حديث الغدير

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الحسيني الميلاني، السيّد علي، 1326 - ، شارح

عنوان واسم المؤلف: حدیث الغدیر/ [شارح] السيّد علي الحسيني الميلاني

تفاصيل المنشور: قم: مركز الأبحاث العقائدية، 1421ق. = 1379.

مواصفات المظهر: ص 44

الصقيع:(سلسله الندوات العقائدیه 10)

ISBN:964-319-252-0 ؛ 964-319-252-0

ملاحظة: عربی

ملاحظة: ببليوغرافيا مع ترجمة

الموضوع: العقائد والكلام

الموضوع: الأحاديث الخاصة (غدير) - نقد وتعليق

علي بن أبي طالب (ع) الإمام الأول 23 قبل الهجرة - 40 ه-. - إثبات الخلافة غدير

ترتيب الكونجرس:BP223/5/ح 53ح 4 1379

تصنيف ديوي:297/452

رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 79-17288

ص: 1

اشارة

ص: 2

دليل الكتاب :

مقدّمة المركز .................................................................. 5

تمهيد ......................................................................... 7

نصّ حديث الغدير ........................................................... 11

الجهة الأولى : الجهود التي بذلت في سبيل إثبات هذا الحديث ...................... 17

رواة حديث الغدير ........................................................... 21

دواعي عدم نقل الحديث ...................................................... 24

إثبات التواتر اللفظي لحديث الغدير ............................................. 27

دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام ................................ 29

الجهة الثانية : الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث ...................... 33

مسألة أن علياً علیه السلام لم يكن في حجة الوداع ..................................... 33

مسألة عدم التسليم بصحة حديث الغدير ....................................... 35

مسألة عدم تواتر حديث الغدير ................................................ 36

ص: 3

مسألة مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » ........................................ 37

مسألة دلالة حديث الغدير على إمامة علي علیه السلام بعد عثمان ....................... 40

مسألة دلالة حديث الغدير على الإمامة الباطنية .................................. 43

ص: 4

مقدمة المركز:

بسم الله الرحمن الرحيم مقدّمة المركز :

لا يخفى أنّنا لا زلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني - مدّ ظلّه - إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

ص: 5

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع - بطبيعة الحال - للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

كلامنا في هذه الليلة حول حديث الغدير ، هذا الحديث العظيم الذي اهتمّ به الله سبحانه وتعالى ، واهتمّ به رسوله ، والأئمّة الأطهار ، وكبار الصحابة ، والعلماء عبر القرون ، وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (1) هذه الآية المباركة من الآيات المتعلقة بيوم الغدير ، إلاّ أنّها وردت في القرآن الكريم في سياق آيات يخاطب بها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ

ص: 7


1- 1. سورة المائدة : 67.

النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) (1) ، ثمّ بعد الآية أيضاً : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (2).

المخاطب في هذه الآيات وإنْ كان أهل الكتاب ، لكنّ الآيات هذه منطبقة على أُمّة محمّد صلی الله علیه و آله أيضاً تمام الانطباق ، إذ يجوز أن يقال : ولو أنّ الاُمّة الإسلاميّة آمنت ، ولو أنّهم آمنوا واتّقوا ، لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولادخلناهم جنّات النعيم ، ولو أنّهم أقاموا الكتاب والسنّة ، وما أُنزل إليهم من ربّهم في أمير المؤمنين وأهل البيت الأطهار ، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، والاُمّة الإسلاميّة أيضاً منهم أُمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.

مرّة أُخرى يعود ويقول : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) ، فقبل ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) كانت الآية ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) ،

ص: 8


1- 1. سورة المائدة : 65 - 66.
2- 2. سورة المائدة : 68.

وبعدها أيضاً ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) ومع ذلك ( لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ) من هذه الاُمّة ( مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

كما أنّ أهل الكتاب أُمروا بالعمل بكتبهم ، أي اليهود مأمورون بالعمل بالتوراة ، والنصارى مأمورون بالعمل بالإنجيل ، فالمسلمون مأمورون بالعمل بالكتاب والسنّة ، فإذا عملوا بالكتاب والسنّة وما أُنزل إليهم من ربّهم ، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنْ ليزيدنّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً.

وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أُنزل إلى رسول الله ، وأتمّ به الله سبحانه وتعالى الحجّة على الاُمّة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) .

وقد قرأنا في حديث الدار في يوم الانذار : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال : « أمرني ربّي بأنْ أُبلّغ القوم ما أُمرت به ، فضقت بذلك ذرعاً حتّى نزل جبرئيل وقال : إن لم تفعل لم تبلّغ ما اُرسلت به ».

فكانت الدعوة وكان إبلاغ إمامة أمير المؤمنين وخلافة إمامنا علیه السلام من جملة ما أمر به رسول الله منذ بدء الدعوة ، وإلى

ص: 9

أواخر أيّام حياته الشريفة المباركة ، لأنّ هذه الآية في سورة المائدة ، وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن بإجماع المسلمين.

أتذكّر في تفسير القرطبي يذكر الإجماع بصراحة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن ، كما أنّا في رواياتنا أيضاً يوجد عندنا نصّ على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن.

فكان النبي مبلِّغاً خلافة علي من بعده وداعياً الناس إلى الإيمان بها إلى جنب الإيمان بالله والرسول ... في جميع أدوار رسالته المباركة.

وحديث الغدير حديث عظيم جليل لجهات عديدة :

منها : تلك الظروف الخاصة التي خطب فيها رسول الله هذه الخطبة.

ومنها : كون اللفظ الوارد عن رسول الله في هذه الخطبة لفظاً لا مرية فيه ولا ارتياب في دلالته على إمامة أمير المؤمنين.

ومنها : نزول الآيات من القرآن الكريم.

ولقد بذلت جهود كثيرة في إبقاء هذا الحديث ونقله ونشره ، كما بذلت جهود في ردّه وكتمانه والتعتيم عليه.

ص: 10

نصّ حديث الغدير

وقبل الورود في البحث ، لابدّ من ذكر نصّ أو نصّين من حديث الغدير عن بعض المصادر المعتبرة :

أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال :

نزلنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله بواد يقال له : وادي خم ، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير ، قال : فخطبنا ، وظلّل لرسول الله صلی الله علیه و آله بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فقال رسول الله : « ألستم تعلمون ؟ ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ » قالوا : بلى ، قال : « فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه » (1).

وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال :

لمّا رجع رسول الله صلی الله علیه و آله من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر

ص: 11


1- 1. مسند أحمد 5 / 501 رقم 18838 - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1414 ه.

بدوحات فقممن - أي فكنسن - ثمّ قال : « كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض » ، ثمّ قال : « إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن » ، ثمّ إنّه أخذ بيد علي رضی الله عنه وقال : « من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».

يقول أبو الطفيل : فقلت لزيد : سمعته من رسول الله ؟ فقال : إنّه - وفي بعض الألفاظ : والله ، بدل إنّه - ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه (1).

فهذان لفظان بسندين معتبرين عن زيد بن أرقم.

وهنا ملاحظات لابدّ من الاشارة إليها :

الملاحظة الأولى :

في حديث الغدير في صحيح مسلم (2) ، وفي المسند (3) ، وفي

ص: 12


1- 1. فضائل الصحابة : 15 رقم 45 - دار الكتب العلمية - بيروت.
2- 2. صحيح مسلم 4 / 1873 رقم 36 - دار الفكر - بيروت - 1398 ه.
3- 3. مسند أحمد 5 / 498 رقم 18815.

غيرهما يقول الراوي : فخطبنا أو يقول قام فينا خطيباً ، لكنْ في المستدرك (1) : فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ، وفي مجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي الحافظ (2) : فوالله ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلاّ قد أخبرنا به يومئذ.

أليس من حقّنا أن نسأل الرواة ، أن نسأل المحدّثين ، أن نسأل الاُمناء على سنّة رسول الله : أين هذه الخطبة ، خطبة الغدير التي لم يترك رسول الله يوم الغدير شيئاً يكون إلى يوم القيامة إلاّ قد أخبرنا به ؟ لماذا لم ينقلوه ؟

إنّه أثنى على الله ، وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ، أين وعظ رسول الله يوم الغدير ؟ وأين ما ذكّر به رسول الله في يوم الغدير ؟ وأين تلك الخطبة ؟ لماذا لم يرووها ؟ أليسوا هؤلاء حفّاظ سنّة رسول الله ؟ أليس من وظيفتهم أن ينقلوا لنا ما قال رسول الله كما قال ؟ لماذا لم ينقلوا ؟

هذه هي الملاحظة الأولى ، ألهم جواب على هذا ؟

ص: 13


1- 1. مستدرك الحاكم 3 / 533 - دار الفكر - بيروت - 1398 ه.
2- 2. مجمع الزوائد 9 / 104 - 105 - دار الكتاب العربي - بيروت - 1402 ه.

الملاحظة الثانية :

هناك قاعدة في علم الحديث يعبّرون عنها بقاعدة الحديث يفسّر بعضه بعضاً ، إنّ الحديث كالقرآن يفسّر بعضه بعضاً ، ونحن في هذين اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين ، نرى أحدهما يقول : « من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه » ، والآخر يقول : « من كنت وليّه فهذا وليّه » ، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى الولي ، ومجيء هذه الكلمة بمعنى الأولى ، لو كان هناك إبهام ، فإنّ اللفظ الثاني يفسّر اللفظ الأوّل.

وكم من شواهد من هذا القبيل عندنا في الحديث ، هذه الشواهد الكثيرة الصحيحة سنداً تأتي مفسرة للفظ المولى لو كان هناك حاجة إلى تفسير هذه الكلمة.

الملاحظة الثالثة :

إنّ مسلم بن الحجّاج يروي هذا الحديث في صحيحه إلى حدّ حديث الثقلين ، وذلك لأنّه كان عندنا في لفظ النسائي أنّه قال : « كأنّي دعيت فأجبت وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي » إلى آخر هذا الحديث ، ثمّ قال : « إنّ الله

ص: 14

مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن » إلى آخره (1).

ومسلم يروي هذا الحديث إلى حدّ الحديث الأوّل وهو حديث إنّي تارك فيكم الثقلين ، مع تغيير في الألفاظ ، ولا يروي بقية الحديث ممّا يتعلّق ب « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » ، ونحن مع ذلك شاكرون لمسلم ، حيث روى هذا الحديث بهذا المقدار ، لأنّ البخاري لم يرو منه شيئاً أبداً ، نشكر مسلم على أمانته بهذا المقدار.

وربّ قائل يقول : بأنّ مشايخ مسلم ورواة الحديث لم يرووا له أكثر من هذا ، أو أنّ مسلماً على أساس الضوابط والشروط التي تبنّاها في صحيحه لم يجد سنداً آخر من أسانيد هذا الحديث متوفرة فيه تلك الشروط إلاّ هذا الحديث الذي نقله وأورده بهذا الشكل المبتور.

ولكن كلّ هذا لا يمكننا قبوله ، مع ذلك نشكره على نقله بهذا المقدار.

انتهت الملاحظات.

نحن لو أردنا أن نبحث عن حديث الغدير ، أنتم جميعاً أهل

ص: 15


1- 1. خصائص أمير المؤمنين : 93 ، ط الغري.

الفضل والفضيلة والاطّلاع ، خاصّةً على مثل حديث الغدير ، هذا الحديث المهم الذي اهتمّ به الكل من مخالفين وموافقين.

إنّه ليس عندي شيء جديد أُبيّنه لكم في هذه الليلة حول حديث الغدير ، والليلة الواحدة لا تكفي بل الليلتان أيضاً ، لكنّي أذكر لكم رؤوس المطالب والنقاط المهمّة التي سجّلتها مع شيء من التوضيح وإبداء بعض الملاحظات فقط.

نحن عندما نريد أن نجعل لبحثنا منهجاً فلابدّ وأن يكون المنهج على الشكل التالي ، أنْ نبحث عن حديث الغدير في جهتين.

الجهة الأولى في الجهود التي بذلت في سبيل هذا الحديث إثباتاً وروايةً وتصحيحاً ونشراً ، وإلى آخره.

والجهة الثانية : الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث ، في سبيل ردّ هذا الحديث ، وكتم هذا الحديث والتعتيم عليه ، وتحريفه بأيّ شكل من الأشكال.

ص: 16

الجهة الأولى : الجهود التي بذلت في سبيل إثبات هذا الحديث

اشارة

وهذه الجهة تشتمل على نقاط :

النقطة الأولى :

لقد نزلت في قضية الغدير ، وفي يوم الغدير ، آيات من القرآن الكريم ، نزلت آية قبل خطبة الغدير هي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... ) إلى آخر الآية ، ونزلت آية بعد خطبة الغدير هي قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) (1) ونزل قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (2) عندما اعترض ذلك الأعرابي على ما قاله

ص: 17


1- 1. سورة المائدة : 3.
2- 2. سورة المعارج : 1.

رسول الله صلی الله علیه و آله ، سائلاً النبي بأنّك أمرتنا بالصلاة فصلّينا ، أمرتنا بالزكاة فأدّينا ، وإلى آخره ، واليوم جئت وأخذت بعضد ابن عمّك ونصبته علينا وليّاً ، أهذا أمر من الله أو شيء من عندك ؟ تقريباً بهذا اللفظ ، فنزل قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) إلى آخره.

فهذه آيات متعلّقة بقضية الغدير ، ولكلّ آية بحث مستقل ، أي لو أردنا أنْ نذكر الروايات في شأن نزول هذه الآيات لاحتجنا إلى مجال أكثر ، وكما أشرت من قبل ، فالليلة الواحدة لا تكفي للإحاطة بجميع جوانب قضية الغدير.

إذن ، نكتفي بهذا المقدار ، وعليكم أن تراجعوا المصادر.

النقطة الثانية :

الرواة لحديث الغدير من الصحابة ، يبلغ عددهم أكثر من مائة وعشرين رجل وامرأة ، هؤلاء يروون حديث الغدير ، وطرق أهل السنّة إلى هؤلاء الصحابة موجودة في الكتب ، والروايات الواردة عن هؤلاء أو الرواية الواردة عن كلّ واحد من هؤلاء تلك الرواية موجودة في الكتب المعنيّة بحديث الغدير.

واختلف القوم في عدد الحاضرين في يوم الغدير عند خطبة رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهناك قول بأنّهم كانوا مائة وعشرين ألف شخص ، فإذا كان كذلك فقد وصلنا حديث الغدير من 1 / 1000 من الحاضرين.

ص: 18

النقطة الثالثة :

الرواة لحديث الغدير من التابعين عددهم أضعاف عدد الصحابة ، وهذا واضح ، لأنّ كلاًّ من الصحابة قد سمع الحديث منه أكثر من تابعي ، والتابعون أيضاً نقلوا الحديث إلى أصحابهم وهكذا.

فكان العلماء الرواة لحديث الغدير من أعلام السنّة في القرون المختلفة يبلغ عددهم المئات.

النقطة الرابعة :

اشارة

الأسانيد التي نروي بها حديث الغدير لا تحصى كثرة ، وهي فوق حد التواتر بكثير ، ويشهد بذلك :

أوّلاً : كثرة الكتب المؤلفة في جمع طرق حديث الغدير وأسانيده ، وهذا لو أردنا أن نشرحه لاحتاج إلى وقت إضافي ، أي أسامي المؤلفين في حديث الغدير من كبار العلماء السابقين.

ثانياً : ذكر حديث الغدير في الكتب المختصة بجمع الأحاديث المتواترة :

فللسيوطي أكثر من كتاب ألّفه في الأحاديث المتواترة وأدرج فيها حديث الغدير.

والزبيدي صاحب تاج العروس له كتاب خاص بالأحاديث

ص: 19

المتواترة وفيه حديث الغدير.

والكتّاني له كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.

والشيخ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمّال له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.

والشيخ علي القاري الهروي له أيضاً كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.

فالكتب المختصة بالأحاديث المتواترة مشتملة على حديث الغدير.

ثالثاً : وجدنا تنصيص عدّة كبيرة من أعلام الحفّاظ والمحدّثين على تواتر هذا الحديث :

كالذهبي مثلاً يقول هذا الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول الله قاله. والقائل من ؟ الذهبي ، والذهبي متشدّد ومتعصّب.

وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير : ابن كثير الدمشقي (1).

وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير : ابن الجزري شمس الدين (2) ، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم.

ص: 20


1- 1. البداية والنهاية 5 / 213.
2- 2. أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب : 3 - 4.

فهذه نقاط ، وكلّ نقطة ، وكلّ واحدة من هذه الأمور تحتاج إلى بحث مستقل ، ونحن ليس عندنا ذلك المجال الكافي للتفصيل في هذه الأمور.

رواة حديث الغدير :

ولا بأس الآن بأنْ نذكر أسامي أشهر مشاهير رواة حديث الغدير في القرون المختلفة ، فأشهر مشاهيرهم في القرون المختلفة هم :

1 - محمّد بن إسحاق ، صاحب السيرة.

2 - معمر بن راشد.

3 - محمّد بن إدريس الشافعي ، إمام الشافعية.

4 - عبد الرزاق بن همّام الصنعاني ، شيخ البخاري.

5 - سعيد بن منصور ، صاحب المسند.

6 - أحمد بن حنبل ، إمام الحنابلة ، صاحب المسند.

7 - ابن ماجة القزويني ، صاحب أحد الصحاح الستة.

8 - الترمذي ، صاحب الصحيح.

9 - أبو بكر البزّار ، صاحب المسند.

10 - النسائي ، صاحب الصحيح.

ص: 21

11 - أبو يعلى الموصلي ، صاحب المسند.

12 - محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التفسير والتاريخ المشهورين المعروفين.

13 - أبو حاتم ابن حبّان ، صاحب الصحيح.

14 - أبو القاسم الطبراني ، صاحب المعاجم الثلاثة.

15 - الحافظ أبو الحسن الدارقطني ، الذي كان إمام وقته في بغداد ، ويلقّبونه بأمير المؤمنين في الحديث.

16 - الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك.

17 - ابن عبد البر ، صاحب الاستيعاب.

18 - الخطيب البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد.

19 - أبو نعيم الاصفهاني ، صاحب حلية الأولياء ودلائل النبوة وغيرهما من الكتب.

20 - أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى.

21 - البغوي ، صاحب مصابيح السنّة.

22 - جار الله الزمخشري ، صاحب الكشّاف في التفسير.

23 - ابن عساكر الدمشقي ، صاحب تاريخ دمشق.

24 - الفخر الرازي ، صاحب التفسير المعروف.

25 - الضياء المقدسي ، صاحب المختارة.

ص: 22

26 - ابن الأثير الجزري ، صاحب أُسد الغابة.

27 - أبو بكر الهيثمي ، الحافظ الكبير ، صاحب مجمع الزوائد.

28 - الحافظ المزّي ، صاحب كتاب تهذيب الكمال ، وهو حافظ كبير من حفّاظهم.

29 - الحافظ الذهبي ، صاحب تلخيص المستدرك وغيره من الكتب.

30 - الحافظ الخطيب التبريزي ، صاحب مشكاة المصابيح.

31 - نظام الدين النيسابوري ، صاحب التفسير المعروف.

32 - ابن كثير الدمشقي ، صاحب التاريخ والتفسير.

33 - الحافظ ابن حجر العسقلاني ، يلقّبونه بشيخ الإسلام ، وهو إنصافاً عالم من علمائهم ، يعتمد عليه في النقل وينظر إلى كلماته ككلمات عالم ، أنا بنظري إنّ ابن حجر العسقلاني عالم محترم ، هذا صاحب فتح الباري في شرح البخاري وغيره من الكتب.

34 - العيني الحنفي ، صاحب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري.

35 - الحافظ جلال الدين السيوطي ، صاحب المؤلفات الكثيرة المعروفة.

ص: 23

36 - ابن حجر المكّي ، صاحب الصواعق المحرقة في الردّ على الشيعة.

37 - الشيخ علي المتقي الهندي ، صاحب كنز العمّال.

38 - الشيخ نور الدين الحلبي ، صاحب السيرة الحلبية.

39 - شاه ولي الله الدهلوي ، صاحب المؤلفات الكثيرة ، هذا يسمّونه بعلاّمة الهند ، ويعتمدون على مؤلّفاته وينقلون عنها.

40 - شهاب الدين الخفاجي ، رجل محقق محدّث أديب ، له شرح على الشفاء للقاضي عياض وله تعليقة على تفسير البيضاوي أيضاً وهما كتابان معتبران.

41 - الزبيدي ، صاحب تاج العروس.

42 - أحمد زيني دحلان ، صاحب السيرة الدحلانيّة المعروفة.

43 - الشيخ محمّد عبده المصري ، صاحب التفسير وشرح نهج البلاغة والآثار الاُخرى.

هؤلاء أشهر مشاهير رواة حديث الغدير في القرون المختلفة.

دواعي عدم نقل الحديث :

وهنا فصلٌ لابدّ من التعرّض له بإيجاز ، وذلك أنّه لو يراجع

ص: 24

الباحث الحر المنصف أسانيد حديث الغدير وألفاظه ، ومتون هذا الحديث ، لوجد في متون الحديث قرائن كثيرة تدلّ على أنّ الدواعي إلى عدم نقله أو الموانع عن نقله كثيرة ، فمثلاً :

يقول الراوي : رأيت ابن أبي أوفى وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره ، فسألته عن حديث ، فقال : إنّكم يا أهل الكوفة فيكم ما فيكم ، قلت : أصلحك الله إنّي لست منهم ، ليس عليك منّي عار ، فلمّا اطمأنّ بي قال : أيّ حديث تريد ؟ قال : قلت : حديث علي في غدير خم (1). هذا من الصحابة.

ويقول الراوي : أتيت زيد بن أرقم فقلت له : إنّ خَتَناً لي [ أي صهراً ] حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم ، فأنا أُحبّ أنْ أسمعه منك ، فقال : إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم ، فقلت له : ليس عليك منّي بأس ، فقال : نعم ، عندما اطمأنّ قال : نعم كنّا بالجحفة ... إلى آخر الحديث ، قال : فقلت له : هل قال رسول الله صلی الله علیه و آله : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ؟ قال : إنّما أُخبرك بما سمعت. هذا الحديث في المسند (2).

قارنوا هذا الحديث الوارد في المسند عن زيد بن أرقم ، مع

ص: 25


1- 1. مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 16.
2- 2. مسند أحمد 4 / 368.

الحديث الذي قرأناه في أوّل البحث عن زيد بن أرقم ، إنّه لم يرو هنا هذه القطعة في ذيل الحديث ، لكنْ هناك قال : نزلنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله بواد يقال له غدير خم ... إلى آخره ، قال : « فمن كنت مولاه ، فإنّ عليّاً مولاه ، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه ». وهذا أيضاً في المسند (1).

فأحمد يروي الحديثين بفاصل أوراق معدودة ، في أحدهما لا يذكر زيد بن أرقم هذه القطعة الأخيرة من الحديث لهذا الشخص ، لكنْ هناك للشخص الآخر يروي هذه الجملة أيضاً.

وسأقرأ لكم حديثاً آخر عن المعجم الكبير للطبراني ، سترون أنّ زيد بن أرقم يروي هذه القطعة أيضاً لذلك الراوي الآخر.

يقول الراوي أيضاً : قلت لسعد بن أبي وقّاص - الذي هو من رواة حديث الغدير ، ومن كبار الصحابة ، وأحد العشرة المبشرة كما يقولون - : إنّي أُريد أنْ أسألك عن شيء ، وإنّي أتّقيك - يظهر التقيّة موجودة بينهم حتّى من أنفسهم هم - قال : سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك ، قال : قلت مقام رسول الله صلی الله علیه و آله فيكم يوم غدير خم ، فجعل سعد يحدّثه بالحديث (2).

ص: 26


1- 1. مسند أحمد 4 / 372.
2- 2. كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : 620.

لكنّ الراوي عندما يريد أن يسأله يقول : اُريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك.

أُنظر إلى الظروف المحيطة بقضيّة حديث الغدير ، وكيف كانوا يريدون التوصّل إلى هذا الحديث بهذه الأساليب.

يقول الراوي عندما وقف شخص على حلقة فيها زيد بن أرقم قال : أفي القوم زيد ؟ قالوا : نعم هذا زيد ، فقال : أُنشدك بالله الذي لا إله إلاّ هو يا زيد ، أسمعت رسول الله يقول لعلي : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ؟ قال : نعم ، فانصرف الرجل.

وكأنّه عندما يريد أن يسأل زيداً لابدّ وأنْ يحلّفه حتّى يحكي له الواقع كما سمع من رسول الله. هذا الحديث في المعجم الكبير للطبراني.

فإلى هنا انتهينا ممّا يتعلّق بسند حديث الغدير ومتن حديث الغدير.

إثبات التواتر اللفظي لحديث الغدير :

ورأينا أنّ هذا الحديث حديث متواتر ، بل لقد تجاوز حدّ التواتر بأضعاف مضاعفة ، والتواتر كما تعلمون على أقسام :

ص: 27

تارة التواتر لفظي.

وتارة التواتر إجمالي.

وتارة التواتر معنوي.

وبقرينة ذكر القوم هذا الحديث في كتبهم المتعلّقة بالأحاديث المتواترة يظهر أنّ هذا الحديث بهذا اللفظ متواتر ، وهذا شيء مهم ، لأنّهم في كتب الحديث وعلم دراية الحديث - إذا راجعتم - يقولون بأنّ التواتر اللفظي قليل جدّاً ، حتّى أنّهم يحصرون التواتر اللفظي بحديث إنّما الأعمال بالنيّات فقط ، وربّما أضافوا إلى هذا الحديث حديثاً آخر ، هكذا يدّعون ، ويقولون بأنّ الأحاديث الواصلة إلينا من رسول الله هي وإن كانت متواترة إلاّ أنّها متواترة معنى أو إجمالاً ، هذا في أكثر الأحاديث الواصلة إلينا التي يمكننا أن ننسبها إليه صلی الله علیه و آله بالقطع واليقين.

إلاّ أنّ حديث الغدير بهذا اللفظ متواتر ، وهذا شيء له أهميّته ، ولابدّ من الدقّة في هذه النقطة فإنّها أمر مهم.

فانتهينا إذن ، من لفظ الحديث ومتنه ، وانتهينا من سنده ، وأنّه متواتر قطعاً.

وقد نصّ الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الإثنا عشرية.

ص: 28

هذا الكتاب الذي طبع مختصره بالعربية بقلم الآلوسي البغدادي ، ونشره بعض أعداء الدين مع تعاليق شحنها بالسباب والشتائم وبالشحناء والبغضاء لأهل البيت ولشيعتهم.

يقول المولوي عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الإثنا عشرية : إنّ الحديث إذا وصل حدّ التواتر وأصبح قطعي الصدور عن رسول الله ، كان بمنزلة آية قرآنيّة ، فكما أنّ القرآن الكريم مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى ، ولا ريب في أنّ هذا القرآن مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى ، ولا ريب في هذا القرآن وفي ألفاظه ووصول القرآن الكريم إلينا بالتواتر القطعي ، فكلّ حديث يروى عن رسول الله ويصل إلينا بأسانيد تفيد القطع واليقين يكون هذا الحديث بحكم الآية القرآنيّة وبمثابة القرآن الكريم.

إذن أصبح قوله صلی الله علیه و آله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » بمثابة آية في القرآن الكريم من حيث أنّه مقطوع الصدور.

دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام :

حينئذ ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بهذا الحديث المتواتر قطعاً على إمامة أمير المؤمنين علیه السلام .

وجه الاستدلال بهذا الحديث يتلخّص في أنّه صلی الله علیه و آله بعد أنْ

ص: 29

أخذ منهم الإقرار وأشهدهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم ، مشيراً إلى قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) ، مقتضى هذه الآية المباركة كون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ مالهم الولاية عليه ، فأخذ منهم الإقرار على هذا المعنى ، ثمّ فرّع على ذلك بقوله : « فمن كنت وليّه » ويوجد في بعض الألفاظ « فمن كنت أميره » « فعليّ مولاه » « فعليّ وليّه » « فعليّ أميره » إلى آخره ، فأثبت رسول الله صلی الله علیه و آله لعلي ما ثبت له من الأولويّة بالناس من الناس ، أي من أنفسهم ، ثمّ إنّهم جميعاً بايعوه على هذا وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّأوه ، ونظمت فيه الأشعار.

ومحور الاستدلال بحديث الغدير كلمة « مولى » ، ومجيء هذه الكلمة بمعنى « الأولى » ، وذلك موجود في القرآن الكريم في سورة الحديد ، موجود في الأحاديث النبوية المعتبرة حتّى في الصحيحين ، موجود في الأشعار العربية والاستعمالات الفصيحة.

وحينئذ ، يتمّ الاستدلال على ضوء الكتاب والسنّة والاستعمالات العربية الصحيحة الفصيحة.

ص: 30


1- 1. سورة الأحزاب : 6.

وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكلّ من عدا رسول الله ، كلّ من كان مؤمناً عدا رسول الله صلی الله علیه و آله ، كان مؤمناً حقيقة أو ادّعي له الإيمان ، فعليّ أولى به من نفسه ، بما فيهم كبار الصحابة ومشايخ القوم و ... إلى آخره.

هذا وجه الاستدلال.

لكن في مقام الاستدلال لابدّ وأنْ ننتظر ، ولننظر ماذا يقولون في مقابل هذا الاستدلال ، وتلك هي الجهة الثانية.

فتلخص إلى هنا : إنّ حديث الغدير له جذور في القرآن الكريم ، جذور في السنّة النبويّة المعتبرة القطعيّة المتفق عليها بين الفريقين ، وجذور أيضاً في الاخبار والآثار.

وما أكثر المناشدات والاحتجاجات بحديث الغدير ، من أمير المؤمنين أوّلاً ، ومن الزهراء البتول بضعة رسول الله صلی الله علیه و آله ، ومن الأئمّة الأطهار ، ومن كبار الصحابة ، والعلماء ، وأيضاً في الأشعار الكثيرة ، من كبار شعراء الصحابة أنفسهم وحتّى القرون المتأخّرة ، فلحديث الغدير هكذا جذور.

ولو أردنا أن ندخل في هذا الباب لطال بنا المجلس ، لأنّ المناشدات وحدها تحتاج إلى أكثر من مجلس في نظري ، واحتجاج الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها بحديث الغدير وهي

ص: 31

بضعة رسول الله ، وكونها بضعة رسول الله ليس بالشيء الهيّن.

قول رسول الله : « فاطمة بضعة منّي » هذا الحديث موجود في الصحاح ، ولاجل هذا الحديث نصّ غير واحد من أعلام القوم على أفضليّة الزهراء حتّى من الشيخين ، تعلمون أنّهم يؤخّرون عليّاً عن عثمان ، وعثمان متأخّر عن الشيخين ، ويجعلون الفضيلة والأفضليّة بترتيب الخلافة ، هذا هو المشهور بينهم ، لكنّ الزهراء سلام الله عليها يفضّلها بعضهم على الشيخين ، بمقتضى حديث « فاطمة بضعة منّي » وعندما نصل إلى بحث الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها سأطرح لكم تلك الكلمات ، لأنّها مهمّة للغاية.

فهي الاُخرى أيضاً احتجّت بحديث الغدير.

وهذا كلّه بغضّ النظر عن شواهد حديث الغدير ، فلحديث الغدير شواهد كثيرة في السنّة القطعيّة ، منها حديث الولاية الذي سنبحث عنه في ليلة وقد جعلناه موضوعاً مستقلاً ، سنبحث عنه سنداً ودلالة إن شاء الله تعالى. فهذا هو الحديث.

ص: 32

الجهة الثانية : الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث

وفي الجهة الثانية : تعلمون بأنّ علماء القوم يحاولون تبرير الواقع التاريخي ، يحاولون توجيه ما وقع ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) لكن القوم يحاولون أنّ يبرّروا ما فعلوا ، فكانوا مصاديق لهذه الآية المباركة ، فلننظر ماذا يقولون تجاه حديث الغدير :

مسألة أن علياً علیه السلام لم يكن في حجة الوداع :

ولعلّكم تتعجّبون أو تضحكون ممّن يقول - قبل كلّ شيء - : بأنّ عليّاً لم يكن في حجة الوداع ، كان عليّ في اليمن في ذلك

ص: 33

الوقت ، فكلّ حديث ورد فيه أنّه أخذ بيد عليّ وجعل يعرّفه إلى الناس ويقول : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، هذه الأحاديث كلّها كاذبة ، لأنّ عليّاً كان باليمن ، تستغربون لو قلت لكم أنّ القائل بهذا القول هو الفخر الرازي.

لكن من حسن الحظ أنّ مثل ابن حجر المكّي صاحب الصواعق (1) يردّ هذا الكلام ، وكذا شرّاح الحديث الذين نرجع إليهم دائماً في فهم الأحاديث.

وهذا ديدني في بحوثي ، أرجعُ إلى مثل المنّاوي صاحب فيض القدير الشارح للجامع الصغير ، أرجعُ إلى الشيخ علي القاري الشارح للشفاء للقاضي عياض ، وصاحب المرقاة في شرح المشكاة ، وهكذا أرجعُ إلى الشروح كشرح المواهب اللدنيّة وصاحبه الزرقاني المالكي ، أرجعُ إلى هؤلاء لأنّهم شرّاح الحديث ، وأهل فهم الحديث ، وكلماتهم حجّة في شرح الحديث وبيان معاني الأحاديث النبويّة ، أرجع إليهم إحتجاجاً بكلماتهم وإلزاماً للقوم بأقوال علمائهم.

ص: 34


1- 1. الصواعق المحرقة : 25.

يقول علي القاري في المرقاة في شرح المشكاة (1) بأنّ هذا القول باطل ، لثبوت أنّ عليّاً رجع من اليمن ، وكان مع رسول الله صلی الله علیه و آله في حجّة الوداع.

وفي الصحاح أيضاً حديث بقضيّة الخروج من الإحرام ، كلّهم يروون هذا الحديث ، أصحاب الصحاح الستّة وغيرهم ، وفيه : إنّ عليّاً كان مع رسول الله في حجّة الوداع.

فقول الفخر الرازي بأنّ عليّاً كان في اليمن في ذلك الوقت ، يدلّ من جهة أُخرى على صحّة هذا الحديث ، وتماميّة دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين.

مسألة عدم التسليم بصحة حديث الغدير :

ثمّ هناك محاولة أُخرى لردّ حديث الغدير ، يقول بعضهم : لا نسلّم صحّة هذا الحديث ، ومن هؤلاء الفخر الرازي أيضاً.

وقد ذكرنا عدّة من أعلام القوم الذين ينصّون على تواتر حديث الغدير ، ويذكرون حديث الغدير في كتبهم المختصة بالأحاديث المتواترة.

ص: 35


1- 1. المرقاة في شرح المشكاة 5 / 574.

مسألة عدم تواتر حديث الغدير :

هناك مطلب ثالث ، يقوله ابن حزم الأندلسي وبعض أتباعه ، وترون الشيخ سليم البشري المالكي يقوله في مراجعته للسيّد شرف الدين ، يقول : بأنّكم معاشر الإماميّة تذهبون إلى أنّ الإمامة من أُصول الدين ، ولا ريب أنّ أُصول الدين لا تثبت إلاّ بالأخبار المتواترة أو الأدلّة القطعيّة ، وحديث الغدير لا نوافق على تواتره ، فإذن ، لا تثبت بحديث الغدير إمامة علي.

ويتلخص هذا الإشكال في إنكار تواتر حديث الغدير ، الإشكال السابق كان إنكار صحّة حديث الغدير ، فيسلّم هؤلاء بصحّة حديث الغدير ، إلاّ أنّهم يناقشون في تواتره ، فإذا لم يتم تواتر حديث الغدير لم يتم الاستدلال به على إمامة علي ، لأنّ الحديث الظنّي وإنْ كان صحيحاً ، وإن كان معتبراً ، لا يثبت لنا أصلاً من أُصول الدين ، إذْ لابدّ في أُصول الدين من القطع واليقين ، والحديث الظنّي لا يفيد القطع ، إذن ، لا يثبت به أمر قطعي.

وهذا الإشكال إشكال أساسي إن تمّ نفي تواتر حديث الغدير ، لكنّنا نلزمهم بمثل تصريح الذهبي ، وابن كثير ، وابن الجزري ،

ص: 36

والسيوطي ، والكتّاني ، والزبيدي ، والمتقي الهندي ، والشيخ علي القاري ، وغيرهم ، بتواتر حديث الغدير.

أمّا ابن حزم فقد ذكروا في ترجمته إنّه كان من النواصب ، وأيضاً : يذكرون بترجمته إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجّاج شقيقان ، والاشقى منه من يتّبعه فيما يقول ويستند إلى كلماته وإلى أباطيله ، وليس المجال الآن يسع لأكثر من هذا ، وإلاّ لذكرت لكم بعض أباطيل هذا الرجل ، لذكرت لكم كلامه المقتضي للحكم بكفر هذا الشخص.

إذن ، هذا الاشكال أيضاً يندفع باعتراف كبار أئمّة القوم بتواتر حديث الغدير.

مسألة مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »

عمدة الاشكال : مسألة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى « الأولى ».

يقول الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الإثنا عشرية : بأنّ لفظة مولى لا تجيء بمعنى الأولى بإجماع أهل اللغة.

فهو ينفي مجي المولى بمعنى الأولى ، ويدّعي إجماع أهل

ص: 37

اللغة على هذا النفي.

نقول في الجواب :

أوّلاً : قد لا نستدلّ بالحديث المشتمل على لفظ المولى ، ونستدلّ بالأحاديث الاُخرى التي جاءت بلفظ « الولي » و « الأمير » ونحو ذلك من الألفاظ.

وثانياً : نقول بأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً ، فالألفاظ الاُخرى رافعة للإبهام المدّعى وجوده في هذا اللفظ ، ولا تبقى حينئذ مشكلة.

الجواب الثالث : الآية الكريمة الموجودة في سورة الحديد في القرآن الكريم ، والاحاديث الصحيحة الموجودة حتّى في الصحيحين ، الدالة على مجيء كلمة المولى بمعنى الأولى ، لكنّ الورود في بحث مجيء المولى بمعنى الأولى على ضوء القرآن والحديث والأشعار العربية وغير ذلك يتطلّب وقتاً ، ونحن لا يسعنا أن ندخل في ذلك البحث ، غاية ما هناك نكتفي الآن بذكر أسامي عدّة من كبار علماء اللغة والتفسير والأدب - وهم من أهل السنّة - يصرّحون وينصّون على مجيء مولى بمعنى الأولى ، فمنهم :

1 - أبو زيد الأنصاري ، اللغوي المعروف.

ص: 38

2 - أبو عبيدة البصري معمر بن المثنى.

3 - أبو الحسن الأخفش.

4 - أبو العباس ثعلب.

5 - أبو العباس المبرّد.

6 - أبو إسحاق الزجّاج.

7 - أبو بكر ابن الأنباري.

8 - أبو النصر الجوهري ، صاحب كتاب صحاح اللغة.

9 - جار الله الزمخشري ، صاحب الكشّاف.

10 - الحسين البغوي ، صاحب التفسير وصاحب مصابيح السنّة.

11 - أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.

12 - البيضاوي ، صاحب التفسير المعروف.

13 - النسفي ، صاحب التفسير المعروف.

14 - أبو السعود العمادي ، صاحب التفسير المعروف.

وأيضاً ، ممّن ينصّ على مجيء المولى بمعنى الأولى من العلماء الآخرين الذين سجّلت أسماءهم هنا :

15 - شهاب الدين الخفاجي ، الذي ذكرته لكم.

ص: 39

وأيضاً بعض المحشّين والمعلّقين من كبار العلماء والمدرّسين في تعاليقهم على تفسير البيضاوي.

ويكفي هذا المقدار للجواب عن هذه الشبهة.

إذن ، يتلخص الجواب عن هذه الشبهة بالقرآن الكريم ، فنفس كلمة المولى موجودة فيه وقد فسّرت بالأولى ، في سورة الحديد قوله تعالى : ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي النار ( وَبِئْسَ المَصِيرُ ) (1) يفسّرون الكلمة ب : هي أولى بكم وبئس المصير ، والأحاديث أيضاً كثيرة ، والأشعار العربيّة الفصيحة موجودة ، وكلمات اللغويين أيضاً موجودة.

فارجعوا : إلى كتاب عبقات الأنوار ، ونفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - في قسم حديث الغدير - وارجعوا إلى كتاب الغدير للشيخ الأميني رحمة الله عليه ، التفاصيل موجودة هناك ، ولا أعتقد أنّ من العسير عليكم الحصول على تلك المطالب.

مسألة دلالة حديث الغدير على إمامة علي علیه السلام بعد عثمان :

وإذ رأوا أنْ لا جدوى في هذه المزاعم وفي هذه المناقشات ،

ص: 40


1- 1. سورة الحديد : 15.

رأوا أنْ لا فائدة في إنكار وجود علي في يوم الغدير ، رأوا أنْ لا فائدة في إنكار تواتر حديث الغدير ، رأوا أنْ لا فائدة في إنكار مجيء المولى بمعنى الأولى ، إذن ، يضطرّون لانْ يسلّموا بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كالنبي صلی الله علیه و آله ، لكنّهم لا يريدون أن يعترفوا ، فقالوا : سلّمنا بأنّ الحديث يدلّ على الإمامة ، لكنْ ، لتكنْ الإمامة لعلي بعد عثمان كما هو الحال الواقع ، فالحديث يدلّ على الإمامة ، لكنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أراد إمامته بعد عثمان !! فهم يسلّمون بدلالة حديث الغدير على الإمامة ، لكن يحملون الإمامة على المرتبة الرابعة ، بأنْ يكون علي بعد عثمان ، والشيخان أفضل من عثمان عندهم ، وعثمان أفضل من علي أو لا ؟ فعندهم خلاف ، وبعضهم يفضّل عليّاً على عثمان.

ولكن عندي - وأعتقد بيني وبين ربّي بحسب أحاديثهم - إنّ عثمان أفضل من الشيخين ، هذا ما أعتقده بحسب أحاديثهم ، وهذه دعوى لابدّ من إثباتها في وقت وفي فرصة تسنح لطرح مثل هذا البحث ، وله أثره ، لأنّه في النتيجة ، إذا كان عليّ أفضل من عثمان - كما هو قول عدّة كبيرة من أعلامهم - فيكون عليّ أفضل من الكلّ

ص: 41

بالقطع واليقين.

وعلى كلّ حال ، فيحملون إمامة عليّ التي يدلّ عليها حديث الغدير على الإمامة بعد عثمان.

لكن هذا الحمل :

أوّلاً : يحتاج إلى أدلّة تفيد حقّية ما يذهبون إليه في الإمامة والخلافة بعد رسول الله ، فإنْ أقاموا الدليل على صحة إمامة المشايخ الثلاثة كان حديث الغدير دالاًّ على إمامة عليّ بعدهم ، ولكن لو كان هناك حديث معتبر على معتقدهم لما كان بيننا نزاع ، لو كان هناك حديث يفيد القطع واليقين ويكون متّفقاً عليه بين الطرفين ، لما كان بيننا نزاع.

إذن ، هذه الدعوى أول الكلام ، وهي مصادرة بالمطلوب.

وثانياً : مفاد حديث الغدير إنّ عليّاً أولى بهؤلاء من أنفسهم.

وثالثاً : ماذا يفعلون بالأحاديث الصحيحة الواردة في تهنئة المشايخ لعلي يوم غدير خم ومبايعتهم له بالإمامة والخلافة ، وقد أصبحت كلمة عمر « بخ بخ لك يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » من أشهر الكلمات في العالم ، كما أنّ كلمته « لولا علي لهلك عمر » يعرفها العالم والجاهل ، يعرفها العالي والداني ،

ص: 42

حتّى الصبيان أيضاً ربّما يحفظون هذه الكلمة عن عمر في حقّ عليّ.

وكيف يحمل حديث الغدير على إفادة الإمامة بعد عثمان مع تلك البيعة ؟ وهل بايعوا على أن يكون بعد ثالثهم ؟ وهذا الوجه أيضاً لا يفيد وهم ملتفتون إلى هذا.

مسألة دلالة حديث الغدير على الإمامة الباطنية :

وهل من وجه آخر ؟ قال بعضهم : نعم ، إنّ حديث الغدير يدلّ على إمامة عليّ ، لكنّ الإمامة تنقسم إلى قسمين ، هناك إمامة باطنيّة هي الإمامة في عرف المتصوّفة ، فعليّ إمام المسلمين بعد رسول الله بلا فصل لكن هو إمامٌ في المعنى ، إمام في القضايا المعنوية ، إمام في الأمور الباطنيّة ، والمشايخ الثلاثة هم أئمّة المسلمين في الظاهر ، ولهم الحكومة ولهم الأمر والنهي ، ولهم القول المسموع واليد المبسوطة والكلمة النافذة.

يقولون هذا ، وكأنّه قد فوّض إليهم أمر الإمامة والخلافة وتقسيم الإمامة ، بأن يضعوها بذلك المعنى لعلي وولده ، وبالمعنى الآخر للمشايخ الثلاثة ، ثمّ لمعاوية ثمّ ليزيد ثمّ للمتوكّل ثمّ وثمّ إلى

ص: 43

يومنا هذا !! كأنّ الإمامة أمر يرجع إلى هؤلاء وما تهواه أنفسهم ، بأن يقولوا لعليّ : أنت إمام بمعنى كذا ، وأنت يا فلان إمام بالمعنى الآخر ، وهذا أشبه بالمضحكة ، وإنْ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عجزهم عن الوجه الصحيح المعقول ، والقول المقبول.

( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ) أي ليسوا بمؤمنين ، أي لا يكونوا مؤمنين ( حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1).

( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (2) ( وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ ) (3).

الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

ص: 44


1- 1. سورة النساء : 65.
2- 2. سورة البقرة : 201.
3- 3. سورة الأعراف : 43.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.