العصمة

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

خلق الله الإنسان بطريقة يكون مستعداً من خلالها لقبول الحق ونداءاته والتفاعل معها، وهذه الأهلية تساعد علي نشوء علاقة مع الغيب، يتقبل بواسطتها الهداية وبالتالي يُؤمن ارتباطه بسبل الهداية المتوفرة. ومنذ البدء كان الإنسان يسعي بفطرته نحو الكمال المطلوب الذي قُدر أن يتحقق بفعل الارادة الحرة المودعة فيه، والتي ارتقي بواستطها علي باقي المخلوقات مما أهلته لحمل الأمانة السماوية، ولهذا فهو المخلوق الوحيد الذي تحمّل مسؤولية أفعاله حين لا تكون موافقة لخط الهداية والاستقامة فكراً وسلوكاً كما خطتها يد السماء. ولكن يثور في المناسبة سؤالٌ مفاده: ماهو السبيل الذي يوفر لنا الحصول علي تلك المعارف والعلوم التي تكفل للإنسان بأن يميّز طريق الهداية الحقّة ويفرق بين هذا العمل وكونه صالحاً أو غير صالح؟ لتدخل الارادة في خطوة لاحقة فتحرك ماهو نظري ذهني الي واقع عملي مشهود؟ التسليم بوجود عقبات تحول دون الهداية من جهة، ودور العلوم والمعارف الإلهية والقيم التي تؤدي الي وعي الإنسان بالهداية من جهة ثانية يدعونا للبحث عن معرفة الطريق الذي يوفر المعارف للإنسان. فالحل يأتي من جهة اللطف الإلهي الذي يقوم بربط الإنسان بالغيب ليقيه مزالق الانحراف والظلالة والشرك _ لذا وصف اللطف الإلهي بأ نّه أشبه بمن دعا شخصاً الي طعام وهو يعلم أنه لا يجيبه إلاّ إذا استعمل نوعاً من التأدب، فإذا لم يفعل الإنسان المضيف هذا الاُسلوب كان نقضاً لهدفه وغرضه من الدعوي _ فتأتي النبوة منه سبحانه تحمل خطابه وتعرف الإنسان معني العدالة والكمال المنشود. النسق الإسلامي في معارفه الربّانية لا يقبل التجزئة والتفكيك، فرسله الذين يبلغون عنه أوامره وينقلون للناس صفاته قد تخلقوا بأخلاق الله واتّصفوا بالعدل وانهم صفوة الناس. قال تعالي:

(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ - ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم) [1] . فالمصطفون هم الذين تحمّلوا مسؤولية البلاغ الإلهي وهم ورثة العلوم الإلهية. فسنّة الله في الهداية إرسال الرسل الذين هم موضع ثقة الله، فهذا التأسيس القرآني الكاشف عن الإرادة والاختيار الإلهي في صفة الرسل، لا تخالفه الرسالة الإسلامية: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [2] فخاتم الرسالات والمصدق لها، لا يغش الناس ويغطي عليهم الحقائق الإلهية، فيلبس الحق بالباطل هذا من جهة، ومن جهة اُخري فهو الحريص لأن يطبق خطاب السماء القاضي بأنّ السلطة العقيدية والقيادة السياسية تمنح لمن اصطفي من خلقه، ولهذا جاء صريح الوحي: (وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ...) [3] . وهذا التأسيس الثاني قد عمل فيه نبي الإسلام وجسّده، فيما كان يخطط لمستقبل الرسالة في غدير خم وغيرها من الأحداث، لتعي الاُمة بأن الولاية كالنبوة، إلاّ أن الإمام لا يوحي اليه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أ نّه لا نبي بعدي» [4] . فالنبوّة كما أرادها تتصف باُمور وشروط، ومنها العصمة، فإذا كانت العصمة شرطاً في النبوة فهل ياتري هي شرط في الإمامة أيضاً، ولماذا؟ ثم ماهي حدود العصمة عند النبي أو الإمام، وبالتالي ماهي ضروراتها؟ وهل هناك أدلة نقلية تثبتها في الإمامة بشكل خاص بعد الاتفاق علي وجودها في النبي؟ كل هذه الاُمور وغيرها سنسلط الضوء عليها في فقرات لاحقة من هذا البحث إن شاء الله. وقبل الدخول في تفصيلات بحث العصمة نري من اللازم تحرير محل النزاع في مسألة موقع الإمامة لندرك بعد ذلك أن العصمة وغيرها تدخل كشرط فيها، وبالتالي سيكون الكلام في ضرورتها في النبوة

يعني ضرورتها في الإمامة وهكذا الحديث في حدودها وفائدتها.

العصمة لغة واصطلاحا

ذكرت للعصمة لغة عدة معاني متقاربة منها: 1 _ المنع [5] : يقال: عَصَمه الطعامُ، أي منعه من الجوع. 2 _ الالتجاء: اعتصم به فلان أي التجأ إليه، واستعصم تحري ما يعصمه [6] . 3 _ العصم: الامساك والاعتصام والاستمساك، وإنّ العاصم والمعصوم يتلازمان فأيّهما حصل حصل معه الآخر [7] . أما الاصطلاح فقد اختلف المعرفون لها تبعاً للمدارس الكلامية، فعلماء مدرسة أهل البيت قد اشتركوا في تعريفها عند نقطة واحدة وهي أن نفوس المعصومين تأبي الانصراف الي الذنوب وترفض الخضوع للخطايا والشهوات، أما المدارس الاُخري فاختلفت في هذه المسألة، فمنهم من قال بجواز الكبيرة علي النبي قبل البعثة فقط، ومنهم من وسّعها فقال بجواز الكبيرة للنبي قبل البعثة وبعدها، وما الي ذلك من الآراء. وفيما يلي نسلط الضوء علي معناها عند المدرستين لننتهي من خلال فقرات البحث الي أيّهما أقرب الي مفهوم الرسالة عن العصمة.

نقطة الخلاف عند تناول الإمامة في المدرستين

اشاره

الإمامة والخلافة في المدرسة السنّية اتجهت نحو محور واحد، تركّز في أن الإمام والخليفة بعد الرسول(صلي الله عليه وآله) يعني هو القائد والزعيم السياسي، الذي يتولي إدارة شؤون النظام الإسلامي بعد وفاة النبي(صلي الله عليه وآله). وعلي هذا الأساس لا تري هذه المدرسة داعياً لأن يكون هذا القائد بنص وتعيين من قبل الله وبيان الرسول(صلي الله عليه وآله)،بل الأمر متروك للاُمة حيث تنصب من تختاره وتجده أهلاً للقيام بهذه المهمة. لأن دور الإمام والخليفة في نظر هذه المدرسة لا يتعدي مهمة القيادة السياسية وزعامة الاُمة في هذه الحدود، فمن المنطقي أن تكون الطريقة لنصب الخليفة إما وفق نظرية الشوري، أو أهل الحل والعقد، أو بالوراثة. بقي أن نعرف ماهي الشروط التي لابد من توفرها في هذا الشخص المرشّح

للخلافة السياسية بعد الرسول(صلي الله عليه وآله)؟ إنّ الشروط التي لابد أن تتوفر في الخليفة المنتخب يمكن التوصل إليها انطلاقاً من نفس الرؤية التي تري الإمامة والخلافة بعد الرسول زعامة وقيادة سياسية فحسب، وعليه فيكفي أن تتوفر العدالة في هذا الإنسان من الناحية السلوكية، بالمعني المتداول مع شرط العلمية المتعارفة، ولا يشترط فيه العصمة والعلم الممنوح، فيكفي إذاً أن تتوفّر فيه قدرة ترفعه الي مستوي أداء المسؤوليات في النظام الإسلامي. ومحصل رأي المدرسة السنيّة في الإمامة والخلافة هو أنها لا تتعدي كونها قيادة سياسية، وأن شرعية التصدي لها يتم عن طريق الانتخاب والشوري أو الاستيلاء بالقوة أو الوراثة أو الوصية، كما هو واضح من تطبيقاتها العملية المضطربة بعد الرسول(صلي الله عليه وآله)، وشرطها العدالة والعلم بالمعني المتعارف. ولهذا ذهب البعض يتساءل عن ضرورة وجود إمام غائب أو ضرورة أن يكون معصوماً، أو ضرورة تعيينه بنص الرسول(صلي الله عليه وآله). أما مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) فقد اتجهت في تقويم الإمامة والخلافة بعد الرسول(صلي الله عليه وآله)الي أنها مهمة إلهية، كمهمة الرسول ومستمرة حتي نهاية الأرض، فاشترطت العصمة فيها حتي قبل البلوغ بالإضافة للعلم غير المكتسب، والنص الذي يمثل القيمة الشرعية للإمام. ولهذا كانت المدرسة السنيّة لا تري لهذه الشروط التي لابد من توفرها في الإمام والخليفة معنيً، وغير منسجمة مع المسؤولية التي يتكفّل بأدائها الخليفة، فالشروط هنا أوسع وأضخم من مهمة الزعامة السياسية. هذه هي العقدة ونقطة الخلاف التي تفسر لنا الاضطراب في فهم الإمامة والتشكيك في مسألة العصمة أو المسوّغ لضرورة النص. لكن الصحيح أن الإمامة في ضوء الكتاب والسنّة، كما هو ثابت في محلّه تتعدي هذا الفهم ولها بُعد يختلف جوهرياً عن الفهم السطحي

للإمامة الإلهية بعد النبوة. فمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) تعتقد أن دور الإمام هو المرجعية الدينية، أو أن مهمته التشريعية تمتد الي أبعاد مختلفة في العقائد والأحكام والأخلاق والقيادة، لذا وجبت طاعته ووجب اتّباعه والأخذ منه، ولهذا تكون أقوال الإمام المعصوم وأفعاله وتقريراته، حجة شرعية منجزة ومعذرة كحجية الرسول(صلي الله عليه وآله). من هنا لزم أن يكون الإمام معصوماً كعصمة الرسول(صلي الله عليه وآله)، وضرورتها في شخصه في التلقي والتبليغ، ويتضح من هذا أن العصمة بهذا المعني ليست شرطاً لمهمة القيادة السياسية فقط. يضاف أن مهمة الإمامة تستوجب أن يكون الإمام عالماً بما يحتاج إليه الناس، في اُمور معاشهم ومعادهم. ولابد أن يكون أفضل من علي وجه الأرض في زمانه، كي يتأتي له أداء مسؤوليته. والشيعة تعتقد بأنّ الرسول ليس له دور مستقل في تعيين الخليفة، بل يتم نصبه والنص عليه بأمر من الله، لأن الغاية من الإمامة وملاكها مرتبط بموضوع ختم النبوة واستمرار الهداية الربّانية علي طول الخط، والحكمة من ختم النبوة، مرتبطة بتعيين الإمام المعصوم، والإمام هو الذي سيتكفل بتوفير المصالح الضرورية للاُمة الإسلامية بعد الرسول. إذاً، فالإمامة قيمتها عقائدية لا كحكم فقهي فرعي، وهذه النكتة هي التي تجعل شروط الإمامة بهذه الضخامة والسعة، وانّها تتجاوز شروط القيادة السياسية. فإذا كانت مهمة الإمامة تتسع لمهمة أكبر من القيادة السياسية، استلزم أن تكون العصمة أحد شروطها كما هي في النبوة.

المدارس الاخري

اصحاب الحديث

يقول أصحاب الحديث بجواز الكبائر علي الأنبياء قبل النبوة، وقال البعض منهم بجواز الذنوب حال النبوة باستثناء الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة. ومنهم من قال بجواز الذنوب حتي حال النبوة بشرط أن يكون الذنب في السرّ دون العلانية. ومن أصحاب هذا الاتجاه مَن يذهب

الي جواز الذنوب في كل الأحوال.

المعتزلة

واختلف المعتزلة في مسألة العصمة وحدودها الي عدة آراء: الأول:قالوا: إنّ وقت العصمة يبدأ من حين بلوغ المعصوم، ولا يجوز عليه الكفر والكبيرة قبل النبوة، ويجوز عليهم الصغائر، إلاّ الصغائر الخسيسة المتفردة كسرقة حبة أو لقمة، وكل ما ينسب فاعله الي الدناءة والضعة. الثاني: قالوا لا يجوز أن يأتي المعصوم بصغيرة ولا كبيرة علي جهة العمد، لكن يجوز علي جهة التأويل أو السهو. الثالث: قالوا لا يقع من المعصوم ذنب إلا علي جهة السهو والخطأ، لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهواً وإن كان موضوعاً من اُممهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم. الرابع: لا تقع الكبائر ولا حتي الصغائر المستخفة من الأنبياء قبل النبوة وفي حالها.

الاشاعرة

قالوا كل ذنب دق أو جل فإنّه جائز علي الرسل، فإنّ الأنبياء معصومون في زمان النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد، أما علي سبيل السهو فهو جائز. وقالوا: بجواز صدور المعصية من النبي قبل النبوة. وعرّفها البعض منهم بأنّها: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها [8] . ومنهم من قال: تعني أن لا يخلق الله في العبد الذنب [9] . فتعريف الأشاعرة علي أنه سبحانه لا يخلق في المعصومين الذنوب يفهم منه أن خلق الذنب في غير المعصومين جائز علي الله، وممكن في حقّه وهذا يعني نسبة العمل القبيح الي الله تعالي، وفي اعتقادنا أن المولي لا يصدر منه إلاّ الحسن ولا يفيض منه إلاّ الكمال، فالله لا يخلق الذنوب في أحد من العباد فضلاً عن المعصومين. وذهب أصحاب الحديث والمعتزلة معاً الي جواز الكبيرة والصغيرة في الإمام، لكنهم قالوا: إن الكبيرة تفسد إمامته، ويجب عزله والاستبدال به. وبعد أن اتّضح مفهوم العصمة وحدّها عند المدرستين نشرع في تناول باقي الفقرات،

والتي بها نأمل أن يتأطّر المفهوم الإسلامي للعصمة من خلال رؤية مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).

مدرسة أهل البيت

قال الشيخ المفيد: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف، بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها [10] . وقال السيد المرتضي: العصمة ما يمتنع عنده المكلف عن فعل القبيح والاخلال بالواجب، ولولاه لم يمتنع عن ذلك، ومع تمكينه في الحالين، الأمر الذي يفعل الله تعالي بالعبد، وعلم أنه لا يقدم مع ذلك الأمر علي المعصية بشرط أن لا ينهي فعل ذلك الأمر لأحد الي الالجاء [11] ، وعرفها في الرسائل فقال: هي اللطف الذي يفعله تعالي فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح [12] . وقال الشيخ الطوسي: إنّها الملكة النفسانية الحاصلة للأنبياء والأئمة(عليهم السلام) في تتابع الوحي وتصور الفجور ورذالة الموبقات وخسّتها، وإنّها القوة العقلية والطاقة النفسية في المعصوم الحاصلتان من أسباب اختيارية وغير اختيارية [13] . وقال العلامة الحلي: ذهبت الإمامية كافة الي أن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر، منزّهون عن المعاصي، قبل النبوة وبعدها، علي سبيل العمد والنسيان وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل علي الخسة والضعة، وخالفت المذاهب الاُخري كافة في ذلك وجوّزوا عليهم المعاصي وبعضهم جوّزوا الكفر قبل النبوة وبعدها، وجوّزوا عليهم السهو والغلط [14] . وعرّفها الشيخ المظفر بأنّها: التنزّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها وعن الخطأ والنسيان [15] .

ضرورات العصمة

وضرورة العصمة في النبوة تتجلي من خلال معرفة الأدوار والمهام الإلهية التي جاء بها الأنبياء، وقد بيّن القرآن الكريم تلك المهام والمعالم والأهداف بما يلي: 1 _ الدعوة الي التوحيد: سعي الأنبياء(عليهم السلام) الي تحرير الناس من كل ألوان العبوديات، واخلاص عبوديتهم لله ومن أجل تحقيق هذه المهمة والارتقاء بالناس الي مستوي فهم الكمال والعبودية بمختلف صورها، وقد تعرضوا لشتي أنواع العذاب والاضطهاد، قال تعالي: (وَلَقَدْ

بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) [16] ، وواضح أن أمر العبادة لم يكن أمراً يسيراً، لأنه المحور الذي تتفرع عنه أنشطه الحياة وهي الراية التي نشب الصراع حولها منذ خُلق الإنسان. 2 _ حمل الرسالة وإيصالها للناس: يقوم الانبياء(عليهم السلام)بايصال الرسالة، والنصائح الإلهية للبشرية، لتوقف إدراك المصالح والمفاسد علي الرسالة ووضوحها، ولهذا مارس الأنبياء دورهم في بيان عجز البشرية عن إدراك العدالة ومعرفة الهداية بأنفسهم مالم يرتبطوا بفكر السماء ويتولوا حمله، قال تعالي: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَي قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ) [17] و قال تعالي: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [18] . 3 _ تحقيق العدالة: لم تقتصر مهمة الأنبياء علي الانذار فقط، أو بيان المعالم النظرية للرسالة وإثبات ضرورة الإيمان ونبذ الآلهة المتعددة التي لا تجر إلاّ الي الظلم والفساد. ولم تتركز باتجاه التربية الفعلية فقط، بل تتعدي ذلك فتدخل في تفاصيل حياة الناس وتهدف الي إزالة الظلم ومواجهة المستكبرين، قال تعالي: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِت_بَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز) [19] . 4 _ البشري والانذار: مهمة اُخري في عمل الأنبياء (عليهم السلام) تلك هي النصح للاُمة والاخلاص لها وتحذيرها من مخاطر الشرك، وما سيؤول إليه من انهيار للحضارات، وتبصيرهم بسنن الله في الخلق، وأن بعد الموت حياة اُخري يعاقب فيها المسيء ويثاب فيها المحسن، قال تعالي: (رسلاً مبشرين ومنذرين) [20] وقال تعالي: (يا أيّها النبي إنّا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا) [21] . فإذا كانت النبوّة تبلغ عن الله رسالته وأحكامه للناس، وتستهدف الأخذ بهم نحو الكمال الإنساني،

وتتسع أهدافها لتشمل أكثر من بعد، فلابد لها إذاً من لياقات وطاقات استثنائية تؤهل الرسول للقيام بهكذا مهمة، من هنا تأتي العصمة كواحدة من تلك المؤهلات ذات التأثير البالغ في عملية التربية والاصلاح، لأن حصول الثقة والاطمئنان يشكل عامل حب له من قبل الناس وبالتالي قبول أقوال النبي والاقتداء بأفعاله التي تمثل رضي الله، فلو لم يحصل النبي علي هذه الدرجة من الثقة لما أمكن التسليم لرسالته. قال الفيلسوف الطوسي: (يجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض) [22] ويمكن تلخيص ضروراتها بما يلي: 1 _ لما قلنا إن الغرض من بعثة الأنبياء هو الهداية وإبعاد الناس عن الظلم والفساد، وهذا الغرض لا يحققه غير المعصوم، لأن الوسيلة للهداية هي الاقتداء بأفعال وأفكار هذا الإنسان ولا يقوي علي حمل هذه المسؤولية إلاّ المعصوم، لأنه أدري الناس بمقاصد الله وأحكامه، والعقل يدرك بأن المعصوم دون غيره هو الأعرف بغرض الله وتعاليمه، لأنه أكمل الناس في الصفات ولولا ذلك لما كان معصوماً، والأكمل أقوي حجة وأنفذ في تحقيق الغرض الكامل الذي يريده الله. أما غير المعصوم فيكون عرضة للخطأ والنسيان، فلا يمتلك القابلية والأهلية للهداية، وذلك لمساواته مع الناس، من حيث التصرف والسلوك. 2 _ فلو قيل: رغم ضخامة مهمة النبوة أو الإمامة وسعة المسؤولية فيهما إلاّ أن العصمة غير ضرورية في النبي أو الإمام، لإمكانية التبليغ بدونها. قلنا: هذا غير صحيح، لأن مسألة تفهيم الناس معني العبودية وتربيتهم وإرشادهم لطريق الحق وإبعادهم عن الفساد وتنازلهم عن مغريات الدنيا تحتاج الثقة والجاذبية نحو شخص المرسل لأجل أداء دوره. أما النبي الذي يحتمل فيه الخطأ والنسيان والسهو أو ارتكاب الجرائم والعصيان فسوف يؤدي الي ابتعاد الناس عن شخصه،

وبالتالي حصول النفرة والاشمئزاز منه، ويصدق بحقه الخطاب الإلهي: (أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم) [23] . 3 _ والقول بعدم عصمة الأنبياء في السهو والخطأ والنسيان، وكل ما أثبتناه لمعني العصمة في المنظور الإمامي يجرنا الي جواز الطعن والشكّ في شرائعهم، وهذا الشكّ يتفرع عنه عدم الوثوق بأقوالهم لاحتمال الخطأ والنسيان، فالزيادة محتملة في أفعالهم وأقوالهم، ومن المحتمل عندئذ أن تجر النبيّ الشهوة، ويسقط في الاغراء، وتضعف ذاته، فيأمر وينهي انطلاقاً من تلك المؤثرات والرغبات النفسية، كما هي اعتراضات بعض الصحابة علي رسول الله عندما قرر مثلاً الصلح مع المشركين، أو أمر بعدم قتل عمّه العباس في بدر ظنّاً منهم بأن هذا ميل للعمومة. 4 _ والقول بعدم عصمة النبي أو الإمام يعني القول باجتماع الأمر باتباعه والنهي عن امتثال أمره، فلو فعل النبي أو الإمام معصية واقترف خطيئة، ففي هذه الحالة ماذا يفعل المكلف والمأمور باتباعه والمقتدي بأفعاله، فهل يجب عليه الاتباع والاقتداء بسيرته أم ماذا؟ فإذا فعل المكلف القبيح فمعناه أنه خالف أمر الله بهذا الفعل واستحق عقابه، والحال انّه منهي، لأن الله لا يأمر بالقبيح، وإذا لم يفعل فقد خالف، لأنّه مأمور من قبل الله بطاعة النبي مطلقاً، وبهذا تنتفي فائدة البعثة، وهذا يعني اجتماع المفسدة والمصلحة والمبغوضية في موضوع واحد وفي مصداق واحد. 5 _ والقول بعدم عصمة النبي أو الإمام سواء مطلقاً أو بالتفصيل يستلزم منه أن يكون النبي أو الإمام أدون الناس، لأنه في حالة ارتكاب المعصية أو الخطأ سيؤدي الي هبوط مقام النبي، فينزل به الي مستوي البساطة لا بل يكون أقل قيمة واعتباراً بين أفراد المجتمع، بينما المقام الذي تصدّي له مقام عظيم، ولهذا نجد القرآن الكريم

يخاطب نساء النبي بغير لسان فكيف بالنبي.

العصمة والاختيار

لم تكن عصمة الأنبياء والأئمة هي عدم ارتكاب المعصية فحسب، إذ من الممكن أن لا يرتكب الفرد العادي معصية خلال عمره كلّه، وخاصة لو كان عمره قصيراً، بل نعني به توفره علي ملكة نفسانية قوية، تمنعه من ارتكاب المعصية حتي في أشد الظروف، وهي ملكة تحصل من وعيه التام والدائم بقبح المعصية وارادة قوية علي ضبط الميول النفسية، وبما أن هذه الملكة لا تتحقق إلاّ بعناية إلهية خاصة، لذلك تنسب فاعليتها الي الله، وإلاّ فإنّ الله لا يمنع المعصوم من اقتراف المعصية جبراً، ولا يسلب منه الاختيار [24] . قال الشيخ المفيد: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف حيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها [25] . وقال نصير الدين الطوسي: العصمة هي أن يكون العبد قادراً علي المعاصي، غير مريد لها مطلقاً. وعدم إرداته أو وجود صارفة يكون من الله لطفاً في حقّه، فهو لا يعصي الله، لا بعجزه، بل لعدم إرادته، أو لكون صارفه غالباً علي إرادتها [26] . وتقسم العصمة علي نحوين: اختيارية، وغير اختيارية. الاُولي: فضيلة لهم لأنّهم الذين يتركون داعية الذنوب، فضلاً عن نفسها، بالاختيار، وكفي به فضلاً. الثانية: ليست بنفسها فضيلة لعدم مدخلية اختيارهم فيها، ولكن اختصاص هذه الموهبة بهم يكشف عن لياقتهم لإيهاب هذا اللطف العظيم في علم الحكيم، لأن لياقتهم حاصلة بحسن انقيادهم في علمه تعالي، ومن المعلوم أن أحسن الانقياد فعل اختياري لهم، فالعصمة فضيلة اختيارية باعتبارها أو باعتبار مكشوفها من حسن الانقياد. ثم إنّ ترك داعية الذنوب فضلاً عن نفسها بالاختيار، إما ناشئٌ عن إيمانهم بالله واليوم الآخر، وقوة إرادتهم مع علمهم بالحقائق وتأثير المعاصي

في الدنيا والآخرة، علماً بيّناً لا ستر فيه، أو عن حبهم لله تعالي حباً خالصاً لا يخالطه شيء آخر [27] .

العصمة والعدالة

تُعرف العدالة بأنها ملكة أو هيئة أو حالة أو كيفية، باعثة نحو الاطاعة، بالاتيان بالواجبات وترك المعاصي والمحرمات [28] . وعرّفها البعض بأنها الإتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشئ من الملكة النفسانية. وفي هذا التعريف اُشير الي المسبَّب عن العدالة، بخلاف الأوّل الذي أشار الي السبب. وعرّفها آخر بأ نّها الاستقامة الدينية في العمل بوظائف الدين، ومانعة عن المعاصي الكبيرة، وعدم الاصرار علي الصغيرة [29] . والظاهر من هذا التعريف أنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الي الملكة النفسانية، بل اعتبرها أمراً خارجياً، وهي الاستقامة الدينية في العمل. وقد ذكرت للعدالة دواع ومناشئ: منها: تسلط القوة العاقلة علي العلم العملي، والذي سيستنتج منه أعظم مراتب العدالة، وأقوي درجات الاستقامة لغير المعصوم، ويكون رادعاً عن المعصية ومانعاً عن ارتكاب الخطيئة، رغم وجود المقتضي لفعلها والدافع لارتكابها. ومنها: أن يتحرك الإنسان بداعي الثواب والخوف من العقاب. ومنها: ما قد يكون الداعي لتبني العدالة عاملاً خارجياً، كالشرافة والمنزلة الاجتماعية التي تمنعه من ارتكاب المعاصي. لكن هذا الداعي لا ينسجم مع المعني الاصطلاحي للعدالة، الذي يشترط في العدالة أن تكون بدافع الانقياد للمولي والطاعة له، وهذا غير متحقق بهذا اللون من الدوافع. ومن هنا يتحصل أن المعصوم لا تصدر منه المعصية مطلقاً، بل لا يفكر بها أصلاً. أما العادل فقد يصدر منه الخطأ والمعصية وقد لا يصدر، وذلك لأن المقتضي لها ودوافعها في النفس الإنسانية موجودة، كما أن العادل إذا صدرت منه المعصية ثم تاب يرجع الي حالة الاستقامة والعدالة. وهذه الصفة

لا تنطبق علي المعصوم. ولهذا قال العلامة الطباطبائي: بأنّ كليهما _ أي العصمة والعدالة _ يمنعان من صدور المعصية، ولكن لا مقتضي للمعصية مع العصمة، وهناك مقتضي للمعصية مع العدالة [30] .

العصيان والاستغفار والتوبة في حياة الأنبياء

اشاره

احتجّ البعض ممّن يذهب الي جواز المعصية عند الأنبياء ضمن التفصيل المعروف كعدم العصمة قبل النبوة أو جواز المعصية للنبي في غير الأحكام أو جواز السهو والنسيان في حياتهم تماشياً مع المفردات التيوردت في القرآن الكريم، ظنّاً منهم بأنها تشير الي جواز ارتكاب المخالفة عندهم كعصيان النبي آدم وتوبة النبي موسي وإباق النبي يونس واستغفار النبي داود وما الي ذلك ممّا ورد من هذا القبيل في القرآن الكريم، ولماكثر الحديث في هذه المسألة إرتأينا أن لا نخوض في تفصيلات تلك الإشكالات، ونكتفي بالقول الذي يضمن لنا الاجابة علي جميعها ويزيح الغبار الذي طرأ علي مفهوم العصمة عندهم(عليهم السلام). وحين نمتلك المنظور الإسلامي إزاء تلك المشكلات فلا يبقي معني للتمسك بتلك الايرادات كدليل لصحة القول بجواز ارتكاب المعصية عند الأنبياء. لقد ورد النهي في القرآن الكريم علي نحو ثلاثة أقسام: 1 _ نهي مولوي إلزامي تحريمي، وملاكه المبغوضية الشديدة للمولي والمفسدة، ومثاله: تحريم الخمر والزنا والكذب.. والي غيرها من المحرمات، فالشارع لا يسمح بارتكابه ويعاقب ويعذب علي فعله. 2 _ نهي مولوي ولكن غير إلزامي ويصطلح عليه بالنهي الكراهتي وفي ملاكه المبغوضية وفيه مفسدة، ولكن ليست بالشديدة التي تصل الي حد الإلزام، بل يقال فيه مجال للترخيص والفعل مثل كراهة الأكل جنباً وغيرها ومرتكبها لم يخرم طاعة الله وحدود مولويته، نعم قد فاته الأولي والأفضل بفعله وتصرفه. 3 _ نهي إرشادي، فليس في فعله مبغوضية، ولا بتحقيقه مفسدة اُخروية وليس له بعالم الحساب

والعقاب أي صلة، نعم يترتب علي فعله مضار دنيوية ومفاسد آنية في دنيا العبد دون آخرته. وبعد أن اتّضحت أقسام النهي نأتي الي مسألة أفعال الأنبياء التي قد تُفهم أنها معصية ومخالفة، فنقول: إذا كان النهي الوارد في القرآن بخصوص الأنبياء نهياً تحريمياً وتترتب عليه مبغوضية ومفسدة اُخروية ودنيوية فهذا يخل بالعصمة التي أقرها القرآن الكريم في أكثر من موضع ويلزم منه القول بعدم عصمة الأنبياء، أما إذا استفدنا واستظهرنا أن المراد بالنهي في القرآن الكريم هو النهي الارشادي فلا يبقي محل للاشكال ولا مورد للاعتراض، وبنفس هذا التصوير يمكن التعامل مع المفردات الاُخري التي وردت الاشارة اليها في القرآن الكريم. فالاستغفار أو التوبة وأمثالهما لا تبرر لنا القول بجواز المعصية علي الأنبياء. جاء في حديث علي بن محمد الجهم عن الرضا(عليه السلام) وقد سأله قائلاً: «يابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: نعم، قال: فما تعمل في قوله تعالي: (وعصي آدم ربّه فغوي)... فقال الرضا(عليه السلام): ويحك يا علي، اتق الله ولا تنسب أنبياء الله الي الفواحش، ولا تتأوّل كتاب الله برأيك، فإنّ الله يقول: (وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم) [31] . أما قوله عزّ وجلّ في آدم(عليه السلام): (فعصي آدم ربّه فغوي) فإنّ الله عزّ وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده، ولم يخلقه للجنة، وكانت المعصية في آدم في الجنة لا في الأرض، وعصمته يجب أن تكون في الأرض ليتم مقادير أمر الله عزّ وجل، فلمّا أهبط الي الأرض وجُعل حجة وخليفة عصمه الله بقوله عزّ وجلّ: (إنّ الله اصطفي آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران علي العالمين). في هذه الرواية اشارة واضحة الي أن اختبار آدم

لم يكن في هذه الأرض وليس ذاك عالم تكليف، لأن عالم التكليف هو الذي يكون فيه آدم(عليه السلام) حجة علي العباد وهو عالم الأرض. كما يمكن القول بأن خطيئة آدم لم تكن معصية لأمر مولوي بل انها تمثل معصية لنهي ارشادي، ولهذا لم تستتبع عقوبة اُخروية أو طرداً من رحمة الله، بل أدّت الي فقدان نعيم الجنة. وجعل النبي آدم حجة وخليفة يستلزم منه العصمة التي لا فيها ظلم و لاخطيئة تستوجب عقوبة وعذاب. أما مفردة الاستغفار فلا شك في عدم حاجة النهي الارشادي الي الاستغفار، كما ليس بالضرورة دائماً أن يكون منشأ الاستغفار هو الذنب، فقد يكون صاحب الاستغفار ذا مقام شامخ فيأتي الاستغفار منه كتعبير عن مقام عالي في العبودية له سبحانه، لأن الاعتراف بالتقصير والشعور بالذنب والذلة أمام عزّة المعبود من أعظم التفاني في معرفة الله سبحانه، ولهذا كان نبي الرحمة(صلي الله عليه وآله) من المستغفرين، وقد ورد في القرآن طلب الاستغفار من النبي رغم عدم ارتكابه أي ذنب أو خطيئة قال تعالي: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) [32] . وواضح أن مجيء نصر الله ودخول الناس في دين الله أفواجاً ليس بذنب ليوجب الاستغفار. أما التوبة فقد فسّرت بمطلق الرجوع بذنب وبدون ذنب، كما في قوله تعالي: (وإليه متاب) [33] . كما تعني التوبة الرجوع من التشديد الي التخفيف [34] ومنه قوله تعالي: (علم أن لن تحصوه فتاب عليكم) [35] ومن الحظر الي الاباحة ومنه قوله تعالي: (تختانون أنفسكم فتاب عليكم) [36] . ثم لا تنحصر مناشئ التوبة بالذنب، كما يشهد علي ذلك قوله تعالي: (فلمّا أفاق قال سبحانك تبت اليك) [37] . أي رجعت الي معرفتي بك عن

جهل قومي، فلا ذنب في مقام موسي ولا محل للخطيئة حتي يطلب موسي التوبة، وعليه فإنّ معني التوبة أوسع من الذنب والخطيئة. وأما الظلم فيمكن تقسيمه الي قسمين: الأول: ظلم للنفس، وهو ايقاعها في مشاكل الدنيا ومتاعبها، لأنه لم يرع مواضع الأشياء ومواقعها الطبيعية فينحرف عنها ويضّل وهذا ظلم للنفس، ولكن تحتمل النفس متاعبه ومشاقّه في الدنيا كالذين يظلّون الطريق ويتيهون عن الجادة الموصلة فيتحملون مشاق تيههم. والثاني: ظلم للنفس بايقاعها في عقاب التحريم وغضب المخالفة الإلهية وكلا القسمين داخلان في تعريف الظلم ولا يصح حمل الظلم الذي ورد علي لسان الأنبياء علي الظلم الثاني. وهذا القدر يكفي لتطبيقه علي الموارد التي يفهم منها عدم عصمة الأنبياء(عليهم السلام).

سهو النبي و نسيانه

استدلّ البعض علي وقوع السهو من النبي (صلي الله عليه وآله)، بأنّ الله سبحانه أمر النبي(صلي الله عليه وآله) _ بعد نسيانه _ بعدم القعود مع الظالمين، حينما يذكر قوله تعالي: (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بعد قوله تعالي: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْرِهِ) [38] [39] . والنسيان في الآية المباركة لم يصدر من الرسول(صلي الله عليه وآله)، فلم يكن الغرض من خطابه(صلي الله عليه وآله)بذلك هو توجيه التكليف إليه، بل المراد من الخطاب هو جعل التكليف لسائر المؤمنين; وذلك لأن الخطابات القرآنية _ كما ذكر أهل البلاغة وأصحاب التفسير _ نزلت علي نحو: (إيّاك أعني واسمعي يا جارة) [40] ، نظير نهي الأب عندما يريد أن ينهي أولاده عن فعل شيء قبيح فيوجه الخطاب الي ولده الأكبر وهو يعلم أنه لا يفعله فيرتدع الباقون، وهذا الاُسلوب في الخطاب من روائع الكلام، فإن

توجيه النهي لأقرب الناس من المتكلم _ مع ثقته به واطمئنانه بعدم قيامه بالفعل المنهي عنه _ موجب لردع الآخرين وزجرهم بنحو أقوي من اختصاص الخطاب بغيره وتوجيهه الي الآخر المقصود بالنهي، والمسوغ لهذا اللون من الخطاب مع علم المتكلم بعدم عصيان المخاطب هو وجود ملاك النهي فيه، أي القدرة علي المخالفة والعصيان وإلاّ كان الخطاب لغواً، وكذلك الأمر في الخطابات القرآنية ومنها الآية الكريمة المذكورة، فإنّ المصحح لها مع علمه تبارك وتعالي بعصمة النبي(صلي الله عليه وآله) ونزاهته هو وجود ملاك النهي وهو قدرته علي المخالفة والمعصية، إذ العصمة لا تسلب المعصوم قدرته علي المخالفة كما مرّ الكلام عنها، فالله سبحانه وتعالي يوجه الخطاب الي النبي(صلي الله عليه وآله)بعدم الجلوس في المكان الذي يساء فيه الي القرآن والدين حتي يعلم الناس بعدم جواز الجلوس في مثل ذلك المكان وأن هذا الحكم موجه للجميع من دون أن يراد(صلي الله عليه وآله) بقوله: (وإما يُنسينك)أ نّه سيقع في هذا النسيان بالفعل، وعليه فلا دلالة في هذه الآية علي تحقق النسيان من النبي(صلي الله عليه وآله) [41] .

الادلة النقلية علي عصمة الأنبياء

أما الأدلة النقلية علي عصمة الأنبياء فيمكن تلخيصها بما يلي: 1 _ عبر القرآن الكريم عن بعض الأفراد بأنّه مُخلص وهذه المفردة التي هي بفتح اللام غير المفردة التي بكسر اللام. فالاُولي إشارة الي أن الله جعل الشخص مخلصاً. أما الثانية فتشير الي أن الشخص يمارس عمله باخلاص ونيّة صادقة مخلصة. والمخلَصون لا يطمع في إغوائهم حتي الشيطان، ومن هنا أقسم علي إغواء بني آدم جميعهم واستثني المخلَصين، كما جاء في قوله تعالي: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُ_خْلَصِينَ) [42] . ولاشك في أن مبعث

يأس الشيطان من إغوائهم انّما هو; ما يملكونه من تنزيه وصيانة من الضلال والآثام، وإلاّ فإنّ عداءه شامل حتي لهؤلاء، ولو كان يمكنه إغواؤهم لما تخلّي عن إغوائهم وأعرض عنهم. إذاً فعنوان (المخلَص) مساو ل_ (المعصوم)، وإنّه وإن لم يوجد دليل علي اختصاص هذه الصفة بالأنبياء، إلاّ أنّه لا يمكن الشك في شمولها لهم. وقد اعتبر القرآن الكريم بعض الأنبياء من المخلَصين كما جاء في قوله تعالي: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالْأَبصَارِ - إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَة ذِكْرَي الدَّارِ) [43] . وقوله تعالي: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسَي إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) [44] . وكذلك اعتبر السبب في تنزّه يوسف(عليه السلام) عن الانحراف في أشدّ الظروف هو أنّه كان مخلَصاً، كما في قوله تعالي: (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُ_خْلَصِينَ) [45] . 2 _ لقد فرض القرآن الكريم علي البشر إطاعة الأنبياء بصورة مطلقة كما جاء في قوله تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُول إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) [46] . وإنّما تصحّ اطاعتهم المطلقة فيما لو كانت في مسار اطاعة الله وبموازاتها، بحيث لا تكون إطاعتهم منافية لإطاعة الله، وإلاّ فإنّ الأمر بالإطاعة المطلقة لله تعالي، والأمر بالطاعة المطلقة لمن هم معرّضون للخطأ والانحراف سيكونان علي طرفي نقيض. 3 _ لقد خصّص القرآن الكريم المناصب الإلهية لاُولئك الذين لم يتلوّثوا ب_ (الظلم)، يقول تعالي في جوابه لإبراهيم(عليه السلام)الذي طلب منصب الإمامة لأبنائه: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [47] . ونحن نعلم أن كل معصية هي ظلم للنفس علي الأقل، وكل عاص ومذنب ظالم في عرف القرآن، إذاً فالأنبياء أصحاب المنصب الإلهي _ النبوة _ لابدّ أن يكونوا منزّهين عن كل ظلم

ومعصية.

العصمة و ضرورتها في الإمام

اشاره

تعتقد الإمامية أن العصمة مطلقة في النبي والإمام، وتعني أنّه معصوم عن الذنب ومنزّه عن الخطأ والنسيان والسهو، ولا يتلبس بالجهل والغفلة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو الإمامة أو بعدها، فهو إنسان كامل لا يعتريه النقص البشري ولا يغلب عليه الميل النفساني من ولادته الي مماته، فهو معصوم في معتقده وفي أفعاله الدينية وفي تكاليفه الشرعية وفي تبليغه للأحكام الشرعية الإلهية ومستقيم في طباعه. وتأتي العصمة وضرورتها في الإمامة تبعاً لضرورة الإمامة بعد النبوة، ولهذا استدلّ الإمامية علي وجوب الإمامة بقاعدة اللطف، أي أن الإمامة لطف من الله عزّ وجل كما هي النبوة. واللطف فيض إلهي، لأن المولي حينما خلق الإنسان أراد له أن يصل الي منتهي كماله الإنساني، ولما كان الإنسان ملهماً بنوازع الخير والشر: (وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [48] فهو ميّال الي الداني ويترك ما جُعل سبباً لكماله، فمن لطفه سبحانه ورحمته الواسعة أن يهيّأ له سُبل الهداية، ولهذا فقد أرسل الأنبياء ليتكفّلوا بهداية الإنسانية. وبنفس هذا التأسيس تأتي الحاجة للإمام المعصوم بعد غياب النبي باستثناء الوحي، فاللطف الذي هو فيض من المولي وأدي الي مجيء النبوة لا ينقطع حين غياب النبي، لأن الداعي باق. ومن ضرورات العصمة للإمام: أن وجود الإمام في وسط الاُمة يمثل خطاً طبيعياً للرسالة وامتداداً لنبيّها، فعلي هذا الأساس يكون عاملاً لبناء الرسالة ومرجعاً لهداية الناس، ذلك لأن الهدف من حركة الإنسان ووجوده هو الوصول الي أرقي المراتب في الكمال الإنساني، وإذا كان هذا الهدف فهو إذاً بحاجة الي إمام معصوم يربط بين عالم الغيب المتعالي والنوع الإنساني المحتاج. ومن هذا المنطلق تأتي مسألة قبول الاُمة لارشاداته، لأنه الممثل للنبوة، وتتأكد الطاعة

والقبول لشخصه فيما إذا كان معصوماً، أما إذا كان غير معصوم فسوف يبرر للاُمة عدم طاعته وقبول أوامره، وإذا لم تصدقه الاُمة سيؤدي هذا الأمر بطبيعة الحال الي ظلال الاُمة وعدم تحقق الغرض الإلهي. ولا يوجد أي مانع من أن يكون الإمام معصوماً، مادام المولي قادراً علي تحقيق ذلك، ولا يوجد محذور عقلي في نفس القابل، وقد أثبتنا ذلك في عصمة الأنبياء. وتأتي مسألة اُخري وهي أن الشريعة التي جاء بها النبي خالدة وعامة لكل البشر وعلي مختلف الأزمنة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [49] ، اذاً فهو مشروع لكل الاُمم، وإذا كان بهذه السعة وهذا الامتداد فلابد من وجود عمر يمتد بامتدادها من أجل أن يساير النبي مشروعه حتي اكتماله واقتطاف ثماره، ولما كان عمر النبي قصيراً ومحدوداً في مدته، فلابد أن يلحق عمر النبي عمر آخر أطول منه يمتاز بنفس الطاقات والصفات والمؤهلات حتي تحقيق الغرض الإلهي. وحيث لا يمكن أن يكون هذا القائد نبيّاً، لأنه لا نبي بعد رسول الله، فيبقي الأمر محدوداً بالإمام المعصوم، وهذا الأمر تؤكّده كثير من الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية [50] . قال السيد المرتضي: فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة(عليهم السلام) لا يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة، فهو أن الإمام إنّما احتيج إليه لجهة معلومة، وهي أن يكون المكلفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب فلو جازت عليه الكبائر لكانت علّة الحاجة إليه ثابتة فيه، وموجبة وجود إمام يكون إماماً له، والكلام في إمامته كالكلام فيه، وهذا يؤدي الي وجود ما لانهاية له من الأئمة، وهو باطل، أو الانتهاء الي إمام معصوم، وهو المطلوب. وممّا يدل أيضاً علي أن الكبائر لا

تجوز عليهم، أن قولهم قد ثبت أنّه حجة في الشرع كقول الأنبياء(عليهم السلام)، بل يجوز أن ينتهي الحال الي أن الحق لا يعرف إلاّ من جهتهم، ولا يكون الطريق إليه إلاّ من أقوالهم، وإذا ثبت هذا جملة جروا مجري الأنبياء(عليهم السلام) فيما يجوز عليهم وما لا يجوز، فإذا كنا قد بيّنا أن الكبائر والصغائر لا يجوزان علي الأنبياء(عليهم السلام) قبل النبوة ولا بعدها، لما في ذلك من التنفير عن قبول أقوالهم، ولما في تنزيههم عن ذلك من السكون إليهم، فكذلك يجب أن يكون الأئمة(عليهم السلام)منزّهين عن الكبائر والصغائر قبل الإمامة وبعدها، لأن الحال واحدة [51] . وهناك من يذهب الي أن البديل للإمام المعصوم هو الاُمة، فعقل الاُمة ووعيها ورشدها الإسلامي ووجود المصلحين والأخيار فيها، يؤهّلها للقيام بدور الإمامة بدل الشخص المعصوم، والاُمة كنائبة لتولّي رعاية الشريعة وحفظها لا تختار الباطل ولا تنحدر نحو الهاوية، بفعل وجود عوامل شرعية مرة وعقلائية اُخري. ويعترض هذا التوجيه سؤال هو: هل يجوز علي الاُمة الخطأ والنسيان والتضليل والانحراف أم لا؟ بالتأكيد سيكون الجواب إيجابياً، فلا يتصور أحد عدم نسيان الاُمة وعدم خطئها واختلافها، فلو نظرنا الي الحقائق القرآنية التي تحدثت عن اختلاف الاُمم في الماضي، قال تعالي: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [52] وقال أيضاً: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِمَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) [53] لانتهينا الي عدم عصمة الاُمم وعدم عصمة الاُمة الإسلامية بشكل خاص، لوجود الاختلافات والانقسامات التي أصابتها بعد غياب صاحب الرسالة، فضلاً عن كونها اُمة لا تختلف في طبائعها وميولها، وأن الاختلاف الذي يكون سبباً لتمزقها لابد له من مرجع ورئيس يحسم بقرار المعصوم ذلك النزاع

والاختلاف وعدم صلاحية فئة من الاُمة لرفع الظلم والفساد عن الاُخري، لادعاء الثانية بأنها تريد رفعه عن اُختها أيضاً.

الادلة النقلية علي عصمة الأئمة

اشاره

أما الأدلة النقلية علي عصمة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) القرآنية والروائية فكثيرة، نقتصر علي ذكر نماذج منها:

آية التطهير

قال تعالي: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [54] . إن الآية تنص علي حصر إرادة الله تعالي هنا في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيراً كاملاً شاملاً، وهذا الحصر إنّما هو بالنسبة الي ما يتعلق بأهل البيت، وإلا فإن لله تعالي إرادات تشريعية وتكوينية غيرها بالضرورة، فالمعني أن إرادة إذهاب الرجس والتطهير مختصة بهم دون غيرهم، فتصير في قوة أن يقال: يا أهل البيت، أنتم الذين يريد الله أن يذهب عنكم الرجس ويطهركم من الأدناس. فالإرادة هذه تكوينية لا محالة، فإن الإرادة التشريعية للتطهير لا تختص بقوم دون قوم وبيت دون بيت. والإرادة التكوينية منه تعالي لا تنفك عن المراد. فتطهير أهل البيت من الرجس أمر واقع بإرادة الله تعالي، فهم المعصومون من الذنوب والآثام والاخطاء. هذا هو الظاهر من نفس الجملة بصرف النظر عما قبلها. وروايات نزولها في أهل البيت _ أهل بيت الوحي المطهّرين، النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين _ دون غيرهم كثيرة جداً تربو علي سبعين حديثاً من طرق الفريقين، وإذا لم يكن مثل هذه الروايات معتمداً عليها فبأي حديث بعده يؤمنون؟! وهذه الروايات التي روتها الشيعة بطرقهم، عن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعلي بن موسي الرضا(عليهم السلام) عن اُم سلمة وأبي ذر وأبي ليلي وأبي الأسود الدؤلي وعمر بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص، وروتها السنة بأسانيدهم عن اُم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأصقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولي النبي(صلي الله عليه وآله)وعبد الله

بن جعفر وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي(عليهم السلام)، كلها تدل علي أن الآية نزلت في الخمسة الطيبة: رسول الله وابن عمه علي وبنته فاطمة وسبطيه الحسنين(عليهم السلام)، وهم المرادون بأهل البيت دون غيرهم [55] . ونطالع بهذا الصدد ما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل كأحد النماذج التي تؤكد هذه الواقعة. روي عبدالله بن أحمد بن حنبل في مسنده عن أبيه عن شداد أبي عمار، قال: دخلت علي وائلة بن الأصقع وعنده قوم فذكروا علياً، فلما قاموا، قال: ألا اُخبرك بما رأيت من رسول الله(صلي الله عليه وآله)؟ قلت: بلي، قال: أتيت فاطمة(عليها السلام) أسألها عن علي، قالت: توجّه، الي رسول الله(صلي الله عليه وآله). فجلست انتظره حتي جاء رسول الله(صلي الله عليه وآله)ومعه علي وحسن وحسين (عليهما السلام) آخذاً كل[ واحد ]منهما بيده حتي دخل، فأدني علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما علي فخذه، ثم لف عليهم ثوبه _ أو قال: كساءاً _ ثم تلا هذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق» [56] . وجاء أيضاً في الدّر المنثور، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها زوج النبي(صلي الله عليه وآله): أن رسول الله(صلي الله عليه وآله)كان بينهما علي مقامة له عليها كساء خيبري فجاءت فاطمة(عليها السلام) ببرمة فيها قريرة، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت علي رسول الله(صلي الله عليه وآله):(إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) فأخذ النبي(صلي الله عليه وآله) بفضلة إزاره فغشاهم إياها، ثم أخرج يده من

الكساء وأومأ بها الي السماء، ثم قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» قالها ثلاث مرات [57] .

آية المباهلة

قوله تعالي: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَت اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ) [58] . يتضمن الأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس _ بصيغ الجمع في الجميع _ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضار ثلاثة أفراد من كل عنوان لا أقل منها، تحقيقاً لمعني الجمع. لكن الذي أتي به النبي(صلي الله عليه وآله)في مقام امتثال هذا الأمر علي ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله(صلي الله عليه وآله)وجه إلا انحصار المصداق في ما أتي به. فالآية بالنظر الي كيفية امتثالها بما فعل النبي(صلي الله عليه وآله)تدل علي أن هؤلاء هم الذين كانوا صالحين للاشتراك معه في المباهلة، وأنهم أحب الخلق إليه، وأعزهم عليه، وأخص خاصته لديه، وكفي بذلك فخراً وفضلاً. ويؤكد دلالتها علي ذلك أنه(صلي الله عليه وآله) كان له عدّة نساء ولم يأت بواحدة منهن سوي بنت له، فهل يحمل ذلك إلا علي شدّة اختصاصها به وحبه لها، لأجل قربها الي الله وكرامتها عليه؟ كما أن انطباق عنوان «النفس» علي علي(عليه السلام) لا غير، يدل علي أعظم فضيلة وأكرم مزية له(عليه السلام)،حيث نزل منزلة نفس النبي(صلي الله عليه وآله) [59] . ويؤيده ما رواه الفريقان عن رسول الله(صلي الله عليه وآله)، حيث قال لعلي(عليه السلام): «أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أ نّه لا نبي بعدي» [60] وقوله «أنت مني وأنا منك» [61] . وقد احتجّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) بهذه الفضيلة يوم الشوري واعترف

بها القوم ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبق فيه مجال للإنكار من مثل ابن تيمية. فقد اعترف بصحة الحديث القائل: بأن نفس رسول الله(صلي الله عليه وآله) في الآية هو علي(عليه السلام)، إلاّ أنه جعل ملاك التنزيل هو القرابة. ولما التفت الي انتقاضه بعمّه العباس حيث إن العم أقرب من ابن العم قال: «إن العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاص بالرسول(صلي الله عليه وآله)كعلي». فاضطر الي الاعتراف بأن مناط تنزيل علي(عليه السلام)منزلة نفس النبي [62] ليس هو القرابة فقط، بل سبقه الي الإسلام واختصاصه بالنبي(صلي الله عليه وآله). وهل يكون اختصاصه به(صلي الله عليه وآله) إلا لأجل أفضليته من غيره وأقربيته الي الله سبحانه؟! [63] . ثم إن في قوله تعالي: (نَدْعُ أَبْنَاءَنَا...) إشارة الي أن لغيره(صلي الله عليه وآله)شأناً في الدعوة الي المباهلة، حيث أضاف الأبناء والنساء الي ضمير المتكلم مع الغير، مع أن المحاجّة كانت معه(صلي الله عليه وآله)خاصة، كما يدل عليه قوله تعالي (فَمَنْ حَاجَّكَ..). وهذا هو الذي يستفاد من قوله تعالي: (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) [64] وقوله تعالي: (قُلْ هذِهِ سَبِيلي أَدْعُوا إِلَي اللَّهِ عَلَي بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [65] كما يؤيده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضي إطلاق التنزيل في قوله(صلي الله عليه وآله)لعلي(عليه السلام)«أنت مني بمنزلة هارون من موسي». ويؤيد ذلك قوله تعالي: (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ) [66] ، فإن المراد بالكاذبين هنا ليس كل من هو كاذب في كل إخبار ودعوي، بل المراد هم الكاذبون المغرضون في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدعي في كلا الجانبين أكثر من واحد، وإلاّ لكان حق الكلام أن يقال مثلاً: «فنجعل

لعنة الله علي من هو كاذب» حتي يصح، انطباقه علي الفرد أيضاً. فالمشتركون مع النبي(صلي الله عليه وآله) في المباهلة شركاء له في الدعوي. وحيث إن المحاجّة إنّما وقعت بين النبي(صلي الله عليه وآله) وبين النصاري، لا لمجرد الدعوي بل لأجل دعوتهم الي الاسلام، وأن الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوي والدعوة، فحضور من حضر أمارة علي كون الحاضرين مشاركين له في الدعوي والدعوة معاً. والروايات التي صدرت من الصحابة في آية المباهلة كثيرة جداً، كرواية جابر بن عبدالله، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد ابن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس، وأبي رافع مولي النبي(صلي الله عليه وآله)وغيرهم، ورواية جمع من التابعين عنهم كالسدي والشعبي والكلبي وأبي صالح، وطبقات المحدثين والمؤرخين والمفسرين علي إيداعها في موسوعاتهم كمسلم، والترمذي، والطبري، وأبي الفداء، والسيوطي، والزمخشري، والرازي باتفاق الروايات وصحتها [67] . قال جابر: فيهم نزلت (نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) قال جابر: (أنفسنا) رسول الله(صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) و(أبناءنا) الحسن والحسين(عليهما السلام) و (نساءنا) فاطمة(عليها السلام) [68] . وإذا كان الإمام علي(عليه السلام) نفس النبي وأ نّه بمنزلته إلاّ أنه ليس بنبي. يلزم منه أن تكون الصفات الاُخري الثابتة للنبي، ومنها العصمة ثابتة للإمام(عليه السلام) إلاّ أنه ليس بنبي.

آية الإمامة

قوله تعالي: (وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [69] . يمكن الاستفادة من هذه الآية بوجهين الأول: فيها إشارة من أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنص، والثاني: شرط العصمة في الإمام. تقريب الاستدلال بطريقين: الأول: الإمامة لا تكون إلاّ بالنص بدليل أنّ الإمامة عهد

من الله، كما هو صريح الآية، وهذا العهد لا يمنح إلاّ من قبل الله، حيث يشاء من عباده ولذا جاء في الآية تعبير الظالمين ولم يُعبّر ب_ (الظالمون)، لأن الظالمين مفعول به فالعهد يقع علي الإنسان المختار للإمامة، لا الإنسان يقع عليها وهذا يعني أنه ليس لأحد أن يدّعيها لأن الارتقاء إليها ليس بمقدور الإنسان ولا باختياره فهي منصب ربّاني مختص به لا يشاركه في تعيينها أحد وبهذا تسقط كل الاُطروحات البديلة لمنصب الإمامة التي اخترعها الإنسان مثل الشوري أو الانتخاب أو البيعة أو العهد أو الوراثة. الثاني: أن المولي قد صرح بأن موقع الإمامة والتصدي لها لا تكون إلاّ لمن هو معصوم وهذا الشرط الذي سجله المولي يعني أنه سبحانه لا يختار الظالم للإمامة اطلاقاً، فاذا ادّعي الإمامة أحد وخطّ لنفسه صيغة جديدة وتجاوز المنصوص عليه المسدد منه سبحانه فهو ظالم بلاشك [70] .

حديث الثقلين

جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل: أن رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قال: «إنّي اُوشك أن اُدعي فاُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل مدود من السماء الي الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [71] . ويعتبر هذا الحديث من الأدلة الواضحة في إمامة وعصمة أهل البيت(عليهم السلام)، كما أ نّه لا شائبة في سنده ولا خدشة في اعتباره. ويمكن بيان عصمة الأئمة في هذا الحديث بما يلي: الأوّل: أمر النبي(صلي الله عليه وآله) الاُمة الإسلامية بعده أن تتمسك بالقرآن الكريم، وأهل البيت(عليهم السلام)والتمسك بهما يورث النجاة ويمنع من الضلالة عن الاُمة، ويدفع البشرية نحو الهداية. فقد جاء في الصواعق المحرقة: «فلا تقدموهما فتهلكوا،

ولا تقصروا عنهما فتهلكوا» [72] . والأمر النبوي منصبّ علي التمسك بهما وكلنا يعلم أن التمسك بالقرآن الكريم يعني التمسك بمنهج لا يخطئ وبقول لا يكذب فهو منبع التعاليم الحقة ومصدر السيرة الصالحة فهو يهدي للتي هي أقوم. (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَي صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [73] . فالقرآن (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وهو عاصم لمن تمسك به، وقد قرن النبي(صلي الله عليه وآله)أهل البيت بالقرآن وجعلهما علي حد سواء في التمسك. والنجاة تقترن بهما ملازمة لكليهما، فلا التمسك بالقرآن وحده كاف، ولا بهم _ أهل البيت _ دون القرآن مغن. وبما أن القرآن معصوم كذلك أهل البيت معصومون، فلو كان في القرآن خطأ أو اشتباه لما أمر النبي بالتمسك به، كذلك أهل البيت(عليهم السلام)معصومون بالمقارنة والملازمة، ويعني التمسك بهما أي طاعتهما، وطاعتهما مطلقاً يعني كونهما معصومين ووجوب الطاعة مطلقاً، يعني كون صاحبها معصوماً من الزلل مطهراً من الذنوب، فالنبي(صلي الله عليه وآله)أمر بطاعته مطلقاً فلو أخطأ أو أذنب فهذا يعني أن النبي قد أمر باتباع الخطأ والذنب، وهذا محال علي النبي(صلي الله عليه وآله)، لأنه لا يتكلم عن نفسه ولا ينطق عن ذاته بل هو وحي يوحي. الثاني: حكم النبي(صلي الله عليه وآله) بأنهما لن يفترقا يوماً من الأيام، وهذا يعني دوام عصمتهما واستمراريتهما، ومنه نكتشف أنه لا يخلو زمان من الأزمنة من معصوم، فهما لن يفترقا الي يوم القيامة، فالأرض لا تخلو من حجة، لاننا نعتقد أن القرآن الكريم خالد ومستمر الي يوم القيامة. ولعل قائلاً يقول: إن المراد بعدم الافتراق هو كون القرآن في جيوبهم ولا يفارق بيوتهم، أو هم

بين الدفتين من القرآن، فهناك آيات تشير إليهم، مثل آية المودة والمباهلة، فهم خالدون بالذكر لا أكثر من ذلك، وهذا هو عدم الافتراق. والجواب: أولاً: يكفي النبي(صلي الله عليه وآله) القول: التمسك بالقرآن وحده، لأنهم حسب ما يدعي المعترض في القرآن الكريم والأمر بالتمسك بأهل البيت لا مبرر لذكره ولا موجب لبيانه. وثانياً، بناءً علي هذا الفهم فإنّ الاُمة الإسلامية تحمل القرآن وتحفظه بالجملة وهي أيضاً مذكورة في القرآن الكريم، فلماذا خصّ أهل البيت(عليهم السلام)بالذات وذكرهم بالخصوص. ثالثاً:لماذا ذكر النبي(صلي الله عليه وآله) في مطلع حديثه «انّي تارك فيكم الثقلين»، فإذا كان أهل البيت مجرد ذكر في القرآن فلماذا أصبحوا ثقلاً، أليس الثقل يعني أماناً للاُمة وملجأً للبشرية؟ فاتصافهم بالثقل يدل علي عظمتهم وعصمتهم وليس مجرد ذكرهم وبيان أسمائهم. وقد ذكر الحمويني الحديث مع اختلاف بسيط: بسنده عن زيد ابن ثابت، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان بعدي ولن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض» [74] . حدثنا عمر بن سعد أبو داود الحفري عن شريك عن الركين عن القاسم بن حسان عن زيد ابن ثابت قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) «إنّي تارك فيكم خليفتين من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّي يردا عليّ الحوض» [75] . فهاتان الروايتان تضيفان كونهما خليفتين، والخليفة هو الذي له الطاعة والولاية والإتّباع لا مجرد الذكر. فالاشكال لا وجه له في المقام، فأهل البيت(عليهم السلام) هم عدل القرآن الكريم والتمسك بالقرآن أخذ التعاليم والأحكام منه، وكذلك التمسك بأهل البيت(عليهم السلام) أخذ الأحكام منهم وبيان تفصيلات القرآن الكريم. ومن الدلالات الاُخري التي

يمكن استفادتها من هذا الحديث علي عظم منزلتهم وعصمتهم. إنّ القرآن الكريم فيه من العلوم الإلهية ما يجعلها تفوق علوم الأرض كلها حيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها كما نطق به عزّ وجل: (مَالِهَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلاَّ أحْصَاهَا) [76] . وأهل البيت(عليهم السلام) هم عدله فهم في معارفهم الربّانية التي حصلوا عليها منه سبحانه تفوق من علي وجه الأرض. ومن هذه الرواية المباركة والتي ورد فيها لفظ: «كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض وعترتي أهل بيتي». يستفاد أن الكتاب مع الأئمة هم حبل الله الممتد من الأرض الي السماء، فهذا يعني أنهم الطريق الوحيد الموصل الي الله، وأن الطرق الاُخري لا تغني الاُمة شيئاً، وقد جاء في بعض الروايات عن النبي(صلي الله عليه وآله)، أ نّه قال: «إنّي تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي، إن اعتصمتم به: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وقد فسّر الشافعي (حبل الله) في أبياته التي يقول فيها: ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم++ مذاهبهم في أبحر الغي والجهل ركبت علي اسم الله في سفن النجا++ وهم آل بيت المصطفي خاتم الرسل وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم++ كما قد اُمرنا بالتمسّك بالحبل [77] . فإذا كانوا هم حبل الله، فلاشك أن هذا الحبل مانع عن الضلالة ومبعّد عن الغواية الي يوم القيامة، وهل يمكن أن يفعل الدنس من يكون حبلاً، أو يقترف الجريمة من يكون وصلاً مع الله سبحانه وتعالي. فنلخّص ممّا تقدم: 1 _ إنّ الله أمر في هذا الحديث باتباع أهل البيت(عليهم السلام) وحاشا أن يأمر رسول الله باتباع المذنبين والخاطئين والمخالفين لكتاب الله. 2 _ اقترانهم بالقرآن الكريم يدل علي

كمالهم وعصمتهم. 3 _ في قول النبي(صلي الله عليه وآله): «لن تضلّوا بعدي» دلالة علي عصمتهم وكمالهم. 4 _ عدم الافتراق والورود علي النبي(صلي الله عليه وآله) يوم القيامة معاً وعلي الحوض دليل علي عصمتهم ودوامها واستمراريتها الي يوم القيامة. 5 _ وقد جاء في الحديث لفظ أن السبق علي أهل البيت هلاك، كما هو الوارد في الصواعق المحرقة: (فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم) [78] وهو يفيد خلافتهم وولايتهم وعصمتهم. 6 _ قد تبيّن من اقتران أهل البيت(عليهم السلام) بالقرآن الكريم أنّهم لن يخالفوه ولن يعارضوه في يوم من الأيام، وهذا أيضاً يدل علي عصمتهم وكمالهم. 7 _ أمر بالتمسك بهما حتي تحصل النجاة للاُمة من الضلالة، والمذنب لا يعتبر منجياً من الضلالة ولا مانعاً عنها. وهناك روايات تبين منزلة أمير المؤمنين(عليه السلام) من القرآن الكريم وكأنها تشير الي حديث الثقلين. «هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا عليّ الحوض». ويمكن أن نقول: إنّ هذه الرواية خصصت الأمر في أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد التعميم الذي ورد في حق أهل البيت(عليهم السلام). ولاشك أنّ التمسك بهذا الحديث والابتعاد عن الضلالة ينبغي أن يكون مباشرة وبلا فاصلة بعد النبي(صلي الله عليه وآله)، لأن النبي(صلي الله عليه وآله)صرح في بعض ألفاظ هذا الحديث كما جاء عن الحمويني: «ألا وهما الخليفتان بعدي» وخليفة النبي(صلي الله عليه وآله) من اتصل بعهده وسار بنهجه. وقد أورد البعض إشكالاً قالوا: إن البخاري لم يخرج هذا الحديث، أي حديث الثقلين وهذا يدلّ علي ضعف الحديث ووهنه. والجواب، نقول: إن الحديث منقول عن العامة والخاصة. فالعامة ذكرت تسعة وثلاثين حديثاً بعضها عن مسند

أحمد بن حنبل، وبعضها في صحيح مسلم، وبعضها عن ابن المغازلي، وبعضها عن الموفق بن أحمد الخوارزمي، وممّن ذكره أيضاً من العامة أبو عبدالله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي المتوفي سنة (658 ه_) في كتابه [79] . وهذه الكتب التي ذكرت هذا الحديث معتبرة عند العامة ولا يمكن الخدش فيها وبعضها معدود في الصحاح الستة، هذا أولاً. وثانياً: إن البخاري لم يهمل حديث الثقلين المتواتر عند العامة والخاصة وحده عن صحيحه كما يدّعي، بل أهمل غيره كذلك، والسبب كون أمير المؤمنين بطل الروايات، فقد أهمل (حديث الولاية يوم الغدير مع تواتره، وحديث المؤاخاة مع كونه من البديهيات، وحديث سد الأبواب غير باب علي(عليه السلام) مع ثبوته، وحديث إنذار عشيرته الأقربين المشتمل علي النص بخلافة أمير المؤمنين، ولم يخرج حديث السبب في نزول (إنّما وليّكم الله ورسوله...) ولا حديث السبب في نزول: (يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل اليك من ربّك) ولا شيئاً من الأحاديث في أسباب نزول الآيات الهاتفة بفضل أهل البيت(عليهم السلام)، وقد أهمل أحاديث سفينة نوح وغيرها [80] . وثالثاً: إن هذا الحديث باعتقاد مسلم صحيح، وقد أخرجه في صحيحه، فإذاً الحديث الصحيح لا يضرّه ولا يزعزعه إن لم يخرجه البخاري في صحيحه. أما طرق الخاصة ففيها اثنان وثمانون حديثاً، بعضها عن ابن بابويه، وبعضها عن الكليني وبعضها عن الشيخ [81] وبعضها عن العياشي وغيرهم، فيقول ابن بابويه بسنده عن الصادق(عليه السلام)عن آبائه عن علي(عليه السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأ نّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض كهاتين» وضم بين سبابتيه، فقام إليه جابر بن عبدالله، فقال يا رسول

الله من عترتك؟ قال: علي والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين الي يوم القيامة [82] . فالإمام الذي أشارت إليه رواية الثقلين وبيّنت خصوصياته معصوم من الزلل أعلم مَن في الأرض حجة علي عباده ولا تخلو الأرض منه الي يوم النشور، فكما أن الله عزّ وجل تكفّل ببقاء القرآن الي يوم القيامة، كذلك المعصوم فهو الحافظ للشريعة، المبيّن لأحكامها، المفسر للقرآن الكريم، والمطلع علي علومه وآثاره. يقول الإمام الرضا(عليه السلام): «وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجل لاُمورعباده شرح صدره لذلك وأودع فيه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً فلم يَعْيَ بعد بجواب ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلك ليكون حجته علي عباده وشاهده علي خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم» [83] . فالإمام إذاً لا يصدر منه الخطأ والعصيان والذنب سواء كان عن عمد أو سهو، لأنه في كل الأحوال سوف يفارق القرآن الكريم ولم يقرن به،والذي يجوّز علي أهل البيت(عليهم السلام) الذنب والخطأ وماشاكل فقد كذّب قول النبي(صلي الله عليه وآله)، وادّعي شططاً، ومن خلال الاقتران الدائم والمستمر نكتشف أنّ خط أهل البيت(عليهم السلام) مع القرآن، وأن القرآن معهم، والهدف لهما واحد. ومن ذيل الرواية التي ينقلها، قال شهاب الخفاجي في شرحه: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما»: نستدلّ علي وجوب اتباع أهل البيت(عليهم السلام)، فإنّي انظر عملكم بكتاب الله واتباعكم لأهل بيتي ورعايتهم وبرهم بعدي فإنّ ما يسرّهم يسرّني وما يسوؤهم يسوؤني [84] .

نتيجة البحث

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، فأراد له الكمال المنسجم مع إنسانيته، فمنحه الإرادة كميزة تفوّق بها علي من سواه من الخلق،

ليختار الفكر والسلوك الإلهي المؤدي لكماله،ولما كان العقل عاجزاً بمفرده أن يصل الي المعارف الإلهية، من هنا جاء اللطف الإلهي متمثلاً في النبوة، لترشده الي معالم طريق الهداية وتنذره سُبل الغواية والدمار وسوء العاقبة. ثم ضخامة دور الواسطة بين الغيب والناس، يستلزم أن يكون صاحبه معصوماً، لأن غيره لا ينتج لنا إلاّ الدور الناقص، لاتصافه بالنقص واحتمال الخطأ والمخالفة فيه، والمولي يريد الدور الكامل الذي لا يتم إلاّ بالشخص المعصوم، فعليه كان النبي والإمام معصومين. واتفق الإمامية بأنّ حدّ العصمة وزمانها مطلق منذ الولادة حتي الوفاة، بلا فرق بين زمن البعثة أو قبلها، والنبي والإمام معصومان عن ارتكاب المعاصي صغيرها وكبيرها، وعن الخطأ والنسيان والسهو في الأحكام وغيرها. أما المدارس الاُخري فاختلفت فيما بينها في مفهوم جواز الذنوب علي الأنبياء، بين قائل بعدم جوازها حال النبوة وفي الأحكام، وبين قائل بجوازها في كل الأحوال. وتأتي ضرورة العصمة في النبوة والإمامة وفق المنظور الإمامي تبعاً لضرورة النبوّة والإمامة وأهدافهما. والعصمة لا تعني سلب الاختيار عن المعصوم، وإنّما يأتي اختياره للحسن من الأعمال منطبقاً مع الارادة الإلهية، فالمعصوم يختار ما يريده الله. وأما العصيان والاستغفار والتوبة والظلم في حياة الأنبياء، هذه المفردات التي وردت في القرآن الكريم، والذي ظن البعض بأنها تشير الي جواز ارتكاب المخالفة، فهذا التصور ناشئ من تطبيق مفهوم النهي التحريمي المستلزم للعقوبة بخصوص أفعال الأنبياء، أما لو حملنا النهي علي الإرشادي فلا يبقي دليل عند من يذهب الي جواز المعصية عند الأنبياء، ثم ليس بصحيح أن تكون مناشئ الاستغفار مطلقاً عن ذنب، وكذا الحال في التوبة والظلم، بل قد يكون لها مناشئ اُخري غير الذنب، كما مرّ بيانه في ثنايا البحث. ثم إن

العصمة تفارق العدالة بمعناها المتعارف، لأن العادل قد يصدر منه الخطأ والمعصية وقد لا يصدر، بسبب كون المقتضي لها في نفس العادل موجوداً، وعلي هذا الأساس إذا صدر من العادل معصية ثم تاب عنها رجع الي صفة العدالة. أما المعصوم فلا يصدر منه العمل القبيح مطلقاً، بل لا يفكر به أصلاً، لأن المقتضي للمعصية في نفس المعصوم غيرموجود. وأخيراً فإنّ كلّ الأدلة التي تثبت العصمة للنبي(صلي الله عليه وآله) تنسحب علي الأئمة(عليهم السلام) بالإضافة للأدلة الخاصة للعصمة عندهم من آيات وأحاديث نبوية، مثل:آية التطهير، وحديث الثقلين، وغيرهما.

پاورقي

[1] آل عمران: 33 _ 34.

[2] الاحقاف: 9.

[3] المائدة: 67.

[4] صحيح مسلم بشرح النووي: 15/174، مجمع الزوائد: 9/109، فتح الباري لابن حجر: 7/60، المصنف للصنعاني: 5/406، المصنف لابن أبي شيبة: 7/496.

[5] الصحاح للجوهري: 4/1986.

[6] دائرة معارف القرن العشرين: 6/505.

[7] الراغب الاصفهاني في معجم مفردات القرآن: 249.

[8] جامع العلوم: 2/325.

[9] المصدر السابق: 1/184.

[10] النكت الاعتقادية مصنفات الشيخ المفيد: 10/37.

[11] الحدود والحقائق للسيد المرتضي: 167.

[12] الرسائل للسيد المرتضي: 3/325.

[13] تلخيص الشافي للشيخ الطوسي: 1/71.

[14] دلائل الصدق: 1/368.

[15] عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر: 54.

[16] النحل: 36.

[17] الروم: 47.

[18] الأعراف: 68.

[19] الحديد: 25.

[20] النساء: 165.

[21] الأحزاب: 45.

[22] كشف المراد: 217.

[23] البقرة: 44.

[24] دروس في العقيدة الإسلامية، مصباح اليزدي: 233.

[25] النكت الاعتقادية، مصنفات الشيخ المفيد: 10/37.

[26] تلخيص المحصل المعروف بنقد المحصل: 525، باب العصمة.

[27] بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية للسيد محسن الخرازي: 1/249.

[28] الاجتهاد والتقليد، كتاب التنقيح علي العروة الوثقي، السيد الخوئي: 254.

[29] جامع الأحكام الشرعية: 118.

[30] الميزان في تفسير القرآن، للطباطبائي: 11/163.

[31] آل عمران: 7.

[32] النصر: 3.

[33] الرعد: 20.

[34] مجمع البحرين: 2/15.

[35] المزمل: 20.

[36] البقرة: 187.

[37] الأعراف: 143.

[38]

الأنعام: 68.

[39] ينقل هذا القول عن الجبائي، راجع بحار الأنوار: 17/98.

[40] مجمع الأمثال: 1/49، والقائل سهل بن مالك الفزاري.

[41] نفي السهو عن النبي(صلي الله عليه وآله)، لآية الله محمد جواد التبريزي: 38.

[42] سورة ص: 82 _ 83.

[43] سورة ص: 45 _ 46.

[44] مريم: 51.

[45] يوسف: 24.

[46] النساء: 64.

[47] البقرة: 124.

[48] الشمس: 7 _ 8.

[49] الأنبياء: 107.

[50] مسند أحمد: 1 / 79، 87 و 3/32 و 6/369.

[51] تنزيه الأنبياء، الشريف المرتضي: 22.

[52] البقرة: 213.

[53] آل عمران: 105.

[54] الأحزاب: 33.

[55] راجع الإمامة والولاية لجمع من العلماء: 150.

[56] مسند أحمد: 4/107، أجمع المفسرون علي نزول آية التطهير في فضل (أصحاب الكساء) في بيت اُم سلمة وروي متواتراً عن أئمة أهل البيت:، وكثير من الصحابة، وهذا انموذج من مصادره: الحافظ الكبير، الحنفي المعروف بالحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/10 _ 192 بعدّة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور: 5/198 بطرق، وكذا الطحاوي في مشكل الآثار: 1/238 _ 332 والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/121 و 146 و 169 و 172 وأحمد بن حنبل في مسنده: 1/230 و 4/107 وابن حجر في الصواعق: 85 والطبري في تفسيره: 22/5 و 6 و 7 وابن الأثير في اُسد الغابة: 4/29 والنسائي في خصائصه: 4.

[57] الدر المنثور للسيوطي: 5/198، تفسير الآية: (إنّما يريد الله...).

[58] آل عمران: 61.

[59] التفسير الكبير، للفخر الرازي: 8/81، تفسير الآية 61 من سورة آل عمران، المسألة الخامسة.

[60] قد أنهي البحراني الروايات الواردة عن النبي(صلي الله عليه وآله) والمشتملة علي هذه العبارة من طرق السنّة الي مائة حديث ومن طرق الشيعة الي سبعين حديثاً، فراجع غاية المرام وحجة الخصام،: 1 / 109 _ 152.

[61] خصائص أمير المؤمنين للنسائي:

88.

[62] سنن الترمذي: 5/596، حديث 3724.

[63] منهاج السنّة ابن تيمية: 4/33، البرهان التاسع.

[64] هود: 17.

[65] يوسف: 108.

[66] آل عمران: 61.

[67] الإمامة والولاية لجمع من العلماء: 138.

[68] غاية المرام: 301 الحديث 7.

[69] البقرة: 124.

[70] قد بيّن السيد الطباطبائي(قدس سره) في تفسيره الميزان وهو في معرض تفسير الآية قائلاً: ويستنتج من هنا أمران: أحدهما: أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية، وإلاّ كان غير مهتد بنفسه، كما مرّ، كما يدل عليه أيضاً قوله تعالي: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)الأنبياء: 73. فأفعال الإمام خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهيّ، وتسديد ربّاني، والدليل عليه قوله تعالي: «فعل الخيرات» بناءً علي أن المصدر المضاف يدلّ علي الوقوع، ففرق بين مثل قولنا: وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات... الخ فلا يدلّ علي التحقق والوقوع بخلاف قوله: «وأوحينا إليهم فعل الخيرات» فهو يدل علي أن ما فعلوه من الخيرات إنّما هو بوحي باطني وتأييد سماويّ. الثاني: عكس الأمر الأوّل وهو أن من ليس بمعصوم فلا يكون إماماً هادياً الي الحق البتة. وبهذا البيان يظهر: أن المراد بالظالمين في قوله تعالي: (قال ومن ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين)... الخ مطلق من صدر عنه ظلمٌ ما، من شرك أو معصية، وإن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب وصلح. وقد سئل بعض أساتيذنا(رحمهم الله): عن تقريب دلالة الآية علي عصمة الإمام. فأجاب: أنّ الناس بحسب القسمة العقلية علي أربعة أقسام: من كان ظالماً في جميع عمره، ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره، ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره، ومن هو بالعكس

هذا. وإبراهيم(عليه السلام) أجلّ شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريّته، فبقي قسمان وقد نفي الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره. الميزان: 1/276 ط 3 طهران 1397.

[71] مسند الإمام أحمد بن حنبل: 3/17، 26، 59.

[72] الصواعق المحرقة لابن حجر: 148.

[73] ابراهيم: 1.

[74] الحمويني في فرائد السمطين عن الطريق القويم: 86.

[75] المصنف لابن أبي شيبة: 7/418، كتاب الفضائل، باب ما أعطي الله تعالي محمداً وآله ح41، وكتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم: 337، ح 754 و1555، وكنز العمال للمتقي الهندي: 1/172، ح 872.

[76] الكهف: 49.

[77] شرح الأخبار للقاضي المغربي: 2/125، خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق: 20، الكني والألقاب للشيخ القمي: 2/349.

[78] الصواعق المحرقة: 230، باب 11، فضائل أهل البيت، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم، الآية الرابعة.

[79] كفاية الطالب: 120.

[80] حاشية الطريق القويم: 88.

[81] الشيخ الطوسي في أماليه: 9/160، عن الطريق القويم: 82.

[82] الطريق القويم: 82.

[83] اُصول الكافي: 1/202 ط آخوندي، عن اُصول العقائد: 4/181.

[84] نسيم الرياض: 3/410 عن نفحات الأزهار: 258.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.