الرجعه

اشارة

سرشناسه:بهبهانی، عبدالکریم

عنوان و نام پديدآور:الرجعه/ المولف عبدالکریم البهبهانی.

مشخصات نشرقم:المجمع العالمی لاهل البیت (ع)،1427 ق.= 2006 م.= 1385.

مشخصات ظاهری:[25] ص.؛ 11 × 5/19 س م.

فروست:فی رحاب اهل البیت علیهم السلام؛ 7.

شابک:964-8686-47-5

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ سوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:رجعت

موضوع:رجعت -- احادیث

موضوع:احادیث اهل سنت -- قرن 14

شناسه افزوده:مجمع جهانی اهل بیت (ع)

رده بندی کنگره:BP224/4/ب936ر3 1385

رده بندی دیویی:297/44

شماره کتابشناسی ملی:2923376

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

اهل بیت علیهم السلام فی القرآن الکریم

***

اِنَّما یُریدُ اللهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرِّجسَ اَهلَ البَیتِ وَ یُطَهِّرَکُم تَطهیرًا

سوره احزاب آیه 33

ص: 3

اهل بیت علیهم السلام فی السنة النبویه

***

إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا ابدا

«الصحاح و المسانید»

ص: 4

کلمه المجمع

إن من طبيعة الناس أن يختلفوا؛ ولكن الله يحب أن تبقى هذه الاختلافات المطلوبة داخل إطار التصور الإيماني الصحيح. ومن ثم لم یکن بد أن يكون هناك میزان ثابت يفيء إليه المختلفون. وقد أنزل الله الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه(1).

وبغير هذا الحق الواحد الذي لا يتعدد، لا يستقيم أمر هذه الحياة . وهذا الذي يقرره القرآن يقوم على قاعدة التوحيد المطلق. ثم يقع الانحراف ، وتتراكم الخرافات والأساطير، حتى يبعد الناس نهائيا عن ذلك الأصل الكبير .

ومن هنا يتبين أن الناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل ما داموا عرضة للهوى والبغي والضلال.

ولقد جاء الكتاب.. ومع ذلك كان الهوى يغلب الناس من هنا وهناك؛ وكانت المطامع والرغائب والمخاوف والضلالات تبعد الناس عن قبول حكم الكتاب، والرجوع الى الحق الذي يردهم إليه.

فالبغي - حسب النص القرآني(2) - هو الذي قاد الناس الى المضي في الاختلاف وفي اللجاج والعناد.

والجهل عامل آخر للاختلاف والفرقة، غير أن الجاهل ينبغي أن يسأل

ص: 5


1- راجع الآية 213 من سورة البقرة.
2- راجع الآية 213 من سورة البقرة.

العلماء ماجهل، كما قال تعالى:«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).

ومن هنا كان تجاوز الجاهل لهذا الأصل الذي يرتضيه العقل ويستسيغه العقلاء بغية وتعدية لأوضح القواعد والطرق التي من شأنها أن تسد طريق الفرقة والاختلاف.

والإسلام دين الله الخالد الذي تمتلت حقائقه في نصوص كتاب الله وسنة رسوله الذي لا ينطق عن الهوى وإنما هي وحي يوحی

وقد علم الله ورسوله أن أمته ستختلف من بعده، كما اختلفت في حياته.

من هنا جعل القرآن للأمة نبراسا من بعد الرسول يحذو حذوه صلی الله علیه و آله ويقدم للأمة ما تقصر عن فهمه وتفسيره، وهو أهل البيت علیهم السلام ، وهم المطهرون من كل رجس ودنس والذين نزل القرآن على جدهم المصطفی وتلقوه منه فعقلوه عقل وعاية ورعاية، فآتاهم الله ما لم يؤت أحد سواهم.. كما نص الرسول صلی الله علیه و آله على مرجعيتهم الشاملة في حديث الثقلين المشهور، فحرصوا على صيانة الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم من الفهم الخاطئ والتفسير الباطل ودأبوا على تبيان مفاهيمه الرفيعة، فكانوا مرجعة للأمة وملاذا للمسلمين، يدفعون الشبهات ويستقبلون الاسئلة والاثارات بحلم وأناة. ويشهد تراثهم المعطاء على حسن تعاملهم مع أصحاب السؤال والحوار، ويدل على طول باعهم وعمق إجابتهم التي تشهد لهم بمرجعيتهم العلمية في هذا المضمار.

إن تراث أهل البيت عليهم السلام الذي حفظته مدرستهم وحرص على حفظه

ص: 6


1- الأنبياء: 7 و النحل: 43.

من الضياع أتباعهم يعبر عن مدرسة جامعة لشتی فروع المعرفة الإسلامية. وقد استطاعت هذه المدرسة أن تربي النفوس المستعدة للاغتراف من هذا المعين و تقدم للأمة الإسلامية كبار العلماء المحتذين لخطى أهل البيت عليهم السلام الرسالية، مستوعبين إثارات وأسئلة شتى المذاهب والاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلامية وخارجها، مقدمين لها أمتن الأجوبة والحلول على مدى القرون المتتالية.

وقد بادر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - منطلقا من مسؤولياته التي أخذها على عاتقه - للدفاع عن حريم الرسالة وحقائقها التي ضبب عليها أرباب الفرق والمذاهب وأصحاب الاتجاهات المناوئة للإسلام، مقتفي خطى أهل البيت مال وأتباع مدرستهم الرشيدة التي حرصت في الرد على التحديات المستمرة وحاولت أن تبقى على الدوام في خط المواجهة وبالمستوى المطلوب في كل عصر.

إن التجارب التي تختزنها کتب علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام في هذا المضمار فريدة في نوعها ؛ لأنها ذات رصيد علمي يحتكم الى العقل والبرهان ويتجنب الهوى والتعصب المذموم، ويخاطب العلماء والمفكرين من ذوي الاختصاص خطابا يستسيغه العقل وتتقبله الفطرة السليمة.

وقد جاءت محاولة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام التقدم لطلاب الحقيقة مرحلة جديدة من هذه التجارب الغنية في باب الحوار والسؤال والرد على الشبهات - التي أثيرت في عصور سابقة أو تثار اليوم ولا سيما بدعم من بعض الدوائر الحاقدة على الإسلام والمسلمين من خلال شبكات الانترنيت وغيرها - متجبة الإثارات المذمومة وحريصة على

ص: 7

استثارة العقول المفكرة والنفوس الطالبة للحق لتنفتح على الحقائق التي تقدمها مدرسة أهل البيت الرسالية للعالم أجمع في عصر يتم فيه تکامل العقول وتواصل النفوس والأرواح بشكل سريع وفريد.

ولابد أن نشير إلى أن هذه المجموعة من البحوث قد أعدت في لجنة خاصة يرأسها فضيلة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أبو الفضل الإسلامي (علي) برفقة مجموعة من الأفاضل وهم السيد منذر الحكيم والشيخ عبدالكريم البهبهاني والسيد عبدالرحيم الموسوي والشيخ عبدالأمير السلطاني والشيخ محمد الأميني والشيخ محمد هاشم العاملي والسيد محمد رضا آل ایوب وحسين الصالحي وعزيز العقابي

ونتقدم بالشكر الجزيل لكل هؤلاء ولأصحاب الفضل والتحقيق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي والشيخ جعفر الهادي والاستاذ صائب عبد الحميد لمراجعة كل منهم جملة من هذه البحوث وابداء ملاحظاتهم القيمة عنها.

وكلنا أمل ورجاء بأن نكون قد قدمنا ما استطعنا من جهد أداء لبعض ما علينا تجاه رسالة ربنا العظيم الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام

قم المقدسة

ص: 8

* الرجعه

معني الرجعة

تعني الرجعة - كما هي في اعتقاد الإمامية - أن الله سبحانه وتعالي سيعيد قوماً من الأموات الي الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، وأن هؤلاء علي قسمين: مَن مَحَض الإيمان محضاً في حياته الاُولي، ومن كان قد محض الكفر، محضاً فيها، ثم يديل الله سبحانه وتعالي المحقين من المبطلين، والمظلومين من الظالمين، وأن ذلك سيحدث لدي قيام الإمام المهدي(عليه السلام)، ثم يصيرون بعد ذلك الي الموت. وهناك من فسّر الرجعة بأنها تعني رجعة الحق الي نصابه وذلك علي يد المهدي(عليه السلام). وأن الأمر لا يشتمل علي إحياء الموتي وعودة الاشخاص الي الدنيا من جديد. والرأي الأوّل هو الشائع بين جمهور الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما منذ عهد الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضي والشيخ الطوسي وحتي العلاّمة المجلسي والحر العاملي، الي الفقهاء والعلماء المعاصرين.

ص: 9

رتبة الاعتقاد بها

من الواضح أن العقيدة الإسلامية لها اُصول واُسس متفق عليها، وفيها فروع وامتدادات قد يظهر الخلاف فيها من جهة من الجهات، والرجعة ليست من تلك الاُصول التي لا يسوغ الخلاف فيها، وقد أجاد الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء حيث كتب، يقول: «ليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم، ولا إنكاره بضار، وإن كانت ضرورية عندهم، ولكن لا يناط التشيع بها وجوداً وعدماً، وليست هي إلا كبعض أشراط الساعة; مثل نزول عيسي(عليه السلام)من السماء، وظهور الدجال، وخروج السفياني، وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين...» (1) .

والرجعة بهذا المعني تعد جانباً من الجوانب المكمّلة لفكرة المهدوية في الإسلام ; ولذا تراهما يشتركان في مضمون واحد، هو انتصار العدالة واندحار الباطل عند المطاف الأخير من التاريخ، بما يشير الي أن النظام الدنيوي يسير باتجاه الحق، وإذا كانت الأديان السماوية قد آمنت بعودة بعض الأنبياء، واشترك المسلمون سنّةً وشيعة من خلال اعتقادهم بأصل الفكرة المهدوية بذلك، فلا مانع من الإيمان بالرجعة كجانب تأكيدي علي ذلك الأصل وامتداد

ص: 10


1- 1. أصل الشيعة واُصولها: 35، مؤسسة الأعلمي بيروت.

تفصيلي له، وبُعد بياني شارح له.

من هنا فإن مفهوم الرجعة قد يأتي تكميلاً وتوسيعاً وتعميقاً وشرحاً إضافياً لأصل الفكرة المهدوية، التي آمن بها جميع المسلمين، فإذا كان الأصل متفقاً عليه بين جميع المسلمين، فإن التأكيد علي هذا الأصل وتعميقه أكثر من خلال فكرة تفصيلية إضافية لها ما يدعمها في الكتاب والسنّة، يعد فضيلة تستحق الاكبار والاجلال، ومع ذلك هي كما قال السيد محسن الأمين العاملي «أمر نقلي، إن صح النقل به لزم اعتقاده، وإلا فلا...» (1) .

ومن هذا المنطلق الأخير وجدنا أن بعض علماء الإمامية أنفسهم، ممّن لم تبلغ لديهم دلالة نصوص الرجعة المقبولة عندهم حدّ القطع بهذا المعني المشهور، قد ذهبوا الي تفسيرها علي نحو لا يلزم عودة الحياة بعد الموت الي فريق من الناس، وإنّما يقف عند إرادة عودة دولة الحق والعدل، وهزيمة الجور والظلم والطغيان (2) .

ص: 11


1- 2. نقض الوشيعة: 376، ط مؤسسة الأعلمي بيروت.
2- 3. انظر، مجمع البيان: 7/366 (تفسير الآية 83 من سورة النمل).

الادلة علي ثبوت عقيدة الرجعة

إن عملية إثبات الرجعة والبرهنة عليها تمرّ بثلاث مراحل هي:

ألف: مرحلة إثبات إمكان الرجعة وعدم استحالتها.

وأفضل ما يثبت إمكانها بلحاظ الواقع هو أن الرجعة نوع من المعاد لا يختلف عنه شيئاً، سوي أن الرجعة معاد دنيوي يكون في آخر الزمان لبعض الناس وهم أئمة الإيمان ورؤوس الكفر، والمعاد رجعة اُخروية شاملة لكل البشرية، وكل ما يؤتي به كدليل علي إمكان المعاد يعدُّ بنفسه صالحاً لأن يكون دليلاً علي إمكان الرجعة، وبالتالي فهذه المرحلة - وهي المرحلة العقلية - من البحث مشبعة بأدلة المعاد نفسها، وهي غنية بغني تلك الأدلة.

ب - مرحلة إثبات عدم تصادم فكرة الرجعة مع جانب من جوانب العقيدة الإسلامية، إذ قد تكون الفكرة في نفسها ممكنة بلحاظ الواقع إلا أن الاعتقاد بها يتصادم أو يضعف جانباً معيناً من جوانب العقيدة الإسلامية، فهل الرجعة متوفرة علي هذا الإثبات؟ والجواب علي ذلك: إن فكرة الرجعة مشتملة علي هذا الإثبات من جهتين:

1 - إن فكرة الرجعة ليست فقط لا تتصادم مع جانب من جوانب العقيدة الإسلامية، بل إنها تعطي تعميقاً وتفعيلاً وزخماً أكبر لاُصول الدين الخمسة، فهي مظهر يجسد قدرة الله سبحانه وتعالي

ص: 12

المطلقة، وعدالة خط النبوات، وفاعلية الإمامة، وواقعية المعاد ليوم القيامة.

2 - إن هذه الفكرة لها تطبيقات في الاُمم والنبوات السابقة علي الإسلام وقد حكي القرآن الكريم هذه التطبيقات بنحو مؤكد، مما يدلّل بوضوح علي أن فكرة الرجعة ليست أنها لا تتصادم مع العقيدة الإسلامية فحسب، بل إنها من متطلباتها ومستلزماتها، ذلك أن القرآن الكريم لا يحدّث بما ينافي التوحيد، بل لا يأتي إلاّ بما يدعم قضية التوحيد ويؤكد علي ما فيه، والملاحظ للقرآن الكريم يجد أنه لا يكتفي بإشارة عابرة واحدة الي حصول مسألة الرجعة وتحققها في الاُمم السابقة علي الاسلام، بل يكرر هذه الإشارة بالنحو الذي يفيد أنه يريد التأكيد عليها، مما يدل علي أن فكرة الرجعة تعود بنفع مؤكد علي التوحيد. ففي سورة البقرة نقرأ قوله تعالي: (ألم ترَ الي الذين خرجوا من ديارهم وهم اُلوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمّ أحياهم إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) (1) .

فقد روي المفسرون، ومنهم ابن جرير الطبري، عدة روايات عن ابن عباس ووهب بن منبه ومجاهد والسدّي وعطاء أنها في شأن قوم من بني إسرائيل هربوا من طاعون وقع في قريتهم

ص: 13


1- 4. البقرة: 243.

فأماتهم الله ومرّ بهم نبي اسمه «حزقيل» فوقف متفكراً في أمرهم، وكانت قد بليت أجسادهم، فأوحي الله إليه، أتريد أن اُريك فيهم كيف اُحييهم؟ فأحياهم له وروي السيوطي مثل ذلك (1) .

ونقرأ أيضاً قوله تعالي: (وإذ قلتم يا موسي لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) (2) وفيها روي المفسرون - ومنهم الطبري - أنهم ماتوا جميعاً بعد قولهم ذلك وأن موسي لم يزل يناشد ربه عزّ وجل ويطلب إليه حتي رد إليهم أرواحهم (3) . ونقرأ أيضاً قوله تعالي: (أو كالذي مرّ علي قرية وهي خاوية علي عروشها قال أنّي يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الي طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر الي حمارك ولنجعلك آيةً للناس وانظر الي العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبيّن له قال أعلم أنّ الله علي كل شيء قدير) (4) . وقد ذكر المفسرون - ومنهم الطبري - عدداً من الروايات تفيد أنه عزير أو أرميا مرّ علي بيت المقدس بعد أن خربها نبوخذنصر،

ص: 14


1- 5. تفسير الطبري: 2 / 586 - 588، ط دار الفكر، الدر المنثور: 2 / 741، ط دار الفكر.
2- 6. البقرة: 55 - 56.
3- 7. تفسير الطبري: 1 /290 - 293.
4- 8. البقرة: 259.

فأراه الله قدرته علي ذلك بضربه المثل له في نفسه بالصورة التي قصتها الآية (1) .

وهناك آيات اُخري تثبت وقوع الرجعة بعد الموت إذا شاء الله ذلك في الإنسان والحيوان، منها الآيات: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَي وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (2) . (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَي قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَي وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَي كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِيَنكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (3) . (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَي إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيَما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (4) . (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَي كُلِّ شَيْء شَهيدٌ) (5) .

ص: 15


1- 9. تفسير الطبري: 3 / 28 - 47. [
2- 10. البقرة: 73.
3- 11. البقرة: 260.
4- 12. آل عمران: 55.
5- 13. المائدة: 117.

ومن مجموع ذلك نلاحظ تركيز القرآن الكريم علي هذا المفهوم من خلال تأكيد وقوعه مرّة بعد اُخري، وفي أطوار مختلفة في استعراض وقائع حصلت في الاُمم السابقة الأمر الذي لابدّ وأن يكون من ورائه غرض يرمي القرآن الكريم الي تحقيقه، ولابدّ أن يكون ذلك الغرض مما يعود الي قضية التوحيد والعقيدة بالنفع علي نحو التعميق والتأكيد. ج - مرحلة إثبات وقوع الرجعة في مستقبل الاُمة الإسلامية، لأن الإمكان شيء والوقوع شيء آخر. فهل في القرآن الكريم وسنّة الرسول(صلي الله عليه وآله) ما يدل علي أن الاُمة الإسلامية ستشهد تحقق الرجعة في مستقبل أيامها؟ يجيب المؤمنون بالرجعة علي هذا السؤال بالإيجاب وبنحو قاطع، اعتماداً علي عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وهي:

1 - قوله تعالي: (ويوم نحشر من كل اُمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) (1) ، فهذه الآية تتحدث عن حشر سوف يكون لبعض الناس، ومثل هذا الحشر لا يمكن أن يكون حشر يوم القيامة، لأن الحشر فيه يكون عامّاً، فما معني التخصيص ببعض الناس؟ خاصة وأن القرآن الكريم يذكر بعد ثلاث آيات من هذه الآية يوم القيامة

ص: 16


1- 14. النمل: 83.

بقوله: (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) فعلامات يوم القيامة واضحة في هذه الآية دون تلك، ولو كانت الآية السابقة ليوم القيامة أيضاً لكانت الآية اللاحقة تكراراً بلا وجه.

2 - قوله تعالي: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون) (1) ووجه الاستدلال أنه تعالي ذكر حياتين للإنسان وبعدهما رجوع إليه، الحياة الاُولي هي الحياة الدنيا، والحياة الثانية (ثم يحييكم) تكون بين الحياة الاُولي وبين الرجوع إليه سبحانه وتعالي، ولا يمكن أن تكون هذه إلا الرجعة.

3 - قوله تعالي: (ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الي خروج من سبيل) (2) ووجه الاستدلال بها أن الإماتة لا تكون إلاّ لمن سبقت له الحياة، وقولهم: (أمتنا اثنتين) يعني وقوع إماتتين بعد حياتين، والإماتة الاُولي معلومة، إذ هي التي تعقب حياتهم الاُولي المعهودة، وليس ثمّة معني لإماتة ثانية، إلاّ أن تحقق لهم حياة ثانية، ثم يصيرون بعدها الي الموت، فتجتمع لهم حياتين وموتتين، كما هو في النص.

وقد أورد المخالفون لمبدأ الرجعة لهذه الآية تأويلين لا يستقيمان بحال:

ص: 17


1- 15. البقرة: 28.
2- 16. المؤمن: 11.

قال بعضهم: إنّ المعني أنه خلقهم أمواتاً قبل الحياة!! وهذا باطل لا يستقيم مع لغة العرب، فالذي خلقه الله أمواتاً لا يقال إنّه أماته.

وقال آخرون: الموتة الثانية تكون بعد حياتهم في القبور للمساءلة!! وهذا باطل - أيضاً - من وجه آخر، إذ الحياة ليست للتكليف فيندم الإنسان علي ما فاته فيها، والآية تكشف عن ندم هؤلاء علي ما فاتهم في الحياتين، فليست هي إذاً حياة المساءلة (1) .

هذه جملة من الأدلة القرآنية علي الرجعة، وهناك عدد كبير من الأحاديث عن النبي(صلي الله عليه وآله)وأهل بيته المعصومين(عليهم السلام) رويت في إثبات الرجعة، ذكرها محدثوا الإمامية ومفسروهم في مؤلفاتهم الحديثية والتفسيرية الخاصة بهذا الموضوع (2) . هذه جملة مختصرة مما استدل به علي وقوع الرجعة في آخر الزمان، ومهما أمكن التواضع العلمي بشأنها فإنها في الحد الأدني تجعل الرجعة فكرة مقبولة، وبوسع المعارض أن يعارض بدليل، بل بوسعه المعارضة بدون دليل، ولكن ليس مقبولاً من أحد أن يهزأ بأفكار الآخرين وقناعاتهم التي آمنوا بها عبر أدلة وبراهين.

ص: 18


1- 17. انظر: المسائل السروية، الشيخ المفيد: 33.
2- 18. قد عدّد بعض الفضلاء نحو أربعين كتاباً خاصّاً بهذا الموضوع وإليك أسماء بعضها: - كتاب الرجعة لأبي حمزة البطائني ذكره النجاشي. 2 - إثبات الرجعة لابن شاذان. 3 - كتاب الرجعة للشيخ الصدوق. 4 - كتاب الرجعة للعيّاشي صاحب التفسير. 5 - إثبات الرجعة للعلاّمة الحلّي. 6 - الايقاظ للحرّ العاملي. وهو أوسع كتاب في بابه فقد ضمّنه نحو 64 آية و600 حديث. راجع في ذلك: الرّجعة: من إصدار مركز الرسالة.

يعارضونها و تراثهم ينطق بها

والذي يقرأ كلمات المعارضين لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في مسألة الرجعة يتصور أنهم أبعد ما يكونون عنها في تراثهم وخطهم الفكري، ولكن الذي يطالع هذا التراث ويتأمل فيه يجد فيه الشيء الكثير من هذه الأخبار والروايات، والتي تدلل علي وجود اعتقاد لديهم بجوهر ومضمون فكرة الرجعة. فمن الثابت في كتب التاريخ الإسلامي أن خبر وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله)لما انتشر بين المسلمين قال عمر بن الخطاب: - من لفلانة وفلانة من مدائن الروم - إن رسول الله ليس بميت حتي نفتحها، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسي! وكان يقول: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله) ما مات، ولكنه ذهب الي ربه، كما ذهب موسي بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله(صلي الله عليه وآله)فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات (1) . وعلي هذا يكون عمر بن الخطاب أوّل من قال بالرجعة في الإسلام، وليس عبدالله بن سبأ الرمز الاُسطوري الذي تنسب له كل شناعة في التاريخ الإسلامي.

ص: 19


1- 19. السيرة النبوية لابن هشام: 4 / 305، الطبقات الكبري لابن سعد: 2 / 266.

وقد أ لّف ابن أبي الدنيا المتوفي سنة (281) كتاباً بعنوان «من عاش بعد الموت» وصدر هذا الكتاب محققاً عن دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1987م.

وأفرد أبو نعيم الإصفهاني في كتابه «دلائل النبوة» والسيوطي في «الخصائص الكبري» باباً في معجزات الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم) في إحياء الموتي، وذكر السيوطي كرامات في إحياء الموتي من قبل غير النبي(صلي الله عليه وآله) (1) .

ورووا أنّ زيد بن حارثة والربيع بن خراش ورجلاً من الأنصار قد تكلّموا بعد الموت (2) .

ص: 20


1- 20. خصص الشيخ عبدالحسين الأميني بحثاً مطوّلاً في الجزء الحادي عشر من الغدير: 103 - 195 سرد فيه مرويات لدي مدرسة الخلفاء تدلل علي وجود الغلو في هذه المدرسة وبضمنها أخبار كثيرة تحمل معني الرجعة.
2- 21. تهذيب التهذيب: 3 / 410 وغيرها.

اسئلة حول الاعتقاد بالرجعة

تواجه فكرة الرجعة عدّة أسئلة تتطلب إجابات واضحة، وهي: - 1 - إن عقيدة الرجعة تؤدي الي الإغراء بالمعصية، اتّكالاً علي التوبة حين الرجعة؟ والجواب: إن هذا السؤال إنما يرد فيما لو كانت الرجعة شاملة لكل الناس، أو كان هناك تعييناً بالأسماء لأشخاص الراجعين، وليس الأمر كذلك، فالرجعة خاصة بأئمة الكفر وأئمة الإيمان، وليس هناك من يستطيع أن يعيّن هؤلاء بأشخاصهم وأعيانهم، والأمر كلّه الي الله سبحانه، وهذا كاف في عدم الإغراء بالمعصية.

2 - إن عقيدة الرجعة تفضي الي القول بالتناسخ الباطل بالضرورة لدي المسلمين؟

والجواب:

إن التناسخ شيء والرجعة شيء آخر مباين له تماماً، فالتناسخ يعني حلول أرواح الأموات في أجساد اُخري يراد لها الحياة، بينما الرجعة تعني عودة أرواح بعض الناس الي أجسادهم علي غرار ما سيقع في يوم القيامة، فلو كانت الرجعة يلزم منها التناسخ للزم التناسخ في المعاد، وفي إحياء عيسي للموتي، وفيما حصل من

ص: 21

الرجعة في الاُمم السابقة. وقد تواترت الأخبار عن الأئمة(عليهم السلام) في بطلان التناسخ، وأكد علماء الإمامية قديماً وحديثاً علي ذلك، وأنّه يؤدي الي الكفر، وقد فرّق أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) بين قول الإمامية بالرجعة وبين القول بالتناسخ الذي ذهب إليه الغلاة والزنادقة المنكرون للقيامة (1) .

3 - إن عقيدة الرجعة أدّت الي ظهور اليهودية في التشيع، وهذا ما قاله أحمد أمين في كتابه «فجر الاسلام».

والجواب:

إن ظهور معالم ديانة سابقة في ديانة الإسلام أمر من مقررات العقيدة الإسلامية، لأن الإسلام إنّما نسخ العمل بالديانات السابقة، أما الجانب العقائدي فعنصر ثابت مشترك بين كل الديانات، والإسلام هو التعبير الأكمل عنها جميعاً. فمجرّد كون عقيدة في ديانة سابقة قد ظهرت في المعتقدات الإسلامية ليس عيباً في الإسلام، هذا لو فرض أنّ الرجعة من آراء اليهودية، كما يدّعيه هذا الكاتب، فالعقيدة بالتوحيد والنبوّة والبعث والنشور والحساب والجنّة والنار هي عقائد مشتركة بين الأديان كلّها، وإنّما يكون في

ص: 22


1- 22. انظر: مقالات الإسلاميين: 1/114.

الأمر عيب في استعارة معتقدات باطلة أدخلها اليهود أو النصاري أو غيرهم في الأديان.. والرجعة ليست من هذا الصنف، إذ قد تحدّث عنها القرآن في آيات متعددة، وقدم لنا منها نماذج مختلفة.

4 - كيف يجتمع القول بالرجعة مع قوله تعالي: (وحرام علي قرية أهلكناها انّهم لا يرجعون) (1)

فهذه الآية تقرر عدم رجوع الظالمين، فإذا قلنا برجوع بعضهم يكون ذلك مخالفاً للآية الكريمة؟

والجواب:

إن القول بالرجعة لا يعارض هذه الآية، إذ تتحدث هذه الآية عن نوع خاص من الظالمين، وهم الذين اُهلكوا في هذه الدنيا، ونالوا عقوبة سماوية فيها. أما الظالمون الذين رحلوا عن الدنيا بلا عقوبة ولا مؤاخذة فالآية ساكتة عنهم، ولعل سكوتها عنهم يفيد نوعاً من الامضاء لفكرة رجعتهم، أو رجعة بعضهم، ممن يختاره الله للرجعة منهم.

ص: 23


1- 23. الأنبياء: 95.

النتيجة

الرجعة ليست مستحيلة في نفسها وليست مخالفة لمبدأ التوحيد، بل هي مظهرة لقدرة الله المطلقة، هذا من ناحية..، ومن ناحية اُخري فإنّ نماذج متعددة للرجعة قد وقعت فعلاً، وقد تحدث عنها القرآن الكريم.. كما آمن أعلام الإسلام بعودة بعض الأموات الي الدنيا بعد تحقق موتهم.. ومن ناحية ثالثة فقد تظافرت بها الأخبار عن أعدال القرآن - أهل بيت النبي(صلي الله عليه وآله) - بعد ما أمكن الاستدلال بمجموعة من الآيات القرآنية علي إثباتها، فهي كبعض أشراط الساعة، وكنوع من المعاد الذي يستبعده الكافرون، وبعد فهي ليست من الاُصول التي يبتني عليها الدين أو المذهب.

ص: 24

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.