف حاسمة مع كعب الأحبار في مجلس الخليفة في تفسير آية الكنز وغيرها، وقد حفظتها كتب التاريخ والتفسير.

عبدالله بن عباس

حبر الأمة وعالم الشريعة، تلميذ الوصي المعروف بحجاجه ومناظراته مع الخوارج وغيرهم، وقد حفلت كتب التفسير بآرائه وأفكاره في العقائد والتفسير، وقد ذكر السيوطي في إتقانه مناظرة الخوارج معه في لغات قرآنية [426] .

حجر بن عدي الكندي

من أصحاب علي عليه السلام ويصفه الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام بقوله منددا بعمل معاوية حيث قتله بشهادة مزورة حاكها زياد بن أبيه، " ألست القاتل [ صفحه 305] حجرا أخا كندة، والمصلين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة " [427] وقد استشهد في مرج عذراء عام 51 ه. قال ابن الأثير في أسد الغابة بعد عده من الصحابة: هو المعروف بحجر الخير، شهد القادسية وكان من فضلاء الصحابة، وكان علي كندة بصفين، وعلي الميسرة يوم النهروان، وشهد الجمل أيضا مع علي عليه السلام وكان من أعيان صحابته [428] .

كميل بن زياد النخعي

الذي يعرفه ابن حجر وغيره بقوله: كميل بن زياد بن نهيك بن الهيثم النخعي، حدث عن علي وغيره، شهد صفين مع علي، وكان شريفا مطاعا، ثقة عابدا علي تشيعه، قليل الحديث قتله الحجاج ووثقه ابن سعد وابن معن [429] . أقول: كان كميل من خيار الشيعة وخاصة أمير المؤمنين، طلبه الحجاج فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأي كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير وقد نفذ عمري، ولا ينبغي أن أكون سببا في حرمان قومي، فأستسلم للحجاج، فلما رآه قال له: كنت أحب أن أجد عليك سبيلا، فقال له كميل: لا تبرق ولا ترعد!، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل الغبار، فاقض فإن الموعد الله عز وجل، وبعد القتل الحساب، ولقد أخبرني أمير المؤمنين أنك قاتلي، فقال الحجاج: الحجة عليك إذا!، فقال: ذلك إن كان القضاء لك، قال: اضربوا عنقه [430] . [ صفحه 306] كفي في وعيه ومعرفته وعرفانه أن الإمام علمه دعاءه المعروف باسمه، وفيه من النكات البديعة والإشارات اللطيفة التي لا يتحملها إلا الأوحدي.

الاصبغ بن نباتة

التميمي الحنظلي المجاشعي الكوفي من خاصة أمير المؤمنين وعمر بعده. روي عنه عليه السلام عهد الأشتر ووصيته إلي ابنه، قال المفيد: كان رحمه الله من خواص أصحابه عليه السلام، وكثير الحب له، وكان رجلا فاضلا، كثير الرواية، متفقا في حديثه من كبار التابعين، وكان أكثر رواياته عن أمير المؤمنين عليه السلام وله روايات كثيرة في فنون العلم، وأبواب الفقه والتفسير والحكم وغيرها [431] .

زيد بن صوحان العبدي

عده الشيخ الطوسي من أصحاب أمير المؤمنين قائلا: كان من الأبدال، قتل يوم الجمل، وقيل استرجعت عائشة حين سمعت أنه قتل [432] ولما صرع يوم الجمل جلس علي عند رأسه فقال: " رحمك الله يا زيد، لقد كنت خفيف المؤنة، عظيم المعونة "، فرفع زيد رأسه ثم قال: وأنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين... والله ما قاتلت معك علي جهالة، ولكن سمعت أم سلمة زوج رسول الله تقول: سمعت رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "، فكرهت أن أخذلك فيخذلني الله. [ صفحه 307] وكتبت عائشة من البصرة إلي زيد بن صوحان: من عائشة زوج النبي إلي ابنها زيد بن صوحان أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فاجلس في بيتك وخذل الناس عن علي بن أبي طالب، حتي يأتيك أمري، فلما قرأ كتابها قال: أمرت بأمر وأمرنا بغيره، فركبت ما أمرنا به، وأمرتنا أن نركب ما أمرت به، أمرت أن تقر في بيتك وأمرنا أن نقاتل حتي لا تكون فتنة [433] .

صعصعة بن صوحان

صعصعة بن صوحان العبدي روي عهد مالك بن الحارث الأشتر [434] وقال ابن عبد البر: أسلم في عهد رسول الله ولم يره [435] . وقال ابن الأثير: إن صعصعة كان من سادات قومه " عبد القيس " وكان فصيحا خطيبا دينا فاضلا يعد في أصحاب علي وشهد معه حروبه، وهو القائل لعمر بن الخطاب حتي قسم المال الذي بعث إليه أبو موسي وكان ألف ألف درهم وفضلت فضلة فاختلفوا أين يضعها، فخطب عمر الناس وقال: أيها الناس قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس، فقام صعصعة وهو غلام شاب وقال: إنما نشاور الناس فيما لم ينزل فيه قرآن، فأما ما نزل به القرآن فضعه في مواضعه التي وضعها الله عز وجل فيها، فقال: صدقت أنت مني وأنا منك، فقسمه بين المسلمين، وهو من سيره عثمان إلي الشام وتوفي أيام معاوية وكان ثقة، جليل الحديث، أخرجه الثلاثة [436] . [ صفحه 308]

سعيد بن جبير

التابعي المعروف بالعفة والزهد والعبادة، وكان يصلي خلف الإمام زين العابدين. وذكر أنه لما دخل علي الحجاج قال له: أنت شقي بن كسير، فقال: أمي أعرف باسمي منك، ثم بعد رد وبدل أمر الحجاج بقتله، فقال سعيد: - (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) - [437] ، فقال الحجاج: شدوه إلي غير القبلة، فقال: - (فأين ما تولوا فثم وجه الله) - [438] فقال: كبوه علي وجهه، قال: - (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري) - [439] ،ثم ضربت عنقه [440] .

قنبر مولي أميرالمؤمنين

صاحب سره ومستودع علمه. قال الحجاج لبعض جلاوزته: أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب، فقال: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة له من مولاه قنبر، فبعث في طلبه فقال: أنت قنبر؟ قال: نعم. قال له: إبرأ من دين علي. فقال له: هل تدلني علي دين أفضل من دينه؟ قال: إني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك؟ قال: أخبرني أمير المؤمنين: أن ميتتي تكون ذبحا بغير حق، فأمر به فذبح كما تذبح الشاة [441] . [ صفحه 309]

ميثم التمار

هو صاحب أمير المؤمنين وأمره في الجلالة، ورفعة المنزلة وعلو الشأن مستغن عن البيان، كان عبدا لامرأة فاشتراه علي فأعتقه، قال: " ما اسمك؟ " قال: له سالم. قال: " حدثني رسول الله أن اسمك الذي سماك أبوك في العجم: ميثم؟ " قال: صدق الله ورسوله فرجع إلي ميثم واكتن بأبي سالم، وقد أخبره علي بأنه يصلب علي باب عمرو بن حريث عاشر عشرة هو أقصرهم خشبة، وأراه النخلة التي يصلب علي جذعها، وكان ميثم يأتي ويصلي عندها. وقال لابن عباس: سلني عما شئت من تفسير القرآن فإني قرأت تنزيله عند أمير المؤمنين وعلمني تأويله، فقال: يا جارية هات الدواة والقلم، فأقبل يكتب [442] .

مالك بن الحارث الأشتر النخعي

عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام أمير المؤمنين وقائد قواته في حرب الجمل وصفين، أمره في الجلالة والوثاقة والشجاعة والمناظرة أظهر من أن يبين، ولما بلغ عليا عليه السلام موته، قال: " رحم الله مالكا، لو كان صخرا لكان صلدا، ولو كان جبلا لكان فندا ". لم يزل يكافح النزعات الأموية، من عصر الخليفة عثمان إلي أن استشهد فيمصر بيد أحد عملاء معاوية [443] . ومن نماذج كلامه ما ذكره عند تجهيز أبي ذر، حيث خرج مع رهط إلي [ صفحه 310] الحج فإذا امرأة علي قارعة الطريق تقول: يا عباد الله، هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد هلك غريبا ليس لي أحد يعينني عليه، فنزل ونزل الرهط، فلما جهزوه، وصلي عليه الأشتر قام علي قبره وقال: اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله عبدك في العابدين، وجاهد فيك المشركين، لم يغير ولم يبدل، لكنه رأي منكرا فغيره بلسانه وقلبه، حتي جفي ونفي وجرم واحتقر ثم مات وحيدا، اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من حرم رسولك. فقال الناس: آمين [444] . هؤلاء اثنا عشر رجلا من رجال الدعوة والإصلاح والذب والدفاع عن حريم العقيدة، المعروفون بنفسياتهم الكريمة، وملكاتهم الفاضلة، وسعيهم وراء الدعوة إلي الحق، ومع ذلك نراهم ما بين قتيل وشريد وسجين، إلي غير ذلك من ألوان العذاب التي عمت هؤلاء الذابين عن حريم العقيدة. وما نقموا منهم، سوي الإصحار بالحقيقة، والإجهار بالولاية، والسعي وراء العقيدة الحقة. فبعض هؤلاء إن لم يكونوا متكلمين بالمعني المصطلح، لكن كانوا ذابين عن حريم العقيدة بالكتاب والسنة، والبعض الآخر كان من أكبر متكلمي عصرهم لا يشق غبارهم ولا يدرك شأوهم. [ صفحه 311]

متكلمو الشيعة في القرن الثاني

زرارة بن أعين بن سنسن

مولي (بني عبد الله بن عمرو السمين بن أسعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان)، أبو الحسن، شيخ أصحابنا في زمانه، ومتقدمهم، وكان قارئا فقيها متكلما شاعرا، أديبا، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقا في ما يرويه. قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: رأيت له كتابا في الاستطاعة والجبر [445] وقال ابن النديم: وزرارة أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام والتشيع. [446] وهو من الشخصيات البارزة للشيعة التي اجتمعت العصابة علي تصديقهم، هو غني عن التعريف والتوصيف.

محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي

يعرفه النجاشي بقوله: مولي، الأحول " أبو جعفر " كوفي، صيرفي، يلقب مؤمن الطاق و " صاحب الطاق " ويلقبه المخالفون " شيطان الطاق "... وكان دكانه في طاق المحامل بالكوفة، فيرجع إليه في النقد فيرد ردا فيخرج كما يقول فيقال " شيطان الطاق "، فأما منزلته في العلم وحسن الخاطر، فأشهر، وقد نسب إليه أشياء لم تثبت عندنا وله كتاب " افعل لا تفعل " رأيته عند أحمد بن الحسين بن عبيد الله رحمه الله، كتاب حسن كبير وقد أدخل فيه بعض المتأخرين أحاديث تدل علي فساد، ويذكر تباين أقاويل الصحابة، وله كتاب " الاحتجاج في إمامة أمير [ صفحه 312] المؤمنين عليه السلام "، وكتاب كلامه علي الخوارج، وكتاب مجالسه مع أبي حنيفة والمرجئة... [447] ، وقد توفي الإمام الصادق عليه السلام عام 148، وأبو حنيفة عام 150، فالرجل من متكلمي القرن الثاني. وقال ابن النديم: وكان متكلما حاذقا، وله من الكتب كتاب الإمامة، كتاب المعرفة، كتاب الرد علي المعتزلة في إمامة المفضول، كتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة [448] .

هشام بن الحكم

قال ابن النديم: هو من متكلمي الشيعة الإمامية وبطانتهم، وممن دعا له الصادق عليه السلام، فقال: " أقول لك ما قال رسول الله لحسان: لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك "، وهو الذي فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب، وسهل طريق الحجاج فيه، وكان حاذقا بصناعة الكلام، حاضر الجواب [449] . يقول الشهرستاني: وهذا هشام بن الحكم، صاحب غور في الأصول لا ينبغي أن يغفل عن إلزاماته علي المعتزلة، فإن الرجل وراء ما يلزم به علي الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه وذلك أنه ألزم العلاف... [450] . وقال النجاشي: هشام بن الحكم، أبو محمد مولي كندة، وكان ينزل بني شيبان بالكوفة، انتقل إلي بغداد سنة 199، ويقال أن في هذه السنة مات، له كتاب يرويه جماعة. ثم ذكر أسماء كتبه علي النحو التالي: [ صفحه 313] 1 - علل التحريم 2 - الإمامة 3 - الدلالة علي حدوث الأجسام 4 - الرد علي الزنادقة 5 - الرد علي أصحاب الاثنين 6 - الرد علي هشام الجواليقي 7 - الرد علي أصحاب الطبائع 8 - الشيخ والغلام في التوحيد 9 - التدبير في الإمامة 10 - الميزان 11 - إمامة المفضول 12 - الوصية والرد علي منكريها 13 - الميدان 14 - اختلاف الناس في الإمامة 15 - الجبر والقدر 16. الحكمين 17. الرد علي المعتزلة وطلحة والزبير 18. القدر 19. الألفاظ 20. الاستطاعة 21. المعرفة 22. الثمانية أبواب 23. الأخبار 24. الرد علي المعتزلة 25. الرد علي أرسطا طاليس في التوحيد 26.المجالس في التوحيد 27. المجالس في الإمامة [451] . يقول أحمد أمين: أكبر شخصية شيعية في الكلام، وكان جدلا قوي الحجة، ناظر المعتزلة وناظروه، ونقلت له في كتب الأدب مناظرات كثيرة متفرقة تدل علي حضور بديهته وقوة حجته [452] . ثم إنه كان في بداية أمره من تلاميذ أبي شاكر الديصاني، صاحب النزعة الإلحادية في الإسلام، ثم تبع الجهم بن صفوان، الجبري المتطرف المقتول بترمذ، أم 128 ه، ثم لحق بالإمام الصادق عليه السلام ودان بمذهب الإمامية، وما تنقل منه من الآراء التي لا توافق أصول الإمامية، فإنما هي راجعة إلي العصرين اللذين كان فيهما علي النزعة الإلحادية أو الجهمية، وأما بعدما لحق بالإمام الصادق عليه السلام، فقد انطبعت عقليته بمعارف أهل البيت إلي حد كبير، حتي صار أحد المدافعين عن عقائد الشيعة الإمامية [453] . [ صفحه 314]

قيس بن الماصر

أحد أعلام المتكلمين، تعلم الكلام من علي بن الحسين عليه السلام، روي الكليني أنه أتي شامي إلي أبي عبد الله الصادق ليناظر أصحابه، فقال عليه السلام ليونس بن يعقوب: أنظر من تري بالباب من المتكلمين... إلي أن قال يونس: فأدخلت زرارة بن أعين وكان يحسن الكلام، وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام، وأدخلت هشام بن الحكم وهو يحسن الكلام، وأدخلت قيس بن الماصر، وكان عندي أحسنهم كلاما وقد تعلم الكلام من علي بن الحسين عليهما السلام [454] .

عيسي بن روضة حاجب المنصور

كان متكلما، جيد الكلام، وله كتاب في الإمامة وقد وصفه أحمد بن أبي طاهر في كتاب بغداد، وذكر أنه رأي الكتاب وقال بعض أصحابنا رحمهم الله: إنه رأي هذا الكتاب، وقرأت في بعض الكتب: أن المنصور لما كان بالحيرة، تسمع علي عيسي بن روضة، وكان مولاه وهو يتكلم في الإمامة، فأعجب به واستجاد كلامه [455] وبما أن المنصور توفي عام 158، فالرجل من متكلمي القرن الثاني.

الضحاك، أبو مالك الحضرمي

كوفي، عربي، أدرك أبا عبد الله عليه السلام، وقال قوم من أصحابنا: روي عنه، وقال آخرون: لم يرو عنه، روي عن أبي الحسن، وكان متكلما، ثقة ثقة في الحديث، وله كتاب في التوحيد رواه عنه علي بن الحسين الطاطري [456] ، فالرجل من متكلمي [ صفحه 315] القرن الثاني، وقال ابن النديم: من متكلمي الشيعة، وله مع أبي علي الجبائي مجلس في الإمامة وتثبيتها بحضرة أبي محمد القاسم بن محمد الكرخي، وله من الكتب: كتاب الإمامة، نقض الإمامة علي أبي علي ولم يتمه [457] .

علي بن الحسن بن محمد الطائي

المعروف ب " الطاطري " كان فقيها، ثقة في حديثه، له كتب، منها: التوحيد، الإمامة، الفطرة، المعرفة، الولاية [458] وغيرها. وعده ابن النديم من متكلمي الإمامية وقال: " ومن القدماء: الطاطري وكان شيعيا واسمه... وتنقل في التشيع وله من الكتب كتاب الإمامة حسن. [459] وبما أنه من أصحاب الإمام الكاظم فهو من متكلمي القرن الثاني.

الحسن بن علي بن يقطين بن موسي

مولي بني هاشم، وقيل مولي بني أسد، كان فقيها متكلما روي عن أبي الحسن والرضا عليهما السلام، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسي عليه السلام [460] وبما أن أبا الحسن الأول توفي عام 183، والثاني توفي عام 203، فالرجل من متكلمي القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا [461] وهو الذي سأل الإمام الرضا عليه السلام بأنه لا يقدر علي لقائه في كل وقت فعمن يأخذ معالم دينه؟ فأجاب الإمام عليه السلام: " خذ عن يونس بن عبد الرحمن " [462] . [ صفحه 316]

حديد بن حكيم

أبو علي الأزدي المدائني، ثقة، وجه، متكلم، روي عن أبي عبد الله، وأبي الحسن عليهما السلام، له كتاب يرويه محمد بن خالد [463] . وبما أنه من تلاميذ الصادق والكاظم عليهما السلام فالرجل من متكلمي الشيعة في القرن الثاني.

فضال بن الحسن بن فضال

وهو من متكلمي عصر الصادق عليه السلام، وذكر الطبرسي في احتجاجه مناظرته مع أبي حنيفة، فلاحظ [464] . وما ذكرناه نماذج من مشاهير المتكلمين في عصر الصادقين والكاظم عليهم السلام، وهناك من لم نذكرهم ولهم مناظرات واحتجاجات احتفلت بها الكتب التاريخية والكلامية، كحمران بن أعين الشيباني، وهشام بن سالم الجواليقي، والسيد الحميري، والكميت الأسدي [465] .

متكلمو الشيعة في القرن الثالث

الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدي النيشابوري

كان أبوه من أصحاب يونس، وروي عن أبي جعفر الثاني وقيل الرضا عليهما السلام، وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء، والمتكلمين، وله جلالة في هذه [ صفحه 317] الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه، وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين كتابا. وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام، وقد توفي عام 260 ه، فهو من متكلمي القرن الثالث، وقد ذكر النجاشي فهرس كتبه نقتبس منه ما يلي: النقض علي الإسكافي في تقوية الجسم، الوعيد، الرد علي أهل التعطيل، الاستطاعة، مسائل في العلم، الأعراض والجواهر، العلل، الإيمان، الرد علي الثنوية، إثبات الرجعة، الرد علي الغالية المحمدية، تبيان أصل الضلالة، الرد علي محمد بن كرام، التوحيد في كتب الله، الرد علي أحمد بن الحسين، الرد علي الأصم، كتاب في الوعد والوعيد آخر، الرد علي بيان (يمان) بن رباب (الخارجي)، الرد علي الفلاسفة، محنة الإسلام، أربع مسائل في الإمامة، الرد علي المنانية، الرد علي المرجئة، الرد علي القرامطة، الرد علي البائسة، اللطيف، القائم عليه السلام، كتاب الإمامة الكبير، كتاب حذو النعل بالنعل، فضل أمير المؤمنين عليه السلام، معرفة الهدي والضلالة، التعري والحاصل، الخصال في الإمامة، المعيار والموازنة، الرد علي الحشوية، الرد علي الحسن البصري في التفضيل، النسبة بين الجبرية والبترية [466] .

حكم بن هشام بن الحكم

أبو محمد، مولي كندة، سكن البصرة، وكان مشهورا بالكلام، كلم الناس، وحكي عنه مجالس كثيرة، ذكر بعض أصحابنا أنه رأي له كتابا في الإمامة [467] ، وقد توفي والده 200 أو 199، فهو من متكلمي أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث. [ صفحه 318]

داود بن أسد بن أعفر

أبو الأحوص البصري (رحمه الله) شيخ جليل، فقيه متكلم، من أصحاب الحديث، ثقة ثقة، وأبوه من شيوخ أصحاب الحديث الثقات، له كتب، منها: كتاب في الإمامة علي سائر من خالفه من الأمم، والآخر مجرد الدلائل والبراهين، وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست في باب الكني، وقال: إنه من جملة متكلمي الإمامية، لقيه الحسن بن موسي النوبختي، وأخذ عنه، واجتمع معه في الحائر علي ساكنه السلام، وكان ورد للزيارة فبما أنه من مشايخ الحسن بن موسي النوبختي المعاصر للجبائي (المتوفي 303 ه) فهو من متكلمي القرن الثالث [468] .

محمد بن عبدالله بن مملك الإصبهاني

أصله من جرجان، وسكن إصبهان، جليل في أصحابنا، عظيم القدر والمنزلة كان معتزليا ورجع علي يد عبد الرحمن بن أحمد بن جبرويه (رحمه الله)، له كتب منها: كتاب الجامع في سائر أبواب الكلام كبير، وكتاب المسائل والجوابات في الإمامة، كتاب مواليد الأئمة عليهم السلام، كتاب مجالسه مع أبي علي الجبائي (235 -303 ه) [469] .

ثبيت بن محمد، أبو محمد العسكري

صاحب أبي عيسي الوراق (محمد بن هارون) متكلم حاذق، من أصحابنا العسكريين، وكان أيضا له اطلاع بالحديث والرواية، والفقه، له كتب: [ صفحه 319] 1 - كتاب توليدات بني أمية في الحديث، وذكر الأحاديث الموضوعة. 2 - الكتاب الذي يعزي إلي أبي عيسي الوراق في نقض العثمانية له. 3 - كتاب الأسفار.4 - دلائل الأئمة عليهم السلام [470] . وبما أنه من أصحاب أبي عيسي الوراق، وقد توفي هو في 247، فالرجل من متكلمي القرن الثالث.

اسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن هلال المخزومي

أبو محمد، أحد أصحابنا، ثقة فيما يرويه، قدم العراق، وسمع أصحابنا منه، مثل أيوب بن نوح، والحسن بن معاوية، ومحمد بن الحسين، وعلي بن حسن بن فضال، له كتاب التوحيد، كتاب المعرفة، كتاب الإمامة. وبما أن الراوي عنه كعلي بن حسن بن فضال من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام، وقد توفي الإمام العسكري عام 260، فهو في رتبة حسن بن علي ابن فضال، الذي هو من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام فيكون من متكلمي القرن الثالث [471] .

محمد بن هارون

أبو عيسي الوراق: له كتاب الإمامة، وكتاب السقيفة، وكتاب الحكم علي سورة لم يكن، وكتاب اختلاف الشيعة والمقالات. وقال ابن حجر: له تصانيف [ صفحه 320] علي مذهب المعتزلة. وقال المسعودي: له مصنفات حسان في الإمامة وغيرها وكانت وفاته سنة 247 [472] .

ابراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني، مولي آل طلحة بن عبيدالله

أبو إسحاق، وكان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام والأدب والشعر، والجاحظ يحكي عنه، وقال الجاحظ (في البيان والتبيين): حدثني إبراهيم ابن داحة عن محمد بن أبي عمير [473] . وبما أن أستاذه ابن أبي عمير توفي عام 217، والجاحظ، الراوي عنه توفي عام 255، فهو من متكلمي القرن الثالث.

الاشكال

قال ابن النديم: صاحب هشام بن الحكم وخالفه في أشياء إلا في أصل الإمامة، وله من الكتب: كتاب المعرفة، كتاب في الاستطاعة، كتاب الإمامة، كتاب علي من أبي وجوب الإمامة بالنص [474] ، وبما أن هشاما توفي عام 199، فالرجل من متكلمي أوائل القرن الثالث.

الحسين بن أشكيب

شيخ لنا، خراساني ثقة مقدم، ذكره أبو عمرو في كتاب الرجال في أصحاب [ صفحه 321] أبي الحسن، صاحب العسكر عليه السلام، وصفه بأنه عالم متكلم مؤلف للكتب، المقيم بسمرقند وكش، وله من الكتب: كتاب الرد علي من زعم أن النبي كان علي دين قومه، والرد علي الزيدية، وبما أنه من أصحاب أبي الحسن المتوفي عام 260، فهو من متكلمي القرن الثالث [475] . وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام [476] .

عبدالرحمن بن أحمد بن جبرويه، أبو محمد العسكري

متكلم من أصحابنا، حسن التصنيف، جيد الكلام، وعلي يده رجع محمد ابن عبد الله بن مملك الإصبهاني عن مذهب المعتزلة، وقد كلم عباد بن سليمان ومن كان في طبقته، وقع إلينا من كتبه: كتاب الكامل في الإمامة، كتاب حسن [477] . وبما أن محمد بن عبد الله معاصر للجبائي (235 - 303 ه) وله مجالس معه [478] ، فالرجل من متكلمي القرن الثالث، ولعله أدرك أوائل القرن الرابع.

علي بن منصور

أبو الحسن، كوفي سكن بغداد، متكلم من أصحاب هشام، له كتب، منها: كتاب التدبير في التوحيد والإمامة [479] ، وقال النجاشي في ترجمة هشام بن الحكم، كتاب التدبير في الإمامة، وهو جمع علي بن منصور من كلامه [480] ، وبما أن هشام توفي عام 199، فالرجل من متكلمي القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث. [ صفحه 322]

علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيي التمار

أبو الحسن، مولي بني أسد، كوفي، سكن البصرة، وكان من وجوه المتكلمين من أصحابنا، كلم أبا الهذيل (135 - 235 ه) والنظام (160 - 231 ه) له مجالس وكتب، منها: كتاب الإمامة، كتاب مجالس هشام بن الحكم، وكتاب المتعة. [481] وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا برقم 52، فهو من متكلمي القرن الثالث. وقال ابن النديم: أول من تكلم في مذهب الإمامة علي بن إسماعيل بن ميثم التمار، وميثم (جده) من جلة أصحاب علي رضي الله عنه، ولعلي من الكتب:كتاب الإمامة، كتاب الاستحقاق [482] .

متكلمو الشيعة في القرن الرابع

الحسن بن علي بن أبي عقيل

أبو محمد العماني، الحذاء، فقيه متكلم ثقة، له كتب في الفقه والكلام منها: كتاب " المتمسك بحبل آل الرسول "، قال النجاشي: وقرأت كتابه المسمي: الكر والفر، علي شيخنا أبي عبد الله المفيد (رحمه الله)، وهو كتاب في الإمامة، مليح الوضع. وذكره الشيخ في الفهرست والرجال [483] ، وبما أنه من مشايخ أبي القاسم جعفر بن محمد المتوفي عام 368 ه، فالرجل من أعيان القرن الرابع، المعاصر للكليني، المتوفي عام 329 ه. [ صفحه 323]

اسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت

كان شيخ المتكلمين من أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا والدين، يجري مجري الوزراء في جلالة الكتاب، صنف كتبا كثيرة، منها: كتاب الاستيفاء في الإمامة، التنبيه في الإمامة - قال النجاشي: قرأته علي شيخنا أبي عبد الله المفيد (رحمه الله) - كتاب الجمل في الإمامة، كتاب الرد علي محمد بن الأزهر في الإمامة، كتاب الرد علي اليهود، كتاب في الصفات للرد علي أبي العتاهية (130 - 211 ه) في التوحيد في شعره، كتاب الخصوص والعموم والأسماء والأحكام، كتاب الإنسان والرد علي ابن الراوندي، كتاب التوحيد، كتاب الإرجاء، كتاب النفي والإثبات، مجالسه مع أبي علي الجبائي (235 - 303 ه) بالأهواز، كتاب في استحالة رؤية القديم، كتاب الرد علي المجبرة في المخلوق، مجالس ثابت بن أبي قرة (221 - 288 ه)، كتاب النقض علي عيسي بن أبان في الاجتهاد، نقض مسألة أبي عيسي الوراق في قدم الأجسام، كتاب الاحتجاج لنبوة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، كتاب حدوث العالم [484] . وقال ابن النديم: أبو سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت من كبار الشيعة وكان أبو الحسن الناشئ يقول: إنه أستاذه وكان فاضلا، عالما، متكلما، وله مجالس بحضرة جماعة من المتكلمين... وذكر فهرس كتبه [485] .

الحسين بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه

أخو الصدوق القمي أبو عبد الله، ثقة روي عن أبيه إجازة، وله كتب، منها: كتاب التوحيد ونفي التشبيه، وكتاب عمله للصاحب أبي القاسم بن عباد (326 - [ صفحه 324] 385 ه) وقد توفي أخوه عام 381 ه، فهو من أعيان القرن الرابع، وهو وأخوه ولدا بدعوة صاحب الأمر، ترجمه ابن حجر في لسان الميزان [486] .

محمد بن بشر الحمدوني أبوالحسن السوسنجردي

متكلم جيد الكلام، صحيح الاعتقاد، كان يقول بالوعيد، له كتب منها: كتاب المقنع في الإمامة، كتاب المنقذ في الإمامة [487] . وقال ابن النديم: السوسنجردي من غلمان أبي سهل النوبختي، يكني أبا الحسن، ويعرف بالحمدوني منسوبا إلي آل حمدون، وله من الكتب: كتاب الإنقاذ في الإمامة [488] . وقال ابن حجر: كان زاهدا ورعا متكلما، علي مذهب الإمامية، وله مصنفات في نصرة مذهبه [489] .

يحيي أبو محمد العلوي من بني زيارة

علوي، سيد، متكلم، فقيه، من أهل نيشابور، قال الشيخ الطوسي: جليل القدر، عظيم الرياسة، متكلم، حاذق، زاهد، ورع، لقيت جماعة ممن لقوه وقرأوا عليه، له كتاب إبطال القياس، وكتاب في التوحيد [490] ، وعلي هذا فالرجل في درجة شيخ مشايخ الطوسي، فهو من متكلمي القرن الرابع. [ صفحه 325]

محمد بن القاسم، أبوبكر

بغدادي، متكلم، عاصر ابن همام، له كتاب في الغيبة، كلام [491] وابن همام هو محمد بن أبي بكر بن سهيل الكاتب الإسكافي الذي ترجم له النجاشي في رجاله برقم 1033. وذكره الخطيب في تاريخه (3 / 365)، وقال: أحد شيوخ الشيعة، ولد عام 258 ه، وتوفي عام 338. وعلي هذا فالمترجم من متكلمي أوائل القرن الرابع.

محمد بن عبدالملك بن محمد التبان

يكني أبا عبد الله، كان معتزليا، ثم أظهر الانتقال، ولم يكن ساكنا له كتاب في تكليف من علم الله أنه يكفر، وله كتاب في المعدوم، ومات لثلاث بقين من ذيالقعدة سنة 419 ه [492] وعلي هذا فهو من متكلمي القرن الرابع وأوائل الخامس.

محمد بن عبدالرحمن بن قبة الرازي أبو جعفر

متكلم، عظم القدرة، حسن العقيدة، قوي في الكلام، كان قديما من المعتزلة، وتبصر وانتقل، له كتب في الكلام، وقد سمع الحديث، وأخذ عنه ابن بطة وذكره في فهرسته الذي يذكر فيه من سمع منه فقال: وسمعت من محمد بن عبد الرحمن بن قبة. له كتاب الإنصاف في الإمامة، وكتاب المستثبت نقض كتاب أبي القاسم البلخي (المتوفي 319 ه)، وكتاب الرد علي الزيدية، وكتاب الرد علي أبي علي الجبائي، المسألة المفردة في الإمامة. [ صفحه 326] قال النجاشي: سمعت أبا الحسين السوسنجردي (رحمه الله) وكان من عيون أصحابنا وصالحيهم المتكلمين، وله كتاب في الإمامة معروف به، وقد كان حج علي قدميه خمسين حجة، يقول: مضيت إلي أبي القاسم البلخي إلي بلخ بعد زيارتي الرضا عليه السلام بطوس فسلمت عليه وكان عارفا بي ومعي كتاب أبي جعفر بن قبة في الإمامة المعروف بالإنصاف، فوقف ونقضه بالمسترشد في الإمامة فعدت إلي الري، فدفعت الكتاب إلي ابن قبة فنقضه بالمستثبت في الإمامة، فحملته إلي أبي القاسم فنقضه بنقض المستثبت، فعدت إلي الري فوجدت أبا جعفر قد ماترحمه الله [493] . وقال ابن النديم: أبو جعفر بن محمد بن قبة من متكلمي الشيعة وحذاقهم، وله من الكتب: كتاب الإنصاف في الإمامة، كتاب الإمامة [494] . وقال العلامة: وكان حاذقا شيخ الإمامية في عصره [495] .

علي بن وصيف، أبوالحسن الناشئ (271 - 365 ه)

الشاعر المتكلم، ذكر شيخنا (رضي الله عنه) أن له كتابا في الإمامة [496] . قال الطوسي: وكان متكلما شاعرا مجودا، وله كتب... [497] . قال ابن خلكان: من الشعراء المحبين، وله في أهل البيت قصائد كثيرة، وكان متكلما بارعا، أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت [ صفحه 327] المتكلم، وكان من كبار الشيعة، وله تصانيف كثيرة، وقال ابن كثير: إنه كان متكلما،بارعا، من كبار الشيعة، فهو من متكلمي القرن الرابع [498] .

الحسن بن موسي، أبومحمد النوبختي

شيخنا المبرز علي نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها، له علي الأوائل كتب كثيرة، منها: 1 - كتاب الآراء والديانات، يقول النجاشي: كتاب كبير حسن يحتوي علي علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب علي شيخنا أبي عبد الله المفيد - رحمه الله - 2 - كتاب فرق الشيعة 3 - كتاب الرد علي فرق الشيعة ما خلا الإمامية 4 - كتاب الجامع في الإمامة 5 - كتاب الموضح في حروب أمير المؤمنين 6 - كتاب التوحيد الكبير 7 - كتاب التوحيد الصغير 8 - كتاب الخصوص والعموم 9 - كتاب الأرزاق والآجال والأسعار 10 - كتاب كبير في الجبر 11 - مختصر الكلام في الجبر 12 - كتاب الرد علي المنجمين 13 - كتاب الرد علي أبي علي الجبائي في رده علي المنجمين 14 - كتاب النكت علي ابن الراوندي 15 - كتاب الرد علي من أكثر المنازلة 16. كتاب الرد علي أبي الهذيل العلاف في أن نعيم أهل الجنة منقطع 17. كتاب الإنسان غير هذه الجملة 18. كتاب الرد علي الواقفة 19. كتاب الرد علي أهل المنطق 20. كتاب الرد علي ثابت بن قرة 21. الرد علي يحيي بن أصفح في الإمامة 22. جواباته لأبي جعفر بن قبة 23. جوابات أخر لأبي جعفر 24. شرح مجالسه مع أبي عبد الله بن مملك 25. حجج طبيعية مستخرجة من كتب أرسطا طاليس في الرد علي من زعم أن الفلك حي ناطق 26. كتاب في المرايا وجهة الرؤية فيها 27. كتاب في خبر الواحد والعمل به 28. كتاب في الاستطاعة [ صفحه 328] علي مذهب هشام وكان يقول به 29. كتاب في الرد علي من قال بالرؤية للباري عز وجل 30. كتاب الاعتبار والتمييز والانتصار 31. كتاب النقض علي أبي الهذيل في المعرفة 32. كتاب الرد علي أهل التعجيز، وهو نقض كتاب أبي عيسي الوراق 33. كتاب الحجج في الإمامة 34. كتاب النقض علي جعفر بن حرب (177 - 236 ه) في الإمامة 35. مجالسه مع أبي القاسم البلخي (المتوفي 319 ه) 36. كتاب التنزيه وذكر متشابه القرآن 37. الرد علي أصحاب المنزلة بين المنزلتين في الوعيد 38. الرد علي أصحاب التناسخ 39. الرد علي المجسمة 40. الرد علي الغلاة 41. مسائله للجبائي في مسائل شتي [499] . والرجل من أكابر متكلمي الشيعة، عاصر الجبائي (المتوفي 303)، والبلخي (المتوفي 319)، وأبا جعفر بن قبة المتوفي قبل البلخي، فهو من أعيان متكلمي الشيعة في أواخر القرن الثالث، وأوائل القرن الرابع. وقال ابن النديم: أبو محمد الحسن بن موسي ابن أخت بن سهل بن نوبخت، متكلم، فيلسوف كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة، مثل: أبي عثمان الدمشقي، وإسحاق، وثابت وغيرهم وكانت المعتزلة تدعيه، والشيعة تدعيه، ولكنه إلي حيز الشيعة ما هو (كذا) لأن آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده عليهم السلام في الظاهر، فلذلك ذكرناه في هذا الموضع... وله مصنفات وتأليفات في الكلام والفلسفة وغيرها، ثم ذكر فهرس كتبه ولم يذكر إلا القليل من الكثير [500] . إن بيت " نوبخت " من أرفع البيوتات الشيعية خرج منه فلاسفة كبار، ومتكلمون عظام، ومن أراد التفصيل فليرجع إلي الكتب المؤلفة في هذا الصدد. [ صفحه 329]

متكلمو الشيعة في القرن الخامس

اشاره

بلغ علم الكلام في أوائل القرن الخامس إلي ذروة الكمال، وظهر في الأوساط الشيعية رواد كبار، نشير إلي ثلة منهم:

الشيخ المفيد (336 - 413 ه)

الشيخ المفيد من الشخصيات البارزة في العالم الإسلامي، الذي احتفلت بذكره وذكر آثاره كتب التاريخ والتراجم والذي لا يضن بمثله الدهر إلا في فترات يسيرة، فهو في حقل الكلام متكلم بارع له آراء ونظريات جعلته صاحب منهج فيه، وفي حقل الفقه سيد الفقهاء وأستاذهم والذي هذبه وأشاد بنيانه ورفع قواعده بكتبه ورسائله الفقهية التي من أبرزها كتاب المقنعة، وفي مجال الحديث والتاريخ أستاذ بلا منازع، إلي غير ذلك من صلاحيات مما تعرب أنه من أصحاب المواهب الكبيرة والمؤهلات العظيمة التي منحها الله له في مجال العلم والكمال. وقد سارت بذكره الركبان في حياته من قبل معاصريه فعطروا كتبهم بذكره الجميل وسطرت أقلامهم له أنصع الصفحات. 1 - هذا هو ابن النديم معاصره يعرفه في الفهرست بقوله: " ابن المعلم، أبو عبد الله، في عصرنا انتهت رئاسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام علي مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطرة شاهدته، فرأيته بارعا... " [501] . والمعروف أن ابن النديم ألف الفهرست عام 377 ه، وعلي ضوء هذا فالمفيد انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة وله من العمر ما لا يجاوز الخمسين. 2 - وقال الحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي (المتوفي 463 ه): " أبو عبد الله المعروف بابن المعلم، شيخ الرافضة، والمتعلم علي مذهبهم، [ صفحه 330] صنف كتبا كثيرة " [502] . 3 - وقال عبد الرحمن ابن الجوزي (المتوفي 597 ه): " شيخ الإمامية وعالمها، صنف علي مذهبه، ومن أصحابه المرتضي، كان لابن المعلم مجلس نظر بداره، بدرب رياح، يحضره كافة العلماء، له منزلة عند أمراء الأطراف، لميلهم إلي مذهبهم " [503] . 4 - وقال أبو السعادات عبد الله بن أسعد اليافعي (المتوفي 768 ه): " وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة توفي عالم الشيعة، وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد، وابن المعلم أيضا، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، قال ابن أبي طي: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، وقال غيره: كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر، عاش ستا وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف وكانت جنازته مشهودة وشيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة " [504] . 5 - ووصفه أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (المتوفي 774 ه) بقوله: " شيخ الإمامية الروافض، والمصنف لهم، والمحامي عن حوزتهم، وكان يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء وسائر الطوائف " [505] . 6 - وقال الذهبي (المتوفي 748 ه): " محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، عالم الرافضة، أبو عبد الله ابن [ صفحه 331] المعلم، صاحب التصانيف، وهي مائتا مصنف " [506] ويعرفه في كتاب آخر بقوله: عالم الشيعة، وإمام الرافضة وصاحب التصانيف الكثيرة، قال ابن أبي طي في تاريخه (تاريخ الإمامية): هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية [507] . 7 - وقال ابن حجر (المتوفي 852 ه) - بعد نقل ما ذكره الذهبي: " كان كثير التعقيب والتخشع والإكباب علي العلم، تخرج به جماعة، وبرع في المقالة الإمامية حتي يقال: له علي كل إمام منة، وكان أبوه معلما بواسط، وما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة، ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن " [508] . 8 - وقال ابن العماد الحنبلي (المتوفي 1089 ه) في حوادث سنة 413 ه: " وفيها (توفي) المفيد، ابن المعلم، عالم الشيعة، إمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة، قال ابن أبي طي في تاريخ الإمامية: هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية، رئيس في الكلام، والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية " [509] . هذا ما قاله علماء السنة، وأما الشيعة فنقتصر علي كلام تلميذيه: الطوسي والنجاشي، ونترك الباقي لمترجمي حياته: 1 - يقول الشيخ الطوسي (385 - 460 ه) في الفهرست: " المفيد يكني أبا عبد الله، المعروف بابن المعلم، من أجلة متكلمي الإمامية، [ صفحه 332] انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته في العلم، وكان مقدما في صناعة الكلام، وكان فقيها متقدما فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار، وفهرست كتبه معروف ولد سنة 338، وتوفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 413، وكان يوم وفاته يوما لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموالف " [510] . 2 - ويقول تلميذه الآخر النجاشي (372 - 450 ه): " شيخنا واستاذنا (رضي الله عنه) فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والوثاقة والعلم " ثم ذكر تصانيفه [511] . وهذه الكلمات توقفنا علي حقيقة الحال، وأنه لم يكن يومذاك للشيعة متكلم أكبر منه، وكفي في ذلك أنه تخرج علي يديه لفيف من متكلمي الشيعة نظير السيد المرتضي (355 - 436 ه)، والشيخ الطوسي، وهما كوكبان في سماء الكلام، وحاميان عظيمان عن حياض التشيع، بالبيان والبنان.

علي بن الحسين الشريف المرتضي (355 - 436 ه)

تلميذ الشيخ المفيد، عرفه تلميذه النجاشي بقوله: حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلما شاعرا، أديبا، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، ومن كتبه الكلامية: " الشافي " في نقض المغني للقاضي عبد الجبار في قسم الإمامة، وكتاب " تنزيه الأنبياء والأئمة " و " الذخيرة " في علم الكلام، وغيرها من الرسائل [512] وشرح جمل العلم والعمل. [ صفحه 333]

ابوالصلاح التقي بن الحلبي (374 - 447 ه)

مؤلف " تقريب المعارف " في الكلام مطبوع. 4 - وأخيرهم لا آخرهم محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه) يعرفه زميله النجاشي بقوله: جليل من أصحابنا، ثقة، عين، من تلاميذ شيخنا أبي عبد الله. ويعرفه العلامة بقوله: شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول، والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنتسب إليه، وله في الكلام كتب كثيرة منها: الجمل والعقود، تلخيص الشافي في الإمامة، ومقدمة في المدخل إلي علم الكلام [513] ، والاقتصاد، والرسائل العشر.

متكلمو الشيعة في القرن السادس

اشاره

ما إن أطل القرن السادس إلا وقد أفل نجم المعتزلة حيث وضع فيهم السيف من قبل الخلافة العباسية، وكان غيابهم عن المسرح الفكري خسارة جسيمة للمنهج العقلي، وقد بلغ التعصب بمكان أنه أحرقت كتبهم، وقتل أعلامهم، وشرد لفيف منهم، والحديث ذو شجون. [514] ومع إطلالة هذا القرن بدأت تلوح علامات الضغط والكبت علي الشيعة، وقد وضع صلاح الدين الأيوبي السيف علي عنق الشيعة في حلب وغيرها، وعلي الرغم من ذلك فقد ظهر في هذا القرن أفذاذ في علم الكلام، نذكر منهم علي سبيل المثال: [ صفحه 334]

محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري (المتوفي 513 ه)

المعروف بابن الفارسي، عرفه ابن داود في رجاله بقوله: متكلم جليل القدر، فقيه، عالم، زاهد، ورع، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيشابور الملقب بشهاب الإسلام. [515] اشتهر في أيام شبابه وارتفع شأنه فاستفتي، وسئل عن مسائل في الكلام، و صنف كتاب " التنوير في معاني التفسير " وكتاب " روضة الواعظين وبصيرة المتعظين " في علم الكلام والأخلاق والآداب، وهو كتاب قيم، طبع أكثر من مرة. استشهد في أيام وزارة أبي المحاسن عبد الرزاق بن عبد الله بن أخي نظام الملك سنة 513 أو 515 ه.

قطب الدين المقري النيسابوري

من مشايخ السيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله الراوندي (المتوفي حدود 547 ه) مؤلف كتاب الحدود (المعجم الموضوعي للمصطلحات الكلامية) وقد طبع، وله كتاب كلامي قيم مخطوط عسي أن نقوم بنشره بإذن الله سبحانه.

الفضل بن الحسن الطبرسي

مؤلف مجمع البيان (المتوفي 548 ه) وله في تفسيره بحوث كلامية مهمة. [ صفحه 335]

الحسين بن علي بن محمد بن أحمد (المتوفي 552 ه)

المعروف ب " أبي الفتوح الرازي " وكتابه المعروف ب " روض الجنان " مشحون بالبحوث الكلامية.

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (المتوفي 573 ه)

مؤلف كتاب " تهافت الفلاسفة " وجواهر الكلام في شرح مقدمة الكلام.

سديدالدين الشيخ محمود الحمصي (المتوفي في أواخر القرن السادس)

مؤلف " المنقذ من التقليد " مطبوع.

ابومنصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

صاحب " الاحتجاج " توفي في أواسط القرن السادس.

السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي (511 - 585 ه)

له كتاب " غنية النزوع في علمي الأصول والفروع " يقع في جزءين، والكتاب يشتمل علي علوم ثلاثة: الكلام والفقه وأصوله، وقد طبع الكتاب أخيرا بتحقيق الشيخ إبراهيم البهادري شكر الله مساعيه، وترجمنا المؤلف في الجزء الأول ترجمة وافية.

محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (المتوفي 588 ه)

أخذ عن المتكلم أبي سعيد عبد الجليل بن أبي الفتح الرازي. قال الصفدي: أحد شيوخ الشيعة، حفظ القرآن وله ثمان سنين، وبلغ النهاية في أصول الشيعة، كان يرحل إليه في البلاد، توفي عام 588 ه. [516] . [ صفحه 336]

متكلمو الشيعة في القرن السابع

اشاره

لقد تزامن طلوع القرن السابع مع اضطراب الأوضاع السياسية الحاكمة علي معظم الأمصار الإسلامية لا سيما الحروب الصليبية التي تركت مضاعفات خطيرة في الحواضر الإسلامية، وقد تزامن هذا الوضع مع هجوم شرس من قبل الوثنيين من المشرق الذين جروا الويل والدمار علي المسلمين في المشرق الإسلامي، وامتد سلطانهم إلي بغداد وأعقبها انقراض الدولة العباسية. وعلي الرغم من تلك الأوضاع العصيبة، كان للعلوم العقلية نشاط ملموس في الأوساط الشيعية، نذكر من متكلميهم ما يلي:

سديد الدين بن عزيزة الحلي (المتوفي حوالي 630 ه)

سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح، شيخ المتكلمين، سديد الدين السوراوي الحلي، ويقال له: سالم بن عزيزة. كان من كبار متكلمي الشيعة، صنف كتاب " التبصرة " وكتاب " المنهاج " في علم الكلام، وأخذ عنه المحقق جعفر بن الحسن الحلي (المتوفي 676 ه) علم الكلام وشيئا من الفلسفة وقرأ عليه المنهاج.

الشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني (المتوفي حوالي 656 ه)

أستاذ الشيخ ميثم البحراني، له كتاب الإشارات في الكلام والحكمة. وصفه السيد الصدر بقوله: كان وحيد عصره، وفريد دهره في العلوم العقلية والنقلية، صنف الإشارات في الكلام، وشرحها تلميذه المحقق ميثم البحراني، وله رسالة العلم التي شرحها المحقق نصير الدين الطوسي [517] (المتوفي عام 672 ه). [ صفحه 337]

نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (597 - 672 ه)

وهو شخصية فذة يعجز القلم عن وصفه، فقد كان علامة عصره في الكلام والحكمة والعلوم الرياضية والفلكية. له " شرح الإشارات " الذي فرغ منه عام 644 ه، وهو شرح لإشارات الشيخ الرئيس ابن سينا، وقد فند فيها أكثر ما أورده الرازي من الشكوك التي أثيرت حول آراء الشيخ. ويعد كتاب شرح الإشارات من أفضل الكتب الدراسية في الحكمة إلي يومنا هذا، ويكفي في حق مترجمنا ما قاله العلامة في هذا المضمار. قال: كان هذا الشيخ أفضل أهل عصره في العلوم العقلية والنقلية، وله مصنفات كثيرة في العلوم الحكمية والأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية، وكان أشرف من شاهدناه في الأخلاق - نضر الله مضجعه - قرأت عليه إلهيات الشفاء لأبي علي بن سينا، وبعض التذكرة في الهيئة.

كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني

المعروف بالعالم الرباني المبرز في جميع الفنون الإسلامية لا سيما في الحكمة والكلام والأسرار العرفانية، اتفقت كلمة الجميع علي إمامته ولد عام 636 ه وتوفي عام 696 ه، له كتاب " قواعد المرام في علم الكلام " المطبوع وله " شرح نهج البلاغة " الذي صنفه للصاحب خواجة عطاء الملك الجويني، وهو شرح مشحون بالمباحث الكلامية والحكمية والعرفانية، فرغ منه عام 676 ه.

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الأسدي (648 - 726 ه)

شيخ الإسلام، المجتهد الأكبر، المتكلم الفذ، الباحث الكبير، جمال الدين [ صفحه 338] أبو منصور المعروف بالعلامة الحلي، وبآية الله علي الإطلاق، وبابن المطهر، ولد في شهر رمضان سنة 648 ه وأخذ عن والده الفقيه المتكلم البارع سديد الدين يوسف، وعن خاله شيخ الإمامية المحقق الحلي الذي كان له بمنزلة الأب الشفيق، فحظا باهتمامه ورعايته، ولازم الفيلسوف الكبير نصير الدين الطوسي مدة و اشتغل عليه في العلوم العقلية وبرع فيها وهو لا يزال في مقتبل عمره. يعرفه معاصره أبو داود الحلي، بقوله: شيخ الطائفة، وعلامة وقته، وصاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول. [518] وقال الصفدي: الإمام العلامة ذو الفنون، عالم الشيعة وفقيههم، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته... وكان يصنف وهو راكب... وكان ريض الأخلاق، مشتهر الذكر... وكان إماما في الكلام والمعقولات. [519] وقال ابن حجر في لسان الميزان: عالم الشيعة وإمامهم ومصنفهم، وكان آية في الذكاء... وكان مشتهر الذكر، حسن الأخلاق. [520] إن شخصية كل إنسان رهن الآثار التي خلفها علي الصعيد التربوي والعلمي. أما الجانب الأول فكفي أنه ربي جيلا كبيرا من رواد العلم في المنقول والمعقول، ويشهد علي ذلك كثرة المتخرجين علي يديه في كلا الحقلين. ففي حقل الفقه والأصول تخرج عليه: ولده فخر المحققين، وزوج أخته مجد الدين أبو الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني، وولدا أبي الفوارس: [ صفحه 339] عميد الدين عبد المطلب وأخوه ضياء الدين، ومهنا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني، وقد ألف كتاب باسمه أسماه " المسائل المهنائية "، وتاج الدين محمد بن القاسم بن معية الحسني، وركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني، والحسين بن إبراهيم بن يحيي الأسترآبادي، والحسين بن علي بن إبراهيم بن زهرة الحسيني الحلبي، وأبو المحاسن يونس بن ناصر الحسيني الغروي المشهدي، وعلي ابن محمد بن رشيد الآوي. وفي حقل المعقول ربي جيلا كثيرا في طليعتهم: محمد بن محمد قطب الدين أبو عبد الله الرازي (694 - 766 ه) مصنف كتاب " تحرير القواعد المنطقية في شرح الشمسية " و " لوامع الأسرار في شرح مطالع الأنوار "، " تحقيق معني التصور والتصديق " و " المحاكمات بين الإمام والنصير "، كلها مطبوعة. هذا كله في الجانب التربوي، وأما الجانب العلمي فالآثار والمصنفات التي خلفها وبقيت خالدة علي جبين الدهر كثيرة يضيق المجال عن ذكر جميعها. ولا نبالغ لو قلنا بأن آثاره تعد موسوعة كبيرة في جل العلوم الإسلامية، فقد ألف في الفقه عدة دورات ك " تبصرة المتعلمين " و " إرشاد الأذهان "، و " تحرير الأحكام الشرعية " و " قواعد الأحكام "، و " تذكرة الفقهاء "، و " منتهي المطلب " فالكتب الأربعة الأولي تعد دورة فقهية كاملة، ولكنه قدس سره لم يتم الكتابين الأخيرين. وأما في حقل المعقول والكلام فكفي في حقه أنه ألف قرابة عشرين كتابا و رسالة في ذلك المضمار، وبما أنا بصدد التقديم لموسوعته الكلامية المسماة " نهاية المرام " نشير إلي أسماء كتبه التي ألفها في حقل الكلام والعقائد وإليك بيانها. [ صفحه 340]

الثروة العلمية الكلامية للعلامة الحلي

اشاره

قد وقفت علي مكانة العلامة الحلي في علم الكلام، وأنه أحد الرواد الأفذاذ في ذلك المضمار فقد خلف تراثا كلاميا ضخما أثري المكتبة الإسلامية حيث ألف كتبا كلامية علي مستويات مختلفة، بين موجز اقتصر فيه علي بيان رؤوس المسائل، ومتوسط أردف المسائل الكلامية بنوع من البرهان، ومسهب بسط الكلام في نقل الآراء ونقدها والبرهنة علي مذهبه ومختاره. وها نحن نستعرض أسماء كتبه الكلامية:

الابحاث المفيدة في تحصيل العقيدة

رسالة موجزة أورد فيها المباحث الكلامية في ثمانية فصول، وقد عبر عنها بنفس ذلك الاسم في رجاله [521] وفي الوقت نفسه عبر عنها في أجوبة المسائل المهنائية ب " الأبحاث المفيدة في تحقيق العقيدة " وشرحها الشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي الإحسائي (المتوفي 853 ه) والحكيم السبزواري (المتوفي 1289 ه) وتوجد النسختان مع الشرح في المكتبة الرضوية [522] وقمنا بنشر هذه الرسالة بتحقيق العلامة الشيخ يعقوب الجعفري علي صفحات مجلة علم الكلام. [523] .

استقصاء النظر في البحث عن القضاء والقدر

رسالة موجزة أورد فيها مباحث القضاء والقدر، وطرح فيها المذاهب [ صفحه 341] المختلفة في أفعال العباد، ثم أقام البراهين العقلية علي مذهب العدلية، كما أردف براهينه بما ورد في الكتاب العزيز. وقد طبعت الرسالة عام 1354 ه بتحقيق الشيخ علي الخاقاني في النجف الأشرف، ووقفنا علي نسخة خطية في مكتبة مدرسة الطالبية بتبريز، فقوبلت النسختان المطبوعة والمخطوطة، وطبعت بتحقيق شيخنا يعقوب الجعفري علي صفحات مجلة الكلام الإسلامي السنة الثانية، العدد الثاني.

الالفين الفارق بين الصدق والمين

وقد ألفه لولده محمد المعروف بفخر المحققين (المتوفي 772 ه)، ذكر في مقدمته أن الكتاب يشتمل علي ألف دليل علي إمامة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وألف دليل علي إبطال شبهات الطاعنين. وقد طبع غير مرة وطبع أخيرا ببيروت بطبعة منقحة رشيقة والنسخة الخطية متوفرة، بيد أن المطبوع منه طبع تحت عنوان الألفين في إمامة أمير المؤمنين، ولكن العلامة الحلي عبر عنه في فهرس مصنفاته ومقدمة الكتاب بما ذكرنا.

انوار الملكوت في شرح الياقوت

أما الياقوت فهو تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت (المتوفي 310 ه) كما ذكره العلامة في مقدمة الكتاب [524] والشرح للعلامة الحلي، وقد طبع بتحقيق محمد النجمي الزنجاني عام 1378 ه، ولا يخلو المطبوع من هن وهنات، لا سيما وأنه حذف الفصل الأخير من الكتاب مما يرجع إلي أحكام المخالفين [ صفحه 342] والبغاة. ولما كان الكتاب المطبوع مبتورا حاول الشيخ يعقوب الجعفري نشر الفصل الأخير منه في مجلة الكلام الإسلامي [525] في ضمن عددين. وقد أوعز العلامة في كتابه هذا، إلي كتاب " مناهج اليقين " وكتاب " معارج الفهم " و " نهاية المرام " والجميع من تآليفه.

رسالة مختصرة في العقائد الإمامية

و هو رسالة مختصرة في العقائد الإمامية كتبه حينما اختصر " مصباح المتهجد " للشيخ الطوسي التي ألفها في الأدعية والعبادات، اختصره العلامة في أبواب عشرة وأضاف إليها " الباب الحادي عشر " في العقائد. وأسمي الجميع " منهاج الصلاح في مختصر المصباح "، وهذه الرسالة لم تزل مطمحا للأنظار فكتب عليها شروح وتعليقات، أشهرها ما كتبه الفاضل المقداد الذي أسماه ب " النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر " وهي رسالة دراسية في الحوزات الشيعية إلي يومنا هذا. وقد قام الفاضل المقداد (المتوفي 828 ه) بشرحها في سبعة فصول.

تسليك النفس إلي حظيرة القدس

وهذا الكتاب كما حكاه المحقق الطهراني (المتوفي 1389 ه) يحتوي علي نكات في علم الكلام، وهي في مراصد، والمرصد الأول في الأمور العامة، وتوجد نسخة منه في الخزانة الغروية بخط تلميذ العلامة الشيخ حسن بن علي المزيدي استنسخه عام (707 ه) وعلي النسخة خط العلامة الحلي، كما شرحها نظام الدين [ صفحه 343] الأعرجي ابن أخت العلامة (المتوفي 745 ه) أسماه " إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس ". [526] .

الرسالة السعدية

وهي رسالة بين الإيجاز والإطناب، ألفها العلامة الحلي لسعد الحق والملة والدين المعروف ب " المستوفي الساوجي " الذي كان وزيرا ل " غازان خان " وقد ساهم في عهد " أولجايتو " مع رشيد الدين فضل الله في إدارة أمور البلد إلي أن قتل عام 711 ه. [527] والرسالة تحتوي علي مقدمة وفصول، وقد استوفي فيها حق مسائل ثلاث: أ. استحالة رؤية الله سبحانه. ب. كلامه سبحانه حادث. ج. صفاته عين ذاته. وقد طبعت الرسالة عام 1315 ه ضمن مجموعة باسم " كلمات المحققين "، و " الرسالة السعدية " هي الرسالة العاشرة.

كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد

الكتاب شرح لكتاب قواعد العقائد للمحقق الطوسي، شرحه نزولا عند رغبة ولده فخر المحققين وقد طبع عام 1305 ه، كما طبع أخيرا بتحقيق المحقق الشيخ حسن مكي العاملي عام 1413 ه، نشرته دار الصفوة في بيروت، والكتاب مع اختصاره مشتمل علي مجموع المسائل الكلامية، نظير الكتاب الآتي. [ صفحه 344]

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد

وهذا الكتاب شرح لكتاب تجريد الاعتقاد للمحقق نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي (597 - 672 ه) وهو من أوجز المتون الكلامية وفق العقائد الإمامية ويكفي في رفعة منزلته، قول شارحه علاء الدين القوشجي الأشعري حيث وصفه، بقوله: " تصنيف مخزون بالعجائب، وتأليف مشحون بالغرائب، فهو وإن كان صغير الحجم، وجيز النظم، لكنه كثير العلم، عظيم الاسم، جليل البيان، رفيع المكان، حسن النظام، مقبول الأئمة العظام، لم يظفر بمثله علماء الأعصار، ولم يأت بمثله الفضلاء في القرون والأدوار، مشتمل علي إشارات إلي مطالب هي الأمهات، مشحون بتنبيهات علي مباحث هي المهمات، مملوء بجواهر كلها كالفصوص، ومحتو علي كلمات يجري أكثرها مجري النصوص، متضمن لبيانات معجزة، في عبارات موجزة " إلي آخر ما ذكره. [528] وقد شرحه جمع غفير من المحققين منذ تأليفه إلي يومنا هذا، وأول من شرحه: تلميذه المشهور بالعلامة الحلي (648 - 726 ه) الذي أسماه " كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد "، ثم توالت الشروح بعده، فشرحه ثانيا: شمس الدين محمد الإسفرائيني البيهقي وأسماه " تعريد الاعتماد في شرح تجريد الاعتقاد " وثالثا: الشيخ شمس الدين محمود بن عبد الرحمان بن أحمد الإصفهاني (المتوفي 746 ه) وأسماه " تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد " ورابعا: علاء الدين علي بن محمد المعروف بالفاضل القوشجي (المتوفي 879 ه) ألفه للسلطان أبي سعيد كوركان. ويسمي الشرح الثالث بالشرح القديم، والرابع بالشرح الجديد، وقد كتب علي الشرحين تعاليق وحواش كثيرة، يقف عليها من تتبع المعاجم. [ صفحه 345] ثم توالت الشروح بعد هذه الشروح الأربعة إلي عصرنا هذا. إن كتاب كشف المراد تبعا لمتنه يدور علي محاور ثلاثة: الأول: في الأمور العامة التي تطلق عليها الإلهيات بالمعني الأعم، ويبحث فيه عن الوجود والعدم وأحكام الماهيات، والمواد الثلاث: الوجود والإمكان والامتناع، والقدم والحدوث، والعلة والمعلول، وغيرها من المسائل التي تبحث عن أحكام الوجود بما هو هو. الثاني: في الجواهر والأعراض التي يطلق عليها الطبيعيات، ويبحث فيه عن الأجسام الفلكية والعنصرية والأعراض التسعة، علي وجه التفصيل. الثالث: في الإلهيات بالمعني الأخص، ويبحث فيه عن الأصول الخمسة. وبما أن المحور الأول هو المقصد الأهم للحكماء من المشائين والإشراقيين، وقد بحثوا عنه في الأمور العامة علي وجه التفصيل والاستيعاب، حتي خصص صدر المتألهين ثلاثة أجزاء من كتابه " الأسفار " بمباحث هذا المحور - لأجل ذلك - استغني الطلاب عن دراسة هذا المقصد من كتاب كشف المراد. وبما أن العلوم الجديدة الباحثة عن الطبيعة وأحكامها قد قطعت أشواطا كبيرة، وأبطلت كثيرا من الفروض العلمية في الفلكيات والأكوان، فأصبح ما يبحث في الكتب الكلامية والفلسفية في هذا القسم تاريخا للعلم الطبيعي لا نفسه، ولأجل ذلك تركت دراسة المحور الثاني في الكتب الكلامية والفلسفية في أعصارنا. فلم يبق إلا المحور الثالث الموسوم بالإلهيات بالمعني الأخص الذي يبحث فيه عن ذاته سبحانه وصفاته وأفعاله، ولأجل ذلك عكف المحصلون علي دراسة هذا المحور الذي يتضمن البحث عن إثبات الصانع وصفاته وأفعاله، [ صفحه 346] ويدخل في البحث عن صفاته: البحث عن عدله، كما يدخل في البحث عن أفعاله: البحث عن النبوة والإمامة والمعاد. وقد طبع الكتاب غير مرة أحسنها طبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المقدسة، ولنا تعليقات علي قسم الإلهيات أفرزناها من سائر المباحث، وطبع الكتاب علي حدة، وصار مادة دراسية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام للبحوث والدراسات العليا.

معارج الفهم في شرح النظم

وهي رسالة معدة لبيان أصول الدين وقد صرح به في كتابه " خلاصة الأقوال " وفي أجوبة المسائل المهنائية ونسخته الخطية متوفرة في المكتبة الرضوية ومكتبة السيد المرعشي وغيرهما.

مقصد الواصلين في أصول الدين

واسمه حاك عن معناه، ولكن لم نقف علي نسخة منه، وجاء اسمه في " خلاصة الأقوال " وأجوبة المسائل المهنائية وعبر عنه في إجازات البحار بمعتقد الواصلين.

منهاج الكرامة في معرفة الإمامة

هذا الكتاب كتاب كلامي يشير إلي جميع المسائل الكلامية لا سيما مسائل الإمامة التي استأثرت باهتمام واسع، ويثبت فيه بأدلة رصينة إمامة الأئمة الاثني عشر ألفه للسلطان " محمد خدا بنده أو لجايتو " الذي تشيع علي يد العلامة، وقد آثار الكتاب حفيظة أهل السنة كابن تيمية، فكتب عليه ردا أسماه " منهاج السنة في [ صفحه 347] رد منهاج الكرامة ". وأيمن الله! الاسم لا يوافق مسماه، فلو قام أحد بجمع شتائمه وسبابه لعاد برسالة في ذلك المجال. وأما أكاذيبه وإنكاره المسائل المسلمة، فحدث عنه ولا حرج، ولذلك رد عليه غير واحد من علماء الشيعة، كسراج الدين بن عيسي الحلي ألف كتابا باسم " إكمال الملة " والسيد مهدي الكاظمي حيث رد علي ابن تيمية بكتاب أسماه " منهاج الشريعة " ولشيخنا المحقق الأميني بحث مسهب حول الكتاب وأكاذيبه، فمن أراد التفصيل فليرجع إلي الغدير الجزء الثالث.

مناهج اليقين

وهو أبسط كتاب في علم الكلام بعد نهاية المرام، وقد أوعز إليه في كتاب كشف المراد، والكتاب إلي الآن لم ير النور عسي الله أن يشحذ همم بعض الباحثين لنشره، وتوجد منه نسخة في المكتبة الرضوية ومكتبة المسجد الأعظم في قم المقدسة.

نظم البراهين في أصول الدين

رسالة موجزة في أصول الدين، وقد شرحها العلامة بنفسه وأسماها " معارج الفهم "، وقد جاء اسمها في كتاب خلاصة الأقوال وأجوبة المسائل المهنائية.

نهج الحق و كشف الصدق

رسالة كلامية وفي الوقت نفسه تشتمل علي رؤوس المسائل الأصولية [ صفحه 348] والفقهية ألفها للسلطان " محمد خدا بنده ". والرسالة تركز علي المسائل الكلامية، لا سيما المسائل الخلافية وقد أثار الكتاب حفيظة الآخرين وقد رد عليه الفضل بن روزبهان وأسماه " إبطال الباطل وإهمال كشف العاطل ". وقد رد علي رده ثلة من علماء الشيعة منهم: 1 - القاضي نور الله التستري (المتوفي 1019 ه) في كتاب أسماه " إحقاق الحق وإزهاق الباطل " فقد ذكر أولا كلام العلامة في نهج الحق، ثم أردفه بما ذكره ابن روزبهان في رده، ثم ذكر ما جاد به ذهنه في إحقاق الحق والمحاكمة بين الطرفين. وهذا الكتاب يضم في الحقيقة ثلاثة كتب وطبع مرات عديدة. 2 - الشيخ محمد حسن المظفر (1301 - 1375 ه) في كتاب أسماه " دلائل الصدق " وهو يذكر كلام العلامة أولا ثم يتبعه بنقل كلام ابن روزبهان بعينه، ثم يتحاكم بينهما. وقد استفاد في رده هذا من كتاب " إحقاق الحق " المتقدم ذكره، وقد ألمع إليه في مقدمة الكتاب. وطبع الكتاب في طهران والنجف والقاهرة وبما أن كتاب " نهج الحق وكشف الصدق " من الكتب المفيدة، فقد قام بتحقيقه الشيخ عين الله الحسني الأرموي فطبعه مستقلا بتقديم الأستاذ آية الله السيد رضا الصدر قدس سره في بيروت.

نهج المسترشدين في أصول الدين

ألفه العلامة باستدعاء ولده فخر المحققين، وحرر فيه القواعد الكلامية وقد شرحه الفاضل المقداد (المتوفي 828 ه) وقد طبع الكتاب أيضا بتحقيق السيد أحمد الحسيني والشيخ هادي اليوسفي، وعرفه الفاضل المقداد بقوله: [ صفحه 349] إن الكتاب الموسوم ب " نهج المسترشدين في أصول الدين " من تصانيف شيخنا وإمامنا الإمام الأعظم علامة العلماء في العالم، وارث الأنبياء وخليفة الأوصياء، بل آية الله في العالمين، جمال الملة والحق والدين، أبي منصور الحسن ابن المطهر (طهر الله رمسه وقدس وكرم، وشرف نفسه وبجل وعظم) قد احتوي من المباحث الكلامية علي أشرفها وأبهاها، وجمع من الفوائد الحكمية أحسنها وأسناها، حتي شغف بالاشتغال به معظم الطلاب وعول علي تقرير مباحثه جماعة الأصحاب. وكنت ممن جد في تحرير مباحثه بالتحصيل، وإن لم أحصل منه إلا علي القليل، حتي جمعت من مباحث المشايخ وفوائدهم مما يتعلق به نبذة، بحيث صار منها بين الطلبة مما يعد علي نعمة. [529] .

واجب الاعتقاد علي جميع العباد

وقد بين العلامة فيه ما يجب معرفته علي العباد من العقائد الدينية، والمسائل الفرعية ما عدا المعاد فلم يذكره وانتهي في الفروع إلي آخر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول في أوله: بينت في هذه المقالة واجب الاعتقاد علي جميع العباد ولخصت فيه ما يجب معرفته من المسائل الأصولية علي جميع الأعيان وألحقت به بيان الواجب في أصول العبادات. والرسالة لم تر النور ولكن توجد منها نسخة خطية في المكتبة الرضوية وفي مكتبة جامعة طهران. وشرحه الفاضل المقداد وأسماه " الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد " طبع [ صفحه 350] ضمن كلمات المحققين. وعلي ذلك فقد طبع الكتاب في ضمن شرح الفاضل المقداد. وما ذكرناه من الكتب هي التي ثبتت نسبتها إلي العلامة الحلي، وقد عزي إليه كتب أخري لم تثبت نسبتها ولذا ضربنا عنها صفحا، ونأتي بذكر كتاب آخر له ينبغي أن يحتفل به تاريخ علم الكلام ومتكلميه وهو بيت القصيد لكتب العلامة الكلامية المتوفرة.

نهاية المرام في علم الكلام

وهذا الكتاب هو الذي يزفه الطبع إلي القراء الكرام بعد تحقيقه وتقويم نصه وتبيين إشاراته ضمن جهد متواصل. وهو أبسط وأعمق كتاب ظهر للكلام الشيعي في القرن الثامن إلي يومنا هذا، وهو قدس سره يعرف الكتاب في مقدمته بقوله: وقد أجمع رأينا في هذا الكتاب الموسوم ب " نهاية المرام في علم الكلام " علي جمع تلك الفوائد التي استنبطناها، والنكت التي استخرجناها، مع زيادات نستخرجها في هذا الكتاب لطيفة، ومعان حسنة شريفة لم يسبقنا إليها المتقدمون ولا سطرها المصنفون. ثم نذكر علي الاستقصاء ما بلغنا من كلام القدماء، ونحكم بالإنصاف بين المتكلمين والحكماء، وجمعت فيه بين القوانين الكلامية والقواعد الحكمية المشتملة عليهما المباحث والنهاية. فكان في هذا الفن قد بلغ الغاية، لأجل أعز الناس علي وأحبهم إلي وهو الولد العزيز محمد، رزقه الله تعالي الوصول إلي أقصي نهايات الكمال، والارتقاء إلي أعلي ذري الجلال، وأيده بالعنايات الأزلية، وأمده بالسعادات الأبدية، وأحياه الله تعالي في عيش رغيد وعمر مديد بمحمد [ صفحه 351] وآله الطاهرين. وقد رتبت هذا الكتاب علي مقدمة وقواعد مستعينا بالله لا غير، فإنه الموفق لكل خير ودافع كل شر. [530] ويظهر من إرجاعات المؤلف إلي هذا الكتاب في غير واحد من تآليفه أنه أكمل الكتاب حيث نري إرجاعات كثيرة في كشف المراد إلي ذلك الكتاب نذكر منها ما يلي: 1 - قال في مبحث الألم ووجه حسنه: " ويمكن الجواب هنا لأبي علي بما ذكرناه في كتاب نهاية المرام ". [531] 2 - قال عند البحث في الأصلح: " ذكرناها في كتاب نهاية المرام علي الاستقصاء ". [532] 3 - وقال في مبحث النبوة الخاصة: " وقد أوردنا معجزات أخري منقولة في كتاب نهاية المرام ". [533] 4 - كما يقول في مبحث تفضيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي الملائكة: " وهاهنا وجوه أخري من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام ". كما أنه أحال إلي ذلك الكتاب في كشف الفوائد، وقال عند البحث في كونه تعالي عالما: " ولنا علي هذا البرهان إيرادات ذكرناها في كتاب النهاية. [534] كما ألمح إليه أيضا عند البحث في صفات الإمام علي عليه السلام، قال: والأدلة كثيرة ذكرناها في [ صفحه 352] كتاب النهاية. [535] كما أنه يشير إليه في كتابه نهج المسترشدين في غير مورد: 1 - قال في مبحث الإدراك: " والحق ما اخترناه نحن في " نهاية المرام " ". [536] 2 - وقال في البحث الثاني، في أنه قادر خلافا للفلاسفة: " وقد أوضحنا هذا الكلام في كتاب النهاية ". [537] 3 - وقال في البحث الرابع، في أنه تعالي حي: " وقد بينا ضعف هذا القول في كتاب نهاية المرام ". [538] 4 - وقال في البحث الخامس، في أنه تعالي مريد: " وقد بينا توجيه الكلامين والاعتراض عليها في كتاب النهاية. [539] 5 - قال في البحث الثاني، في نفي المعاني والأحوال: " وقد أشبعنا القول في هذه المسألة في كتاب نهاية المرام في علم الكلام وكتاب المناهج ". [540] 6 - قال في الفصل الحادي عشر في الإمامة: "... وهو كثير لا يعد ولا يحصي، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في كتاب نهاية المرام ". [541] 7 - وقال في الفصل الثالث عشر في المعاد (البحث الأول في حقيقة الإنسان): "... وقد بينا أكثر حججهم في كتاب المناهج، واستقصينا ما بلغ من أقاويل العلماء في ذلك في كتاب النهاية ". [542] . [ صفحه 353] 8 - وقد ذكر في آخر الكتاب الذي انتهي فيه إلي البحث في الإيمان والكفر، ما هذا لفظه: " ومن أراد التطويل فعليه بكتابنا الكبير المسمي ب " نهاية المرام في علم الكلام " ومن أراد التوسط فعليه بكتابنا " منتهي الوصول " و " المناهج " وغيرهما من كتبنا. [543] كل ذلك يعرب عن أن المصنف أتم الكتاب إلي نهايته. ولكن الموجود فيما بأيدينا أقل من ذلك، فقد انتهي الجزء الثالث وهو بعد في الطبيعيات وآخر مسألة جاءت فيه قوله " المسألة السابعة في الآن أي الزمان وختمها بقوله: " قال الشيخ: "، فأين الباقي؟ فالله سبحانه وحده أعلم، ويظهر من هذه العبارة أنه رحمه الله كتب مقالة الشيخ وما بعدها ولكنها ما وصلت إلي النساخ. والذي يدل علي أنه أكمل الكتاب ولو إكمالا نسبيا أزيد مما بأيدينا الأمران التاليان: أ. إنه فرغ من الجزء الأول كتابة وتصنيفا في الرابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بالسلطانية. [544] كما فرغ من الجزء الثاني في سلخ شهر ربيع الآخر من سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بالسلطانية. [545] وهذا يعرب أنه ألف الجزء الثاني في مدة شهر ونصف، وليس هو ببعيد عن العلامة الحلي لإحاطته بالمسائل الكلامية واجتماع ثلة من الأفاضل حوله في السلطانية ربما يستعين ببعضهم في نقل المطالب. وقد عاش بعد الفراغ من الجزء الثاني 14 سنة ومن البعيد أن يترك هذا [ صفحه 354] الكتاب في بوتقة الإهمال. ب. إن الجزء الثالث الذي بأيدينا مبتور غير مؤرخ، ولكنه قدس سره صرح في إجازته للسيد مهنا بن سنان المدني: خرج منه أربع مجلدات. [546] وقد كتب الإجازة عام 721، ومن البعيد أن لا يهتم بإكمال الموسوعة، وأبعد منه أن يسمي الأجزاء الثلاثة الموجودة أربعة أجزاء. إلي هنا تبين أن ما خرج من قلمه أزيد مما بأيدينا قطعا، ولا يبعد أنه أتم الكتاب وفرغ من تأليفه. ولعله سبحانه يوفق رواد العلم للعثور علي الأجزاء الباقية.

مشكلة الإرجاعات

ثم إن هنا مشكلة أخري وهي أن العلامة الحلي فرغ من الجزء الأول من نهاية المرام في سلطانية زنجان عام 712 ه، ولكنه أحال إلي ذلك الكتاب في كشف المراد الذي فرغ من تأليفه في الخامس عشر من ربيع الأول عام 696 ه. [547] فكيف أحال في كتاب ألفه قبل نهاية المرام ب 16 عاما، كما أنه أحال في " كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد " إلي هذا الكتاب في مواضع وقد فرغ منه نهار الأربعاء في ثالث ذي الحجة عام 703 ه، فكيف أحال إلي ذلك الكتاب في كتاب ألفه قبل ذلك بتسع سنين؟! هناك فروض لحل هذه المشكلة أوضحها، أنه أدخل هذه الإرجاعات في هذه الكتب، بعد الفراغ عن تأليفها، وليس ببعيد عن دأب المؤلفين الذين كانت [ صفحه 355] كتبهم تستنسخ عاما بعد عام، في الأزمنة السابقة، أو تطبع، طبعة بعد طبعة، علي ما عليه الحال فيقوم المؤلف بإكمال الكتاب، بإضافة أمور لم يخطر بباله حين التأليف. وعلي ذلك يحمل ذكر " النهاية في خلاصة الرجال " الذي ألفه سنة 693 ه. [548] .

مواصفات هذا الكتاب

يتميز هذا الكتاب عن سائر الكتب بميزات مهمة: 1 - تفصيل المباحث والاستقصاء لآراء المذاهب والفرق المختلفة مرورا بآراء الثنوية، والمجوس، والصابئة، واليهود، والنصاري، وانتهاء بآراء كبار متكلمي الإسلام من الأشاعرة، والمعتزلة، والشيعة (العدلية)، وكبار فلاسفة الإسلام كالفارابي، وابن سينا وغيرهم. فيقوم باستعراض الآراء بأفضل صورة ممكنة، ثم يبدأ بطرح رأيه ونقض تلك الآراء وتفنيدها بمجموعة كبيرة من الأدلة، تربو في بعض الأحيان علي عشرين دليلا. ولا نبالغ إن قلنا: إن هذا الكتاب يعد أوسع كتاب كلامي للشيعة في هذا المضمار، فلا يضاهيه في السعة والشمول أي كتاب كلامي آخر. 2 - بذل العلامة في كتبه لا سيما في هذا الكتاب جهده لنقل آراء الآخرين، حيث يعرض الآراء بأمانة وصدق دون أي تصرف، بل يحاول أحيانا كثيرة أن يجد وسيلة لتبرير رأي باطل يخرجه من مدحرة البطلان. 3 - يتسم الكتاب بطابع المقارنة، وهو نوع من النشاط العلمي الذي خبرته [ صفحه 356] ضروب المعرفة الإنسانية في حقول التربية، والنفس، والاجتماع، والاقتصاد. وهذه المقارنة تسهم مساهمة فعالة في بلورة المفهوم الذي يستهدفه الباحث وتعميقه، يقول العلامة في معرض الإشارة إلي تلك الحقيقة: " ثم نذكر علي الاستقصاء ما بلغنا من كلام القدماء، ونحكم بالإنصاف بين المتكلمين والحكماء وجمعت فيه بين القوانين الكلامية والقواعد الحكمية ". 4 - إن منهجه المقارن يتسم بسمة أخري، وهي أنه يفترض إشكالا ونقضا من قبل مخالفيه، حيث يتكهن المؤلف أن يرد مخالفوه علي ردوده بذلك، ومن الواضح أن هذه الخطوة لها أثر ملموس في تطور الكلام الإسلامي الإمامي من حيث السعة والإحاطة والشمول والمقارنة وتطور مناهج البحث العلمي. كما أنها تعد من الخطوات المهمة بالنسبة إلي متطلبات المنهج المقارن، نظرا لإمكانية إيراد إشكالات أخري علي ردوده. ويعبر عن هذه الخطوة بعبارة " لا يقال " وعبارة " لو قيل " وما شاكل ذلك ويجيب علي هذه الردود والإشكالات الافتراضية تارة، ويقربها أخري علي أنها أمور افتراضية فحسب، وهذا في الحقيقة أسلوب آخر في الرد علي الفرضية، نلاحظ هذا من خلال استخدامه عبارة " سلمنا " حيث تناسب هذه العبارة طبيعة " الفرضية " التي لم يقتنع بها. وأهمية هذا الأسلوب (فرضية الإشكال والنقض) تتمثل في شمولية الممارسة لكل الاحتمالات التي يمكن أن يتقدم بها المخالف، حتي تصبح " المقارنة " مستكملة لجميع شروطها. ولقد امتاز الكتاب بهذا الأسلوب الرائع وهذا ما يمكن ملاحظته من بداية الكتاب إلي نهايته. 5 - نقل العلامة في هذا الكتاب أسئلة فلسفية وكلامية، سألها العلامة أستاذه [ صفحه 357] المحقق الطوسي وأجاب عليها الأستاذ شفهيا، وقد جري طرح كثير من تلك الأسئلة في الطريق، وفي سفر العلامة من الحلة إلي بغداد وهو في ركاب الأستاذ. [549] 6 - يحتوي الكتاب علي نظريات الإمامية وآرائهم النهائية حول المسائل الكلامية والحكمية تفصيلا والتي قلما توجد في كتبه الأخري، إما لأنها شروح لم يتعرض فيها لرأيه الخاص إلا ما قل وندر، وإما لأنها مختصرة ولا مجال فيها لطرح آرائه التي لها شجون وتفصيل. 7 - يتسم الكتاب بالموضوعية والابتعاد عن العصبية ورعاية الأصول الدقيقة للبحث العلمي والانفراج علي سائر الآراء والفرق. فتارة يوافق رأي المتكلمين وأخري يخالفهم ويختار رأي الفلاسفة ولا يلتزم بمنهج واحد كما يستعرض ردود المحقق الطوسي علي الرازي وربما يدافع عن الثاني. فالحق هو بغيته سواء أكان في جانب أستاذه أو في جانب خصومه. 8 - الكتاب مشحون بالاستنتاجات العقلية والاستدلال بالقضايا البرهانية، كما أنه ربما يستدل بالقضايا المشهورة (الجدل) إلي غير ذلك من أنواع الاستدلال كالاستدلال بالتمثيل والاستقراء والتجربة. وقد استفاد من الأخير في قسم الطبيعيات بشكل واضح. [ صفحه 358]

المنازلة المستمرة بين الشيعة والمعتزلة

اشاره

لا شك أن الشيعة والمعتزلة يلتقون في كثير من الأصول، كما يفترقون في كثير منها أيضا، نظير الأشاعرة وأهل الحديث من الحنابلة، فهم يلتقون في كثير من الأصول كما يفترقون في قسم منها. ووجه ذلك أن الطائفتين الأولتين يقولون: بأمرين تتفرع عليهما مسائل كثيرة: ألف - التحسين والتقبيح العقليان. ب - حجية العقل في مجال العقائد. ويترتب علي الأصل الأول ثمرات نشير إليها: 1 - وجوب معرفة الله عقلا قبل وجوبها شرعا. 2 - وجوب تنزيه فعله سبحانه عن العبث. 3 - لزوم تكليف العباد وإيصالهم إلي الغاية التي خلقوا لها. 4 - لزوم بعث الأنبياء لهداية الإنسان. 5 - لزوم النظر في برهان مدعي النبوة. 6 - الإعجاز دليل قطعي علي صدق صاحبه لقبح إعطاء البينة للكاذب. [ صفحه 359] 7 - لزوم استمرار أصول أحكام الإسلام إلي يوم القيامة. 8 - ثبات الأصول الأخلاقية وعدم تغيرها. 9 - كون البلايا والمصائب غير خالية من الحكمة والغاية. 10 - سيادة عدله سبحانه في التشريع والتكوين، فلا يجوز التكليف بغير المقدور. إلي غير ذلك من الأصول المستنتجة من القول بالتحسين والتقبيح العقليين. كما أنه تترتب علي القول بحجية العقل في مجال العقائد المسائل التالية: 1 - صفاته سبحانه عين ذاته، لاستلزام الزيادة التركيب الملازم للإمكان. 2 - أن القرآن حادث غير قديم، لامتناع تعدد القديم المستلزم لتعدد الواجب. 3 - امتناع رؤيته سبحانه بالبصر في الدنيا والآخرة، لأن الرؤية إما تقع علي كله أو علي جزئه، فعلي الأول يلزم أن يكون محاطا، وعلي الثاني يلزم أن يكون مركبا. 4 - امتناع الواسطة بين الوجود والعدم، فالحال الذي تعتقد به المعتزلة غير معقول. إلي غير ذلك من الأصول التي يستثمرها العقل من المقدمات الواضحة. كما أن رفض الحنابلة والأشاعرة، استطاعة العقل علي التحسين والتقبيح، أو عدم حجيته في مجال العقائد بحجة أنها موضوعات غيبية لا سبيل للعقل إليها، جعلهما في صف مخالف للمعتزلة والشيعة فيما مضي من المسائل. فعلي ضوء ذلك فلا يصح لنا أن نعتبر طائفة فرعا لطائفة أخري أو مشتقة منها، إلا إذا دل الدليل علي ذلك. نعم إن بعض المتكلمين وبعض أصحاب [ صفحه 360] المقالات يبخسون الشيعة ويصورونهم فرعا للمعتزلة، بحجة التقائهم معهم في الأصول المتقدمة، حتي أن أحمد أمين يقول: وقد قرأت كتاب الياقوت لأبي إسحاق إبراهيم من قدماء متكلمي الشيعة الإمامية، فكنت كأني أقرأ كتابا من كتب أصول المعتزلة، إلا في مسائل معدودة كالفصل الأخير من الإمامة، وإمامة علي وإمامة الأحد عشر بعده، ولكن أيهما أخذ من الآخر؟ أما بعض الشيعة فيزعم أن المعتزلة أخذوا عنهم، وأن واصل بن عطاء تتلمذ لجعفر الصادق، وأنا أرجح أن الشيعة هم الذين أخذوا من المعتزلة تعاليمهم، ونشوء مذهب الاعتزال يدل علي ذلك، وزيد بن علي زعيم الفرقة الشيعية الزيدية تتلمذ لواصل، وكان جعفر الصادق يتصل بعمه زيد، ويقول أبو الفرج في مقاتل الطالبيين: كان جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه علي السرج، فإذا صح ما ذكره الشهرستاني وغيره من تتلمذ زيد لواصل فلا يعقل كثيرا أن يتتلمذ واصل لجعفر، وكثير من المعتزلة يتشيع، فالظاهر أنه عن طريق هؤلاء تسربت أصول المعتزلة إلي الشيعة. [550] يلاحظ عليه: بأن في هذا الكلام ما لا يدعمه العقل ولا النقل: 1 - نفترض صحة ما ذكره أبو الفرج من أن الإمام الصادق كان يمسك لزيد ابن علي بالركاب، لكنه لا يصح أن يكون دليلا علي أن الإمام تتلمذ لعمه زيد، وبما أن زيدا ولد عام (79 ه) وعلي الأصح عام (67 ه) وولد الإمام الصادق عليه السلام (83) وكان عما له أكبر منه بأربع سنين أو أكثر كان الإمام يكرمه عملا بما نقل: " وقروا كباركم ". 2 - إن ما ذكره أن زيد بن علي تتلمذ لواصل من غرائب الأمور، فإن واصل ولد بالمدينة عام (80) وقد عرفت أن زيد بن علي ولد بسنة أو سنين قبله، وقد [ صفحه 361] تتلمذ واصل لأبي هاشم: عبد الله بن محمد بن علي بن الحنفية وغادر المدينة متوجها إلي البصرة أوائل القرن الثاني، فكيف يصح أن يتتلمذ زيد لواصل وهو أكبر منه سنا وقد تربي في نفس البيت الذي تتلمذ واصل فيه لأبي هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية، ولو صح لنا الرجم بالغيب يجب أن نقول إن كليهما تتلمذا لأبي هاشم، لا أن زيدا تتلمذ لواصل، ومن هو واصل؟! وهو في العقد الثاني من عمره، وما علمه بالعقائد والمعارف وهو في ذلك السن المبكر؟! حتي يتتلمذ عليه زيد بن علي ولأجله لم يذكره مشاهير الزيدية. إن زيد بن علي ولد في بيت رفيع، وأبوه زين العابدين إمام الأمة وعالمها الذي عكف علي أخذ العلم منه الموافق والمخالف، فهل يصح له ترك أبيه والعكوف علي شاب لم يرتق في سلم العلم شيئا؟! 3 - إن اشتراك المعتزلة والشيعة في مسائل كثيرة، لا يدل علي أن إحدي الطائفتين عيال علي الأخري، بل هناك احتمال ثالث وهو أن كلتا الطائفتين أخذتا عن مصدر واحد، وصدرتا عن منبع فارد، وقد تقدم أن المعتزلة أخذت أصول مذهبهم في التوحيد والعدل عن الإمام أمير المؤمنين، والشيعة عن بكرة أبيهم أخذوا أصولهم وفروعهم عن أئمة أهل البيت وفي طليعتهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. وإنما ذهب أحمد أمين إلي ما ذهب بدافع من هواه المعروف عنه، فإنه يريد أن يسلب كل فضل وفضيلة عن أئمة أهل البيت وشيعتهم، لكن بصورة دراسة علمية حتي لا يتهم بالتعصب. وآية تعصبه أنه في نفس الوقت ينكر انتساب علم النحو إلي علي بن أبي طالب مع أن انتسابه إليه كالنار علي المنار. [551] . [ صفحه 362] وقد تأثر المصريون الجدد بأفكار أحمد أمين، فنري أن الأستاذ عبد الرحمان الشرقاوي يقول: " إن الشيعة التقطوا كثيرا من أفكار المعتزلة ". [552] .

الجدل المستمر بين الشيعة والمعتزلة

إن من تتبع تاريخ علم الكلام وتاريخ كلام الشيعة يقف علي أن المناظرة بين الطائفتين كانت مستمرة ومحتدمة من عصر الإمام الصادق عليه السلام إلي عصر المفيد وتلامذته، كالسيد المرتضي (355 - 436 ه) والشيخ الكراجكي (449 ه) مؤلف كنز الفوائد، والشيخ الطوسي (385 - 460 ه) إلي غير ذلك من أكابر الشيعة فكيف يمكن عد إحدي الطائفتين تبعا للأخري؟ إن الشيعة والمعتزلة كانا يتصاولان تصاول الفحلين في غير موضع من المجالس وقد حفظ التاريخ قسما من تلك المناظرات بنصها، نذكر منها ما يلي:

مناظرات الشيعة مع المعتزلة

1 - إن علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم من وجوه متكلمي الشيعة، وكان معاصرا لأبي الهذيل (135 - 235 ه)، والنظام (160 - 231 ه) وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا وقد مضت ترجمته، فقد ناظر أبا الهذيل العلاف مرات عديدة، وضرارا غير مرة. [553] 2 - إن هشام بن الحكم من شيوخ الشيعة في الكلام ناظر ضرارا وغيره. [554] . [ صفحه 363] 3 - إن الشيخ المفيد وهو من أعاظم متكلمي الشيعة ناظر مشايخ المعتزلة، فقد ذكر تلميذه الشريف المرتضي مناظراته مع الشيخ عرزالة [555] وأبي عمر الشطوي [556] وأبي الحسن الخياط [557] في تفسير الشفاعة، كما أنه نقد مقالة أبي القاسم الكعبي في مسألة الاجتهاد، ونقل الشريف قسما من مناظراته مع بعض المعتزلة ولم يسم أسماء المناظرين. [558] وهذا تلميذه محمد الكراجكي، فقد أورد في كتابه كنز الفوائد مناظرته مع بعض المعتزلة في مسألة البداء [559] واتهامهم للشيعة بالقول بالإرجاء [560] ، وأدرج رسالته الخاصة في أغلاط المعتزلة في نفس الكتاب وهي رسالة ممتعة [561] ، وقال في تلك الرسالة: واعلم أن المعتزلة لها من الأغلاط القبيحة والزلات الفضيحة ما يكثر تعداده. وقد صنف ابن الراوندي كتابا في فضائحهم، فأورد فيه جملا من اعتقاداتهم وآراء شيوخهم مما ينافر العقول ويضاد شريعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وقد وردت الأخبار بذمهم من أهل البيت، ولعنهم جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام بقوله: " لعن الله المعتزلة أرادت أن توحد فألحدت، ورامت أن ترفع التشبيه فأثبتت " فمن أقبح ما تعتقده المعتزلة، وتضاهي فيه قول الملاحدة، قولهم: إن الأشياء كلها كانت قبل حدوثها أشياء ثم لم يقنعهم ذلك حتي قالوا: إن الجواهر في حال عدمها جواهر، وأن الأعراض قبل أن توجد كانت أعراضا، حتي أن السواد عندهم قد كان في عدمه سوادا. وكذلك الحركة قد كانت قبل وجودها حركة، وسائر الأعراض يقولون فيها هذا المقال... الخ. [562] . [ صفحه 364]

الردود والنقوض المتبادلة

إذا كان الشيعي في كلامه تبعا للمعتزلة فيما سوي الإمامة، فما معني هذه الردود والنقوض التي لم تزل تتبادل بين الطائفتين في الإمامة وغيرها وربما وضع عالم واحد، سبعة كتب في رد مقالات المعتزلة، وإليك نماذج منها. ومن أراد التفصيل فليرجع إلي الفهارس. 1 - محمد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق من متكلمي القرن الثاني، يقول ابن النديم: " وكان متكلما حاذقا، وله من الكتب: كتاب الرد علي المعتزلة، في إمامة المفضول، كتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة [563] ولعل الثاني أيضا رد عليهم. 2 - هشام بن الحكم ألف كتبا منها الرد علي المعتزلة. [564] 3 - الضحاك أبو مالك من متكلمي القرن الثاني ناظر أبا علي الجبائي ونقض كتاب الإمامة له. [565] 4 - الفضل بن شاذان (المتوفي 260 ه) له كتاب النقض علي الإسكافي في تقوية الجسم، له كتاب الرد علي الأصم، كتاب في الوعد والوعيد. [566] 5 - محمد بن عبد الله بن مملك الأصفهاني من متكلمي القرن الثالث، له كتاب مجالسه مع أبي علي الجبائي، والنقض علي ابن عباد في الإمامة. [567] 6 - ثبيت بن محمد، أبو محمد العسكري (نقض العثمانية لأبي عيسي [ صفحه 365] الوراق محمد بن هارون) " المتوفي 247 ه " الذي كان معتزليا في برهة من عمره. [568] 7 - عبد الرحمان بن أحمد بن جبرويه كلم عباد بن سليمان وغيره. [569] 8 - إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت من متكلمي الشيعة في القرن الرابع له كتاب: مجالسه مع أبي علي الجبائي بالأهواز. [570] 9 - محمد بن عبد الرحمان بن قبة، له كتاب " المستثبت نقض كتاب أبي القاسم البلخي "، والرد علي أبي علي الجبائي. [571] 10 - الحسن بن موسي أبو محمد النوبختي ألف ردودا سبعة علي المعتزلة، منها: 1 - كتاب الرد علي أبي علي الجبائي، 2 - كتاب الرد علي أبي الهذيل العلاف القائل بأن نعيم الجنة منقطع، 3 - كتاب النقض علي أبي الهذيل العلاف في المعرفة، 4 - مجالسه مع أبي جعفر البلخي، 5 - كتاب الرد علي أصحاب المنزلة بين المنزلتين، في الوعيد، 6 - مسائله للجبائي في مسائل شتي، 7 - النقض علي كتاب جعفر بن حرب (177 - 236 ه) من شيوخ المعتزلة ومن تلاميذ أبي الهذيل العلاف. [572] 11 - أبو الجيش المظفر البلخي المتكلم (المتوفي 367 ه) رد علي الجاحظ في كتابه العثمانية وأسماه نقض العثمانية. [573] 12 - وضع الشيخ المفيد كتبا ردية، نقض بها كتب المعتزلة، نذكر منها ما [ صفحه 366] يلي: الرد علي الجاحظ العثمانية، 2 - نقض فضيلة المعتزلة، 3 - النقض علي علي ابن عيسي الرماني (المتوفي 385 ه)، 4 - النقض علي أبي عبد الله البصري، 5 - نقض الخمس عشرة مسألة علي البلخي، 6 - نقض الإمامة علي جعفر بن حرب، 7 - الكلام علي الجبائي في المعدوم، 8 - جوابات مقاتل بن عبد الرحمان عما استخرجه من كتب الجاحظ، 9 - نقض كتاب الأصم في الإمامة، 10 - الرد علي أبي علي الجبائي في التفسير، 11 - عمد مختصرة علي المعتزلة في الوعيد. إلي غير ذلك من الردود والنقوض الوافرة في تآليفه. [574] والشيخ المفيد هو النجم اللامع في سماء علم الكلام في القرن الرابع، وهو ومن سبقه من أعلام الإمامية ردوا علي المعتزلة بجد وحماس، ومعه كيف يصح عدهم تبعا لهم؟! ونقض المرتضي (355 - 436 ه) الجزء العشرين لكتاب المغني تأليف القاضي عبد الجبار، وأسماه " الشافي " وهو مطبوع ببيروت في أربعة أجزاء. كما رد الشيخ الطوسي (385 - 460 ه) علي المعتزلة في تفسيره الكبير " التبيان "، في مواضع كثيرة، ومثله تلميذه الآخر الكراجكي (المتوفي 449 ه) وأدرج الردود في كتاب " كنز الفوائد ". ولما نقض أبو الحسن البصري كتاب الشافي للسيد المرتضي كتب سلار بن عبد العزيز الديلمي صاحب المراسم، ردا عليه بأمر السيد الشريف. [575] . [ صفحه 367]

الفوارق الفكرية بين الشيعة والمعتزلة

اشاره

إن بين المنهجين الكلاميين مشتركات ومفترقات، وقد تعرفت علي قسم من المشتركات، فها نحن نلمح إلي الفوارق بينهما، التي جعلتهما منهجين كلاميين مختلفين لكل ميزة وخصوصية، وإليك رؤوسها علي وجه الإجمال:

عينية الصفات مع الذات

اتفقت الطائفتان علي أن صفاته الذاتية ليست زائدة علي الذات، بمعني أن يكون هناك ذات وصفة وراءها، كما في الممكنات فإن الإنسان له ذات وله علم و قدرة، هذا مما اتفقا عليه، ولكنهما اختلفا في تفسير ذلك، فالشيعة الإمامية ذهبت إلي أن الوجود في مقام الواجب بالغ من الكمال علي حد يعد نفس العلم والقدرة، وكون الصفة في الموجودات الإمكانية زائدا علي الذات لا يكون دليلا علي الضابطة الكلية حتي في مقام الواجب بل الوجود هناك لأجل الكمال المفرط نفس الصفة، ولا مانع في كون العلم في درجة قائما بالذات، وفي أخري نفس الذات، وما هذا إلا لأن زيادة الوصف علي الذات توجب حاجتها إلي شئ وراءها، وهو ينافي وجوب الوجود والغني المطلق. هذه هي نظرية الشيعة مقرونة بالدليل الإجمالي، وقد اقتفوا في ذلك ما رسمه علي عليه السلام فقال: " وكمال الإخلاص له نفي [ صفحه 368] الصفات (الزائدة) عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله (بوصف زائد علي ذاته) فقد قرنه (قرن ذاته بشئ غيرها) ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله ". [576] وقال الإمام الصادق عليه السلام: " لم يزل الله جل وعز، ربنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، القدرة ذاته ولا مقدور ". [577] هذا ما لدي الشيعة، وأما المعتزلة فقد اضطرب كلامهم في المقام، فالقول المشهور عندهم هي نظرية نيابة الذات عن الصفات، من دون أن تكون هناك صفة، وذلك لأنهم رأوا أن الأمر في أوصافه سبحانه يدور بين محذورين: 1 - إن القول بأن له سبحانه صفات كالعلم، يوجب الاعتراف بالتعدد والاثنينية، لأن واقع الصفات هو مغايرة للموصوف. 2 - إن نفي العلم والقدرة وسائر الصفات الكمالية يستلزم النقص في ذاته أولا ويكذبه إتقان آثاره وأفعاله ثانيا. فالمخلص والمفر من هذين المحذورين يتلخص في انتخاب نظرية النيابة، وهي القول بأن الذات نائبة مناب الصفات، وإن لم تكن هناك واقعية للصفات وراء الذات، فما يترتب من الذات المقرونة بالصفة، يترتب علي تلك الذات النائبة مقامها، هذا هو المشهور عن المعتزلة، وإليك نص كلام عباد بن سليمان في ذلك المجال قال: هو عالم قادر حي، ولا أثبت له علما، ولا قدرة، ولا حياة، ولا أثبت سمعا، ولا أثبت بصرا، وأقول هو عالم لا بعلم، قادر لا بقدرة، حي [ صفحه 369] لا بحياة، وسميع لا بسمع، وكذلك سائر ما يسمي من الأسماء التي يسمي بها. [578] يلاحظ عليه: أن نظرية النيابة المشهورة عن المعتزلة، مبنية علي تخيل كون الشئ وصفا، ملازم للزيادة دائما، فوقعوا بين المحذورين وتخلصوا بالنيابة، ومن المعلوم أن مرجع النيابة إلي خلو الذات عن الكمال أولا، وكون الذات الفاقدة للعلم، نائبة عن الذات المقرونة بها، أشبه باللغز. نعم بعض المعتزلة كأبي هذيل العلاف (135 - 235 ه) ذهب إلي نفس ما ذهبت الشيعة إليه، وقد ذكرنا كلامهم في موسوعتنا بحوث في الملل والنحل. [579] .

احباط الأعمال الصالحة بالطالحة

الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن بطلان الحسنة، وعدم ترتب ما يتوقع منها عليها، ويقابله التكفير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نقيض الإحباط في الطاعة، والمعروف عن الإمامية والأشاعرة هو أنه لا تحابط بين المعاصي والطاعات والثواب والعقاب، والمعروف من المعتزلة هو التحابط [580] ، ثم إنهم اختلفوا في كيفيته، فمنهم من قال: إن الإساءة الكثيرة تسقط الحسنات القليلة وتمحوها بالكلية من دون أن يكون لها تأثير في تقليل الإساءة وهو المحكي عن أبي علي الجبائي. ومنهم من قال: إن الإحسان القليل يسقط بالإساءة الكثيرة ولكنه يقلل في تأثير الإساءة فينقص الإحسان من الإساءة فيجزي العبد بالمقدار الباقي بعد [ صفحه 370] التنقيص، وهو المنسوب إلي أبي هاشم. ومنهم من قال: إن الإساءة المتأخرة تحبط جميع الطاعات وإن كانت الإساءة أقل منها، حتي قيل: إن الجمهور من المعتزلة ذهبوا إلي أن الكبيرة الواحدة، تحبط ثواب جميع العبادات. [581] هذا علي قول المعتزلة وأما علي قول نفاة الإحباط فالمطيع والعاصي يستحق الثواب والعقاب معا فيعاقب مدة ثم يخرج من النار فيثاب بالجنة. نعم ثبت الإحباط في موارد نادرة، كالارتداد بعد الإسلام، والشرك المقارن للعمل، والصد عن سبيل الله، ومجادلة الرسول ومشاقته، وقتل الأنبياء، وقتل الآمرين بالقسط، وإساءة الأدب مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والنفاق وغير ذلك مما شرحناه في الإلهيات. [582] .

خلود مرتكب الكبيرة في النار

اتفقت الإمامية علي أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلي الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالي والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة ووافقهم علي هذا القول كافة المرجئة سوي محمد بن شبيب وأصحاب الحديث قاطبة، وأجمعت المعتزلة علي خلاف ذلك، وزعموا أن الوعيد بالخلود في النار عام في الكفار وجميع فساق أهل الصلاة. ويظهر من العلامة الحلي أن الخلود ليس هو مذهب جميع المعتزلة حيث قال: أجمع المسلمون كافة علي أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع، وأما أصحاب الكبائر من المسلمين، فالوعيدية علي أنه كذلك. وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من [ صفحه 371] المعتزلة والأشاعرة إلي أن عذابه منقطع. [583] والظاهر من القاضي عبد الجبار هو الخلود، واستدل بقوله سبحانه: - (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) -. [584] فالله تعالي أخبر أن العصاة يعذبون بالنار ويخلدون فيها، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر جميعا، فيجب حمله عليهما، لأنه تعالي لو أراد أحدهما دون الآخر لبينه، فلما لم يبينه دل علي ما ذكرناه. فإن قيل: إنما أراد الله تعالي بالآية الكافر دون الفاسق، ألا تري إلي قوله تعالي: - (ويتعد حدوده) - وذلك لا يتصور إلا في الكفرة وإلا فالفاسق لا يتعد حدود الله تعالي أجمع، ثم أجاب عنه فلاحظ كلامه. [585] .

لزوم العمل بالوعيد و عدمه

المشهور عن المعتزلة أنهم لا يجوزون العفو عن المسئ لاستلزامه الخلف، وأنه يجب العمل بالوعيد كالعمل بالوعد، والظاهر من القاضي أنها نظرية البغداديين من المعتزلة، قال: اعلم أن البغدادية من أصحابنا أوجبت علي الله أن يفعل بالعصاة ما يستحقونه لا محالة، وقالت: لا يجوز أن يعفو عنهم، فصار العقاب عندهم أعلي حالا في الوجوب من الثواب، فإن الثواب عندهم لا يجب إلا من حيث الجود، وليس هذا قولهم في العقاب فإنه يجب فعله بكل حال. [586] وذهبت الإمامية إلي جواز العفو عن المسئ إذا مات بلا توبة، واستدل [ صفحه 372] الشريف المرتضي بقوله سبحانه: - (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب) -. [587] وقال: في هذه الآية دلالة علي جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة، لأنه سبحانه دلنا علي أنه يغفر لهم مع كونهم ظالمين، لأن قوله: - (علي ظلمهم) - جملة حالية إشارة إلي الحال التي يكونون عليها ظالمين، ويجري ذلك مجري قول القائل: " أنا أود فلانا علي غدره " و " وأصله علي هجره ". [588] وقد أوضحنا الحال في دلالة الآية وأجبنا عن إشكال القاضي علي دلالتها في الإلهيات. [589] .

الشفاعة حط الذنوب أو ترفيع الدرجة

لما ذهبت المعتزلة إلي خلود مرتكب الكبيرة في النار، وإلي لزوم العمل بالوعيد، ورأت أن آيات الشفاعة، تضاد تلك الفكرة، التجأت إلي تفسيرها بغير ما هو المعروف والمتبادر منها، فقالوا: إن شفاعة الفساق الذين ماتوا علي الفسوق ولم يتوبوا تتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير وترصد للآخر حتي يقتله، فكما أن ذلك يقبح فكذلك هاهنا. [590] فالشفاعة عندهم عبارة عن ترفيع الدرجة، فخصوها بالتائبين من المؤمنين وصار أثرها عندهم ترفيع المقام لا الإنقاذ من العذاب أو الخروج منه، قال القاضي: إن فائدة الشفاعة رفع مرتبة الشفيع والدلالة علي منزلة من المشفوع. [591] . [ صفحه 373] وأما عند الشيعة الإمامية فهو عبارة عن إسقاط العذاب، قال الشيخ المفيد: اتفقت الإمامية علي أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته، وأن أمير المؤمنين عليه السلام يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته وأن أئمة آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم يشفعون كذلك وينجي الله بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين، ووافقهم علي شفاعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم المرجئة سوي ابن شبيب وجماعة من أصحاب الحديث، وأجمعت المعتزلة علي خلاف ذلك وزعمت أن شفاعة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم للمطيعين دون العاصين، وأنه لا يشفع في مستحقي العقاب من الخلق أجمعين. [592] .

مرتكب الكبيرة لا مؤمن و لا كافر

إن مقترف الكبيرة عند الشيعة والأشاعرة مؤمن فاسق خرج عن طاعة الله. وهو عند الخوارج، كافر كفر الملة عند جميع فرقهم إلا الأباضية فهو عندهم كافر كفر النعمة، وأما المعتزلة فهو عندهم في منزلة بين المنزلتين قال القاضي: إن صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين، وحكم بين الحكمين لا يكون اسمه اسم الكافر، ولا اسمه اسم المؤمن فلا يكون حكمه، حكم الكافر ولا حكم المؤمن بل يفرد له حكم ثالث، وهذا الحكم الذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين، قال: صاحب الكبيرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان. [593] وهذا أحد الأصول الخمسة التي عليها يدور رحي الاعتزال ومن أنكر واحدا منها فليس بمعتزلي. [594] . [ صفحه 374]

النسخ جائز، والبداء ممتنع أو لا؟

اتفق المسلمون علي جواز النسخ خلافا لليهود، واختلفوا في البداء، ذهبت الشيعة إلي إمكانه ووقوعه، خلافا لغيرهم فقالوا بالامتناع. ثم إن الذي صار سببا للتفريق بين الأمرين عند القاضي هو أنه اشترط في النسخ أمورا أهمها: أن النسخ لا يتعلق بعين ما كان ثابتا، بل يتعلق بمثل ما كان ثابتا أشار إليها بقوله: " النسخ إزالة مثل الحكم الثابت بدلالة شرعية بدليل آخر شرعي علي وجه لولاه لثبت، ولم يزل مع تراخيه عنه ". قال: فاعتبرنا أن يكون إزالة مثل الحكم الثابت لأنه لو زال عين ما كان ثابتا من قبل لم يكن نسخا بل كان نقضا، وهذا بخلاف البداء فإنه يتعلق بعين ما كان ثابتا، ومثاله أن يقول أحدنا لغلامه: إذا زالت الشمس ودخلت السوق فاشتر اللحم. ثم يقول له: إذا زالت الشمس ودخلت السوق فلا تشتر اللحم، وهذا هو البداء، وإنما سمي به لأنه يقتضي أنه قد ظهر له من حال اشتراء اللحم ما كان خافيا عليه من قبل. [595] وقال أيضا: الذي يدل علي البداء، أن يأمر الله جل وعز بنفس ما نهي عنه في وقت واحد علي وجه واحد وهذا محال لا نجيزه البتة. [596] نحن لا نحوم حول البداء وما هو الفرق بينه وبين النسخ، فقد أشبعنا الكلام فيه في بحوثنا الكلامية [597] غير أن الذي يتوجه علي كلام القاضي أن ما أحاله هو أيضا من أقسام النسخ لا من أقسام البداء المصطلح فإنه علي قسمين: [ صفحه 375] 1 - النسخ بعد حضور وقت العمل. 2 - النسخ قبل حضور وقت العمل. والذي أحاله هو القسم الثاني، وأما الوجه الذي اعتمد عليه فموهون بأنه ربما تترتب المصلحة علي نفس إنشاء الحكم وإن لم يكن العمل به مرادا جديا كما هو الحال في أمر إبراهيم بذبح ولده، والأوامر الامتحانية كلها من هذا القبيل، فإذا شوهد من المكلف القيام بمقدمات الواجب، ينسخ الحكم وعلي كل تقدير فما سماه بداء، ليس هو محل النزاع بين الإمامية وغيرهم. والبداء عندهم عبارة عن تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة وهو شئ اتفق عليه المسلمون، وورد به النص في القرآن والسنة. هذا هو حقيقة البداء في عالم الثبوت، وله أثر في عالم الإثبات، وهو أنه ربما يقف النبي علي مقتضي المصير ولا يقف علي ما يغيره، فيخبر به علي حسب العلم بالمقتضي ولكن لا يتحقق لأجل تحقق ما يغيره، فيقال هنا: بدا لله والمقصود بداء من الله للعباد كما هو الحال في إخبار يونس عن تعذيب القوم وغير ذلك، وقد وردت جملة " بدا لله " في صحيح البخاري. [598] قال الشيخ المفيد: أقول في معني البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء، والإمراض بعد الإعفاء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال، وأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه لأجل السمع الوارد عن الوسائط بين العباد وبين الله عز وجل وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف، وإنما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه. [599] . [ صفحه 376] وهذا يعرب عن أن القوم لم يقفوا علي مصطلح الإمامية في البداء وإلا صفقوا علي جوازه.

الواسطة بين الوجود والعدم

اتفق المفكرون من الفلاسفة والمتكلمين علي أنه لا واسطة بين الوجود والعدم كما لا واسطة بين الموجود والعدم، وأن الماهيات قبل وصفها بالوجود معدومات حقيقة غير أن المعتزلة ذهبت إلي أنها في حال العدم غير موجودة ولا معدومة، بل متوسطة بينهما وهذا هو المعروف منهم بالقول بالأحوال. قال الشيخ المفيد: المعدوم هو المنفي العين، الخارج عن صفة الموجود، ولا أقول: إنه جسم ولا جوهر ولا عرض، ولا شئ علي الحقيقة وإن سميته بشئ من هذه الأسماء فإنما تسميه به مجازا، وهذا مذهب جماعة من بغدادية المعتزلة وأصحاب المخلوق [كذا] والبلخي يزعم أنه شئ ولا يسميه بجسم ولا جوهر ولا عرض والجبائي وابنه يزعمان أن المعدوم شئ وجوهر وعرض، والخياط يزعم أنه شئ وعرض وجسم. [600] وبما أن المسألة واضحة جدا لا نحوم حولها.

التفويض في الأفعال

ذهبت المعتزلة إلا من شذ كالنجار وأبي الحسن البصري [601] إلي أن أفعال العباد واقعة بقدرتهم وحدها علي سبيل الاستقلال بلا إيجاب [602] بل باختيار. [ صفحه 377] قال القاضي: أفعال العباد لا يجوز أن توصف بأنها من الله تعالي ومن عنده ومن قبله.... [603] قال السيد الشريف الجرجاني (المتوفي 886 ه): إن المعتزلة استدلوا بوجوه كثيرة مرجعها إلي أمر واحد وهو أنه لولا استقلال العبد بالفعل علي سبيل الاختيار لبطل التكليف وبطل التأديب الذي ورد به الشرع وارتفع المدح والذم إذ ليس للفعل استناد إلي العبد أصلا، ولم يبق للبعثة فائدة لأن العباد ليسوا موجدين أفعالهم، فمن أين لهم استحقاق الثواب والعقاب؟ [604] ثم إن نظريتهم في استقلال العبد في الفعل مبنية علي مسألة فلسفية، وهو أن حاجة الممكن إلي العلة تنحصر في حدوثه، لا فيه وفي بقائه، وعلي ضوء ذلك قالوا باستقلال العبد في مقام الإيجاد. والمبني والبناء كلاهما باطلان. أما الافتقار حدوثا فقط فهو لا يجتمع مع كون الإمكان من لوازم الماهية وهي محفوظة حدوثا وبقاء، فكيف يجوز الغناء عن الفاعل بقاء؟ قال الحكيم الشيخ محمد حسين الأصفهاني: والافتقار لازم الإمكان من دون حاجة إلي البرهان لا فرق ما بين الحدوث والبقا في لازم الذات ولن يفترقا هذا كله حول المبني، وأما البناء فالتخلص عن الجبر يكفي في استناد الفعل إلي الفاعل والخالق معا، لكن يكون قدرة المخلوق في طول قدرة الخالق، ومن شعبة عنها، وهذا يكفي في الاستناد وصحة الأمر والنهي والتأديب والتثويب، فالجبر [ صفحه 378] والتفويض باطلان، والأمر بين الأمرين هو الحق الصراح، وقد تواتر عن أئمة أهل البيت قولهم: لا جبر وتفويض لكن أمر بين الأمرين. [605] ثم إن الدافع إلي القول بالتفويض هو صيانة عدله سبحانه فزعموا أن الصيانة لها رهن القول بالتفويض واستقلال العبد بالفعل، وغفلوا عن أن هناك طريقا آخر وهو ما ذهبت إليه الإمامية، ثم إنهم وإن نزهوا الله سبحانه عن الظلم ولكن صوروا له شريكا في الإيجاد، ولأجل ذلك قال الإمام الرضا عليه السلام: " مساكين القدرية أرادوا أن يصفوا الله عز وجل بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه ". [606] .

قبول التوبة واجب علي الله أو تفضل منه؟

اتفق المسلمون علي أن التوبة تسقط العقاب، وإنما الخلاف في أنه هل يجب علي الله قبولها فلو عاقب بعد التوبة كان ظالما، أو هو تفضل منه سبحانه؟ فالمعتزلة علي الأول، والأشاعرة والإمامية علي الثاني. [607] قال المفيد: " اتفقت الإمامية علي أن قبول التوبة بفضل من الله عز وجل، وليس بواجب في العقول إسقاطها لما سلف من استحقاق العقاب، ولولا أن السمع ورد بإسقاطها لجاز في العقول بقاء التائبين علي شرط الاستحقاق، ووافقهم علي ذلك أصحاب الحديث، وأجمعت المعتزلة علي خلافهم وزعموا أن التوبة مسقطة لما سلف من العقاب علي الوجوب. [608] . [ صفحه 379] ولقد أحسن قدس الله سره حيث جعل محور المسألة قبول التوبة وعدمه بما هو هو لا بلحاظ آخر كما إذا أخبر سبحانه أنه: - (يقبل التوبة عن عباده) - [609] فعندئذ يجب قبول التوبة عقلا وإلا لزم الخلف في الوعد. قال الطبرسي في تفسير قوله سبحانه: - (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) - [610] : " ووصفه بالرحيم عقيب التواب يدل علي أن إسقاط العقاب بعد التوبة تفضل منه سبحانه ورحمة من جهته، علي ما قاله أصحابنا، وأنه غير واجب عقلا علي خلاف ما ذهب إليه المعتزلة ". [611] ومن أراد أن يقف علي دلائل المعتزلة في المقام فليرجع إلي كشف المراد وشرح المقاصد.

عصمة الأنبياء قبل البعثة و بعدها

اتفقت الإمامية علي أن جميع أنبياء الله عليهم السلام معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها، ومما يستخف فاعله من الصغائر وأما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلي غير تعمد وممتنع منهم بعدها علي كل حال هذا مذهب جمهور الإمامية، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه. [612] والمنقول عن أبي علي الجبائي التفصيل في الكبائر بين ما قبل البعثة وبعدها فيجوز في الأول دون الثاني، والمختار عند القاضي في الكبائر عدم الجواز مطلقا وأما المنفرات فاتفقوا علي عدم جوازه. [613] . [ صفحه 380]

وجوب الأمر بالمعروف عقلا و عدمه

اتفقت الأمة علي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا استثناء، غير أنهم اختلفوا في وجوبه عقلا وسمعا، أو سمعا فقط، فالمعتزلة علي الأول، والإمامية علي الثاني. قال المفيد: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان فرض علي الكفاية لشرط الحاجة إليه لقيام الحجة علي من لا علم لديه إلا بذكره أو حصول العلم بالمصلحة به أو غلبة الظن بذلك. [614] ثم إن المحقق الطوسي ذكر في متن التجريد دلائل المعتزلة علي وجوبهما عقلا، ثم عقب عليها بنقد وتحليل. [615] .

آباء رسول الله كلهم موحدون

اتفقت الإمامية علي أن آباء رسول الله من لدن آدم إلي عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله عز وجل موحدون له، وخالفهم علي هذا القول جميع الفرق. [616] .

تفضيل الأنبياء علي الملائكة

اتفقت الإمامية علي أن أنبياء الله عز وجل ورسله من البشر أفضل من الملائكة، ووافقهم علي ذلك أصحاب الحديث، وأجمعت المعتزلة علي خلاف ذلك وزعم الجمهور منهم أن الملائكة أفضل من الأنبياء والرسل. [617] . [ صفحه 381]

الرجعة: إمكانها و وقوعها

قضية الرجعة التي تحدثت عنها بعض الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة مما تعتقد به الشيعة من بين الأمة الإسلامية. قال الشيخ المفيد: إن الله يخير قوما من أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة وهذا مذهب يختص به آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم والقرآن شاهد به. [618] وخالفت المعتزلة والأشاعرة وأهل الحديث في ذلك.

الجنة والنار مخلوقتان أو لا؟

إن الله سبحانه وعد المتقين بالجنة وأوعد العصاة بالنار فهل هما مخلوقتان أو لا؟ والمسألة نقلية محضة فالإمامية إلا من شذ ذهبت إلي أن الجنة والنار في هذا الوقت مخلوقتان. قال الشيخ المفيد: وبذلك جاءت الأخبار وعليه إجماع أهل الشرع والآثار. [619] وقال التفتازاني: جمهور المسلمين علي أن الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا لأبي هاشم والقاضي عبد الجبار، ومن يجري مجراهما من المعتزلة حيث زعموا أنهما إنما يخلقان يوم الجزاء. [620] والظاهر من السيد الرضي من الشيعة (359 - 406 ه) أنهما غير مخلوقتين الآن حيث قال: الصحيح أنهما إنما تخلقان بعد. [621] . [ صفحه 382]

تأويل النصوص اعتمادا علي القواعد العقلية

إن الأصول الخمسة عند المعتزلة توصف بالصحة والإتقان علي درجة تقدم علي النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة، فقد أعطوا للعقل أكثر مما يستحقه، ولذلك نري أنهم لما بنوا علي أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار أولوا النصوص القرآنية، فقالوا: إن المراد من الشفاعة هو ترفيع الدرجة لا رفع العقاب، وقس علي ذلك سائر تأويلاتهم في الكتاب والسنة. إن النص الوارد في القرآن الكريم دليل قطعي لا يعادله شئ، فعند ذلك تجب تخطئة العقل لا تأويل القرآن، والتعارض بين القطعيين غير معقول، وتأويل النص القطعي كرفضه، نعم لو كان النص ظني السند أو كان الدليل الشرعي ظني الدلالة فللتأويل مجال، هذا وللبحث صلة تطلب في محاله.

الامامة بالتنصيص أو بالشوري

اتفقت الإمامية علي أن الإمامة بالتنصيص خلافا للأشاعرة والمعتزلة وقالوا بالشوري وغيرها، ويتفرع علي ذلك أمر آخر، وهو أن النبي نص علي علي عليه السلام خليفته بالذات عند الإمامية، وقال الآخرون سكت وترك الأمر شوري بين المسلمين. قال القاضي عند البحث عن طرق الإمامة (عند المعتزلة): إنها العقد والاختيار. [622] .

هل يشترط في الإمام كونه معصوما؟

اتفقت الإمامية علي أن الإمام يجب أن يكون معصوما عن الخطأ والمعصية [ صفحه 383] خلافا للمعتزلة حيث اكتفت أنه يجب أن يكون مبرزا في العلم مجتهدا، ذا ورع شديد، يوثق بقوله ويؤمن منه ويعتمد عليه. [623] قال المفيد: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه علي الأنبياء وأنه لا يجوز منهم سهو في شئ في الدين ولا ينسون شيئا من الأحكام، وعلي هذا مذهب سائر الإمامية، إلا من شذ منهم وتعلق بظاهر روايات، لها تأويلات علي خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب، والمعتزلة بأسرها تخالف في ذلك ويجوزون من الأئمة وقوع الكبائر والردة عن الإسلام. [624] .

حكم محارب الإمام علي أميرالمؤمنين

اتفقت الإمامية علي أن الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين عليه السلام، وأنهم بذلك في النار مخلدون، وأجمعت المعتزلة سوي الغزال منهم وابن باب، والمرجئة والحشوية من أصحاب الحديث علي خلاف ذلك، فزعمت المعتزلة كافة إلا من سميناه وجماعة من المرجئة وطائفة من أصحاب الحديث، أنهم فساق ليسوا بكفار، وقطعت المعتزلة من بينهم علي أنهم لفسقهم في النار خالدون. [625] هذه جملة من الأصول التي يختلف فيها المنهجان وبقيت هناك أصول أخري تضاربت فيها آراء الفريقين، لم نذكرها روما للاختصار. [ صفحه 384]

الآن حصحص الحق

إن القارئ الكريم إذا أمعن فيما أوردناه في هذه الفصول الستة يقف علي ضالتنا المنشودة وهي: 1 - إن الشيعة عن بكرة أبيهم كانوا مستقلين في التفكير، وقد اقتفوا في الأصول والفروع أئمة أهل البيت، ولم يكونوا في عصر من الأعصار تبعا للمعتزلة، وأنهم لو اتفقوا معهم في أصول، اختلفوا في أخري، ولو كان الاتفاق فيها دليلا علي التبعية فلماذا لا يكون دليلا علي العكس؟ والحق أن الطائفتين يصدران عن معين عذب وهي خطب الإمام أمير المؤمنين في التوحيد والعدل، والرجوع إلي العقل في مجال العقائد، وأن من زعم أن الشيعة كانت تبعا للمعتزلة فقد ظن ظنا خاطئا بلا تحقيق ولا إمعان. هذا وإن شيخ الأمة المفيد عقد بابا خاصا في كتابه أوائل المقالات بين فيه الفوارق الفكرية بين الشيعة والمعتزلة. [626] 2 - إن الشيعة كانت تتمتع في القرون السبعة بمنهج كلامي تام متشعب الفنون، وقد نضج المنهج في ظل الأصول السمعية والدراسات العقلية، وها هم علماؤهم، ومتكلموهم فيها، وهذه كتبهم ورسائلهم، وهذه أصولهم وعقائدهم، وهذه مناظراتهم مع المخالفين. ومهما يكن من أمر فإن الشيعة قد خلفت تراثا كلاميا ضخما إلا أن ثمة من يلمح إلي معني فيه ظلم كثير للكلام الشيعي فها هو آدم متز يقول: لم يكن للشيعة في القرن الرابع منهج كلامي مع أن ابن النديم يصف المفيد بأنه: " في عصرنا انتهت رئاسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام علي مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، بادئ الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا " [627] . [ صفحه 385] نحمده سبحانه علي إنعامه وإفضاله، ونشكره علي آلائه، ونصلي علي محمد أفضل سفرائه، وعلي آله الأطهار أفضل بريته، صلاة دائمة ما دامت السماء ذات أبراج، والأرض ذات فجاج. جعفر السبحاني قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام صفر المظفر / 1413 ه [ صفحه 386]

دراسة إيمان أبي طالب في ضوء الكتاب والسنة

كتبت هذه الرسالة جوابا لمحاضرة الشيخ يوسف القرضاوي في قطر بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نسأل الله لكم دوام الصحة والتوفيق لخدمة الإسلام والمسلمين. أما بعد، فقد وقفنا في إحدي المجلات الإسلامية علي مقالة رثائية قيمة لكم بمناسبة رحيل المفكر الإسلامي القدير الشيخ الغزالي - رحمه الله - تحت عنوان: " النجم الساطع ". ولقد كان الشيخ الغزالي حقا - كما وصفتموه - العقل الذكي، والقلب النقي، وصاحب الرشد في الفكر والشجاعة في الحق، والغيرة علي الدين فقد صدع بما يري أنه الحق غير آبه بما يثيره رأيه الصريح، من انتقادات واعتراضات، [ صفحه 387] لأنه كان - كما قلتم - حر الفكر والضمير، حر اللسان والقلم، ولأنه رفض الخضوع لأهواء العوام كما فعل أدعياء العلم الذين يحسبهم الناس دعاة!! ولقد طالعنا في نفس الوقت رسالتكم القيمة إلي الندوة الثانية للتقريب بين المذاهب الإسلامية بالرباط (12 - 14 ربيع الثاني 1417 ه) التي انطلقت من روح متوقدة متطلعة إلي عزة المسلمين وفهم عميق ومنطقي للقرآن والسنة. وقد أعجبتنا فيها رؤيتكم الصائبة حول ما يحول دون تحقيق الوحدة الإسلامية الكبري والتقريب بين فصائل المسلمين وطوائفهم، وأبرز ذلك فراغ نفوس المسلمين من الهموم الكبيرة والآمال العظيمة، واعتراكهم علي المسائل الصغيرة والهامشية من فروع العقيدة أو الفقه، وقد كان من الواجب - كما قلتم فيها - علي الدعاة والمفكرين الإسلاميين أن يشغلوا جماهير المسلمين بهموم أمتهم الكبري وليلفتوا أنظارهم وقلوبهم وعقولهم إلي ضرورة التركيز عليها والتنبيه لها. والحق كما تفضلتم: مشكلة المسلمين اليوم ليست في الذي يؤول آيات الصفات وأحاديثها بل في من ينكر الذات والصفات الإلهية جميعا ويدعو إلي العلمانية والإلحاد، ومشكلة المسلمين ليست في من يجهر بالبسملة أو يخفضها أو لا يقرؤها في الصلاة، ولا في من يرسل يديه في الصلاة أو يقبضهما، إنما مشكلة المسلمين في من لا ينحني يوما لله راكعا ولا يخفض جبهته لله ساجدا ولا يعرف المسجد ولا يعرفه... ولا... ولا... إنما إنما..... وبالتالي إن المشكلة حقا هي: وهن العقيدة في النفوس، وتعطيل الشريعة في الحياة، وانهيار الأخلاق في المجتمع، وإضاعة الصلوات، ومنع الزكوات واتباع الشهوات، وشيوع الفاحشة، وانتشار الرشوة، وخراب الذمم، وسوء الإدارة، وترك [ صفحه 388] الفرائض الأصلية، وارتكاب المحرمات القطعية، وموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين. إن مشكلة المسلمين - كما تفضلتم فيها - تتمثل في إلغاء العقل وتجميد الفكر وتخدير الإرادة، وقتل الحرية، وإماتة الحقوق، ونسيان الواجبات، وفشو الأنانية، وإهمال سنن الله في الكون والمجتمع. وهي بالضبط وعلي التحديد كل هذا، وبخاصة ما ذكرتموه في أرقام سبعة تحت عنوان هموم سبعة أساسية. ولقد أعجبتنا كل هذه الرؤي جملة وتفصيلا، وتمنينا لو كان مثل هذه الرؤية والبصيرة شائعة بين مفكري الإسلام وعلمائه اليوم سنة وشيعة ومن جميع الفرق والمذاهب، وكان هناك تعاون صادق وعميق ومتواصل لحل هذه المشكلات ما دامت كل هذه الفرق والمذاهب متفقة علي وحدانية الله، ورسالة النبي الخاتم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأركان الإسلام العملية، ومكارم الأخلاق، وأمور كثيرة أخري تفوق الحصر، وتستعصي علي العد والإحصاء. وتمنينا لو كان المسلمون يكفون - إلي جانب ذلك - عن التراشق بسهام الاتهام فيما بينهم، ويتحررون من عقدة الطائفية وأساليبها الجاهلية، ويقوموا - بدل ذلك - بدراسة نقاط الخلاف والاختلاف بروح أخوية ونهج علمي، وأسلوب رصين، ويفسحون للجميع فرصة التعبير عن مذهبه، والإدلاء بأدلته، وبراهينه في جو ملؤه رحابة الصدر واتساع الفكر والسماحة، ويتركون إثارة ما يبعد القلوب بعضها عن بعضها، ويكدر الصفو، ويفسد المودة. [ صفحه 389] غير أنه بلغنا أنكم في محاضرة لكم في " قطر " تعرضتم بسوء لشيخ الأباطح ناصر الإسلام وحامي نبيه الأكبر أبي طالب - رضوان الله تعالي عليه - الذي تكفل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وآواه، وحامي عنه بعد ابتعاثه بالرسالة، وضحي في سبيل دعوته براحته، ونفسه، وبأولاده وأفلاذ كبده، كاتما إيمانه، ومتقيا قومه العتاة ليبقي علي منصبه، من أجل أن يخدم في ظله الرسول والرسالة، ويدفع به عنهما أذي معارضيهما، وكيدهم كما فعل مؤمن آل فرعون طوال أربعين سنة، بلا انقطاع. فهل تري كان حقيقا بأن ينكر فضله، وتتجاهل خدمته؟ وهو الذي صرح بصحة الرسالة المحمدية وصدق الدعوة النبوية الخاتمة في قصائده، وأشعاره وترجم إيمانه، بالوقوف الصريح - هو وأبناؤه الغر - إلي جانب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيث يقول: كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ولما نطاعن دونه ونناضل [628] . ونسلمه حتي نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد وإخوته دأب المحب المواصل فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها وزينا لمن والاه رب المشاكل [629] . فمن مثله في الناس أي مؤمل إذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش يوالي إلاها ليس عنه بغافل لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعني بقول الأباطل [ صفحه 390] فأصبح فينا أحمد في أرومة تقصر عنه سورة المتطاول [630] . حدبت بنفسي دونه وحميته ودافعت عنه بالذرا والكلاكل [631] . فأيده رب العباد بنصره وأظهر دينا حقه غير باطل [632] . نقل ابن هشام في سيرته أربعة وتسعين بيتا من هذه القصيدة، فيما أورد ابن كثير الشامي في تاريخه " اثنين وتسعين بيتا " وأورد أبو هفان العبدي الجامع لديوان " أبي طالب " مائة وواحد وعشرين بيتا منها في ذلك الديوان ولعلها تمام القصيدة وهي في غاية العذوبة والروعة، وفي منتهي القوة والجمال، وتفوق في هذه الجهات كل المعلقات السبع التي كان عرب الجاهلية يفتخرون بها ويعدونها من أرقي ما قيل في مجال الشعر. وله وراء هذه اللامية، قصيدة أخري ميمية " فهو - سلام الله عليه - يصرح فيها بنبوة ابن أخيه وأنه نبي كموسي وعيسي عليهما السلام إذ يقول: ليعلم خيار الناس أن محمدا نبي كموسي والمسيح بن مريم أتانا بهدي مثل ما أتيا به فكل بأمر الله يهدي ويعصم [633] . ونظيرها قصيدته البائية وفيها: ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسي خط في أول الكتب [634] . [ صفحه 391] أفبعد هذه البلاغات والتصريحات يصح لإنسان واع أن يكفر سيد الأباطح أو يشك في إيمانه؟ وعلي فرض التسليم، فهل هذه هي واقعا مشكلة الأمة الإسلامية اليوم وأنتم الأدري بمشاكل الأمة، وهل التنكيل بحامي الرسول، والإيقاع فيه من ما يخدم الأمة؟! هل يكون أبو طالب مع كل تلكم المواقف المشرفة ومع كل تلك الإثارة الصريحة الكاشفة عن عمق إيمانه بالرسالة المحمدية مشركا، وأبو سفيان الذي أشعل حروبا وقام بمؤامرات مدة عشرين سنة وأبناؤه الذين كانوا أساس المشكلة ومبدأ الانحراف في المسار الإسلامي، مسلمين موحدين يستحقون كل تقدير وكل احترام منا؟! وهل تري لو كان أبو طالب والدا لغير علي عليه السلام كان يري هذا الحيف من قبل أبناء الإسلام؟! هلا كنتم يا فضلية الأستاذ - وأنتم علي ما أنتم عليه من مستوي رفيع ومرموق في الرؤية والبصيرة - علي نهج زميلكم الراحل الفقيد الشيخ الغزالي - رحمه الله - من الصدع بالحق، وعدم الخضوع للمرويات الباطلة. نحن - وقد وقفنا علي قسم من مؤلفاتكم القيمة الزاخرة بالفكر المشرق - كنا ولا نزال نأمل أن تنصفوا الحقيقة ولا تقعوا فيما وقع فيه الأولون من غمطها وتجاهلها والجناية عليها، وأن تكونوا المرجع الأمين لشباب هذا العصر في تصحيح التاريخ، وتنقيته من الأباطيل، ورفع الضيم والظلم عن المظلومين. ورحم الله ابن أبي الحديد القائل: [ صفحه 392] ولولا أبو طالب وابنه لما مثل الدين شخصا وقاما فهذا بمكة أوي وحامي وذاك بيثرب ذاق الحماما كل ذلك لو كان النبأ الواصل إلينا عن محاضرتكم صادقا، وأرجو أن لا يكون كذلك. هذا ونرسل إليكم ما قمنا به من دراسة لإيمان أبي طالب في ضوء الكتاب والسنة والتاريخ، وقد طبع ضمن دراستنا لحياة وتاريخ سيد المرسلين صلي الله عليه وآله وسلم. ثم إننا انطلاقا من ضرورة السعي لإيجاد المزيد من التفاهم والتقارب نرسل إليكم كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، وحكم الأرجل في الوضوء، والأسماء الثلاثة، وأملنا أن تكون هذه الكتب خطوات علي سبيل تحصيل التقارب بين الفقهين. وختاما نقول: إنكم في رسالتكم للمؤتمر رجحتم قول الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن، وما قوله إلا " قدم القرآن "، وكيف يكون هذا القول، القول الأرجح وليس القديم إلا الله سبحانه، فيكون القرآن عندئذ إلها ثانيا، وهو يضاد أصل التوحيد؟! ولو أريد من قدم القرآن قدم علمه سبحانه فهذا أمر لا سترة عليه ولا نزاع فيه. والجدير بالإمام أحمد الذي يأخذ العقائد من الكتاب والسنة أن لا يخوض في هذا الموضوع بحجة أن الكتاب والسنة لم يذكرا شيئا حول قدم القرآن و [ صفحه 393] حدوثه لو لم نقل أنه تبني حدوثه. وتقبلوا في الختام أسمي تحياتنا، وأفضل تمنياتنا، وفقكم الله لصالح العلم والعمل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. جعفر السبحاني قم - الجامعة الإسلامية تحريرا في 15 / 11 / 1417 ه ق [ صفحه 394]

جواب رسالة حول الشيعة أصولها و عقائدها (1)

اشاره

قد وجهت إلي دعوة من الأردن عام 1419 ه لإلقاء المحاضرات في جامعاتها، وكان لها صدي واسع النطاق لا سيما في التعريف بالشيعة وأصولها وفروعها وتاريخها. ودارت المحاضرات حول الوحدة الإسلامية والأصول المشتركة بين الفريقين، ونالت اهتمام الصحف والمجلات الأردنية، كما نالت إعجاب الحاضرين. ولما أقفلت راجعا إلي إيران انهالت علي رسائل عديدة من الأردن تستفسر فيها عن الشيعة وأصولها وعقائدها. وممن كتب إلي في ذلك أخت جامعية فاضلة تدعي ابتسام سالم زبن العطيات. فقد كتبت رسالة مسهبة سألتني فيها عن مسائل تتعلق بالشيعة وعقائدها، وقد بعثت إليها بالرسالة التالية جوابا لاستفساراتها. وبالإمعان فيها تعلم الأسئلة التي وجهتها إلي، وهي رسالتان ننشرهما تباعا. [ صفحه 395]

اختي في الله: ابتسام سالم زبن العطيات

اشاره

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: فقد وافتني رسالتكم الكريمة معربة عن أخلاقكم السامية وأعراقكم الزاكية، ووقفت علي ما تنطوون عليه من حب للوحدة الإسلامية ورص الصفوف، وقد كتبتم في صدر رسالتكم أمورا أوافقكم في جميع ما حررتموه، غير أني أقوم برفع بعض الشبهات العالقة بأذهانكم بالنسبة إلي الشيعة. 1 - إن الشيعة ليست فرقة حادثة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم بل ترجع جذورها إلي أماثل من المهاجرين والأنصار الذين بقوا علي ما كانوا عليه في عصر الرسالة من الاعتقاد بمبدأ التنصيص علي الإمام بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، فبقوا علي تلك العقيدة بعد رحيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم فتلك الثلة من المهاجرين والأنصار هم رواد التشيع، وقد ذكرنا أسماء كثير منهم في الجزء السادس من كتابنا " بحوث في الملل والنحل "، وفي طليعتهم: أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، والمقداد بن الأسود الكندي، وقيس بن سعد بن عبادة، وسلمان الفارسي، والعباس عم النبي [ صفحه 396] صلي الله عليه وآله وسلم، وأبو أيوب الأنصاري، وذو الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري، وقد انتشر التشيع عن طريق هؤلاء في الحجاز أولا ومنها إلي سائر الأمصار عبر القرون. إن اختلاف الشيعة مع السنة ليس اختلافا فيما أوحي إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بل هو اختلاف في بعض ما روي عنه، والشيعة علي أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم نص علي الخليفة بعده في مواقف عديدة، مثل:

حديث الدار

بعد أن مضت ثلاث سنوات علي بعثة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كلفه الله تعالي بأن يبلغ لأبناء عشيرته وقبيلته، وذلك عندما نزل قوله عز وجل: - (وأنذر عشيرتك الأقربين) - [635] . فجمع النبي صلي الله عليه وآله وسلم رؤوس بني هاشم وقال: " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم ". ولقد كرر النبي صلي الله عليه وآله وسلم العبارة الأخيرة ثلاث مرات، ولم يقم في كل مرة إلا الإمام علي عليه السلام، الذي أعلن عن استعداده لمؤازرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ونصرته، وفي المرة الثالثة قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ". [636] . [ صفحه 397]

حديث الغدير

اشاره

ومن جملة التنصيص علي الخليفة نص النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي علي عليه السلام في محتشد عظيم في منصرفه من حجة الوداع في أرض تعرف بغدير خم، حيث قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها؟ ". قالوا: بلي نشهد بذلك. قال صلي الله عليه وآله وسلم: " فإني فرط (أي أسبقكم) علي الحوض (أي الكوثر)، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟ ". فنادي مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: " الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ". ثم أخذ بيد " علي " فرفعها حتي رؤي بياض آباطهما فعرفه القوم أجمعون فقال صلي الله عليه وآله وسلم: " أيها الناس من أولي الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال صلي الله عليه وآله وسلم: " إن الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ". ثم قال صلي الله عليه وآله وسلم: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث ما دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ". [ صفحه 398]

حديث الغدير من الأحاديث المتواترة

إن حديث الغدير من الأحاديث المتواترة، وقد رواه العديد من الصحابة والتابعين والمحدثين في كل قرن بصور متواترة. فقد نقل حديث الغدير ورواه (110) من الصحابة، و (89) من التابعين، و (350) من العلماء والمحدثين، وفي ضوء هذا التواتر لا يبقي أي مجال للشك في أصالة وصحة هذا الحديث. كما أن فريقا من العلماء ألفوا كتبا مستقلة حول حديث " الغدير " أشملها وأكثرها استيعابا لطرق وأسناد هذا الحديث كتاب " الغدير " للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (1320 - 1390 ه). 2 - تسمية هؤلاء بالشيعة ترجع إلي نفس النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلاحظوا تفسير الدر المنثور في سورة البينة في تفسير قوله تعالي: - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) -، حيث قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هم علي وشيعته. هؤلاء نواة التشيع وقد نمت بعد رحيل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بفضل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلي يومنا هذا. ولهم دول وحكومات وجامعات علمية ومساهمات كثيرة في الحضارة الإسلامية وكتب وآثار عظيمة ومكتبات ضخمة وقد خدموا الإسلام والمسلمين في كافة الحقول. هذه لمحة إجمالية للشيعة ولنجب الآن عن ما طلبتموه من إعطاء المعلومات حول الأمور التالية: 1 - كتبتم: " لدي بعض المعلومات والنصوص التي قرأتها من خلال كتب الشيعة ". [ صفحه 399] كنت أود أن أتعرف علي تلك الكتب التي قرأتموها لأقف علي مدي معلوماتكم الصحيحة بالنسبة إلي الشيعة الإمامية. 2 - كتبتم: " أن تكون الإجابة لكم صريحة بدون اللجوء إلي مبدأ التقية ". نوضح لكم أن مبدأ التقية عند الشيعة هو في حالة الخوف علي النفس والنفيس، وهو أمر يتحقق عند الضعف، وأما في الحالات الطبيعية واستتباب الأمن فلا معني للتقية، وأنا أقسم بالله تبارك وتعالي - (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) - إنه لم يكتب كتاب عبر القرون علي نمط التقية بل كل من كتب من علمائنا الشيعة سواء أصاب أم أخطأ فإنما كتب فيما يراه واعتقده. 3 - ذكرتم وقرأتم في إحدي الكتب: " إن الإمام آية الله الخميني رحمه الله كفر صاحبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهذا واضح في كتابه كشف الأسرار، ص 111 و 114 و 117 ويسميهما صنمي قريش... الخ ". إن التعتيم الاعلامي لم يزل سائدا علي الشيعة إلي يومنا هذا، وقد نسبوا إليهم أمورا لا حقيقة لها، ومن هذه الأمور ما نقلتموه عن أحد الكتب. إن الإمام الخميني قدس سره كتب كتابه كشف الأسرار (عام 1363 ه. ق / 1944 م) وهو كان ممن يحمل هموم المسلمين منذ شبابه حتي لقاء ربه، وقد قام بعض أصحاب الأقلام المشبوهة بترجمة كتابه (كشف الأسرار) ترجمة مزورة ومحرفة ولم يراع الأمانة العلمية، فأدخل فيه أشياء لتشويه سمعة الثورة الإسلامية التي فجرها الإمام الخميني ولم تزل تشع وتدعو الأمة إلي الوحدة ورص الصفوف، فالترجمة التي اعتمدتم عليها، ترجمة مزورة ومحرفة، فلأجل أن تثقوا بما ذكرت أود أن ترسلوا إلي تلك الصفحات حتي أرسل إليكم ما كتبه السيد في تلك المواضيع باللغة الفارسية المطبوعة، وبإمكانكم التطابق بين النسختين عن طريق من يجيد، اللغتين العربية والفارسية في جامعة أهل البيت في الأردن [ صفحه 400] الهاشمي وغيرها كي تصدقوا بأن التعتيم الإعلامي لم يزل قائما بين المسلمين للحيلولة دون الوقوف علي عقائد هذه الطائفة الكبيرة والمظلومة. 4 - قلتم: " تعتقد الشيعة الإمامية أن حكام أهل السنة وقضاتهم طواغيت... ". تعتقد الشيعة بأن القضاة المنصوبين من قبل السلطة الظالمة لا يجوز التحاكم إليهم من غير فرق بين كون القاضي شيعيا أو سنيا أو غير ذلك، و المنصوب من قبل الحكومات الغاشمة كالأمويين والعباسيين، لا يصح التحاكم إليهم لأنهم ليسوا بعدول. 5 - ذكرتم: " تكفير الشيعة للسنة... ". هذه النسبة غير صحيحة، وهذه كتب الشيعة في تفسير معني الإسلام والإيمان، وقد اتفقوا علي أن أركانهما عبارة عن الإيمان بالله تبارك وتعالي ورسالة النبي صلي الله عليه وآله وسلم والإيمان بيوم المعاد، وعلي ذلك جروا في كتبهم العقائدية والفقهية. والمسلمون - بحمد الله - كلهم شيعيهم وسنيهم متظللون تحت ظلال الإسلام والإيمان. هذا هو الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام يروي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال: أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا حرمت علي دماؤهم وأموالهم. [637] وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله، به حقنت الدماء... ". [638] وقد كتبنا كتابا مستقلا حول الإيمان والكفر في الكتاب والسنة وبينا حدودهما. [ صفحه 401] 6 - كتبتم: " حول سب صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي منابر المساجد... ". إن الصحابة تطلق علي كل من رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم مرة أو مرات، أو عاشره ولو لفترة قليلة، وهم علي طوائف. منهم: من قضي نحبه في العهد المكي مثل ياسر وسمية. ومنهم: من استشهد بعد الهجرة في بدر وأحد والأحزاب ومؤتة، مثل: عبيدة بن الحارث في بدر، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله في أحد، وسعد بن معاذ في الأحزاب، وجعفر الطيار وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة في مؤتة. ومنهم: من بقي بعد رحيل الرسول شاركوا في نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله. فهل يتصور أن أحدا يمتلك شيئا من العقل يسب هؤلاء الأماثل وقد انتشر الإسلام بفضلهم وجهودهم، وفيهم رواد التشيع الحاملون رسالة التنصيص. إن مسألة سب الصحابة تحوير لمسألة كلامية أخري، وهي كون كل صحابي عادلا، والشيعة تعتقد بأن حكم الصحابة كحكم التابعين من غير فرق بينهما، إلا من جهة التشرف برؤية النور النبوي والانتهال من نمير علوم المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم، وليس هنا أي دليل علي أن صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذين يتجاوز عددهم مائة ألف، كلهم عدول، مع أنا لا نعرف أسماء أكثرهم فضلا عن أعيانهم، والمسجل من أسمائهم لا يتجاوز عن خمسة عشر ألف صحابي، والإمعان في القرآن يثبت نظرية الشيعة، فلاحظوا سورة الحجرات الآية 6 وغيرها. 7 - كتبتم: " أن الشيعة تعتقد بتحريف القرآن المجيد ". أقول: إن أعيان الشيعة الإمامية الذين يؤخذ بقولهم ورأيهم في مجال العقيدة الإسلامية قالوا بصيانة القرآن عن التحريف وعلي سبيل المثال: الفضل بن [ صفحه 402] شاذان (260 ه)، والشيخ محمد الصدوق (381 ه) في كتابه " عقائد الإمامية "، والشيخ المفيد (413 ه) في أجوبة المسائل السروية، والسيد المرتضي (436 ه) في كتبه، والشيخ أبو جعفر الطوسي (460 ه) في كتابه التبيان في تفسير القرآن، والشيخ أبو علي الطبرسي (548 ه) في تفسيره مجمع البيان، إلي غير ذلك.... نعم وردت روايات في كتب الحديث عند الشيعة والسنة علي حد سواء تتحدث عن طروء التحريف علي القرآن الكريم. وهي أخبار آحاد ليست حجة في مجال العقائد، وما أشرتم إليه من كتاب للشيخ الحسين الطبرسي تنتهي رواياته إلي أشخاص ضعفاء في الرواية لا يعتمد علي رواياتهم كالسياري وعلي بن أحمد الكوفي... وقد كتبت الشيعة ردودا علي هذا الكتاب منذ طبعه إلي الآن، أخص بالذكر كتاب " صيانة القرآن الكريم من التحريف " للعلامة الحجة محمد هادي معرفة - مد ظله - ولنا أيضا رسالة في نقد هذا الكتاب طبعت في مقدمة طبقات الفقهاء. إن وجود الرواية في كتاب الكافي للكليني ليس دليلا علي العقيدة، وإلا فإن روايات التحريف موجودة حتي في صحيح البخاري كحديث عمر عن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله.... [639] قد نقل القرطبي في تفسير سورة الأحزاب عن السيدة عائشة أم المؤمنين أن سورة الأحزاب كانت أكبر من سورة البقرة، لاحظوا ذلك التفسير. وقد ألف أحد علماء الأزهر كتابا باسم " الفرقان في تحريف القرآن " وقد طبع وانتشر ولدي نسخة منه. والمحققون من علماء السنة والشيعة لا يقيمون لهذه الكتب وزنا ولا قيمة. [ صفحه 403] وفرض القول بالتحريف علي السنة والشيعة ليس لصلاح الأمة، وإنما هو لصالح الأعداء الذين يتربصون الدوائر بالإسلام والمسلمين. اعتذر إليكم من عدم التفصيل في بعض المجالات، لأن بعض هذه المواضيع رهن كتاب مستقل. وأرجو أن تكون رسالتي لكم مزيلة لبعض الإبهامات والشبهات ونحن أيضا علي استعداد علي أن نجيب مرة ثانية لو كانت عندكم استفسارات. 8 - ذكرتم: " أن لكم اهتماما بالشعر... ". إن الشعر الهادف أمنية كل مفكر إسلامي، يوقظ به الأمة، ويدعم الصحوة الإسلامية، ويندد بالظالمين، ويصور الوقائع علي ما كان، لا علي ما يريد، ولهذه الغاية أبعث إليكم قصيدة حول حديث الطف لشاعر إيراني أرجو قراءتها بالدقة و الإمعان، وتوضيح لغاتها، وشق مفاهيمها وقد جري في قريضه علي نهج الشعر الجاهلي. وقياما وعملا بما قاله الإمام الصادق عليه السلام " أحب إخواني إلي من أهدي إلي عيوبي ". أنبه علي بعض ما جاء في رسالتكم من بعض الكلمات وليس ذلك إلا من هفوات القلم. ص 1، س 8 " ولدي اهتماما شديدا " والصحيح: اهتمام شديد. ص 2، س 16 " عن أبوه محمد الباقر " والصحيح: عن أبيه. وفي الختام أتمني لكم التوفيق والسعادة، وللمسلمين وحدة الكلمة وقد بني الإسلام علي كلمتين: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة. والسلام عليكم ورحمة الله جعفر السبحاني إيران - قم - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام [ صفحه 404]

جواب رسالة حول الشيعة أصولها و عقائدها (2)

اختي في الله ابتسام سالم زبن العطيات

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد وافتني رسالتك المؤرخة 15 جمادي الأولي 1419 ه، وهي تكشف عن عنايتك بالبحث عن الحقيقة، وتجردك عن التعصب، ولا شك أن الموضوعية هي مفتاح كشف الحقيقة، وقد طرحت فيها عدة أسئلة أقوم بالإجابة عليها بنحو موجز وأحيل التفصيل إلي الكتب التي سأشير إليها في آخر الرسالة أو أرسلها إليك مرفقة بها. [ صفحه 405] 1 - جاء في رسالتك أن الدكتور موسي الموسوي نقل أن الإمام الخميني أدخل اسمه في الأذان.... الجواب: إن الدكتور المذكور قد انتقل إلي الدار الآخرة ولا أقول في حقه شيئا عملا بالحديث المعروف: " اذكروا موتاكم بخير " ولكنه - سامحه الله - قد افتعل وافتري وبإمكانكم الاستماع إلي أذان إذاعة الجمهورية الإسلامية ليلا ونهارا. نعم الشعار الثوري للأمة المسلمة الإيرانية في غير الأذان والإقامة هو " الله أكبر، خميني رهبر " ولا صلة لهذا الشعار بهما وإنما يهتفون بها في ساحات الوغي وفي التظاهرات الشعبية، والعجب أن الملك خالد عاهل المملكة السعودية آنذاك طرح هذا السؤال علي الإمام الخميني رحمه الله فأجاب بقوله: معاذ الله أن يدخل مسلم في الشريعة ما ليس منها فإنها بدعة محرمة لا يخضع لها الشعب المسلم. 2 - صلاة الجمعة تقام في حضور الإمام وفي غيبته، وهي صلاة عبادية سياسية مقرونة ولا يقام إلا بإذن الإمام المعصوم أو الفقيه العادل الجامع للشرائط، ولذلك فالشيعة في عصر الغيبة تقيم صلاة الجمعة في جميع المدن والقري، ومن قال بأن الشيعة عطلت صلاة الجمعة فهو مفتر لا يقام لكلامه وزن ولا قيمة. وبإمكانك الرجوع إلي مبحث الأذان وصلاة الجمعة من كتاب " تحرير الوسيلة "، وهو كتاب فقهي للإمام الخميني في جزءين كبيرين يوجدان في الملحق الثقافي للسفارة الإيرانية في الأردن. أختي في الله لقد وظف الجهاز الحاكم في عصر الأمويين والعباسيين ومن والأهم إلي يومنا هذا وسائل الأعلام بغية الافتراء علي الشيعة وتشويه سمعتها بما لا يسع المجال لذكر معشار ما ارتكبوه من الأعمال في حق الشيعة، ونعم الحكم الله. [ صفحه 406] 3 - مسألة الإمام المهدي عليه السلام أصل اعتقادي اتفق عليها المسلمون، وأنه يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا وظلما، وإنما الاختلاف بين الشيعة والسنة في أمر آخر، وهو أن الشيعة تعتقد بولادته عام 255 ه في سامراء وعاش في أحضان والده ووالدته خمس سنين وغاب عن الأبصار بعد وفاة أبيه عام 260 بأمر من الله سبحانه وهو حي يرزق في هذا العالم، وليس هذا ببعيد عن قدرته تبارك وتعالي. وقد أرشدنا القرآن الكريم إلي أن لله سبحانه حجتين ظاهرة وغائبة في عصر واحد، أما الظاهرة فكموسي عليه السلام، وأما الغائبة فكمصاحبة الخضر عليه السلام الذي لم يكن موسي يعرفه وإنما تعرف عليه بتعريف من الله سبحانه، وقد نهل من معين علمه علي ما ورد في سورة الكهف الآية (60 - 82) فقد كان مصاحب موسي وليا من أوليائه سبحانه متصرفا في أمور الناس ولم يكن الناس يعرفونه. فالإمام المهدي عليه السلام من تلك الفئة إمام غائب عن الأبصار متصرف في أمور الناس قائم بوظائف الإمامة وإن كان الناس لا يعرفونه وسيظهر بأمر من الله سبحانه، وهو مصلح كبير وعد الله به الأمم وأخباره متفشية في العهدين وغيرهما، مضافا إلي الأحاديث النبوية المتواترة التي نقلها علماء الفريقين. 4 - مدينة قم مدينة مقدسة فيها مدفن كريمة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت الإمام موسي بن جعفر بن محمد الباقر بن الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام وفي تلك البلدة الطيبة ضريحها وضريح العديد من أعلام الشيعة من القرن الثاني إلي يومنا هذا من المحدثين الكبار والفقهاء العظام، وقامت فيها جامعة إسلامية كبيرة زهت بالعديد من طلاب العلم والمعرفة يربو عددهم إلي ثلاثين ألف طالب. وتدرس في هذه الجامعة مختلف العلوم الإسلامية وفيها أيضا جامعة [ صفحه 407] أخري للبنات تدعي جامعة الزهراء عليها السلام تتقاطر إليها الطالبات من مختلف الأمصار الإسلامية. ومؤسسة الإمام الصادق عليه السلام فرع من تلك الجامعة الكبيرة الأولي التي تختص بالدراسات الكلامية حيث تزود خريجيها بشهادات عليا مضافا إلي ما تقوم به من نشر التراث الإسلامي وسد الفراغ بتأليف الكتب الدراسية، والتبليغية. 5 - الزواج بين المذاهب الإسلامية جائز والمسلم كف ء المسلم بلا فرق بين فرقة وأخري فما دام الجميع يتمسكون بأهداب الإسلام ويشهدون بتوحيده سبحانه ورسالة نبيه الخاتم ويوم جزائه فالجميع علي حد سواء. 6 - ذكرتم شيئا من الاحتفالات التي تقام في الأردن حول ضريح سيدنا جعفر بن أبي طالب عليهما السلام في مدينة الكرك الأردنية، ولكنها نموذج صغير بالنسبة إلي ما يقام في العراق وإيران من الاحتفالات، فهو فوق أن يذكر، والهدف من ورائها إحياء المنهج الذي رسمه السبط الأطهر حسين العظمة، حسين الإباء والشهادة، حسين التضحية، فهو منهج حي ومبدأ قيم يجب الحفاظ عليه ليشب عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، وليترنم الجميع بكلامه عليه السلام الخالد " إن الحياة عقيدة وجهاد " فالاستسلام أمام العدو الغاشم علي النقيض من منهج الحسين الثوري. ولو كان منهج الحسين سائدا بين أوساط المسلمين لما عمهم الذل والهوان ولما اغتصبت أراضيهم من قبل شذاذ الآفاق. وقد بعثنا إليكم مع الرسالة السابقة قصيدة حول ثورة الحسين عليه السلام وطلبنا منك تفسيرها وتشقيق معانيها والتي كانت مطلعها. أناخت علي قلبي الكآبة والكرب عشية زم العيس للظعن الركب [ صفحه 408] إلي أن قال: رزية قوم يمموا أرض كربلا فعاد عبيرا منهم ذلك الترب 7 - غسل الرجلين أو مسحهما في الوضوء مسألة فقهية اختلفت فيها آراء السنة والشيعة، فأغلب السنة علي الغسل والشيعة علي المسح وكتاب الله معهم والمستفاد من ظاهره أن الوضوء " غسلتان " و " مسحتان " كما قاله ابن عباس، وصبه بحر العلوم في قالب شعري في منظومته المسماة بالدرة النجفية حيث قال: إن الوضوء غسلتان عندنا ومسحتان والكتاب معنا قال سبحانه:- (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق) - [640] . وقال:- (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) - [641] . فالشيعة تقول بأن لفظ الأرجل معطوف علي الرؤوس سواء قرئ بالجر فيكون معطوفا علي اللفظ، أو بالنصب فيكون معطوفا علي المحل، لأن الرؤوس مفعول ومحله النصب، فكلتا القراءتين مطابقتان للقواعد العربية، وعلي ذلك فيجب المسح علي كلتا القراءتين. وأما السنة القائلون بالغسل فقد وقعوا في ورطة عجيبة في تفسير القراءتين حتي اعترف قسم كبير منهم بأن ظاهر الآية هو المسح وذلك: بما أنهم يقولون بغسل الأرجل فقد مالوا يمينا وشمالا في تفسير قرائتي الجر والنصب فقالوا: علي قراءة الجر - فهو مجرور بالجوار - مكان القول بأنه معطوف علي [ صفحه 409] لفظ الرؤوس - نظير قول الشاعر: " جحر ضب خرب " فلفظ " خرب " خبر يجب أن يرفع لكنه صار مجرورا لوقوعه في جوار " ضب " المجرور، وعلي قراءة النصب فهو منصوب لأنه معطوف علي " أيديكم " في الجملة المتقدمة. والتأمل في التفسير يثبت بطلان النظرين. أما الجر: فالتفسير الصحيح أنه معطوف علي الرؤوس، لا الجر بالجوار و ذلك أن الجر بالجوار أمر شاذ في لغة العرب وربما تدعوا الضرورة إلي هذا النوع من الجر، ولا يصح لنا تفسير كلام الله علي ضوء تلك القاعدة الشاذة، مضافا إلي أن الجر بالجوار إنما يصح إذا لم يكن هناك التباس كما في البيت إذ من المعلوم أن الخرب وصف لجحر لا لضب. بخلاف الآية فإن الجر بالجوار يوجب الالتباس إذ القارئ يتصور أنه معطوف واقعا علي الرؤوس فتكون النتيجة هو المسح عليها مع أن الفرض أنها معطوفة علي الأيدي. وأما قراءة النصب فالإشكال أوضح، فأهل السنة تذهب إلي أنها معطوفة علي الأيدي الواردة من الجملة المتقدمة مكان العطف علي الرؤوس التي هي بجنب " أرجلكم " وهذا شئ لا يرضي به الخبير بأساليب اللغة العربية فمثلا إذا قال: أكرمت زيدا وعمرا. ثم قال: ضربت بكرا وخالدا. فهل يخطر ببال أحد أن " خالدا " عطف علي " عمرا " بل الجميع يقولون إنه عطف علي " بكرا ". وفي الآية فعلان: أحدهما: - (اغسلوا) - وله مفعولان: الوجوه والأيدي. [ صفحه 410] والثاني: - (فامسحوا) - وقد جاء ب عده أمران: الرؤوس والأرجل. أفيصح أن نقول بأن الأرجل ليست معطوفة علي الرؤوس بل معطوفة علي الأيدي مع أنه وقع بين المعطوف والمعطوف عليه جملة معترضة يغاير فعلها - (فامسحوا) - مع فعل الجملة الأولي - (اغسلوا) -. والعجب أنك طرقت كل باب إلا باب القرآن فما رجعت إليه حتي تأخذ حكم الله من الآية المباركة. وأما حديث عبد الله بن عمر فهو علي خلاف الغسل أدل إذ جاء فيه قول ابن عمر " نتوضأ ونمسح علي أرجلنا " أفيمكن أن يتوضأ ابن عمر ويمسح رجليه - وهو في أحضان النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبمرأي ومسمع منه صلي الله عليه وآله وسلم - من جانب نفسه، وهذا يدل علي أن عمل الصحابة كان علي المسح. وأما الجملة الأخيرة " ويل للأعقاب من النار " فليس فيها دلالة علي وجوب الغسل عند الوضوء، بل الويل، لأجل أن الأعراب كانوا عراة حفاة بوالين علي أعقابهم من دون مبالاة بإصابة البول لها، فكانوا يمسحون علي الأرجل النجسة، فناداهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بقوله: " ويل للأعقاب من النار ". إذ كان عليهم أن يغسلوا أعقابهم أولا ثم يمسحوا عليها. ولعمر الحق لو كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم بصدد بيان الحكم الشرعي وهو أن الواجب في الأرجل هو الغسل لا المسح كان عليه أن يعبر عن تلك الحقيقة بعبارة واضحة وينادي بقوله: أيها المسلمون اغسلوا أرجلكم ولا تمسحوا بها، من دون أن يتفوه بكلمة لا يفهم منها الغسل إلا بتفسير النووي وغيره. كل ذلك يدل علي أن الحديث علي فرض صحته يعني أمرا آخر كما ذكرنا، وعلي تقدير دلالته علي الغسل فما قيمة حديث يعارض الذكر الحكيم ولا يصح [ صفحه 411] نسخ الكتاب بخبر الواحد لا سيما أن الآية في سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت في المدينة. 8 - مسألة الخلافة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مسألة عصيبة إذ ما سل سيف بين المسلمين مثلما سل في أمر الإمامة، فلنترك هذا البحث إلي ذمة التاريخ والحديث وعلم الكلام. ويكفيك في ذلك مراجعة كتاب " العقيدة الإسلامية " ففيه من الدلائل المشرقة علي أن الخلافة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منصب تنصيبي لا اختياري ولا انتخابي، وقد قام النبي صلي الله عليه وآله وسلم بنصب خليفته تارة في بدء الدعوة، وأخري في غزوة خيبر حيث شبه عليا بهارون وأثبت له جميع المناصب إلا النبوة، وثالثة عند منصرفه عن حجة الوداع حيث قام في غدير خم بتنصيب علي عليه السلام للخلافة والقيادة بأمر من الله سبحانه الواردة في الآية التالية: - (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) - [642] وقد نقل غير واحد من أعلام السنة نزولها في غدير خم. أنشدك بالله ما هذا الموضوع الذي كان عدم تبليغه بمنزلة عدم تبليغ الرسالة بأجمعها؟! وهل يصح تفسير الآية بإبلاغ الأحكام الشرعية؟ كلا، لا، بل لا بد من تفسيرها بأمر خطير يعد دعامة للإسلام، ورمزا لبقائه وليس هو إلا تعيين الخليفة والوصي من بعده وإن أثار حفيظة الآخرين وقد قال سبحانه: - (والله يعصمك من الناس) -. وبما أن الموضوع ذو شجون أكتفي بهذا المقدار وألفت نظرك إلي موضوع التقريب ونقول: [ صفحه 412] لقد قرأت مقالك في صحيفة الدستور وأعجبني اهتمامك بمسألة التقريب التي هي أهم الأمور في هذه الأعصار. كيف والمسلمون يد واحدة وما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، ونحن كما يقول شاعر الأهرام: إنا لتجمعنا العقيدة أمة ويضمنا دين الهدي أتباعا ويؤلف الإسلام بين قلوبنا مهما ذهبنا في الهواء أشياعا كما وكتبت في رسالتك الأولي بأن الإمام الخميني سمي الخليفتين بصنمي قريش في كتابة كشف الأسرار، ص 111، 114، 117 ولم أجد في الصفحات المستنسخة التي أرسلتها إلي شيئا من تلك الكلمات. نعم جاء في التعليقة للمترجم، ص 126 " أن الخميني وشيعته ينعتان الخليفتين بصنمي قريش " والتعليقة لا يحتج بها لا سيما وأن كاتبها قد ملأ كتابه بالسب والشتم علي المجاهد الذي أفني عمره في الذب عن حياض الإسلام، ومكافحة الاستعمار والصهيونية وتأسيس دولة إسلامية متكاملة الجوانب. وإني بما أنا شيعي وقد ناهزت من العمر 73 عاما وألفت ما يفوق المائة كتاب لم أجد تلك الكلمة في كتاب وإنما سمعته من شيخ سعودي كان ينسبه إلي الشيعة. وأما الأمر الثاني الذي طلبت منا وهو مصدر قول الخليفة - حينما طلب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم القلم والدواة - قال الخليفة: لقد هجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد ذكرت في ظهر الصفحة المستنسخة ما رواه البخاري في باب مرض النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفيها قوله، فقال بعضهم: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبناكتاب الله. [643] . [ صفحه 413] ثم كتبت: لا نري إشارة إلي أن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال ما ورد في كتاب كشف الأسرار. أقول: إن البخاري نقل الحديث في غير موضع من كتابه وإليك الصور الأخري. 2 - روي البخاري في الجزء الأول، باب كتابة العلم من كتاب العلم، ص 30، مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي، مصر، الحديث التالي: عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال صلي الله عليه وآله وسلم: قوموا عني. تجد أن الحديث ينص علي أن القائل بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم غلبه الوجع هو عمر بن الخطاب. وبذلك يعلم أن المراد من البعض فيما رواه البخاري في باب مرض النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو نفس عمر بن الخطاب غير أنه صرح باسم القائل في باب كتابة العلم وكني عنه ب " البعض " في باب مرض النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما نقلت. 3 - روي البخاري في الجزء الرابع، باب جوائز الوفد من كتاب باب فضل الجهاد والسير، ص 69 و 70، الحديث بالنحو التالي. عن ابن عباس أنه قال: اشتد برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي صلي الله عليه وآله وسلم تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وعلي ذلك فالبخاري نقل الحديث بهذه الصور الثلاثة التي يفسر بعضها بعضا. ففي باب كتابة العلم قال عمر: إن النبي غلبه الوجع [ صفحه 414] وفي باب مرض النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع. وفي باب جوائز الوفد، فقالوا: هجر رسول الله. فقد صرح البخاري باسم القائل في الأول دون الثاني والثالث، ومنه يعلم أن القائل واحد. والظاهر أن اللفظ الصادر هو: " هجر رسول الله " ولكن البخاري غيره إلي قوله: " قد غلبه الوجع " تهذيبا للعبارة وتقليلا للاستهجان. ولأجل ذلك لما رواه أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة أشار إلي تلك النكتة في نقله، وقال: لما حضرت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب، قال رسول الله: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده، قال: فقال عمر كلمة معناها " أن الوجع قد غلب علي رسول الله ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله ". هذا ما في البخاري. وأما مسلم فقد رواه في صحيحه بصور ثلاث: الصورة الأولي:... اشتد برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي فتنازعوا وما ينبغي عند نبي التنازع. وقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه؟، قال: دعوني. الصورة الثانية: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقالوا: إن رسول الله يهجر. الصورة الثالثة: فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلون بعده. فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. (صحيح مسلم، الجزء الرابع، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له [ صفحه 415] شئ يوصي فيه، ص 75 - 76، طبعة مصر، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده). فبمقارنة هذه الأحاديث بعضها ببعض يعلم أن القائل في الحديث الأول (ما شأنه أهجر، استفهموه) والحديث الثاني (إن رسول الله يهجر) هو القائل في الحديث الثالث الذي صرح مسلم باسمه (إن رسول الله قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن). ويعلم أيضا أنه عندما كان التعبير مستهجنا كنوا بالقائل، وعندما كان خفيف الوطأة صرحوا باسمه، وإن كان التعبير الثاني (قد غلبه الوجع) نفس التعبير بأنه (هجر) نظير قول القائل: (أنت أو ابن أخت خالتك). ثم إن هنا سؤالا يطرح نفسه وهو، لما ذا حال الصحابة العدول بين النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأمنيته، ولماذا منعوه من كتابة، كتابه، وما هو السر وراء ذلك؟! والجواب يفهمه كل من له إلمام بالحوادث الواقعة قبل وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعده. فدع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن حديثا ما حديث الرواحل ثم هل يصح لمسلم واع أن يقول: حسبنا كتاب الله، وهل كتاب الله الأعظم واف بتفاصيل التشريع؟! هذا قليل من كثير قدمته إليك نزولا عنه رغبتك، وإن كان إثارة هذه المسائل توجب الخدشة في العواطف وتشتت الصفوف، ولكن إصرارك الأكيد دفعني إلي كتابة هذه السطور. رزقنا الله توحيد الكلمة كما رزقنا كلمة التوحيد جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام [ صفحه 419]

مقالات في التقريب

التقريب ضرورة دينية و خطوة مباركة

اشاره

ألقيت في المؤتمر الدولي الرابع للتقريب بين المذاهب الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة رابع شهر ذي الحجة الحرام، عام 1412 ه. التقريب بين الطوائف الإسلامية من الأماني العزيزة، التي يتمناها كل مسلم واع بصير، خصوصا في الأوضاع الراهنة، والأجواء السائدة علي المسلمين، والظروف المحيطة بهم في شتي النواحي والأقطار، ولا يشك في ضرورته إلا اثنان: جاهل مغفل، وجاحد معاند ماكر. إذ لا يمر علي المسلمين يوم إلا وفيه مجازر رهيبة، وحروب دامية طاحنة، فرضتها عليهم القوي الكافرة، التي تخاف من سيادة الإسلام في ربوع العالم، وانتشاره فيها، فعادت تؤجج نار الحرب بين آونة وأخري، فتضرب المسلم بالمسلم تارة، وبالكافر أخري فتحقق أمنيتها الكبري. وليس ببعيد عنا المجازر التي يرتكبها اليوم، الكفار " الأرمن " ضد المسلمين الآذريين في القفقاس، والتي أبرزت ما تكنه صدورهم من العداء والبغض لهم طوال القرون، فمن أجل السيطرة والتسلط يقتل الأرمن الرجال والنساء والأطفال، ويمثلون بهم، ويجهزون علي الجريح، وليس هناك دولة تحمي المسلمين، ولا [ صفحه 420] مغيث يغيثهم، ولا قوة تدفع عنهم كارثة الحرب، وتجزي المسيئ بالجزاء الذي يستحقه، وغاية ما نسمعه من وسائل الأعلام هو الاستنكار والمفاوضات والمذاكرات (إلي غير ذلك من الأساليب الدبلوماسية غير الناجعة) التي لا تفيد شيئا سوي إعطاء الفرص للعدو وزيادة جرأته. وأعطف النظر علي المجازر التي ترتكبها القوي الكافرة في " يوغسلافيا " ضد المسلمين في " البوسنة " و " الهرسك " فقد أججت نارا ضد المواطنين بحجة أنهم مسلمون، وراحت تقتلهم وتبعدهم عن أوطانهم، وتذبحهم في عقر دارهم، وتدمر مدنهم، إلي غير ذلك من الأعمال الإجرامية التي كانت ترتكبها القوي الشريرة في القرون الوسطي، وليس هناك من يداوي جروحهم، ولا من يسعفهم بشئ سوي الاستنكارات والخطب الرنانة في وسائل الإعلام وفوق المنابر. ناهيك عن المجازر الدامية في فلسطين المحتلة التي يرتكبها الصهاينة، لأنها بمرأي ومسمع من عامة المسلمين. إن هذه الحوادث والوقائع الأليمة وعشرات من أمثالها، تدفع المسلم الحر الذي يجري في عروقه دم الغيرة والحمية، إلي التفكير في داء مجتمعه ودوائه، وفي إعادة مجده التالد، وكيانه السابق، فلا يجد دواء ناجعا سوي التمسك بالإسلام في مجالي العقيدة والشريعة ومن أبرز أصوله ما دعا إليه الذكر الحكيم في قوله سبحانه: - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) - [644] وقوله تعالي: - (إنما المؤمنون إخوة) - [645] إلي غير ذلك من الآيات إلي تحث علي الوحدة والوئام، والابتعاد عن التمزق والتفرق، وقد أكد الرسول الكريم ما دعا إليه القرآن بقوله: [ صفحه 421] " مثل المؤمنين في وتوادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكي منه شئ، تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ". [646] وقال الإمام علي عليه السلام: " وألزموا السواد الأعظم، فإن يد الله مع الجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلي هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه ". [647] وفي ضوء الوضع الراهن نخاطب المسلمين وفي مقدمتهم الرؤساء والمشايخ وقادة الفكر وأرباب القلم بقولنا: قاربوا الخطي أيها المسلمون، وقللوا الخلاف، وأكثروا الوئام، وتمسكوا بالأصول المشتركة المتوفرة في مجالي العقيدة والشريعة، ابتعدوا عن التنافر والتناكر، حتي تكونوا صفا واحدا في وجه الأعداء لا يزعزعكم مكر الشياطين وحيلة أعدائهم في المناطق كلها. ويطيب لي في المقام أن أركز علي أمور، ربما يكون لها أثر بارز في حصول التقريب وهي:

ما هو المراد من التقريب؟

ليس المراد من التقريب بين المذاهب والطوائف الإسلامية، هو ذوب طائفة في أخري، أو جعل جميع المذاهب مذهبا واحدا حتي لا يبقي من المذاهب المختلفة عين ولا أثر ويصبح المسلمون علي مذهب واحد، فإن ذلك أمر عسير جدا إن لم يكن محالا عادة، ولا يتفوه به ذو مسكة، ولا يدعو إليه أحد من القادة، أعني: الذين يحملون لواء التقريب، فإن معني ذلك أن يصير الأشعري [ صفحه 422] معتزليا أو بالعكس ويصبح السني شيعيا أو بالعكس، ومثله المذاهب الفقهية المتوفرة السائدة في العالم الإسلامي. وإنما المراد هو التقريب بين القادة للمذاهب وبالتالي بين القادة وأتباعهم، وذلك من خلال رسم الخطوط العريضة المشتركة التي تجمع المذاهب الإسلامية في مجالي العقيدة والشريعة، وأنه لو كان هناك خلاف فيهما فهو بالنسبة إلي الأمور المتفق عليها قليل جدا. فالله سبحانه ربنا، والقرآن كتابنا، ومحمد نبينا، والكعبة قبلتنا، وسنة الرسول قدوتنا، وأئمة أهل البيت خيارنا، إلي غير ذلك من الخطوط التي لا يحيد عنها أي مسلم قيد شعرة، ومن أنكر أحدها خرج عن ربقة الإسلام وهذا هو الذي يوحد المسلمين ويجمعهم تحت راية واحدة، ويجعل شعار الجميع قول الشاعر المخلص (محمد حسن عبد الغني المصري) الداعي إلي تقريب الخطي: الذي يقول: إنا لتجمعنا العقيدة أمة ويضمنا دين الهدي أتباعا ويؤلف الإسلام بين قلوبنا مهما ذهبنا في الهوي أشياعا فإذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقبل إسلام من نطق بالشهادتين، وأقام الصلاة، وآتي الزكاة، وصام شهر رمضان وحج البيت [648] ويتلقاه أخا لعامة المسلمين، ويجعلهم صفا واحدا في مقابل المشركين والطغاة من اليهود والنصاري، فلماذا لا نقبل إيمان من آمن بأزيد مما جاء في تلك الرواية؟ ولو كان هناك اختلافات فإنما هي اختلافات كلامية أوجدها الجدل وصقلها البحث طوال القرون، مثلا الاختلاف في كون التكلم والإرادة من صفات الذات أو من صفات الفعل وإن كان اختلافا حقيقيا وجديا لكنه اختلاف كلامي لا يتوقف عليه الإسلام والإيمان [ صفحه 423] ومثله سائر البحوث الكلامية التي أوجدت الانشقاق بين علماء المسلمين من حدوث كلامه وقدمه، وخلود مرتكب الكبيرة وعدمه. ومثل ذلك الاختلاف في الفروع الفقهية من الطهارة إلي الديات، فإنها اختلافات أوجدها البحث والاجتهاد من خلال الاستنباط من الكتاب والسنة، والغاية هي الوصول إلي واقع الكتاب والسنة وإن كان المصيب واحدا والمخطئ متعددا. فاللازم علي المسلمين في هذه اللحظات الحاسمة، التمسك بالعروة الوثقي وبحبل الله المتين والانظواء تحت المشتركات وإرجاع الاختلافات إلي المدارس والمحافل العلمية التي يكثر فيها البحث والجدال، وفي النهاية يخرجون منها إخوة متحابين. هذا هو الذي يدعو إليه دعاة التقريب، وهو عدم إفناء مذهب في مذهب، بل إلفات أنظار القادة إلي المشتركات المتوفرة بين المذاهب، وترك الاختلافات إلي المدارس ومراكز البحث التي لا يضر الخلاف فيها بالوحدة وجمع الشمل.

التعرف الصحيح علي المذاهب

إن من عوامل التقريب هو التعرف الصحيح علي المذاهب الإسلامية عقيدة وشريعة حيث إن التعرف الموضوعي علي عقائد كل طائفة من الطوائف، يصير البعيد قريبا، والعدو صديقا، ويزيل الافتراءات والدعايات الباطلة التي ألصقت بطائفة وأخري، فعندئذ يصبح المخالف موافقا ويحل الوئام محل الشقاق. ومثل هذا، مثل من يري شبحا بعيدا فيظن أنه حيوان ضار، لو اقترب إليه لفتك به، كلما اقترب منه ظهر له بصورة أفضل حتي تبين أنه إنسان، فمواطن، فأخ حميم. [ صفحه 424] وكلما ازداد التعرف علي المذاهب في مجالي العقيدة والشريعة ازداد التعارف واضمحل التنافر واشتد الصفاء بينهم. ولأجل ذلك يجب علي دعاة التقريب عقد المؤتمرات المتوالية للتعرف علي ما تملكه الطوائف من ثقافة فكرية وعقيدة راسخة وثروة فقهية وأدبية فإن التقريب رهن ذلك التعرف. فإذا كان البحث علي ضوء الكتاب والسنة وتحلي الباحثون بالإخلاص والوفاء للدين وكان الجو السائد علي المؤتمرات هو الوقوف علي الحقيقة، فعند ذلك تقف كل طائفة علي ما لدي الأخري من أفكار وآراء، وإلا فالتقريب يصبح شيئا صوريا ولا تحقق الفائدة المرجوة منه.

الرجوع إلي أحاديث أئمة أهل البيت

الرجوع إلي أئمة أهل البيت في مجالي العقيدة والشريعة يؤدي إلي جمع شمل المسلمين وتقليل الخلاف، وهذا ليس بمعني ترك ما رواه أهل السنة من الصحابة والتابعين عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بل بمعني عدم إقصاء أئمة أهل البيت عن ساحة العقيدة والشريعة، والأخذ بأحاديثهم كالأخذ بمرويات الصحابة، فإن كل ما يرويه أئمة أهل البيت فإنما يسندونه إلي جدهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبالتالي تصل أقوالهم إليه بسند عال والمسلمون وإن اختلفوا في مسألة الخلافة والقيادة إلي طائفتين معروفتين، ولكنهم لم يختلفوا في أن أئمة أهل البيت هم ممن يرجع إليهم في أخذ العلم والفتوي، لحديث الثقلين الذي لا يشك في صحته وتواتره كل من له أدني إلمام بالحديث والدراية. فقد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ". [649] . [ صفحه 425] إن القرآن الكريم يلفت أنظار المسلمين إلي أئمة أهل البيت بأساليب مختلفة فتارة يقول: - (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال) - [650] . فقد سأل أبو بكر النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه البيوت، وأن بيت علي وفاطمة هل هو من تلك البيوت؟ فقال النبي: نعم، هو من أفاضلها [651] . وأخري يعرفهم مطهرين عن الرجس، قال سبحانه: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - [652] . وثالثة: يجعل ودهم أجرا للرسالة، قال سبحانه: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلاالمودة في القربي) - [653] . ورابعة: يأمر النبي الأعظم المسلمين أن يصلوا علي آل محمد في صلواتهم في فرائضهم ونوافلهم، كل ذلك يعرب عن أن لآل محمد مكانة خاصة في الشريعة الإسلامية ليس لغيرهم، وإلا لم يكن لهذا الاهتمام مبرر ولا مسوغ، ولم تكن الغاية من هذه الهتافات هو الحب المجرد عن كل شئ، وإنما الحب الحقيقي هو الاتباع في الحياة الدنيوية، فإذا كانت الواقعية تتجلي في الاتباع فهو فرع كون أئمة أهل البيت علماء بمواقف الشريعة وأصولها وفروعها. وعلي هذا فلو صار المسلمون متمسكين بهذا الحبل الممدود من السماء إلي الأرض لقل الخلاف وحصل الوئام، وسد الفراغ. هذا، مع أن المسلمين بجميع طوائفهم - إلا النواصب - يحملون حب النبي والآل، ويضحون في سبيلهم بكل غال ونفيس، حتي أن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - يفتخر بحبهم ويرد عن نفسه عادية المعترضين، ويقول: [ صفحه 426] إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي [654] . فإذا كانت الظروف حملت قادة الفقه إلي رفض حصر المذاهب في أربعة، وعاد المحققون يفكرون بالاجتهاد الحر، سواء أوافق مذهبا من المذاهب السالفة أم خالف، كان من المتحتم الرجوع إلي أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام وفتح باب الاجتهاد المطلق في ضوء الكتاب والسنة بمصراعيه علي وجه الأمة، فالإعراض عن أحاديثهم يزعزع أركان الاجتهاد المطلق، ويتسم الاجتهاد عندئذ بالاجتهاد النسبي. إن الاجتهاد المطلق لا يتم إلا بالرجوع إلي كل ما ورد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ولا تحتوي الصحاح والمسانيد علي كل ما ورد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحدث عنه، بل هناك أحاديث تحملها أهل بيته عليهم السلام عن جدهم في مختلف المجالات، ومن الظلم علي العلم وأهله الإعراض عنهم، وإسدال الستار علي تلك الثروة الهائلة. ولعل من يسمع هذه الكلمة من إخواننا أهل السنة يقترح علينا أيضا الرجوع إلي أحاديث الصحابة والتابعين المجتمعة في الصحاح والمسانيد، وأن الاجتهاد المطلق لا يتم إلا بالرجوع إليها مثل الرجوع إلي أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام. غير أني ألفت نظر المقترح إلي أنه أمر محقق في فقه الشيعة، فالآثار النبوية الواردة عن الطرق الموثوقة يعمل بها علماء الشيعة من غير فرق بين ما يرويه الشيعي عن أئمة أهل البيت أو السني عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم. أضف إليه أن هناك مجموعة كبيرة من الأحاديث النبوية رواها علماء الشيعة عن الصادع بالحق عن طرق الصحابة من دون أن يتوسط فيها أئمة أهل البيت، فليس الأمر دائرا بين الرجوع إلي أئمة أهل البيت أو الصحابة، فإن الكل [ صفحه 427] طرق ووسائل إلي الوصول إلي الحق وما جاء به نبي الإسلام في حق المكلفين في العقيدة والشريعة، فالواجب هو العمل بالسنة الصحيحة من أي طريق وصلت إلينا. إن الاختلاف بين الشيعة والسنة ليس في مسألة الرجوع إلي الصحابة فيما يروونه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فإنه قضية متفقة بين الفريقين كالرجوع إلي أئمة أهل البيت، بل الاختلاف بينهم في أمر آخر، وهو تعديل الصحابة كلهم، والحكم بعدالة كل من رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولو مرة أو مرتين أو يوما أو يومين، وهذا ما يتبناه أهل السنة حيث يحكمون بعدالة كل صحابي، بينما لا تعتقد الشيعة عمومية القضية، وأن مجرد الرؤية لا تعطي لكل راء وصف الوثاقة والعدالة، وهاتان النظريتان لا تمنعان من الرجوع إلي الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي عن طرق الصحابة والتابعين إذا كانوا ثقات. وهناك كلمة قيمة للإمام الطاهر علي بن الحسين عليهما السلام تعرب عن موقف الشيعة بالنسبة إلي الصحابة نذكرها بنصها، وفيها كفاية. " اللهم وأصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلي وفادته، وسابقوا إلي دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين علي محبته، يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات، إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك، دعاة لك إليك واشكرهم علي هجرهم فيك، ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلي ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم، اللهم وأوصل إلي التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا... ". [655] . [ صفحه 428] وإذا كان هذا موقف الإمام بالنسبة إلي الصحابة، فكيف يمكن اتهام الشيعة بأنهم لا يقيمون للصحابة وزنا ولا قيمة؟ ولا يعملون بأحاديثهم. فقد حان موعد اللقاء بين أعلام السنة والشيعة والاجتماع لدراسة الأوضاع المؤسفة السائدة علي المسلمين في أقطار العالم. وفي ختام المقال نرجع إلي ما بدأنا به وهو ضرورة توحيد الكلمة ورص الصفوف ونقول: إن أحمد أمين المصري - الكاتب الشهير - قد أقام الدنيا في كتبه: فجر الإسلام وضحاه وظهره علي الشيعة الإمامية، وأحل الخيال محل الواقع، وأجج نار الخلاف بين الطائفتين بما أوتي من قوة وقدرة، ولكنه ندم في أخريات حياته، فقال في آخر كتاب ألفه وأسماه " يوم الإسلام ": هل للمسلمين أن يشتد وعيهم الديني، ويفهموا بعد طول هذه التجارب أنه لم يعد هناك وجه للخلاف بين سني وشيعي وزيدي، وغير ذلك من المذاهب، لأنهم لو رجعوا إلي أصل دينهم ما وجدوا لهذا الخلاف محلا، ولوجدوا أنه خلاف مصطنع لا خلاف أصيل، وأن الأمم الإسلامية في موقفها الحاضر أحوج ما تكون إلي لم شعثها، وإصلاح ذات بينها، وتوحيد كلمتها، وهي تري كيف تهاجم من كل جانب، وكيف يتخذ إسلامها وسيلة من وسائل الكيد لها، وإذا اتحد أهل الباطل علي باطلهم فأولي أن يتحد أهل الحق علي حقهم. [656] وفيما ذكره " عبرة لأولي الألباب ". أسأل الله سبحانه أن يلم شعثنا، ويجمع شملنا ويرفع كلمة التوحيد في العالم في ظل توحيد الكلمة إنه علي ذلك قدير. جعفر السبحاني - مكة المكرمة سادس ذي الحجة الحرام 1412 ه [ صفحه 429]

الوحدة الإسلامية في الكتاب والسنة

اشاره

المؤتمر الدولي الخامس للوحدة الإسلامية. إن التشريع الإسلامي ينظر إلي المسلمين علي أنهم أمة واحدة يجب أن يسود فيهم الوئام والت آلف بدل الفرقة والاختلاف، ويؤكد علي وحدة المسلمين ونبذ كل ما يهدم هذه الوحدة من النميمة والغيبة والتهمة وغير ذلك، وهذا أمر ملموس لمن راجع الكتاب العزيز والسنة النبوية، وإليك بعض ما ورد في ذلك المجال:أ. - (إنما المؤمنون إخوة) - [657] . ب. - (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) - [658] . ج. - (محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم) - [659] . د. - (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئكلهم عذاب عظيم) - [660] . ه. - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) - [661] . و. - (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) - [662] . [ صفحه 430] ز. - (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) - [663] وفي سورة المؤمنين الآية 22: - (فاتقون) - مكان - (فاعبدون) -. إلي غير ذلك من الآيات الحاثة علي التمسك بحبل الله والناهية عن التفرق. وفي السنة النبوية تصريحات علي حفظ الوئام والوداد نأتي ببعضها: 1 - مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم بمنزلة الجسد إذا اشتكي منه شئ تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي. [664] 2 - المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعي بذمتهم أدناهم، وهم يد علي من سواهم. [665] 3 - إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، وبلدكم هذا، وشهركم هذا. [666] إلي غير ذلك من الكلمات المضيئة الواردة حول الأخوة والوحدة الإسلامية التي تزخر بها الصحاح والمسانيد. ولقد كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يراقب أمر الأمة كي لا يشق عصاها منازع جاهل أو عدو غاشم، وكان يقودها إلي الأمام برعايته الحكيمة، وكلما واجه خلافا أو شقاقا ونزاعا، بادر إلي ترميم صدعها بحزم عظيم وتدبير وثيق، ولقد شهد التاريخ له بمواقف في هذا المجال ننتخب منها ما يلي: 1 - انتصر المسلمون علي قبيلة بني المصطلق، وقتل من قتل من العدو، [ صفحه 431] وأسر من أسر منهم، فبينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي مائهم، نشب النزاع بين رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين، فصرخ الأنصاري فقال: يا معشر الأنصار، وصرخ الآخر وقال: يا معشر المهاجرين، فلما سمعها النبي، قال: دعوها فإنها منتنة... يعني أنها كلمة خبيثة، لأنها من دعوي الجاهلية والله سبحانه جعل المؤمنين إخوة وصيرهم حزبا واحدا، فينبغي أن تكون الدعوة في كل مكان وزمان لصالح الإسلام والمسلمين عامة لا لصالح قوم ضد الآخرين، فمن دعا في الإسلام بدعوي الجاهلية يعزر. [667] فالنبي صلي الله عليه وآله وسلم يصف كل دعوة تشق عصا المسلمين وتمزق وحدتهم بأنها دعوة منتنة، فكيف لا تكون كذلك وهي توجب انهدام دعامة الكيان الإسلامي وبالتالي انقضاض صرح الإسلام. 2 - نزل النبي صلي الله عليه وآله وسلم دار هجرته والتف حوله قبيلتا: الأوس والخزرج، فمر شاس بن قيس اليهودي، وكان شيخا قد عسا، عظيم الكفر، شديد الضغن علي المسلمين، شديد الحسد لهم - علي نفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم، وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم علي الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم من قرار، فأمر فتي شابا من يهود كان معهم فقال: إعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم " بعاث "... وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس و الخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس علي الخزرج، وكان علي الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهري وعلي الخزرج عمرو بن النعمان البياضي فقتلا جميعا. [ صفحه 432] دخل الشاب اليهودي مجتمع القوم فأخذ يذكر مقاتلتهم ومضاربتهم في عصر الجاهلية، فأحيا فيهم حميتها حتي استعدوا للنزاع والجدال بحجة أنهم قتل بعضهم بعضا في العصر الجاهلي يوم بعاث، وأخذ الشاب يؤجج نار الفتنة ويصب الزيت علي النار حتي تواثب رجلان من الحيين فتقاولا. فبلغ ذلك رسول الله فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتي جاءهم فقال: يا معشر المسلمين! الله، الله، أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله بالإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم من الكفر وألف به بين قلوبكم؟! لقد كانت كلمة النبي صلي الله عليه وآله وسلم كالماء المصبوب علي النار بشدة وقوة، حيث عرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله عليه السلام مذعنين، متسالمين، مطيعين قد دفع الله عنهم كيد عدو الله: شاس بن قيس، فأنزل الله تعالي في شاس وما صنع.... [668] 3 - كان لقضية الإفك في عصر الرسالة دوي بين أعدائه، فكان عدو الله " عبد الله بن أبي " يشيع الفاحشة ويؤذي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقام رسول الله في الناس يخطبهم، فحمد الله وأثني عليه - ثم قال: - " أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق؟ والله ما علمت منهم إلا خيرا، ويقولون ذلك الرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي - وكان كبر ذلك الإفك علي عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج. فلما قال رسول الله تلك المقالة، قال " أسيد بن حضير " وكان أوسيا: يا رسول الله! إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج [ صفحه 433] فمرنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم، فقال سعد بن عبادة وكان خزرجيا: كذبت لعمر الله لا تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد: ولكنك منافق تجادل عن المنافقين، وعندئذ تساور الناس حتي كاد أن يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر. وفي لفظ البخاري: فصار الحيان الأوس و الخزرج حتي هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قائم علي المنبر فلم يزل يخفضهم حتي سكتوا وسكت. [669] هذه نماذج من مواقف النبي الأعظم حيال الخلافات التي كانت تنشب أحيانا بين أمته، وهو صلي الله عليه وآله وسلم كان يصنع من الخلاف وئاما ومن النزاع وفاقا، ويدفع الشر بقيادته الحكيمة، وما هذا إلا لأن صرح الإسلام قائم علي كلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. وهذا صنو النبي صلي الله عليه وآله وسلم ووصيه وخليفته إذ حرم من حقه المشروع، وبدلت الخلافة التنصيصية إلي تداول الخلافة بين تيم وعدي ثم إلي أمية، قد بقي حليف بيته وأليف كتاب الله وهو يري المفضول يمارس الخلافة مع وجود الفاضل، بل يري تراثه نهبا ومع ذلك كله لم ينبس ببنت شفة إلا في موارد خاصة، حفاظا علي الوفاق والوئام وهو عليه السلام يشرح لنا تلك الواقعة بقوله: " فوالله ما كان يلقي في روعي، ولا يخطر ببالي، أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلي الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس علي فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلي محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أري فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل... ". [670] . [ صفحه 434] وعندما تسنم منصة الخلافة ورجع الحق إلي مداره قام خطيبا فقال: " والزموا السواد الأعظم، فإن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلي هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه ". [671] هذه هي سيرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وسيرة وصيه وتلميذه وهما تعربان عن أن حفظ الوحدة من أهم الواجبات وأوجب الفرائض، وقد اتبع السنة النبوية المحنكون من الأمة فجاءوا يوصون بحفظ الوئام ونبذ الخلاف في الظروف العصيبة. وهذا هو الشيخ الإمام أبو الحسن الأشعري لما حضرته الوفاة، قال: اشهدوا علي أنني لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلي معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمهم. [672] وقال الشيخ تقي الدين السبكي: إن الإقدام علي تكفير المسلمين عسر جدا وكل من كان في قلبه إيمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع مع قولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن التكفير أمر هائل عظيم الخطر. [673] وقال ابن حزم: وذهبت طائفة إلي أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول فاسد في اعتقاد أو فتيا وأن كل من اجتهد في شئ من ذلك فدان لما رأي أنه الحق فإنه مأجور علي كل حال إن أصاب فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد. قال: وهذا قول ابن أبي ليلي وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من أصحابه رضي الله [ صفحه 435] عنهم، لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا. [674] وقال السيد محمد رشيد رضا: إن من أعظم ما بليت به الفرق الإسلامية رمي بعضهم بعضا بالفسق والكفر مع أن قصد الكل الوصول للحق بما بذلوا جدهم لتأييده واعتقاده والدعوة إليه والمجتهد وإن أخطأ معذور. [675] ولو أضفنا إليه كلمات المفكرين الشيعة لجئنا برسالة خاصة، ويكفي في ذلك قول المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: بني الإسلام علي دعامتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. وقد قام العلامة السيد شرف الدين العاملي بتأليف رسالة في هذا المجال أسماها: الفصول المهمة في تأليف الأمة. إلي غير ذلك من الكلم المنثورة والمنظومة من الأعلام. وقال بعض الأعاظم والمصلحين: لنتحد علي الرغم من أخطائنا، فإن الوحدة لا تعني في يوم ما، عصمة المنتسبين إليها. [676] وهؤلاء يؤكدون علي ذلك، لأنهم لمسوا ورأوا بأم أعينهم ما يحكيه الشهرستاني في ملله حيث يقول: ما سل سيف علي قاعدة من قواعد الدين مثل ماسل علي الإمامة في كل زمان [677] . وهذا هو السبكي يحكي لنا عن الفتن الكبيرة التي وقعت بين الأحناف والشوافع وهما غصنان من شجرة واحدة حيث يقول: وقد وقعت فتنة بين الحنفية والشافعية في نيسابور ذهب تحت هياجها خلق كثير، وأحرقت الأسواق [ صفحه 436] والمدارس وكثر القتل في الشافعية، فانتصروا بعد ذلك علي الحنفية وأسرفوا في أخذ الثار منهم في سنة 554 ه، ووقعت حوادث وفتن مشابهة بين الشافعية والحنابلة، واضطرت السلطات إلي التدخل بالقوة لحسم النزاع في سنة 716، وكثر القتل وأحرقت المساكن والأسواق في إصبهان، ووقعت حوادث مشابهة بين أصحاب هذه المذاهب وأشياعها في بغداد ودمشق، وذهب كل واحد منها إلي تكفير الآخر، فهذا يقول من لم يكن حنبليا فليس بمسلم، وذاك يضرب الجهلة بالطرف الآخر، فتقع منهم المساءة علي العلماء والفضلاء منهم وتقع الجرائم الفضيعة. [678] هذا حال سلفنا وليست حال الخلف في هذه الأيام بأحسن من حالهم، فقد رأي أن أناسا تحالفوا علي إيجاد البغضاء وتأجيج نار الشحناء وطار شررها في الآفاق حتي احترق الحرث والنسل كل ذلك جهلا أو تجاهلا لواجبهم في تلك الظروف العصيبة. وهنا كلمة أخاطب بها أعضاء المؤتمر وهي: إن الوحدة الإسلامية لا تتحقق ولا تتجسد بهذه المؤتمرات، ولا بالخطب الرنانة الملقاة فيها، ولا بالشعارات الموجهة إلي الأمة الإسلامية. فإن هذه الكلمات لا تتجاوز عن أثر الوخزة في البدن، فما لم تكن هناك إجراءات وقرارات عملية لتحقيق الوحدة لا تؤثر هذه المؤتمرات تأثيرا بالغا، ولأجل أن نخرج عن هذه الدوامة ولا نكتفي بالشعار مكان الشعور، نشير إلي بعض السبل العملية: [ صفحه 437]

السبل العملية للتقريب

اشاره

لا شك أن للتقريب مقومات وعناصر يقوم بها، وأن له سبلا وطرقا يتوسل بها للوصول إليه، ولسنا في مقام تبيين مقوماته وعناصره وإن كان أقوم عناصره هو " وجود الإخلاص والإيمان في دعاته، والتضحية بالنفس والنفيس في طريقه " ولكن نشير إلي إحدي الطرق التي لها أثرها الخاص في تقارب الخطي وهي ما يأتي. إن الإنسان مهما جهل أو تجاهل لا يصح له التجاهل بأن هناك فرقا بين الطائفتين السنة والشيعة، ومهما صفا الجو وتم الإخلاص في دعاة الوحدة وحملة مشعل التوحيد، ففي النفوس لدي كلتا الطائفتين شئ بالنسبة إلي بعض الأصول والأحكام التي تتبناها الطائفتان في مجالي العقيدة والتشريع، وربما نشير إلي رؤوس بعض هذه الأمور من كل مذهب. ومن السبل العملية تسليط الضوء علي هذه الفوارق التي مزقت الأمة وجعلتها متشتتة. وذلك لا لغاية جمع العقول والقلوب علي نقطة واحدة وإزالة الاختلاف من رأس وإذابة الطوائف الإسلامية في طائفة خاصة، فإن ذلك من المستحيلات العادية والمنازع فيها مكابر بلا شبهة. أقول: لا لهذه الغاية بل لغاية أخري، وهي إيجاد التعارف بين الطائفتين وتقليل التناكر، وبالتالي تتعرف كل طائفة علي ما عند الطائفة الأخري من العقائد والأسس التي تبتني عليها تلك الآراء حتي تكون كل طائفة علي ثقة من الأخري، وأنهم لم يتبنوها اعتباطا وإنما ساقتهم إليها الحجج الشرعية سواء كانوا مصيبين أم مخطئين وأقل ما يترتب علي هذا النوع من الدراسات - وراء التعرف علي العقائد والمباني - إعذار أصحاب العقيدة وعدم التشدد عليهم وعندئذ تذوب العصبيات، إلي حد كثير ويرتفع سوء الظن، وتحترم كل طائفة عقيدة الطائفة الأخري ومنهجها إذا لمست منها الجهد والسعي وراء الكتاب والسنة، وإن كانت [ صفحه 438] الطائفة الساعية في نظر الأخري ربما تصرفها ولم تدرك بغيتها. ونحن إنما نؤكد علي ذلك، لأن أكثر أصحاب المقالات وكتاب تاريخ العقائد استقوا معلوماتهم عن الطوائف الأخري من الأفواه دون تحقيق ولا تثبت إلي أن مضي جيل وأجيال علي هذه الكتابات فأصبحت حقائق راهنة، وبالتالي اتسع الشقاق وصارت مثارا للمطاعن. وها نحن نشير إلي بعض هذه المسائل التي نود أن يبحث عنها المؤتمر في المناسبات الآتية بشرط أن تسود الموضوعية عليه، فعندئذ يتخطي المؤتمر كثيرا من العقبات الواقعة في طريق التقريب وهذه المسائل تتراوح بين ما صحت نسبتها إلي الطائفة وبينما افتريت عليهم وهم براء منها براءة يوسف وأخيه من السرقة، وإليك البيان:

البداء

القول بالبداء من عقائد الشيعة، وقد رووا عن أئمتهم: ما عبد الله بشئ مثل البداء. [679] وغير خفي علي العارف باللغة العربية أن البداء هو الظهور بعد الخفاء، والعلم بعد الجهل، وعند ذاك كيف تصح نسبة البداء إليه سبحانه مع سعة علمه؟ وأنه لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء، ومن المعلوم أن البداء بهذا المعني باطل بالضرورة - ومع ذلك - فكيف يعد البداء من صميم عقائد تلك الفرقة التي بذلت جهودها في تنزيه الحق عن كل ما لا يليق به؟ ويزيد العطش لدراسة هذه المسألة إذا وقفنا علي وجود توصيف الله سبحانه بالبداء في الصحاح. وقد روي البخاري: عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمي بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتي [ صفحه 439] الأبرص فقال: أي شئ أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن قد قذرني الناس قال: فمسحه فذهب عنه، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو قال: البقر، هو شك في ذلك الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، فأعطي ناقة عشراء فقال: يبارك الله لك فيها. و أتي الأقرع فقال: أي شئ أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا، قد قذرني الناس قال: فمسحه فذهب وأعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، قال: فأعطاه بقرة حاملا، وقال: يبارك لك فيها. وأتي الأعمي، فقال: أي شئ أحب إليك؟ قال: يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس قال: فمسحه، فرد الله إليه بصره قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم فأعطاه شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من إبل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من الغنم. ثم إنه أتي الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري، فقال له: إن الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت. وأتي الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثلما قال لهذا، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت. وأتي الأعمي في صورته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، وتقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمي فرد الله بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فوالله لا أجحدك اليوم بشئ أخذته لله، فقال: امسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك وسخط علي صاحبيك. [680] . [ صفحه 440] فما هو المقصود من " بدا لله " في هذا الحديث هو المقصود، من روايات البداء في روايات أهل البيت.

عصمة الأئمة

القول بعصمة الأئمة الاثني عشر من أسس مذهب الشيعة، وقد دانت بها منذ تمسكت بعري ولائهم ومودتهم وذهبت إلي أنهم معصومون من المخالفة والعصيان بل السهو والخطأ في القول والعمل بينما نري أنه ثقيل علي الطائفة الأخري، وقد حل القول بها - في زعم بعضهم - محل إضفاء وصف النبوة عليهم. فدراسة الموضوع وتبيين أسسه ومبانيه تقلع ما في بعض النفوس من سيئ الظن، ويتبين أنها عقيدة دينية تبناها أصحابها متخذين من الكتاب والسنة سواء أكانوا مصيبين أم مخطئين.

الرجعة

الرجعة بمفهومها الواضح من المشهورات لدي الشيعة وإن كان التشيع لا يناط بها، وقد وردت فيها روايات متضافرة أدت إلي القول بأنه سبحانه سوف يحشر فوجا من المؤمنين والكافرين قبيل الساعة - (ويوم نحشر من كل أمة فوجا) - [681] فيما تعد الرجعة من المشهورات لديهم، تلقتها الطائفة الأخري بأنه أمر محال وجعلتها مرادفة للتناسخ الباطل الذي أجمعت الأمة الإسلامية علي بطلانه، فعند ذلك يتحير الإنسان الواعي ما بين هذين، فدراسة الموضوع لا لإحقاق الحق بل لتبيين دلائله، تقرب الخطي وتجلب الوئام.

تحريف الكتاب

إن الشيعة الإمامية مرمية بالقول بالتحريف في غير واحد من الكتب أكانت [ صفحه 441] كتبا موضوعية أم كانت من الكتب المهرجة، غير أنا نري أن المحققين من الشيعة كالفضل بن شاذان (260 ه) والشيخ الصدوق (306 - 381 ه) والشيخ المفيد (336 - 413) في الرسالة الصاغانية والسيد المرتضي (355 - 436 ه) والشيخ الطوسي (385 - 460 ه) والشيخ الطبرسي (470 - 548 ه) إلي غير ذلك من الأعلام في الأجيال المتأخرة، وهكذا المحدثون الواعون من الشيعة يتبرأون من هذه النسبة، ويصرحون بأن ما بين الدفتين هو كتاب الله العزيز لم ينقص منه شئ وما زاد عليه شئ، وفي الوقت نفسه هناك قسم من المحدثين غير الواعين المعروفين بالأخبارية يرجحون التحريف. فما هو حق المقال في هذه النسبة؟ هل الشيعة بعامة طبقاتها ذهبوا إلي التحريف أو قسم خاص منهم؟ وإذا أمعنا النظر، رأينا نفس تلك الفكرة في السنة فالمحققون منهم وهم الأكثرية يذهبون إلي نفي التحريف ولكن الحشوية منهم يروجون التحريف يظهر ذلك بالرجوع إلي الصحاح والمسانيد. فالسنة تطعن علي إخوانهم الشيعة بكتاب " فصل الخطاب " للمحدث النوري، وهو يطعنون علي إخوانهم السنة بكتاب " الفرقان " الذي كتبه أحد المصريين وصادره الأزهر، ومع ذلك نشرته يد العدوان بين المسلمين. فما هو الموقف الحق في تلك المسألة للطائفتين؟

رؤية الله سبحانه

إن رؤية الله سبحانه من صميم عقائد الأشاعرة وأهل الحديث جميعا حتي أن إنكار جواز الرؤية يلازم الكفر عند بعضهم، وهم يفسرون الرؤية بالرؤية الحسية لا الرؤية بالقلب، وعندئذ يقع السؤال كيف تصح تلك العقيدة مع أنها تستلزم ثبوت الجهة والمقابلة والجسمية له تعالي؟ والقول إنه يري لا في مكان [ صفحه 442] ولا علي جهة من مقابله واتصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالي، إنكار للرؤية والتجاء إلي الرؤية بالقلب، فدراسة الموضوع يوجب تقارب الخطي، وإن كان صاحب جوهرة التوحيد التي تدرس في الأزهر يقول: وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها

الصفات الخبرية

إن الأشاعرة وأهل الحديث يتفقون علي تفسير الصفات الخبرية وحملها علي الله سبحانه وتعالي بمعانيها الحرفية كاليد والوجه وغير ذلك، وينكرون التأويل ويصفونه بعمل الجهمية كما ينكرون التفويض إلا قليل منهم. ومن طرف آخر يدعون أنه سبحانه ليس بجسم ولا جسماني وأنه منزه عن كل ذلك. ودراسة الموضوع ربما تجمع الشمل أو ربما تقرب النظرتين. وهناك فروع وأحكام شرعية لا تقصر عن إثارة الطعن من الأصول العقائدية الماضية.

المتعة

المتعة من المسائل المسلمة لدي الشيعة، وهم يدعون أن الكتاب والسنة أباحها وهي باقية عليها إلي يومنا هذا، ولكن السنة مع ذهابهم إلي ثبوت تشريعها في زمن النبي الأكرم قائلة بالتحريم إما من جهة النسخ أو من جهة النهي الحكومي عنها، ومع ذلك فإن كثيرا منهم يفقدون التصور الصحيح عن المتعة وربما يجعلونها في عداد السفاح، وهذا هو أحمد زكي باشا القاضي الشرعي بمصر كتب إلي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بعد ما قرأ كتابه " أصل الشيعة " وفيه بحث عن المتعة وحدودها، وقال: مع دفاعه المتين المؤيد بالحجج الوافية الكافية [ صفحه 443] فإنه لم يقتلع من نفسي ما يخالجها من حيث النظام الشرعي والعمراني، فماذا نصنع بالولد إن جاء من طريق المتعة وكان أبوه قد سافر بعد انتهاء العقد وجاء الولد بعد هذا السفر. [682] وهذا يعرب عن أن السائل لم يتصور المتعة إلا تمتعا جنسيا بالنساء المطروحات في الطريق مع أن النقض لو صح فهو متوجه إلي الدائم أيضا، فإذا تزوج الرجل بالعقد الدائم ثم طلق وسافر وهي حامل فما تصنع بالولد؟ ثم إن زواج المتعة لا ينتهي بمجرد انتهاء الوقت إلا من جهة الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، وأما من حيث الولد فإنه يلحق بالأب الذي تزوج أمه موقتا كلحوقه بها، وعلي هذا اتفاق الشيعة جميعا مضافا إلي الشؤون الأخري كالنفقة عليه للولد إلي الحد المعين وكل ذلك يستلزم وجود الصلة بين الولد والوالد.

غسل الرجلين و مسحها

هذه المسألة أوجدت هوة سحيقة بين العلماء وحتي العوام من الطائفتين، وكل يطعن في الآخر، وكأن لأحد الأمرين أساسا اجتهاديا دون الآخر، مع أن لكل طائفتين دليله واجتهاده، وكان ابن عباس يقول: " الوضوء غسلتان ومسحتان إلا أن الناس أبوا إلا الغسل ". [683] .

السجود علي التربة

إن الشيعة تسجد علي الأرض أو ما أنبتت إلا ما يؤكل أو يلبس، وعلي ذلك عملهم من عصر الأئمة إلي يومنا هذا، وبما أن من شرائط المسجود عليه الطهارة [ صفحه 444] وهي غير متوفرة بسهولة في كل مكان اتخذوا لأنفسهم قطعا من التراب يسجدون عليها، فالتراب والأحجار الطبيعة عندهم مما يسجد عليه، وكذا الحصي والحصير ونحو ذلك لا تكون مسجودا لها بل المسجود له هو الله سبحانه وتعالي، ومع ذلك نري أن بعض المرجفين يتهمون الشيعة بأنهم يعبدون الصنم والحجر والحصي، فدراسة الموضوع تزيل أغشية الجهل عن محيا الواقع، ويتبين أن الحجر مسجود عليه، لا مسجود له، كما أن الرخام والفرش المنسوجة يسجد عليهما لا لهما.

الطلاق في المحيض

إن جمهور الفقهاء من أهل السنة قالوا بمضي طلاق الحائض، وقالت عدة قليلة لا ينفذ ولا يقع، ومن القائلين بالمضي: أبو حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي والثوري والشافعي وإن كانوا يعدونه أمرا محظورا ولكنهم يفتون بصحته، والشيعة الإمامية قائلة بفساد الطلاق، وأنه لا يصح الطلاق إلا في الطهر،فأي القولين هو الأوفق بالكتاب والسنة قال سبحانه: - (فطلقوهن لعدتهن) - [684] . فالغاية من الطلاق هو الاعتداد وهو لا يحصل إلا إذا وقع الطلاق في الطهر، وأما إذا وقع في الحيضة فبما أن تلك الحيضة لا تحسب من الأقراء عند أهل السنة جميعا، فيلزم الفصل بين الطلاق والاعتداد وهو خلاف ظاهر النص. نعم هناك رواية عبد الله بن عمر المروية في السنن والمسانيد، وقد نقلها البيهقي بصورها المختلفة المتشتتة المضطربة. [685] . [ صفحه 445]

الطلاق ثلاثا في مجلس واحد

من المسائل التي أوجبت انغلاقا في الحياة بين أهل السنة إمضاء الطلاق الثلاث في مجلس واحد، وأنه تحسب ثلاث طلقات فتحرم الزوجة حتي تنكح زوجا آخر، مع أن الكتاب يقول: - (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) - [686] وصريح الآية وقوع الطلاق مرة بعد أخري، فكيف تقع المرتان واحدة؟!

الاشهاد علي الطلاق والرجعة

إن الإشهاد علي الطلاق غير معتبر عند أهل السنة إلا القليل من بعض المعاصرين [687] مع أن صريح الكتاب وجوب الإشهاد. يقول سبحانه: - (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) - [688] سواء قلنا برجوع الإشهاد إلي الطلاق والرجعة أو بخصوص الأول فالطلاق بلا إشهاد علي خلاف الكتاب فكيف يمضي بلا إشهاد؟ هذه اثنتا عشرة مسألة خلافية أوجدت شقة فكرية بين المسلمين في مجالي العقائد والأحكام، فعلي رواد التقريب ودعاة التوحيد، التأكيد علي عناصر الوحدة في منشوراتهم ومجلاتهم العلمية لتقريب الخطي وسحق العصبية. [ صفحه 446]

ختامه مسك

الدارج بين الشيعة هو ضم الآل إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عند الصلاة عليه، عملا بما رواه أصحاب الصحاح وهو أن الصحابة سألوا النبي كيف يصلون عليه؟ فقال: قولوا: اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. [689] وقد أكد ابن تيمية علي تلك الكيفية في كتابه " حقوق آل البيت " [690] ولكن الرائج عند أهل السنة هو ذكر النبي وحدة ورفض الآخرين. أوما آن لدعاة الوحدة دراسة المسألة حتي يصلوا في هذا الموضوع البسيط إلي وحدة الكلمة والنظر، ويضيقوا الخلاف؟! والله من وراء القصد. جعفر السبحاني مكة المكرمة سادس شهر ذي الحجة الحرام من شهور عام 1412 ه [ صفحه 447]

عناصر الوحدة الإسلامية و موانعها

عناصر الوحدة الإسلامية و موانعها

اشاره

ألقيت في جامعة الأردن شهر محرم الحرام عام 1419 ه، عند رحلة المحاضر إليها في ذلك العام. الوحدة الإسلامية أمنية يتمناها كل مخلص له أدني إلمام بالأوضاع المحدقة بالإسلام والمسلمين ولا يشك في أن المسلمين في أمس الحاجة إلي الوحدة وتقريب الخطي، لأن فيه عز الإسلام ورفع شوكة المسلمين وتقوية أواصر الأخوة بينهم، وأن في التفرقة اضمحلال الإسلام وتشتت شمل المسلمين وتكتلهم إلي فرق وطوائف متناحرة. وقد حث سبحانه علي الوحدة بقوله: - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) - [691] . ويقول أيضا: - (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) - [692] . وفي الوقت نفسه يذم التفرقة ويشجبها ويقول: - (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) - [693] . [ صفحه 448] ويقول سبحانه: - (ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانواشيعا) - [694] . إنه سبحانه يعد التفرقة والتشتت من أنواع البلايا والمحن التي تجابه الأمم ويقول: - (قل هو القادر علي أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) - [695] . فانطلاقا من وحي تلك الآيات تجب علي كل مسلم واع، الدعوة إلي توحيد الكلمة للحيلولة دون التشتت والتفرق. إن الوضع الراهن للأمة الإسلامية يبعث علي القلق، واستمرار هذا الوضع يجعلهم ضحية للخطط الاستعمارية التي تستهدف الإجهاز علي المسلمين واستئصال شأفتهم. إلا أن الذي يبعث النشاط في قلوبنا ويزيدنا أملا بالغد المشرق هي الآيات الدالة علي أن المستقبل للصالحين من عباده، قال سبحانه: - (إن الأرض يرثهاعبادي الصالحون) - [696] وقال سبحانه: - (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) - [697] . هذه سنة الله تبارك وتعالي لكنها رهن شروط وخصوصيات كفيلة بتحقيق ذلك الوعد. إنه سبحانه يصف المسلمين بأنهم أمة واحدة ويقول: - (إن هذه أمتكم أمةواحدة وأنا ربكم فاعبدون) - [698] . [ صفحه 449] والأمة مشتق من أم م والمادة تحكي عن القصد والهدف والقيادة والزعامة، وعلي ضوء ذلك فلا يكون المسلمون أمة حتي يكون لهم هدف ومقصد أسني وقيادة وزعامة حكيمة، فالأمة الواحدة لها رب واحد وكتاب واحد وشريعة واحدة وقيادة وهدف واحد. وهو نيل السعادة الدنيوية والأخروية. وثمة سؤال يطرح نفسه، ما هي العناصر الكفيلة لتحقيق الوحدة إذ تحققها مع وجود التفرقة والاختلاف أمر متعذر. هذه العناصر تكمن في التوحيد في العقيدة والشريعة لا في الوطن ولا في الجنس ولا في اللون ولا في اللغة ولا في الطائفية ولا في القومية، والإسلام قد شطب بخط عريض علي تلك الأفكار، ولم يعر لها أهمية تذكر بل حذر المسلمين من الانخراط تحت لوائها والانجراف معها، قال سبحانه: - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) - [699] . وقال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: " إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق، فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه " [700] فعلي ذلك يجب الإلماع إلي العناصر التي تكمن فيها الوحدة وتبتني عليها أواصر الأخوة. فالعناصر العقائدية هي:

التوحيد و مراتبه

التوحيد - بمعني الاعتقاد بوجود إله واحد لا شريك له، له الأسماء الحسني والصفات العليا، عالم قادر، حي لا يموت، إلي غير ذلك من صفات الجمال والجلال، وليس في صحيفة الوجود خالق، مدبر ومعبود، سواه - من العناصر [ صفحه 450] البناءة للوحدة. وقد تثار بحوث كلامية حول صفاته تبارك وتعالي، لكنها بحوث لا تمت إلي صميم الإسلام بصلة. فهل صفاته سبحانه عين ذاته أو زائدة عليها، فلكل من الرأيين دليله ومنطقه إلا أن هذه البحوث - مع تثمين جهود باحثيها - يجب أن لا تثير الريبة في غرضنا الذي نرمي إليه ألا وهو الوحدة الإسلامية الكبري. لا أنسي وأنتم أيضا لا تنسون أن مسألة خلق القرآن وحدوثه أو قدمه قد شغلت بال المسلمين أيام الخلافة العباسية سنين طوال، وقد شق عصا الوحدة وشتتهم إلي طوائف وأريقت دماء ونهبت أموال وما ذلك إلا لأن طائفة منهم كانوا يقولون بقدم القرآن والطائفة الأخري بحدوثه مع أنها بحوث كلامية لا تمت إلي صميم الإسلام بصلة، فالبحث والحوار العلمي والانصياع للدليل شئ، وكون هذا الاختلاف يثير كامن العداء والشقاق ويصبح - لا سامح الله - هدف السهام اللوم والتكفير شئ آخر، فلنفسح المجال للبحث العلمي دون أن يمس بالوحدة الإسلامية الكبري.

النبوة العامة والخاصة

إن من عناصر الوحدة الإيمان بأنه سبحانه تبارك وتعالي بعث أنبياء ورسلا لترسيخ التوحيد بين الناس وشجب أي عبادة سواه. قال سبحانه: - (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبواالطاغوت) - [701] . [ صفحه 451] وهذه هي العقيدة المشتركة بين الأمة الإسلامية جميعا، كما أن الإيمان بخاتمية الرسول وأنه لا نبي ولا رسول بعده من صميم العقيدة الإسلامية، ومن أنكر الخاتمية وادعي استمرار الوحي بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو إمكان ظهور نبي جديد مع شريعة جديدة، فقد خرج عن ربقة الإسلام، لأن ذلك متعارض مع العقيدة الإسلامية قال سبحانه: - (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما) - [702] .

الايمان بالمعاد

الإيمان بالمعاد وأن الدنيا قنطرة الآخرة، وليس الموت بمعني فناء الإنسان من العقائد المشتركة بين المسلمين ويعد أصلا من الأصول التي جاء بها الأنبياء قاطبة، ولولاه لما قام للدين عمود، ولذلك نجد أن القرآن يعطف الإيمان بالمعاد، علي الإيمان بالتوحيد، ويقول: - (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم) - [703] وفي آية أخري: - (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير) - [704] . فهذه الأصول الثلاثة، تشكل حجر الزاوية للعقيدة الإسلامية، ويدور عليها رحي الإيمان والكفر، وقد صب النبي صلي الله عليه وآله وسلم اهتمامه علي هذه الأصول وجعلها حدا فاصلا بين الإيمان والكفر، فمن آمن بها فقد دخل في زمرة المسلمين ومن أنكر واحدا منها فقد خرج عن ربقة الإسلام، وها نحن نذكر بعض ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في هذا المضمار لتعلم من خلالها العناصر الكفيلة بتحقيق الأخوة الإسلامية. [ صفحه 452] روي البخاري عن عمر بن الخطاب: أن عليا صرخ، يا رسول الله: علي ماذا أقاتل، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله. [705] روي الإمام الشافعي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا أزال أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم عليهم. [706] وروي الإمام الرضا عليه السلام وهو أحد أئمة أهل البيت عن آبائه عن علي عليه السلام، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا حرمت علي دماؤهم وأموالهم. [707] .

وحدة الشريعة

إذا كانت العقيدة بعناصرها الثلاثة هي الركيزة الأولي للوحدة، فوحدة الشريعة عامل آخر لجمع شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم وصفوفهم. فالمسلمون عامة في مجال العبادة يقيمون شعائرهم الدينية من صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد، فلا تجد مسلما ينكر واحدا من تلك الأمور. نعم بين المذاهب الفقهية اختلاف في جزئيات المسائل ولكنها شروط وآداب لا تمس بجوهر الإسلام، فالمسلم من يؤمن بالشريعة التي جاء بها النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويقيمها حسب الفقه الذي يقلده، واختلاف العلماء لا يمس جوهر الشريعة لأنه اختلاف سطحي في جزئياتها وخصوصياتها. [ صفحه 453] فكما أن العبادات جزء من الشريعة فالمعاملات بمعناها الأخص أو الأعم جزء من الشريعة أيضا فالبيع والإجارة والوكالة، والمضاربة والمساقاة والمزارعة معاملات بالمعني الأخص، كما أن النكاح والطلاق والوصايا ونظائرها معاملات بالمعني الأعم، فالمسلمون متحدون في هذا المجال من الشريعة يبيحون ما أباحت الشريعة ويحرمون ما حرمت الشريعة. وعلي ضوء ذلك فالشريعة هي الركيزة الثانية للوحدة، واختلاف الفقهاء فيها لا يخل بها.

وحدة القيادة

إن التوحيد في القيادة هي الركيزة الثالثة لوحدة الأمم، فالجميع يؤمن بأن القيادة لله سبحانه ولرسوله ولأولي الأمر مستلهمين من قوله سبحانه: - (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) - [708] . فالقيادة الإسلامية ليست قيادة سياسية بحتة، بل قيادة دينية تقود المجتمع إلي السعادة والرفاه تحت ظل تعاليم الإسلام، وحيث إن إطاعة أولي الأمر جاءت مباشرة بعد إطاعة الرسول في الآية فيلزم أن تكون طاعتهم شبه إطاعة الرسول في علمهم وسياستهم وتقواهم، ولأجل ذلك يجب أن يتوفر فيهم شروط كثيرة تخول لهم صلاحية الزعامة.

وحدة الهدف

تقع علي عاتق الأمة الإسلامية مسؤولية خاصة وهي سوق المجتمع نحو المثل الأخلاقية والمكارم الإنسانية، قال سبحانه: - (كنتم خير أمة أخرجت للناس [ صفحه 454] تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) - [709] . فالطوائف الإسلامية برمتها لها رؤية مشتركة في الهدف الذي جاء به الإسلام ودعي إليه. والهدف هو سيادة الدين في الأرض لتكون السيادة لله وحده ويكون الدين ظاهرا علي سائر الأديان، قال سبحانه: - (هو الذي أرسل رسوله بالهديودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) - [710] . هذه الوحدات الأربع، أي: وحدة العقيدة، وحدة الشريعة، وحدة القيادة، ووحدة الهدف إذا تمسك المسلمون بأهدابها تعود إليهم السعادة المسلوبة والكرامة المنشودة. قال رسول الإسلام صلي الله عليه وآله وسلم: " إنما مثل المسلمين كالرجل الواحد إذا وجع منه شئ تداعي له سائر جسده ". [711] .

تكفير أهل القبلة

إن تكفير أهل القبلة ما لم ينكر أحد منهم شيئا من تلك الأصول الثلاثة مما لم يجوزه أحد من أئمة المسلمين. قال ابن حزم نقلا عن أبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري: إنه لا يكفر ولا يفسق مسلم. [712] وقال السرخسي: لما حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة بداري ببغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتهم له، فقال: اشهدوا علي إني لا أكفر أحدا من [ صفحه 455] أهل القبلة بذنب لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلي معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمهم. [713] ولقد أحسن الإمام الأشعري حيث أسمي كتابه بمقالات الإسلاميين واختلاف المصلين فأضفي علي جميع الطوائف لفظ الإسلاميين وجعل اختلافهم اختلاف أهل القبلة كما يشعر بذلك قوله اختلاف المصلين. وقال القاضي الإيجي: جمهور المتكلمين والفقهاء علي أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة، واستدل علي مختاره بقوله: إن المسائل التي اختلف فيها أهل القبلة من كون الله تعالي عالما يعلم أو موجدا لفعل العبد أو غير متحيز ولا في جهة ونحوها لم يبحث النبي عن اعتقاد من حكم بإسلامه فيها ولا الصحابة ولا التابعون، فعلم أن الخطأ فيها ليس قادحا في حقيقة الإسلام. [714] إلي غير ذلك من كلمات لعلمائنا الأبرار تبعا للسنة النبوية المنكرة لتكفير المسلم.

موانع الوحدة

اشاره

قد عرفت عناصر الوحدة وما يمكن أن يجمع به شمل المسلمين، ولكن مع ذلك ثمة عوامل أخري تعرقل خطي الوحدة، فعلي المعنيين بوحدة المسلمين دراسة عوامل التفرقة ليعالجوها كي لا تكون سدا أمام تلك الأمنية، وإليك دراسة هذه العوامل. [ صفحه 456]

المذاهب الكلامية والفقهية

إن المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلي طوائف كالأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والشيعة. والشيعة تنقسم بدورها إلي زيدية وإسماعيلية واثني عشرية، فكيف يمكن توحيد الكلمة مع سيادة هذه المناهج الكلامية عليهم؟! والحق إن هذه المذاهب تتراءي في النظر البدئي سدا منيعا بوجه الوحدة، ولكن بالنظر إلي أواصر الوحدة تبدو وكأنها موانع وهنة لا تصد المسلمين عن التمسك بأهداب الوحدة علي كافة الأصعدة. أما المناهج الكلامية فجوهر الاختلاف فيها يرجع إلي مسائل كلامية لا عقائدية مثلا إن الأشاعرة والمعتزلة يختلفون في المسائل التالية: 1 - هل صفاته عين ذاته أو زائدة عليها؟ 2 - هل القرآن الكريم قديم أو حادث؟ 3 - هل أفعال العباد مخلوقة لله أو للعباد؟ 4 - هل يمكن رؤية الله في الآخرة أو هي ممتنعة؟ إلي غير ذلك من أمثال هذه المسائل، ومع تثمين جهود الطائفتين فالاختلاف فيها اختلاف في مسائل عقلية لا يناط بها الإسلام ولا الكفر فالمطلوب من المسلم اعتقاده بكونه سبحانه عالما وقادرا، وأما كيفية العلم والقدرة بالزيادة أو العينية فليس من صميم الإسلام، فلكل مجتهد دليله ومذهبه، كذلك القرآن هو معجزة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكتابه سبحانه، فليس الحدوث والقدم من صميم العقيدة وقس علي ذلك ما تلوناه عليك من المسائل، حتي أن مسألة رؤية الله في الآخرة وإن أصبحت عقيدة ضرورية لأجل روايات وردت في صحيح [ صفحه 457] البخاري ولكنها من ضروريات المذهب الكلامي الخاص لا من ضروريات الإسلام، فهناك فرق بين ضروريات المذهب الأشعري وضروريات الإسلام، فكل أشعري يقول بالرؤية تبعا لإمامه وهو تبعا للدليل الذي قام عنده ولا يقول به كل مسلم. وقس علي ذلك سائر الوجوه المفرقة التي ترجع كلها إلي فروق كلامية. وأما المناهج الفقهية فالمشهور هي المذاهب الأربعة مضافا إلي الزيدية والجعفرية فهذه المذاهب الستة مذاهب فقهية والاختلاف يرجع إلي الاختلاف في فهم الآية والرواية فلو اختلفوا فإنما يختلفون في فهم الكتاب والسنة وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي اهتمامهم بهما وإمعانهم في فهمهما والاختلاف أمر طبيعي خصوصا بعد مضي 14 قرنا من عصر الإسلام. ولكن اختلافهم في المناهج الفقهية لا يمس بصميم الفقه الإسلامي فهل هناك من يري صلاة الفجر ثلاث ركعات أو يري صلاة الظهر والعصر غير أربع ركعات؟ وليس الاختلاف وليد اليوم، بل بدأ الاختلاف بعد رحيل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أبسط المسائل الفقهية كعدد التكبيرات علي الميت إلي أعمقها، فالاختلاف الموروث إنما هو اختلاف في فهم النصوص لا في رفض النصوص وردها. ولا شك أن الشيعة تري جواز الجمع بين الصلاتين مع القول بأن التفريق هو الأفضل، والسنة تخص جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصة، ولكل دليله، وقد ورد في الصحاح والمسانيد قرابة عشرين رواية بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاتين من غير سفر ولا مطر ولا مرض ليوسع بذلك الأمر علي الأمة. وقس علي ذلك سائر الاختلافات الفقهية حتي الاختلاف في متعة النكاح، فذهب جمهور السنة إلي النسخ والشيعة إلي بقاء الجواز، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه. [ صفحه 458]

الاختلافات القومية

يتشكل المسلمون من قوميات متعددة من عرب وعجم وترك وبربر إلي غير ذلك من الشعوب والقبائل ولكن هذا الاختلاف، اختلاف تكويني لا يصلح لأن يكون مانعا عن وحدة الكلمة وقد عالج سبحانه هذا النوع من الاختلاف وقال: - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفواإن أكرمكم عند الله أتقاكم) - [715] . فالاختلاف في اللون واللسان والدم والوطن وإن كانت عوامل توحد طائفة كبيرة لكنها عوامل عرضية لا تمت إلي جوهر الإنسان بصلة، وأما الإيمان بالأصول الثلاثة فهو عامل باطني ذاتي أقوي من جميع العناصر المتقدمة. فالمسلم الشرقي إذا تعارف مع المسلم الغربي مع ما بينهما من الهوة السحيقة يتآخيان، لما بينهما من وحدة المبدأ والمعاد والقيادة والهدف وأما الأخوان من أم وأب واحد إذا كان أحدهما إلهيا والآخر ماديا يتناكران. أظن أن هذين المانعين ليسا من موانع الوحدة وقد عالجها الإسلام بشكل واضح، وإنما هناك عوامل واقعية تعرقل مسير الوحدة وهي بحاجة إلي الدراسة والوقوف عليها بنحو مسهب.

الجهل بمعتقدات الطوائف

الحقيقة إن جهل كل طائفة بمعتقدات الطائفة الأخري يعد من أهم الموانع التي تشكل حاجزا منيعا عن الوحدة وهذا ليس بالأمر المستسهل، وإليك هذا المثال: [ صفحه 459] كان لي صديق في مكة المكرمة كنت أزوره عند تشرفي إلي زيارة بيت الله الحرام وكان يزاول حرفة بيع الأقمشة، سألني يوما ما تقولون أنتم معاشر الشيعة في آخر الصلاة بعد رفع الأيدي إلي الأذن؟ قلت: يقولون: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فعاد يعتذر ويقول: كنت أعتقد أنكم تقولون: خان الأمين، خان الأمين، خان الأمين!! فإذا كان هذا مبلغ علم المسلم بعقيدة أخيه الشيعي في قبة الإسلام، فما ظنك بمسلم يسود بينهما آلاف الفراسخ؟! وقد سألني عالم مكي من قضاة مكة المكرمة ومدرسي الحرم عندما نزلت بيته ضيفا مع أصدقائي، فقال: شيخنا السبحاني!! هل للشيعة تأليف؟ قلت: سبحان الله ليست الشيعة طائفة لا تاريخ لها ولا جذور، وإنما هي طائفة إسلامية منذ عصر النبي إلي يومنا هذا قد شاركوا المسلمين في تأسيس الحضارة الإسلامية العريقة. ونأتي بمثال ثالث: إن الشيعة الإمامية اقتداء بالنبي وأئمة أهل البيت لا يسجدون في الصلاة إلا علي الأرض أو ما ينبت منها، بشرط أن لا يكون مأكولا ولا ملبوسا، فبما أن السجود علي الأرض في المنازل وحتي المساجد المفروشة غير ميسرة يتخذون أقراصا من التربة يسجدون عليها، فعند ذلك نري أن بعض إخواننا من السنة يرمون الشيعة بالسجود للحجر والتراب كسجود عباد الوثن له مع أنهم لا يفرقون بين المسجود عليه والمسجود له، فالتراب هو المسجود عليه وأما المسجود له هو الله سبحانه. وعلي ذلك فلو وقف فقهاء المذاهب علي ما لدي الطوائف الأخري من الفقه والأصول والاستدلال والاجتهاد لما عاب أحدهم الآخر، وإنما الخلاف في كيفية الاستدلال وحقيقة البرهان لا في الأخذ بالبرهان ولو أردنا أن نمثل في المقام لطال بنا الكلام وطال مقامنا مع الحضار. [ صفحه 460] وهناك نكتة أود أن أذكرها هي أن أكثر من كتب عن الشيعة فإنما أخذ عن كتاب ليسوا شيعة كابن خلدون أو من المستشرقين الحاقدين علي الإسلام عامة وعلي التشيع خاصة، أمثال جولدزيهر. فعلي من يريد نسبة شئ إلي أي طائفة من الطوائف الرجوع إلي مصادرهم الأصلية المؤلفة من قبل علمائهم.

الجهل بالمصطلحات

إن لكل طائفة مصطلحات خاصة في العقيدة والشريعة يجب أن تؤخذ مفاهيمها من كتبهم وليس لنا تفسيره من جانبنا، ولنذكر هنا مثالين. أ. البداء البداء عقيدة إسلامية دل الكتاب والسنة عليها، وهي لا تعني إلا تغير مصير الإنسان بالأعمال الصالحة والطالحة، فالإنسان بما أنه مسؤول عن أعماله بيده تغيير مصيره، فيجعل نفسه من السعداء أو من الأشقياء، وهذا أمر دل عليه الكتاب والسنة. وهذا هو البداء عند الشيعة فقوم يونس بدلوا مصيرهم السيئ إلي الحسن بالأعمال الصالحة والإنابة. قال سبحانه: - (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين) - [716] فيقال عندئذ " بدا لله في قوم يونس " أي ظهر لهم ما خفي عليهم، لا ظهر له - نعوذ بالله - بعد ما خفي عليه، وهذا النوع من الاستعمال المجازي شايع علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي في صحيح البخاري في قضية الأبرص والأعمي والأقرع. [717] . [ صفحه 461] ولكن يفسر عند من لا يعرف عقائد الشيعة بتغير إرادة الله سبحانه وتعالي وظهور الشئ له بعد خفائه ومن المعلوم أن الأولي عقيدة إسلامية والثانية عقيدة إلحادية لا يتفوه بها أحد من المسلمين. ب. التقية التقية من المفاهيم الإسلامية، وهي سلاح الضعيف أمام القوي، فإذا خاف المسلم علي ماله وعرضه ودمه من أي إنسان سواء أكان كافرا أو مسلما وأراد شخص قوي سلب حرياته فلا محيص له إلا كتمان عقيدته وقد أمر به سبحانه وقال: - (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) - [718] وقد نزلت في حق عمار بن ياسر حيث أظهر الكفر وأخفي الإيمان وجاء إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم باكيا فقال صلي الله عليه وآله وسلم: لا شئ عليك، فنزلت الآية، ولكن التقية يفسر عند بعض المخالفين بالنفاق، مع أن بين التقية والنفاق بونا شاسعا، فالتقية إظهار الكفر وإبطان الإيمان، والنفاق علي العكس هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر. هذه بعض الموانع الماثلة أمام وحدة المسلمين وهناك عوامل أخري لا مجال للبحث فيها علي هذه العجالة. نسأله سبحانه أن يرزق المسلمين توحيد الكلمة كما رزقهم كلمة التوحيد [ صفحه 462]

الحج عمل عبادي، و ملتقي سياسي

الإمعان والدقة في الآيات الواردة حول الحج ومناسكه وما رويت حوله من النبي الأكرم والعترة الطاهرة من الروايات وما استقرت عليه سيرة المسلمين في القرون الأولي الإسلامية يعرب عن أمرين مهمين، يعرفان ماهية الحج وحقيقته وأهدافه وهما: أن الحج عمل عبادي وفي الوقت نفسه ملتقي سياسي للمسلمين، ويطيب لي أن أذكر كلا الأمرين بعبارات موجزة مستشهدا بآيات الذكر الحكيم، وما أثر في ذلك المجال، والذي يدل علي أن الحج عمل عبادي هو: 1 - إن الحج عمل يقصد به الإنسان كسب رضاه سبحانه تلبية لنداء الخليل عليه السلام حيث قام بدعوة الناس إلي الحج الذي أقامه بعد انهيار، وعمره بعد خراب، كما قال سبحانه: - (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كلفج عميق...) - [719] . 2 - الحج تذكار وذكر لله سبحانه في كافة مراحله ومواقفه ومراسمه ومشاهده وقد أمر سبحانه في غير واحد من الآيات حجاج بيته أن يذكروه في جميع المواقف، قال سبحانه: - (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين - ثم أفيضوا من [ صفحه 463] حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم - فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) - [720] ويقول سبحانه: - (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) - [721] . 3 - الحج تطهير للنفس عن دنس الأقذار الخلقية وتوجيهها إلي المثل العليا وكبح للنفس عن اللذائذ الدانية النفسانية. قال سبحانه: - (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيريعلمه الله...) - [722] . ولأجل أن الحج تطهير للنفوس سميت أعماله مناسكا وهو من نسك ثوبه أو غسله، فكأن تلك الأعمال تغسل ما عليها من صدأ الذنوب ودرن الآثام، قال سبحانه: - (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) - [723] . 4 - الحج تدريب وتربية للنفس للغلبة علي الهوي وتحصيل التقوي الذي هو خير الزاد للإنسان، قال سبحانه في ثنايا آيات الحج: - (فإن خير الزاد التقويواتقون يا أولي الألباب) - [724] . 5 - قد كان الهدف الأسمي من تجديد بناء البيت بيد بطل التوحيد، دعوة الناس إلي عبادة الله وحده ورفض عبادة الأنداد والشرك بألوانه، قال سبحانه: - (وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) - [725] ، وقال سبحانه: - (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين) - [726] ولأجل ذلك كان شعار الخليل عليه السلام عند بناء البيت ورفع قواعده هو [ صفحه 464] الطلب من الله سبحانه أن يجعل ذريته أمة مسلمة ويريهم مناسكهم ويتوب عليهم بالرحمة. قال سبحانه حاكيا عنه عليه السلام - (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) - [727] . 6 - إن الخليل أنزل أسرته بأرض قاحلة عند البيت المحرم لغاية إقامة الصلاة، وفي الوقت نفسه طلب من الله سبحانه أن يوجه أفئدة الناس إلي هذا البيت لتلك الغاية السامية، قال سبحانه حاكيا عن الخليل: - (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) - [728] . 7 - الحج تزهيد عن الدنيا واكتفاء من زخرفها وزبرجها بثوبين يرتدي بأحدهما ويتزر بالآخر ويردد في جميع الحالات الشكر والثناء امتثالا لأمره سبحانه: - (لعلهم يشكرون) - [729] . 8 - الحج عمل رمزي لكثير من العبادات والطقوس الواردة في الشريعة المفروضة في ظروف خاصة، فصار الحج بمفرده مظهرا لها ومجسدا لكثير منها حيث نجد فيه الأعمال التالية المعربة عن جانبه العبادي، أعني: النية، الطهارة من الحدث والخبث، الصلاة، الصوم، الطواف بالبيت، الذبح لله، إطعام القانع والمعتر من اللحوم، الاعتكاف الذي يجسده الوقوف في المشاعر، ورجم الشيطان العدو الوحيد للإنسان الذي يوسوس في صدور الناس. كل ذلك يعرب عن أن الحج عبادة لله وتقرب إليه يصل به الإنسان إلي مدارج الكمال. غير أن كون الحج أمرا عباديا أو مجسدا لأكثر العبادات لا ينافي أن يشتمل علي بعد آخر فيه حياة للمسلمين وقوام لعيشهم وإقامة لشؤونهم الاقتصادية [ صفحه 465] والاجتماعية والسياسية والعسكرية والحكومية، وهذا ما نعبر عنه بكون الحج ملتقي سياسيا تجتمع فيه هذه الآثار الحيوية، وهذا ما يدعمه أيضا الذكر الحكيم وتؤيده السنة النبوية وعمل المسلمين في القرون الإسلامية الأولي. أما الآيات التي ترمز إلي تلك الأبعاد فنكتفي منها بما يلي: ألف - قال سبحانه: - (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) - [730] والمراد من كونه مثابة كونه مرجعا للناس والمسلمين عامة، ولأجل أن الحج عمل اجتماعي يجب أن يخيم عليه الأمن ويسيطر عليه السلام، حتي يقوم الناس بعمل اجتماعي لأهداف اجتماعية، قال سبحانه: - (ومن دخله كان آمنا) - [731] ، وقال تعالي حاكيا عن خليله:- (رب اجعل هذا بلدا آمنا) - [732] . فالحج بما أنه أمر اجتماعي وملتقي للشعوب المختلفة، بحاجة إلي استتباب الأمن والهدوء حتي يقوم كل إنسان وشعب ببيان فكرته ونظريته ولا يخاف من إنسان ولا دولة، ويتجلي الحج كمنبر حر للمسلمين كلهم، وهذا ما نعبر عنه بكونه عملا اجتماعيا. وفي جانب ذلك فالحج ملتقي ثقافي يلتقي فيه المفكرون الكبار والعلماء في شتي الحقول، فيقومون بعرض الأطروحات والتجارب علي الصعيد الثقافي والعلمي والاقتصادي كي تتعرف كل طائفة علي ما عند الأخري من الأفكار القيمة والنظريات المفيدة فيؤدي ذلك إلي التقاء الأفكار والاحتكاك بينها. إذا الحج عمل اجتماعي وملتقي ثقافي وفي الوقت نفسه مؤتمر سياسي سنوي يجتمع فيه قادة المسلمين فيتشاورون في مهام الأمور بغية التنسيق والتعاون فيما بينهم ولعل إلي تلك الجوانب الثلاثة يشير قوله تعالي: - (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) - [733] . [ صفحه 466] فسواء كان القيام بمعني القوام وما به حياة المسلمين، أو كان بمعني ضد القعود، فالآية تتضمن نكتة مهمة وهي أن كيان المسلمين معقود بناصية الحج فبه يقومون وفي ظله قوام حياتهم، فالآية نظير قوله سبحانه: - (ولا تؤتوا السفهاءأموالكم التي جعل الله لكم قياما) - [734] . فوصف سبحانه أموال الناس بكونها قياما لهم أي بها يقومون في الحياة، أو بها قوام حياتهم الاجتماعية، فاقتران الآيتين يعرب عن كون الحج ركنا في حياة المسلمين وبقاء كيانهم. ويشير أيضا إلي تلك الجوانب قوله سبحانه: - (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام) - [735] فكانت الغاية من دعوة كل راجل وراكب إلي الاجتماع في أيام الحج خصوصا في المواقف والمشاهد، حيازة المنافع الكبيرة التي يحتوي عليها الحج. فما جاء في الآية تعبير جامع يتضمن كل نفع يرجع إلي المسلمين في ذلك الملتقي، ولا يصح لنا تخصيصه بالنفع المعنوي بإخراج النفع المادي، أو تخصيصه بنفع دون نفع، ففي ذلك الوفود إلي الله سبحانه منافع كثيرة يصطادها المسلمون حسب قابلياتهم وصلاحياتهم. هذا ما لخصناه للقارئ الكريم من الذكر الحكيم، وأما السنة الشريفة فيكفي في ذلك أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أمر الإمام عليا عليه السلام بأن يتلو آيات البراءة في يوم الحج الأكبر. قال سبحانه: - (وأذان من الله ورسوله إلي الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله...) - [736] وهل يشك ذو مسكة في أن البراءة ورفع الأمان عن المشركين وإمهالهم أربعة أشهر عمل سياسي قام به قائد الإسلام أيام رسالته وازدهار دعوته، حتي يكون ذلك قوة للمسلمين في الأجيال اللاحقة؟ هذا هو الإمام الطاهر الحسين بن علي عليهما السلام أطاح بطاغية عصره ففضحه [ صفحه 467] بعرض جناياته وأعماله المخزية علي الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان في موسم الحج في أرض مني، وقد اجتمع تحت منبره قرابة ثمانمائة منهم، وأبان في خطابه موقف أهل البيت من الإسلام، ثم ذكر مظالم الجهاز الأموي الحاكم، وطلب من الجميع أن يحملوا خطابه وهتافه إلي إخوانهم وأوطانهم حتي يقفوا علي فداحة الكارثة التي ألمت بهم من جراء تسلم بني أمية لمنصة الحكم، وقد جاءت خطبته في كتب السير والتاريخ، فمن أراد فليرجع إليها. وبعد ذلك أن في سيرة المسلمين لدليلا واضحا علي أن الحج ملتقي سياسي وراء كونه عملا عباديا، فإن الإصلاحات الجذرية التي قام بها المفكرون المسلمون قد انعقدت نطفها في الأراضي المقدسة وفي موسم الحج، فحملوا الفكرة التي تبنوها في جوار بيت الله الحرام وفي ذلك المحتشد العظيم، ثم غذوها بفكرتهم وتجاربهم إلي أن أتيحت لهم الفرص لبناء مجتمع طاهر أو حكومة عادلة أو ثورة عارمة في وجه الطغاة والظالمين، وبذلك يتضح أن الحج الإبراهيمي ليس مجرد طقوس وسنن يقوم بها الفرد أو الجمع في أيام معلومات، بل فيه آية العبادة وشارة السياسة وفيه منافع للمسلمين في عاجلهم وآجلهم، فيجب علي المسلمين إحياء هذه السنة الكريمة الحج الحقيقي الذي وضع حجره الأساس إبراهيم الخليل عليه السلام. كل ذلك بفضل الحج وببركة ذلك المحتشد العظيم. هذا ما سمح به الوقت، غير أن للبحث صلة ربما نستوفيه في فرصة أخري. جعفر السبحاني مكة المكرمة - الخامس من شهر ذي الحجة من شهور عام 1411 ه [ صفحه 468]

بين الحقائق والأوهام

اشاره

اتفق المسلمون قاطبة - إلا من شذ منهم - علي أنه يظهر في برهة من الزمن قائد يقوم بإصلاح المجتمع الإنساني قاطبة، وينشر راية العدل في ربوع الأرض بعد ما ملئت بالجور والطغيان. وهذا القائد المثالي العظيم من سلالة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقد جاء نبؤه وثورته العارمة علي الفساد في الكتب السماوية، قال سبحانه: - (ولقد كتبنا في الزبور منبعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) - [737] . ومن حسن الحظ أن زبور داود عليه السلام الموجود في العهد العتيق يحتوي علي مضمون هذه الآية بصراحة. [738] هذا ما اتفق عليه المسلمون وأهل الكتاب جميعا، غير أن هنا نكتة لا محيص من إلفات نظر القارئ إليها. إن الإمام وإن كان يظهر ويجابه الفساد بمنطق الشدة والعنف، ولكن هذا المنطق ليس العماد الوحيد لثورته وسلطته، بل هناك عماد آخر وهو بلوغ الإنسان [ صفحه 469] عبر القرون إلي ذروة الكمال من حيث الصناعات والعلوم وتقدمه في معترك العلوم والفنون والثقافة علي حد يؤمن إيمانا كاملا بأن الظروف الحاضرة لا تستطيع أن تلبي حاجاته، وتعطي له حياة طيبة وإن المنظمات البشرية مع دويها وعناوينها الفخمة، لا تسعده أو تنقذه من محنته ومشكلته. ولأجل ذلك ظل يتربص بصيصا من الأمل حتي تمده عناية غيبية في إصلاح المجتمع وإسعاده. ولأجل هذا الأمل والتفتح العقلي لقبول الدعوة الغيبية، إذا ظهر القائد، الذي وعد الله به الأمم لباه كثير من الناس بالإيمان والبيعة، والتضحية والفداء بلا شك وتردد ويستقبلونه بصدور رحيبة. إن هذا التهيؤ النابع من صميم الإنسان، هو الذي يسهل لقائد الإصلاح أن يصل إلي الغاية التي أمر بتحقيقها بسرعة، وإلي ذلك العامل المؤثر يشير الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: إذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد، فجمع به عقولهم وكملت به أحلامهم. [739] إن الشيعة قاطبة وكثيرا من أهل السنة يرون أن ذلك القائد هو الإمام الثاني عشر ومن ذرية الحسين عليه الصلاة والسلام ونجل الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام وقد ولد عام 255 ه، وظل في أحضان والده خمس سنين حتي توفي الإمام العسكري عليه السلام فتعلقت مشيئة الله تعالي بغيبته عن أعين الناس لا عن بيئاتهم، بل يحيي حياة إنسانية كاملة من غير أن يعرفونه إلي أن يأذن له الله تبارك وتعالي بالظهور. والناظر في حياة الأمم يقف علي أن ليس ذلك بأمر بديع، فقد كانت بين الأمم غيبة للأنبياء والأولياء حتي أنه سبحانه يأتي بأنموذج واضح في سورة الكهف، ويعرف إنسانا كان وليا راشدا من أوليائه يحيي بين الناس، لم يكن الناس [ صفحه 470] يعرفونه حتي النبي موسي عليه السلام. قال سبحانه: - (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) -. [740] غاب الإمام الثاني عشر علي إثر وفاة أبيه وقد شاع بين الناس علي أن المهدي المصلح نجل الإمام العسكري عليه السلام وهو الذي يقوض عروش الجبابرة والطواغيت، فلأجل ذلك لما انتشر نبأ وفاة أبيه تقاطرت لجان التفتيش علي بيت الإمام العسكري حتي يعثروا علي الوارث الوحيد لإمامته، ولكنهم رجعوا خائبين، فقد حالت مشيئة الله تعالي بينهم وبين ما وعد الله به الأمم في كتب السابقين واللاحقين.

ما عشت أراك الدهر عجبا

إن هناك من ينقض ويبرم في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام وبالأخص ما يرجع إلي ميلاده وحياته وسفرائه وهو ليس في حل ولا مرتحل، مما يرجع إلي علم الحديث وأصوله وأحكامه وأقسامه. فيا ليت شعري ماذا جري علي عالم الحديث حتي أخذ الصبيان في الكتاتيب يحلون ويعقدون من دون أن يتلمذوا عند عالم أو يتفقهوا عند محقق. إذا ما فصلت عليا قريش فلا في العير أنت ولا النفير إلي الله المشتكي من أقلام مأجورة أو أوراق، لا تهدف إلا تكدير الصفو، وتغطية الوقائع المسلمة، وإنكار الأحداث الواضحة وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدي. نعم إن هذا النوع من الخصوم، يقدم لنا أكبر خدمة وهي استقطاب نظر المحققين إلي الفحص عن الروايات الواردة حول المهدي بشتي عناوينه [ صفحه 471] فيخرجوا عن الدراسة أكثر صلابة، وأكبر رصيدا، مرفوعي الرأس عند أصحاب التحقيق، وحماة الحقائق. غاب الإمام الثاني عشر عن أعين الناس، ولكن لم تنقطع صلته بهم، وكان بينه وبين شيعته صلة وثيقة عن طريق سفرائه طيلة سبعين سنة (260 - 329 ه)، وكان سفراؤه هم الذين يتصلون بالإمام، ويبلغونه رسائل شيعته وحوائجهم، فيجيبهم الإمام عن طريقهم ويرشدهم، وهؤلاء السفراء هم أكارم جيله، وأصفياء عصره، قد حمل كل واحد منهم علي عاتقه رسالة هداية الناس ورفع حوائجهم، ومجابهة الدعايات الضالة. وهؤلاء عبارة عن: 1 - عثمان بن سعيد العمري، وكانت سفارته ما بين 260 - 265 ه. 2 - محمد بن عثمان العمري، وكانت سفارته ما بين 265 - 305 ه. 3 - الحسين بن روح النوبختي، وكانت سفارته ما بين 305 - 326 ه. 4 - علي بن محمد السمري، وكانت ما سفارته بين 326 - 329 ه. لقد مهدت الغيبة الصغري الناس إلي الإيمان بالغيبة الكبري التي انقطعت فيها الصلة بين الإمام والناس، ولولا الغيبة الأولي لكان تحمل الغيبة الثانية أمرا شديدا علي المجتمع، إلا أن الله تعالي بلطفه، جعل الغيبة الصغري طريقا للغيبة الكبري، وسببا لمزيد الإيمان بها. الإمام المهدي هو شمس الحياة الطالعة التي لا يمكن أن تستر بالأوهام والافتراءات ولا بالدعايات الفارغة ولا بالتحليلات الخاطئة. ولا تجد موضوعا كهذا الموضوع - موضوع المهدي - تواترت فيه الروايات، وألفت فيه كتب وموسوعات منذ بدء حياته إلي يومنا هذا. نعم تغمرني من الأحاسيس ما تراها متجلية في الأبيات التالية وهي باقة زهور عطرة نقدمها إلي القراء جادت بها قريحة بعض المخلصين المجاهرين [ صفحه 472] بولاء أئمة أهل البيت عليهم. [741] . لئن غبت عنا هيكلا متجسدا فما غاب منك الروح يشرق والفكر إلي أن قال: أألتاع بالأشواق جهرا وخفية وأنت الذي عني تصد وتزور أما آن أن ألقاك يا حب ساعة فقد ملني حتي التجلد والصبر أسير غرام لج في قلبي الهوي طويلا - وهل إلا الهوي للهوي أجر لكل أسير مدة ثم تنقضي ولكن من يهوي يدوم له الأسر جعفر السبحاني قم. مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام غرة ذي الحجة الحرام من شهور عام 1416 ه [ صفحه 473]

دراسة علم الكلام حاجة ملحة

اشاره

الحمد لله الأول فلا شئ قبله، والآخر فلا شئ بعده، والظاهر فلا شئ فوقه، والباطن فلا شئ دونه. والصلاة والسلام علي ذي المقام الأجل، الحائز لقصبات السبق في مضمار كل فضل، سيدنا ونبينا محمد مصباح الهدي وملاذ أهل التقي، وآله الطاهرين الذين مستقرهم خير مستقر ومنبتهم أشرف منبت، سلاما لا بداية له ولا نهاية. أما بعد: فإن التفكير هو العامل المميز للإنسان عن سائر الحيوانات، فهو يشاركهم في الغرائز والميول، ولكن يفارقهم بأنه موجود مفكر، وفي ظل التفكير بسط نفوذه، وبلغ حدا حير فيها العقول، وأدهش فيه الألباب، ولم يزل دؤوبا في تسخير ما خلق له. وقد حاز الفكر علي عناية كبيرة في القرآن الكريم حتي نوه عليه ثماني عشرة مرة بصور مختلفة، إلي أن عاد وجعله من سمات أولي الألباب، وقال: - (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب - الذين [ صفحه 474] يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) - [742] . كما أنه سبحانه قد أمر بالتعقل في غير واحد من الآيات الكونية وقال: - (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) - [743] . والدعوة إلي التفكير والتعقل في آياته سبحانه ليست لهدف الوقوف علي النظام السائد في الكون الذي تتكفل ببيانه العلوم الطبيعية والفلكية، بل ثمة غاية قصوي هي أشرف من الأولي وهي الوقوف علي باطن الكون الذي يعبر عنه سبحانه بملكوت السماوات والأرض، وهو عبارة عن جهة تعلقه بخالقه، وقيامه به قيام المعلول بالعلة، والمعني الحرفي بالمعني الاسمي، وهذا النمط من التفكير يصنع من الإنسان عارفا موحدا لا يري شيئا إلا ويري الله معه وقبله وبعده، قال سبحانه: - (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) - [744] وقال سبحانه: - (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ) - [745] . إنه سبحانه جهز الإنسان بالتفكير والتعقل، وأعطي له الأدوات المطلوبة، ومن أفضلها السمع والبصر، كما أشار إليه في قوله سبحانه: - (والله أخرجكم من [ صفحه 475] بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) - [746] . والمراد من الشكر في ذيل الآية هو صرف النعمة في مواضعها، فشكر السمع والبصر هو إدراك المسموعات والمبصرات بهما، وشكر الفؤاد هو إدراك المعقولات وغير المشهودات به، فالآية كما تحرض علي إعمال السمع والبصر في درك ظواهر الكون، تحرض أيضا علي استعمال الفؤاد والقلب والعقل فيما هو خارج عن إطار الحس وغير واقع تحت متناول أدواته، فمن أراد قصر التعليم والتفكير علي ظواهر الكون وحرمان الإنسان عن التفكر خارج نطاق الحس فقد خالف القرآن الكريم. كما وأن من اقتصر علي المعرفة الحسية هو أشبه بالطفل الذي لا يتمكن من التحليق في سماء المعرفة، بل يقتصر بما حوله من الأشباه والصور، كما أن من اقتصر علي المعرفة العقلية فقد أفرط، وربما حرم من بعض المعارف التي يكون الحس وسيلة إليها فالإنسان يستخدم الحس والعقل ويحلق بكلا جناحيه في سماء العلم والعرفان، فالقرآن الكريم يعطي للحس منزلة ومكانة، كما ينمي القابليات الفكرية في الإنسان عن طريق طرح قضايا حسية ملموسة وعقلية. قال سبحانه: - (نحن خلقناكم فلولا تصدقون - أفرأيتم ما تمنون - ء أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون -... أفرأيتم ما تحرثون - ء أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون - لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون - إنا لمغرمون - بل نحن محرومون - أفرأيتم الماء الذي تشربون - ء أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون - لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون - أفرأيتم النار التي تورون - أأنتم [ صفحه 476] أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) - [747] . أنظر إلي هذا البيان الرفيع والكلام الرصين كيف يطرح أسلوب التفكير الصحيح؟ وفي نفس الدعوة إلي ظواهر الكون والنظام السائد فيه، دعوة أخري للارتقاء إلي معرفة عقلية بحتة، وهو أن للنظام صلة بخالق عالم قادر في وضع الكون علي أحسن نظام. يذكر فيها أمر الخلق، والزرع، والماء، والنار، ويذكر دور الإنسان فيها، فأمره في الأول لا يزيد علي أن يودع الرجل ما يمني في رحم امرأته، ثم ينقطع عمله وعملها، فالعقل يحكم بأن هناك قدرة غيبية تأخذ بزمام الأمور، تعمل في هذا الماء المهين، في تنميته وبناء هيكله، ونفخ الروح فيه. وأمره في الثاني لا يزيد علي الحرث وإلقاء الحب والبذر، الذي هو صنعه سبحانه، ثم ينتهي دوره، فلا محيص عن وجود قدرة تنميه تحت التراب، وتجعله سنبلا أو سنابل فيها حب كثير. وأما الماء فليس للإنسان فيه أي دور، لكنه أصل الحياة وعنصرها، لا تقوم إلا به، فمن الذي خلقه وأنزله من المزن، وأسكنه في الأرض؟ ومثله النار فليس له فيها شأن سوي أنه يوقدها، ولكن من الذي خلق وقودها، وأنشأ شجرتها التي توقد؟ إن الذكر الحكيم عرض هذه الأمور لغاية الاهتداء بها إلي الحقيقة التي تنتهي إليها هذه الحقائق، والتي تمسك بزمام هذه الظواهر الكونية، ولأجل ذلك ختم الآيات بقوله: - (فسبح باسم ربك العظيم) -. [ صفحه 477]

القرآن هو المنطلق لتنمية الفكر الإنساني

ما مر من الآيات يعرب عن أن القرآن هو المنطلق الأول لتنمية الفكر الإنساني، وحث الإنسان إلي التعقل والتفكير، فمن أراد أن يخلص لله في العبودية بلا تحليق العقل في سماء المعرفة فقد تغافل عن هذه الآيات ونظائرها التي تأخذ بيد العقل من حضيضه وتقوده إلي أوج المعرفة، قال سبحانه: - (أم خلقوا من غيرشئ أم هم الخالقون - أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) - [748] فلو فسرنا (الشئ) في الآية بالسبب والعلة فالجزء الأول من الآية يشير إلي برهان الإمكان الذي يقوم علي لزوم سبب موجب لخروج الشئ من العدم إلي الوجود، والجزء الثاني منها يشير إلي بطلان كونهم خالقي أنفسهم، الذي يستقل العقل ببطلانه قبل أن يستقل ببطلان الدور اللازم عليه. ومن سبر هذه الآيات وتدبر فيها يقف علي عظمة قوله سبحانه: - (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شئ شهيد) - [749] .

ائمة أهل البيت رواد الفكر

إن أئمة أهل البيت عليهم السلام - تبعا للذكر الحكيم - فتحوا أمام الأمة باب التفكير الصحيح في المعارف الإلهية والمسائل العقلية، وأول من ولج ذلك النهج هو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام رائد الفكر، فإنه صلوات الله عليه يذكر في خطبه ورسائله وكلماته القصار كثيرا مما يرجع إلي أسمائه وصفاته، والعوالم الغيبية مقرونا بالبرهان والدليل، وكفاك في هذا الباب ما ذكره في كيفية وصفه سبحانه التي شغلت بال التابعين والمتكلمين علي مر العصور، يقول سلام الله عليه: [ صفحه 478] " أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: فيم، فقد ضمنه، ومن قال: علام، فقد أخلي منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة فاعل لا بمعني الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده... ". [750] فهو عليه السلام في كلامه هذا يبين لنا كيفية وصفه سبحانه وتعالي بالعلم والقدرة أولا، كما يبين لنا مكانة الممكنات بالنسبة إليه سبحانه ثانيا، ثم يبين معني كونه فاعلا وخالقا إلي غير ذلك من النكات البديعة في كلامه. وقد تبعه الأئمة المعصومون فسلكوا سبيله في تبيين المعارف والعقائد، وإقامة البراهين الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة أو العقل السليم، وكفي في ذلك ما ألفه شيخنا الصدوق في كتابه " التوحيد " فإنه نسخة عقلية، أو رشح من فيض، جمعه ذلك المحدث في القرن الرابع. ويكفيك في الوقوف علي بعد المنهجين (منهج الإمام علي عليه السلام والأئمة المعصومين، ومنهج أهل الحديث) مقارنة هذا الكتاب بكتاب التوحيد لابن خزيمة (المتوفي 311 ه) [751] الذي ألفه قريبا من عصر الصدوق في توحيد [ صفحه 479] الصحابة والتابعين، وأسماه " التوحيد والصفات " فتجد أن الكاتبين سلكا مسلكين مختلفين أحدهما يعتمد علي الكتاب والسنة الصحيحة، والعقل الصريح، وتحليل العقائد والمعارف تحليلا عقليا رائعا، معتمدا علي الفكر، وأما الآخر فهو يعج بروايات أكثرها ترجع إلي مستسلمة أهل الكتاب في العصور الأولي ككعب الأحبار، ووهب بن منبه اليماني، وتميم بن أوس الداري، إلي غير هؤلاء ممن تلقوا القصص والحكايات الخرافية من أساتذتهم وبثوها بين المسلمين. وأنت إذا تفحصت ما انطوي عليه تفسير الطبري، والدر المنثور للشيخ السيوطي، تراها عاجة بروايات منتهية إلي الصحابة والتابعين، وليس فيها شئ يرجع إلي تحليل العقائد والمعارف، وعلي ذلك درج الخلف، فصار التعطيل شعارا لأهل الحديث ومن تبعهم.

تدوين علم الكلام حاجة ملحة

فتح المسلمون البلاد المعمورة بإيمانهم وعزيمتهم الراسخة، فاعتنق الإسلام أمم كثيرة كانت لهم حضارات عريقة وديانات مختلفة، فأدي ذلك إلي احتكاك المسلمين بهم، وكانت نتيجته انتقال الفلسفة اليونانية والفارسية إلي العواصم الإسلامية، ونشطت من خلالها حركة الترجمة والتعريب، فترجمت كتب فلسفية كثيرة تحمل طابع الفلسفة اليونانية والرومانية والفارسية في طياتها، وهذه الحركة قد تركت خيرا كثيرا، حيث اطلع المسلمون من خلالها علي العلوم الطبيعية والرياضية، والفلكية، وما وراء الطبيعة، وشكل ما ورثوه عن طريق الترجمة فيما بعد النواة الأولي لإرساء قواعد هذه العلوم وإكمالها، حتي تألق نجم العلم في المشرق الإسلامي، وصار مركزا ومحطا يقصده رواد العلم والمعرفة من كل حدب وصوب. إلا أن تلك الحركة قد تركت آثارا سلبية حيث بذرت شبها كثيرة في حقل [ صفحه 480] العقائد والأحكام بين المسلمين، خصوصا غير المتدرعين منهم بسلاح العلم والبرهان، فاشتد حمي الجدال بين المسلمين ورواد الأفكار الدخيلة. كما أنه كان لوجود الأسري أثر فعال في طلي الشبه وسوقها في بوتقة البرهان ردا علي العقائد الإسلامية، نظراء ابن أبي العوجاء وحماد بن عجرد، ويحيي بن زياد، ومطيع بن أياس، وعبد الله بن المقفع، الذين كان لهم نشاط ملموس في زعزعة عقائد العامة. وكان لظاهرة الترجمة، وانتشار الشبه بين المسلمين، تأثير مهم في شحذ همم المفكرين من المسلمين بغية الوقوف أمامها، وبذلك نشأ علم الكلام ودونت رسائل في الذب عن العقيدة والتدرع بنفس السلاح الذي تدرع به المخالف، فلم يمض القرن الأول إلا وتجد حلقات شكلت لهذا العلم طرحت فيها المسائل الكلامية علي طاولة البحث لتفنيد حجج المخالفين وإبطالها. نعم قام بعض السذج من أهل الحديث بتحريم علم الكلام، والوقوف أمامه، ودعوا إلي نبذه، بزعم أنهم بذلك يقدمون أفضل خدمة للإسلام وعقيدته، غافلين عن أن سلب هذا السلاح من يد المفكرين من المسلمين يوجب استيلاء الإلحاد علي الربوع الإسلامية. كل هذا وذاك دعا المفكرين إلي تأسيس علم الكلام، وقد استلهموا في ذلك من الكتاب العزيز، وخطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومدرسة الأئمة من بعده التي تركت بصمات واضحة علي زعزعة الحركة الإلحادية، وجعل الشبه والردود في مدحرة البطلان، ولذلك كان تدوين علم الكلام حاجة ملحة لا ترفيهية، وقد أخذ علم الكلام علي عاتقه الذب عن حياض العقيدة الإسلامية، باستعراض البراهين العقلية تارة، وبإعمال أساليب الجدل والمناظرة تارة أخري، وقد بلغ هذا العلم ذروته وظهرت مناهج كلامية مختلفة تنتهي جذورها إلي ما ورثوه من الكتاب، وخطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. [ صفحه 481]

دعاة التفكير في المعارف

كان لأهل الحديث صيت واسع في أرجاء العالم الإسلامي، وكانت الأكثرية تبعا لهم، وقد وجد في صفوف المسلمين من نادي بالتفكير وإقامة البرهنة علي المعارف وتحليلها علي ضوء الدليل العقلي، كل ذلك استلهاما من الذكر الحكيم وخطب الإمام أمير المؤمنين وما آثر من أهل بيته المعصومين. قال ابن أبي الحديد [752] : إن أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف المعلومات، ومن كلامه عليه السلام اقتبس وعنه نقل، وإليه انتهي. [753] وما ذكره ابن أبي الحديد هو الذي يدعمه تاريخ علم الكلام، فإن المناهج المعروفة في علم الكلام لا تتجاوز عن أربعة وهي: الأول: الإمامية. الثاني: المعتزلة. الثالث: الأشاعرة. الرابع: الماتريدية. وهذه المدارس الكلامية علي الاختلاف السائد بينها تنتهي جذورها إلي الإمام علي عليه السلام. أما الإمامية فهم شيعة علي عليه السلام في عامة المجالات، وأما المعتزلة فمؤسسها واصل بن عطاء (80 - 131 ه) وعمرو بن عبيد (80 - 143 ه) وقد أخذ واصل [ صفحه 482] وعمرو عن أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، وأخذ أبو هاشم عن أبيه محمد بن الحنفية، وأخذ محمد عن أبيه علي بن أبي طالب. [754] وأما المنهج الأشعري فمؤسسه هو الإمام أبو الحسن الأشعري (260 - 330 ه) فقد اتفقت كلمتهم علي أنه خريج مدرسة أبي علي الجبائي (235 - 330 ه) وإمام المعتزلة، وإن عدل عن ذلك المنهج وأسس منهجا معتدلا بين أهل الحديث والاعتزال، ولكنه تبحر في إقامة البرهان والاستدلال علي المعارف في منهج الاعتزال، فهو عيال علي المعتزلة. وأما الماتريدية فمشيد أركانها هو الإمام محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي (260 - 333 ه) وقد عاصر الماتريدي الإمام الأشعري و كانا يعملان علي صعيد واحد، وكل يكافح الاعتزال، ويدعو إلي منهج متوسط بين المنهجين، ولكن المنهج الماتريدي أقرب إلي الاعتزال من المنهج الأشعري، والمنهج الذي اختاره الماتريدي وأوضح براهينه، هو المنهج الموروث عن أبي حنيفة (80 - 150 ه) في العقائد والكلام والفقه ومبادئه، والتاريخ يحدثنا أن أبا حنيفة كان صاحب حلقة في الكلام قبل تفرغه لعلم الفقه، وقبل اتصاله بحماد بن أبي سليمان، الذي أخذ عنه الفقه. هؤلاء هم دعاة التفكير في المعارف علي اختلاف وجهات نظرهم.

المعطلة خصوم العقل

ارتحل النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي دار البقاء، وترك شريعة بيضاء، وكتابا هو خزانة المعارف، وأمر الأمة بالتدبر والتفكر فيه دون فرق بين ما يرجع إلي آيات الأحكام، أو قصص الأقوام، والأنبياء، أو المعارف والعقليات، فقال سبحانه: - (كتاب أنزلناه [ صفحه 483] إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) - [755] . ومع هذه الدعوة المؤكدة التي نادي بها القرآن ظهرت فرقة في العصور الأولي صارت سمتهم وشعارهم إعدام العقل وتعطيله عن التفكر فيما وراء الحس، مما يرجع إلي أسمائه سبحانه وصفاته وغير ذلك، وقالوا معتذرين في تعطيل العقل " إن ما أعطينا من العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ولم يدرك الربوبية ". [756] وكأن العبودية عند القائل هي القيام والقعود والإمساك، التي هي من واجبات الأعضاء، وغاب عنه أن العبودية تقوم علي ركنين، ركن منه يرجع إلي الأعضاء والجوارح، وركن آخر إلي العقل واللب، فتعطيل العقل عن معرفة المعبود بالمقدار الميسور تعطيل للعبودية. فالاقتصار في معرفة الرب بالعبودية الظاهرية من القيام والقعود من دون التعرف علي ما للمعبود من جمال وجلال، يؤدي إلي كون عبودية الإنسان أدون من عبودية الجماد، إذ الجماد ربما يستشعر عظمة الخالق، حسب مقدرته، قال سبحانه: - (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) - [757] . والعجب أن هذا النمط من الجمود قد عاد إلي الساحة الفكرية باسم السلفية، وأخذ لنفسه طابعا جديدا، وصار الجهل بالمعارف وإعدام العقل عن التفكير مفخرة نادي بها أصحابها، وبذلك انقادوا لما في الصحاح والمسانيد، من [ صفحه 484] التشبيه، والتجسيم، وإثبات الجهة بلا اكتراث. قال ابن تيمية - مثير الدعوة السلفية بعد اندراسها -: إن لله يدين مختصتين به ذاتيتين له كما يليق بجماله، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة، وإبليس، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوي السماء بيده اليمني. [758] وهذه العبارة ونظائرها التي طفحت بها كتب السلفية ترمي إلي أحد أمرين إما التجسيم والتشبيه، أو تعطيل العقول عن معرفة الكتاب العزيز. فإن اليد والوجه والرجل موضوعات في اللغة العربية للأعضاء خاصة، فلو أريد المعني الحقيقي يلزم منه التشبيه، وإن أريد المعني الكنائي فهذا هو التأويل عندهم، وهم يفرون منه فلم يبق هناك معني ثالث حتي يتبعه السلفية. وقد بلغ بهم التزمت بمكان حدا بهم أن لا يقيموا للبحوث العقلية وزنا. يقول ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة، عن طريق الأهوازي: قرأت عن علي القومسي، عن الحسن الأهوازي، قال: سمعت أبا عبد الله الحمراني يقول: لما دخل الأشعري بغداد جاء إلي البربهاري فجعل يقول: رددت علي الجبائي وعلي أبي هاشم ونقضت عليهم وعلي اليهود والنصاري والمجوس وقلت وقالوا، وأكثر الكلام، فلما سكت، قال البربهاري: وما أدري مما قلت لا قليلا ولا كثيرا، ولا نعرف إلا ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فخرج من عنده وصنف كتاب " الإبانة " فلم يقبله منه. [759] . [ صفحه 485]

علم الكلام في القرن الخامس

بلغ علم الكلام ذروته في الكمال، وظهر في المنهج الأشعري لفيف من الأعلام منهم: 1 - القاضي أبو بكر الباقلاني (المتوفي 403 ه) مؤلف كتاب " التمهيد " في الرد علي الملاحدة، وهو كتاب كلامي يعرف منه آراؤه الكلامية في مختلف الأبواب. 2 - أبو منصور عبد القاهر البغدادي (المتوفي 429 ه) مؤلف كتاب " الفرق بين الفرق " في الملل والنحل و " أصول الدين " طبع غير مرة. 3 - إمام الحرمين الجويني (المتوفي 478 ه) مؤلف كتاب " الإرشاد " في أصول الدين، وقد طبع غير مرة. كما ظهر في المنهج المعتزلي رواد فطاحل منهم: 1 - قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي (المتوفي 415 ه) مؤلف كتاب " المغني " في عشرين جزءا، وهو أبسط كتاب كلامي ألف في هذا المضمار. 2 - أبو الحسين البصري (المتوفي 436 ه) مؤلف كتاب " شرح الأصول الخمسة " التي بني الإسلام عليها. كما برع في المنهج الإمامي نوابغ الكلام، منهم: 1 - شيخ الأمة شيخنا المفيد (336 - 413 ه) يعرفه ابن النديم: أبو عبد الله، في عصرنا انتهت رئاسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام علي مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطرة، شاهدته فرأيته بارعا. [760] وله كتب كثيرة في علم الكلام مذكورة في فهرس كتبه. [761] . [ صفحه 486] 2 - علي بن الحسين الشريف المرتضي (355 - 436 ه) تلميذ الشيخ المفيد. عرفه تلميذه النجاشي بقوله: حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلما شاعرا أديبا، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، ومن كتبه الكلامية: " الشافي " في نقض المغني للقاضي عبد الجبار في قسم الإمامة، وكتاب " تنزيه الأنبياء والأئمة " و " الذخيرة " في علم الكلام، وغيرها من الرسائل [762] وشرح جمل العلم والعمل. 3 - أبو الصلاح التقي بن الحلبي (374 - 447 ه) مؤلف " تقريب المعارف " في الكلام، مطبوع. 4 - وأخيرهم لا آخرهم محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه). يعرفه زميله النجاشي بقوله: جليل من أصحابنا، ثقة، عين، من تلاميذ شيخنا أبي عبد الله. ويعرفه العلامة بقوله: شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنتسب إليه، وله في الكلام كتب كثيرة منها: الجمل والعقود، تلخيص الشافي في الإمامة، ومقدمة في المدخل إلي علم الكلام [763] ، والاقتصاد، والرسائل العشر. [ صفحه 487]

علم الكلام في القرن السادس

ما أن أطل القرن السادس إلا وقد أفل نجم المعتزلة، حيث وضع فيهم السيف، من قبل الخلافة العباسية فلا نجد لهم أثرا وذكرا إلا أن الزمخشري مؤلف الكشاف قد أورد آراءهم في تفسيره، وكان غياب المعتزلة عن المسرح الفكري خسارة جسيمة للمنهج العقلي، وقد بلغ التعصب بمكان حتي أن أحرقت كتبهم، وقتل أعلامهم وشردوا، والحديث ذو شجون. [764] وأما المنهج الأشعري فقد نبغ فيه أعلام في الكلام، منهم: 1 - حجة الإسلام الغزالي (450 - 505 ه) ومن كتبه " قواعد العقائد " فقد اقتفي أثر إمامه الأشعري، ويلتقي معه في كثير من الآراء والمباني، وقد أوضحنا حال الكتاب والمؤلف في كتابنا " بحوث في الملل والنحل ". [765] 2 - أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (437 - 548 ه) مؤلف كتاب " الملل والنحل " و " نهاية الإقدام " في علم الكلام، إلي غير ذلك من الكتب. كما واحتفل المنهج الإمامي في القرن السادس في حقل الكلام بمتكلمين بارعين، بلغوا القمة في تحقيق الأصول الكلامية، وقد عجنوا ما ورثوه عن مشايخهم وأسلافهم في القرون السالفة، وما جادت به قريحتهم العلمية، ونذكر المشاهير منهم: 1 - قطب الدين المقري النيسابوري من مشايخ السيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله الراوندي (المتوفي حدود 547) مؤلف كتاب الحدود (المعجم الموضوعي للمصطلحات الكلامية وغيره) وقد طبع. 2 - الفضل بن الحسن الطبرسي، مؤلف مجمع البيان (المتوفي 548 ه) وله في تفسيره بحوث كلامية مهمة. [ صفحه 488] 3 - الحسين بن علي بن محمد بن أحمد المعروف ب " أبي الفتوح الرازي " (المتوفي 552 ه) وكتابه مشحون بالبحوث الكلامية. 4 - محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (المتوفي 558 ه) وقد ذكر فهرس كتبه المختلفة في معالم العلماء. 5 - قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (المتوفي 573 ه) مؤلف كتاب تهافت الفلاسفة، وجواهر الكلام في شرح مقدمة الكلام. 6 - سديد الدين الشيخ محمود الحمصي المتوفي في أواخر القرن السادس، مؤلف " المنقذ من التقليد " مطبوع. 7 - أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي صاحب " الاحتجاج " توفي في أواسط القرن السادس. 8 - مؤلفنا الجليل السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي (511 - 585 ه). ومن أشهر كتبه غنية النزوع إلي علمي الأصول والفروع. يقع المؤلف في جزءين أحدهما في علم الكلام، والآخر في علم الأصول، فكان مشتملا علي علوم ثلاثة، والناظر في الكتاب يلمس أن المؤلف يتمتع بموهبة كبيرة في التفكير الكلامي، والأصولي، فله هناك آراء وأفكار وعلي صعيد آخر فقد استفاد من كتب " شرح جمل العلم والعمل " للسيد المرتضي و " تقريب المعارف " لأبي الصلاح الحلبي و " الاقتصاد " و " الرسائل العشر " لشيخ الطائفة الطوسي، ومن كتب المعتزلة " شرح الأصول الخمسة " للقاضي عبد الجبار، وأضاف إليها ما جادت به قريحته، وذهنه الوقاد، فرحم الله مؤلفنا الجليل حيث استوعب البحث في العلوم الثلاثة، وأتي بكتاب بديع قل نظيره. جعفر السبحاني قم المقدسة [ صفحه 489]

واقع التشريع الإسلامي

معالمه و ملامحه

اشاره

ألقيت في المؤتمر العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية المنعقد في طهران عام 1419 ه. التشريع أحد أركان الحضارة فلا تجد مجتمعا حضاريا إلا وعنده قوة التشريع والتقنين وهذا مما لا كلام فيه. وإنما الكلام في الأصل الذي يعتمد عليه التشريع ويستمد منه. فهناك منهجان: منهج يعتمد في التحليل والتحريم علي رأي الأكثرية فما صوبته الأكثرية يصبح قانونا محترما لدي الكل وما لم تصوبه الأكثرية يكون مرفوضا. ومنهج يعتمد في التشريع علي الواقعيات والمصالح والمفاسد فما كان واقعيا وصالحا للبشرية فهو القانون السائد، وما لم يكن كذلك لا يعتبر أبدا. والإسلام في تشريعه يتبع المنهج الثاني، لأن التشريع بيد الله سبحانه وتعالي وحده، فلا حاجة إذا إلي رعاية التصويت والتصويب، وتتجلي واقعية التشريع الإسلامي في ملامحه ومعالمه. فالتشريع الإسلامي يتميز بملامح بينما هي ملامح ثبوتية ترجع إلي مادة التشريع وروحه، وبينما هي ملامح إثباتية ترجع إلي دلالة التشريع. [ صفحه 490] فما يرجع إلي القسم الأول يتلخص في أمور ستة: 1 - الفطرة الإنسانية هي المقياس في التقنين. 2 - التشريع حسب المصالح والمفاسد الواقعية. 3 - النظر إلي المادة والروح علي حد سواء. 4 - النظر إلي الحقائق دون الظواهر. 5 - المرونة في التشريع. 6 - العدالة في التقنين. فلن أخذ كل منها بالبحث واحدا تلو الآخر ثم نرجع إلي بيان ملامح التشريع الإسلامي في مقام الدلالة والإثبات. أما الملامح الثبوتية فهي عبارة:

الفطرة هي المقياس

إن للإنسان مع قطع النظر عن الظروف الموضوعية المحيطة به شخصية تكوينية ثابتة لا تنفك عنه عبر الزمان، فالغرائز السفلية والعلوية هي التي تكون شخصيته ولا تنفك عنه ما دام الإنسان إنسانا، فجعل الإسلام الفطرة معيارا للتشريع، فكل عمل يتجاوب وينساق مع الفطرة فقد أحله، وما هو علي موضع الضد منها فقد حرمه. فقد ندب إلي الروابط العائلية وتنسيق الروابط الاجتماعية، كرابطة الولد بوالديه، والأخ بأخيه، والإنسان المؤمن بمثله، كما قد حذر عما ينافي خلقه وإدراكه العقلي، كتحريمه الخمر والميسر والسفاح، لما فيها من إفساد للعقل الفطري والنسل والحرث. فالأحكام الثابتة في التشريع القرآني تشريع وفق الفطرة. [ صفحه 491]

التشريع حسب المصالح

نعم ثمة ميزة أخري للتشريع القرآني، وهو أنه مبني علي المصالح والمفاسد الواقعية. فلا واجب إلا لمصلحة في فعله، ولا حرام إلا لمصلحة في تركه، قال سبحانه: - (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) -. [766] وقال سبحانه: - (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) -. [767] وعلي هذا الأساس فقد عقد فقهاء الشيعة بابا خاصا باسم تزاحم الأحكام في ملاكاتها حيث يقدم الأهم علي المهم، ويتوصل في تمييزهما بالقرائن المفيدة للاطمئنان.

النظر إلي المادة والروح علي حد سواء

آلف القرآن بتعاليمه القيمة بينهما مؤالفة تفي بحق كل منهما حيث يفسح للإنسان أن يأخذ قسطه من كل منهما بقدر ما يصلحه. لقد غالت المسيحية (الغابرة) بالاهتمام بالجانب الروحي من الإنسان حتي كادت أن تجعل كل مظهر من مظاهر الحياة المادية خطيئة كبري، فدعت إلي الرهبانية والتعزب، وترك ملاذ الحياة، والانعزال عن المجتمع، والعيش في الأديرة وقلل الجبال والتسامح مع المعتدين. كما غالت اليهودية في الانكباب علي المادة حتي نسيت كل قيمة روحية، وجعلت الحصول علي المادة بأي وسيلة كانت، المقصد الأسني، ودعت إلي القومية الغاشمة. [ صفحه 492] لكن الإسلام أخذ ينظر إلي واقع الإنسان بما هو كائن ذو بعدين، فبالبعد المادي لا يستغني عن المادة، وبالبعد الروحي لا يستغني عن الحياة الروحية، فأولاهما عنايته، فدعا إلي المادة والالتذاذ بها بشكل لا يؤثرها علي حياته الروحية، كما دعا إلي الحياة الروحية بشكل لا يصادم فطرته وطبيعته، وهكذا فقد قرن بين عبادة الله وطلب الرزق وترفيه النفس، فندب إلي القيام بالليل وإقامة النوافل، وفي الوقت نفسه ندب إلي طلب المعاش وتوخي اللذة، قال سبحانه: - (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) - [768] وقال أيضا: - (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) -. [769] وقال علي أمير المؤمنين عليه السلام: " للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم معاشه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذتها ". [770] .

النظر إلي المعاني لا الظواهر

إن التشريع القرآني ينظر إلي الحقائق لا إلي القشور، فلا تجد في الإسلام مظهرا خاصا من مظاهر الحياة يكون له من القداسة ما يمنع من تغييره ويوجب حفظه إلي الأبد بشكله الخاص، فليس هناك تناقض بين تعاليمه والتقدم العلمي. فلو كان التشريع الإسلامي مصرا علي صورة خاصة من متطلبات الحياة لما انسجم مع الحياة، فمثلا ينهي الإسلام عن أكل الأموال بالباطل، وعلي هذا فرع الفقهاء حرمة بيع الدم لعدم وجود منفعة محللة له في تلك الأعصار الغابرة بيد أن [ صفحه 493] تقدم العلوم والحضارة أتاح للبشر أن يستخدم الدم في منافع محللة لم يكن لها نظير من قبل، فعادت المعاملة بالدم في هذه الأعصار معاملة صحيحة لا بأس بها، وليس هذا من قبيل نسخ الحكم، بل من باب تبدل الحكم بتبدل موضوعه كانقلاب الخمر خلا. فالإسلام حرم أكل المال بالباطل، فما دام بيع الدم مصداقا لتلك الآية كان محكوما بالحرمة، فلما أتيح للبشر أن يستفيد منه في علاج المرضي خرج عن كونه مصداقا للآية، وهذا هو الذي عبرنا عنه في عنوان البحث بأن الإسلام ينظر إلي المعاني لا إلي القشور.

المرونة في التشريع

إن من ملامح التشريع القرآني مرونته وقابليته للانطباق علي جميع الحضارات الإنسانية، وما ذلك إلا لأنه جاء بتشريعات خاصة لها دور التحديد والرقابة علي سائر تشريعاته، وهذا التشريع أعطي للدين مرونة ومنعطفا جديدا قال سبحانه: - (وما جعل عليكم في الدين من حرج) -. [771] وقال: - (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) -. [772] وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ". [773] فحدد كل تشريع بعدم استلزامه الضرر والضرار، فأوجب التيمم مكان الوضوء إذا كان استعمال الماء مضرا، كما أوجب الإفطار علي المريض والمسافر [ صفحه 494] لغاية اليسر، قال سبحانه: - (ومن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) -. [774] إلي غير ذلك من الآيات والروايات التي لها دور التحديد والرقابة. وجاء في الحديث عن الصادع بالحق أنه قال: " بعثت بالحنيفية السمحة ". [775] وقال الإمام الصادق عليه السلام: " إن هذا الدين لمتين، فأوغلوا فيه برفق، لا تكرهوا عبادة الله لعباد الله ". [776] .

العدالة في التقنين

ومن ملامح التشريع القرآني، العدالة حيث تراها متجلية في كافة تشريعاته، خاصة فيما يرجع إلي القانون والحقوق، قال سبحانه: - (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) -. [777] وقال تعالي: - (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) -. [778] وقال تعالي: - (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره علي الله إنه لا يحب الظالمين) -. [779] وقال سبحانه: - (ولا تزر وازرة وزر أخري) -. [780] وقال سبحانه: - (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) -. [781] . [ صفحه 495] إلي غير ذلك من الآيات التي تدل علي أن هيكل التشريع الإسلامي بني علي أساس العدل والقسط. هذه الملامح ترجع إلي سمات القانون الإسلامي ثبوتا.

ملامح التشريع الإسلامي في مقام الإثبات

اشاره

أما سماته في عالم الإثبات والدلالة فهي عبارة عن الأمور التالية: أ. شموليته لعامة الطبقات. ب. سعة آفاق دلالة القرآن والحديث. ج. التدرج في التشريع.

شمولية التشريع

أخذ القرآن الإنسان محورا لتشريعه، مجردا عن النزعات القومية والوطنية والطائفية واللونية واللسانية، فنظر إلي الموضوع بنظرة شمولية وقال: - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) -. [782] التشريع القرآني تشريع من جانب رب العالمين إلي نوع البشر، فالوطن والقوم والقبيلة لم تؤخذ بنظر الاعتبار، والكرامة للإنسان وحده، ولا فضل لإنسان علي آخر إلا بالمثل والأخلاق. فتري أنه يخاطب المجتمع الإنساني بقوله: - (يا أيها الناس) - أو - (يا بني آدم) - أو - (يا أيها المؤمنون) - وما ضاهاها، فكسر جميع الحواجز والقيود التي [ صفحه 496] يعتمد عليها المفكر المادي في التقنين الوضعي، والذي يقتفي إثر اليهود في مزعمة الشعب المختار. إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو القائل: إن العربية ليست بأب والد، ولكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه [783] ، وفي الوقت نفسه لا يعني بكلامه هذا إن العلائق الطبيعية، كالانتماء الوطني أو القومي بغيضة لا قيمة لها، وإنما يندد باتخاذها محاور للتقنين، وسببا للكرامة والمفخرة، أو سبيلا لتحقير الآخرين، وإيثارها علي الدين والعقيدة، يقول سبحانه: - (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) -. [784] والعجب أنه قد صدر هذا من لدن إنسان أمي نشأ في بيئة تسودها خصلتان علي جانب الضد من هذا النمط من التشريع، وهما: الأمية والتعصب. وهذا الإنسان المثالي صان بأنظمته كرامة الإنسان، ورفعه إلي الغاية القصوي من الكمال، وأخذ يخاطب ضميره الدفين، ومشاعره النبيلة، ويكلفه بما فيه صلاحه، ويقول: - (هذا بيان للناس) -. [785] - (هذا بلاغ للناس) -. [786] - (بصائر للناس وهدي ورحمة) -. [787] . [ صفحه 497] - (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) -. [788] وإذا قورن هذا النوع من التشريع الذي ينظر إلي الإنسان بنظرة شمولية وبرأفة ورحمة، دون فرق بين عنصر وآخر، بالتقنين الوضعي السائد في أعصارنا في الشرق والغرب، الناظر إلي الإنسان من منظار القومية أو الطائفية وغيرهما من النزعات المقيتة، لبان أن التشريع الأول تشريع سماوي لا صلة له بتلك النزعات، والآخر تشريع بشري متأثر بنظرات ضيقة تجود لإنسان وتبخل لآخر، وكفي في ذلك فرقا بين التشريعين.

سعة آفاق دلالة القرآن والحديث

إن من تمعن في القرآن الكريم وتدبر في معانيه ومفاهيمه، وقف علي سعة آفاق دلالته علي مقاصده، غير أن ثلة من الفقهاء مروا علي القرآن مرورا عابرا مع أنه سبحانه يعرف القرآن بقوله: - (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدي ورحمة وبشري للمسلمين) -. [789] وعلي ضوء ذلك لا غني للفقيه عن دراسة آيات الأحكام دراسة معمقة ثاقبة، ليجد فيها الجواب علي أكثر المسائل المطروحة، ولا ينظر إليها بنظرة عابرة. وقد استدل أئمة أهل البيت عليهم السلام بالقرآن علي كثير من الأحكام التي غفل عنها فقهاء عصرهم، ونذكر هنا نموذجا علي ذلك: قدم إلي المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم، فقال يحيي بن أكثم: الإيمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود. فكتب المتوكل إلي الإمام الهادي عليه السلام يسأله، فلما قرأ الكتاب، كتب: " يضرب حتي يموت ". فأنكر الفقهاء ذلك، فكتب إليه يسأله عن العلة، فكتب: بسم الله [ صفحه 498] الرحمن الرحيم: - (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين - فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسرهنالك الكافرون) - [790] فأمر به المتوكل، فضرب حتي مات. [791] . تجد أن الإمام الهادي عليه السلام استنبط حكم الموضوع من آية مباركة، لا يذكرها الفقهاء في عداد آيات الأحكام، غير أن الإمام لوقوفه علي سعة دلالة القرآن، استنبط حكم الموضوع من تلك الآية، وكم لها من نظير. ولو أن القارئ الكريم جمع الروايات التي استشهد بها أئمة أهل البيت علي مقاصدهم استشهادا تعليميا لا تعبديا لوقف علي سعة آفاق القرآن. وها نحن نذكر مثالين علي سعة آفاق دلالته: 1 - إن الأصوليين تحملوا عبئا ثقيلا لإثبات كون الأمر موضوعا للوجوب ومجازا في الندب، فإذا ورد الأمر في الكتاب احتاجوا في استفادة الوجوب منه إلي نفي المدلول المجازي، بإجراء أصالة الحقيقة. ولكن هذا النمط جار في المحاورات العرفية، والقرآن في غني عنها في أغلب الموارد أو أجمعها، فإن لاستفادة الوجوب أو الندب في الأوامر الواردة في القرآن طريقا آخر، وهو الإيعاز بالعذاب أو النار كما نجده في كثير من الواجبات مثل الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال سبحانه: - (ما سلككم في سقر - قالوا لم نك من المصلين) -. [792] وقال سبحانه: - (وسيجنبها الأتقي - الذي يؤتي ماله يتزكي) - [793] بل كل ما أوعد علي فعله أو تركه يستفاد منه الوجوب أو الحرمة. [ صفحه 499] 2 - اختلف الفقهاء في وجوب الكتابة في التداين بدين والاستشهاد بشاهدين الواردين في قوله سبحانه: - (وليكتب بينكم كاتب بالعدل... واستشهدوا شهيدين من رجالكم) -. [794] فمن قائل بالوجوب أخذا بأصالة الحقيقة، وقائل باستحبابه مستدلا بالإجماع، ومعتذرا عن الأصل المذكور بكثرة استعمال صيغة الأمر في الندب، مع أن الرجوع إلي نفس الآية وما ورد حولها من الحكمة يعطي بوضوح أن الأمرين لا للوجوب ولا للندب، بل الأمران إرشاديان لئلا يقع الاختلاف بين المتداينين فيسد باب النزاع والجدال. قال سبحانه: - (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة و أدني ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) -. [795] ويدل علي سعة دلالته أيضا ما رواه المعلي بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل، ولكن لا تبلغه عقول الرجال ". [796] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه أن فيه علم ما مضي، وعلم ما يأتي إلي يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم ". [797] وقال الصادق عليه السلام: " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه ". [798] والسابر في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام يقف علي أنهم كانوا يستنبطون من الآيات نكاتا بديعة ومعاني رفيعة عن مستوي الأفهام. وربما يتصور الساذج أن هذا النوع من التفسير تفسير بالرأي وفرض علي الآية، ولكن بعد الإمعان في الرواية والوقوف علي كيفية استدلالهم عليهم السلام [ صفحه 500] يذعن بأن لها دلالة خفية علي ذلك المعني الرفيع الشامخ وقد غفل عنه. مثال ذلك ما رواه العياشي في تفسيره، عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد: أن سارقا أقر علي نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي عليهما السلام فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع، فقال الفقهاء: من الكرسوع، لقول الله في التيمم: - (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) -. [799] فالتفت الخليفة إلي محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فأجاب: " إنهم أخطأوا فيه السنة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، ويترك الكف " قال: لم؟ قال: " لقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالي: - (وأن المساجد لله) - يعني به الأعضاء السبعة التي يسجد عليها: - (فلا تدعوا مع الله أحدا) - وما كان لله لم يقطع ". فأعجب المعتصم ذلك، فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. [800] وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان إذا قطع السارق ترك الإبهام والراحة، فقيل له: يا أمير المؤمنين تركت عليه يده؟ قال: فقال لهم: " فإن تاب فبأي شئ يتوضأ؟ لأن الله يقول: - (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) - - إلي قوله: - - (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) - [801] ". [802] . [ صفحه 501] فهذا النمط من الاستدلال يوقف القارئ علي سعة دلالة الآيات القرآنية، وأن أئمة أهل البيت عليهم السلام هم السابقون في هذا المضمار، يستنبطون من القرآن ما لا تصل إليه الأفهام. وأما عدد آيات الأحكام فقد ذكر الفاضل المقداد في تفسيره " كنز العرفان " ما هذا نصه: اشتهر بين القوم أن الآيات المبحوث عنها نحو خمسمائة آية، وذلك إنما هو بالمتكرر والمتداخل، وإلا فهي لا تبلغ ذلك، فلا يظن من يقف علي كتابنا هذا ويضبط عدد ما فيه، أنا تركنا شيئا من الآيات فيسيئ الظن به ولم يعلم أن المعيار عند ذوي البصائر والأبصار، إنما هو التحقيق والاعتبار لا الكثرة والاشتهار. [803] ويظهر من البعض أن عدد آيات الأحكام ربما تبلغ 330 آية، قال عبد الوهاب خلاف: ففي العبادات بأنواعها نحو 140 آية. وفي الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وإرث ووصية وحجر وغيرها نحو سبعين آية. وفي المجموعة المدنية من بيع وإجارة ورهن وشركة وتجارة ومداينة وغيرها نحو سبعين آية. وفي المجموعة الجنائية من عقوبات وتحقيق جنايات نحو ثلاثين آية. وفي القضاء والشهادة وما يتعلق بها نحو عشرين آية. [804] . [ صفحه 502] ولكن بالنظر إلي ما ذكرنا من سعة آفاق دلالته يتبين أن عددها ربما يتجاوز عن الخمسمائة، إذ رب آية لا تمت إلي الأحكام بصلة، ولكن بالدقة والإمعان يمكن أن يستنبط منها حكم شرعي. فمثلا سورة المسد، أعني قوله سبحانه: - (تبت يدا أبي لهب وتب - ما أغني عنه ماله وما كسب...) - [805] ، بظاهرها ليست من آيات الأحكام، ولكن للفقيه أن يستند إليها في استنباط بعض الأحكام الشرعية، وقد حكي عن بعض الفقهاء أنه استنبط من سورة " المسد " قرابة عشرين حكما فقهيا، كما استنبطوا من قوله سبحانه: - (قال إني أريد أن أنكحك إحدي ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك...) - [806] أحكاما شرعية. وهذا بالنسبة إلي ما ذكرناه من سعة آفاق دلالة القرآن ليس بغريب.

التدرج في التشريع

نزل القرآن تدريجيا قرابة ثلاث وعشرين سنة لأسباب ودواع مختلفة اقتضت ذلك، وأشار إليها الذكر الحكيم في غير واحد من الآيات: قال سبحانه: - (وقرآنا فرقناه لتقرأه علي الناس علي مكث ونزلناه تنزيلا) - [807] أي فرقنا نزوله كي تقرأه علي الناس علي مهل وتريث. كما أشار في آية أخري إلي داع آخر، قال سبحانه: - (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) - [808] فتثبيت فؤاد النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحد الأسباب التي دعت إلي نزول القرآن بين الحين والآخر وفي [ صفحه 503] غضون السنين، شاحذا عزمه صلي الله عليه وآله وسلم للمضي في طريق الدعوة بلا مبالاة لما يتهمونه به. والآية تعرب عن أن الكتب السماوية الأخري كالتوراة والإنجيل والزبور نزلت جملة واحدة، فرغب الكفار في أن ينزل القرآن مثلها دفعة واحدة. وليست الدواعي للنزول التدريجي منحصرة فيما سبق، بل أن هناك أسبابا ودواعي أخر دعت إلي نزوله نجوما، وهي مسايرة الكتاب للحوادث التي تستدعي لنفسها حكما شرعيا، فإن المسلمين كانوا يواجهون الأحداث المستجدة في حياتهم الفردية والاجتماعية ولم يكن لهم محيص من طرحها علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بغية الظفر بأجوبتها، وقد تكرر في الذكر الحكيم قوله سبحانه: - (يسألونك) - قرابة خمس عشرة مرة وتصدي النبي صلي الله عليه وآله وسلم للإجابة عنها، وتختلف تلك المواضيع بين الاستفسار عن حكم شرعي، كحكم القتال في الشهر الحرام، والخمر، والميسر، والتصرف في أموال اليتامي، والأهلة، والمحيض، والأنفال، وغير ذلك، أو الاستفسار عن أمور كونية كالروح والجبال والساعة. وهناك شئ آخر ربما يؤكد لزوم كون التشريع أمرا تدريجيا، وهو أن موقف النبي صلي الله عليه وآله وسلم تجاه أمته كموقف الطبيب من مريضه، فكما أن الطبيب يعالج المريض شيئا فشيئا حسب استعداده، فكذلك الطبيب الروحي يمارس نشاطه التربوي طبقا لقابليات الأمة الكامنة بغية الاستجابة، لئلا تثبط عزائمهم ويطفأ نشاطهم ويثقل كاهلهم. ومع ذلك فإن كانت الظروف مهيئة لنزول تشريع أكثر تفصيلا وأوسع تعقيدا وافاهم الوحي به، كما في قوله سبحانه: - (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي [ صفحه 504] حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) -. [809] وقال سبحانه: - (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) -. [810] حيث تجد أن الآيتين تتكفلان تشريع عشرة أحكام تعد من جوامع الكلم، وقد روي أمين الإسلام الطبرسي، قال: روي علي بن إبراهيم، قال: خرج أسعد بن زرارة وذكوان إلي مكة في عمرة رجب يسألون الحلف علي الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة، فنزل عليه، فقال له: إنه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم، فقال عتبة: بعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرغ لشئ، قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟! قال له عتبة: خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله، سفه أحلامنا، وسب آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرق جماعتنا، فقال له أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، من أوسطنا شرفا، وأعظمنا بيتا، وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم أبناء " النضير " و " قريظة " و " قين قاع " إن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنكم به يا معشر العرب، فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود، قال: فأين هو؟ قال: جالس في الحجر، وأنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم، فلا تسمع منه ولا تكلمه، فإنه ساحر يسحرك بكلامه، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب، فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر لا بد لي أن أطوف بالبيت؟ فقال: ضع في أذنيك القطن، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه من القطن، فطاف [ صفحه 505] بالبيت ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة، فجازه. فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أعرفه حتي أرجع إلي قومي فأخبرهم، ثم أخذ القطن من أذنيه و رمي به، وقال لرسول الله: أنعم صباحا، فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: " قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنة: السلام عليكم " فقال له أسعد: إن عهدك بهذا لقريب إلي م تدعو يا محمد؟ قال: " إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأدعوكم: - (ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون - ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) -. [811] فلما سمع أسعد هذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله. يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك فلا أجد أعز منك، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك، والله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك، وكانوا يبشروننا بمخرجك، ويخبروننا بصفتك، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف علي قومنا، [ صفحه 506] وقد أتانا الله بأفضل مما أتيت له. [812] ومع ذلك كله فالتدرج هو المخيم علي التشريع، خاصة فيما إذا كان الحكم الشرعي مخالفا للحالة السائدة في المجتمع، كما في شرب الخمر الذي ولع به المجتمع الجاهلي آنذاك، فمعالجة هذه الرذيلة المتجذرة في المجتمع رهن طي خطوات تهيئ الأرضية اللازمة لقبولها في المجتمع. وقد سلك القرآن في سبيل قلع جذور تلك الرذائل مسلك التدرج. فتارة جعل السكر مقابلا للرزق الحسن، وقال: - (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) -. [813] فاعتبر اتخاذ الخمر من التمور والأعناب - في مجتمع كان تعاطي الخمر فيه جزءا أساسيا من حياته - مخالفا للرزق الحسن، وبذلك أيقظ العقول. وهذه الآية مهدت وهيأت العقول والطبائع المنحرفة لخطوة أخري في سيرها نحو تحريم الخمر، فتلتها الآية الثانية معلنة بأن في الخمر والميسر إثما ونفعا، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما، قال سبحانه: - (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) -. [814] إن هذا البيان وإن كان كافيا إلا أن جماهير الناس لا يقلعون عن عادتهم المتجذرة ما لم يرد نهي صريح حتي وافتهم الآية الثالثة، قال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون) - [815] فالآية الكريمة جاءت بالنهي الصريح عن شرب الخمر في وقت محدد، أي عند إرادة الصلاة بغية الوقوف علي ما يتلون من القرآن والأذكار. [ صفحه 507] فهذه الخطوات الثلاث هيئت أرضية صالحة للتحريم القاطع الذي بينه سبحانه في قوله: - (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) -. [816] وأدل دليل علي أن التشريع القرآني كان يتمتع بالتدرج، تتابع الأسئلة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في فترات مختلفة بغية إجابة الوحي عنها، قال سبحانه: 1 - (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين) -. [817] 2 - (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) -. [818] 3 - (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) -. [819] 4 - (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) -. [820] 5 - (ويسألونك عن اليتامي قل إصلاح لهم خير) -. [821] 6 - (ويسألونك عن المحيض قل هو أذي) -. [822] 7 - (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) -. [823] 8 - (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) -. [824] وقد جاء في بعض الآيات لفظ الاستفتاء بدل السؤال: قال سبحانه: 9 - (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) -. [825] . [ صفحه 508] 10 - (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) -. [826] ومما يدل أيضا علي أن التشريع القرآني أخذ لنفسه صورة التدرج هو أن الآيات المتضمنة للأحكام الشرعية منبثة في سور شتي غير مجتمعة في محل واحد، وهذا يوضح أن التشريع لم يكن علي غرار التشريع في التوراة الذي نزل دفعة واحدة يقول سبحانه: - (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين) -. [827] وقال: - (ولما سكت عن موسي الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدي ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) -. [828] هذا بعض الكلام في ملامح التشريع الإسلامي ثبوتا وإثباتا قدمتها للمؤتمر العالمي الحادي عشر (ربيع الأول 1419 ه) للوحدة الإسلامية، عسي أن يوفق صحابنا لجمع شمل المسلمين وتقريب خطاهم. جعفر السبحاني قم - الجامعة الإسلامية [ صفحه 509]

مكانة المرأة في القرآن

مكانة المرأة في القرآن

اشاره

ألقي المقال في جامعة " جرش " الأردن الهاشمي شهر محرم الحرام عام 1419 ه، عند رحلة المحاضر إليها في ذلك العام. احتلت المرأة مكانة مرموقة في الإسلام واستأثرت باهتمام خاص في الذكر الحكيم، وحيث إن الموضوع مترامي الأطراف، فلنسلط البحث في هذا المقام علي الموضوعات التالية: الأول: النظر إلي طبيعتها وتكوينها ونفسيتها. الثاني: النظر إلي حقوقها. الثالث: الواجبات التي تقع علي عاتقها. كل ذلك علي ضوء القرآن الكريم. هذه هي العناوين الرئيسية في بحثنا هذا وربما تطرح في ثنايا الكلام أمور أخري لمناسبة تقتضيها.

النظر إلي طبيعتها و تكوينها و نفسيتها

بزغ نور الإسلام في عصر لم يكن لجنس الأنثي يومذاك أي قيمة تذكر في الجزيرة العربية ولا في سائر الحضارات السائدة آنذاك، وكانت البحوث الفلسفية [ صفحه 510] عند الروم واليونان تدور علي أن الأنثي من جنس الحيوان أو من جنس برزخي يتوسط بين الحيوان والإنسان، وكان الرجل يتشاءم إذا أنجبت امرأته أنثي ويظل وجهه مسودا متواريا عن أنظار قومه وكأنها وصمة عار علي جبينه قال سبحانه: - (وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسودا وهو كظيم - يتواري من القوم من سوءما بشر به أيمسكه علي هون أو يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) - [829] . فلم يكن للرجل بد إلا وأد بناته وقتلهن إثر الجهل بكرامة المرأة وفضيلتها ظنا منه أنه يحسن صنعا، وهذا هو القرآن الكريم يندد بذلك العمل ويشجبه ويقول: - (وإذا المؤودة سئلت - بأي ذنب قتلت) - [830] . وفي خضم تلك الأفكار الطائشة نجد القرآن الكريم يصف المرأة بأنها أحد شطري البنية الإنسانية ويقول: - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل) - [831] فالأنثي مثل الذكر يشكلان أساس المجتمع دون فرق بينهما. ومن جانب آخر يري للأنثي خلقة مستقلة مماثلة لخلقة الذكر دون أن تشتق الأنثي من الذكر، علي خلاف ما عليه سفر التكوين في التوراة من أن الأنثي خلقت من ضلع من أضلاع آدم، يقول سبحانه شاطبا علي تلك الفكرة التي تسربت إلي الكتاب الإلهي (التوراة): - (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم مننفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) - [832] . فالنفس الواحدة، هي آدم وزوجها حواء وإليهما ينتهي نسل المجتمع [ صفحه 511] الإنساني، ومعني قوله: - (خلق منها) - أي خلق من جنسها، مثل قولك: الخاتم من فضة أي من جنس الفضة فالزوجان متماثلان ولولا التماثل لما استقامت الحياة الإنسانية. ويستنتج من هذه الآيات أن كلا من الذكر والأنثي إنسان كامل وليس هناك أي نقص في إنسانية الأنثي وعلي ضوء ذلك فالتفريق بينهما من تلك الناحية لا يبتني علي أساس صحيح. لقد شملت العناية الإلهية الإنسان لما جعلته أفضل الخلائق، وسخرت له الشمس والقمر ولا تختص هذه الكرامة بالذكر فحسب بل شملت أولاد آدم قاطبة قائلا: - (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا) - [833] . ولأجل هذه الكرامة العامة جعل الذكر والأنثي في كفة واحدة فمن آمن منهما وعمل صالحا فهما سيان أمام الله تبارك وتعالي يجزيهما علي حد سواء قال سبحانه: - (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبةولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) - [834] . ومما يعرب عن موقف القرآن الكريم في خلقة المرأة: هو أنه جعل حرمة نفس الأنثي كحرمة نفس الذكر وإن قتل واحد منهما يعادل قتل جميع الناس قال سبحانه: - (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاومن أحياها فكأنما أحيي الناس جميعا) - [835] . فقتل المرأة كقتل الرجل عند الله سواء فمن قتل واحدا منهما فكأنما قتل [ صفحه 512] الناس جميعا، أفي تصور تكريم فوق ذلك. ومما يعرب عن أن نظر الإسلام إلي الشطرين نظرة واحدة هو أنه يتخذ النفس موضوعا لبعض أحكامه في مجال القصاص دون أن يركز علي الذكر، قال سبحانه: - (إن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) - [836] حتي أنه سبحانه يصف من لم يحكم علي وفق الآية بأنه ظالم ويقول: - (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) -. إن الرسول يجعل دماء المسلمين في ميزان واحد ويصف ذمة الجميع بأنها ذمة واحدة ويقول: " المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم، وهم يد علي من سواهم " [837] فالمرأة والرجل يتشاركان في لزوم احترام إيجار كل واحد منهما فردا من المشركين. نعم مشاركة المرأة والرجل في القصاص لا يلازم مشاركتهما في الدية، لأن المعيار في القصاص غير المعيار في الدية، فكل من جني علي إنسان يقتص منه باعتبار أن الجاني أعدم إنسانا فيعادل بإعدامه. وأما الدية فالمعيار في تعيينها هو تحديد الخسارة والضرر المادي التي منيت بها الأسرة، ولا شك أن خسارة الأسرة بفقد معيلها الرجل هي أكبر من خسارتها بفقد الأنثي، فلذلك صارت دية المرأة نصف دية الرجل علي الرغم من أن المصيبة علي حد سواء، وهذا لا يعني اختلافهما في الإنسانية. إلي هنا تبين واقع خلقة كل من الرجل والمرأة وأنهما متماثلان لا يتميز أحدهما عن الآخر في ذلك المجال. وأما ما يرجع إلي الأمور النفسية والروحية عند المرأة والرجل فنقول: لا [ صفحه 513] شك ثمة فارق واضح وجلي بين الرجل والمرأة من هذه الزاوية وهي أن المرأة جياشة العاطفة ملؤها الحنان والعطف واللطافة ولها روح ظريفة حساسة. أودعت يد الخلقة ذلك فيها لتنسجم مع المسؤولية الملقاة علي عاتقها، كتربية الأطفال التي ترافقها مشاق ومصاعب جمة لا يتحملها الرجل عادة في حين أن الرجل يفقد تلك العواطف الجياشة، لأنه خلق لوظائف أخري تتطلب لنفسها الغلظة والخشونة لتنسجم مع المسؤوليات التي تقع علي عاتقه. فالعواطف الجياشة من جانب إذا تقارنت مع الغلظة والخشونة تصبح الحياة عندها نغمة متوازنة فتكون طرية ومبتسمة. إلي هنا تم ما نروم إليه من العنوان الأول.

النظر إلي حقوقها في القرآن الكريم

حظيت المرأة في الإسلام بحقوق واسعة، قد بحث عنها الفقهاء في كتبهم في أبواب خاصة لا يمكن لنا الإشارة إلي قليل منها فضلا عن كثيرها، وإنما نقتبس بعضها. نزل القرآن الكريم وكانت المرأة محرومة من أبسط حقوقها حتي ميراثها، بل كانت كالمال تورث للآخرين، وفي هذا الجو المفعم بإهدار حقوقها قال: - (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) - [838] . وبذلك كسر الطوق الذي أحاط بالمرأة وحال بينها وبين ميراثها في سورة خاصة باسمها - أعني سورة النساء - وهي في ميراثها تارة تعادل الذكر وأخري تنقص عنه وثالثة تزيد عليه، حسب المصالح المذكورة في محلها. [ صفحه 514] وما اشتهر بأن ميراث المرأة ينقص عن ميراث الرجل دائما فليس له مسحة من الحق بل تتراوح فريضتها بين التساوي والنقصان والزيادة كما هو واضح لمن لاحظ الفرائض الإسلامية، ففيما إذا كان المورث هو الأب والأم فللذكر مثل حظ الأنثيين، وفيما إذا كان المورث هو الولد فالأم والأب متساويان يقول سبحانه:- (لكل واحد منهما السدس) - [839] . وإذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فالابنة ترث النصف والزوج الربع، فترث الأنثي ضعف ما يرثه الذكر، قال سبحانه: - (فلكم الربع مما تركن منبعد وصية يوصين بها أو دين) - [840] . إلي غير ذلك من صور الفرائض التي شرحها الفقهاء. نعم الاختلاف في الميراث تابع لملاكات خاصة يجمعها عنوان الأقربية، ومسؤولية الإنفاق، فالأقرب يمنع الأبعد، كما أن من يقع علي عاتقه الإنفاق يرث أكثر من غيره. ومن حقوقها حريتها المالية التي ما بلغ إليها الغرب إلي الأمس الدابر، قال سبحانه: - (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما) - [841] فأي كلمة أظهر وأرفع من هذه الكلمة حيث أعلن عن استقلالية كل من الرجل والمرأة في حقوقهما وأموالهما والاستمتاع بهما. المهر عطية من الزوج إلي الزوجة وله تأثير في إحياء شخصية المرأة وبقاء علقة الزوجية، فإذا تزوج الرجل علي مهر ليس له التنصل عن تعهده فيجب عليه [ صفحه 515] إعطاء ما نحل، قال سبحانه: - (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) - [842] . نعم لو وهبت بطيب نفسها جاز للرجل أخذه شأن كل هبة كان للواهب فيه رضا قال سبحانه: - (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) - [843] . إن القرآن يندد بزوج يضيق الخناق علي زوجته ويسئ معاملتها كي تتنازل بذلك عن مهرها يقول سبحانه: - (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف) - [844] . ثم يؤكد مرة أخري بأنه لو دفع الزوج لها مالا كثيرا فليس له أخذه منها، يقول سبحانه: - (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوامنه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) - [845] .

الواجبات التي تقع علي عاتقها

إن التعاون بين أفراد المجتمع الإنساني شرط بقائه، فلو حذفنا التعاون من قاموس المجتمع لأنهار، والأسرة مجتمع صغير ولبنة أولي للمجتمع الكبير فلا تقوم حياة الأسرة إلا بالتعاون، وحقيقة التعاون عبارة عن أن يكون كل واحد له حق وعليه حق وهذا ما يعبر عنه الذكر الحكيم بكلمة بليغة جامعة لا يمكن أن يباريه فيها أحد قال سبحانه: - (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) - [846] . فيظهر معني الآية من خلال النظر إلي الأسرة الإسلامية، فمسؤولية المرأة القيام بالحضانة وتربية الأطفال وليس هذا أمرا سهلا، لا تقوم به إلا الأم التي ينبض قلبها بالعطوفة والحنان. [ صفحه 516] ومن زعم أن دور الحضانة تحل محل الأم في القيام بتلك الوظائف فقد أخطأ ولم يقف علي المضاعفات السلبية التي تتركها تلك الدور علي حالات الأطفال النفسية. وفي مقابل تلك الحقوق ثمة حقوق للرجل لا بد له من القيام بما تحتاج إليه المرأة في حياتها الضرورية والكمالية فيشير القرآن إلي تلك المسؤولية الكبيرة علي عاتق المرأة بقوله: - (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) -. كما يشير إلي المسؤولية التي تقع علي عاتق الرجل بقوله: - (وعلي المولودله رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها) - [847] . فكل من الزوجين يسعي في إقامة دعامة الأسرة، وبذلك تكون الزوجة عونا للزوج، والزوج عونا للزوجة، ويكون العيش بينهما رغيدا طيبا. هذه نظرة إجمالية إلي ملامح المرأة في القرآن، وثمة بحوث ضافية لا سيما حول حريتها الثقافية والاجتماعية والسياسية التي طرحت في العصور المتأخرة وموقف القرآن منها نتركها إلي مجال آخر. ولكن ثمة نكتة هامة وهي:

المساواة أو العدالة

إن الغرب يتبني موقف المساواة بين الرجل والمرأة، ويريد منهما أن ينزلا إلي معترك الحياة بلا استثناء لكي يقوما بعامة الوظائف جنبا إلي جنب سواء أكانت منسجمة مع طبيعة كل منهما أو لا. [ صفحه 517] هذا هو الذي يتبناه الغرب، فالمرأة لا بد لها أن تشارك الرجل في ميادين الحرب والقتال والسياسية والزعامة وميادين العمل والاستثمار ولا يترك ميدانا خاصا للمرأة أو الرجل إلا يسوقهما إليه بدعوي المساواة. ولكن القرآن يتبني العدالة بين الرجل والمرأة ويخالف المساواة، إذ ربما تكون المساواة ضد العدالة، وربما لا تنسجم مع طبيعتها، ومن يدعي المساواة، فكأنه ينكر الفوارق الموجودة في نفسياتهما وغرائزهما، ويتعامل معهما معاملة إنسان استلبت عنه الغرائز الفطرية ولم يبق فيه رمق إلا القيام بالأعمال المخولة له. وهذا موضوع هام يحتاج إلي التشريح والتبيين حتي يتضح من خلاله موقف القرآن. إن التساوي في الإنسانية لا تعني التساوي في جميع الجهات، وفي القدرات والغرائز والنفسيات، حتي يتجلي الجنسان، جنسا واحدا لا يختلفان إلا شكليا، ومن يقول ذلك فإنما يقول في لسانه وينكره عقله ولبه. لا شك أن بين الجنسين فوارق ذاتية وعرضية، فالأولي نابعة من خلقتها، والثانية تلازم وجودها حسب ظروفها وبيئتها، وبالتالي صارت تلك الفوارق مبدأ للاختلاف في المسؤوليات والأحكام. جعل الإسلام فطرة المرأة وخلقتها، المقياس الوحيد في تشريعه وتقنينه والتشريع المبني علي الفطرة يتماشي معها عبر القرون، وهذا هو سر خلود تشريعه، وأما التشريع الذي لا يأخذ الفطرة بنظر الاعتبار، ويقنن لكل من الأنثي والذكر علي حد سواء فربما لا ينسجم مع الفطرة والخلقة ويخلق تعارضا بين القانون ومورده ويورث مضاعفات كثيرة كما نشاهده اليوم في الحضارة الغربية. [ صفحه 518]

شبهات و حلول

الرجال قوامون علي النساء

أعطي سبحانه إدارة شؤون الأسرة للرجال دون النساء، ومعني ذلك أن الرجل هو الذي يترأس الجهات التي بها قوام العائلة، لأن الإدارة تتقوم بأمرين متحققين في الرجل دون المرأة وهما: 1 - القوة وتحمل الشدائد. 2 - الإنفاق ورفع الحاجات المالية. والرجل يتوفر فيه الأمر الأول أكثر من غيره. وأما الإنفاق فقد فرض الإسلام إدارة أمور الأسرة المالية علي الزوج، فهو الذي يتحمل المشاق ليدير دفة العائلة. وقد أشار سبحانه إلي تلك الإدارة وأنها تدخل تحت صلاحيات الرجل بقوله: - (الرجال قوامون علي النساء) - كما أشار إلي الشرطين بقوله: - (بما فضل الله بعضهم علي بعض) - 2 - - (وبما أنفقوا من أموالهم) - [848] . وليس المراد الأفضلية عند الله وفي ميزان القرب منه سبحانه، بل المراد هو التفوق علي الجنس الآخر في تحمل الصبر والاستقامة علي الشدائد. وهو أمر تكويني لا يمكن إنكاره، ومن أنكر فإنما أنكره بلسانه دون قلبه، وهذا هو المراد من الأفضلية. وأما الشطر الثاني فهو حكم تكليفي وضعه سبحانه علي عاتق الرجل، وبذلك صار أولي بإدارة شؤون الأسرة من المرأة، وعلي ذلك سارت الحياة [ صفحه 519] الاجتماعية. فلو كان هناك انتخاب طبيعي فقد اختير الرجل لإدارة الأسرة اختيارا طبيعيا أمضاه الشارع. هذا هو معني القوامية وليس فيه أي هدر لكرامتها، نعم تفسير القوامية بالسلطة علي المرأة وإجحاف حقها والتدخل في شؤونها بما هو خارج عن إطار العلقة الزوجية أمر مرفوض ومن فسر الآية به فقد افتري علي الله سبحانه. فإدارة الأسرة والتخطيط لها نحو مستقبل أفضل حسب الاستطاعة شئ، وإنكار حق الزوجة والتسلط عليها وإجحاف حقوقها شئ آخر، ومن خلط بين الأمرين فقد انحرف عن جادة الصواب.

تعدد الزوجات

من المسائل التي يثيرها الغرب والمؤسسات التي تدافع عن حقوق النساء هي مسألة تجويز تعدد الزوجات التي شرعها الإسلام، ومنطقهم أن تجويز تعدد الزوجات تشكل معاناة للزوجة أولا وتخالف المساواة بين الزوج والزوجة ثانيا، وسنقوم بتسليط الضوء علي كلا الأمرين، فنقول: لا شك أن الأصل في تشكيل الأسرة هو أن يحبس الزوج نفسه ولا يتزوج بزوجة ثانية رعاية لحال الزوجة الأولي، ومما لا شك فيه أن حبس كل من الزوجين نفسه علي الآخر يشكل رصيدا لبقاء أواصر الأسرة ويسفر عنه سيادة الثقة المتبادلة بين الزوجين. ومع الاعتراف بذلك لكن ربما يواجه الزوج بعض الظروف والحالات التي تلجئه إلي عدم الاكتفاء بزوجة واحدة وهذا أمر لا يمكن لأحد إنكاره نظير: إذا كانت الزوجة مريضة مدة مديدة، أو كانت عقيمة لا تنجب، أو كانت [ صفحه 520] غريزتها الجنسية ضعيفة لا تلبي حاجات الزوج، أو كان الزوج يقطن في مناطق نائية بعيدا عن زوجته مدة لا يستهان بها، ففي تلك الظروف لا يتمكن الزوج من الاقتصار علي زوجة واحدة، فأمامه - مع قطع النظر عن تجويز تعدد الزوجات - طريقان: الأول: أن يكبح جماح شهوته ويحد من نشاطها. الثاني: أن ينزلق في مهاوي الفساد والفحشاء. أما الأول: فلا يقوم به إلا الأمثل فالأمثل من الرجال. وأما الثاني: فهو يخالف كرامته وشرفه وينجم عنه أضرار بدنية ونفسية وغير ذلك. فإذا سد الطريقان أمامه فلا يبقي له سبيل سوي أن يختار زوجة بعقد رسمي مع مهر ونفقة وسكني لتدخل في نطاق الأسرة ويتحمل مسؤولية الجميع علي حد سواء مع تطبيق العدالة، وهذا هو الذي دعا الإسلام إلي تشريع تعدد الزوجات، قال سبحانه: - (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع) - [849] . ومن الطبيعي معاناة الزوجة الأولي مع قيام الرجل بانتخاب زوجة أخري له، ولكنه أمام انجراف الرجل في الفحشاء وانحلال الأسرة من رأس أخف وطأة وأقل معاناة. إن الغرب وإن طبل وزمر ضد قانون تعدد الزوجات، لكنه في الواقع اتخذ سلوكا موافقا مع هذا القانون لكن بصورة شوهاء حيث إنه يقتنع بزوجة قانونية في حين يقيم علاقات جنسية مع نساء كثيرات خارج إطار الأسرة ولا يكتفي [ صفحه 521] بواحدة. إن نظام الأسرة في الغرب أخذ يضمحل وينحل، وما ذلك إلا لخيانة الرجل زوجته بإقامة علاقات جنسية مع نساء أخر، وما ينطوي عليه من فقدان الثقة واضمحلال الروابط العاطفية بينهما، وينتهي إلي انفصام أواصر الأسرة، قانونيا وعمليا. وأما مسألة المساواة حيث أبيح للزوج إقامة علاقات جنسية مشروعة مع نساء أخر دون الزوجة فهذا أمر نحن في غني عن الإجابة عنه، فإن تجويز تعدد الأزواج للزوجة يكسر عمود النسب ويعصف بالأسرة ويترك ألوانا من الأمراض وتفسد العلاقات من رأس وحينها يكون المجتمع مرتعا خصبا للزنا والفحشاء. وبذلك يعلم سر التشريع الإسلامي في تجويز تعدد الزوجات دون الأزواج.

الضرب عند النشوز

من الإشكالات المثارة علي حقوق المرأة في الإسلام هو أنه يسوغ للزوج أن يضرب الزوجة عند نشوزها إذا لم ترجع الزوجة ببذل النصيحة والعظة، وهجران مضجعها، قال سبحانه: - (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) - [850] . والحق أن ذلك الإشكال المثار نجم عن عدم التدبر في مضمون الآية ومورد إباحة الضرب، فالآية تبحث في امرأة ناشزة أطاحت بحقوق زوجها وأساءت بإنسانيته دون أن يضيع منها حق، ففي ذلك الجو المفعم بتمرد الزوجة علي زوجها حتي ظلت متشبثة به بعد معالجتها بالنصح والعظة أو هجرانها في [ صفحه 522] الفراش لا محيص للزوج عن معالجتها بالضرب غير المبرح حتي تردع الزوجة عن شذوذها الذي طغي علي إنسانيتها وكدر صفوة الجو العائلي. وبذلك اتضح أولا أن البحث ليس في زوجة مقهورة علي أمرها، ومظلومة في حقها، فاندفعت إلي التمرد دفاعا عن حقها وكرامتها، بل الكلام في المرأة التي قام الزوج بجميع حقوقها ولكنها طغت علي حقوق الزوج وتمردت عليه. وثانيا: ليس المراد من الضرب هو الضرب المبرح ولا المدمي، بل المراد الضرب المخيف حتي تردع عن شذوذها، وقد فسر الإمام الباقر عليه السلام الضرب في الآية بالضرب بالسواك. [851] وهذه الحالة فريدة من نوعها، وقلما يتفق أن لا يثمر العلاجان الأولان، وعلي فرض الوصول إلي هذه الدرجة، فليس الضرب ضربا مبرحا، وإنما الغرض فيه هو إيجاد الرعب في قلبها كي تردع عن تمردها. روي الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: " أيضرب أحدكم المرأة ثم يعانقها ". وفي الختام نعطف أنظار الحضار إلي كلمة قيمة عن إمام حكيم خبير بداء المجتمع ودوائه ألا وهو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال: " ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست قهرمانة " [852] فلن تعامل معها، بما أنها ريحانة لا قهرمانة، ولنطلب منها ما يطلب من موجود ظريف كوردة الربيع لا تتحمل البرد القارص ولا الحر الذي يذبلها. [ صفحه 523]

زواج المتعة

اشاره

لم تزل مسألة المتعة - مع أنها من المسائل الفرعية - مثارا للاهتمام والنقاش، فأهل السنة علي ردها وادعاء نسخها. والشيعة عن بكرة أبيهم علي أنها زواج مشروع نزل بها القرآن الكريم، ومارسها الصحابة عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وبعده. وقد كتب أحد الكتاب - المدعو محمد الآلوسي - مقالا حول المتعة نشرتها صحيفة اللواء علي صفحاتها، وقد قرأت المقال أثناء رحلتي الأولي إلي الأردن عام 1418 ه، فكتبت مقالا في رده، وتفضل رئيس تحرير الصحيفة مشكورابن شرها [853] . وإليك المقال مع تقديم بقلم رئيس تحريرها.

العلامة سبحاني: ما اختلفنا في النبي... اختلفنا فيما روي عنه

يطرح الأستاذ آية الله جعفر سبحاني في هذا المقال رأي الشيعة في قضية " نكاح المتعة "، ويقدم من الأدلة والحجج والبراهين حول جوازها وعدم نسخها بأسلوبه المميز وفكره الموضوعي، وعلمه الغزير ما يدفعنا إلي نشر مقاله إيمانا منا بحرية الرأي الآخر وضرورة فتح صفحات الحوار بين المسلمين مهما اختلفت الرؤي والاجتهادات. الشيخ سبحاني، واحد من أعلام الفقه والفكر، صدر له أكثر من مائة كتاب [ صفحه 524] في الملل والنحل والتفسير والفقه وعقائد الإسلام والإلهيات، درس علي يد الأعلام، السيد البروجردي، والسيد محمد حسين الطباطبائي، وهو تلميذ الإمام الخميني لأكثر من ثلاثة عشر عاما، ويشغل الآن رئاسة مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام للبحوث والدراسات العليا، ويدرس علم الفقه والأصول. وإذا كانت " اللواء " قد نشرت في عددها قبل السابق مقالا حول " زواج المتعة " من وجهة نظر المذهب السني، وبقلم أحد الباحثين في الجامعة الأردنية، فإنها وهي تنشر في هذا العدد مقال الشيخ سبحاني، من وجهة نظر المذهب الشيعي، لترجو أن تفتح هذه الاجتهادات في وجه علمائنا ومفكرينا أبواب الحوار وفق أدب الاختلاف ومنهجيته الإسلامية التي نحترمها جميعا، وأن تكون مقدمة لإزاحة حالة الاحتقان التي طرأت بفعل عوامل شتي علي بحوثنا ومفكرينا وأورثت أمتنا ما تعيشه من انقسامات وتناقضات لم تكن في أي حال متعلقة بأصول ديننا بقدر ما كانت اجتهادات في فروعه وهوامشه لا غير. وإذا كان الشيخ سبحاني قد أكد في أكثر من مناسبة بأن المشتركات بين المذهبين السني والشيعي تفوق الاختلافات، وأن الاختلاف في الفروع أمر طبيعي تحتاج إليه المجتمعات، فإنه يثير أيضا وفي كل مناسبة وحوار، أن المسلمين يختلفون ولن يختلفوا علي النبي عليه السلام وسنته المشرفة ولكنهم اختلفوا أو سيختلفوا فيما روي عنه. فالاختلاف - إذن - ليس في النبي أو الكتاب ولكن فيما روي عنه عليه السلام وفيما فسره المفسرون مما جاء في كتاب الله عز وجل. و " اللواء " إذ تشكر سماحة الشيخ سبحاني علي تعقيبه الذي أبداه في حوارها معه حول ما نشرته عن حكم زواج المتعة ليسعدها أن تنشر مقالته ورده، دون أن تكون مضطرة لتبني أي من وجهتي النظر السالفتين... فهي منبر للحوار وساحة للتقريب بين أتباع المذاهب، تلك رسالتها وستظل تسعي من أجل ذلك الهدف الحلم الذي يتطلع إليه كل المخلصين والغيورين علي دين الله ورسالته. المحرر [ صفحه 525]

ما هو زواج المتعة؟

زواج المتعة عبارة عن تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع - من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدة أو غير ذلك من الموانع الشرعية - بمهر مسمي إلي أجل مسمي بالرضاء والاتفاق، فإذا انتهي الأجل تبين منه من غير طلاق. ويجب عليها مع الدخول بها - إذ لم تكن يائسة - أن تعتد عدة الطلاق إذا كانت ممن تحيض وإلا فبخمسة وأربعين يوما. وولد المتعة - ذكرا كان أو أنثي يلحق بالأب ولا يدعي إلا به، وله من الإرث ما أوصانا الله سبحانه به في كتابه العزيز كما يرث من الأم، وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والأمهات، وكذا العمومات الواردة في الأخوة والأخوات والأعمام والعمات. وبالجملة: المتمتع بها زوجة حقيقة، وولدها ولد حقيقة. ولا فرق بين الزواجين: الدائم والمنقطع إلا أنه لا توارث هنا ما بين الزوجين، ولا قسمة ولا نفقة لها. كما أن له العزل عنها، وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الأحكام لا في الماهية، لأن الماهية واحدة غير أن أحدهما زوج مؤقت والآخر دائم، وأن الأول ينتهي بانتهاء الوقت والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ. وقد أجمع أهل القبلة علي أنه سبحانه شرع هذا النكاح في صدر الإسلام، ولا يشك أحد في أصل مشروعيته، وإنما وقع الكلام في نسخه أو بقاء مشروعيته. [ صفحه 526]

ما هو الأصل في مشروعيتها؟

اشاره

والأصل في مشروعيته قوله سبحانه: - (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماحكيما) - [854] . والآية ناظرة إلي نكاح المتعة وذلك لوجوه:

الحمل علي النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه

إن هذه السورة، أي سورة النساء، تكفلت ببيان أكثر ما يرجع إلي النساء من الأحكام والحقوق، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة علي نظام خاص، أما الدائم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: - (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع وإن خفتم ألا تعدلوافواحدة...) - [855] . وأما أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية: - (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) - [856] . وأما نكاح الإماء فقد جاء في قوله سبحانه: - (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [ صفحه 527] والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان...) - [857] . فقوله سبحانه: - (فانكحوهن بإذن أهلهن) - إشارة إلي الزواج من أمة الغير. فإلي هنا تم بيان جميع أقسام النكاح فلم يبق إلا نكاح المتعة، وهو الذي جاء في الآية السابقة، وعلي ضوء هذا حمل قوله سبحانه: - (فما استمتعتم) - علي الزواج الدائم، وحمل قوله: - (فآتوهن أجورهن) - علي المهور والصدقات يوجب التكرار بلا وجه، فالناظر في السورة يري أن آياتها تكفلت ببيان أقسام الزواج علي نظام خاص ولا يتحقق ذلك إلا بحمل الآية علي موضوع جديد وليس إلا نكاح المتعة كما هو ظاهرها أيضا.

تعليق دفع الأجرة علي عقد الاستمتاع

إن لفظ الاستمتاع وإن كان في الأصل واقعا علي الانتفاع والالتذاذ، لكنه صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيفت إلي النساء والمراد من قوله سبحانه: - (فما استمتعتم به منهن) - هو " متي عقدتم عليهن هذا العقد المسمي متعة فآتوهن أجورهن " وذلك لأن المهر يجب بالعقد، لا بالجماع والاستمتاع. ولا يصح تفسير قوله: - (فما استمتعتم به منهن) - بالعقد الدائم وحمله عليه وذلك لأنه حينئذ إما أن يراد منه المعني اللغوي أي الانتفاع والالتذاذ ومعني ذلك أنه لا يجب شئ علي الزوج إذا لم ينتفع من المرأة بشئ مع أن الفقهاء اتفقوا علي لزوم دفع نصف المهر في العقد الدائم إذا طلقها قبل الانتفاع. أو يراد منه العقد الدائم ولازمه وجوب دفع المهر بكماله بمجرد العقد، لأنه [ صفحه 528] قال: - (فآتوهن أجورهن) - أي مهورهن ولا خلاف في أنه غير واجب، وإنما يجب دفع الكل إذا دخل وإلا فذمة الزوج مشغولة بالكل علي وجه التعليق. نعم للزوجة المنع من الدخول ما لم تأخذ المهر كله، وأين هو من وجوب دفع المهر كله، إليها مطلقا، امتنعت أم لا، أراد الدخول أم لم يرد. نعم هذا شأن المتعة التي لم يشرع فيها الطلاق فإذا عقد، عقد متعة، لزمه المهر كله، دخل أم لم يدخل.

تصريح جماعة من الصحابة علي شأن نزولها

ذكرت أمة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها، وينتهي نقل هؤلاء إلي أمثال ابن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وحبيب بن أبي ثابت، وسعيد بن جبير، إلي غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتهامهم بالوضع والجعل. وقد ذكر نزولها من المفسرين والمحدثين: إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده: 4 / 436. وأبو جعفر الطبري في تفسيره: 5 / 9 - وأبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن: 2 / 178. وأبو بكر البيهقي في السنن الكبري: 7 / 205. ومحمود بن عمر الزمخشري في الكشاف: 1 / 360. وأبو بكر بن سعدون القرطبي في تفسير جامع أحكام القرآن: 5 / 130. وفخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب: 3 / 200. إلي غير ذلك من المحدثين والمفسرين الذين جاءوا بعد ذلك إلي عصرنا [ صفحه 529] هذا، ولا نطيل الكلام بذكرهم. وليس لأحد أن يتهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يؤمنون به. وبملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشك في ورودها في نكاح المتعة. ونزيد الوضوح بيانا بقوله سبحانه: - (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) -. إن قوله سبحانه - (أن تبتغوا) - مفعول له لفعل مقدر، أي بين لكم ما يحل مما يحرم لأجل أن تبتغوا بأموالكم، وأما مفعول قوله: - (تبتغوا) - فيعلم من القرينة وهو النساء أي طلبكم نكاح النساء، أي بين الحلال والحرام لغاية ابتغائكم نكاح النساء من طريق الحلال لا الحرام. وقوله سبحانه: - (محصنين) - وهو من الإحصان بمعني العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام، وقوله سبحانه - (غير مسافحين) - هو جمع مسافح بمعني الزاني مأخوذ من السفح بمعني صب الماء، والمراد هنا هو الزاني بشهادة قوله سبحانه في الآية المتأخرة في نكاح الإماء: - (وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات) - أي عفائف غير زانيات. ومعني الآية: إن الله تبارك وتعالي شرع لكم نكاح ما وراء المحرمات لأجل أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم ويصون عفتكم ويصدكم عن الزنا، وهذا المناط موجود في جميع الأقسام، النكاح الدائم، والمؤقت والزواج بأمة الغير، المذكورة في هذه السورة من أولها إلي الآية 25. هذا هو الذي يفهمه كل إنسان من ظواهر الآيات غير أن من لا يروقه الأخذ بظاهر الآية - (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) - لرواسب نفسية أو بيئية حاول أن يطبق معني الآية علي العقد الدائم، وذكر في المورد شبهات ضعيفة لا تصمد أمام النقاش نجملها بما يلي: [ صفحه 530]

شبهات حول المتعة

الشبهة الأولي: إن الهدف من تشريع النكاح هو تكوين الأسرة وإيجاد النسل، وهو يختص بالنكاح الدائم دون المنقطع الذي لا يترتب عليه إلا إرضاء القوة الشهوية وصب الماء وسفحه. ويجاب عنها: بأنه خلط بين الموضوع والفائدة المترتبة عليه، وما ذكر إنما هو من قبيل الحكمة، وليس الحكم دائرا مدارها، لضرورة أن النكاح صحيح وإن لم يكن هناك ذلك الغرض، كزواج العقيم واليائسة والصغيرة. بل أغلب المتزوجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلا قضاء الوطر واستيفاء الشهوة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل أصلا وإن حصل لهم قهرا، ولا يقدح ذلك في صحة زواجهم. ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر، مع أنها كالدائم قد يقصد منها النسل والخدمة وتدبير المنزل وتربية الأولاد والإرضاع والحضانة. ونسأل المانعين الذين يتلقون نكاح المتعة، مخالفا للحكمة، التي من أجلها شرع النكاح، نسألهم عن الزوجين اللذين يتزوجان نكاح دوام، ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد شهرين، فهل هذا نكاح صحيح أو لا؟ لا أظن أن فقيها من فقهاء الإسلام يمنع ذلك إلا إذا أفتي بغير دليل ولا برهان، وعندئذ يطرح السؤال الثاني: أي فرق حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوي أن المدة مذكورة في الأول دون الثاني؟ يقول صاحب المنار: إن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوي الزوج التوقيت، ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياه [ صفحه 531] يعد خداعا وغشا وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت. أقول: نحن نفترض أن الزوجين رضيا بالتوقيت لبا، حتي لا يكون هناك خداع وغش فهو صحيح بلا إشكال. الشبهة الثانية: إن تسويغ النكاح المؤقت ينافي ما تقرر في القرآن كقوله عز وجل في صفة المؤمنين: - (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) - [858] . والمراد من الآية: إن من ابتغي وراء ذلك، هم المتجاوزون ما أحله الله لهم إلي ما حرمه عليهم. والمرأة المتمتع بها ليست زوجة فيكون لها علي الرجل مثل الذي عليها بالمعروف. إلا أنه يرد عليها: إنها دعوة بلا دليل. فإنها زوجة ولها أحكام، وعدم وجود النفقة والقسمة لا يخرجانها عن الزوجية، فإن الناشزة زوجة ليست لها النفقة وحق القسمة، ومثلها الصغيرة. والعجب أن يستدل بعدم وجود الأحكام علي نفي الماهية، فإن الزوجية رابطة بين الزوجين تترتب عليها جملة من الأحكام وربما تختص بعض الأحكام ببعض الأقسام. الشبهة الثالثة: إن المتمتع في النكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده مسافحة، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه ومنعها من التنقل في دمن الزنا، فإنه لا يكون فيه شئ ما من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل: كرة حذفت بصوالجة فتلقفها رجل رجل [ صفحه 532] ويرد علي هذه الشبهة: إنه من أين وقف علي أن الإحصان في النكاح المؤقت يختص بالرجل دون المرأة، فإنا إذا افترضنا كون العقد شرعيا، فكل واحد من الطرفين يحصن نفسه من هذا الطريق، وإلا فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. والذي يصون الفتاة عن البغي أحد الأمور الثلاثة: 1 - النكاح الدائم. 2 - النكاح المؤقت بالشروط الماضية. 3 - كبت الشهوة الجنسية. فالأول ربما يكون غير ميسور خصوصا للطالب والطالبة اللذين يعيشان بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة، والثالث أي كبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمله إلا الأمثل فالأمثل من الشباب والمثلي من النساء وهم قليلون، فلم يبق إلا الطريق الثاني فيحصنان نفسهما عن التنقل في بيوت الدعارة. إن الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، ونبيه خاتم الأنبياء وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع، فلا بد أن يضع لكل مشكلة اجتماعية حلولا شرعية، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة، وما المشكلة الجنسية عند الرجل والمرأة إلا إحدي هذه النواحي التي لا يمكن للدين الإسلامي أن يهملها، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه: ماذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، وتمنعهم كرامتهم ودينهم عن التنقل في بيوت الدعارة والفساد، والحياة المادية بجمالها تؤجج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلا من عصمه الله، فلم يبق طريق إلا زواج المتعة الذي يشكل الحل الأنجح لتلافي الوقوع في الزنا، وتبقي كلمة الإمام علي بن أبي طالب ترن في الأذان [ صفحه 533] محذرة من تفاقم هذا الأمر عند إهمال العلاج الذي وصفه المشرع الحكيم له، حيث قال عليه السلام: " لولا نهي عمر عن المتعة لما زني إلا شقي أو شقية ". وأما تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الرجل بحقيقة نكاح المتعة وحدودها فإن ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل وغيره إلي الشيعة، وهم براء من هذا الإفك إذ يجب علي المتمتع بها بعد إنهاء المدة الاعتداد علي ما ذكرنا، فكيف يمكن أن تؤجر نفسها كل يوم لرجل؟ سبحان الله ما أجرأهم علي الكذب علي الشيعة والفرية عليهم، وما مضمون الشعر إلا جسارة علي الوحي والتشريع الإلهي، وقد اتفقت كلمة المحدثين والمفسرين علي التشريع، وأنه لو كان هناك نهي أو نسخ فإنما هو بعد التشريع والعمل. الشبهة الرابعة: إن الآية منسوخة بالسنة، واختلفوا في زمن نسخها علي أقوال شتي: 1 - أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر. 2 - ما أحلت إلا في عمرة القضاء. 3 - كانت مباحة ونهي عنها في عام الفتح. 4 - أبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها. وهذه الأقوال تنفي الثقة بوقوع النسخ، كما أن نسخ القرآن بأخبار الآحاد ممنوع جدا، وقد صح عن عمران بن الحصين أنه قال: إن الله أنزل المتعة وما نسخها بآية أخري، وأمرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه يريد به عمر بن الخطاب. إن الخليفة الثاني لم يدع النسخ وإنما أسند التحريم إلي نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله عز وجل أو من رسوله، لأسند التحريم إليهما، وقد استفاض قول عمر وهو علي المنبر: متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهما [ صفحه 534] وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء. بل نقل متكلم الأشاعرة في شرحه علي شرح التجريد أنه قال: أيها الناس ثلاث كن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن، متعة النساء، ومتعة الحج، وحي علي خير العمل. وقد روي عن ابن عباس - وهو من المصرحين بحلية المتعة وإباحتها - في رده علي من حاجه بنهي أبي بكر وعمر لها، حيث قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر. حتي أن ابن عمر لما سئل عنها أفتي بالإباحة فعارضوه بقول أبيه فقال لهم: أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحق أن يتبع أم أمر عمر؟ كل ذلك يعرب عن أنه لم يكن هناك نسخ ولا نهي نبوي وإنما كان تحريما من جانب الخليفة، وهو في حد ذاته يعتبر اجتهادا قبالة النص الواضح، ولم يزل جملة من الصحابة يعلنون رفضهم له وعدم إذعانهم لأمره، وإذا كان الخليفة قد اجتهد لأسباب رآها وأفتي علي أساسها فكان الأولي بمن لحقوه أن يتنبهوا لهذا الأمر لا أن يسرفوا في تحريمها دون حجة ولا دليل.

المنكرون للتحريم

ذكرنا أن لفيفا من وجوه الصحابة والتابعين أنكروا هذا التحريم ولم يقروا به، منهم: 1 - علي أمير المؤمنين، في ما أخرجه الطبري بالإسناد إليه أنه قال: " لولا أنعمر نهي عن المتعة ما زني إلا شقي " [859] . 2 - عبد الله بن عمر، أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر، قال - [ صفحه 535] وقد سئل عن متعة النساء -: والله ما كنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم زانين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: " ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون وأكثر " [860] . 3 - عبد الله بن مسعود، أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وليس لنا شئ، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلي أجل معين، ثم قرأ علينا: - (يا أيها الذين آمنوالا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) - [861] [862] . 4 - عمران بن حصين، أخرج البخاري في صحيحه عنه، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتي مات. قال رجل برأيه ما شاء [863] . 5 - إن الخليفة العباسي المأمون أوشك أن ينادي في أيام حكمه، بتحليل المتعة إلا أنه توقف خوفا من الفتنة وتفرق المسلمين. قال ابن خلكان، نقلا عن محمد بن منصور: قال: كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال يحيي بن أكثم لي ولأبي العيناء: بكرا غدا إليه، فإن رأيتما للقول وجها فقولا، وإلا فاسكتا إلي أن أدخل، قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا أنهي عنهما، ومن أنت يا جعل حتي تنهي عما فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه؟ فأومأ أبو العيناء إلي محمد بن منصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟ فأمسكنا، فجاء يحيي بن أكثم فجلس وجلسنا، [ صفحه 536] فقال المأمون ليحيي: ما لي أراك متغيرا؟ فقال: هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام، قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: الزنا؟ قال: نعم، المتعة زنا، قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله عز وجل، وحديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالي - (قد أفلح المؤمنون) - إلي قوله: - (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) - [864] يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا، قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟قال: لا، قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين [865] . أقول: هل عزب عن ابن أكثم - وقد كان ممن يكن العداء لآل البيت - أن المتعة داخلة في قوله سبحانه: - (إلا علي أزواجهم) - وأن عدم الوراثة تخصيص في الحكم، وهو لا ينافي ثبوتها، وكم لها من نظير، فالكافرة لا ترث الزوج المسلم، وبالعكس، كما أن القاتلة لا ترث وهكذا العكس، وأما الولد فيلحق قطعا، ونفي اللحوق ناشئ إما من الجهل بحكمها أو التجاهل به. وما أقبح كلامه حيث فسر المتعة بالزنا وقد أصفقت الأمة علي تحليلها في عصر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والخليفة الأول، أفحسب ابن أكثم أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حلل الزنا ولو مدة قصيرة؟! كبرت كلمة تخرج من أفواههم. وهناك روايات مأثورة عن الخليفة نفسه، تعرب عن أن التحريم كان صميم رأيه، من دون استناد إلي آية أو رواية. فقد أخرج مسلم في صحيحه: عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، فذكر ذلك لجابر، فقال: علي يدي دار [ صفحه 537] الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلما قام عمر، قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة وأبوا نكاح هذه النساء، فلئن أوتي برجل نكح امرأة إلي أجل إلا رجمته بالحجارة. وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة، قال: قلت لجابر: إن ابن الزبير ينهي عن المتعة، وإن ابن عباس يأمر بها، فقال لي: علي يدي جري الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو الرسول، وإنهما كانتا متعتان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إحداهما متعة الحج والأخري متعة النساء. وهذه المأثورات تعرب عن جملة من الملاحظات نجملها بملاحظتين اثنتين: الأولي: إن المتعة كانت باقية علي الحل إلي عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبقيت حلالا في أيامه حتي نهي عنها ومنع. والثانية: إنه باجتهاده قام بتحريم ما أحله الكتاب والسنة، ومن المعلوم أن اجتهاده - لو صحت تسميته بالاجتهاد - حجة علي نفسه لا علي غيره. وفي الختام نقول: إن الجهل بفقه الشيعة أدي بكثير من الكتاب إلي التقول علي الشيعة، وخصوصا في مسألة المتعة التي نحن في صدد الحديث عنها، بجملة منكرة من الآراء والأحكام تدل علي جهل مطبق أو خبث سريرة، ومن هذه الأقوال: إن من أحكام المتعة عند الشيعة أنه لا نصيب للولد من ميراث أبيه، وأن المتمتع بها لا عدة لها، وأنها تستطيع أن تنتقل من رجل إلي رجل إن شاءت، ومن أجل هذا استقبحوا المتعة واستنكروها وشنعوا علي من أباحها. وقد خفي الواقع علي هؤلاء وأن المتعة عند الشيعة كالزواج الدائم لا تتم [ صفحه 538] إلا بالعقد الدال علي قصد الزواج صراحة، وأن المتمتع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع، وأن ولدها كولد الزوجة الدائمة من وجوب التوارث، والإنفاق وسائر الحقوق المادية، وأن عليها أن تعتد بعد إنهاء الأجل مع الدخول بها، وإذا مات زوجها وهي في عصمته اعتدت كالدائمة من غير تفاوت، إلي غير ذلك من الآثار. علي أن الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه وإدراكه بوضوح، أن الشيعة ورغم إدراكهم وإيمانهم بحلية زواج المتعة وعدم تحريمه - وهو ما يعلنون عنه صراحة ودون تردد - إلا أنهم لا يلجأون إلي هذا الزواج إلا في حدود ضيقة وخاصة، وليس كما يصوره ويتصوره البعض من كونه ظاهرة متفشية في مجتمعهم وبشكل مستهجن ممجوج. [ صفحه 539]

الاختلاف في الفروع لا في الأصول

اشاره

قرأنا في العدد 373 من مجلة الشريعة الأردنية المؤرخة بكانون الثاني سنة 1997 م لقاء صحفيا أجرته مجلة الشريعة مع الشيخ عبد الله المنيع من علماء السعودية، فكان في كلامه لدغ للشيعة فآثرت كتابة مقال في رده، وتفضلت مجلة الشريعة مشكورة بنشره. وإليك نص الحوار الذي أجرته معه مجلة الشريعة: سأله المحاور: مؤخرا عقدت عدة مؤتمرات بهدف تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية المتعددة وخاصة بين المذهبين السني والشيعي، فما هو رأي فضيلتكم في هذه المؤتمرات؟ فأجاب الشيخ المنيع: لا يوجد هناك معايير يرجع إليها في سبيل التقريب بين المذاهب الإسلامية. فالخلاف بين المذاهب السنية هو خلاف بالفروع وليس بالأصول، وحتي أصحاب رسول الله وجد بينهم خلاف في فروع الشريعة فقط ولم يكن هذا سببا في تباعدهم وتناحرهم وتباغضهم بل بقي بينهم التآخي والتوادد، ولكن الاختلاف بين أصحاب المذهب السني والمذهب الشيعي هو اختلاف في الأصول حيث إن نظرتهم إلي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نظرة سيئة تصل لدرجة أن يلعنوا بعض أصحاب رسول الله بينما ورد في سورة الحشر وصف المهاجرين والأنصار بقوله تعالي: - (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) -. [ صفحه 540] بالإضافة إلي عدم إقرار إخواننا الشيعة بكتابي مسلم والبخاري، فلو أمكن إيجاد تقارب في هذه النقاط التي نعتبرها أصولا فإننا نرحب بهذا التقارب. وقد كتبنا مقالا حول تلك المقابلة وبعثنا به إلي هيئة تحرير المجلة، وإليك نص مقالنا المنتشر في مجلة الشريعة العدد 379 الموافق ربيع الأول 1418 ه. قرأنا في العدد 373 المؤرخ في كانون الثاني سنة 1997 م من مجلتكم الموقرة [الشريعة] حوارا مع الشيخ عبد الله سليمان المنيع طرح فيه المحاور علي الشيخ مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية طالبا رأيه فيها، فأجاب الشيخ علي النحو الماضي. وحاصل كلامه يرجع إلي أمرين: الأول: إن نظرة الشيعة إلي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نظرة سيئة. الثاني: إن الشيعة لا تعترف بكتابي مسلم والبخاري. فإليك تحليل ذينك الأمرين: أما الأول: إن الشيعة هم من يشايعون عليا والأئمة من أهل البيت ولا يتخلفون عن إرشاداتهم وتعاليمهم التي هي امتداد لإرشادات وتعاليم رسول الإسلام العظيم محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا هو الإمام علي عليه السلام يقول في أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا علي الحق؟ أين عمار، وأين ابن التيهان، وأين ذو الشهادتين، وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا علي المنية " [866] وهذا هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يدعو لأصحاب جده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذين أحسنوا الصحبة إذ قال: " اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، واستجابوا له حيث [ صفحه 541] أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين علي محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته " إلي أن قال: " اللهم وصل علي السابقين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك ". [867] لنفترض إن من الشيعة من لا يحب بعض الصحابة لا لكونهم صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بل لما صدر منهم من المواقف ومن الأعمال التي لا تنطبق علي موازين الشريعة، فهو إما مصيب في اعتقاده واجتهاده وإما مخطئ، وعلي الأول له أجران، وعلي الثاني له أجر واحد، كيف لا وقد حدث هذا التشاجر والتعارض بين صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنفسهم، فهذا هو الإمام البخاري ينقل لكم مشاجرة حامية بين سعد بن عبادة الذي قال لسعد بن معاذ في محضر النبي صلي الله عليه وآله وسلم " كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر علي قتله، ولو كان من أهلك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - وقال لسعد بن عبادة: كذبت، وعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين " [868] وكم لهذه المشاجرات الساخنة والتراشق بالاتهامات بين الصحابة من نظير، ومع ذلك لم يعتبرها أحد موجبا للكفر أو الخروج عن ربقة الإيمان، ثم ماذا يفعل الشيعة إذا وجدوا في أصح الكتب عند أهل السنة بعد كتاب الله عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري "، وغير ذلك من الروايات التي أخرجها الإمام البخاري في صحيحه في باب الحوض وغيره. [869] فما ذنب الشيعي إذا وجد في أصح الكتب لدي إخوانه السنة أن صحابيا [ صفحه 542] جليلا كأسيد بن حضير يصف سعد بن عبادة ذلك الصحابي الجليل بالنفاق ويقول: إنك منافق تجادل عن المنافقين. فإذا صح ذلك العمل من الصحابي بحجة أنه وقف علي نفاق أخيه الصحابي الآخر، فلماذا لا يصح صدوره من الآخرين إذا وقفوا علي أن بعض من كان حول النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد اقترف ما لا يرضي به الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم فيبدي عدم رضائه من عمله كما أبداه أسيد بن حضير. كما أظهر سبحانه عدم رضائه من بعضهم وقال: - (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) -. [870] فقد وصف بعضهم بالفسق، كما وصف الذكر الحكيم لفيفا منهم بالإعراض عن الذكر والصلاة والاشتغال بالتجارة وكسب المال. قال سبحانه: - (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عندالله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) - [871] . وعلي ذلك فالشيعة تحب الصحابة الكرام بما أنهم صحابة للرسول صلي الله عليه وآله وسلم وملبي دعوته وناشري سنته، ولكن ذلك لا يمنع من مناقشة بعض مواقفهم إذا خالف الكتاب والسنة فإن العصمة لله تبارك وتعالي ولمن عصمه. فليست الصحابة بمعصومين عن الخطأ والزلل، ونقد بعض أعمالهم نابع عن تلك الحقيقة، وإلا فمن أراد أن تكبح الألسن للحيلولة دون وصف أعمالهم بالخير والشر والحسن والقبح فقد ألبس عليهم ثوب العصمة وهو بدعة ما فوقها بدعة. هذا كله حول الأمر الأول وإليك الكلام في الأمر الثاني: [ صفحه 543]

متي أصبح الصحيحان أصلين في الإسلام؟

إن الواجب علي كافة المسلمين هو الأخذ بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من غير أن يكون هناك خصوصية لكتاب دون كتاب. والشيعة بفضله سبحانه أخذوا سنة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من زلال صاف وهو العترة الطاهرة أولا وثقات المسلمين ثانيا وبذلك وقفوا علي أحاديث هائلة في سنته صلي الله عليه وآله وسلم، فقارنوا الكتاب والسنة ولم يفرقوا بينهما. ولم يكن الأخذ بالصحيحين ملاكا للإيمان، بشهادة أن المسلمين كانوا يعملون بسنة رسول الله ويروونها قبل أن يولد البخاري ومسلم ويكون لهما أثر في الوجود، فمتي أصبح البخاري ومسلم أصلا ومنارا ومحورا للإيمان والكفر، مع أن الأصل هو سنة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعند الشيعة سنته صلي الله عليه وآله وسلم المروية عن طريق أهل بيته المطهرين بأسانيد عالية ونقية من كل شائبة. فنرجو ونأمل من الأستاذ الشيخ المنيع إعادة النظر في كلامه الذي مر ملخصه، ونرجو أن يطالع كتب الشيعة في هذا المجال ليقف علي الحقيقة. وفي الختام إننا لا نبخس حق الشيخ المنيع لما لمسناه فيه من تفتح ومرونة وأدب مع إخوانه الشيعة. جعلنا الله سبحانه وتعالي جميعا من أنصار دينه والأشداء علي أعدائه الصهاينة الملحدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته جعفر السبحاني قم - الجامعة الإسلامية 28 / 12 / 1417 ه [ صفحه 544]

آية التطهير و عصمة أهل البيت

آية التطهير و عصمة أهل البيت

اشاره

حضرة الأخ العزيز الأستاذ حسن التل المدير العام ورئيس التحرير المسؤول لصحيفة اللواء الأردنية، الموقر. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتقدم إليكم بالتحية والسلام، وأرجو من الله سبحانه مزيد التوفيق لكم و لمن حولكم من الأعزاء. منذ مدة ونحن نقرأ في صحيفتكم الغراء مقالات بقلم الأستاذ الفاضل محمد الآلوسي حول عقائد الشيعة وتاريخها، وقد امتازت هذه المقالات بالبحث الموضوعي والدراسة الهادئة بعيدا عن المهاترات، والاتهامات وبمعزل عما لا يليق بالكاتب الإسلامي، فشكر الله مساعيه وكثر في المجتمع الإسلامي أمثاله، إذ طالما نقرأ في الصحف والمجلات أو في الكتب المنشورة حول الشيعة مقالات بأقلام بذيئة، لا تنتج عند القارئ إلا النفور من الكاتب وإساءة الظن به وبأهدافه، فإن البحث العلمي يرتفع عن إقرانه بالشتم والسب غير أن كاتبنا - ولله الحمد - مستثني من تلك الزمرة، فهو كاتب مؤدب، ذو صدر رحب، و لهجة مهذبة. لكن الذي بعثنا علي أن نسجل شيئا أو هامشا علي بعض مقالاته ما قرأناه [ صفحه 545] في صحيفة اللواء المؤرخة في 10 جمادي الآخرة 1417 هجري، الموافق ل 22 تشرين الأول 1996 م، العدد 1222 السنة الخامسة والعشرون. ففي الصفحة 24 كتب الأخ تحت عنوان " الخلافة والإمامة عند الشيعة " أمورا لنا فيها تأملات ومناقشات يرجي نشرها علي صفحات اللواء لتكون الصحيفة منبر الإسلام الحر، ومعرضا لمختلف الآراء، وفرصة لتلاقح الأفكار الذي منه ينبثق النور، ويضاء الطريق، وقد قيل: الحقيقة بنت البحث. وإليك موجز كلامه: قال الأستاذ الآلوسي: إن أهم نص استدل به الشيعة وتوصلوا من خلاله إلي عصمة من قالوا بعصمتهم هو قوله تعالي: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - [872] . فقد قالوا: إنها نزلت بشأن علي وزوجته فاطمة وولديهما الحسن و الحسين وقد جمعهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم إثر نزول الآية وألقي عليهم كساء وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا... " وعليه يكون المقصود بأهل البيت هم هؤلاء الأربعة فقط وذريتهم من بعدهم دون غيرهم، لأن كلمة إنما تفيد الاختصاص الدال علي الحصر... وهذا الحديث والرواية بشأن نزول الآية هي إحدي الروايات المشهورة عند أهل السنة أيضا في مصادرهم المعتمدة كالسيوطي والطبري وابن كثير والآلوسي في تفاسيرهم وكثيرون غيرهم، وقالوا أيضا أن قوله تعالي في الآية: - (إنما يريد) - يفيد الإرادة الإلهية القدرية النافذة ومن ثم دلت علي حصول الشئ فعلا وهو التطهير وذهاب الرجس عن الأربعة " رضي الله عنهم " وهو ما يعرف عند المتكلمين بالإرادة الكونية لله الذي يقول [ صفحه 546] للشئ إذا أراده - (كن فيكون) -. ثم ناقش استدلال الشيعة الذي نقله بوجوه نأتي بها: 1 - إن أهل السنة قالوا: إن المقصود بأهل البيت هم نساء النبي وليس الأربعة رضي الله عنهم، وإن الذي رجح عندهم هذه الرواية هو سياق الآيات التي سبقتها، والسياق له اعتباره في استنباط الأحكام ثم نقل الآيات المتقدمة علي آية التطهير والمتأخرة عنها وكلها نازلة في نساء النبي. 2 - إن الخطاب في آية التطهير وإن جاء بصيغة المذكر: - (عنكم أهل البيت و يطهركم...) - خلافا للضمائر الواردة في سائر الآيات التي سبقتها والتي أعقبتها، فهي بصيغة المؤنث. لكنه لا يصير دليلا علي التغاير، وإن المقصودين من آية التطهير غير المقصودين من سائر الآيات، وذلك لأنه يجوز في لغة العرب مخاطبة جمع المؤنث بصيغة جمع المذكر تعبيرا لعلو المقام والمبالغة. 3 - إن حديث الرسول جاء بصيغة الطلب " اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " وهي صيغة تفيد عدم شمول الأربعة وقت نزول النص، فدعا الرسول ربه أن يشملهم أيضا بحكمه، ولو كانوا هم المقصودين لكان الرسول ناجي ربه بصيغة الشكر لا بصيغة الطلب. 4 - إن الإرادة الواردة في الآية هي الإرادة التشريعية أي الأمر الذي لا يسلب المخاطب القدرة علي الاختيار، وليست إرادة كونية - التي تدعيها الشيعة - والتي تتعلق بكل قضايا الخلق والإيجاد فقد خلقت من دون اختيار، وذلك لأنه عندئذ تصبح طهارتهم - عصمتهم - أمرا خارجا عن الاختيار ولا تكون خاضعة للثواب و العقاب. هذه هي الأدلة التي استدل بها علي نزول الآية في نساء النبي، ولكن الأستاذ - أنار الله برهانه - لم يتجرد عن عقيدته في تفسير الآية، ولو كان ناظرا إليها [ صفحه 547] وما حولها وما فيها من القرائن المتصلة والمنفصلة الدالة علي نزولها في آل العباء والكساء، لما عدل عن مقتضاها، ولما اختار ما اختار. إن استدلال الشيعة بهذه الآية علي عصمة آل الكساء مبني علي أمور تنتج مختارهم بوضوح

ما هو المراد من الإرادة في الآية؟

إن الإرادة المتعلقة بالإيجاد والتكوين إرادة تكوينية وهي لا تنفك عن المراد إذا كان المريد هو الله سبحانه كقوله سبحانه: - (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) - [873] فخلق السماوات والأرض مراد بإرادة كونية. وأما الطلب الموجه إلي البشر الحاكي عن تعلق إرادته سبحانه بقيام الناس بالوظائف فهي إرادة تشريعية ولم يكتب عليها عدم التفكيك، فإنه سبحانه أراد الطاعة من الإنسان، وكم هناك إنسان كافر أو عاص لله سبحانه. وهذا التقسيم مما لا غبار عليه. إنما الكلام هو في الإرادة الواردة في آية التطهير وأنها من أي القسمين، والأستاذ ذهب إلي أنها تشريعية، ولكن الدليل يسوقنا إلي أنها كونية، وذلك لأنها إذا كانت تشريعية كان من لوازمها أنها لا تختص بفئة دون فئة، بدليل أنه سبحانه أراد التطهير والتطهر من كل شين ورين وطلبه من جميع الناس، من دون تخصيص وحصر. قال سبحانه:- (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم) - [874] . - (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) - [875] . [ صفحه 548] - (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) - [876] . - (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) - [877] . وحبه سبحانه علامة بعثه وطلبه، وإرادته التشريعية المتعلقة بتطهير كل المؤمنين عامة لا جماعة خاصة. وسؤالنا هو: لو كانت الإرادة الواردة في الآية المبحوثة كالإرادة الواردة في هذه الآيات فما هو وجه التخصيص بأمور خمسة: ألف: بدأ قوله سبحانه بحرف - (إنما) - المفيدة للحصر. ب: قدم الظرف وقال: - (ليذهب عنكم الرجس) - ولم يقل ليذهب الرجس عنكم، وذلك لأجل أن التقديم يفيد التخصيص. ج: بين من تعلقت الإرادة بتطهيرهم بصيغة الاختصاص وقال: - (أهل البيت) - أي أخصكم أهل البيت مثل قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: " نحن معاشر الأنبياء... ". وقول قائلهم: نحن العرب أسخي من بذل. د: أكد المطلوب بتكرير الفعل وقال: - (ويطهركم) - الذي هو تأكيد لمعني إذهاب الرجس المتقدم عليه. ه: أرفقه بالمفعول المطلق وقال: - (تطهيرا) -. فهذه الوجوه الخمسة آية أن هذه الإرادة إرادة خاصة بأهل البيت لا يشاركهم فيها أحد من الأمة، وإلا لكانت تلك العناية البالغة في مجال التخصيص و الاختصاص لغوا مضرا بالبلاغة، وغير لائقة بكلام رب العزة. ثم إن تعلق إرادته التكوينية بطهارة أهل البيت من الذنب ليس بأمر جديد، فقد جاء نظيره في مريم سلام الله عليها، قال الله سبحانه: - (إن الله [ صفحه 549] اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين) - [878] . وليس هذا الاصطفاء والتطهير بالإرادة التشريعية، فإن مريم وغيرها أمام هذه الإرادة سواسية، بل هناك إرادة خاصة تعلقت بمريم دون غيرها فطهرتها من الذنوب وحصنتها من اقتراف المعاصي. وسيوافيك أن تعلق الإرادة التكوينية بالطهارة من الذنب لا ينافي الاختيار علي الاستجابة والرفض، والثواب والعقاب، والفعل والترك.

ما هو المراد من الرجس؟

هذا هو الأمر الثاني الذي يجب الإمعان فيه حتي يكون الدليل منتجا لا عقيما وقد غفل الأستاذ عن تبيين تلك الناحية في كلامه فنقول: إن الرجس استعمل في الذكر الحكيم، في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام [879] كما استعمل في الميتة والدم ولحم الخنزير [880] وفي الأوثان [881] وفي المنافقين [882] و في المشركين [883] وفي غير المؤمنين [884] إلي غير ذلك من موارد استعماله في الكتاب والسنة النبوية واللغة العربية، فينتقل الإنسان من مجموع هذه الموارد إلي أن الرجس عبارة عن كل قذارة ظاهرية كالدم ولحم الخنزير، أو باطنية وروحية كالشرك والنفاق وفقد الإيمان. وبالجملة مساوئ الأخلاق، والصفات السيئة والأفعال القبيحة التي يجمعها الكفر والنفاق والعصيان. فالمنفي في الآية المبحوثة عنها هو هذا النوع من الرجس، فهو بتمام معني [ صفحه 550] الكلمة مما أذهبه الله عن أهل البيت. فإذا كان أهل البيت منزهين عن النفاق والشرك والأعمال القبيحة وما يراد منها، فهم معصومون من الذنب مطهرون من الرجس، بإرادة منه سبحانه. وقد رباهم الله سبحانه وجعلهم معلمين للأمة هادين للبشر، كما ربي أنبياءه ورسله لتلك الغاية. فهل الأستاذ - حفظه الله - يوافقنا علي هذا التفسير أم أن له في تفسير الرجس مذهبا آخر فليبينه لنا؟ ولا أظن أن يفسره بغير ما يفسره القرآن. وعلي ضوء ذلك فأهل البيت - كانوا من كانوا - معصومون بنص هذه الآية، مطهرون من الذنب والعثرة في القول والعمل بإذن من الله سبحانه وإرادة حاسمة. وقد اتفقت الأمة علي أن نساء النبي لسن بمعصومات، فإن الآيات الواردة في سورة الأحزاب، أولا ثم في سورة التحريم ثانيا حيث يقول سبحانه: - (إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) - [885] تثبت ذلك. وهذا لا يعني أن نبخس حقهن، ونترك تكريمهن فإنهن أمهات المؤمنين لهن من الحقوق ما شرعها الله في كتابه وسنة نبيه المطهرة.

ما هو المراد من البيت؟

لا شك أن - (البيت) - في هذه الآية محلاة باللام وهي تستعمل في تعريف [ صفحه 551] الجنس، والاستغراق، والعهد فيجب التدبر في مفادها، فهل هي هنا لتعريف الجنس أو لبيان الاستغراق، أو أنها تشير إلي بيت معهود بين المتكلم والمخاطب؟ أما الأول والثاني فلا سبيل إليهما، لأنه سبحانه ليس بصدد بيان أن إرادته الحكيمة تعلقت بإذهاب الرجس عن أهل جنس البيت أو كل البيوت في العالم، و ذلك واضح لا يحتاج إلي الاستدلال إذ تكون حينئذ شاملة لبيوت عامة المؤمنين. فتعين الثالث، وهو كون المراد (بيت واحد) معين معهود، بين المتكلم والمخاطب (أي النبي صلي الله عليه وآله وسلم). وعندئذ يجب علينا أن نحاول فهم ذلك البيت المعهود وأنه ما هو؟ ولا يمكن لنا أن نطبقه علي بيوت نساء النبي بشهادة أنه سبحانه عندما يذكر بيوتهن فإنه يذكرها بصيغة الجمع إذ أن لهن بيوتا لا بيت واحد. والآية تركز علي البيت الواحد، والدليل علي تعدد بيوتهن:قوله سبحانه: - (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي) - [886] . وقوله سبحانه: - (واذكرن ما يتلي في بيوتكن من آيات الله والحكمة) - [887] . فإننا نري هنا أنه لم يكن لنساء النبي بيت واحد بل بيوت عديدة. ولم يكن للنبي أيضا بيت واحد. قال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) - [888] . فإننا نري هنا أنه لم يكن للنبي صلي الله عليه وآله وسلم ولا لنسائه بيت واحد بل بيوت عديدة [ صفحه 552] فما هو المراد - يا تري - بالبيت الذي جاء بصيغة المفرد؟ فعندئذ يجب علي المفسر المحقق المجرد من كل عقيدة مسبقة تبيين هذا البيت وتعيينه، فهذا البيت ليس من بيوت نسائه، ولا بيوت نفس النبي بشهادة ما مضي من أن القرآن عندما يتحدث عن أزواج النبي ونفس النبي إنما يتحدث عن بيوت لهن لا عن البيت الواحد. فلا محيص عن تفسيره ببيت واحد معهود فأي بيت ذاك؟ فعلي الأستاذ تعيينه. هذا إذا كان المراد من البيت هو البيت المحسوس، أي البيت المادي وهناك احتمال آخر وهو أن يكون المراد منه هو مركز الشرف ومجمع السيادة و العز، وإن شئت قلت إذا أريد منه بيت النبوة وبيت الوحي ومركز أنوارهما فلا يصح أن يراد منه إلا المنتمون إلي النبوة والوحي بوشائج روحية خاصة علي وجه يصح مع ملاحظتها، عدهم أهلا لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر. ولا يشمل كل من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب فحسب، و في الوقت نفسه يفتقد الأواصر الروحية الخاصة، ولقد تفطن العلامة الزمخشري صاحب التفسير لهذه النكتة، فهو يقول في تفسير قوله تعالي: - (أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) - [889] : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادات فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب، وإلي ذلك أشارت الملائكة في قولها: - (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت...) - أرادوا أن هذه وأمثالها مما [ صفحه 553] يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالأنعام به يا أ هل بيت النبوة. [890] وعلي ذلك لا يصح تفسير الآية بكل المنتمين عن طريق الأواصر العائلية إلي بيت خاص حتي بيت فاطمة إلا أن تكون هناك الوشائج المشار إليها. ولقد جري بين " قتادة " ذلك المفسر المعروف وبين أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام مناظرة لطيفة أرشده الإمام فيها إلي هذا المعني الذي أشرنا إليه قال - عندما جلس الإمام الباقر عليه السلام -: لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك. قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام: ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي - (بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال - رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) - [891] فأنت ثم ونحن أولئك. فقال قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين. [892] وما جاء في كلام باقر الأمة عليه السلام يحض المفسر فيها علي البحث والتحقيق عن الذين يرتبطون بذلك البيت الرفيع بأواصر روحية معينة وبذلك يظهر وهن القول بأن المراد من البيت أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم، لأنه لم تكن تلك الوشائج الخاصة - باتفاق المسلمين - بينهن، وأقصي ما عندهن أنهن كن مسلمات مؤمنات. [ صفحه 554]

الضمائر

نري أنه سبحانه عندما يتحدث عن أزواج النبي ونسائه يذكرهن بصيغة جمع المؤنث، ولا يذكرهن بصيغة الجمع المذكر، فإنه سبحانه يأتي في تلك السورة من الآية 28 إلي الآية 34 باثنين وعشرين ضميرا - مؤنثا مخاطبا بها نساء النبي وإليك الإيعاز إليها:1 - كنتن، 2 - تردن، 3 - تعالين، 4 - أمتعكن، 5 - أسرحكن [893] . 6 - كنتن، 7 - تردن، 8 - منكن [894] . 9 - منكن [895] . 10 - منكن [896] . 11 - لستن، 12 - اتقيتن، 13 - فلا تخضعن، 14 - وقلن [897] . 15 - وقرن، 16. بيوتكن، 17. تبرجن، 18. أقمن، 19. آتين، 20. أطعن [898] . 21. واذكرن، 22. في بيوتكن [899] . نري أنه سبحانه عندما يتحدث عن نساء النبي يذكرهن بهذه الضمائر، مع أنا نري أنه سبحانه عندما يذكر أهل البيت يذكرهم بضمائر المذكر، ويقول: - (ليذهب عنكم) -، - (ويطهركم) -. فما هو وجه العدول في هذه الآية عن السياق الوارد في الآيات المتقدمة [ صفحه 555] والمتأخرة عنها؟ وما يقوله الأستاذ من أن أهل السنة يجوزون في لغة العرب مخاطبة الجمع المؤنث، بصيغة جمع المذكر تعبيرا لعلو المقام، والمبالغة، لو كانت صحيحة، فما هو وجه العدول في مورد واحد عما ورد في اثنين عشرين موردا؟! أليس هذا العدول لذلك التبرير المزعوم موجبا للالتباس ووقوع المخاطب في الاشتباه؟ إلي هنا ثبت أن الآية لا تهدف إلي نساء النبي، وإنما تهدف إلي بيت واحد وإلي أهله خاصة. فعند ذلك يجب علينا أن نميط الستر عن وجه الحقيقة عن طريق السنة النبوية.

السنة النبوية تميط الستر عن وجه الحقيقة

إن للنبي صلي الله عليه وآله وسلم عناية وافرة بتعريف أهل البيت لم ير مثلها إلا في أمور نادرة حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة، وإليك بيانها علي سبيل الإيجاز والاختصار. لقد قام النبي بتعريف أهل البيت بطرق ثلاثة: أولا: صرح بأسماء من نزلت الآية في حقهم، حتي يتعين المنزول فيه باسمه ورسمه. ثانيا: قد أدخل جميع من نزلت الآية في حقهم تحت الكساء ومنع من دخول غيرهم. ثالثا: كان يمر ببيت فاطمة عدة شهور كلما خرج إلي الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. [ صفحه 556] ونذكر من كل طائفة نماذج: أما الأولي: أخرج الطبري في تفسير الآية عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: نزلت الآية في خمسة: في وفي علي رضي الله عنه وحسن رضي الله عنه، وحسين رضي الله عنه، وفاطمة رضي الله عنها، - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. وقد رويت في هذا المجال روايات فمن أراد فليرجع إلي تفسير الطبري والدر المنثور للسيوطي. وأما الثانية: فقد روي السيوطي وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فأدخلهما معه، ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. ولو لم تذكر فاطمة في هذا الحديث فقد جاء في حديث آخر، حيث روي السيوطي قال: وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال: نزل علي رسول الله الوحي فأدخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه، قال: اللهم إن هؤلاء أهلي وأهل بيتي. وفي حديث آخر جاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي فاطمة ومعه حسن وحسين، و علي حتي دخل فأدني عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما علي فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. وأما الطائفة الثالثة: فقد أخرج الطبري عن أنس أن النبي كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلما خرج إلي الصلاة فيقول الصلاة أهل البيت - (إنما يريد الله [ صفحه 557] ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -.. وللوقوف علي مصادر هذه الروايات لاحظ تفسير الطبري، ج 22، ص 5 - 7، والدر المنثور: ج 5، ص 198 - 199، والروايات تربو علي أربع وثلاثين رواية، ورواها من عيون الصحابة: أبو سعيد الخدري، أنس بن مالك، ابن عباس، أبو هريرة الدوسي، سعد بن أبي وقاص، واثلة بن الأسقع، أبو الحمراء أعني هلال بن حارث، أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة. ورواه من أصحاب الصحاح: مسلم في صحيحه: ج 7، ص 122 - 123 و الترمذي في سننه. ولاحظ جامع الأصول لابن الأثير ج 10، ص 103. وبالإمعان في ما ذكرنا من النصوص تقف علي ضعف قول الأستاذ حيث يقول: إن حديث الرسول جاء بصيغة الطلب، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهي تفيد عدم شمول الآية للأربعة وقت نزول النص، فدعا الرسول ربه بأن يشملهم أيضا بحكمه. فإن ما ذكره الأستاذ إنما جاء في بعض صور هذا الحديث، ولكن الكثير علي خلاف هذا فإن صيغة (أذهب) جاءت في قليل من النصوص والصور، وأما الأكثر فمشتمل علي أن النبي جللهم تحت الكساء وتلا الآية المذكورة. فقد أخرج مسلم عن عائشة أنها قالت: خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرجل أسود فجاءه الحسن فأدخله، ثم جاءه الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) -. ولو افترضنا صحة ما ورد من صيغة الطلب، فهذا لا يدل علي عدم الشمول، وإنما هو دعاء علي استمرار الشمول كقوله سبحانه: - (إهدنا الصراط [ صفحه 558] المستقيم) - فإنه يتلوه النبي والوصي والمؤمنون كلهم، وليس معناه خروجنا عن الصراط المستقيم حتي يهدينا الله سبحانه إليه. بقي هنا كلام وهو أن لفيفا من التابعين ذكروا أن الآية نزلت في حق نساء النبي وأزواجه، ولكن هذه الرواية تصل إلي عكرمة الخارجي الحروري [900] و عروة ابن الزبير المعروف الانحراف عن علي عليه السلام [901] ومقاتل بن سليمان [902] الذي يعد من أركان المشبهة.

عود إلي بدء

اشاره

قد تعرفت علي منطق الشيعة في نزول الآية في آل العباء والكساء ودلالتها علي عصمتهم من الذنب والعصيان، غير أن الكاتب القدير محمد الآلوسي قد استبعد نزولها في حقهم بأمور ربما مضي تحليلها في ثنايا البحث ولإيضاح المطلب نرجع إلي تحليل ما استند إليه ثانيا. قد مضي أنه استند في تقريب مختاره إلي الأمور التالية: 1 - سياق الآيات يمنع عن نزولها في غير أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم. 2 - إن تذكير الضميرين في آية التطهير مع أن المقصود هو نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو لأجل الإشعار بعلو المقام والمبالغة. 3 - حديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم جاء بصيغة الطلب، وهذا دليل علي عدم شمول الآية لآل العباء ولو شملت الآية لهم لجاء بصيغة الشكر. 4 - الإرادة التكوينية المتعلقة بالعصمة تسلب الاختيار عن المعصوم ولا يكون عمله خاضعا للثواب والعقاب. وإليك تحليل تلك الأمور: [ صفحه 559]

مشكلة السياق

إن القول بنزول الآية في آل الكساء لا توجد أي مشكلة في سياقها شريطة الوقوف علي أسلوب البلغاء في كلامهم وخطاباتهم. فإن من عادتهم الانتقال من خطاب إلي غيره ثم العود إليه مرة أخري. قال صاحب المنار: إن من عادة القرآن أن ينتقل بالإنسان من شأن إلي شأن ثم يعود إلي مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة. [903] وقد اعترف الكاتب بهذه الحقيقة أيضا عند بحثه في آية الولاية التي سيوافيك البحث عنها بعد الفراغ من آية التطهير حيث قال ما هذا نصه: الأصل عند أهل ألسنة أن الآية تعتبر جزءا من سياقها إلا إذا وردت القرينة علي أنها جملة اعتراضية تتعلق بموضوع آخر علي سبيل الاستثناء وهو أسلوب من أساليب البلاغة عند العرب جاءت في القرآن الكريم علي مستوي الإعجاز. وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: " إن الآية من القرآن يكون أولها في شئ وآخرها في شئ ". [904] فعلي سبيل المثال، أنه سبحانه يقول في سورة يوسف حاكيا عن العزيز أنه بعدما واجه الواقعة في منزله قال: - (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم - يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) - [905] . تري أن العزيز يخاطب زوجته بقوله: - (إنه من كيدكن) - وقبل أن يفرغ من كلامه معها يخاطب يوسف بقوله: - (يوسف أعرض عن هذا) - ثم يرجع إلي [ صفحه 560] الموضوع الأول، ويخاطب زوجته بقوله: - (واستغفري لذنبك) - فقوله: - (يوسف أعرض عن هذا) - جملة معترضة، وقعت بين الخطابين، والمسوغ لوقوعها بينهما كون المخاطب الثاني أحد المتخاصمين وكانت له صلة تامة بالواقعة التي رفعت إلي العزيز. والضابطة الكلية لهذا النوع من الخطاب هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الأول إلي الثاني ثم منه إلي الأول وهي موجودة في الآية فإنه سبحانه يخاطب نساء النبي بالخطابات التالية: 1 - (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) - [906] . 2 - (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) - [907] . 3 - (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي) - [908] . فعند ذلك صح أن ينتقل إلي الكلام عن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وذلك لوجهين: 1 - تعريفهن علي جماعة بلغوا في التورع والتقي الذروة العلياء وفي الطهارة عن الرذائل والمساوئ، القمة، وبذلك استحقوا أن يكونوا أسوة في الحياة وقدوة في مجال العمل، فيلزم عليهن أن يقتدين بهم، ويستضئن بنورهم. 2 - كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم محورا للطائفتين المجتمعتين حوله صلي الله عليه وآله وسلم. الأولي: أزواجه ونساؤه. الثانية: بنته وزوجها وأولادها. فالنبي صلي الله عليه وآله وسلم هو الرابط الذي تنتهي إليه تلك المجموعتان، فنحن ننظر إلي [ صفحه 561] كل طائفة مجردة عن الأخري ولأجل ذلك نري انقطاع السياق، إذا فسرنا أهل البيت بفاطمة وزوجها وبنيها. ولكن لما كان المحور للمجموعتين هو النبي صلي الله عليه وآله وسلم والله سبحانه يتحدث فيما يرتبط بالنبي من بيوت وأهلها، فعند ذلك تتراءي المجموعتان كمجموعة واحدة حول النبي وهو الرابط بينهما، فيعطي لكل جماعة حكمها فيتحدث عن نسائه بقوله: - (يا أيها النبي قل لأزواجك. يا نساء النبي من يأت. يا نساء النبي لستن) - الخ. كما أنه يتحدث عن المجموعة الأخري الموجودة في تلك الجماعة بقوله: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم) -. فالباعث للجمع بين الطائفتين في تلك المجموعة من الآيات وفي ثنايا آية واحدة إنما هو انتساب الكل إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحضورهما حوله، وليس هناك أي مخالفة للسياق.

تذكير الضمائر لأجل التعبير عن علو المقام

قد تعرفت في ثنايا الكلام ضعف هذا الاعتذار، والواجب أن لا نعود إليه. وقد عرفت أن مجموعة الآيات الواردة في هذا المضمار تشتمل علي اثنين وعشرين ضميرا بصيغة الجمع المؤنث كلها ترجع إلي نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم فعند ذلك يطرح هذا السؤال فأي سبب دعا المتكلم إلي الايعاز لعلو مقامهم والمبالغة في تكريمهم في هذا المورد دون الموارد الأخري مع أن المورد لا يقتضي الإيعاز إلي علو مقامهم، فتري أن المتكلم يتشدد في كلامه معهن حيث يقول: - (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب [ صفحه 562] ضعفين...) - [909] . ويقول: - (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض...) - [910] . ويقول: - (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي...) - [911] أفي هذا المقام الذي أخذ المتكلم يندد بهن ويطلب منهن أن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولي يستحق الإيعاز بتكريمهن وبيان علو مقامهن! تري أن لحن الكلام لحن التشدد والتنديد ومثل هذا المقام لا يناسب الإيعاز بعلو مقامهن والإشارة إلي تكريمهن خصوصا أن العدول يوجب الالتباس والذي دعا الكاتب إلي التمسك بهذا الحبل الموهن هو صيانة عقيدته التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره إلي يومه هذا وإلا فالأستاذ كاتب قدير يعلم مواقف التكريم والتقدير عن غيرها.

حديث الرسول جاء بصيغة الطلب

يقول الأستاذ الآلوسي: إن حديث الرسول جاء بصيغة الطلب، وقال: " اللهم اذهب " ولو كانت الآية شاملة لهم لكان المناسب هو صيغة الشكر لا صيغة الطلب. يلاحظ عليه: إن الأستاذ انتقي من أحاديث الرسول ما جاء فيها صيغة الطلب وترك غيرها وقد عرفت لفيفا من الأحاديث وكيف أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم تكلم فيها مخبرا عن ذهاب الرجس عنهم لا طالبا، وفيما مضي كفاية. [ صفحه 563]

الارادة التكوينية تسلب الاختيار

هذا هو السبب المهم لما ذهب إليه الأستاذ من أن الإرادة في الآية تشريعية لا تكوينية، وذلك لأن الإرادة التكوينية تسلب الاختيار وبالتالي لا تصبح العصمة فخرا، لأن الإنسان مع هذه الإرادة يصبح بلا اختيار. يلاحظ علي هذا الكلام: إن القول بالعصمة لو كان سالبا للاختيار فالإشكال يسري إلي جميع الأنبياء والمرسلين وعلي رأسهم سيد المرسلين فإنهم معصومون من الخطأ في إبلاغ الأحكام ومن العصيان في تطبيق الشريعة علي الساحة باتفاق الأمة إلا من شذ ممن لا يعبأ به فلو كانت العصمة سالبة للاختيار فما قيمة عصمتهم وما قيمة اجتنابهم عن المعاصي. وهذا الإشكال ليس جديدا وإنما هو مطروح في الموسوعات الكلامية والكتب التفسيرية وقد قام المحققون من علماء الإسلام بالإجابة عنه وقالوا: إن العصمة لا تسلب الاختيار عن الإنسان، فإن المعصوم قادر علي اقتراف المعاصي وارتكاب الخطايا حسب ما أعطي من القدرة والحرية غير أن وصوله إلي الدرجة العليا من التقوي واستشعاره بعظمة الخالق يصده عن اقترافها. وإن شئت قلت: إن المعصوم قد بلغ في العلم بآثار المعاصي مرحلة يشاهد آثارها السيئة مشاهدة حضورية لا يتسرب إليها الشك والترديد - يقول سبحانه:- (كلا لو تعلمون علم اليقين - لترون الجحيم) - [912] . ومثل هذا العلم يصد الإنسان عن ارتكاب المعاصي، ولأجل تقريب الفكرة نأتي بالمثال التالي: إن الوالد العطوف بالنسبة إلي قتل ولده معصوم لا يقدم عليه، ومع ذلك هو [ صفحه 564] قادر عليه، أما أنه قادر فلا شك أن بإمكانه أن يأخذ بالسكين ويذبحه كما يذبح الكبش، وأما أنه لا يقدم عليه ولو أعطي له الكنوز المكنوزة والمناصب المرموقة، لأن عطفه وحنانه قد ملئ بهما قلبه فلا يبادله بشئ. فالعلم بآثار الموبقات تعطي ملكة العصمة، ولكن لا تغير الطبيعة الإنسانية، المختارة في أفعالها الإرادية، ولا يخرجها إلي ساحة الإجبار والاضطرار. هذا إجمال ما أوضحناه في موسوعتنا التفسيرية. [913] .

آية الولاية و زعامة الإمام علي

قال الأستاذ الآلوسي: لم تزل الشيعة عن بكرة أبيهم يستدلون علي إمامة الإمام علي وقيادته وزعامته بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم بقوله سبحانه: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) - (وقد سقط في نص المقال جملة " ويؤتون الزكاة) " - (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) - [914] . وإليك عرضا موجزا لاستدلالهم: استدلت الشيعة بهذه الآية علي أن عليا عليه السلام ولي المسلمين بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قائلين بأن الآية تعد الولي - بعد الله ورسوله - الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع، وقد تضافرت الروايات بأن عليا عليه السلام تصدق بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية. أخرج الحفاظ وأئمة الحديث عن أنس بن مالك وغيره أن سائلا أتي مسجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام راكع فأشار بيده للسائل أي اخلع الخاتم من يدي. [ صفحه 565] قال رسول الله: يا عمر وجبت. قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما وجبت؟! قال: وجبت له الجنة والله، وما خلعه من يده حتي خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة. قال: فما خرج أحد من المسجد حتي نزل جبرئيل بقوله عز وجل: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) -. فأنشأ حسان بن ثابت يقول: أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكل بطئ في الهدي ومسارع أيذهب مدحي والمحبين ضايعا؟! وما المدح في ذات الإله بضائع فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع فدتك نفوس القوم يا خير راكع بخاتمك الميمون يا خير سيد ويا خير شار ثم يا خير بائع فأنزل فيك الله خير ولاية وبينها في محكمات الشرائع [915] . وقد أخرجه ابن جرير الطبري [916] والحافظ أبو بكر الجصاص الرازي في أحكام القرآن [917] والحاكم النيسابوري (المتوفي 405) [918] والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري (المتوفي 468) [919] وجار الله الزمخشري (المتوفي 538) إلي غير ذلك من أئمة الحفاظ وكبار المحدثين ربما ناهز عددهم السبعين، وهم بين محدث ومفسر ومؤرخ ويطول بنا الكلام لو قمنا بذكر أسمائهم ونصوصهم، وكفانا في ذلك مؤلفات مشايخنا في ذلك المضمار. [920] . [ صفحه 566] ولا يمكن لنا إنكار هذه الروايات المتضافرة لو لم تكن متواترة، فإن اجتماعهم علي الكذب أو علي السهو والاشتباه أمر مستحيل. والمراد من الولي في الآية المباركة هو الأولي بالتصرف كما في قولنا: فلان ولي القاصر، وقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " وقد صرح اللغويون ومنهم الجوهري في صحاحه بأن كل من ولي أمر أحد فهو وليه، فيكون المراد: إن الذي يلي أموركم فيكون أولي بها منكم إنما هو الله عز وجل ورسوله ومن اجتمعت فيه هذه الصفات: الإيمان وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة في حال الركوع. ولم يجتمع يوم ذاك إلا في الإمام علي حسب النصوص المتضافرة. وفي حقه نزلت هذه الآية. والدليل علي أن المراد من الولي هو الأولي بالتصرف أنه سبحانه أثبت في الآية الولاية لنفسه ولنبيه ولوليه علي نسق واحد، وولاية الله عز وجل عامة فولاية النبي والولي مثلها وعلي غرارها. غير أن ولاية الله، ولاية ذاتية وولاية الرسول والولي مكتسبة معطاة، فهما يليان أمور الأمة بإذنه سبحانه. ولو كانت الولاية المنسوبة إلي الله تعالي في الآية غير الولاية المنسوبة إلي الذين آمنوا لكان الأنسب أن تفرد ولاية أخري للمؤمنين بالذكر، دفعا للالتباس كما نري نظيرها في الآيات التالية:قال تعالي: - (قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) - [921] . نري أنه سبحانه كرر لفظ الإيمان، وعداه في أحدهما بالباء، وفي الآخر باللام لاختلاف في حقيقة إيمانه بالله، وللمؤمنين حيث إن إيمانه بالله سبحانه إيمان جدي وتصديق واقعي، بخلاف تصديقه للمؤمنين المخبرين بقضايا [ صفحه 567] متضادة حيث لا يمكن تصديقهم جميعهم تصديقا جديا، والذي يمكن هو تصديقهم بالسماع وعدم الرفض والرد، ثم التحقيق في الأمر، وترتيب الأثر علي الواقع المحقق. ومما يكشف عن وحدة الولاية في الآية المبحوثة أنه سبحانه أتي بلفظ " وليكم " بالإفراد، ونسبه إلي نفسه وإلي رسوله وإلي الذين آمنوا، ولم يقل: " وإنما أولياؤكم " وما هذا إلا لأن الولاية في الآية بمعني واحد وهو: الأولي بالتصرف، غير أن الأولوية في جانبه سبحانه بالأصالة وفي غيره بالتبعية. وعلي ضوء ذلك يعلم أن القصر والحصر المستفاد من قوله: " إنما " لقصر الإفراد، وكأن المخاطبين يظنون أن الولاية عامة للمذكورين في الأمة وغيرهم، فأفرد المذكورون للقصر، وأن الأولياء هؤلاء لا غيرهم. ثم يقع الكلام في تبيين هؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بالولاية وهم ثلاثة: 1 - الله جل جلاله. 2 - ورسوله الكريم صلي الله عليه وآله وسلم. وهما غنيان عن البيان. وأما الثالث فبما أنه كان مبهما بينه بذكر صفاته وخصوصياته الأربع: 1 - (الذين آمنوا) -. 2 - (الذين يقيمون الصلاة) -. 3 - (ويؤتون الزكاة) -. ولا شك أن هذه السمات، سمات عامة لا تميز الولي عن غيره. فالمقام بحاجة إلي مزيد توضيح يجسد الولي ويحصره في شخص خاص لا يشمل غيره، ولأجل ذلك قيده بالسمة الرابعة أعني قوله: - (وهم راكعون) -. [ صفحه 568] وهي جملة حالية لفاعل يؤتون، وهو العامل فيها. وعند ذلك انحصر في شخص خاص علي ما ورد في الروايات المتضافرة. هذا هو منطق الشيعة في تفسير الآية لا تتجاوز في تفسيرها عن ظاهرها قيد أنملة. نعم نقل الكاتب القدير نظرية أخري وهي لأهل السنة فقال: إن هذه الآية لم تنزل بهذا السبب رغم ورود هذه الرواية (نزولها في حق علي) عندهم، وفي كتبهم وتفاسيرهم، مرجحين في ذلك روايات أخري تفيد نزولها بحق الذين كانت بينهم وبين اليهود في المدينة تحالفات عقدت قبل الإسلام وقبل الهجرة فمنهم من رفض فك ارتباطه باليهود حرصا منه علي موالاتهم، ومنهم من أنهي هذا التحالف قائلا بولاية الله ورسوله والمؤمنين عليه معززين رأيهم الذي رجحوه علي جملة اعتبارات: منها أن كلمة الولاية مشتركة في معانيها، فهي مثلما تعني الرئاسة والزعامة تعني الولاء والنصرة والحب والودوا لتحالف وأن هذا المعني الأخير هو المرجح عند نزول الآية لوجود تحالف كان قائما فعلا، وعدم وجود ولاية لليهود في جنبه بمعني الزعامة والقيادة. ولذلك رأي أهل السنة أن هذا الترجيح أقرب لواقع الحال في حينه. إضافة إلي ذلك فإن السياق وهو الآيات التي سبقت هاتين الآيتين والآيات التي أعقبتها جاءت تحذر من كيد اليهود وتندد بمن أصر علي استمرار التحالف معهم، أمثال عبد الله بن أبي، زعيم المنافقين في حينه. والأصل عند أهل السنة أن الآية تعتبر جزءا من سياقها إلا إذا وردت القرينة علي أنها جملة اعتراضية تتعلق بموضوع آخر علي سبيل الاستثناء، وهو أسلوب من أساليب البلاغة عند العرب جاءت في القرآن الكريم علي مستوي الإعجاز. [ صفحه 569]

عرض و تحليل

هذا نص الأستاذ وحاصله يرجع إلي أمرين: 1 - إن لفظ الولاية مشترك بين عدة معان، فلا سبيل إلي حملها علي القيادة والزعامة إلا بدليل. 2 - إن سياق الآيات يؤكد علي حملها علي ذلك المعني أي النصرة والود والحب والتحالف. والأخير هو المناسب. هذا عرضا موجزا لمقاله وإليك تحليله: يلاحظ علي الوجه الأول: نحن نفترض أن الولاية مشتركة بين المعاني المختلفة، ولكن القرائن القاطعة تدل علي أن المراد منها هو التصرف، لما عرفت. أولا: إن الولاية بالمعني الواحد نسب إلي الله وإلي رسوله والذين آمنوا. أفيصح لنا أن نحصر ولاية الله سبحانه بالنصر والود والحب والتحالف، فإن ولايته سبحانه ولاية عامة تشمل جميع ما يعد مظاهر لها. فإذا كانت الولاية منسوبة بمعني واحد إلي الثلاثة فيجب أن تفسر بمعني واحد، لا أن تفرز الولاية المنسوبة إلي الله عما نسبت إلي الآخرين. وثانيا: لو فسرنا الولاية بالنصر والود والتحالف، فيلزم اتحاد الولي والمولي عليه، إذ لو كان المؤمنون المصلون المزكون أولياء فمن المولي عليه إذن؟ وبعبارة أخري أنه سبحانه يعد جميع المؤمنين أولياء فيجب أن يكون هناك مولي عليه غيرهم وليس هناك شئ... و " لا قرية وراء عبادان ". ثالثا: لو فسرنا الولاية بالنصر والود والتحالف، فالمؤمنون كلهم في صف واحد، فلماذا قيد الولاية بالزكاة في حالة الركوع؟ [ صفحه 570] فلو افترضنا أن مؤمنا صلي وزكي في غير حال الصلاة - وما أكثرهم - أو يصح لنا إخراجهم عن عداد الأولياء. كل ذلك يدلنا بوضوح علي أن الآية وردت في جمع أو فرد خاص عبر عنه بصيغة الجمع، وما أكثر نظيره في القرآن حيث عبر عن المفرد بالجمع. قال سبحانه: - (الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) - والقائل هو فنحاس اليهودي [922] . قال سبحانه: - (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) - [923] نزل في رجل من المنافقين [924] . إلي غير ذلك من الآيات التي يطول المقام بنقلها. فقد وردت صيغة الجمع في عشرين آية وأريد منها شخص واحد. فهذه الوجوه الثلاثة تصدنا عن تفسير الولاية بغير الزعامة والقيادة، فإنها المعنية بقوله سبحانه: - (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي) - [925] . وقال سبحانه: - (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) - [926] . وقال سبحانه: - (أنت وليي في الدنيا وا لآخرة) - [927] . وقال سبحانه: - (فما له من ولي من بعده) - [928] . وقال سبحانه: - (والله ولي المؤمنين) - [929] . غير أن ولاية الله سبحانه ولاية ذاتية، وولاية غيره بالجعل والنصب [ صفحه 571] والإفاضة.ويشير إلي ولاية الرسول بقوله: - (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) - [930] . وإلي ولاية الرسول وأولي الأمر بقوله: - (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) - [931] . ومن يريد تفسير ولاية الله والرسول بالحب والحلف وقصرها في إطار ضيق بالنصر، فقد أخرج الآية عن ذروة البلاغة إلي حد نازل. فكما أن السياق جزء من التفسير، وسبب يستعان به علي كشف المراد، فكذلك الخصوصيات الموجودة في نفس الآية أدل دليل يرشد القارئ إلي التعمق في مراده سبحانه. فعلي من يفسر الآية بغير الأولوية في التصرف فعليه الإجابة عن الأمور الثلاثة السالفة. هذا كله حول الأمر الأول وأما الكلام في السياق الذي تمسك به فنقول:

مشكلة السياق عند الكاتب

إن الكاتب القدير إنما ترك الروايات المتضافرة لأجل صيانة السياق، وإليك توضيح دليله وتحليله: قال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) - [932] . [ صفحه 572] وقال سبحانه: - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) - [933] . وقال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) - [934] . ذكر المفسرون أن نزول الآية الأولي في حق عبادة بن صامت الخزرجي و عبد الله بن أبي حيث إن الأول تبرأ من أوليائه من اليهود، بخلاف الثاني فإنه لم يتبرأ من ولاية اليهود، وقال: لأني أخاف الدوائر. وذكروا في سبب نزول الآية الثانية: أنه لما تصدق علي عليه السلام بخاتمه في الصلاة وهو راكع نزلت الآية الكريمة. وذكروا في سبب نزول الآية الثالثة أنها نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث اللذين أظهرا إسلامهما ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت الآية. فبما أن الولاية في الآية الأولي ليست بمعني الزعامة بل بمعني الود والنصر أو الحلف كما هو الحال في الآية الثالثة، فمقتضي السياق يقتضي تفسير الآية الثانية بهما لا بالزعامة. هذا ما يتبناه الكاتب وقد سبقه الرازي في تفسيره. [935] غير أنا نركز علي أمرين وبهما يتجلي أن تفسير الولاية في الآية الثانية بالزعامة لا يستلزم مخالفة السياق. الأول: إن الغوص في غمار اللغة ومجاميع الأدب وجوامع العربية يدفعنا [ صفحه 573] إلي القول بأنه ليس للولي في الآيات الثلاث إلا معني واحد وهو الأولي بالشئ و لو أطلق علي الناصر والمحب والزعيم فإنما أطلق بمعني واحد، ولو كان هناك اختلاف فإنما هو في جانب المتعلق. وبعبارة واضحة: ليس للولي معان مختلفة وضع لها اللفظ بأوضاع متعددة حتي يصبح اللفظ مشتركا لفظيا بين المعاني المتباينة. بل هو موضوع لمعني واحد جامع بين مصاديق وموارد مختلفة، فلو كان هناك اختلاف فإنما هو في المتعلق والمورد، لا في المفهوم والمعني. فالرب ولي لأنه أولي بخلقه من أي قاهر عليهم حيث خلق العالمين كما شاءت حكمته ويتصرف فيهم بمشيئته. وكل من المحب والناصر ولي، لأن كلا منهما أولي بالدفاع عمن أحبه و نصره. والزعيم والقائد ولي، لأنه أولي بأن يتصرف في مصالح من تولي أمره. فإذا كان للفظ معني واحد فلا يكون هناك أي اختزال مهما ذهبنا إلي التفريق بين الآيات الثلاثة، فإن المفروض أن لكل شأنا وسببا للنزول، وبينها جامع وهو الأولوية المطلقة كما في الآية الثانية والمقيدة كما في الآية الأولي والثالثة. هذه حقيقة لغوية قد نص عليها المحققون. قال الإمام أبو الفتح المطرزي: الولي: كل من ولي أمر واحد فهو وليه، ومنه ولي اليتيم أو القتيل: مالك أمرهما، و والي البلد: ناظر أمور أهله ومصدرهما الولاية (بالكسر). [936] وألفت نظر الأستاذ السامي إلي أن النهي عن تولي اليهود والنصاري والكفار في الآيات التي تقدمت أو تأخرت، لا يرجع إلي التولي المجسد في [ صفحه 574] مجرد العطف القلبي ولا يتلخص في الحنان الروحي، فإنهما أمران قلبيان خارجان عن الاختيار، فإن حب الأب أو الأم وإن كانا كافرين أمر جبلي لا يصح النهي عنه بل يرجع إلي التولي المستعقب، للتصرف في أمور المسلمين والتدخل في مصالحهم الذي ليس إلا من شأنه سبحانه ورسوله ومن عينه الرسول بأمر منه. فالآيات بأجمعها سبيكة واحدة، تصد المؤمنين عن اتخاذ أي ولي - غير الله ورسوله - يتصرف في أمورهم وإن كان سببه التحالف فلو صار الحلف بين المسلمين والكافرين سببا لولاية الكفار علي المسلمين وتدخلهم في أمورهم فهو ممنوع لأنه لا ولي للمؤمنين إلا الله ومن نصبه سبحانه. والذي يرشدنا إلي أن الولاية في الآية: - (إنما وليكم الله ورسوله...) - بمعني الزعامة والقيادة، هو أنه سبحانه يقول بعدها: - (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) - [937] فيطرح حزب الله أولا، ثم غلبته علي سائر الأحزاب، والكل يناسب القيادة والزعامة، لا مجرد الحب والود، أو النصر والحلف. الثاني: إن في نفس الآيات الثلاثة قرينة واضحة علي الاختلاف في تفسير الولي (لو قلنا بأنه اختلاف في المفهوم)، وذلك أنه سبحانه يجمع لفظ الولي في الآية الأولي والثالثة. فقال في الأولي: - (لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء) -. وقال في الثالثة: - (والكفار أولياء) -. ولكنه نري أنه سبحانه أتي بها بلفظ المفرد في ثانية الآيات. وقال: - (إنما وليكم الله...) - فما هو الوجه في الإتيان بالجمع في الآيتين والإفراد في الثانية؟ [ صفحه 575] والإمعان فيه يدلنا علي التغاير في تطبيق معني الولي، وذلك لأن الولاية في الآيتين ترجع إلي الحب والنصر وبما أنها متعددة حسب تعدد المحب و الناصر فهناك ولايات وأولياء، ولأجل ذلك أتي سبحانه بلفظ الجمع. وأما الآية الثانية فهناك ولاية إلهية سماوية خصها سبحانه بالذات لنفسه وأفاضها بالتشريع علي رسوله ومن جاء بعده ولذلك أتي بلفظ المفرد فيحمل علي الولاية الملازمة للقيادة والزعامة. وآخر كلمة أقدمها إلي الأستاذ، أنه لو كانت الولاية بمعني الحب والنصر فما معني تقييد الولي بإيتاء الزكاة وهم راكعون فإن كل مؤمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ولي لأبناء أمته، زكي في حال الركوع أم لا، مع أننا نري أنه سبحانه يشير إلي الولي بعلامة خاصة تميزه عن غيره وهو إيتاء الزكاة في حال الركوع، والركوع حقيقة في الصورة المعلومة منه في الصلاة لا في مطلق الخضوع إذ مع أنه خلاف الظاهر، ينافيه قوله سبحانه: - (يقيمون الصلاة) -. علي أن الأستاذ تفرد في تفسير الولاية بالتحالف، فإن أهل السنة يفسرونها بالود والحب والنصر - لاحظ التفسير الكبير للرازي. هذا غيض من فيض وقليل من كثير مما أفاضه علماؤنا وأصحابنا في تفسير الآية وإن كان ما ذكرناه مقتبسا من أنوار علومهم. غفر الله للماضين من علماء الإسلام وحفظ الله الباقين منهم ورزقنا الله توحيد الكلمة كما رزقنا كلمة التوحيد. والسلام عليكم وعلي من حولكم من الدعاة إلي الوحدة الإسلامية لترفرف في ظلها راية الإسلام خفاقة في ربوع العالم وأرجاء الدنيا بإذن منه سبحانه. جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام 1 / شعبان المعظم 1417 ه [ صفحه 576]

الاخوة الإسلامية و دورها في بناء الحضارة

اشاره

ألقيت هذه المحاضرة في مؤتمر الحضارة الإسلامية في القفقاس المنعقد في باكو عاصمة أذربيجان عام 1419 ه. إن الحديث عن بلاد القفقاس أعاد إلي ذاكرتي الخواطر، وأثارت في قلبي شعورا خاصا حيالها ذلك أنها أنجبت العديد من العباقرة في حقول الأدب والعلم والعرفان والفلسفة أمثال الشاعر المفلق " الخاقاني " و " الفلكي " و " السيد عظيم " و " صابر " و " بهار " والفيلسوف الكبير السيد حسين البادكوبي. ولا يفوتني الإشارة إلي أستاذي الكبير السيد محمد البادكوبي الذي كان له حق عظيم علي وعلي العلم، فقد كان رحمه الله رجلا عالما ومناضلا، هجره الإلحاد متوجها إلي بلاد الغربة بعيدا عن وطنه ومسقط رأسه، إلي غير ذلك من الشخصيات الطائرة الصيت في سماء العلم والفلسفة والأدب الذين كتبوا لوجودهم خلودا في القلوب وبقاء في التاريخ وأثرا في المجتمع. لم أزل أمر علي شريط الذاكرة استذكر فيه أن هذه البلاد ربت في أحضانها رجالا وأبطالا ضحوا بنفسهم ونفيسهم في سبيل عقيدتهم الإسلامية، أمثال الشيخ شامل ذلك البطل المجاهد، والشيخ حنيف ذلك الثائر العظيم. [ صفحه 577] وثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن شعوب بلاد القفقاس - التي هي جزء من الكيان الإسلامي - لن تبلغ مجدها التليد العتيد إلا بإحياء م آثرها السابقة، والرجوع إلي أصالتها الإسلامية، وتقوية أواصرها بالمسلمين عامة وبث الثقافة الدينية بين أوساط شبابها وأفلاذ كبدها. وقد شعرت بذلك - بحمد الله - حكوماتها ودولها، وما إقامة هذا المؤتمر - الذي يهدف إلي البحث عن معطيات الحضارة الإسلامية في تلك البلاد - إلا أثرا من آثار ذلك الشعور. هذه مقدمة موجزة قدمتها للحضار الكرام ولنبدأ بالمقال الذي كتبته تحت عنوان " الأخوة الإسلامية ودورها في بناء الحضارة ".

نص المقال

الإسلام عقيدة وشريعة جاء لإسعاد الإنسان في أقطار الأرض ومعالجة مشاكله ومعضلاته دون أن يختص خطابه بطائفة دون طائفة أو بعنصر دون عنصر أو بقوم دون قوم، ولا تجد في عقيدته وشريعته أثرا من آثار القومية ولا ملمحا من ملامحها. كما أنه بني القيم الأخلاقية علي أسس رصينة تستمد مقوماتها من الفضائل الروحية والكمالات النفسية، لا من عنصر خاص أو طائفة خاصة، حتي العربية التي هي لسان كتابه وشريعته لم يتخذها ملاكا للفخر والإعتزاز. لقد تفشت ظاهرة القومية بين العرب في العصر الجاهلي وكأن رحي الفخر قد دار حولها وكأن جميع القيم والخصائل الإنسانية قد حصرت فيها، وفي تلك الأجواء المشحونة بالعنصرية والطائفية والقومية ظهر الإسلام شاطبا [ صفحه 578] بقلم عريض علي تلك النزعات المقيتة، وقال: - (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) - [938] . والعجب أن هذه الآية إلي جانب اعترافها بجميع القوميات حيث تقول: - (وجعلناكم شعوبا وقبائل) -. تعود وتفسر فلسفة هذه القوميات بقولها - (لتعارفوا) - أي خلقناكم أقواما وطوائف مختلفة للتعارف لا للتفاخر، للألفة لا للتناحر، للتعاون لا للتفرق، للخير لا للشر، وحصرت ملاك الفخر في التقوي وقالت: - (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) -. هذه الآية المباركة وإن تكلم فيها المفسرون قديما وحديثا ولكنهم لم يركزوا علي تلك النكتة التي صرحت بها، وهي أن الإسلام لا ينكر القومية بل يعترف بها ويراها من شؤون الخلقة التي تعلقت بها يد الجعل والقدرة وقال: - (وجعلناكم شعوبا وقبائل) - ولكنه يتخذ القومية المعترفة ذريعة للفضائل، وهي التعارف والتجاذب والتعاون، لا ذريعة للتفاخر والتنازع. إن نبي الإسلام صلي الله عليه وآله وسلم لم يقتصر علي هذه الآية بل أعقبها بكلمه الطيب وحدد موقفه من القومية وأنها ليست ملاكا للافتخار وقال في بعض خطبه التاريخية: أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب - (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) - وليس لعربي علي أعجمي فضل إلا بالتقوي. [939] وقال في خطبة حجة الوداع: أيها الناس إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ليس لعربي علي أعجمي، ولا لأعجمي علي عربي، ولا لأحمر علي أبيض، ولا لأبيض علي أحمر، فضل إلا بالتقوي. [940] وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق، فمن [ صفحه 579] قصر به عمله لم يبلغه حسبه ". [941] هذه نماذج من أقواله صلي الله عليه وآله وسلم استعرضناها علي حضراتكم حول نبذ القومية والتركيز علي القيم الأخلاقية. وأما مواقفه العملية علي هذا الصعيد فقد تلخصت في اهتمامه بالقيم الأخلاقية والإنسانية دون أن يعير أهمية للقومية المقيتة. نري أنه صلي الله عليه وآله وسلم طرد عمه أبا لهب مع صلته الوثيقة به من حيث الدم واللسان والتراب، وفي الوقت نفسه قرب سلمان الفارسي علي الرغم من اختلافه معه في اللسان والدم والتراب. وما هذا إلا لأن أبا لهب كان علي شفير جرف هار من المساوئ الأخلاقية وسلمان كان في أوج القيم والفضائل الإنسانية. هاجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي المدينة المنورة فآخي بين العبيد والسادة، فهذا هو " بلال الحبشي " كان عبدا أسود قد آخي رسول الله بينه وبين " خالد الخثعمي " من أكابر الصحابة، كما آخي بين " زيد " الرق مع عمه " حمزة "، وبين " عمار " و " حذيفة "، كل ذلك لأجل صهر الفوارق الطبقية الناشئة من القومية. وقد أثرت التعاليم الإسلامية أثرها في القلوب إلي حد ارتقي كثير من الموالي إلي مناصب عالية وما كان لهم ذلك لولا الإسلام، فصار الموالي العجم يسيرون جنبا إلي جنب مع العرب في نشر الإسلام وإسعاد البشرية ونجاتها من براثن الوثنية. وفي ضوء تلك التعاليم صارت المرأة المسلمة كفؤا للرجل المسلم دون نظر إلي قوميته وطائفته ولسانه. [ صفحه 580] وقد جسد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تلك المساواة بفعله حيث زوج بنت عمته زينب حفيدة عبد المطلب زعيم قريش، بعبد أسود يدعي زيد بن حارثة وكان لعمله هذا صدي واسع علي نطاق الجزيرة العربية، وبذلك أزاح الجدار المزعوم بين العبيد والأشراف، حتي أن أخا زينب قدم إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم - مندفعا من خلفيات عنصرية وطائفية - واعترض قائلا: أو ليس هذا عارا حيث زوجت بنت بيت الشرف بعبد أسود؟! فأجابه النبي صلي الله عليه وآله وسلم بقوله: إن زوج زينب رجل مؤمن فهو كفؤ لزينب، ولما طلق زيد زوجته زينب وانفصم عقدهما، قام النبي صلي الله عليه وآله وسلم بتدارك ما فات، فزوج زينب لنفسه ليثبت أن زواجها بزيد لم ينقص منها شيئا، فها هي اليوم زوجة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أفضل الخليقة علي الأرض. وها نحن نذكر هنا حادثة طريفة وقعت في عصر الرسول، ينقلها الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام وهي تعكس الفكرة الرائجة عند المسلمين. قال: كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي بلغوا سلمان، فقال له بعض الحاضرين: أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم هذا نسبي وهذا حسبي، قال: فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و سلمان رضي الله عنه يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي إذا بلغوا إلي قال بعضهم: من أنت وما أصلك وما حسبك؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فما قلت له يا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم، وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم، وكنت مملوكا [ صفحه 581] فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم، هذا نسبي وهذا حسبي. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه ومروءته خلقه، وأصله عقله، وقال الله عز وجل: - (إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) - ثم قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوي الله عز وجل، وإن كان التقوي لك عليهم فأنت أفضل. إن الشريعة التي تحمل هموم الإنسانية وتحاول نجاتها عن مخالب الوثنية والمفاسد الأخلاقية لا محيص لها إلا أن تنظر إلي العالم من منظار واسع وتنظر إلي الإنسان مجردا عن كل لون وعنصر، فلذلك عاد الإسلام يخاطب جميع الناس بقوله: - (يا أيها الناس) - مكان " يا أيها العرب " أو " يا أيها العجم " ويؤسس " دار الإسلام " مكان " دار العروبة "، فصار هذا وذاك سببا في أن تري جميع الشعوب في الإسلام دينا لها لا دينا لطائفة خاصة أعارته هذه. وفي ضوء ذلك اتحدت الشعوب غير المتجانسة تحت راية الإسلام و نشروا ثقافة إسلامية إنسانية في جميع الأقطار، وصارت تلك الوحدة نواة للحضارة الإسلامية التي لم ير تاريخ البشر مثيلا لها. فالحضارة الإسلامية هي حصيلة جهود الشعوب الإسلامية المختلفة، ولكل فيها سهم وافر.

الدعوة القومية و مضاعفاتها

الدعوة القومية فكرة مستوردة من الغرب، والغرض من ورائها هو تشتيت صفوف المسلمين وتمزيق وحدتهم وجعلهم أمما متناحرة فيما بينها. ومن تصفح التاريخ يجد أن لهذه الدعوة جذورا تمتد إلي زمن الأمويين، الذين شرعوا في الخطوات اللازمة لتوطيد القومية من خلال توزيع المناصب [ صفحه 582] الحكومية علي العرب خاصة، وتحقير غير العرب من سائر القوميات وقد انتهي الأمر إلي استياء عام واندلاع حركات تمرد وعصيان في كافة أرجاء الأمصار الإسلامية، فأخذ الجهاز الأموي الحاكم يتهاوي أمامها، إلي أن تم القضاء عليه. ولما دالت دولة الأمويين وقامت دولة العباسيين اتخذوا سياسة مناقضة للأمويين حيث قدموا العنصر غير العربي علي العنصر العربي ووزعوا المناصب عليهم. إن السياسة التي سلكتها كلتا الدولتين كانت علي طرف النقيض من الإسلام ولم تنتج إلا إيقاف عجلة تقدم الحضارة الإسلامية. فلو كانت الخلافة العباسية متجاوبة مع روح الإسلام لما آلت إلي الضعف و الزوال ولازداد الإسلام قوة ومنعة.

الاستعمار وعناصر القومية

بث الإسلام روح التسامح والتصالح بين القوميات المختلفة، متخذا الإنسان محورا لدعوته وإرشاده، وجعل التفاخر بالتقوي والأخلاق الفاضلة، مما حدا إلي اجتماع القوميات المختلفة تحت رايته وخيمته دون أن ينتابهم شعور بالعنصرية والقومية، لأن الإيمان جعلهم كالأخوة فيما بينهم. ولما استيقظ الغرب من سباته في القرن التاسع عشر، ورأي المسلمين كتلة وحدة يحكمون أصقاعا شاسعة ذات ثروات عظيمة، ورأي أن الإسلام سد منيع أمام تحقق أطماعه، حاول تمزيقهم إلي دويلات صغيرة بغية القضاء علي شوكتهم وعظمتهم من خلال إحياء القوميات في كل صقع، فزرع القومية التركية في تركيا، والفارسية في إيران، والعربية في البلاد العربية إلي غير ذلك من القوميات. كما سعي إلي بث روح القومية بين شعوب تلك المناطق. [ صفحه 583] والعجب أن دعاة القومية في البلاد الإسلامية لم يكونوا مسلمين، بل تربوا في أحضان الاستعمار [942] وأخذوا بإثارة النعرات الطائفية. وفي ظل هذه الدعوة البغيضة انفصمت عري الخلافة الإسلامية وتمزقت أوصالها، وعادت بشكل دويلات صغيرة، وأضحت لقمة سائغة للاستعمار قابعة تحت نيره.

موقف الإسلام حيال القومية

إن الإسلام يحترم كافة القوميات دون أن يرجح قومية علي أخري، بل ينظر إلي الجميع بعين الأخوة، ويقول: - (إنما المؤمنون إخوة) - ويقول أيضا: - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) -. ويقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكي منه شئ تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي. [943] فهذه هي الوصفة التي كتبها الإسلام لإسعاد البشرية كافة، ومع ذلك لم يلغ القومية وإيجابياتها بل أحترمها. روي المفسرون أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما هاجر عن مكة المكرمة ووصل في طريقه إلي " جحفة " تذكر موطنه وحن إليه فامتلأت عيناه بالدمع، فنزل عليه أمين الوحي يسليه بالآية المباركة: - (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد) - [944] . وقد حقق سبحانه وعده، ففتح النبي صلي الله عليه وآله وسلم مكة بعد ثمانية أعوام ودخلها من ناحية " أذاخر " وهي أعلي نقطة في مكة، ولما وقع نظره علي الكعبة وبيوتات مكة هاج به الحزن، وقال مخاطبا ربوعها باني أحبك ولولا أني هجرت لما تركتك. [ صفحه 584] لا شك أن الإنسان إذا نشأ في ربع من الربوع وترعرع فيه منذ نعومة أظفاره وحتي بلوغه وهرمه، يجد في نفسه حبا ورغبة وودا حياله، فذلك أمر جبلي قد فطر عليه الإنسان ولم تكافحه الشريعة التي هي دين الفطرة بل احترمته، لذا تجد أنه يحاول بكافة السبل الحفاظ علي لغته الأم وثقافته، وبذل كافة الجهود في سبيل ازدهار وطنه ورفاه قومه. فالمترقب من كل مسلم إعمار بلده واستثمار ثرواته في سبيل خدمة قومه وثقافته القومية إذا كانت متجاوبة مع القيم والمثل الإسلامية وهذا أمر مرغوب إليه من قبل الإسلام، ولكن المحظور هو جعل القومية ملاكا للتفاخر والتفوق. وفي الختام، أتقدم بالشكر الجزيل إلي المشرفين علي هذا المؤتمر لإتاحتهم الفرصة لي. وأختم كلمتي بهذين البيتين: إنا لتجمعنا العقيدة أمة ويضمنا دين الهدي أتباعا ويؤلف الإسلام بين قلوبنا مهما ذهبنا في الهوي أشياعا اللهم ارزق المسلمين توحيد الكلمة كما رزقتهم كلمة التوحيد جعفر السبحاني قم المقدسة - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام 15 شعبان المعظم من شهور عام 1419 ه [ صفحه 585]

الطلاق المعلق لا كفارة فيه ولا فراق

فضيلة الأستاذ قيس تيسير ظبيان المدير العام لمجلة الشريعة المحترم

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد، أتقدم لكم بالشكر الجزيل لما قمتم به من نشر محاضرتي التي ألقيتها في جامعة " الأردن " علي صفحات مجلتكم الغراء " الشريعة " في عددها الصادر برقم 394 من شهر تشرين الأول 1998 م، وبذلك أكدتم أواصر الأخوة بين المسلمين وقد كانت المحاضرة حول عناصر الوحدة الإسلامية وموانعها. قرأت العدد الآنف الذكر بما فيه من مقالات متنوعة حسب ما سمح لي الوقت، وأخص بالذكر من بينها، الأسئلة التي تصدي للإجابة عنها فضيلة الشيخ عبد المنصف عبد الفتاح فكانت الأجوبة مقنعة في أغلب مواردها لكن استرعي انتباهي السؤال الذي طرحه أحد القراء بالشكل التالي، وقال: [ صفحه 586] ضربت زوجتي ذات يوم فتركت المنزل وذهبت إلي بيت أسرتها فلم ألبث أن ذهبت إليها لكي أصالحها ولكي تطمئن إلي عدم ضربي لها مرة ثانية، قلت لها: علي الطلاق لن أضربك مرة أخري، فهل إذا ضربتها لأمر ما، تكون طالقا أم ماذا؟ وأجاب فضيلته عن هذا السؤال بما هذا ملخصه: هذا النوع من الطلاق علي قسمين: تارة يريد القائل بهذا النوع من الكلام الحمل علي فعل شئ أو تركه أو التهديد أو التخويف، لا إيقاع الطلاق بالفعل. وأخري يريد بذلك إنشاء الطلاق بالحلف إذا حصلت المخالفة. ففي الأول نقل عن ابن تيمية وابن قيم أن الطلاق المعلق الذي فيه معني اليمين، غير واقع وتجب فيه كفارة اليمين. وفي الثاني تقع طلقة واحدة رجعية وللزوج أن يراجعها قبل انقضاء العدة. (انتهي).

الطلاق المعلق لا كفارة فيه و لا فراق

أقول: إن الاجتهاد الحر المستمد من الكتاب والسنة من دون التزام بمذهب إمام دون إمام يجرنا إلي القول بخلاف ما أجاب به فضيلة الشيخ (مد الله في عمره) في كلا القسمين وأنه لا كفارة في الصورة الأولي ولا فراق في الصورة الثانية. وبكلمة موجزة: الطلاق المعلق لا يترتب عليه أي أثر وإن كان المختار لدي أئمة المذاهب الأربعة غير ذلك. وإليك توضيح كلا الأمرين. [ صفحه 587] أما الأول (لا كفارة): فلأن الدليل علي كفارة اليمين هي الآية المباركة التالية. قال سبحانه: - (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) -. [945] والآية توجب الكفارة المترتبة علي من نكث يمينه ولكنها ظاهرة في اليمين بلفظ الجلالة أو ما يعادله ويقاربه من الأسماء المقدسة وليس الحلف بالطلاق داخلا في الآية المباركة حتي يستلزم نقضه، الكفارة بل هي قضية شرطية كعامة القضايا الشرطية المجردة عن معني الحلف بالله سبحانه كما لو قال لئن كشفت سري، فأنا أيضا أفعل كذا. وتصور أن الطلاق المعلق يتضمن معني الحلف بالله تصور خاطئ إذ لا يتبادر منه الحلف بالله أولا، وعلي فرض تضمنه فليس هو مما قصده المتكلم بكلامه ثانيا. وعلي فرض تسليمهما فالموضوع لوجوب الكفارة، هو الحلف الصريح بشهادة قوله سبحانه: - (بما عقدتم الأيمان) - لا الحلف الضمني. ولذلك يطلقون الفقهاء علي هذا النوع من الحلف، اليمين بالطلاق، لا الحلف بالله سبحانه ولو ضمنيا. وأما الثاني: أي وقوع الطلاق إذا كان قاصدا إنشاء الطلاق المعلق فهو لا يصمد أمام النقاشات التالية: الأول: إن عناية الإسلام بنظام الأسرة الذي أسسها النكاح والطلاق، يقتضي [ صفحه 588] أن يكون الأمر فيها منجزا لا معلقا، فإن التعليق ينتهي إلي ما لا تحمد عاقبته من غير فرق بين النكاح والطلاق، فالمرء إما أن يقدم علي النكاح والطلاق أو لا، فعلي الأول فينكح أو يطلق بتاتا، وعلي الثاني يسكت حتي يحدث بعد ذلك أمرا، فالتعليق في النكاح والطلاق لا يناسب ذلك الأمر الهام، قال سبحانه: - (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) - [946] . والله سبحانه يشبه المرأة التي يترك الزوج أداء واجبها ب " المعلقة " التي هي لا ذات زوج ولا أيم. وعلقة الزوجية علقة مقدسة لا تخضع لأهواء الزوج فهو إما أن يطلقها ويسرحها، أو يتركها ولا يمس كرامتها، والزوجة في الطلاق المعلق أشبه شئ بالمعلقة الواردة في الآية، فهي لا ذات زوج ولا أيم. الثاني: إن هذا النوع من الطلاق يقوم به الزوج في حالات خاصة دون أن يشهده عدلان، والإشهاد علي الطلاق شرط لصحة وقوعه ومتي فقد لم يقع الطلاق من دون فرق بين المنجز والمعلق، ويدل عليه قوله سبحانه: - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن... - فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) - [947] . فقوله سبحانه: - (وأشهدوا ذوي عدل) - قيد للطلاق والرجعة علي قول أو لخصوص الأول علي قول آخر وإليك دراسة كلا القولين. [ صفحه 589]

الاشهاد في الآية راجع إلي الطلاق والرجوع

فهناك من ذهب إلي كونه قيدا لهما، وقد نقل هذا القول عن عدة من الصحابة والتابعين: نقل عن ابن عباس: أنه فسرها بالطلاق والرجعة. [948] وقال السيوطي: أخرج عبد الرزاق عن عطاء، قال: النكاح بالشهود والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود. وسئل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد؟ قال: بئس ما صنع طلق في بدعة وارتجع في غير سنة فليشهد علي طلاقه ومراجعته وليستغفر الله. [949] قال القرطبي: قوله تعالي: - (وأشهدوا) - أمرنا بالإشهاد علي الطلاق، وقيل: علي الرجعة. [950] وقال الآلوسي: - (وأشهدوا ذوي عدل منكم) - عند الرجعة إن اخترتموها أو الفرقة إن اخترتموها تبريا عن الريبة. [951] إلي غير ذلك من الكلمات الواردة في تفسير الآية. وممن قال برجوع القيد إلي الطلاق والرجعة الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي المصري. قال بعد ما نقل الآيتين من أول سورة الطلاق: والظاهر من سياق الآيتين أن قوله: - (وأشهدوا) - راجع إلي الطلاق وإلي الرجعة معا والأمر للوجوب، لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلي غير الوجوب - كالندب - إلا بقرينة، ولا [ صفحه 590] قرينة هنا تصرفه عن الوجوب، بل القرائن هنا تؤيد حمله علي الوجوب - إلي أن قال: - فمن أشهد علي طلاقه، فقد أتي بالطلاق علي الوجه المأمور به، ومن أشهد علي الرجعة فكذلك، ومن لم يفعل فقد تعدي حدود الله الذي حده له فوقع عمله باطلا، لا يترتب عليه أي أثر من آثاره. [952] .

الاشهاد في الآية راجع إلي الطلاق خاصة

وهناك من يذهب إلي أن قوله: - (وأشهدوا ذوي عدل منكم) - يرجع إلي خصوص الطلاق، فقط، قائلا بأن السورة بصدد بيان أحكام الطلاق، وقد افتتحت بقوله: - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) -، فذكرت للسورة عدة أحكام: 1 - أن يكون الطلاق لعدتهن. 2 - إحصاء العدة. 3 - عدم خروجهن من بيوتهن. 4 - خيار الزوج بين الإمساك والمفارقة عند اقتراب عدتهن من الانتهاء. 5 - إشهاد ذوي عدل منكم. 6 - عدة المسترابة. 7 - عدة من لا تحيض وهي في سن من تحيض. 8 - عدة أولات الأحمال. وإذا لاحظت مجموع آيات السورة من أولها إلي الآية السابقة تجد أنها بصدد بيان أحكام الطلاق لأنه المقصود الأصلي، لا الرجوع المستفاد من قوله: - (فأمسكوهن) - وقد ذكر تبعا. [ صفحه 591] وقال أبو زهرة: قال فقهاء الشيعة الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية: إن الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين لقوله تعالي " في أحكام الطلاق وإنشائه في سورة الطلاق ": - (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) - فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعا إليه، وأن تعليل الإشهاد بأنه يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح ذلك ويقويه، لأن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلي الزوجين، فيكون لها مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلي الله سبحانه وتعالي. وأنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين. [953] ويؤيد رجوع الأمر بالإشهاد إلي خصوص الطلاق لا الرجعة هو أن الطلاق حلال مبغوض عند الله سبحانه، والشريعة الإسلامية شريعة اجتماعية لا ترغب في أي نوع من أنواع الفرقة لا سيما في العائلة والأسرة، بعد ما أفضي كل من الزوجين إلي الآخر بما أفضي، فالشارع بحكمته يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثر قيوده وشروطه علي القاعدة المعروفة من أن الشئ إذا كثرت قيوده، عز أو قل وجوده، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أولا وللتأخير والأناة ثانيا، وعسي إلي أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندهما يحصل الندم ويعودان إلي الألفة كما أشير إليه بقوله تعالي: - (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) -، وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم مضافا إلي الفوائد الآخر، وهذا كله بعكس قضية الرجوع فإن الشارع يريد [ صفحه 592] التعجيل به ولعل في التأخير آفات فلم يوجب في الرجعة أي شرط من الشروط. وحاصل الكلام بما أنه حلف بالطلاق مجردا عن الإشهاد، فلا يترتب عليه الأثر بحكم الآية المباركة سواء أقلنا بأن المراد بالإشهاد يرجع إلي الطلاق والرجعة أو إلي الأول فقط. الثالث: إن أئمة أهل البيت عليهم السلام أفتوا ببطلان الطلاق المعلق، فقد روي أبو أسامة الشحام عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال له: إن لي قريبا أو صهرا حلف إن خرجت امرأته من الباب فهي طالق، فخرجت وقد دخل صاحبها منها ما شاء من المشقة فأمرني أن أسألك. فأجاب عليه السلام مرة فليمسكها فليس بشئ ثم التفت إلي القوم فقال سبحان الله يأمرونها أن تتزوج ولها زوج. [954] وقد اشتهر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام إنكار الأمور الثلاثة التالية: 1 - طلاق المرأة وهي حائض. 2 - الطلاق دون إشهاد عدلين. 3 - الحلف علي الطلاق. وثمة سؤال يتوجه إلي فضيلة الشيخ بأنه لماذا اختار في الإجابة مذهب ابن تيمية وابن قيم الجوزية مع أن المذهب المشهور بين فقهاء السنة أنه يقع الطلاق إذا حنث في يمينه دون فرق بين الصورتين. قال السبكي: وقد أجمعت الأمة علي وقوع المعلق كوقوع المنجز فإن الطلاق مما يقبل التعليق. فلو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق وهو الذي يقصد به الحث أو المنع فإذا علق الطلاق علي هذا الوجه ثم وجد المعلق عليه، وقع الطلاق. [ صفحه 593] ثم قال: وقد لبس ابن تيمية بوجود خلاف في هذه المسألة وقد نقل إجماع الأمة علي ذلك أئمة لا يرتاب في قولهم ولا يتوقف في صحة نقلهم. [955] ولذلك كان الأولي لفضيلة الشيخ الاجتهاد في المسألة ثم الافتاء وفق اجتهاده من دون أن يتبع فتوي إمام دون إمام وإلا فما هو المرجح للافتاء بقول إمامين دون سائر الأئمة من أهل السنة. وفي الختام نلفت نظركم السامي إلي الكلمة التالية لبعض علمائنا. [956] إن الإمامية يضيقون دائرة الطلاق إلي أقصي الحدود، ويفرضون القيود الصارمة علي المطلق والمطلقة، وصيغة الطلاق وشهوده، كل ذلك لأن الزواج عصمة مودة ورحمة وميثاق من الله قال تعالي: - (وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) - [957] وقال سبحانه: - (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) - [958] إذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة والمودة والرحمة، وهذا العهد والميثاق إلا بعد أن نعلم علما قاطعا لا يداخله شك بأن الشرع قد حل الزواج ونقضه بعد أن أثبته وأبرمه. وليس اليمين بالطلاق - مع وجود الاختلاف الكثير بين الفقهاء - من هذه المقولة فعلي الزوج أن يمسك بعصمتها ما لم يدل دليل قاطع علي الطلاق الشرعي. جعفر السبحاني الجمهورية الإسلامية في إيران قم. الجامعة الإسلامية [ صفحه 594]

من كربلاء إلي قانا

لقد كان لرحلتي إلي المملكة الأردنية الهاشمية تأثير بالغ في إلفات الأنظار إلي مذهب الشيعة، وأن الشيعة هم أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد تركت انطباعات مهمة في النفوس والقلوب. ومما أكدت عليه في بعض محاضراتي أن العشرة الأولي من شهر محرم الحرام أيام حداد وحزن لشهادة السبط الأصغر الحسين بن علي عليهما السلام في كربلاء علي يد الأمويين، وقد خير السبط بين السلة والذلة، وبين القتل والبيعة ليزيد الخمور والفجور، فأبي أن يهادن مع الظلم والذل واستشهد مع أولاده وخيرة أصحابه في هذا السبيل. سل كربلا كم من حشي لمحمد نهبت بها وكم استجزت من يد أقمار تم غالها خسف الردي واغتالها بصروفه الزمن الردي فإذا بالمقال الذي كتبه الأستاذ حسين الرواشدة في صحيفة اللواء حول شهادة الحسين عليه السلام وأهدافه وأنه يجب علي الأمة أخذ الدروس والعبر من ثورة الحسين عليه السلام، وبما أن للمقالة قيمة تاريخية نشرت في بلد يقام فيها مجالس الأفراح في شهر محرم الحرام، قمنا بنشرها لتبقي خالدة في بلادنا عبر القرون. وقد خاطبني في مقاله وقال: [ صفحه 595] إلي سماحة الشيخ آية الله السبحاني: من كربلاء إلي قانا... لم نتعلم من المحنة بعد واقع الأمة بين السلة والذلة... عاشوراء: دروس في البيعة والصلح والثورة ضد القهر والهوان. الحسين: لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد... أما الذين يتطوعون - اليوم - لتحريف الواقع وتسويغه وفق بوصلة مصالحهم وأهدافهم فمطالبون بقراءة تاريخ عنوانه " كربلاء " وأما الذين يبحثون عن لغة جديدة لتضليل الشعوب باسم الراحة والسمن والعسل وتكتيك المهادنة، ويحذورنهم من عبثية المواجهة ويدعونهم إلي شرعية الصلح المتصل بحبال المصلحة الوطنية التي غالبا ما تتحول في أيدي السحرة إلي حيات مخيفة... هؤلاء مدعوون لزيارة الحسين بن علي كرم الله وجهيهما في مثل هذا الموسم من عاشوراء لا لمتابعة اللطم وشق الصدور وإقامة مآتم الندب والعزاء... ولكن لفهم معادلة الصراع بين الحق والباطل وإدراك قضية العدالة المرتبطة بالعبودية الخالصة لله، فعاشوراء ما زالت تتجدد في كيانات هذه الأمة ثورة ضد الاضطهاد، يتمثلها الأجيال كفاحا وتمردا ضد الواقع الحزين وتنطق بها الأرض دما لا يهدأ، وروحا تستأنس بالشهادة كما يستأنس الطفل بمحالب أمه لا مجرد حماس وانفعال وثورة عاطفية تشتعل ثم تخمد... وإنما فكر متعلق بالله وعمل شعاره " هون ما نزل بنا، أنه بعين الله... " وإرادة مستمدة من الحسين بن علي شهيد كربلاء وهو يصعد إلي السماء ودمه في كفه مرددا " هكذا أكون حتي ألقي الله وجدي رسول الله عليه الصلاة والسلام... ". محنة الحسين بن علي التي تتردد أصداؤها اليوم في ذاكرة الأمة الضالة لتعيد إليها تاريخها المستباح وتوقظ فيها مشاعر الكرامة والثورة ضد الظلم [ صفحه 596] والطاغوت... تعلمنا كيف نمد أيدينا لنصافح أو نعاهد أو نعاقد، وكيف نسحب أيدينا حين تكون المسألة متعلقة بالعزة والكبرياء والأنفة، وحين تحس النفس المؤمنة بأن عقد الصلح قيد لإذلالها وإذعانها لشرعية الطاغوت يعلمنا الحسين بن علي الفقير الذي تربي في حضن جده المصطفي كما تربي والده علي كرم الله وجهه منذ ولد في كنف ابن عمه عليه السلام كيف نحافظ علي بساط التفاوض مع الأعداء نسحبه حين يكون الإقرار إقرار العبيد، ونرفضه حين يكون استجداء كإعطاء الذليل الذي يشعر بانسحاق إرادته أمام سيده... فالعزة ليست في المنصب والمال ولا في " السلة " التي يوهمنا بها أدعياء الرفاه والاستقرار، ولكنها بمقدار ما يملك الإنسان من إرادة وعزيمة وبمقدار ما يرتفع إليه من إيمان وشجاعة والتزام. أين نحن اليوم من حكمة شهيد كربلاء ومحنته المليئة بالدروس والمواقف؟ إن الذين يقرأون هذه المحنة التي واجهها الهاشميون من آل عترة المصطفي عليه السلام سيدركون - لا ريب - حجم القوة الإيمانية التي تدفع اثنين وثمانين رجلا وامرأة للوقوف مع الحق في وجه أكثر من اثني عشر ألفا من جيش يزيد بن معاوية... وتجعلهم مع محارمهم اللواتي ما هتك لهن ستر قط يواجهون عطشا وحصارا وظلما وجبروتا يقع بعده الشهيد تلو الشهيد من أبناء الحسن وجعفر وآل أبي طالب أحفاد رسول الله عليه السلام دون أن يدفعهم ذلك إلي قبول " الذلة " ومبايعة يزيد " بالخلافة ". درس في البيعة - إذن - ودرس في قبول الصلح والانسياق خلف سلال الغنيمة... فما الذي دفع الحسين إلي رفض السلة مع الذلة معا؟ السر في ذلك يلخصه رضي الله عنه في إحدي خطبه فيقول: "... لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين [ صفحه 597] السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية وجباه أبية... ". والسر في ذلك يعرضه مرة أخري " جون " مولي أبي ذر الغفاري حين أشار عليه الحسين بن علي أن يتنحي عن المشاركة في قتال " عاشوراء " فيجيبه جون: لا والله... أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟! والله لا أفارقكم حتي يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم... فأذن له الحسين حتي استشهد بعد أن قتل خمسة وعشرين رجلا. هو - إذن - درس في امتحان الصحابة وفرزهم عن جموع الموظفين الذين يتزاحمون ساعة الطمع ويفرون ساعة الفزع... والقائد هنا لا يكذب علي أتباعه بالشعارات ولا يصفهم في طوابير بالحديد والنار ليقاتلوا دونه، ولكنه يصارحهم بالحرية في البيعة والوضوح في القصد، فالبطولة ليست بهلوانا والمعركة ليست قتالا مجردا من العقيدة والرسالة والإرادة. وهو درس للذين يتسابقون بدافع القوة من قوة الآخر وهيمنته وجبروته للسجود بين يديه، والاضمحلال فيه لخدمة مصالحه، واستناد إلي الواقع بمنطقه المعكوس لتبرير هذا الانجرار، هؤلاء لم يسمعوا " حنظلة الشبامي " [كذا] وهو ينادي علي الحسين: " صدقت يا ابن رسول الله أفلا نروح إلي الآخرة... "، ولم يصغوا للشيخ الطاعن في السن " أنس الكاهلي " الذي رأي النبي وسمع حديثه وشهد معه بدرا وحنينا وقد برز رافعا حاجبيه بالعصابة ومقاتلا دون الحسين حتي استشهد. لم تكن قلة العدد - إذن - معيارا للهزيمة أو الانكسار، ولم يكن الانكسار مؤشرا لاندحار الحق وغلبة الباطل... ولم تكن الهزيمة والغلبة مدعاة للرضوخ والاستسلام، وما كان الصادقون - آنذاك - قصرا عن تبرير الواقع وتسويغه [ صفحه 598] ليناسب حجم المحاذير والرغائب كان " الحسين بن علي " وقد أقفل عائدا من مكة إلي كربلاء بعد أن قطع الحج وترك الذين ينتظرون خطبته علي عرفة... كان يدرك وهو يصارح من انسحب خلفه من القوم أن كثيرا منهم لا يريد سوي الدنيا وكان صادقا معهم وهو يقول عشية السفر: " ألا ومن كان فينا باذلا مهجته موطنا علي لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما... " وقد انسحب عنه الكثيرون بعد أن أدركوا حقيقة ما قاله الفرزدق " قلوبهم معك وسيوفهم عليك " وبقي القلة من الذين كان حاديهم يقول: " لوددت أني قتلت وأحرقت ثم أحييت يفعل بي ذلك سبعين مرة ما توانيت عنك ". درس في ترسيم العلاقة مع الله... العلاقة الدائمة غير الرسمية أو الموسمية مع أوامر الخالق... العلاقة التي لا تقتصر علي طقوس الصلاة والصيام فحسب بل تتعداها إلي كل ما يدور في حياة المسلم وما يتعلق بواقعه داخل المسجد وخارجه وهو درس غائب عن هذه الجماهير التي استهلكتها الحياة المادية بشهواتها وعوارضها... درس يندر اليوم أن يتجسد في " نموذج " يقارب ولو من بعيد نموذج الحسين وصحابته الذين ماتوا دفاعا عن حقهم في الكرامة والشهادة. ما أحوج الأمة اليوم، وهي تضع رقبتها علي حد المقصلة، وتدافع عن كرامتها بمزيد من التبعية والاستسلام، وتتسرب من خلايا أعدائها وعيونهم لتخنق شعوبها... ما أحوجها إلي وقفة مع " عاشوراء " وما تجسد من فكر في التضحية والالتزام بالحق ومواجهة الباطل وجنوده... والاستعلاء علي وسخ الواقع وطين الوعود والخوف علي شهواته الزائلة... فمن قال إن مصلحة الأمة في الراحة والذلة ومن قال إن مصلحة الوطن في حسن التعامل مع الواقع المهين بمفرداته وآلياته [ صفحه 599] وشروطه التي يمليها القوي علي الضعيف... ألم يمتحن رسول الله صحابته حين أرسل بعضا منهم إلي قلعة ضخمة لبلوغها، وحين عادوا مقرين بضعفهم وجبنهم قال لهم محمد عليه السلام: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه... ". فأول شروط نبذ الضعف والجبن الذي يسوغه البعض تكتيكا وخروجا من مأزق الواقع هو محبة الله ورسوله... ولكن أين الذين يحبهم الله وأين الذين يحبونه ورسوله في عالمنا هذا المهزوم؟ وأين الذين قال فيهم علي بن أبي طالب " من أحد سنان الغضب لله قوي علي قتل أشداء الباطل ".... إن الذين نخشاهم اليوم يحدون سيوفهم للقضاء علي شعوبهم، ويغضبون إذا غضبت أمريكا أو إذا زمجرت إسرائيل... الذين نخافهم ممن يعطون أنفسهم مراسيم القومية والخوف علي مستقبل الأمة يحرسون ثغور ومصالح غيرهم، فأين منا الحسين وأين كربلاء التي تجسد في أعماقنا أكبر ثورة إنسانية ضد الخنوع والقهر لآلة الاستبداد واستيطان الإرادة والانحناء لغير الله عز وجل.... كيف يمكن لهذه الأمة أن تعيد مرة أخري " عاشورا " إلي منصتها الخالدة، لتنفض عنها غبار " الذلة " وتمسح دماء أطفال " قانا " التي لم تجف بعد... كيف يمكن أن يقف الشعب خلف قيادته وأن يعلن رجل يصارع الموت كما أعلن " مسلم بن عوسجة " في حضرة " الحسين بن علي " وصيته لصديقه... وما هي وصيته؟ يقول حبيب بن مظاهر: " لما صرع مسلم بن عوسجة مشي إليه الإمام الحسين وكنت معه، وجلسنا عنده وهو يحتضر قلت له: والله لولا أن أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي فإن الصديق يوصي صديقه لحظة الاحتضار، يوصيه بأهله وعياله ولكن مشكلتي أني سأموت من بعدك وسأسير في نفس الطريق... فقال له مسلم: لي وصية تستطيع [ صفحه 600] أن تنفذها الآن...؟ قلت: وما هي وصيتك؟ قال: أوصك بهذا - وأشار بيده للإمام الحسين بن علي - جاهد دونه حتي تموت. وما دام هنالك قضية عادلة، وحق يقابل باطلا ليدحضه، فالموت ليس مهما والدم أقرب اللحظات التي توصل الأرض بالسماء ألم تسمع ماذا قال " علي الأكبر " ابن الإمام الحسين وهو يري أنفاس والده تعانق السماء وقد ظل يكرر - (إنا لله وإنا إليه راجعون) -: يا أبتاه لم تسترجع؟ فأجابه: يا بني عن لي فارس وأنا في المنام يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم، فعلمت أن نفوسنا نعيت إلينا، قال علي: يا أبتاه ألسنا مع الحق؟ قال الحسين: بلي والذي نفسي بيده. قال علي: لا نبالي يا أبتاه - إذن - أن نموت محقين. ولكن كيف يمكن لأطفالنا أن يتساءلوا عن قضيتنا؟ وكيف يمكن لنا - نحن التعساء - أن نجيبهم، لقد علم الحسين ولده درس نعلم أبناءنا درس التضحية ونحن نسبل رموشنا لاستقبال خيرات العهد الشرق أوسطي الجديد؟ كيف يمكننا أن نقنع أجيالنا بأن الذي ندافع عنه هو الحق... الذي يجب أن يدافعوا عنه ويصونونه أي حق هذا الذي استعدناه وأي تضحية تلك التي قطفنا ثمارها بعد سيل الهزائم والانكسارات.... يا الله... ماذا يحدث لهذه الأمة التي تحولت إلي قطيع تائه... ماذا يحدث لهذه الأجيال التي مسخت تاريخها... ماذا يحدث وقد غابت المرجعيات وتحول معظم العلماء إلي سدنة في بلاط السلطة، وعبيد في أقبية السلاطين وقد فقدت الحركات مبررات وجودها، واستمرأت اللعبة، فاشتغلت في شؤون الحيض وتنظيف الفرج واللسان بدعوي السماحة والنظافة والاعتدال وانتظار فرج السماء. [ صفحه 601] يا الله... إذا كان القوم قد تركوا حفيد رسولك " الحسين بن علي " وحيدا أعزل إلا من الإرادة والإيمان واثنين وثمانين رجلا وامرأة... وشهدوا علي دمه الطيب - بعد أن منعوه وحصانه الماء - وهو يصعد في كفة السماء... فمن يستطيع في زماننا أن يحمل راية حملها الحسين... ومن يتبقي معه من أمة نخر عصبها الفساد والتعب والضلال. أما نحن فلا نملك إلا أن نقرأ " كربلاء " وأن نتوقف بقلوب أدمنت الحزن ومرارة " المحنة " علي معني المكابدة من أجل رضي الله، ومعني التضحية بكل شئ من أجل الحق... ومعني الإيمان الخالص بالقضية العادلة والدفاع عنها مهما غلا الثمن. نقرأ عاشوراء... مرة تلو مرة... لنحدد أهدافنا ونوضحها ونميز بين الصحابة والموظفين، بين المؤمنين بدينهم وأوطانهم والمندسين طمعا في الغانم، بين المرتبطين عقلا وروحا بالإسلام وبين المرتبطين عاطفيا وموسميا به عبر الفاكسات والبيانات. ونعيد إلي ذاكرتنا محنة " الحسين " وأصحابه، فالحسين ليس ملكا لفرقة دون فرقة، وعاشوراء ليست مناسبة دينية لمذهب دون آخر.... الحسين هو معلمنا جميعا وعاشوراء وكربلاء مناسبتان عابقتان بالدم والتضحية في تاريخنا السياسي الإسلامي وهما في قاموسنا ثورة ضد الطغاة، ضد الإذلال، ضد التطبيع والمصالحة والمصافحة ضد الاستهتار بحق الأمة، ضد تسويغ الواقع وتبرير السقوط في دهاليزه المظلمة... ضد كل خطط الإذلال التي تحاك هنا وهناك للقضاء علي روح الجهاد في هذه الأمة... عاشوراء لنا جميعا بلا استثناء لفقرائنا وساستنا، لحركاتنا التائهة ولإنساننا الذي أدمن اليأس والصمت والانتظار، عاشوراء لغة [ صفحه 602] الواقع التي تؤسس لصياغة المستقبل وهي لفتة الحرية في تاريخنا الملئ بالقهر والاستبداد... تظل تعيد في أذهاننا ما قاله الحسين رضي الله عنه " والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد ". تري... هل تستطيع هذه الأمة المسكينة التي تبيع برميل نفطها بما يعادل ثمن حبة برتقال - كما اعترف بذلك وزير النفط العماني - التي تشتغل اليوم بكل طواقمها في الانتخابات الصهيونية وتسير خلف أوهام السلام الذي يبشر به سفاح قانا... أن نقرأ دروس عاشوراء، وأن نتعلم من دروس الحسين في كربلاء... أم أنني أنفخ في قربة مخزوقة.... يا الله... ماذا يملك المظلومون العاصون غير الدعاء إليك واللوذ ببابك... فاعف عنا يا أرحم الراحمين. [ صفحه 603]

التقية رخصة شرعية

اشاره

كانت لرحلتي إلي الأردن عام 1418 نتائج بناءة في تقريب الخطي وتبيين عقائد الشيعة من خلال المحاضرات التي ألقيتها في الجامعات الإسلامية، ومما عطفت النظر عليه هي مسألة التقية، وإنها ليست أصلا شيعيا محضا بل هي أصل قرآني نطق بها الصادع بالحق وأوضحها المفسرون بكلماتهم. ثم إني لما قفلت راجعا إلي إيران وقفت علي مقالة بقلم أحد أساتذة جامعة مؤتة نشرتها صحيفة اللواء الأردنية في عددها الصادر 1211 المؤرخة 24 / 7 / 96 وقد استرعي انتباهي ما في آخر المقال من جملة ربما تتخذ ذريعة لتحريف الحقيقة فعزمت علي كتابة رسالة إلي رئيس التحرير وبينت فيها موقف المسلمين بالنسبة إلي ما تحتويه تلك الجملة. ولما كان المقال وثيقة علمية أصحر الحق بها ذلك الكاتب، آليت أن أنشره مع ما ذيلته به، وإليك المقال. الضرورات تبيح المحذورات والمشقة تجلب التيسير الحمد لله رب العالمين ملء السماوات والأرض وما بينهما والصلاة [ صفحه 604] والسلام علي محمد النبي الخاتم وعلي آله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا... وبعد. في بواكير ثقافتي واطلاعي كنت أسمع الكثير من المفتريات والمبالغات التي كانت تدور حول الشيعة وحول التشيع خاصة ما يؤمنون من أفكار ومعتقدات كنت أصدق كل ما يقال وذلك لقلة اطلاعي. فقد كنت أسمع عن مبدأ التقية عند الشيعة وكأن هذا المبدأ ليس له أصل في الشرع الإسلامي إلا أنه مجرد فكر اختلقه علماء الشيعة ولكن الحقائق بعد الاطلاع ظهرت جلية و - (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) -. والآن ما هي التقية وما هي أحكامها وأدلتها الشرعية؟ التقية: الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف علي النفس وهي عكس مفهوم النفاق. ففي التقية يتم إظهار الكفر وإبطان الإيمان. أما في النفاق فيتم إبطان الكفر وإظهار الإيمان. والتقية رخصة شرعية كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به لأن الله عز وجل يقول: - (وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين) -. أما النفاق: " فهو أشد الكفر لأنه أشد خطورة والمنافقون في الدرك الأسفل من النار ". الأدلة علي جواز الأخذ بمبدأ التقية: إن الأصل في الإسلام هو: عدم موالاة الكافرين واليهود والنصاري والصدع بما أمر الله وعدم خشية أحد في الحق إلا الله. [ صفحه 605] فالمؤمنون هم الذين - (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) - (المائدة / 54). ولكن الضرورات تبيح المحذورات والمشقة تجلب التيسير. قال تعالي: - (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) -. أي من اضطر للوقوع في المحرم علي أن لا يطلبه لذاته ولا يتعدي علي أصل تحريمه فإن الإثم عنه مرفوع. ونحن نعلم أن الله قد نهانا عن موالاة الكافرين ومودتهم في الأصل الحكمي ولكن هناك حالات يجوز لنا فيها موالاتهم فيها فما هي لنتعرف عليها من خلال الآية القرآنية الكريمة التالية: قال تعالي: - (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلي الله المصير) - (آل عمران / 27). مفهوم الآية: نهي وتحذير من الواحد الأحد عز وجل من موالاة ومودة الكافرين؟ ومن يفعل ذلك فهو في غاية البعد عن الله. ولكن في حالة خوفكم من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه فهنا الموالاة جائزة كرخصة لا كأصل. وقال تعالي: - (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه وإن يك صادقا يصيبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) - (غافر / 28). من خلال الآية السابقة نلاحظ ما يلي: إن الرجل من آل فرعون وقوم فرعون والرجل مؤمن وكان هذا [ صفحه 606] الرجل يكتم إيمانه أي يخفيه يظهر الكفر ويبطن الإيمان والسبب في ذلك: خوفا من فرعون وجنوده لأن فرعون طغي وفي الأرض علا. ولكن ما هي المنفعة التي جلبها وحققها مؤمن آل فرعون بكتمه إيمانه: صيانة نفسه وحمايتها وتقديم النصح بعدم قتل موسي بناء علي أنه كافر ليس مؤمن وليس له عند موسي أي منفعة. فهنا تم تحقيق تكون في حال التمكن في الأرض وفي حال ضعف المسلمين وتكون في الحرب لأن (الحرب خدعة) وهي جائزة لصون النفس من الضرر لأن دفع الضرر عن النفس واجب قدر الإمكان حتي في ساحة القتال. قال تعالي: - (تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) - وقال تعالي: - (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) -.

احكام التقية

1 - تكون بالجري علي اللسان مع الاطمئنان في القلب بالإيمان. 2 - لو أنه أفصح بالإيمان والخوف حيث تجوز له التقية كان ذلك أفضل و ذلك بناء علي قاعدة - (وإن تصوموا خير لكم) -. 3 - تكون التقية إذا كان الرجل في قوم كفار ويخاف منهم علي نفسه وماله في داريهم بلسانه ونحن نعرف أن الدعوة السرية للإسلام استمرت ثلاث سنين قبل أن يصدع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بالدعوة. [ صفحه 607] ومن ذلك الذي يعيش مثلا في " إسرائيل " وسط اليهود أو في روسيا وسط الشيوعيين أو في دولة أوروبية تعادي الإسلام. 4 - إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والدين فأما ما يرجع ضرره علي الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال وشهادة الزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار علي عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة لأنه " لا ضرر ولا ضرار ". 5 - وكما أن التقية جائزة لصون النفس فكذلك هي جائزة لصون المال. قال صلي الله عليه وآله وسلم " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " ولقوله: من قتل دون ماله فهو شهيد " ولأن الحاجة إلي المال شديدة. حيث إنه من المعروف أن الماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار علي التيمم دفعا لذلك القدر من نقصان المال فكيف لا يجوز ههنا. 6 - إن التقية يؤخذ بها في أي وقت إلي يوم القيامة فهي رخصة تطبق عند وجود السبب والضرورة ولا تقتصر علي حال ووقت معين. 7 - إن التقية واجبة كضرب من اللطف والاستصلاح فمن خاف الكفار فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه فقد روي البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم. وقال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان. وكذا قال أبو العالية وأبو الشقاء والضحاك والربيع بن أنس ويؤيد ما قالوه قول الله تعالي: - (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) -. وكلنا يعرف قصة آل ياسر وتعذيب قريش لهم فقد نطق ياسر بكلمة الكفر بلسانه من شدة العذاب ولكن بقي قلبه مطمئنا بالإيمان. روي الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [ صفحه 608] فقال لأحدهما أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم فقال للآخر: أفتشهد أني رسول الله؟ فقال: إني أحم قالها ثلاثا كل ذلك يجيبه مثل الأول فضرب عنقه فبلغ ذلك رسول الله فقال: أما ذلك المقتول فمضي علي صدقه ويقينه وأخذ بفضله فهنيئا له. وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا يتبعه عليه فعلي هذا تكون التقية رخصة والإفصاح بالحق عزيمة. وإذا أن البعض قد أساء فهم مدلول التقية فإن الخطأ لم يكمن في القاعدة أو الحكم إنما نقول إن الله يحب أن تؤتي رخصة كما يجب أن تؤتي عزائمه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [ صفحه 609]

حضرة الأستاذ حسن التل رئيس تحرير صحيفة اللواء الأردنية، الموقر

بسم الله الرحمن الرحيم أتقدم لكم بالتحية الخاصة متمنيا دوام التوفيق. أما بعد: فقد قرأنا في العدد 1211 والمؤرخ في 24 / 7 / 96 مقالا قيما حول التقية بعنوان: التقية رخصة شرعية بقلم الأستاذ الفاضل أسامة عبد الكريم الكساسبة من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة مؤتة. ونحن إذ نقدر منكم ومن الأستاذ الكاتب لذلك المقال، هذه الخطوة الهادفة إلي التقريب بين المذاهب نسأل الله سبحانه أن ينصر المسلمين ويعيد إليهم عزتهم وكرامتهم علي أيدي المخلصين من أبناء أمتنا الإسلامية. إن المقال المذكور تضمن - ولله الحمد - أدلة مشرقة أثبتت أن للتقية أصولا وجذورا في القرآن الكريم والسنة المطهرة والتاريخ الإسلامي، فهو بحق مقال علمي كشف القناع عن وجه التقية وبين الفرق بينها وبين النفاق بوجه واضح. بيد أنه جاء في آخر المقالة عبارة مجلة هي: " وإذا كان البعض قد أساء فهم مدلول التقية فإن الخطأ لم يكمن في القاعدة أو الحكم إنما الخطأ يكمن في الخطأ في العمل والتطبيق ". فإذا كان مقصود الكاتب من هذه العبارة - كما فهمنا أو احتملنا - هو [ صفحه 610] اختصاص أدلة مشروعة التقية باتقاء المسلم من الكافر، فلا يشمل اتقاء المسلم من المسلم فهو غير صحيح، لأن الغرض من تشريع التقية عند الابتلاء بالكفار ليس إلا صيانة النفس والمال من الشر والضرر، فإذا ابتلي المسلم بمسلم ظالم صادر حريته، ومنعه من إظهار عقيدته من دون خوف بحيث لو أظهر عقيدته نكل به واستباح دمه وماله، حكم العقل والنقل هنا بصيانة النفس والمال بواسطة التقية، وعدم إظهار المعتقد، ومماشاة من يهدد حياته أو ماله، وحينئذ لا يكون اللوم متوجها إلي المسلم المقهور بل إلي الآخر الذي صادر حريته، وقهره منعه من إظهار معتقده. وقد صرح بهذا (أي مشروعية التقية حتي عند المسلم) طائفة من أعلام المسلمين، نشير إلي عبارات بعضهم في هذا المجال: 1 - يقول الإمام الرازي في تفسير قوله سبحانه: - (إلا تتقوا منهم تقاة) - ظاهر الآية يدل علي أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين إلا أن مذهب الشافعي أن الحالة بين المسلمين، وقال: التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلي الله عليه وآله وسلم " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". (مفاتيح الغيب: 8 / 13). 2 - نقل جمال القاسمي عن الإمام المرتضي اليماني في كتابه " إيثار الحق علي الحق " ما نصه: " وزاد الحق غموضا وخفاء أمران: أحدهما: خوف التقية عند ذلك بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق، ولا برح المحق عدوا لأكثر الخلق وقد صح عن أبي هريرة أنه قال في [ صفحه 611] ذلك العصر الأول: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعائين أما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. (محاسن التأويل: 4 / 82). 3 - قال المراغي في تفسير قوله سبحانه: - (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) -: ويدخل في التقية مداراة الكفر والظلمة والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم وبذل المال لهم لكف أذاهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع، فقد أخرج الطبراني قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " ما وقي المؤمن به عرضه فهو صدقة ". (تفسير المراغي: 3 / 136). وهكذا يذهب أعلام من المسلمين إلي مشروعية اتقاء المسلم من المسلم إذا خاف علي نفسه وحتي ماله من الهلاك والضياع، ولا إثم علي المسلم إذا اتقي أخاه المسلم وعامله بالتقية وأخفي عنه معتقده إذا لم يسمح له أخوه المسلم بأن يظهر عقيدته بدافع العصبية والطائفية. فالذي ينبغي أن يسعي إليه المسلمون وبخاصة المهتمون بشؤونهم هو فتح آفاق الحوار البناء، والسماح للجميع بإظهار عقائدهم، بعيدا عن الإرهاب والإرعاب، والتكفير والتفسيق لتعود الأمة الإسلامية قوة متراصة الصفوف، رسائل ومقالات - الشيخ جعفر السبحاني - ص 611 متكاتفة حتي مع الاختلاف في الاجتهادات، والآراء. وعلي كل حال نعود لنثمن جهدكم وجهد الكاتب الفاضل هذا. وفقكم الله وأخذ بأيديكم لما فيه صالح المسلمين. جعفر السبحاني قم - الجامعة الإسلامية 20 / 4 / 1417 ه 612 ا

پاورقي

[1] الصافات: 83 - 84.
[2] البينة: 7.
[3] السيوطي: الدر المنثور: 2 / 589. ولاحظ الصواعق: 161، والنهاية لابن الأثير مادة " قمح ": 4 / 106، ربيع الأبرار للزمخشري، فالروايات الواردة في تسمية النبي من يتابع عليا شيعيا، تقارب عشرين رواية.
[4] السيوطي: الدر المنثور: 2 / 589. ولاحظ الصواعق: 161، والنهاية لابن الأثير مادة " قمح ": 4 / 106، ربيع الأبرار للزمخشري، فالروايات الواردة في تسمية النبي من يتابع عليا شيعيا، تقارب عشرين رواية.
[5] المسعودي: الوصية: 121.
[6] النوبختي: فرق الشيعة: 15.
[7] الأشعري: مقالات الإسلاميين: 1 / 65.
[8] الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 131.
[9] ابن حزم: الملل والنحل: 2 / 113، طبعة بغداد. [
[10] الطبري: التاريخ: 2 / 62، الجزري: الكامل: 2 / 40، ولاحظ التفاسير بشأن قوله سبحانه:- (وأنذر عشيرتك الأقربين) - (الشعراء / 214).
[11] مسلم: الصحيح: ج 6، باب فضائل علي ص 120 طبع محمد علي صبيح.
[12] خطط الشام: 5 / 251.
[13] لاحظ ميزان الاعتدال: للذهبي: 1 / 438، تهذيب التهذيب: لابن حجر: 4 / 285، اللئالي المصنوعة: 1 / 157 و 199.
[14] الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2 / 121.
[15] الصدوق: التوحيد، باب التوحيد والتشبيه: 81 برقم 37.
[16] الأنبياء: 28.
[17] الفتح: 10.
[18] البقرة: 22.
[19] لقمان: 27.
[20] نهج البلاغة، الخطبة: 186.
[21] الشوري: 51.
[22] القصص: 30.
[23] الشعراء: 193 - 194.
[24] المدثر: 25.
[25] الصدوق: التوحيد: 224، الحديث 2.
[26] الأنعام: 103.
[27] نهج البلاغة: الخطبة 87. والأناسي: جمع إنسان، وإنسان البصر هو ما يري وسط الحدقة ممتازا عنها في لونها.
[28] نهج البلاغة: الخطبة 180.
[29] نهج البلاغة: الخطبة 174.
[30] القيامة: 22 - 25.
[31] آل عمران: 18.
[32] البقرة: 286.
[33] لقمان: 20.
[34] المؤمنون: 115.
[35] الدخان: 38.
[36] الحديد: 22.
[37] المائدة: 64.
[38] الكهف: 29.
[39] الإنسان: 3.
[40] الحشر: 5.
[41] الأعراف: 168.
[42] الأعراف: 94.
[43] راجع الإلهيات: 1 / 257 - 262 بقلم المؤلف.
[44] الزمر: 47 - 48.
[45] الرعد: 11.
[46] الأعراف: 96.
[47] نوح: 10 - 12.
[48] البخاري: الصحيح: 4 / 171.
[49] النحل: 106.
[50] آل عمران: 28.
[51] الرازي: مفاتيح الغيب: 8 / 13.
[52] جمال الدين القاسمي: محاسن التأويل: 4 / 82.
[53] الشوري: 51.
[54] الحاقة: 44 - 47.
[55] الصف: 6.
[56] الشعراء: 193 - 194.
[57] الإسراء: 88.
[58] الأعراف: 158.
[59] سبأ: 28.
[60] الأحزاب: 40.
[61] الطبرسي: مجمع البيان: 1 / 10، نقلا عن رسالة جواب المسائل الطرابلسية للسيد المرتضي.
[62] تهذيب الأصول، محاضرات الإمام الخميني: 2 / 56 بقلم المؤلف.
[63] صموئيل الأول: الإصحاح الثاني: الجملة 6، طبع دار الكتاب المقدس.
[64] النساء: 64.
[65] الصحيفة السجادية، الدعاء الرابع مع شرح " في ظلال الصحيفة السجادية ": 55 - 56.
[66] الحجرات: 6.
[67] لاحظ في الوقوف علي هذا النوع من الأحاديث جامع الأصول لابن الأثير: ج 11 كتاب الحوض: 120 - 121.
[68] الجزري: أسد الغابة: 4 / 199.
[69] الثقفي: الغارات: 2 / 591، اليعقوبي: التاريخ: 1 / 186، الجزري: الكامل: 3 / 192.
[70] أنظر الحجرات: 6.
[71] ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة: 18، الجزري: الكامل: 2 / 425.
[72] الطبري: التاريخ: 3 / 294.
[73] ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة: 32.
[74] أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء: 1 / 444.
[75] ابن سينا: الشفاء، الإلهيات، المقالة العاشرة، الفصل الثالث والخمسون، ولاحظ المبدأ والمعاد: 558.
[76] الشعراء: 214.
[77] الطبري: التاريخ: 2 / 63 - 64 وابن الأثير: الكامل: 2 / 40، أبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه: 3 / 90 والإمام أحمد: المسند: 1 / 159 إلي غير ذلك من المصادر.
[78] البخاري: الصحيح، غزوة تبوك: 6 / 3، طبع عام 1314 ه، ومسلم: الصحيح: فضائل علي: 7 / 120، وابن ماجة: السنن في فضائل أصحاب النبي: 1 / 55، وأحمد: المسند: 1 / 173، 175،177، 179، 182، 185، 330.
[79] المائدة: 67.
[80] المائدة: 3.
[81] راجع في الوقوف علي مصادر هذا البحث الكتاب القيم " الغدير " الجزء الأول.
[82] الحديد: 15.
[83] الأحزاب: 6.
[84] من أراد أن يقف علي مصادر هذه الأشعار وما حول هذا الحديث من كلمات درية لأساطين الحديث، فعليه الرجوع إلي كتاب الغدير للعلامة الأميني بكافة أجزائه.
[85] البخاري: الصحيح: 9، باب الاستخلاف، ص 81، وما رواه متن ناقص كما سيظهر مما نقله مسلم.
[86] مسلم: الصحيح: 6 / 3، باب الناس تبع لقريش، من كتاب الإمارة.
[87] المصدر السابق، ولاحظ مسند أحمد: 5 / 98.
[88] النور: 55.
[89] الأنبياء: 105.
[90] الدكتور عبد الباقي: بين يدي الساعة: 123.
[91] العقد: اتفاقية قائمة بالطرفين كالبيع والنكاح، بخلاف الإيقاع فإنه إنشاء أمر قائم بطرف واحد، كالطلاق والعتق. وربما يعبر عن الرابع ب " أحكام " وهو أمتن وأشمل.
[92] الوحي المحمدي: 212، الطبعة السادسة.
[93] السيدة زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع علي الغرب: 133. والتسمية الأجدر: شمس الإسلام....
[94] آل عمران: 103.
[95] الحجرات: 10.
[96] آل عمران: 105.
[97] الأنعام: 65.
[98] كذا في أصل المقال، والصحيح: السابع. المعلق.
[99] الصحيح: 1135 ه. المعلق.
[100] سنن الترمذي: كتاب المناقب.
[101] مسند أحمد: 1 / 118.
[102] الأنفال: من 72.
[103] الأنفال: من 73.
[104] القصص: من 85.
[105] صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة المد: مكيال قديم، نصيفه: نصفه، والمراد أن القليل الذي أنفقه أحدهم خير من الكثير الذي ينفقه غيرهم.
[106] الحجر: 9.
[107] صحيح البخاري: كتاب الديات.
[108] البقرة: 14.
[109] سنن أبي داود: كتاب الأدب.
[110] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب.
[111] النحل: من 106.
[112] طه: من 52.
[113] ق: 29.
[114] الرعد: 39.
[115] الصحيح: في دار الهجرة.
[116] النساء: من 24.
[117] صحيح مسلم: كتاب النكاح.
[118] المراد الرسالة الأولي في هذه المجموعة وقد ألف بعد هذا المقال ونشر في صحيفة اللواء.
[119] نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صفين: 29، ط: مصر.
[120] البزدوي، أصول الدين: 248.
[121] المرتضي، الأمالي: 1 / 68، قسم التعليق، لاحظ: بحوث في الملل والنحل: 1 / 122 - 125.
[122] المفيد، الإرشاد: 284، ابن شهرآشوب: المناقب: 4 / 308، وغيرهما.
[123] الشهرستاني، الملل والنحل: 1 / 24 دار المعرفة، بيروت - 1402 ه.
[124] آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج 2، مادة الإمامة.
[125] الحج: 25.
[126] الصدوق، عيون أخبار الرضا: 2 / 121.
[127] الصدوق، التوحيد: 81 رقم الحديث 37.
[128] الصواعق: 43 - 44 وأخرجه عن طريق الطبراني وغيره، وحكم بصحته.
[129] مسند الإمام أحمد: 4 / 372، وأخرجه الإمام أيضا في مسنده من حديث البراء بن عازب من طريقين، لاحظ الجزء الرابع الصفحة 281.
[130] المستدرك: 3 / 109، مع أن الذهبي في تعليقته علي المستدرك يعلق علي مواضع من تصحيحات الحاكم صرح في هذا المقام بصحة الحديث.
[131] الخصائص العلوية: 21.
[132] الهاشميات طبعت غير مرة وشرحها غير واحد من أدباء العصر كالرافعي المصري، والأستاذ محمد شاكر الخياط وقد دب إليها الدس والتحريف، لاحظ الغدير: 2 / 181.
[133] العبقات للسيد مير حامد حسين (المتوفي 1306 ه) والغدير للعلامة الفذ عبد الحسين الأميني (المتوفي 1390 ه) وكلاهما من حسنات الدهر.
[134] الغدير: 1 / 370، وقد ذكر هناك ما يقرب من عشرين قرينة علي ما هو المراد من الحديث.
[135] رواه غير واحد من حفاظ الفريقين لاحظ الغدير: 2 / 35 - 37.
[136] الحديد: 15.
[137] مسند الإمام أحمد: 4 / 374 و 281 وغير ذلك.
[138] صحيح البخاري: 9 / 101، كتاب الأحكام، الباب 51 (باب الاستخلاف).
[139] صحيح مسلم: 6 / 3 - باب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة.
[140] الأعراف: 185.
[141] فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 13 / 212 ط دار المعرفة. وفي المصدر: عدتهم ثلاثة عشر.
[142] الأحزاب: 33.
[143] صحيح البخاري: 2 / 194 باب مناقب عمر بن الخطاب.
[144] النمل: 65.
[145] الكهف: 80.
[146] الشعراء: 214.
[147] مسند أحمد: 1 / 111، تاريخ الطبري: 2 / 62 - 63، تاريخ الكامل: 2 / 40 - 41، إلي غير ذلك من المصادر المتوفرة يقف عليها من سبر كتب السيرة - عند سرد حوادث بدء الدعوة وكتب التفسير في تفسير الآية الآنفة في سورة الشعراء.
[148] الدر المنثور: 6 / 589. والآية 7 من سورة البينة.
[149] نفس المصدر.
[150] ابن أبي الحديد، شرح النهج: 11 / 44 - 46.
[151] نهج البلاغة، الكتاب: 62.
[152] الإمامة والسياسة: 1 / 13.
[153] ديوانه: 1 / 84.
[154] تاريخ الطبري: 3 / 202 ط: دائرة المعارف.
[155] العقد الفريد: 4 / 260، ولاحظ تاريخ أبي الفداء: 1 / 356، وأعلام النساء: 3 / 1207.
[156] التوبة: 101.
[157] الكافي: 1 / 297 باب النص علي الحسن بن علي، وإثبات الهداة: 2 / 543.
[158] ابن قتيبة الدينوري المتوفي: 276 ه، تاريخ الخلفاء الراشدين المعروف بالإمامة والسياسة:1 / 22.
[159] الأحزاب: 21.
[160] السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 317 ط الحلبي مصر، السيرة الحلبية: 3 / 19 ط مصر.
[161] البقرة: 259.
[162] الكهف: 19.
[163] الكهف: 25.
[164] القصص: 85.
[165] النمل: 82 - 83.
[166] الكهف: 47.
[167] الزمر: 30.
[168] طبقات ابن سعد: 2 / 266 - 267.
[169] التوبة: 101.
[170] الحجرات: 6.
[171] نهج البلاغة، الخطبة 182.
[172] الصحيفة السجادية، الدعاء الرابع.
[173] الأحزاب: 33.
[174] التحريم: 4.
[175] الفرط: المتقدم قومه إلي الماء ويستوي فيه الواحد والجمع.
[176] جامع الأصول لابن الأثير: 11 / 120، كتاب الحوض في ورود الناس عليه، رقم الحديث7972.
[177] جامع الأصول: 11 / 120 رقم الحديث 7973.
[178] جامع الأصول: 11 / 121، و " همل النعم " كناية عن أن الناجي عدد قليل، وقد اكتفينا من الكثير بالقليل ومن أراد الوقوف علي ما لم نذكره فليرجع إلي " جامع الأصول ".
[179] التكوير: 10.
[180] الكافي: 1 / 239 باب ذكر الصحيف ومصحف فاطمة.
[181] الحجر: 9.
[182] صحيح البخاري: 8 / 208 - 211، باب رجم الحبلي، وراجع صحيح مسلم: 4 / 167 و5 / 116، ومسند أحمد: 1 / 23 و 5 / 132 و 183، وسنن أبي داود، الحدود: 23 و....
[183] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي في مقدمة تفسير سورة الأحزاب.
[184] النحل: 106.
[185] آل عمران: 28.
[186] جمال الدين القاسمي، محاسن التأويل: 4 / 82.
[187] الرازي، مفاتيح الغيب: 8 / 13 في تفسير الآية.
[188] جمال الدين القاسمي، محاسن التأويل: 4 / 82.
[189] صحيح البخاري: 4 / 171، باب ما ذكر عن بني إسرائيل من كتاب بدء الخلق.
[190] الأعراف: 96.
[191] المائدة: 64.
[192] النساء: 24.
[193] تفسير الطبري: 5 / 9.
[194] صحيح مسلم: 4 / 130، باب نكاح المتعة، الحديث 8، ط: محمد علي صبيح، ومسند أحمد:1 / 52.
[195] صحيح البخاري: 6 / 27، كتاب التفسير، تفسير قوله تعالي: - (فمن تمتع بالعمرة إلي الحج...) - من سورة البقرة.
[196] الأنفال: 41.
[197] تهذيب اللغة، مادة غنم.
[198] الأنفال: 69.
[199] النساء: 94.
[200] سنن ابن ماجة، كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة، الحديث 1797.
[201] مسند أحمد: 1 / 304، سنن ابن ماجة: 2 / 839 ط: 1373.
[202] صحيح البخاري: 9 / 160، باب - (والله خلقكم وما تعملون) - من كتاب التوحيد.
[203] صحيح البخاري: 1 / 191، كتاب التيمم، الحديث 2.
[204] المائدة: 6.
[205] سنن البيهقي: 1 / 439، مسند أحمد: 3 / 327.
[206] سنن البيهقي: 2 / 105، باب الكشف عن الجبهة.
[207] كنز العمال: 7 / 465 و 459.
[208] كنز العمال: 7 / 465 و 459.
[209] سنن البيهقي: 2 / 105.
[210] ابن أبي شيبة، المصنف: 1 / 400.
[211] هكذا وردت في نص سؤال السائل والصحيح (قصابا) لكونها حال.
[212] الكافي: 1 / 54، باب البدع والرأي، الحديث.
[213] السيرة النبوية: 2 / 250.
[214] جامع الأصول: 1 / 158.
[215] جامع الأصول: 1 / 158 - 159.
[216] راجع جامع الأصول: 1 و 10 و 11، وكنز العمال للمتقي الهندي 1.
[217] النساء: 64.
[218] الحافظ الطبراني: المعجم الكبير: 9 / 16 و 17.
[219] فاطر: 3.
[220] النمل: 63.
[221] الأنعام: 164.
[222] يونس: 49.
[223] يوسف: 88.
[224] آل عمران: 169.
[225] البقرة: 154.
[226] النساء: 69.
[227] سنن أبي داود: 2 / 218، وكنز العمال: 10 / 381، وغيرهما من كتب الحديث.
[228] نفس المصدر.
[229] النمل: 65.
[230] يوسف: 5.
[231] يوسف: 41.
[232] يوسف: 94.
[233] آل عمران: 49.
[234] جامع الأصول: 8 / 650.
[235] الرياض النضرة: 2 / 75.
[236] مسند أحمد: 1 / 48 و 51.
[237] تفسير الجامع لأحكام القرآن: 14 / 113.
[238] الموطأ، كتاب الحدود: 714، الحديث 9.
[239] صحيح البخاري: 8 / 169 باب رجم الحبلي من الزنا من كتاب الفرائض، مسند أحمد: 1 / 55.
[240] اعتقادات الإمامية المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر.
[241] مجمع البيان: 1 / 15.
[242] مقدمة تفسير التبيان.
[243] أجوبة المسائل المهنائية: 121، المسألة 13.
[244] أعيان الشيعة: 1 / 41.
[245] أصل الشيعة وأصولها: 133.
[246] الفصول المهمة: 163.
[247] تهذيب الأصول: 2 / 165.
[248] البرهان للبروجردي: 156 - 158.
[249] ارتحل الإمام الخوئي (قدس سره) إلي بارئه في 8 صفر 1413 ه ق. لاحظ مقدمة تفسيرالبيان.
[250] التحريم: 10.
[251] الأحزاب: 30.
[252] الأنعام: 149.
[253] التوبة: 100.
[254] الفتح: 18.
[255] الحشر: 8.
[256] الفتح: 29.
[257] المنافقون: 1.
[258] مردوا علي النفاق: تمرنوا عليه ومارسوه.
[259] التوبة: 101.
[260] النفاق والمنافقون: تأليف الأستاذ: إبراهيم علي سالم المصري.
[261] الأحزاب: 12.
[262] التوبة: 45 - 47.
[263] التوبة: 102.
[264] آل عمران: 154.
[265] الحجرات: 6.
[266] السجدة: 18.
[267] تفسير الطبري: 21 / 60، وتفسير ابن كثير: 3 / 462.
[268] تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 15، كفاية الكنجي: 55، مطالب السؤول لابن طليحة: 20، شرح النهج، الطبعة القديمة: 2 / 103، جمهرة الخطب لأحمد زكي: 2 / 22، لاحظ الغدير: 2 / 43.
[269] الحجرات: 14.
[270] التوبة: 60.
[271] تفسير القرطبي: 8 / 178، المغني لابن قدامة: 2 / 556.
[272] الأنفال: 15 - 16.
[273] آل عمران: 153.
[274] سيرة ابن هشام: 3 / 11 و 4 / 444، ولاحظ التفاسير.
[275] تفسير القرطبي: 7 / 383.
[276] الأحزاب: 32.
[277] المائدة: 117.
[278] صحيح البخاري: 6 / 55، تفسير سورة المائدة.
[279] الموطأ: 1 / 307، كتاب الجهاد، الشهداء في سبيل الله.
[280] الشوري: 23.
[281] آل عمران: 103.
[282] الروم: 31 - 32.
[283] الأعراف: 157.
[284] الانشراح: 4.
[285] سفينة البحار: مادة " حب ".
[286] ابن هشام: السيرة النبوية: 2 / 513.
[287] المصدر نفسه: 2 / 666.
[288] ابن هشام: السيرة النبوية: 2 / 371.
[289] دخل أبو بكر حجرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد رحيله وهو مسجي ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكي فقال: بأبي أنت يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها. لاحظ صحيح البخاري: 2 / 17 كتاب الجنائز.
[290] الديار بكري: تاريخ الخميس: 1 / 323.
[291] الحلبي: السيرة: 1 / 83 - 84.
[292] المواهب اللدنية: 1 / 148.
[293] الانشراح: 4.
[294] مسلم: الصحيح: 3 / 168 باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر من كتاب الصيام.
[295] آل عمران: 164.
[296] ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف: 98.
[297] مسلم: الصحيح: 3 / 150 باب صوم يوم عاشوراء من كتاب الصيام.
[298] السيوطي: الحاوي للفتاوي: 1 / 196.
[299] السيوطي: الحاوي للفتاوي: 1 / 196.
[300] المائدة: 3.
[301] البخاري: الصحيح: 1 / 14 باب زيادة الإيمان ونقصانه من كتاب الإيمان - 6 / 50 تفسير سورة المائدة، وكما أخرجه الترمذي في 5 / 250، وفي الروايات المتضافرة أنها نزلت في الثامن عشر من ذي الحجة في حجة الوداع.
[302] البخاري: الصحيح: 1 / 14 باب زيادة الإيمان ونقصانه من كتاب الإيمان - 6 / 50 تفسير سورة المائدة، وكما أخرجه الترمذي في 5 / 250، وفي الروايات المتضافرة أنها نزلت في الثامن عشرمن ذي الحجة في حجة الوداع.
[303] عيسي الحميري: بلوغ المأمول: 29.
[304] المائدة: 114.
[305] هو عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي (577 - 660 ه): فقيه شافعي، له من الكتب " التفسير الكبير " و " مسائل الطريقة " وغيرها. انظر أعلام الزركلي: 4 / 21.
[306] النساء: 115.
[307] ابن حزم: الفصل: 3 / 247.
[308] الشعراني: اليواقيت والجواهر: 58.
[309] الشعراني: اليواقيت والجواهر: 58.
[310] الإيجي: المواقف: 392 - 394.
[311] التفتازاني، شرح المقاصد: 5 / 227 - 228.
[312] ابن عابدين: رد المختار: 4 / 237.
[313] نعم الكبائر توجب العقاب لا الكفر.
[314] هذه الأحاديث مبثوثة في جامع الأصول: 1، و 10، 11 كما أنها مجموعة بأسرها في كنزالعمال للمتقي الهندي: ج.
[315] صحيح مسلم: 1 / 67، باب تحريم قتل الكافر من كتاب الإيمان، سنن أبي داود: 3 / 45 برقم2643، مسند أحمد: 5 / 207، سنن ابن ماجة: 2 / 1296 برقم 3930.
[316] صحيح مسلم: 3 / 111 باب ذكر الخوارج وصفاتهم من كتاب الزكاة مسند أحمد: 3 / 4.
[317] البخاري: الصحيح: 1 / 10، باب - (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) - من كتاب الإيمان،وصحيح مسلم: 7 / 121، باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام.
[318] الشافعي: الأم: 6 / 157، 158.
[319] المجلسي: البحار: 68 / 242.
[320] المجلسي: البحار: 68 / 243 ح 3 و 248 ح 8.
[321] المجلسي: البحار: 68 / 243 ح 3 و 248 ح 8.
[322] الشافعي: الأم: 7 / 296 - 297.
[323] المجلسي: البحار: 68 / 243.
[324] البخاري: الصحيح: 1 / 16، باب أداء الخمس، من كتاب الإيمان.
[325] ابن الأثير: جامع الأصول: 1 / 158 - 159.
[326] ابن الأثير: جامع الأصول: 1 / 158 - 159.
[327] النور: 11.
[328] النور: 16.
[329] الطبرسي: مجمع البيان: 4 / 130، ط صيدا، لبنان.
[330] مجلة شهرية، علمية، دينية، ثقافية، تصدر عن الجامعة الإسلامية بقم المقدسة تهدف إلي بث روح الإيمان والعمل ومعالجة المعضلات الخلقية والاجتماعية، أسست عام 1378 ه. ق وما زال عطاؤها العلمي مستمرا إلي سنتنا هذه 1419 ه. ق.
[331] العدد السابع سنة 1386 ه. ق.
[332] راجع العدد الثالث من رسالة الإسلام السنة الحادية عشرة.
[333] تجد تلك الدلائل والشواهد في كتاب " تأسيس الشيعة لفنون الإسلام " تأليف المرجع الديني الأكبر السيد حسن الصدر.
[334] الأنعام: 164.
[335] النجم: 39.
[336] الكهف: 29.
[337] الحجرات: 10.
[338] نقله إلي العربية محمد عبد الهادي أبو ريدة، وله طبعات، منها الطبعة الثالثة التي ننقل منها، وحاول المؤلف أن يسجل حضارة الإسلام في القرنين الثالث والرابع مع العناية الخاصة بالقرن الرابع ليكون كتابه مقابلا ومشابها لما كتب عن حضارة عصر النهضة في أوربا، (لاحظ مقدمة المترجم، ص 1).
[339] آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: 1 / 106، 107.
[340] رجال النجاشي: 2 / 325 برقم 1066.
[341] راجع الوسائل: 2 / 49، الفائدة الرابعة.
[342] لاحظ ذكر المعتزلة للبلخي 68، طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار: 234، وطبقات المعتزلة لابن المرتضي في ما نقله عن الحاكم، وأما ما ذكره هو نفسه أولا فقد تخبط فيه كتخبط ذلك المستشرق، قال الحاكم: إن واصلا وعمرو بن عبيد أخذا عن عبد الله بن محمد، وعبد الله أخذه عن أبيه محمد ابن علي ابن الحنفية، ومحمد أخذه عن أبيه علي عليه السلام وعلي أخذ عنه صلي الله عليه وآله وسلم.
[343] لاحظ مقدمة المترجم.
[344] اقتباس من قوله سبحانه: - (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا) - (الإسراء / 70).
[345] النحل: 125.
[346] النحل: 78.
[347] الزخرف: 23 - 24.
[348] الواقعة: 58 - 72.
[349] النمل: 88.
[350] الطور: 35 - 36.
[351] فصلت: 53.
[352] لاحظ نهج البلاغة: الخطبة 16.
[353] ص: 29.
[354] الشوري: 11.
[355] الحج: 74.
[356] المعطلة في مصطلح الأشاعرة هم المعتزلة لتعطيلهم الذات عن التوصيف بالصفات. و المقصود في المقام غير هؤلاء بل الذين عطلوا العقول عن المعرفة علي النحو الذي جاء في المتن.
[357] رضا نعسان: علاقة الإثبات والتفويض: 33، نقلا عن الحجة في بيان المحجة.
[358] البقرة: 74.
[359] البقرة: 115.
[360] الحديد: 3.
[361] الحديد: 4.
[362] الحشر: 23.
[363] المؤمنون: 91.
[364] الأنبياء: 22.
[365] الدكتور أحمد محمود صبحي، في علم الكلام: 1 / 21 نقلا عن تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، لمصطفي عبد الرزاق: 155، طبعة 1944 م.
[366] البقرة: 3.
[367] الفتح: 10.
[368] الأعراف: 54.
[369] لاحظ في الوقوف علي مصادر هذه الأقوال كتاب " علاقة الإثبات والتفويض ": 48، 41، 68، 115.
[370] النجم: 30.
[371] الإسراء: 85.
[372] آل عمران: 7.
[373] الأنعام: 159.
[374] النحل: 125.
[375] العنكبوت: 46.
[376] البقرة: 258.
[377] الأنعام / 75 - 83.
[378] جعفر السبحاني، مفاهيم القرآن: الجزء السابع.
[379] الدكتور أحمد محمود صبحي: في علم الكلام: 298.
[380] لاحظ تفسير قوله سبحانه: - (إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) - (آل عمران / 59).
[381] لاحظ احتجاجات النبي في كتاب الاحتجاج للشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بالطبرسي المتوفي حدود عام (550 ه).
[382] الشريف المرتضي: الأمالي: 1 / 148.
[383] والصحيح أن يقول: أخيرا، وقد تسرب هذا اللحن إلي الكتب العربية حتي استعمله سعد الدين التفتازاني في مطوله.
[384] شرح ابن أبي الحديد: 1 / 17.
[385] المجلسي: البحار: 5 / 55 - 56.
[386] الصدوق: التوحيد: 362.
[387] الأنعام: 103.
[388] طه: 110.
[389] الشوري: 11.
[390] الصدوق: التوحيد: 110 - 111 ح 9.
[391] ابن النديم: الفهرست: 352، 356.
[392] مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين: 1 / 34، نشر محيي الدين عبد الحميد.
[393] الملل والنحل: 1 / 24.
[394] الواقدي: المغازي: 3 / 904.
[395] السيوطي: تاريخ الخلفاء: 95.
[396] الأوائل: 22 / 125.
[397] الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 167.
[398] الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 171، طبعة مصر.
[399] نظرية الإمامة: 334.
[400] طبقات ابن سعد: 5 / 148، طبع بيروت.
[401] تاريخ بغداد: 1 / 160.
[402] طبقات ابن سعد: 7 / 167، طبع بيروت.
[403] تهذيب التهذيب: 9 / 38 - 46.
[404] العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح الأول.
[405] العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح الأول.
[406] العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح الأول.
[407] ص: 47.
[408] العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح التاسع، الجملات 20 - 25.
[409] العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح التاسع والعشرون 18 - 38.
[410] العهد القديم، صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر 497.
[411] النساء: 171.
[412] تاريخ المذاهب الإسلامية: 2 / 394.
[413] أي إن كان خروجنا وجهادنا بقضائه تعالي وقدره لم نستحق أجرا، فرجائي أن يكون عنائي عند الله محسوبا في عداد أعمال من يتفضل عليهم بفضله يوم القيامة.
[414] سورة ص: 27.
[415] الصدوق: التوحيد: 380، الرضي: نهج البلاغة: قسم الحكم برقم 78، وقد حذف الرضي سؤال السائل ولخص الجواب، ونقله غيره من المحدثين علي وجه التفصيل، ونقلناه عن تحف العقول للحراني: 166.
[416] الرضي: نهج البلاغة: قسم الحكم برقم 287.
[417] آل عمران: 34.
[418] ابن شعبة الحراني: تحف العقول: 232، المجلسي: بحار الأنوار: 5 / 40 ح 63، الكراجكي:كنز الفوائد: 117، ط 1.
[419] نور الثقلين: 5 / 236.
[420] الكهف: 82.
[421] ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، قسم حياة الإمام الحسين: 158، تحقيق محمد باقر المحمودي، والمجلسي: بحار الأنوار: 4 / 297 (وذيل الحديث يحتاج إلي توضيح).
[422] نور الثقلين: 5 / 231.
[423] المفيد: الإرشاد: 260، طبعة النجف.
[424] المامقاني: تنقيح المقال: 2 / 47 رقم 5059.
[425] المامقاني: تنقيح المقال: 1 / 235 رقم 1900.
[426] السيوطي: الاتقان: 1 / 383 - 416، تحقيق الدكتور مصطفي ديب البغا، ولو صح النقل يدلعلي سعة اطلاع ابن عباس علي ديوان العرب.
[427] ابن قتيبة: الإمامة والسياسة: 1 / 164 - 165، ط مصر.
[428] ابن الأثير: أسد الغابة: 1 / 385.
[429] الذهبي: ميزان الاعتدال: 3 / 415، ابن حجر: تهذيب التهذيب: 8 / 447 برقم 811.
[430] الخوئي: معجم رجال الحديث: 14 / 128 برقم 9753.
[431] النجاشي: الرجال: 1 / 60 برقم 5، وابن سعد في الطبقات الكبري: 6 / 255، والمفيد في الاختصاص: 65، والكشي في الرجال برقم 42.
[432] الطوسي: الرجال: 64 برقم 566، أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
[433] الكشي: الرجال: 63 - 64.
[434] النجاشي: 1 / 448 برقم 540.
[435] الاستيعاب: 2 / 185.
[436] ابن الأثير: أسد الغابة: 3 / 20.
[437] الأنعام: 79.
[438] البقرة: 115.
[439] طه: 55.
[440] الكشي: الرجال: 110، برقم 55، ابن حجر، تهذيب التهذيب: 4 / 12.
[441] الكشي: الرجال: 67 - 70 برقم 21.
[442] الكشي: الرجال: 47، برقم 24.
[443] المامقاني: تنقيح المقال: 3 / 262 برقم 12344.
[444] الكشي: الرجال: 61 - 62 برقم 17.
[445] النجاشي: الرجال 1 / 397 برقم 461، الطوسي: الفهرست: برقم 314، الكشي: الرجال: برقم62، الذهبي: ميزان الاعتدال: 2 / برقم 2853.
[446] ابن النديم: الفهرست: 323.
[447] النجاشي: الرجال: 2 / 203 برقم 878، الطوسي: الرجال: أصحاب الكاظم برقم 18، الفهرست للطوسي: برقم 594، الكشي: الرجال: برقم 77.
[448] ابن النديم: الفهرست: 264، وأيضا ص 258.
[449] ابن النديم: الفهرست: 257.
[450] الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 185.
[451] النجاشي: الرجال: 2 / 397 برقم 1165.
[452] عبد الله نعمة: هشام بن الحكم: 75.
[453] إن للعلامة الحجة الشيخ عبد الله نعمة كتابا في حياة هشام بن الحكم، فقد أغرق نزعا في التحقيق وأغنانا عن كل بحث وتنقيب.
[454] الكليني: الكافي: 1 / 171.
[455] النجاشي: الرجال: 2 / 145 برقم 794.
[456] النجاشي: الرجال: 1 / 451 برقم 544.
[457] ابن النديم: الفهرست: 266.
[458] النجاشي: الرجال: 2 / 77 برقم 665.
[459] ابن النديم: الفهرست: 266.
[460] النجاشي: الرجال: 1 / 148 برقم 9.
[461] الشيخ الطوسي: الرجال: برقم 7.
[462] النجاشي: 2 / 421 برقم 1209.
[463] النجاشي: الرجال: 1 / 377 برقم 383، وذكره الخطيب في تاريخه: ج 8 برقم 4377.
[464] التستري: قاموس الرجال: 4 / 313.
[465] لاحظ أعيان الشيعة: 1 / 134 - 135.
[466] النجاشي: الرجال: 2 / 168 برقم 838، والطوسي: الرجال: برقم 1 و 2 في أصحاب الهادي والعسكري، والكشي: الرجال: برقم 416.
[467] النجاشي: الرجال: 2 / 328 برقم 349.
[468] النجاشي: الرجال: 1 / 364، وفهرست الشيخ: 221.
[469] النجاشي: الرجال: 2 / 297 برقم 1034.
[470] النجاشي: الرجال: 1 / 293 برقم 298، وثبيت علي وزان زبير.
[471] النجاشي: الرجال: 1 / 120 برقم 66.
[472] النجاشي: الرجال: 2 / 280 برقم 1017، ابن حجر: لسان الميزان: ج 5 برقم 1360، المحقق الداماد: الرواشح السماوية: 55 ومر ذكره في ترجمة ثبيت، وما في كلام ابن حجر من عده من المعتزلة، ناش عن الخلط بين المعتزلة والإمامية.
[473] النجاشي: الرجال: 1 / 87 برقم 13، و 2 / 205 برقم 888، البيان والتبيين: 1 / 61.
[474] ابن النديم: الفهرست: 264.
[475] النجاشي: الرجال: 1 / 146 برقم 87.
[476] الشيخ الطوسي: الرجال: برقم 18.
[477] النجاشي: الرجال: 2 / 47 برقم 623.
[478] النجاشي: الرجال: 2 / 297 برقم 1034.
[479] النجاشي: الرجال: 2 / 71 برقم 656.
[480] النجاشي: الرجال: 2 / 397 برقم 1165.
[481] النجاشي: الرجال: 2 / 72 برقم 659.
[482] الفهرست لابن النديم: 263.
[483] النجاشي: الرجال: 1 / 153 برقم 99، ولاحظ فهرست الشيخ: رقم 204، ورجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام برقم 53.
[484] النجاشي: الرجال: 1 / 121 برقم 67 (وهو خال الحسن بن موسي مؤلف فرق الشيعة).
[485] ابن النديم: الفهرست: 265.
[486] النجاشي: الرجال: 1 / 189 برقم 161، ابن حجر: لسان الميزان: 2 / 306 برقم 1260.
[487] النجاشي: الرجال: 2 / 297 برقم 1037.
[488] ابن النديم: الفهرست: 266.
[489] ابن حجر: لسان الميزان: 5 / 93 برقم 304.
[490] النجاشي: الرجال: 2 / 413 برقم 1192، وقد جاءت ترجمته أيضا برقم 1195، الشيخ الطوسي: الفهرست: برقم 803.
[491] النجاشي: الرجال: 2 / 298 برقم 1036.
[492] النجاشي: الرجال: 2 / 333 برقم 1070.
[493] النجاشي: الرجال: 2 / 288 برقم 1024.
[494] ابن النديم: الفهرست: 262.
[495] العلامة: الخلاصة: 163، القسم الأول.
[496] النجاشي: الرجال: 2 / 105 برقم 707.
[497] الطوسي: الفهرست: 115، ط النجف.
[498] المامقاني: تنقيح المقال: 2 / 313 برقم 8549.
[499] النجاشي: الرجال: 1 / 179 برقم 146، ترجمه ابن حجر في لسان الميزان: 2 / 258 برقم 1075، وترجمه هبة الدين الشهرستاني في مقدمة فرق الشيعة.
[500] ابن النديم: الفهرست: 265 - 266: الفن الثاني من المقالة الخامسة.
[501] ابن النديم: الفهرست: 266، في فصل أخبار متكلمي الشيعة.
[502] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: 3 / 331 برقم 1799.
[503] ابن الجوزي: المنتظم: 15 / 157.
[504] اليافعي: مرآة الجنان: 3 / 28، طبع الهند.
[505] ابن كثير: البداية والنهاية: 11 / 15.
[506] الذهبي: ميزان الاعتدال: 4 / 30 برقم 8143.
[507] الذهبي: العبر: 2 / 225.
[508] ابن حجر: لسان الميزان: 5 / 368 برقم 1196.
[509] عماد الدين الحنبلي: شذرات الذهب: 3 / 199، وفي مكان الطائفة الصوفية وهو لحن. وقد نقل ما ذكره في كتابه مما ذكره الذهبي حرفيا.
[510] الشيخ الطوسي: الفهرست: برقم 710.
[511] النجاشي: الرجال: 2 / 327 برقم 1068.
[512] النجاشي: الرجال، برقم 706.
[513] النجاشي: الرجال، برقم 1069، والخلاصة: 148.
[514] لاحظ الجزء الثالث من كتابنا بحوث في الملل والنحل.
[515] رجال أبي داود، ص 295 برقم 1274.
[516] الوافي بالوفيات: 4 / 164 برقم 1703.
[517] الذريعة: 2 / 96 وتأسيس الشيعة، ص 395.
[518] رجال أبي داود: 119 برقم 461.
[519] الوافي بالوفيات: 13 / 85 برقم 79.
[520] لسان الميزان: 2 / 317.
[521] الخلاصة للعلامة الحلي: 45.
[522] لاحظ فهرس المكتبة الرضوية في مشهد: 320.
[523] مجلة علم الكلام، السنة الأولي، العدد الثالث، مجلة فصلية تصدرها مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام للبحوث والدراسات العليا وهي في سنتها السابعة.
[524] وقيل إنه تأليف إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت كما عليه التبريزي في رياض العلماء: 6 / 38.
[525] مجلة الكلام الإسلامي، السنة الثانية، العدد الثاني والثالث.
[526] الذريعة: 4 / 180.
[527] أنظر تاريخ أدبيات إيران: 3 / 150، للدكتور ذبيح الله صفاء.
[528] علاء الدين القوشجي، شرح التجريد: 1.
[529] إرشاد الطالبين إلي نهج المسترشدين، ص 4.
[530] نهاية المرام في علم الكلام: 1 / 5 - 6.
[531] كشف المراد، المسألة الثالثة عشرة في الألم ووجه حسنه، ص 330.
[532] كشف المراد، المسألة الثامنة عشرة في الأصلح، ص 344.
[533] كشف المراد، المسألة السابعة في نبوة نبينا، ص 357.
[534] كشف الفوائد، ص 168، طبعة بيروت، تحقيق حسن مكي العاملي.
[535] كشف الفوائد، ص 308.
[536] نهج المسترشدين في أصول الدين، ص 30.
[537] المصدر السابق، ص 38.
[538] المصدر السابق، ص 40.
[539] المصدر السابق، ص 41.
[540] المصدر السابق، ص 43.
[541] المصدر السابق، ص 70.
[542] المصدر السابق، ص 74.
[543] المصدر السابق، ص 85.
[544] لاحظ الجزء الأول من كتاب نهاية المرام في علم الكلام، ص 229.
[545] لاحظ الجزء الثاني من كتاب نهاية المرام، ص 607.
[546] أجوبة المسائل المهنائية: 156.
[547] الذريعة: 18 / 60 برقم 668.
[548] خلاصة الرجال: 47 برقم 52.
[549] راجع أعيان الشيعة: 5 / 396.
[550] أحمد أمين: ضحي الإسلام: 267 - 268.
[551] لاحظ ابن النديم: الفهرست وغيره.
[552] مجلة الغد: العدد الثاني سنة 1953 م.
[553] المرتضي، العيون والمحاسن: 5 - 9.
[554] المصدر نفسه: 9.
[555] المصدر نفسه: 7 و 8 و 45.
[556] المصدر نفسه: 7 و 8 و 45.
[557] المصدر نفسه: 7 و 8 و 45.
[558] لاحظ الصفحات 49، 70، 78، 88، 94، 103، من المصدر نفسه ط. النجف.
[559] الكراجكي: كنز الفوائد: 227، 124، 132.
[560] الكراجكي: كنز الفوائد: 227، 124، 132.
[561] الكراجكي: كنز الفوائد: 227، 124، 132.
[562] الكراجكي، كنز الفوائد: 1 / 125 - 127.
[563] ابن النديم: الفهرست: 26، وأيضا ص 258.
[564] النجاشي: الرجال: 2 / 397 برقم 1165.
[565] ابن النديم: الفهرست: 266.
[566] النجاشي: الرجال: 2 / 168 برقم 838.
[567] النجاشي: الرجال: 2 / 297 برقم 1034.
[568] النجاشي: الرجال: 1 / 293 برقم 298، الذريعة: 10 / 288.
[569] النجاشي: الرجال: 2 / 47 برقم 623.
[570] النجاشي: الرجال: 1 / 121 برقم 67.
[571] النجاشي: الرجال: 2 / 288 برقم 1024.
[572] النجاشي: الرجال: 1 / 179 برقم 146.
[573] الطهراني: الذريعة: ج 24 برقم 1489.
[574] النجاشي، الرجال: 2 / 329 برقم 1068.
[575] الطهراني، الذريعة: 10 / 179.
[576] نهج البلاغة: الخطبة 1.
[577] الصدوق: التوحيد: 139.
[578] الأشعري: مقالات الإسلاميين: 1 / 225.
[579] لاحظ بحوث في الملل والنحل: 2 / 84، نقلا عن شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار: 183، ومقالات الإسلاميين: 225.
[580] المفيد: أوائل المقالات: 57.
[581] التفتازاني: شرح المقاصد: 2 / 232، والقاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 625.
[582] حسن مكي العاملي، الإلهيات: 1 / 870 - 874.
[583] كشف المراد: 261.
[584] النساء: 14.
[585] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 657.
[586] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 644.
[587] الرعد: 6.
[588] الطبرسي: مجمع البيان: 3 / 278.
[589] حسن مكي العاملي: الإلهيات: 1 / 910.
[590] القاضي عبد الجبار،: شرح الأصول الخمسة: 688.
[591] القاضي عبد الجبار،: شرح الأصول الخمسة: 689.
[592] المفيد: أوائل المقالات: 14 - 15.
[593] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 697.
[594] الخياط: الانتصار: 126، ومروج الذهب: 3 / 222.
[595] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 584 - 585.
[596] رسائل العدل والتوحيد: 1، رسالة القاضي عبد الجبار: 241.
[597] لاحظ الإلهيات: 1 / 565.
[598] البخاري، الصحيح: 4 / 172، باب حديث " أبرص وأعمي وأقرع في بني إسرائيل ".
[599] المفيد: أوائل المقالات: 53.
[600] المفيد: أوائل المقالات: 79.
[601] لاحظ حاشية شرح المواقف لعبد الحليم السيالكوتي: 2 / 146.
[602] ولعل قولهم: " بلا إيجاب " إشارة إلي أن الفعل حال الصدور لا يتصف بالوجوب أيضا، والقاعدة الفلسفية: الشئ ما لم يجب لم يوجد، غير مقبولة عندهم.
[603] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 778، وفي ذيله ما ربما يوهم خلاف ما هو المشهور عنهم.
[604] شرح المواقف: 8 / 156.
[605] الصدوق: التوحيد: 362، الحديث 8، ولاحظ الأحاديث الأخري.
[606] نفس المصدر: ص 54، الحديث 93.
[607] لاحظ: التفتازاني: شرح المقاصد: 2 / 242، العلامة الحلي،: كشف المراد: 268، القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 798.
[608] المفيد: أوائل المقالات: 15.
[609] التوبة: 104.
[610] البقرة: 160.
[611] الطبرسي: مجمع البيان: 1 / 242.
[612] المفيد: أوائل المقالات: 30.
[613] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 573.
[614] المفيد: أوائل المقالات: 98. وبذلك يظهر وهن ما ذكره القاضي في شرح الأصول الخمسة من نسبة عدم الوجوب علي الإطلاق إلي الإمامية، لاحظ ص 741.
[615] العلامة: كشف المراد: 271، ط صيدا.
[616] المفيد، أوائل المقالات: 12.
[617] المفيد: أوائل المقالات: 16.
[618] المجلسي: البحار: 53 / 36، نقلا عن المسائل المروية للشيخ المفيد.
[619] المفيد: أوائل المقالات: 102.
[620] التفتازاني: شرح المقاصد: 2 / 318، ولاحظ شرح التجريد للقوشجي: 507، وعبارة الأخيرين واحدة.
[621] الرضي: حقائق التأويل: 5 / 245.
[622] القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة: 753.
[623] شرح الأصول الخمسة: 754.
[624] الشيخ المفيد: أوائل المقالات: 35.
[625] نفس المصدر: 10.
[626] أوائل المقالات: 7 - 16.
[627] ابن النديم، الفهرست: 266.
[628] أي نغلب عليه.
[629] المشاكل: العظيمات من الأمور.
[630] السورة: الشدة والبطش.
[631] الذرا: جمع ذروة وهي أعلي ظهر البعير.
[632] راجع السيرة النبوية: 1 / 272 - 280.
[633] مجمع البيان: 7 / 37، الحجة: 56، مستدرك الحاكم: 2 / 623.
[634] مجمع البيان: 7 / 36، وقد نقل ابن هشام في سيرته: 1 / 352 خمسة عشر بيتا من هذه القصيدة.
[635] الشعراء: 214.
[636] مسند أحمد: 1 / 159، تاريخ الطبري: 2 / 406، تفسير الطبري (جامع البيان: 19 / 74 - 75).
[637] بحار الأنوار: 68 / 242.
[638] بحار الأنوار: 68 / 243.
[639] راجع: صحيح البخاري: 8 / 208 - 211، باب رجم الحبلي، صحيح مسلم: 4 / 167 و ج 5 / 116، طبعة محمد علي صبيح، مسند أحمد: 1 / 23 و ج 5 / 132 و 182، طبعة دار الفكر.
[640] المائدة: 6.
[641] المائدة: 6.
[642] المائدة: 67.
[643] البخاري: 5 / 138.
[644] آل عمران: 103.
[645] الحجرات: 10.
[646] مسند أحمد: 4 / 270.
[647] نهج البلاغة: 261، طبعة عبده.
[648] لاحظ جامع الأصول لابن الأثير: 1 / 158 - 159 فقد جمع ما رواه البخاري ومسلم في ذلك المجال.
[649] حديث متواتر له مصادر متوفرة.
[650] النور: 36.
[651] الدرالمنثور: 6 / 203.
[652] الأحزاب: 33.
[653] الشوري: 23.
[654] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: 22، ط النجف.
[655] الصحيفة السجادية، الدعاء الرابع مع شرحه: في ظلال الصحيفة السجادية، ص 55 - 56.
[656] أحمد أمين: يوم الإسلام: 187، طبعة 1958 م.
[657] الحجرات: 10.
[658] التوبة: 71.
[659] الفتح: 29.
[660] آل عمران: 105.
[661] آل عمران: 103.
[662] الأنعام: 159.
[663] الأنبياء: 93.
[664] مسند أحمد: 4 / 270.
[665] الواقدي: المغازي: 2 / 836، والحر العاملي، وسائل الشيعة: 19، الباب 31 من أبواب القصاص برقم 1 و 2 و 3.
[666] السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 605.
[667] السيرة النبوية: 3 / 303، غزوة بني المصطلق ولاحظ التعليقة للسهيلي وراجع مجمع البيان: 5 / 293 وغيره من التفاسير.
[668] السيرة النبوية: 1 / 555 - 556.
[669] السيرة النبوية: 3 / 312 - 313، وصحيح البخاري: 5 / 119، باب غزوة بني المصطلق.
[670] نهج البلاغة، الرسالة 62، طبعة محمد عبده.
[671] نهج البلاغة، الخطبة 127.
[672] الشعراني: اليواقيت والجواهر: 58.
[673] نفس المصدر.
[674] ابن حزم الظاهري الفصل في الملل والأهواء والنحل: 3 / 247.
[675] السيد محمد رشيد رضا، المنار: 7 / 44.
[676] وهو السيد محمود البغدادي.
[677] الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 24، دار المعرفة، بيروت - 1402 ه.
[678] السبكي طبقات الشافعية: 3 / 109، ابن كثير: البداية والنهاية: 14 / 76 واليافعي: مرآة الجنان: 3 / 343، إلي غير ذلك من المصادر.
[679] الكليني: الكافي: 1 / 146، باب البداء، الحديث 10.
[680] البخاري: 4 / 171، كتاب الأنبياء، حديث أبرص وأعمي وأقرع، ط 1314 ه.
[681] النمل: 83.
[682] أصل الشيعة وأصولها: 34، الطبعة العاشرة، القاهرة 1377 ه / 1958 م.
[683] الطبري: التفسير: 6 / 82 - 83.
[684] الطلاق: 1.
[685] البيهقي، السنن الكبري: ج 7، كتاب الخلع والطلاق.
[686] البقرة: 229.
[687] أحمد محمد شاكر في كتابه نظام الطلاق في الإسلام، ط 1389، الطبعة الثانية.
[688] الطلاق: 2.
[689] أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، الباب 10، وفي الدعوات الباب 31 و 32، مسلم في كتاب الصلاة، الحديث 66، 65.
[690] حقوق آل البيت: 28.
[691] آل عمران: 103.
[692] الأنعام: 153.
[693] الأنعام: 159.
[694] الروم: 31 - 32.
[695] الأنعام: 65.
[696] الأنعام: 105.
[697] القصص: 5.
[698] الأنبياء: 92.
[699] الحجرات: 3.
[700] الكافي: 8 / 246 برقم 342.
[701] النحل: 36.
[702] الأحزاب: 40.
[703] البقرة: 62.
[704] النساء: 59.
[705] رواه البخاري في صحيحه: 1 / 10، كتاب الإيمان.
[706] الشافعي، الأم: 6 / 157.
[707] المجلسي، البحار: 68 / 242.
[708] النساء: 59.
[709] آل عمران: 110.
[710] التوبة: 33.
[711] مسند أحمد بن حنبل: 4 / 278.
[712] ابن حزم: الفصل: 3 / 247.
[713] الشعراني: اليواقيت والجواهر: 58.
[714] الإيجي: المواقف: 392.
[715] الحجرات: 13.
[716] يونس: 98.
[717] صحيح البخاري: 4 / 171، حيث جاء فيه: بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا... الخ.
[718] النحل: 106.
[719] الحج: 27.
[720] البقرة: 198 - 200.
[721] البقرة: 203.
[722] البقرة: 197.
[723] البقرة: 200.
[724] البقرة: 197.
[725] البقرة: 125.
[726] آل عمران: 96.
[727] البقرة: 127.
[728] إبراهيم: 37.
[729] إبراهيم: 37.
[730] البقرة: 125.
[731] آل عمران: 67.
[732] البقرة: 126.
[733] المائدة: 97.
[734] النساء: 5.
[735] الحج: 28.
[736] التوبة: 3.
[737] الأنبياء: 105.
[738] مزامير: المزمور السابع والثلاثون، الإصحاح 22: " لأن المباركين منه يرثون الأرض، والملعونين منه يقطعون ".
[739] الكليني: الكافي، الجزء 1، كتاب العقل والجهل، الحديث 21.
[740] الكهف: 65.
[741] للعلامة المحقق والشاعر المفلق: السيد محمود البغدادي.
[742] آل عمران: 190 - 191.
[743] البقرة: 164.
[744] الأنعام: 75.
[745] الأعراف: 185.
[746] النحل: 78.
[747] الواقعة: 57 - 72.
[748] الطور: 35 - 36.
[749] فصلت: 53.
[750] نهج البلاغة: الخطبة الأولي.
[751] هو محمد بن إسحاق بن خزيمة بن مغيرة بن صالح النيسابوري مؤلف كتاب التوحيد والصفات وفقه الحديث، توفي عام 311 ه عن عمر ناهز 88 عاما.
[752] هو عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني، توفي عام 655 ه.
[753] شرح نهج البلاغة: 1 / 17.
[754] طبقات المعتزلة: 164.
[755] ص: 29.
[756] علاقة الإثبات والتفويض: 33.
[757] البقرة: 74.
[758] مجموعة الفتاوي: 6 / 362.
[759] ابن عساكر الدمشقي: تبيين كذب المفتري: 391، قسم التعليقة.
[760] فهرست ابن النديم: 266.
[761] النجاشي، الرجال: 2 / 104 برقم 706.
[762] النجاشي: الرجال، برقم 706.
[763] النجاشي: الرجال، برقم 1069، والخلاصة: 148.
[764] لاحظ الجزء الثاني من كتابنا " بحوث في الملل والنحل ".
[765] بحوث في الملل والنحل: 2 / 325 - 339.
[766] المائدة: 91.
[767] العنكبوت: 45.
[768] الفرقان: 64.
[769] الأعراف: 32.
[770] نهج البلاغة: باب الحكم، الحكمة 390، طبعة صبحي الصالح.
[771] الحج: 78.
[772] المائدة: 6.
[773] الوسائل: 12 / 364 ح 3 و 4، الباب 17 من أبواب الخيار.
[774] البقرة: 185.
[775] أحمد بن حنبل: المسند: 5 / 266.
[776] الكافي: 2 / 70 ح 1.
[777] البقرة: 190.
[778] البقرة: 194.
[779] الشوري: 40.
[780] الأنعام: 164.
[781] البقرة: 228.
[782] الحجرات: 13.
[783] الكافي: 8 / 246 برقم 342.
[784] المجادلة: 22.
[785] آل عمران: 138.
[786] إبراهيم: 52.
[787] القصص: 43.
[788] يونس: 57.
[789] النحل: 89.
[790] غافر: 84 - 85.
[791] ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب: 4 / 403 - 405.
[792] المدثر: 42 - 43.
[793] الليل: 17 - 18.
[794] البقرة: 282.
[795] البقرة: 282.
[796] الكافي: 1 / 60 - 61، باب الرد إلي الكتاب والسنة، الحديث 6 و 7 و 9.
[797] الكافي: 1 / 60 - 61، باب الرد إلي الكتاب والسنة، الحديث 6 و 7 و 9.
[798] الكافي: 1 / 60 - 61، باب الرد إلي الكتاب والسنة، الحديث 6 و 7 و 9.
[799] النساء: 43.
[800] الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 5 و 6.
[801] المائدة: 38 - 39.
[802] الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 5 و 6.
[803] جمال الدين المقداد السيوري: كنز العرفان في فقه القرآن: 1 / 5.
[804] عبد الوهاب خلاف: خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي: 28 - 29.
[805] المسد: 1 - 2.
[806] القصص: 27 - 28.
[807] الإسراء: 106.
[808] الفرقان: 32.
[809] الأنعام: 151.
[810] الأنعام: 152.
[811] الأنعام: 151 - 152.
[812] الطبرسي: إعلام الوري: 55 - 57.
[813] النحل: 67.
[814] البقرة: 219.
[815] النساء: 43.
[816] المائدة: 90.
[817] البقرة: 215.
[818] البقرة: 217.
[819] البقرة: 219.
[820] البقرة: 219.
[821] البقرة: 220.
[822] البقرة: 222.
[823] المائدة: 4.
[824] الأنفال: 1.
[825] النساء: 127.
[826] النساء: 176.
[827] الأعراف: 145.
[828] الأعراف: 154.
[829] النحل: 58 - 59.
[830] التكوير: 8 - 9.
[831] الحجرات: 12.
[832] النساء.
[833] الإسراء: 70.
[834] النحل: 97.
[835] المائدة: 32.
[836] المائدة: 49.
[837] مسند أحمد: 2 / 192.
[838] النساء: 7.
[839] النساء: 11.
[840] النساء: 12.
[841] النساء: 30.
[842] النساء: 4.
[843] النساء: 4.
[844] النساء: 19.
[845] النساء: 20.
[846] البقرة: 228.
[847] البقرة: 233.
[848] النساء: 33.
[849] النساء: 3.
[850] النساء: 34.
[851] مجمع البيان: ج 2، في تفسير الآية.
[852] نهج البلاغة، قسم الرسائل، الرسالة 31.
[853] راجع صحيفة اللواء، المؤرخة الأربعاء، 29 / 5 / 1996 م.
[854] النساء: 23 - 24.
[855] النساء: 3.
[856] النساء: 4.
[857] النساء: 25.
[858] المؤمنون: 5 - 7.
[859] الطبري: التفسير: 5 / 9.
[860] مسند أحمد: 2 / 95.
[861] المائدة: 87.
[862] البخاري: الصحيح: 7 / 4، باب ما يكره من التبتل والخصاء من كتاب النكاح.
[863] البخاري: الصحيح: 6 / 27، تفسير قوله تعالي: - (فمن تمتع بالعمرة إلي الحج) -.
[864] المؤمنون: 1 - 7.
[865] وفيات الأعيان: 6 / 149 - 150.
[866] نهج البلاغة: الخطبة 182.
[867] الصحيفة السجادية: الدعاء 4.
[868] صحيح البخاري، ج 5، ص 118 - 119، في تفسير سورة النور.
[869] لاحظ جامع الأصول، ج 11، ص 10.
[870] الحجرات: 6.
[871] الجمعة: 11.
[872] الأحزاب: 33.
[873] يس: 82.
[874] المائدة: 6.
[875] الأنفال: 11.
[876] البقرة: 222.
[877] التوبة: 108.
[878] آل عمران: 42.
[879] المائدة: 90.
[880] الأنعام: 145.
[881] الحج: 3.
[882] التوبة: 95.
[883] يونس: 100.
[884] الأنعام: 125.
[885] التحريم: 4.
[886] الأحزاب: 33.
[887] الأحزاب: 34.
[888] الأحزاب: 53.
[889] هود: 70.
[890] الذهبي، ميزان الاعتدال: 3 / 93 - 97، سير أعلام النبلاء: 5 / 18 - 22.
[891] النور: 36 - 37.
[892] الشرح الحديدي: 4 / 102، سير أعلام النبلاء: 4 / 421 - 427.
[893] الأحزاب: 28.
[894] الأحزاب: 29.
[895] الأحزاب: 30.
[896] الأحزاب: 31.
[897] الأحزاب: 32.
[898] الأحزاب: 33.
[899] الأحزاب: 34.
[900] ميزان الاعتدال: 3 / 93.
[901] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 69.
[902] ميزان الاعتدال: 4 / 173.
[903] المنار: 2 / 451.
[904] الكاشف: 6 / 217.
[905] يوسف: 28 - 29.
[906] الأحزاب: 30.
[907] الأحزاب: 32.
[908] الأحزاب: 33.
[909] الأحزاب: 30.
[910] الأحزاب: 32.
[911] الأحزاب: 33.
[912] التكاثر: 5 - 6.
[913] مفاهيم القرآن: 3 / 401 - 405.
[914] المائدة: 55 - 56.
[915] رواه السيد البحراني عن الحافظ أبو نعيم الإصبهاني عن كتابه الموسوم ب " نزول القرآن في أمير المؤمنين " ص 106.
[916] تفسير الطبري 6 / 186.
[917] أحكام القرآن: 2 / 542 ورواه من عدة طرق.
[918] معرفة أصول الحديث، ص 102.
[919] أسباب النزول، ص 148.
[920] لاحظ المراجعات للسيد شرف الدين العاملي، المراجعة الأربعون، ص 162 - 168 والغدير لشيخنا الأميني: 3 / 162 وقد رواه من مصادر كثيرة.
[921] التوبة: 61.
[922] راجع تفسير القرطبي: 4 / 294.
[923] التوبة: 61.
[924] تفسير القرطبي: 8 / 192.
[925] الشوري: 9.
[926] السجدة: 4.
[927] الشوري: 101.
[928] الشوري: 44.
[929] آل عمران: 68.
[930] الأحزاب: 6.
[931] النساء: 59.
[932] المائدة: 51.
[933] المائدة: 55.
[934] المائدة: 57.
[935] التفسير الكبير: للفخر الرازي: 12 / 26.
[936] المطرزي: المغرب: 2 / 372.
[937] المائدة: 56.
[938] الحجرات: 13.
[939] تحف العقول: 34.
[940] سيرة ابن هشام: 2 / 412.
[941] الكافي: 8 / 246 برقم 342.
[942] أنظر المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام.
[943] مسند أحمد: 4 / 270.
[944] القصص: 85.
[945] المائدة: 89.
[946] النساء: 129.
[947] الطلاق: 1 - 2.
[948] تفسير الطبري: 28 / 88.
[949] السيوطي: الدر المنثور: 6 / 232.
[950] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18 / 157.
[951] الآلوسي: روح المعاني: 28 / 134.
[952] أحمد محمد شاكر: نظام الطلاق في الإسلام: 118 - 119.
[953] أبو زهرة: الأحوال الشخصية: 365 كما في الفقه علي المذاهب الخمسة: 131.
[954] وسائل الشيعة: 15، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3.
[955] السبكي: الدرة المضيئة: 55 - 56.
[956] الفقه علي المذاهب الخمسة: 214 للمغفور له الشيخ محمد جواد مغنية.
[957] النساء: 21.
[958] الروم: 21.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.