دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: ورداني، صالح1952- م.,Wardani,Salih
عنوان و شرح مسئوليت: دفاع عن الرسول ضد الفقهاء و المحدثين [منبع الكترونيكي] / صالح الورداني
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (310 بايگاني: 889.4KB)
يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس
موضوع: محمد (ص)، پيامبر اسلام، 53قبل از هجرت-11ق.

مقدمة الناشر

كتب لأنبياء الله ورسله أن يعانوا الكثير وأن يتألموا أكثر ممن حملوا رسالاتهم إليهم.. ومنهم محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم السلام ورسول الإسلام إلي أهل الأرض قاطبة. صبر الأنبياء عليهم السلام وارتفعوا فوق آلامهم وجراحاتهم من أجل الرسالات السماوية التي حملوها إلي الأمم بعزيمة إلهية تحقيقا لهدف إلهي رفيع وإرشادا وهداية لشعوبهم إلي طريق الخير والرشاد والإيمان الصحيح. لا يحتاج الأنبياء والرسل إلي من يدافع عنهم لشخصهم.. وقد أصبحوا جميعا في رحاب الله عز وجل ينعمون بما يستحقوه بين يدي الله سبحانه وتعالي بعد أن أدوا رسالاتهم علي الوجه الأكمل. ليس دفاع المؤلف بهذا الكتاب عن رسول الله ونبي الإسلام من أجل تلميع صورته لدي المؤمنين وسواهم بقدر ما هو تصحيح لما درج عليه القول عن الرسول وما آلت إليه الحال من بعده - وهذا هو رأي المؤلف - وبقدر ما هو دفاع عن الرسالة الإسلامية السمحة وإظهار حقيقتها الساطعة للسير علي هديها في الطريق القويم والفهم الصحيح. اجتهد المؤلف وسبر أغوار الموضوع بجدية واضحة مستعينا بمراجع واجتهادات موثقة ولكل مجتهد نصيب تحقيقا لهدف وإثراء للثقافة الإسلامية والمكتبة العربية. إنه موضوع مفتوح للنقاش والرد الجاد والرصين [ صفحه 6] وباب مفتوح علي مصراعيه لأهل العلم والمعرفة لمن أراد أن يدلي بدلوه تحقيقا للمزيد من العلم والثقافة والعمل الخير المفيد. (وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم. د. جعفر دياب [ صفحه 7]

تقديم

- هناك أمة قتلت رسل الله.. - وهناك أمة ألهت رسل الله.. - وهناك أمة شوهت رسل الله.. - الأولي هي أمة اليهود.. - والثانية هي أمة النصاري.. - والثالثة هي أمة المسلمين.. أما كيف شوه المسلمون رسل الله فذلك ما يجيب عنه هذا الكتاب من خلال النصوص المعتمدة والثابتة التي يعتنقها القوم ويتعبدون بها حتي اليوم.. وهذه النصوص بالطبع خارج دائرة القرآن. فالقرآن لم ينص علي شئ يمس الرسل ويقلل من شانهم ويحط من قدرهم ويشوه صورتهم. إنما تتركز هذه النصوص في دائرة كتب السنن وشروحاتها.. أي تتركز في نصوص منصوبة للرسول (ص).. ونصوص منصوبة للصحابة.. وشروح للفقهاء تدور حول هذه النصوص.. وما يجب ذكره هنا هو أن أمة المسلمين لم تنفرد وحدها بأمر تشويه الرسل ورسولها خاصة وإنما سبقتها إلي هذا الأمر أمة اليهود والنصاري وقد أشار القرآن إلي هذا واشتراك المسلمين مع اليهود والنصاري في هذا الأمر إنما هو تأكيد لنبوءة الرسول (ص) التي تنص علي أن أمته سوف تسلك سبل الأمم السابقة لها وتقع فيما وقعت فيه.. وأخطر ما وقعت فيه الأمم السابقة هو عبادة الرجال. وهو ما نص عليه قوله تعالي: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله..) [التوبة]. [ صفحه 8] وقد وقعت أمة محمد (ص) في هذا الأمر حين حكمت الروايات وأقوال الرجال في كتاب الله.. وحين رفعت الرجال فوق النصوص.. وحين تعبدت بروايات تهين الرسول وغيره من الرسل وقبلت تبريرات وتأويلات الفقهاء حول هذه الروايات.. أما ما يتعلق بتحكيم الروايات وأقوال الرجال في كتاب الله فليس موضوعه هنا. وقد تكون هناك إشارات حوله في دائرة البحث.. وكذلك ما يتعلق برفع الرجال فوق النصوص فقد القينا الضوء علي هذه القضية في عدة بحوث صدرت لنا.. وبقي الجانب الخاص بشخص الرسول (ص) والرؤية التي يجب أن نتبناها تجاهه وهي رؤية تعتمد في الأساس علي القرآن والعقل.. من هنا فقد طرحنا هذا البحث عدة قضايا ثابتة في كتب السنن حول شخص الرسول وهي محل تسليم القوم سلفا وخلفا. إلا أنه بضبطها بالقرآن وإخضاعها للعقل يتبين لنا أنها من صنع الرجال.. القضية الأولي هي: علاقة الرسول بعائشة الطفلة وعشقه لها وهيامه بها.. والثانية: إخراج الرسول من دائرة التبليغ والتبيين إلي دائرة التشريع. والثالثة: وصف الرسول بالجهل والخوف والاهمال. والرابعة: فضح الرسول جنسيا وهتك ستره.. والخامسة: تنازل الرسول لعمر عن أهم خصائصه.. والسادسة: الرسول يبشر بالظلم.. والسابعة: إهانة الأنبياء وتسفيههم.. ومثل هذه القضايا وغيرها التي يحتويها هذا الكتاب ليس هناك من هدف لطرحها سوي تنبيه المسلمين إلي ما هم فيه من انحراف وضلال باعتقادهم مثل هذه الأمور في حق نبيهم وغيره من الأنبياء.. [ صفحه 9] الهدف هو تأكيد حقيقة ثابتة طمرتها الروايات وأقوال الرجال وهي أن كتاب الله هو العقيدة الحقة والبرهان المبين الذي يبطل حجج الروايات وأقوال الرجال أجمعين.. الهدف هو تحرير المسلمين من قواعد وعقائد هي بمثابة أغلال تكبل العقل وتحول دون فهم كتاب الله وجعله حكما في أمور الدين.. إن مثل هذه الأمور الشائنة والقبحة في حق نبينا وغيره من الرسل والتي تكتظ بها كتب السنن وشروحاتها إنما هي نقطة سوداء في جبين الإسلام تفتح الباب واسعا لخصومه والمتربصين به للتشكيك فيه وضربه.. إن هدم شخص الرسول وتشويهه يعني هدم الدين وتشويهه.. وأوقن وأنا أخط سطور هذا الكتاب أن المسلمين لن يقبلوا بحال تلك الصورة المزرية القبيحة التي تصورها كتب السنن عن الرسول والأنبياء.. موقن برفضهم هذه الصورة وثورتهم عليها.. وموقن أيضا برفض هذه الثورة ومحاولة تأكيد هذه الصورة وتبريرها من قبل كهان الدين وفقهاء السلاطين والثورة علي هذا الكتاب.. وعندما تتفجر ثورة المسلمين.. وعندما تتفجر ثورة الكهان.. يكون هذا الكتاب قد حقق الهدف من صدوره.. والحمد لله أولا وأخيرا.. صالح الورداني القاهرة ص. ب 163 / 11794 رمسيس [ صفحه 13]

الرواية بين الشك واليقين

بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالي: (وإنك لعلي خلق عظيم) صدق الله العظيم يستند الفقهاء والمحدثون في موقفهم من الروايات المنسوبة للرسول علي أساس قاعدة نقد السند لا نقد المتن فهم في مواجهة هذا الكم من الروايات التي تهين الرسل والرسول خاصة وتشكك في الدعوة التي بعث بها لا يعملون عقولهم في نصها ومحتواها وأبعادها. فقط ما يعنيهم من أمرها هو بحث كونها صحيحة أم ضعيفة أم موضوعة من حيث سلسلة الرواة الذين يروونها فإذا سلم هؤلاء الرواة من التجريح. سلمت الرواية مهما يكن محتواها ونصها.. وعلي هذا الأساس تم تمرير الكثير من النصوص المنسوبة للرسول (ص) تحت دعوي صحتها وسلامتها من ناحية السند.. وعاشت الأمة علي هذا الوهم الذي باركه الفقهاء والمحدثون طوال تلك القرون منذ تدوين الأحاديث وجمعها وحتي اليوم.. إلا أنه بقليل من البحث والتأمل سوف يتبين لنا بطلان هذه القاعدة ودخولها من دائرة الشك. ذلك لكون الفقهاء الذين ابتدعوها هم أيضا الذين ابتدعوا ضوابطها ومتعلقاتها.. إن تركيز الفقهاء علي أمر السند والحيلولة دون الخوض في أمر المتن وإعمال العقل فيه قد دفع بالمسلمين إلي تركيز جهودهم وطاقاتهم نحو سلسلة الرواة وما يتعلق بها من تعديل وتجريح.. من هنا فقد اكتظت ساحة الفكر الإسلامي بأمهات الكتب التراثية والمعاصرة التي تتحدث عن التعديل والتجريح وما أسموه بعلم الرجال.. ولقد أكدت هذه الكتب أن قاعدة بحث السند التي اعتمد عليها الفقهاء لا تخرج عن كونها صورة من صور عبادة الرجال التي وقعت فيها الأمم السابقة.. وعلي هذا الأساس كثر الخلاف بين فقهاء علم الرجال حول تعديل وتجريح الرواة. ففي الوقت الذي يقول فيه واحد بتجريح فلان يأتي آخر فيوثقه.. [ صفحه 14] وفي الوقت الذي يتفق فيه عدد منهم علي تعديل راوي يأتي آخر ويجرحه طاعنا في هذا التعديل.. ولا يوجد عند فقهاء الجرح والتعديل إجماع محدد علي توثيق رواة بعينهم اللهم إلا رواة البخاري ومسلم وهؤلاء أيضا قد قيل فيهم الكثير.. وقد وضع ابن حجر العسقلاني شارح البخاري مقدمة طويلة تحت اسم (هدي الساري) دافع فيها عن الطعون التي وجهت للبخاري من قبل فقهاء الحديث ومنهم أساتذة البخاري نفسه.. وقال القاسمي: وقد تجافي أرباب الصحاح الرواية عن أهل الرأي فلا تكاد تجد اسما لهم في سند من كتب الصحاح أو المسانيد أو السنن كالإمام أبي يوسف والإمام محمد بن الحسن فقد لينهما أهل الحديث [1] . ويكاد يجمع فقهاء الحديث علي أن التعديل يقبل من غير ذكر سببه. أما التجريح فيجب أن يتذكر سببه. نقل ابن الصلاح في مقدمته: ذكر الخطيب الحافظ في (الكفاية) أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل البخاري ومسلم. ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح فيهم. كعكرمة مولي ابن عباس وكإسماعيل بن أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم. واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم. وهكذا فعل أبو داود السجستاني. وذلك دال علي أنهم ذهبوا إلي أن الجرح لا يثبت إلي إذا فسر سببه.. وقيل إن ذلك هو الصحيح المشهور [2] . وبه أخذ النووي في (التقريب) وقال هو الصحيح [3] . [ صفحه 15] ويروي أن أكثر الحفاظ علي قبول التعديل بلا سبب وعدم قبول الجرح إلا بذكر السبب [4] . وقال القاري: التجريح لا يقبل ما لم يبين وجهه. بخلاف التعديل فإنه يكتفي فيه أن يقول: عدل أو ثقة مثلا [5] . وقال ابن الصلاح: أنه يثبت - أي التعديل والجرح - في الرواية بواحد لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر. فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة [6] . ويجمع الفقهاء علي أن تقبل تزكية كل عدل وجرحه ذكرا كان أو أنثي حرا كان أو عبدا. وخالف بعضهم في عدم قبول النساء في التعديل لا في الرواية ولا في الشهادة [7] . وإذا تعارض الجرح والتعديل في راو واحد فجرحه بعضهم وعدله بعضهم ففيه ثلاثة أقوال: الأول: أن الجرح مقدم مطلقا ولو كان المعدلون أكثر.. الثاني: إن كان عدد المعدلين أكثر قدم التعديل.. الثالث: أنه يتعارض الجرح والتعديل فلا يترجح أحدهما إلا بمرجح [8] . ويقول الصنعاني: قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الواحد. فيضعف هذا حديثا وهذا يصححه. ويرمي هذا رجلا من الرواة بالجرح وآخر يعدله وذلك مما يشعر بأن التصحيح ونحوه من مسائل الاجتهاد التي اختلفت فيها الآراء. فقد قال مالك في ابن إسحاق: إنه دجال من الدجاجلة. وقال فيه شعبة: إنه أمير المؤمنين في الحديث. وشعبة إمام لا كلام في ذلك. وإمامة مالك [ صفحه 16] في الدين معلومة لا تحتاج إلي برهان. فهذان إمامان كبيران اختلفا في رجل واحد من رواة الأحاديث [9] . وينبني علي خلاف الأئمة خلاف الأتباع كما أشار الصنعاني فرفض أتباع مالك قبول رواية ابن إسحاق. ويأخذ أصحاب شعبة بروايته.. ويحدد الفقهاء ألفاظ الجرح والتعديل فيما يلي: 1 - في الرواة المقبولين: ثبت حجت وثبت حافظ وثقة متقن. وثقة ثقة.. ثم ثقة.. ثم صدوق. ولا بأس به. وليس به بأس.. ثم محله الصدق وجيد الحديث وصالح الحديث وشيخ وسط.. وشيخ حسن الحديث. وصدوق إن شاء الله وصويلح ونحو ذلك. 2 - في الرواة المجروحين: دجال. كذاب. وضاع. يضع الحديث.. ثم متهم بالكذب. ومتفق علي تركه.. ثم متروك. وليس بثقة. وسكتوا عنه. وذاهب الحديث. وفيه نظر. وهالك. وساقط.. ثم واه بمرة. وليس بشئ. وضعيف جدا. وضعفوه. وضعيف وواه.. ثم يضعف. وفيه ضعف. وقد ضعف. ليس بالقوي. ليس بحجة. ليس بذلك. يعرف وينكر. فيه مقال. تكلم فيه. لين. سئ الحفظ. لا يحتج به. اختلف فيه. صدوق لكنه مبتدع ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها علي اطراح الراوي بالأصالة أو علي ضعفه. أو علي التوقف فيه. أو علي عدم جواز أن يحتج به [10] . [ صفحه 17] وإذا قال أهل الحديث: هذا حديث صحيح أو حسن فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد. لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان علي الثقة.. وكذا قولهم: هذا حديث ضعيف فمرادهم أنه لم تظهر لنا فيه شروط الصحة. لا أنه كذب في نفس الأمر لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ [11] . ويقول المحدثون أنه لا يلزم من عدم ثبوت صحة الحديث وجود الوضع ولا يلزم من عدم صحته وضعه [12] . وقول آخر: بين قولنا موضوع وبين قولنا لا يصح بون كثير. فإن الأول إثبات الكذب والاختلاق. والثاني إخبار عن عدم الثبوت [13] . وقال ابن حجر: لا يلزم من كون الحديث لم يصح أن يكون موضوعا [14] . ويفرق فقهاء الحديث بين الحديث المنكر. وبين الراوي المنكر.. فإن قيل هذا حديث منكر لا يقصد به أن راويه غير ثقة.. وإن قيل فلان روي المناكير أو حديثه هذا منكر ونحو ذلك: لا يقصد أنه ضعيف [15] . قال الحاكم: قلت للدارقطني: فسليمان ابن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة. قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء أما هو فثقة [16] . وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن معاوية الزبيري: قولهم منكر الحديث لا [ صفحه 18] يعنون به أن كل ما رواه منكر بل إذا روي الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث.. وقال: ما كل من روي المناكير يضعف [17] . وقال ابن حجر في ترجمة ثابت بن عجلان الأنصاري. قال العقيلي: لا يتابع علي حديثه. وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يضره إلا إذا كثرت منه رواية المناكير ومخالفة الثقات [18] . وقال السيوطي عن الذهبي: أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن وهو عند الترمذي وحسنه. وصححه الحاكم علي شرط الشيخين [19] . وعن أحوال الرواة نذكر ما يلي: في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري قال ابن حجر: ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله (ليس بشئ) يعني أن أحاديثه قليلة.. وقد وثق ابن معين عبد العزيز هذا في رواية. وفي رواية أخري قال فيه: ليس بشئ.. وقال ابن حجر: احتج به الجماعة [20] . وفي ترجمة محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي يقول ابن حجر: قال معاوية بن صالح: قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب. وقال لي يحيي بن معين: ضعيف. وقال مرة: ليس بشئ. وقال مرة: كان يقلب الحديث عن يونس يغيره عن معمر. ليس بثقة [21] . وجاء في ترجمة داود بن الزبرقان الرقاش البصري. قال ابن معين: ليس [ صفحه 19] بشئ. وقال ابن المديني: كتبت عنه شيئا يسيرا ورميت به. وضعفه جدا. وقال الجوزجاني: كذاب. وقال يعقوب بن شيبة وأبو زرعة: متروك. وقال أبو داود: ضعيف. وقال مرة: ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: اختلف فيه الشيخان. أما أحمد فحسن القول فيه ويحيي بن معين وهاه [22] . وفي ترجمة محمد بن ميسر الصنعاني البلخي الضرير يقول ابن حجر: قال يحيي بن معين: كان جهميا شيطانا ليس بشئ. وقال النسائي: متروك [23] . وينقل ابن الصلاح: قيل ليحيي بن معين: إنك تقول (فلان ليس به بأس) و (فلان ضعيف) قال: إذا قلت لك ليس به بأس. فثقة. وإذا قلت لك ضعيف فهو ليس بثقة ولا تكتب حديثه [24] . وفي مقدمة فتح الباري ذكر ابن حجر عن يونس البصري قال ابن الجنيد عن ابن معين: ليس به بأس. وهذا توثيق من ابن معين.. وقال ابن عدي: إذا لم يعرف ابن معين الرجل فهو مجهول ولا يعتمد علي معرفة غيره [25] . وقال الذهبي في ترجمة أبان بن حاتم الأملوكي: اعلم أن كل من أقول فيه (مجهول) ولا أسنده إلي قائله فإن ذلك هو قول أبي حاتم. فإن عزوته إلي قائله كابن المديني وابن معين فذلك بين ظاهر. وإن قلت: فيه جهالة أو نكرة أو يجهل أو لا يعرف وأمثال ذلك ولم أعزه إلي قائل فهو من قبلي. وكما إذا قلت: ثقة أو صدوق أو صالح أو لين أو نحوه ولم أضفه إلي قائل فهو من قولي واجتهادي [26] . [ صفحه 20] ويقصد أكثر المحدثين بكلمة مجهول في حق الراوي أي جهالة العين بالا يروي عنه إلا واحد. أما أبو حاتم فيريد به جهالة الوصف [27] . ويعد فقهاء الحديث سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمتن منكر يعد توثيقا له [28] . وفي ترجمة حفص بن بغيل قال ابن القطان: لا يعرف له الحال ولا يعرف. وقال الذهبي: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا. فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل علي عدالته. وهذا شئ كثير ففي (الصحيحين) من هذا النمط خلق كثير مستورون ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل [29] . ويرجح الفقهاء العمل بالرأي القائل بقبول رواية المستور لأنه قد تعذرت الخبرة في كثير من رجال القرن الأول والثاني والثالث ولم يعلم عنهم مفسق. ولا تعرف في رواياتهم نكارة. فلو ردت أحاديثهم أبطلت سننا كثيرة وقد أخذت الأمة بأحاديثهم [30] . ويقول الذهبي في ميزانه في ترجمة مالك بن الخير الزبادي المصري. قال فيه ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته. يريد أن ما نص أحد علي أنه ثقة. وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص علي توثيقهم. والجمهور علي أن من كان من المشايخ قد روي عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح [31] . ويذكر في كثير من كتب الرجال في حق كثير من الرواة (تركه يحيي القطان) وهذا يعني إخراج الراوي من حيز الاحتجاج بروايته. [ صفحه 21] وقال الترمذي: ذكر عن يحيي بن سعيد القطان أنه كان إذا رأي الرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا ومرة هكذا ولا يثبت علي رواية واحدة تركه [32] . وقال ابن معين في ترجمة بكر بن خنيس الكوفي العابد: ليس بشئ. وقال مرة: ضعيف. وقال مرة: شيخ صالح لا بأس به [33] . وقال ابن حجر في ترجمة هدبة بن خالد القيسي الذي لقيه الشيخان وأبو داود ورووا عنه: قواه النسائي مرة. وضعفه أخري.. قال ابن حجر: لعله ضعفه في شئ خاص [34] . وفي ترجمة عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة المعروف بابن الغسيل. بعد حكاية توثيقه عن ابن معين وغيره. قال ابن حجر: تضعيفهم له بالنسبة إلي غيره ممن هو أثبت منه من أقرانه وقد احتج به الجماعة سوي النسائي [35] . وفي ترجمة محارب بن دثار وترجمة نافع بن عمر الجمحي يقول ابن حجر: إن تضعيف ابن سعد فيه نظر لأنه يقلد الواقدي ويعتمد عليه. والواقدي علي طريقة أهل المدينة في الانحراف علي أهل العراق فاعلم ذلك [36] . وقد جعل ابن حجر في شرحه للبخاري بابا تحت عنوان: أسماء من طعن فيهم من رجال البخاري وأورد فيه عدد (417) طعنا سوف نورد هنا نماذج منها: في ترجمة الجعد بن عبد الرحمن المدني يقول: احتج به الخمسة وشذ الأزدي فقال: فيه نظر وتبع في ذلك السباجي لأنه ذكره في الضعفاء وقال: لم يرو عنه مالك. وهذا تضعيف مردود.. [ صفحه 22] وفي ترجمة سعيد بن سليمان الواسطي يقول: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان صاحب تصحيف ما شئت. وقال الدارقطني: يتكلمون فيه. قلت: هذا تليين منهم لا يقبل.. وفي ترجمة عبد الأعلي بن عبد الأعلي يقول: وثقة ابن معين وغيره. وقال أحمد: كان يرمي بالقدر. وقال محمد بن سعد: لم يكن بالقوي. قلت هذا جرح مردود وغير مبين ولعله بسبب القدر.. وفي ترجمة عبد الملك بن الصباح المسمعي وذكره الذهبي ونقل عن الخليلي أنه قال فيه: كان متهما بسرقة الحديث. قال ابن حجر: وهذا جرح مبهم.. وفي ترجمة عمر بن نافع مولي بن عمر قال ابن سعد: كان ثبتا قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه. قلت: وهو كلام متهافت كيف لا يحتجون به وهو ثبت.. وفي ترجمة عمرو بن سليم الزرقي قال ابن خراش: ثقة في حديثه اختلاط. قلت: ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا يلتفت إليه.. وفي ترجمة أبي سلمة موسي بن إسماعيل المنقري. قال ابن خراش فيه: صدوق وتكلم الناس فيه. قلت: نعم تكلموا فيه بأنه ثقة يا رافضي.. وابن خراش هذا الذي يذمه ابن حجر ويتهمه بالرفض قال فيه الذهبي: حافظ بارع ناقد جوال (ت 283 هـ). ذكر بشئ من التشيع.. ويروي أنه خرج مثالب الشيخين - أبو بكر وعمر - وكان ينكر حديث " إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " الذي احتج به أبو بكر علي فاطمة حين طالبته بميراث أبيها بعد وفاته (ص). وكان يطعن في سلسلته. وقيل له من تتهم به؟ قال: مالك بن أوس. قال ابن حجر: وهو - أي مالك - أحد التابعين الأجلة وقيل إن له صحبة والحديث صحيح متفق عليه ومروي عن أكثر من عشرة من الصحابة.. [ صفحه 23] وفي ترجمة بهز بن أسد العمي البصري. قال ابن حجر وثقة ابن معين والقطان وأبو حاتم وابن سعد والعجلي. وقال أحمد: إليه المنتهي في التثبت. وشذ الأزدي فذكره في الضعفاء. وقال: إنه كان يتحامل علي علي. قلت: اعتمده الأئمة ولا يعتمد علي الأزدي [37] . وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة سفيان بن عيينة: يحيي بن سعيد القطان متعنت في الرجال.. وقال أيضا في ترجمة سيف بن سليمان المكي: حدث - مع تعنته - عن سيف.. وقال الذهبي: وأما ابن حبان فإنه تقعقع كعادته وقال فيه: يروي عن الضعفاء أشياء كثيرة ويدلسها عن الثقات حتي إذا سمعها المستمع لا يشك في وضعها [38] . وقال ابن حجر: ابن حبان ربما جرح الثقة حتي كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه [39] . وقال الذهبي في ترجمة الفقيه أبي ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الأعلام: وثقة النسائي والناس. أما أبو حاتم فتعنت وقال: يتكلم بالرأي فيخطئ ويصيب ليس محله محل المستعين في الحديث. فهذا غلوا من ابن حاتم [40] . وقد قسم الذهبي من تكلم في الرجال إلي ثلاثة أقسام: الأول: من تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم.. الثاني: من تكلموا في كثير من الرواة كما لك وشعبة.. الثالث: من تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي.. [ صفحه 24] والكل علي ثلاثة أقسام: قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطين والثلاث. وقسم متسمح كالترمذي والحاكم.. وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي [41] . وقد وقع الذهبي في كثير من المتوصفة وجرحهم [42] . ووقع الجوزجاني في الحوفيين [43] . ووقع ابن حجر في الشيعة [44] . ووقع جميع الفقهاء في المخالفين من المعتزلة والجهمية والقدرية ورفضوا رواياتهم.. كما هو واضح مما سبق.. ويبقي لنا بعد هذا السرد عن حال السند والرواة أن نذكر أن الفقهاء والمحدثين أجمعوا علي جواز إخضاع سند الحديث لقواعد الجرح والتعديل وتتبع سلسلة الرواة ونقدها إن كان حالها يوجب النقد والتوقف عند الصحابي.. وابتدعوا لذلك قاعدة تقول: من ثبتت صحبته ثبتت عدالته.. فالصحابة في نظر الفقهاء والمحدثين جميعهم عدول لا يخضعون للنقد والتجريح وإنما الذي يخضع لهذا التابعين وتابعيهم ومن بعدهم من الرواة [45] . وهم يعرفون الصحابي بأنه كل من شاهد رسول الله أو سلم عليه أو ولد في حياته أو عاصره ولو ساعة ويدخل في ذلك التعريف الجن أيضا [46] . من هنا فعندما يذكر فقهاء علم الرجال كلمة (له صحبة) وهم يناقشون حال الرواة فإنما يقصدون من ذلك الكف عن الخوض فيه. ونقد من بعده من الرواة.. [ صفحه 25] ومن هنا أيضا أصبح لكل هؤلاء الذين يدخلون في تعريف الصحبة حق الرواية عن الرسول (ص) في مشروعية تامة.. وهذا الأمر يدفعنا إلي إلقاء الضوء علي قضية هامة تتعلق بأمر الأحاديث والرواية عن رسول الله (ص).. إن الحقيقة الأولي التي يجب تأكيدها في هذا المضمار هي أن الصحابة انقسموا بعد وفاة الرسول (ص) إلي قسمين: قسم ارتد إلي نهجه القبلي.. وقسم ثبت علي نهج الرسول.. القسم الأول هو الذي تحالف مع أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية من بعدهم. والقسم الثاني هو الذي تحالف مع الإمام علي وآل البيت.. القسم الأول هو الكثرة.. والقسم الثاني هو القلة.. القسم الأول حوي جميع الذين شملهم هذا التعريف العائم الذي ذكرناه.. والقسم الثاني حوي الصحابة الذين لهم باع ووزن وقيمة ومكانة وعلما وبذلا في سبيل الدعوة طوال حياة الرسول.. القسم الأول سادت رواياته.. والقسم الثاني ضربت رواياته.. وقد انعكس هذا الموقف علي التابعين وتابعيهم فأصبحوا قسمين: قسم سار مع بني أمية وبني العباس.. وقسم مع أبناء الإمام علي الأئمة مثل الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق.. وانعكس هذا الموقف أيضا علي حركة تدوين الحديث وجمعه.. وبدا أثره واضحا علي علم الجرح والتعديل.. [ صفحه 26] الجانب الغالب والسائد يشكك في أنصار آل البيت أو من يسمونهم بالشيعة والرافضة ولا يروون لهم ويجرحوهم تحت ضغط الحكام الذين يجدون في هذا الخط - خط آل البيت - خطرا علي وجودهم ونفوذهم وسلطانهم. ومن جانب آخر هم يروون لخصومهم وأعدائهم ويعدلونهم.. وهذه نماذج من هؤلاء الرواة الخصوم: - مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عم عثمان بن عفان. قال فيه ابن حجر: يقال إن له رؤية - أي صحبة للرسول - فإن ثبتت فلا يعرج علي من تكلم فيه. وقال عروة بن الزبير كان مروان لا يتهم في الحديث. وقد روي عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا علي صدقه. وإنما نقموا عليه أنه رمي طلحة - أحد العشرة المبشرين بالجنة - يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتي جري ما جري. قال ابن حجر: فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الإسماعيلي وغيره. وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف علي ابن الزبير ما بدا [47] . - عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يري رأي الخوارج وكان شاعرهم ويدعو لمذهبهم. قال ابن حجر: وهو الذي رثي عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام بتلك الأبيات السائرة وقد وثقه العجلي وقال قتادة كان لا يتهم في الحديث. وقال أبو داود ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران هذا وغيره [48] . - معاوية بن أبي سفيان من الطلقاء الذين دخلوا الإسلام بعد فتح مكة روي له أصحاب السنن باعتباره صحابي عدل. وروي له البخاري ثمانية أحاديث [49] . [ صفحه 27] - أبو هريرة الدوسي أورده ابن حجر في باب من لا يعرف اسمه واختلف فيه وقال فيه: روي له البخاري (446) حديثا [50] . - بسر بن أرطأة قال فيه ابن معين: كان رجل سوء. وبسر هذا كان من قادة معاوية الذين قادوا حملات الإبادة والتصفية الجسدية لمعارضي معاوية وأنصار علي في الحجاز واليمن. وكان الإمام علي قد دعا عليه.. وقد روي له أبو داود والترمذي والنسائي [51] . - يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي. نهي أحمد عن مجالسته وكان الأوزاعي سئ القول فيه. وكان يكره الإمام علي لقتله جده في صفين. روي له البخاري وغيره [52] . - طارق بن عمرو المكي مولي عثمان بن أبي عفان. ولي المدينة من قبل عبد الملك بن مروان وكان من ولاة الجور. روي له مسلم وأبو داود [53] . - عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المعروف بالأشدق. كان واليا علي المدينة من قبل معاوية ويزيد خرج علي عبد الملك بن مروان فقتله. من ولاة الجور. روي له مسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي [54] . - مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي. قال فيه أحمد: ليس بشئ. وقال الدارقطني: لا يعتبر به. ونقل البخاري أن ابن مهدي لم يكن يروي عنه. روي له مسلم وغيره [55] . [ صفحه 28] وقال ابن المديني سئل يحيي بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال: في نفسي منه شئ ومجالد أحب إلي منه [56] . - حريز بن عثمان الرحبي الحمصي. متهم بسبب الإمام علي والكذب علي رسول الله (ص). روي له البخاري وغيره [57] . - عمر بن سعد بن أبي وقاص. قاد الجيش الذي قتل الحسين وأبناء الرسول (ص) في كربلاء. روي له البخاري وغيره [58] . ويروي مسلم عن ابن سيرين قوله: لم يكونوا - أي الفقهاء - يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلي أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلي أهل البدع - الشيعة والمعتزلة ومن لم يساير الوضع القائم في عصر التدوين - فلا يؤخذ حديثهم [59] . ويقول ابن حجر: فأكثر من يوصب بالنسب - أي معاداة علي وأهل البيت - يكون مشهورا بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة. بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار [60] . ومن نماذج القسم الأول الذي ساير النهج القبلي بعد وفاة الرسول عائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك.. وهؤلاء الستة أسهموا بدور كبير في التحدث بلسان الرسول وقد اعتمدت كتب السنن علي رواياتهم خاصة عائشة وابن عمر وأبو هريرة. وأغلب الروايات التي سوف نتعرض لها في هذا الكتاب منقولة عنهم.. فقد روت عائشة في البخاري (442) حديثا.. [ صفحه 29] وروي أبو هريرة (446) حديثا.. وروي ابن عمر (270) حديثا [61] . هذا بينما لم يرو البخاري بنت الرسول سوي حديث واحد.. وروي لعلي بن أبي طالب (29) حديثا فقط [62] . وهؤلاء الثلاثة علي وجه الخصوص (عائشة أبو هريرة ابن عمر) من خصوم الإمام علي الذين أعلنوا انحيازهم بالكامل إلي صف معاوية وبني أمية.. وتجد الروايات المنسوبة للرسول (ص) والخاصة بالحكام وطاعتهم والصبر علي أذاهم وظلمهم وتبرير الوضع السائد قد جاءت عن طريق هذا القسم خاصة هؤلاء الثلاثة [63] . ويقسم فقهاء الحديث الرواية إلي متواترة وآحاد. وأكثر الروايات تدخل في دائرة الآحاد بينما المتواترة قليلة ومعدودة [64] . وجري العمل من قبل الفقهاء علي الأحاديث الآحاد وقبولها وبناء الأحكام والعقائد علي أساسها.. قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت علي قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع.. [ صفحه 30] وقال: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ويجعلها شرعا ودينا في معتقده. علي ذلك جماعة أهل السنة [65] . ويقول ابن الصلاح: أهل الحديث كثيرا ما يطلقون علي ما أخرجه البخاري ومسلم جميعا صحيح متفق عليه ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم جميعا صحيح متفق عليه ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه. لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه. لاتفاقهما علي تلقي ما اتفقا عليه بالقبول. وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لمن نفي ذلك محتجا بأنه لا يفيد من أصله إلا الظن [66] . ورد النووي علي هذا الكلام بقوله: وهذا الذي ذكره الشيخ خلاف ما قاله المحققون والأكثرون فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة تفيد الظن. فإنها آحاد. والآحاد إنما تفيد الظن لما تقرر.. ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك [67] . ويدور نزاع بين القدامي والمعاصرين حول حجية حديث الآحاد وكونه يفيد العلم أم الظن..؟ ففقهاء الوضع السائد يدافعون عن حديث الآحاد ويشككون في ناقديه والمترددين في الأخذ به لأن عقائدهم وأحكامهم تقوم عليه وآي محاولة للنيل منه سوف تهدم مذهبهم بأكمله [68] . وذهب الشافعي وغيره من المحدثين إلي أن الحديث إذا كان صحيحا علي شرط المحدثين لا يكون مخالفا للكتاب أبدا [69] . وقال: ولم نجد عنه حديثين مختلفين إلا ولهما مخرج. أو علي أحدهما [ صفحه 31] دلالة بأحد ما وصفت. أما بموافقة الكتاب أو غيره من السنة أو بعض الدلائل [70] . وقال ابن خزيمة: لا أعرف أنه روي عن النبي (ص) حديثان بإسنادين صحيحين متضادين. فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما [71] . وذهب البعض إلي جواز نسخ القرآن بالحديث [72] . وليس هناك من يجزم من بين فقهاء الحديث أن جميع الروايات التي بين أيديهم إنما هي بلفظها الذي نطق به الرسول (ص) وإنما يقولون إن هذه الروايات رويت بالمعني.. ولو كانوا قد قالوا بغير ذلك لساووا هذه الروايات بالقرآن وهذا أمر يوقع في دائرة الحرج الشرعي.. إلا أنهم مجمعون علي أن البخاري هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالي وهذا الكلام فيه نظر إذ من الممكن أن يؤدي إلي نفس النتيجة وهي مساواة القرآن بالأحاديث.. والحق أن مغالاة فقهاء الحديث في أمر الرواية والذي وصل بهم إلي الحكم بكفر منكر السنة أو المشكك فيها أو حتي كفر منكر الحديث المتواتر - وبعضهم وسع دائرة هذا الحكم ليشمل الآحاد - أن هذه المغالاة تضع السنة في مصاف القرآن.. وهم إذا ما عبدوا الأمة بهذا فإنما يكونوا قد أوقعوها في عبادة الرجال فإن قرن القرآن بالسنة يعد صورة من صور الشرك بين كلام الله وكلام البشر التي سوف تكون نتيجتها الحتمية هي طغيان كلام البشر علي كلام الله وهو ما حدث.. ويمكن تحديد الفروق بين القرآن والسنة فيما يلي: - إن القرآن كلامه معجز والسنة ليست كذلك.. [ صفحه 32] - إن القرآن قطعي أي لا مجال للتشكيك فيه. أما السنة فإن نسبة الأحاديث إلي الرسول (ص) ليست قطعية.. - إن القرآن كلام الله يجوز التعبد به شرعا. بينما السنة لا يجوز التعبد بكلامها.. - إن من الممكن الكذب في السنة ونسبة القول إلي الرسول زيفا وبهتانا. ولا يمكن ذلك بالنسبة للقرآن.. وجملة السنة موضع شك. والقرآن ليس كذلك.. الحديث موضع شك من حيث المتن ومن حيث السند. وإن كان الفقهاء قد أجازوا الشك في الرواية من ناحية السند فقط. فإن عدم إجازة الطعن في الرواية من حيث المتن فيه إلغاء للعقل وامتهان لدوره ونتيجته الحتمية هي القضاء علي الرأي وحرية التلقي والتناول لأحكام الدين وتعبيد الأمة لأقوال الرجال. وهو ما تؤكده تلك الحقائق التي عرضناها بخصوص السند وكونه موضع شك.. إن الفقهاء أرادوا تعبيد الأمة للرجال حكاما وكهانا وإلزامهم بقبول الوضع السائد اعتمادا علي الأحاديث وليس علي نصوص القرآن.. وهذه الأحاديث قد أجازوا الخوض فيها من ناحية السند وحده. لأن الخوض فيها من هذه الناحية لن يؤدي إلي شئ لأنهم هم الذين اخترعوا قواعد البحث في أمر السند وعلم التعديل والجرح. فمن ثم فإن النتيجة في النهاية سوف تصب في دائرتهم. لأن الباحث لن يستطيع أن يقول هذا عدل وهذا غير عدل إلا وفق هذه القواعد.. من هنا فإن الفقهاء يتصدون وبشدة المحاولة الخروج عن هذه القواعد والتي تتمثل في محاولة البعض إنكار حديث الآحاد وعدم الاستدلال به في مجال العقائد. وذلك لأن السنة بكاملها تعتمد علي حديث الآحاد. وهدمه يعني هدم السنة. أما الحديث المتواتر فهو قليل فمن ثم لا يمكن الاعتماد عليه في بناء هذا الصرح الكبير الذي أقاموه تحت رعاية بني أمية وبني العباس.. [ صفحه 33] وهناك رواية أنزلها الفقهاء منزلة المتواتر وهي قول الرسول (ص): " من كذب علي معتمدا فليتبوا من النار " [73] . وهذه الرواية التي هي محل إجماع تدل دلالة قاطعة علي أن هناك كذب واختلاق وتزييف سوف يتم باسم الرسول (ص).. وهناك رواية أخري تقول: " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعون " [74] . ويروي عن ابن عباس قوله: إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه [75] . وعلي ضوء هذه الروايات وما سبق ذكره لا يمكن القول إن علم السند وحده كاف لتمييز الخبيث من الطيب. وإنما الأمر يحتاج إلي إدخال علم المتن إلي جواره حتي يمكن ضبط ذلك الكم الهائل من الروايات المنسوبة للرسول (ص) والتي شكلت شخصية الأمة وعقلها وصاغت دينا جديدا يتناقص مع القرآن.. إن محاولة التفريق بين السند والمتن. وإباحة هذا وتحريم هذا إنما هي مؤامرة علي دين الله صاغها الحكام من بعد الرسول وتبعهم الفقهاء فيها وقاموا بتقنينها وإضفاء المشروعية عليها.. وبالأمس واليوم كانت هناك عقول راشدة تنكر الحديث من متنه فيتصدي لها الفقهاء بدعوي صحة السند وإن رجاله رجال الصيح وأن وأن.. ولما كان هذا الكلام لا يرح العقل ولا يسكت المعارضة. كان قرار الفقهاء هو تكفير أمثال هؤلاء الرافضين وزندقتهم تحت دعوي التشيع أو التجهم أو القدرية.. فينهض الحكام ليعملوا السيوف في رقابهم [76] . [ صفحه 34] وقد يكون هناك تجاوز من الفقهاء في نقد كتب السنن مثل الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود ومسند أحمد. إلا أنهم لا يتسامحون في محاولة توجيه أي نقد للبخاري ومسلم. فهذين الكتابين فوق النقد والاستدلال بأحاديثهما كالاستدلال بنصوص القرآن. وذلك بدعوي أن الأمة أجمعت علي صحتهما وتلقتهما بالقبول والأمة معصومة عن الخطأ [77] . والبخاري هو أول من نقح كتب الأحاديث والمسانيد التي كانت منتشرة في عصره (العصر العباسي) واستخلص منها الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين [78] . والبخاري ولد عام 194 هـ بمدينة بخاري وكان جده الثالث مجوسيا مات علي دينه وله الكثير من الفتاوي الغريبة [79] . أما مسلم فهو تلميذ البخاري وينتمي إلي نيسابور وهناك خلاف في ضبط تاريخ مولده ووفاته. ويرجح ابن خلكان أنه توفي سنة إحدي وسنين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة فتكون ولادته في سنة ست ومائتين [80] . بينما يشير الذهبي إلي أن مولده كان في سنة 204 هـ [81] . وقد خالف مسلم البخاري في نهجه وجمعه للأحاديث فمن ثم قد حوي [ صفحه 35] الكثير من الأحاديث التي فاتت البخاري أو هو تجنبها خاصة الأحاديث المتعلقة بفضل الإمام علي وآل البيت والتي خلا منها البخاري [82] . ومن بعد مسلم جاء ابن ماجة القزويني (ت 273 هـ) ودون سننه المعروفة بسنن ابن ماجة.. وجاء بعده أبو داود السجستاني (ت 275 هـ) ووضع كتابه سنن أبو داود.. ومن بعده جاء الترمذي (ت 279 هـ) وصنف كتابه جامع الترمذي.. وعاصره النسائي (ت 279 هـ) ودون سننه التي أطلق عليها سنن النسائي [83] . وجاء الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ) فاستدرك علي البخاري ومسلم الكثير من الأحاديث الصحيحة بطرقهم ورجالهم والتي تجنبوا تدوينها في كتابيهما. والمتأمل في مستدرك الحاكم يكشف أن هناك الكثير من الروايات الهامة التي تغير الكثير من المواقف والأحكام والرؤي اهملت أو ضربت حتي لا تؤدي إلي حدوث بلبلة في أوساط المسلمين وتدفع بهم إلي الشك في الأطروحة السائدة والخروج من دائرة عبادة الرجال التي وضعهم فيها الفقهاء والحكام.. وعلي رأس هذه الروايات التي استدركها الحاكم الروايات المتعلقة بالإمام علي وآل البيت وسلوك بعض الصحابة ومواقفهم بعد وفاة النبي (ص).. وكذلك ما يتعلق ببعض الأحكام.. ومن هذه الروايات رواية تقول: " قيدوا العلم بالكتاب ".. ورواية: " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ".. ورواية: " إذا بلغ بنو ابن العاص ثلاثين رجلا اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا وكتاب الله دغلا ".. ورواية: " إن الجنة لتشتاق إلي ثلاثة: علي وعمار وسلمان ".. [ صفحه 36] ورواية: " إنه لا تتم الصلاة أحدكم حتي يسبغ الضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلي المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلي الكعبين ".. ورواية: " قاتل عمار وسالبيه في النار ".. ورواية: " ملئ عمار إيمانا إلي بشاشة ".. ورواية: " من آذي عليا فقد آذاني ".. ورواية: " مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ".. ونفس الأمر ينطبق علي كتب السنن الأخري التي اهملت واستبعدت مثل مسند أحمد ومسند ابن حبان وأبي يعلي والطبراني والبيهقي والدارمي وموطأ مالك وغيرهم. فهذه الكتب تحوي الكثير من النصوص النبوية التي تكشف تناقض الفقهاء وتعمدهم التركيز علي البخاري ومسلم [84] . قال الشافعي: ما علي ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك (الموطأ) [85] . وقال: إذ جائك الحديث عن مالك فشد يدك عليه [86] . وما قيل في سنن أبي داود كان أكثر.. قال أبو سليمان الخطاب: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله [87] . وقال إبراهيم بن إسحاق الحزبي: ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد.. وقال ابن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وحفظا ونسكا وورعا واتقانا.. [ صفحه 37] وقال ابن القيم: كتاب السنن لأبي داود من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به بحيث صار حكما بين أهل الإسلام وفصلا في موارد النزاع والخصام فإليه يتحاكم المنصفون وبحكمه يرضي المحقون فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام ورتبها أحسن ترتيب ونظمها أحسن نظام مع انتقائها أحسن انتقاء وإطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء [88] . وقد مال له أهل العراق ومصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض. أما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن حجاج النيسابوري ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح علي شرطهما [89] . أما سنن النسائي فقد قالوا فيها: النسائي أحفظ من مسلم وأن سننه أقل السنن حديثا ضعيفا بعد البخاري ومسلم.. وقال الدارقطني: كل ما في سنن النسائي صحيح غير تساهل صريح.. وقالوا إن النسائي له شرط في الرجال أشد من شرط مسلم ولذلك كان بعض علماء المغاربة يفضله علي البخاري [90] . وقيل في الترمذي ما شابه ذلك [91] . أما ابن ماجة القزويني فهو كما قالوا دون الكتب الخمسة في المرتبة ولذلك أخرجه كثير من جملة الصحاح الستة.. إلا أن المتأخرين عدوه ضمن الستة [92] . - نهج التأويل: يتخذ الفقهاء موقفا معاديا من قضية التأويل فيما يتعلق بالأحاديث النبوية الخاصة بصفات الله سبحانه.. [ صفحه 38] وقد أعلن هؤلاء الفقهاء الحرب علي الشيعة والمعتزلة والجهمية وغيرهم من الخلف لكونهم فسروا هذه الأحاديث بما يفيد غير ظاهرها من الوصف.. وقرر الفقهاء أن مثل هذه الأحاديث تؤخذ كما هي دون التأويل فالله تعالي له يد ورجل ويضحك ويغار ويهبط من السماء إلي الأرض ومكانه في السماء ويتكلم ويتعجب ويري يوم القيامة وغير هذه الصفات التي أشارت إليها الأحاديث يؤمنون بها ويعتقدونها غير أنهم يلحقون هذا الاعتقاد بقولهم: له يد ليست كيدنا.. وله رجل ليست كرجلنا.. وله عين ليست كعيننا.. ويتكلم ليس ككلامنا.. ويهبط إلي الأرض ليست كهبوطنا.. وهكذا.. ويتزعم هذا الاعتقاد من يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة وهو الاتجاه الذي ساد بين المسلمين اليوم بتأثير المد النفطي الوهابي [93] . أما قبل ذلك فكان هذا الاتجاه ينحصر في دائرة الحنابلة الذين قدر لهم بعض الانتشار في عصر المتوكل العباس بعده كبتوا ولم تقم لهم قائمة حتي ظهر ابن تيمية وحاول بعث أفكارهم إلا أنه ضرب وطوي التاريخ صفحته حتي ظهرت حركة محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية والتي تبنت الطرح الحنبلي وأحيت مذهب ابن تيمية وفرضته علي المسلمين بسيف آل سعود لتصبح له دولة تمكنت ببركات النفط أن تنشر هذا الاعتقاد بين المسلمين في كل مكان [94] . وقد وقف في مواجهة أهل السنة الكثير من فقهاء الخلف وفقهاء الاتجاهات الأخري التي تحترم العقل وتعطي له مكانته. أولئك الذين رأوا في هذا الاعتقاد صورة من صور التجسيم الغير مباشر. [ صفحه 39] فما معني وصف الله سبحانه أن له يد ليست كيدنا.. وعين ليست كعيننا ورجل ليست كرجلنا.. الخ. والعقل البشري لا يتصور اليد أو العين أو الرجل إلا صورة واحدة وهي ما تجسم في مخيلته..؟ وكيف للعقل أن يتصور اليد والعين والرجل بصورة أخري. إن ذلك خارج طاقته وما جبل عليه.. من هنا فعند ذكر اليد أو العين أو الرجل فسوف يتصورها العقل كما هي عند سماعه مثل هذه الأحاديث التي تصف الله سبحانه بمثل هذه الصفات.. ولما كان هؤلاء الفقهاء لا يملكون القدرة علي الطعن في مثل هذه الأحاديث وإنكارها لاعتقادهم في صحتها بطرق الإسناد التي تعلموها. فلم يكن أمامهم سوي أن يقوموا بتأويلها وصرف ظاهرها عن معني التجسيم.. فقالوا إن اليد تعني القدرة.. والعين تعني الإحاطة.. والسماء تعني العلو.. والهبوط هبوط الرحمة.. والتكلم يكون بواسطة.. وهكذا [95] . وهذا ما عليه الشيعة والمعتزلة والجهمية. غير أن هؤلاء تحلوا بقدر أكبر من الشجاعة وقاموا برفض مثل هذه الأحاديث ونبذها.. والشئ الغريب والذي يفرض الكثير من التساؤلات أن فقهاء أهل السنة الذين تبنوا هذا الموقف المتشدد من أحاديث الصفات تبنوا عكس هذا الموقف تماما في مواجهة الأحاديث المتعلقة بالسياسة والحكام والرسول (ص) والتي سوف نعرض لها في هذا الكتاب.. [ صفحه 40] فهم في مواجهة قول الرسول (ص) في معاوية بن أبي سفيان: " لا أشبع الله بطنا " [96] . قالوا: لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي (ص): " اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة " [97] . وقال ابن كثير: وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه [98] . وفي مواجهة قول الرسول (ص): " لا يزال الإسلام عزيزا إلي اثني عشر خليفة.. أو لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " [99] . قالوا: الاثنا عشر هم: الخلفاء الراشدون الأربعة ومعاوية وابنه يزيد وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز ثم أخذ الأمر في الانحلال [100] . وفي مواجهة قول الرسول (ص) لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " [101] . قالوا: والمستدل بهذا الحديث علي أن الخلافة له بعد الرسول الله زائغ عن نهج الصواب فإن الخلافة في الأهل لا تقتضي الخلافة في الأمة بعد مماته [102] . وفي مواجهة قول الرسول (ص): " ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان علي الهدي ومن تركه كان علي ضلالة وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي.. أذكركم الله في أهل بيتي " [103] . [ صفحه 41] قالوا: إن أهل البيت نساء النبي أو بني هاشم أو بني العباس أو قريش وإن المقصود بالتذكير هنا هو الاحترام والتوقير [104] . وسوف نعرض لنماذج أخزي من هذه التأويلات ضمن بحوث الكتاب.. [ صفحه 45]

الرسول الدور والشخصية

كيف ينظر الفقهاء إلي شخص الرسول (ص)؟ وكيف يحددون دوره..؟ إن الإجابة إلي هذين السؤالين ترتبط ارتباطا جوهريا بموضوع البحث الذي نحن بصدده هنا.. وبالطبع لا بد وأن تكون شخصية الرسول ودوره في منظور الفقهاء تتلاءم مع ذلك الكم من الروايات التي يلصقونها به.. ولا بد أن تتوائم مع رواية طوافه علي نسائه التسع في ليلة واحدة وبغسل واحد.. ولا بد وأن تتوائم مع مواقف عمر وتدخله في شأن الوحي.. ولا بد أن تتوائم مع إهماله جمع القرآن ووصية أمته قبل وفاته.. ولا بد أن تتوائم مع تبشيره بالظلم وإلزام أمته بقبوله والاستسلام له.. لقد وجد الفقهاء أنفسهم في موقف حرج بين أن يرفضوا هذه الروايات التي تصطدم بالقرآن والعقل وتهين الرسول وتستخف به وتشوه صورته. وبين أن يعطوا للرسول شخصيته ودوره كما حدد كتاب الله. وكان أن اختار الفقهاء الروايات وقبولها. وهذا يعني أنهم لا بد وأن يصيغوا شخصية جديدة للرسول تتوائم مع هذه الروايات. ودورا جديدا ينسجم معها.. وهم لم يكن أمامهم بديل سوي هذا.. فهم إن رفضوا الروايات سقط صرحهم وضاعت دنياهم وحلت عليهم لعنة الحكام.. ومن هنا ظهرت فكرة ربط كتاب الله بالسنة. فالسنة وحدها لن تستطيع الصمود والبقاء وتأدية دورها في خدمة الحكام والفقهاء وتخدير المسلمين ما لم [ صفحه 46] ترتبط بالكتاب. فالكتاب هو الذي سوف يضفي عليها القدسية ويربط الناس بها ويرهب الخصوم من محاولة النيل منها والتشكيك فيها.. ومع ظهور هذه الفكرة ظهرت الفتاوي الارهابية التي تهدد كل من تسول له نفسه محاولة التشكيك في السنة وإضعاف الثقة بها.. حتي أن بعض الفقهاء قال: لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقد لها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه وقد روي البخاري عن الزهري قوله: من الله الرسالة. ومن الرسول التبليغ وعلينا التسليم [105] . ومن لم يسلم لنصوص الكتاب والسنة واعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات وادعي أنه يقدم العقل علي النقل لم يكن سليم العقيدة [106] . وقسم الطحاوي التوحيد إلي قسمين لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل. وتوحيد متابعة الرسول [107] . ويقول ومن لم يسلم للرسول (ص) نقض توحيده. فإنه يقول برأيه وهواه بغير هدي من الله فينقض توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول [108] . ويقول ابن تيمية: كلما ظهر الإسلام والإيمان وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوي [109] . ويقول: لا ريب أن عمدة كل زنديق ومناطق إبطال أحاديث رسول الله. [ صفحه 47] وهذا القدر بعينه هو عين الطعن في نفس النبوة وإن كان يقر بتعظيمهم وكمالهم [110] . إن فقهاء أهل السنة لا يتورعون عن ربط الكتاب بالسنة والدمج بينهما. حتي أنهم اعتبروا طعن في كتاب الله.. وما داموا يتكلمون بلغة الوحيين.. ولغة التوحيدين.. ولغة الكتابين.. فأي مخرج يمكن أن يكون لأولئك الذين يتسلحون بالعقل في مواجهة الروايات؟ وهل هناك مسلم يرفض ما جاء به الرسول (ص)؟ والإجابة بالطبع لا. ولكن الفقهاء أوهموا المسلمين أن من يرفض الأحاديث يرفض ما جاء به الرسول. أي يرفض كتاب الله.. وهذه حيلة لا تنطلي علي أصحاب العقول الذين جرمهم الفقهاء وحذروا المسلمين منهم باعتبارهم من أهل البدع.. إن كل من يستخدم ويميل إلي المنطق والفلسفة وعلم الكلام هو مبتدع في نظر الفقهاء. وقد قال بعضهم: العلم بالكلام هو الجهل بالكلام هو العلم [111] . إن مثل هذه التصورات التي يطرحها الفقهاء عن الرسول وأحاديثه فضلا عن كونها مخالفة لنصوص القرآن هي صورة من صور تاليه الرسول ومن يعتقد فيها فقد وقع في عبادة الرجال.. وما دام المسلم لا يرفض الرسول وما جاء به فكيف يضل ويكفر..؟ [ صفحه 48] إن إنكار بعض الأحاديث أو الطعن فيها لا يعني إنكارا أو طعنا في الرسول وإنما يعني الطعن في كلام منسوب للرسول وإنكار نسبته إليه (ص).. يعني دفاعا عن الدين وعن الرسول.. والفقهاء بموقفهم هذا إنما يكررون نفس موقفهم من المؤولة الذين تصدوا لأحاديث الصفات وحملوها علي المجاز. فهذا الموقف لم يعجبهم واعتبروه نفيا لصفات الله. وأعلنوا حربا شعواء علي الفقهاء والإتجاهات الإسلامية التي تتبني نهج التأويل وتهدف إلي تنزيه الله سبحانه عن مشابهة البشر. وهم هنا يتخذون نفس الموقف من أصحاب العقول الذين يدافعون عن الرسول (ص) وينفون عنه ما يشينه أو يشوه صورته.. ليس هناك حرج علي فقهاء يؤمنون أن الله سبحانه يظلم العباد وله يد وعين ورجل ويضحك ويغار ويهبط ويجلس علي العرش.. ليس عليهم حرج أن ينسبون إلي الرسول مشاركة الله في الألوهية ومجامعة النساء في المحيض والجهل بأحكام الدين والجبن والتطفل والولع بالنساء وخلافه.. ولو كانت السنة بهذه المكانة فلم لم يدونها الرسول وتركها تتبعثر هنا وهناك أكثر من قرن من الزمان؟ [112] . ومثل هذا السؤال يرد عليه ببساطة: إن الرسول مات وترك القرآن مبعثرا في صدور الرجال ولم يأمر بتدوينه. فكذلك السنة [113] . وهذه الإجابة ليست غريبة علي قوم يساوون السنة بالقرآن وينسبون للرسول ما ينسبون.. [ صفحه 49] إذ كيف يعقل أن يترك الرسول (ص) القرآن مشتتا هنا وهناك في صدور الرجال. إن ذلك يتنافي مع دوره ومهمته كرسول خاتم.. يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (ص) (فنهتني قريش) [114] . قالوا: تكتب كل شئ سمعته عن رسول الله. ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا..؟ فأمسكت عن الكتابة. فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ بإصبعه إلي فيه وقال: " أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق " [115] . وهذه الرواية تكشف لنا عدة دلالات هامة: أولا: أن هناك جبهة كانت تتولي الكتابة عن الرسول.. ثانيا: أن هناك جبهة كانت ضد كتابة كلام الرسول.. ثالثا: أن هناك أمر من الرسول بكتابة كلامه. رابعا: أن هذه الجبهة تنظر إلي الرسول علي أنه صاحب أحوال وذو شخصية متقلبة. ويروي البخاري أنه لما حضر النبي (ص) - أي في مرض الموت - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب. قال (ص): " هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ". قال عمر: إن النبي - يهجر - وقد غلبه الوجع وعندكم كتاب الله فحسبنا كتاب الله واختلف أهل البيت واختصموا وانقسموا إلي حزبين. حزب مع عمر. وحزب يطالب بكتابة الوصية [116] . [ صفحه 50] ومن هذه الرواية نخرج بما يلي: - أن هناك جبهة ضد الوصية وضد كتابة حديث الرسول.. - أن هذه الجبهة بزعامة عمر والمهاجرين.. - أن جبهة كتابة الوصية كانت بزعامة علي وتحوي الأنصار. - أن هناك كتابة علي عهد رسول الله [117] . ويروي عن أبي هريرة قوله: ما من أصحاب النبي (ص) أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب [118] . ومن المعروف أن هناك مجموعة علي عهد النبي (ص) كانت تكتب الوحي وعلي رأس هذه المجموعة الإمام علي وابن مسعود وأبي بن كعب [119] . وما دام الأمر كذلك فكيف يدعي أن الرسول (ص) مات وترك القرآن غير مكتوب متفرقا في صدور الرجال كما قال عمر [120] . وكيف يدعي أن سنة الرسول لم تكن مدونة في عصره..؟ إن الإجابة علي هذا السؤال سوف تتبين لنا إذا استعرضنا حال حديث الرسول في عهد الخلفاء الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان.. تشير الروايات إلي أن الخلفاء الثلاثة عملوا علي منع كتابة الحديث في عهدهم.. يروي ابن سعد: أن الأحاديث كثرت علي عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فأتوه بها فأمر بإحراقها [121] . ويروي الذهبي أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة النبي (ص) فقال: إنكم [ صفحه 51] رسول الله أحاديث تختلفون فيها. والناس بعدكم أشد اختلافا. فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا. فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [122] . وحبس عمر بعض الصحابة الذين كانوا يروون حديث الرسول [123] . أما عثمان فقال: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به علي عهد أبي بكر ولا علي عهد عمر [124] . ويروي أن عثمان حجر علي أبي ذر وابن مسعود وعمر وغيرهم من الصحابة وآذاهم واضطهدهم بسبب نشر حديث الرسول ورفض الانصياع لأمره بعدم التحدث إلي الناس [125] . ومن هذه الروايات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره هنا يتبين لنا أن الأحاديث كانت مدونة علي عهد الرسول (ص) وكانت متداولة بين الصحابة.. ويتبين لنا أيضا أن هذه الأحاديث كانت تشكل حرجا لعدد من الصحابة خاصة تلك التي تتعلق بسلوك ومواقف المنافقين. وأنه بمجرد أن توفي الرسول عملت جبهة المهاجرين بزعامة عمر علي منع نشر الحديث وتداوله وقد كانت لها محاولات في ذلك أثناء حياة الرسول.. وهناك حقيقة هامة أكدتها الروايات الخاصة بأبي بكر وعمر وهي أن كلاهما أصر علي نبذ الأحاديث وحث علي التمسك بكتاب الله وحده. ويبدو هذا بوضوح من خلال قول أبو بكر: بيننا وبينكم كتاب الله.. وقول عمر: حسبنا كتاب الله.. [ صفحه 52] والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو موقف الفقهاء من أبي بكر وعمر؟ وهل هذا الموقف من جهتهما يعد بدعة وضلالة..؟ ونحن نجيب بالنيابة عنهم بقولنا: إن أبا بكر وعمر لم يمنعا الحديث كلية وإنما منع الأحاديث التي تشكل خطرا علي نهجهما. ويدل علي ذلك قول عثمان لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به علي عهد أبي بكر وعمر.. ويدل عليه أيضا ذلك الحصار الذي فرض علي أنصار علي من الصحابة وعلي الأنصار فهؤلاء جميعا كانوا ضد النهج القبلي الذي فرضه الخلفاء الثلاثة [126] . أما في عصر معاوية فقد اختلف الوضع. فقد وجد معاوية نفسه في مواجهة الإمام علي بقدره ومكانته العالية وعلمه المتميز. فكان لا بد له من وسيلة شرعية يتحصن بها في مواجهته تحقق له التوازن في الصراع الذي دار معه.. فكان أن جمع حوله المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم وأطلق لهم العنان ليرووا باسم الرسول ما يدعم خطه ويقوي صرحه ويسد العجز في الميزان الشرعي الذي أوقعه في حرج أمام الإمام علي.. لقد فتح معاوية الأبواب علي مصارعها لرواية الأحاديث الذي تدعمه وتحط من قدر الإمام علي وتشكك في شخصه ونهجه [127] . ونتج عن هذا أن فتحت الأبواب علي مصارعها أيضا لأعداء الإسلام كي يرووا باسم الرسول ويشوهوا صورة الإسلام.. [ صفحه 53] برز كعب الأحبار وأخذ عنه أبو هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاوية وعبد الله بن الزبير وغيرهم [128] . من هنا كثرت الإسرائيليات وتغلغلت في كتب الأحاديث عن طريق الصحابة الذين عدلهم أهل السنة وحرموا تجريحهم.. وفي وسط هذا المناخ المتناقض والذي يتمثل فيما يلي: - أحاديث أخذت من لسان النبي (ص) مباشرة انتشرت في حياته وضربت بعد مماته.. - أحاديث تمكن من إنقاذها والاحتفاظ بها قطاع من الصحابة علي رأسهم الإمام علي.. - أحاديث اخترعت في عصر الخلفاء الثلاثة.. - أحاديث اخترعت في عصر معاوية.. - أحاديث أخذت من كعب الأحبار وغيره من العناصر اليهودية والمسيحية التي اخترقت صفوف المسلمين.. هذا الكم المتناقض من الأحاديث هو الذي وصل إلي المسلمين في العصر العباسي ونم عزبلته وانتقاء الأحاديث التي تدعم خط الخلفاء والملوك ومن أقوي الأدلة التي يستند عليها الفقهاء في ربط الكتاب بالسنة وربط السند بالكتاب قوله تعالي: (وما آتاكم الرسول فخذوه. وما نهاكم عنه فانتهوا.) [الحشر: 7].. (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) [النساء: 80].. (فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا من أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء: 65].. (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا) [الأحزاب: 37].. إن مثل هذه النصوص وغيرها إن كانت تؤكد شراكة الرسول لله سبحانه في أمر الحكم والأمر والنهي - وهو ما يريد تأكيده الفقهاء - فهذا هو الكفر بعينه. إذ [ صفحه 54] معني هذا الكلام أن الرسول (ص) يشارك الله سبحانه في خاصية الألوهية. وهذا يعني أن الرسول قد منح صفة من صفات الله وأخذ خاصية من خصائصه سبحانه. وهذا ما قاتله اليهود في عزيز والنصاري في عيسي.. وإذا ما أنكر الفقهاء هذا الادعاء - وهم سوف ينكرونه بالطبع - فإن هذا يعني أن ربط القرآن حكم الله بحكم الرسول وطاعته بطاعته له مدلول آخر وهو أن الرسول هو الذي ينطق بكلام الله عن طريق الوحي وقد عصم لهذا الغرض فمن ثم هو المصدر الوحيد في الأرض الذي ينطق بكلام الله ويقوم بتبيينه. وهو وفق هذا التصور حكمه هو حكم الله. وطاعته هي طاعة الله لكونه لا يتكلم ولا يحكم ولا يبين إلا وفق ما يرشده الوحي الإلهي. وهذا هو معني قوله تعالي: (وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي) [النجم]. وما ينطقه الرسول (ص) ينقسم إلي قسمين: الأول هو القرآن.. الثاني هو البيان.. وشتان بين القرآن والبيان.. هذا كلام الله.. وهذا كلام الرسول.. نعم إن كلام الرسول منضبط بالوحي ولكن هل هذا يعني أن نساويه بالقرآن؟ والجواب بالطبع لا.. والفقهاء أنفسهم يقرون أن القرآن جاء بطريق التواتر القطعي.. أما السنة فجاءت بطرق أخري ظنية.. فإذا كان الأمر كذلك. فكيف ربطوا السنة بالكتاب وكفروا منكرها أو رافض بعضها أو المشكك فيها..؟ لقد حسم القرآن بقوله تعالي: [ صفحه 55] (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتذكرون) [النحل: 44]. إن دور الرسول هو التبيين.. ودور الرسول هو البلاغ.. يقول تعالي: (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين) [النحل: 82]. ويقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك..) [المائدة: 67].. ويقول: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به..) [إبراهيم: 52].. ليس من حق الرسول الإضافة.. وليس من حقه التشريع.. وليس من حقه الاختلاق.. وليس من حقه الاجتهاد.. وليس من حقه اللهو.. وليس من حقه أن يتسامح في أمر الوحي.. ولا يملك ذلك من الصل. فإنما هو معصوم ومحكوم وفق دائرة التبيين والتبليغ. إلا أن هذه الدائرة التي حدده الله سبحانه لم تعجب الحكام والكهان وأعداء الإسلام لكونها توصد الأبواب في وجوههم وتحول بينهم بين أن يحرفوا هذا الدين ويشوهوه ويخضعوه لأهوائهم ومصالحهم. فمن ثم كانت الحاجة ماسة إلي اختراع كم هائل من الروايات التي تخرج الرسول من هذه الدائرة لتضعه في دوائر أخري تتيح لهم استثمار الدين لصالحهم. ويتحصن الفقهاء في وجوب لزوم السنة برواية منسوبة للرسول تقول: " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان علي أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه. وما وجدتم فيه من حرام فحرموه " [129] . وهذه الرواية إنما يعضد بها الفقهاء موقفهم من النصوص القرآنية التي [ صفحه 56] ذكرناها من أن القرآن وحده لا يكفي ولا بد من أن تكون السنة إلي جواره. وهي تقود إلي نفس النتيجة من أن القرآن والسنة سواء في التلقي والاعتقاد. وأنه لا فرق بين كلام الله وكلام الرسول.. وهي تهدف إلي إخراج الرسول من دائرة التبيين والتبليغ إلي دائرة أوسع وهي دائرة التشريع.. إن معني قول الرسول أوتيت القرآن ومثله معه لا يحتمل إلا شيئا واحدا وهو أن السنة مثل القرآن. وهذا كلام لا يجوز في حق رسول قال فيه سبحانه: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد منه حاجزين) [الحاقة: 44 - 47].. وإذا كان معني مثله معه هو البيان فهذا يرد الرواية من أصلها إذ ليس هناك تطابق بين التعبيرين.. والمسألة لا تحتمل وجها واحدا هو: إما أن يكون الرسول قد قال مثل هذا الكلام.. وإما أن لا يكون قد قاله.. الأرجح أنه لم يقله. لأنه يتناقض مع دوره ورسالته.. ويعضد هذا ما ينسبه القوم إلي الرسول (ص) من أنه نهي عن كتابة الأحاديث وقال: " من كتب عني شيئا فليمحه ".. وقد كان شعار عمر وهو يطارد الأحاديث: الخوف من أن تختلط بالقرآن.. فإذا اعتمدنا روايات النهي عن كتابة الأحاديث.. وكلا الموقفين يقربهما الفقهاء.. فإن هذا يعني رفض هذه الرواية واعتبارها مختلقة.. وإذا اعتمدنا رفض الموقفين فإن هذا يعني التشكيك في السنة وتناقضها وهو موقف يتجنبه الفقهاء. وليس أمام الفقهاء من مخرج سوي أن يقروا أن السنة لا تخرج عن كونها جهد بشري وتراث علمي يحوي الغث والسمين والنافع والضار والحق والباطل [ صفحه 57] فمن ثم هو يخضع لقاعدة الأخذ والرد والقبول والرفض. لو أقر الفقهاء بهذا لأمكن للإسلام أن يضل علي وجهه النقي الصافي كما تركه الرسول. ولأمكن للقرآن أن يلعب دورا فاعلا في حياة المسلمين ذلك الدور الذي سوف يظل مجمدا بسبب هذا الكم الهائل من الأحاديث المنسوبة للرسول الذي غطي علي القرآن وعزله عن واقع المسلمين.. وبفضل هذه الأحاديث المتناقضة والواهية فتح الباب علي مصارعه لأقوال الرجال التي غطت علي هذه الأحاديث وأصبحت الأمة تتلقاها بالقبول وتدين بها لا بالأحاديث.. إن السنة ليست سوي تاريخ للرسول (ص) هذا ما يجب أن يعتقده المسلمون. والتاريخ يخضع لقواعد البحث والغربلة لكونه نتاج بشري وليس نتاجا إليها يجب علينا التعبد به.. وإذا كان الفقهاء يقرون أن من الفروق بين القرآن والسنة. إن القرآن كلام الله يجوز التعبد به شرعا بينما السنة ليست كذلك. فما معني ربطهم السنة بالكتاب وإضفاء هذه الحالة المقدسة علي الأحاديث وتكفير الرافض لها والمشكك فيها..؟ إن حكم التكفير في ذاته يرتد علي الفقهاء الذين تبنوه لكونهم ساووا ما بين الكتاب والسنة واعتبروا منكر السنة كمنكر القرآن.. يرتد عليهم لكونهم أدخلوا الرسول (ص) في دائرة المشاركة مع الله سبحانه في الألوهية وأعطوه حق التشريع والإضافة علي القرآن وهو ما يتنافي مع دور الرسول وشخصيته.. ويروي أن معاذ بن جبل قال: إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتي يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر فيوشك أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتي ابتدع لهم غيره. فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة " [130] . [ صفحه 58] ويروي أن الرسول (ص) قال: " بلغوا عني ولو آية " [131] . ويتداول الفقهاء الكثير من الروايات التي تحض علي القرآن وضرورة تلاوته وحفظه وتعلمه [132] . وهذه الروايات تشير إلي أن القرآن كان مجموعا ومرفوعا ومتداولا في حياة الرسول (ص).. ويبدو لنا مما سبق أن الروايات لا تحدد ملامح واضحة لشخصية الرسول ودوره.. فهي تصور بالشخصية المتناقضة.. فتارة يأمر بكتابة الأحاديث.. وتارة ينهي عنها.. وتارة أخري يأمر بالقرآن ويحض عليه.. وتارة يشرك معه أحاديثه.. وهو فوق هذا يضيف أحكاما فوق أحكام القرآن ويجتهد ويخطئ ويتطفل ويسحر ويتعدي عليه عمر في أمر الوحي ويعشق النساء ويهمل دوره ورسالته وغير ذلك ما سوف نبين.. ولقد قال سبحانه: (وإنك لعلي خلق عظيم). وهذا النص القرآني يبدد كل تلك الروايات التي تحط من قدره وتقود في النهاية إلي التشكيك في اختياره للرسالة.. تروي عائشة عن الرسول (ص): " كان خلقه القرآن " [133] . [ صفحه 59] ويروي عن الرسول قوله: " قيدوا العلم بالكتاب " [134] . واحتج عمر علي الرسول (ص) وهو في مرض الموت يطلب إحضار القلم والقرطاس ليكتب لهم وصيته بقوله: " حسبنا كتاب الله " [135] . ومثل هذه الروايات وغيرها التي يتداولها القوم إنما تؤكد أن الرسول (ص) كان منضبطا بالقرآن ولا يخالفه في شئ. [ صفحه 63]

الرسول العاشق (1): خيال الرسول و عقله و دينه ملك عائشة

يعتبر الفقهاء حياة الرسول قبل البعثة تخرج من دائرة العصمة. أي أن العصمة ترتبط بفترة بعثته فقط. وحتي هذه العصمة لها دائرة محددة هي دائرة التبليغ كما أشرنا.. وعلي ضوء هذا التفسير يمكن ربط الرسول (ص) بعلاقات نسائية سواء قبل البعثة أو بعدها دون حرج. علي أساس أن هذه العلاقة إنما هي في محيط الجانب البشري من شخصيته.. وفي المرحلة المكية ارتبط الرسول بعلاقة حب والزواج بالسيدة خديجة رغم فارق السنة بينهما. ورغم كونها ثيبا وتكبره في السن.. ورغم وجود عشرات الأبكار اللاتي يحلمن الزواج من رجل كمحمد بن عبد الله تتوافر فيه جميع الخصال التي تحلم بها أية امرأة وزيادة.. إلا أن الرسول ارتبط بخديجة وانجب منها فاطمة. وكان زواجا مباركا من قبل الله سبحانه. وتحققت للدعوة مكاسب كثيرة من وراء هذا الزواج.. من هنا يمكن القول إن الرسول اختار خديجة بتوجيه من الوحي.. والله سبحانه وجه عاطفة الرسول نحو خديجة حتي يقبلها زوجة له.. وخديجة كانت تحمل المواصفات التي تؤهلها للارتباط بالرسول في هذه المرحلة.. لقد كان من الممكن للرسول أن يميل بعاطفته نحو فتاة بكر وهو بشر له نوازعه. لكن الله سبحانه يريد أن يبين لنا أن عصمة الرسول لا تعني إلغاء عواطفه ومشاعره بل توظيف هذه المشاعر وتوجيهها.. وهذا ما حدث بين الرسول وخديجة.. [ صفحه 64] وهو ما غاب عن الفقهاء حين فسروا العصمة هذا التفسير الضيق وفق الروايات التي تبنوها وصاغوا للرسول شخصية أخري هي شخصية العاشق المولع بالنساء واعتبروا هذا الجانب من شخصية الرسول مرتبط ببشريته ولا صلة ولا بنبوته ولا يتناقض معها إن العصمة لا تلغي عواطف الرسول ونوازعه البشرية ولكنها تضبط هذه العواطف والنوازع وفق مصلحة الرسالة.. والفقهاء تحت ضغط الروايات اضطروا إلي فصل العصمة عن النوازع واعتبروا أن للرسول مطلق الحرية في إطلاق نوازعه والتصرف في شهواته وأن ذلك كله لا يصطدم بأهداف الرسالة.. وإذا كانت حياة القادة ملكا لأمتهم. فكيف الحال بحياة الرسول المبعوث للعالمين وهو خاتم الرسل..؟ إن القائد الذي يهب نفسه لقضية يتفرق ويتجرد لها ولا يأتي بما يناقضها ويصطدم بمصالحها وأهدافها. والرسول نبي وقائد. فكيف له أن يطلق العنان لشهواته ونوازعه ويأتي من السلوكيات والممارسات ما يثير الشبهات حوله ويشكك في دعوته.. ودفاع الفقهاء عن هذه السلوكيات والممارسات التي ألصقت بالرسول يعد صورة من صور الانحراف والتزييف التي لحقت بالدين بعد وفاة الرسول وهي قاعدة عامة مرت بها جميع الرسالات الإلهية. غير أن الصورة اختلفت مع الإسلام. فإن التزييف والتحريف جاء من جهة الروايات المخترعة التي باركها الفقهاء ودعموها بتفسيراتهم حتي كانت النتيجة هي تشويه الرسول.. ولا شك أن تشويه الرسول هو تشويه للدين الذي جاء به.. والفقهاء بهذه الصورة يكونوا قد أعادوا سيرة الأحبار والرهبان في أقوامهم. بأن جعلوا هذه الروايات حكما علي الرسول وعلي القرآن. ثم جعلوا أقوالهم حكما علي هذه الروايات. وبالتالي أصبحت أقوالهم وتفسيراتهم هي الدين وتبعهم المسلمون علي هذا. وهذه هي متاهة الأحبار والرهبان.. [ صفحه 65] ومن خلال كم الروايات التي رويت حول علاقة الرسول بعائشة وتفسيرات الفقهاء لهذه الروايات وتبريراتهم لها سوف تتضح الصورة.. ويتبين لنا كيف أن هؤلاء الفقهاء جنوا علي الرسول وسفهوا عقول المسلمين.. - تاريخ عائشة: يروي ابن سعد عن عائشة قولها: تزوجني رسول الله (ص) في شوال سنة عشر من النبوة قبل الهجرة لثلاث سنين وأنا ابنة ست سنين. وهاجر رسول الله فقدم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. وأعرس بي في شوال علي رأس ثمانية أشهر من المهاجر. وكنت يوم دخل بي ابنة تسع سنين [136] . ولقد أجمع الفقهاء علي أساس هذه الرواية وغيرها أن الرسول (ص) تزوج عائشة وهي ابنة ست. ودخل بها وهي ابنة تسع [137] . وعلي هذا الأساس تكون عائشة من مواليد السنة الرابعة من البعثة وهو تاريخ يتناقض مع سيرة عائشة قبل أن يقترن بها الرسول. فلو كان المؤرخون قد سكتوا عن تاريخ عائشة قبل زواجها بالرسول لأمكن لمثل هذه الرواية أن تمضي في سلام دون أن يحيط الشك بها. لكنهم ذكروا روايات أخري تفرض إعادة النظر في عمر عائشة وتاريخ زواجها بالرسول (ص).. يقول ابن حجر: كان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها ومات النبي (ص) ولها نحو ثمانية عشر عاما [138] . وحسب قول ابن حجر يكون تاريخ ميلاد عائشة في السنة الخامسة للبعثة علي أساس أن الرسول قضي في مكة ثلاثة عشر عاما [139] . [ صفحه 66] إلا أنه بعملية حسابية بسيطة يتبين لنا أنه ما دامت عائشة تقول إنها تزوجت الرسول قبل الهجرة بثلاث سنوات سنة عشر من البعثة وكان عمرها ست ودخل بها بعد الهجرة بحوالي العام وكان عمرها تسع. فإن تاريخ ميلاد عائشة حسب روايتها يكون في السنة الثالثة من البعثة لا الرابعة وتكون قد تزوجت الرسول في سن العاشرة لا التاسعة.. ويروي ابن سعد أن رسول الله (ص) لما خطب عائشة من أبي بكر قال أبو بكر: يا رسول الله إني كنت أعطيتها مطعما لابنه جبير فدعني حتي أسلها منه. فاستسلها منهم فطلقها فتزوجها رسول الله [140] . وهذه الرواية تكشف لنا عدة معالم جديدة في تاريخ عائشة قبل زواجها بالرسول. وهذه المعالم هي: - متي تزوج جبير عائشة..؟ إذ كان القوم يقولون حسبما تروي عائشة عن نفسها أنها تزوجت الرسول في السنة السادسة من عمرها. فمعني هذا أن مطعما تزوجها قبل ذلك. أي قبل السادسة. ولما كان هذا الكلام لا يعقل فلا بد وأن يتجه الشك نحو تاريخ ميلاد عائشة.. - إن مطعما وجبير ولده كانا علي ملة الشرك وهذا يدل علي أن هذا الزواج كان قبل بعثة النبي واستمر حتي بعث وحتي توفيت خديجة وتزوج بعدها سودة بنت زمعة. لأن عائشة حسب الروايات هي الزوجة الثالثة في حياة الرسول.. ومرة أخري يتجه الشك نحو تاريخ ميلاد عائشة..؟ كم كان عمرها حين تزوجت جبيرا..؟ وكم استمر هذا الزواج..؟ - والمعلم الثالث الذي تكشفه لنا هذه الرواية هو أن عائشة لم تكن بكرا كما تحاول تأكيد ذلك الروايات الأخري التي مال إليها الفقهاء وشهروها وعمموها.. [ صفحه 67] - والمعلم الرابع هو الشك في تاريخ زواج عائشة بالرسول. فمع هذه الرواية يكون سن عائشة أكبر من ذلك بكثير. ويكون تاريخ زواجها من الرسول بعد ذلك بكثير أيضا.. ومثل هذا التصور هو الذي يتلاءم مع دور عائشة وتاريخها وهو التبرير الوحيد لذلك الكم الهائل من الروايات والعلم الذي ورثته عن الرسول (ص) حسبما تشير الروايات.. ذلك الكم الذي لم ينسب لفاطمة بنت النبي والتي ولدت قبل البعثة بخمس سنوات أي حين ولدت عائشة - حسب الروايات - كان عمرها حوالي تسع سنوات.. يروي أبو داود عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله (ص) وأنا بنت سبع. قال سليمان: أو ست. ودخل بي وأنا بنت تسع [141] . ويروي النسائي عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله (ص) لسبع سنين ودخل علي لتسع سنين [142] . ويروي ابن ماجة عن عبد الله قال: تزوج النبي (ص) عائشة وهي بنت سبع وبني بها وهي بنت تسع وتوفي عنها وهي بنت ثماني عشر سنة [143] . وهذه الروايات الثلاثة إنما تؤكد أن الرسول عقد علي عائشة في سن السابعة لا في سن السادسة. هذا علي الرغم من أن جميع كتب السنن تؤكد أن العقد تم في السادسة. حتي هذه الكتب الذي ذكرت رواية وقوع العقد في السابعة ذكرت أيضا رواية وقوع العقد في السادسة.. وقد ذكرنا هذه الروايات كنموذج لتخبط القوم وعدم دقتهم في أمر النقل وهو ما يؤكد ضرورة خضوع الرواية للنقد والتحليل للتثبت منها ويؤكد من جهة أخري أن وقوع الدس والتحريف أمر وارد.. [ صفحه 68] وبجمع هذه الروايات مع الروايات السابقة التي تتحدث عن التاريخ ميلاد عائشة وتاريخ اقتران الرسول بها يتبين لنا أن الأصل هي تلك الروايات التي تتحدث عن تاريخ عائشة قبل زواجها بالرسول. وأن الروايات التي تحاول ربط تاريخها بالرسول مباشرة بمعني ربطها من طفولتها بالنبي مباشرة هي روايات إلي الوضع أقرب.. يروي ابن سعد عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن النساء قد اكتنين فكنني. قال: تكني بابنك عبد الله [144] . وكانت عائشة تتباهي علي بقية نساء النبي (ص) بأنها البكر الوحيدة بينهن [145] . إلا أن هناك روايات تؤكد أن هذا الادعاء غير صحيح.. يروي أبو داود عن أم سلمة (ص) لما تزوج بها أقام عندها ثلاثا ثم قال: ليس بك علي أهلك هوان إن شئت سبعت لك.. وكان رسول الله إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا. وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا [146] . وهذه الرواية تشير إلي أن الرسول تزوج أكثر من بكر فلو كان قد تزوج واحدة وهي عائشة كما تدعي لما كانت هناك حاجة أن يعلن أن من سنته الإقامة عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا. فاعلان السنة إشارة إلي التكرار.. وليت الفقهاء انحازوا إلي جانب الرسول (ص) ورجحوا روايات زواج عائشة قبل الرسول وكونها ثيبا. لكنهم انساقوا وراء تيار الحكام ورجحوا الروايات الأخري التي تصطدم بالعقل وبخلق النبي وتحط من قدره وتخرجه من دائرة الرجولة والنضج والكمال البشري لتدخله في دائرة السفه والعشق المجنون بطفلة ولهوه معها.. [ صفحه 69] - أرجوحة ودمي.. تروي كتب السنن أن رسول الله (ص) أصيب بحالة من الحزن والاكتئاب بعد وفاة خديجة فأراد الله أن يسري عنه فزوجه عائشة.. يروي ابن سعد: وجد رسول الله (ص) علي خديجة حتي خشي عليه حتي تزوج عائشة [147] . ويروي مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص) أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك فاكشف عن وجهك فإذا أنت هي. فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه [148] . ويروي ابن سعد عن عائشة قالت: إن رسول الله قال لها: رايتك في المنام مرتين. أري رجلا يحملك في سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك. فاكشف عنها فإذا هي أنت. فأقول إن يك هذا من الله يمضه [149] . ومثل هذه الروايات تريد أن تؤكد حقيقة واحدة هي أن زواج عائشة بالرسول لم يكن زواجا عاديا وإنما كان زواجا قرانه جبريل وشهدت عليه الملائكة. وما ينبثق من هذا التصور هو أن تأخذ عائشة وضعا خاصا من دون نساء النبي يجعلها محظية الرسول وموضع سره. فمن ثم فإن تسليط الأضواء عليها من دون زوجات النبي يصبح أمرا مبررا.. يروي مسلم عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله (ص) لست سنين وبني بي وأنا بنت تسع سنين. فقدمنا المدينة فوكعت شهرا فوفي شعري جميمة - أي تساقط شعري بسبب الحمي فلما شفيت تربي شعري فكثر وهو معني فوفي شعري - فاتتني أم رومان - والدتها وهي أم رومان بنت عمير بن عامر - وأنا علي أرجوحة ومعي صواحب فصرخت بي فأتيتها وما أدري ما تريدني فأخذت بيدي فأوقفتني علي الباب فقلت هه هه. حتي ذهب نفسي فأدخلتني بيتا فإذا نسوة من الأنصار [ صفحه 70] فقلن علي الخير والبركة وعلي خير طائر. فأسلمتني إليهن وأصلحنني فلم يرعني إلا ورسول الله ضحي فأسلمتني إليه [150] . ويروي عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات - العرائس - عند رسول الله قالت: وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله - يهربن منه - فكان يسربهن إلي [151] . قال النووي تعليقا علي هاتين الروايتين بعد أن وصف الأرجوحة: المراد هذه اللعب المسماة بالبنات التي تلعب بها الجواري الصغار. ومعناه التنبيه علي صغر سنها. قال القاضي: وفيه جواز اتخاذ اللعب وإباحة لعب الجواري بهن وقد جاء في الحديث أن النبي رأي ذلك فلم ينكره. قالوا وسببه تدريبهن لتربية الأولاد وإصلاح شأنهن وبيوتهن. هذا كلام القاضي. ويحتمل أن يكون مخصوصا من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور لما ذكره من المصلحة. ويحتمل أن يكون مخصوصا من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور لما ذكره من المصلحة. ويحتمل أن يكون هذا منهيا عنه وكانت قصة عائشة هذه ولعبها في أول الهجرة قبل تحريم الصور [152] . وقولها: وكن ينقمعن أي يتغيبن في البيت حياء وهيبة له عليه السلام. ومعني يسربهن يرسلهن. قال النووي: وهذا من لطفه عليه السلام وحسن معاشرته [153] . ومما ذكر الفقهاء حول هاتين الروايتين يتبين لنا أن الفقهاء إنما يتعاملون مع الروايات بمنطق التسليم المطلق خاصة إذا كانت هذه الروايات من جهة البخاري ومسلم. فهم لا يعنيهم أن يعملوا عقولهم في هذه الروايات لأن ذلك من المحظورات وإنما واجبهم ووظيفتهم أن يفسروها ويبرروها كي تدين الأمة بها. وفوق ذلك يستنبطون منها الأحكام.. [ صفحه 71] لقد انشغل الفقهاء بدمي عائشة هل هي حرام أم حلال؟ ولم ينشغلوا بالرسول وشخصه وهل يليق به هذا الوضع أم لا..؟ ويروي ابن سعد عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله (ص) يوما وأنا ألعب بالبنات. فقال: ما هذا يا عائشة..؟ فقلت خيل سليمان. فضحك [154] . ويروي أن النبي إذا دخل عليها وهي تلعب استتر بثوبه منها [155] . إن الرواة لم يكتفوا بتزويج الرسول طفلة لم تبلغ الحلم بل زادوا الطين بلة بإضافة روايات أخري تؤكد أن الرسول تفاعل مع هذا الوضع واندمج فيه وأخذ يلاعب عائشة تارة يجمع لها صواحبها وتارة يستتر منها.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يجوز مثل هذا الكلام في حق نبي خاتم؟ وهل كان لدي الرسول من الوقت ليلهو مع عائشة..؟ أو السؤال الذي يجب أن يسبق هذه الأسئلة جميعا: ما الذي يضطر الرسول إلي الاقتران بطفلة وأمامه نساء العرب..؟ وأما هذه التساؤلات ليس إمامنا سوي أن نقر بأن مثل هذه الروايات اخترعت من قبل السياسة. والهدف هو تضخيم عائشة.. وتضخيم عائشة يعني تضخيم أبو بكر.. وتضخيم أبو بكر يعني تضخيم خط الحكام الذين سادوا بعد وفاة الرسول (ص) والذين استمدوا شرعيتهم من نظام أبي بكر.. وهذه اللعبة من أساسها هي من صنع معاوية الذي عجز عن إيجاد الدعم الشرعي لنظامه فعمل علي تضخيم أبي بكر وعمر ليواجه بهما علي وخطه.. ولما كان أبو بكر وعمر كلاهما في حاجة إلي نصوص لدعمهما برز دور عائشة. وما دور عائشة ليبرز دون أن تكون لها هذه المكانة التي خلقتها الروايات.. [ صفحه 72] ولو كان الفقهاء مالوا إلي جانب الرسول (ص) ورفضوا هذه الروايات لفقدت عائشة دورها ومكانتها ولكشفت لنا الحقيقة جلية واضحة. لكنهم اتبعوا الآباء وقدسوا ما ورثوه عنهم. وبالتالي رفعت عائشة علي حساب الرسول وأسهمت رواياتها في بناء الصرح القبلي الذي ساد بعد وفاة الرسول والذي ورثه معاوية في النهاية ليفرض علي الأمة دينا ونهجا جديدا غير الذي جاء به الرسول [156] . - عائشة ونساء النبي: يروي مسلم عن عائشة قولها: ما غرت علي امرأة ما غرت علي خديجة ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها. ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلي خلائلها [157] . وفي رواية أخري قالت: فأغضبته يوما فقلت خديجة؟ فقال الرسول (ص): " إني قد رزقت حبها " [158] . وفي رواية قالت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها [159] . وفي رواية قالت: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة..؟ فيقول الرسول (ص): " إنها كانت وكانت. وكان لي منها ولد " [160] . لنعرض لأقوال الفقهاء حول هذه الروايات.. قال القسطلاني عن الغيرة: فيه - أي الحديث - ثبوت الغيرة. وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عن من دونهن [161] . [ صفحه 73] وقال ابن حجر: إن عائشة كانت تغار من نساء النبي وكانت تغار من خديجة أكثر.. وخلائلها جمع خليلة أي صديقة. وهي أيضا من أسباب الغيرة لما فيه من الإشعار باستمرار حبه لها حتي كان يتعاهد صواحباتها [162] . وقول الرسول (ص) إني قد رزقت حبها هو تصريح كاف من الرسول يبرر هذا الموقف العدائي من عائشة تجاه خديجة.. وحين قالت عائشة للرسول إنها بديل خديجة الأفضل والخير. كان رده عليها حاسما بقوله: لا والله ما أبدلني الله خيرا منها. آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس. وواستني بما لها إذ حرمني الناس. ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء.. وهذا الرد من الرسول لم يذكره البخاري ومسلم في رواياتهما التي انتهت بقول عائشة فأبدلك الله خيرا منها. وإنما ذكر في رواية أحمد وغيره.. والبخاري ومسلم إنما قدما علي سائر كتب الحديث لمثل هذا. فهما قد اختارا الروايات المبهمة والمبتورة فضلا عن الروايات التي تضفي المشروعية علي الخط القبلي الذي ساد بعد وفاة الرسول.. وإذا كان مسلم قد احتضن بعض الروايات التي تخص آل البيت والإمام علي خصوم هذا الخط. فإن البخاري أغلق الباب في وجهها تماما ولعل هذا هو سبب تقديمه علي مسلم وتسليط الأضواء عليه.. فقول الرسول (ص) عن خديجة إنها كانت وكانت. هي رواية البخاري الذي رفض قبول الروايات الأخري التي تفصل مآثر خديجة ومكانتها العالية واختار هذه الرواية المبهمة.. قال القرطبي: كان حبه (ص) لها - أي لخديجة - لما تقدم ذكره من الأسباب - في رواية أحمد - وهي كثيرة كل منها كان سببا في إيجاد المحبة. ومما كافأ النبي به خديجة في الدنيا أنه لم يتزوج في حياتها غيرها [163] . [ صفحه 74] وقول القرطبي هذا كما هو شأن سائر أقوال الفقهاء فيما يتعلق بحياة الرسول خاصة. إنما يهدف إلي تسطيح علاقة الرسول بخديجة وترفيغ هذه العلاقة من مضمونها الحقيقي وتصويرها بأنها علاقة شخصية بين رجل وامرأة. بين امرأة محضية مخلصة وهي خديجة.. ورجل وفي هو الرسول. احترم خديجة وكبح جماح شهوته وعشقه للنساء طوال حياته حتي إذا ما ماتت أصبح يرتع في النساء.. هكذا يصور لنا قول القرطبي.. ولا شك أن مثل هذه الروايات إنما تقطع بأفضلية خديجة وعلو مقامها وأن عائشة لا توزن أمامها بشئ. وهذا هو سبب كراهيتها لها.. يقول الرسول (ص): " خير نسائها مريم. وخير نسائها خديجة " [164] . ويقول (ص) علي لسان جبريل عن خديجة: " اقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " [165] . وقد أقر الفقهاء بهذا وأجمعوا عليه لوضوح الأمر وضح الشمس ولعدم وجود روايات تضاهيها في حق عائشة.. إلا أن القوم تداركوا الأمر واخترعوا رواية مضحكة وشر البلية ما يضحك من أجل رفع مقام عائشة وتغطية مصائبها وآثامها التي سوف نعرض لها فيما بعد.. تقول الرواية: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون. وإن فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام [166] . [ صفحه 75] قال القاضي: فضل الثريد لسرعة استساغته والتذاذه وإشباعه وتقديمه علي غيره من الأطعمة التي لا تقوم مقامه وليس هو بنص في تفضيلها علي مريم وآسية ويحتمل أن المراد نساء وقتها وليس فيه أيضا ما يشعر بترجيحها علي فاطمة إذ يمكن أن يمثل فاطمة بما هو أرفع. وبالجملة يدل أن لعائشة فضلا كثيرا علي النساء لا علي قوم النساء [167] . وقال ابن حجر: وفضل عائشة علي النساء كفضل الثريد.. الخ. لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. وقد أثار ابن حبان إلي أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي (ص) حتي لا يدخل فيها مثل فاطمة [168] . ويبدو من خلال هذه الأقوال إن الفقهاء يريدون الانتزاع فضيلة لعائشة غير أنهم يتخبطون في تحقيق المقارنة بينها وبين آسية ومريم وفاطمة ثم خديجة. وفي النهاية رجحوا كفتها علي النساء النبي دون أن يستثنوا خديجة التي سبق الاجماع علي أفضليتها وعظيم دورها.. قال السبكي: ونساء النبي بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل. ولكن الذي نختاره وندين به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة [169] . ومثل هذا القول المتناقض إنما يعود سببه إلي تخبط القوم في الروايات الواردة في السيدة خديجة وفاطمة. وعائشة وعدم محاولة تمييزها عن بعضها. فهم تحت ضغط السياسة يحاولون رفع عائشة وتلميعها رغم عدم وجود روايات صريحة في حقها.. إلا أن الأمر الملفت للنظر هنا هو أن الرسول الذي أوتي جوامع الكم لم يجد تعبيرا يعبر به عن فضل عائشة سوي مقارنتها بالطعام.. وهذا ادعي للشك في أن هذه القول منسوب للرسول. إذ أن تأمل الرواية من أولها يقود إلي اليقين أن جملة (فضل عائشة علي النساء) الخ.. قد ألصقت [ صفحه 76] بالرواية التي لا يظهر من نصها ما يفيد وجود ترابط في المعني بين النص الخاص بمريم وآسية. والنص الخاص بعائشة.. وليس هنا مقام بحث أفضلية خديجة علي عائشة وإنما ما نريد إثباته هو مواقف عائشة ومدي شرعيتها.. أما عن موقف عائشة من حفصة بنت عمر بن الخطاب زوجة النبي (ص) فيروي أن النبي كان إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة لعائشة وحفصة. وكان النبي إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث. فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر. فقالت: بلي. فركبت. فجاء النبي إلي جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها ثم سار حتي نزلوا. وافتقدته عائشة. فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر - نبات بري - وتقول: يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني. ولا أستطيع أن أقول شيئا [170] . وهذه الرواية تعكس لنا صورة أخري من صور غيرة عائشة من نساء النبي إلا أن غيرتها هذه المرة قد دفعت بها نحو محاولة الانتحار بوضع رجليها في حشيش تكثر فيه الهوام. وكل ذلك سببه أن حفصة استغفلتها وركبت بعيرها لتنعم وحدها بجوار الرسول.. وبالتأمل في مثل هذه الرواية يتبين لنا أن فيها استخفاف كبير بالعقل وبالرسول في آن واحد. إذ كيف لعائشة الغيورة أن تتسامح مع حفصة لهذا الحد وتعطيها بعيرها لتستأثر بالرسول وحدها..؟ وكيف للرسول لا يميز بين حفصة وعائشة وقد سلم عليها وسمع صوتها..؟ هل كشف الرسول أمر حفصة وأراد أن يتمادي معها في هذه اللعبة وهذا ما [ صفحه 77] أثار عائشة ودفع بها نحو محاولة الانتحار..؟ وحفصة وعائشة هما اللتان أفشيتا سر الرسول (ص) وتظاهرتا عليه ونزلت فيهما آيات سورة التحريم.. ويروي أن ابن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله تعالي فيهما: (إن تتوبا إلي الله فقد صفت قلوبكما).. فقال عمر: هما حفصة وعائشة [171] . وكان الرسول (ص) قد قرر اعتزالهما شهرا كاملا من شدة موجدته - أي ضيقه وغضبه - عليهن [172] . ويروي مسلم والنسائي عن عائشة قالت: أرسل أزواج النبي (ص) فاطمة ابنته إليه فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابة أبي قحافة. وأنا ساكتة - أي عائشة - فقال لها الرسول: أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلي. قال: فأحبي هذه - أي عائشة - فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من أبيها ورجعت إلي أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قال الرسول. فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شئ فارجعي إلي رسول الله فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: الله لا أكلمه فيها أبدا. فأرسل أزواج النبي زينب بنت جحش وهي التي تساميني منهن في المنزلة - أي علي مستوي جمالها وحسنها وحب الرسول لها - عند رسول الله. فاستأذنت - أي زينب - علي الرسول وهو مع عائشة في مرطها علي الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها الرسول فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.. [ صفحه 78] قالت عائشة: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها. فلم تبرح زينب حتي عرفت أن الرسول لا يكره أن انتصر. فلما وقعت بها لم أنشبها حتي أنحيت عليها فقال الرسول مبتسما إنها ابنة أبي بكر.. وفي رواية أخري: فلما وقعت بها لم أنشبها أن أثخنتها غلبة [173] . لقد أوقفتنا هذه الرواية لنشاهد موقعة نسائية في بيت الرسول (ص) الذي يراقب أحداثها مبتسما ثم ينحاز في النهاية إلي صف عائشة ليس لشئ إلا لكونها ابنة أبي بكر. وقد حدد الرسول بهذا أن قيمة عائشة ومكانتها مستمدة من أبيها. فبسلطان أبيها فرضت نفسها علي الرسول واستحوذت عليه وزادت من دلالها وعدوانها علي بقية أزواج النبي.. من أجل عيون أبي بكر مال الرسول لعائشة وظلم أزواجه.. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يتلاءم مثل هذا السلوك مع أدب النبوة..؟ وهل يمكن أن تكون زوجات النبي بمثل هذا الخلق..؟ هل من أدب النبوة أن لا يحترم النبي مشاعر زوجاته ولا يكلمهن أو يجيبهن وهو مضطجع بجوار عائشة في مرطها (لحافها) لا يتحرك من مكانه؟ ثم هو في النهاية يبارك فعل عائشة وسبها لزينب..؟ والغريب أن النسائي قبل أن يروي هذا الحديث جاء بحديث مناقض له علي لسان الرسول (ص) يقول: " من كان له امرأتان يميل لأحدهما علي الأخري جاء يوم القيامة أحد شقية مائل " [174] . ولسوف يري القارئ في هذا الكتاب المزيد من عجائب الرواة والفقهاء الذين أجمعوا أن ميل الرسول لعائشة إنما هو أمر قلبي والقلوب بيد الله تعالي.. [ صفحه 79] قال النووي: قولها يسألنك العدل معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب وكان (ص) يسوي بينهن في الأفعال والمبيت ونحوه. أما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن وأجمع المسلمون علي أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه [175] . والنووي بقوله هذا إما أنه ساذج أو يستغفلنا. لأن الرواية من أساسها تتهم الرسول بعدم التسوية بين أزواجه في الأفعال والمبيت وهو ما سبب هذا الصدام بين زينب وعائشة.. وكان النووي يريد أن يؤكد لنا أن سبب ثورة أزواج النبي هو غيرتهن من ميل الرسول بقلبه نحو عائشة وهو تأكيد تدحضه الروايات التي تؤكد أن عائشة هي معشوقة الرسول الوحيدة.. ومن زينب إلي أم سلمه ومثال جديد لتطرف عائشة في حضرة الرسول (ص).. يروي أن أم سلمة زوج النبي (ص) أرسلت بقصعة فيها طعام إلي الرسول وهو عند عائشة. فضربت عائشة يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت. فجعل النبي يجمع بين فلقتي القصعة وهو يقول: " غارت أمكم " [176] . وفي رواية أخري: فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر - حجر - ففلقت به الصحفة. أي القصعة [177] . ومثل هذا التصرف العدواني علي رسول الله (ص) عده الفقهاء من باب الغيرة المسموح بها ولم يشغلوا أنفسهم ببحث مدي شرعية هذا التصرف الذي حدث علي ما يظهر من الرواية علي الملأ في حضور جمع من الصحابة وهم الذين خاطبهم الرسول بقوله: " غارت أمكم ".. وقد علق أحد الفقهاء علي هذه الرواية ببحث لغوي في معني الكسرتين [ صفحه 80] وأنهما بمعني الفلقتين. وكان الرسول قد عوض أم سلمة بقصعة جديدة. فكان تعليقه هو: الظاهر أن القصعتين كانتا ملكا له (ص) وفعله كان لإرضاء من أرسلت الطعام وإلا فضمان التلف يكون بالمثل وهو ههنا القيمة إلا أن يقال القصعتان كانتا متماثلتين في القيمة بحيث كان كل منهما صالحة أن تكون بدلا للأخري والله تعالي أعلم [178] . وهكذا تحول الأمر إلي قضية فقهية وسلطت الأضواء علي القصعة ومدي الضرر الذي لحق بصاحبتها نتيجة لكسرها ونسي الرسول.. ولم ينحصر دور عائشة في محيط مشاكسة زوجات النبي والحط من قدرهن بل تجاوز هذا الحد إلي محاولة تقويم نساء النبي وتحديد مكانتهن وقدرهن بما لا يصطدم مع مكانتها العالية بالطبع.. تروي عائشة خلالا ما أعطيتها امرأة. ملكني رسول الله (ص) وأنا بنت سبع سنين. وأتاه الملك بصورتي في كفه فنظر إليها وبنا بي لتسع سنين. ورأيت جبريل ولم تره امرأة غيري. وكنت أحب نسائه إليه. وكان أبي أحب أصحابه إليه. ومرض رسول الله في بيتي فمرضته. فقبض ولم يشهده غيري والملائكة [179] . وفي رواية أخري: ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري. وأنزل الله براءتي من السماء. وكنت اغتسل أنا وهو من إناء واحد. ولم يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري. وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري. وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري [180] . وبهذه الرواية تسعي عائشة إلي تأكيد أفضليتها علي نساء النبي بل علي النساء أجمعين. فمن ثم فإن لغتها هي لغة استعلاء نابعة من المقام الذي صورته لنفسها وملكت به صلاحيته نقد وتقويم نساء النبي.. [ صفحه 81] وإذا كنا قد ناقشنا سابقا مسألة سن عائشة وتاريخ ارتباطها بالرسول. ومسألة أفضلية خديجة عليها وأنا أحب النساء إلي النبي لا عائشة. فبهذا تكون عائشة قد فقدت ميزتان من مميزات القوامة التي تدعيها لنفسها. وبقيت ميزة رؤية جبريل ومكانة أبيها عند الرسول ومرضه في بيتها. وهذه ادعاءات تدحضها روايات أخري.. أما مسألة رؤيتها لجبريل فهو أمر لم يصح ولم يقل به أحد من الفقهاء. والكل مجمع أن شخص جبريل لم تتح رؤيته إلا لرسول الله وحده.. وأما مسألة مكانة أبيها فالكم الهائل من الروايات الواردة في الإمام علي تؤكد أنه صاحب المقام العال والمكانة من الرسول لا أبي بكر.. وقد شهدت عائشة بذلك.. روي أن أبا بكر استأذن علي النبي (ص) فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي [181] . أما مسألة مرض الرسول (ص) ووفاته في بيتها وعلي صدرها فهناك روايات أخري تؤكد أن الرسول حال مرضه كان في رعاية علي ومات بين يديه.. روي: قبض رسول الله ورأسه في حجر علي [182] . وروي " توفي رسول الله (ص) ورأسه في حجر علي وغسله علي والفضل محتضنه [183] . وسئل ابن عباس أن عائشة تقول: توفي رسول الله بين سحري ونحري. فقال: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله وإنه لمستند إلي صدر علي وهو الذي غسله وأخي الفضل بن عباس [184] . وفيما يتعلق ببراءة عائشة من السماء في حادثة الإفك التي ارتبطت بغزوة بني [ صفحه 82] المصطلق فمن حيث التحقيق التاريخي هناك شك في ارتباط عائشة بهذه الحادثة [185] . أما ما ادعته عائشة من مميزات أخري مثل اغتسالها مع الرسول في إناء واحد ونزول الوحي في لحافها واعتراضها صلاة الرسول وهي نائمة فذلك سوف نعرض له فيما بعد.. تقول عائشة عن سودة بنت زمعة زوج النبي (ص): ما من الناس امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زعمة إلا أنها امرأة فيها حسد [186] . وتقول: وددت أن كنت استأذنت رسول الله (ص) كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمني قبل أن يجئ الناس. فقالوا لعائشة: استأذنته سودة؟ فقالت: نعم. إنها كانت امرأة ثقيلة ثبطة فأذن لها [187] . وتقول عن أم سلمة: لما تزوج رسول الله (ص) أم سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكروا لنا من جمالها. قالت: فتلطفت لها حتي رأيتها. فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال. قالت: فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يدا واحدة - فقالت: لا والله إن هذه إلا الغيرة. ما هي كما تقولين. فتلطفت لها حفصة حتي رأتها. فقالت: قد رأيتها. لا والله ما هي كما تقولين ولا قريب وإنها لجميلة. قالت - أي عائشة -: فرأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة ولكني كنت غيري [188] . وتروي عائشة: دعتني أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي (ص) عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا وبين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلت: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحللك من ذلك [189] . [ صفحه 83] وتقول عن زينب بنت جحش: لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب.. ما عدا سورة من حدة وكانت فيها تسرع [190] . وتقول عن زينب وأم سلمة: كانت زينب وأم سلمة لهما عنده مكان. وكانتا أحب نسائه إليه فيما أحسب بعدي [191] . ويروي أن عائشة لما رأت صفية بنت حيي زوج النبي - وكانت يهودية من سبي خيبر - قال لها رسول الله (ص): " كيف رأيتها يا عائشة "..؟ قالت: رأيت يهودية. قال الرسول: " لا تقولي هذا فإنها قد أسلمت " [192] . ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن عائشة لم تكن مجرد زوجة للنبي (ص) وإنما كانت بالإضافة إلي ذلك امرأة مهيمنة متدللة متعالية استحوذت علي الرسول وتحدث بلسانه واطلقت لسانها في نسائه. كما يتبين لنا أن الرسول (ص) راض عن هذا الوضع وسعيد به. وبدا وكأنه لا يجرؤ علي التصدي لها ومقاومتها بسبب عشقه البالغ لها.. - عائشة والنبي: وكما صورت لنا الروايات السابقة أطراف من حال عائشة مع نساء النبي سوف نعرض هنا لروايات أخري تعرض لحالها مع النبي (ص) وما كان يبدر منها من مواقف وسلوكيات في حضرته وداخل بيته.. يروي أن رسول الله (ص) كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتي حرمها علي نفسه. فأنزل الله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) إلي آخر الآية [193] . ويروي أن عائشة قالت: التمست رسول الله (ص) فأدخلت يدي في شعره. [ صفحه 84] فقال: قد جاءك شيطانك. فقلت: أما لك شيطان؟ فقال: بلي ولكن الله أعانني عليه فأسلم [194] . الرواية الأولي تكشف لنا حقيقة هامة حول علاقة الرسول بعائشة فلو كانت هي حقيقة حب رسول الله ومعشوقته ما انصرف عنها نحو جارية.. والرواية الثانية تكشف شيئا من عدم الأدب واللياقة مع الرسول. فهي فضلا من كونها رواية فاضحة وغير لائقة لا بالرسول ولا بعائشة يشم منها رائحة الندية والتحدي من قبل عائشة للرسول. وهو ما يستفاد من رد عائشة علي الرسول: أما لك شيطان؟ يروي عن عائشة قالت: قال لي رسول الله (ص): " إني لأعلم إذا كنت عني راضية. وإذا كنت علي غضبي ". قالت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: " أما إذا كنت راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد. وإذا كنت غضبي قلت: لا ورب إبراهيم ". قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك [195] . وما تشير إليه هذه الرواية هو أخطر وأكثر حرجا مما أشارت إليه الروايات السابقة فقد وصل الغضب من الرسول بعائشة إلي ارتكاب كبيرة من الكبائر وهي كبيرة التفريق بين رب إبراهيم ورب محمد. وهي إثارة إلي كون غضبها علي محمد قد يمتد إلي رب محمد. وآي دلالة تعطينا مقالة عائشة: ما أهجر إلي اسمك.. إن هجران اسم الرسول هجران لدينه ودعوته. فهل تصل الغيرة بعائشة إلي الحد الذي يضعها في دائرة هذا الحرج الشرعي..؟ وكيف للرسول أن يقبل هذا الوضع ويباركه..؟ تأمل نقل النووي: قال القاضي: مغاضبة عائشة للنبي (ص) هي مما سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام لعدم انفكاكهن منها. حتي [ صفحه 85] قال مالك وغيره من علماء المدينة - يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة علي جهة الغيرة - واحتج بقول الرسول: " ما تدري الغيراء أعلي الوادي من أسفله ". ولولا ذلك لكان علي عائشة في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب علي النبي وهجرة كبيرة عظيمة ولهذا قالت: لا أهجر إلا اسمك. فدل علي أن قلبها وحبها كما كان. وإنما الغيرة من النساء لفرط المحبة [196] . وقال آخر: في هذا الحديث حكم بالقرائن لأنه (ص) حكم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها. واستدل علي كمال فطنتها وقوة ذكائها بتخصيصها إبراهيم (ع) دون غيره. لأنه (ص) أولي الناس به كما في التنزيل. فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتي لا تخرج عن دائرة التعلق بالجملة [197] . وقال ثالث: والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك: هذه الحصر في غاية من اللطف في الجواب لأنها أخبرت لأنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به علي أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه [198] . وهذه التبريرات والمتاهات التي أوقعونا فيها أمثال هؤلاء الفقهاء ليست إلا محاولة للدفاع عن عائشة وتحسين صورتها وحمل تصرفها علي المحمل الحسن. وليست محاولة للدفاع عن الرسول. لأن الدفاع عن الرسول يعني التشكيك في هذه الروايات وهو أمر غير مستحب في عرف الفقهاء.. تروي عائشة: فقدت رسول الله (ص) ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلي بعض نسائه فتجسسته فإذا هو راكع أو ساجد [199] . [ صفحه 86] وتروي: كما كانت ليلة والنبي (ص) عندي انقلب فوضع نعليه عند رجليه ووضع رداءه وبسط طرف إزاره علي فراشه فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت ثم انتعل رويدا أو أخذ رداءه رويدا ثم فتح الباب رويدا وخرج. فجعلت درعي في راسي واختمرت وتقنعت إزاري فانطلقت في إثره حتي جاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات وأطال ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت وسبقته فدخلته فليس إلا أن اضطجعت. فدخل فقال: " ما لك يا عائشة ".. قالت: لا. قال: " لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخيبر ". فأخبرته الخبر. قال: " فأنت السواد التي رأيته أمامي "؟ قالت: نعم. قالت: فلهدني في صدري لهدة أوجعتني.. ثم قال: " إن جبريل أتاني ولم يكن ليدخل عليك وقد وضعت ثيابك ".. وأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم [200] . والطريف أن السندي وهو يعلق علي هذين الحديثين لم يتطرق إلي مقاصدهما بل انغمس في معاني الألفاظ وأسرف في شرح المفردات. في الوقت الذي تجنب فيه السيوطي ذكر أي شئ عن هاتين الروايتين [201] . وهما بهذا المسلك يتعاملان مع هذه الروايات علي أساس كونها من الثوابت والنصوص الصحيحة المسلم بها. وهذا موقف طبيعي من قوم طرحوا العقل جانبا وتعبدوا بأقوال الرجال.. ونحن من باب الدفاع عن الرسول (ص) نستنكر مثل هذه الروايات مثلما نستنكر مثل هذه السلوك من عائشة.. ولقد وضع كتاب الأحاديث هذه الروايات تحت عنوان الغيرة وهم بهذا قد موهوا علي حقيقة هذه المواقف والسلوكيات التي تطفح بها هذه الروايات وكان الأجدر بهم أن يضعوها تحت باب الشك. فمثل هذا السلوك من عائشة لا يشير إلا لذلك.. الشك في خلق الرسول.. [ صفحه 87] والشك في عدله.. إن عائشة بمثل هذه السلوكيات بدا وكأنها تؤكد أنها تعايش رجلا عاديا لا رسول خاتم. ومن جهة أخري فقد صورت هذه الروايات الرسول وكأنه لا شغل له سوي النساء [202] . وكان النساء هن عائشة.. وعائشة هي النساء.. إن العقل لا يقبل أن تكون هناك امرأة تتحدث عن علاقتها بزوجها بمثل هذه الطريقة الفاضحة فضلا عن زوجة نبي.. ونحن في مواجهة هذه الروايات بين أمرين: إما أن نرفضها.. وإما أن نتهم عائشة بالوضع علي الرسول.. والأمر الأول سوف تكون نتيجته هي راحة العقل واستقامة التصور.. والأمر الثاني نتيجته تصحيح حركة التاريخ وثورة الإسلام والرسول.. هذه الأحاديث إما هي موضوعة.. أو دست علي عائشة بفعل السياسة.. وإذا كانت الرواية الثانية قد نصت علي قول الرسول (ص): " أتاني جبريل ولم يكن ليدخل عليك وقد وضعت ثيابك ".. فكيف ينسب إلي الرسول قوله: " لا تؤذين في عائشة. فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " [203] . [ صفحه 88] أليس هناك تناقض بين الروايتين؟ جبريل في الرواية الأولي يستحي أن يدخل علي النبي وقد وضعت عائشة ثيابها فيضطر النبي إلي الخروج من البيت.. وفي الرواية الثانية يقتحم عليه لحافه وهو مع عائشة.. إن مثل هذا الموقف إنما يدفع بنا إلي شك في هذه الروايات وبواعثها لا أن يدفع بنا إلي محاولة التوفيق بينهما كما صنع الفقهاء من أجل تبديد الشبهات من حولها [204] . يدفع بنا إلي تحكيم القرآن والعقل في جميع ما أسند إلي الرسول من أقوال وأفعال علي لسان عائشة وغيرها.. تروي عائشة: أن رجلا سأل الرسول (ص) عن رجل يجامع أهله ثم يكسل - أي لا ينزل بسبب ضعف أو غيره - هل عليهما غسل وعائشة جالسة. فقال الرسول: " إني لا فعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل " [205] . وهذه رواية أخري من الروايات الفاضحة علي لسان عائشة تكشف فيها علاقتها الجنسية بالرسول (ص) علي الملأ.. وهل يعقل أن يتحدث الرسول عن حياته الجنسية مع زوجته بهذه الصورة؟ إن رواية ذلك الكم من الأحاديث التي تتعلق بالحياة الخاصة للرسول علي لسان عائشة من دون بقية أزواج النبي أمر مثير للشك. خاصة وأنها أصغر زوجاته بل هي بالقياس إلي بعض أزواجه تعتبر بنتا من بناتهن. وبالطبع ينبني علي مسألة السن هذه مسائل أخري مثل انعدام الخبرة وقلة الوعي. فكيف تحقق لها رصد كل هذه الروايات ونقلها عن الرسول..؟ وإذا كان الرسول قد خصها بعلاقة متميزة كما يقولون فإن هذه يعني أن الرسول لم يكن عادلا مع بقية أزواجه.. [ صفحه 89] ومن جهة أخري فإن عائشة تؤكد لنا أن الجنس كان هو المدخل والدافع الذي جعل الرسول يتعلق بها ويورثها هذا العلم فهل يقبل مسلم أن يكون رسوله بهذه الصورة..؟ يروي ابن هشام أن عائشة كانت تنام علي العجين فتأتي الشاة فتأكله [206] . وهذه الرواية تبين لنا أن عائشة بالإضافة إلي شغلها بالجنس كانت مشغولة بما تشغل به النساء في البيوت من أمر الطعام وخلافه. وهي هنا قد اهملت العجين ونامت فأكلته الشاة. وسبب هذه الاهمال يعود إلي صغر سنها وقلة إدراكها.. وقد تفوق أبو هريرة علي عائشة في أمر الرواية والتي أنكرت عليه فأجاب: يا أماه إنه كان يشغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة [207] . تروي عائشة: أن رسول الله (ص) لما كان في مرضه جعل يدور علي نسائه ويقول: " أين أنا غدا "؟ حرصا علي بيت عائشة. قالت عائشة: فلما كان يومي سكن [208] . وهكذا تثبت لنا عائشة أن العشق خير دواء حتي مع الأنبياء. وأن الرسول وهو في مرض الموت لم يكن في مخيلته سوي عائشة. وكان يعيش معها حتي وهو مع زوجاته اللاتي لم يحققن له السكن والراحة.. فإذا كن زوجات النبي بهذه الحالة فلماذا تزوجهن الرسول علي عائشة؟ وكيف لرسول خاتم يودع أمته ينشغل بامرأة ويحمل واجبه نحو دعوته؟ وكيف للرسول وهو في حالة مرضية شديدة - كما تصور الروايات - يفكر في عائشة ولا يفكر في الله ومستقبل الدعوة.. [ صفحه 90] لقد سكن الرسول إلي جوار عائشة ولم يسكن إلي جوار جبريل أو فاطمة ابنته أو علي ربيبه.. إننا نقف في مواجهة حالة مرضية من صناع الأحاديث الذين سعوا في تضخيم عائشة فجاء هذا التضخيم علي حساب النبي والدين وعلي حساب عائشة ذاتها التي تصورها هذه الروايات امرأة غير سوية تتأرجح شخصيتها ما بين الحسد والسفه.. لقد فات أولئك الصناع الذين أرادوا تضخيم عائشة أن عصمة النبي وخلقه العظيم يتنافي مع مثل هذه الأحاديث والمواقف الفاضحة. وهم إن كانوا قد ضربوا عصمة النبي بروايات تدعم رؤيتهم فقد فاتهم أن الفطرة السليمة تأبي هذا وإن كان العقل المسلم قد سلم بهذه في الماضي فلن يقبله في الحاضر [209] . وكان من الممكن لأولئك إذ أرادوا تجميل عائشة أن يأخذوا جانبا آخر غير جانب الجنس والشهوة والهوي فمثل هذه الأمور الثلاثة قد تتلاءم مع عائشة لكنها لا تتلاءم بحال مع الرسول (ص).. تروي عائشة كان النبي (ص) يباشرني وأنا حائض. وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض [210] . وتروي: كان النبي (ص) يتكئ في حجري وأنا حائض. ثم يقرأ القرآن [211] . يقول النووي: وأما أحكام هذا الباب فأعلم أن مباشرة الحائض أقسام. أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج وهو حرام. والقسم الثاني المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو بالمعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو [ صفحه 91] حلال باتفاق العلماء. والقسم الثالث المباشرة فيما السرة والركبة في غير القبل والدبر وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها وأشهرها أنها حرام [212] . وكما هي عادة الفقهاء استثمر النووي وغيره روايات الحيض عن عائشة وعمل علي استنباط أحكاما فقهية منها. وكأنه يقول للمسلمين افعلوا مثل ما فعل الرسول مع عائشة أثناء حيضها.. ولكن السؤال هنا هو: هل فعل الرسول ذلك حقا؟ وهل بلغت به الشهوة مبلغها إلي الدرجة التي تجعله لا يطيق صبرا فيواقع عائشة في المحيض..؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يضطر الرسول إلي مواقعة امرأة حائض وعنده أخريات خارج دائرة الحيض..؟ وهناك رد جاهز للفقهاء علي مثل هذه التساؤلات وهو أن الرسول يريد أن يعلم أمته ويضع أحكاما لمواجهة حاجات الناس ومشاكلها فيما يتعلق بالعلاقة بين الزوج والزوجة.. والجواب ببساطة نص عليه القرآن بقوله تعالي: (يسألونك عن المحيض قل هو أذي. فاعتزلوا النساء في المحيض). ولا شك أن الرسول (ص) قد طبق الاعتزال وانضبط بنص القرآن مما يدعونا إلي شك في مثل هذه الروايات.. إن مثل هذه السلوك تجاه الزوجة الحائض من الممكن أن يلصق بعامة الناس وليس من الممكن أن يلصق بالرسول لأنه هو الذي يبلغ القرآن ويبينه للناس وهو أولي الناس بالالتزام بنصوصه.. وهناك رد آخر علي هذا الكلام وهو أن الرسول يملك القدرة علي التحكم في شهوته فهو لن ينزلق إلي جماع فعلي مع زوجته الحائضة. أما الآخرين فيمكن أن ينزلقوا ويقعوا في الحرام.. [ صفحه 92] وهذا الرد اعتمد علي قول عائشة: وأيكم يملك أربه كما كان النبي يملك أربه؟ [213] . 5 الجواب: إن مثل هذا الكلام يوحي بأن حكم اعتزال النساء في المحيض إنما هو خاص بالمسلمين لا بالرسول. وهذا باطل. وإذا ما سلمنا به فما هي الحاجة من سرد مثل هذه الروايات عن علاقة النبي بالنساء أثناء المحيض..؟ وإذا كانت الحاجة هي تعليم كما يقولون فهذا يعني أن الآخرين يستوون مع الرسول في القدرة علي التحكم في أنفسهم أثناء الممارسة الجنسية. وعلي هذا الأساس يصبح قول عائشة لا مبرر له.. وتروي عائشة: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله (ص) [214] . وتروي: أن الرسول (ص) كان يغسل المني ثم يخرج إلي الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلي أثر الغسل فيه [215] . وتروي عائشة: كنت أغار علي اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله (ص) وأقول: اتهب المرأة نفسها؟ فلما نزل الله تعالي (ترجي من تشاء منهن وتؤوي يسارع في هواك [216] . قال النووي: قولها كنت أغار علي اللاتي وهبن أنفسهن معناه أعيب لأن من غار عاب. ويدل عليه قولها في الآخر أما تستحي أن تهب المرأة نفسها للرجل وهو ها هنا تقبيح وتنفير لئلا يهب النساء أنفسهن له (ص) فيكثر النساء عنده وأوجب هذا القول منها الغيرة.. وقولها ما أري ربك إلا يسارع في هواك. معناه يخفف عنك ويوسع عليك الأمور ولهذا خيرك [217] . [ صفحه 93] وذكر الأبي عن القرطبي: أن هذا الكلام أبرزته الغيرة والدلال وإلا فإضافة الهوي لرسول الله مباعد لما يجب علي الخلق من تعظيمه وتوقيره فإنه (ص) منزه عن الهوي ولو أبدلت بالرضا كان أولي [218] . ويبدو من خلال كلام نووي والقرطبي أنهما يشعران بمدي ما يشكله قول عائشة في حق الرسول من حرج شرعي لها. فمن ثم هما سلكا نهج التأويل لكلامها والتبرير لسلوكها وهو النهج الذي تقوم علي أساسها عقيدة أهل السنة. وهما بذلك قد التزما بإجماع الفقهاء تجاه روايات عائشة عن الحياة الخاصة للرسول علي أن هذه الروايات بما تحمل من مواقف وسلوكيات إنما تحمل علي الغيرة لا علي أي شئ آخر.. إلا أن العقل يصطدم بمثل هذه التأويلات والتبريرات التي لا تخرج عن كونها مجرد محاولة للتغطية علي هذه الروايات. والتغطية علي عائشة في نفس الوقت. فإن النظر إلي مثل هذه الروايات بمنظور عصمة الرسول وخلقه العظيم ودوره الرسالي العالمي يبددها ويحكم ببطلانها. أما النظر إليها بالمنظور المشوه لشخص الرسول الذي ابتدعه الفقهاء فإنه يؤدي إلي تثبيتها وتبريرها كما هو الحال مع قول عائشة: ما أري ربك إلا يسارع في هواك.. فإن مثل هذا القول يشير إلي خلل في عقيدة عائشة وفي خلقها وأدبها مع الرسول. فكلمه: ما أري ربك فيه دلالة علي عدم الرضا بحكم الله وكان رب الرسول غير ربها. وهذا الموقف منها يتشابه مع موقفها السابق مع الرسول والذي فرقت فيه بين رب إبراهيم ورب محمد. وكأنها تقول إن الوحي مسخر لهوي الرسول. وهو قول لا يصح في حق النبي من زوجته التي من المفروض أن تكون علي قدر عال من الضبط والربط والخلق والوعي بدوره ورسالته.. ومن خلال هذا الكم من الروايات التي عرضناها عن علاقة عائشة بالرسول تلك الروايات التي تلقي الضوء علي تاريخها مع الرسول يمكن أن يتحدد بوضوح ما إذا كان لعائشة دور في واقع الدعوة أم لا..؟ [ صفحه 94] والحق أن هذه الروايات الخاصة بعائشة والتي روتها هي عن نفسها وعن الرسول ليس فيها ما يدعم موقفها ويبيض وجهها. هذه الروايات تكشف أن عائشة كان لها دورا واحدا ومحدودا وهو دور محظية الرسول (ص).. وإذا ما تبين لنا أن حجم الدور والتبعة الملاقاة علي عاتق الرسول الخاتم لا يتلاءم مع ما تدعيه عائشة وتلصقه به من ممارسات ومواقف هي أقرب إلي سلوكيات المراهقين. أمكن لنا أن نحكم أنه حتي دور المحظية فيه شك وهو للوضع أقرب.. يروي: كان للنبي (ص) تسع نسوة وكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلي المرأة الأولي إلي في تسع فكن يجتمعن في كل ليلة في بيت التي يأتيها. فكان في بيت عائشة فجاءت زينب فمد يده إليها. فقالت: هذه زينب. فكف النبي يده. فتقاولتا حتي استخبتا وأقيمت الصلاة. فمر أبو بكر علي ذلك فسمع أصواتها فقال: أخرج يا رسول الله إلي الصلاة وأحث في أفواههن التراب. فخرج النبي فقالت عائشة: الآن يقضي النبي صلاته فيجئ أبو بكر فيفعل بي ويفعل. فلما قضي النبي صلاته أتاها أبو بمكر فقال لها قولا شديدا وقال أتصنعين هذا [219] . وهذه الرواية تتشابه في موضوعها مع رواية محاولة عائشة الانتحار فهناك استبدلت بعيرها مع حفصة برضاها ثم نقمت عليها. وهنا اتفقت مع زوجات النبي علي الاجتماع في بيت صاحبة النوبة أو الليلة التي سوف يبيتها الرسول معها ولما جاء الدور عليها نقمت وحسدت وما أن مس الرسول زينب باعتبارها عائشة حتي صاحت عائشة لتنبه الرسول فغضبت زينب واشتبكت في معركة كلامية مع عائشة وارتفعت الأصوات في بيت النبي الذي لم يكن له علم بهذه المؤامرة النسوية.. وما يعنينا من هذه الرواية هو كشف مكانة عائشة ودورها في حياة الرسول (ص) وهو ما أوضحه لنا موقف أبيها العنيف من موقفها وسلوكها فهذا الموقف إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن عائشة كانت زوجة مشاغبة للرسول ولزوجاته مما [ صفحه 95] كان يطلب تدخل أبيها لنهرها ووقفها عند حرها. وهذا فيه إثارة إلي عدم تفرغ النبي لمثل هذه الأشياء الصغيرة إذ أن الزوج عادة يتكفل بتأديب زوجته إذا ما خرجت عن حدود الأدب.. ومثل هذه الموقف صدر من أبي بكر تجاه عائشة حين دخل عليها ووجدها ترفع صوتها علي الرسول قائلة: والله إني لأعلم أن عليا أحب إليك من أبي.. ومثله أيضا صدر من عمر حين قرر الرسول تطليق عائشة وحفصة لكثرة مشاكلهما وهو ما نزلت بسببها آيات سورة الترحيم.. قال عمر: يا بنت أبي بكر قد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله. وقال لحفصة نفس ما قال لعائشة غير أنه أضاف: والله لقد علمت أن رسول الله لا يحبك ولولا أنا لطلقك [220] . وفي رواية أخري فقام أبو بكر إلي عائشة بجأ - يطعن - عنقها. وقام عمر إلي حفصة يجأ عنقها [221] . وفي سبيل خدمة الخط القبلي الذي ساد بعد وفاة الرسول (ص) والذي وضع حجر أساسه أبو بكر وعمر وأنتج في النهاية الخط الأموي الملكي الذي ساد واقع المسلمين حتي يومنا هذا. في سبيل هذا الخط وخوفا من تشويهه والتشكيك فيه عمل الفقهاء علي تبييض وجهي عائشة وحفصة والتمويه علي الجناية التي ارتكباها في حق الرسول والدعوة والتي تمثلت في كشف سر النبي وفضحه مما أدي إلي نزول آيات سورة الترحيم الصارمة.. عمل الفقهاء والمحدثون علي تصوير ما حدث علي أنه صراع بين نسوة النبي بسبب الغيرة.. روي أن رسول الله (ص) مكث عند زينب وشرب عندها عسلا. فتواصيت أنا - أي عائشة - وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي فلتقل أني أجد منك ريح المغافير أكلت مغافير. فدخل علي إحداهما فقالت ذلك له. فقال لا بل شربت [ صفحه 96] عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له. فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك.. إن تتوبا إلي الله) لعائشة وحفصة. وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا [222] . ويروي أن النبي (ص) خلا بمارية القبطية في غرفة حفصة وضاجعها فدخلت عليه حفصة وهي معه فقالت يا رسول الله: في بيتي وفي يومي وعلي فراشي. فقال رسول الله: " إني مسر إليك سرا فأخفيه لي "؟ فقالت: ما هو؟ قال: " هي - أيا مارية - علي حرام فأمسكي عني ". قالت لا أقبل دون أن تحلف لي. قال: " والله لا أمسها أبدا ". فذهبت حفصة فأخبرت عائشة فنزل قوله تعالي (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك).. ثم قال (وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا) يعني حفصة. (فلما أنبأت به - حين أخبرت عائشة - وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض. فلما نبأها به - يعني حفصة - قالت من أنبأك هذه؟ قال: نبأني العليم الخبير. إن تتوبا إلي الله فقر صغت قلوبكما - يعني حفصة وعائشة - وإن تظاهرا عليه - لعائشة وحفصة - فإن الله هو مولاه فجبريل وصالح المؤمنين [223] . وبين هاتين الروايتين: رواية العسل ورواية مارية. يتأرجح الفقهاء والمحدثون في شأن أسباب نزول آيات سورة الترحيم. ولا شك أن تصوير الموقف بهذه الصورة فيه استخفاف صريح بالعقل فضلا عن مهانة الرسول. الذي صور في كلتا الروايتين بالسذاجة والظلم والخوف من نسائه والكذب عليهن.. فالسذاجة تبدوا من خلال تعامله مع زينب بحسن نية وعدم علمه بالمؤامرة التي حاكتها عائشة وحفصة.. والخوف يبدو في تراجعه وإنكاره أنه به رائحة مغافير. ثم عزمه علي عدم العودة لشرب العسل.. والظلم يبدو من مضاجعته مارية في يوم حفصة وفي غرفتها.. [ صفحه 97] والكذب يبدو من محاولته احتواء الموقف بإغراء حفصة بكشف سر لها وهو تحريم مالية عليه ولم يبرد جسدها وجسده بعد. ولأن حفصة شكت في صدق هذا الكلام فمن ثم طلبت منه أن يحلف عليه.. إن المحدثين والفقهاء يريدون أن يأكدوا لنا أن السماء اهتزت ونزل جبريل بهذه النصوص الخطيرة والحاسمة بسبب غيرة النساء والعلاقات الجنسية للرسول.. اللهم رحمة بالعقول.. وإنصافا للرسول من هؤلاء.. إن المسألة علي ما يبدو من نصوص صورة الترحيم هي أكبر بكثير لكن الفقهاء ولا يريدون استخدام عقولهم من أجل الوصول إلي الحقيقة. المسألة علي ما يبدو تتعلق بالدين ومستقبله فهذا هو الأمر الذي من الممكن أن تهتز له السماء مؤكدة للرسول أن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين. ضاربة مثل امرأتين من الذين كفروا وهما امرأة نوح وامرأة لوط. ومثلا لامرأتين صالحتين هما: آسيا زوجة فرعون. ومريم ابنة عمران. وكان النصوص تؤكد للرسول أنه ليس بدعا من الرسل فهناك رسل قبله خانتهم زوجاتهم وانحرفت عن دعواتهم ونهجهم.. إذن دعوي عسل النحل أو العلاقة الجنسية التي يحاول المحدثون تأكيدها برواياتهم. ويحاول الفقهاء تثبيتها بتبريراتهم وتأويلاتهم ليست إلا محاولة لتسطيح المسألة وتفريغها من مضمونها وأهدافها ومراميها.. وهي محلولة لاستغفال المسلمين وتسفيه عقولهم.. لقد برز دور عائشة بعد وفاة الرسول (ص).. برز في دعم نهج أبيها. وبرز في ضرب نهج الإمام علي وتشويهه.. ولقد آثر نساء النبي السكون والإقرار في البيوت عملا بقوله تعالي: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي..) أما عائشة فقد ضربت بهذا النص عرض الحائط وخرجت إلي ساحة السيف والسياسة فجنت علي نفسها وجنت علي المسلمين.. [ صفحه 98] يروي عن سودة بنت زمعة قالت: حججت واعتمدت وأنا أقر في بيتي كما أمرني الله عز وجل [224] . ويروي عن أم سلمة قالت: لا يحركني ظهر بعير حتي ألقي النبي [225] . ويروي عنها وعن زينب بنت جحش قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله [226] . وما كان يوم الجمل حين خرجت تحرض المسلمين علي قتال علي وتقود بنفسها المعركة - إلا فاجعة ونقطة سوداء في تاريخها [227] . يروي أن عمار بن ياسر خطب في الناس بالكوفة وقت خروج عائشة فقال: إني لأعلم أنها لزوجته - أي النبي - في الدنيا والآخرة. ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها [228] . يقول ابن حجر: قوله لتتبعوه أو إياها قيل الضمير لعلي لأنه الذي كان عمار يدعو إليه. والذي يظهر أنه لله والمراد باتباع الله اتباع حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه. ولعله أشار إلي قوله تعالي (وقرن في بيوتكن) فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي. والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة وزبير وكان مرادهم إيقاع إصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتله عثمان [229] . وليس هنا مجال الرد علي ابن حجر في تبريره لموقف عائشة لأنه خارج [ صفحه 99] موضوع البحث. إلا أننا نكتفي باعترافه في أول كلامه بتجاوز عائشة وخروجها عن دائرة النص والإمام الشرعي [230] . ويروي أنه وقعت بين حيين من قريش منازعة فخرجت عائشة علي بغلة تصلح بينهما فلقيها ابن أبي عتيق فقال: إلي أين جعلت فداك؟ فقال: أصلح بين هذين الحيين. فقال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل بعد فكيف إذا قيل يوم البغل؟ فضحكت وانصرفت [231] . من هنا فإنه يروي عن عائشة حين حضرها الموت قالت: وددت أني إذا مت كنت نسيا منسيا [232] . وقالت: يا ليتني لم أخلق. يا ليتني كنت شجرة أسبح. يا ليتني كنت حجرا. يا ليتني كنت مدرة؟ قيل: وما ذاك منها؟ قال - أي الراوي -: توبة [233] . وقالت: لم أكن أحب أن أسمع أحدا اليوم يثني علي. إني قد أحدثت بعد رسول الله (ص) [234] . ونخرج مما سبق بما يلي: - أن هناك شك حول سن عائشة وتاريخ ارتباطها بالرسول.. - أن عائشة لم تكن زوجة مميزة.. - أن صدامات عائشة مع زوجات النبي دليل علي عدم تميزها وكونها تحاول اقتناص هذا التميز. - أن روايات عائشة تفضح الرسول كما تفضحها هي.. - أن عائشة تحتكر الرواية عن الرسول دون زوجات النبي.. - أن سن عائشة وفترة مكوثها مع الرسول (9 سنوات) كما نصت علي ذلك الروايات - لا يتلاءم مع هذا الكم من الروايات التي روتها والدور الذي تحاول أن ترسمه لها هذه الروايات.. [ صفحه 100] - أن التركيز علي عائشة يهدف الضرب علي علي الذي ارتبط بالرسول من سن السادسة قبل أن تولد عائشة - حسب رواياتهم - ونهل من علمه. فإذا اعتبرنا أن الرسول تعهد عائشة من طفولتها وأرضعها علمه وحكمته فإنه تعهد علينا أيضا منذ نعومة أظافره وأرضعه علمه وحكمته. لكن الفقهاء والمحدثين مالوا إلي عائشة ودعموا رواياتها وأهملوا عليا ورواياته.. - أن هناك ترابط بين عائشة وحفصة دون بقية أزواج النبي وهو يعكس الترابط الذي كان بين أبي بكر وعمر والذي أنتج الخط القبلي الذي ساد بعد وفاة النبي.. - أن تضخيم عائشة من باب الجنس دليل علي عدم وجود مميزات أخري لها.. . أن جميع الروايات ترصد تاريخ عائشة وفضائلها من رواياتها هي.. [ صفحه 103]

الرسول العاشق (2): الرسول يتهافت علي والنساء هن يتهافتن عليه

من مهازل القوم ما ينسبه الرواة للرسول (ص) حول علاقته بالنساء وكأنهم لم يكتفوا بما نسبوه له حول علاقته بعائشة فأرادوا توسيع دائرة هذه العلاقة لتكون فتحا للحاكم بعده كي يغنموا من النساء ويتوسعوا في التمتع بهن علي حساب الرسول.. ومثل هذه الروايات الشائنة التي تفضح الرسول جنسيا وتشوه صورته يتداولها القوم بكل ثقة واطمئنان.. ويقيني أن كثيرا من المسلمين لا يعرفون شيئا عن هذه الروايات التي تزدحم بها كتب السنن. فمن ثم هم بمجرد التعرف عليها سوف يرفضونها بالفطرة.. إن العقل لا يقبل أن تكون الحياة الخاصة للرسول مفضوحة بهذا الشكل الذي تبرزه الروايات. كما لا يقبل بصحة هذه الوقائع المنسوبة للرسول والمتعلقة بالنساء في ظل الدور المرسوم له والمهمة الملقاة علي عاتقه كنبي خاتم ورسول للعالمين.. ولقد استثمرت هذه الروايات من قبل خصوم الإسلام ورسمت من خلالها صورة مشوهة للرسول كرجل غارق في الملذات يتهافت علي النساء ولا يمل من مضاجعتهن ليل نهار.. والواجب علي أصحاب العقول والقلم أن يتصدوا لهذه الروايات حفاظا علي صورة الرسول وصورة الإسلام.. الواجب أن تكون هناك انتفاضة فكرية ضد هذه الموروثات التي أقل ما يقال فيها أنها من الإسرائيليات.. - في السلم: يروي أن رسول الله (ص) رأي امرأة فأتي امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضي حاجته ثم خرج إلي أصحابه فقال: " إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر [ صفحه 104] في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يردها في نفسها " [235] . وفي رواية أخري: أن النبي (ص) رأي امرأة فدخل علي زينب بنت جحش فقضي حاجته منها ثم خرج إلي أصحابه فقال لهم: " إن المرأة تقبل في صورة شيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله فإنه يضمر ما في نفسه " [236] . قال النووي: قوله إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان يعني الإشارة إلي الهوي والدعاء إلي الفتنة بها لما جعله الله تعالي في نفوس الرجال من الميل إلي النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلي الشر بوسوسته وتزيينه له [237] . وقليل من التأمل في هذه الرواية يكشف لنا مصادمتها للعقل وللواقع.. أما مصادمتها للعقل فيظهر لنا من انفعال الرسول وقيام شهوته بمجرد أن وقع بصره علي تلك المرأة. وهذا التصور فيه امتهان لشخص الرسول المعصوم والمبرأ من الهوي وهو يظهر بمظهر الرجل الشهواني الذي لا يكف عن ملاحقة النساء ببصره. وإذا كان هذا هو حال الرسول فكيف حال أصحابه؟ إن الرواية لم تجيبنا عن هذا السؤال فهي قد بينت لنا أن الرسول هو الذي تأثر بتلك النظرة وقامت شهوته وحده فهرع إلي زينب ليطفئ نار الشهوة ثم خرج إلي أصحابه فإذا هم بانتظاره فأخبرهم بسبب تركه لهم ثم أنزل غضبه ولعنته علي المرأة وعلي النساء أجمعين مشبها إياهن بالشيطان.. ومن هذا البيان برزت لنا حقيقتان: الأولي: أن الصحابة كانوا أكثر ثباتا وأقل تأثرا بتلك المرأة من الرسول.. الثانية: أن الرسول فضح نفسه وكشف أمام أصحابه ما جري له من تلك المرأة وما فعله مع زينب حين هرع إليها.. [ صفحه 105] فهل يقبل العقل مثل هذا الكلام..؟ أما مصادمتها للواقع آنذاك فيظهر من أن النساء في زمن الرسول (ص) لم يكن يسرن في الطرقات عاريات أو مائلات أو مميلات فكل هذه صور من حال المرأة في آخر الزمان وهو قد تنبأ بها [238] . إذن فماذا كانت ترتدي تلك المرأة التي أثارت الرسول..؟ ويروي عن عائشة قولها: كنت أطيب رسول الله (ص) فيطوف علي نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا [239] . ويروي عن أنس بن مالك: كان النبي (ص) يدور علي نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدي عشر. قلت لأنس: أو كان يطيقه. قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين [240] . قال النووي: أما طوافه (ص) علي نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء. وقد جاء في سنن أبي داود أنه (ص) طاف علي نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه. فقيل يا رسول الله: ألا تجعله غسلا واحدا. فقال: " هذا أذكي وأطيب وأطهر ". وعلي تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت. وطوافه (ص) محمول علي أنه كان برضاهن أو برضي صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة. وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا علي رسول الله في الدوام كما يجب علينا. وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلي تأويل فإن له أن يفعل ما يشاء. وهذا اختلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا [241] . وقال القاضي عياض: إن الحكمة من طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان [ صفحه 106] لتحصينهن كأنه أراد به عدم تشوفهن للزواج إذ الاحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك وإن لم يكن واجبا [242] . ويتعلق ابن حجر بقوله: وفي التعليل الذي ذكره نظر لأنهن - أي نساء النبي - حرم عليهن التزويج بعده. وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا علي ذلك - هي أم سلمة وتوفيت في عام 61 هـ [243] . لقد غرق الفقهاء في التأويلات والاحتمالات وتناسوا جوهر الرواية. وهم بالطبع غير مكلفين بذلك فوظيفتهم هي التأويل والتبرير واستنباط الأحكام وليس إعمال العقل في الروايات لمعرفة مدي صحتها وانسجامها مع نصوص القرآن وشخص الرسول فما دامت هي من روايات البخاري ومسلم فقبلوها واجب شرعي ورفضها طعن في الدين وفي الرسول.. وإذا كان هناك من أصابته الدهشة لسماعه هذا الخبر في زمن الرسول (ص) وهو ما يظهر من خلال قوله: أو كان يطيقه؟ فكيف الحال بنا اليوم..؟ وقد جاء رد أنس ليزيد الطين بلة بقوله: كنا نتحدث أن له قوة ثلاثين. أي قوة ثلاثين رجلا في الجماع.. فهل هناك فضح وتعرية للرسول أكثر من هذا..؟ إن هذا الكلام لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أن الحياة الجنسية للرسول كانت مكشوفة للجميع وسيرته مع نسائه علي السنة الناس بالمدينة.. وهذا كلام غير مقبول. كما أنه من غير المقبول فكرة الطواف ذاتها. من حيث القدرة ومن حيث الفراغ. إن التسليم بمثل هذه الروايات يعني أن الشغل الشاغل للرسول كان النساء. وهذا العدد الذي ارتبط به - سواء كان تسعة أو إحدي عشر - كاف وحده لإضاعة [ صفحه 107] الليل والنهار. فإن طاف عليهن ليلا لا بد أن ينام النهار. وإن طاف عليهن نهارا لا بد أن ينام الليل وفي كلتا الحالتين ليس هناك وقت لشؤون الدعوة والمسلمين ولا حتي لاستقبال الوحي.. ويلزم لنا حتي تتضح الصورة أن نلقي الضوء علي نساء النبي (ص) لنتبين طبيعة علاقته بهن.. ومن المعروف أن الزوجة الأولي للنبي كانت خديجة وقد القينا عليها الضوء سابقا وهي قد توفيت في مكة وذكرناها للإشارة إلي الزوجة الثانية التي جاءت بعدها وهي سودة بنت زمعة.. والفقهاء يختلفون حول تاريخ وفاة خديجة وزواج الرسول بعائشة في سن التاسعة. هل تم هذا الزواج بعد خديجة أم بعد سودة؟ [244] . قال الماوردي: الفقهاء يقولون: تزوج عائشة قبل سودة. والمحدثون يقولون: تزوج سودة قبل عائشة [245] . فأيهما نصدق: الفقهاء أم المحدثون؟ وإذا كان الفقهاء خاضعون علي الدوام للمحدثين يعتمدون رواياتهم ويبنون علي أساسها مذاهبهم وعقائدهم. فما هو المبرر للانشقاق عليهم في هذه المسألة..؟ يروي عن عائشة قولها: أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة. وكان النبي يقيم لعائشة بيومها ويوم سودة [246] . ويروي عن عائشة أيضا: قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله (ص): يا رسول الله. يومي لعائشة. فقبل ذلك رسول الله منها. وفي ذلك أنزل الله تعالي (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) [247] . [ صفحه 108] ويبدو من ظاهر هذه الرواية أن نساء النبي (ص) قد نقصن واحدة فأصبح الرسول يطوف علي ثمانية لا تسع. أما باطنها فيكشف لنا أن سودة كانت مهددة بالطلاق وفراق الرسول لها لعدم قدرتها علي تلبية رغباته الجنسية وأنها قد أنقذت نفسها بالبقاء علي ذمة الرسول بالتخلي عن يومها لعائشة.. فهل يجوز أن يقال مثل هذا الكلام في حق النبي الذي جاء يبشر بالعدل والرحمة؟ وإذا كان هذا هو حال سودة فلماذا تزوجها إذن..؟ ولماذا وهبت سودة يومها لعائشة من دون نساء النبي؟ هل لأن هوي النبي مع عائشة؟ وإذا كان هذا ما تؤكده الروايات فهو يعني أن عائشة استأثرت بمعظم الليالي وهو ما ينقض فكرة الطواف.. ويروي أن النبي (ص) بعث إلي سودة بطلاقها فلما أتاها جلست علي طريق بيت عائشة. فلما رأته قالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك علي خلقه لم طلقتني. الموجدة وجدتها في؟ قال: " لا ". قالت: فإني أنشدك بمثل الأولي أما راجعتني وقد كبرت ولا حاجة لي في الرجال ولكني أحب أن أبعث في نسائك يوم القيامة. فراجعها النبي. قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله [248] . وهذه الرواية تؤكد إصرار الرواة علي أن المسألة الجنسية هي أساس علاقة الرسول بنسائه مع أن سودة هذه كانت امرأة ضخمة طويلة وفوق ذلك كانت ثيبا. ترملت بعد وفاة زوجها السكران بن عمرو وكان من مهاجري الحبشة وتوفي في مكة بعد عودته منها [249] . وفيما يتعلق بعائشة الزوجة الثالثة للنبي حسب الترتيب التاريخي فقد استعرضنا في الباب السابق دورها وموقف الرسول منها. وإذا ما سلمنا بصحة [ صفحه 109] الروايات الواردة فيها بكونها محظية الرسول (ص) فهذا يعني بطلان فكرة الطواف. وإذا ما قررنا رفضها فإن هذا يعني ضرب مكانة عائشة.. وفي كلا الحالتين الموقف ليس في صالح الرواة أو الفقهاء.. أما فحصة فإنها كما أشرنا كانت حليفة عائشة وكانت ثيبا ترملت بعد وفاة زوجها خنيس بن حزافة. وعرضها عمر علي عثمان فقال ما لي في النساء حاجة ثم عرضها علي أبي بكر فأبي فغضب عليهما عمر. حتي تزوجها رسول الله بعد ذلك [250] . ولم تأت الروايات بشئ يرفع من مقامها عند الرسول كما هو حال عائشة بل روي ما ليس في صالحها كما أشرنا من قبل ونضيف هنا رواية تطليقها من قبل الرسول.. يروي: طلق رسول الله (ص) حفصة ثم راجعها [251] . وتزوج رسول الله زينب بنت خزيمة وكانت تحت عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر فجعلت أمرها إلي الرسول فتزوجها في السنة الثالثة من الهجرة فمكثت عنده ثمانية أشهر ثم توفيت وهي أول من توفيت من زوجاته بالمدينة في حياته [252] . وهذه المدة القصيرة التي قضتها زينب مع الرسول تجعل من نسوة النبي اللاتي كان يطوف عليهن سبع. وهذا فيه نقض لرواية طوافه علي التسع.. وتزوج رسول الله (ص) ريحانة بنت زيد وكانت من سبي بني قريظة بعد أن أسلمت وكان يستكثر منها فلم تزل عنده حتي ماتت أثناء رجوعها من حجة الوداع وكان قد تزوجها سنة ست من الهجرة [253] . [ صفحه 110] وباستثناء ريحانة من نسوة النبي يصبح عدد الطائف عليهن ست.. وإذا ما جمعنا فوق سودة وعائشة وحفصة وزينب وريحانة وأم سلمة وأم حبيبة وصفية وجويرية وزينب بنت جحش وميمونة يصبح عدد زوجات النبي إحدي عشر.. وإذا ما أضفنا إليهن فاطمة الكلابية التي يقال إنها طلقت لبياض كانت بها. أو بسبب تخييرها بين قومها وبين الرسول فاختارت قومها [254] . وأسماء بنت النعمان الجونية وكانت من أجمل النساء ولما دخل بها الرسول ثم أهوي عليها ليقبلها وكذلك كان يصنع إذا اجتلي النساء. قالت: أعوذ بالله منك فتركها الرسول وبعثها إلي أهلها [255] . ومليكة بنت كعب الليثي وقتيلة بنت قيس وبنت جندب الجندعي وسنا بنت الصلت وغير ذلك من النساء اللاتي خطبهن واللاتي وهبن أنفسهن للرسول بالإضافة إلي مارية القبطية التي أنجبت ولده إبراهيم الذي توفي في المدينة [256] . بهذا يتبين لنا أن الرسول ارتبط بأكثر من عشرين امرأة ما بين زوجة وسرية.. وهناك خلاف بين الرواة والفقهاء حول عدد النسوة اللاتي ارتبط بهن الرسول بزواج دائم ما بين تسعة إلي إحدي عشر إلي ثلاثة عشر [257] . إلا أن ما يعنينا هنا من إلقاء الضوء علي نساء النبي هو تبين استحالة تحقيق الطواف علي النساء في ساعة واحدة أو ليلة واحدة من قبل الرسول إذ أن تاريخ اقتران الرسول بهن لم يكن في سنة واحدة وإنما كان في سنوات متفرقة. فقد تزوج سودة في مكة سنة عشر من النبوة.. [ صفحه 111] وتزوج عائشة في السنة الثالثة للهجرة.. وتزوج حفصة في السنة الثالثة من الهجرة.. وتزوج زينب بنت خزيمة في السنة الثالثة من الهجرة. وتزوج أم سلمة في السنة الرابعة.. وتزوج زينب بنت جحش في السنة الخامسة من الهجرة.. وتزوج جويرية بنت الحارث في السنة الخامسة من الهجرة. وتزوج ريحانة بنت زيد في السنة السادسة من الهجرة.. وتزوج صفية بنت حيي في السنة السابعة من الهجرة.. وتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان في السنة السابعة للهجرة.. وتزوج ميمونة بنت الحارث في السنة السابعة من الهجرة.. ودخل بمارية القبطية في السنة السابعة من الهجرة.. ويتبين لنا من خلال هذا العرض أن الرسول (ص) تزوج نساءه في سنوات متفرقة فهن لن يجتمعن معه في سنة واحدة. فكيف يتحقق الطواف بهن في وقت واحد؟ والإجابة علي هذا السؤال بين أمرين: إما أن يكون الأمر مختلق من أساسه.. وإما أن يكون الطواف في آخر سني عمر الرسول حيث تحقق له جمعهن.. وهو مردود بسبب تناقض الروايات ما بين التسعة والإحدي عشر. وبسبب أن الروايات تؤكد أن عائشة كانت تستأثر بالرسول وهذا فيه إخلال بالطواف وبسبب تنازل سودة ووفاة زينب بنت خزيمة مبكرا وبسبب روايات أخري تشير إلي أن الرسول كان يستكثر من زينب بنت جحش وأم سلمة وغيرهما [258] . - في الحرب: كان ما سبق هو استعراض الحالة الجنسية للرسول (ص) في الوقت السلم من [ صفحه 112] خلال الروايات التي نسبها القوم إلي الرسول. أما في زمن الحرب فقد شهدت الروايات أنه ليس هناك فرق.. يروي أنه لما قسم السبي في غزوة خيبر. جاء دحية فقال يا نبي الله أعطني جارية من السبي. قال: " اذهب فخذ جارية ". فأخذ صفية بنت حيي. فجاء رجل إلي النبي فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير. لا تصلح إلا لك. قال " ادعوه بها ". فجاء بها. فلما نظر إليها النبي قال: " خذ جارية من السبي غيرها ". فأعتقها النبي وتزوجها. حتي إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل. فأصبح النبي عروسا [259] . يقول الفقهاء: قوله: خذ جارية من السبي غيرها. يحتمل ما جري مع دحية وجهين أحدهما: أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها. والثاني: أنه إنما أذن له في جارية له من حشو السبي لا أفضلهن. فلما رأي النبي (ص) أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبا وشرفا في قومها وجمالا استرجعها لأنه لم يأذن له فيها ورأي في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها علي باقي الجيش. ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم ولما يخاف من استعلائها علي دحية بسبب مرتبتها. وربما ترتب علي ذلك شقاق أو غيره فكان أخذه (ص) إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتحوفة. ومع هذا فعوض دحية عنها [260] . هذا ما يقوله الفقهاء حول هذه الرواية المزرية. احتمالات وتبريرات واهية فيها استخفاف بالعقول وتوهين للأمر وتعتيم علي حقيقته.. ومثل هذه الاحتمالات لا تغني ولا تسمن من جوع فظاهر الرواية ينطق بالحق وهو أن الرسول (ص) وهو في ميدان الحرب كما هو حاله في السلم لا ينسي النساء ولا يصبر عليهن فالهوس الجنسي يسيطر علي مخيلته ودفعه إلي التراجع عن قراره بإعطاء صفية إلي دحية بمجرد أن زينها القوم له دون أن يراها. وما إن رآها في نفسه وتأكد له الخبر فأخذها منه لنفسه. ولو أن الأمر انتهي [ صفحه 113] عند هذا الحد لقلنا إن الرسول احتجزها مخافة أن يفتن بها القوم وحتي يعود إلي المدينة فينظر في أمرها. لكن كلام الفقهاء يؤكد أن الرسول أخذها لنفسه لكونها لا تناسب دحية الفقير الذي ينتمي إلي طبقة وضيعة لا تلائم طبقة صفية العالية. الفقهاء يؤكدون أن الرسول عالج المسألة من منظور طبقي لا من منظور شرعي. فهل جاء الإسلام ليدعم الطبقية ويؤكدها أم ليقضي عليها ويفتتها..؟ إن ما تصوره الرواية هو أكثر مما وصفنا. فالرسول اشتعلت شهوته بمجرد رؤية صفية وقرر أن يواقعها في أقرب فرصة فدفعها إلي أم سليم لتجهزها له وهو في الطريق إلي المدينة وما إن جهزتها حتي دخل بها في الطريق.. هل يحتمل عقل المسلم وقلبه هذا الامتهان والتشويه لنبيه..؟ واختلف الفقهاء فيمن أعتق أمته علي أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها - كما فعل الرسول مع صفية - وقال الجمهور: لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط [261] . هذا ما خرج به الفقهاء من هذه الرواية عدم جواز نكاح الأمة المعتقة من سيدها بدون صداق علي أساس أن عتقها هو صداقها واعتبروا ما حدث مع صفية هو حكم خاص بالرسول وحده.. ولقد أسهم الفقهاء علي الدوام في نشر أحكام الإماء وتوطينها وسط المسلمين بدلا من القضاء عليها ودفنها وذلك خدمة للحكام الذين اتخذوا من حكم ملك اليمين ألعوبة في أيديهم يملكون به من النساء ما يشتهون به مما ساعد علي ازدهار تجارة الرقيق التي جاء الإسلام للقضاء عليها [262] . ويبدو أن مسلم شعر بالخلل في روايته. فجاء بالرواية من طريق آخر يحوي مخرجا للرسول (ص) من التورط في أمر صفية.. يروي: وقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله (ص) بسبعة [ صفحه 114] أروس ثم دفعها إلي أم سليم تصنعها له وتهيئها. قال - أي الراوي - وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي.. وقال الناس: لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد. قالوا: إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد - أي أمة - فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت علي عجز البعير فعرفوا أنه قد تزوجها. فلما دنوا من المدينة دفع رسول الله (ص) ودفعنا. فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله وندرت. فقام فسترها وقد أشرفت النساء فقلن أبعد الله اليهودية [263] . ومن خلال هذه الرواية يحاول الراوي نفي الشبهات من حول الرسول في كونه أخذ ما ليس له. وكونه دخل علي صفية من قبل أن تستبرأ. وذلك من خلال قوله الذي حشاه في وسط الرواية: وأحسبه قال وتعتد في بيتها أي في بيت أم سليم في المدينة. إلا أن بقية الرواية تكذب هذا الادعاء وتثبت أن الرسول دخل بصفية من قبل أن تنتهي عدتها وهذه مصيبة المصائب. فقد أقام الرسول وليمة العرس وتكلم الناس أتزوجها أم اتخذها أمة..؟ ومعني ذلك هو ما أشارت إليه الرواية السابقة من أنه دخل بها في الطريق.. وهناك رواية ثالثة تزيل اللبس تقول: صارت صفية لدحية في مقسمه وجعلوا يمدحونها عند رسول الله (ص) ويقولون ما رأينا في السبي مثلها. قال فبعث إلي دحية فأعطاه بها ما أراد ثم دفعها إلي أم سليم فقال أصلحيها ثم خرج الرسول من خير حتي إذا جعلها في ظهره نزل ثم ضرب عليها القبة [264] . وبهذا تكون الصورة قد اتضحت.. الرسول رأي صفية فوقعت في نفسه.. الرسول صادرها أو قايضها أو دفع ثمنها لدحية.. الرسول دخل بها وهي في العدة.. وهذه النتائج الثلاث تكفينا لدحض هذه الروايات والحكم بوضعها وبطلانها دفاعا عن الرسول ولا يعنينا سندها في شئ.. [ صفحه 115] ولم ينحصر أمر علاقة الرسول بالنساء في زمن الحرب في حدود صفية وحدها بل امتد ببركة الرواة ليشمل جويرية بنت الحارث وريحانة بنت زيد.. أما جويرية فكانت من سبي بني المصطلق.. يروي عن عائشة قولها أصاب رسول الله (ص) نساء بني المصطلق.. فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وكانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك فقتل عنها. فكاتبها ثابت بن قيس علي نفسها علي تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه. فبينا النبي عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابها. فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها علي النبي وعرفت أنه سيري منها مثل الذي رأيت.. فقال الرسول: أو خير من ذلك؟ فقالت: ما هو؟ قال: أؤدي عنك كتابك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله [265] . ويروي: ضرب رسول الله علي جويرية الحجاب. وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه [266] . أما ريحانة فكانت من سبي بني قريظة وكانت متزوجة من رجل يسمي الحكم. وكانت ذات جمال. فلما عرض السبي علي الرسول أمر بها فعزلت ثم أعتقها وتزوجها وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه وضرب عليها الحجاب وكان معجبا بها وكانت لا تسأله إلا أعطاها وكان يخلو بها ويستكثر منها [267] . وحال رواية جويرية وريحانة هو حال رواية صفية. فما حدث هنا حدث هناك. وكما افتتن الرسول بصفية افتتن بجويرية أيضا في حضور عائشة التي ما إن وقع بصرها عليها حتي علمت أن الرسول لن يفلتها وهو ما حدث.. ثم افتتن بريحانة وصارت عنده من المحظيات المدللات اللواتي يستكثر منهن.. وما نخرج به من هذه الروايات هو أن شهوة الرسول كانت مفتوحة دائما [ صفحه 116] للنساء من وقت السلم ووقت الحرب وأن نسائه كانت تأكلهن الغيرة ولا يجدن حيلة في ذلك إلي الصبر وانتظار طوافه عليهن وقد يطول هذا الانتظار.. ولا شك أن افتتان الرسول بجويرية وريحانة جاء علي حساب عائشة ونقض فكرة احتكارها لفراش الرسول كما أكد من جانب آخر أن عائشة لم تكن علي قدر من الجمال والفتنة التي تمكنها من الهيمنة علي الرسول وعزله عن الافتتان بغيرها.. - معارك نسائية: وفي وسط هذا الكم من النساء اللاتي ارتبط بهن الرسول كانت تكثر الصدامات والخلافات والمؤامرات والسبب والغيرة.. وكان الرسول (ص) في مواجهة هذه المعارك النسائية يقف في صف عائشة ضد نسائه الأخريات. لترك الروايات تتحدث نيابة عنا.. يروي عن عائشة: إن نساء النبي (ص) كن حزبين. فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة. والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء النبي. وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلي رسول الله أخرها حتي إذا كان رسول الله في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلي رسول الله في بيت عائشة. فتكلم حزب أم سلمة. فقلن لها كلمي رسول الله يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلي رسول الله هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه. فكلمته أم سلمة بما قلن. فلم يقل لها شيئا فسألناها - أي حزبها - فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها فكلميه. قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا فسألتها فقالت: ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتي يكلمك فدار إليها فكلمته. فقال: لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة. قالت: أتوب إلي الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله فأرسلن إلي رسول الله تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر [268] . [ صفحه 117] ويروي عن عائشة أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله (ص) [269] . ويروي عن أم سلمة أن النبي (ص) حلف أن لا يدخل علي بعض نسائه شهرا [270] . ويروي عن عمر أنه دخل علي حفصة فقال يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنا حب الرسول الله إياها يريد عائشة. فقصصت علي رسول الله فتبسم [271] . ويروي عن عائشة قالت إن النبي (ص) كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليه النبي (ص) فلتقل إني لأجد منك ريح مغافير.. فدخل علي إحداهما فقالت له ذلك. فقال " لا بأس شربت عسلا عند زينب ولن أعود له " فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) إلي (أن تتوبا إلي الله) لعائشة وحفصة (وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا) لقوله بل شربت عسلا [272] . ويروي عن عائشة: كان رسول الله (ص) يحب العسل والحلوي وكان إذا انصرف من العصر دخل علي نسائه فيدنو من إحداهن. فدخل علي حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس. فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت النبي منه شربه. فقلت أي عائشة أما والله لنحتالن له. فقلت لسودة إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا. فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل. فقولي له جرست نحلة العرفط وسأقول له ذلك. وقولي أنت يا صفية ذاك. قالت: تقول سودة فوالله ما هو إلا أن قام علي الباب فأردت أن [ صفحه 118] أبادئه بما أمرتني به فرقا منك فلما دنا منها قالت له سودة يا رسول الله أكلت مغافير. قال: " لا ". قالت: فما هذه الريح التي أجد منك. قال " سقتني حفصة شربة عسل " فقالت جرست نحلة العرفط. فلما دار إلي قلت له نحو ذلك. فلما دار إلي صفية قالت له مثل ذلك. فلما دار إلي حفصة قالت: يا رسول الله ألا أسقيك منه. قال " لا حاجة لي فيه " تقول سودة والله لقد حرمناه. قلت لها اسكتي [273] . وهذه الروايات وغيرها مما ذكرناه في الباب السابق حول عائشة إنما تكشف لنا أن المعارك والمؤامرات النسائية لم تكن تتوقف في بيت الرسول والسبب الغيرة التي إن دلت علي شئ فإنما تدل علي أن هناك ظلم من قبل الرسول تجاه نسائه وعدم قدرته علي تحقيق العدل بينهن. وهي - أي الغيرة - في ذاتها تنقض فكرة الطواف علي النساء فلو كان هذا الطواف متحقق وبعدل لم يكن هناك مبرر للغيرة كما تشير بذلك الرواية التي طالب فيها نسوة النبي العدل في عائشة والتي ذكرناها كاملة في الباب السابق وهي تحوي تفاصيل الصدام بين عائشة وزينب ورفض الرسول الوساطات في أمر عائشة.. ومطالبة نسوة النبي العدل في التعامل معهن ينقض فكرة الطواف أيضا إذ يؤكد أن عائشة مستأثرة بالرسول وحدها بينما بقية النسوة محرومات منه. وهذا يعني أنه ليس هناك طواف.. إن اعتراف عائشة بأن نساء النبي كن حزبين يدل علي أن نساء النبي (ص) لم يكن يدا واحدة. وكما تصور الرواية والروايات الأخري أن سبب ذلك هو الغيرة من عائشة إلا أن هذا السبب ليس كافيا لتبرير هذا الموقف الذي إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن الرسول فقد زمام الضبط والربط في بيته وأن نسائه قد تفلتن منه.. وإن التبرير المقنع لهذا الانقسام هو القبلية والسياسة. فقد أشرنا سابقا إلي [ صفحه 119] دور عائشة وحفصة سويا وأن لهما توجهات خاصة ترتبط بأبي بكر وعمر وأنهما اللتان نزلت فيهما آيات سورة التحريم. ومن هنا فهذه إشارة إلي أن حزبهما من السذاجة تصور أن سببه الغيرة. من جهة أخري لو نظرنا إلي واقع الحزب الآخر الذي تتزعمه أم سلمة فسوف تتكشف حقيقة وهي أن هناك قضية هامة أدت إلي هذا الانقسام بين نساء النبي وهي قضية آل البيت واختصاصهم بمكانة متميزة وعالية في حياة الرسول واختصاصهم بدور الإمامة من بعده.. ولم يكن هذا الانقسام ينحصر في دائرة نساء النبي وحدهن إنما شمل الصحابة أيضا والمتتبع لسيرة علي وما روي في حقه يتبين له هذا الأمر بوضوح. إن هناك من كان يبغض عليا ويقف ضده.. وهناك من يحبه ويقف معه.. وحزب أم سلمة كافي صف عليا وهو ما تؤكد سيرتها ومواقفها.. يروي أن النبي (ص) خرج إلي أحد فرجع ناس ممن كان معه. فكان أصحاب النبي (ص) فيهم فرقتين قال بعضهم نقتلهم. وقال بعضهم لا. فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين) [274] . وهذه الرواية التي تلقي الضوء علي الذين رجعوا من الصحابة يوم أحد وتركوا الرسول تكشف لنا أن هناك حزب من الصحابة دافع عن هؤلاء المنافقين وصوت ضد قتلهم بينما كان موقف الحزب الآخر هو تأييد الحكم بقتلهم.. وما نخرج به من هذه الرواية هو أن ذلك الحزب الذي دافع عن هؤلاء المنافقين هو حزب يشك في إيمانه ومواقفه. إذ ما هي المصلحة في الدفاع عن المنافقين؟ كما أن انقسام الصحابة في مواجهة هذا الحدث يدل علي أن هناك حزبان من الصحابة كل له موقفه المختلف في مواجهة شتي الأحداث التي واجهت مسيرة الإسلام في حياة الرسول.. يروي علي لسان الإمام علي قوله: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي (ص) إلي أن لا يحبني إلا مؤمن. ولا يبغضني إلا منافق [275] . [ صفحه 120] ويروي عن الرسول قوله: " حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق " [276] . وفي رواية أخري: " من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله " [277] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم ". قيل: يا رسول الله سمهم لنا. قال: " علي منهم " يقول ذلك ثلاثة " وأبو ذر والمقداد وسلمان أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم " [278] . ويروي عن النبي (ص) قوله تعالي لعلي: " أنت مني وأنا منك " [279] . ويروي عنه (ص): " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " [280] . وهذه الروايات وغيرها مما تكتظ به كتب السنن خاصة روايات كتاب الله وعترتي التي أشرنا لها تعطينا دلالة قاطعة علي أن الرسول كان يتعامل مع مجتمعه ومن حوله علي أساس تصنيفي. فالصحابة كانوا درجات وكانوا طبقات. والرسول كان يتعامل مع كل فئة أو طبقة حسب درجتها ومستواها الايماني ومدي تضحياتها في سبيل الدعوة. وهذه بديهية قيادية تناسيها يعتبر طعنا في الرسول وشكا في قيادته.. وأهم ما تؤكده هذه الروايات هو هذا التصنيف. أن عليا والأنصار كانوا حزبا واحدا في مواجهة الحزب الآخر وهو حزب المهاجرين.. والرسول (ص) لا يطلق كلاما عشوائيا بلا هدف. وعندما يذكر هذه النصور بخصوص آل البيت وعلي والأنصار فإن هذا يدل علي أن هناك من يبغضهم ويحسدهم.. [ صفحه 121] كذلك كان الرسول يتعامل مع نسائه علي هذا الأساس. وهن كن فيهن الصالحات القانتات وكن فيهن غير ذلك وهو ما تشير إليه نصوص سورة التحريم ونحن وفقا للوقائع التاريخية نؤيد هذا الجزء من الرواية التي ذكرتها عائشة: (أن نساء النبي كن حزبين) لكننا نتوقف في الجزء الباقي من الرواية ونرفضه.. والاعتراف بمسألة الهدايا في ليلة عائشة يعني الاعتراف بمسألة الطواف وكلا الأمرين فضح للرسول وتعرية لحياته الخاصة. وكيف كان الناس يعرفون أمر طواف الرسول علي نسائه..؟ هل كان الرسول تحت المراقبة..؟ أم أن أنس - خادم الرسول - روي رواية الطواف بصفته العارف بأسرار بيته؟ وإن صح هذا أمن الأدب أن يشيع أنس هذا الأمر عن الرسول..؟ إن مسألة الهدايا حالها كحال مسألة الطواف. ولما كانت مسألة الطواف قد تم نقضها فإن هذا ينقض مسألة الهدايا أيضا.. إن معني إدخار الناس لهداياهم حتي يوم عائشة يعني أن الناس كانوا يرقبون حركة الرسول بين نسائه ويعرفون موعد دخوله علي عائشة فيندفعون نحوه بالهدايا لكسب رضاه.. وهذا يعني أن الهدية لو أرسلت إلي الرسول في بيت زينب أو أم سلمة فلن يتحقق رضا الرسول. لأنه لا يتمتع وتتحقق له الراحة والسعادة إلا عند عائشة.. والسؤال هنا ما معني ابتغاء مرضاة الرسول من وراء هذه الهدايا..؟ هل كان الناس يتعاملون مع الرسول كحاكم فيتقون شره بهذه الهدايا التي تكون في هذه الحالة بمثابة رشوة يتحقق بواسطتها رضاه عنهم..؟ إننا دفاعا عن الرسول نرفض هذا السلفة الذي هو من اختراع الرواة للارتفاع بمكانة عائشة علي حساب الرسول.. والرواية تؤكد أن الرسول رفض مطالب نسائه بالعدل بينهن أو حتي الكلام في هذا الأمر وهو ما يبدو من رفضه إجابة أم سلمة. ثم إنهاء الجدال حول هذه المسألة بقوله: " لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا [ صفحه 122] عائشة " فالرسول بهذا قد أقر الظلم علي نفسه بعدم العدل بين نسائه معتبرا أن علاقته بعائشة علاقة مباركة من الوحي أما علاقته ببقية نسائه فهي علاقة غير مباركة. الأمر الذي ناقشناها سابقا.. والذي تؤكده هذه الرواية أيضا هو أن موقف الرسول من عائشة يعني تهديدا لبقية نسائه. فمحاولة الحديث في أمر العدل أو المساس بعلاقته بعائشة يعتبر بمثابة أذي له سوف يرد عليه بأذي للطرف الآخر وهو ما يظهر لنا من خلال قوم أم سلمة: (أتوب إلي الله من أذاك يا رسول الله).. فهل كان الرسول مؤذيا..؟ وتؤكد الرواية أيضا أن السيدة سودة قد شاركت في هذه المعارك والألاعيب وهو ما يتناقض مع الروايات السابقة التي تؤكد أن الرسول تخلص منها أو هي قررت الانسحاب من حياته.. إلا أن ما تؤكده الرواية فوق هذا هو أن أم سلمة لم تتب واستمرت هي وحزبها في مناوشة الرسول بطلبها من فاطمة التدخل والوساطة ثم لما فشلت وساطتها تبعتها زينب التي دخلت في عراك مع عائشة علي مشهد من الرسول الذي كان يراقب العراك متبسما.. يروي: أن الرسول (ص) لما تزوج زينب بنت جحش نزلت آية الحجاب [281] . ويروي أيضا: أن الرسول (ص) ما أولم علي امرأة من نسائه أكثر أو أفضل مما أولم علي زينب. فإنه ذبح شاة [282] . ويروي أن الناس لما تباطأوا في الخروج من عند الرسول في عرس زينب وشعر الرسول بالحرج من ذلك نزل قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن إلي طعام غير ناظرين أناه) إلي قوله (إن ذلكم كان عند الله عظيما) [283] . [ صفحه 123] ويروي أن الرسول (ص) قال: " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا ". قالت - أيا عائشة -: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا. فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق [284] . ومن هذه الرواية نخرج بالنتائج التالية: أولا: إن الوحي تنزل في بيت زينب بآية الحجاب وآية الاستئذان وهو ما ينقض ادعاء حصر الوحي في حدود بيت عائشة أو كما نصت الروايات في لحاف امرأة أو في ثوب امرأة غير عائشة.. ثانيا: إن هذه الروايات ترفع من مقام زينب لكونها نزلت بسببها آيات تحريم التبني. وزكاها الرسول بوصفها بطول اليد في معونة نفسها ومعونة الغير وهو ما لم يتحقق لعائشة المدللة. كما أولم عليها بشاة وهو ما لم يحدث من قبل في زيجات الرسول. ثالثا: أن حال زينب الذي تصفه هذه الروايات يتناقض مع ما تصوره رواية عائشة التي تصفها بسوء الأدب في حضرة الرسول.. ورواية أم سلمة التي تشير إلي أن الرسول قد هجر بعض نسائه شهرا إنما تؤكد أن تلك النسوة إنما هن من خارج دائرة حزبها لأنها هي الرواية.. أما رواية نصيحة عمر لابنته حفصة فهي تعكس لنا مدي الغيرة والحسد أو الصراع الدائر بينها وبين عائشة من أجل السيطرة علي الرسول.. ورواية العسل تلقي الضوء علي كيد النساء ومؤامرتهن وأنهن لم يكن يشغلهن شئ سوي الكيد لبعضهن وتآمر إحداهن علي الأخري وكل ذلك بسبب الغيرة. مما يصور بيت الرسول مشتعلا بالمعارك والخصومات علي الدوام.. فهل نكح الرسول هذا الكم من النساء لينشغل بمعاركهن وخصوماتهن..؟ إن ما تصوره الروايات أن نكاح الرسول هذا الكم من النساء إنما كان بغرض [ صفحه 124] الشهوة والهوي ولم يكن لأي غرض آخر. مما يضفي علي الرسول صفات الرجل الشهواني الباحث عن اللذات وهذا من شأنه أن ينعكس علي دعوته بالسوء.. وهذا هو الهدف من اختراع هذه الروايات وغيرها من الروايات التي تتحدث عن تهافت النساء علي النبي ووهب أنفسهن له.. [ صفحه 127]

الرسول المشرع

الرسول يضيف علي القرآن.. ويخالفه أيضا.. جاء الرسل بعقيدة واحدة.. لكنهم جاؤوا بشرائع مختلفة.. وانحصرت مهمة التبليغ في دائرة العقيدة.. وانحصرت مهمة التبيين في محيط الشرائع.. هذه هي مهمة الرسل. وهذه هي حقيقة الرسالة.. والرسل لم يكن لهم علم مسبق بالشرائع وإنما كان لديهم علم بالوحدانية.. ومن خلال هذا التصور يمكن القول إن الرسل ليس لديهم صلاحيات الاجتهاد أو الإضافة علي الأحكام التي يوحي بها إليهم.. وكيف يمكنهم الاجتهاد أو الإضافة في شئ لا يفقهونه وليس لديهم رصيد سابق عنه..؟ من هنا فإن ربط الرسل بالاجتهاد أو الإضافة بعد صورة من صور الانحراف العقائدي الذي وقعت فيه الأمم والذي أدي بالناس في النهاية إلي تاليه الرسل وعبادتهم وتولدت من خلال هذه العبادة عبادة حواريهم ثم أحبارهم ورهبانهم.. وما ينطبق علي الرسل ينطبق علي رسولنا (ص) الذي نص القرآن علي أميته أي خلوه من الرصيد الثقافي قبل تسلمه مهام البعثة.. إلا أن الفقهاء والمحدثين تجاوزوا هذه القاعدة ونسبوا إلي الرسول الكثير من الروايات التي تدخله في دائرة الاجتهاد والإضافة وهم بذلك قد تحققت فيهم سنن الأمم السابقة من المغالاة في الرسل وتأليههم.. وما سوف نعرضه هنا هو ذلك الكم من الروايات التي تصطدم بالقرآن والعقل والتي جاء بها المحدثون وألصقوها بالرسول وما أضافه إليها الفقهاء من تحسينات وتأويلات وتبريرات بهدف دعمها وتبريرها وإضفاء المشروعية عليها حتي يتلقاها المسلمون بالقبول.. [ صفحه 128] ولقد نقل المحدثون عن الرسول (ص) الكثير من الروايات التي تحض علي القرآن ووجوب تعهده والالتزام بأحكامه وتوجيهاته وأن الرسول أوصي به.. روي: أن رسول الله (ص) قال: " إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة. إن عاهد عليها أمسكها. وإن أطلقها ذهبت " [285] . ويروي: " تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها " [286] . ويروي: " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة والكرام. ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران " [287] . ويروي أن النبي (ص) أوصي بكتاب الله [288] . ويروي أن الرسول (ص) أوصي في حجة الوداع كتاب الله كما أوصي بعترته أهل بيته [289] . ويروي عن الرسول قوله: " الحال ما أحله الله في كتابه. والحرام ما حرمه الله في كتابه " [290] . ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن الرسول لم يوصي بسنته لاستحالة حفظها فهي علم وليست نصوصا. والعلم له أهله ممن يمتلكون مؤهلاته من الصحابة. ولأن القرآن يحتاج إلي البيان والبيان يحتاج إلي أمانة فمن ثم فإن الرسول قد انتخب آل البيت وعلي رأسهم الإمام علي ليكونوا حملة علمه وبيانه وبعده. إلا أن الأمة من بعد الرسول لم تلزم خط الإمام علي وسارت علي النهج القبلي الذي قام بدوره باختراع كم من الروايات التي تدعم مشروعيته وتوطن في أذهان المسلمين أن هذا الخط هو خط الرسول وحامل علمه وبيانه.. [ صفحه 129] ولا شك أن هذه الروايات لا بد وأن تحوي أحكاما جديدا فوق أحكام القرآن أو لم ترد فيه وذلك حسب حاجة هذه الخط لها.. من هنا برزت هذه الروايات المنسوبة للرسول (ص) والتي تضيف علي لسانه أحكاما جديدا وتخترع أحكاما لا وجود لها في القرآن وتضع الرسول في دائرة المشرع.. إن الرسول إنما كان يدعوا دائما إلي التمسك بهدي القرآن وحكمه لا بهديه وحكمه هو. فهو وظيفته التبيين والتبليغ فقط. وسوف نعرض هنا لمثل هذه الروايات ونصوص الفقهاء المتعلقة بها ليتبين لنا مدي مصادمتها للقرآن والعقل.. - في النكاح ومتعلقاته: يروي أن رسول الله (ص) قال: " لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " [291] . ويروي أن النبي (ص) تزوج ميمونة وهو محرم [292] . ويروي أن رسول الله (ص) نهي عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الإنسية [293] . ويروي أن رسول الله (ص) نهي عن الشغار. أي يزوج الرجل ابنته مقابل أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق [294] . ويروي عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهيل إلي رسول الله (ص) فقالت يا رسول الله إني لأري في وجه أبي حذيفة - زوجها - من دخول سالم فقال الرسول: " ارضعيه ". فقالت: إنه ذو لحية. فقال: " ارضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ". فأرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة [295] . [ صفحه 130] وبالنظر في الرواية الأولي يتبين لنا أنها تصطدم صراحة بالقرآن وتضيف حكما جديدا فوق أحكامه المتعلقة بالمحرمات من النساء.. يقول سبحانه: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا. حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما. والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) [296] . ويبدو من خلال هذا النص القرآني الصريح القطعي أن هناك خمسة عشر نوعا من النساء يدخلن في دائرة التحريم علي الرجال وهن: - ما نكح الآباء.. - الأمهات.. - بناتكم. - أخواتكم. - عماتكم. - خالاتكم.. - بنات الأخ.. - بنات الأخت.. - أمهاتكم في الرضاعة.. - أخواتكم في الرضاعة.. - أمهات نسائكم.. [ صفحه 131] - ربائبكم من المدخول بها.. - بنات الابن.. - الأختين.. - المحصنات (المتزوجات).. ومن الواضح أنه ليس بينهن عمة الزوجة أو خالتها.. قال الفقهاء: قوله (ص) " لا تنكح العمة علي بنت الأخ ولا ابنة الأخت علي الخالة " أي لا يجوز الجمع بينهما في النكاح وإن علت العمة أو الخالة وإن سفلت الابنة لأن ذلك يفضي إلي قطيعة الرحم وكذلك لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين. قيل هذا الحديث مشهور يجوز تخصيص عموم الكتاب به وهو قوله تعالي (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [297] . وبهذا يتضح لنا أن الفقهاء لا يعنيهم مدي مطابقة الرواية لنصوص القرآن فما دامت هي صحيحة بطرق الإسناد التي ألفوها وأضفوا عليها العصمة. فهي إذن صحيحة وما تتضمنه من أحكام يجب الأخذ بها كما تؤخذ أحكام القرآن.. وعلي ضوء هذه النتيجة يستوي حكم رافض الأخذ بهذه الرواية مع رافض الأخذ بحكم القرآن. فإذا حكم بكفر الثاني حكم بكفر الأول. وبالتالي أنزلت الرواية منزلة القرآن.. ولقد تجاوز الفقهاء هذا الحد بأن جعلوا الروايات حكما علي القرآن ومخصصة لعامة ومقيدة لمطلقة وناسخة لأحكامه.. وهنا قد جعل الفقهاء رواية تحريم نكاح عمة الزوجة أو خالتها مخصصة لقوله تعالي (وأحل لكم ما وراء ذلكم). وهذه هي الطامة الكبري. فهل يمكن للرسول أن يضيف أحكاما جديدة علي أحكام القرآن. وهل يملك ذلك من الأصل..؟ [ صفحه 132] إن نصوص القرآن لا تعطه هذه الصلاحية. ولو صح عن الرسول ذلك لكان ذريعة للمنافقين وأعداء الإسلام في زمانه ليطعنوا في هذا الدين ويشككوا في أحكامه.. أما الرواية الثانية فتشير إلي أن الرسول (ص) يحرم علي الناس ما يبيحه لنفسه. كما تشير إلي أن شهوة الرسول الطاغية نحو النساء دفعت به إلي انتهاك الشعائر المقدسة والدخول بامرأة في وقت الاحرام.. يروي عن الرسول قوله: " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " [298] . قال الفقهاء: السنة ناطقة بجواز نكاح المحرم بنكاحه (ص) ميمونة حال إحرامه وذلك في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع من الهجرة. والأصل في الأفعال العموم. والحلال لا يمنع من شئ من المباحات فأي فائدة في إخبار تزوجه ميمونة في حله. والإخبار بهذا - أي بجواز نكاح المحرم - فيه فائدة الخبر وهي بيان جواز النكاح في الاحرام. فإنما الممنوع للمحرم النكاح بمعني الوطء لا العقد ولا سبب لمنع عقدة النكاح له. فإن قلت أنت تريد حمل لفظ النكاح الوارد في الحديث علي معناه الحقيقي لغة لكن قوله (ص) " ولا يخطب يؤدي خلافه ". قلنا نعم. ولكن ذكر الطحاوي أنه لم يوجد في كل الروايات وإنما الموجود لا ينكح ولا ينكح. والمراد بالنكاح الواطئ. وبالمنكوح الموطوءة والمحرم من في الاحرام [299] . والظاهر من هذا الكلام أن الفقهاء في حيرة ما بين الروايات الواردة بالنهي عن نكاح المحرم والروايات الأخري التي تبيحه علي ضوء فعل الرسول.. ومسألة وجود الروايات المتناقضة التي تأمر بالحظر والإباحة في آن واحد هي مشكلة المشاكل في السنة المنسوبة للرسول. وهي إن دلت علي شئ فإنما تدل علي تخبط النقل أو عدم أمانة في الحفظ والرواية. وهي تدل علي جانب آخر أهم وهو أن فكرة عصمة الرواية محل شك.. [ صفحه 133] وهناك كثير من الأمثلة علي الأحاديث المتناقضة في كتب السنن والتي سوف نعرض لصورة منها عند حديثنا عن نهي الرسول عن زواج المتعة [300] . وإذا كان الفقهاء هنا قد رجحوا أحاديث إباحة نكاح المحرم فإنهم بهذا يكونوا قد ردوا أحاديث النهي. والسؤال هنا: إذن لماذا أبقوا علي أحاديث النهي وصححوها؟ إن الفقهاء في مواجهة أصحاب العقول - في زمانهم - والذين وجدوا من المبررات الشرعية ما يدفعهم إلي التمسك بالنهي عن النكاح المحرم - واضطروا إلي تفتيت المسألة وفصل النكاح العملي عن النكاح النظري ومحاولة التأكيد أن الرسول تزوج ميمونة نظريا أي عقدا ولم يدخل بها وهذه فزلكة لغوية لم تقبل واعترض عليها علي ما هو واضح من قول البعض لكن لفظه (ص) " ولا يخطب يؤدي خلافه " أي إن الرسول لو كان يقصد النكاح بمعني العقد فقط دون الوطء ما كان يجب أن ينهي عن الخطبة أيضا. لأن الخطبة صورة من صور العقد ثم إن رد الفقهاء علي هذا الاعتراض يعطينا دليلا جديدا علي مدي تعبدهم بأقوال الرجال ونبذ العقل. فهم اعترفوا بصحة هذا الاعتراض بقولهم: قلنا نعم. لكنهم عادوا وتعلقوا بقول الطحاوي أن لفظة (ولا يخطب). لا توجد في جميع الروايات الواردة حول القضية المثارة. ومعني كلامهم هذه أنهم يميلون إلي الروايات التي ليس فيها ذكر للفظة (ولا يخطب) وينبذون الأخري. ولا يوجد دليل أكبر من هذا علي أن هؤلاء إنما يحكمهم هواهم لا دينهم. وحكم الهوي هذه هو الذي يدفع بهم إلي السير في ركاب الحكام وعشاق الدنيا ومناصرة مثل هذه الروايات التي تشكك في أحكام الدين وفي الرسول. وكان الأجدر بهم علي الأقل أن يميلوا إلي روايات الحظر نصرة للدين وللرسول.. ونأتي إلي نهي الرسول (ص) عن متعة النساء ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.. وهذه النهي دليل علي أنه كان هناك ما يبيح متعة النساء ولحوم الحمر. أي أن الرسول نهي عن شئ كان موجودا ويمارس من قبل الصحابة. وواقع الإباحة [ صفحه 134] لا يفرض وجود دليل لأن الأصل في الأفعال الإباحة.. أما واقع النهي فيفرض وجود دليل.. وبتتبع الأمر في كتب السنن يتبين لنا أن هناك روايات عن الرسول تبيح متعة النساء - أي زواج المتعة - وروايات تنهي عنه. وأن الإباحة كانت سيرا مع نص قرآني. أما الحظر فليس له دليل سوي الروايات أي لم يوجد دليل قرآني ينهي عن زواج المتعة.. يري عن ابن مسعود قوله: رخص لنا رسول الله (ص) أن ننكح المرأة بالثوب إلي أجل ثم قرأ قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) [301] . ويروي عن جابر بن عبد الله قوله: استمتعنا علي عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر [302] . وفي رواية أخري: ثم نهانا عنها عمر [303] . وفي رواية: قال رجل - أي عمر - برأيه ما شاء [304] . إن مثل هذه النصوص وغيرها تؤكد أن نكاح المتعة كان مستمرا ومطبقا بعد وفاة الرسول. وفي هذا إشارة إلي أن الرسول لم ينه عنه. ومثل هذه النتيجة تدفعنا إلي الشك في روايات النهي.. إلي أن الفقهاء هذه المرة ساروا علي العكس من القضية السابقة وناصروا روايات الحظر وضربوا روايات الإباحة علي الرغم من قوتها وموافقتها للقرآن للعقل والفطرة. لكن هذه الأمور ليست بذات أهمية لدي الفقهاء فالمهم هو السند والتوافق المذهبي. [ صفحه 135] والإشكال هنا كالإشكال السابق وهو أن كلا من الروايات الحظر وروايات الإباحة صحيحة سندا إلا أن روايات الإباحة لا توافق مذهبهم وإنما توافق مذهب خصومهم من الشيعة ولأجل ذلك نبذوها وقالوا بنسخها.. يقول الفقهاء وهو حرام بالكتاب والسنة. أما السنة فلما في الصحيحين من نهيه (ص) عنه. وتحريمه تحريما مؤبدا. وأما الكتاب فقوله تعالي: (إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم..) والمتمتع بها ليست واحدة منهما أما أنها ليست مملوكة فظاهر وأما أنها ليست بزوجة فلان الزواج له أحكام كالإرث وغيره وهي منعدمة فيه باتفاق منا ومن المبتدعة المخالفين لنا لا ميراث فيها ولا نسب ولا طلاق والفراق فيه يحصل بانقضاء الأجل. وقول ابن مسعود واستدلاله بقوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم..) فيه إشارة إلا أن ابن مسعود كان يعتقد إباحتها ولعله رجع بعد ذلك أو استمر لعدم بلوغ النص إياه. أو يقول كما قال ابن عباس بأنها رخصة عند الاضطرار؟ [305] . ويبدو من هذا كلام أن الفقهاء لم يعملوا عقولهم في نصوص الإباحة فهم يقرأون بعين واحدة هي عين التحيز للرواة علي مذهبهم ويدافعون بمنطق الخصومة لا الموضوعية. فمن ثم يمكن القول إن استدلالهم علي تحريم نكاح المتعة ونبذ نصوص الإباحة وتحميل الرسول (ص) أمر تحريم ما أحل الله - هو أمر واه وسقطه من سقطاتهم وذلك لأسباب التالية: أن قولهم إن نصوص التحريم في الصحيحين يرد عليه بأن نصوص الإباحة في الصحيحين أيضا.. أن قولهم تحريما مؤبدا مردود لثبوت استمرار الصحابة علي تطبيق نكاح المتعة بعد الرسول وفي عهد أبي بكر وعمر.. إن استدلالهم بقوله تعالي (إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم..) علي أن الإسلام لا يعترف إلا بنوعين من العلاقة الجنسية نص عليما القرآن وهما: الزواج الدائم وملك اليمين - هذا الاستدلال مردود أيضا لكون حكم إباحة المتعة نزل في المدينة. والآية السابقة المستدل بها مكية - سورة المؤمنون - [ صفحه 136] والمكي لا ينسخ المدني حسب قواعد الناسخ والمنسوخ التي يعمل بها الفقهاء ويعتقدونها.. . أن هذا الاستدلال من قبل الفقهاء يعني أن ملك اليمين بالإضافة إلي الزواج الدائم يمكن أن يكونا بديلا عن زواج المتعة. ونحن نفهم أن زواج الدائم إذا تيسرت أسبابه لن تكون هناك حاجة للزواج المؤقت. لكن الذي لا يمكن فهمه هو كيف يكون ملك اليمين بديلا عن زواج المتعة..؟ هل هذا يعني أن الفقهاء ينادون بإشاعة ملك اليمين بين المسلمين بدلا من إشاعة زواج المتعة.. لقد وجد الفقهاء أنفسهم في مازق حرج. أما أن يقروا بإباحة زواج المتعة وبالتالي ينصرون الشيعة خصومهم. وأما أن يوجدوا بديلا لهذا الزواج وكان هذا البديل في نظرهم هو ملك اليمين. وهو بديل أدهي وأمر.. وهم مع اختيارهم هذا لم يبينوا لنا أحكام ملك اليمين. وكيف يمكن تطبيقه..؟ أن الفقهاء قد أعماهم الحقد علي خصومهم الشيعة ولم يكلفوا أنفسهم الاطلاع علي مصادرهم ليعرفوا منها كيف يطبق نكاح المتعة وما هي شروطه؟ فهم قد نسبوا إلي القائلين بإباحته أن هذا الزواج لا ميراث فيه ولا نسب وهذا غير صحيح فهذا الزواج يتعامل معه الشيعة كزواج شرعي إذا حدث من ورائه إنجاب فإن الابن ينسب لأبيه ويحصل علي كافة حقوقه الشرعية وهو زواج يقوم علي الايجاب والقبول بين طرفي الزواج وبهذا يكون مستكملا لأركانه الشرعية.. إن استدلال ابن مسعود بقوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا لم تحرموا طيبات ما أحل الله لكم..) قد أوقع الفقهاء في حرج وأدي إلي اعترافهم أن ابن مسعود كان يعتقد إباحة زواج المتعة. محاولين التشويش علي هذا الاعتراف بقولهم ولعله رجع بعد ذلك أو استمر لعدم بلوغه نص النهي وهذا مردود لأنه ابن مسعود من فقهاء الصحابة. ومحاولتهم ربط موقفه بموقف ابن عباس مردود أيضا لعدم ثبوته وثبوت ابن عباس علي القول بإباحة زواج المتعة [306] . [ صفحه 137] يروي أن عبد الله بن الزبير قام بمكة - حين استولي عليها أثناء صراعه مع الأمويين - فقال: إن ناسا أعمي الله قلوبهم كما أعمي أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل - أي ابن عباس - فناداه - أي ابن عباس - فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل علي عهد إمام المتقين - الرسول - فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك [307] . ونخرج من هذه الرواية بما يلي: أن ابن عباس كان مستمرا علي موقفه بإباحة زواج المتعة حتي كف بصره وحتي عصر خلافة ابن الزبير.. أن ابن الزبير سب ابن عباس وهدده ولم يواجهه بنص شرعي يبطل موقفه.. أن ابن عباس لم يتراجع عن موقفه ورد علي ابن الزبير.. أن ابن الزبير أصدر حكما تهديديا برجم ابن عباس وهو ما له سند شرعي سوي السلطان.. أي أن ابن عباس كان يواجه ابن الزبير بالنص. وكان ابن الزبير يواجهه بالسلطان وهو نفس موقف عمر فقد نهي عن المتعة بالسلطان.. يقول الفقهاء: قوله - أي ابن عباس - إنك لجلف جاف أي غليظ الطبع قليل الفهم. وقوله - أي ابن الزبير - لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك لعل فيه مبالغة في الوعيد لمنع المتعة [308] . وهذا التعليق من قبل الفقهاء علي هذه الحادثة جانب حقيقة الأمر وموه عليه وهو أن هذه الحادثة دليل علي استمرار زواج المتعة بعد نهي عمر. وهو علي كل حال اعتراف صريح منهم بجهل ابن الزبير وأنه لا شأن له بمثل هذه الأمور حتي أن قوله لأرجمنك لم يجد قبولا لديهم واعتبروه من نوع المبالغة في العقاب إذن أن رواياتهم تنص علي أن حكم الرجم خاص بالزاني المحصن [309] . [ صفحه 138] أما تحريم الحمر الأنسية - أي الأهلية - الذي ألصقه الرواة برواية تحريم زواج المتعة فهو كشأ الأحكام السابقة التي ابتدعتها الروايات علي لسان الرسول (ص). فمن المعروف أن الإسلام قد حرم كل ذي ناب من الحيوانات والطيور. والحمر لا تدخل في دائرة الحيوانات المفترسة. صحيح أنها خلقت للركوب وقضاء الحوائج لكن هذا لا ينفي جواز أكلها.. وبالطبع هناك حيوانات أخري خلقها الله سبحانه لكي تؤكل لحومها وتكون طعاما للإنسان وهي أولي بالأكل من الحمر. إلا أن ما يجب تأكيده هنا هو مبدأ التحليل والتحريم أن الحمر في دائرة الإباحة. أما النهي فإنه يساويها ببقية الحيوانات الأخري المحظورة.. يروي أن رسول الله (ص) نهي عن أكل كل ذي ناب من السباع [310] . ويروي أنه في غزوة خيبر نحروا الحمر الأهلية فلما غلت القدور نادي منادي الرسول: اكفئوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئا. فقلنا: إنما نهي عنها النبي لأنها لم تخمس. وقال آخرون حرمها البتة [311] . ويروي عن ابن عباس قوله: لا أدري أنهي عنه رسول الله (ص) من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم. أو حرمه في يوم خيبر [312] . ويروي: نهي رسول الله (ص) يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في الخيل [313] . ويروي: نحرنا علي عهد النبي (ص) فرسا فأكلناه [314] . ويظهر من هذه الروايات أنها جميعها تضرب رواية النهي عن أكل الحمر وتشكك فيها. فالرواية الأولي تحرم كل ذي ناب والحمر لا تدخل في هذا.. [ صفحه 139] والرواية الثانية تشكك في أسباب النهي أهو بسبب أن هذه الحمر لم تقسم ويؤخذ خمسها قبل أن تؤكل. أو هو بسبب التحريم القطعي.. والرواية الثالثة تشكك في سبب النهي أهو وقتي أم دائم. فابن عباس لا يدري سبب التحريم أهو بسبب خوف الرسول من ألا يجد الناس ما يحملون عليه متاعهم. أم هي حرمت يوم خيبر لسبب آخر. والرواية الرابعة والخامسة تتناقض مع الروايات السابقة خاصة رواية النهي. فهي تنهي عن لحوم الحمر وتبيح لحم الخيل مع أن الحمر لا تختلف عن الخيل في شئ. فكلاهما من أكلة الحشائش. وكلاهما يستخدم في الركوب. بل أن أهمية الخيل أكبر بكثير من أهمية الحمير.. وإذا كان قد نحر الفرس في هد النبي لضرورة. فإن الضرورة تحكم أيضا أن تتطلب الحاجة نحر حمار كما حدث في خيبر. فهم قد نحروا حمارا ولم ينحروا فرسا مع أن الخيل كانت موجودة.. ومثل هذا التناقض الذي نراه في الروايات المنسوبة للرسول إنما يدعونا إلي إعادة النظر في مثل هذه الروايات وعدم التسرع في بناء حكم شرعي عليها سواء أكان بالحظر أو بالإباحة. فسلطة التشريع هذه من خصائص الله سبحانه وليست من صلاحيات البشر.. وكان يجب علي الفقهاء أن يكون أول الممتثلين لهذا لكنها عبادة الرجال.. أما نكاح الشغار الذي أدخل في دائرة التحريم أيضا فينطبق عليه ما ينطبق علي نكاح عمة الزوجة أو خالتها ونكاح المتعة من أن آية سورة النساء لم تشمله فمن ثم هو يناقض القرآن ويضيف حكما جديدا فوق الأحكام القطعية التي نصت عليها.. يقول الفقهاء: الشغار أن يزوج الرجل ابنته لرجل علي أن يزوجه الآخر ابنته. والشغار كما يكون علي البنت يكون علي الأخت وعلي غيرهما. وليس بينهما صداق أي مهر علي أن يضع كل واحد منهما صداق الأخري ولا مهر سوي [ صفحه 140] ذلك وكان سائغا في الجاهلية وحكم هذا العقد عندنا صحته وفساد التسمية فيجب مهر المثل فبلزومه يخرج من كونه شغارا لأنه مأخوذ فيه عدم الصداق وحكمه عند غيرنا بطلانه والمسألة من مباحث النهي في أصول الفقه. قيل الخلاف فيما إذا ذكر كون بضع كل منهما صداق الأخري وأما إذ لم يذكر بل قال زوجتك ابنتي علي أن تزوجني ابنتك ولم يزد عليه فقبل. فالعقد جائز اتفاقا ولا يكون شغارا. ولو قوله علي أن يكون بضع ابنتي صداقا لابنتك كان نكاح الثاني صحيحا اتفاقا والأول علي خلاف. ويبطل العقد عند الثلاثة وقال أبو حنيفة يصح بمهر [315] . ويبدو من هذا الكلام أن جوهر المسألة هو الصداق. أي لو كان هناك صداق جاز هذا الزواج. إذن المسألة ليست في حركة التبادل بين شخصين هذا يزوج هذا ابنته أو أخته أو عمته مقابل أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو عمته. فالزواج الصحيح في ذاته. والفقهاء حائرون ما بين الحكم ببطلان هذا الزواج وما بين الحكم بإباحته. وهذه الحيرة دليل علي أن هذه الرواية لا تفيد بشئ قطعي أو هي تصطدم بزواج مستكمل شروطه الشرعية. وإذا كان الصداق هو الذي يضفي المشروعية علي هذا الزواج فإن ذلك يفتح باب التحايل بأن يسمي كل من طرفي الزواج أي مهر دفعا للحرج.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الصداق ركنا من أركان الزواج؟ والجواب لا. وهذا ما عليه الفقهاء [316] . إذن كيف جعل الصداق وسيلة لإخراج زواج الشغار من دائرة الحرمة إلي دائرة الإباحة..؟ لقد بارك الفقهاء الرواية لكونها صادرة عن البخاري ومسلم وأدوا دورهم بوضعها في مصاف نصوص التحريم.. في الدماء: يروي أن رسول الله (ص) قال: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله [ صفحه 141] إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدي ثلاث: النفس بالنفس. والثيب الزاني والمارق من الدين المفارق للجماعة " [317] . ويروي عن عمر قوله: الرجم في كتاب الله حق علي من زني إذا أحصن من الرجال والنساء. إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف [318] . وسئل عبد الله بن أبي أوفي: هل رجم رسول الله (ص)؟ قال: نعم.. قلت: قبل سورة النور أم بعد؟ قال: لا أدري [319] . ويروي عن الرسول قوله: " من بدل دينه فاقتلوه " [320] . ويروي أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله (ص) فأزله الشيطان - أي ارتد - ولحق بالكفار. فأمر به رسول الله أن يقتل يوم الفتح. فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله [321] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إذا أبق العبد إلي الشرك فقد حل دمه " [322] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان [323] . ومن خلال هذه الروايات يتبين لنا أن هناك ثلاثة مبررات لإباحة دماء المسلمين نسبت إلي الرسول (ص) وهي: - الثيب الزاني (الزاني المحصن).. - المرتد.. - المفارق للجماعة.. [ صفحه 142] وهذه الأحكام الثلاثة لم ينص عليها القرآن أما النفس بالنفس فهي من باب القصاص الذي نص عليه القرآن وربط هذا الحكم القرآني بحكمين آخرين لم ينص عليهما القرآن كما في الرواية الأولي هو من مكر الرواة الذين يحاولون إضفاء الشرعية علي أحكام ما أنزل الله بها من سلطان.. وفيما يتعلق بحكم الرجم فقد نصت رواية عمر علي أن حكم الرجم في كتاب الله بينما هو لا وجود له في كتاب الله. وهذا التصريح من عمر يعطينا دلالة هامة وهي أن الناس لا تتقبل بفطرتها إلا أحكام القرآن وهو ما دفع بعمر إلي التأكيد علي أن حكم الرجم موجود في القرآن.. وحتي تتضح لنا الصورة لا بد من تتبع رواية عمر من أولها.. تقول الرواية: إن الله قد بعث محمدا (ص) بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده. فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. وأن الرجم في كتاب الله حق علي من زني إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.. ويبدو من خلال كلام عمر أنه شم رائحة معارضة لحكم الرجل فصعد المنبر ليحذر من ذلك.. والغريب في كلام عمر أنه قد اعتبر الرجم فريضة تركها ضلال. وكيف يكون فريضة وهو ليس في كتاب الله. وكيف يضل من يعمل بكتاب الله؟ قال النووي: قوله - أي عمر - آية الرجم أراد بها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة. وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه. والتعليق علي قول النووي هذا والذي هو رأي جميع الفقهاء - يجرنا إلي مناقشة قضية الناسخ والمنسوخ وهل هناك نسخ في القرآن..؟ يعرف الفقهاء النسخ بقولهم: هو نسخ حكم شرعي سابق بحكم شرعي لا حق.. وهو أنواع ثلاثة: ما نسخ لفظا وبقي حكما.. [ صفحه 143] ما نسخ لفظا وحكما.. ما نسخ حكما وبقي لفظا.. والنوع الأول هو ما يتعلق بحكم الرجم. والنوع الثاني مثل رواية عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن [324] . وقول عائشة هذا يشير إلي جهلها بالقرآن إذ لا توجد آية تتحدث عن خمس رضعات في القرآن. ولو كانت موجودة فأين تكون قد ذهبت؟ وقد رد أحد الفقهاء علي عائشة بقوله: لا حجة في خمس لأن عائشة أحالتها علي أن قرآن وقالت: ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها وقد ثبت أنه ليس من القرآن لعدم التواتر ولا تحل القراءة به ولا إثباته في المصحف ولا يجوز القيد به لأنا إنما نجوز التقيد بالمشهور من القراءة ولم يشتهر ولأنه لو كان قرآنا لكان متلو اليوم إذ لا نسخ بعد النبي (ص) [325] . ومال تؤكده لنا هذه الرواية التي تتحدث عن صحيفة عائشة هو أن عائشة كتبت شيئا عن الرسول علي أنه قرآن وما هو بقرآن. وهذا مؤداه الشك في فقه عائشة وفي رواياتها أيضا.. أما النوع الثالث فمثله قوله تعالي: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم. فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) [326] . فهذه الآية قد نسخت بآية سورة النور التي حددت حكم الزاني بالجلد مائة جلدة علنا [327] . [ صفحه 144] وبالتأمل في فكرة النسخ وأنواعه يتبين لنا أنها فكرة تضر بالقرآن وتعتدي علي نصوصه. إذا أن تبنيها يعني تعطيل الكثير من الأحكام المنصوص عليها في القرآن التي من الممكن أن تسهم في حل الكثير من المشكلات المعاصرة.. ويكفي القول إن فكرة النسخ هي من ابتداع الرواة وقام الفقهاء بتأصيلها ولا يوجد ما يعضدها من نصوص القرآن [328] . وهل يقبل العقل أن يعطل نص من نصوص القرآن يتلي علي الملأ بينما يلزم المسلمون بحكم لا وجود له في القرآن ويدعي أنه كان موجودا فيه..؟ الفقهاء لم يتوقفوا عند حد تبني فكرة نسخ القرآن بالقرآن بالتجاوز وهذا الحد بتبنيهم نسخ القرآن بالروايات وهو ما أشرنا إلي صورة منه فيما يتعلق بزواج المتعة حين قرروا نسخ قوله تعالي (.. فما استمتعتم به فآتوهن أجورهن) الخاص بإباحة زواج المتعة. برواية النهي التي ذكرناها [329] . أما الرواية الثانية حول الرجم فهي تشكك في الرجم ولا تجزم بقطعيته فراويها لا يدري إن كان حكم الرجم قد طبق قبل نزول آيات سورة النور أم لا.. إلا أن ما تؤكده هذه الرواية هو أن السؤال الذي توجه به السائل يحمل دلالة قوية علي أن آيات سورة النور نسخت حكم الرجم وهو مبرر سؤال السائل: قبل سورة النور أم بعد..؟ أما رواية: من بدل ينه فاقتلوه. فأقل ما يقال فيها أنها رواية من منع السياسة لضرب التيارات المعارضة لأنظمة الحكم التي كانت سائدة في تلك الفترة واتهامها بالردة والزندقة وإضفاء المشروعية علي عملية تصفيتها والقضاء علي رؤوسها.. وهذه الرواية تصطدم بعدة نصص قرآنية صريحة منها: (لا إكراه في الدين..) [330] . [ صفحه 145] (لست عليهم بمسيطر..) [331] . (.. أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين) [332] . (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [333] . (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..) [334] . ومن هذه النصوص وغيرها يحدد القرآن أن حرية الاعتقاد مطلب انساني وحق من الحقوق التي يجب احترامها في ظل الحياة الدنيا التي هي دار اختبار. فمن ثم لم يحدد عقوبة للمرتد في الدنيا وهذا ينص عليه صراحة قوله تعالي (ومن يتردد عنكم من دينه..) [335] . وهذا دليل قاطع وبرهان ساطع علي بطلان رواية من بدل دينه فاقتلوه.. وكونها مختلفة. فليس من أن الممكن أن يصل الحال بالرسول إلي أن يتحدي القرآن بهذه الصورة الفجة.. وإذا كان الفقهاء قد تنبوا هذه الرواية وبنو علي أساسها أحكاما تتعلق بالردة والمرتدين وكيفية تطبيق حد الردة عليهم. إلا أنهم لم يجيبونا علي حكم اليهودي الذي ينتقل إلي المسيحية أو المسيحي الذي ينتقل إلي اليهودية فهذه الرواية علي ما يبدو عامة وليست خاصة. فهل يعني هذا أن حكم الردة يشملهم..؟ والرواية التي تلي رواية قتل المرتد تكشف لنا بعدا جديدا حول مسألة إباحة دم المرتد. فهذه الرواية تنص علي أن الرسول أباح دم عبد الله بن أبي سرح بعد أن ارتد إلا أن عثمان شفع له فقبل الرسول شفاعته.. فإذا كان قتل المرتد حكما شرعيا واحدا من حدود الله فهل يجوز أن تقبل الشفاعة فيه؟ [ صفحه 146] والجواب هو الرواية التالية: تروي عائشة قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله (ص)؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله؟ فكلمه أسامة. فقال رسول الله: " أتشفع في حد من حدود الله "؟ ثم قام فاختطب [336] . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يقبل الرسول الشفاعة في حد المرتد ويرفضها في حد السرقة..؟ والجواب أن هذا التناقض هو من صنع الرواة ولا شأن للرسول به فرواية عثمان وابن أبي سرح لها أبعاد سياسية وتهدف إلي دعم عثمان وخطه وإبعاد الشبهة عنه في حمايته وتأمينه لابن أبي السرح الذي فر من وجه الرسول والمؤمنين ولم يظهر إلا في عهد عثمان كما نصت علي ذلك الكثير من الروايات التي يتداولها القوم. فالرواية تهدف إلي تأكيد أن عثمان حصل علي عفو من الرسول مباشرة بشأن ابن أبي السرح لا كما تقول الروايات الأخري التي استثمرها خصوم عثمان [337] . أما رواية المخزومية فحادثة جنائية عادية لا تمت من قريب أو بعيد بأي من الرموز القبلية التي يراد تضخيمها وإحاطتها بهالة مقدسة.. ورواية إذا أبق العبد إلي الشرك فقد حل دمه. هي دعم للروايات السابقة بشأن حكم المرتد. إلا أن الخلاف في التعبير والألفاظ هنا يؤكد ما طرحناه سابقا من أن الروايات إنما تروي بالمعني لا بالنص الحرفي الذي نطق به الرسول إن صح نسبتها إليه. وهي تخضع لأهواء الرواة ومذاهبهم مما يعها في دائرة الشك والتمحيص.. أما رواية من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان. فمن الواضح أن الذي نطق بها هو معاوية أو حاكم من الحكام وليس رسول الله (ص). وهذه الرواية تفقد جميع الثورات التي هبت في وجه الطغاة من [ صفحه 147] الحكام في تاريخ المسلمين مشروعيتها وتصورها وكأنها حركات قطاع طرق. وهي من جانب آخر تضفي المشروعية علي الحاكم وتبرر له سحق هذه الثورات بفرمان رسولي.. وفي منظور الفقهاء وحتي الصحابة من أنصار الخط القبلي مثل أبو هريرة وابن عمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة أن الأمة اجتمعت علي معاوية وولده يزيد من بعده ثم اجتمعت علي سائر حكام بني أمية وبني العباس من بعد. فمن ثم فإن هؤلاء هم جماعة المسلمين ومعاوية ويزيد ومن تلاهم هو إمام المسلمين الذي لا يجب الخروج عليه وشق عصا الطاعة وإن من يقع في هذا المحظور فهو حلال الدم.. ولا شك أن مثل هذا الحاكم إنما هو موجه إلي خط الإمام علي وآل البيت وشيعتهم فهؤلاء هم الذين قادوا الثورات ضد هؤلاء الحكام بداية من الحسين بن علي الذي ثار في وجه يزيد بن معاوية.. وقد اعتبرت روايات أخري الخروج وشق عصا الطاعة مروق من الدين كالرواية التي ذكرناها والتي نصت علي الربط بين المارق من الدين والمفارق للجماعة. ونحن نتوجه إلي الفقهاء مطالبين بأن يأتونا بنص من كتاب الله يدعم مثل هذه الروايات أو برهان عقلي يجعلنا نطمئن أن جماعة المسلمين هي جماعة معاوية أو يزيد أو أبي جعفر المنصور أو غيرهم من الحكام؟ يقول الفقهاء: وفي هذا دليل علي أن مذهب عبد الله بن عمر كمذهب الأكثرين في منع القيام علي الإمام وخلعه إذا حدث فسقه. أما إذا كان فاسق قبل عقدها - أي البيعة - فاتفق علي أنها لا تنعقد له لكن إذا انعقدت له تغلبا أو اتفاقا ووقعت كما اتفق ليزيد صار بمنزلة من حدث فسقه بعد انعقادها له فيمتنع القيام عليه ويدل علي ذلك إنكار ابن عمر علي ابن مطيع في قيامه علي يزيد وقد احتج من أجاز القيام بخروج الحسين وابن الزبير وأهل المدينة علي بني أمية واحتج الأكثرية علي المنع بأنه الظاهر من الأحاديث [338] . [ صفحه 148] ويروي عن الرسول قوله: " أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه علي الله " [339] . وفي رواية: " أمرت أن أقاتل الناس حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم علي الله " [340] . إن زمن هذه الرواية هو خلافة أبي بكر حين خرجت عليه العرب وأراد ردعهم فتصدي له عمر بقوله: كيف تقاتل الناس وقد قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله. وكان جواب أبي بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. وهذا الصدام الذي وقع بين أبي بكر وعمر يعود سببه إلي أن المسألة لا صلة لها بالشرع وأحكامه وإنما هي مسألة قبلية تتلخص في عدم الرضا عن أبي بكر كحاكم. ولو حسبت المسألة بأي حساب آخر كان ذلك مجانبة للحقيقة والصواب. إذ لو حسبناها بالحساب الشرعي فإننا نجد أن موقف عمر سليم من الناحية الشرعية لكونه يتحصن بنص منسوب للرسول. بينما أبو بكر يتحصن برأيه فقط.. من هنا فإن ظهور هذا النص في تلك الفترة من قبل عمر - راويه - في مواجهة أبي بكر إنما يعني أن هذا النص كان موجها للعرب وهم قد دخلوا في دين الله فمن ثم ليست هناك حاجة لقاتلهم من جديد. وهي وجهة نظر عمر. إلا أن أبا بكر أصر علي موقفه لأسباب تتعلق بمستقبل نظامه واقتنع بها من نفس المنظور عمر متخليا عن النص الذي وجه بعد ذلك نحو الشعوب غير العربية. وأصبح سلاحا في يد الحكام يشهرونه ما بين الحين والآخر في وجه أصحاب الديانات الأخري وفي وجه معارضة الإسلامية والقوي المناوئة لنظامهم والتي كانوا يدفعون بها في جيوشهم الغازية تحت شعار الجهاد في سبيل الله وإدخال الناس في دين الله. من أجل الخلاص منها [341] . [ صفحه 149] وإن المتأمل في حركة الفتوحات الإسلامية سوف يتبين له أنها لم تسهم في إدخال الناس في دين الله وأنها أسهمت في زيادة ثروات الحكام وكانت في حقيقتها صدام عسكري بين حكم عربي وحكم آخر أسقط بالقوة بينما بقيت الشعوب علي حالها وقد فرضت عليها الجزية والخراج [342] . والمتأمل في نص الروايتين يكتشف أن الرواية الأولي اقتصرت علي عصمة الدم والمال بمجرد القول لا إله إلا الله. بينما الرواية الثانية زادت عليها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهذا يدعونا إلي الشك في الروايتين. فالرواية الأولي لا تدعم رؤية أبو بكر بينما الرواية الثانية تدعم موقفه وتضفي عليه الشرعية. فإذا كان الأمر كذلك فلما عارضه عمر..؟ إن القوم يناقضون أنفسهم بتبني روايات تناقض بعضها وتضعهم في موطن الحرج وسوف نعرض لنماذج من هذه الروايات التي تقودنا إلي نتيجة محددة وهي عدم شرعية موقف أبو بكر وقتاله للمخالفين له.. يروي عن الرسول قوله: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله علي النار " [343] . ويروي: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زني وسرق " [344] . ويروي: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسي عبد الله ورسوله وكلمة ألقاها إلي مريم وروح منه. والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة علي ما كان من عمل " [345] . [ صفحه 150] ويروي: أن أسامة بن زيد قتل رجلا بعد أن نطق بلا إله إلا الله. فعنفه الرسول (ص) [346] . ومثل هذه الروايات وغيرها إنما تؤكد عصمة الدماء لا استباحتها. وتؤكد من جانب آخر أن مشروعية استباحة الدماء هي مشروعية خاصة بالرسول وحده. فهو الناطق بأمر الله سبحانه المطبق لشرعه كما أمر. فمن ثم فلن تراق علي يده دماء بغير حق. لكن هذه الروايات وبدعم الفقهاء منحت هذه المشروعية للحكام من بعد الرسول فاعملوا في حصانتها السيف في رقاب المسلمين.. ولأجل ذلك روي: أن الجهاد ماض إلي يوم القيامة وراء كل إمام برا كان أو فاجرا [347] . وروي: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات علي شعبة من شعب النفاق [348] . فمثل هذه الروايات التي باركها الفقهاء هي التي دفعت بالمسلمين للقتال تحت راية الحكام بدعوي الجهاد.. - في العبادات والمعاملات: ولقد نسب الرواة للرسول الكثير من الأحكام التي تتعلق بالعبادات والمعاملات والتي تحولت بمرور الزمن إلي أمور مسلم بها يتعبد بها المسلمون ويحتكمون إليها خاصة بعد أن اعتمد الفقهاء هذه الروايات وتنافسوا فيما بينهم علي الاجتهاد واستنباط الأحكام علي ضوئها.. ومن هذه الروايات: يروي أن رسول الله (ص) دعا بإناء فأفرغ علي كفيه ثلاث مرات فغسلها ثم [ صفحه 151] أدخل يمينه في الإناء. فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا. ويديه إلي المرفقين ثلاثا. ثم مسح برأسه. ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلي الكعبين. ثم قال: " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " [349] . ويروي أن الرسول توضأ ومسح علي الخفين [350] . ويروي أن الرسول قال: " إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا آمين. فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " [351] . ويروي أن الرسول قال: " إنما أنا بشر مثلكم أنسي كما تنسون. فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين " [352] . هذا بعض ما نصب القوم إلي الرسول (ص) بشأن الصلاة.. بالنسبة لرواية الوضوء فهي تخالف مخالفة صريحة ما نص عليه القرآن بشأن الوضوء وهو ما يظهر من قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) [353] . هذا النص القرآني يحدد أن الوضوء ينحصر في حدود الوجه واليدين والرأس والرجلين. وإذا كان هذا ما حدده النص فكيف للرسول أن يضيف المضمضة والاستنشاق..؟ ثم إن النص القرآني أوجب مسح الرأس والرجلين بينما الرواية تنص علي أن الرسول مسح الرأس وغسل الرجلين وهو بهذا يكون قد خالف القرآن.. [ صفحه 152] والرواية الثانية تصطدم بالنص القرآني السابق إذ أن النص أوجب المسح علي الرجلين وهذا يعني عدم وجود حائل. والرسول مقيد بالنص وهذا يعني أن فكرة الخفين من اختراع الرواة.. أما الرواية الثالثة فهي تضيف علي القرآن صراحة ما ليس فيه. فسورة الفاتحة ختامها (ولا الضالين) والرواية تضيف كلمة (آمين) وتضفي عليها القدسية بجواز تلاوتها في الصلاة بل ومباركة الملائكة لهذه التلاوة.. ولا يعقل أن الرسول (ص) يضيف علي القرآن ما ليس فيه ثم يدخله في الصلاة التي هي مناجاة بين العبد والرب.. والرواية الرابعة نسبت إلي الرسول السهو والنسيان في الصلاة وما تنبه لسهوه ونسيانه إلا بتنبيه الناس له بقولهم: يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ؟ قال: " وما ذاك "؟ قالوا: صليت كذا وكذا [354] . وهذا الحديث يشير إلي أن الذين كانوا من خلف الرسول كانوا أكثر تركيزا وتنبها منه في الصلاة.. فهل يعقل مثل هذا الكلام في حق النبي (ص)؟ وماذا كان يشغل الرسول عن ذكر ربه أثناء الصلاة؟ ثم أليس نسبة النسيان إلي النبي يعد طعنا في قدرته علي تلقي الوحي وتبليغه للناس..؟ ثم كيف للناس أن يذكروا الرسول في قضايا الشرع والتعبد وهو وظيفته أن يذكر الناس؟ والله سبحانه يقول له: (فذكر إنما أنت مذكر..) [355] . وفيما يتعلق بالمعاملات فهم يروون: يروي أن النبي (ص) جعل للجدة - في الميراث - السدس إذا لم يكن دونها أم [356] . [ صفحه 153] ويروي جاءت جدة إلي أبي بكر تسأله ميراثها. فقال: ما لك في كتاب الله تعالي شئ. وما علمت لك في سنة نبي الله (ص) شيئا. فارجعي حتي أسأل الناس. فشهد المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أنهما حضرا رسول الله فأعطاها السدس [357] . ويروي أن رجلا جاء إلي النبي (ص) فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ فقال: " السدس ". فلما أدبر دعاه فقال: " لك سدس آخر ". فلما أدبر دعاه فقال: " إن السدس الآخر طعمة ". قال قتادة: فلا يدرون مع أي شئ ورثه. أقل شئ ورث الجد السدس [358] . وهذه الروايات تضيف إلي أحكام المواريث التي نص عليها القرآن حكما جديدا علي لسان الرسول وهو ما يتضح من الرواية الأولي.. أما الرواية الثاية فهي تكشف لنا أن هذا الحكم قضي به أبو بكر علي أساس شهادة اثنين نسباه إلي الرسول ولم يكن هو علي علم به.. أما الرواية الثالثة فهي تكشف لنا أن الرسول حكم للجد بالسدس أيضا. وهو ما لا يجوز شرعا لأن الذكر له مثل حض الأنثيين وفإما أن يكون السدس للجد وللجدة نصف السدس. وأما يكون الرسول قد أخطأ في الحكم. وأما أن يكون هذا الحكم هو من اختراع الرواة.. والاحتمال الثالث هو الأقرب. فلا يعقل أن يساوي الرسول بين الذكر والأنثي في الميراث. كما لا يعقل أيضا أن يتردد الرسول في الحكم عدة مرات يضيف فيها سدسا آخر للسائل.. يروي أن رجلا سأل النبي (ص): كيف أصنع في مالي..؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجب النبي بشئ حتي نزلت آية الميراث [359] . [ صفحه 154] - في الزينة والسلوكيات: يروي أن الرسول (ص) قال: " إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " [360] . ويروي نهانا رسول الله (ص) عن سبع: نهانا عن خواتيم الذهب وعن الشرب في الفضة أو قال آنية الفضة وعن المياثر والقسي وعن لبس الحرير والديباج والاستبرق [361] . ويروي أن النبي (ص) قال: " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " [362] . ويروي عن الرسول قوله: " من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة [363] . ويروي عن عمر: أن رسول الله نهي عن الحرير إلا هكذا وأشار بإصبعيه اللتين تليان الابهام [364] . ويروي عن عمر أيضا أنه رأي حلة سبراء عند باب المسجد. فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا. فقال الرسول: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ". ثم جاءت رسول الله منها حلل فأعطي عمر منها حلة. فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت. فقال الرسول: " إني لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له بمكة مشركا [365] . [ صفحه 155] ويروي: أهدي إلي النبي (ص) مزوج حرير فلبسه فصلي فيه. ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له. وقال: " لا ينبغي هذا للمتقين " [366] . ويروي أن النبي رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير. من حكة كانت بهما [367] . إن ما تهدف إليه هذه الروايات الوصول إلي الحكم بتحريم الحرير وأن الفقهاء قد قاموا علي ضوء هذه الروايات بتقنين هذا التحريم. لكن السؤال هنا: هل هذه الروايات تفيد التحريم وتقطع به..؟ والإجابة سوف تتضح لنا من خلال استعراض الروايات.. الرواية الأولي تنهي عن لبس الحرير والديباج والاستبرق والمياثر والقسي ولم تنه عن الحرير وحده. وهذا يعني أن التحريم شملهم إلا أن جميع الروايات تركز علي تحريم الحرير وحده. فهل هذه الإضافة من الرواة أو أن هذه الأنواع من الملابس ليست حراما ولأجل ذلك أغفلتها الروايات الأخري..؟ وفي كلتا الحالتين هذا أمر يثير الشك في مثل هذه الروايات.. وبالتدقيق في نصوص القرآن لا نجد أية إشارة إلي تحريم الحرير وهذا يعني أن أمر التحريم خاص بالروايات وحدها وهو بمثابة إضافة حكم جديد فوق أحكام القرآن.. وفي الرواية الثانية نكتشف أن التحريم خاص بالحياة الدنيا وأنه مباح في الآخرة.. والرواية الثالثة تؤكد أن من لبسه في الدنيا لن يلبسه في الآخرة ومثل هذا يشير إلي أن المسألة لا تأخذ وضع الحكم الشرعي الذي يؤدي بمخالفه إلي النار وإنما هي لا تخرج عن طور الكراهة لأسباب اجتماعية أو اقتصادية خاصة بمجتمع الرسول.. [ صفحه 156] ويدل علي ذلك الاستثناء الذي أشار إليه عمر في روايته بجواز لبس الملابس التي تحوي قدرا من الحرير.. ويدل علي ذلك أيضا أن الحرير كان يباع في المدينة وعلي باب مسجد رسول الله أية كما تشير رواية عمر الثانية والتي عرض فيها عمر علي الرسول أن يشتري حلة من حرير فقال إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة. وهذا النص لا يشير إلي التحريم وإنما يشير إلي الكراهة.. ثم إن الرسول بعد ذلك جاءته حلل من حرير فقبلها - كما ذكرت الرواية وأهدي منها واحدة لعمر مما دفع بعمر إلي الاستفسار من الرسول عن سبب هذا التناقض في موقفه. فهل كان من الممكن للرسول أن يسلك هذا السلوك لو كان الحرير حراما..؟ وتدخل بنا رواية لبس الرسول للحرير والصلاة به إلي مدار آخر أكثر صراحة في أن الحرير لا يدخل مجال التحريم ولو كان ذلك صحيحا لنبذه الرسول بداية وما لبسه. وما صلي فيه.. وهو بنزعه له بعد الصلاة وقوله: " لا ينبغي هذا للمتقين " يؤكد لنا أن المسألة لا تخرج عن طور الكراهة ولو تم تأويل الرواية بغير هذه الوجهة لكان فيها اتهام مباشر للرسول بارتكاب المحرم والاصرار عليه بلبسه الحرير ثم الصلاة فيه.. أما رواية إباحة الحرير لعبد الرحمن بن عوف والزبير لإصابتهما بالجرب فهي مردودة لعدة أوجه: الأول: أن هناك روايات تنهي عن التداوي بالمحرمات. فإذا كان الحرير حراما فلا يجوز التداوي به.. الثاني: أن النبي يمكن أن يصف لهما دواءا آخر وهو يروي عنه الكثير من الروايات الطبية التي يدين بها القوم. الثالث: أن ابن عوف والزبير من أثرياء الصحابة والحرير كما هو معروف مرتفع الثمن. فهل هذا يعني أنهما اختاراه بأنفسهما ووافقهما عليه الرسول لكونهما [ صفحه 157] يقدران علي ثمنه؟ أم أن الرسول هو الذي اختاره لهما لكونهما يقدران علي نفقته؟ [368] . إن مثل هذه الرواية إنما تثير الشك حول حكم النهي عن لبس الحرير وسواء هما اختاراه أو الرسول اختاره لهما فالنتيجة واحدة وهي أن مسألة الحرير لا تدخل دائرة التحريم.. يروي أنه شوهد رجلا ببخاري علي بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء. فقال: كسانيها سول الله (ص) [369] . ويروي: عشرون نفسا من أصحاب سول الله (ص) أو أكثر لبسوا الخز منهم أنس بن مالك والبراء بن عازب [370] . ويروي أن رسول الله (ص) أرسل حلة استبرق إلي عمر فأرسلها إلي أخيه بمكة وأرسل معها بجبة ديباج وقال له تبيعها وتصيب بها حاجتك [371] . ويروي أن جبة رسول الله (ص) كانت مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج [372] . ويروي عن الرسول أنه نهي عن لبس القسي وعن لبس المعصفر وعن تختم الذهب وعن القراءة في الركوع. قال الراوي: ولا أقول أنهاكم [373] . وهذه الروايات إنما تصطدم بروايات النهي وتشير إلي تخبط الرواة في النقل وإن كان الفقهاء قد أولوها كعادتهم بما يفيد وجهتهم وهي التحريم فإن قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة التي يتبنوها تقول بأن من الأولي أن يحمل الأمر علي الإباحة لا التحريم ما دام ليس هناك نص قطعي بالتحريم.. [ صفحه 158] يقول الفقهاء: تحريم الحرير والديباج وذلك للنهي المذكور وهو نهي تحريم عند الكثير من المتقدمين وهو قول الأئمة الأربعة. وقال الشافعي إن النهي فيه كراهة تنزيه في قوله القديم. وقال القسطلاني: نهي النبي لبس الحرير نهي تحريم علي الرجال وعلة التحريم أما الفخر والخيلاء أو كونه ثوب رفاهية وزينة يليق بالنساء لا الرجال أو التشبه بالمشركين. وقد حكي القاضي عياض أن الاجماع انعقد بعد ابن الزبير وموافقيه علي تحريم الحرير علي الرجال [374] . وكان ابن ابن الزبير قد قال بمنع النساء من لبس الحرير علي أساس ظاهر رواية النهي. وأن الخطاب موجه للذكر والأنثي.. يروي أن ابن زبير خطب يقول: ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة [375] . وهذه الرواية التي تدل علي سطحية ابن الزبير إنما هي تعيد نفس موقفه من رواية إباحة المتعة التي واجهه بها ابن عباس. ففيها دلالة علي أنه لم يكن من أهل الفقه والدراية.. ولعل ابن الزبير استصعب أن الرجل يحرم من الحرير في الدنيا بينما تتمتع به المرأة في الدنيا والآخرة فأصدر فتواه هذا من باب المساواة في التكاليف بين الذكر والأنثي.. أو أن ابن الزبير تصور أن إباحة الحرير للمرأة في الدنيا سوف يؤدي إلي حرمانها منه في الآخرة.. إلا أن ما نخرج به من رواية ابن الزبير هذه أن الرواة يتخبطون في أمر التحريم ونتج عن هذا التخبط تخبط الفقهاء في تأويلاتهم لهذه الروايات وهو ما يبدو بوضوح في خلافاتهم حول قضية التحريم [376] . [ صفحه 159] وأهم ما تدل عليه رواية ابن الزبير هو أن الحرير كان مشاعا بين الناس في زمانه مما دفع به إلي منعه بالسلطان وهو نفس موقفه من زواج المتعة.. أما عن الذهب فيروي: نهي النبي (ص) عن خاتم الذهب [377] . ويروي أن رسول الله رأي خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرح وقال " يعمد أحدكم إلي جمرة من نار فيجعلها في يده " [378] . وينقل عن الفقهاء قولهم: أجمع العلماء شرقا وغربا علي تحريم اتخاذ الخاتم من الذهب للرجال دون النساء وأما اتخاذه من الفضة فمباح لهم وروي في سنن النسائي والترمذي أن النبي (ص) قال: " أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم علي ذكورها " [379] . وما ينطبق علي الحرير ينطبق علي الذهب من كونه لا يطابق القرآن ولم ينص علي تحريمه. هذا من جهة. أما من جهة مناقشة الروايات فسوف يتبين لنا أن هذه الروايات حالها كحال سابقتها من الروايات المتناقضة التي تنهي تارة وتبيح تارة أخري.. يروي أن رسول الله (ص) اصطنع خاتما من ذهب وكان يلبسه فيجعل فصه في باطن كفه. فصنع الناس. ثم إنه جلس علي المنبر فنزعه. فقال: " إني كنت ألبس هذا الخاتم واجعل فصه من داخل ". فرمي به ثم قال: " والله لا ألبسه أبدا ". فنبذ الناس خواتيمهم [380] . ويروي أنه رأي في يد رسول الله (ص) خاتما من ورق - فضة - يوما واحدا. ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها. فطرح رسول الله خاتمه. فطرح الناس خواتيمهم [381] . [ صفحه 160] ويروي: كتب النبي كتابا أو أراد أن يكتب. فقيل له: إنهم لا يقرأون كتابا إلا مختوما. فاتخذ خاتما من فضة نقشه (محمد رسول الله) [382] . ويروي) اتخذ رسول الله خاتما من ورق وكان في يده ثم كان بعده في يد أبي بكر. ثم كان بعد في يد عمر. ثم كان بعد في يد عثمان حتي وقع بعد في بئر أريس نقشه (محمد رسول الله) [383] . وفي رواية: ولم يختلف الناس علي عثمان حتي سقط الخاتم من يده [384] . ويبدو من خلال الرواية الأولي أن الرسول كان يلبس الذهب ثم قرر فجأة نبذه. فهل كان لا يعلم بتحريمه..؟ وإذا كان يعلم فلماذا لبسه؟ إن هذه الرواية تدل بوضوح علي عدم حرمة لبس الذهب وأن نبذ الرسول له لم يكن من باب الترحيم وإنما كان من باب الكراهة. ويدل علي ذلك قسمه بألا يلبسه أبدا. وهو قسم خاص به وحده. أي أن القرار الذي اتخذه الرسول بشأن لبس الذهب كان قرارا خاصا به كنبي وليس خاصا بأمته.. ولو أخذنا هذه الرواية كدليل علي التحريم لوجوب علينا أن نحرم الفضة أيضا إذ أن الرواية الثانية تحكي نفس القصة ولكن مع خاتم من فضة (الورق).. والمعروف أن الرسول قد أباح لبس الفضة وهو ما عليه إجماع الرواة والفقهاء كما ذكرنا. إذن طرح الرسول خاتمه سواء ذهبا أو فضة مسألة لا صلة لها بالتحريم وإنما لها صلة بظرف ما واجهه الرسول واتخذ في مواجهته هذا القرار.. وما يدل علي ذلك هو أن الروايات تشير إلي أن الرسول عاد إلي لبس خاتم الفضة وكان معه حتي توفي وورثه منه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان.. وقد يكون الرسول نبذ خاتم الذهب والفضة سويا وقام صناع الرواية باختراع [ صفحه 161] رواية اتخاذ الرسول خاتم الفضة ليراسل به الحكام والملوك من أجل أن يضفوا المشروعية علي حكم الخلفاء الثلاثة - أبو بكر عمر عثمان - بوارثتهم خاتم الرسول. ولعل ما يشير إلي ذلك هو تلك الجملة التي أضافها الراوي عن عثمان والتي تريد تبرير انحرافاته وتجاوزاته وإضفاء الشرعية علي مواقفه بمحاولة إيهام المسلمين أن ما حدث له كان بسبب فقده خاتم الرسول.. إلا أن حقائق التاريخ تؤكد لنا أن ما حدث في زمن عثمان كان ثورة كاملة المقومات في وجه طاغية تجاوزت انحرافاته حدود الدين والعدل. كما تؤكد لنا أيضا أن فكرة الترتيب الرباعي. أي جعل أبو بكر في مقدمة الخلفاء يليه عمر ويليه عثمان ثم علي. فكرة مختلقة ومن صنع السياسة وليس لها أي سند من الروايات التي يتعبد بها القوم [385] . يقول الفقهاء: قوله إن رسول الله اصطنع خاتما من ذهب لا شك أن ذلك قبل أن يعلم (ص) حرمته ثم لما علم أن لبسه حرام نزعه ونبذه وحلف أن لا يلبسه أبدا. وقال الزرقاني: طرحه لتحريم لبس الذهب حينئذ علي الرجال أو لكراهة مشاركتهم له أو لما رأي من زهوهم بلبسه وجعل فصه في باطن كفه لأنه أبعد من الاعجاب والزهو [386] . وهذا القول ليس إلا محاولة للي عنق النص وانتزاع الحرمة منه ولو كان ذلك علي حساب الرسول. فالفقهاء بقولهم هذا قد طعنوا في الرسول واتهموه بالجهل وعدم معرفة الحلال والحرام. وحسب قولهم هذا يكون الرسول قد شرب الخمر وأكل الربا وفعل سائر المحرمات قبل أن يعلم حرمتها.. ومثل هذا القول إنما هو ناتج من رؤيتهم لشخص الرسول (ص) كما صورت الروايات تلك الرؤية المنقوصة التي تصور الرسول بالانفصام. فمن ثم يمكن حمل مثل هذه السلوكيات - ممارسته الحرام قبل علمه به - علي الجانب البشري من شخصيته أي الجانب غير المعصوم.. [ صفحه 162] وكلا الزرقاني يشير إلي كونه يتردد في الحكم بالتحريم. فهو يتأرجح بين الحكم بالحرمة والحكم بالكراهة ثم هو في النهاية حمل الرسول مسؤولية الحكم بالحرمة نتيجة لرؤيته زهو الناس وافتخارهم بلبسه.. ثم أين هذا كله من قوله تعالي: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات للرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) [387] . وهذه الآية المكية تدحض قول الفقهاء وادعاءاتهم أن الرسول لم يكن يعلم بحكم حرمة الذهب. بل ما تؤكده الآية هو الإباحة ومن زمان مكة والرسول كان يتحرك وفق دائرة الإباحة. فمن ثم يمكن الحكم علي ضوء هذا النص القرآني أن مثل هذه الروايات قد دست علي الرسول أو حرفت بما يفيد التحريم.. إن تحكيم القرآن علي دوام سوف يؤدي إلي فضح الرواة وإراحة العقول من متاهات الفقهاء.. ولقد تجاوز الرواة الحدود في نسبة التحريم للرسول حتي في السلوكيات والعادات الأعراف التي يكون نسبة التحريم إليها مصادما للفطرة والعقل فهم قد نسبوا إلي الرسول تحريم إطالة الثوب والتزعفر.. ونسبوا إليه تحريم حلق اللحية.. ونسبوا إليه تحريم الأضرحة وزيارتها.. ونسبوا إليه تحرم الصورة والتماثيل.. ونسبوا إليه تحريم الموسيقي والغناء.. ثم بارك الفقهاء هذا التحريم وجعلوا له أبوابا في كتبهم والزموا الأمة به.. يروي أن الرسول (ص) قال: " لا ينظر الله إلي من جر ثوبه خيلاء " [388] . [ صفحه 163] ويروي: بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته. إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلي يوم القيامة [389] . ويروي ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار [390] . ويروي: نهي رسول الله (ص) أن يتزعفر الرجل [391] . قال الفقهاء: الخيلاء بالمد والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعني واحد وهو حرام. ومعني لا ينظر أي لا يرحمه ولا ينظر إليه نظر رحمة. وقوله (ص) خيلاء إشارة إلي علة التحريم فيستفاد منه إن لم يكن الاسبال - أي إطالة الثوب - من الخيلاء لم يكن حراما لكنه مكروه لوجوه منها السرف ومنها عدم الأمن من التنجس. وقال النووي: أجمع العلماء علي جواز الاسبال للنساء وقد صح عن النبي الإذن لهن [392] . ويبدو من هذه الروايات أن الوعيد الذي تبشر به فوق الحالة المجرمة بكثير فإطالة الثوب ليس جريمة يستحق فاعلها هذا التهديد. وإذا كانت هذه المسألة بهذه الخطورة فلم لم تذكر في القرآن.. وإذا كان الفقهاء قد ربطوا الوعيد المذكور في الروايات بالمتعمد المستحل. فإن هذا يعني أن هناك استثناء. والتحريم لا يكون فيه استثناء. فدل ذلك علي أن الأمر لا صلة له بالتحريم. ومسألة المستحل هي مرهونة بالنوايا. وكيف لنا أن نعرف أن ذاك الذي يرتدي ثوبا طويلا يرتديه من باب الكبر والخيلاء..؟ وفيما يتعلق بالنهي عن التزعفر قال الفقهاء: الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أباحوا التزعفر وهو مذهب الأحناف والشافعية والمالكية. وقد روي أن ابن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران وفي شرحه للزرقاني عملا بما رواه ابن عمر قال: كان النبي (ص) يصبغ بالورس والزعفران [ صفحه 164] ثيابه حتي عمامته. ولا يعارضه حديث الصحيحين نهي النبي أن يتزعفر الرجل وفي أن النهي للونه أو لرائحة تردد لأنه للكراهة وفعله البيان الجواز والنهي محمول علي تزعفر الجسد لا الثوب أو علي المحرم يحج أو عمرة لأنه من الطيب وقد نهي المحرم عنه [393] . ويظهر من هذا الكلام أن الفقهاء وقع في حرج بين روايات النهي عن التزعفر وبين روايات إباحته. وإن كان الجمهور قد مال إلي الإباحة فإن هذا يعني بطلان رواية البخاري ومسلم. وهذا موقف غير معتاد من الفقهاء. فهم عادة ما ينكرون الروايات خارج دائرة ما يسمونهما بالصحيحين ويميلون إلي ترجيح روايتهما علي كتب السنن الأخري مثل أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم. من هنا فإن هذا الموقف من متقدمي الفقهاء قد أوقع متأخريهم في حرج فأرادوا أن يوفقوا بين رواية الإباحة ورواية النهي بأن قالوا ليس هناك تعارض بين رواية البخاري ومسلم التي تقوم بالنهي وبين رواية الإباحة التي رواها ابن عمر. وعملوا علي تحميل النهي علي لون الزعفران أو رائحته وكون المقصود بالنهي تزعفر الجسد. لا ثوب وأنه خاص بالمحرم كوسيلة للخروج من هذا التناقض.. إلا أن ما يعنينا من هذا كله أن الرواة صوروا الرسول بمظهر المتناقض وجاء الفقهاء فزادوا الطين بلة وإن كانوا مالوا إلي الإباحة لكونها الأصل فهم لم يجيبونا ما هو الموقف من رواية البخاري ومسلم التي تقول بالنهي..؟ مثل هذا الموقف يفتح باب الشك في روايات ما يسمونه بصحيح البخاري وصحيح مسلم. ومن جهة أخري يفتح باب الشك فيما يسمي بالإجماع الذي هو السند الوحيد في الحكم بصحة هذين الكتابين.. وحول اللحية يروي أن الرسول (ص) قال: " أنهكوا الشوارب واعفوا اللحي " [394] . [ صفحه 165] وروي: " خالفوا المشركين وفروا اللحي واحفوا الشوارب " [395] . ومن هذين النصين وغيرهما قال الفقهاء بوجوب إطلاق اللحية وتحريم حلقها واختلفوا في مقدارها وطولها. وأخذ البعض بمقياس ابن عمر وهو حد القبضة باليد أي أن طول اللحية لا يجب أن يتجاوز قبضة اليد حسب مذهب ابن عمر. واختلفوا في شعر الوجه هل هو من اللحية أم لا؟ فأدخل بعضهم شعر الوجه في دائرة اللحية. وقال آخرون بعدم شمول اللحية له. إلا أن ما يستوقفنا هنا هو: كيف استنبط الفقهاء من روايات اللحية حكم تحريم حلقها؟ والجواب أن الفقهاء اعتبروا قول الرسول: وفروا اللحي. واعفوا اللحي أمر والأمر واجب امتثاله ومخالفته تعني الوقوع في الحرمة. وبالتالي دخلت اللحية دائرة التشريع وحمل الرسول أمر تبليغ حكمها للأمة.. وإذا كان الرسول قد بلغ الأمة أمر اللحية عن طريق الوحي فأين هي الإشارات القرآنية التي تدعم هذا الأمر. وما دامت لا توجد نصوص قرآنية تدعم أمر اللحية فإن هذا يعني أن أمرها من اختلاق الرسول وإضافاته. وإذا كان الفقهاء قد باركوا هذا الأمر فإن هذا يعني أيضا أنهم قد أدخلوا الرسول دائرة التشريع. فإن أقروا بغير ذلك. فمعني هذا أن مسألة اللحية لا صلة لها بحدود الشرع وهي لا تخرج عن كونها عادة وليست عبادة.. إن عادة إطلاق اللحي كانت شائعة في الجاهلية عند العرب وكل ما فعله الرسول هو أنه أقر هذه العادة. إلا أن الرواة اخترعوا لها الروايات لشغل الأمة بالشكليات وإبعادها عن الاهتمام بجوهر الدين حتي يفسحوا الطريق أمام الحكام ثم جاء الفقهاء فاشتقوا لها الأحكام وضخموها لأن مثل تلك الأمور كانت شغلهم الشاغل في ظل واقع عزل فيه الإسلام عن دوره وجوهره.. وفيما يتعلق بالأضرحة وزيارتها يروي أن رسول الله (ص) قال: " لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " [396] . [ صفحه 166] وفي رواية: " لولا ذاك لأبرز قبره " [397] . وفي رواية: " فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن هذا " [398] . ويروي عن النصاري قوله: " أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا علي قبره مسجدا. فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " [399] . ويروي عن علي قوله: أمرني رسول الله (ص) ألا أدع وثنا إلا كسرته ولا قبرا مشرفا إلا سويته [400] . ويروي عن النبي (ص) قوله: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " [401] . يقول الفقهاء حول صور الكنائس وقبورها: إن تصوير أوائلهم الصور ليتأسوا بها ويتذاكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عند قبورهم ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشياطن أن أسلافهم كانو يعبدون هذه الصور ويعظمونها فحذر النبي (ص) عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلي ذلك [402] . ويبدو من هذه الروايات ومن أقوال الفقهاء أن النهي والوعيد المرتبط ببناء القبور في المساجد يرتبط بعلة عبادة هذه القبور كما حدث في بني إسرائيل وفي قوم عيسي. إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل وقع هذا في تاريخ المسلمين؟ وهل كانت في زمن الرسول (ص) حالات مشابهة لحالة اليهود والنصاري..؟ إن النهي الوارد في هذه الرويات يتركز في اتخاذ القبور مساجد وليس في القبور ذاتها. ومعني مساجد لغة أي مكان للسجود لذات القبور. أما السجود لله [ صفحه 167] سبحانه في القبر أو حوله أو أمامه فليس فيه ضير. هذا علي أساس تسليمنا بصحة هذه الروايات وسلامة مضمونها. فهناك شكوك كثيرة تحيط ببواعثها وأهدافها.. والذين يقدسون الكعبة مثلا ويجعلون من أحجارها شيئا فوق العادة. أو من كسوتها دواء أو بركة أو ما شابه ذلك. ويحلمون لو اقتطعوا قطعة من الحجر الأسود أو من أحجارها أو من كسوتها ليتداووا أو يتبركوا بها إذا ما اعتبرنا هذا خلالا في الاعتقاد أو اعوجاجا في الفكر. فهل العيب في الكعبة أم في سلوك المسلمين. كذلك إذا بدرت بعض السلوكيات من المسلمين حول قبور الأولياء والصالحين اعتبرت شركا في منظور البعض فهل العيب في هذه القبور أم في المسلمين..؟ يروي أن النبي (ص) مر علي قبر منبوذ فأمهم وصفوا عليه [403] . ويروي أن رجلا أو امرأة سوداء كانت تقيم بمسجد الرسول (ص) ماتت ولم يعلم النبي. فلما علم بوفاتها ودلوه علي قبرها أتي القبر فصلي عليها [404] . وما تشير إليه هاتين الروايتين هو أن القبور يجوز الصلاة فيها وعليها وهو ما يناقض الروايات السابقة والتي استنبط منها الفقهاء أحكاما بعدم جواز الصلاة في القبور أو في المساجد التي بها قبور.. قال الفقهاء: لما وسع مسجد الرسول (ص) جعلت الحجرة الشريفة - أي الحجرة التي تضم قبر النبي - مثلثة الشكل محدودة حتي لا يتأتي لأحد أن يصلي إلي جهة القبر المقدس مع استقبال القبلة [405] . وإذا صح هذا الكلام فما معني صلاة النبي علي القبر الذي أشارت إليه الروايتان السابقتان..؟ وسوف نعرض هنا لعدد من الشواهد والوقائع التي تثير الشك في مثل هذه الروايات المنسوبة للرسول حول الأضرحة واتخاذ المساجد علي القبور.. [ صفحه 168] أولا: إن الوقائع التاريخية تؤكد أن اليهود الذين كتبت عليهم الذلة والمسكنة بأمر الله سبحانه عاشوا مشردين في الأرض. فمن ثم ليس من الثابت أنهم أقاموا مساجد أو معابد علي قبور أنبيائهم الذين قتلوا بعضهم وحازوا علي غضب أكثرهم. والمكان الوحيد المعروف تاريخيا الذي اتخذه اليهود موضعا للعبادة هو بيت المقدس. وكان لسليمان (ع) هيكلا - أي بلاط - ولم يكن له معبدا. وقد كان مشهورا في زمن الرسول (ص) قبر إبراهيم في الخليل وقبر موسي إلا أننا لم نسمع أن الرسول أشار إلي هذين القبرين بشئ يدل علي أن اليهود اتخذوهما أوثانا.. ثانيا: أن المسلمين منذ قرون طويلة في جزيرة العرب وخارجها يتخذون من مقام إبراهيم مصلي كما نصت الآية في سورة البقرة. ومقام إبراهيم هو رمز حجري. ثالثا: أن السيدة هاجر وولدها نبي الله إسماعيل (ع) دفنا في الكعبة ويطوف من حولهم ملايين المسلمين كل عام بل ويتمسحون بجدار قبرهما المسمي حجر إسماعيل [406] . رابعا: أن القرآن نص علي بناء المساجد علي القبور حين تم اكتشاف أهل الكهف.. (قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) [الكهف: 21].. خامسا: أن القبور والقباب ظلت مقامة بالبقيع في المدينة وفي سائر أنحاء الجزيرة العربية حتي ظهرت الحركة الوهابية الحنبلية فهدمت هذه القبور والقباب باعتبارها في منظورهم رمزا من رموز الشرك بالله [407] . سادسا: أنه يلاحظ تاريخيا وفرق المسلمين لم يتصدوا لبناء المساجد فوق قبور الأولياء والصالحين ولم يعترضوا سبيلها باستثناء فرقة الحنابلة التي تسمت فيما بعد بأهل السنة. تلك الفرقة التي فرخت ابن تيمية والذي دخل في صدام مع فقهاء عصره بسبب القبور وانتهي الأمر بحبسه حتي مات في الحبس.. وقامت الحركة الوهابية في العصر الحديث بإحياء أفكاره المتشددة بشأن [ صفحه 169] القبور وفرضتها علي المسلمين في جزيرة العرب بقوة السيف وفي خارج الجزيرة بتأثير النفط [408] . سابعا: أنهم يروون عن الرسول (ص) قوله: " لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصي ". وذلك حتي يقطعون الطريق علي المسلمين الذين يزورون مقامات الأولياء والصالحين في البلاد المختلفة والثابت أن الرسول (ص) شد الرحال من المدينة وزار قبر أمه وبكي عند قبرها. ولم يأمر بهدم هذا القبر [409] . ويبدو من رواية النهي عن شد الرحال أنها تنهي عن السفر مطلقا إلا لهذه المساجد الثلاثة. ومثل هذا الاستنتاج يثير الشك في الرواية.. وحول الصور والتماثيل وردت العديد من الروايات التي يشيب لها الولدان.. يروي أن الرسول (ص) قال: " إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون " [410] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة. يقال لهم أحيوا ما خلقتم " [411] . ويروي قول الرسول (ص): " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل " [412] . يقول الفقهاء: قوله أشد الناس عذابا هذا محمول علي من فعل الصورة لتعبد أو علي من قصد به مضاهاة خلق الله واعتقد ذلك فهو كافر يزيد عذابه بزيادة [ صفحه 170] قبح كفره ومن لم يقصد ذلك فهو صاحب كبيرة. لكن الأولي أن يحمل علي التهديد لأن قوله (ص) عند الله تلويح إلي أنه يستحق أن يكون كذا لكنه محل العفو.. قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الروايات وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالي. وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقا علي حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام. ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له. هذا تلخيص مذهبنا في المسألة. وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبو حنيفة وغيرهم [413] . والذي يظهر من هذه الروايات وتأويلات الفقهاء لها أن المسألة تنحصر في دائرة محددة وهي أن المصورين يضاهون خلق الله ولأجل ذلك اشتد النكير عليهم والوعيد بهم. ولكن مثل هذا الكلام هل يقبل عقلا.؟ هل هذا الرسام الذي يصمم صورة طائر أو حيوان أو إنسان علي قطعة قماش أو وسادة أو لباس يعتبر متحديا لله وتدخل في أخص خصائصه وهي الخلق..؟ وبالطبع مثل هذا التصور فيه سذاجة بالغة واستخفاف كبير بالعقل وبالرسول الذي يروي مثل هذه الروايات..؟ إن العقل يقول إن الرسول (ص) لا يمكن أن يروي مثل هذه الروايات وأن هذه السذاجة والسطحية هي من صنع الرواة. وإذا ما سلمنا أن هذا هو حال التصوير في زمن الرسول (ص) وأن هناك صلة وثيقة بينه وبين العبادات الشركية السائدة آنذاك. فهل هذا هو حال التصوير والصور اليوم..؟ [ صفحه 171] إن الصور اليوم أصبحت ركيزة أساسية في المدينة المعاصرة. فهي دخلت في صناعة (السينما) وأدوات كشف الجريمة ونشرات الأخبار ووسائل الاتصال المختلفة ونشر العلوم.. الخ. والاستغناء عن ذلك كله فيه مفسدة عظيمة ليس فقط للناس وللمدينة ولكن للإسلام ذاته الذي سوف يعجز عن مواكبة العصر وينزوي في ركن مظلم من أركانه.. وإذا كان فقهاء الماضي قد وقفوا هذا الموقف المتشدد من الصور وحرموها تحريما مطلقا وهي صور جامدة فكيف الحال بها اليوم وقد تحركت ونطقت وصنعت الأعاجيب أليس ذلك هو الأولي بالتحريم لأن الصور بهذه الحالة تكون قد اقتربت أكثر من عملية الخلق ومضاهاة صنع الله..؟ وبالطبع لو قدر لفقهاء ذلك الزمان أن يروي ما وصل إليه حال الصور اليوم لرفعوا راية التكفير وأعلنوا الجهاد ضد المصورين.. إلا أننا أمام مثل هذه الروايات مخيرون بين ثلاثة خيارات: إما أن نرفضها كلية لعدم موافقتها للقرآن والعقل.. وإما أن نقرها وبالتالي يتهم الإسلام بالتخلف والرجعية.. وإما أن نحملها علي مدلول آخر غير ما توحي به ظاهرها.. والخيار الثاني اختارته التيارات الإسلامية المتشددة ورأسها التيار الوهابي الحنبلي.. والخيار الثالث تبناه الفقهاء العصر فأباحوا الصور الفوتوغرافية واختلفوا في الصور اليدوية (الرسم) فبعضهم أباحها وبعضهم حرمها في كل ذي روح أي رسم الحيوانات والطيور والإنسان وخلافه. كما اختلفوا أيضا في التماثيل بين الحظر والإباحة.. ونحن نختار الخيار الأول باعتبار أن هذه الروايات لا تخرج عن كونها رد فعل لظروف زمنية وواقع لا صلة لنا به.. [ صفحه 172] وفيما يتعلق بالغناء والموسيقي يروون أن الرسول (ص) قال: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف " [414] . ويفسرون قوله تعالي (ومن الناس من يشتري لهو الحديث..) علي لسان بعض الصحابة مثل ابن مسعود وابن عمر أن لهو الحديث هو الغناء [415] . ويقول الفقهاء إن مذهب مالك ينهي عن الغناء ويعتبره من فعل الفساق. وينقل عن مالك قوله: إذا اشتريت جارية ووجدتها مغنية كان لك ردها بالعيب. وكان أبو حنيفة يكره الغناء مع إباحته للنبيذ ويجعل سماع الغناء من الذنوب وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة والمدينة. وقال الشافعي: الغناء مكروه يشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.. وبذلك أفتي أحمد بن حنبل [416] . ونقل القرطبي عن بعضهم قوله: لا تقبل شهادة المغني والرقاص. قلت - أي القرطبي -: وإذ ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز [417] . وينقل عنهم اتفاق أهل العلم علي المنع من إجارة الغناء والنوح وإبطال المغنية والنائحة كره الشعبي والنخعي ومالك [418] . وينقل عنهم عدم جواز قطع يد السارق لآلات اللهو لكونه متفق علي تحريم اتخاذها [419] . وقد حشدت كتب السنن الكثير من الروايات المنسوبة للرسول (ص) والتي تنهي عن الغناء. إلا أن هذه الروايات جميعها لا ترقي إلي مستوي الصحة بشهادة فقهاء الحديث أو حسب قول واحد من المعاصرين: وأما ما ورد فيه - أي في [ صفحه 173] الغناء والموسيقي من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث عن طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه [420] . إلا أنه رغم هذه الروايات وهذا الموقف المتشدد تجاه الغناء والموسيقي من قبل أصحاب المذاهب الأربعة. فإن هناك من الفقهاء من شذ عن هذا الموقف وأفتي بإباحة الغناء والموسيقي وعلي رأس هؤلاء الغزالي وابن حزم.. ويعود هذا الموقف من قبل الغزالي وابن حزم وغيرهما إلي وجود عدد من الروايات التي تشير إلي إباحة الغناء والموسيقي.. ومن هذه الروايات رواية عائشة: أن أبا بكر دخل عليها والنبي عندها يوم فطر أو يوم أضحي - أي في عيد الفطر أو عيد أضحي - وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت به الأنصار يوم بعاث. فقال أبو بكر: مزمار الشيطان؟ مرتين. فقال النبي (ص): " دعهما يا أبا بكر. إن لكل قوم عيدا وإن عيدنا هذا اليوم " [421] . ويروي عن عائشة أيضا قالت: رأيت النبي (ص) يسترني بردائه وأنا أنظر إلي الحبشة وهم يلعبون في المسجد. فزجرهم عمر. فقال النبي: " دعهم ". آمنا بني أرفدة. وأنا جارية. فاقدروا قدر جارية الحديثة السن. حريصة علي اللهو [422] . ويروي: جاء النبي (ص) فدخل حين بني علي - أي حين تزوجت الراوية - فجلس علي فراش فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويضربن من قتل آبائي يوم بدر. إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال (ص): " دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين " [423] . [ صفحه 174] ويروي عن عائشة قالت: إنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار. فقال النبي (ص) " يا عائشة ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو " [424] . ويروي أن عائشة أنكحت ذات قرابة لها من الأنصار. فجاء الرسول (ص) فقال: " أهديتم الفتاة "؟ قالوا: نعم. قال: " أرسلتم معهما من يغني "؟ قالت: لا. فقال الرسول: " إن الأنصار قوم فيهم غزل فلو بعثتم معهما من يقول: أتيناكم. أتيناكم. فحيانا وحياكم " [425] . وهذه الروايات تقودنا إلي ما أشرنا إليه سابقا من مسألة التناقض في الروايات المنسوبة للرسول. وأن هذا التناقض يقود إلي الشك فيها ويضع المسلم في موقف الحيرة كما هو حال الفقهاء الذين تضاربت اجتهاداتهم نتيجة لتضارب هذه الرويات. وإن كان أكثر الفقهاء قد أقاموا بإزالة هذا التناقض عن طريق التأويل والتبرير وادعاء النسخ وغير ذلك.. وكان فقهاء التحريم بموقفهم هذا يريدون تحريم الغناء لذاته وهذا موقف ضد الفطرة والعقل. إذ أن الغناء أمر مواكب لمسيرة الإنسان في كل زمان ومكان كل يغني بطريقته وبما يلائم عصره وظروفه ومتطلباته.. وقد كان الغناء عادة موجودة عند العرب وعندما جاء الإسلام أقرها وقام بتهذيبها وفق معطيات جديدة. ويروي أن الصحابة كانوا يتغنون بالقرآن [426] . وكان الغناء منتشرا في المدينة بين الرجال والنساء في عهد الرسول.. وإذا كانت هناك بعض المنكرات التي ارتبطت بالغناء والموسيقي في عصر ما بعد الرسول (ص) فإن هذا لا يدعو إلي تحريم الغناء وإنما يدعو إلي تصفية هذه المنكرات وإعادة الصورة النقية الخالية من الشوائب له.. [ صفحه 175] ويبدو من هذا الموقف المتشدد الذي يحاول الفقهاء والمحدثون نسبته إلي الرسول. أنه نابع من رد فعل لواقع وسلوكيات محددة ارتبطت بالعصر الأموي والعباسي وليس نابعا من نص صريح محدد من القرآن. إذ أن محاولتهم تفسير قوله تعالي (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله..) علي أن المقصود به هو الغناء. محاولة استنتاجية وليست قطعية يشوبها قصر نظر فالنص يتحدث عن الناس وليس عن المؤمنين. ولفظ الناس يرتبط دائما بالنصوص المكية مثلما يرتبط لفظ (المؤمنون) بالنصوص المدنية. والفترة المكية فترة صراع عقائدي وليست فترة تشريع مما يمكن علي ضوئه الحكم - باعتبار أن النص مكي والسورة مكية - أن هذا النص لا صلة له بالغناء بدليل ربطه اللهو بالضلال عن سبيل الله وهذه إشارة إلي المفاصلة بين سبيل الله وسبيل الطاغوت والكفر والضلال. وكون اللهو المقصود به هنا هو شئ آخر يرتبط بالكفر والضلال عن سبيل الله والغناء بإجماع الفقهاء ليس هكذا إن صح تجريمه فهو صورة من صور الفسق التي لا تخرج عن دائرة الإيمان.. من هنا يمكن القول إن تحريم الغناء ليس إلا صورة من صور عبادة الرجال لكونه تحريم منسوب للرجال وليس للنصوص.. وهناك بالإضافة إلي ما ذكرنا عدة صور أخري من المحرمات المنسوبة للرسول بعضها يشم منه رائحة السياسة. وبعضها يتعلق بعادات وسلوكيات سائدة. والبعض الآخر منها يتعلق بظروف الواقع.. أما لتحريم الذي يتعلق بالسياسة فهو تحريم سب الصحابة.. يروي عن الرسول (ص) قوله: " لا تسبوا أصحابي. فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " [427] . قال الفقهاء: اختلف في ساب الصحابي. قال القاضي عياض: ذهب الجمهور إلي أنه يعزر وعن بعض المالكية يقتل. وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين - أبو بكر وعمر - [ صفحه 176] وكذا من كفر من صرح النبي (ص) بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله [428] . وقال النووي: إعلم أن سب الصحابة حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب - أي الحروب التي وقعت بين الصحابة - متأولون. قال القاضي وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل [429] . وقبل أن نعلق علي هذا الكلام لا بد لنا من أن نعرف من هو الصحابي..؟ يقول ابن حجر: وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي (ص) مؤمنا به ومات علي الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روي عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يرو لعارضه كالعمي. ويدخل في قولنا مؤمنا به كل مكلف من الجن والإنس [430] . وقال ابن حزم: إن الله قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي (ص) فهم صحابة فضلاء [431] . وقال أحمد بن حنبل: أصحاب رسول الله (ص) كل من صحبه شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه [432] . وقال البخاري: من صحب رسول الله (ص) أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه [433] . وقال الواقدي: أهل العلم يقولون كل من رأي رسول الله (ص) وقد أدرك [ صفحه 177] الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب رسول الله ولو ساعة من نهار. ولكن أصحابه علي طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام [434] . ويبدو من هذا التعريف العائم للصحابي أنه يخالف القرآن والعقل والعرف فقد حشد القرآن الكثير من النصوص التي تتحدث عن المنافقين والفاسقين وأصحاب الإفك والصحاب المسجد الضرار والأعراب وغيرهم. وجميع هؤلاء الذين ذمهم القرآن وحذر منهم يدخلون في عداد الصحابة من منظور الفقهاء [435] . أما العقل والعرف فيصطدمان بهذا التعريف المائع للصحابي. فالصحبة لا تأخذ حكمها بمجرد الاحتكاك بين فرد وفرد لمدة دقائق.. وكذلك اللغة لا تقبل هذا التعريف دون أن تتحقق طول الملازمة.. قال القاضي أبو بكر: قد تقرر للأمة عرف أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته لا علي من لقيه ساعة أو مشي معه خطا أو سمع منه حديثا فوجب لذلك أن لا يجري هذا الاسم إلا علي من هذه حاله. ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه - أي عن الرسول - مقبول ومعمول به. وإن لم تطل صحبته ولا سمع منه إلا حديثا واحدا. ولو رد قوله إنه صحابي لرد خبره عن رسول الله [436] . وقال الغزالي: لا يطلق اسم الصحبة إلا علي من صحبه ثم يكفي في الاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة. ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته [437] . ويقول ابن الأثير: أصحاب رسول الله (ص) علي ما شرطوه كثيرون. فإن رسول الله شهد حنينا ومعه اثنا عشر ألفا سوي الأتباع والنساء. وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوا حريمهم وأولادهم. وترك مكة مملوءة ناسا. وكذلك المدينة أيضا. وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين. فهؤلاء كلهم لهم [ صفحه 178] صحبة. وقد شهدت معه تبول من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان وكذلك حجة الوداع. وكلهم له صحبة ولم يذكروا إلا هذا القدر. مع أن كثيرا منهم ليست له صحبة [438] . ويقول سعيد بن المسيب: الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله (ص) سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين [439] . ونخرج من هذا كله أن هذا التعريف المائع للصحابي سوف يؤدي إلي دخول من هب ودب في مفهوم الصحبة وبالتالي يحق له الرواية عن الرسول بعد حصوله علي درجة العدالة التي وضع الفقهاء الصحابة فيها.. وإذا كان هناك من الفقهاء من رفض هذا التعريف إلا أنه استسلم للأمر الواقع وبارك موقف الآخرين وجاراه. وهو ما يبدو من كلام القاضي أبو بكر والغزالي وابن المسيب.. فهؤلاء علي الرغم من موقفهم قبلوا الكثير من الروايات التي جاءت عن طريق من اقحموا في دائرة الصحبة.. وليست الخطورة في هذا التعريف تكمن في منح هؤلاء الصحبة وصفة العدالة. وإنما الخطورة تمكن في توجهاتهم وولاءاتهم. وفي كم الروايات التي نسبوها للرسول (ص).. وكما ذكرنا فإن معاوية هو أول من وضع هذه القاعدة وجاء بركش الناس والأعراب والمنافقين وضمهم إلي صفوفه ومنحهم سلطة الرواية باسم الرسول تحت شعا الصحبة.. وجاء التابعون ومن بعدهم فباركوا هذا الخط وتلقوا هذا الكم من الروايات بتأثير السلطة وعلي أساس أنها جاءت عن طريق موثوق به وهو طريق الصحابة.. ومن هنا فإن التصدي لمثل هذا الأمر يعني التصدي للنهج الأموي ومن يعده النهج العباسي. وحتي لا تكون المواجهة مباشرة بين المسلمين وهؤلاء الحكام [ صفحه 179] فقد جعلوا الصحابة حائلا بينهم.. وأصبح التصدي للروايات يعني التصدي للصحابة والعكس بالعكس.. وهو أمر يشكل خطورة كبيرة علي هؤلاء الذين يحتمون بهؤلاء الصحابة ورواياتهم.. وهذا هو السبب المباشر لاختراع فكرة النهي عن سب الصحابي ونسبة النهي للرسول.. إن باب النقد والتقويم لو قدر له أن يفتح علي الصحابة لأدي هذا إلي انهيار كثير من الرموز المقدسة في أعين المسلمين. ومع انهيارهم تنهار رواياتهم. ومع انهيار رواياتهم تنهار القوي الحاكمة التي تتحصن بهذه الروايات وتفرض سلطانها علي المسلمين بواسطتها.. وإذا ما قدر لنا أن نسلم بصحة هذه الرواية (لا تسبوا أصحابي) فإن مناقشة مضمونها يفيد بعكس المراد وذلك لما يلي: أولا: أن قول الرسول (ص) لا تسبوا أصحابي يعني الخصوص. أي أن له مجموعة خاصة من المؤمنين تطاول عليها البعض الذين لا يدخلون في دائرة الصحبة فنهاهم عن ذلك.. يقول ابن حجر: المراد بقوله (أصحابي) أصحاب مخصوصون وإلا فالخطاب كان للصحابة [440] . وقال آخر: إن الخطاب بذلك لغير الصحابة وإنما المراد من سيوجد من المسلمين. وقد عقب ابن حجر علي هذا القول ورفضه باعتبار أن الخطاب كان بسبب حادثة سب بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف [441] . [ صفحه 180] ثانيا: إن هناك الكثير من حوادث السب التي وقعت بين الصحابة ولم يقل فيها الرسول (ص) هذا الكلام. ومنها حادثة سب أبو بكر لعمر.. روي أن أبا بكر جاء الرسول شاكيا من عمر بقوله: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شئ فأسرعت إليه - أي تتطاولت عليه - ثم ندمت. فسألته أن يغفر لي فأبي علي. فأقبلت إليك [442] . ثالثا: أن معاوية فتح باب سب الإمام علي علي المنابر ولم يعترض عليه أحد من الصحابة والتابعين ولم يواجهوه بأمر النهي المنسوب للرسول.. رابعا: أن الفقهاء عند تناولهم لهذه الرواية يربطونها بالمعارك التي وقعت بين الصحابة. وهم بذلك يقصدون سد باب الطعن والهجوم في العناصر التي شاركت في وقعة الجمل مع عائشة أو التي شاركت في وقعة صفين مع معاوية والهدف من ذلك هو الحفاظ علي صورة عائشة ومعاوية وابن عمر وعمرو بن العاص وأبو هريرة والمغيرة بن شعب وأنس بن مالك وغيرهم ممن ساند معاوية والخط الأموي وأسهم في رواية هذا الكم الهائل من الروايات المنسوبة للرسول.. ومن صور التحريم التي نسبت إلي الرسول (ص) والتي تدور في محيط العادات تحريم كشف المرأة وجهها ويديها.. يروي عن عائشة قولها إن نساء الأنصار لما نزلت سورة النور عمدن إلي حجور أو حجوز فشققنهن فاتخذنه خمرا [443] . ويروي عن أم سلمة قالت: لما نزلت يدنين عليهن من جلابيبهنز خرج نساء الأنصار كان علي رؤوسهن الغربان من الأكسية [444] . ويروي عن عائشة قولها: يرحم الله نساء المهاجرات الأول. لما أنزل الله (وليضربن بخمرهن علي جيوبهن) شققن أكنف مروطهن فاختمرن بها [445] . [ صفحه 181] ويروي عن عائشة أيضا: لا تلثم المرأة ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران [446] . وروي أن فاطمة بنت قيس لما طلقت. أمرها الرسول أن تعتد في بيت ابن عمها ابن أم مكتوم لكونه ضرير البصر وإذا وضعت خمارها لا يراها [447] . وروي أن الرسول (ص) قال: " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " [448] . هذه الروايات التي اعتمد عليها الفقهاء في حرمة وجه المرأة ويديها وأن جسدها بكامله عورة.. وأمام هذه الروايات لنا هذه الملاحظات: أولا: هل النساء قبل نزول آية الحجاب كن متبرجات في المدينة؟ ثانيا: ما هو نوع اللباس الذي كانت ترتديه نسوة المدينة آنذاك؟ ثالثا: هل هذه الروايات تنطق بحرمة كشف وجه المرأة ويديها..؟ يقول الفقهاء إن النساء كن يخرجن في المدينة بالجلباب أو بلا جلباب يري الرجل وجهها ويديها وذلك قبل نزول آية الحجاب.. فلما نزلت آية الحجاب سترت وجهها وكفيها [449] . وحسب هذا القول فإن التبرج الذي كان سائدا في المدينة هو كشف الوجه والكفين فقط.. لنترك الروايات تكشف لنا الحقيقة.. يروي أن أسماء بنت أبي بكر دخلت علي رسول الله (ص) وعليها ثياب [ صفحه 182] رقاق. فأعرض عنها الرسول وقال " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا ". وأشار إلي وجهه وكفيه [450] . ويروي: أن النبي (ص) أردف الفضل بن العباس خلفه يوم النحر. فجاءت امرأة تسأل الرسول. فطفق الفضل ينظر إليها ويطيل الالتفات إليها. فجعل النبي يصرف وجهه إلي الشق الآخر [451] . ويروي: أن الرسول (ص) قال: " لا تتبع النظرة النظرة. فإنما لك الأولي وليست لك الآخرة " [452] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إياكم والجلوس علي الطرقات ". فقالوا: ما لنا بد. إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: " فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها " قالوا: وما حق الطريق؟ قال: " غض البصر. وكف الذي ورد السلام " [453] . ويروي أن الرسول قال: " لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات. والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " [454] . ويروي أن رسول الله (ص) رأي امرأة فأتي امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضي حاجته ثم خرج إلي أصحابه فقال " إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله. فإن ذلك يرد ما في نفسه " [455] . ويروي قول النبي في بيعة النساء: " إني لا أصافح النساء " [456] . [ صفحه 183] ويروي عن عائشة قولها: لا والله ما مست يد رسول الله (ص) يد امرأة قط [457] . ويروي عن عائشة أيضا قولها: إن هند بنت عتبة قالت: بايعني يا رسول الله؟ قال: " لا أبايعك حتي تغيري كفيك. كأنهما كف سبع " [458] . وما يتضح لنا من خلال هذا الكم من الروايات أن المجتمع المدني كان يعايش المرأة سافرة الوجه ظاهرة الكفين وأن هذا هو العرف السائد الذي تعامل معه الرسول.. فإذا تبين لنا هذا فإنه يمكن القول إن آيات الحجاب نزلت لمواجهة حالة أخري ونمط آخر من سلوكيات النساء. ولم تنزل لتحريم الوجه والكفين.. وإذا كانت نسوة المدينة قد بالغن في التستر بعد نزول آيات الحجاب كما أشارت الروايات التي يستند إليها أنصار تحريم كشف الوجه واليدين فتلك مسألة سلوكية تعكس اهتمامهن بأمر الله وتحوطهن في تطبيقه وليس هذا تشريعا للأمة.. وقوله تعالي: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن..) [459] . وهذا النص الصريح الذي ينهي عن غض البصر يدل دلالة صريحة علي أن هناك شئ ظاهر من المرأة يستدعي جذب بصر الرجل نحوها. ألا وهو الوجه والكفين. وهو ما دفع ببعض فقهاء المذاهب الإسلامية إلي القول بأن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة فلا يجب سترهما وحملوا الروايات التي تشير إلي خلاف ذلك علي الندب دون الوجوب مؤكدين أن الوجه والكفين هما المقصودان من قوله تعالي (إلا ما ظهر منها) [460] . [ صفحه 184] أما أصحاب الاتجاه المتشدد الذي يلصق بالرسول التحريم فيتجه إلي أن الزينة المقصودة هنا ليست هي الوجه والكفين وإنما هي زينة المرأة الخارجة عن أصل خلقتها والتي لا يؤدي النظر إليها رؤية شئ من بدنها مثل الثياب أو الحلي. وقد اعترف إمام التشدد والذي تتعبد بأقواله التيارات الإسلامية والإتجاه الوهابي عموما بأن الزينة في هذه الآية تنقسم إلي قسمين: زينة ظاهرة وقد تنازع فيها السلف علي قولين: قال ابن مسعود ومن وافقه هي الثياب.. وقال ابن عباس ومن وافقه هي ما في الوجه والكفين مثل الكحل والخاتم. ثم علق علي هذا الكلام بقوله: وحقيقة الأمر أن الله قد جعل الزينة زينتهن زينة ظاهرة. وزينة غير ظاهرة. وجوز لها - أي المرأة - إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم. وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم [461] . ويبدو من خلال الروايات التي عرضنا لها بخصوص كشف المرأة لوجهها وكفيها أن النساء كن يتجاوزن هذا الكشف ويكشفن المزيد من جسدهن مثل الصدر والرأس والسيقان والذراعين وهذه هي صورة التبرج التي نزلت الآيات بخصوصها.. ويبدو أيضا أن لباس المرأة في تلك الفترة لم يكن مثيرا وشاذا كما هو الحال في صورة اللباس المعاصرة. فقد كانت المرأة ترتدي الجلاب وهو لباس طويل واسع يغطي معظم جسدها. ويطلق علي الجلباب أيضا اسم الملاءة ويسميه البعض الرداء ويطلق عليه العامة اسم الإزار.. يروي أن أم سلمة زوج النبي (ص) قالت له حين ذكر الإزار. فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ترخي شبرا. قالت أم سلمة: إذا ينكشف عنها. قال: فذراعا لا تزيد عليه [462] . [ صفحه 185] ويروي أن رسول الله (ص) أتي بقباطي. فأعطي منها قبطية لأحد أصحابه وقال له: اصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصا وأعط الآخر امرأتك تختمر به. فلما أدبر قال له الرسول: " وأأمر امرأتك أن تجعل تحته ثوبا لا يصفها " [463] . ويروي: لعن رسول الله الرجل يلبس لبس المرأة. والمرأة تلبس لبسة الرجل [464] . ومن الرواية الأولي تتضح لنا الحقائق التالية: - أن أم سلمة تستشير الرسول في أن تطيل ثوبها فيجيبها بأن تطيله شبرا.. - أن أم سلمة استدركت علي الرسول أن الشبر لا يكفي لستر الساقين.. - أن الرسول تراجع عن رأيه وقال بذراعا بدلا من الشبر.. ومن الحقيقة الأولي يتبين لنا أن اللباس الخاص بالمرأة مسألة اختيارية وليست محددة في هيئة خاصة. كما يتبين لنا أن الرسول لا علم له بلباس النساء وما يحقق الستر لهن وما لا يحققه وهو ما يؤكده توجيه أم سلمة له. كما يتبين لنا أيضا بالتأمل أن كشف جزء من الساق كان عادة سائدة من قبل النساء وهو ما يوحي به قولها: إذا ينكشف عنها.. ومن الحقيقة الثانية يتبين لنا أن مسألة ستر الساقين ليست ذات أهمية شرعا ولو كانت كذلك ما قال الرسول: " ترخي شبرا ". ومن الحقيقة الثالثة يتبين لنا أن تراجع الرسول يفيد عدم التشدد في مسألة اللباس ومرونته تجاه هذه المسألة.. وإذا كانت هذه الاستنتاجات لا ترضي القوم وتخالف المألوف فهذا يضعنا بين أمرين: إما أن نرفض الرواية.. وإما أن نقبلها علي ما فيها من مساس بشخص الرسول واتهامه بالجهل والتهاون.. أما الرواية الثانية فتكشف لنا الحقائق التالية: - أن الرسول أهدي واحدا من أصحابه ثوبا شفافا (القباطي).. [ صفحه 186] - أن هذا الثوب يصلح للرجال والنساء.. - أن الرسول أمر الصحابي أن تختمر زوجته بهذا الثوب الشفاف شريطة أن ترتدي تحته ما لا يصف جسدها.. وهذا كله يشير إلي مرونة الرسول (ص) في مسألة اللباس وقبوله مشاركة النساء للرجال في نوع اللباس. كما أنه يشير إلي حقيقة هامة وهي أن مثل هذا الثوب الشفاف كان معروفا في المدينة وترتديه النساء ولعلهن أسرفن في لباسه مما اعتبر صورة من صور التبرج الفاضحة التي استدعت نزول آيات الحجاب وارتداء النسوة الخمر وضربها علي الجيوب (أي الصدور) من ثياب ثقيلة لا تشف ولا تجسم.. والرواية الثالثة تكشف لنا أن هناك حالة من التنازع في الزينة بين المرأة والرجل في محيط اللباس. فكانت النسوة يرتدين السراويل والنعال ويضعن علي رؤوسهن ما يشبه عمائم الرجال.. يروي أن رسول الله (ص) دخل علي أم سلمة وهي تختمر فقال: " ليلة لا ليتين " [465] . أي لا تلف الخمار حول رأسها إلا مرة واحدة لا مرتين كما يفعل الرجال.. ويروي عن عائشة أنها سألت: المرأة تلبس النعل. فقالت: لن رسول الله الرجلة من النساء [466] . ومثل مسألة ارتداء النساء نعال الرجال تكشف لنا أن المرأة كانت تكشف قدميها ومما سبق ذكر يمكن القول إن تلك الروايات التي استند إليها فقهاء التحريم لا تفيد بالضرورة هذا الحكم ولا تقطع به وذلك من وجوه عدة: أولا: أن ما فعلته نساء الأنصار بنفسها بعد نزول آية الحجاب مجرد اجتهاد شخص وليس دليلا علي وجوب ستر الوجه واليدين.. [ صفحه 187] ثانيا: أن نهي الرسول (ص) المرأة أن تتبرقع أو تلبس القفار أثناء الاحرام لا يفيد بالضرورة أن الحكم الشرعي السائد كان ستر الوجه واليدين فإنه يحتمل أن التبرقع ولبس القفاز كان عادة سائدة من قبل بعض النسوة اللاتي يبالغن في الامتثال لأحكام الشرع وكان الرسول (ص) ينهاهن عن ذلك أثناء الاحرام.. ثالثا: أنه لو كان ستر الوجه واليدين حكما شرعيا لبينة الرسول وأشار إليه بما لا يوجب هذا الخلاف الواقع بين الفقهاء حول هذه المسألة.. رابعا: أن التبرقع كان عادة سائدة في الجاهلية من قبل النساء وهي عادة كانت أكثر ما تلتزم بها الحرائر من النساء بينما الإماء ومحترفات الزنا كن متبرجات.. خامسا: إن قصاري ما وصل إليه فقهاء التحريم حول هذه الروايات وحول آية الحجاب لا يخرج كونه مجرد الاستنتاجات واجتهادات وهي بهذا لا تلتزم أحدا إلا أتباعهم.. سادسا: إن ما يقود إليه البحث والتأمل في نصوص الحجاب هو أن ستر الوجه واليدين حكم خاص بنساء النبي (ص) اللاتي أمرن بالاحتجاب عن الناس كلية وعدم الخروج من بيوتهن. ولا مانع من أن تتأسي بهن بقية النسوة لكن هذا يكون من باب الاقتداء لا من باب التطبيق لحكم شرعي خاص بهم.. سابعا: إن رواية فاطمة بنت قيس التي أمرها الرسول (ص) أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم لكونه ضرير البصر غير مقبولة عقلا لكونها نصت علي أنه لا يري منها شيئا إذا وضعت خمارها. هل المقصود منها أنه لا يري وجهها؟ أم لا يري جسدها؟ إن من العجب العجاب أن يستدل الفقهاء بمثل هذه الرواية علي وجوب ستر وجه المرأة ويديها. فالرواية لا تفيد شيئا يتعلق بالأمر. فابن أم مكتوم رجل ضرير لا يري شيئا من الأصل ووجود فاطمة عنده من باب ستر نفسها والحصول علي حرية الحركة في البيت دون حجاب لا الحصول علي حريتها في كشف وجهها ويديها.. [ صفحه 188] وهناك رواية أخري حول هذه الحادثة تعطينا دلالة علي أنها لا تصلح للاستدلال في هذا الأمر. يروي أن الرسول (ص) قال لفاطمة حين طلقت: " اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمي تضعين ثيابك عنده " [467] . وهذه الرواية تكشف لنا أن الاستدلال بها في موضوعنا ليس استدلالا في محله. وهو يدل علي تخبط الرواة وتخبط الفقهاء وتناقضهم وهو ما نحاول إثباته دوما في محيط هذا الكتاب.. ومن بين صور التحريم التي رفع لوائها الفقهاء وهي من باب العادات تحريم لعبة الشطرنج. إلا أننا لن نخوض فيه هنا لأن القوم من فرط تقواهم وورعهم لم ينسبوا تحريمه إلي الرسول (ص) وإنما نسبوه إلي بعض الصحابة والتابعين وهذا فيه الكفاية للدلالة علي عبادة الرجال.. ويروي أن الرسول (ص) نهي عن النذر. وقال: " إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل " [468] . ويروي أن الرسول (ص) قال: " من نذر أن يطع الله فليطعه. ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " [469] . ويروي عنه (ص): " لا نذر في معصية " [470] . ويروي أن الرسول استفتي فقال المستفتي: إن أمي ماتت وعليها نذر. فقال الرسول: " اقضه عنها " [471] . يقول الفقهاء: عادة الناس تعليق النذور ودفع المضار فنهي عنه فإن ذلك فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد أن يتقرب إلي الله تعالي استعجل فيه وأتي به في الحال. وقال ابن عبد الملك: هذا التعليل يدل علي أن النذر المنهي عنه ما يقصد [ صفحه 189] به تحصيل غرض أو دفع مكروه علي ظن أن النذر يرد عن القدر شيئا وليس مطلق النذر منهيا إذ لو كان كذلك لما لزم الوفاء به وقد أجمعوا علي لزومه إذا لم يكن المنذور معصية [472] . ويبدو من كلام الفقهاء أنه محاولة لإزالة التناقض بين الروايات وتقييد النهي الوارد فيها. إلا أن قولهم في النهاية قاد إلي الإباحة وهو ما يؤدي إلي ضرب رواية النهي المطلق وانعدام قيمتها وأهميتها.. ومثل هذا مسألة السفر بالقرآن إلي بلاد الكفار.. يروي أن رسول الله (ص) نهي أن يسافر بالقرآن إلي أرض العدو [473] . يقول الفقهاء: العلة في المنع هو خشية إصابة الكفار له ونيلهم إياه. وقال النووي: فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين - المنتصرين علي العدو فلا كراهة ولا منع منه حينئذ لعدم العلة هذا هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقا [474] . ومثل هذه الرواية وكلام الفقهاء فيها لا يستقيم مع العصر. فهي رواية ظرفية ترتبط بزمن الرسول (ص) والأزمان السابقة. أما اليوم فإن الإسلام ينتشر في بلاد الكفر ويمارس المسلمون شعائرهم بحرية لم يجدوها في بلادهم التي هاجروا منها.. من هنا يمكن القول إن مثل هذه الروايات. رواية النهي عن النذر ورواية النهي عن السفر بالمصحف. ورواية النهي عن الصور ونكاح الشفار ونكاح المتعة لا حاجة لنا بها اليوم ومن الواجب نبذها والخلاص منها ليس فقط لكونها لا تتفق مع روح العصر ولكن لكونها تضفي علي الرسول صفة المشرع فيما لا فائدة فيه فمن ثم فهي تزيد من إحراج الرسول شرعا وعقلا.. [ صفحه 190] والفائدة الوحيدة التي يمكن تحصيلها من وراء رواية النهي عن السفر بالمصحف هي إثبات أن القرآن كان موجودا في زمن الرسول ومكتوبا وهو ما يناقض عقيدة القوم من الفقهاء والمحدثين والتي تنص علي أن القرآن لم يكن مجموعا في زمن النبي ومات وهو علي هذا الحال من التفرق في صدور الناس. وهو ما يؤدي إلي إحراج الشيخين - أبو بكر وعمر - اللذين تصديا لجمع القرآن بعد وفاة الرسول.. ويروي عن السول (ص): " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة [475] . ويروي: لعن رسول الله (ص) زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج [476] . ويروي: لعن رسول الله زوارات القبور [477] . ويبدو من الرواية الأولي أن الرسول (ص) كان قد نهي عن زيارة القبور ثم رجع عن ذلك وأباحها بهدف العظة والتذكرة.. وهذه الإباحة تشمل الرجال والنساء فالخطاب الشرعي لا يخص الرجل وحده. فإذا تبين لنا ذلك فما معني الرواية الثانية التي تلعن زائرات القبور؟ والإجابة تفرض علينا إما أن نأخذ برواية الإباحة. وإما أن نأخذ برواية النهي.. فكلا الروايتين محل تصديق الرواة والفقهاء رجحوا رواية الإباحة واعتبروا رواية النهي منسوخة وبهذه الطريقة تم حل التناقض بين الروايتين.. قال السيوطي: كان ذلك حين النهي ثم أذن لهن حيث نسخ النهي. وقيل [ صفحه 191] بقين تحت النهي لقلة صبرهن وكثرة جزعهن. قلت وهو الأقرب إلي تخصيصهن بالذكر [478] . ومثل هذه المسألة إنما تدور في محيط الأمور السلوكية التي تتغير بتغير الواقع والتي لا تدخل في دائرة المحرمات. فهي أشبه بالعادات التي لا يجوز إقحام الدين فيها. فمن ثم فإن نسبة التحريم في مثل هذه المسألة للرسول أمر مشكوك فيه.. وما ينطبق علي المسألة السابقة ينطبق علي مسألة تحريم بيع الكلاب ووصل المرأة شعرها والشرب في آنية الذهب والفضة.. روي أن رسول الله (ص) نهي عن ثمن الكلب [479] . وروي أن امرأة جاءت إلي النبي (ص) فقالت يا رسول الله إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله. فقال الرسول: " لعن الله الواصلة والمستوصلة " [480] . ويقول الفقهاء عن ثمن الكلب أن ذلك لا يقصد به الكلب المعلم. ويقولون عن وصل الشعر إن هذا حكم يعم الرجل والمرأة. وقال النووي الأحاديث صريحة في تحريم الوصل مطلقا وهو الظاهر المختار. وقال آخر: الرجل والمرأة في ذلك سواء هذا إذا كان المتصل شعرا لآدمي لكرامته وأما غيره فلا بأس بوصله فيجوز اتخاذ النساء القراميل من الوبر - رباط تربط به المرأة شعرها من الوبر - [481] . وقول الفقهاء هذا إنما يؤكد مسألة التحريم في مثل هذه الأمور التي لا تخرج عن كونها من العادات النافعة للناس. وإذا كان الرسول قد نهي عن بيع الكلب غير المعلم فما قيمة هذا النهي إذن؟ إذ من المعروف أن الكلب غير المعلم لا قيمة له وهو أشبه بالكلاب الضالة. [ صفحه 192] فإذا كان التحريم يقصد هذا النوع من الكلاب فلا مبرر له. خاصة وأن كلاب الزينة لم تكن تعرف في زمان الرسول. وهذا الاستنتاج يثير الشك حول الرواية من أساسها.. أما وصل المرأة التي يتساقط شعرها بشعر غيرها وهو ما يشبه (الباروكة) اليوم فقد جزم الفقهاء بتحريمه رغم أن الرواية لا تنطق بذلك. إنما هي تنطق بالزجر والتخويف من هذا الفعل. ثم هم أباحوا الوصل إذا كان من غير شعر الآدمي فكيف ذلك؟ أيجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر الحيوانات ولا يجوز لها أن تصله بشعر الآدمي؟ وهل من المصلحة أن يتساقط شعر المرأة فتسوء في عين زوجها ولا تتحرك لعلاجه بشئ يعيد إليها زينته..؟ وما هو الضرر من وصل الشعر..؟ هل هو الغش. وغش من؟ هل هو غش الزوج. وهل الزوج لا يعلم بحال زوجته..؟ أم هو غش الخاطب. وهل الخاطب يري شعر مخطوبته..؟ هل كانت النساء تمضي في الطرقات حاسرات كاشفات رؤوسهن فيمكن للواصلة أن ينخدع بها الناس..؟ أما ما يتعلق بتحريم آنية الذهب والفضة فيقول الفقهاء: إن الاجماع منعقد علي تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما والتجمر بمجمرة منها والبول في الإناء منهما وجميع وجوه الاستعمال ومنها المكحلة والميل وظرف الغالية وغير ذلك [482] . إن حكم هذه الآنية هو حكم الذهب والفضة. ومثل هذا السلوك إنما يعكس حالة اجتماعية خاصة للقادرين علي فعله دون إلحاق ضرر بالمجتمع وبالآخرين فما دام المرء ثريا من وجوه الحلال واتخذ لنفسه مثل هذه الآنية فما هو الضرر في [ صفحه 193] هذا؟ هل هو الاسراف؟ فما هو الحال إذا كان متخذ هذه الآنية يرعي حق الله في ماله ولا يظلم أحدا..؟ وإذا ما سلمنا بصحة هذا النهي فإنه يحمل علي النهي الظرفي الخاص بواقع الرسول وتركيبة المجتمع المدني. ثم إذا كانت الفضة مباحة فلماذا تحرم آنيتها..؟ ويبقي بعد هذا مسألة النهي عن إلقاء السلام علي أهل الكتاب.. يروي عن الرسول (ص) قوله: " لا تبدأوا اليهود ولا النصاري بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلي أضيقه " [483] . يقول الفقهاء: قوله (ص) لا تبدأوا اليهود.. الخ قيل النهي للتنزيه وضعفه النووي وقال الصواب إن ابتداءهم بالسلام حرام لأنه إعزاز ولا يجوز إعزاز الكافر. وقال الطيبي: المختار أن المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم علي من لا يعرفه فظهر ذميا أو مبتدعا يقول استرجعت سلامي تحقيرا له وأما إذا سلموا علي المسلم فقد جاء في حديث آخر أنه يردهم [484] . إن المتأمل في هذه الرواية يتبين له أنها تتنافي مع خلق الرسول الذي جذب نحوه المشرك قبل الكتابي.. وتتنافي مع نصوص القرآن التي تبيح طعام أهل الكتاب ومناكحة نساءهم. وإذا كان الإسلام يبيح هذا. أفلا يبيح إلقاء السلام عليهم..؟ فإذا ما تبين لنا هذا فمن أين جاء الفقهاء بهذا الموقف المتشدد..؟ وإذا كان بعض الفقهاء قد أجاز بدء اليهود والنصاري بالسلام واعتبر النهي للتنزيه لا للتحريم فلماذا لم يحترم الفقهاء هذا الرأي وضعفوه؟ والجواب أن فقهاء التشدد ونسبة التحريم للرسول ضد التسامح وحرية الرأي علي الدوام. وهم يعتبرون المواجهة بينهم وبين المخالفين لهم مواجهة مصيرية تحتم إزالة أحد أطراف الصراع. وهم قد اختاروا أنفسهم وقرروا إزالة الطرف [ صفحه 194] الآخر الذي يهدد وجودهم ومستقبلهم المرهون بهذه الروايات وهذه الفتاوي. فمن ثم فهم يطلقون علي المخالفين لهم لفظ المبتدعة. وهم هنا قد ساووهم بأهل الكتاب وحرموا إلقاء السلام عليهم كما حرموه علي أهل الكتاب.. وهؤلاء الفقهاء إنما استنبطوا موقفهم المتشدد هذا من خلال واقعهم الذي كان يعامل أهل الكتاب معاملة مواطني الدرجة الثانية ويحرمون عليهم إشهار شعائرهم أو ارتداء أزياء المسلمين أو بناء معابد لهم أو حتي المرور في أحياء المسلمين فضلا عن دفع الجزية وخراج الأراضي التي يملكونها في ذلة وصغار ممنوع عليهم محاولة الدخول في الإسلام حتي لا يقل إيراد الدولة [485] . هذا هو واقع الفقهاء الذي لا يجرؤ أهل الكتاب علي مخاطبة المسلمين.. وهو واقع لا صلة بواقعنا المعاصر الذي يعيش فيه المسلم كمواطن من الدرجة أولي في ظل دول النصاري في أوروبا ولا يتحقق له هذا العيش في البلاد التي تدعي الإسلام.. [ صفحه 197]

الرسول المجسم

الرسول يجعل لله صفات البشر. نزل القرآن علي الرسول (ص) بقوله تعالي: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير). فهل ناقض الرسول هذا النص في أقواله وتوجيهاته..؟ إن التعمق في دراسة شخصية الرسول ودوره سوف يقودنا إلي الإجابة بالنفي. لكن التعمق في كم الروايات المنسوبة للرسول ومباركة الفقهاء لها يقودنا إلي القناعة بأن الرسول قد خالف هذا النص وناقضه وهذا هو الطرح الذي ساد الأمة برعاية الأحكام وأهل السنة ومن تجاوزه كان يرمي بالكفر والزندقة ويهدر دمه.. هذا الطرح هو الذي أطلق عليه عقيدة السلف أو عقيدة الفرقة الناجية من النار وتحت هذه المسمي أمكن جذب الجماهير المسلمة لتنطوي تحت راية هذه العقيدة وتتعصب لها وتسهم مع الحكام والفقهاء في تصفية واستئصال الرافضين لها من الشيعة والمعتزلة ومن أسموهم بالجهمية.. ولما كانت الأمة قد عبدت للروايات وأقوال الرجال كان من السهل علي الحكام والفقهاء استقطابها وتذويبها في دائرة هذه العقيدة التي تقوم علي الروايات وأقوال الرجال.. جاءت الروايات لتجعل لله سبحانه عينا ويدا ورجلا وتجعله يهبط ويصعد ويضحك ويغار وتمكن رؤيته. وأن مكانه في السماء فوق العرش وأنه يتكلم وقد خلق آدم علي صورته وأنه يكشف عن ساقه يوم القيامة. ويمسك الأرض علي إصبع والسماء علي إصبع.. إلي آخر هذه الروايات.. وجاء الفقهاء ليقوموا بدورهم في إضفاء الشرعية عليها مع تحذير المسلمين من الضلال والهلاك في حالة الانحراف عن هذه الروايات واتباع أهل الزيغ والضلالة من الاتجاهات الأخري.. [ صفحه 198] وكما لم يوقر أصحاب الروايات والفقهاء الرسول من قبل لم يوقروا الله سبحانه ولم ينزهوه عن مشابهة البشر بإعلانهم نبذ هذه الروايات والكفر بها. وكيف لهم أن يوقروا الرسول وهم لا يوقرون الله خالق الرسول..؟ إننا في مواجهة هذه الروايات ونصوص الفقهاء حولها نقف أمام ظاهرة خطيرة من ظواهر الانحراف عن الأديان وتزييفها.. ظاهرة التشبيه والتجسيم والتي تمثل أعلي صور الضلال العقائدي لكونها ترتبط بصفات الله سبحانه مباشرة.. - نصوص الروايات: هناك الكثير من الروايات التي تتعلق بصفات الله سبحانه سوف نعرض لها هنا ثم نعرض بعدها نصوص الفقهاء حولها ونتبع ذلك بعرض نصوص القرآن التي تدور حول نفس الموضوع والتي تم إخضاعها للروايات لتفسر علي ضوئها.. يروي أن الرسول (ص) قال: " لما قضي الله الخلق. كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي " [486] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط علي بعيره وقد أضله في أرض فلاة " [487] . ويروي عنه (ص): " لا أحد أغير من الله " [488] . ويروي عنه (ص) " إن الله يغار " [489] . ويروي عنه (ص): " إن الله يدني المؤمن - يوم الحساب - فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم. أي رب " [490] . [ صفحه 199] ويروي: جاء حبر من الأحبار إلي الرسول (ص) فقال يا محمد. إنا نجد أن الله يحمل السموات علي إصبع. والأرضين علي إصبع. والشجر علي إصبع. والماء والثري علي إصبع. وسائر المخلوقات علي إصبع.. فضحك النبي حتي بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر [491] . ويروي عنه (ص): " يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه " [492] . ويروي عنه (ص): " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتي يضع رب العزة فيها قدمه. فتقول قط. قط وعزتك " [493] . وفي رواية أخري: ".. فأما النار فلا تمتلئ حتي يضع رجله " [494] . ويروي عنه (ص): " أن الله خلق آدم علي صورته " [495] . ويروي عنه (ص): " يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن " [496] . ويروي عنه (ص): " إذا قام أحدكم إلي الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه. فإن الله قبل وجهه " [497] . ويروي عنه (ص): " إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته " [498] . ويروي عنه (ص): " يضحك الله إلي رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة " [499] . [ صفحه 200] ويروي عنه (ص) أنه قال لجارية: " أين الله؟ " قالت: في السماء. قال: " أعتقها فإنها مؤمنة " [500] . ويروي عنه (ص): " ينزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة إلي سماء الدنيا " [501] . ويروي عنه (ص): " العرش فوق الماء والله فوق العرش " [502] . ويروي عنه (ص): " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان " [503] . ويروي عنه (ص): " إن قلوب بني آدم إصبعين من أصابع الرحمن " [504] . ويروي عنه (ص): " إن ربكم ليس بأعور " [505] . ويروي عنه (ص): " يدي الله ملأي سماء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يفض في يمينه " [506] . ويروي عنه (ص): " يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه. فيتبعون ما كانوا يعبدون. وتبقي هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالي في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله تعالي منك. هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا " [507] . ويروي عنه (ص): " خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن - أي ما بين الخاصرة إلي الضلع الخلف - فقال سبحانه: مه. قالت: هذا المقام العائذ بك من القطيعة " [508] . [ صفحه 201] ويروي عنه (ص): " حجابه - أي الله سبحانه - النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه " [509] . ويروي عنه (ص): " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري " [510] . والظاهر من هذه الروايات إنما تؤكد فكرة التجسيم وتشبيه الله سبحانه بمخلوقاته بصورة فجة ومستفزة.. فالرواية الأولي تثبت لله الجهة والمكان.. والثانية تثبت لله صفة الفرح.. والثالثة تثبت لله صفة الغيرة.. والرابعة تؤكد نفس الصفة.. والخامسة تثبت لله صفة التكلم المباشرة مع المخلوق.. والسادسة تثبت أن لله أصابع وأن الرسول (ص) يقر الحبر اليهودي علي صحة هذه الصفة كما هي في التوراة.. والسابعة تثبت لله صفة القبض باليد اليمني واليسري.. والثامنة تثبت أن لله قدما.. والتاسعة تثبت أن لله رجلا.. والعاشرة تثبت أن صورة آدم هي صورة الله.. والحادية عشر تثبت أن لله ساق.. والثانية عشر تثبت أن الله يقف قبل وجه المصلي.. والثالثة عشر تثبت رؤية الله بالعين المجردة.. والرابعة عشر تثبت أن الله يضحك.. والخامسة عشر تحدد مكان الله في السماء.. [ صفحه 202] والسادسة عشر تثبت أن الله يهبط إلي الدنيا كل ليلة.. والسابعة عشر تثبت أن عرش الرحمن فوق الماء وأن الله فوق العرش. والثامنة عشر تثبت أن الله سوف يتكلم مع الناس دون وسائط.. والتاسعة عشر تثبت وجود الأصابع لله.. والعشرون تنفي عن الله صفة العور فهي تؤكد بالتالي أن له عين.. والإحدي والعشرين تثبت لله اليدين.. والثانية والعشرين تثبت أن أمة محمد تعرف صورة الله مسبقا وأن الله سبحانه يأتيهم متنكرا فيكشفون تنكره فيعود إليهم بهيئته التي يعرفونها فلا ينكرونه.. والثالثة والعشرين تثبت أن لله ضلع وخاصرة وأن مخلوقاته تتمكن منه.. والرابعة والعشرين تثبت أن الله يبصر كبصر بشر. وأن هذا البصر محدود كما هو حال بصر البشر.. والخامسة والعشرين تثبت تمسك الله بأزياء البشر. وربط صفاته بأنواع الملابس السائدة.. ومن هنا يتضح لنا مدي خطورة مثل هذه الروايات علي الإسلام وصورته التي تقترب بها هذه الروايات من صور الأديان السابقة التي دخلت مجال التشبيه والتجسيم وتأليه البشر.. إن مثل هذه الروايات تعطينا دلالة قاطعة علي أن الأمة المسلمة قد انحرفت عن نهج الرسول ودخلت في متاهة الأحبار والرهبان وعبادة الرجال والتي حذرها منها الرسول بقوله (ص): " لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتي لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم ". قلنا يا رسول الله: اليهود والنصاري؟ قال: " فمن " [511] . وإن مباركة الفقهاء لهذه الروايات لهو برهان ساطع ودليل قاطع علي كونهم أخذوا مكان الأحبار والرهبان في إضلال هذه الأمة ونسبة التجسيم إلي الرسول.. [ صفحه 203] وسوف يتضح لنا من خلال استعراض نصوص الفقهاء حجم المتزلق الخطير الذي انزلقوا فيه مع هذه الروايات. ذلك المنزلق الذي تتضح مدي خطورته عند استعراض النصوص القرآنية المتعلقة بصفات الله سبحانه والتي أخضعوها لهذه الروايات الباطلة.. ومثل هذه الروايات لا مجال للمرونة في مواجهتها. فهي ليست روايات تتعلق بالأحكام أو الأخلاق أو حتي شخص الرسول. إنما هي تتعلق بالله سبحانه مباشرة. فمن ثم فإن نبذها يعد واجبا شرعيا وعقليا علي كل مسلم يوحد الله وينزهه عن مشابهة البشر. ونبذها يتطلب نبذ أولئك الفقهاء الذين سلكوا سبيل الأحبار والرهبان وأضفوا علي هذه الروايات التفسيرات والتأكيدات التي سلكت بها مسلك النصوص المعتمدة لتتلقاها الأمة بالقبول.. - نصوص الفقهاء: تبني الفقهاء في مواجهة الروايات السابقة منطق التسليم بمضمونها ما دام قد صح سندها وتناول هذا المضمون علي أساس المجاز وهو ما سوف يتضح لنا من خلال عرض أقوالهم.. يقول أحمد بن حنبل: وعرش الرحمن فوق الماء والله علي العرش والكرسي موضع قدميه. وهو علي العرش فوق السماء السابعة. وللعرش حملة يحملونه والله يتحرك ويتكلم وينظر ويبصر ويضحك ويفرح ويحب ويكره.. وينزل كل ليلة إلي سماء الدنيا كيف يشاء. وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد. وخلق آدم بيده علي صورته. والسموات والأرض يوم القيامة في كفه. ويضع قدمه في النار تنزوي. ويخرج قوما من النار بيده. وينظر أهل الجنة إلي وجهه يرونه فيكرمهم. والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق. ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر. ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول. ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي. ومن لم يكفر [ صفحه 204] هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم. وكلم الله موسي تكليما من فيه - فمه - وناوله التوراة من يده إلي يده ولم يزل الله عز وجل متكلما فتبارك الله أحسن الخالقين [512] . ويقول صدر الدين الحنفي: الواجب أن ينظر في باب الصفات فما أثبته الله ورسوله أثبتناه. وما نفاه الله ورسوله نفيناه. والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الاثبات والنفي. فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني. وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني [513] . ويقول محمد بن الحسن الشيباني - صاحب أبي حنيفة -: اتفق الفقهاء كلهم من الشرق والغرب علي الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله (ص) في صفة الرب عز وجل من غير تفسير - تأويل - ولا وصف ولا تشبيه. فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي وفارق الجماعة - السلف - فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا [514] . ويقول الشافعي: آمنت بالله وبما جاء عن الله علي مراد الله. وآمنت برسول الله. وبما جاء عن رسول الله علي مراد رسول الله [515] . وقال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس. وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول [516] . ويقول موفق بن قدامة المقدس: وعلي هذا درج السلف وأئمة الخلف كلهم متفقون علي الاقرار والامرار والاثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله. وقد أمرنا باقتفاء أثرهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدثات. وأخبرنا أنها من الضلالات [517] . [ صفحه 205] ويقول ابن تيمية: ومن الإيمان بالله. الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصف به رسوله محمد (ص) من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك. فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخبر به في كتابه [518] . وقد أجمع فقهاء السنة علي وجوب رؤية الله يوم القيامة باعتبارها واجبة في النقل جائزة في العقل [519] . وأجمعوا علي إثبات صفة العلو أي أن الله في السماء. ومن تأول (فوق) بأنه خير من عباده وأفضل منهم فذلك مما تنفر منه العقول السليمة وتشمئز منه القلوب الصحيحة. وقد سئل أبو حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض. فقال: قد كفر. فقيل له فمن يقول إنه علي العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟. قال: هو كافر. لأنه أنكر أنه في السماء. فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر [520] . ويقول ابن رجب: إن قوما نفوا كثيرا مما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - الصفات - وزعموا أنهم فعلوه تنزيها لله عما تقتضي العقول تنزيهه عنه وزعموا أن لازم ذلك مستحيل علي الله عز وجل. وقم لم يكتفوا بإثباته حتي أثبتوا ما يظن أنه لازم له بالنسبة إلي المخلوقين. وهذه اللوازم نفيا وإثباتا درج صدر الأمة علي السكوت عنها [521] . ويقول الأشعري في رسالة أهل الثغر ناقلا إجماع أهل السنة علي أن صفات الله حقيقة لا مجازا: واستدلوا علي ذلك بأنه - سبحانه - لو لم يكن له عز وجل هذه الصفات لم يكن موصوفا بشئ منها في الحقيقة ومن لم يكن له فعل لم يكن [ صفحه 206] فاعلا في الحقيقة. ومن لم يكن له إحسان لم يكن محسنا. ومن لم يكن له كلام لم يكن متكلما في الحقيقة. ومن لم يكن له إرادة لم يكن في الحقيقة مريدا. وإن وصف بشئ من ذلك مع عدم الصفات التي توجب هذه الأوصاف له لا يكون مستحقا لذلك في الحقيقة وإنما يكون وصفه مجازا أو كذبا.. وذلك أن هذه أوصاف مشتقة من أخص أسماء هذه الصفات ودالة عليها. فمتي لم توجد هذه الصفات لمن وصف بها كان وصفه بذلك تلقيبا أو كذبا فإذا كان الله عز وجل موصوفا بجميع هذه الأوصاف في صفة الحقيقة وجب إثبات الصفات التي أوجبت هذه الأوصاف له في الحقيقة إلا كان وصفه بذلك مجازا.. وأجمعوا علي أنه عز وجل يسمع ويري وأن له تعالي يدان مبسوطتان وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوازا وأن يديه تعالي غير نعمته. وقد دل علي ذلك تشريفه لآدم (ع) حيث خلقه بيده.. وأجمعوا علي أنه يجئ يوم القيامة والملك صفا صفا.. وأنه عز وجل ينزل إلي سماء الدنيا كما روي عن النبي (ص) وقد نزل الوحي علي النبي.. وأنه تعالي فوق سموات علي عرشه دون أرضه.. وأن له عز وجل كرسي دون العرش وجاءت الأحاديث عن النبي (ص) أن الله تعالي يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه.. وأجمعوا علي أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة باين وجوههم. وقد بين ذلك النبي ورفع كل إشكال فيه [522] . وقال الجويني: صفات الله النفس والوجه والعين والقدم واليدين والعلم والنظر والسمع والبصر والإرادة والمشيئة والرضي والغضب والمحبة والضحك والعجب والاستحياء والغيرة والكراهة والسخط والقبض والبسط والقرب والدنو والفوقية والعلو والكلام والسلام والقول والنداء والتجلي واللقاء والنزول والصعود والاستواء. وأنه تعالي في السماء. وأنه علي عرشه بائن من خلقه [523] . [ صفحه 207] وقال مالك: إن الله في السماء وعلمه في كل مكان [524] . وقال ابن المبارك: نعرف ربنا فوق سبع سمواته علي العرش بائنا من خلقه لا نقول كما قالت الجهمية إنه ها هنا. وأشار إلي الأرض [525] . وقال إسحاق: لا نزيل صفة مما وصف الله بها نفسه أو وصفه بها الرسول عن جهتها لا بكلام ولا بإرادة. إنما يلزم المسلم الأداء ويوقن بقلبه أن ما وصف الله به نفسه في القرآن إنما هي صفاته [526] . ويروي عن مالك والأوزاعي وسفيان والليث وأحمد بن حنبل أنهم قالوا في روايات الصفات: أمروها كما جاءت [527] . ومما سبق يتبين لنا أن الفقهاء تبنوا روايات الصفات علي حقيقتها ورفضوا فكرة التأويل وحملها علي وجه المجاز وأنكروا ذلك علي من قال به بل رموه بالزيغ والضلال والكفر في بعض الحالات كما هو واضح من كلام ابن حنبل وأبي حنيفة.. ويبدو أن التشدد في مسألة الروايات الخاصة بالصفات والتعصب لها يأتي من جانب الحنابلة الذين يؤمنون بالمأثور ويرفضون الأخذ بالرأي وهو الاتجاه الذي ساد في أواخر العصر العباسي ثم حل محله اتجاه الأشاعرة الذي تبنته دولة السلاجقة ودولة الأيوبيين ثم دولة المماليك. فمن ثم فعندما يطلق لفظ أهل السنة فإنما يشمل الحنابلة أولا ثم الأشاعرة ثانيا.. ولقد أسرف الحنابلة في التمسك بالروايات وتبني فكرة التجسيم ولم يرحموا خصومهم من التيارات الأخري مثل الشيعة والمعتزلة والجهمية وحتي الأشاعرة الذين يعتبروا من طينتهم. فكل أولئك اتهموا بالزيغ والضلال واعتبروا من أهل البدع الذين يجب مجانبتهم واستئصالهم [528] . [ صفحه 208] يقول ابن حنبل: وأما أصحاب الرأي - الذين يأخذون بالمجاز ويؤمنون بالعقل - فإنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وحشوية. وكذب أصحاب الرأي أعداء الله.. بل هم النابتة والحشوية. تركوا آثار الرسول (ص) وحديثه وقالوا بالرأي. وقاسوا الدين بالاستحسان وحكموا بخلاف الكتاب والسنة وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال وطلاب دنيا بالكذب والبهتان [529] . ونفس هذا النهج الانفعالي المتعصب للرواية المعادي للرأي الآخر انتهجه الحنابلة من بعده. وفي مقدمتهم ابن تيمية الفقيه المشاغب الذي قال بالتجسيم واصطدم بفقهاء عصره وصدرت فتوي بكفره وكفر من اتبعه وصدر مرسوم بحبسه عدة مرات حتي مات في حبسه الأخير [530] . ومن بالغ الحزن والأسي أن اتجاه الحنابلة الذي يتميز بالإنغلاق والتشدد وتبني التجسيم هو الذي ساد اليوم بسبب الحركة الوهابية ونفط آل سعود الذي سهل عملية اختراق المؤسسات والتيارات الإسلامية واستقطاب رموزها [531] . ولقد طعن الكثير من الفقهاء القدامي والمعاصرين في روايات الصفات علي أساس كونها روايات آحاد لا يجوز الاعتماد عليها في أمور العقيدة.. يقول صدر الدين الحنفي: خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له - يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة وهو أحد قسمي المتواتر ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع كخبر عمر بن الخطاب: إنما الأعمال بالنيات. وخبر أبي هريرة: لا تنكح المرأة علي عمتها ولا علي خالتها.. وكان رسول الله (ص) يرسل رسله آحادا. ويرسل كتبه مع الآحاد. ولم يكن المرسل إليهم يقولون لا نقبله لأنه خبر واحد [532] . [ صفحه 209] وهذا الرد فيه استغفال وسذاجة.. أما الاستغفال فهو أن صاحب هذا الكلام قد ادعي أن خبر الواحد تلقته الأمة بالقبول. وهذا غير صحيح. والصواب أن يقول تلقاه الفقهاء بالقبول لأن هناك خلاف حول الأخذ به بين طوائف الأمة واتجاهاتها. إلا أن مثل هذا الكلام يشير إلي نزعة التعصب والاستبداد الذي يتحلي به أهل السنة والذين بتحالفهم مع الحكام ودعمهم لهم تصوروا أنهم الأمة والأمة هم. وهذا ما يقودهم إلي تداول مثل هذه الشعارات وهو ما برر قول صاحبنا أن خبر الواحد يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة.. وأما السذاجة فهو استدلاله برسل النبي إلي القبائل والبلاد وهو استدلال فيه استخفاف كبير بالعقل. إذ أن هذا المبعوث الواحد يتحدث بلسان الرسول الحي. أما الراوي الواحد فهو يتحدث بلسان الرسول الميت.. هذا من جهة. ومن جهة أخري فإن المبعوث الواحد معه كتاب أو برهان يثبت صدقه وكونه. مبعوث النبي. أما ناقل الخبر فما هو برهانه؟ ومن هنا يمكن القول إن هناك ثلاثة توجهات أمام مسألة الصفات وهو ما يتضح من خلال أقوال الفقهاء: الأول: أن هذه النصوص - قرآن وسنة - يفوض معناها إلي الله ويكف عن الخوض فيها وهو اتجاه بعض السلف. الثاني: أن هذه النصوص تخضع للتأويل وتحمل علي المجاز وهو اتجاه الخلف.. الثالث: أن هذه النصوص تؤخذ علي الحقيقة. وهو اتجاه أهل السنة وهو الاتجاه السائد لدي التيارات الإسلامية والوهابية.. - نصوص القرآن: ومثلما حمل الفقهاء روايات الصفات علي الحقيقة حملوا أيضا نصوص القرآن المتعلقة بصفات الله علي الحقيقة.. وسوف نعرض هنا لهذه النصوص وأقوال الفقهاء فيها.. [ صفحه 210] يقول سبحانه: (.. بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) [المائدة: 64] ويقول: (.. لما خلقت بيدي) [ص: 75]. ويقول: (تبارك الذي بيده الملك) [الملك: 1]. ويقول: (أولم يرو أنا خلقنا لهم مما علمت أيدينا أنعما) [يس: 71].. قال الفقهاء: الاجماع علي إثبات اليدين لله سبحانه بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهما يدان حقيقيتان لله تعالي يليقان به [533] . وقال أبو حنيفة: له يد ووجه ونفس كما ذكر تعالي في القرآن فهو له صفة بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته ونعمته لأن فيه إبطال الصفة [534] . ويقول سبحانه: (وجاء ربك) [الفجر: 22]. ويقول: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله..) [البقرة: 210].. يقول الفقهاء: الاجماع علي ثبوت المجئ لله تعالي فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهو مجئ حقيقي يليق بالله تعالي [535] . وقد رفض الفقهاء تأويل المجئ بمجئ أمره واعتبر القائلين بذلك من أهل التعطيل [536] . ويقول سبحانه: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) [المائدة: 119]. أجمع الفقهاء علي إثبات الرضي لله تعالي من غير تحريف.. الخ. ونبذ تأويل الرضا بالثواب [537] . ويقول سبحانه: (وذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله) [محمد: 28]. ويقول: (.. كره الله انبعاثهم) [التوبة: 46]. [ صفحه 211] قال الفقهاء: الاجماع علي ثبوت السخط والكره من الله. وهو سخط وكره حقيقي. ورفض تأويل السخط بالانتقام والكره بالابعاد [538] . ويقول سبحانه:) أأمنتم من في السماء) [الملك: 16].. قال الفقهاء: الاجماع علي ثبوت علو الذات لله وكونه في السماء فيجب إثباته له من غير تحريف.. الخ [539] . ورفضت الاتجاهات الأخري القول بذلك واعتبرت أن المقصود من النص هو العلو والملك والسلطان.. ويقول سبحانه: (وكلم الله موسي تكليما) [النساء: 164].. ويقول: (.. منهم من كلم الله) [البقرة: 253].. أجمع الفقهاء علي ثبوت الكلام لله وهو كلام حقيقي يليق بالله يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة [540] . وقال المخالفون: كلام الله لا يكون إلا بواسطة عن طريق شئ من مخلوقاته وإضافة الكلام إلي الله إضافة خلق أو تشريف.. ويقول سبحانه: (وجوه يومئذ ناضرة. إلي ربها ناظرة) [القيامة: 22]. يقول الفقهاء: الاجماع علي ثبوت الرؤية وهي رؤية حقيقية تليق بالله [541] . وقال المخالفون: المقصود بالروية رؤية الثواب أو العلم واليقين. والمقصود من قوله (ناظرة) أي منتظرة.. ويقول سبحانه: (الرحمن علي العرش استوي) [طه: 5].. قال الفقهاء: اعتمد الفقهاء هذا النص علي إثبات العلو لله سبحانه. أي علو ذاته وكونه في السماء. وأنه استوي حقيقة بلا كيف كما ورد عن مالك ابن أنس [ صفحه 212] حين قال في هذه الآية: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة [542] . وقال المخالفون: الاستواء هنا بمعني الاستيلاء.. ويقول سبحانه: (كل شئ هالك إلا وجهه) (ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام).. قال الفقهاء: الاجماع علي أن لله وجها علي سبيل الحقيقة يليق به [543] . وقال المخالفون: المراد بالوجه الذات.. ونخرج مما سبق بما يلي: - إن الفقهاء يخضعون نصوص القرآن الخاصة بصفات الله سبحانه للروايات بدلا من أن يكلفوا أنفسهم البحث عن مدلولها الحقيقي.. - إن الفقهاء يصفون المخالفين لهم بالنفاة والمعطلة تارة وبالجهمية تارة وبالكفر تارة أخري. والمعتدلون منهم يصفونهم بأهل الكلام الذي هو مذموم عندهم أيضا.. - إن الفقهاء يحاولون تصوير أهل المجاز والتأويل الذين خالفوهم وكأنهم يخالفون النصوص القرآنية ويرفضونها وذلك حتي ينفروا المسلمين منهم.. - إن تبني الفقهاء فكرة أخذ نصوص الصفات علي الحقيقة مع تمسكهم بشعار لا كيف ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف هو عين التناقض. ولو كانوا صادقين مع هذا الشعار لما اصطدموا بأهل التأويل واتهموهم بالتحريف بينما هم المحرفون.. - إن تمسك الفقهاء بقوله تعالي (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) ليس إلا محاولة لإضفاء الشرعية علي رؤيتهم. وأن الذين انضبطوا بهذا النص حقيقة هم أهل التأويل.. - إن قول الفقهاء لا يمثل الاجماع كما يدعون لا علي مستوي السلف ولا علي مستوي الخلف. وإنما يمثل علي الأغلب اتجاه أهل السنة أو أهل الحديث كما يحبوا أن يصفوا أنفسهم الذين هم في الحقيقة الحنابلة والأشاعرة.. [ صفحه 213] - إن كثير من الفقهاء وعلي رأسهم العز بن عبد السلام قد هاجموا هذا الاتجاه الذي يقود إلي التجسيم وأطلقوا علي أصحابه وقف الحشوية. وهو تعبير عن كونهم لا يتحاشون عن التشبيه والتجسيم والحشو بكلام الرجال والتستر بالسلف الذين يقولون بالتفويض - أي تفويض معني النص ومراده إلي الله - والتوحيد والتنزيه. [ صفحه 217]

الرسول المهمل

الرسول الخاتم لا يهتم بمستقبل الدين والأمة.. من أخطر ما يحاول الفقهاء والمحدثون نسبته إلي الرسول إهماله مستقبل الدعوة والأمة. ففي الوقت الذي تؤكد فيه النصوص القرآنية أن رسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة ومحمد (ص) هو خاتم الرسل. يأتي الرواة بروايات تؤكد تناقض الرسول مع هذه الحقيقة وجهله بها. وجاء الفقهاء من بعدهم فباركوا هذا التناقض وأكدوا هذا الجهل.. ولقد كانت الكتب السابقة تحمل البشري للمؤمنين بقدوم نبي جديد يجدد أمر الدين وينهض بالأمة. وهذا يعني أن مستقبل الدعوات الإلهية لم يكن موضع إهمال.. وجاء القرآن بعشرات النصوص التي تتعلق بالمستقبل ليس في حدود الحياة الدنيا وحدها وإنما في حدود الحياة الأخري أيضا [544] . وبشر الرسول (ص) بكثير من القضايا المستقبلية التي تتعلق بآل بيته وبواقع الأمة من بعده. وبسلوك الحكام وفقهاء السوء وفتح الدنيا علي المسلمين. وظهور الموبقات والفرق والخلافات [545] . وفي وسط هذا الكم من النصوص القرآنية والنبوية يأتي الرواة والفقهاء فينسبون للرسول التقصير والاهمال في أخطر القضايا التي يتعلق بها مستقبل الدين الخاتم.. ينسبون إليه تقصيره في جمع القرآن وترتيبه وتركه مهملا متفرقا في صدور الناس هذا يحمل سورة وهذا يحمل آية وهذا يحمل كلاما ينسبه للقرآن.. [ صفحه 218] وينسبون إليه إهماله وصية أمته ووضع الخطوط العريضة التي تحفظ الدعوة بعد وفاته.. والسبب المباشر في نسبة هذا الاهمال للنبي (ص) يعود إلي أن الخوض في هاتين القضيتين يصطدم اصطداما مباشرا بالوضع الذي ساد بعد وفاة الرسول خاصة الوضع السائد زمن تدوين الروايات وجمعها.. إن الخوض في هاتين القضيتين سوف يفتح الباب لطرح المناوئ للوضع السائد ألا وهو طرح آل البيت الذي ينادي به الشيعة والذي يقول بالوصية لعلي وأبنائه ويقول بأن القرآن كان بحوزة آل البيت مجموعا ومرتبا وأن الرسول لم يهمل أمر القرآن والوصية.. - بين الروايات والفقهاء: يروي عن زيد بن ثابت أن أبا بكر استدعاه أثناء حرب اليمامة. فإذا عمر عنده. قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشي أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أري أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله (ص). قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتي شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأي عمر. وإنك رجل شاب - أي زيد - عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فأجمعه. قال زيد: فوالله لو كانوا كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئا لك يفعله رسول الله.. قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتي شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتي وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره.. فكانت الصحائف عند أبي بكر حتي توفاه الله. ثم عند عمر حياته. ثم عند حفصة بنت عمر [546] . [ صفحه 219] قال ابن حجر: المراد بالجمع هنا جمع مخصوص وهو جمع متفرقة في صحف ثم جمع تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور [547] . وقال الخطابي وغيره: يحتمل أن يكون (ص) إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضي نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين بذلك وفاء لوعد الصادق بضمان حفظه علي هذه الأمة [548] . ومجمل ما ذكره الفقهاء حول قيام أبو بكر بجمع القرآن لا يخرج عن كونه يدور في حدود الثناء تارة والتبرير تارة أخري.. وتعد هذه الرواية المذكورة عاليا هي الرواية الوحيدة حول هذا الحدث الخطير. فمن ثم سوف نكتفي بها في هذا الباب وهي علي كل حال تعتبر شافية وكافية لإلقاء الضوء علي هذا الحدث وإبداء الملاحظات عليه تلك الملاحظات التي يمكن أن نوجزها فيما يلي: الملاحظة الأولي: لماذا كلف أبو بكر زيدا وحده بهذا الأمر الخطير..؟ إن مثل هذا الموقف يشير وكان زيد هو كاتب الوحي الوحيد أو هو علي الأقل المتفوق علي كتاب الوحي الآخرين. فهل هذا صحيح..؟ لنترك الروايات تجيب علي ذلك.. يروي عن الرسول (ص) قوله: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب " [549] . ومن الواضح أن هؤلاء الأربعة ليس فيهم زيد بن ثابت.. ويروي عن ابن مسعود قوله: " والله لقد علم أصحاب رسول الله (ص) أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم " [550] . [ صفحه 220] ويروي عنه أيضا قوله: " والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت. ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن نزلت " [551] . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم يستعن أبو بكر بعبد الله بن مسعود وهل كان أبو بكر وعمر لا يعرفان أمر الرسول بأخذ القرآن من هؤلاء الأربعة..؟ الملاحظة الثانية: إذا كان القراء يموتون في حرب اليمامة. فهل الحفاظ وكتبة الوحي ماتوا أيضا..؟ والإجابة تتضح من خلال الروايات السابقة أن حرب اليمامة لم يكن بها أحد من كتاب الوحي أو حفظة القرآن. وإنما كان بها سالم مولي أبي حذيفة وهو الوحيد الذي قتل فيها وكان قتله هو الذي دفع بعمر إلي إقناع أبي بكر بإصدار هذا القرار [552] . الملاحظة الثالثة: أن أمر الجمع لو كان مصيريا كما يصور عمر ما رفضه أبو بكر بداية وجادله فيه. وما جادلهم فيه زيد أيضا حين أوكلوا له مهمة الجمع.. ومثل هذه الشبهة هي التي دفعت ببعض الفقهاء إلي القول بأن ما فعله أبو بكر هذا هو من باب الاجتهاد في أمر تركه الرسول فهو لا يدل علي وجوب ولا تحريم [553] . قال الباقلاني: كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله (ص): " لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ". مع قوله تعالي (إن علينا جمعه وقرآنه) قوله (إن هذا لفي الصحف الأولي) وقوله (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) فكل أمر رجع لإحصائه وحفظه فهو واجب علي الكفاية وكل ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم. وقد فهم عمر أن ترك النبي جمعه لا دلالة فيه علي المنع ورجع إليه أبو بكر لما رأي وجه الإصابة في ذلك وأنه ليس [ صفحه 221] في المنقول ولا المعقول ما ينافيه وما يترتب من ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة علي تصويب ذلك [554] . ويظهر لنا من كلام ابن الباقلاني أنه يلتزم نهج التبرير لموقف أبي بكر ويحاول توفيق هذا الموقف مع النصوص القرآنية الصريحة والتي تؤكد أن أمر الجمع والبيان والترتيب هي مهمة الوحي ويقوم بتنفيذها الرسول واعترافه أن عملية جمع القرآن من قبل أبي بكر هي فرض كفاية كما أشار إلي مثل ذلك ابن حجر يعني أن هذه العملية لم تكن ضرورية وكان يمكن تركها. وفي هذا اعتراف صريح أن القرآن موجود ومجموع.. الملاحظة الرابعة: لماذا لم يقول أبو بكر وعمر بهذه المهمة..؟ هل لم يحفظا شيئا من القرآن..؟ إن المكانة التي يضع فيها الرواة والفقهاء أبو بكر وعمر كانت توجب ألا يستعينا بأحد في هذا الأمر. فهما كما تصور الروايات وزيرا الرسول وجناحاه وأقرب الناس إليه وخير صحابته. وقد كان القرآن يتنزل موافقا لرأي عمر كما تصور الروايات علي ما سوف نبين فيما بعد.. فما داما في هذه المكانة فأين القرآن الذي ورثاه عن الرسول..؟ إننا في مواجهة رواية جمع القرآن بين أمرين: إما أن نكذب الرواية وننفيها من أساسها.. وإما أن نقر ونعترف بجهل أبي بكر وعمر وعدم ارتباطهما بالقرآن وبالتالي التشكيك في قدرهما ومكانتهما من الرسول (ص).. وتبني أي من الموقفين يضع الرواة والفقهاء في مازق حرج.. الملاحظة الخامسة: أن زيد أيضا لم يتجه إلي أي من كتاب الوحي المعروفين أثناء قيامه بعملية الجمع وهذا يشير إلي أنه وجه من قبل أبي بكر وعمر [ صفحه 222] إلي أشخاص بعينهم حتي أنه لم يجد آخر التوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري مع وجود أبي مسعود وأبي بن كعب وعلي بن أبي طالب.. ومثل هذا الموقف يشكك في عملية الجمع ويكشف لنا أن المسألة لها أهداف أخري لصالح الخليفتين [555] . وهذا الموقف من جهة أخري يشكك في القرآن ذاته إذ كيف يعقل أن خزيمة هو الوحيد الذي عنده آخر التوبة دون غيره؟ وهو يشكك في الرسول أيضا ويؤكد إهماله وتقصيره في إبلاغ آيات الله للناس وتوزيعه نصوص القرآن علي هواه وكان هواه مع خزيمة فخصه بهذه الآية ولو قدر لخزيمة أن يموت لضاعت الآية معه وبالتالي كأنها ما نزلت.. ومثل هذا لا يعقل وهو يدعونا إلي الشك في رواية الجمع لا الشك في القرآن أو في الرسول (ص).. الملاحظة السادسة: أن ما تم جمعه وضع عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة بنت عمر. وهذا يشير إلي أمرين: الأول: أن هذا الجمع خاص بأبي بكر وعمر وليس للمسلمين.. الثاني: أن أبا بكر وعمر تراجعا عن هذا الأمر وقررا الاحتفاظ بما جمعاه.. الملاحظة السابعة: أن ترك القرآن مفرقا في صدور الرجال وعلي العسب واللخاف وغير ذلك يعني اتهاما مباشرا للرسول (ص) بالتقصير والاهمال إذ أن ترك مهمة الجمع للرجال فيه مساس بالقرآن ويفتح الباب للشك في نصوصه. كما يفتح الباب لتحريفها.. ولما كان الرسول هو خاتم الرسل ولن يأتي رسول من بعده يصحح عقائد الناس ويتصدي لتحريف الكتاب وهو ما كان يحدث في الأمم السابقة - كان لا بد وأن تكون عملية الجمع والتدوين تامة وكاملة تحت إشراف الرسول في حياته وقبل مماته وهو ما تؤكده الروايات الذي عرضنا لبعضها والتي سوف نعرضها فيما بعد.. [ صفحه 223] يقول ابن حجر: وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله وينوه بعظيم منقبته لثبوت قوله (ص): " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ". فما جمع القرآن أحد بعده إلا وكان له مثل أجره إلي يوم القيامة وقد كان لأبي بكر من الاعتناء بقراءة القرآن ما اختار معه جوار الله ورسوله وقد أعلم الله تعالي في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله: (يتلو صحفا مطهرة) وكان القرآن مكتوبا في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد ثم كانت محفوظة إلي أن أمر عثمان بالنسخ منها فنسخ منها عدة مصاحف وأرسل بها إلي الأمصار [556] . وكلام ابن حجر هذا الذي يدافع به عن أبي بكر ويحاول أن يوجد له منقبة وفضيلة بفعله هذا الذي من أبرز نتائجه التشكيك في القرآن واتهام الرسول بالاهمال. يعد صورة من صور التبرير الذي هو نهج الفقهاء علي الدوام. إلا أن ابن حجر لم يجيبنا كيف عاش المسلمون بدون القرآن الذي ظل محفوظا حتي نسخه عثمان؟ وفيما يتعلق بوصية الرسول يروي القوم علي لسان عائشة قولها حين سئلت: هل كان عليا وصيا - أي للرسول -؟ قالت: متي أوصي إليه؟ وقد كنت مسندته إلي صدري أو حجري. فدعا بالطست. فلقد انخنثت في حجري فما شعرت أنه قد مات. فمتي أوصي إليه [557] . ويروي: سئل عبد الله بن أبي أوفي: هل كان النبي (ص) أوصي؟ قال: لا. فقلت: أي السائل -: كيف كتب علي الناس وصية أو أمروا بالوصية؟ قال: أوصي بكتاب الله؟ [558] . ويروي عن عائشة قولها: ما ترك رسول الله دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرة ولا أوصي بشئ [559] . [ صفحه 224] ويروي أن الإمام علي سئل: هل خصكم رسول الله (ص) بشئ؟ فقال: كتاب الله وهذه الصحيفة. فقيل وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر [560] . وفي رواية أخري: ما عهد إلي رسول الله (ص) شيئا خاصا من دون الناس [561] . ومثل هذه الروايات الهدف منها هو ضرب فكرة الوصية لعلي بن أبي طالب أو بصورة أخري نفي وجود وصية للرسول (ص) خاصة بمستقبل الدعوة والإمامة من بعده.. وهذا موقف طبيعي من قوم يدعون أن الرسول مات وترك القرآن في مهب الريح معرض للضياع والنسيان. فإذا كان هذا موقفهم من كتاب الله الذي يعني وجوده وجود الدين وضياعه ضياع الدين. فكيف يمكن موقفهم فيما هو أدني من ذلك..؟ يقول الفقهاء: قولها - أي عائشة - وما شعرت أنه مات فمتي أوصي إليه الظاهر أنهم ذكروا عندها أنه - أي الرسول - أوصي له - أي لعلي - بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها إنكار ذلك واستندت إلي ملازمتها له في مرض موته إلي أن مات في حجرها فلا يرد ما قيل إن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك ولا يقتضي أنه مات فجأة بحيث لم يتمكن من الايصاء ولا يتصور ذلك لأنه (ص) علم قرب أجله قبل المرض ثم مرض أياما فلم يوص لأحد لا في تلك الأيام ولا قبلها ولو وقع الايصاء لادعاه الموصي له ولم يدع ذلك علي لنفسه ولا بعد أن ولي الخلافة ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة [562] . وعن رواية ابن أوفي يقولون: السؤال وقع عما اشتهر بين الجهال من الوصية إلي أحد أو فهم السؤال عن الوصية في الأموال فلذلك ساغ نفيها لا أنه [ صفحه 225] أراد نفي الوصية مطلقا لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصي بكتاب الله أي بدينه أو به وبنحوه ليشمل السنة [563] . ويقولون عن الرواية الثالثة: قولها - أي عائشة - ولا أوصي بشئ أي في المال لعدم تركه مالا وإن أوصي بالكتاب والسنة ولا أوصي لأحد بالخلافة فإنه مقصودها بالانكار [564] . وقال النووي عن الرواية الرابعة والخامسة: فيه إيطال ما زعم الرافضة - الشيعة - من الوصية لعلي وغير ذلك من اختراعاتهم [565] . إلا أن ما يمكن الخروج به من مثل هذه الروايات أن فكرة الوصية كانت مشاعة بين الناس وقد كثرت من حولها التساؤلات. وأن هذه التساؤلات كانت تتركز حول علي.. وباستعراض رواية عائشة التي تتحدث فيها عن موت الرسول في حجرها ومناقشتها علي ضوء الروايات الأخري التي تتحدث عن موت الرسول بين يدي علي يتبين لنا أن نفي عائشة للوصية محل شك [566] . أما الرواية الثانية فهي تدين القوم وتشكك في طرحهم ومواقفهم إذ أنها تثبت أن الرسول أوصي بكتاب الله وهذا يعني وجود الكتاب كاملا مجموعا ومدونا وهو ما يتناقض مع ادعاءهم أن الرسول ترك القرآن غير مجموع وأن أبا بكر جمعه. وهذا الاعتراف بوصية الرسول بالكتاب إنما هو محاولة للتهرب من إلقاء الضوء علي آل البيت بزعامة علي الذين أوصي بهم الرسول في حجة الوداع كما أشرنا إلي النصوص الخاصة بذلك سابقا [567] . كذلك قول عائشة ما ترك رسول الله. هو قول صادر عنها كرد فعل للصدام [ صفحه 226] الذي وقع بين الإمام علي وفاطمة وبين أبي بكر بخصوص الإمامة وميراث الرسول. وعائشة خصم لعلي وآل البيت فمن ثم فإن الرواة والفقهاء يتلقفون أقوالها تلقف الكرة كي يدعمون بها موقفهم في مواجهة خط الإمام علي وآل البيت المناوئ للخط السائد الذي يتحالفون معه وينصرونه برواياتهم وأقوالهم.. ونفس النتيجة نصل إليها باستعراض رواية علي وهي إدانة القوم واتهامهم بالتضليل وطمس الحقائق. فكون أن الإمام يسئل هذا السؤال هل خصكم رسول الله بشئ من دون الآخرين يعني أن في الأمر شئ يتعلق به دون الناس. وكونه يشير إلي الكتاب فهذا يعني أن القرآن موجود ومجموع وبحوزته هو.. وكونه يشير إلي الصحيفة فهذا يعني أنه قد كتب شيئا عن الرسول (ص) غير القرآن.. وإذا كان الرواة والفقهاء يعترفون أن هناك من كان يدون أحاديث رسول الله في حياته مثل عبد الله بن عمرو بن العاص [568] . ويعترفون أن الرسول أوصي بالكتاب والسنة علي الرغم من اعترافهم بعدم تدوينهما في زمن الرسول. فإن هذا كله يشير إلي أن الكتابة كانت مألوفة في عهد الرسول. وما دامت الكتابة مألوفة في الرسائل والأحاديث أفلا تكون مألوفة في الوحي..؟ وماذا كانت وظيفة كتاب الوحي إذن؟ هل كان الرسول يترك كل كاتب منهم يكتب ما يسمع منه من آيات في وقت ما وحدث ما. ويترك الآخر يكتب عنه آيات أخري دون أن يوجه هؤلاء الكتاب إلي تجميع وترتيب ما كتبوه..؟ وإذا كان قد ترك ذلك في بداية حركة الوحي فهل يترك حين قرب أجله..؟ [ صفحه 227] إن القوم أرادوا بنسبة هذه الرواية للإمام علي أن يضربوا فكرة الوصية المتعلقة به علي لسانه حتي يقطعوا دابر الشك في نفوس المسلمين. إلا أن التأمل في الرواية يصل إلي نتيجة عكسية تشكك في أطروحة القوم وفي رواياتهم.. والمتأمل في كم الروايات المنسوبة للرسول المتعلقة بالقرآن والوصية يتبين له أن القوم في حرج بالغ. ففي الوقت الذي يتداولون فيه الروايات التي تنفي جمع القرآن ووجود الوصية يتداولون أيضا كم من الروايات تدحض ها الادعاء وتؤكد جمع القرآن في زمن النبي ووجود الوصية.. ومن هذه الروايات: يروي أن ابن عباس سئل: أترك النبي من شئ؟ فأجاب: ما ترك إلا ما بين الدفتين.. وسئل محمد بن الحنيفة نفس السؤال فأجاب: ما ترك إلا ما بين الدفتين [569] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " [570] . ويروي عنه (ص): " تعاهدوا القرآن " [571] . ويروي أن عائشة جاءها رجل فقال: أريني مصحفك.. فأخرجت له المصحف فأملت عليه السورة. أي التي يريد [572] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي " [573] . ويروي: جمع القرآن علي عهد النبي (ص) أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد [574] . [ صفحه 228] ويروي عنه (ص): " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " [575] . ويروي أن رجلا كان يقرأ سورة الكهف وإلي جانبه حصان مربوط. فتغشته سحابة. فلما أصبح أتي النبي (ص) فذكر ذلك له. فقال: " تلك السكينة " [576] . قال ابن حجر معلقا علي الرواية الأولي: قوله ما بين الدفتين أي ما في المصحف وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين لأن ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان [577] . والمتأمل في كلام ابن حجر هذا يري مدي تحكم عبادة الرجال في نفوس هؤلاء فهو قد عمل علي إخضاع النص الصريح لموقف أبي بكر والمفروض أن يكون العكس من ذلك أي يخضع أبو بكر للنص.. إن المسلم إذا ما خير بين نص صريح وبين موقف من مواقف الصحابة فإنه يجب أن يختار النص لأنه هو الأساس أما الموقف فهو شئ طارئ يرتبط بصاحبه.. ولقد ضرب لنا الرواة والفقهاء مثلا صارخا في عبادة الرجال بميلهم إلي موقف أبي بكر وعمر وعثمان علي حساب النصوص الصريحة التي تؤكد وجود القرآن وجمعه في حياة الرسول (ص).. وكان من نتيجة هذا الموقف أن حط من قدر الرسول ووضع القرآن في دائرة الشك.. يروي: سألنا أصحاب رسول الله (ص): كيف تحزبون القرآن. قالوا نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور إحدي عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتي نختم [578] . [ صفحه 229] قال ابن حجر: فهذا يدل علي أن ترتيب السور علي ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي (ص) [579] . وهذا التصريح من ابن حجر أمام تلك الرواية الصريحة التي ذكرناها إنما هو تصريح تشوبه الحيرة والخلل. فالرواية تدل علي أن ترتيب القرآن كان موضع اهتمام الصحابة وهذا الاهتمام ينبع من اهتمام الرسول بلا شك ولا يعقل أن يكون هناك ترتيب ولا يكون هناك جمع. إلا أن ابن حجر أراد أن يطوق الرواية باعترافه أن الترتيب كان موجودا علي عهد الرسول علي ما هو في المصحف الحالي أي مصحف عثمان. أي أنه اعترف بالترتيب ولم يعترف بالجمع بل ربط الجمع بعثمان وكأنه بهذا يشير إلي أن ما فعله عثمان بالمصاحف هو عمل مشروع وأن مصحفه هو مصحف الرسول فهو قد جمعه علي ترتيب الرسول.. وهذا كلام مردود بالروايات والوقائع.. فعثمان ليس من كتبه الوحي وحين تصدي لأمر القرآن تصدي له عن طريق السلطة أي لم يكن هذا الموقف موجودا ويتبناه قبل أن يتولي الحكم كما أن هذا الموقف لم يكن محل إجماع الصحابة.. يروي أن عثمان أرسل إلي حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلي عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام فنسخوها في المصاحف.. حتي إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلي حفصة وأرسل إلي كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. وقال زيد بن ثابت: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله (ص) يقرأ بها. فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة ابن ثابت الأنصاري (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فألحقناها في سورتها في المصحف [580] . [ صفحه 230] ويروي أن عثمان سئل عن عدم كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في أول سورة التوبة. فأجاب أن قصتها شبيهة بالأنفال فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها [581] . ونخرج من هاتين الروايتين بما يلي: أولا: أن المصحف الذي نسخه عثمان هو مصحف حفصة الذي جمعه أبو بكر. ثانيا: أن عثمان أوكل بنسخ المصحف إلي زيد بن ثابت وهو نفسه الذي أوكل إليه أبو بكر جمع القرآن.. ثالثا: أن الثلاثة الآخرين المساعدين لزيد ليسوا من كتاب الوحي. رابعا: أنه فقدت من النساخ آية الأحزاب ولم يجدوها إلا عند واحد فقط وهو نفس ما حدث في الجمع الأول.. خامسا: أن ما كان بحوزة حفصة هو صحف فقط وهذا يناقض ما ذكر من أن الجمع كان علي أشياء متفرقة مثل العسب والألواح واللخاف. فهل نسخت حفصة المصحف الذي بحوذتها. أم هو تخبط الرواة؟ سادسا: أن عثمان يجهل آيات القرآن وتاريخه حيث إن الروايات تثبت أن الرسول لم يكن يعلم ختم السورة حتي ينزل بسم الله الرحمن الرحيم وكان من علامة ابتداء السورة نزول البسملة [582] . سابعا: أن حال عثمان كحال أبي بكر وعمر من أنهم جميعا تصدوا لمسألة لا خبرة لهم فيها وأوكلوها إلي آخرين.. ثامنا: أن أمر عثمان بإحراق المصاحف دون مصحفه يدل دلالة قاطعة علي أن هناك مصاحف موجودة كاملة ومتداولة بين الصحابة من عهد الرسول وعهد أبي [ صفحه 231] بكر وعمر. وأن عثمان لم يلجأ لأي من هذه المصاحف بل لجأ لمصحف حفصة المخزون [583] . تاسعا: أن الصحابة ثاروا علي قرار حرقة المصاحف وعلي رأسهم كتاب الوحي بقيادة ابن مسعود. وأدي هذا الأمر إلي إشعال نار الثورة علي عثمان والتي أدت إلي مصرعه [584] . عاشرا: أن عثمان يتهم الرسول (ص) بالاهمال والتقصير حين يذكر أنه قبض ولم يبين للناس أمر سورة التوبة.. ومن هذا كله يتبين لنا أن ما فعله عثمان بالمصاحف هو امتداد لما فعله أبو بكر. وأن الهدف من الجمع الأول هو الهدف من النسخ الثاني. إنها مسألة خاصة بحكم الخلفاء الثلاثة وشرعيتهم.. يروي أن ابن مسعود قال: يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت. ويروي عنه قوله: لقد أخذت من في رسول الله (ص) سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان [585] . ويقول ابن حجر: لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود فقال من استطاع أن يغل - يخفي - مصحفه فليفعل [586] . ويروي عن ابن مسعود قوله قال تعالي: (ومن يغلل يأت بما غل يوم [ صفحه 232] القيامة) غلوا مصاحفكم وكيف تأمروني أن أقرأ علي قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله [587] . ويروي عن ابن مسعود أيضا: والله لا أدفعه - يعني مصحفه - لعثمان - أقرأني رسول الله [588] . ومثل هذه الروايات تشير إلي صدام الذي وقع بين عثمان وبين الصحابة بسبب المصاحف. وقد تمكن عثمان من إخضاع المدينة بينما الكوفة تغلي بزعامة ابن مسعود وغيره من الصحابة [589] . إن ما استعرضنا من الروايات ونصوص الفقهاء إنما يؤكد لنا أن مصحف أبو بكر ومصحف عثمان كلاهما لم يكونا محل إجماع المسلمين آنذاك. وإن عمل أبو بكر وعثمان لا يخرج عن كونه صورة من صور التعدي علي كتاب الله وإخضاعه للوضع السائد. وكان هذا العمل علي حساب الرسول.. ويصطدم بنصوص القرآن الصريحة.. مثل قوله تعالي (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وقوله (لا تحرك به لسانك لتجعل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قراناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه) [القيامة: 16 - 18].. أما النصوص التي تؤكد وجود الوصية فمنها: يروي عن الرسول (ص) قوله: " ما حق امرئ له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " [590] . ويروي عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس. وما يوم الخميس. ثم بكي [ صفحه 233] حتي خضب دمعه الحصباء. فقال: اشتد برسول الله (ص) وجعه يوم الخميس. فقال: " ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ". فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: هجر رسول الله. قال (ص): " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه " [591] . وفي رواية أخري قال معارضو كتابة الوصية: إن رسول الله (ص) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا. فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. ومنهم من يقول غير ذلك فلما اكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله: " قوموا ".. قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم لغطهم [592] . قال الفقهاء: ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادل للامتثال. لكن ظهر لعمر مع طائفة أنه ليس علي الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلي الأصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قول الله تعالي (ما فرطنا في الكتاب من شئ).. وقوله (تبيانا لكل شئ) [593] . وقال الخطابي: إنما ذهب عمر إلي أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة الاجتهاد وعدم العلماء [594] . وقال ابن الجوزي: وإنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه - الرسول - في حالة غلبة المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلا إلي الطعن في ذلك المكتوب [595] . وقال ابن حجر: قول ابن عباس الرزية كل الرزية ما حال بين الرسول وبين [ صفحه 234] كتابه. ليس الأمر في الواقع علي ما يقتضيه هذا الظاهر وإنما تعين حمله علي غير الظاهر لأن عبيد الله بن عبد الله بن عباس راوي الحديث تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي بمدة طويلة ثم سمع من ابن عباس بعد ذلك بمدة أخري [596] . وقال عياض: معني كلمة الهجر التي ذكرها عمر - أفحش يقال هجر الرجل إذا هذي. وأهجر إذا أفحش [597] . ويعلق ابن حجر علي وصف النبي (ص) بالهجر بقوله: وقوع ذلك عن النبي مستحيل لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالي (وما ينطق عن الهوي) [598] . وقال النووي وغيره: قوله قد غلب عليه الوجع أي فيشق عليه إملاء الكتاب ظهر لعمر أن الأمر ليس للوجوب ودل أمره لهم بالقيام من عنده علي أن أمره بالإتيان بآلة الكتابة كان علي الاختيار ولهذا عاش (ص) بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش فإذا اعتزم امتثلوا وقد عد هذا من موافقات عمر. واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه علي الأحكام ليرتفع الخلاف وقيل بل أراد أن ينص علي أسامي الخلفاء حتي لا يقع بينهم الاختلاف [599] . وقولنا في هذا كله وهو ما يلي: أولا: إن الرواية الأولي تنص علي وجوب الوصية وعدم جواز أن يبيت المرء دون أن يكتب وصيته. فإذا كانت الوصية واجبة في الأموال فهي أكثر وجوبا في أمور الدين ومستقبل الدعوة الخاتمة.. [ صفحه 235] وإذا كان الرسول (ص) يقول بهذا. فهو يؤكد أن الوصية كانت موضع اهتمامه في الأموال وغيرها من أمور الدين والدنيا.. والفقهاء بالطبع لم يركزوا علي هذه الرواية التي حصروها في شؤون المال والميراث ولم يحاولوا التأكيد علي أهمية الوصية من خلالها. أما الرواية الثانية الخاصة بكتابة كتاب يعصم الأمة من الضلال والردة والانحراف بعد الرسول فهي رواية ذات دلالات خطيرة وصريحة تتعلق بوصية الرسول فمن ثم نري الفقهاء وقد أحاطوا بها من كل جانب محاولين تمييعها تارة وتأويلها علي غير المراد تارة وتبرير مواقف الجبهة الرافضة للوصية بزعامة عمر تارة أخري وهو ما يبدو بوضوح من خلال نصوصهم التي عرضناها.. ثانيا: إن استعراض الرواية الثانية يكشف لنا ما يلي: - أن الرسول أراد كتابة وصية تعصم الأمة من الضلال بعده وهو في مرض الموت وهذا يعني أن هذه الوصية ذات دلالات مستقبلية وسياسية فاصلة ومصيرية.. - أن الصحابة انقسموا في مواجهة طلب الرسول إلي قسمين: قسم مؤيد لكتابة الوصية.. وقسم معارض لها.. القسم الأول يتزعمه علي والأنصار.. والقسم الثاني يتزعمه عمر والمهاجرين.. - أن الاتجاه المعارض رفع شعار حسبنا كتاب الله. وفي هذا إشارة إلي وجود القرآن كاملا ومجموعا. ومن جهة أخري هو محاولة للتغطية علي الوصية والتقليل من شانها.. - أن رفع هذا الشعار في مواجهة الرسول فيه تجاوز لحد الأدب معه ومساس بشخصه الكريم. إذ أن الرسول هو الذي أنزل عليه الكتاب فليس من اللائق أن ينبه إليه. - أن الاتجاه المعارض لجا إلي الطعن في شخص الرسول كمحاولة لإثارة الاتجاه الآخر وجذبه نحو الصدام معه دفاعا عن الرسول لا عن الوصية مما أدي بالرسول إلي حسم الموقف ووقف الصدام بين الطرفين بدلا من الاصرار علي كتابة الوصية وهو ما حدث عندما قرر الرسول طرد الجميع من غرفته.. [ صفحه 236] ثالثا: إن الفقهاء دافعوا دفاعا مستميتا عن عمر مبررين موقفه بمبررات واهية وساذجة فيها استخفاف بالعقل. وذلك بدلا من أن يدافعوا عن الرسول وعن النص.. رابعا: إن الفقهاء أنزلوا عمر منزلة المجتهد بموقفه هذا الذي تجاوز فيه حد الأدب مع الرسول واتهمه بالتخريف والهذيان.. خامسا: إن الفقهاء لم ينفوا وجود الوصية وكونها وصية مصيرية تتعلق بمستقبل الدين والإمامة من بعد الرسول.. ونحن لا نريد هنا أن نخوض في موقف عمر ودوافعه وأبعاده فذلك ليس مجاله هنا وإنما المجال هنا يتركز في إبراز دور الرواة والفقهاء في تشويه الرسول والحط من قدره ومكانته العالية والمساس بدوره ورسالته [600] . ولقد أشرنا سابقا إلي الروايات التي تشير إلي وصية الرسول (ص) بآل البيت في حجة الوداع والتي تؤكد تأكيدا قاطعا أنهم المقصودون بالوصية وإن كانت رواية الكتاب لم ينتج عنها كتابة الوصية فإن الرسول قد بينها وحددها في أكثر من موضع ولعل هذا هو ما جعله لا يكتبها حين وقع الصدام أمامه بسببها لكونها بينة واضحة ولعله يكون قد كتبها وتم التعتيم عليها من قبل الحكام والفقهاء كما تم التعتيم علي الكثير من النصوص الهامة.. عندما يقول الرسول (ص) في حجة الوداع: " أذكركم الله في أهل بيتي ".. أليست هذه وصية..؟ وعندما يقول: " أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولها كتاب الله.. وأهل بيتي ".. أليست هذه وصية..؟ وعندما يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " [601] . [ صفحه 237] أليست هذه وصية..؟ وعندما يقول: " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " [602] . وفي رواية: " اثنا عشر خليفة " [603] . وفي رواية: " لا يزال الإسلام عزيزا إلي اثني عشر خليفة " [604] . إلا أن هذه الروايات المحرجة التي أفلتت من الرواة لم تفلت من الفقهاء الذين وجهوا دفتها بعيدا عن آل البيت بتمييع مفهوم آل البيت تارة وتأويل الرواية لتخدم الحكام تارة والطعن في صحتها وسندها تارة أخري.. وهم قد مروا علي روايات حجة الوداع مرور الكرام دون أن يلقوا الضوء علي مدلولاتها. وهم معذورون في هذا بالطبع إذ أن تبني مدلولات مثل هذه الروايات يصطدم بالوضع السائد الذي يستمدون وجودهم منه.. وهذا ما يبدو بوضوح من الرواية الأخيرة التي يبشر فيها الرسول باثني عشر خليفة. فهم قد طبقوا هذه الرواية علي الحكام.. يقول الفقهاء: تردد العلماء في المعني المراد بهذا - أي بالاثني عشر - فقالوا يحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر خليفة مستحقو الخلافة من أئمة العدل. ويحتمل أن يكون المراد اجتماعهم في زمن واحد يفترق الناس عليهم فتتبع كل طائفة واحدا منهم. ويحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر الذين يكون معهم إعزاز الخلافة وسياسة إمارة الإسلام واجتماع الناس كلهم علي كل واحد منهم [605] . وينقل صدر الدين الحنفي: الاثنا عشر: الخفاء الراشدون الأربعة. ومعاوية وابنه يزيد. وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز ثم أخذ الأمر في الانحلال [606] . [ صفحه 238] وقال السيوطي: الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وهؤلاء ثمانية. ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية. وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل. وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل بيت محمد (ص) [607] . وقال ابن الجوزي: قد أطلت البحث في معني هذا الحديث وتطلبت مظانه وسألت عنه فلم أقع علي المقصود به لأن ألفاظه مختلفة ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة. ثم وقع لي فيه شئ وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار إليه ثم وجدت كلاما لأبي الحسين بن المنادي وكلاما لغيره [608] . وقال آخر: يحتمل في معني هذا الحديث أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان فقد وجدت في كتاب دانيال إذا مات مهدي ملك بعده خمس رجال من ولد السبط الأكبر ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ث م يملك بعده ولده فيتم بذلك اثني عشر ملكا كل واحد منهم إمام مهدي [609] . وقال القاضي عياض: لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عز الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع علي من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلي أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتن [610] . ويروي عن كعب الأحبار قوله: يكون اثنا عشر مهديا ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال [611] . وقيل: إن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدن الإسلام إلي يوم القيامة.. يعلمون بالحق وإن لم تتوالي أيامهم [612] . [ صفحه 239] ويقول ابن حجر:.. والذي وقع أن الناس اجتمعوا علي أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلي أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمي معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمع الناس علي معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا علي ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع الخلاف إلي أن اجتمعوا علي عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ثم اجتمعوا علي أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس علي خليفة بعد ذلك [613] . ومن الواضح أن الفقهاء يتخبطون في تحديد الأئمة الاثني عشر الذين أوصي بهم الرسول وبشر بهم في عدة روايات وهذا الخبط يعود سببه في كونهم أخضعوا النص للسياسة وسيروه في طريق الحكام الذين غلبوا علي الأمة بالسيف من أبي بكر حتي آخر حكام بني أمية الذين حصروا الروايات في دائرتهم. وأهملوا بني العباس الذين جمعت الروايات في عصرهم ونموا وترعرعوا في ظلالهم [614] . ولم يحدث في تاريخ المسلمين أن اجتمعوا علي حاكم من الحكام كما يدعي الفقهاء الذين يريدون إيهام المسلمين بأن اغتصاب السلطة بالقوة والاستقرار في الحكم يعني موافقة وإجماعا عليهم.. وهل يقبل أن يبشر الرسول بأمثال هؤلاء الحكام مثل عثمان ومعاوية وولده يزيد وأبناء مروان الذين يشهد التاريخ بفسادهم وإجرامهم ويربط بهم عزة الإسلام. والظاهر أن الفقهاء يريدون أن يربطوا عزة الإسلام بحركة الغزو المسلح والذي قامت به جيوش هؤلاء الحكام والتي كان نتيجتها سيادة دولهم علي المشرق والمغرب علي أساس أن هذه السيادة هي سيادة الإسلام. [ صفحه 240] لقد أغفل الفقهاء تماما آل البيت تحت ضغط السياسة وتوجهوا بأبصارهم نحو الحكام.. أهملوا الإمام علي.. وأهملوا الإمام الحسن.. وأهملوا الإمام الحسين.. وأهملوا زين العابدين.. وأهملوا محمد الباقر.. وأهملوا جعفر الصادق.. وأهملوا موسي الكاظم.. وأهملوا علي الرضا.. وأهملوا محمد الجواد.. وأهملوا علي الهادي.. وأهملوا الحسن العسكري.. وأهملوا المهدي المنتظر.. أهملوا هؤلاء واهتموا بالحكام.. إن المتتبع لتاريخ هؤلاء الاثني عشر سوف يتبين له أنهم هم المقصودون بوصية الرسول وهم ورثة علمه وحججه علي الناس وقد تم التعتيم عليهم وعلي سيرتهم في كتب التاريخ من قبل الرواة والفقهاء والحكام. وكان نتيجة هذا التعتيم أن نشأت الأجيال المسلمة لا تعرف عنهم شيئا خاصة بعد أن سلطت الأضواء علي الأئمة الزائفين الذين حلوا محلهم [615] . وكما حاول الرواة والفقهاء التعتيم علي أئمة آل البيت حاولوا أيضا التعتيم [ صفحه 241] علي قوله تعالي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) بأن صرفوا معناه علي نساء النبي [616] . إن تخصيص آل البيت بالتطهير من دون بقية فئات الأمة يعني أنهم الفئة المؤهلة لقيادة الأمة وحفظ الدين من بعد الرسول. فمهمة الحفظ والقيادة لا بد وأن تكون لفئة تحمل مواصفات النبي (ص).. وهذا دليل قاطع علي كونهم هم الذين أوصي بهم الرسول ويدل علي ذلك ربطهم بالكتاب.. [ صفحه 245]

الرسول الجاهل

الرسول يفر من الوحي ويفتي بلا علم ويحتال عليه الناس. ويتميز عليه عمر.. تكتظ كتب السنن بعشرات الروايات التي تصف الرسول (ص) بالجهل وتشكك في قدراته علي القيام بدوره كنبي مرسل.. وكالعادة بارك الفقهاء هذه الروايات وقاموا بتبريرها وتأويلها دون أن ينتبهوا إلي خطورتها ومساسها بشخص الرسول.. ولقد تمادي الفقهاء في موقفهم فباركوا روايات ترفع مقام عمر فوق مقام الرسول وتدخله مقام النبوة وتجعله مشاركا للرسول في أمر الوحي ولقد جمعنا في هذا الباب الكثير من الروايات المتناثرة في كتب السنن والتي تصلح كل رواية منها ليقوم عليها بابا خاصا بها. لكننا ألحقناها بالباب لقرب موضوعها من موضوعه وتجنبا للإطالة وتيسيرا للقارئ.. وبين الروايات المتعلقة بالرسول والروايات المتعلقة بعمر نقف في دهشة وضجر من هؤلاء الفقهاء الذين هان عليهم رسولهم إلي هذا الحد.. - الرسول والوحي: بدا القوم بتجهيل الرسول (ص) مع أول خطوة خطاها علي طريق البعثة والرسالة في مكة.. تروي عائشة أن الرسول (ص) كان يخلوا بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد. وأن الملك جاءه فقال اقرأ. قال: " ما أنا بقارئ ". فأخذه فغطه حتي بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ. قال: " ما أنا بقارئ ". فأخذه فغطه ثانية حتي بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ. قال: " ما أنا بقارئ ". فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم). فرجع بها الرسول يرجف فؤاد ودخل علي خديجة قائلا: " زملوني زملوني ". فزملوه حتي ذهب منه الروع. واخبر خديجة بالخبر وقال: " لقد خشيت علي نفسي ".. فأخذته خديجة علي ورقة بن نوفل وكان علي دين النصرانية.. [ صفحه 246] فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله علي موسي.. ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال الرسول: " أو مخرجي هم "؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي [617] . ونخرج من هذه الرواية بالنتائج التالية: أولا: أن هناك شط يحيط بربط هذه الرواية بعائشة. إذ أن حدث نزول الوحي علي الرسول كان قبل ولادتها حسب الروايات التي تقول أنها ولدت في السنة الثانية أو الرابعة أو الخامسة.. وحتي تثبت لنا صحة هذه الرواية فيجب علي القوم أن يعترفوا أن عمر عائشة هو أكبر بكثير مما يذكرون لكي يثبت لنا صحة معايشتها لهذا الحدث وهذا هو الأرجح وإلا تصبح هذه الرواية علي كف عفريت.. ثانيا: أن الرسول (ص) كان يتعبد بغار حراء من قبل البعثة وهذه إشارة إلي كونه كان معدا لاستقبال الوحي. فمن ثم فإن ظهوره له لم يكن مفاجأة وبالتالي فليس هناك مبرر للخوف منه.. ثالثا: إن تبني مثل هذه الرؤية التي تنص علي خوف الرسول وفزعه من جبريل إنما ينبع من عقيدة الرواة والفقهاء في كون الرسول غير معصوم قبل البعثة فهذه الرؤية تجرد الرسول من خاصية الوعي والعلم بما يتعلق بالوحي والرسالة قبل البعثة وهو ما تؤكد النصوص التالية من الرواية.. رابعا: إن ما يدحض هذا التصور هو تعبد الرسول الدائم في غار حراء وهو ما تؤكده الرواية - قبل بعثته. فعلي أساس أي دين كان يتعبد؟ ومن أين له العلم بهذا..؟ خامسا: إن القوم يتداولون رواية تقول علي لسان الرسول (ص): " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " [618] . [ صفحه 247] وهذه الرواية تعطينا دلالة قاطعة أن الرسول كان في حفظ الله ورعايته من قبل أن يوحي إليه.. سادسا: إن جبريل قام بتعذيب الرسول وإكراهه علي القراءة. وهذا سلوك غير معقول من رسل الله سبحانه ولا يجوز نسبته لجبريل (ع).. سابعا: إن ذهاب الرسول لورقة النصراني ليستفتيه يشم منه رائحة الطعن والتشويه لشخص الرسول ودعوته وكأنه يشير إلي وجود صلة بين ما جاء به الرسول وبين النصاري.. ثامنا: إن الرسول لم يكن يعلم شيئا عن أبعاد الدعوة التي أوحي إليه بها ونتائجها المستقبلية. وإن ورقة هو الذي نبهه إلي هذا. وهو يقود إلي نفس النتيجة السابقة.. ومن خلال هذا كله يمكننا الحكم ببطلان هذه الرواية وعدم صحة نسبتها للرسول (ص) فإن نسبتها له يعني اتهامه بالجهل. وهذا الاتهام يقودنا إلي الطعن في الرسالة. وبالتالي فنحن نضحي بالرواية وبالرجال الذين أكدوها في مقابل الحفاظ علي الصورة السامية للرسول والذي هو يعد حفاظا علي الدين الذي جاء به.. ويروي عن الرسول (ص) قوله: " بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس علي كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه. فرجعت فقلت زملوني " [619] . وهذه الرواية تعد امتدادا للرواية السابقة التي تؤكد جهل الرسول بأمر الوحي والذعر منه والفرار من أمامه. إلا أن الجديد في هذه الرواية هو ظهور جبريل أمام الرسول جالس علي كرسي بين السماء والأرض وهو كلام لا معني له ولا صلة له بالأمر وهو علي ما يبدو من اختلاق خيال الراوي.. فهل ظهر جبريل لمجرد إخافة الرسول فقط. أم جاء إليه بكلام الله؟ [ صفحه 248] وكيف سوف يوصل إليه هذا الكلام ما دام قد فر منه..؟ ويروي عن الرسول (ص) قوله: " فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج عن صدري ثم غسله بماء زمزم. ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه " [620] . وفي رواية أخري: " بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان بين رجلين. فأتيت بطست من ذهب ملئ حكمة وإيمانا. فشق من النحر إلي مرافق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم. ثم ملئ حكمة وإيمانا " [621] . وفي رواية ثالثة: إن رسول الله (ص) أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرع فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه عقلة. قال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه. ثم أعاده في مكانه [622] . ويروي: " أوتيت فانطلقوا بي إلي زمزم فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت " [623] . ويظهر لنا من خلال هذه الروايات الأربعة التي تدور حول حدث محدد وهو شق قلب الرسول. أنها روايات متناقضة وتضرب بعضها بعضا.. ففي الرواية الأولي وقع الحدث في بيت الرسول وبعد البعثة.. وفي الرواية الثانية وقع الحدث في البيت الحرام وبعد البعثة.. وفي الرواية الثالثة وقع الحدث في طفولة الرسول وبالخلاء.. وفي الرواية الرابعة لم يتحدد المكان.. وهذا وحده كاف للشك وتبرير رفضها.. وإذا قدر لنا التسليم بصحتها فأي الروايات سوف نختار. [ صفحه 249] وعلي أي أساس سوف يتم هذا الاختيار؟ أما فيما يتعلق بموضوع الرواية فهو أمر مناف للعقل ويصطدم بعصمة النبي التي هي في الأساس مسألة معنوية لا مادية كما تحاول تأكيد ذلك الروايات.. إن مثل هذه الروايات تشبه إلي حد كبير تلك الروايات المنتشرة في التوراة والإنجيل حول الأنبياء والأحبار والرهبان ومن جهة أخري فإن هذه الروايات تحاول تأكيد فكرة جهل الرسول وافتقاده الرصيد العلمي قبل البعثة وحتي بعدها.. وبدلا من أن يعمل الفقهاء عقولهم في هذه الروايات والنظر في أمر قبولها قاموا بإخضاع النص القرآني لهذه الروايات. بتفسير قوله تعالي (ألم نشرح لك صدرك) علي ضوء هذه الروايات [624] . - عمر والرسول: إن قمة تجهيل الرسول (ص) وامتهانه تتجلي لنا في تلك الروايات التي يتداولها القوم والتي يطلقون عليها موافقات عمر أي موافقته للوحي.. يروي عن عبد الله بن عمر قال: قال أبيه: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم. وفي الحجاب. وفي أساري بدر [625] . وفي رواية أخري: وافقت ربي في ثلاث. فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي. فنزلت (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي) وآية الحجاب. قلت: يا رسول الله: لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر. فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي (ص) في الغيرة عليه فقلت لهن عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن. فنزلت هذه الآية [626] . ويروي عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد [ صفحه 250] الله إلي رسول الله (ص) فسأله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه. فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه. فقام رسول الله ليصلي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله. فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه. فقال رسول الله: " إنما خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد علي سبعين ". قال عمر: إنه منافق. فصلي عليه رسول الله وأنزل الله عز وجل (ولا تصل علي أحد منهم مات أبدا ولا تقم علي قبره) [627] . قال الفقهاء: قوله وافقت ربي. قال الطيبي ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعي الأدب الحسن ولم يقل وافقني ربي مع أن الآيات إنما أنزلت موافقة لرأيه واجتهاده. ولعله أشار بقوله هذا أن فعله حادث لا حق وقضاء ربه قديم سابق. وقال ابن حجر العسقلاني: ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة لأنه حصلت له الموافقة في أشياء من مشهورها قصة أساري بدر وقصة الصلاة علي المنافقين وأكثر ما وفقنا منها بالتعيين خمسة عشر. قال صاحب الرياض: منها تسع لفظيات وأربع معنويات واثنتان في التورية [628] . ويقول: والمعني وافقني ربي فأنزل القرآن علي وفق ما رأيت. ولكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلي نفسه [629] . وقال السيوطي: قد أوصلها بعضهم إلي أكثر من عشرين. أي عشرين موافقه. ونقل عن مجاهد قوله: كان عمر يري الرأي فينزل به القرآن. وعن ابن عمر قوله: ما قال الناس في شئ وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر. وفي تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها. وفي نزول قوله تعالي (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من [ صفحه 251] طين) قال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين. فنزلت (فتبارك الله أحسن الخالقين). ونقل عن كعب الأحبار قوله: ويل لملك الأرض من ملك السماء. فقال عمر: إلا من حاسب نفسه. قال كعب: والذي نفسي بيده أنها لفي التوراة لتابعتها. فخر عمر ساجدا. ونقل أن بلالا كان يقول إذا أذن: أشهد أن لا إله إلا الله حي علي الصلاة. فقال عمر: قل في أثرها: أشهد أن محمد رسول الله. فقال رسول الله (ص): قل كما قال عمر [630] . ونقل الترمذي عن ابن عمر قوله: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه. وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه علي نحو ما قال عمر [631] . ونقل ابن حجر الهيثمي لعمر سبعة عشر موافقة للكتاب والسنة والتوراة [632] . إن أدني تفكر في هذه النصوص يقودنا إلي الحكم ببطلانها وضلال معتنقيها فإن تبني مثل هذه الروايات يحط من قدر الرسول ويشكك في دوره كما يشكك في الوحي ويدخله في دائرة البعث. وإن تبني الفقهاء لمثل هذه الروايات يكشف لنا مدي حجم الجريمة الشنعاء التي ارتكبوها في حق الرسول (ص). وهو ما يتضح بجلاء عند مناقشة هذه الروايات وتبين نتائجها ومدلولاتها.. وأول ما تؤكده هذه الروايات هو مشاركة عمر للرسول في أمر الوحي وهذا ضلال بعيد. وهو كفر لا محالة. إذ أن الرسول هو المختار من قبل الله تعالي وهو الملهم والمسدد وفوق هذا هو مبلغ ومبين ولا يعلم الغيب ولا يتنبأ إلا وفق ما يوحي إليه. هذه هي صورة الرسول كما يرسمها القرآن. أما هذه الروايات فترسم لعمر صورة أخري فوق صورة الرسول فهي تؤكد جهل الرسول وإهماله شؤون الدين وتنبه عمر لذلك ثم موافقة الوحي ونزوله مناصرا لرأي عمر. [ صفحه 252] ألا يعني هذا مهانة للرسول وحط من قدره وتشكيك في رسالته؟ أليس هذا يصطدم بدور الرسول ومهمته..؟ وثاني نتيجة تظهر لنا من خلال هذه الروايات هي تخبط الرواة وتناقضهم. فتارة ينسبون لعمر ثلاث موافقات هي ما يتعلق بمقام إبراهيم وما يتعلق بالحجاب وما يتعلق بأساري بدر.. وتارة ينسبون إليه ما يتعلق بطلاق نسوة النبي بدلا مما يتعلق بأساري بدر. وينسبون إليه قصة الصلاة علي زعيم المنافقين وغير هذه الموافقات الأربعة هي محل خلاف بين المحدثين والفقهاء وإجماعهم هو علي هذه الأربعة لكونها رويت في البخاري ومسلم أما بقية الموافقات فرويت في كتب السنن الأخري التي أجاز القوم الخوض في رواياتها.. ولقد حكم السيوطي وابن حجر الهيثمي بضعف رواية موافقة عمر للآذان التي تنسب إليه إضافة محمد رسول الله في الآذان. ومع ذلك استدلا بها واعتمدا عليها في البرهنة علي موافقاته [633] . وإذا كان الفقهاء يشككون في مثل هذه الروايات التي تسند إلي عمر هذه الموافقات فكيف لهم أن يسندوا إليه موافقته للتوراة. هل يعني هذا أن التوراة مصدرا موثوقا عندهم..؟ أم أن الرواية من الإسرائيليات..؟ وما الذي يجعل عمر يخر ساجدا لله لما وجد قوله موافقا لنص التوراة؟ هل التوراة محل صدق لديه؟ أم لم تعد موافقاته للقرآن تكفيه..؟ والرواة لم يتحفونا برواية تثبت لنا سجود عمر لله حين نزل القرآن موافقا لرأيه. فقط أتحفونا بسجوده لموافقة التوراة له.. [ صفحه 253] فأي عقل يحتمل هذا الهراء..؟ وليتأمل القارئ قول عمر للرسول (ص): " لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر..؟ هل هذه لغة يخاطب بها الرسول؟ ألا يعني هذا الكلام مساسا ببيت النبي ونساءه..؟ لنترك الروايات تتحدث.. يروي عن عائشة قولها: إن أزواج النبي (ص) كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلي المناصع وهو صعيد أفيح. وكان عمر يقول لرسول الله: أحجب نساءك فلم يكن رسول الله يفعل. فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاءا وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا فقد عرفناك يا سودة. حرصا علي أن ينزل الحجاب. قالت عائشة: فأنزل الله الحجاب [634] . وفي رواية أخري: والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. فرجعت سودة وأخبرت النبي بقول عمر [635] . قال ابن حجر: والحاصل أن عمر وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب علي الحريم النبوي حتي صرح بقوله له (ص) أحجب نساءك؟ وأكد ذلك إلي أن نزلت آية الحجاب [636] . وقال القسطلاني: فيه - أي في هذه الرواية - منقبة عظيمة ظاهرة لعمر. وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار علي مصالحهم ونصيحتهم وتكرار ذلك [637] . ومن خلال هذه الرواية وأقوال الفقهاء حولها يتضح لنا مدي مهانة الرسول في نظر القوم. وبدا وكان عمر أهم من الرسول.. [ صفحه 254] إن الرواية كمضمون ليست في صالح عمر كما أنها لا تشير إلي نزول آية الحجاب موافقة لموقفه. فسلكوه كما تشير الرواية يتجاوز حدود الأدب مع نساء النبي. فهو يعترض طريقهن ليلا ويؤذيهن بلسانه.. ويهددهن مما يبرهن علي أن موقفه لا ينم عن علم أو وعي بقدر ما يبرهن عن سلوك غير متحضر.. والرواية من جانب آخر تحط من قدر الرسول وتصور مر كموجه له يذكر بإهماله نساءه وترك الحبل لهن علي الغارب بينما الرسول لا يعبأ بنصحه وجاء الفقهاء بتأويلاتهم وتبريراتهم ليؤكدوا هذا السلوك المشين من قبل عمر ويؤكدوا مهانة الرسول وجهله وإهماله وتفوق عمر عليه الذي لاحظ نظرات الأجانب لنساء النبي ورصد حركاتهن من قبلهم فنفر قلبه من ذلك بينما الرسول لم يحرك ساكنا.. فهل بعد هذا كله يصح أن يقال إن هذا السلوك من قبل عمر يعد منقبة عظيمة له..؟ وأن يستنبط من هذا السلوك منهج لدعوة الكبار وأهل الفضل ونصحهم..؟ أما موافقة عمر لمسألة الصلاة علي عبد الله بن أبي بن سلوك فهي تقودنا إلي نتائج أدهي وأمر وأهم ما نخرج به من هذه القصة هو زيادة اليقين ببطلان مثل تلك الروايات.. إن رواية صلاة الرسول (ص) علي ابن سلول وموقف عمر تنطق بالوضع فهي تصرح بالنهي عن الصلاة علي المنافقين علي لسان عمر من قبل أن ينزل نص التحريم.. فمن أين علم عمر بأمر النهي..؟ هل كان عمر يعلم الغيب. أم هو علي اتصال بالوحي؟ [638] . وهذه النتيجة في ذاتها كافية لضرب الرواية بل روايات موافقات عمر. بل عمر ذاته. فالدخول في تفاصيلها ينسفه نسفا. إذ أن جذبه الرسول من ثوبه هذه وحدها طامة كبري. ومجادلته الرسول أشد نكالا.. هذا بخصوص عمر.. [ صفحه 255] أما بخصوص الرسول فالرواية تؤكد جهله بأحكام الدين وإصراره علي هذا الجهل وتحايله علي النص القرآني كي يستغفر للمنافقين.. فهل هناك جريمة ترتكب في حق الرسول أكثر من هذه؟ وإذا كان القرآن ينص علي قوله تعالي: (.. ولا تصل علي أحد منهم مات أبدا ولا تقم علي قبره).. فهل يحق للرسول أن يخالف القرآن؟ والإجابة لا بالطبع. لكن القوم عكسوا الآية. فبدلا من أن يؤكدوا أنها نزلت لتحذر الرسول من الصلاة علي المنافقين وتنهاه عن ذلك. قالوا إنها نزلت موافقة لرأي عمر ضد الرسول المصر علي الصلاة ومخالفة النص.. إن الفقهاء يريدون التأكيد علي أن الرسول (ص) خالف القرآن وتجاوز حدود النص وأن النابه عمر تصدي له. وأن الوحي ناصر عمر ضد الرسول. فأي ضلال بعد هذا.. وكان أجدر بالفقهاء أن يقولوا إن النص القرآني نزل قبل أن يقوم الرسول بأي خطوة عملية تجاه المتوفي ابن سلول وذلك من باب الدفاع عن الرسول. لكنها عبادة الرجال.. وقد نقل ابن حجر العسقلاني كلام للباقلاني والجويني برفض رواية صلاة الرسول علي ابن سلول وموقف عمر [639] . وينسب الرواة إلي الرسول (ص) الكثير من الأمور المشينة في مجالات الحياة المختلفة والتي لا تتركز حول قضية الجهل وحدها وإنما تشمل قضايا أخري محصلتها النهائية الحط من قدر الرسول والتشكيك في شخصه وقدراته.. ومن هذه الروايات: عن عائشة قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلي النبي (ص) فقالت يا رسول الله [ صفحه 256] الله: إني أري في وجه أبي حذيفة من دخول سالم. فقال النبي: " ارضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة ". قالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم الرسول وقال: " قد علمت أنه رجل كبير " [640] . وعنها قالت: كان رسول الله (ص) مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو علي تلك الحال. فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله وسوي ثيابه.. فتحدث فلما خرج قالت عائشة. دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله. ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله. ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك. فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة [641] . ويروي أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلي الرسول (ص) فقال: يا محمد. إنا نجد أن الله يجعل السموات علي إصبع والأرضين علي إصبع والشجر علي إصبع والماء والثري علي إصبع. وسائر الخلائق لي إصبع. فيقول: أنا الملك. فضحك النبي حتي بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر [642] . ويروي: سئل رسول الله (ص) عن أطفال المشركين من يموت منهم صغيرا؟ فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " [643] . ويروي أن الرسول (ص) لقي زيد بن عمرو بن نفيل قبل أن ينزل عليه الوحي فقدم رسول الله سفرة فيها لحم. فأبي أن يأكل. ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون علي أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه [644] . ويروي: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما فخرج إلينا رسول الله (ص) [ صفحه 257] فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب. فقال: " مكانكم ". ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه [645] . ويروي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله (ص) رجلان فكلماه بشئ لا أدري ما هو؟ فأغضباه. فلعنهما وسبهما [646] . ويروي عن الرسول قوله: " إنما أنا بشر وإني اشترطت علي ربي عز وجل أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وخير " [647] . وفي رواية أخري: " أيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته " [648] . ويروي عن عائشة: أن النبي (ص) مر بقوم يلقحون. فقال: " لو لم تفعلوا لصلح " فخرج شيصا. فمر بهم. فقال: ما لنخلكم. قالوا: قلت كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم [649] . وفي رواية أخري: مر رسول الله (ص) بقوم علي رؤوس النخل. فقال: " ما يصنع هؤلاء "؟ فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثي فيلقح. فقال رسول الله: " ما أظن يعني ذلك شيئا ". فأخبر بذلك فتركوه. فنفضت (أي فسدت) فأخبر الرسول بذلك. فقال: " إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب علي الله عز وجل " [650] . وفي رواية: " إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه به وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر " [651] . ويروي عن عائشة قالت: لا دنا رسول الله (ص) في مرضه. فأشار أن لا [ صفحه 258] تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال: " لا يبقي أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم " [652] . ويروي عن عائشة قولها: سمع النبي (ص) قارئا يقرأ من الليل في المسجد. فقال: " يرحمه الله. لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا " [653] . وفي رواية: " لقد أذكرني آية كنت أنسيتها " [654] . ويروي: أتي النبي (ص) سباطة قوم خلف حائط فبال قائما [655] . ويروي عن عائشة قالت: سحر رسول الله (ص) حتي أنه يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله [656] . وفي رواية أخري: سحر رسول الله (ص) حتي كان يري أنه يأتي النساء ولا يأتيهن [657] . ويروي: أن الرسول كان ينقل الحجارة للكعبة وعليه إزاره. فقال له العباسي: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته علي منكبك دون الحجارة. فحله فجعله علي منكبه فسقط مغشيا عليه. فما رئي عريانا بعد ذلك اليوم [658] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إنما أنا بشر. وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صدق فاقضي له بذلك. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها " [659] . ويروي أن يهودية أتت النبي (ص) بشاة مسمومة فأكل منها. فجئ بها. [ صفحه 259] فقيل: ألا تقتلها. قال: " لا ". قال الراوي: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله [660] . ويروي عن عمر قوله: قال الرسول (ص) " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " [661] . هذه هي نصوص الروايات التي ينسبها الرواة إلي الرسول (ص) وهي علي ما يبدو من ظاهرها يدور معظمها في محيط تجهيل الرسول.. وسوف نعرض أولا لأقوال الفقهاء حول هذه الروايات ثم نبدي ملاحظاتنا بعدها. قال القاضي بالنسبة لرضاعة الكبير: قوله (ص) " ارضعيه ". لعلها حلبته ثم شربه من غير أنه يمس ثديها ولا انتقت بشرتاهما [662] . وقال النووي: وهذا الذي قاله القاضي حسن [663] . والذي نقوله نحن أن هذه الرواية هراء وتبرير الفقهاء لها أكثر من هراء. إذ أن العلوم شرعا أن حرمة الرضاع إنما تنبني علي سني الرضاعة وهما حولين كاملين أي السنة الأولي والثانية من عمر المولود بعد ذلك لا عبرة برضاعة من أي ثدي لأن اللبن لن يكون له دور في تكوينه. فهل كان الرسول يجهل هذه الحقيقة. أم كان يمزح مع السائلة.. ومثل هذه الأمور محل للمزاح؟ إن الإجابة علي هذه التساؤلات هي أن هذه الرواية لا تخرج عن كونها لهو مصطنع علي لسان أصحاب الأهواء والأغراض من الحكام وغيرهم ونسبوها إلي الرسول ويكفي القول إن أم سلمة وسائر أزواج النبي (ص) رفضن أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة عدا عائشة.. [ صفحه 260] يروي أن أم سلمة زوج النبي (ص) كانت تقول: أبي سائر أزواج النبي (ص) أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة. وقلن لعائشة والله ما نري هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله لسالم - الراضع - خاصة. فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا [664] . ومثل هذا الموقف من قبل نساء النبي إنما يعكس عدم الرضا عن هذا الأمر وعدم قناعتهن به. وهو يشير من جهة أخري إلي الشك في الرواية. إذ لو كانت صحيحة ثابتة عن الرسول ما اعترض عليها نسوته.. أما الرواية الثانية الخاصة بعثمان فقد قال الفقهاء فيها: قولها - أي عائشة - كاشفا عن فخذيه أو ساقيه. قال النووي هذا مما يحتج به المالكية وغيرهم ممن ليست الفخذ عورة. ولا حجة فيه لأنه مشكوك (أي شك الراوي) في المكشوف هل هو الساقان أم الفخذان فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ.. ويجوز أن يكون المراد بكشف الفخذ كشفه عما عليه من القميص لا من المتزر وهو الظاهر من أحواله (ص). والحديث فيه فضيلة ظاهرة لعثمان وجلالته عند الملائكة [665] . هذا هو ما يعني الفقهاء من مثل هذه الروايات أن يسارعوا لاستنباط الأحكام الفقهية منها ثم يحتج بعضهم البعض علي الآخر بما استنبطه منها.. ولا يعنيهم أن هذه الرواية تعري الرسول وتنافي الذوق والأعراف والتقاليد وإنما يعنيهم أن يشتقوا منها فضيلة لعثمان.. إن أقل ما يمكن أن تشير إليه هذه الرواية هو علو عثمان علي أبي بكر وعمر الذي لم يبدي لهما الرسول أي احترام عند دخولهما عليه وأبدي الاحترام كله لعثمان وهو ما لفت نظر عائشة. وهذا العلو الذي جاء علي حساب النبي (ص) جاء علي حساب أبي بكر وعمر أيضا. وهو ما يقع القوم في تناقض إذ أن عقيدة الفقهاء تنص علي تقديم أبي بكر وعمر علي عثمان.. [ صفحه 261] وعن رواية الحبر قال الفقهاء: قوله - أي الراوي - جاء حبر بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح وهو العالم. وإنما كان يستعمل حينئذ في علماء اليهود. وقوله إن الله تعالي يمسك السموات يوم القيامة إلي قوله ثم يهزهن. هذا من أحاديث الصفات وفيها مذهبان التأويل والامساك عنه مع الإيمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد. فعلي قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا علي الاقتدار أي خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل [666] . لقد نسي الفقهاء هدف الرواية بل نسوا أن الحبر هو القائل والرسول هو المتلقي والمؤكد لقول الحبر. هذا إذا أخذنا الأمر علي المحمل الحسن. وبالطبع مقل هذا التصور لا يجوز في حق النبي (ص) فالرواية علي ما هو واضح من نصها تؤكد فكرة التجسيم وهو ما نبرا الرسول منه. وكان يجب علي الفقهاء أن يشككوا في هذه الرواية لكونها جاءت علي لسان أحد أحبار اليهود ولم تأتي علي لسان الرسول. وإن تصديقها يعني تصديق التوراة التي يتكلم هذا الحبر بلسانها.. وهل يقبل أن يتحول الرسول المبعوث إلي متلقي من أحبار اليهود وفي مسألة تتعلق بصفات الله تعالي؟ أليس هذا الموقف يعني تشكيكا في شخصه وفي رسالته..؟ والرواية الرابعة التي تتحدث عن أطفال المشركين وعدم جزم الرسول (ص) بالحكم في مستقبلهم الجنة أم النار؟ بقوله " الله أعلم بما كانوا يعملون ". يقول فيها الفقهاء: وحقيقة لفظه الله أعلم بما كانوا يعلمون لو بلغوا أو لم يبلغوا إذا التكليف لا يكون إلا في البلوغ [667] . وقول الفقهاء هذا فيه تضليل وغفلة إذ أن الرواية تتحدث عن أطفال المشركين الذين يموتون صغارا قبل البلوغ لا الذين هم علي قيد الحياة. وهم الذين لم يقطع فيهم الرسول بحكم حسب نص الرواية. [ صفحه 262] وموقف الرسول هذا يضعنا بين أمرين: إما أن نحكم بجهله وهذا لا يصح في حقه (ص).. وإما أن نحكم ببطلان الرواية. وهو ما يجب اختياره بلا شك إذ أنه لا يعقل أن يصدر مثل هذا الحكم من الرسول الذي يتابعه الوحي.. أما رواية أكل الرسول (ص) مما ذبح علي النصب فهي من سفه القوم وضلال عقولهم إذ يربطونها بمرحلة ما قبل البعثة أي مرحلة ما قبل العصمة. وإذا صح هذا التصور فعلي أي أساس اختير الرسول لتبليغ الرسالة وهناك من هو أكفأ وأعلم منه بالتوحيد والشرك وهو زيد بن عمرو بن نفيل..؟ لقد أباح القوم لأنفسهم الخوض في شخص الرسول علي أساس أنهم يخوضون في جانبه غير المعصوم. وعلي هذا الأساس قبلوا مثل هذه الروايات وباركوها وهم لا يشعرون أن هذا التقسيم غير المبرر لشخص الرسول يلحق أكبر الضرر به وبالرسالة التي جاء بها.. والقوم يروون الرواية بصيغة أخري تجمع بين الرسول (ص) وبين أبي سفيان علي مائدة واحدة تحوي ما ذبح علي النصب ومر عليهما زيد بن عمرو فدعواه إلي الغداء فقال يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح علي النصب. قال الراوي وهو أبو هريرة: فما رئي الرسول من يومه ذاك يأكل مما ذبح علي النصب حتي بعث [668] . كيف تستقيم مثل هذه الروايات مع كون أن الرسول لم يسجد لصنم وكان يتعبد في غار حراء قبل بعثته..؟ هل مثل هذا الموقف يدل علي علم..؟ والرواية السادسة التي تتحدث عن الرسول وقد دخل الصلاة وهو جنب فهي من شر البلية وزيادة الطين بلة. وهو أمر ليس بالغريب علي قوم ينسبون لرسولهم نسيان القرآن الذي جاء به.. [ صفحه 263] إن جنابة الرسول في وقت الصلاة تعني أنه كان يواقع النساء وفرغ من مواقعتهن ثم هرع إلي الصلاة دون أن يتطهر. والرواة لم يخبرونا أي صلاة هذه التي وقع فيها هذا الحدث. وآي ما تكون فهي ليست بالوقت الملائم للجماع وفيها تعرية للرسول وفضح لحياته الخاصة. هذا علي فرض التسليم بصحتها. أما وأنها رواية لا تصح عقلا ولا شرعا. فالرسول نهارا مشغول بالدعوة وأمور المسلمين وليلا هو يتهجد. فمتي وقع هذا الحدث؟ هذا كلام أصحاب العقول.. أما الفقهاء فيقولون: ومما يستفاد من هذا الحديث جواز النسيان علي الأنبياء (ص) في أمر العبادة والتشريع [669] . وإذا كان الأنبياء ينسون أمر العبادة والتشريع فماذا يتذكرون إذن؟ ويتمادي القوم في مهانة الرسول والطعن في شخصه الكريم بنسبة السب والشتم والجلد إليه (ص) وهو أمر يتنافي مع خلقه العظيم ويصوره كملك طاغ يستبد بالرعية ويجور عليها. غير أن الفارق بين الرسول وبين الملك هو أن الرسول يتراجع ويطلب الصف داعيا الله أن يكون هذا التعدي علي العباد من قبله زكاة وخيرا للمتعدي عليه عند الله سبحانه.. يقول الفقهاء: هذه الروايات كلها مبينة ما كان عليه (ص) من الشفقة علي أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم. وإنما يكون دعاؤه - أي الرسول - عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما وإلا فقد دعا (ص) علي الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة [670] . لقد اعتبر الفقهاء السب واللعن والجلد مصلحة وعناية بالأمة وكفارة ورحمة [ صفحه 264] لها من قبل الرسول. وهم لم يطرحوا علي أنفسهم سؤالا: هل يجوز للرسول أن يسب ويلعن ويجلد وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين. وهو صاحب الخلق العظيم. وهو صاحب العفو والتسامح. وسيرته اللين والرفق؟ مثل هذا السؤال لا يوجه إلي قوم يعتبرون مثل هذه الروايات سندا في تبرير مواقف الحكام وظلمهم للرعية.. وقد جعلوا من دعوة الرسول إلي معاوية منقبة له وبركة حين قال فيه: " لا أشبع الله له بطنا ".. لنترك روايات القوم تدينهم وتثبت تناقضهم.. يروي عن الرسول (ص) قوله: " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " [671] . ويروي عنه (ص): " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا " [672] . ويروي عنه (ص) " لا يكون اللعانون شفاء ولا شهداء يوم القيامة " [673] . ويروي عنه (ص): " من يحرم الرفق يحرم الخير " [674] . ويروي عنه (ص): " النهي عن لعن الدواب " [675] . ويروي: " لم يكن النبي (ص) فاحشا ولا متفحشا " [676] . ومثل هذه الروايات إنما تنسف الروايات السابقة. ومن جهة أخري هي تنسجم مع نصوص القرآن وخلق الرسول.. وعن روايات النخل يقول الفقهاء: قوله (ص) " إنما أنا بشر " هذا كله اعتذار لمن ضعف عقله خوف أن يزله الشيطان فيكذب النبي. وإلا فلم يقع منه ما يحتاج إلي عذر غاية ما جري أنها مصلحة دنيوية لقوم خاصين من يعرفها لمن يباشرها. وقال القاضي: " قوله (ص) " وإذا أمرتكم بشئ من رأي " يعني برأيه في أمر [ صفحه 265] الدنيا لا برأيه في أمر الشرع علي القول إن له أن يحكم باجتهاده. فإن رأيه في ذلك يجب العمل به لأنه من الشرع. ولفظ الرأي إنما أتي به عكرمة - الراوي - علي المعني لا أنه لفظ (ص) [677] . ومثل هذا التبرير من قبل الفقهاء أحرج الرسول زيادة علي الحرج الذي وضعته في الرواية. فهو تبرير يقوم علي أساس الجانب غير المعصوم من شخصية الرسول حسبما يعتقدون فمن ثم فإن مقل هذا الموقف من الرسول لا حرج فيه من وجهة نظرهم للرسول أو للرسالة.. إلا أن بالتأمل في روايات تأبير النخل يتبين أن الأمر يختلف عن ذلك تماما وأن تبريرات الفقهاء لا تخرج عن كونها محاولة لتسطيح الأمر والتمويه علي حقيقته ففي ظل فكرة بشرية الرسول (ص) تم تمرير الكثير من المواقف والممارسات التي تتعلق بالنساء وبالصحابة وبالاجتهاد علي أنها مواقف وممارسات مقبولة لكونها تتعلق ببشرية الرسول لا بنبوته. وقد فات الفقهاء أن هذا التقسيم لشخص الرسول من شأنه أن ينعكس علي الأحكام والرسالة بشكل عام لا علي شخص الرسول فقط.. وفيما يتعلق بروايات تأبير النخل فإن الشك يحيط بها لما يلي: أولا: أنها تشير إلي جهل الرسول بمسألة تلقيح النخل وهذا أمر غير مقبول عقلا. لأن الرسول من بيئة عربية تعيش علي التمر واللبن ولا يعقل أن يكون فيها من لا يفقه في أمر النخل.. ثانيا: إننا إذا ما سلمنا بصحة الرواية ففضلا عن كونها تتهم الرسول بالجهل في أمر دنيوي بين. فهي تتهمه أيضا بالتطفل والتدخل فيما لا يعنيه وهو ما لا يجوز في حق نبي.. ثالثا: إن مثل هذا الموقف من النبي - علي فرض التسليم بالرواية - من شأنه أن يفتح باب الشك في شخصه ودعوته. وهذا ما دفع بالفقهاء إلي ربط هذا [ صفحه 266] الموقف ببشرية الرسول كمحاولة منهم لتبرير الموقف وقطع دابر الشك في الرسول.. رابعا: إن هذا الموقف من الرسول يصطدم بقوله تعالي (وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي) وما دمنا نقف في صف النص القرآني فإن هذا يدعونا للحكم ببطلان الرواية.. وحول رواية عائشة لددنا رسول الله قال الفقهاء: اللدود هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل هناك بإصبع أو غيره ويحنك به. وقوله: لا يبقي أحد منكم إلا لد. أي تأديبا لئلا يعودوا وتأديب الذين لم يباشروا ذلك لكونهم لم ينهوا الذين فعلوا بعد نهيه (ص) أن يلدوه.. وقال آخرون: النفي هنا بمعني النهي إنما أمر النبي (ص) أن يلد من في البيت عقوبة لهم لأنهم لدوه بغير إذنه بل بعد نهيه عن ذلك بالإشارة وفيه دلالة علي أن إشارة العاجز كتصريحه وعلي أن المتعدي يفعل به ما هو من جنس الفعل الذي تعدي به إلا أن يكون فعلا محرما [678] . وكما عودنا الفقهاء دائما أنهم لا يأتون بجديد فجميع أقوالهم تدور في محيط التأويل والتبرير المنافي للعقل والمصادم للنص وليس له من هدف سوي تبرير الوضع السائد وإبقاء الأمة في دائرة عبادة الرجال.. ورواية عائشة هذه تتحدث عن فترة مرض الرسول الذي توفي فيه ذلك المرض الذي نتج عن المحاولة اليهودية لقتله بالسم كما ذكرت الروايات.. ومتابعة روايات مرض الرسول يكشف لنا أنه تعذب كثيرا (ص) قبل موته حتي ضاق بنفسه وبمن حوله. وهو هنا في هذه الرواية كره المرض والدواء وأشار برفضه ولما أعطوه الدواء رغما عنه غب وقرر الانتقام من الجميع بسقيهم من نفس الكاس الذي تجرعه.. فهل هذا كلام يجوز في حق الرسول؟ وهل من خلق الرسول (ص) الانتقام وممن من أهل بيته؟ [ صفحه 267] وما هو مبرر هذا الانتقام. ألأنهم يحرصون علي صحته؟ إن العقل يأبي أن يعذب الله رسوله هذا العذاب قبل موته بينما الكفار يموتون موتة هادئة ناعمة. وإذا كان الرسول هذا حاله قبل قبضه. فكيف يكون حال أفراد أمته حين يأتيهم الموت..؟ ولما كنا لم نسمع عن أحد من الصحابة تعذب عذاب الرسول قبل موته فدل هذا علي أن الروايات مرض الرسول وتعذيبه لا أصل لها والهدف منها هو ضرب شخص الرسول وامتهانه وتصويره وكأنه يعذب بذنوبه وجرائمه مما يبرر للحكام من بعده استغلال مثل هذه الصورة لتبرير جرائمهم وانحرافاتهم [679] . وتأتي بعد ذلك رواية نسيان الرسول (ص) للقرآن لتضرب القوم في مقتل إذ أنهم طالما يبررون مثل هذه الأفعال ويحملونها علي بشرية الرسول. فعلي أي جانب يحمل نسيان الرسول للقرآن علي جانبه البشري أم جانبه النبوي؟ فإذا حملوه علي الجانب البشري فيكون بهذا القرآن من أمور الدنيا التي يجتهد فيها الرسول ويخطئ ويصيب حسب اعتقادهم أن الرسول مجتهد.. وتلك مصيبته.. وإذا حملوه علي جانبه النبوي المعصوم فقد وقعوا في تناقض إذ كيف للمعصوم أن ينسي القرآن. وهنا تكون المصيبة أعظم.. وإذا كان الرسول ينسي القرآن الذي أنزل إليه وأمر بتبليغه وتبيينه للناس فأي شئ يمكنه تذكره بعد..؟ والعجيب أن القوم يتداولون من الروايات ما يناقض نسبة النسيان للرسول.. [ صفحه 268] يروي عن الرسول قوله: " بئسما للرجل أن يقول نسيت سورة كيت وكيت أو نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي " [680] . وفي رواية أخري: " استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها " [681] . ويروي عنه: " إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المتعلقة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقتها ذهبت " [682] . ولقد حسم القرآن المسألة بقوله تعالي (سنقرئك فلا تنسي) فلم يعد هناك مجال لنسبة النسيان للرسول في القرآن لكون الرسول والقرآن في رعاية الله وحفظه وهو مضمون العصمة.. وفيما يتعلق ببول الرسول (ص) قائما فقد حشد القوم عشرات التبريرات لهذا السلوك الذي يتنافي مع أدب النبوة. فالبعض استمد منه حكما بجواز البول وافقا والبعض الآخر برره بوجع أصاب الرسول وحال دون جلوسه. والبعض قال: إنه لم يجد مكانا للجلوس. وآخرون باركوا هذا السلوك واعتبروه أحصن للفرج. وأي ما تكون هذه التبريرات فإنها تؤكد جميعها أن القول كارهون لهذا السلوك ويحاولون التماس العذر للرسول فيه [683] . ويكفي لدحض هذه الرواية قول عائشة: من حدثك أن رسول الله (ص) بال قائما فلا تصدقه. وتبدو لنا قمة الاستخفاف بالعقل ومصادمة النصوص القرآنية في رواية سحر النبي (ص) وسيطرة السحر علي سلوكه وعقله.. يقول الفقهاء: قولها - أي عائشة - سحر رسول الله (ص). فذهب أهل السنة [ صفحه 269] وجمهور علماء الأمة علي إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة. وقد ذكره الله تعالي في كتابه الحكيم فلا يلتفت إلي قول من أنكره وقولها يخيل إليه أنه يفعل الشئ أي كان يتخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ وهذا التخيل بالبصر لا لخلل طرق إلي العقل والقلب بل السحر تسلط علي جسده الشريف وظواهر جوارحه اللطيفة وهذا ما يدخل لبسا علي الرسالة [684] . وليتأمل القارئ كيف جاري الفقهاء الرواية دون أن يعملوا عقولهم فيها وأولوها علي أنها ترتبط بالجانب غير المعصوم من شخص النبي (ص) حسبما يعتقدون وهم لن يتحرروا من هذا الاعتقاد الباطل الذي لبس عليهم دينهم طالما ظلوا يدورون في فلك الرجال. تائهون بين الروايات المختلقة غارقون في كم من المتناقضات التي توجب النفرة منهم. وهم هنا يؤكدون أن السحر تسلط علي جسده الشريف وليس علي عقله وقلبه فكيف يكون هذا؟ أليس العقل والقلب جزء من الجسد..؟ وإذا كان السحر قد جعل الرسول يتخيل فعل الشئ ولا يفعله ألا يعني هذا أنه سيطر علي العقل والقلب..؟ وما دام السحرة قد استطاعوا أن يسحروا الرسول إلي هذه الدرجة أفلا يستطيعون أن ينطقوا علي لسانه ما يريدون لإثارة البلبلة والتشكيك في الوحي؟ ثم كيف يترك الرسول نهبا للسحر والسحرة وهو يدعو ويتحرك في ظل العناية الإلهية وتوجيه الوحي؟ هل غابة عنه العناية الإلهية وفقد عصمته فانتهز السحرة الفرصة وسحروه..؟ إننا في مواجهة هذه الرواية المنكرة يكفينا القول إن القوم هم المسحورون.. الذين غفلوا عن قوله تعالي (والله يعصمك من الناس) [685] . وما يمكن قوله حول حادثة تعري الرسول (ص) قبل البعثة وأثناء إعادة بناء [ صفحه 270] الكعبة بعد أن هدمها السيل هو أن هذه الرواية من ركش القوم وإن كانوا يبررونها بأنها خاصة بمرحلة ما قبل البعثة حيث لم يدخل الرسول - حسب عقيدتهم - في دائرة العصمة. إلا أن مسألة ستر العورة من سنن الفطرة يلتزم بها عامة الناس فكيف بالرسل؟ ومثل هذه الرواية إنما تصم الرسول بالجهل والسفاهة حيث لم يعتني بلباسه ودخل في عمل شاق دون أن يحتاط لنفسه فكانت النتيجة إن سقط عنه لباسه وكشفت عورته.. ومن عجائب القوم أنهم يروون رواية أخري علي لسان الرسول (ص) تناقض هذه الرواية.. تقول الرواية: قال المسور بن مخرمة أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتي بلغت به إلي موضعه. فقال رسول الله: " إرجع إلي ربك فخذه وتمشوا عراة " [686] . وعن رواية الخصومة والقضاء يقول الفقهاء: ومعناه أنه خطاب للمقتضي له أنه أعلم من نفسه هل هو محق أو مبطل. فإن كان محقا فليأخذ وإن كان مبطلا فليترك. وفيه من الفوائد إثم من خاصم في باطل حتي استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطل حرام عليه. وفيه أن من احتال الأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتي يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم. وفيه أن المجتهد قد يخطئ فيرد به علي من زعم أن كل مجتهد مصيب. وفيه أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم بل يؤجر [687] . ومثل هذا الكلام إنما ينطبق علي القضاة والحكام لا علي الرسول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوي. فهؤلاء القضاة والحكام هم الذين يمكن أن يخدعوا [ صفحه 271] بالحيل وبقوة الحجة لا رسول الله. فهل فات الفقهاء الفرق بين الرسول وبين القضاة والحكام..؟ ولقد دافع بعض أصحاب العقول في الماضي عن الرسول وأنه كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شئ وتصدي ابن حجر العسقلاني لهؤلاء وقدم عشرات التبريرات رافضا فكرة كون الرسول يخطئ في الاجتهاد وفي حكم من الأحكام يلزم المكلفين بهذا الحكم الخطأ لثبوت الأمر باتباع الرسول لقوله تعالي (فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم) [688] . إلا أن الاستناد إلي قوله تعالي (إن أتبع إلا ما يوحي إلي..) [الأنعام: 50].. وقوله (وما ينطق عن الهوي). وقوله (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) [النساء: 106].. هذه النصوص القرآنية الصريحة كافية وحدها لإبطال تلك الرواية مؤكدة أن الرسول دائما في حراسة الوحي ولا يملك أن يصدر حكما غير صائب في غيبته.. أما رواية الشاة المسمومة فهي امتداد للرواية التي سبقتها عن الخصومة فكلاهما تؤكدان أن الرسول وقع في شرك أعداء الدين وخصوم الدعوة أو حتي أصحاب الحيل في غيبة الوحي.. فهذه اليهودية قدمت الشاة المسمومة للرسول فأكل منها هكذا ببساطة مما دفع بآخرين إلي الأكل منها فقضي عليهم بينما أصيب الرسول بتسمم استمرت آثاره تتضاعف في جسده حتي مات.. وفي رواية أخري حول هذه الحادثة: فجئ بها - أي باليهودية - إلي رسول الله (ص) فسألها عن ذلك. فقالت: أردت لأقتلك. قال: " ما كان الله ليسلطك علي ذاك) [689] . [ صفحه 272] قال الفقهاء: قوله (ص) " ما كان الله ليسلطك علي هذا " لقوله تعالي (والله يعصمك من الناس) ويعارضه قوله في رواية أخري (الآن قطعت أبهري) فإنه يقتضي أنه مات بذلك. ولذلك قال العلماء أن الله تعالي قد جمع بذلك بين كرم النبوة وفضل الشهادة ويجاب بأن معني ما كان الله ليسلطك علي قتلي الآن. وقال القاضي عياض: واختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي (ص) أم لا. فوقع في صحيح أنه قال لا. ووقع أنه قتلها. وفي رواية دفعها إلي أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل من الشاة المسمومة فمات بها فقتلوها. ووجه الجمع بين هذه الروايات أنه لم يقتلها أولا حين الطلع علي سمها فلما مات بشر سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا [690] . إن الفقهاء يعترفون أن الشاة المسمومة أكل منها الرسول وفعلت به ما فعلت. وقد اختار الله له ذلك ليدخله في زمرة الشهداء كما أدخله في زمرة الأنبياء. فهل الرسول الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في حاجة إلي أن يحشر في زمرة الشهداء..؟ وهل مرتبة النبوة أعلي أم مرتبة الشهادة؟ فإذا كانت الإجابة هي مرتبة النبوة. فما الحاجة إذن إلي مرتبة الشهادة؟ وإذا كان الله سبحانه يريد أن يميت رسوله شهيدا حسبما أفتي الفقهاء أليس من الأفضل أن يميته في ميدان القتال لتكون لشهادته أثرا في الأمة لا أن يميته بسبب شهوة البطن..؟ ثم هل كانت هناك علاقة ثقة وود بين الرسول واليهود حتي يقبل منهم طعاما؟ والفقهاء من واقع النص السابق في حيرة بين النص القرآني وبين الرواية. فهم قد رجحوا أن اليهودية لن تنال من الرسول بشأنها المسمومة وأن الله لن يسلطها علي رسوله كما جاء علي لسان الرسول نفسه وذلك لقوله تعالي (والله [ صفحه 273] يعصمك من الناس) وهذا هو المطلوب عقلا وشرعا. إلا أنهم سرعان ما تراجعوا عن الاستناد علي النص القرآني ومالوا إلي الرواية التي تقول: الآن قطعت أبهري. وعارضوا بها النص القرآني. ومعني هذا الكلام الخطير هو رد النص القرآني من أجل رواية. وبدلا من أن يحكموا بعصمة الرسول وبطلان الرواية حكموا بصحتها علي حساب القرآن والرسول.. أما رواية تعذيب الميت ببكاء أهله التي رواها عمر ورواها عنه ولد عبد الله فهي رواية تناقضها روايات أخري كثيرة يتداولها القوم.. يروي أن عائشة قالت: والله ما حدث رسول الله (ص) إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه. ولكن رسول الله قال: " إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه ". وقالت: حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخري) [691] . ويروي أن الرسول (ص) بكي لصبي مات. فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " [692] . ويروي أن رسول الله (ص) زار سعد بن عبادة في مرضه وبكي. فلما رأي القوم بكاء الرسول بكوا. فقال: " ألا تسمعون. إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلي لسانه - أو يرحم " [693] . قال الفقهاء تعليقا علي سكوت ابن عمر عن نفي عائشة لروايتهما: سكوته لا يدل علي الاذعان فلعله كره المجادلة. وقال القرطبي: ليس سكوته لشك طرأ بعد ما طرح برفع الحديث ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك. أو كان المجلس لا يقبل المماراة ولم تتعين الحاجة حينئذ. وقال الخطابي: الرواية إذا ثبتت لم يكن في دفعها سبيل بالظن وقد رواه عمر وابنه. وليس فيما حكت عائشة ما يرفع روايتهما لجواز أن يكون الخبران [ صفحه 274] صحيحان معا ولا منافاة بينهما. فالميت إنما تلزمه العقوبة بما تقدم من وصيته إليهم به وقت حياته وكان ذلك مشهورا من مذاهبهم. وعلي ذلك حمل الجمهور قوله: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " [694] . ويظهر لنا من هذا الكلام أن الفقهاء لم يقتنعوا بنفي عائشة للرواية. كما لم يقتنعوا بالروايات الأخري التي تؤكد هذا النفي والسبب واضح وهو أن القوم عز عليهم كثيرا أن ينفوا رواية لعمر وولده. إذ أن هذا يعني إتهامهما بالجهل وسوء التلقي من الرسول (ص) وهذا لا يصح في عقيدتهم التي تقوم علي عبادة الرجال. فسوف ينبني علي مثل هذا الموقف التشكيك فيهما وفي رواياتهما التي يعتمد عليها القوم بالإضافة إلي روايات عائشة وأبي هريرة. فمن ثم هم اتخذوا موقفا وسطا وإن كان جاء علي حساب رواية عائشة.. وقد عمد القوم فوق هذا كله إلي نسبه الفقر إلي الرسول (ص) وتصويره بمظهر المتسول الباحث عن شئ يأكله فلا يجد فيضطر إلي الاستدانة من أراذل الناس حتي أدي به الحال إلي رهن درعه عند يهودي ومات ودرعه مرهونة ويبدو أن حالة الفقر والجوع هذه كانت الدافع الأكبر لقبول الرسول شاة اليهودية المسمومة التي أودت بحياته وحياة غيره.. يروي: كان لرجل علي رسول الله (ص) دين. فهم به أصحابه. فقال: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ". وقال " اشتروا له سنا فأعطوها إياه " [695] . ويروي: أن رسول الله كان يقول " اللهم أحيني فقيرا وأمتني فقيرا واحشرني في زمرة الفقراء ".. ويروي أن رسول الله مات ودرعه مرهونة عند يهودي [696] . [ صفحه 275] إن هذه الروايات وغيرها إنما الهدف منها هو تبرير حالة الفقر التي سادت واقع المسلمين بفعل سياسة الحكام الذين نهبوا ثروات الأمة.. هذه الروايات لا تخرج عن كونها وسيلة لتخدير المسلمين وقتل روح الثورة والتغيير في نفوسهم.. وما يرد هذه الروايات ليس كونها من صنع السياسة وتصطدم بفطر الناس التي تأبي الفقر وتكرهه فقط. وإنما تردها النصوص والشواهد التاريخية التي تؤكد أن الرسول لم يعش فقيرا ولم يمت فقيرا وإن ذلك التصور فيه زيغ وضلال لكونه ينسب الظلم إلي الله سبحانه الذي اختار رسوله للرسالة وفرغه لهذا الدور ثم تركه يتضور جوعا.. ألا يعني مثل هذا التصور تشكيكا في الرسالة وصاحبها؟ ألا يفتح هذا الأمر الباب لرشوة الرسول أو دعمه من آية جهة لتحقيق مآرب وأهداف ما..؟ إن الله سبحانه عندما اختار رسوله للدعوة قد أوجد له بدائل مادية تعينه علي مواجهة أعباء الحياة. تلك البدائل التي تتركز في حكم الخمس الذي أحله الله له من الغنائم وهو ما كان يعيش الرسول منه ويتصدق علي الفقراء والمساكين وينفق علي زوجاته.. فلا يعقل أن يكون الرسول بهذه الحال التي تصورها الروايات ويتزوج تسع نسوة.. ومن المعروف أن الرسول قد ترك ميراثا عند وفاته تمثل في إقطاعية فدك وهي التي صادرها أبو بكر فور توليه الحكم واصطدمت به السيدة فاطمة بسببها وماتت وهي غاضبة عليه.. [ صفحه 279]

الرسول الظالم

الرسول يبشر بالظلم ويدعو الأمة إلي قبوله والرضا به.. جاء الإسلام ليبشر بالعدل والإحسان والمساواة بين الناس وتحقيق التكافل الاجتماعي والنهوض بالأمة وحرية الرأي والاعتقاد وكثير من القضايا التي سبقت.. عصره والتي ميزته عن سائر الأديان التي سبقته.. جاء الإسلام رحمة للعالمين وكان الرسول رحمة مهداة.. هذه هي الصورة الربانية لدين الله كما تبرزها نصوص القرآن.. لكن الصورة الأخري التي جاءت بها الروايات إنما تناقض هذه الصورة وتصطدم بها. فقد بشرت الروايات بالظلم والقهر وسيادة الطغاة علي واقع الأمة وأوجبت علي المسلمين التعايش مع هذا الوضع والرضا به.. وبشرت الروايات بظلم الله سبحانه للعباد وإن صنعوا الخير وساروا علي الصراط المستقيم فمصيرهم إلي النار حتي الرسول نفسه مهدد بدخولها.. - ظلم العباد: يروي عن النبي (ص) أنه قال: " كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين انسانا ثم خرج يسأل. فأتي راهبا فسأله. فقال له: هل من توبة؟. قال: لا. فقتله. فجعل يسأل. فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا. فأدركه الموت. فناء بصدره نحوها. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فأوحي الله إلي هذه أن تقربي. وأوحي الله إلي هذه أن تباعدي. وقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلي هذه أقرب ببشر. فغفر له " [697] . قال الفقهاء: قوله (ص) " رجل قتل تسعة وتسعين ". قال النووي أفتاه عالم بأن له توبة هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم علي صحة توبة القاتل عمدا ولم [ صفحه 280] يخالف أحدا منهم إلا ابن عباس. وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة لا أنه يعتقد بطلان توبته [698] . إن قضية القتل وإراقة الدماء في تاريخ المسلمين كان لها ما يبررها علي الدوام من عشرات النصوص المنسوبة للرسول (ص) والتي كان سند القوي الحاكمة وآداتها في تصفية الخصوم. ولم يكن للفقهاء من دور سوي تأويل هذه النصوص وتبرير جرائم الحكام التي ترتكب باسمها.. وهذه الرواية التي بين أيدينا واحدة من عشرات الرواية التي تتعلق بالدماء والتي شوهت صورة الإسلام وأبرزته كدين يستهين بالدماء ويعشق هدرها وهي رواية بمثابة صك من صكوك الغفران وما أكثر ما ورد منها منسوبا للرسول - لقاتل اتخذ القتل حرفة لم فلم ينل عقوبته في الدنيا ولا في الآخرة.. ومثل هذه الرواية تفتح الباب أمام المجرمين وعشاق الدماء كي يتمادوا في جرائمهم دون أن تشوب نفوسهم آية نزعة من نوازع الخشية. بل تتقوي بالاتكال علي التوبة.. وإذا كان قاتل المائة قد غفر له. فكيف الحال بقاتل الخمسة أو العشرة. لا شك سوف أنه ينال جائزة.. إن منطق العقل يقول إن أحدا لا يمكن أن يقتل هذا العدد من الناس الذي ذكرته الرواية دون أن يكون له نفوذ أو سلطان. مما يدعونا إلي القول إن هذه الرواية ومثيلاتها إنما هي من صنع السياسة لتبشر الحكام بالغفران والثواب علي ما ارتكبوه من جرائم في حق الرعية.. ويروي عن الرسول قوله: " لن ينجي أحدا منكم عمله ". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله برحمة " [699] . وفي رواية: " إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة " [700] . [ صفحه 281] قال الفقهاء: في ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته. وأما قوله تعالي (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون). و (تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) ونحوهما من الآيات الدالة علي أن الأعمال يدخل بها الجنة فلا يعارض هذه الأحاديث. بل معني الآيات أن دخول الجنة بسبب ثم التوفيق للأعمال والهداية للاخلاص فيها وقبولها برحمة الله وفضله. وقيل إن الآية تدل علي سببية العمل والمنفي في الحديث عليته وإيجابه فلا منافاة بينهما.. وقال النووي: وقوله (ص): " إلا أن يتغمدني " معناه يلبسنيها ويغمدني بها ومنه أغمدت السيف وغمدته إذا جعلته في غمده وسترته. وقال العيني: قيل كيف الجمع بينه وبين قوله تعالي: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) وأجاب ابن بطال أن الآية تحمل علي أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال وأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال ويحمل الحديث علي دخول الجنة والخلود فيها. وقوله تعالي: (سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون). إنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون [701] . ويبدو من كلام الفقهاء أنهم في مواجهة النصوص القرآنية الصريحة بوجوب العمل لاستحقاق دخول الجنة وقعوا في حيرة بين هذه النصوص وبين الروايات. إلا أنهم في النهاية عملوا علي إخضاع النصوص القرآنية للروايات أو محاولة التوفيق بينهما لتحقيق الديمومة والاستمرار لعقيدتهم التي تقوم علي الروايات. ومحاولة التوفيق لا تقل شناعة عن عملية الاخضاع إذ أنها تساوي نصوص القرآن بهذه الروايات وهي صورة من ضلال القوم.. لقد أو غل الفقهاء في عملية التوفيق وأهملوا جوهر الرواية الذي ينسب الظلم إلي الله سبحانه علي لسان رسول وذلك بالتشكيك في أهمية العمل الصالح ودوره في نجاة المسلم ودخوله الجنة بل التشكيك في عمل الرسول نفسه وبالتالي التشكيك في نجاته ودخوله الجنة هو أيضا.. [ صفحه 282] وما ذنب المسلم الذي يعمل الصالحات ويلتزم بالصراط المستقيم ثم يفاجأ يوم القيامة بعدم شموله للرحمة ودخوله النار؟ أين العدل الإلهي إذن..؟ وأين هذا من قوله تعالي (وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) إن فكرة الظلم الإلهي تبثها الرواية تتضح من خلال شمولها للرسول الذي هو بنصوص القرآن وأيضا الروايات خارج دائرة الحساب والعقاب. فكيف يوضع في هذا الموضع الذي يعني التشكيك في هذه النصوص القرآنية والروايات التي تخرجه من هذه الدائرة. ويعني التشكيك في وعد الله له بالمقام المحمود..؟ والعجيب أن القوم يؤمنون بشفاعة الرسول يوم القيامة. فكيف يستقيم هذا الاعتقاد من هذه الروايات؟ شمول هذه الرواية للرسول هو البرهان الساطع والدليل القاطع علي بطلانها.. ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزنا. أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر. وزنا اللسان النطق. والنفس تمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه " [702] . قال النووي: معني الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا. فمنهم من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام. ومنهم من يكون زناه مجازا. بالنظر الحرام أو الاستماع إلي الزنا وما يتعلق بتحصيله أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها أو بالمشي بالرجل إلي الزنا. أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية. ونحو ذلك. أو بالكفر بالقلب فكل هذه أنواع من الزنا المجازي. والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك [703] . [ صفحه 283] وكلام النووي هذا يؤكد فكرة الجبرية أي أن الإنسان مسير لا مخيل في فعل الشر. وقد قاله سيرا مع نص الرواية التي يشير ظاهرا إلي ذلك أيضا.. ونص الرواية وكلام النووي كلاهما ينسبان الظلم إلي الله سبحانه. إذ كيف يكتب الزنا علي عباده ثم يعاقبهم علي فعله..؟ ولما كان نسبة الظلم إلي الله تعالي أمر مناف للعقل فهذا يقودنا بالتالي إلي رفض هذه الرواية والحكم ببطلانها وهو الخيار الوحيد إمامنا. ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار. وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة " [704] . وهذه الرواية يفيد ظاهرها الشك في جدوي العمل الصالح إذ أن من الممكن أن ينتهي بسوء العاقبة في الوقت الذي من الممكن فيه أن ينتهي العمل الفاسد بخير العاقبة وهو ما يقود في النهاية إلي نفس النتيجة التي نحن بصددها وهي نسبة الظلم إلي الله سبحانه الذي قدر للرجل الصالح أن يختم عمله بما يقوده إلي النار. وقدر للرجل الفاسد أن يختم عمله بما يقوده إلي الجنة وهو تصور يتناقض مع عدل الله. ونتيجة هذا التصور هو الشك في جدوي العمل الصالح وفي عدل الله تعالي.. وهل يعقل لمن يعمل العمل الصالح طوال حياته أن يأتي في آخرها فينقلب باختياره ليصبح من أهل النار؟ ويروي عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: " قال رجل لم يعمل خيرا قط. فإذا مات فحرقوه. واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر. فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبنه أحد من العالمين. فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت أعلم. فغفر له " [705] . [ صفحه 284] وفي رواية أخري: " أوصي بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر " [706] . قال الفقهاء: ذكر النووي أن العلماء اختلفوا في تأويل هذا الحديث. فقالت طائفة: لا يصح حمل هذا علي أنه نفي قدرة الله فإن الشاك في قدرة الله تعالي كافر وقد قال في آخر الحديث أنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالي. والكافر لا يخشي الله تعالي ولا يغفر. فيكون له تأويلان أحدهما أن معناه لئن قدر علي الذاب. أي قضاه. يقال منه (قدر وقدر) بمعني واحد. والثاني أن (قدر) هذا بمعني ضيق علي. قال تعالي: (فقدر عليه رزقه). وهو أحد الأقوال في قوله تعالي (فظن أن لن نقدر عليه) وقالت طائفة: اللفظ علي ظاهره ولكن قاله الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها. بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع بحيث ذهب تيقظه. وتدبر ما يقوله فصار في معني الغافل والناس وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها [707] . إن ظاهر هذه الرواية يفيد الكفر فصاحب الرواية الذي أسرف في حق نفسه وارتكب من الموبقات ما جعله ييأس من حصوله علي مغفرة الله وعفوه. سعي للتحايل علي الله سبحانه كمحاولة للهروب من العذاب الذي ينتظره في الآخرة بأن يوصي بحرق جثمانه وذره في الهواء والبحر ظنا منه أن ذلك يخرجه من محيط القدرة الإلهية. وهذا الفعل في ذاته صورة من صور الكفر والضلال إذ يحوي استهانة بقدرة الخالق وإحاطته بالكون الذي هو من مخلوقاته. والفقهاء لم يعنيهم هذا الأمر وإنما كان يعنيهم هو تبرير موقف صاحب هذا الفعل المنكر وتبرئة ساحته. لا يعنيهم أن تبرير مثل هذا الفعل يعني نسبة التسامح إلي الله سبحانه في قضايا الكفر بينما يعاقب كفار آخرين لنفس الفعل أو نفس الاعتقاد وهو الشك في قدرة الله وهو ما يقود في النهاية إلي نسبة الظلم إلي الله.. [ صفحه 285] وعلي ضوء تصور الفقهاء هذا يمكن تبرير أفعال أصحاب الاعتقاد الهندوس الذين يحرقون موتاهم ويذرون رمادهم في نهر الجانجا لنفس السبب.. ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلي كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار " [708] . وفي رواية: " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا " [709] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها علي اليهود والنصاري ". قال الراوي: فيما أحسب أنا. قال أبو روح لا أدري ممن الشك [710] . وقد اعتبر الفقهاء هذا التصريح المنسوب للرسول بمثابة بشارة عظيمة للمسلمين أجمعين أوجبت علي عمر بن عبد العزيز أن يستلف الراوي ثلاث مرات أنه سمع هذه الرواية عن أبيه عن الرسول (ص) فحلف له [711] . وقال النووي: قوله (ص) يجئ يوم القيامة ناس معناه أن الله تعالي يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع علي اليهود والنصاري مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين لا بد من هذا التأويل لقوله تعالي: " ولا تزار وازرة وزر أخري) [712] . وهذا الكلام من قبل الفقهاء إنما يمثل قمة التعصب الديني ضد الآخرين ذلك التعصب الذي برر لهم استحلالهم في الحياة الدنيا علي ضوء الروايات المنسوبة للرسول ووبرر لهم استحلالهم في الآخرة أيضا علي ضوء هذه الروايات التي تفوح منها رائحة العنصرية والاستعلاء علي الآخرين.. [ صفحه 286] والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يستقيم مثل هذا التصور مع قوله تعالي (كل نفس بما كسبة رهينة). والظاهر أن النووي شعر بالحرج وعدم استقامة مثل هذه الروايات مع نصوص القرآن فقال إن الله يدخل اليهود والنصاري النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين وأنه لا سبيل إلا الالتزام بهذا التأويل مخافة التصادم مع قوله تعالي (ولا تزر وازرة وزر أخري) كما شعر بهذا الحرج من قبله عمر بن عبد العزيز فاضطر أن يستحلف الراوي ثلاث مرات. حتي أن الراوي نفسه شكك في نص الرواية وهو ما يبدو من قوله فيما أحسب أنا. وقول الآخر لا أدري ممن الشك.. ومثل هذا كثير في عالم الرواة والرواية وهو كاف وحده لأمثال الفقهاء أن يحكموا عقولهم فيما ينقلون لا أن يسارعوا إلي التبرير واستنباط الأحكام من روايات قليل من التأمل فيها يكفي لدحضها.. ولا أدري هل مثل هذه الروايات تقرب أصحاب الديانات الأخري من الإسلام أم تباعدهم عنه..؟ إنها بلا شك تنفرهم منه وتقوي من نزعة الأعداء لديهم تجاهه. وبهذه المناسبة نحن نبشر المسلمين العصاة أن تقر أعينهم ويستريح بالهم فعدد اليهود والنصاري اليوم هو أكثر من المسلمين بكثير. وفكاكهم من النار يوم القيامة واقع لا محالة وبأكثر من فرد منهم.. وعلي ضوء هذه الروايات وغيرها أجمع الفقهاء علي نسبة الظلم إلي الله سبحانه وأن ذلك الأمر يدخل في مطاق مشيئته فإن شاء أدخل العصاة الجنة وأدخل الطائعين النار.. يقول الأشعري: أجمع الفقهاء علي أن الله كان قادرا علي أن يخلق جميع الخلق في الجنة متفضلا عليهم بذلك. لأنه تعالي غير محتاج إلي عبادتهم. وأنه قادر أن يخلقهم كلهم في النار ويكون بذلك عادلا عليهم لأن الخلق خلقه والأمر أمره.. (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) [713] . [ صفحه 287] ويقول ابن حنبل: والقدر خيره وشره وقليله وكثيره وظاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وآخره من الله قاء قضاه وقدر أقدره عليهم لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل لا يجاوز قضاءه بل هم كلهم صائرون إلي ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم لأفعاله وهو عدل منه عز ربنا وجل والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد من الخلق علي الله حجة بل لله الحجة البالغة علي خلقه. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ومن زعم أن الله شاء لعباده الذين عصوا الخير والطاعة وأن العباد شاؤوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا علي مشيئتهم. فقد زعم أن مشيئة العباد أغلظ من مشيئة الله تبارك وتعالي. فأي افتراء أكثر علي الله عز وجل من هذا؟ [714] . ويقول ابن تيمية: والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم. وللعباد قدرة علي أعمالهم ولهم عبادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم [715] . ويذهب البخاري وسائر الفقهاء إلي أن أفعال العباد مخلوقة. وقد عقد ابن حجر فصلا واسعا للدفاع عن هذه الفكرة في شرحه للبخاري [716] . وهذه النصوص كلها تشير إلي فكرة الجبرية التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والتي ليس لها إلا نتيجة واحدة وهي نسبة الظلم إلي الله سبحانه تلك الفكرة التي قامت علي أساس روايات مشكوك فيها ثم تفسير النصوص القرآنية الخاصة بالمشيئة الإلهية والقضاء والقدر علي ضوئها.. - الرسول والحكام: إن مما يلفت النظر في كتب السنن هو تلك الروايات المنسوبة للرسول [ صفحه 288] (ص) المتعلقة بالحكام. فهذه الروايات تبدو وكان الذين نطقوا بها هم الحكام أنفسهم لا الرسول فهي تدفع بالأمة نحو الحكام وتربط مصيرها بهم وتبارك مواقفهم وممارساتهم وتوطن في أذهان المسلمين فكرة الحكم الإلهي الذي لا يجوز الطعن فيه أو المساس به بأي صورة من الصور.. ولم يحدث أن اجتمع الفقهاء في تاريخهم علي قضية مثلما اجتمعوا علي قضية الحكام ووجوب طاعتهم وتجريم محاولات الخروج عليهم.. وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن هؤلاء الفقهاء ورواياتهم وفقههم قد تم تسييسه وإخضاعه ليكون في خدمة الوضع الذي ساد بعد وفاة النبي (ص) والذي ظل سائدا حتي اليوم.. وأول ما يلفت النظر من هذه الروايات تلك التي تتعلق بقريش وحصر دائرة الحكم في محيطها.. يروي عن النبي (ص) قوله: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان " [717] . وفي رواية أخري: " الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم " [718] . يقول الفقهاء: هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر علي أن الخلافة مختصة بقريش وعلي هذا انعقد الاجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم ومن خالف في هذا فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن دونهم بالأحاديث الصحيحة. قال القاضي: اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة وقد احتج به أبو بكر وعمر علي الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد. ولم ينقل عن أحد من السلف قول أو فعل يخالف ما ذكرنا وكذلك من بعدهم ولا اعتداد بقول النظام - المعتزلي - ومن وافقه من الخوارج أنه يجوز كونه من غير قريش [719] . [ صفحه 289] وقال ابن حجر: ذهب جمهور أهل العلم أن شرط الإمام أن يكون قرشيا [720] . إن الوقائع التاريخية تؤكد أن هذه الروايات مختلقة ومن صنع السياسة وأن الفقهاء يكذبون. فالمسلمون علي مر تاريخهم منذ توفي الرسول وحتي اليوم خضعوا لأصناف شتي من الأحكام من قريش ومن غيرها وحتي من المماليك العبيد والأتراك.. من هنا فنحن أمام هذا الشاهد بين أمرين: إما أن نكذب الروايات وبالتالي نكذب الفقهاء.. وإما أن نكذب التاريخ والوقائع.. والأرجح بالطبع هو الأمر الأول. فحتي علي فرض التسليم بصحة هذه الروايات فإن الاجماع لم ينعقد علي حاكم قرشي واحد في تاريخ المسلمين بداية من السقيفة وحتي سقوط الدولة العباسية. فجميع هؤلاء الحكام فرضوا أنفسهم علي المسلمين بقوة السيف ولم تكن هناك شوري ولا شئ من هذا [721] . وقد وقع الخلاف حول أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وبنو أمية وبنو العباس من قبل الصحابة والتابعين وجماهير المسلمين وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية في فترة السقيفة والفترات التي بعدها [722] . والفقهاء إنما يسايرون الوضع القائم والذي يستمد شريعته من مرحلة السقيفة فمن ثم يجب عليهم أن يدافعوا عن هذه المرحلة التي نبع منها النهج القبلي الذي أنجب إسلام الروايات الذي يتعبدون به [723] . يروي أن عبد الله بن عمر كان يتحدث أنه سيكون ملك من قحطان. فبلغ معاوية الأمر فغضب وخطب في الناس قائلا: بلغني أن رجالا منكم يتحدثون [ صفحه 290] الأحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله يقول: " إن هذا الأمر في قريش لا بعاديهم أحد إلا كبه الله علي وجهه ما أقاموا الدين " [724] . ونخرج من هذه الرواية بما يلي: أولا: إن معاوية استفزه تصريح ابن عمر أنه سيكون ملك من خارج قريش وهذا التصريح بلا شك منسوب للرسول (ص) ".. ثانيا: إن معاوية سب ابن عمر واتهمه بالجهالة.. ثالثا: إن معاوية اعتبر تصريح ابن عمر مناقضا لكتاب الله ولم يؤثر عن الرسول. رابعا: إنه لم يصدر نفي من ابن عمر أورد علي معاوية.. خامسا: إن معاوية هدد الذين يفكرون في الخروج عن الخط القرشي.. سادسا: إن معاوية اعتبر معاداة قريش معاداة لله سبحانه.. وأمام هذه النتائج التي خرجنا بها من هذه الرواية نقول: إن القوم يشهدون بأن ابن عمر من حملة علم الرسول ولم يشهدوا بذلك لمعاوية وهذا يعني أن موقف ابن عمر يقوم علي أساس علمي. إذن كيف يحق لمعاوية تجهيله؟ نقل ابن حجر قول بعضهم: وإنما أنكر معاوية خشية أن يظن أحد أن الخلافة تجوز في غير قريش فلما خطب بذلك دل علي أن الحكم عندهم كذلك إذ لم ينقل أن أحدا منهم أنكر عليه [725] . ولكن هل كان ابن عمر يجهل أن الخلافة في قريش؟ ثم إن معاوية لم يقم الدليل علي أن الحكم القرشي يوافق كتاب الله؟ [ صفحه 291] كما لم يقم الدليل علي أن كلام ابن عمر يناقض القرآن؟ لقد نسي الفقهاء أن معاوية أنكر رواية ابن عمر برمتها ولم يقوم بتأويلها. إن تصدي معاوية للدفاع عن فكرة القرشية وهو علي كرسي الحكم يعني أنه يدافع عن نفسه وعن حكمه. إذ أن أي خطر يهدد هذه الفكرة هو بالتالي يهدد عرشه الذي قام علي أساسها.. ولا يخفي علي أحد كيف وصل معاوية إلي الحكم وأقام أول نظام ملكي في تاريخ المسلمين..؟ لذا يمكن القول إن فكرة القرشية هي فكرة قبلية برزت في سقيفة بني ساعدة لدعم المهاجرين ضد الأنصار ثم استثمرت سياسيا من بعد هذه المرحلة في مواجهة التيارات المعارضة.. ولو كانت فكرة القرشية صحيحة لكان من الواجب أن يتم تطبيقها بغير هذه الصورة. إذ أن التطبيق الصحيح يقتضي أن يختار من يقوم بالأمر من أفضل بيوتات قريش وأعلاها مقاما. وبتحديد أكثر فإن الأمر يصب في البيت الهاشمي أشرف بيوتات قريش وهو بيت الرسول الذي نص في الرواية الصحيحة عند القوم علي أن الله اصطفي من قريش بني هاشم واصطداه من بني هاشم فهو خيار من خيار من خيار [726] . إلا أن فكرة القرشية انحرفت إلي بيت أبي بكر ثم بيت عمر ثم عثمان ثم استقرت عند معاوية الذي أورثها ولده. وهذا دليل علي كونها فكرة من اختراع مرحلة السقيفة.. ونظرا لإيماننا المطلق أن الرسول (ص) لا يطلق الكلام من باب العبث وإنما يتكلم بقدر ولغرض نفع الإسلام لا الاضرار بهم أو إيقاع الظلم عليهم. فإننا من هذا الباب نحكم ببطلان مثل هذه الروايات. إذ لا يعقل أن يبشر الرسول بقريش ويحصر الحكم فيها بينما كل الحكام الذين خرجوا منها عاثوا في [ صفحه 292] الأرض فسادا واستباحوا دماء المسلمين وأموالهم.. وهل يبشر الرسول بالقبلة والظلم والفساد وهو الذي جاء رحمة للعالمين..؟ وإذا ما تبين لنا هذا فلنتأمل الروايات الأخري التي تتعلق بهؤلاء الحكام القرشيين والحكام عامة.. يروي عن الرسول (ص) قوله: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصي الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصي أميري فقد عصاني " [727] . ويروي عنه (ص): " من كره من أميره شيئا فليصبر. فإنه من خرج عن السلطان شبر مات ميتة جاهلية " [728] . ويروي عنه (ص): " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " [729] . ويروي عنه (ص): " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع. قالوا أفلا نقاتلهم. قال لا ما صلوا " [730] . وفي رواية أخري إضافة: " وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فأكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " [731] . ويروي عنه (ص): " ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان " [732] . وفي رواية أخري: " من أتاكم وأمركم جميع علي رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " [733] . [ صفحه 293] ويروي عنه (ص): " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيعم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنسي ". قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع [734] . قال الفقهاء: قوله (ص): " من أطاعني فقد أطاع الله هذا مقبس من قوله تعالي (من يطع الرسول فقد أطاع الله) أي لأني لا آمر إلا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع الله الذي أمرني أن آمره " [735] . وذكر الخطابي سبب اهتمام النبي (ص) بشأن الأمراء حتي قرن طاعتهم إلي طاعته فقال: كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة ولا يدينون لغير رؤساء قبائلهم فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرت ذلك نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة فأعلمهم (ص) أن طاعتهم مربوطة بطاعته ومعصيتهم بمعصيته حثا لهم علي طاعة أمرائهم لئلا تتفرق الكلمة [736] . وقال النووي: ومعني الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تتعرضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق أينما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام وإن كانوا فسقة ظالمين وسبب هذا التحريم ما يترتب علي ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين هذا ما عليه جمهور العلماء وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسين وابن الزبير وأهل المدينة علي بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول علي الحجاج مع ابن الأشعث [737] . وزعم بعض الفقهاء أن هذه الروايات خاصة بالأنصار أي الهدف منها الزامهم بطاعة المهاجرين الذين سوف ينحصر الحكم فيهم [738] . [ صفحه 294] قال ابن حجر: قد أجمع الفقهاء علي وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حق الدماء وتسكين الدهماء [739] . وقال آخر: قوله (ص) " فإنما عليهم - أي علي الحكام - ما حملوا وعليكم ما حملتم " تعليل لقوله " اسمعوا وأطيعوا ". أي هم يجب عليهم ما كلفوا به من إقامة العدل وإعطاء حق الرعية فإن لم يفعلوا فعليهم الوزر والوبال وأما أنتم فعليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة وأداء الحقوق فإن قمتم بما عليكم يكافئكم الله سبحانه بحسن المثوبة [740] . ويعتبر الفقهاء أن من خرج عن طاعة الإمام وفارق جماعة الإسلام ومات علي تلك الحالة يموت ميتة جاهلية أي علي هيئة موت أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يطيعون أميرا ولا ينضمون إلي جماعة واحدة بل فرقا وعصائب يقاتل بعضهم بعضا [741] . وقد أشرنا سابقا إلي أن الفقهاء تبنوا موقف ابن عمر ومذهبه تجاه الحكام وحظروا القيام علي الحكام الفاسق [742] . والسؤال هنا: لماذا ابن عمر لا عليا أو حذيفة أو أبي ذر أو ابن مسعود أو غيرهم؟ والجواب ببساطة أن ابن عمر مثل التوجه المهادن للحكام من بعد مقتل أبيه ومن ثم اعتمدت رواياته ومواقفه من قبل معاوية وبني أمية. أما علي أو حذيفة أو أبو ذر أو ابن مسعود فقد مثل هؤلاء جميعا وغيرهم الاتجاه الرافض للوضع الذي ساد من بعد وفاة الرسول (ص) بداية من حكم أبي بكر وحتي حكم معاوية وولده.. [ صفحه 295] وأمامنا واقعة تاريخية معتمدة تلقي الضوء علي ابن عمر وموقفه المداهن شديد السلبية من الحكام فهو أولا لم يبايع عليا حين اجتمع عليه الناس ووقف يرقب النزاع الذي دار بينه وبين معاوية حتي إذا ما استتب الأمر لمعاوية قام بمبايعته علي السمع والطاعة ثم بايع من بعده ولده يزيد.. يروي أن عبد الله بن عمر دخل علي أخته حفصة وقال: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شئ. قالت: الحق فإنهم ينتظرونك وأخشي أن يكون احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتي ذهب. فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال ابن عمر: فحللت حبوتي وههمت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك علي الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك. فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حفظت وعصمت [743] . وهذه الرواية وقعت أحداثها حين طرح معاوية فكرة توليه ولده يزيد من بعده ويظهر منها أن معاوية عرض بابن عمر وبأبيه استهان بالجميع ولم يجد له معارض وقد هم ابن عمر بمعارضته ثم تراجع عن ذلك بحجة الحفاظ علي وحدة الكلمة وخوف الفتنة والحقيقة أنه خاف علي نفسه لأنه كان جبانا ولا يقوي علي مواجهة معاوية أو غيره. والرواية تشير إلي أنه كان يعلم أن هناك من هو أحق من معاوية بالحكم فكيف له أن يكتم هذا..؟ وهل كانت كلمة ابن عمر مسموعة في تلك الفترة بحيث يمكن لكلمته في مواجهة معاوية أن تحدث فرقة وقتال..؟ يقول ابن حجر: وكان رأي معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والرأي والمعرفة علي الفاضل في السبق إلي الإسلام والدين والعبادة فلهذا أطلق أنه أحق. والرأي ابن عمر بخلاف ذلك وأنه يبايع المفضول إلا إذا خشي الفتنة. ولهذا بايع معاوية ثم ابنة يزيد ونهي بنيه عن نقض بيعته [744] . [ صفحه 296] وكلام ابن حجر هذا فيه اعتراف بأن معاوية لم يكن أحق الناس بالحكم وأنه فرض نفسه بالقوة لا بالسبق إلي الإسلام والعبادة. أما ابن عمر فلم يكن هذا رأيه. وهو كلام فيه وهن وسفاهة إذ يعتبر أن موقف معاوية وجرائمه هي مجرد رأي.. أما موقف ابن عمر الذي بايع حسما للفتنة - كما يروي - فكأنه يشير إلي أن هناكم ثقل ووزن جماهيري لابن عمر يخشي منه الدخول في صدام مع معاوية وهو غير صحيح وكل ما في الأمر أن شخصية ابن عمر كانت شخصية سلبية وعاجزة عن اتخاذ القرار المناسب في مواجهة الواقع وهو ما يظهر لنا من خلال علاقته بزوجته المشاكسة التي لم يكن يقوي علي طليقها. كما كانت شخصية ابن عمر شخصية قشرية مسطحة ليس لها إلا ظاهر الأمر وهو ما يتضح من خلال تشدده في اللباس (تقصير ثوبه) واللحية وقيام الليل والمبالغة في الوضوء حيث كان يتعمد إدخال الماء في عينيه حتي ذهب بصره. وشخصية كهذه لا شأن لها بالسياسة والحكم وهو ما يفسر لنا تمسكه بظاهر الروايات الخاصة بالحكام وتطبيقها علي بني أمية.. يروي: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية (عام 63 هـ) جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي (ص) يقول: " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هذا الرجل - يزيد - علي بيع الله ورسوله وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل علي بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال. وإني لا أعلم أحد منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر - أي غير يزيد - إلا كان الفيصل بيني وبينه " [745] . ووقت هذه الرواية هو يوم وقعة الحرة حين اقتحمت جيوش يزيد المدينة واستباحتها ثلاثة أيام حتي لم تبق في المدينة عذراء واحدة وحملت أكثر من ألف امرأة سفاحا وأسرفوا في القتل ثم أجبروا أهلها علي البيعة ليزيد علي أنهم عبيد له [746] . [ صفحه 297] وبالطبع لم يمس جيش يزيد ابن عمر أو أهله بسوء. وابن عمر بدوره آثر أن يقوم بدور المتفرج علي هذه المجزرة الوحشية لأبناء الرسول والأنصار في المدينة ولعله كان يتشفي فيهم لمخالفتهم إياه.. ولكن هل غفل ابن عمر عن النصوص الصريحة التي جاءت علي لسان الرسول (ص) والتي تحرم انتهاك المدينة؟ [747] . إن مثل هذا الموقف من ابن عمر يكشف لنا مدي جنبه وانهزاميته.. وإن تعلقه برواية الغدر يكشف لنا مدي قشريته وفهمه السطحي للنص.. ولقد استمر ابن عمر علي موقفه الانهزامي المداهن للحكام حتي عصر الحجاج سفاح الأمة والذي كان يصلي وراءه. وليس هناك أكثر من الصلاة وراء مجرم كالحجاج كدليل علي جبن هذا الرجل وسفاهته. ولا يقال إن موقف ابن عمر هذا من باب حسم الفتنة وتوحيد الكلمة فالحجاج لم يكن إلا ذنب من أذناب بني أمية ولم يكن إمام المسلمين.. هل بعد هذا كله يجوز أن نضع مثل هذا القشري الجبان قدوة لنا نتلقي منه الدين وعلم الرسول؟ والإجابة بالطبع لا. ولكنها السياسة والفقهاء الذين استنبطوا من صلاته وراء [ صفحه 298] الحجاج قاعدة تقول بجواز الصلاة وراء كل بر وفاجر واعتبروها من العقيدة كما اعتبروا طاعة الحكام والحج معهم والجهاد من ورائهم من العقيدة التي يجب علي المسلم أن يتمسك بها وإلا كان من الهالكين وفقد الأمل في النجاة من النار [748] . ويروي أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يجلس في ظل الكعبة والناس مجتمعون حوله فقال:.. من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. فدنا منه أحد السامعين وقال له: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله (ص) فأهوي إلي أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقال له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) قال فسكت ساعة ثم قال - أي ابن عمرو - أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله [749] . يقول الفقهاء: أمقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول وأن الثاني يقتل أعتقد أن هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليا وكانت قد سبقت بيعت علي فرأي هذا أن نفقة معاوية علي أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل ومن قتل النفس لأنه قتال بغير حق. وقوله أطعه في طاعة الله واعصه.. الخ. فيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد. كذا قال النووي وقيل يشكل قول عبد الله هذا مع وجود علي وانعقاد الخلافة له بأهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار يريد بذلك الإشارة إلي ما نفس الحديث من قوله فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر إلي ما جاء في الحديث الآخر من وجوب الوفاء ببيعة الأول وقد كان علي هو الأول فكيف يأمر بطاعة من خرج عليه [ صفحه 299] وهو إشكال وارد إلا أن يكون حديث عبد الله هذا قد جري بعد موت علي واستتاب الأمر لمعاوية [750] . وقد لخص السيوطي تاريخ الخلفاء في كتاب من أبي بكر حتي خلفاء بني العباس الذين كانت خلافتهم جرد صورة وواجهة لحكم المماليك العبيد في مصر.. يقول السيوطي عن كتابه: ولم أورد أحدا ممن ادعي الخلافة خروجا ولم يتم الأمر له ككثير من العلويين وقليل من العباسيين ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيديين - الفاطميين - لأن إمامتهم غير صحيحة [751] . ومل يمكن قوله حول كتاب السيوطي هذا هو أنه قدم لنا خدمة كبيرة بجمعه كل هذه الروايات عن الحكام وأحكامهم وهي كافية للدلالة علي انحرافهم وفساد حكمهم وعدم جدارتهم بتولي أمر المسلمين [752] . ومثل هذه النتيجة التي نخرج بها من تاريخ الحكام تضعنا بين أمرين: إما أن نقر بصحة هذه الروايات الواردة علي لسان الرسول عنهم وبالتالي نتهمه بالظلم وإضفاء الشرعية علي الفساد.. وإما أن نقر بأن هذه الروايات باطلة أو قصد بها أناس صالحون وتم تحريفها.. والأمر الثاني هو المختار بالطبع.. أما أقوال الفقهاء وتبريراتهم لهذه الروايات فقد أكدت لنا أن هؤلاء الفقهاء وقعوا في فخ السياسة ودانوا لها وعاشوا في خدمتها وبدلا من أن يدافعوا عن الرسول (ص) بنقض هذه الروايات الواضح بطلانها ومخالفتها للقرآن وروح الدين [ صفحه 300] الذي جاء يبشر بالعدل والإحسان لا بالظلم والفساد. شمروا عن سواعدهم سخروا أقلامهم وألسنتهم في الدفاع عن الحكام حتي أنهم جعلوا طاعتهم والولاء لهم من العقائد [753] . [ صفحه 303]

الرسول المتطرف

الرسول يبشر بالدم ويهدد المسلمين ويمنح الحكام شرعية ذبح الخارجين عليهم.. هل جاء الرسول ليهدد ويتوعد ويحرق بيوت الناس؟ هذا ما جاءت به الروايات.. هل جاء الرسول ليهدد أهل الكتاب ويعزلهم عن المجتمع ويحط من قدرهم..؟ هذا ما جاءت به الروايات.. هل جاء الرسول لنصرة الحكام ومنحهم شرعية ذبح المخالفين لهم والخارجين عليهم..؟ هذا ما تصوره الروايات.. لقد أظهرت الروايات والتبريرات الفقهاء لها الرسول بمظهر التطرف والعدوانية علي المسلمين وأصحاب الديانات الأخري.. وكان أن استثمرت القوي الحاكمة هذه الروايات وتبريرات الفقهاء لها في قمع المسلمين وإراقة الدماء وزرع الطائفية في المجتمع الواحد. كما استثمرها أعداء الإسلام في حملتهم الشعواء ضد هذا الدين الذي وصفوه بالدموية والتعصيب.. وجاءت الحركة الوهابية الحنبلية في العصر الحديث لتؤكد هذا المفهوم حيث تبنت جميع الروايات المتطرفة المنسوبة للرسول (ص) وأعملت السيف في رقاب المسلمين وتمكنت من إقامة دولة شعارها السيف لا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.. وبدعم من الحركة الوهابية تم زرع التطرف في ربوع العالم الإسلامي عن طريق شراء الرموز والمؤسسات والتيارات الإسلامية التي تشبعت بالفكر الوهابي وقامت بنشر الارهاب الفكري وإراقة دماء المخالفين وزرع بذور الشقاق بين المسلمين.. [ صفحه 304] وفي ظل هذا الجو بدا وكأننا نعيش عصر محاكم التفتيش خاصة وبعد أن تمكن المد الوهابي من التغلغل في الحكومات.. وعاش أصحاب الفكر والرأي في خوف من فرعون وملائه بعد أن أصبح الرأي المخالف مجرما ومناهضا للحكم القائم ومبررا للبطش والتنكيل.. - ضد المسلمين: يروي عن الرسول (ص) قوله: " بعث بالسيف بين يدي الساعة حتي يعبد الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار علي من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم " [754] . قال ابن رجب الحنبلي: والذي يظهر أن في القرآن أربعة سيوف. سيف علي المشركين حتي يسلموا أو يؤسروا فإما منا بعد وإما فداء وسيف علي المنافقين وهو سيف الزنادقة. وقد أمر الله بجهادهم والاغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب. وسيف علي أهل الكتاب حتي يعطوا الجزية. وسيف علي أهل البغي وهو مذكور في سورة الحجرات ولم يسل (ص) هذا السيف في حياته [755] . ويبدو من كلام ابن رجب أنه استند إلي القرآن لدعم موقفه من هذه الرواية المتطرفة المنسوبة للرسول. وهذه نادرة من نوادر الفقهاء إذ أنهم لا يلجأون إلي القرآن ليدعموا به الروايات فهم قد استغنوا بها عن القرآن.. إلا أن هذه الرواية تفوح منا رائحة السياسة واستناد ابن رجب إلي القرآن استناد في غير موضعه وهو لا يخرج عن كونه محاولة لتسييس النص القرآني فهذه السيوف الأربعة التي ذكرها إنما هي سيوف خاصة بالرسول وهو المختار من قبل الله سبحانه لتطبيق أحكامه. وهو الشخصية الوحيدة التي سوف تغمد هذا السيف في موضعه. فإن أحكام الدماء لا يؤتمن عليها إلا الرسول.. [ صفحه 305] لكن الفقهاء أعطوا الحكام صلاحيات العمل بالسيف وهم أحلوهم بذلك مكان الرسول وفق روايات مخترعة استعرضناها في باب الرسول الظالم.. ومن هنا فإن هذه السيوف الأربعة التي ذكرها ابن رجب هي من صلاحيات الحكام أو من أطلقوا عليهم لفظ الأئمة زورا وبهتانا لكي يضلوا الأمة عن الأئمة الحقيقيين الذين أشار إليهم الرسول (ص).. ومن هنا أيضا أعملت السيوف في رقاب المسلمين من قبل الحكام بتهمة الزندقة تارة والبغي تارة والخروج علي جماعة المسلمين تارة أخري.. قال النووي: الزنديق هو الذي يعترف بالدين ظاهرا وباطنا. لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين ضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة [756] . إن الفقهاء قد عبدوا الأمة للرجال وعلي رأسهم الحكام الذين منحوهم شرعية تصفية الخارجين عن هذا الخط بتهمة الزندقة.. ولأن الأمة من بعد الرسول لم تلتزم بوصيته وتتبع الأئمة الذين أشار إليهم فمن ثم هي قد وقعت في براثن الحكام الذين أحلوا أنفسهم مكان الأئمة وحملوا السيوف ليضعوها في غير موضعها.. والفقهاء يريدون منا أن نساير هذا الوضع ونقره.. يريدون منا أن نقر تلك المجازر الوحشية التي ارتكبها الحكام باسم الإسلام تحت شعار الجهاد في سبيل الله.. يريدون منا أن نقر تلك المذابح التي قام بها هؤلاء الحكام ضد المسلمين باسم البغي والخروج علي جماعة المسلمين.. يريدون منا أن نقر عمليات التصفية الجسدية والإطاحة برقاب أصحاب الرأي تحت شعار الزندقة.. [ صفحه 306] إن المتابع لسلوك ومواقف الإمام علي من بعد الرسول تتجلي له هذه الحقيقة بوضوح فهو أولا لم يشارك فيما سمي بحركة الفتوحات.. وهو ثانيا الشخص الوحيد الذي بشر به الرسول (ص) كشاهر للسيف في مواجهة أهل القبلة. فهو قاتل عائشة وطلحة والزبير وغيرهم.. ثم قاتل الخوارج من بعدهم. ثم قاتل معاوية من بعد ذلك [757] . ونظرة إلي حركة الإمام علي وكيفية تطبيقه لأحكام السيف يتبين لنا أنه لا فرق بين تطبيقه وتطبيق الرسول.. يتبين لنا أنه لم يكن يقاتل لغرض القتال وإنما لغرض الدفاع.. ويتبين لنا أنه كان يقاتل بخلق الإسلام لا بخلق الحكام.. يتبين لنا ذلك بوضوح إذا ما نظرنا إلي الجبهات الأخري التي كانت تواجهه والتي كانت تقاتل من أجل الدنيا.. فهو قد رد عائشة آمنة مطمئنة إلي بيتها ما ارتكبته من جرائم وما تسببت فيه من مفاسد وإراقة دماء المسلمين.. وهو لم يقاتل الخوارج لأنهم قد خرجوا عليه وخالفوا نهجه وإنما قاتلهم عندما رفعوا شعار التكفير واستحلوا أموال المسلمين ودمائهم.. وهو لم يقاتل معاوية من أجل الحكم وإنما قاتل معاوية دفاعا عن الإسلام الذي جاء معاوية لهدمه وتزييفه.. يروي أن رجلا قال لعبد الله بن عمر: ألا تغزو. فقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: " إن الإسلام بني علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت " [758] . وابن عمر هو فقيه الصحابة الذي يعتمد القوم علي رواياته لم يكن له دور فيما سمي بحركة الفتوحات وهذا الموقف من قبله يضعنا بين أمرين: [ صفحه 307] الأول: أن يكون له برهان شرعي تجاه هذه الغزوات.. الثاني: أن يكون جبانا لا يقوي علي القتال.. ونحن نرجح الأمرين معا.. يروي أن رسول الله (ص) رأي خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه. وقال: " يعمد أحدكم إلي جمرة من نار فيجعلها في يده ". فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله. خذ خاتمك فانتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله [759] . قال الفقهاء: قوله فنزعه فطرحه. وهذا أبلغ في باب الانكار. ولذا قدمه (ص) في قوله: " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده ". وقال النووي: فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليها. وقيل: نزع الخاتم من يده وطرحه دليل علي غضب عظيم وتهديد شديد وفيه أن النهي للتحريم المتوعد عليه بالنار وقول صاحبه لا آخذه مبالغة في اجتناب النهي إذ لو أخذه لجاز ولكن تركه تورعا لمن يأخذه من الضعفاء لأنه نهاه عن لبسه خاصة لا عن التصرف فيه بغير اللبس [760] . إن الفقهاء لم يتطرقوا إلي هذا السلوك الذي بدر من الرسول (ص) وكونه لا يتلاءم مع خلقه العظيم فهو لا يخرج عن كونه تصرف شائن ومعالجة متطرفة لسلوك فرد لا يصطدم بجوهر الدين. وهو يتناقض مع دعوة الرسول إلي الرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التي نص عليها القرآن... وكل ما يعني الفقهاء هو تبرير هذا السلوك ثم استنباط أحكام تشريعية منه. دون إعمال العقل في الرواية والعمل علي مطابقتها بالقرآن... ومثل هذا التبرير هو الذي خلق التيارات المتطرفة في تاريخ المسلمين وعلي رأسها تيار الحنابلة الذي يتعبد بالروايات ويقدمها علي القرآن وعلي العقل حتي ولو كانت ضعيفة ومشكوك في صحتها سندا.. [ صفحه 308] وتيار الحنابلة هو الذي خلق الفقيه المتطرف ابن تيمية الذي خلق بدوره وبطرحه التيار الوهابي الذي ساد واقع المسلمين اليوم بالدنانير والريالات وخلق لنا في النهاية التيارات الإسلامية التي جعلت من هذه الأمور الشكلية (الذهب والصور والموسيقي) وغيرها قضاياها الأساسية التي تبرر لها شهر السيوف وإراقة الدماء من أجلها.. ويروي عن ابن هريرة أن الرسول (ص) قال: " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلي قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " [761] . وفي رواية أخري: " ثم تحرق بيوت علي من فيها " [762] . قال الفقهاء: المراد أناس مفقودين بعض من المنافقين فإنه لا يظن بالمؤمنين أنهم يؤثرون العظم السمين علي حضور الجماعة مع سيد المرسلين.. وقيل هذا مختص بزمانه (ص) لأنه لم يتخلف عن الجمعة في ذلك الوقت إلا منافق ويحتمل أن يحصل عاما فيكون تشديدا علي تاركي الجمعة بغير عذر وتنبيها علي عظم إثمهم [763] . وكلام الفقهاء هذا فيه إدانة للرسول (ص) فهو قد هم بإحراق بيوت تاركي الصلاة بمن فيها من الأطفال والشيوخ والنساء. وهذا حكم لا يوجد ما يبرره شرعا لا في القرآن ولا في الروايات. فضلا عن كونه يتسم بالوحشية والهمجية التي تضع الرسول في موضع طغاة القرون الوسطي ورجال محاكم التفتيش الذين كانوا يحرقون المخالفين أحياء وعلي الملأ. وإذا كان قتل الشيوخ والأطفال والنساء وحرق الأشجار والبيوت والزرع لا يجوز في زمن الحرب علي المشركين وهو ما نصت عليه الروايات التي يتعبد بها القوم. فهل يجوز إحراق المسلمين وفي زمن السلم؟ [764] . [ صفحه 309] وما نخرج به من هذه الرواية وتبريرات الفقهاء أن مسألة الصلاة من الضخامة بمكان بحيث تباح دماء تاركيها والمتخلفين عن أدائها جماعة.. وهذا التصور إنما هو نابع من عدة روايات منسوبة للرسول بخصوص الصلاة وهي روايات لا تخرج عن موضوع الباب.. يروي عن الرسول (ص) قوله: " بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " [765] . ويروي عن الرسول (ص) قوله: " إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " [766] . ويروي عن أبي هريرة أن الرسول (ص) قال: " إن أول ما يحاسب به العبد بصلاته. فإن صلحت فقد أفلح وأنجح. وإن فسدت فقد خاب وخسر " [767] . ومن هنا أفتي ابن حنبل بكفر تارك الصلاة وعدم جواز دفنه في مقابر المسلمين. وقال آخر يحتمل أن يكون المراد بهذا الكفر كفرا يبيح الدم لا كفرا يرده إلي ما كان عليه في الابتداء. وقيل إن المقصود بالكفر من تركها جحودا [768] . وكون أن الصلاة من أركان الإسلام الخمس أو أنها الفيصل بين الإسلام والكفر أو أنها وسيلة صلاح العمل والنجاة في الآخرة فجميع ذلك هو من اخترع السياسة كي تتجه الأمة نحو الصلاة وتعتقد أن فيها خلاصها وتهمل جوهر الدين وتصبح أداة طيعة للحكام الذين يقيمون الصلاة أيضا ما دامت هي وسيلة إخضاع الأمة لهم وإلزامها بطاعتهم [769] . [ صفحه 310] - ضد أهل الكتاب: يروي عن الرسول (ص) قوله: " لا تبدؤهم - أي أهل الكتاب - بالسلام. وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلي أضيع الطريق " [770] . ويروي عنه (ص): " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " [771] . ويروي جاء يهودي إلي النبي (ص) فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك. فقال: " من "؟ قال: رجل من الأنصار. قال: " ادعوه ". فقال: " أضربته ". قال سمعته بالسوق يحلف والذي اصطفي موسي علي البشر. قلت: أي خبيث. علي محمد. فأخذتني غضبة ضربت وجهه. فقال النبي: " لا تخيروا بين الأنبياء " [772] . ومثل هذه الروايات وغيرها إنما تقوي نزعة العداء في نفوس المسلمين تجاه أهل الكتاب وأصحاب الديانات الأخري الذين يشاركونهم العيش في أوطانهم. فمن ثم فهي تخلق الصراعات الطائفية التي تحول دون استقرار المجتمع الذي يحوي ديانات أخري بجوار المسلمين.. ولقد أسهم الفقهاء بتبريراتهم وتأويلاتهم خاصة الحنابلة منهم في دفع المسلمين إلي معاداة أصحاب الديانات الأخري والنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية. ومثل هذه النظرة إنما تنبع من ذلك الكم الهائل من الروايات التي تصور أهل السنة وكأنهم شعب الله المختار [773] . ومن خلال الرواية الأولي تبدأ عملية التعبئة المعنوية ضد أهل الكتاب وتأسيس الموقف النفسي منهم ثم تجاوز ذلك إلي العمل علي التضييق عليهم في الطرقات. وهو سلوك لا يتسم بالعقلانية والخلق الحسن الذي نادي به الإسلام.. والنتيجة ذاتها يمكن أن نخرج بها من خلال الرواية الثانية.. [ صفحه 311] أما الرواية الثالثة فتكشف انحياز الرسول للمسلم ضد اليهودي في قضية سلوكية ترتبط بالأدب والأخلاق ولا صلة لها بأمر الاعتقاد. فهو لم يقتص لليهودي من المسلم وكل ما أظهرته الرواية هو أن الرسول زكي موسي [774] . وهذه الروايات المتطرفة المتعلقة بأهل الكتاب إنما هي خاصة بمرحلة الرسول (ص) وما كان يقوم به اليهود من دور تآمري ضد الرسول والإسلام. أما اليوم فما هو ذنب الشعوب المستضعفة التي تدين بالمسيحية أو غيرها من الأديان؟ إن علي المسلمين أن يدركوا أن نزعة العداء هذه يجب أن تتجه إلي الحكام لا إلي هذه الشعوب. فهذا العداء هو المقصود من النصوص القرآنية المتعلقة بأهل الكتاب التي تزدحم بها سورة التوبة وغيرها من سور القرآن.. أما نصوص الفقهاء التي تنادي بهدم الكنائس والبيع وغيرها من المعابد وإلزام أهل الكتاب بلباس خاص ومنعهم من إشهار شعائرهم إلي آخر تلك النصوص التي تكتظ بها كتب الفقه. فهذه النصوص جميعها لا تخرج عن كونها أقوال رجال نبعت من واقع لا صلة له بالإسلام وهو واقع تلك الدول الملكية المنحرفة وفي مقدمتها الدولة الأموية والدولة العباسية تلك الدول العنصرية التي كان هدفها هو جمع الأموال وكنز الذهب والفضة والنفائس عن طريق الجزية والخراج [775] . ومثل هذه السياسة هي التي دفعت بعمر بن عبد العزير أن يصدر قرار بعدم الحيلولة دون دخول أهل الكتاب في الإسلام. وقد كان الحكام من قبله يحولون بينهم وبين ذلك مخافة أن يقل إيراد الدولة من الجزية والخراج - وقال قولته المشهورة: إن الله ابتعث محمد داعيا لا جابيا [776] . إلا أنه بالتعمق في مواقف الرسول (ص) يتبين لنا أن تلك الصورة المتطرفة [ صفحه 312] المنسوبة للرسول غير صحيحة إذ تصطدم بنصوص قرآنية صريحة كما تصطدم بمواقف واضحة للرسول من أهل الكتاب.. فالقرآن قد نص علي جواز نكاح نساء أهل الكتاب. كما نص علي جواز أكل ذبائحهم وهذا يعني الموافقة علي قيام العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المسلمين وأهل الكتاب. والعلاقات تعني الاحتكاك الدائم والتواصل. فهل يمكن أن يتحقق ذلك في ظل المقاطعة التي تبشر بها الروايات...؟ يروي أن النبي (ص) مرت عليه جنازة يهودي فقام. فقيل له إنها جنازة يهودي؟ فقال: " أليست نفسا " [777] . ويروي أنه دخل رهط من اليهود علي النبي (ص) بحضور عائشة. فقالوا: السام عليك يا محمد. فردت عائشة: عليكم السام واللعنة. فقال الرسول: " مهلا يا عائشة. فإن الله يخب الرفق في الأمر كله " [778] . ويروي أن الرسول (ص) كلف الإمام علي لينام مكانه ليلة هجرته من مكة ويتولي رد الأمانات التي كانت بحوزة الرسول إلي أصحابها من المشركين [779] . [ صفحه 315]

الرسول والأنبياء

ما طال الرسول طال بقية الرسل.. امتدت الروايات لتشمل الرسل والأنبياء (ع) الذين نالهم ما نال الرسول (ص) من طعن وتجريح وتشويه علي ألسنة الرواة. وهذا التعميم من قبل الرواة إنما يدعونا للشك في مصادر هذه الروايات التي توجد لها نظائر في الكتب القديمة مثل التوراة والإنجيل. والملفت للنظر أن هذه الروايات جميعها رويت علي لسان أبي هريرة الذي كان علي صلة وثيقة بكعب الأحبار اليهودي الذي نسبه للإسلام الرواة. والملفت أيضا أن الذين صنفوا كتب الروايات وضعوا هذه الروايات التي تحط من قدر الأنبياء تحت أبواب الفضائل.. وسوف نعرض هنا لنماذج من هذه الروايات التي تتعرض لنوح ولإبراهيم (ع) وموسي (ع) وسليمان (ع) وعيسي (ع) وحتي آدم (ع).. - إبراهيم: يروي عن الرسول (ص): " اختتن إبراهيم (ع) وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " [780] . ويروي عنه (ص): " لم يكذب إبراهيم (ع) إلا ثلاث كذبات. ثنتين منهن في ذات الله عز وجل. قوله - إني سقيم - وقوله: بل فعله كبيرهم هذا - وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتي علي جبار من الجبابرة. فقيل له: إن ههنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه. فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي. فأتي سارة. قال: يا سارة ليس علي وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك. وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي. فلا تكذبيني. فأرسل إليها. فلما دخلت عليه ذهب [ صفحه 316] يتناولها بيده. فأخذ فقال: ادعي الله لي ولا أضرك. فدعت الله. فأطلق. ثم تناولها الثانية. فأخذ مثلها أو أشد. فقال ادعي الله لي ولا أضرك. فدعت. فأطلق. فدعا بعض حجبته فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما آتيتموني بشيطان. فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده. مهيا. قالت: رد الله كيد الكافر (أو الفاجر) في نحره وأخدم هاجر ". قال أبو هريرة - الراوي -: تلك أمكم يا ماء السماء [781] . ويروي عنه (ص): " نحن أحق بالشك من إبراهيم. إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتي. قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي " [782] . ويبدو من الرواية الأولي أنها تصادم العقل والعرف إذ كيف يختتن رجل في مثل هذا السن فضلا عن كونه نبي مرسل..؟ إن هذه الرواية تمثل مهانة لإبراهيم (ع) وتصفه بالاهمال في أمر الاختتان فإذا كان الاختتان واجبا. فقد أهمل إبراهيم هذا الواجب حتي بلغ الثمانين.. وإذا كان أمرا عرفيا فما الذي يجعل إبراهيم يقدم عليه وهو في هذا السن؟ أما الرواية الثانية فهي فاضحة ولا يمكن أن تنسب إلي الرسول (ص). فليس من الأدب أن ينسب الكذب إلي إبراهيم علي لسان الرسول. إلا أن قول إبراهيم إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا. لا يعد من باب الكذب وإنما هو من باب الذكاء والكياسة. فالقول الأول قصد به التهرب من ممارسة عبادة الأصنام مع قومه. والثاني قصد به توريط قومه وتشكيكهم في الأصنام التي يعبدونها. فبعد أن قام بتحطيمها وأدانوه بذلك نسب الفعل إلي كبير الأصنام حتي يضعهم في حرج ما بين الاعتراف أن الأصنام لا تنفع ولا تضر وأنها لم تستطع أن تدفع الضر عن نفسها وما بين إدانة إبراهيم وهو يؤدي إلي نفس النتيجة وهي أن الأصنام لا تضر ولا تنفع ولا تدفع الضر عن نفسها [783] . [ صفحه 317] أما الثالثة التي هي كذبة ليست في ذات الله حسب تعبير الرواية فهي كذبة ضارة لا تنم عن عقل وخلق وهو ما لا يجوز في حق إبراهيم (ع). فإن ادعائه بأن سارة شقيقته يفسد الأمر لا يصلحه وكان من الأولي أن يعترف بكونها زوجته. وكيف لنبي أن يترك شقيقته لطاغية يعبث بها بينما هو يلجأ إلي الصلاة..؟ مثل هذا السلوك لا يبدر عن عامة الناس فكيف الحال بنبي مرسل..؟ والرواية لم تخبرنا هل كان إبراهيم يتوقع معجزة إلهية تنقذ سارة وهل أنبأ بهذا. أم أن القدرة الإلهية تدخلت في الوقت المناسب لتوقف الملك الطاغية عند حده؟ إن الرواية تهدف من أولها إلي آخرها إلي إلقاء الضوء علي هاجر أم إسماعيل. ولكن أليس من الأفضل أن تبرز هاجر في حياء إبراهيم بسبيل آخر غير هذا السبيل الذي فيه امتهان لإبراهيم..؟ ولقد أغفل الفقهاء كعادتهم جوهر الرواية وانغمسوا في متاهات لغوية حول نصب ورفع كلمات وجمل الرواية في الوقت الذي ركزوا فيه علي جملة تلك أمكم يا بني ماء السماء التي قالها أبو هريرة واختلفوا هل المقصود بقوله: العرب من ولد إسماعيل الذين اعتمدوا في حياتهم علي الأمطار يرعون علي أساسها دوابهم. أم أراد بها ماء زمزم الذي تفجر لهاجر وعاشت عليه هي وولدها وذريته [784] . قال ابن حبان: كل من كان من ولد إسماعيل يقال له ماء السماء. لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء السماء [785] . وتعد هذه من نوادر الفقهاء إذ اعتكفوا علي قول أبي هريرة يمحصونه ويكشفون مراده وأهملوا إبراهيم وأهله. وكأنهم بهذا قد وضعوا أبو هريرة في مصاف حكماء الصحابة الذين لا يجب أن تهمل كلماتهم. وهو موقف طبيعي من أناس اعتبروه وارث علم الرسول والناطق بلسانه.. [ صفحه 318] وقد أتحفنا القوم برواية وفرت علينا الكثير من الجهد وألزمتهم الحجة في إثبات وقوع الكذب من إبراهيم. يروي أن الناس يوم القيامة تهرع إلي الأنبياء طلبا للشفاعة وعندما يأتون إلي إبراهيم يقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلي ربك. ألا تري إلي ما نحن فيه. فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإني كنت قد كذبت ثلاث كذبات. نفسي. نفسي. نفسي. اذهبوا إلي غيري [786] . وبهذه الرواية يكون القوم قد أكدوا وقوع الكذب من إبراهيم وهو ما أدي إلي غضب الله عليه. فهل الأنبياء يكذبون. وهل الله الذي اختارهم يغضب عليهم..؟ والإجابة بالطبع لا عند أصحاب العقول.. ونعم عند الرواة والفقهاء. أو أهل السنة والجماعة.. - موسي أيضا: يروي عن النبي قوله: " كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة. ينظر بعضهم إلي بعض. وكان موسي يغتسل وحده. فقالوا والله ما يمنع موسي أن يغتسل معنا إلا أنه آذر. فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه علي حجر. ففر الحجر بثوبه. فخرج موسي في أثره يقول: ثوبي يا حجر. حتي نظرت بنو إسرائيل إلي موسي. فقالوا: والله ما بموسي من بأس. وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا ". قال أبو هريرة - الراوي -: والله. إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة. ضربا بالحجر [787] . وفي رواية: فانطلق الحجر يسعي واتبعه بعصاه يضربه ثوبي حجر حتي [ صفحه 319] وقف علي ملأ من بني إسرائيل ونزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) [788] . قال الفقهاء: قوله إلا أنه آدر. أي عظيم الخصيتين. والأنبياء منزهون عن النقص في الخلق والخلق سالمون من المعايب ولا يلتفت إلي ما نسب بعض المؤرخين إلي بعضهم من العاهات فإن الله سبحانه رفعهم عن كل ما هو عيب يغض العيون وينفر القلوب ونزول يا أيها الذين آمنوا... الآية الظاهر أن قضية الحجر هذه إنما كانت بعد النبوة لقوله فضربه بعصاه ولأن لقياه لبني إسرائيل إنما كان بعد البنوة [789] . وقال النووي: وفي هذا الحديث فوائد منها أن فيه معجزتين ظاهرتين لموسي (ع) إحداهما مشي الحجر بثوبه إلي ملأ بني إسرائيل والثانية حصول الندب في الحجر [790] . والذي نخرج به من هذه الرواية اللامعقولة أن القوم قد ذهبت عقولهم وسعوا إلي إذهاب عقولنا أيضا بعملهم علي تبرير مثل هذه الرواية بدلا من رفضها والطعن فيها. فمهما بالغوا في هذا التبرير فإن العقل والفطرة تأبي قبول مثل هذا الكلام في حق نبي مكرم هو موسي (ع).. إن ستر العورة من سنن الفطرة التي دعا بها الأنبياء فكيف يغفل عنها موسي..؟ ونحن لن ندخل قصة الحجر في ميزان الرفض والقبول العقلي وإنما يعنينا هو أمر موسي كيف يجري وراء الحجر وهو عريان..؟ وإذا كان صحيحا ما يشيع بنو إسرائيل أن بموسي عيب خلقي لا يريد أن يطلع الناس عليه وهو ما يبرر اغتساله وحده. أفلا توجد سوي هذه الطريقة المعيبة لإبطال هذه الإشاعة إن أخطر ما تبرزه هذه الرواية هو أن تحرك الحجر بملابس [ صفحه 320] موسي وجري موسي وراءه قد تم بأمر الله وإرادته كي ينزل نص تبرئته ويقطع دابر الإشاعات. وهذا قمة السفه والضلال. إذ فيه مساس بذات الله سبحانه وحكمته. ولو كان هذا التصور صحيحا فلماذا اعترض موسي علي أمر الله وأوسع الحجر ضربا..؟ لقد اعتبر الفقهاء إضافة أبو هريرة علي الرواية كنص الرواية وامتداد لها كما فعلوا مع رواية إبراهيم السابقة وعكفوا علي تفسيرها. واعتبرها النووي جزء من الرواية وهو ما يظهر من اعتماد إضافته كمعجزة ثانية لموسي. ويروي عن الرسول (ص) قوله: " جاء ملك الموت إلي موسي (ع) فقال له: أجب ربك. فلطم موسي عين ملك الموت ففقأها. فرجع الملك إلي الله تعالي فقال: إنك أرسلتني إلي عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني. فرد الله إليه عينه وقال ارجع إلي عبدي فقل الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك علي متن ثور فما توارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة. قال - أي موسي - ثم مه. قال الملك: ثم تموت " [791] . قال الفقهاء: قوله أرسل ملك الموت إلي موسي في هذا الحديث مناقشات لبعض الملاحدة وأجوبة عديدة وتوجيهات حسنة للعلماء ومن جملة تلك ما ذكر القسطلاني: أرسل ملك الموت إلي موسي في صورة آدمي اختبارا وابتلاءا كابتلاء الخليل بالأمر بذبح ولده فلما جاءه ظنه آدميا حقيقة تسور عليه منزلة بغير إذنه ليوقع به مكروها. فلما تصور ذلك (ع) صكه أي لطمه علي عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاء فيها دون الصورة الملكية ففقأها [792] . وهذه الرواية لا تقل سخافة عن سابقتها وإن كانت أدهي وأمر إذ تصور نبي الله موسي متحديا لقضاء الله معتديا علي رسوله ملك الموت ومحدثا به عاهة. ولا يخفي أن الاعتداء علي الله هو اعتداء علي الله سبحانه. وهو ما نبرأ منه [ صفحه 321] موسي الرسول المختار ويدفعنا بالتالي إلي الحكم ببطلان مثل هذه الروايات التي تهين الأنبياء وتحط من قدرهم وتشوه صورتهم. وعلي فرض التسليم بصحة هذه الرواية فإن هذا يعني المساس بذات الله سبحانه كما هو حال الرواية السابقة. إذ أن الرواية تصور تراجع الله سبحانه عن أمره لملك الموت بقبض موسي بعد ما عاد إليه مصابا وإتاحة الفرصة لموسي ليعيش سنوات أخري ما دام متعلقا بالحياة الدنيا بعدد الشعرات التي يحتويها كفه من جسد الثور. ومثل هذا التصور لا يليق بالله سبحانه وهو علي هذه الصورة يعد تدليلا لموسي المعتدي والرافض لأمر الله.. ومن جانب آخر يمكن الحكم برفض هذه الرواية عقلا لكون ملك الموت ذو قوة خارقة لا طاقة للبشر بها ولا يقدر أحد علي منعه من قبض روحه. فكيف استطاع موسي أن يمنعه..؟ وإذا كان الأمر كما يصور الفقهاء من أن ملك الموت جاء إلي موسي في صورة بشر وتمكن من صده والاعتداء عليه ظنا منه أنه لص فإن هذا يعطي الفرصة للآخرين ليعتدوا عليه ويمنعونه من تنفيذ حكم الله. لأن عقيدة القوم تنص علي أن ملك الموت كان يأتي إلي بني إسرائيل في صورة آدمي حتي اعتدي عليه موسي فاختفي بعدها.. يروي عن أبي هريرة أيضا: أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتي أتي موسي فلطمه ففقأ عينه [793] . ويبدو من هذه الرواية أن أبا هريرة أراد أن يتدارك بها روايته السابقة ويقطع دابر الشك فيها. - وآخرون: يروي عن الرسول قوله: " قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة علي مائة امرأة [ صفحه 322] أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله. فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعين " [794] . ويروي عنه (ص) قال: " قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحي الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله " [795] . قال الفقهاء: قوله لأطوفن أي لأجامعن واللام جواب القسم كأنه قال مثلا و الله لأطوفن. ورواية سبعين امرأة وتسعين امرأة لا تعارضهما ورواية ستين لأنه ليس في ذكر القليل نفي الكثير. وتوهم التعارض إنما هو من جهة مفهوم العدد وهو غير معمول به عند كثير من الأصوليين. وليس المراد أنه غفل من التفويض إلي الله بقلبه فإن اعتقاد التفويض مستمر له لكنه نسي أن يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين [796] . وقالوا حول الرواية الثانية: قوله (ص) أن نملة قرصت. هذا الحديث محمول علي أن شرع ذلك النبي كان فيه جواز قتل النمل وجواز الاحراق بالنار ولم يعتب عليه في أهل القتل والاحراق بل في الزيادة علي نملة واحدة. وأما شرعنا فلا يجوز الاحراق بالنار للحيوان [797] . إن قضية الطواف علي النساء التي تنسبها الرواية لسليمان (ع) غير مقبولة عقلا وشأنها شأن روايات الطواف المنسوبة للرسول (ص) وما قيل هناك يقال هنا. بل إن الرفض هنا له ما يبرره بصورة أكبر. فقد نسب للرسول هناك تسعة نسوة. بينما نسب لسليمان هنا مائة. وفي رواية ستين. وأخري سبعين. وأخري تسعين. وهو عدد يستحيل عقلا الطواف عليه في ليلة واحدة. كما يستحيل عقلا نسبته لنبي فإن أقل ما ينتج عن رعاية هذا العدد هو إهمال شؤون الدعوة وحتي الوحي والتفرغ لهن. لن يجدي شيئا إذ أن هذا العدد من المستحيل أن يهيمن عليه رجل واحد. [ صفحه 323] ولأن الأنبياء ليس لهم شغل سوي الدين والوحي فمن غير الجائز عقلا نسبة النسيان أو الاهمال لهم في مسألة تتعلق بجوهر دورهم ومهمتهم كما تصور الرواية أن سليمان أهمل نصيحة الملك أو نساها. فهو لا يجوز أن يذكر بذلك من الأصل.. وتبرير الفقهاء لما نسب لسليمان ما زاد الطين إلا بلة إذ أن اختلاف الروايات في عدد نسوة سليمان دليل قاطع علي ضعف الرواية وبطلانها [798] . أما رواية النمل فهي من المطاعن التي ألحقها الرواة بالأنبياء وهي امتداد للروايات الأخري التي قام بتأليفها أبو هريرة. والفقهاء يقرون بأن ذلك النبي ما كان يجب عليه أن يعاقب قرية النمل بأكملها وإنما كان يجب أن يعاقب النملة التي قرصته وحدها. فمن ثم فهو سلوك غير مبرر من نبي وانتقام لا يدل علي نفس سوية. ومثل هذا الخلق لا يجوز أن ينسب لنبي مختار فهو يشكك في سلوكه ومواقفه ويصفها بالعداونية وعدم الأهلية للقيام بأعباء الرسالة [799] . وختاما لهذا الباب نضع أمام القارئ رواية من روايات أبي هريرة شملت آدم ونوح وإبراهيم وموسي وعيسي ثم رسولنا (ص). وهي رواية لا تختلف عن الروايات السابقة في شأن الأنبياء غير أن ما يميزها هو شمولها لهذا العدد من الأنبياء ضمن قضية واحدة هي قضية الشفاعة التي تصور الرواية فرار هؤلاء الأنبياء منها وإعلانهم صراحة عدم أهليتهم لقيام بها كاشفين عن أخطائهم التي أوجبت غضب الله عليهم مما حط من مكانتهم وقلل من شأنهم أمام الله بما يوجب عدم استحقاقهم للقيام بالشفاعة لأقوامهم الذين لم يجدوا نبيا مؤهلا للقيام بها سوي محمد (ص) فاندفعوا نحوه فقبل المهمة علي الفور.. وما تبرز هذه الرواية هو الحط من قدر الأنبياء ورفع مقام نبينا عليهم حيث تبرز أن كل نبي له سيئة أوجبت الله عليه عدا رسولنا. كما تبرز هذه الرواية أيضا أن الأنبياء والرسل تخلوا عن أقوامهم ونادوا بالنجاة لأنفسهم. وبهذا يكونوا قد تساووا مع أقوامهم.. [ صفحه 324] يروي أبو هريرة: أتي رسول الله (ص) بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم قال: " أنا سيد الناس يوم القيامة. وهل تدرون بما ذلك؟ يجمع الناس الأولين و الآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفدهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطبقون ولا يحتملون. فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم. ألا تنظرون من يشفع لكم إلي ربكم. فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم. فيأتون آدم (ع) فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلي ربك. ألا تري ما نحن فيه. ألا تري إلي ما قد بلغنا. فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته. نفسي. نفسي. نفسي. اذهبوا إلي غيري. اذهبوا إلي نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلي أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه. فيقول: إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله وأنه قد كانت لي دعوة دعوتها علي قومي. نفسي. نفسي. نفسي. اذهبوا إلي غيري. اذهبوا إلي إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه. فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات. نفسي. نفسي. نفسي. اذهبوا إلي غيري. اذهبوا إلي موسي. فيأتون إلي موسي فيقولون يا موسي أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه علي الناس اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه. فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإني قد قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها. نفسي. نفسي. نفسي.. اذهبوا إلي غيري. اذهبوا إلي عيسي. فيأتون عيسي فيقولون: يا عيسي أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا ألا تري إلي ما نحن فيه. فيقول عيسي: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر ذنبا. نفسي. نفسي. نفسي.. اذهبوا إلي غيري. اذهبوا إلي محمد (ص) فيأتون محمد فيقولون يا محمد. أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما [ صفحه 325] تأخر. اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه. فأنطلق فآتي تحت العرش. فأقع ساجدا لربي عز وجل. ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه علي أحد قبلي. ثم يقال يا محمد ارفع رأسك. سل تعطه واشفع تشفع. فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب. أمتي يا رب. فيقال: يا محمد. أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة. وهم شركاء الناس فيما سوي ذلك من الأبواب. ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة وبصري " [800] . إن هذه الرواية تشير إلي أن الأنبياء الخمسة وهم أولو العزم من الرسل أي أصحاب الرسالات الكبري في التاريخ البشري يشكون في أنفسهم وخلقهم فينسبون لأنفسهم ذنوبا أنزلت عليهم غضب الله وبالتالي أصبحوا لا يضمنون النجاة من النار ولأجل ذلك تخلوا عن أقوامهم. وهذا يعني التشكيك فيهم. وهذه أولي النتائج التي تدعونا إلي الشك في الرواية. النتيجة الثانية هي أن الرواية ذكرت لكل نبي ما أوجب غضب الله عليه عدا عيسي فقد لحقه هذا الغضب دون أن تحدد الرواية ذنبه. فهل عجز أبو هريرة عن اختراع ذنب لعيسي؟ النتيجة الثالثة أن أقوام الرسل أجمعين بعد أن تخلي منهم رسلهم هرعوا نحو محمد (ص). لكن محمد عندما رفع رأسه ليشفع لأمته فقط. وذلك واضح من خلال قوله: " أمتي يا رب ".. فهل غفل أبو هريرة عن سد هذه الثغرة في الرواية. أم أن أمة محمد هي التي هرعت نحو آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسي ثم عيسي..؟ وفي كلتا الحالتين فإن الأمم السابقة لم يتحدد مصيرها من خلال الرواية كما لم يتحدد مصير الأنبياء الخمسة.. وهل يستقيم مثل هذا التصور عن الأنبياء مع تلك الرواية التي جاءت علي [ صفحه 326] لسان أبي هريرة وابن عمر وعائشة وأنس وغيرهم عن الصحابة المبشرين بالجنة تلك الروايات التي تكتظ بها كتب السنن.. هل من الممكن أن نقبل روايات تشكك في الأنبياء في الوقت الذي نقبل فيه روايات تنزه الصحابة وتضفي عليهم العدالة وتبشرهم بالجنة وتريهم منازلهم فيها وهي جاءت عن طريق نفس الرواة..؟ لقد شوهت الروايات الرسول وسائر الرسل ورفعت من قدر الصحابة وهذا وحده دليل كاف علي بطلانها وكونها مخترعة..

پاورقي

[1] أنظر الجرح والتعديل لجمال الدين القاسمي.
[2] أنظر مقدمة ابن الصلاح والنظر الجرح والتعديل. وانظر الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي.
[3] أنظر السيوطي في شرحه التدريب وانظر المراجع السابقة.. وانظر شرح مسلم للنووي المقدمة.
[4] أنظر إمعان النظر شرح نخبة الفكر لأكرم عبد الرحمن السندي.
[5] المرجع السابق بشرح علي القاري.
[6] أنظر مقدمة ابن الصلاح.
[7] أنظر الرفع والتكميل والسيوطي وابن الصلاح ومقدمة مسلم.
[8] الرفع والتكميل وانظر مقدمة ابن الصلاح والمراجع السابقة.
[9] إرشاد النقاط إلي تيسر الاجتهاد. [
[10] أنظر ميزان الاعتدال للذهبي. وانظر شرح الألفية للعراقي. ومقدمة ابن الصلاح. والجرح والتعديل والرفع والتكميل وغيرها من كتب الرجال.
[11] الرفع والتكميل. وانظر المراجع السابقة.
[12] الرفع والتكميل وانظر المراجع الأخري.
[13] الزركشي. النكت علي مقدمة ابن الصلاح.
[14] القول المسدد في الذب عن مسند أحمد.
[15] الرفع والتكميل.
[16] فتح المغيث للسخاوي.
[17] ميزان الاعتدال.
[18] مقدمة فتح الباري شرح البخاري.
[19] تدريب الراوي شرح تقريب النواوي.
[20] مقدمة فتح الباري.
[21] تهذيب التهذيب ح 9 / 364.
[22] المرجع السابق ح 3 / 305.
[23] لسان الميزان ح 3 / 142.
[24] مقدمة ابن الصلاح. وانظر لسان الميزان ح 1 / 13.
[25] تهذيب التهذيب ح 6 / 218.
[26] ميزان الاعتدال ح 1 / 5.
[27] الرفع والتكميل.. ويري الفقهاء أن الجهالة ترتفع عن الراوي إذا ما روي عنه اثنان.
[28] المرجع السابق وانظر الجرح والتعديل لأبي حاتم الرازي.
[29] ميزان الاعتدال ح 1 / 556.
[30] أنظر المرجع السابق ومقدمة ابن الصلاح.
[31] ح 3 / 426.
[32] شرح سنن الترمذي المسمي تحفة الأحوزي ح 4 / 390.
[33] ميزان الاعتدال ح 1 / 344.
[34] مقدمة فتح الباري ح 2 / 168.
[35] المرجع السابق ح 2 / 141.
[36] المرجع السابق ح 2 / 164 وما بعدها.
[37] أنظر نماذج أخري من هؤلاء الرجال في هدي الساري مقدمة فتح الباري.
[38] ميزان الاعتدال ح 2 / 185.
[39] القول المسدد في الذب عن مسند أحمد بن حنبل.
[40] ميزان الاعتدال ح 1 / 29.
[41] فتح المغيث للسخاوي وانظر الرفع والتكميل.
[42] أنظر ميزان الاعتدال.
[43] أنظر تهذيب التهذيب.
[44] أنظر مقدمة فتح الباري.
[45] أنظر كتب الجرح والتعديل.
[46] أنظر مقدمة الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني.
[47] مقدمة فتح الباري. أسماء من طعن فيهم من رجال البخاري.
[48] المرجع السابق.
[49] لم تثبت أية فضائل لمعاوية علي لسان الرسول (ص) قال بذلك إسحاق بن راهويه أستاذ البخاري. ورفض النسائي كتابة شئ في معاوية وقتل بسبب ذلك. أنظر فتح الباري ح 7 باب ذكر معاوية. وانظر ترجمة النسائي في كتب التراجم ومقدمة سننه.
[50] اختلف في اسم أبو هريرة أكثر من عشرين خلافا. أنظر تاريخ الصحابة لابن حبان. وطبقات ابن سعد والإصابة وأسد الغابة. في معرفة الصحابة والاستيعاب في معرفة الأصحاب.
[51] مقدمة فتح الباري.
[52] أنظر مقدمة فتح الباري ومقدمة مسلم.
[53] المرجعين السابقين وانظر كتب الرجال.
[54] المراجع السابقة.
[55] المراجع السابقة.
[56] تهذيب التهذيب.
[57] المراجع السابقة.
[58] المراجع السابقة.
[59] مقدمة مسلم.
[60] مقدمة فتح الباري.
[61] مقدمة فتح الباري. وهذا الحصر خاص بالبخاري أما الكتب السنن الأخري فقط روي فيها هؤلاء الثلاثة الكثير. ومجموع ما رواه أبو هريرة وحده أكثر من خمسة آلاف وما روته عائشة (2300) حديثا. وما رواه ابن عمر (2600) حديثا.
[62] المرجع السابق.
[63] من هذه الروايات: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات. مات ميتة جاهلية. ومن رأي من أميره شيئا فليصبر. ومن يطع الأمير فقد أطاعني. واسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك.. إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي به.. أنظر مسلم كتاب الإمارة. والبخاري كتاب الأحكام.. أنظر كتابنا السيف والسياسة. وكتابنا الخدعة.. وانظر باب الرسول الظالم من هذا الكتاب.
[64] يقسم فقهاء الحديث الخبر - أي الحديث - إلي متواتر وآحاد. ويقسمون الآحاد إلي أقسام منها المشهور والعزيز والغريب والحسن والمرسل والمعلق وغير ذلك. أنظر كتب مصطلح الحديث.
[65] التمهيد ح 1 / 3 وما بعدها.
[66] علوم الحديث.
[67] شرح مسلم ح 1 / 20.
[68] أنظر كتب علوم الحديث وكتب أصول الفقه.
[69] بغية الفحول.
[70] الرسالة.
[71] الأجوبة الفاضلة للكندي.
[72] أنظر كتب أصول الفقه وعلوم القرآن والناسخ والمنسوخ.
[73] أنظر مقدمة مسلم.
[74] المرجع السابق.
[75] المرجع السابق.
[76] أنظر لنا كتاب الكلمة والسيف.
[77] أنظر الباعث الحثيث لابن كثير. ويقول ابن القيم الجوزية: إن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم مفيد لليقين ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين. (مختصر الصواعق ح 2 / 373).
[78] مقدمة فتح باري. وقال البخاري ما جمعته صحيح وما تركت من الصحيح أكثر.
[79] من هذه الفتاوي جواز قيام المرأة باستضافة الرجل عندها والقيام بخدمته. وجواز ترك الصلاة في حالة الضرورة. لا يجب الغسل في الجماع الذي لا إنزال فيه. يجوز دهن البدن بدهن الميتة. أحكام الرضاع تترتب علي لبن الحيوان أيضا.. أنظر مقدمة البخاري ط مكة.
[80] وفيات الأعيان ح 4 / 280 ويقال إنه مات بسبب سلة تمر أكل منها فوق طاقته.
[81] تذكرة الحفاظ ح 2 / 59.
[82] أنظر مسلم كتاب الفضائل باب فضل الإمام علي وباب فضل آل البيت. وقارن بينه وبين البخاري.
[83] أنظر تراجم هؤلاء في وفيات الأعيان وتذكرة الحفاظ وكتب الرجال وكتب التاريخ.
[84] المتأمل يكتشف أن التركيز علي البخاري أكثر لكونه لا يحوي نصوصا تنصر عليا وأصحابه.. أنظر ميزان الاعتدال للذهبي وتهذيب التهذيب لابن حجر وتأمل هجومهما علي أبي داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم.
[85] مقدمة إسعاف المبطأ في شرح الموطأ. وانظر مقدمة طبعات الموطأ.
[86] أنظر مقدمات الموطأ.
[87] مقدمة سنن أبو داود بتحقيق محيي الدين عبد الحميد.. وانظر معالم السنن للخطابي.
[88] المرجع السابق.
[89] معالم السنن.
[90] مقدمة سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي.
[91] أنظر مقدمة سنن الترمذي وكتب التراجم.
[92] مقدمة سنن ابن ماجة شرح السندي.
[93] أنظر لنا كتاب: أهل السنة شعب الله المختار. وفكرة أهل السنة ظهرت في العصر العباسي علي يد أحمد بن حنبل وتلاميذه لقبوا بأهل الحديث.
[94] أنظر المرجع السابق. وانظر فتن الحنابلة في الكامل في التاريخ لابن الأثير.
[95] أنظر مقالات الإسلاميين للأشعري. وشرح العقيدة الطحاوية والملل والنحل للشهرستاني والفصل في الملل والنحل لابن حزم والعقيدة الواسطية لابن تيمية وغيرها من كتب العقائد.. وانظر باب الرسول المجسم من هذا الكتاب.
[96] رواه مسلم. كتاب البر والصلة. وكان الرسول قد طلب معاوية فاعتذر بسبب الأكل.
[97] تذكرة الحفاظ ترجمة النسائي.
[98] البداية والنهاية ح 8 / 119.
[99] مسلم. كتاب الإمارة. [
[100] شرح النووي علي مسلم.
[101] البخاري ومسلم باب من فضائل علي.
[102] شرح مسلم للنووي.
[103] مسلم. باب من فضائل علي.. ويلاحظ أن التأويل يتركز حول الروايات الخاصة بالإمام علي وآل البيت.
[104] أنظر شرح النووي وشرح العقيدة الواسطية لابن تيمية. وفضل آل البيت للمقريزي.
[105] أنظر شرح العقيدة الطحاوية ط القاهرة.وهذه الرواية لا يصح الاستدلال بها هنا فهي ضد ربط الكتاب بالسنة لأنه لا خلاف أن الرسالة من الله والبلاغ من الرسول. والزهري الراوي هو الذي كلف من قبل عبد الملك بن مروان بنشر الروايات في الأمصار وكان ينفق عليه. ويظهر أن الزهري يقصد بالبلاغ هنا السنة لا القرآن.
[106] المرجع السابق.
[107] المرجع السابق.
[108] المرجع السابق.
[109] نقد المنطق.
[110] المرجع السابق.
[111] أنظر شرح الطحاوية.
[112] هناك من يقول إن السنة دخلت طور الجمع علي الزهري الذي يقول: كنا نكره كتابه العلم - السنة - حتي أكرهنا علي ذلك.. وهناك من يقول إن بداية التدوية علي يد عمر بن عبد العزيز. وهناك من يقول إن التدوين بدأ في العصر العباسي وهو الأرجح - علي يد مالك بن أنس تلميذ الزهري الذي قام بتأليف الموطأ بتوجيه من أبي جعفر المنصور.
[113] أنظر فصل الرسول المهمل من هذا الكتاب.
[114] يقصد بقريش هنا المهاجرين أمثال عمر وطلحة. أبي بكر وسعد وعثمان وكانوا ينكلون جبهة مستقلة في المدينة. ومنع ابن عمرو هنا كان يهدف إلي عدم نشر روايات تمس شخصيات محددة وتفضحها.
[115] رواه الدرامي وأبو داود وأحمد والحاكم.
[116] كتاب العلم.
[117] أنظر تفاصيل الخلاف حول وصية الرسول في كتابنا السيف والسياسة.
[118] البخاري كتاب العلم.
[119] أنظر كتب تاريخ القرآن.
[120] أنظر فصل الرسول المهمل.
[121] طبقات ابن سعد ح 5 / 140.
[122] تذكرة الحفاظ ترجمة أبي بكر.
[123] المرجع السابق. ترجمة عمر. ومن الذين حبسهم عمر بن مسعود وأبا الدرداء.
[124] منتخب كنز العمال. هامش مسند أحمد ح 4 / 64.
[125] أنظر ترجمة عثمان في كتب التاريخ. وانظر سنن الدارمي وطبقات ابن سعد.. وانظر نماذج أخري من هذه الروايات في تذكرة الحفاظ للذهبي وكتب التراجم.
[126] أنظر لنا السيف والسياسة.
[127] أنظر لنا السيف والسياسة. وانظر أمر معاوية بسبب علي علي المنابر وأمره بمنع التحدث في فضائل علي ومكانته. وأمره بنشر الروايات التي تذمه وتشوه صورته ثم اختراعه الروايات التي ترفع من قدره وتحسن من صورته هو. أنظر كتب التاريخ. وفتح الباري ح / 7 كتاب فضائل الصحابة. باب ذكر معاوية.. وانظر تطهير الجنان واللسان عن خطورة التفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان لابن حجر الهيثمي في ذيل الصواعق المحرقة ط القاهرة والنظر العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي.
[128] أنظر نماذج من هذه الروايات في الفصول القادمة من الكتاب.
[129] أبو داود. كتاب السنة.. وانظر سنن ابن ماجة ح 1. باب تعظيم حديث رسل الله والتغليظ علي من عارضه.
[130] أبو داود. كتاب السنة.
[131] رواه أحمد والترمذي.
[132] أنظر نماذج من هذه الروايات في كتاب فضل القرآن بالبخاري وكتاب العلم وانظر سنن سنن ابن ماجة وغيرهم من كتب السنن. وانظر لنا كتاب الخدعة.
[133] مسند أحمد باب ما جاء في خلقه العظيم. وانظر النسائي والترمذي. وطبقات ابن سعد ح 1 / 273.
[134] أنظر مستدرك الحاكم والطبراني.
[135] سوف نعرض لهذه الرواية في باب الرسول المهمل.
[136] طبقات ابن سعد ح 8 ترجمة عائشة. باب ذكر أزواج رسول الله.
[137] زواج الرسول عائشة في السادسة ودخوله بها في التاسعة رواية تتفق عليها جميع كتب السنن. أنظر البخاري كتاب النكاح ومسلم.
[138] فتح الباري ح 7 / 107.
[139] وإذا حسبت علي أساس أن الرسول قضي في مكة عشر أعوام حسب رواية مسلم (كتاب الفضائل باب كم بقي النبي في مكة والمدينة) يكون تاريخ ميلادها في السنة الثانية.
[140] طبقات ابن سعد ح 8. ترجمة عائشة.
[141] كتاب النكاح.
[142] كتاب النكاح.
[143] كتاب الأنكحة.. ومثل هذه الروايات يضعها الفقهاء تحت عنوان: باب تزويج الصغار.
[144] طبقات ابن سعد ح 8. وقد حاول الفقهاء احتواء هذه الرواية فقالوا إن عبد الله الذي كنت به عائشة هو ابن أختها أسماء وهو عبد الله بن الزبير. وكيف هذا وهي تكني بأم المؤمنين..؟.
[145] أنظر طبقات ابن سعد والبخاري ومسلم وسيأتي عرض مواقف عائشة من نساء النبي.
[146] كتاب النكاح. باب في المقام عند البكر.
[147] طبقات ابن سعد ح 8.
[148] باب فضل عائشة.
[149] طبقات ابن سعد ح 8.. وانظر نماذج مثل هذه الروايات في كتب السنن.
[150] كتاب النكاح. ومثله في البخاري وكتب السنن وطبقات ابن سعد.
[151] كتاب فضائل الصحابة. باب فضل عائشة.
[152] مسلم كتاب النكاح طبعة استانبول. هامش تزويج الأب البكر الصغيرة. ط دار الجيل بيروت.
[153] المرجع السابق. باب فضل عائشة وانظر فتح الباري ح 9 / كتاب النكاح.
[154] طبقات ابن سعد ح 8.
[155] المرجع السابق.
[156] أنظر لنا كتاب السيف والسياسة.
[157] باب فضل خديجة.
[158] المرجع السابق.
[159] المرجع السابق وانظر البخاري كتاب مناقب الأمصار باب تزويج النبي خديجة.
[160] أنظر البخاري.
[161] فتح الباري ح 7 / 136. وهامش مسلم طبعة استانبول. باب فضائل خديجة.
[162] فتح الباري ح 7 / 136.
[163] فتح الباري ح 7 / 137.
[164] البخاري باب تزويج النبي خديجة.
[165] المرجع السابق.. ومثله في مسلم.
[166] مسلم باب فضل خديجة.. والبخاري باب فضل عائشة.
[167] مسلم هامش باب فضل خديجة.
[168] فتح الباري ح 7 / 107.
[169] المرجع السابق ح 7 / 139.
[170] مسلم كتاب فضائل الصحابة. باب فضل عائشة.. والبخاري كتاب النكاح. باب القرعة بين النساء.. وليس هناك ما يؤكد أن الرسول كان يصطحب النساء معه في الخروج.
[171] مسلم باب فضل عائشة. والنسائي كتاب عشرة النساء باب حب النساء. وفي رواية النسائي: ثم أقبلت تشتمني فشتمتني.. فاستقبلتها فلم ألبث أن أفحمتها.
[172] أنظر شرح النووي لمسلم. وهامش طبعة استانبول. وطبقات ابن سعد.
[173] أنظر مسلم كتاب الطلاق. باب في الايلاء واعتزال النساء وتخييرهن.
[174] كتاب حب النساء. باب ميل الرجل إلي بعض نسائه دون بعض.. وانظر ابن ماجة باب القسمة بين النساء. ويذكر أن الراوي هنا هو أبو هريرة.
[175] مسلم. هامش باب فضل عائشة.
[176] النسائي. كتاب عشرة النساء. باب الغيرة.
[177] المرجع السابق.
[178] حاشية السندي. هامش المرجع السابق.
[179] طبقات ابن سعد ح 8 ترجمة عائشة.
[180] المرجع السابق.
[181] رواه أحمد وأبو داود والنسائي. أنظر فتح الباري ح 7 / 27.
[182] ابن سعد ح 2. باب ذكر من قال توفي رسول الله في حجر علي.
[183] المرجع السابق.
[184] المرجع السابق.
[185] قيل إن المقصود بحادثة الإفك مارية القبطية. أنظر تفاصيل الحادثة في سيرة ابن هشام ح 3 غزوة المصطلق وخبر الإفك. وانظر المراجع التاريخية الأخري.
[186] ابن سعد ح 8 / ترجمة سودة.
[187] المرجع السابق.
[188] المرجع السابق. ترجمة أم سلمة.
[189] ابن سعد ح 8 ترجمة أم حبيبة.
[190] مسلم باب فضل عائشة.
[191] ابن سعد ح 8 ترجمة زينب بنت جحش.
[192] المرجع السابق ترجمة صفية بنت حيي.
[193] النسائي كتاب عشرة النساء. باب الغيرة.
[194] المرجع السابق.
[195] البخاري كتاب النكاح. باب غيرة النساء ووجدهن. ومسلم باب فضل عائشة.
[196] اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. ح 3 / 141.
[197] اللؤلؤ والمرجان ح 3 / 140.
[198] المرجع السابق.
[199] النسائي. باب الغيرة كتاب عشرة النساء.
[200] المرجع السابق.
[201] أنظر النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي باب الغيرة ح 7 / 74.
[202] يروي القوم علي لسان الرسول (ص) قوله: " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب ". ويروي أنس خادم الرسول لم يكن شئ أحب إلي رسول الله بعد النساء من الخيل. أنظر النسائي كتاب عشرة النساء.
[203] البخاري. باب فضل عائشة.
[204] أنظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.
[205] مسلم. كتاب الطهارة.
[206] سيرة ابن هشام ح 3. غزوة بني المصطلق. خبر الإفك.
[207] رواه الحاكم في المستدرك ح 3 / 509. ونصفه: ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي (ص) هل سمعت إلا ما سمعنا؟ ورأيت إلا ما رأينا قال أبو هريرة: يا أماه إنه كان يشغلك.. الحديث.
[208] البخاري. باب فضائل عائشة.
[209] سوف نعرض لهذه الروايات في الباب القادم.
[210] مسلم كتاب الحيض. والبخاري كتاب الاعتكاف.. وانظر النسائي كتاب الطهارة باب مضاجعة الحائض.
[211] مسلم والبخاري كتاب الحيض.
[212] شرح النووي علي مسلم كتاب الحيض.
[213] البخاري ومسلم كتاب الحيض.
[214] مسلم كتاب الطهارة باب حكم المني.
[215] المرجع السابق.
[216] مسلم كتاب الرضاع. والبخاري كتاب التفسير. سورة الأحزاب.
[217] مسلم. هامش كتاب الرضاع. باب جواز هبتها نوبتها لضرتها.
[218] المرجع السابق.
[219] مسلم. كتاب الرضاع. باب القسم بين الزوجات.
[220] مسلم كتاب الطلاق.
[221] المرجع السابق.
[222] النسائي. كتاب عشرة النساء. باب الغيرة.
[223] ابن سعد 8 / باب ذكر المرأتين اللتين تظاهرتا علي رسول الله.
[224] ابن سعد ح 8 / ترجمة سودة.
[225] فتح الباري ح. 8 / 108.
[226] ابن سعد ح ترجمة أم سلمة.
[227] تروي كتب التاريخ أن عدد الذين قتلوا في موقعة الجمل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف. وقيل سبعة عشر. وقتل من أصحاب علي ألف. أنظر وفيات الأعيان ح 3 / ترجمة عائشة رقم 318. وكتب التاريخ.
[228] البخاري. باب فضل عائشة.
[229] فتح الباري ح 7 / 108.
[230] أنظر لنا السيف والسياسة.
[231] وفيات الأعيان ح 3 / ترجمة عائشة.
[232] ابن سعد ح 8 / ترجمة عائشة.
[233] المرجع السابق.
[234] المرجع السابق. وتوفيت عائشة عام 58 هـ وصلي عليها أبو هريرة ودفنت ليلا.
[235] مسلم كتاب النكاح.
[236] أبو داود كتاب النكاح.
[237] مسلم هامش باب ندب من رأي امرأة فوقعت في نفسه. كتاب النكاح.
[238] أنظر كتاب الفتن في البخاري ومسلم وكتب السنن.
[239] البخاري. كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد. ومن دار علي نسائه في عسل واحد. وانظر كتاب النكاح باب من طاف علي نسائه في غسل واحد ومسلم كتاب الرضاع.
[240] المرجع السابق.
[241] شرح النووي علي مسلم. كتاب الحيض.
[242] فتح الباري ح 9 / 316.
[243] المرجع السابق.. ويروي أن آخرهن موتا ميمونة بنت الحارث في نفس العام.
[244] فتح الباري ح 7 / 225.
[245] المرجع السابق.
[246] البخاري كتاب النكاح. ومسلم كتاب الرضاع.
[247] أبو داود كتاب النكاح.
[248] طبقات ابن سعد ح 8 / ترجمة سودة.
[249] أنظر ابن سعد. ومسلم كتاب السلام.
[250] ابن سعد ح 8 / ترجمة حفصة وانظر مسلم.
[251] ابن سعد ومسلم كتاب الطلاق.
[252] ابن سعد ح / 8 ترجمة زينب بنت الحارث.
[253] ابن سعد ح 8 / ترجمة ريحانة.
[254] ابن سعد ح 8.
[255] المرجع السابق.
[256] المرجع السابق.
[257] المرجع السابق وانظر كتب السيرة.
[258] أنظر ابن سعد. وكتب السنن أبواب فضائل نساء النبي (ص).
[259] مسلم. كتاب النكاح. باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها. والبخاري كتاب الصلاة. باب ما يذكر في الفخذ.
[260] شرح النووي علي مسلم الباب السابق.
[261] شرح النووي.
[262] أنظر أحكام الرق في كتب الفقه والسنن. والإسلام شرع للعتق ولم يشرع للرق.
[263] مسلم كتاب النكاح.
[264] المرجع السابق.
[265] طبقات ابن سعد ح 8. ترجمة جويرية.
[266] المرجع السابق.
[267] المرجع السابق. ترجمة ريحانة.
[268] البخاري كتاب الهبة وفضلها.
[269] مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل عائشة.
[270] البخاري كتاب النكاح باب هجرة النبي نساءه في غير بيوتهن.
[271] المرجع السابق باب حب الرجل لبعض نساءه أفضل من بعض.
[272] المرجع السابق باب لم تحرم ما أحل الله لك.
[273] البخاري كتاب النكاح الباب السابق. وتأمل أن العلاقة قائمة بين الرسول وبين سودة ليس كما أشارت الروايات السابقة.
[274] مسلم. كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
[275] مسلم. كتاب الإيمان. باب الدليل علي أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته. وبغضهم من علامات النفاق.. وانظر مسند أحمد والترمذي وابن ماجة.
[276] المرجع السابق.
[277] المرجع السابق.
[278] الترمذي كتاب المناقب. وابن ماجة المقدمة وأحمد ح / 5.
[279] البخاري كتاب الفضائل باب فضل علي.
[280] مسلم كتاب فضائل الصحابة والبخاري.
[281] مسلم كتاب النكاح. باب زواج زينب بنت جحش.
[282] المرجع السابق.
[283] المرجع السابق.
[284] المرجع السابق.
[285] البخاري كتاب فضائل القرآن ومسلم كتاب صلاة المسافرين.
[286] المرجعين السابقين.
[287] مسلم. والبخاري كتاب التفسير.
[288] مسلم والبخاري. كتاب الوصايا.
[289] مسلم كتاب الفضائل باب فضل الإمام علي. وانظر مسند أحمد.
[290] سنن ابن ماجة.
[291] مسلم. والبخاري كتاب النكاح. وانظر كتب السنن.
[292] مسلم كتاب النكاح. والبخاري كتاب الصيد. وابن سعد ح 8.
[293] مسلم كتاب النكاح. البخاري كتاب المغازي.
[294] مسلم والبخاري كتاب النكاح.
[295] مسلم كتاب الرضاع والنسائي.
[296] سورة النساء آية رقم 23 و 24.
[297] مسلم. كتاب النكاح. هامش باب تحريم نكاح المرأة علي عمتها أو خالتها. وانظر فتح الباري ح 9 / كتاب النكاح. وكتب الفقه.
[298] مسلم. كتاب النكاح.
[299] مسلم. كتاب النكاح. هامش باب ترحيم نكاح المحرم.
[300] أنظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة. ومشكل الحديث لابن الجوزي.
[301] مسلم كتاب النكاح. والبخاري كتاب التفسير.
[302] مسلم.
[303] مسلم.
[304] البخاري كتاب التفسير. ومسلم كتاب الحج.
[305] مسلم. كتاب النكاح. هامش باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ ثم استقر تحريمه إلي يوم القيامة.. وانظر كتب الفقه.
[306] أنظر تفاصيل أقوال الفقهاء حول زواج المتعة ومناقشتها في كتابنا: زواج المتعة حلال. ط دار الأضواء. بيروت.
[307] مسلم. باب نكاح المتعة.
[308] المرجع السابق. هامش.
[309] اعتبر بعض الفقهاء قول ابن الزبير هذا دليل علي جواز رجم ناكح المتعة. وقال آخرون بعدم جواز ذلك. أنظر كتب الفقه. وانظر كتابنا زواج المتعة حلال.
[310] مسلم كتاب الصيد والذبائح والبخاري كتاب الذبائح والصيد.
[311] مسلم كتاب الصيد والذبائح. والبخاري كتاب الخمس.
[312] البخاري كتاب المغازي ومسلم كتاب الصيد والذبائح.
[313] المرجعين السابقين.
[314] مسلم والبخاري كتاب الصيد والذبائح.
[315] مسلم. كتاب النكاح. هامش باب ترحيم نكاح الشفار وبطلانه.
[316] يجمع الفقهاء علي أن ركني الزواج الايجاب والقبول. وهذا ما دلت عليه النصوص.
[317] مسلم كتاب القسامة. والبخاري كتاب الديات.
[318] مسلم والبخاري كتاب الحدود.
[319] المرجعين السابقين.
[320] أبو داود كتاب الحدود والبخاري كتاب استتابة المرتدين. باب حكم المرتد. وانظر فتح الباري ح 12 / 267.
[321] أبو داود المرجع السابق.
[322] المرجع السابق.
[323] مسلم كتاب الإمارة.
[324] مسلم كتاب الرضاع.
[325] هامش مسلم. كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات. وهو مذهب الشافعي.
[326] النساء آية رقم 15.
[327] أنظر سورة النور آية رقم 2.
[328]. وهو ما يقول به المفسرون أيضا. إلا أنه بالتأمل في النص يتبين أن الآية المقصودة هنا هي آيات الكون لا الآيات القرآنية.
[329] النساء آية رقم 24. وانظر تفاصيل مناقشة نسخ هذه الآية في كتابنا: زواج المتعة حلال.
[330] البقرة آية رقم 256.
[331] الغاشية آية رقم 22.
[332] يونس آية رقم 99.
[333] البقرة آية رقم 217.
[334] الكهف آية رقم 29.
[335] أنظر لنا كتاب الكلمة والسيف.
[336] مسلم كتاب الحدود. والبخاري كتاب الأنبياء.
[337] أنظر كتب التاريخ وترجمة عثمان في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني والاستيعاب لابن عبد البر. وأسد الغالبة لابن الأثير.
[338] مسلم. هامش باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع. كتاب الإمارة.
[339] مسلم كتاب الإيمان والبخاري كتاب الزكاة.
[340] مسلم والبخاري كتاب الإيمان.
[341] أنظر قصة الحجاج بن يوسف مع عبد الرحمن بن الأشعث في غزوة دير الجماجم بكتب التاريخ.
[342] كان معاوية ومن تلاه من الحكام يصادرون نفائس الغنائم من الجنود ويأخذونها لأنفسهم ويحولون بين الناس وبين الدخول في الإسلام خوفا من تدني دخل الدولة من الجزية والخراج حتي جاء عمر بن عبد العزيز. أنظر الطبري وكتب التاريخ.
[343] مسلم كتاب الإيمان والبخاري كتاب العلم.
[344] البخاري كتاب اللباس ومسلم كتاب الإيمان.
[345] مسلم كتاب الإيمان والبخاري كتاب الأنبياء.
[346] البخاري كتاب المغازي ومسلم كتاب الإيمان. ومثله حدث مع خالد بن الوليد حين قتل رجالا من بني خزيمة بعد أن استأمنهم. وقال فيه الرسول: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ". أنظر سيرة ابن هشام.
[347] أنظر كتب العقائد مثل العقيدة الطحاوية وشرحها والعقيدة الواسطية وغيرهما.
[348] مسلم كتاب الإمارة باب ذم من مات ولم يغز.
[349] مسلم كتاب الطهارة والبخاري كتاب الوضوء.
[350] البخاري كتاب الوضوء ومسلم كتاب الطهارة.
[351] البخاري كتاب الآذان. ومسلم كتاب الصلاة.
[352] مسلم كتاب المساجد. والبخاري كتاب الصلاة.
[353] سورة المائدة آية رقم 6.
[354] مسلم كتاب المساجد. والبخاري كتاب الصلاة.
[355] سورة الغاشية آية رقم 22.
[356] أبو داود. كتاب الفرائض.
[357] المرجع السابق.
[358] المرجع السابق.
[359] مسلم. كتاب الفرائض. والبخاري كتاب المرضي.
[360] مسلم كتاب اللباس والزينة. والبخاري كتاب الأشربة.
[361] المرجعين السابقين.
[362] البخاري كتاب الأطعمة. ومسلم كتاب اللباس والزينة.
[363] مسلم والبخاري كتاب اللباس والزينة.
[364] المرجعين السابقين.
[365] البخاري كتاب الجمعة ومسلم كتاب اللباس والزينة.
[366] مسلم كتاب اللباس والزينة. والبخاري كتاب الصلاة.
[367] البخاري كتاب الجهاد. ومسلم كتاب اللباس والزينة. وانظر أبو داود وكتب السنن.
[368] في رواية أبو داود أنهما كانا في السفر.
[369] أبو داود كتاب اللباس.
[370] المرجع السابق.
[371] المرجع السابق.
[372] المرجع السابق.
[373] المرجع السابق.
[374] مسلم. هامش كتاب اللباس والزينة.
[375] مسلم. كتاب اللباس والزينة.
[376] أنظر مسلم شرح النووي وفتح الباري شرح كتاب اللباس. وانظر كتب الفقه.
[377] مسلم كتاب اللباس والزينة. والبخاري كتاب اللباس.
[378] مسلم كتاب اللباس والزينة. باب في طرح خاتم الذهب.
[379] مسلم. هامش باب في طرح خاتم الذهب.
[380] البخاري كتاب الإيمان والنذور. وأبو داود كتاب الخاتم. ومسلم كتاب اللباس والزينة.
[381] مسلم والبخاري كتاب اللباس.
[382] البخاري كتاب العلم. ومسلم كتاب اللباس والزينة.
[383] البخاري ومسلم كتاب اللباس وانظر ابن سعد ح 1.
[384] أبو داود وكتاب الخاتم.
[385] أنظر لنا كتاب السيف والسياسة. وانظر الفتنة الكبري لطه حسين. وانظر كتب التاريخ.
[386] مسلم. هامش باب في طرح خاتم الذهب.
[387] الأعراف آية رقم 32.
[388] مسلم والبخاري كتاب اللباس.
[389] المرجعين السابقين.
[390] أبو داود كتاب اللباس.
[391] مسلم والبخاري كتاب اللباس.
[392] مسلم. هامش باب تحريم جر الثوب خيلاء.
[393] مسلم. هامش باب النهي عن التزعفر للرجال. كتاب اللباس والزينة.. وحديث ابن عمر رواه أبو داود. كتاب الترجل.
[394] البخاري كتاب اللباس. باب إعفاء اللحية. ومسلم كتاب الطهارة.
[395] مسلم كتاب الطهارة. والبخاري كتاب اللباس.. وانظر النسائي كتاب الزينة.
[396] مسلم كتاب المساجد.
[397] المرجع السابق.
[398] المرجع السابق.
[399] المرجع السابق. وانظر البخاري كتاب الجنائز وكتاب الصلاة.
[400] مسند أحمد.
[401] المرجع السابق.
[402] مسلم. هامش باب النهي عن بناء المساجد علي القبور. كتاب المساجد.
[403] مسلم. كتاب الجنائز. باب الصلاة علي القبر. والبخاري كتاب الجنائز.
[404] مسلم والبخاري كتاب الجنائز.
[405] مسلم. باب النهي عن بناء المساجد علي القبور.
[406] أنظر تاريخ نبي الله إسماعيل في سيرة ابن هاشم وكتب التاريخ.
[407] أنظر لنا كتاب فقهاء النفط. وكتاب مدافع الفقهاء. وكتاب ابن باز فقيه آل سعود.
[408] أنظر تاريخ الحركة الوهابية وانظر المراجع السابقة.
[409] الرواية الأولي لمسلم كتاب الحج. والبخاري كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة. والرواية الثانية رواها النسائي وأبو داود وابن ماجة كتاب الجنائز.
[410] مسلم والبخاري كتاب اللباس.
[411] المرجعين السابقين.
[412] البخاري كتاب بدء الخلق. ومسلم كتاب اللباس والزينة. وانظر أبو داود وكتب السنن.
[413] مسلم هامش باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة. كتاب اللباس والزينة.
[414] البخاري باب ما جاء في من يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.
[415] الآية في سورة لقمان رقم 6. أنظر تفسير الطبري والقرطبي والدر المنثور.
[416] أنظر القرطبي ح / 14. وانظر كتب الفقه.
[417] المرجع السابق.
[418] أنظر الفتاوي الكبري لابن تيمية ح 30 / 215.
[419] أنظر الأحكام السلطانية لأبي يعلي.
[420] الحلال والحرام ليوسف القرضاوي.
[421] البخاري. كتاب مناقب الأنصار. باب مقدمة النبي وأصحابه المدينة.. وانظر كتاب العيدين.
[422] المرجع السابق. كتاب المناقب باب قصة الحبشة. وانظر كتاب العيدين وكتاب الصلاة.
[423] المرجع السابق. كتاب النكاح. باب ضرب الدف والوليمة.. وانظر كتاب الفضائل.
[424] المرجع السابق كتاب النكاح. باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلي زوجها.
[425] أنظر ابن ماجة باب إعلان النكاح والغناء والدف.
[426] يروي ابن ماجة باب في حسن الصوت بالقرآن قول الرسول (ص) عن القرآن: " تغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا ".. وانظر البخاري كتاب فضل القرآن. باب من لم يتغن بالقرآن. وانظر فتح الباري ح 9.
[427] مسلم والبخاري كتاب فضائل الصحابة.
[428] فتح الباري ح 7 / 36.
[429] مسلم. هامش باب تحريم سب الصحابة.
[430] الإصابة في تمييز الصحابة ح / 1 المقدمة.
[431] المرجع السابق.
[432] أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير. المقدمة.
[433] المرجع السابق.
[434] المرجع السابق.
[435] أنظر سورة التوبة. وانظر أبواب المنافقين في كتب السنن.
[436] أسد الغابة. المقدمة.
[437] المرجع السابق.
[438] المرجع السابق.
[439] المرجع السابق. وسعيد بن المسيب من فقهاء التابعين ولم يكن علي وفاق مع الخط الأموي الذي وضع حجر الأساس لهذا التعريف المائع للصحابي.
[440] فتح الباري ح 7 / 34. وهو إشارة من الرسول إلي تصنيف من حوله ودلالة علي عدم مساواتهم.
[441] المرجع السابق. ونذكر القارئ بسب ابن عباس لابن الزبير في رواية المتعة السابقة وقوله له: إنك لجلف جاف.
[442] البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضل أبو بكر.
[443] أبو داود. كتاب اللباس.
[444] المرجع السابق.
[445] المرجع السابق.
[446] البخاري باب ما يلبس المحرم من الثياب.
[447] مسلم كتاب الطلاق.
[448] البخاري. وانظر موطأ مالك.
[449] فتاوي ابن تيمية ج 22 / 109 وما بعدها.
[450] أبو داود كتاب اللباس.
[451] مسلم.
[452] رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
[453] مسلم. كتاب اللباس والزينة.
[454] المرجع السابق.
[455] مسلم كتاب النكاح.
[456] سنن ابن ماجة. باب بيعة النساء.
[457] المرجع السابق.
[458] أبو داود كتاب الترجل.
[459] سورة النور آية رقم 31.
[460] أنظر كتب الفقه. وكتاب فقه السيرة للبوطي. والحلال والحرام للقرضاوي.
[461] ابن تيمية. الفتاوي الكبري ح 22.
[462] أبو داود كتاب اللباس.
[463] المرجع السابق.
[464] المرجع السابق.
[465] أبو داود كتاب اللباس.
[466] المرجع السابق.
[467] المرجع السابق.
[468] البخاري كتاب القدر ومسلم كتاب النذر.
[469] أبو داود كتاب الإيمان والنذر.
[470] المرجع السابق.
[471] البخاري كتاب الوصايا ومسلم كتاب النذر.
[472] مسلم. هامش كتاب النذر.
[473] البخاري وأبو داود كتاب الجهاد ومسلم كتاب الإمارة.
[474] مسلم هامش باب النهي أن يسافر بالمصحف إلي بلاد الكفار.
[475] أبو داود. كتاب الجنائز.
[476] المرجع السابق.
[477] ابن ماجة. باب النهي عن زيارة النساء القبور. وهذه الرواية تثير الشك في الإضافة التي لحقت بالرواية التي سبقتها والتي تتعلق ببناء المساجد علي القبور وإنارتها.
[478] ابن ماجة بشرح السندي. هامش باب ما جاء في النهي عند زيارة النساء القبور.
[479] البخاري كتاب البيوع. ومسلم كتاب المساقاة.
[480] مسلم كتاب اللباس والزينة.
[481] مسلم كتاب اللباس والزينة. هامش باب تحريم فعل الواصلة.
[482] مسلم كتاب اللباس والزينة. هامش باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.
[483] مسلم كتاب السلام.
[484] مسلم هامش باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام. كتاب السلام.
[485] أنظر لنا كتاب الكلمة والسيف.. وانظر أحكام أهل الذمة لابن القيم الجوزية.
[486] مسلم كتاب التوبة. والبخاري كتاب بدء الخلق.
[487] البخاري كتاب الدعوات ومسلم كتاب التوبة.
[488] مسلم كتاب التوبة. والبخاري كتاب التفسير.
[489] مسلم كتاب التوبة والبخاري كتاب النكاح.
[490] البخاري كتاب المظالم. ومسلم كتاب التوبة.
[491] مسلم كتاب صفات المنافقين. والبخاري كتاب التفسير.
[492] مسلم كتاب صفات المنافقين والبخاري كتاب الرقاق.
[493] مسلم كتاب الجنة والبخاري كتاب الإيمان والنذور.
[494] مسلم كتاب الجنة. والبخاري كتاب التفسير.
[495] مسلم باب النهي عن ضرب الوجه. كتاب البر والصلة.
[496] البخاري كتاب التفسير.
[497] مسلم والبخاري كتاب الصلاة.
[498] المرجعين السابقين.
[499] مسلم كتاب الإمارة. والبخاري كتاب الجهاد.
[500] مسلم كتاب الجنائز.
[501] البخاري كتاب التوحيد وكتاب التهجد وكتاب الدعوات. ومسلم كتاب صلاة المسافرين.
[502] رواه أبو داود والترمذي. أنظر كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ص 212.
[503] مسلم كتاب الزكاة.
[504] مسلم كتاب القدر.
[505] مسلم والبخاري كتاب الفتن.
[506] البخاري كتاب التفسير ومسلم كتاب الزكاة.
[507] مسلم كتاب الإيمان.
[508] البخاري كتاب التفسير ومسلم.
[509] ابن ماجة باب فيما أنكرت الجهمية.
[510] أبو داود كتاب اللباس.
[511] البخاري كتاب الاعتصام. ومسلم كتاب العلم.
[512] رسالة السنة بذيل الرد علي الجهمية والزنادقة. ط السعودية.
[513] شرح الطحاوية في العقيدة السلفية ط القاهرة ص 158.
[514] نقد المنطق لابن تيمية ط القاهرة.
[515] مقدمة لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدس ط القاهرة.
[516] المرجع السابق.
[517] المرجع السابق.
[518] العقيدة الواسطية ط القاهرة.
[519] أنظر نصوص الفقهاء في الرؤية في كتب العقائد السابق ذكرها.
[520] العقيدة الطحاوية ص 225.
[521] جامع العلوم والحكم ص 365.
[522] أصول عقيدة أهل السنة برسالة أهل الثغر. ط القاهرة.
[523] الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول. نقلا عن نقد المنطق.
[524] المرجع السابق.
[525] المرجع السابق.
[526] المرجع السابق.
[527] المرجع السابق.
[528] أنظر كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي ط القاهرة الذي انشق علي الحنابلة وأعلن رفضه لعقيدتهم في صفات الله وقولهم بالتجسيم وتعلقهم بالروايات محل شك من ناحية السند.
[529] رسالة السنة.
[530] أنظر الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني ح 1. وهو يحوي تفاصيل الفتن التي أشعلها ابن تيمية والمحاكمات التي عقدت له.
[531] أنظر لنا كتاب فقهاء النفط. وكتاب مدافع الفقهاء.
[532] شرح العقيدة الطحاوية ص 289.
[533] أنظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين. ط القاهرة.
[534] الفقه الأكبر لأبي حنيفة. نقلا عن شرح الطحاوية.
[535] شرح لمعة الاعتقاد.
[536] المرجع السابق.
[537] المرجع السابق.
[538] المرجع السابق.
[539] المرجع السابق.
[540] المرجع السابق.
[541] المرجع السابق.
[542] المرجع السابق.
[543] المرجع السابق. وانظر كتب العقائد وكتب التفسير وكتابنا: عقائد السنة وعقائد الشيعة.
[544] أنظر سورة الإسراء آية رقم 7. وسورة الأحزاب آية رقم 64، 68. وسورة سبأ آية رقم 31، 33. وسورة النصر. وسورة الصف آية رقم 9. وسورة الانفطار وسورة الانشقاق.
[545] أنظر كتاب الفتن في البخاري ومسلم وكتب السنن الأخري.
[546] البخاري كتاب فضائل القرآن.
[547] فتح الباري ح 9 / 8 وما بعدها.
[548] المرجع السابق. وتأمل هذا التبرير الواه. أنظر لنا كتاب دفاع عن القرآن.. والخدعة.
[549] البخاري كتاب فضل القرآن.
[550] المرجع السابق.
[551] المرجع السابق. ونفس هذا النص ورد علي لسان علي بن أبي طالب.
[552] أنظر فتح الباري ح 9 / 9.
[553] المرجع السابق.
[554] المرجع السابق ص 10.
[555] أنظر لنا الميزان الجلي بين أبي بكر وعلي وهو مناقشة واسعة للروايات الواردة في أبي بكر المنسوبة للرسول.
[556] فتح الباري ح 9 / 10.
[557] مسلم والبخاري كتاب الوصية.
[558] المرجعين السابقين.
[559] مسلم كتاب الوصية.
[560] البخاري. كتاب العلم.
[561] مسلم كتاب الأضاحي ومسند أحمد ح 1 / 118.
[562] مسلم هامش كتاب الوصية.
[563] المرجع السابق.
[564] المرجع السابق.
[565] مسلم هامش باب تحريم الذبح لغير الله. كتاب الأضاحي. وقد وردت في هذا الباب عدة روايات حول هذه المسألة بصيغ مختلفة.
[566] أنظر باب الرواية بين الشك واليقين.
[567] أنظر الباب السابق ذكره.
[568] تأمل شهادة أبو هريرة لعبد الله بن عمرو بأنه كان يكتب الحديث عن الرسول وهو لا يكتب في البخاري كتاب العلم وانظر شرح البخاري لابن حجر ح 1.
[569] البخاري كتاب فضل القرآن.
[570] المرجع السابق.
[571] المرجع السابق.
[572] المرجع السابق.
[573] المرجع السابق.
[574] المرجع السابق.
[575] المرجع السابق.
[576] المرجع السابق.
[577] فتح الباري ح 9 / 53.
[578] رواه أحمد وأبو داود. وانظر فتح الباري ح 9 / 35.
[579] فتح الباري.
[580] البخاري كتاب فضل القرآن.
[581] فتح الباري ح 9 / 34 وما بعدها.
[582] المرجع السابق.
[583] كان هناك مصحف لأمام علي. ومصحف لأبي بن كعب ومصحف لابن عباس ومصحف لابن مسعود. وهذه المصاحف كانت مشهورة. أنظر كتب تاريخ القرآن. مثل تاريخ القرآن للزنجاني. ومثله لعبد الصبور شاهين. وانظر الاتقان في علوم القرآن للسيوطي ومقدمات كتب التفسير.
[584] أنظر كتب التاريخ. وقد سمي عثمان حراق المصاحف. وانظر لنا كتاب السيف والسياسة وكتاب الخدعة.
[585] فتح الباري ح 9 / 16. والرواية الأولي للترمذي والثانية لأبي داود.
[586] المرجع السابق ص 39.
[587] المرجع السابق.
[588] أنظر البخاري كتاب فضل القرآن. وشرحه لابن حجر.
[589] أنظر المراجع التاريخية التي ترصد فترة عثمان. مثل الطبري ومروج الذهب والكامل. وانظر لنا الخدعة. والسيف والسياسة.
[590] مسلم والبخاري كتاب الوصية.
[591] مسلم كتاب الوصية والبخاري كتاب الجهاد.
[592] مسلم كتاب الوصية والبخاري كتاب المغازي.
[593] فتح الباري ح 8 / 132.
[594] المرجع السابق.
[595] المرجع السابق.
[596] المرجع السابق.
[597] المرجع السابق.
[598] المرجع السابق.
[599] مسلم هامش باب ترك الوصية.. كتاب الوصية.
[600] أنظر دور عمر في كتابنا السيف والسياسة وكتابنا الخدعة.
[601] رواه أحمد والترمذي والهيثمي في مجمع الزوائد. ورجاله ثقات. وقال عنه السيوطي حديث متواتر.
[602] مسلم. كتاب الإمارة.
[603] مسلم كتاب الإمارة.
[604] مسلم كتاب الإمارة.
[605] مسلم هامش كتاب الإمارة.
[606] شرح العقيدة الطحاوية.
[607] تاريخ الخلفاء المقدمة.
[608] أنظر كشف المشكل وفتح الباري ح 13 / 181.
[609] فتح الباري.
[610] تاريخ الخلفاء المقدمة وانظر فتح الباري.
[611] فتح الباري ح 13 / 182.
[612] المرجع السابق.
[613] المرجع السابق.
[614] نستثني من هؤلاء الإمام علي فهو الحاكم الوحيد الذي جاء باختيار الناس ورضاهم وإن لم يتم الاجماع عليه.
[615] أنظر مروج الذهب للمسعودي. وتاريخ اليعقوبي. والبداية والنهاية لابن كثير وطبقات ابن سعد. ووفيات الأعيان لابن خلكان وكتب التراجم. وانظر لنا موسوعة آل البيت.
[616] أنظر كتب التفسير سورة الأحزاب. وانظر موسوعة آل البيت.
[617] البخاري كتاب بدء الوحي. ومسلم كتاب الإيمان.
[618] مسلم كتاب الفضائل.
[619] مسلم كتاب الإيمان. والبخاري كتاب بدء الوحي.
[620] البخاري كتاب الصلاة. ومسلم كتاب الإيمان.
[621] البخاري كتاب بدء الخلق ومسلم كتاب الإيمان.
[622] مسلم كتاب الإيمان.
[623] المرجع السابق.
[624] أنظر تفسير ابن كثير والآلوسي والخازن وغيرهم.
[625] مسلم. كتاب فضائل الصحابة.
[626] البخاري. كتاب الصلاة.
[627] مسلم كتاب الصحابة. والبخاري كتاب التفسير.
[628] مسلم. هامش باب فضل عمر.
[629] فتح الباري ح 8.
[630] تاريخ الخلفاء. ترجمة عمر. فصل موافقات عمر.
[631] فتح الباري ح 1.
[632] الصواعق المحقة في الرد علي أهل البدع والزندقة. فصل خلافة عمر.
[633] أنظر تاريخ الخلفاء والصواعق المحرقة.
[634] مسلم. كتاب الإسلام.
[635] المرجع السابق.
[636] فتح الباري ح 8.
[637] مسلم. كتاب السلام. باب إباحة الخروج للنساء.
[638] قال القرطبي: لعل ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الالهام. أنظر فتح الباري ح 8 / 269.
[639] المرجع السابق.
[640] مسلم. كتاب الرضاع. باب رضاعة الكبير.
[641] مسلم. كتاب فضائل الصحابة. باب فضائل عثمان.
[642] مسلم كتاب صفات المنافقين. والبخاري كتاب التفسير.
[643] مسلم كتاب القدر.
[644] البخاري كتاب الذبائح.
[645] مسلم كتاب الصلاة. والبخاري كتاب الغسل.
[646] مسلم كتاب البر والصلة.
[647] مسلم كتاب البر والصلة والآداب. والبخاري كتاب الدعوات.
[648] المرجعين السابقين.
[649] مسلم. كتاب الفضائل.
[650] المرجع السابق.
[651] المرجع السابق.
[652] البخاري كتاب الطب وكتاب الديات وكتاب النبي إلي كسري ومسلم كتاب السلام.
[653] مسلم كتاب صلاة المسافرين. باب فضل القرآن.
[654] المرجع السابق.
[655] مسلم والبخاري كتاب الوضوء.
[656] البخاري كتاب بدء الخلق. ومسلم كتاب الطب.
[657] المرجعين السابقين.
[658] مسلم كتاب الطهارة باب الاعتناء بحفظ العورة.
[659] مسلم كتاب الأقضية. والبخاري كتاب المظالم.
[660] البخاري كتاب الهبة. ومسلم كتاب السلام.
[661] مسلم والبخاري كتاب الجنائز.
[662] مسلم. هامش باب رضاعة الكبير.
[663] المرجع السابق.
[664] مسلم. باب رضاعة الكبير.
[665] مسلم. هامش كتاب الفضائل. باب من فضائل عثمان.
[666] مسلم. هامش كتاب صفة القيامة والجنة والنار.
[667] مسلم. هامش كتاب القدر.
[668] البخاري كتاب الذبائح. ومسند أحمد ج 1 / 189.
[669] عمدة القاري شرح البخاري ح 5 / 156.
[670] مسلم. هامش باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه. كتاب البر والصلة.
[671] مسلم. كتاب البر والصلة.
[672] المرجع السابق.
[673] المرجع السابق.
[674] المرجع السابق.
[675] المرجع السابق.
[676] البخاري كتاب الأدب.
[677] مسلم. هامش كتاب الفضائل. باب وجوب امتثال ما قاله شرعا.
[678] مسلم. هامش باب كراهية التداوي باللدود كتاب السلام.
[679] يروي القوم الكثير من الروايات عن مرض الرسول (ص) وموته منها: قالت عائشة: إن النبي (ص) كان إذا اشتكي يقرأ علي نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت اقرأ عليه وامسح عنه بيده.. وتروي عائشة عن الرسول قوله في مرضه: " اللهم اغفر لي واجعلني مع الرفيق الأعلي ".. وتروي قول الرسول: " أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ".. (مسلم كتاب السلام). ولم تخبرنا الروايات أن الله استجاب لدعاء رسوله. بل تركه يتعذب حتي مات.
[680] مسلم. كتاب صلاة المسافرين. باب فضائل القرآن.
[681] المرجع السابق.
[682] المرجع السابق.
[683] أنظر فتح الباري ح 1 / 263. والنووي شرح مسلم ح 3 / 165.. والسيوطي شرح النسائي ح 1 / 20. وإرشاد الساري ح 1 / 293 وح 4 / 265.. (5) سنن ابن ماجة ح 1 / 112.
[684] مسلم. هامش باب السحر. كتاب السلام.
[685] سورة المائدة آية رقم 67.. وانظر رأي الشيخ محمد عبده في تفسير المنار جزء عم.
[686] مسلم. كتاب الطهارة. باب الاعتناء بحفظ العورة. وهو نفس الباب الذي يحوي الرواية السابقة.
[687] فتح الباري ح 13 / 148. كتاب الأحكام.
[688] المرجع السابق.
[689] مسلم. باب السم. كتاب السلام.
[690] مسلم هامش باب السم.
[691] مسلم والبخاري كتاب الجنائز.
[692] مسلم. باب البكاء علي الميت. كتاب الجنائز.
[693] المرجع السابق.
[694] هامش اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي ح 1 / 186 كتاب الجنائز.
[695] البخاري كتاب الهبة.. وهذه الرواية تشير إلي أن صاحب الدين أساء الأدب في الرسول مما دفع بالصحابة إلي التصدي له. هل يعقل أن يضع الرسول نفسه في موضع الشك والاتهام..؟ ثم إن الرسول تخلص من الموقف في النهاية بواسطة الصحابة الذين أمرهم أن يشتروا له سنا.
[696] أنظر كتب السيرة. والبخاري كتاب البيوع. ومسلم كتاب المساقاة.
[697] مسلم كتاب التوبة. والبخاري كتاب الأنبياء.
[698] مسلم. هامش باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله. كتاب التوبة.
[699] مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار. والبخاري كتاب الرقاق.
[700] المرجع السابق.
[701] مسلم هامش باب لن يدخل الجنة أحد بعمله. كتاب صفة القيامة.
[702] مسلم كتاب القدر. والبخاري كتاب الاستئذان.
[703] شرح النووي علي مسلم كتاب القدر. وانظر هامش اللؤلؤ والمرجان ح 3 / 212.
[704] مسلم كتاب القدر.
[705] مسلم كتاب التوبة. والبخاري كتاب التوحيد.
[706] المرجع السابق.. مسلم.
[707] هامش اللؤلؤ والمرجان ح 3 / 241 كتاب التوبة. وانظر شرح النووي. وفتح الباري كتاب الرقاق.
[708] مسلم كتاب التوبة.
[709] المرجع السابق.
[710] المرجع السابق.
[711] مسلم. كتاب التوبة هامش باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله.
[712] المرجع السابق.
[713] أصول أهل السنة والجماعة المسماة رسالة الثغر. ط القاهرة.
[714] الرد علي الجهمية والزنادقة ط السعودية.
[715] العقيدة الواسطية.
[716] فتح الباري ح 13 / 452. باب قول الله تعالي (والله خلقكم وما تعملون). كتاب التوحيد.
[717] مسلم كتاب الإمارة. والبخاري كتاب المناقب وكتاب الأحكام.
[718] المرجعين السابقين.
[719] مسلم كتاب الإمارة. هامش باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.
[720] فتح الباري ح 13 / 101. كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش.
[721] أنظر لنا هذه القضية في كتابنا السيف والسياسة.
[722] أنظر مرجع السابق وكتب التاريخ فترة السقيفة وما بعدها.
[723] أنظر السيف والسياسة.
[724] البخاري. كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش.
[725] فتح الباري ح 13 / 98. الباب السابق.
[726] مسلم كتاب الفضائل. فضل نسب النبي. وانظر الترمذي وكتب السنن الأخري.
[727] مسلم كتاب الإمارة. والبخاري كتاب الأحكام.
[728] مسلم كتاب الإمارة. والبخاري كتاب الفتن.
[729] مسلم كتاب الإمارة.
[730] مسلم كتاب الإمارة.
[731] المرجع السابق.
[732] المرجع السابق.
[733] المرجع السابق.
[734] المرجع السابق.
[735] مسلم هامش باب وجوب طاعة الأمراء كتاب الإمارة.
[736] المرجع السابق.
[737] المرجع السابق هامش باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء.. وانظر شرح النووي.
[738] فتح الباري ح 13 / 4 كتاب الأحكام.
[739] المرجع السابق ص 5.
[740] مسلم. هامش باب طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق. كتاب الإمارة.
[741] المرجع السابق باب الأمر بلزوم الجماعة.
[742] أنظر باب الرسول المشرع من هذا الكتاب.
[743] البخاري. كتاب المغازي. باب غزوة الخندق.
[744] فتح الباري ح 7 / 404. كتاب المغازي.
[745] البخاري كتاب الفتن.
[746] أنظر كتب التاريخ أحداث وقعة الحرة.. وانظر فتح الباري ح 13 / 59 كتاب الفتن.
[747] يروي عن الرسول (ص) قوله: " من حمل علينا السلاح فليس منا ". (البخاري كتاب الفتن ومسلم كتاب الإيمان) ويروي عنه (ص) " آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار " (مسلم والبخاري وكتاب الإيمان).. ويروي عنه (ص): " لا يكيد أهل المدينة أحد إلا إنماع كما ينماع الملح في الماء " (مسلم كتاب الحج والبخاري كتاب فضائل المدينة). ويروي عنه (ص) " من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " (مسلم كتاب الحج والبخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة). وإذا كان ابن عمر قد غفل عن هذه الروايات فهو جاهل. وإذا كان يعلم بها ولم يتخذ موقفا فهو جبان. والأمر الثاني هو الأرجح بالطبع.
[748] أنظر كتب عقائد أهل السنة مثل العقيدة الطحاوية والعقيدة الواسطية وعقيدة أهل السنة لابن حنبل. وأصول أهل السنة للأشعري وغيرها من كعب العقائد.
[749] مسلم. كتاب الإمارة. باب الوفاء ببيعة الخلفاء.
[750] مسلم. كتاب الإمارة. هامش باب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.
[751] مقدمة تاريخ الخلفاء.
[752] ألقي كتاب السيوطي الضوء علي حالات السكر والعربدة والزنا والشذوذ الجنسي وحتي الإلحاد والاستهانة بالإسلام من خلال عرضه لتاريخ الحكام الأمويين والعباسيين.
[753] أنظر كتاب العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي. وهو يحوي كم هائل من التبريرات لسلوك ومواقف الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ثم معاوية وولده.. وانظر كتب العقائد.
[754] رواه أحمد والطبراني. أنظر الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي (ص) " بعث بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب الحنبلي ".
[755] أنظر الحكم الجديرة بالإذاعة.
[756] المرع السابق.
[757] أنظر تفاصيل هذه المعارك في كتب التاريخ.. وانظر الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي. والعواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي. وانظر لنا السيف والسياسة.
[758] مسلم. كتاب الإيمان.
[759] مسلم. كتاب اللباس والزينة.
[760] مسلم. هامش باب في طرح خاتم الذهب. كتاب اللباس والزينة.
[761] مسلم. كتاب المساجد. باب فضل صلاة الجماعة والتشدد في التخلي عنها. وانظر أبو داود كتاب الصلاة.
[762] المرجع السابق.
[763] مسلم. هامش الباب السابق.
[764] أنظر أبواب الجهاد في كتب السنن.
[765] مسلم. كتاب الإيمان.
[766] النسائي. كتاب الصلاة.
[767] المرجع السابق.
[768] النسائي. هامش باب المحاسبة علي الصلاة. شرح السيوطي وحاشية السندي.
[769] أنظر لنا كتاب: أحاديث نبوية اخترعتها السياسة.
[770] أبو داود. كتاب الأدب. باب السلام علي أهل الذمة.
[771] مسلم. كتاب السلام.
[772] البخاري كتاب الخصومات. ومسلم كتاب الفضائل.
[773] أنظر لنا كتاب أهل السنة شعب الله المختار.
[774] أنظر شرح هذه الرواية في النووي كتاب الفضائل. وفتح الباري كتاب الخصومات.
[775] أنظر أحكام أهل الذمة لابن القيم ومجموع الرسائل والمسائل لابن تيمية. والمختصر للشافعي.
[776] أنظر سيرة عمر بن عبد العزيز في كتب التاريخ.
[777] مسلم. كتاب الجنائز. باب القيام للجنازة.
[778] مسلم. كتاب السلام. باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام.
[779] أنظر كتب السيرة.
[780] مسلم كتاب الفضائل. والبخاري كتاب الأنبياء. والقرم قرية من قري الشام.
[781] المرجعين السابقين.
[782] المرجعين السابقين.
[783] أنظر سورة الصافات وسورة الأنبياء.
[784] أنظر هامش مسلم. كتاب الفضائل. وهامش اللؤلؤ والمرجان ح 3 / 116. كتاب الفضائل. وانظر فتح الباري شرح كتاب الأنبياء.
[785] أنظر صحيح ابن حبان.
[786] البخاري كتاب التفسير. سورة بني إسرائيل.
[787] البخاري كتاب الغسل. ومسلم كتاب الفضائل.
[788] مسلم كتاب الفضائل.
[789] مسلم. هامش باب من فضائل موسي.
[790] شرح النووي. كتاب الفضائل.
[791] مسلم كتاب الفضائل. والبخاري كتاب الجنائز.
[792] مسلم. هامش باب من فضائل موسي.
[793] أنظر مسند أحمد ح 2 / ومستدرك الصحيحين ح 2.
[794] مسلم كتاب الأيمان. والبخاري كتاب الجهاد وكتاب النكاح.
[795] البخاري كتاب فضل الجهاد والسير. ومسلم كتاب قتل الحيات.
[796] مسلم هامش باب الاستثناء كتاب الأيمان.
[797] مسلم هامش باب النهي عن قتل النمل. كتاب الحيات.
[798] أنظر هذه الروايات في باب الاستثناء.
[799] ذكر الترمذي وابن حجر والقسطلاني أن هذا النبي هو موسي. أنظر فتح الباري وإرشاد الساري.
[800] البخاري كتاب التفسير. سورة بني إسرائيل.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.