بحثا عن النور

اشارة

مولف:علي الكوراني العاملي

بحثا عن النور

في طريقنا الي البقيع عاود رفيقي تكرار سؤاله: ما لي أراك ساكتا متفكراً كأنك في عالم آخر.. هل حدث لك شئ؟! قلت: لم يحدث لي شئ، والظاهر أني لست أهلاً لأن يحدث لي شئ أو أجد ريح يوسف! هل نسيت ياصحبي أنا في مدينة الرسول صلي الله عليه وآله، وأنها مسكن صاحب الأمر أرواحنا فداه! لقد شغل فكري حديث عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة! مسألة بهذه الضخامة، كيف لا تشغل الفكر والحواس؟! نور الله في أرضه وحجته علي عباده.. يسكن في هذا البلد الذي نحن فيه ولا نبحث عنه، أو عن أثارة منه؟ أما قرأت قوله تعالي: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَي نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. يعني أن لنوره عز وجل مركزاً في الأرض، وأنه مثل المشكاة التي يوضع فيها السراج، وأنه تعالي يضرب هذا المثل للناس الساكنين علي الأرض! فأين هي المشكاة، وهذا النور الإلهي والمصباح المتوقد؟ كيف يمكننا أن نقبل أقوال المفسرين بأن الآية التي بعدها: في بيوت أذن الله أن ترفع، لاعلاقة لها بآية النور،

ونغمض عيوننا عن الحديث النبوي الذي نرويه عن أهل البيت عليهم السلام، ويرويه السيوطي والثعلبي بأن هذا النور الالهي دائماً في هذه البيوت، وأنها بيوت الأنبياء والأئمة عليهم السلام؟!

يقول السيوطي في الدر المنثور:5/50:

(وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قال: قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم هذه الآية: في بيوت أذن الله أن ترفع، فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يارسول الله؟ قال: بيوت الأنبياء. فقام اليه أبو بكر فقال: يارسول الله، هذا البيت منها - لبيت علي وفاطمة _؟ قال: نعم من أفاضلها)! انتهي. وكيف نقنع بتفسير المفسرين لهذه البيوت بأنها المساجد، وأن مشكاة نور الله في الأرض هي قناديل المساجد التي يضيؤها الناس بالشمع، والزيت، والنفط، والكهرباء؟! ألا تري أن مطلع الآية: الله نور السماوات والأرض، يمهد للمسألة ويلخصها كلها.. فهو عز وجل نور النور ونور الخلق والفاعليات.. وله في كل عصر نور في الأرض أشبه ما يكون بمصباح في زاوية، يهدي إليه من يشاء.. وهذا هو معني قول أمير المؤمنين عليه السلام إن الله تعالي لا يُخلي أرضه من حجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً. وبعد الزيارة، اقترح صاحبي أن نجلس عند جدار البقيع ونكمل حديثنا عن الإمام المهدي عليه السلام، فجلسنا، وقال: يعني أن الإمام المهدي عليه السلام هو مركز النور الالهي في آية النور؟ قلت: نعم، فإن مقتضي قوله: مثل نوره كمشكاة، أن هذه المشكاة موجودة دائماً في الأرض، لأنه كلام مطلق من حيث الوقت وليس مقيداً بزمان، والحديث النبوي الذي رواه السيوطي صريح في ذلك! قال: يعني تقول إن الأفعال الإلهية في الأرض والناس، تتم بواسطة الإمام المهدي عليه السلام؟! - بل أقول

إن لله مصباحاً في أرضه هو مركز نوره، ولاشك أنه كان متمثلاً بالنبي صلي الله عليه وآله، وكان له دوره في إشعاع النور الالهي، ودوره في فيض العطاء الالهي أكثر من تصورنا العادي.. ثم لاشك في أن هذا المصباح تمثل من بعده بعلي والأئمة من ولده عليهم السلام ضمن الحدود التي أخبر بها رسول الله صلي الله عليه وآله. أما فهمت من سؤال أبي بكر للنبي صلي الله عليه وآله أنه أراد أن يعرف أن بيت علي وفاطمة، الذي يؤكد الرسول دائماً أنه بيته وأن أهله هم أهل بيته، هل هو من بيوت الأنبياء ومراكز النور الإلهي؟ فأجابه النبي صلي الله عليه وآله بأنه ليس فقط واحداً منها بل هو من البيوت المميزة فيها!! أما قرأت سورة القدر وملائكتها المتنزلة في كل عام بكل أمر..؟ أما تأملت في هذا التعميم؟! إن مقام نبينا صلي الله عليه وآله ومقام أئمتنا عليهم السلام ياصاحبي أعظم مما نتصور، وأنواع الأفعال الإلهية أكثر مما نتصور، فمنها مايفعله الله تعالي مباشرة، ومنها مايفعله بواسطة ملائكته وأنبيائه، أو بواسطة من يشاء من خلقه! ولعلنا نستطيع أن نجد أضواء علي أنوع الفعل الإلهي وقوانينه من القرآن من نسبة الفعل الي الله تعالي بصيغة المفرد المتكلم، أو بصيغة الجمع، أو بصيغة الغائب! إن دراسة الأفعال المسندة الي الله تعالي في القرآن، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها، يعطينا أضواء هامة علي أنواع الفعل الإلهي ووسائله.. إنك تشعر أن في صيغ إسناد الفعل الإلهي في القرآن هدفا، وأن وراءها قاعدة.. مثلاً بعض الأفعال أسندها عز وجل الي نفسه بصيغة المفرد المتكلم، وبصيغة جمع المتكلم، وبصيغة المفرد الغائب، مثل: أوحيت، أوحينا، نوحي، أوحي.. وبعضها أسندها بصيغة

جمع المتكلم والغائب فقط ولم يسندها بصيغة المفرد: بشرنا، أرسلنا، صورنا، ورزقنا، بينا..الخ. ولم يقل بشرت أورزقت...الخ. أشعر بأن في الأمر قاعدة، فإن كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب حسابات دقيقة وقواعد دقيقة، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. ولكن استكشافنا للقاعدة في استعمال الفعل سيبقي ظنياً وتخمينياً لأننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه! روي في الإحتجاج أن شخصاً جاء الي أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الإختلاف والتناقص لدخلت في دينكم! فقال له عليه السلام: وما هو؟ فقال: أجد الله يقول: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ، وفي موضع آخر يقول: اللهُ يَتَوَفَّي الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ويقول: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ، وما أشبه ذلك، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت، ومرة للملائكة!.... فقال أمير المؤمنين عليه السلام: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، تبارك وتعالي هو الحي الدائم القائم علي كل نفس بما كسبت، هات أيضاً ما شككت فيه؟ قال: حسبي ماذكرت.. قال عليه السلام:فأما قوله: الله يتوفي الأنفس حين موتها، وقوله: يتوفاكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم... فهو تبارك وتعالي أعظم وأجل من أن يتولي ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفي جل ذكره من الملائكة رسلاً وسفرةً بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم: الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك

الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكل مايأتون به منسوب اليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفي الأنفس علي يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب علي يد من يشاء، وإن فعل أمنائه فعله. قال صاحبي: يعني نعتقد بأن الأنبياء والأئمة عليهم السلام، مضافاً الي دورهم في التبليغ والهداية لهم دور في الفعل الإلهي في الطبيعة والأشخاص والمجتمعات؟ قلت: لا بد لنا من الإعتقاد بذلك لأن الآيات تدل عليه، والأحاديث والسيرة صريحة فيه.. أما حدود هذا الدور وتفاصيله فلا نعرفها، والظاهر أنها من أسرارالله تعالي، فقد بني سبحانه أكثر أفعاله علي الإسرار، حتي أنه قال لنبيه موسي عن الآخرة: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَي كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَي! قال: علي هذا يحق للوهابيين أن يتهموننا بأنا مشركون نجعل الأنبياء والأئمة عليهم السلام شركاء لله تعالي! قلت: تعالي الله عن ذلك.. كيف يجوز لهم أن يتهمونا بذلك بسبب أنا نؤمن بأن لله تعالي مشكاةً ومصباحاً في أرضه هو مَثَلُ نوره ومركز نوره، وأنه يُنزل عليه ملائكته في ليلة القدر من كل سنة! لايحزنك ياصاحبي الذين يرمون المؤمنين بالشرك بدون فهم، واسألهم: إذا ثبت بآية أو حديث صحيح أن الله تعالي يجري قسماً من أفعاله بواسطة ملائكته ورسله وأوليائه، فقبلنا ذلك وآمنا به، هل نكون مشركين؟! أما قرأت قوله تعالي: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ، سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. " يعني: أيها النبي قل لهم: أنا تابع لما يأتيني من ربي، فإذا أخبرني أن له ولداً وأمرني بعبادته فأنا أول العابدين، لكنه تعالي عن ذلك. ونحن نقول:

إذا دلنا الدليل من كتاب الله تعالي أو سنة نبيه صلي الله عليه وآله علي أن الله تعالي يجري بعض أفعاله بواسطتهم، فنحن نسمع ونطيع ونعتقد بذلك، وهو عين التوحيد، ونقول لمن يتهمنا: إفهموا التوحيد قبل أن تتهموا الناس. ولا تضعوا الشروط علي ربكم أن تكون أفعاله مباشرة بدون واسطة، أوتكون بواسطة الملائكة دون غيرهم من البشر والمخلوقات.. أما نحن فنوحده تعالي بدون شروط، ونقبل أفعاله بأي واسطة أجراها، ونعتقد بأن فعل أمنائه هو فعله، علي حد تعبير أمير المؤمنين عليه السلام.. فأي التوحيدين أرقي.. وأعمق؟ لاتهتم ياصاحبي بتهم الذين يفهمون فضلاً عن غيرهم.. وقل لهؤلاء: أولي لكم بدل أن تتهموا المسلمين بالشرك، أن تعالجوا مصيبتكم حيث جعلتم ربكم شاباً أجعد قطط الشعر، يلبس نعلين من ذهب! فقولوا لإمامكم ابن تيمية أن يعرف ربه بدل أن يكفر الآخرين! - وماذا يعمل الإمام المهدي في المدينة، ومع من يعيش؟ - كما يعمل الخضر ويعيش.. أما قرأت قصة موسي والخضر عليهما السلام في القرآن؟ - بلي، وهل يعتقد كل العلماء بأن الخضر عليه السلام مازال حياً يرزق؟ - نعم، فقد وردت الروايات الصحيحة عندنا بأنه ما زال حياً ويقوم بعمله، وثبت ذلك عند أكثر علماء السنة، فقد ذكر في مجموع النووي في مسألة استحباب تعزية أهل الميت بمصابهم، استدلال العلماء علي ذلك بتعزية الخضر عليه السلام لأهل بيت النبي عند وفاته صلي الله عليه وآله. إقرأ قصة الخضر في القرآن لتعرف أنه مأمور من الله تعالي بعمليات خاصة إذا صح التعبير، وأن نبي الله موسي قد رافقه ليوم أو يومين فرأي منه ما لم يستطع عليه صبراً! وقد ورد عن نبينا صلي الله عليه وآله أنه قال:

رحم الله أخي موسي لقد عجل علي العالم، أما إنه لو صبر عليه لرأي منه العجائب! ومعناه أن نبينا رأي هذه العجائب! صلي الله عليه وآله - وماهي هذه العجائب؟ - ياصاحبي إن إدارة الله تعالي وربوبيته لا يظهر منها إلا جزء واحد، فهي تشبه كرة الثلح في الماء تسعة أعشارها لاتري! وكل مرحلة باطنة من إدارته عز وجل أعجب من التي قبلها وأصعب فهماً، لأنها تتم بقوانين ووسائل أعمق من التي قبلها! وما أدري أين هو موقع نبينا وآله صلي الله عليه وآله من هذه المراحل، لكن أدري أنهم نور الله في أرضه يجري علي أيديهم ما يشاء من أفعال. - يعني مثل الرزق والموت والحياة؟ - وما المانع من ذلك؟ هل تريد أن تمنع الله تعالي من أن يوكل أحداً بفعل من أفعاله! أو تمنع عطاءه لأنبيائه عليهم السلام! ما المانع من أن يأمرهم الله تعالي بشئ من ذلك ويعطيهم القدرة عليه، فيفعلونه بأمره وإذنه، لابأمرهم وقدرتهم، فإنما هم عباد مخلوقون ليس لهم من الأمر شئ، لكنهم أيضاً عبادٌ مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. - وهل يوجد الآن غير الخضر والإمام المهدي عليهما السلام مأمورون بهذا النوع من العمليات الخاصة؟ - لاتضع قيوداً علي فعل ربك: وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً! تقول بعض الروايات: قال موسي عليه السلام: بينا أنا والخضر علي شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمي بها نحو المشرق، وأخذ منه ثانية ورمي بها نحوالمغرب، ثم أخذ ثالثة ورمي بها نحو السماء، ثم أخذ رابعة ورمي بها نحو الأرض، ثم أخذ خامسة وألقاها في البحر، فبهتُّ أنا والخضر

من ذلك وسألته عنه؟ فقال: لا أعلم. فبينا نحن كذلك وإذا بصياد يعمل في البحر فنظر إلينا وقال: ما لي أراكما في فكرة من أمر هذا الطائر؟ قلنا له: هو ذاك. فقال: أنا رجل صياد وقد علمت إشارته، وأنتما نبيان لاتعلمان؟! فقلنا: ما نعلم إلا ما علمنا! من هذه الرواية نعرف أن لله تعالي أولياء معتمدين متعددين يجري مايريده من أفعال بواسطتهم، لكن يبقي للإمام المهدي عليه السلام موقعه المميز في جنود الله تعالي وأوليائه. - تقصد أن الإمام المهدي أفضل من الخضر عليهما السلام ومن ذلك الصياد؟ نبينا صلي الله عليه وآله أعلم من الخضر لأنه أعلم الأنبياء وأفضلهم علي الإطلاق والأئمة عليهم السلام من عترته أوصياؤه وورثة علمه عليهم السلام، وطبيعي أن يتناسب علم الوصي النائب مع علم الموصي المنوب عنه، فإذا كان ابراهيم عليه السلام أعلم من الأنبياء الذين قبله وأفضل منهم عليهم السلام، فلا بد أن يكون أوصياؤه أعلم من أوصياء الأنبياء قبلهم عليهم السلام. ولهذا فإن أئمتنا أفضل الأوصياء وأعلمهم علي الإطلاق.. فهل تعجب أن يكونوا أعلم من الخضر عليهم السلام. أسألك يا مرتضي: هل تعتقد بصدق النبي صلي الله عليه وآله وعصمته، يعني إذا أخبرنا النبي صلي الله عليه وآله عن مقامه ومقام أهل بيته عن الله تعالي، فهل تعتقد أن إخباره صحيح مشمول لقوله تعالي عن نبيه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي إن هو إِلا وَحْيٌ يوحي؟ أم تتهم النبي صلي الله عليه وآله كما قال الذين في قلوبهم مرض: إنه بشر يتكلم في الرضا والغضب، وقد يمدح فيخطئ أو يذم فيخطئ! - معاذ الله أن أقول ذلك، بل أقول إنه في كل كلامه صادقٌ، مؤيدٌ من ربه، لا

ينطق عن الهوي. - إذن ليكن معلوماً عندك أن النصوص الثابتة القطعية تقول إن مسألة النبي وأهل بيته صلي الله عليه وآله مسألة مميزة من الأساس، وأن الله تعالي قد خلق نور محمد وأهل بيته عليهم السلام قبل أن يخلق آدم وينفخ فيه من روحه! كنت رأيت هذه النصوص في مصادرنا، ثم رأيتها في مصادر إخواننا السنة، وحتي في مؤلفات بعض المؤلفين الذين يقللون من أهمية أهل البيت عليهم السلام ما وجدوا الي ذلك سبيلاً! وأخيراً قرأت ذلك عند المسعودي في مقدمة تاريخه مروج الذهب، وهو مؤرخ سني، وقد تحدث علي عادة المؤرخين عن بداية خلق العالم، وأورد حديث خلق النور المحمدي قبل خلق آدم، مما يدل علي أن هذه النصوص كانت معروفة عند المؤرخين أيضاً! قال المسعودي:1/32: (فهذا ما روي عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرأ البرية وإبداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته، فأتاح نوراً من نوره فلمع، ونزع قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لايشكل عليهم دقيق ولايعييهم خفي، وأجعلهم حجتي علي بريتي، والمنبهين علي قدرتي ووحدانيتي. ثم أخذ الله

الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية، فبعد أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمداً وآله، وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل، وليكون الإعذار متقدماً، ثم أخفي الله الخليقة في غيبه وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء وأثارالزبد وأهاج الدخان فطفا عرشه علي الماء فسطح الأرض علي ظهر الماء، وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء، ثم استجلبهما إلي الطاعة فأذعنتا بالإستجابة، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلي الله عليه وسلم، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماءالأشياء، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلةً أسجدَ إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم علي مستودعه وكشف له خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالي يخبئ النور تحت الزمان إلي أن فضل محمداً صلي الله عليه وسلم في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سراً وإعلاناً، واستدعي عليه السلام التنبيه علي العهد الذي قدمه إلي الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدي إلي سره، واستبان واضح أمره، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط. ثم انتقل النور إلي غرائزنا ولمع في أئمتنا فنحن أنوارالسماء وأنوار الأرض، فبنا النجاء ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا،

وقبض علي عروتنا). انتهي. (وشبيه به في تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي/128!). إسمع يامرتضي: إن الله تعالي يقول: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. ويقول عن الخضر: فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، ولكن هل تعتقد أن الله تعالي أعطي الخضر وآل ابراهيم أكثر مما أعطي محمداً وآل محمد؟ كلا، ولكنه تعالي لم يذكر ذلك في القرآن لأن أمة النبي صلي الله عليه وآله لاتتحمل تفضيل محمد وعترته الي يوم القيامة! وقد رأينا أنهم عاملو أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله بأسوأ ماعاملت فئة تطلب السلطة أسرة نبيها من بعده!! إن الخضر عليه السلام مكلف بما يؤمر به من علم الباطن، وموسي عليه السلام مكلف بما يؤمر به من علم الظاهر، ونبينا وأئمتنا عليهم السلام مكلفون بما يؤمرون به من علم الظاهر والباطن! قال: وهل يعقل أن يكون إنسان واحد مكلفاً بعلم الظاهر والباطن معاً؟! فنحننري أن علم الظاهر والباطن لم يستطيعا أن يتعايشا معاً لمدة قصيرة في قصة موسي والخضر، حتي قال له الخضر: هذا فراق بيني وبينك! - أسألك يا أخ مرتضي: هل يمكن أن يكون في جيبك مال وتحتاج الي إنفاقه ولاتنفقه؟ - نعم يمكن، ولكن هل هذا مثل أن يعلم الإنسان علم الباطن ولكنه يعمل بعلم الظاهر؟ - نعم هذا شبيه به، ولكن أسألك سؤالا آخر: هل يمكنك أن تكون علي علم بأن صديقك فلاناً سوف يموت في هذه السنة ولا ترتب علي علمك بذلك أثراً أبداً؟ وهل يمكنك أن تصبر علي عداوة عدوك، وأنت تستطيع أن تدعو الله عليه فيستجيب دعاءك

ويهلكه؟ قصدي من هذه الأسئلة أنك إذا ملكت وسائل وأسباباً غير عادية، أو قدرة علي صنع المعجزة، هل تستطيع أن تعيش بالأسباب العادية والقوانين الطبيعية؟ - لا أظن أني أستطيع ذلك، ولذا أقول إنه لايمكن للإنسان أن يجمع بين علم الباطن، والعمل بعلم الظاهر، أما نبينا وأهل بيته صلي الله عليه وآله فيمكنهم ذلك بمعونة الله تعالي وعصمته، وهذا هو الفرق بينهم وبيننا!! قم بنا يا صاحبي فقد طال بنا الجلوس.. ومن ذلك اليوم لم يعفني صاحبي من أسئلته واستفهاماته عن مكانة الإمام المهدي عليه السلام عند الله تعالي، وعن معيشته وعمله.. وكأن ذلك صار شغله الشاغل! وصار الجلوس عند جدار البقيع لمدة طويلة محبباً اليه!..كان يجلس طويلاً متفكراً أو يقرأ القرآن.. أو يذكر الله تعالي.. رأيته يوماً جالساً هناك.. فجلست اليه وقلت له: حدثني يامرتضي عن عالمك، بماذا تفكر؟ - بل أنت حدثني عن تنزل الملائكة في ليلة القدر وما هو البرنامج الذي يأتون به الي صاحب الأمر روحي فداه؟ - وما علمي بذلك يا مرتضي.. الذي أعرفه من ذلك قوله تعالي: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، وقد ورد في الرواية أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلي الله عليه وآله لماذا يرقُّ قلبه عندما يقرأ هذه السورة أكثر مما يرق لغيرها؟ فأعاد النبي قرائتها حتي وصل الي قوله تعالي: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. ثم قال لعمر: وهل بقي بعد هذا شئ، قال: كلا! هذا الحديث يدل علي تنوع الأوامر والأمور النازلة في ليلة القدر علي قلب رسول الله صلي الله عليه وآله أو علي قلب حجة الله في أرضه عليه السلام! وقد وردت روايات عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام تؤكد

هذا المعني وتذكر بعض التفاصيل. - إنها مسألة كبيرة، وقد وصلت الي أن ترك التفكير فيها أولي، أليس كذلك؟ - التفكير يوصلنا الي معرفة أشياء كثيرة، ولكن ما ينزل في ليلة القدر لايمكن معرفته بالتفكير فيه، ولا نحن مكلفون بذلك.. إنما يجب علينا أن نؤمن بقوله تعالي: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، علي عمومه وإجماله. قال مرتضي: فكرت في هؤلاء الثلاثين الذين يلتقي بهم صاحب الأمر روحي فداه، فوصلت الي أنه قد يعطي كل واحد منهم قسماً من برنامج السنة ويأمره بتنفيذه، أليس كذلك؟ - هذا محتمل، كما يحتمل أن تنزل طريقة تنفيذ البرنامج معه، فلا يمكننا أن نعرف بالتفكير طريقة عمل الإمام المهدي أرواحنا فداه. - كذلك فكرت في قصة الخضر في القرآن فرأيت أن محور أعماله هو مساعدة المؤمنين وخدمتهم في أمور معيشتهم مثل أصحاب السفينة الذين خلص سفينتهم من المصادرة، والغلامين اللذين حفظ لهما كنزهما، أو دفع الضرر والضلال عنهم مثل والدي الغلام الشرير. كما فهمت من قصة الخضر عليه السلام أنه شخص متجول وليس مقيماً في مكان واحد! فقد ركب في السفينة وقصد قرية واحدة أو عدة قري، وكان له في كل مكان هدف وعمل. وعلي هذا يمكن أن نقول بأن أعمال صاحب الأمر وجماعته روحي فداهم تدور حول خدمة المؤمنين مادياً ومعنوياً، وأنهم متحركون لا يقيمون في مكان واحد. - نعم هو كذلك، وقد ورد في كنز الغلامين أنه كان لوحاً من ذهب مكتوب عليه العلم والحكمة، فتكون خدمه الخضر لهما خدمة في أمر معيشتهما وفي هدايتهما معاً. - إذن مامعني الرواية التي تقول إنهم يقيمون في المدينة المنورة؟! - المدينة مقر إقامتهم، ولا يمنع ذلك

من تحركهم وتجولهم. وتركت صاحبي جالساً عند جدار البقيع، يتأمل ويتمتم بذكر الله تعالي.. جاءني مرتضي يوماً الي مسجد النبي صلي الله عليه وآله وقال باهتمام: أرجوك أن تأتي معي بعد ظهر اليوم الي المسجد، فقد صادفت رجلاً ورأيت منه أمراً عجيباً، ودعوته لزيارتنا فلم يقبل وقال لي: إذا أردت أن ترانص أنت وصاحبك فلان وسماك باسمك، فأنا بعد الظهر في الساعة الفلانية في الموضع الفلاني من المسجد.. أرجوك يا سيدي أن تذهب معي الي ملاقاته. - وما ذا رأيت منه؟ - كنت جالساً عند جدار البقيع فوقف عليَّ وقال: يا مرتضي لا تتعب نفسك بالتفكير فيما لم تكلف به، ولا تتعب نفسك في البحث عن أولياء الله تعالي، فإن كان مقسوماً لك أن تري منهم أحداً فإنك ستراه. قلت له: أشكرك أيها الأخ، ولكن من أين عرفت إسمي؟ قال: أخبرني به شخص في المسجد وأمرني أن أقول لك: لا صوم للمسافر في المدينة أكثر من ثلاثة أيام، وليس من العبادة مافعلته من ترك الطعام والشراب! قلت لمرتضي: وهل كنت تركت الطعام والشراب؟ قال: نعم، كنت صمت ثلاثة أيام، ثم أمسكت يومين عن الطعام والشراب إلا يسيراً جداً. - ثم ماذا رأيت من الرجل؟ أخبرني بأمور مرت عليَّ في حياتي وبعضها لايعلمها إلا الله تعالي، وأخبرني عن بعض ما سيحدث لي، وعن مقدار ما بقي من عمري! أنا مطمئن بأنه صادق، وقد سألته هل يمكنني أن أخبر أحداً بحديثه معي فسمي لي شخصين أنت أحدهما! بقيت أفكر في أمر مرتضي مع هذا الرجل.. وقلت في نفسي: أرجو أن لايكون مرتضي من الذين يؤثر عليهم شدة الخيال والرغبة في وقوع الشئ الي درجة أنهم يتصورون أن

ما يتخيلونه قد وقع وتحقق! إن مرتضي سليم البدن والحواس، وذهنه سليم أيضاً بعيد عن الإغراق والتخيل، بل يبدو أنه بطئ التصديق بالكرامات والغيبيات كأمثاله من المثقفين الموظفين. لكن مجرد احتمال أن يكون الأمر صحيحاً أمر مهم، وسوف أمتحن الرجل برسالة أبعثها معه الي صاحب الأمر روحي فداه! وذهبت مع مرتضي في موعدنا، وقصد المكان المحدد في المسجد فتفحص الوجوه حتي رآه ففرح بذلك وقال: هذا هو، مشيراً الي رجل يقرأ القرآن كأنه من أهل اليمن، وأسرع إليه وتبعته فجلس أمامه علي ركبيته وسلم عليه، فنظر إلينا الرجل وقال: وعليك السلام يامرتضي، وعلي صاحبك فلان، وسماني. وأشار لنا بالجلوس فجلسنا الي جانبه فقال له مرتضي: - هل تأذن لنا بالسؤال؟ قال اليماني: تفضل يا مرتضي سل عما يعنيك ودع مالا يعنيك. قال مرتضي: هل يمكنك أن تخدمني خدمة وأكون لك مديناً كل حياتي؟ - ما هي؟ - أن تأخذني الي لقاء سيدي ومولاي صاحب الأمر روحي فداه. فانتفض الرجل قائلاً: إنك يا مرتضي تطمع في أمر عظيم، وتسألني مالا أملكه. لاتذهب بك المذاهب فتظن أن لي مقاماً عند صاحب الأمر روحي فداه، فإنما أنا رجل عادي أحضر في بعض مجالس المؤمنين، وقد كلفني أحدهم أن أذهب اليك عند جدار البقيع وأن أبلغك مابلغتك، وذكر لي اسم صاحبك هذا. قال له مرتضي: يعني أنت لم تتشرف برؤيته روحي فداه؟ فانحدرت دموع اليماني وتحشرج صوته، وقال: يامرتضي، ليس كل من تشرف برؤيته صار من أصحابه وصار بإمكانه أن يأخذ الآخرين الي ملاقاته! لاتهونوا من مقامه روحي فداه، ولا تتصوروا أن أصحابه من أمثالي إن أصحابه أولياء الله الكبار أهل الإيمان واليقين والبصيرة، الذين أخلصوا دينهم وعملهم لله

تعالي فأخلصهم لعبادته وخدمة حجته، وأنا لا أبلغ أن أكون منهم، إنما أنا رجل عادي أجلس مع أصدقاء كلهم أعلم مني وأتقي، وربما كلفني أحدهم بإبلاغ رسالة أو عمل، فأقوم بما أمرت به. قال له مرتضي: يعني تنصحني أن لا أحاول التشرف بلقائه روحي فداه؟ قال اليماني: لا أنصحك بهذا، لكن أنصح نفسي وأنصحك بأن نكون من أصحاب اليقين والطاعة. قال مرتضي: أرجوك أن تحدثني عن مولاي وعن أصحابه. فقال: نعم، إن الله عزوجل لا يترك أرضه بدون حجة علي عباده، وإن حجة الله في أرضه مقام عظيم، وإن سيدي ومولاي روحي فداه خاتم الحجج وخاتم الأوصياء، أقرب أهل الأرض الي الله عز وجل وأعلمهم به وأطوعهم له، وأشبه الناس بجده خاتم النبيين صلي الله عليه وآله في خلقه وخلقه ومنطقه، لاينطق عن الهوي ولا يعمل إلا بالهدي، ولا يختار لصحبته ومعونته علي أمره إلا بتسديد ربه، فأصحابه أهل اليقين والتقوي والبصيرة في الدين والدنيا، كل واحد منهم ميسر لما خلق له ومشغول بما أمر به، يعي ما يأمره به مولاه ويفهم إشارته، ويدرك هدفه، ويفديه بروحه، لا يبتغون بعلمهم ومقامهم شيئاً من حطام الدنيا ولا مقامها، إلا رضا سيدهم عنهم ورضا ربهم برضاه. أولئك أمناء الله علي سره، ومنفذوا إرادته في عباده، وثمرات بني آدم في كل عصر. قال مرتضي: ما هي أحسن صفة تعجبك فيهم؟ قال اليماني: أكثر ماينفعك من صفاتهم: توكلهم علي الله تعالي ويقينهم بأمره، فتراهم لا يشغلون أنفسهم بما لم يكلفوا به ويحصرون همهم فيما أمروا به أو نهوا عنه. قال مرتضي: الآن فهمت معني كلامك لي عند البقيع: أترك عنك لزوم ما لا يلزم، وماكان من عمل الله تعالي

فدع عنك همه، وما كان من عمل الناس فدع لربك حسابه، واحصر همك فيما جعله الله عليك! قال مرتضي: أسألك يا سيدي بحق مولاي ومولاك إلا دعوت لي الله تعالي أن يعينني علي نفسي وطلبت لي من مولاي الدعاء؟ قال اليماني: أفعل إن شاء الله. ونهض الرجل مودعاً وغادر المكان، وبقيت أنا ومرتضي كأنما تسمرنا في مكاننا، ينظر أحدنا في وجه صاحبه، ثم نطرق مع أنفسنا، أو تنحدر من عيوننا الدموع! قلت لصاحبي: قم يا مرتضي لنجلس في مكانك المحبب عند جدار البقيع ونتحدث فيما جري! قال: ألا نلحق بالرجل، فلعلنا نجده. قلت: لاتجده، ولا أظننا نراه بعد اليوم. قم ياصاحبي، فهذا كثير علينا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.