مولف:لجنة البحوث و الدراسات بالطريقة العزمية
مجله حوزه

الحمد لله رب العالمين، دينه الاسلام، وثيق الأركان، رفيع البيان، منير البرهان، مضي‌ء النيران، عزيز السلطان، لا انهدام لأساسه، و لا زوال لدعائمه، و لا انقلاع لشجرته، و لا انقطاع لمدته، و لا سواد لوضحه، و لا عوج لانتصابه، و لا انطفاء لمصباحه، و لا مرارة لحلاوته. و الصلاة و السلام علي البرزخ النوراني، القائم بين الحق و الخلق، المضي‌ء سبل الله سبحانه لمن اصطفاهم، و المبين أسرار الجمال و الجلال و الكمال المقدس لمن اجتباهم.. سيدنا و مولانا محمد. اللهم صل و سلم و بارك علي سيدنا محمد و آله، و أعطنا يا الهي و أهلنا و أولادنا و أخوتنا المؤمنين جميعا خالص حبك، و حقيقة الاخلاص لذاتك، و واسع فضلك العظيم، و جمال مواهبك الرحمانية، و عميم عفوك و مغفرتك.. آمين يا رب العالمين، و بعد: انطلاقا من قول النبي صلي الله عليه و آله سلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ [ صفحه 5] قال: لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم) (رواه مسلم 74/1 - ح 55). فبعد صدور (15) كتابا من هذه السلسلة المباركة انتظرنا لعله ينصلح أو يتغير شي‌ء من تصرفات الوهابية و أساليبهم.. و لكن لم يحصل من ذلك شي‌ء. و حيث ان الله تعالي يقول في سورة العصر: (و العصر - ان الانسان لفي خسر - الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) (العصر 3-1). فقد عزمنا أن نتوجه اليكم أيها الوهابية بهذه النصيحة - التي وجهها اليكم من قبل السيد الشريف يوسف هاشم الرفاعي و وزير الأوقاف الكويتي الأسبق - و التي نرجو أن تكون مقبولة، سائلين الله الممولي تعالي أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه، و أن يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه، و أن لا يجعله علينا متشابها فنتبع الهوي، و الله الهادي للصواب. فنقول و بالله التوفيق: (1) لا يجوز اتهام المسلمين الموحدين الذين يصلون [ صفحه 6] و يحجون ملبين مرددين: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك). لا يجوز شرعا اتهامهم بالشرك كما تطفح كتبكم و منشوراتكم، و كما يجأر خطبيكم يوم الحج الأكبر من مسجد الخيف بمني صباح عيد الحجاج و كافة المسلمين، و كذلك يروع نظيره في المسجد الحرام يوم عيدالفطر بهذه التهجمات و الافتراءات أهالي مكة و المعتمرين، فانتهوا هداكم الله تعالي، لأن ترويع المسلم حرام، لا سيما أهالي الحرمين الشريفين، و في هذا المعني نصوص شريفة صحيحة. (2) لقد كفرتم الصوفية و الشيعة ثم الأشاعرة، و استنكرتم تقليد و اتباع الأئمة الأربعة (أبوحنيفة، و مالك، و الشافعي، و أحمد بن حنبل) في حين أن هؤلاء كانوا و لا زالوا يمثلون السواد الأعظم من المسلمين، كما أن المنهج الرسمي لدولتكم و الذي وضعه الملك عبدالعزيز ينص علي اعتماد و اعتبار المذاهب الأربعة.. فانتهوا هداكم الله. [ صفحه 7] و من كان كافرا بعد اسلامه في حكم المرتد الذي يباح دمه، فتذكروا حديث المصطفي صلي الله عليه و آله سلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) (راه البخاري). (3) بعد أن فرغتم ممن سبق، سلطتم من المرتزقة الذين تحتضنوهم من رمي بالضلال و الغواية الجماعات و الهيئات الاسلامية العاملة في حقل الدعوة و الناشطة لاعلاء كلمة الله و الآمرة بالمعروف و الناهية عن المنكر، مستخدمين في ذلك الكتب و الأشرطة و نحوها، و قمتم بترجمة هذه الكتب الي مختلف اللغات و توزيعها بوسائلكم الكثيرة مجانا، كما نشرتم كتابا فيه تكفير أهل أبوظبي و دبي و الاباضية الذين معكم في مجلس التعاون. أما هجومكم علي الأزهر الشريف و علمائه فقد تواتر عنكم كثيرا. (4) سلطتم أمثال: محمد جميل زينو الحلبي، و عبدالرحمن دمشقية السوري، و أبوبكر الجزائري، و غيرهم من المرتزقة علي علماء المسلمين أمثال المشايخ: السيد عبدالله بن الصديق الغماري، و الشيخ محمد متولي [ صفحه 8] الشعراوي، و الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، و السيد محمد علوي المالكي و غيرهم كثير في عدد من بلدان المسلمين، و تسترتم وراءهم تمدونهم بالمال و الكتب و الحماية، و الفسح لكتبهم و توزيعها مع غيرها من الرسائل المشابهة في مواسم الحج و غيرها من مواسم التعرض لرحمة الله تعالي. (5) ترددون جملة الحديث الشريف: (كل بدعة ضلالة) [1] بدون فهم، للانكار علي غيركم، بينما تقرون بعض الأعمال المخالفة للسنة النبوية، و لا تنكرونها و لا تعدونها بدعة، سنذكر بعضا منها فيما يلي: (6) انكم تغلقون مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد صلاة العشاء مباشرة - و هو الذي لم يغلق قبلكم في حياة المسلمين - و تمنعون الناس علي الاعتكاف و التهجد فيه، [ صفحه 9] و تنسون قول الله تعالي: (و من أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه و سعي في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها الا خائفين لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم) (البقرة: 114). (7) تفرضون علي المؤذنين الحجازيين أسلوبا معينا في الأذان هو أسلوبكم في نجد، و زمنا معينا محدودا، و تطلبون عدم ترخيم الصوت و تحليته بنداء المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة (الصلاة). (8) تمنعون التدريس و الوعظ في الحرمين الشريفين و لو كان المدرس من كبار علماء المسلمين، حتي لو كان من علماء الحجاز و الأحساء، ما لم يكن علي مذهبكم، و باذن صريح منكم، مكتوب و مختوم منكم فقط، و يمنع غيركم حتي لو كان شيخ الأزهر الشريف، فاتقوا الله و لا تغلوا في مذهبكم، و أحسنوا الظن باخوانكم من علماء المسلمين. (9) تمنعون دفن المسلم الذي يموت خارج المدينة المنورة و مكة المرمة من الدفن فيهما و هما من البقاع [ صفحه 10] الطيبة المباركة التي يحبها الله و رسوله، فتحرمون المسلمين ثواب الدفن في تلك البقاع الشريفة المباركة، فعن عبدالله بن عدي الزهري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله سلم واقفا بالحزورة يقول: (و الله انك لخير أرض الله و أحب أرض الله الي الله، و لولا أخرجت منك ما خرجت) [2] . و عن ابن‌عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله سلم: (من استطاع أن يموت بالمدينة، فليمت بها، فاني أشفع لمن يموت بها) [3] . [ صفحه 11] (10) تمنعون النساء من الوصول الي المواجهة الشريفة أمام روضة النبي صلي الله عليه و سلم و السلام أسوة بالرجال، ولو استطعتم لمنعتم النساء من الطواف مع محارمهن بالبيت الحرام، خلافا لما كان عليه السلف الصالح و المسلمون، و تحقرون النساء المؤمنات المحصنات القانتات، و تنهرونهن، و تحجبوهن عن روية المسجد و الامام بحواجز كثيفة، و تنظرون اليهن نظرة الشك و الارتياب، و هذه بدعة شنيعة لأنه احداث ما لم يحدث في زمنه عليه الصلاة و السلام و السلف الصالح، فقد كان يلي الامام صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء، يصلون جميعا و بلا حاجز خلفه صلي الله عليه و سلم و آله. (11) أتيتم بالمرتزقة و الجهال من العابسين عند المواجهة الشريفة يستدبرون المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم بأقفيتهم و ظهورهم و يستقبلون زواره و المسلمين بوجوه عابسة مكفهرة تنظر اليهم شزرا، متهمة اياهم بالشرك و الابتداع، [ صفحه 12] يكادون أن يبطشوا بهم، يوبخون هذا، و ينتهرون ذاك، و يضربون يد الثالث، و يرفعون أصواتهم زاجرين، متجاهلين و ناسين قول الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعو أصواتكم فوق صوت النبي و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون - ان الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوي لهم مغفرة و أجر عظيم - ان الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (الحجرات: 4-2). كل هذا مع الكبر، و الا ستمرار في اهانة أحباب المصطفي و زواره المؤمنين في حضرته الشريفة، و قبالة مضجعه الشريف الذي اعتبره شيخ الحنابلة ابن‌عقيل أفضل بقعة علي اليابسة، كما نقل ذلك عن ابن‌القيم في كتابه (بدائع الفوائد) [4] . [ صفحه 13] (12) تمنعون النساء من زيارة البقيع الشريف بلا دليل قطعي مجمع عليه من الشرع، و تضيقون علي المسلمين في الزيارة الا في أوقات محدودة و قصيرة، حتي أن بعضهم ينتهز فرصة تشييع الجنائز ليزور البقيع الشريف، و قد منعتم المزورين في المدينة المنورة من مرافقة الزائرين و قطعتم أرزاقهم و بدونهم صار الناس يتخبطون و لا يعرفون أماكن روضات آل‌البيت الكرام و أمهات المؤمنين و الصحابة رضي الله عنهم، و هذا ظلم و تعسف و قهر و بطر لا يرضاه الله تعالي و رسوله الكريم، فانتهوا هداكم الله تعالي. (13) هدمتم معالم روضات الصحابة و أمهات المؤمنين و آل البيت الكرام رضي الله عنهم، و تركتموها قاعا صفصفا و شواهدها حجارة مبعثرة، لا يعلم و لا [ صفحه 14] يعرف قب هذا من هذا، بل سكب علي بعضها [5] (البنزين).. فلا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم. فهلا أبقيتم و سمحتم بالتحجير و هو مباح، و ارتفاع القبر شبرا، و هو مباح مع الشاهدين، فقد ثبت أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم وضع حجرا علي قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه ثم قال: (أتعلم بها قبر أخي و أدفن اليه من مات من أهلي) [6] . و قال خارجة بن زيد: رأيتني و نحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه، و ان أشدنا و ثبة الذي يثب فوق قبر عثمان ابن‌مظعون حتي يتجاوزه [7] . [ صفحه 15] (14) أنشأتم مكتب استجواب و محاكمة و تحقيق في زاوية الحرم النبوي (القديمة سابقا)، و كذلك بجوار البقيع حاليا، و صرتم تحاكمون فيها من ترقبونه يتوسل، أو يكثر الزيارة، أو يخشع أو يبكي، أو يدعو الله تعالي أمام الضريح الشريف متوسلا به الي الله تعالي، حيث توجهون لهم قائمة من الأسئلة - الجاهزة سلفا - عن مشروعية الزيارة و التوسل و المولد الشريف، فمن وجدتموه مخالفا لذلك سجنتموه و ألغيتم اقامته من البلاد، مع أن هذه أمور تدور بين الاستحباب و الاباحة عند العلماء حتي عند الحنابلة، فلا يجوز تفكير المسلم بها و معاقبته. يقول السيد يوسف هاشم الرفاعي: و قد حدثني من أثق به من السجناء أنه كانت الأغلال في يديه طيلة فترة السجن الذي امتد شهرا، و كان يتوضأ و يصلي و هي في يده، كما كان ممنوعا حتي من قراءة القرآن الكريم، فاتقوا الله تعالي فان الظلم ظلمات يوما القيامة. [ صفحه 16] و لا يجوز أن يكون فعل ذلك في مسجد النبي المبعوث رحمة للعالمين، الذي قال: (انما أنا رحمة مهداة) [8] . و بعثه الله تعالي رحمة للعالمين، فكيف بالمسلمين الذين تعاملونهم هذه المعاملة القاسية المنكرة بجواره الكريم و في مسجده الشريف، و هو القائل عليه الصلاة و السلام: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) [9] و (ان الله عز [ صفحه 17] وجل حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) [10] . (15) سمحتم لأحد المسحنين من أهل المدينة بهدم و اعادة بناء مسجد أبي‌بكر الصديق رضي الله عنه في جبل الخندق علي حسابه الخاص، و بعد الهدم أوقفتم رخصة البناء لأنكم تعتبرون زيارة المساجد السبعة في موقع معركة الخندق النازلة فيها سورة الأحزاب بدعة، بل و تتمنون هدمها. (16) تمنعون الناس من ادخال و قراءة كتاب (دلائل الخيرات) للشيخ العارف بالله محمد سليمان الجزولي الحسني في الصلوات علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و كذا غيره من الكتب في حين أنكم تعلمون ما يدخل و يعرض من الكتب و المجلات و المطبوعات المنكرة شرعا، فاتقوا الله تعالي. (17) تتجسسون و تلاحقون و تستجوبون و تعاقبون من يقيم مجالس الاحتفال و الاحتفاء بذكري المولد النبوي [ صفحه 18] الشريف التي تخلو من أي منكر في الشرع. في حين لا تعترضون علي مجالس اللهو و الطرب و الغناء و مظاهرها بشتي ألوانها و أنواعها - فهل يجوز الكيل بمكيالين؟ و هل تجوز اهانة المؤمن المحب و مراضاة الفاسق المستهتر؟. (18) تمنعون الأئمة من (القنوت) في المساجد في صلاة الصبح و تعتبرونه بدعة، علما بأنه ثابت سرعا لدي امامين من الأئمة الأربعة هما: الشافعي، و مالك رضي الله عنهما، فلماذا فرض الرأي الواحد، و التضييق علي المسلمين؟.. فاتقوا الله تعالي. (19) لا تعهدون بالامامة في الحرمين الشريفين الا لأحدكم (من نجد) و تحظرونها علي من سواكم من علماء الحجاز و الأحساء و غيرهم، فهل هذا من العدل أو من الدين بالضرورة، فاتقوا الله تعالي، و أقسطوا انه تعالي يحب المقسطين. (20) أعملتم معولكم في هدم آثار النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الصحابة الكرام في المدينة المنورة خاصة و الحرمين الشريفين عامة، حتي كاد أن لا يبقي منها الا المسجد النبوي [ صفحه 19] الشريف وحده، في حين أن الأمم تعتز و تحتفظ بآثارها، ذكري و عبرة و دليلا علي ماضيها التليد، و ترون أن كل أثر يقصد للاطلاع و الزيارة شرك بالله تعالي.. و الله تعالي أمرنا بأن نسير في الأرض لننظر آثار المشركين فنعتبر بها كعاد و ثمود الموجودة في (ديار صالح - العلا قرب المدينة المنورة) و التي لا تزال مزارا للسائحين، حيث قال الله تعالي: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) (آل عمران: 137). و قال تعالي: (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة و آثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم و ما كان لهم من الله من واق - ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله انه قوي شديد العقاب) (غافر: 22-21). و قال تعالي: (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله جاءتهم [ صفحه 20] رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم و قالوا انا كفرنا بما أرسلتم به و انا لفي شك مما تدعوننا اليه مريب) (ابراهيم: 9). فلماذا تحرمون المسلمين من مشاهدة معالم و آثار معركة أحد و بدر و الحديبية و حنين و الأحزاب و غيرها من (أيام الله) التي نصر بها رسوله و عباده الصالحين و هزم الشرك و المشركين؟.. فاتقوا الله و كونوا من أولي الألباب. (21) آويتم (ناصر الألباني) و نصرتموه و سمحتم له بنشر كتابه: (أحكام الجنائز و بدعها). الذي طالب فيه باخراج روضة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم من المسجد الشريف [11] ، و عينتموه عضوا في المجلس الأعلي للجامعة الاسلامية في المدينة المنورة و أستاذا بها، و لما أخرجه الملك فيصل مع بعض أتباعه و طردهم أعدتموه الي نفس المنصب بعد ذلك.. و لا تزال كتبه الكاسدة مفسوح لها و مشجعة عندكم، [ صفحه 21] في الوقت الذي منعت فيه بعض كتب حجة الاسلام الغزالي و المالكي و البوطي و غيرهم من علماء المسلمين.. فأين العدل و القسط؟. (22) احتضنتم تلميذ الألباني و وكيله في الكويت (عبدالرحمن عبدالخالق) و وجهتم أتباعكم اليه، و أمددتموه بالمدد الكامل، و هو الذي هاجم في كتابه (فضائح الصوفية) عامة الأولياء و الصالحين، و اعتبر كل الصوفية زنادقة كافرين باطنيين و ضالين، ولو كان منهم من أثني عليه و زكاه ابن‌تيمية و ابن‌رجب و الذهبي و بقية مشايخكم المعتمدين عندكم، و في الحديث القدسي الصحيح: (من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب) [12] فاتقوا الله تعالي و انتهوا. (23) تنتهزون كل عام فرصة صيانة و صباغة و ترميم المسجد النبوي الشريف، لتزيلوا كثيرا من المعالم الاسلامية الموجودة في خلوة المسجد الشريف من الآثار [ صفحه 22] و المدائح النبوية فقد طمستم كثيرا من أبيات البردة النبوية للبوصيري، و قد أردتم طمس البيتين الشهيرين - المكتوبين علي الشباك الشريف - الوازدين في قصة العتبي كما ذكرها ابن‌كثير في التفسير [13] . يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع و الأكم نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف و فيه الجود و الكرم لولا أن نهاكم الملك فهد عندما بلغه الأمر و أمر باعادتها، فما هذا الجفاء و الصد عن نبينا صلي الله عليه و آله و سلم و الواسطة بيننا و بين ربنا تعالي؟ ما الأمر الذي بينكم و بينه؟، و كأنكم نسيتم قوله تعالي: (و الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (التوبة: 61). و قوله تعالي: (ان الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعدلهم عذابا مهينا) (الأحزاب: 57). (24) سمحتم للمدعو مقبل بن هادي المعروف بكثرة [ صفحه 23] سبابه و طعنه علي مخالفيه من العلماء و الدعاة الي الله و صلحاء هذه الأمة، كما تشهد بذلك كتبه و أشرطته، أن يتقدم ببحث في نهاية دراسته الجامعية في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، بعنوان: (حول القبة المبنية علي قبر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم)، و اشراف الشيخ حماد الأنصاري، طالب فيها جهارا نهارا باخراج القبر الشريف من المسجد النبوي الشريف، و اعتبر وجود القبر و القبة الشريفة بدعة كبيرة، و طالب بازالتها و هدمها. و منحتموه علي ذلك درجة الفوز و النجاح. فهل تكرمون من يحاد رسول الاسلام، حبيب الله، رحمة العالمين، و خليله عليه الصلاة و السلام؟!. و قد وجه هذا الرجل المئات من أتباعه و مقلديه و نحوهم ممن تأثر بمذهبكم، وجههم - و هم حاملي السلاح - الي هدم و نبش روضات المسلمين الصالحين [14] . [ صفحه 24] في عدن باليمن منذ سنوات قليلة، فعاثوا في الأرض فسادا و خرابا، فنبشوا قبور الموتي بالمساحي و نحوها، حتي أخرجوا عظام بعض الموتي و انتهكوا حرماتهم، و أثاروا فتنة عمياء، و بلغنا أنهم استخدموا في ذلك المتفجرات (الديناميت) في بعض المواضع في اليمن. (و هذا كله في صحيفة أعمالكم). (25) سميتم المصحف الشريف الذي أمر بطبعه الملك فهد ب: (مصحف المدينة النبوية) بدلا من أن يسمي (مصحف المدينة المنورة) و كأنكم لا تقرون أن هذه المدينة المباركة قد استنارت بل استنارت الدنيا كلها ببعثة و رسالة سيدنا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و قديما هتفت جواري الأنصار عند هجرته الشريفة مرحبات: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع فهو البدر و القمر و النور، قال تعالي: (يا أيها النبي انا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا - و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا) (الأحزاب: 46-45). و قال سبحانه [ صفحه 25] و تعالي: (قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين - يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات الي النور باذنه و يهديهم الي صراط مستقيم) (المائدة: 16-15). و ارجعوا الي كتب التفاسير - و هي كثيرة - لتروا أنهم فسروا النور في الآية الشريفة بأنه المصطفي صلي الله عليه و سلم، و هنا لا نجادلكم في نور ذاته الشريفة، بل نقول: انه عليه‌الصلاة و السلام كان نورا و رحمة بما جاء به من كتاب و سنة و هداية، قال تعالي: (و يخرجهم من الظلمات الي النور باذنه و يهديهم الي صراط مستقيم) (المائدة: 16). (26) تصرون علي تسمية الجهة المشرفة علي شئون الحرمين الشريفين: (رئاسة الحرم المكي و المسجد النبوي الشريف) و لا تقولون: (الحرم النبوي الشريف)، و كذلك في اعلانات الطرق الدالة علي ذلك و الموجهة اليه.. فلماذا لا يكون مسجده صلي الله عليه و آله و سلم حرما؟!. كيف و قد جعل النبي صلي الله عليه و آله و سلم المدينة كلها حرما، فقد قال عاصم بن سليمان الأحول: قلت لأنس: أحرم رسول الله [ صفحه 26] صلي الله عليه و آله و سلم المدينة؟ قال: نعم، ما بين كذا الي كذا، فمن أحدث فيها حدثا - قال لي: هذه شديدة، من أحدث فيها حدثا - فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا. و في رواية عن أنس قال: (ثم أقبل حتي اذا بدا له أحد قال: (هذا جبل يحبنا و نحبه) فلما أشرف علي المدينة قال: (اللهم اني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم ابراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم و صاعهم) [15] . (27) تزوير التراث دأبتم علي أن تحذفوا ما لا يعجبكم و يرضيكم من كتب التراث الاسلامي التي لا تستطيعون منع دخولها المملكة لأن عامة المسلمين يحتاجون اليها، و في هذا اعتداء شرعي و قانوني علي آراء المؤلفين من علماء السلف [ صفحه 27] الصالح الذين لا يستطيعون مقاضاتكم في الدنيا بل عند الديان في الآخرة.. و مما حذف أو غير وزور: - كتاب (الأذكار) للامام محيي الدين النووي و ذلك في طبعة (دار الهدي) بالرياض سنة 1409 ه. بتحقيق عبدالقادر الأرناؤوط الشامي، استبدل (ص 295) عنوان (فصل في زيارة قبر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم) بعنوان: (فصل في زيارة مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) مع حذف عدة أسطر من أول الفصل و آخره، و حذف قصة العتبي التي ذكرها الامام النووي بكاملها. و هذا اعتداء جائر علي المؤلف و كتابه، يقول السيد يوسف هاشم الرفاعي: و لما روجع المحقق أجاب بأن و كلاءكم هم الذين غيروا و بدلوا، و لدي صورة بخط يده بذلك. - حذفت عبارات لا تجبكم من حاشية الصاوي علي تفسير الجلالين. - حذف الفصل الخاص بالأولياء و الصالحين من (حاشية ابن‌عابدين الشامي) في الفقه الحنفي. [ صفحه 28] - حذف الجزء العاشر من الفتاوي لابن تيمية، و هو الخاص بالتصوف في طبعتكم الأخيرة للفتاوي. - حاول ابن‌باز الرئيس العام لادارات البحوث العلمية و الافتاء و الدعوة و الارشاد (سابقا) أن يستدرك علي ما لا يعجبه في كتاب (فتح الباري بشرح البخاري) للامام الحافظ ابن‌حجر العسقلاني فأصدر مع معاونيه (ثلاثة أجزاء) ثم توقف عن التعليق، و قد فتح باب شر بهذه التعليقات. - فسح الي أبي‌بكر الجزائري بأن يعمل تفسيرا للقرآن الكريم بديلا و منافسا لتفسير الجلالين، و لبس علي الناس أنه هو ليتم ترويجه علي العامة. (28) و في الوقت الذي تفصلون النساء عن ذويهم و محارمهم في المسجد النبوي بحجة الغيرة علي العرض و الدين، توقفون الرجال من أتباعكم أمام مداخل النساء يستشرفونهن و كأنهم معصومون عن كل ما يصدر عن غيرهم، كما أنكم توقفون مراقبيكم من الرجال بين صفوف الطائفين و الطائفات من الحجاج و المعتمرين [ صفحه 29] يستشرفون وجوه النساء، و يطالبونهن بالنقاب خلافا لما عليه الجمهور من وجوب كشف الوجوه عند أداء هذه الشعيرة. (29) لا تعترضون علي من يرعب المسلمين الموجودين في الحرم المكي و يحقق معهم، ثم يقبض عليهم اذا لم يجد معهم (سند الاقامة) خلافا لقول الله تعالي عن الحرم الشريف: (و من دخله كانت آمنا) (آل عمران: 97). و هو أيضا مما يشوش و يعكر الصفو و الهدوء و السكينة و الهيبة علي المعتكفين و الركع السجود. (30) تمنعون و تمتنعون في المحاكم الشرعية عن ابرام عقود الزواج و النكاح بين المسلمين والمسلمات لكل مسلم غرب و مسلمة اذا كان زائرا و لا يملك سند الاقامة، و هذه بدعة و ظلم في ذمتكم لو ارتكب ما هو محرم شرعا. (31) ترفضون أن تسجلوا أي طالب للدراسات العليا في جامعاتكم الا بعد أن تمتحنوه في ما تسمونه ب(العقيدة الصحيحة)، و لا تكتفون بأنه مسلم من عامة [ صفحه 30] المسلمين الموحدين، و هذه عصبية ممقوتة. (32) اذا اختلف معكم أحد في موضوع أو أمر فقهي أو عقدي، أصدرتم كتبا في ذمه و تبديعه أو تشريكه، و مع هذا لا تمنحونه حقه في الدفاع عن نفسه و تبرئتها من ذلك، كما حصل مع السيد المالكي و أبوغدة و الصابوني و غيرهم كثير. (33) سعيتم لبدعة كبيرة لم تسبقوا اليها حتي من أسلافكم في العقيدة و المنهج، و هي أنكم سعيتم لغلق و قفل (البقيع الشريف) و منع الدفن فيه، و نقل دفن الأموات الجدد الي موقع آخر بعيد عن موقع الشرك و البدع في رأيكم، و لمنع الناس من الدخول الي البقيع و زيارة من فيه من الآل و الصحابة و التابعين و بقية الصالحين، و لكن الله تعالي أحبط مسعاكم و هيأ من أمر بتوسعة البقيع الشريف، حتي لا تكون الحجة عندكم ضيقه عن استيعاب من يموت من المسلمين. (34) رضيتم و لم تعارضوا هدم بيت السيدة خديجة الكبري أم‌المؤمنين و الحبيبة الأولي لرسول رب العالمين [ صفحه 31] صلي الله عليه و سلم و آله، المكان الذي هو مهبط الوحي الأول عليه من رب العزة و الجلال، و سكتم علي هذا الهدم راضين أن يكون المكان بعد هدمه دورات مياه و بيوت خلاء، و ميضات. فأين الخوف من الله تعالي؟ و أين الحياء من رسوله الكريم عليه الصلاة و السلام؟!. (35) حاولتم و لازلتم تحاولون و جعلتم دأبكم هدم البقية الباقية من آثار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ألا و هي (البقعة الشريفة التي ولد فيها) التي هدمت، ثم جعلت سوقا للبهائم، ثم حولها بالحيلة الصالحون الي مكتبة هي (مكتبة مكة المكرمة)، فصرتم ترمون المكان بعيون الشر و التهديد و الانتقام و تتربصون به الدوائر، و طالبتم صراحة بهدمه، و استعديتم السلطة و حرضتموها علي ذلك بعد اتخاذ قرار بذلك من هيئة كبار علمائكم قبل سنوات قليلة، يقول السيد الهاشمي: (و عندي شريط صريح بذلك) غير أن الله تعالي قيض من تجاهل طلبكم و جمده، فيا سوء الأدب و قلة الوفاء لهذا النبي الكريم، الذي أخرجنا الله به و اياكم [ صفحه 32] و الأجداد من الظلمات الي النور، و يا قلة الحياء منه يوم الورود علي حوضه الشريف.. و يا بؤس و شقاء فرقة تكره نبيها سواء بالقول أو العمل، و تحقره و تسعي لمحو آثار ه. و الله تعالي يقول لنا: (و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلي) (البقرة: 125). و الله تعالي يقول ممتنا علي بني‌اسرائيل بطالوت و موسي و هارون: (و قال لهم نبيهم ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم و بقية مما ترك آل موسي و آل هارون تحمله الملائكة ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين) (البقرة: 248). و قال المفسرون: ان البقية المذكورة هي عصاة موسي و نعليه.. الخ. و اقرأوا ان شئتم الأحاديث الصحيحة الواردة فيما يتعلق بآثار النبي صلي الله عليه و آله و سلم و اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بها المذكورة في ثنايا أبواب صحيح البخاري، ففيه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد، و فيه الغنية لقوم يعقلون و يتدبرون. [ صفحه 33] (36) كان أسلافكم حنابلة المذهب يتبعون و يقلدون مذهب الامام الشيخ أحمد بن حنبل رضي الله عنه ابتداء من ابن‌تيمية و ابن‌القيم و ابن‌رجب و ابن عبدالهادي و ابن‌قدامة المقدسي، و مرورا بالزركشي و مرعي بن يوسف و ابن‌هبيرة و الحجاوي و المرداوي و البعلي و البهوتي و ابن‌مفلح. و لكنكم الآن تخليتم عن هذا المذهب و قلتم: (انكم سلفيون) حتي بالمخالفة لشيخكم محمد بن عبدالوهاب، حيث أعلن عبدالعزيز بن باز (القائم بالفتوي و الارشاد) لمجلة (المجلة السعودية) في مقابلة معه: أنه لا يلتزم و لا يعتمد علي المذهب الحنبلي وفقه الحنابلة، و أنكم تلتزمون بالكتاب و السنة فقط. فسبحان الله تعالي.. هل كان الامام أحمد، و اخوانه الأئمة الآخرون الا ملتزمين بذلك. أم هل بلغتم و ابن‌باز و أتباعكم مرتبة (المجتهد المطلق) - و مرتبة الامام الذي يجتهد رأيه و لا يتبع أو يقلد من سبقه، نعظكم أن تزعموا ذلك، و نعوذ بالله تعالي من الجهل و الغرور و الدعوي، [ صفحه 34] و أن نكون في الزمان الذي أخبر عنه النبي صلي الله عليه و سلم و آله بقوله: (ان بين يدي الساعة أياما ينزل فيها الجهل، و يرفع فيها العلم و يكثر فيها الهرج. و الهرج القتل) [16] . و قوله صلي الله عليه و سلم: (ان الله لا يقبض العلم انتزاعا من العباد، و لكن يقبض العلم بقبض العلم بقبض العلماء، حتي اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا) [17] . (37) سمحتم للصغار و سفهاء الأحلام بمهاجمة السلف الصالح الأعلام لهذه الأمة، و منهم حجة الاسلام الامام الغزالي رحمه الله تعالي، حيث سمحتم و فسحتم للمدعو محمود الحداد أن ينشي‌ء كتابا يزعم أنه يجمع تخريجي العراقي و الزبيدي لكتاب احياء علوم الدين، فبدأه بمقدمة [ صفحه 35] رمي فيها الامام الغزالي بالضلال و بعظائم الأمور. و ذلك طبعا بعد التهجم بشتي وسائل مطبوعاتكم علي الامام أبي‌الحسن الأشعري و أتباعه من السواد الأعظم من المسلمين منذ مئات السنين، حيث و صفتموهم بالضالين المضلين (راجعوا أعداد مجلتكم «البحوث الاسلامية» و منهج أهل السنة و الجماعة لسفر الحوالي و سواها). (38) ضيقتم ثم أوصدتم و أقفلتم (باب النصيحة) من المسلمين لأئمتهم و حكامهم و أولي الأمر منهم، و أفتيتم بمعصية من يخالف ذلك و عاديتموه، في الوقت الذي فيه المسلمون و حكامهم بأمس الحاجة الي الوعظ و النصيحة بالحسني، و صلي الله تعالي علي القائل: (الدين النصيحة) قلنا لمن قال: (لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم) [18] . (39) أغريتم الشباب الأغرار بمذهبكم و آرائكم المتشددة كجهيمان العتيبي قتيل الحرم المكي و جماعته، [ صفحه 36] و كان شيخكم شيخهم و مرشدون، يثوبون اليه و يرجعون و يصدرون عن آرائه هو ابن‌باز و الجزائري، و كانوا يسرحون تحت أنظاركم يضايقون المسلمين في الحرمين، يأمرون و ينهون و يمرحون، حتي اذا قويت شوكتهم و طالت أظافرهم و ارتكبوا فعلتهم و أحيط بهم فسقطوا بين قتيل و جريح و أسير.. قلتم: انكم براء منهم و مما كانوا يفعلون.. و كتبهم و نشراتهم التي خلفوها خير شاهد و دليل علي ذلك، فمن آرائكم المتشددة استقت، و منها شربت حتي سملت، و لازلتم علي استحياء تفعلون، باسم الكتاب و السنة.. فاتقوا الله الذي اليه ترجعون. (40) كفرتم الصوفية و الشيعة ثم الأشاعرة و الماتريدية و هم سواد المسلمين ثم بقية الدعاة و المفكرين.. فماذا أبقيتم غيركم من المسلمين؟!. (41) منعتم الدروس الا دروسكم، و المذاهب الا مذهبكم، و الوعظ الا وعظكم، و الدعاة الا دعاتكم، فتعطلت مجالس العلم، و درست محافل الوعظ، و خوت حلقات القرآن، و استخفت مجالس الذكر، فماذا غدا أنتم لربكم [ صفحه 37] قائلون.. يوم يقول: (وقفوهم انهم مسئولون) (الصافات: 24). (42) كفرتم ابن‌عربي ثم ألحقتم به حجة الاسلام الغزالي ثم التفتم لأبي الحسن الأشعري، و بعده قلتم ما مات مسلم في البوسنة شهيدا و لا مات مسلم في الشيشان شهيدا و لا كذلك الشهداء في أفغانستان لأن عقيدتهم لم تكن صحيحة و سليمة، بل كانو أحنافا مقلدة تائهين هالكين، و أبقيتم أنفسكم وحدكم الناجين، و نسيتم قوله عليه الصلاة و السلام: (اذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم) [19] . (43) أنشأتم جامعة في المدينة المنورة سميتموها (الجامعة الاسلامية) بجوار سيد المرسلين صلي الله عليه و سلم و آله، فهرع الناس و العلماء اليها بفلذات أكبادهم و أبنائهم مسرعين فرحين لينهلوا من هذا المنبع، ظانين أنها ستزيدهم محبة [ صفحه 38] و اتباعا لحبيبهم صلي الله عليه و سلم و آله الطيبين و أصحابه و التابعين.. فاذا بكم تدرسونهم كيف يجافونه و يجافونهم أجمعين.. و تجعلون الطلاب علي بعضهم يتجسون لينقلوا اليكم أسماء و أخبار من سميتموهم (القبوريين) الذين يكثرون الزيارة و السلام علي سيد المرسلين و رحمة الله للعالمين، حتي يكونوا من المحاربين المنبوذين المفصولين، الا من والاكم و أطاعكم فهو وحده الصادق الأمين. و من تخرج بكم و تشرب بآرائكم من الناجحين صرتم ترسلونهم الي بلادهم و كلاء عنكم منذرين و مبشرين لتجديد اسلام آبائهم و أقوامهم الضالين بزعمكم، و تغدقون عليهم الرواتب و تفتحون لهم المكاتب و تفسحون الميادين، فتقوم القيامة و ينشب الخلاف و العداء بينهم و بين العلماء و الصلحاء من آبائهم و شيوخهم السابقين، و كأنهم (قنابل موقوتة) عبأتموها بكل سوء ظن و حقد دفين، مما جعل البلاد الاسلامية و خاصة افريقيا و آسيا ساحة للمعارك و الخلافات بين المسلمين، بل وصل الأمر هذا الي البلدان الاسلامية التي استقلت حديثا من روسيا، و الي الأقليات [ صفحه 39] و الجاليات المسلمة في أروبا و أمريكا و استراليا و غيرها.. فالي الله المشتكي. (44) لم يقل ابن‌تيمية و لا ابن‌القيم، و لا أحد من أئمة السلف من قبلهما أن الصوفية مشركون، بل قالوا: ان منهم من يصل الي مقام الصديقين، فراجعوا ان شئتم كتب الذهبي و ابن‌رجب و فتاوي ابن‌تيمية و مدارج السالكين لابن القيم و غيرها. و لكنكم تكفرون الصوفية (كافة) و تصفونهم بالابتداع و الشرك. و يفعل الشي‌ء نفسه أحباكم و تلاميذكم المحدثون كأمثال عبدالرحمن عبدالخالق و الجزائري و زينو و دمشقية و الألباني، و مقبل الوادعي، و من لف لفهم، فهل آراؤكم هذه تابعة للسلف الصالح أم أنتم بها منفردون مبتدعون؟! و هل يجوز أن تقولوا: سلفيون، و لم يسبقكم سلفي الي هذا الأمر المقيت؟!. (45) بلاد أمريكا و أوروبا وصلها داؤكم الدفين فاشتعل الخلاف في مساجد و مدارس المسلمين، فهذا تابع لابن باز و ابن‌عثيمين، يكفر الصوفية و الذاكرين، و هذا [ صفحه 40] أشعري أو ما تريدي، و هذا دبوبندي أو بريلوي.. الخ، يحارب بعضهم بعضا، و يحرم الصلاة و الزواج و التواصل فيما بينهم و يطع أو اصر الدين، و قد شاهدنا منع خطيب من الخطابة في مسجد بأمريكا لأنه صوفي فقام الشجار بين المصلين.. فالتوبة الي الله رب العالمين القائل: (و توبوا الي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (النور: 31). (46) ان ما حصل من مذابح و مجازر و مآسي تشوه سمعة الاسلام و تفتك بالمسلمين خاصة كالتي في الجزائر و مصر، أو التي حدثت في الحرم المكي، ما هي الا ثمرة خريجيكم و آرائكم و قراءة كتبكم و مطبوعاتكم، التي بنيت علي التكفير و التشريك و التبديع و سوءالظن بالمسلمين. و لتتبينوا و يتبين الناس.. أنظروا هل فيهم (المتشددون) صوفي أو أزهري أو أشعري أو مقلد للمذاهب الأربعة المجتهدين؟! و بعد أن أطلقتموهم سكتم و لزمتم الصمت، و تفرجتم و لم تشجبوا أعمالهم، و لم تكونوا من الناصحين، فليت شعري من هو (الغوي المبين)؟!. [ صفحه 41] (47) تتهمون المخافين لكم من المسلمين بأنهم جهمية أو معتزلة مارقين. و أنتم الجهمية لأنكم وافقتموهم في بعض آرائهم. و حقا أنتم المعتزلة لأنكم شاركتموهم في انكار الولاية و الأولياء، و الكرامة و الكرامات، و حياة الموتي، و تحكيم العقل في المغيبات من أمور الدين. و قديما قيل: (رمتني بدائها و انسلت). و قيل: لا تنه عن خلق و تأتي بمثله عار عليك اذا فعلت عظيم (48) تعملون عمل الخوارج، فاذا جاءكم أحد من المسلمين - و خاصة طلبة العلم - تبدأون في عقيدته، أصحيحة عندكم أم لا؟ ما تقول في كذا، و كذا.. و أين الله؟ و..؟ و هكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق، فكانوا اذا جاءهم أو مربهم الموحد امتحنوه، فاذا خالفهم قتلوه - أما المشرك أو الكافر فيتلطفون به ويتلون الآية: (و ان أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم [ صفحه 42] أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) (التوبة: 6).(أفنجعل المسلمين كالمجرمين - ما لكم كيف تحكمون) (القلم: 36-35). (49) كان للمذاهب الأربعة في الحرم المكي منابر فهدمتموها، ثم كراسي للتدريس فمنعتموها، و كان من آخرها كرسي الدكتور السيد محمد علوي المالكي - رحمه الله تعالي - الذي أحياه بعدأبيه وجده، فضاقت أعينكم أن تراه فاتهمتموه بالضلال و الكفر البواح في كتابكم (الحوار)، ولو لا أن دافع عنه أهل العلم في كتبهم، و تدخل الملك فهد لكان في خبر كان. و كان من هناك علماء يدرسون في الحرم النبوي الشريف علي المذاهب الأربعة من آخرهم الشيخ (عبدالرحمن الجهني الشافعي) صاحب كتاب (قطف الثمار في أحكام الحج و الاعتمار)، فمنعتموه حتي يحصل علي تصريح من ابن‌باز، و لم يمنح له التصريح فأوقف. و منهم العلامة الورع المفتي الشيخ عبدالله سعيد اللحجي الشافعي رحمه الله تعالي، أوقفه عن الدرس [ صفحه 43] جاسوس لكم، و لم تنجح المساعي لدي ابن‌باز لاعادة الشيخ اللحجي للدرس، فحرم الطلبة من دروسه النافعة. و من قبله أوقف العلامة المحقق الشيخ اسماعيل عثمان الزين الشافعي رحمه الله تعالي، و ضيق عليه، فالله حسيبكم. و بذلك أقفل في الحرمين الشريفين باب تدريس علوم المذاهب الأربعة (المالكي، و الشافعي، و الحنفي، و الحنبلي) الذي كان مستمرا و متواصلا منذ العصور الزاهية للاسلام أيام التابعين و تابعيهم من خير القرون الممدوحة، و حتي في أيام أسلافكم لما دخلوا الحجاز، و تركتم المجال فيها للجزائري و أضرابه ينادي بأعلي صوته بجوار المصطفي صلي الله عليه و سلم و آله أن (أبوي النبي في النار، يكررها) و يرفع بها عقيرته [20] فانا لله و انا اليه راجعون، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، و حسبنا الله و نعم الوكيل. [ صفحه 44] و هذا في حسابكم و ذمتكم عند الله الجبار -بلا خوف و لا وجل من الله تعالي القائل: (ان الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعدلهم عذابا مهينا) (الأحزاب: 57). و القائل: (و الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (التوبة: 61). (50) كان هناك أثر (مبرك الناقة) ناقة النبي صلي الله عليه و آله و سلم في مسجد (قباء) يوم قدومه مهاجروا الي المدينة، في مكان نزل فيه قوله تعالي: (لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا و الله يحب المطهرين) (التوبة: 108)، فأزلتم هذا الأثر، و كنا نشاهده حتي وقت قريب. و كان في مسجد القبلتين علامة علي القبلة القديمة الي المسجد الأقصي المنسوخة، فأزلتموها باعتبارها بدعة. و أزلتم بستان الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه، حيث كانت هناك نخلة غرسها النبي صلي الله عليه و آله و سلم، وردمتم بئر (العين الزرقاء) قرب قباء، و بئر أريس (بئر الخاتم)، و منعتم مشاهدة بئر رومة التي اشتراها سيدنا عثمان رضي الله عنه من [ صفحه 45] اليهودي و أوقفها في سبيل الله، و هناك آثار أخري كثيرة هامة، اما أزيلت كلية أو غيرت معالمها. (51) و كان لأهل الأحساء من أصحاب المذاهب الأربعة مدارس خاصة لكل مذهب أغلقتموها و منعتم التدريس فيها، لأنه لا يجوز عندكم تدريس ما سوي مذهبكم في المدارس التي تشرفون عليها للذكور و الاناث، و لما صاروا يقيمون بعض الدروس في بيوتهم راقبتموهم و ضايقتموهم و حاصرتموهم و تجسستم عليهم، فهل هذه أعمال الدعاة الأبرار و الرجال الأخيار الزهاد الورعين الخائفين من الله تعالي القائل: (و اتقوا يوما ترجعون فيه الي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون) (البقرة: 281). و القائل: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون - ليوم عظيم - يوم يقوم الناس لرب العالمين) (المطففين: 6-4). و وضعتم معاولكم في بيت الصحابي الجليل (أبي‌أيوب الأنصاري)الذي استضاف فيه النبي صلي الله عليه و سلم و اله عند قدومه المدينة المنورة قبل بناء حجراته الشريفة، و قد حافظت [ صفحه 46] عليه كل العهود السابقة بما فيها عهد أسلافكم، فهدمتم هذا الأثر الشريف الذي كان في قبلة محراب المسجد النبوي الشريف، و ذلك برعم أن المسلمين المشركين يتبركون به. و هدمتم بجوار بيت أبي‌أيوب الأنصاري رضي الله عنه مكتبة شيخ الاسلام (عارف حكمت) المليئة بالكتب و المخطوطات النفيسة، و كان طراز بنائها العثماني رائعا، هدمتم كل ذلك في حين أنه بعيد عن توسعة الحرم و لا علاقة له بها. كما ردمتم (بئر حاء) التي دخلت في التوسعة و لم تتركوا عليها أثرا أو علامة أثرا أو علامة كأثر دخله النبي صلي الله عليه و آله و سلم و ورد ذكره في صحيح البخاري و غيره. و لم تبقوا في المدينة المنورة في آثار المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و أصحابه غير المسجد النبوي الشريف وحده، فهلا التفتم لخيبر و صن كعب بن الأشرف و غيرها من الآثار اليهودية التي تحافظون عليها، و هل يجوز أن يقتدي أو يقلد المسلم اليهود في ازالتهم لكل أثر اسلامي في القدس الشريف فتزيلون آثارنا في المدينة المنورة و مكة المشرفة؟!!. [ صفحه 47] و ما أبقيتم للأجيال القادمة، من تراثنا المجيد؟! و توسعتم في اصدار الأحكام باسم الشرع الحنيف في قتل المخالفين لكم، و لم تفرقوا بين المحقين و المبطلين منهم، و تركتم لأنفسكم مطلق الفتوي و الحكم بذلك، فأسلتم دماء الكثيرين من الأبرياء بحجة أنهم كفرة تستباح دماؤهم متناسين قوله تعالي: (و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق) (الأنعام: 151)، و قول البشير النذير صلي الله عليه و آله و سلم: (أول ما يقضي به بين الناس يوم القيامة الدماء) (البخاري و مسلم). فقفوا عند الحدود و ادرؤوها بالشبهات، و اتقوا يوم يقضي للجماء من القرناء، (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه و يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) (النبأ: 40). (و اتقوا يوما ترجعون فيه الي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون) (البقرة: 281). لجنة البحوث و الدراسات باطريقة العزمية [ صفحه 48]

باستثناء مواضع قليلة كرسالة ابن عبدالوهاب الي أهل القصيم (الدرر السنية 34/1) [21] ؛ نجد كل كتب ابن عبدالوهاب و رسائله تقريبا؛ فيها توسع و غلو في التكفير، لا يمكن للوهابية أن تعتذر عن تلك الأخطاء الا بمكابرة.. و قد وقعت! ولو أخذنا (الدرر السنية) [22] التي حوت أكثر كتب [ صفحه 49] و رسائل ابن عبدالوهاب - و كذلك كتاب التوحيد له الذي تحدثنا عنه في الكتاب الماضي - لوجدنا ما يدل علي الغلو في التكفير بوضوح في كثير من تقريرات ابن عبدالوهاب نختار من ذلك من كتاب الدرر السنية النماذج السريعة الآتية:

هذا صريح قول ابن عبدالوهاب، بل جعلهم (لا يعرفون لا اله الا الله و لا يفرقون بين دين محمد بن عبدالله و دين عمرو بن لحي الذي وضعه للعرب)! و الدليل علي ثبوت ذلك عن ابن عبدالوهاب قوله - كما في الدرر السنية (51/10): (.. لقد طلبت العلم و اعتقد من عرفني أن لي معرفة و أنا في ذلك الوقت لا أعرف [ صفحه 50] معني لا اله الا الله و لا أعرف دين الاسلام! قبل هذا الخير الذي من الله به! و كذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك!، فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معني لا اله الا الله! أو عرف معني الاسلام قبل هذا الوقت! أو زعم من مشايخه أن أحدا عرف ذلك! فقد كذب و افتري! و لبس علي الناس! و مدح نفسه بما ليس فيه!). ثم ذكر كلاما مشابها (الدرر السنية 57/1) بأن العلماء الذين يخاطبهم و مشايخهم و مشايخ مشايخهم لا يفهمون دين الاسلام (و لم يميزوا بين دين محمد صلي الله عليه و آله و سلم و دين عمرو بن لحي الذين وضعه للعرب، بل دين عمرو عندهم دين صحيح!!). نقول: لا ريب عندنا، أن هذا فيه تكفير صريح للصفوة من علماء و قضاة أهل نجد و شيوخهم و شيوخ شيوخهم فكيف بالعوام؟ و هذا ما لا تقر به الوهابية اليوم، فكل الكتب التاريخية عن منطقة نجد تذكر العلماء و القضاة و طلبة العلم المسلمين من أيام ابن‌عضيب في القرن التاسع الهجري الي أيام ابن عبدالوهاب في القرن الثاني [ صفحه 51] عشر، و قد ترجم المؤرخون الوهابيون المعاصرون لكثير من علماء أشيقر و شقرا و بريدة و عنيزة و حريملاء و العيينة و الرياض و الخرج و الأفلاج و غيرها قبل ابن عبدالوهاب؛ و هناك اجماع وهابي معاصر أن هؤلاء ليسوا كفارا و لا عبدة أصنام، نعم قد يكون عند بعضهم أو كلهم ضعف دعوي أو بعض البدع.. و هي أمور غاية ما يقال فيها أنها بدع أو أخطاء عقدية (ايمانية)، لكن أن يكونوا عبدة أصنام و يفضلون دين عمر بن لحي علي دين الاسلام فهذا كلام باطل لا يقره منصف، و لا نظن عاقلا يجرؤ علي مثل هذا الكلام، و نبرأ الي الله من تكفير المسلمين، و هل يغفر الله لابن عبدالوهاب هذا (التكفير الصريح) لعلماء نجد؟!!. و قد ذكر ابن‌حميد في كتاب (السحب الوابلة علي ضرائح الحنابلة) [23] كثيرا من علماء نجد في عصر ابن عبدالوهاب و قبله. [ صفحه 52] و لعبد عبدالله البسام [24] كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون) و لم يتهم أحدا منهم بالبدعة فضلا عن عبادة الأصنام و تفضيل دين عمرو بن لحي، و كتب صالح القاضي مؤلفا عن (علماء نجد)، و كذا بكر أبوزيد [25] في كتابه (علماء الحنابلة) و غيرهم، و لم نجد أن أحدا منهم أو من غيرهم ممن ترجموا للعلماء قبل ابن عبدالوهاب أو في عصره أن أحد هؤلاء العلماء كان يعبد الأصنام أو يدين بغير الاسلام، و نعوذ بالله من اعتقاد هذا، فهذا مثال واضح من الأمثلة التي تؤكد أن ابن عبدالوهاب وقع في التكفير و أخطأ فيه.

و من نماذج تكفير المعينين في كلام ابن عبدالوهاب [ صفحه 53] قوله في رسالة الي سليمان بن سحيم الحنبلي (كما في الدرر السنية 31/10): (نذكر لك أنك أنت و أباك مصرحون بالكفر و الشرك و النفاق.. أنت و أبوك مجتهدون في عداوة هذا الدين ليلا و نهارا.. أنك رجل معاند ضال علي علم، مختار الكفر علي الاسلام.. و هذا كتابكم فيه كفركم) أ.ه. و قال - (كما في الدرر السنية 78/10) -: (فأما ابن عبداللطيف و ابن‌عفالق و ابن‌مطلق فسبابة للتوحيد.. و ابن‌فيروز هو أقربهم الي الاسلام). قلنا: مع أن محمد بن فيروز هذا حنبلي مقلد لابن تيمية و ابن‌القيم و قد اعترف ابن عبدالوهاب بأنه (رجل من الحنابلة و ينتحل كلام ابن‌تيمية و ابن‌القيم)، فسبحان الله العظيم، اذا كان هذا الرجل الحنبلي الذي يقلد ابن‌تيمية و ابن‌القيم لم يدخل في الاسلام الي الآن فكيف بغيره؟! بل صرح ابن عبدالوهاب في مكان آخر أنه (كافر [ صفحه 54] كفرا أكبر مخرج من الملة) [26] اذا كان هذا هو حال الحنبلي المقلد لابن تيمية و ابن‌القيم فكيف بالفقهاء من المالكية و الشافعية و الأحناف و الظاهرية فضلا عن فقهاء الزيدية و الاباضية و الامامية و الصوفية و سائر العامة؟!

يزعم ابن عبدالوهاب أن أكثر أهل نجد و أهل الحجاز علي انكار البعث! (كما في الدرر السنية 43/10). قلنا: و هذا مما يعلم بالضرورة أنه باطل و غير صحيح، فأكثر المسلمين بل كلهم يؤمنون بيوم البعث سواء في زمنه أو قبله أو بعده.

و الكفر الذي يطلقه محمد بن عبدالوهاب ليس كفرا أصغر و انما يريد ذلك الكفر الأكبر المخرج من الملة، [ صفحه 55] و قد تكرر هذا كثيرا في كتبه و تقريراته و من ذلك قوله: (في الدرر 63/10): (بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن‌فيروز و صالح بن عبدالله و أمثالهما كفرا ظاهرا ينقل عن الملة فضلا عن غيرهما)! أه. نقول: و هذان فقيهان حنبليان، و ها هو التكفير واضح في منهج ابن عبدالوهاب نفسه فكيف بالأتباع؟! و لا يحتاج المنصف الي أكبر من هذه الاثباتات، فهذه العبارة الأخيرة فيها خطآن كبيران: الأول: تكفير العالم المعين المسلم المتأول. الثاني: التكفير المخرج من الملة، و هذا التكفير المخرج من الملة لا يخفي ما يترتب عليه من أمور خطيرة و كبيرة من اباحة الدم و المال و سبي الذرية و منع التوارث و تحريم الاستغفار أو الصدقة عنهم أو الحج عنهم و غير ذلك من الأمور الكبري، فلا يستطيع بعدها المسلم الصادق الا أن يعيش معهم عيش المنافقين، فليس أمامه الا السمع أو القمع، يخشاهم ان صدق، و يخشي الله ان كذب، يميته الاسلام و يحييه النفاق. [ صفحه 56]

و ابن عبدالوهاب لما خالفه أحمد بن عبدالكريم (و هو عالم حنبلي نجدي) أرسل ابن عبدالوهاب له رسالة فيها [27] . (.. طحت علي ابن‌غنام و غيره و تبرأت من ملة ابراهيم و أشهدتهم علي نفسك باتباع المشركين..)!! نقول: هذا تكفير صريح خاصة علي منهج ابن عبدالوهاب.

أما بلدان المشركين عند ابن عبدالوهاب فهي كل البلاد التي لم يدخل تحت طاعته أو دعوته، و لم يستثن منها الحرمين الشريفين! أنظر علي سبيل المثال (10/ [ صفحه 57] 86،77،75،64،12) [28] .

تكفير الامامية سهل اذا قسناه بتكفير الحنابلة، و يذكر ابن عبدالوهاب أن من شك في كفرهم فهو كافر (369/10) نقل هذا عن المقدسي و أقره، مع أن ابن‌تيمية - علي غلوه و نصبه - الا أن له كلاما صريحا بأن هؤلاء مبتدعة مسلمون و ليسوا كفارا، لكن ابن عبدالوهاب يجمع الشدائد.

تكفير ابن عبدالوهاب لمن سب صحابيا تجده في الدرر السنية (369/10) و هذا علي أنه موجود في كتب العقائد المغالية، الاأنه غير صحيح فالامام علي لم يكفر الخوارج و هم يكفرونه و يسبونه و كذلك سيدنا أبوبكر الصديق؛ ثبت عنه في مسنده في مسند الامام أحمد بسند صحيح النهي عن ايذاء من يسبه و يغلظ له القول، ثم لماذا [ صفحه 58] يجعل هولاء سب الصحابي كفرا و هم يدافعون عن معاوية و قد كان يسب الامام عليا كرم الله وجهه و هو من هو؟ ألم يثبت عنه في صحيح مسلم أمره بسب الامام علي بن أبي‌طالب رضي الله عنه؟ أم أن حمي الامام علي مباح و حمي الطلقاء مصون؟ لماذا جعلوا الدفاع عن الامام علي و انكار الظلم في حقه خاصا بكتب الشيعة فقط [29] (مالكم [ صفحه 59] كيف تحكمون)؟

تكفير ابن عبدالوهاب لأهل مكة تجده في (291/9)،(86/10) و ذكر ابن عبدالوهاب أن دينهم هو الذي بعث رسول الله بالانذار عنه! و زاد بعض الوهابية: بأنهم عبدة قبور! و أن من لم يكفرهم فهو كافر مثلهم، و ان كان [ صفحه 60] يبغضهم و يحب الاسلام و المسلمين [30] ! و قد بقيت هذه العقيدة في أتباع ابن عبدالوهاب و مدرسته الي أن تم لهم الاستيلاء علي الحرمين الشريفين، و أجبروا علماء الحرمين علي أن يعتقدوا هذه العقيدة في أهليهم و سكان المدينتين الشريفتين، و ذلك في عام 1225 ه، و كان [ صفحه 61] الاستيلاء علي الحرمين و ضمهما قد تم في عهد سعود بن عبدالعزيز بن محمد عام 1222 ه تقريبا، و سعود هذا (هو غير الملك سعود بن عبدالعزيز الذي حكم بعد الملك عبدالعزيز)، فسعود بن عبدالعزيز كان مغاليا في التكفير كابن عبدالوهاب، بعكس الدولتين السعوديتين الثانية و الثالثة، فهم سياسيون تهمهم المصلحة، و لا يمنعون الوهابية من التعدي علي بقية المواطنين، و ان كان بعضهم لا يخلو من وهابية خفيفة قد تدفعه لتصرفات فيها محاباة كبيرة للوهابية، غير مدرك للأثر الخطير لهذه المحاباة علي المدي الطويل.. علي كل حال: يقي السياسيون أفضل بكثير من الذين يتدينون بتكفير المسلمين و انتهاك حقوقهم. و هذه نسخة توبة علماء مكة و المدينة الذين أكرهوا علي اظهار توبة من مذاهبهم السابقة (السنية) و اتباعهم للغلو الوهابي الذي كفروا بعده جميع المسلمين..

فقد كتبت (نسخة تكفير) أيام سعود بن عبدالعزيز بن [ صفحه 62] محمد - و هو من مدرسة ابن عبدالوهاب المخلصين - وقع عليها علماء مكة و فيها: (نشهد نحن علماء مكة الواضعون خطوطنا و أختامنا في هذا الرقيم: أن هذا الدين الذي قام به الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله و دعا اليه امام المسلمين سعود بن عبدالعزيز من توحيد الله و نفي الشرك الذي ذكره في هذا الكتاب أنه الحق الذي لا شك فيه و لا ريب، و أن ما وقع في مكة و المدينة سابقا و مصر و الشام و غيرهما من البلاد الي الآن من أنواع الشرك... أنه الكفر المبيح للدم و المال و الموجب للخلود في النار، و من لم يدخل في هذا الدين (الذي قام به محمد ابن عبدالوهاب) و يعمل به و يوالي أهله و يعادي أعداءه فهو عندنا كافر بالله و اليوم الآخر، و واجب علي امام المسلمين (سعود بن عبدالعزيز) و المسلمين جهاده و قتاله حتي يتوب مما هو عليه و يعمل بهذا الدين)!!! [31] ثم تم سرد أسماء الموقعين الذين كانوا ضد الوهابية و ضد الشيخ، فالاكراه واضح.. [ صفحه 63]

و نسخة المدينة قريبة في ألفاظها و معانيها من نسخة مكة، و من ذلك: (.. و أن ما وقع في مكة و المدينة سابقا، و الشام و مصر و غيرها من البلاد الي الآن من أنواع الشرك المذكورة في هذا الكتاب أنها: الكفر المبيح للدم و المال، و كل من لم يدخل في هذا الدين، و يعمل به و يعتقده، فهو كافر بالله و اليوم الآخر، و الواجب علي امام المسلمين و كافة المسلمين القيام بفرض الجهاد و قتال أهل الشرك و العناد! و أن من خالف ما في هذا الكتاب من أهل مصر و الشام و العراق و كل من كان علي دينهم! الذي هم عليه الآن، فهو كافر مشرك من موقعه!..) [32] . نقول: نظن أنه بعد هاتين الوثيقتين، أنه يظهر بجلاء، أن مدرسة محمد بن عبدالوهاب، في موضوع التكفير، مغالية جدا، و لم تجدد في كلام ابن عبدالوهاب أو تراجعه أو تتبرأ من أخطائه، بل يتم و أد مثل هذه المراجعات، التي هي في صالح الاسلام أولا و المسلمين [ صفحه 64] ثانيا. و لذلك يبقي وهابية اليوم و الأحزاب المستفيدة من هذا التكفير الصريح، يبقون ملقين أسباب التكفير علي جهات خارجية، و يبقون في الثناء المتواصل علي مدرسة ابن عبدالوهاب، دون أدني مراجعة، بل دون توقف عن معاداة و محاربة من ينقد مثل هذه الأمور، و للأسف أنهم يستخدمون الدولة السعودية نفسها في محاربة الذي يضع يده علي الداء، في ثقافتهم المحلية سواء كان منبع الداء سلفيا أو وهابيا أو حركيا.

تكفير البدور (119،118،117/8) (114،113/10) و أنهم (أكفر من اليهود و النصاري)، و أنه (ليس عندهم من الاسلام شعرة! و ان نطقوا بالشهادتين) أنظر الدرر السنية: (238،2/9) و لم يسبق أحد من العلماء لتكفير البادية، صحيح أنهم أقل علما و أنهم يتحاكمون للعرف و القواعد القبلية، لكن هذا ليس كفرا مخرجا من الملة، فهم يصلون و يصومون و فيهم جهل ظاهر، و البادية [ صفحه 65] في عهد ابن عبدالوهاب هي البادية في سائر العصور الاسلامية.

تكفير قبيلة عنزة في الدرر (133/10) و أنهم لا يؤمنون بالبعث!.

تكفير قبيلة الظفير في الدرر (113/10) و أنهم لا يؤمنون بالبعث!.

أنظر تكفيره أهل العيينة و الدرعية الذين كانوا مع ابن‌سحيم في الرأي، و الذين كانوا من معارضي ابن عبدالوهاب في الدار (57/8).

راجع تكفير السواد الأعظم في الدرر (8/10). [ صفحه 66]

و أنه أكفر من فرعون، و أن من لم يكفره فهو كافر، بل تكفير من شك في كفره! في الدرر (25/10)، و هذا فيه تكفير لكل علماء الصوفية، و كثير من علماء المذاهب الأربعة علي الأقل. مع أن ابن عبدالوهاب في رسالة أخري غريبة عجيبة و هي (رسالته لأهل القصيم) أنكر أن يكون يري تكفير ابن‌عربي! و هذا يدل علي أنه ما كل ما ينفيه ابن عبدالوهاب عن نفسه يكون صحيحا، فها هو فيها ينفي أن يكون قد كفر ابن‌عربي، و ها نحن نجد هذا في كتبه و رسائله بأبلغ مما اتهم به، اذ زاد هنا و كفر من يشك في كفر ابن‌عربي!. بل وجدنا معظم ما ينفيه عن نفسه - و هو قليل - موجود في كتبه و رسائله! اما لفظا و اما معني، و هذا معناه أن له أحوالا مرة كان يكفر و مرة تخلي عن التكفير أو العكس، أو أنه ينفي هذه التهم سياسة لا تدينا، لا سيما و أن رسالته لأهل القصيم - التي يكثر من ذكرها وهابية اليوم - [ صفحه 67] قد احتوت علي أشياء كثيرة بالغ ابن عبدالوهاب في انكارها و دفعها عن نفسه، مع أن معظمها موجود في كتبه و رسائله التي نقحها من يطلقون علي أنفسهم المعتدلين من أتباعه! و يؤكد هذا أن أهل القصيم يومئذ الذين كان يطمع باستجابتهم له كانوا يمقتون التكفير تأثرا بعلماء العراق، فهذا من شواهد أن رسالته المعتدلة لأهل القصيم كانت سياسية، فكل منهجه علي خلافها، لا سيما و أنه بالغ في انكار التكفير حتي أنه نفي فيها أنه يكفر من يعبد الأصنام من المسلمين الجهلة! و هذه مبالغة كبيرة، فقد رأينا أنه يكفر علماء و فقهاء حنابلة في نجد لا يعبدون الأصنام لا جهلا و لا تأويلا.

كما في الدرر السنية (139/10)، و هي فتوي غريبة، المقصود منها قطع كل تعاطف مع المخالفين. و هذه سمة العقائديين الغلاة من قديم، فهم ان خشوا من تورع الأتباع، أضافوا (من شك في هذا فهو كافر، من [ صفحه 68] توقف فهو كافر، الواقفية شر من الجهمية، التوقف شك في حكم الله، و الشاك كافر،.. و هكذا). و كان بعض العوام في عهد ابن عبدالوهاب قد ذكروا هذا الاشكال، بأنهم يتحرجون من تكفير من قال (لا اله الا الله) و هو اشكال كبير، لكن كان علاجه بتكفير من أنبه الضمير.

تكفير من يسمي أتباع ابن عبدالوهاب خوارج و يقف مع خصومهم ولو كانوا موحدين و ينكرون دعوة غير الله (63/1)، قلنا: اذهن فهذه شهادة أن ما كل الناس الذين يقفون مع قبائلهم ضد ابن عبدالوهاب و أتباعه يكون وقوفهم جهلا بالتوحيد، و أن تلك القبائل و المناطق لا تحارب أهل التوحيد، و لكن يظهر أنهم اتبعوا علماء هم في وجوب التورع من التكفير و الحذر من متابعة ابن عبدالوهاب، ولو كان الذي يحارب ابن عبدالوهاب مشركا لما شهد أن التوحيد حق و أنكر دعوة غير الله - كما شهد لهم بذلك ابن عبدالوهاب نفسه - هذا أمر. [ صفحه 69] الأمر الثاني: أن التجاوز في التكفير في هذه المسألة واضح، فقد سبق أن ذكرنا أن الخوارج قد سموا الامام عليا و من معه من الصحابة (كفارا) و هي تهمة أسوأ من اتهام الوهابية ب(الخوارج) و مع ذلك لم يكفرهم الامام علي و لا من معه من المهاجرين و الأنصار.

زعم ابن عبدالوهاب أن كل بلد من بلدان نجد فيه صنم يعبدونه من دون الله، كما في الدرر (193/10). قلنا: و هذا باطل عند كل من له أدني معرفة بتاريخ نجد، و قد لا يعني ابن عبدالوهاب هنا الأصنام الحقيقية و انما قد يعني بالأصنام أولئك الفقهاء من المقلدين للمذاهب الأربعة، أو الأشخاص الذين يتبرك بهم الناس و يظنون فيهم الصلاح، فان كان يقصد هذا فهذا غلو في الخصومة، و استخدام للمجاز - الذي ينكره الوهابية تقليدا لابن تيمية - في غير موضعه، لأنه هذا اسراف في استخدام المجاز، و تعميم غير صحيح، و ابهام للمتلقي [ صفحه 70] البسيط.

تكفير ابن عبدالوهاب للرازي صاحب التفسير في الدرر (272،272/10) بل زعم ابن عبدالوهاب أن الرازي هذا ألف كتابا يحسن فيه عبادة الكواكب (355/10)! و ذكر أنه نقل هذا عن ابن‌تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم، و قد راجعنا الكتاب المذكور و لم نعثر علي هذا الكلام، فان صح هذا عن ابن‌تيمية فقد أخطأ بلا شك، فالرازي عالم مسلم لن يحسن عبادة غير الله [33] ، و قد يكون ألف كتابا عن فوائد الكواكب و تأثيرها علي الزروع، أو ينقل كلاما عن المنجمين لا يقول به و لا [ صفحه 71] يؤمن به، فيأتي ابن‌تيمية أو ابن عبدالوهاب و ينسبان هذا اليه، ثم لما نقل من كلام ابن‌تيمية و ابن عبدالوهاب يأتي أتباعه و يقولون: انما ينقلون عن النواصب و الخوارج! و الله قد حرم الكذب كله و الظلم كله، فلا يجوز أن نتهم أحد علماء المسلمين الكبار بهذه التهمة الكبيرة الا ببرهان قاطع.

تكفير طوائف لا يجمعهم الا خصومة ابن عبدالوهاب و هم من فعل الشرك (و قد عرفناتوسع ابن عبدالوهاب في تعريفه، و أن معظم ما ينكره يدخل في البدعة أو الشرك الأصغر و ليس الأكبر)، و تفكير من عادي أهل الشرك و لم يكفرهم! و تكفير من يحب التوحيد و لم يبغضه، و تكفير من لم يعرف الشرك، و تكفير من لم يعرف التوحيد، و تفكير من يعمل بالتوحيد لكن لم يعرف قدره! و لم يبغض من تركه و لم يكفرهم (الدرر السنية 22/2). قلنا: كل ما ذكره ابن عبدالوهاب صحيح لو كان يريد [ صفحه 72] بالشرك الشرك الأكبر المجمع علي أنه شرك أكبر، أما الزام الناس بتعريف للشرك و تعريف للتوحيد، لا يوافقه عليه معظم علماء عصره فهذا يجعل الأمر مختلفا، فلابد من التفريق بين الشرك الأصغر و الأكبر، و بين الشرك و البدعة، ثم يكون التكفير و القتال في الذين تحقق فيهم الشرك الأكبر، و هذا ما لم يحدث، فقد رأينا أن معظم ما ينكره ابن عبدالوهاب انما هو بدع و خرافات أن شرك أصغر علي أبعد تقدير، و هذا لا يسوغ هذه الخصومة الكبيرة من التكفير و القتال التي خاضها ابن عبدالوهاب و أتباعه مع كافة المناطق، و التكفير الذي يصم به الآخرين من مرتكبي البدع و الخرافات هو التكفير الأكبر المخرج من الملة. فتنبه لهذا.

و تكفير ابن عبدالوهاب لأكثر أهل الشام و أنهم يعبدون ابن‌عربي في الدرر السنية (45/2)، و أتباع ابن‌عربي لا [ صفحه 73] يعبدونه، و لا يجوز اتهامهم بهذه التهمة الباطلة!!. أما تكفيره من شك في كفر أتباع ابن‌عربي ففي الدرر السنية (25/10)،(45/2).

نرجو أن نكون مخطئين في فهم كلام ابن عبدالوهاب هنا، فانه في رسالته الي ابن‌عيسي الذي احتج عليه بأن الفقهاء يرون غير ما تري، ذكر ابن عبدالوهاب الآية الكريمة (اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله) فقال: فسرها رسول الله و الأئمة من بعده بهذا الذي تسمونه (الفقه)، و هذا الذي سماه الله شركا، و اتخاذهم أربابا لا أعلم بين المفسرين خلافا في ذلك! أ.ه كلامه في الدرر (59/2). نقول في الجواب: أولا: الحديث حديث عدي بن حاتم فيه نزاع قوي. ثانيا: كيف تكون كتب الفقه التي احتج بها الخصم تكون عين الشرك؟! اذا كان يقصد أن خصومه يقلدونها فهو أيضا يقلد بعض توسعات الفقهاء في باب المرتد. [ صفحه 74]

تكفير أهل الوشم من علماء و عامة تجده في الدرر (77/2).

تكفير أهل سدير من علماء و عامة (77/2).

نقول في الدرر السنية (43/1)، في رسالة له لأحد القضاة و اسمه عبدالله بن عبداللطيف: (و ما أحسنك أن تكون في آخر هذا الزمان فاروقا لدين الله كعمر رضي الله عنه في أوله) أه. نقول: هكذا و كأنه يري أن المخالفين له ليسوا بمسلمين؟!

نقل في (الدرر السنية 53/1): الاجماع علي تكفير المتكلمين! و هذا اطلاق غير صحيح، لا يطلقه من يعرف معني (المتكلم) و أنها اذا أطلقت تعني علماء المسلمين [ صفحه 75] المتهمين بأمر العقائد، فالمتكلم المسلم مسلم و ان وقع في البدعة أو الكفر بتأويل، و قد وقع ابن‌تيمية - و هو من المتكلمين الحنابلة - في أمور يعدها بعض السلف كفرا كالقول بتسلسل الحوادث، و القدم النوعي للعالم، و تصحيح حديث باطل في أن الله علي هيئة شاب أمرد.. تعالي الله عن ذلك، لكن ليس كافرا لأنه متأول ظن صحة حديث باطل، أو صحة فكرة معينة،.. الخ، اذن ما كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، و لا يكاد يسلم عالم أو عامي من قول كفري، لكن لا يكفر. و قد نقل ابن عبدالوهاب عن الذهبي و الدار قطني و البيهقي و غيرهم تكفير المتكلمين، و هذا نقل باطل، و الثلاثة متكلمون! و قد عرفنا من بعضهم علي الأقل أنه لا يكفر المتكلمين، عرفنا ذلك في الذهبي علي الأقل، فكتابه (النبلاء) ملي‌ء بتراجم المتكلمين لا نذكر أنه كفر رجلا منهم، نعم قد يأخذ عليه أخطاء و بدعا و لكنه لا يكفرهم كما نقل ابن عبدالوهاب، بل انه - أحيانا - ليعتذر عن بعض من تصدر منه هفوات كبيرة، كأن يقول: لعله [ صفحه 76] قالها في حالة سكر، لعله قال هذا و هو كذا و كذا.. و من شاء أن يتتبع هذا فليرجع الي الكتاب، بل الذهبي يري التبرك بتربة روضات الصالحين، فهو علي منهج ابن عبدالوهاب كافر كفرا أكبر يخرج من الملة، و ما يعتذر به عنه يكن الاعتذار به عن ابن‌سحيم و ابن‌فيروز و ابن‌عفالق و غيرهم ممن كفرهم ابن عبدالوهاب من علماء الحنابلة في عصره. بل للحنابلة ثلاثة كتب في فضائل قبر أحمد بن حنبل، و قد سبق أن ذكرنا أن بعض الحنابلة المتقدمين كانوا غلاة في موضوع الصفات و خلق القرآن و الصحابة فيكفرون بأدني مخالفة لمنهجهم. أما الدار قطني فله كتب منسوبة اليه و لا تصح، وضعها عليه بعض الحنابلة، فلعل نقل ابن عبدالوهاب منها. و أما البيهقي فهو أشعري، و رأي ابن عبدالوهاب في الأشاعرة شديد يكاد يصل للتكفير. [ صفحه 77]

و يذكر (54/1): أن أهل الأحساء في زمانه يعبدون الأصنام!! و هذا غير صحيح.

و ذكر في رسالته لابن عبداللطيف (الدرر 54 - 53/1): أن عندهم عبادة الأصنام (من بشر و حجر)، و زاد علي ذلك أنه لا يعلم (أحدا من أهل العلم يخالف في ذلك)! الا من (يؤمن منهم بالجبت و الطاغوت)! و أن أهل العلم في بلد ابن عبداللطيف (ملتبسون بالشرك الأكبر)! بل (و يدعون اليه)!. قلنا: و هذه كلها مبالغات لا حقيقة لها و لا واقع، و غلو العلماء و القضاة في نجد و الحجاز و الأحساء في عهد ابن عبدالوهاب - ان وجد - فهو مثل غلو غيرهم من العلماء و القضاة في العالم الاسلامي، في عهده و قبله و بعده، و في [ صفحه 78] أيام ابن‌تيمية و أحمد بن حنبل، و هذه كتبهم و رسائلهم و أهاليهم لم ينقلوا عنهم عبادة أصنام و لا دعوة لها، و أما الغلو في المشايخ فيمكن قبول تصنيفها ضمن البدع و ليس ضمن الشرك الأكبر المخرج من الملة.

قوله (73/1): (أنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه و نهي الناس عنه و عادي من فعله..). نقول: هذا الكلام يكرره ابن عبدالوهاب كثيرا، و هو صحيح نظريا، لكن من حيث الواقع يريد ب(دين الرسول) ما هو عليه و أتباعه، فخصومه من علماء و قضاة و عوام لا يقولون انهم يعادون دين الاسلام، بل هو يعترف أنهم قائمون بأركان الاسلام الخمسة، فلم يعادوا دين الرسول و لم ينهوا الناس عنه. و هم يردون الحجة نفسها و يقولون: ان من دين الرسول ألا نقاتل من قال لا اله الا الله، و أن ذلك يعصم دمه و ماله، و يقولون: ان ابن عبدالوهاب عرف هذا ثم نهي الناس عنه و عاداه، و علي هذا فهو يعادي دين [ صفحه 79] الرسول و ينهي عنه!.. و هكذا لم نخرج من الدوران، و عاد النهر ليصب في المنبع، و تبادل ابن عبدالوهاب و خصومه التكفير لأن الجميع أهمل ضوابط التكفير و موانعه [34] ، و الكل يجزم و يقطع في أمور بعضها صحيح، و أكثرها متشابهة ملتبسة يصعب القطع فيها، لكن الجميع لا يؤمن بالنسبية في مثل هذه الأمور، فاذا ترجح عند أحدهم مسألة عدها من دين الرسول، و أصبح من لا يتبعها معاديا لدين الرسول!.. و هذه فوضي علمية يخلطها تظالم و تكفير متبادل و فجور في الخصومة - فالتكفير أبلغ من السب و الذم - و ربما ساعد في ذلك الظروف السياسية، و الخصومات المذهبية و التعصب للبلد و القبيلة و المذهب، و الوهابية اليوم مدعوون ليستفيدوا من أخطاء الماضي، و ألا يكرروا تلك الأخطاء، فالتاريخ لا يرحم، و الخطأ الذي تسترون عليه اليوم سيصبح غدا خطأين، و يصبح يوم القيامة ثلاثة، [ صفحه 80] خطأ وقع، و التعصب له خطأثان، و محاربة من نبههم عليه خطأ ثالث، و عند الله تجتمع الخصوم.

و يري أن الاعتقاد في الصالحين انما هو (عبادة للأصنام) [35] ، و يكرر هذا المعني كثيرا، مع أن كلمة الاعتقاد في الصالحين كلمة عامة، يدخل فيها التوسل و التبرك و نحوه مما قال به كثير من أهل العلم، و الذي نري أنه الأقرب الي الحق، و لا نوافق علي تفكير من لم يوافقه - ابن عبدالوهاب - من علماء و عوام، لأن معظم ما أنكره ابن عبدالوهاب عليهم غالبا اما اجتهادات صحيحة أو لها وجه، و اما أخطاء و بدع فيه شبهة و تأويل و نحوه مما سبق شرحه.

ذكر (102/1): بأنه يكفر الأصناف التالية: - من عرف دين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لم يتبعه!. [ صفحه 81] - و من عرفه و أحبه لكن كان يكره من دخل في التوحيد و يحب من بقي علي الشرك!. - و من عرف الدين لكنه سبه و مدح عبدة يوسف و الأشقر و الخضر..!. - من سلم من هذا كله و لكن لم يهاجر من بلده بلد الشرك الي بلد التوحيد! [36] . نقول: هذه الحالات الأربع أيضا نجد فيها النهر يصب في المنبع!! و سبق الجواب، بأنهم لا يسلمون لابن عبدالوهاب أن الحق معه في كل ما يقول، أو أن الباطل معهم في كل ما يقولون، و الذين يصوب انكار ابن عبدالوهاب للبدع لا يصوبه في تكفير و الجهلة و المتأولين من علماء و عامة. ثم كيف نستطيع أن نعقل صدق أن هناك من يعرف التوحيد و يحبه و يتبعه و يدخل فيه و يترك الشرك؛ ثم بعد هذا كله يكره من دخل في التوحيد، و يحب من بقي علي [ صفحه 82] الشرك؟! هذا لا يعقل. لا يوجد في الدنيا رجل يحب دينا أو مذهبا و يبغض أهله، الا اذا كان يبغضهم لشي‌ء يري أنهم خالفوا فيه ذلك الدين أو ذلك المذهب، مثلما يفعل بعض السنة فقد يبغض بعضهم بعضا ظنا من المتخاصمين بأن الطرف الآخر لا يمثل السنة و أنه يسي‌ء لها [37] . فليس هناك مسلم يكره من دخل في الاسلام، و لا نصراني يكره من دخل في النصرانية، و لا شيعي يكره من دخل في التشيع، و لا سفي يكره من دخل في السلفية.. فهذا منطق عجيب. نعم، قد يصوبه رجل في بعض ما يذهب اليه؛ و هو كانكار البدع و الدعوة للتوحيد الخالص، لكن لا يذهب معه الي نهاية الطريق و يكفرهم. [ صفحه 83] بمعني أنه يعرف أن قول ابن عبدالوهاب فيه حق و باطل؛ فهو يأخذ الحق و يترك الباطل، و ابن عبدالوهاب يريد منه اما أن ينكر كل ما يقول به أو يتبعه كله؛ و هذا لا يلزم الا في دعوة الأنبياء الذين يجب اتباعهم في كل ما يقولون به و يأمرون به و ينهون عنه، أما سائر الناس من خلفاء و علماء؛ فالناس قد خالفوهم في بعض الأمر؛ فلم يصبهم منهم التكفير و لا القتال، فبعض الصحابة تخلفوا عن الامام علي في قتاله لأهل البغي، و بعض الناس حاربه، و بعضهم خذل الناس عنه، و لم يقل عن المتوقفين و لا المخذلين و لا الحاربين: (انمه سبوا دين الرسول)! أو (نهوا الناس عن دين الرسول)! مع أن الدين الذي يدين به الامام علي و عمار أصفي و أنقي من الدين الذي يدين به محمد بن عبدالوهاب، ولو سار الامام علي علي منهج ابن عبدالوهاب لكفر أهل الجمل و أهل صفين و الحرورية، بدعوي أنهم (يحاربون دين الرسول)! اضافة الي أنه كان يملك من النصوص الخاصة - فضلا عن [ صفحه 84] العامة - ما يستطيع به أن يدعم تكفيره لهذه الطوائف [38] . صحيح أنه قد صح عن الامام علي أنه كان يقول:(لا أجد الا قتالهم أو الكفر بما أنزل علي محمد)؛ يعني بذلك نفسه، أي أنه لو لم يقائل البغاة و الخوارج فكأنه كفر بالآية الكريمة (فقاتلوا التي تبغي حتي تفي‌ء الي أمر الله) [39] . [ صفحه 85] فالكفر هنا يعني به (عدم الاستجابة لأوامر الآية)، لكنه لم يكفر أهل البغي و لا الخوارج فضلا عن المتوقفين و المخذلين، و عذرهم في الشبهة التي عرضت لهم حتي لو كان يعرف أن بعض رؤوسهم كمعاوية ليس جادا و انما هو طالب ملك لكن السيرة في قتال أهل البغي يجب أن يتم التعامل فيها مع ظاهر مطالبهم، و هذا من كمال العدل مع الخصوم، لأن التعامل بالنيات و التوقعات ليس منهجا شرعيا، ولو كان شرعيا لفعله النبي صلي الله عليه و آله و سلم مع المنافقين، و لفعله الامام علي مع معاوية و الخوارج. [ صفحه 86] و الخلاصة هنا: أنه كان القتال مع الامام علي بن أبي‌طالب كرم الله وجهه ليس واجبا علي من عرضت له شبهة - مع وجود الأدلة العامة و الخاصة الصحيحة و الصريحة في وجوب قتال البغاة و الخوارج - فالقتال مع ابن عبدالوهاب و تكفير من خالفه لا يجب من باب الأولي. و كذا تكفيره لمن لم يهاجر و يترك وطنه! فهذا خطأ أيضا لأن الهجرة الشرعية التي تجب و يكفر من تركها مستطيعا كانت الهجرة الي النبي صلي الله عليه و سلم، أما الهجرة بعد انتقاله الي الرفيق الأعلي فتجب بشروط لكن دون تكفير لتاركها، و قد لا تجب لمصالح أخري مثلما زماننا هذا، فانه لا يجوز لنا تكفير المسلمين المضطهدين في العالم الذين لا يريدون الهجرد من ديارهم.

نقل ابن عبدالوهاب قولا (112/1) يوحي بتكفير الأشعري و غيره! و ابن‌حزم علي النفي المطلق للصفات، [ صفحه 87] و حجته تجدوها في كتابه الفصل، فاقرؤوا قبل أن تكفروه.

و قال ص 113: المعطل شر من المشرك!! و المعطلة عند الوهابية يدخل فيهم الأشاعرة و ابن‌حزم الظاهري و معظم الظاهرية و أكثر الصوفية و الشيعة و الأحناف و كثير من أتباع المذاهب الأربعة الا من كان مقلدا لغلاة الحنابلة و لابن تيمية و ابن‌القيم، و هذا يخرج أكثر الأمة من الاسلام.

ثم ذكر (113/1) ان انكار الرب تبارك و تعالي هو (مذهب ابن‌عربي و ابن‌الفارض و فئام من الناس لا يحصيهم الا الله)!! مع أنه ذكر ص 34 أنه لا يكفرهم!! فقال: - ذكروا عني أنني (أكفر ابن‌الفارض و ابن [ صفحه 88] عربي..) و جوابي علي هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم!!) بل صرح ص 104 بأنه لا يكفر (من عبدالصنم)!! نقول: كيف يصح عندك أنهم ينكرون الرب عزوجل ثم لا تفكرهم؟! و لا تكفر من يعبد الصنم بينما تفكر من يؤمن بالله و رسوله و يقيم أركان الاسلام و يجتنب المحرمات مع أخطاء تصاحب ذلك سواء في الاعتقاد أو العمل؟!!.

و ذكر (113/1) أن منكر الصفات منكر لحقيقة الألوهية!! نقول: و هذا يلزم منه تكفير الأشاعرة و ابن‌حزم و أغلب أتباع المذاهب الأربعة، و هم لا ينكرون حقيقة الألوهية. و قد عرض بالأشعري و سماه (امامهم الكبير)!! ص 114، يقصد امام المعطلة أو المتكلمين. [ صفحه 89]

قوله عن المسلمين المعاصرين له ص 117: (و كثير من أهل الزمان لا يعرف من الآلهة المعبودة الا هبل و يغوث و يعوق و نسرا و اللات و العزي و مناة!! فان جاد فهمه عرف أن المقامات المعبودة اليوم من البشر و الشجر و الحجر و نحوها مثل شمسان و ادريس و أبوحديدة و نحوهم منها)!!. نقول: لا تعليق! و في النص التالي جعل (أكثر المسلمين كفارا).

و قال ص 120: (شرك كفار قريش دون شرك كثير من الناس اليوم؟).! و هؤلاء الناس الكفار هم عند ابن عبدالوهاب الأكثرية يقول ص 160: (فاذا علمت هذا و علمت ما عليه أكثر الناس علمت أنهم أعظم كفرا و شركا من [ صفحه 90] المشركين الذين قاتلهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم!!). و ذكر ص 162 من هؤلاء الكفار (الذي يحكم بغير ما أنزل الله) و هذا عمدة الذين يكفرون الحكام، و قد لقي هذا النوع نقدا من علماء الوهابية المعاصرين، لكن للأسف كان لظروف سياسية و ليس عن مبادرة من العلماء حتي يكون لكلامهم مصداقية عند الشباب، فهؤلاء الشباب يقولون للعلماء: أنتم أصبحتم صوتا للحاكم، فاذا سخط علي أناس كفرتموهم و ان نهاكم انتهيتم، و بهذا لا يكون لهم مصداقية لكن لو قاموا من زمن بعيد و ذموا الغلو في التكفير وردوا عليه لما وقع العلماء في هذا الحرج و كذلك الحكام، نقول هذا مع مطالبتنا بتحكيم الاسلام في كل شؤوننا، لكن نريد ذلك التحكيم الصادر من الكتاب و السنة لا من ضيق المذهبية، و لا من اختيارات منتقاة من بعض العلماء. و هذا يتطلب الانفتاح علي كل المذاهب الاسلامية مع الحوار و البحث الجاد المتأمني و الدراسة الموسعة. [ صفحه 91]

و ذكر (234/1) أنه لا يكفر الا: (من بلغته دعوتنا للحق، و وضحت له المحجة، و قامت عليه الحجة، و أصر مستكبرا معاندا)!! ثم مثل ذلك بقوله: (كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون علي ذلك الاشراك، و يمتنعون من فعل الواجبات و يتظاهرون بأفعال الكبائر، المحرمات..)!!. نقول: رغم أن الناقل أحد الطرفين، و أن أحد الخصمين لم نسمع قوله بعد، الا أننا عرفنا عذره من خلال نقل ابن عبدالوهاب عنهم بعض الحجج - كما سبق - فاذا كان قد عرفنا براءتهم من خلال العرض الناقص من خصومهم، فهذا يدل علي أنهم في مستوي كبير من قوة الحجة! فهم الآن بلا كتب و لا دولة و لا جامعات و لا منابر و لادعايات، عرفنا من عرض ابن عبدالوهاب لحججهم أنهم مسلمون مؤمنون مثلهم مثل سائر المسلمين في العالم الاسلامي يومئذ. ثم نقول لابن عبدالوهاب و مقلديه: هؤلاء لا يسلمون لكم بأن حجتكم مقبولة، و أنها واضحة، و أنهم انما [ صفحه 92] استكبروا و أصروا، فهم علي الأقل لا يرون دعوتكم حقا خالصا، و انما يعرفون منها و ينكرون، و مثل هؤلاء لم توضح لهم الحجة، فلا يكفي في ابلاغ الحجة أن ترسلها في رسالة أو تكتبها في كتيب، لأنهم يرون أن هذه الحجة التي تكي فيها الرسالة خاصة بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم الذي دعوته حق كلها، أما بعدت تعقد العلوم و تعدد الاجتهادات، فلا كيفي مجرد بلوغ الدعوة، لا سيما و أنهم يصلهم من علمائهم عن ابن عبدالوهاب تكفير و استباحة دماء، و يتواتر هذا عندهم أكثر من تنصله من التكفير، بل وجدنا بعضهم - كابن سحيم - علي مستوي كبير من الأمانة العلمية في نقله عن ابن عبدالوهاب، بحيث اننا وجدنا ما يصدق أقواله من كتب ابن عبدالوهاب، رغم أن ابن عبدالوهاب قد أسمي فعل ابن‌سحيم (بهتانا عظيما)! فهذا يدعو مخالفيكم للشك و الريبة، و لا يثقون بتنصل سبقه وقوفهم علي كتب بخطكم فيها ما يخالف التنصل، فهذا و أشباهه من أعذار هؤلاء في عدم الاستجابة و الدخول في الدعوة فلماذا تكفيرهم؟ لا سيما و أن معظم الكتب الفقهية، و كتب [ صفحه 93] لابن تيمية و ابن‌القيم تنكر التكفير العام - علي ما فيها من غلو - فمثل هؤلاء المخالفين لابن عبدالوهاب من العلماء و خاصة الحنابلة - و خاصة أهل نجد منهم - وجدنا ما يكفي من حججهم، في ردود ابن عبدالوهاب عليهم، بعد هذه الأزمان من الانتصار لدعوة ابن عبدالوهاب و الدعاية الكبيرة فيها سيفا و قلما.. فهذا الأمر يدعو للاعجاب الكبير، فلو سألناهم هل بلغتهم الحجة كما قال ابن عبدالوهاب؟، لكان جوابهم: نحن نقوم بأركان الاسلام بشهادة ابن عبدالوهاب نفسه، لكنه مع ذلك كفرنا هو و أتباعه و رأوا قتالنا الا أن نترك ديارنا و نهاجر اليه و نقاتل معه المسلمين الذين حرم الله قتالهم.. الخ) فمثل هذه الحجة القصيرة كافية في التورع عن تكفيرهم و قتالهم، فمن كان يري هذا لا يجوز تكفيره و قد يجوز قتاله لبغي أو قطع طريق أو ظلم.

و الغريب أن ابن عبدالوهاب يورد استدلالا عجيبا (145/1) و هو أن اقرار الكفار بتوحيد الله لم يعصم دماءهم و أموالهم؟! [ صفحه 94] نقول: علي التسليم بأنه ليس فيهم دهريون و لا منكرون لليوم الآخر و النبوات، فان توحيدهم لم يعصم أموالهم لأنهم لم ينطقوا بالشهادتين ولو فعلوها ولو باللسان لعصمت دماءهم و أموالهم كالمنافقين. أما ابن عبدالوهاب و أتباعه فلم يكتفوا من الناس بالنطق بالشهادتين و لا تطبيق أركان الاسلام الخمسة، و لم تعصم هذه كلها دماءهم و لا أموالهم. و التناقض عند ابن عبدالوهاب عجيب!! فهو مرة يبالغ في الاكثار من عدد الكفار كما في (160-156/1) و كذلك في (266/1): أن الشرك قد ملأ الأرض في عصره، بينما يقول (83/1): ان أكثر الأمة علي الدين الصحيح!!

ابن عبدالوهاب يري: تكفير من نطق بكلمة كفر حتي ولو جهل معناها! أو ظن أنها لا تكفره (125/10)، [ صفحه 95] و استدل بقصة منافقي تبوك! مع أنه لا يصلح الاستدلال بها، لأن هؤلاء كانوا يعرفون معني ما يتكلمون به بأنه استهزاء لكن اعتذار هم كاذب.

و هكذا نجد أن منهج ابن عبدالوهاب بشكل عام و كل علماء الدعوة الوهابية تقريبا، علي التكفير، و الغلو فيه، و نظن أن الأمثلة السابقة كافية جدا لمن أراد أن ينصف، و هذه اللغة في التكفير هي الغالبة علي حوالي (95%) من كلام ابن عبدالوهاب و أتباعه في التكفير، أو في ما يسمي بمسألة (الأسماء و الأحكام)، و هناك قليل لا يتجاوز (5%) علي خلاف هذا المنهج، قد يكون قالها ابن عبدالوهاب أو أتباعه في لحظة هدوء نفس، أو للسياسة، أو نحو ذلك. فلذلك يجوز للسياسي أن يوظف هذا القليل من ذم التكفير، لكن طالب العلم يجب أن يعرف السمة العامة لمنهج ما أو فكر ما، و لا يجعل القليل هو الغالب أو يعكس القضية، أو علي الأقل لينقل الوجهين ثم ليرجح أن [ صفحه 96] هذا الوجه أغلب أو هذا. و لذلك رأينا أن ننقل من ذلك القليل (الذي لا يتجاوز 5%) بعد قليل، حتي تكون الأمانة العلمية أقرب، لأننا رأينا المؤيدين ينقلون من هذا القليل فقط، و الخصوم ينقلون من ذلك الكثير فقط، و محاولة ايضاح كل الصورة، و بيان مقدار النسبية أكمل و أعدل.

و مع هذا كله نجد ابن عبدالوهاب كثيرا ما يتنصل من التكفير و يدفعه عن نفسه، يقول: (و أما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن و بالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله و رسوله)! [40] . قلنا: حتي مع هذا التنصل فهذه العبارة فيها تكفير ضمني لمن ينكر عليه التكفير! لأن من (أراد تنفير الناس عن دين الله فهو كافر) علي منهج ابن عبدالوهاب و منهج غيره، فالتكفير ان لم يختف في مثل هذه المواطن من [ صفحه 97] الدفاع عن النفس من تهمة التكفير فمتي يختفي؟.

ابن عبدالوهاب نفي عن نفسه أمورا أكثرها موجودة في فتاواه، فلعل نفيه لها رجوع أو ذهول أو مناورة.. و منها: 1- انكاره أنه يبطل كتب المذاهب الأربعة (الدر 13/10)،(34/1)، مع أنه يسميها في موضع آخر (عين الشرك)! (59/2). 2- انكاره أنه يقول: ان الناس من ستمائة سنة ليسوا علي شي‌ء! (الدرر 13/10)، (34/9)، و هذه قد لا يكون قالها بالنص، لكن له عبارات في اتهام أكثر المسلمين في نجد و الحجاز، من ثلاثة قرون أو أربعة،و قد يفهم من بعض العبارات امتداد التكفير لقرن آخر أو قرنين، و علي كل ليس شرطا ألا يثبت الغلو في التكفير الا اذا قال بالعبارة السابقة، فالتكفير الثابت فيه الكفاية، و يكفيك من القلادة ما (أطاح) بالعنق! 3- انكاره أنه يدعي الاجتهاد و الخروج عن التقليد [ صفحه 98] (13/10)،(34/9)، مع أنه لم يسبقه أحد الي أمور سبق ذكرها. 4- أنكر أنه يقول اختلاف العلماء نقمة (13/10)،(34/9). 5- أنكر أنه يكفر من توسل بالصالحين (13/10)،(34/9). 6- أنكر أنه يكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق (13/10)،(34/9)، و هو يكفر من يعتقد دون ما ذكره البوصيري.. 7- أنكر أنه يقول لو قدر علي قبة رسول الله لهدمها، ولو قدر علي الكعبة لأخذ ميزابها و جعل لها ميزابا من خشب (13/10)،(34/9)، و قصتهم في المدينة و البقيع مشهورة [41] . 8- أنكر أنه يحرم زيارة روضة النبي صلي الله عليه و آله و سلم (13/10)،(34/9). [ صفحه 99] 9- أنكر أن يكون قد حرم زيارة قبر الوالدين (13/10)،(34/9). 10- أنكر أنه يكفر من حلف بغير الله (13/10)،(34/9). 11- أنكر أن يكفر ابن‌الفارض (34/9). 12- أنكر أنه يكفر ابن‌عربي (34/9)، مع أنه في مواضع أخري يري أنه أكفر من فرعون!، بل يكفره و طائفته! (أنظر الدرر السنية، 45/25،2/10). 13- أنكر أنه يحرق دلائل الخيرات (34،80/9)، مع أنهم لما دخلوا مكة حرقوه (228/1)! 14- أنكر أنه يحرق روض الرياحين (34/9)، مع أنهم لما دخلوا مكة حرقوه أيضا! لأنه يدخل الناس في الشرك! (228/1)؟ 15- أنكر أنه يكفر جميع الناس الا من تبعه (80/9)، لم يقل هذا بنصه و انما بمعناه، و قد سبق الاثبات. 16- و أن أنكحتهم السابقة غير صحيحة (80/9) مع أنهم ان كانوا علي انكار البعث و لا يفرقون بين دين [ صفحه 100] محمد بن عبدالله و دين عمرو بن لحي، فهم كفار! 17- و أنكر المبادأة بقتال الآخرين، و أنه لا يقاتل الا دفاعا عن النفس و الحرمة، من باب رد السيئة بسيئة مثلها، اضافة الي قتال من سب دين الرسول! (83/9)، و العبارة الأخيرة تطمس ما قبلها، فهو يعد مذهبه دين الرسول، و مذهب غيره من المسلمين أشد كفرا من مذهب عمرو بن لحي و كافر قريش. 18- ذكر أنه لايكفر من عبدالصنم! الذي علي قبر عبدالقادر الجيلاني، و لا من عبدالصنم الذي علي قبر البدوي! لجهل الذين يعبدون تلك الأصنام! (104/1)، لكنه في مواضع أخري كفر من يفعل دون هذا بكثير، ثم هو لا يعترف بمانع الجهل، و يكتب في ابطال هذا المانع (أنظر الدرر السنية 392،369،368/10). 19- و أنه لا يكفر من لم يهاجر اليه (104/1)، مع أنه خالف هذا و لكن بوضع شروط تؤدي لهذا مثل: أن يكون الشخص قادرا علي اظهار دينه! و هذه القدرة لها شروط أيضا من أن يكفر أهل بلده و لا يصيبه أذي! فعاد [ صفحه 101] النهر ليصب في المنبع! فالبلدة التي يتمكن فيها الشخص من هذا يعني أنها أصبحت وهابية و السلام! لأننا رأينا أنه يعتقد أن من الدين كذا و كذا و كذا.. مما لايصح شرعا و لا يواقه عليه الا مقلدوه، فاذا تمكن المقلد من اظهار هذا الدين في بلده، فيعني الحكم علي الفترة السابقة بالكفر الأكبر، كما فعلوا مع علماء الحرمين، و اذا تمكن المقلد من تكفير أهل بلدته قبل هذه الدعوة و لم يتعرض لأذي فمعني هذا أنها مهيأة لاستقبال سرية صغيرة من عشرة أفراد فقط من وهابيةالقبيلة المجاورة! ليعلموا الناس العقيدة و لجباية الزكاة لبيت مال المسلمين و الأمر بحلق الرؤوس [42] . 20- و أنه لا يكفر من لم يكفر المخالفين و يقاتلهم (104/1)، و قد رأينا، أنه يفعل هذا، فهو يكرر أن من شك [ صفحه 102] في كفر الكفار فهو منهم، و المسلمون في زمنه هم عنده أشد كفرا من كفار قريش! 21- و أنه لا يكفر تارك الصلاة (102/1)، لكن أتباعه اليوم يكفرون تارك الصلاة، و هذا أمر مختلف فيه من قديم، و كان الحنابلة ممن يشدد في هذا. 22- و أنه لايكفر من لم يدخل في طاعته (128/10)، و قد سبق أنه يشترط فيهم اظهار آراء ابن عبدالوهاب و البراءة من خصومه الذين يسميهم المشركين! 23- ذكر أنه لا يحكم بالكفر علي الجاهل الذي يعمل الشرك و الكفر حتي تبلغه الحجة؛ و انما يقول عمله عمل الكفار (136/10) و لكنه في نصوص أخري حكم بأن شيوخه و شيوخهم و شيوخ شيوخهم كانوا يفضلون دين عمرو بن لحي علي دين النبي صلي الله عليه و آله و سلم! و كفر علماء حنابلة و عين أسماءهم، و نحو هذا الذي فيه التكفير صريحا و يصعب تصديق ما ذكره في هذه المسائل. 24- ذكر بأنه انما ينفي الاسلام الصرف! الذي [ صفحه 103] يخالطه شرك و لا بدع، أما الاسلام الذي ضده الكفر فلا ينفيه! (16/10)، و قد رأيتم حكمه علي أناس بأنهم كافرون كفرا ينقل عن الملة! و أن مشركي قريش أخف من مشركي زماننا بمسألتين!.. الخ! 25- و قد صرح عبدالرحمن بن حسن بأن أصحاب ابن عبدالوهاب لو خرجوا من قبورهم لقاتلوهم! فقال: (لو ظهر علينا أهل الدرعية لقاتلونا)!! (6/16)، و هذه الشهادة كبيرة علي الغلو في التكفير و القتال، فاذا كان الناس في زمن عبدالرحمن بن حسن يستحقون التكفير و القتال فيكف بالله عليكم ببقية المسلمين؟!! خاصة و أن عبدالرحمن بن حسن - كما يزعمون - كان شديدا في الحق، فارق الأمير فيصل بن تركي لأن الأخير طالب بمعاقبة أحد جنوده في الحوش و منع من ضربه في السوق، فقال عبدالرحمن بن حسن: سلام عليكم و فارقه فلم يرجعه فيصل بن تركي الا من الحوطة! و لم يرجع حتي ضرب ذلك الجندي في السوق، فاذا كان هذا حال زمانه، و يري أن ابن عبدالوهاب سيستحل قتالهم [ صفحه 104] و تكفيرهم فكيف ببقية المسلمين؟ و هذا يدل علي أن ابن عبدالوهاب و أتباعه كانوا يكفرون و يقاتلون لأدني سبب.

أنه من خلال قراءتنا الموسعة لكتب ابن عبدالوهاب و رسائله، نجد تناقضات حادة، فينكر الشي‌ء الثابت، ويتهم الآخرين بالكذب عليه - و هذا يحصل - لكن نجد أيضا أن كثيرا مما يتبرأ منه موجود في كتبه، و هذا يدلنا علي قوة مخالفيه و دقة مآخذهم، كما يدلنا علي أن ابن عبدالوهاب اما أنه ينسي، أو أنه يتبرأ سياسة، أو أن من طبعوا كتبه في العقود الأخيرة - و هم و هابيون محليون - قد كذبوا عليه.. لكن هذا كله يزول عندما نجد أن المواطن التي فيها تبرئة للنفس من التكفير تحمل تكفيرا أيضا، لكنه تكفير خفي، كما سبق أن فصلنا في (تحرير محل الخلاف) [43] . و المشكلة هنا أنك ان جئت بقول لابن عبدالوهاب فيه [ صفحه 105] اعتدال استطاع مخالفك أن يأتي بعشرة أقوال فيها غلو، و ان طلبت منه أن يحسن الظن و يأخذ بفتاوي ابن عبدالوهاب المعتدلة - علي قلتها وسط هذا الركام التكفيري - سيقول لك: نأخذ بالصريح المتواتر و نترك الشاذ، و هنا سينتصر الغلو، و هذه عقوبة من يرضي بالتحاكم الي ابن عبدالوهاب؛ و ليس الي النصوص الشرعية!!. [ صفحه 106]

جاء تلاميذ ابن عبدالوهاب و مقلدوه ليواصلوا التكفير فقالوا: من وافق أهل بلدة في الظاهر و ان كان يري خطأهم و محب الشيخ في الباطن، و تكفير قبائل قحطان و العجمان، و تفكير أهل حايل، و تكفير من خرج الي البلدان خارج بلدان الدعوة اذا كان يري اسلام أهل تلك البلدان، و تكفير ابن‌عربي و ابن‌الفارض، و تكفير أهل مكة و المدينة، و تكفير الدولة العثمانية، بل و تكفير من لا يكفرها! و تكفير الاباضية و أكثر الفرق الاسلامية، مع آراء مغالية جدا ضد التعليم و المرأة و مظاهر الحياة العصرية. و سنقسم المسيرة هنا لقسمين: الأول: أقوال مدرسة ابن عبدالوهاب في تأكيد منهجه في التكفير. الثاني: آراؤهمك المغالية في الأمور المستجدة و أبرزها التعليم المعاصر. [ صفحه 107]

و هو خاص بتأكيد غلو المتأخرين من الوهابية للغلو الذي صدر من ابن عبدالوهاب، فمن أمثلة ذلك: 1- تكفير من وافق أهل بلده - كالحجاز أو اليمن أو الشام - ولو في الظاهر و ان كان في الباطن محبا للوهابية مبغضا لقومه، جاء هذا في الدرر السنية (121/8) قاله سليمان بن عبدالله بن محمد. 2- و أما تكفير المسافر الي خارج بلاد الدعوة خاصة مع اعتقاد اسلام البلدان الأخري (424/8) و هذا قاله حمد ابن عبدالعزيز. 3- و أما تكفير ابن‌عربي و ابن‌الفارض و أنهما من أكفر أهل الأرض، ففي الدرر(366/8) و هذا عند عبداللطيف بن عبدالرحمن. 4- و أما التصريح بأن مكة و المدينة ديار كفر آبين عن الاسلام، ففي الدرر (285/9). 5- و أما تكفير الدولة العثمانية ففي الدرر (429/10) و أن من لم يكفرها فهو كافر! لا يعرف معني لا اله الا [ صفحه 108] الله! و أن من أعانهم فقد ارتكب الردة صريحة! قالها عبدالله بن عبدالرحمن البابطين. 6- و أما تكفير قبيلة قحطان ففي الدرر (503/10) بسبب تحاكمهم الي الأحكام القبلية، و هذا عند ابن‌سحمان. 7- و أما تكفير قبيلة العجمان ففي الدرر (503/10) بسبب تحاكمهم الي الأحكام القبلية، و هذا عند ابن‌سحمان أيضا. 8- و أما تكفير أهل حايل ففي الدرر (292،291/9) و أن جهادهم من أفضل الجهاد. 9- تكفير الاباضية (438،431/10) عند عبدالله بن عبداللطيف. 10- تكفير من دخل في الدعوة الوهابية و ادعي أن آباءه ماتوا علي الاسلام! يستتاب فان تاب و الا ضربت عنقه! و صار ماله فيئا للمسلمين! (143/10) [44] ، و ان كان قد حج فعليه اعادة الحج لأن حجه قبل انضمامه [ صفحه 109] للدعوة كان أيام شركه و من شروط الحج الاسلام! (138/10) و هذا عند أبناء ابن عبدالوهاب و حمد بن ناصر. 11- تكفير الجهمية (430/10) و أنهم زنادقة مرتدون بالاجماع هذا عند بعض الوهابية، علما أنهم يدخلون الأشاعرة في الجهمية! و قد اعتدل آخرون من علماء الدعوة الوهابية، في الدرر (373/10) فذكروا الخلاف في تكفيرهم و أن الحكم باسلامهم ليس مجمعا عليه، و هذا أخف من مدعي الاجماع علي كفرهم. 12- تكفير من سمي الوهابية خوارج (182/10) عند عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب مع أنه يعد عندهم من المعتدلين، و هذا رد للتبديع بتكفير! و لذلك لم يكفر الامام علي و من معه من الصحابة الخوارج، مع أن الخوارج كفروهم، و قد اعترف ابن عبدالوهاب بأنه (لا يجوز تكفير من يكفرنا) (24/10). 13- يري عبداللطيف بن عبدالرحمن: أن صلاة الامام أحمد خلف الجهمية من أوضح الأدلة علي كفرهم [ صفحه 110] (420/10)، و هذا استدلال غريب عجيب يصعب علينا فهمه!. 14- من قال: لا اله الا الله حال الحرب يقتل و لا يتوقف عنه كما فعل أسامة بن زيد لأن صاحب أسامة لم يقلها قبل ذلك و هم يقولونها قبل ذلك!! (239/9).. و هم يغضون الطرف عن تعنيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأسامة علي ما فعله، حتي تمني أسامة أن لم يكن قد دخل الاسلام قبل ذلك!!. 15- تكفير من بلغته الدعوة و لم يسلم (245/9). 16- تكفير من لم يكفر أهل مكة (291/9). 17- تكفير الأشاعرة - عقيدة الأزهر الشريف - و أنهم لا يعرفون معني الشهادتين (364،362،324،320،312/1). 18- تكفير المعتزلة (357/1). 19- تكفير الخوارج و أنهم خارجون عن الاسلام (177/10) عند عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب. 20- تكفير مانعي الزكاة و أنهم خارجون عن الاسلام [ صفحه 111] (177/10) عند عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب. 21- تكفير الناس بالحرمين و مصر و الشام و اليمن و العراق و نجد و حضر موت و الموصل و الأكراد (385،380/1). 22- و تحدث ابن‌حميد عن (انقلاب الأكثرين عن دين الاسلام و موالاتهم لعبدة الأوثان و أعداء الشريعة من الملحدين و النصاري و الرافضة) (471/15)، و أن هذا (عام في القري و الأمصار و البوادي الا بقايا ممن رسخت في التوحيد عقائدهم) (471/15)! 23- و أن (كل مسلم يوالي الكفار و المشركين و اليهود و النصاري و لا ينكر عليهم شركهم و يحسن أفعالهم أو يشك في كفرهم أنه كافر ولو عرف التوحيد و عمل بشرائع الاسلام الظاهرة) (475/15). 24- ثم ذكر أنواع التشبه بالكفار و الركون، و ذكر منها: (اللبس، و زيارتهم، و لين الكلام، و مد العين الي زهرتهم، و تقريبهم في الجلوس، و استعمالهم في الوظائف، و الدخول عليهم، و البشاشة لهم أو اظهار ولو شي‌ء من [ صفحه 112] البشاشة! و الطلاقة و الاكرام العام، و معاونتهم ولو بأدني شي‌ء، و التزيي بزيهم، و السكني معهم في ديارهم، و الميل اليسير فيكف بمجالستهم و مؤاكلتهم والاناة الكلام، و تقريبهم في الجلوس) (482-476/15)! 25- ثم يقول: (و اذا فهمت ما تقدم تبين لك انحراف كثير من أهالي هذا الزمان وردتهم الصريحة)! و أن من أكرمهم أو أثني عليهم أو عاشرهم أو لم يعلن البراءة منهم (فهذا ردة من فاعله! يجب أن تجري عليه أحكام المرتدين! كما يدل علي ذلك الكتاب! و السنة! و اجماع الأمة! المقتدي بهم)! (479/15). 26- و أنه (يحرم السفر الي بلاد المشركين للتجارة الا أن يكون المسلم قويا له منعة يقدر علي اظهار دينه و تكفيرهم و عيب دينهم و الطعن عليهم! و البراءة،منهم و اظهار البغضاء و العداوة لهم، و لا يبدؤوهم بالسلام، و اذا لقوهم في طريق فليضطروهم الي أضيقه، و أن يصرح لهم بأنهم كفار! و أنه عدو لهم و يعلمون منه ذلك! فان لم [ صفحه 113] يحصل لم يكن مظهرا للدين [45] و لا يعتبر فعل الصلاة فقط اظهار للدين و لا اعتزالهم و اجتناب ذبائحهم)! (491-482/15)! 27- و أن الذين يستخدمون الخدم الكفار - لاحظ أن ذلك متحقق بصورة كبيرة عند الوهابية الآن - في بيوتهم و مكاتبهم و أشغالهم.. و مع ذلك هم تاركون لكثير من الواجبات فاعلون لكثير من المحرمات لا يعرفون من الشهادتين الا الألفاظ فهم مثل هؤلاء كفار مرتدون (و من شك ي ردتهم عن الاسلام فهو لا يعرف الدين و لم يشم رائحة العلم النافع)! (486/15)، و أن مثل هذا الاستخدام (محرم بنص الكتاب و السنة و اجماع سلف الأمة) (486/15). [ صفحه 114] نقول: و بعد هذا الغلو الذي لم نجد له مثيلا، يعيد كثير من العلماء و الدعاة أسباب التكفير و العنف لسيد قطب و المودودي و الاخوان المسلمون و حزب التحرير! صحيح أن في هؤلاء غلوا في الجانب السياسي، لكن لا يبلغ غلو الوهابية - و هي أم كل هذه الجماعات - في الجوانب كلها سياسية و عقدية و فقهية و ثقافية و اجتماعية، فالانصاف دين. تأملوا العبارات السابقة و انظروا هل بقي شي‌ء لتنظيم القاعدة و التيارات الجهادية لم يقل به الوهابيون؟ بل العكس صحيح، فالقاعدة و التيارات الجهادية لا تقول بكل هذا الغلو، فلا أعلم أنهم يقسمون بلاد المسلمين لديار كفر و ديار اسلام، بل من أسباب نشأتهم الكبري أنهم يرون أن الكفار اعتدوا علي (بلاد المسلمين) فهم يقرون باسلام الشعوب الاسلامية، و انما ينصب تكفيرهم علي الحكام، بينما الوهابية تفكر من خالفها من حكام و محكومين، و توجب الطاعة لأميرها علي كل المسلمين (كما رأينا في البيان الاكراهي لعلماء مكة و المدينة) و هذه من انفراداتهم [ صفحه 115] الكبري، و الدين ليس لعبة سياسية. اذن فمن الظاهر جدا أنه كان في علماء الوهابية من هو أصرح تكفيرا و استباحة للدماء من القاعدة و تيارات الجهاد في العالم الاسلامي، فالمستهدف الأساس بالتكفير و القتال هم المسلمون، مع انكارنا الشديد للغلو كله، و من أية جهة كان، لكن يأبي ضميرنا و خلقنا أن نقسو علي الأضعف عددا و الأقل تكفيرا و ننسي الأوفر عددا و الأشد تكفيرا و الأقدم منبعا و الأكثر متبعا.. العلم يجب أن يكون هدفه الحقيقة وحدها، ثم بعد ذلك، لن تضر الحقيقة الا من لا يريد الحقيقة.

نماذج من مواقف المتأخرين من التعليم سنذكر هنا فتاواهم المغالية في الأمور العصرية، و أشهرها التعليم، و قبل هذا نريد أن نبين أن سبب هجومهم علي التعليم المعاصر فيما نظن، هو خشيتهم أن يزاحم العلوم الشرعية التي يوظفوها في نصرة الغلو الوهابي نفسه، و الا فلا أحد من المسلمين لا يريد أن [ صفحه 116] ينتشر العلم الشرعي، لكن أن يشوه الدين بالغلو، و يسمي هذا (علما شرعيا) فهذا شي‌ء آخر. علي كل حال: سنذكر النماذج دون الاشارة الي أسماء قائليها منعا للاحراج - لأن فيها آراء حادة جدا - و لأن الهدف نقد الفكرة و ليس نقد الأشخاص، فمن تلك النماذج قول بعضهم: 1- المعلمون الذين تستقدمهم وزارة المعارف السعودية من الدول العربية ملحدون (الدرر السنية 5/16)، و زنادقة!! (12/16). 2- و وصل التكفير الي المعين، فكفر بعض العلماء دكتورا اسمه فوزي الشيبي، و اتهمه بأنه أكبر داعية للالحاد و الزندقة (12/16). 3- و أن هؤلاء المعلمين القادمين من الدول العربية قد جاءوا لشجرة لا اله الا الله التي جاء بها محمد بن عبدالوهاب [46] ليقتلعوها من هذا الوطن (8/16)! [ صفحه 117] 4- و أن هذه الشجرة قد زالت من تلك الأمصار [47] (8/16)! 5- و أن هؤلاء المعلمين هم من أفراخ الافرنج و عباد الأولياء و من تاركي الصلاة وغيرها من شعائر الاسلام (100/16). 6- و أن من سافر الي الدول المجاورة لتعليم أو تجارة أو غيرها يجب أن يهجر حتي يظهر التوبة (462/15). 7- و كان المواطن القادم من تلك البلاد يغمس في الماء بثيابه بعد صلاة الجمعة ليمتنع من السفر لبلاد المشركين (462/15)، و هو ما يشبه التعميد عند النصاري!!. 8- و في فتاواهم التحريم و النهي عن كل العلوم غير [ صفحه 118] الشرعية، كالرسوم و الأشغال و الرياضة و الألعاب (15/16). 9- و الحقوق و الطبيعة و التصوير (10/16). 10- و التعليم العصري (50/16). 11- و تعليم البنات (17/16). 12- و أن العلوم العصرية هي مبادي‌ء الالحاد (489/15). و قد بينها كاتب المقالة بأنها الرسوم و الأشغال و الرياضة و الألعاب [48] (15/16). 13- و أنه بتعليم المرأة يحصل التبرج و تمزيق الحجاب و كشف الساق و الفخذ و الرأس و الصدر (74/16)، و فتح بيوت البغاء و السينما و الرقص [ صفحه 119] و الخلاعة! (81/16). 14- و أن النصيحة لكل مسلم ألا يدخل ابنه أو ابنته في هذه المدارس التي ظاهرها الرحمة و باطنها البلاد و الفتنة، و نهايتها السفور و الفجور (74/16). 15- و أن فتح مدارس للبنات مصيبة عظيمة و طامة كبري (83،78/16). 16- و استنكروا علي الرئيس العام لتعليم البنات عزمه علي تعليم البنات الحساب و الهندسة و الجغرافيا (79/16). 17- و أن المنادين بتعليم المرأة هم أفراخ الافرانج (81/16). 18- و أنهم يحبون الشر و يبغضون الخير و أهله و يقلدون الكفرة و يتشبهون بالمجوس! (81/16)، و أنهم يحاولون اخراج البنات من بيوتهن ليتمكنوا من التمتع بهن بحلية التعليم! (82/16). 19- و أنه لا يرضي بهذه المدارس الا من لا غيرة عنده و لا رجولة و لا دين، و الغالب علي هؤلاء أنهم من [ صفحه 120] دعاة الفجور (84/16). 20- و أن أهل هذه البلاد شابهوا الخارج من الكفار و أفراخهم في عدة أمور محظورة (محرمة) و ذكروا منها الملاهي و التنزه و التلفزيون (31/15). 21- و حرموا لعب الكرة للطلاب و غيرهم، و أنها سرت الي المسلمين من الغرب فلم تكن علي عهد الخلفاء الراشدين و لا ملوك المسلمين (204،200/15) و أنها من التشبه بأعداء الله (206/15)، و لا يمارسها الا السفهاء (206/15)، و مما يدل علي أنها من التشبه أنها تطابق عمل الأمريكان في وضع أخشاب الكرة [49] (206/15)، و أن هذا من التشبه ثم أورد حديث (من تشبه بقوم فهو منهم)! و أنها من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره (206/15)، و أنها من الميسر (207/15)، و ذكروا من أوجه تحريم الكرة أن فيها نوعا من المرح و قد قال الله [ صفحه 121] عزوجل: (و لا تمشي في الأرض مرحا)! [50] و أنها من اللهو الباطل (213/15)، و من الضلال (214/15)، و أنها شر من الشطرنج (215/15)، و من لعب الشطرنج فهو فاسق (214/15). 22- و أن التلفزيون آلة بلاء و شر داعية الي كل رذيلة و مجون (243/15)، و أن من رأي اباحة التلفزيون فقد قذف الشيطان بزبده في قلوبهم المظلمة (236/15)، و اتبعوا أهواءهم و هم قوم قد ضلوا و أضلوا من قبل، و ضلوا عن سواء السبيل (236/15). 23- أما الغناء فقد بالغوا في تحريمه حتي حرموا سماع الدف بل أصوات السواني (537،536/14) و أن أصوات السواني المسماة المحال من المحرمات بلا ريب (537/14). [ صفحه 122] 24- و بالغوا في تحريم الدخان حتي أبلغوه لدرجة الخمر و أنه مسكر كالخمر! (62،59/15) و أفتوا بأن شارب الدخان يجلد ثمانين جلدة كشارب الخمز تماما (93/15)! 25- و بالغوا في تحريم التصوير بكافة أشكاله و أنواعه ماله ظل و ما ليس له ظل و جعلوه أصل الشرك (295/15). 26- و أن لباس الشرطة محرم أيضا، لأنه من التشبه (و من تشبه بقوم فهو منهم)! (363/15)، فهو مشابه للباس الافرانج المشركين (365/15). 27- و كذلك القبعة (367/15). 28- و البنطلون (367/15). 29- و من جمع بين هذه الألبسة فلا فرق بينه و بين رجال الافرنج (367/15). 30- و أن هذه الألبسة دسيسة ممن يريدون كيد الاسلام (366/15). 31- و اقرارها من اقرار شعائر الكفر و الشرك [ صفحه 123] (366/15). 32- و كذا الضرب بالرجل علي الأرض و التحية العسكرية (363/15)، و أن هذا الضرب بالأرجل تشبه ضرب الحمير و البغال بأرجلها اذا أحست بشي‌ء يدب علي أرجلها! ففيها مشابهة من الجنسين! (379/15). 33- أما التصفيق الصادر من الرجال فهو من أبشع المنكرات! (396/15)، و أنه من أعمال قوم لوط التي بها هلكوا، من التشبه بأعداء الله، (و من تشبه بقوم فهو منهم) (397/15). 34- و أن التصفيق من خصائص النساء (و قد لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء)! (399/15). 35- و هو من جملة الأمور التي تدل علي التخنث! (404/15)، و هو من الكبائر (404/15)! نقول: هذه نماذج سريعة فقط من فتاوي العلماء المعاصرين من مدرسة ابن عبدالوهاب، و غلوهم ظاهر في تحريم المباحات بل الضرورات، فاذا كان القرارا السياسي و التربوي قد أهملا هذه التحفظات تنفيذا للاتفاق [ صفحه 124] بين ابن عبدالوهاب و ابن‌سعود و عند تأسيس الدولة الأولي، فلماذا لا يتم اهمال (تكفير المسلمين) الذي ما زال في المقررات و الخطب و الفتاوي، أو علي الأقل يتم السماح لمن أراد أن يراجع البنية الفكرية المحلية أن يفعل، أم أن مخالفة العلماء في تحريم الكرة أو تعليم البنات يعد تخلفا، أما طاعتهم في (تكفير المسلمين) فيعد اجتهادا مقبولا، و أننا لا نتدخل في العلم، و يبقي التبجيل لكل حامل غلو (فرب حامل غلو الي من هو أغلي منه).

من نتائج تشدد ابن عبدالوهاب في التكفير أن أتباعه لم يلبثوا من بعده الا سنوات قليلة حتي كفر بعضهم بعضا، و سبي بعضهم بعضا، و سبي بعضهم نساء بعض - الدرر السنية (35،33،23،22/9)،(329/8)، و لهذا أمثلة مشهورة نكتفي بمثالين:

أصدر عبداللطيف بن عبدالرحمن فتوي يتبرأ فيها من الأمير عبدالله بن فيصل لاستعانته بالدولة العثمانية [ صفحه 125] (الكافرة)! فلما تغلب علي الرياض بايعه الشيخ عبداللطيف و رأي أنه قد أسلم مجددا (و الاسلام يجب ما قبله)! (الدرر 22/9) و مرة قال: ان تكفيره لم يثبت عنده! (الدرر 33/9) [51] ؛ و كان قبل ذلك قد كفر سعود بن فيصل و جيشه لاستعانته بالكفار أيضا (392/8)، ثم اضطر للحكم باسلامه و بيعته لما تغلب! و هكذا مهازل، فمرة يجب جهاد هذا و تكفيره ثم تجب بيعته و الجهاد معه ضد الآخر الذي كنا نفتي باسلامه و الجهاد معه! و الأمير الآخر لا يعدم فقهاء يكفرون أيضا! ثم ليس هناك الا فتوي [ صفحه 126] بالكفر أو بالايمان فقط؛ لأن الناس تعودوا علي هذه اللغة، و لم يسمعوا بقتال أهل البغي و الظلم و الاعتداء، فمن قاتلناه فهو مرتد كافر مشرك ككفر فرعون و ابليس! و من قاتلنا معه فهو مؤمن كايمان الأنبياء و الصديقين و هو سلطان الله في الأرض!.

تبادل الاتهام بالكفر بين العلماء المؤيدين للملك عبدالعزيز و بين جماعة فيصل الدويش، و لا ريب أنهم مسلمون خارجون علي ولي الأمر و هذا يسمي عند الفقهاء بغيا، أما العلماء المؤيدون للملك عبدالعزيز فقد أصدروا فتوي ب(تكفير الدويش و العجمان و اثبات ردتهم)!. جاءت الفتوي من عدد من العلماء.. منهم، محمد بن عبداللطيف، و محمد بن ابراهيم، و سليمان بن سمحان، و صالح بن عبدالعزيز و كافة علماء العارض (الدرر 209/9)، و قد أكدوا أنه (لا شك في كفرهم و ردتهم!.. و أن من أعظم الأدلة علي ردتهم دعواهم أنهم لم يدخلوا تحت امرة ابن‌سعود الا مكرهين! و أنهم من [ صفحه 127] رعايا الأتراك). قلنا: كان الملك عبدالعزيز يرضي منهم بغير تكفير المسملين، كان بامكان هؤلاء العلماء الحكم علي الدويش و أصحابه بالبغي و كفي، فالبغاة يجب قتالهم حتي يفيئوا الي الحق، و يرجعوا الي الجماعة، و الوهابية اليوم بالاجماع لا تقول بردة هؤلاء و انما تقول بخطئهم و بغيهم علي الحاكم، كل المؤلفات اليوم التي تتحدث عن ثورة الدويش و جهيمان و غيرهم انما تتحدث عن خروج علي ولي الأمر، و هذا يسمي عند الفقهاء بغيا بالاجماع، و لا يمسي كفرا و لا ردة.

الجميع يعرف أن الوهابية بعد أزمة الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) انقسمت الي أربعة أقسام، يبغض بعضها بعضا، و يكيل بعضها لبعض سوء الاتهام، حتي خرج هذا في كتب و مقالات، و الصراع مازال علي أشده، بل وصل الأمر في الحالات الي الاعتداء الجسدي، و لولا خشية العقاب الدنيوي لقتل بعضهم بعضا. [ صفحه 128] ما علي القاري‌ء الا أن يدخل المنتديات السلفية (و قد أثرت الوهابية في كل السلفيات) و سيري تبادلهم التكفير و التبديع (و لا فرق بينهما عند الغلاة اذ كل الوصفين عندهم موجب للنار).

ذكرنا أن من الانصاف ذكر الصورة الأخري ولو كانت ضئيلة، و قد سبق قبل قليل أن سردنا أقوالا معتدلة، لكنها للأسف قليلة جدا، مع وجود المغموض و التناقض. لكن بعض الوهابية عاشوا في مصر - بعد سقوط الدرعية - و اكتسبوا بعض المعارف وسعة الأفق، فوجدنا في فتاواهم بعض الاعتدال الصريح الذي لا يشوبه غموض. فهذا عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب يري: (أن الذي عليه المحققون من أهل العلم هو: عدم تكفير أهل البدع كالخوارج و الرافضة و القدرية و المرجئة، لأن التكفير لا يكون الا بانكار ما علم من الدين بالضرورة، أو ارتكاب شي‌ء مجمع علي كفر من ارتكبه)، الدرر السنية [ صفحه 129] (244/10). و هذا رأي معتدل، يخالف ما عليه والده محمد بن عبدالوهاب و أكثر علماء الوهابية الي اليوم، و له كتاب في السيرة النبوية سار فيه مسارا معتدلا، و أثني علي عمار بن ياسر و جعله ميزان الحق في تلك الحروب، و هو اعتدال لم نر الوهابية عليه، ففي الوهابية نفور عن أهل البيت لسببين: الأول: تقليدا لا بن تيمية و غلاة الحنابلة. و الثاني: للخصومة التاريخية أيام النشأة مع الشيعة شرقا و غربا و شمالا و جنوبا. [ صفحه 130]

ينقسم معارضو ابن عبدالوهاب و الدعوة الوهابية الي ثلاث أقسام: القسم الأول: كفروا الوهابية و كفروا ابن عبدالوهاب. القسم الثاني: بدعوا الوهابية و لم يقولوا بتكفيرهم: لكنهم لم يعترفوا لهم بمحاسن. القسم الثالث: نسبوا الي الوهابية المحاسن و ما أحدثوه من أثر، لكنهم آخذوهم و أخذوا عليهم توسعهم في التكفير و القتال و لم يكفروهم أو يبدعوهم.. و هذا القسم الأخير في الحقيقة ليسوا من خصوم الوهابية، فكان من الواجب علي الوهابية أن يعملوا علي احتواء هؤلاء و الحكم لهم بالاسلام، و لكن للأسف كان [ صفحه 131] كثير من الوهابية يكفر هذا الصنف الأخير.

1- سليمان بن سحيم الحنبلي النجدي (1181 - 1130 ه)، فقيه أهل الرياض، و اسمه كاملا (سليمان بن أحمد بن سحيم)، و قد كان والده فقيها أيضا و من مخالفي ابن عبدالوهاب، و هو من قبيلة عنزة، و كان فقيها حنبليا فاضلا، مدققا، خرج الي بلدة الزبير بعد استيلاء الوهابية علي الرياض و مات هناك، و قد كفره محمد بن عبدالوهاب، كفرا أكبر يخرج من الملة! بل ربما أفحش ابن عبدالوهاب في ذمة فيطلق عليه (البهيم)! و هذا تجاوز في الذم. 2- سليمان بن عبدالوهاب (1280ه) أخو محمد بن عبدالوهاب لأبيه و أمه، و كان أعلم منه، و هو فقيه حنبلي من قضاة نجد و علمائهم، ولد في العيينة، و تعلم في حريملاء أيام والده، و تولي قضائها، و رحل لسدير بعد سقوط حريملاء بيد الوهابية، و قد كان له أتباع في العيينة و الدرعية، و كان يراسلهم لاقناعهم بالتخلي عن ابن عبد [ صفحه 132] الوهاب و التكفير، فكان أتباع ابن عبدالوهاب ان ظفروا له برسول قتلوه مباشرة! لأنه قادم من بلاد حرب علي زعمهم، انتقل بعد سقوط حريملاء الي سدير، و بقي معارضا أخاه أكثر من ثلاثين عاما، من عام 1157 ه الي عام 1190 ه ثم بعد امتداد دولة الوهابية الي وسط نجد قدم مع وفد الزلفي، و بقي في الدرعية علي معتقده نحو عشرين عاما، فانه لم يتوف الا بعد وفاة أخيه بسنتين، و قد قرر الشيخ البسام في كتابه علماء نجد، أن سليمان بن عبدالوهاب لم يرجع عن مذهبه في معارضة أخيه، لكن صوته أخفي، و شفع له من القتل أنه أخو الشيخ، و الا فهو علي مذهبهم كافر كفرا أكبر ينقل عن الملة، لأنه حسب أدبيات الوهابية (يسب دين الرسول)! و له كتاب (الصواعق الالهية) في الرد علي أخيه، و هو من أقوي الردود التي كتبت في الرد علي الوهابية، و قد احتفل به معارضو الوهابية و طبعوه عدة طبعات بالهند و مصر و تركيا، و هو الي اليوم يعد من أقوي الردود علي الوهابية، لكون الرجل حنبليا و أخا بل شقيقا لابن عبد [ صفحه 133] الوهاب و يعرف نجدا و أحوال نجد و لا يتهم بتعصب طائفي و لا قبلي و لا اقليمي. 3- محمد بن عبدالرحمن بن عفالق الحنبلي الأحسائي (1164-1100 ه)، من علماء الأحساء الكبار، كان فقيها فاضلا ذا ثقافة واسعة بمقياس زمنه، و له كتب في الفقه و الفلك، و كان السبب في صرف عثمان بن معمر أمير العيينة عن محمد بن عبدالوهاب، مع أن ابن عبدالوهاب كان عند ابن‌معمر، لكن قوة حجج ابن‌عفالق دفعت ابن‌معمر للتخلي عن ابن عبدالوهاب و نصرته، أو كان هذا علي الأقل من جملة الأسباب التي دعت ابن‌معمر للتخلي عن نصرة ابن عبدالوهاب، و كون ابن عفالق يستطيع برسائل من الأحساء أن يقنع ابن‌معمر بضعف حجج ابن عبدالوهاب و هو صهره، فهذا يدلنا علي ما يتمتع به ابن‌عفالق من قوة علم، و قد كفره محمد ابن عبدالوهاب كفرا أكبر يخرج من الملة. 4- عبدالله المويس (1175 ه)، فقيه أهل حرمة بوسط نجد، و اسمه عبدالله بن عيسي التميمي [ صفحه 134] (1175ه)، المشهور بالمويسي، و المويس، من أجل شيوخ أهل نجد، أخذ عن علماء نجد ثم رحل الي الشام، و أخذ عن العلامة السفاريني، و للسفاريني صية خص بها الشيخ المويس، و هو من أجل علماء نجد باعتراف محمد ابن عبدالوهاب، و هو الذي استطاع أن يقنع عبدالله بن سحيم بالتوقف عن تأييد دعوي ابن عبدالوهاب بعد أن كان من مؤيديها، و لذلك غضب عليه ابن عبدالوهاب و كفره، و قد أورد الشيخ الباسم مقتطفات من ردود لابن عيسي هذا علي ابن عبدالوهاب (علماء نجد 365/4) و في ردوده قوة ظاهرة في نقد التكفير الذي كان عليه ابن عبدالوهاب، فاتهمه ابن عبدالوهاب بأنه من الصادين عن دين الرسول! و كفره مخرجا له من الملة! و هذا ما ننكره علي ابن عبدالوهاب أنه يكفر كل من لم يوافقه، و يتهمه بمعاداة دين الرسول، مع أنه لا يجوز لفرد أن يحتكر لنفسه دين الرسول دعوة و تفسيرا و يكفر الناس بناء علي هذا الاحتكار.. 5- عبدالله بن أحمد بن سحين (1175 ه)، فقيه أهل [ صفحه 135] المجمعة بالقصيم، و كان فقيها و حنبليا و قاضيا لبلدان سدير كلها، و لم يكن شديد العداء للوهابية، لكنه يعارض غلوها في التكفير. 6- عبدالله بن محمد بن عبداللطيف الاحسائي و هو من شيوخ ابن عبدالوهاب و من أشد معارضيه في دعوته. 7- محمد بن عبدالله بن فيروز الأحسائي (1216ه)، و آل فيروز تميميون من الوهبة، كان ابن‌فيروز هذا و أبوه وجده من العلماء الحنابلة، و كان آية في الحفظ و الذكاء، حتي قيل: انه كان يملي صحيح البخاري من حفظه، و كان يقوم علي شؤون طلابه، فيتكفل بنحو الخمسين، و قد رحل الي البصرة مع حاشيته و تلاميذه بعد استيلاء الوهابية علي الأحساء في عهد عبدالعزيز بن محمد، فاستقبله أهل البصرة و أعيانها و علماؤها استقبالا حافلا، فكان يوما مشهودا (حسب تعبير الشيخ البسام)، و بقي هناك يدرس علوم الشريعة، و قد تم توسيع مسجد البصرة بعد وصوله اليها لكثرة المقبلين عليه، و كان [ صفحه 136] الحكام و السلاطين يطلبون منه اختيار القضاة و المعلمين، و قد حمل بعد وفاته علي الرؤوس من البصرة الي بلدة الزبير حيث دفن بجانب روضة سيدنا الزبير بن العوام، ورثاه أهل الأمصار من سائر المذاهب، و كانت له مكانة كبيرة عند السلطان العثماني، و قد كان يعارض ابن عبدالوهاب بقوة، و كان لمعارضته شهرة و أثر لمكانته العلمية الكبيرة في فنون العلم الشرعية المختلفة، و كان ابن عبدالوهاب يكفره كفرا أكبر ينقل عن ملة الاسلام! و بالحكم بالكفر الكبير علي مثل هذا العالم النحرير عرفنا أن ابن عبدالوهاب غلا في التكفير. 8- محمد بن علي بن سلوم (1246 ه) الملقب ب(الفرضي)، من مواليد سدير، من فقهاء الحنابلة، فر الي البصرة من الوهابية، مع شيخه ابن‌فيروز الأحسائي. 9- عثمان بن منصور الناصري (1282 ه) من أهل سدير، تلقي العلم بنجد و العراق، و قد أثنوا عليه داخل الجزيرة و خارجها، و له شرح لكتاب التوحيد لابن عبدالوهاب، لكن يظهر أنه شرح لم يتابع فيه ابن عبدالوهاب [ صفحه 137] في كل ما قال، و قد تولي القضاء في سدير، ثم حائل في أيام تركي بن عبدالله و فيصل بن تركي (و هذه من أدلتنا علي أن الدولة السعودية الثانية أظهرت تخليها عن الوهابية تقية) و كان للشيخ عثمان رأي شديد في الوهابية فيري أنهم من الخواج، و له كتب في الرد علي غلو هذه الدعوة و منها: (جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة) فلذلك أطلق علماء الوهابية فيه التكفير و الذم الشنيع، و من هؤلاء عبدالرحمن بن حسن و ابنه عبداللطيف فجاءت اتهاماتهم لهذا الشيخ القاضي الحنبلي النجدي بأنه: (يسبب دين الله، و الكذب علي الله و رسوله، و الصد عن سبيل الله، و معاداة دين الله و... و.. الخ) و هذه من مظالم الوهابية الي اليوم، كل من اختلف معهم عرجوا بتهمته الي السماء و اتهموا بالتهم الثقيلة كسب الدين، و سب الله و رسوله، و الصد عن دين الرسول.. الخ! نعوذ بالله من جور الخصومة، و خصوصا من أهل الغلو. 10- عثمان بن سند البصري (1250 ه) فقيه بصري، يري أن الوهابية يكفرون عموم المسلمين الذين [ صفحه 138] علي هذه الأرض! و واقع الكثير من الكتابات الوهابية المعتمدة في المذهب علي هذا، و ان لم يقولوا ذلك بنص العبارة، و قد سبقت الأمثلة. 11- محمد بن سليمان الكردي (1194ه) نشأ بالشام، و هو مفتي الشافعية في المدينة المنورة بعد أن رحل اليها، و كان من معارضي الدعوة الوهابية، و له ردود علي ابن عبدالوهاب أسماه (مسائل و أجوبة و ردود علي الخوارج)، و واضح من العنوان أنه يتهم محمد بن عبدالوهاب بأنهم (خوارج) لغلوهم في التكفير. 12- مربد بن أحمد التميمي (1171ه)، من كبار علماء نجد، طلب العلم بنجد و الشام، و تولي القضاء في حريملاء، و هو الذي سافر الي صنعاء و التقي بالعلامة الجليل محمد الأمير الصنعاني صاحب سبل السلام، و كان قد أثني علي ابن عبدالوهاب و دعوته في قصيدة، فأقنعه الشيخ مربد بالتبرؤ من تلك القصيدة بعد أن أطلعه علي كتب ابن عبدالوهاب نفسه، فرأي الأمير الصنعاني أن فيها تكفيرا للمسلمين، و رجع عن قصيدته تلك ناقضا اياها بقصيدة أخري حاول الوهابيون التشكيك فيها، و من أشهرهم ابن‌سحيم في كتابه (تبرئة الامامين الجيلين)! [ صفحه 139] نظرا لما للأمير الصنعاني من مكانة علمية كبيرة، لكن القصيدة ثابتة، و هي في ديوان الصنعاني، و قد أثبتها البسام و حمد الجاسر و غيرهم، و قد قتل الوهابيون هذا الفقيه في بلدة رغبة عام 1171 ه. 13- سيف بن أحمد العتيقي (1189 ه)، ولد بحرمة و انتقل الي الأحساء، و كان فقيها جليلا. 14- صالح بن عبدالله الصائغ (1183 ه)، فقيه عنيزة و قاضيها، و كان قد رد علي قصيدة الأمير الصنعاني التي كان يثني فيها علي ابن عبدالوهاب، و لمز الصنعاني لتأييد ابن عبدالوهاب.. لكن يهمنا هنا أن الصائغ كان حنبليا نجديا معارضا لابن عبدالوهاب. 15- أحمد بن علي البصري القباني، من سنة أهل العراق، ألف في الرد علي محمد بن عبدالوهاب كتاب (فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبدالوهاب)، و الكتاب و صفه الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف بأنه (مجلد ضخم). 16- عبداله بن داود الزبيري (1225 ه) من سنة أهل العراق، من بلدة الزبير، تلقيا لعلم في الزبير و الأحساء، و كتب في الرد علي الوهابية كتاب (الصواعق [ صفحه 140] و الردود) وجد حفاوة من بعض علماء السنة بالعراق و الشام و حضر موت، و أثني عليه ابن‌حميد الحنبلي المكي صاحب السبل الوابلة علي ضرائح الحنابلة. 17- علوي بن أحمد الحداد الحضرمي (1232 ه)، من كبار علماء السنة بحضر موت، وله عدة كتب في الرد علي الوهابية. 18- عمر بن القاسم بن محجوب التونسي (معجم المؤلفين) 19- محمد بن عبدالله بن كيران المغربي (1227 ه) من علماء فاس بالمغرب. 20- محمد بن عبدالله بن حميد (1295 ه) امام الحنابلة بمكة المكرمة، صاحب السبل الوابلة، و كان مدرس الفقه الحنبلي بمكة و امام المقام الحنبلي. 21- عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عدوان (1179 ه)، من علماء الوشم. 22- حسن بن عمر الشطي الدمشقي (1274 ه)، من علماء دمشق، و هو فقيه حنبلي مشهور. [ صفحه 141]

و هذه أقوي و أصبح و أبلغ و أخطر تهمة وجهها خصوم ابن عبدالوهاب اليه و الي أتباعه، حتي أن أشد المدافعين عن ابن عبدالوهاب و دعوته من العلماء السلفيين لم يستطع الا أن يقر بهذه التهمة، كالشوكاني مثلا، - و هو في جانب التوحيد سلفي باعتراف الوهابية أنفهسم - فهو علي تعصبه للدعوة الوهابية و تقريظة الكبير لها و لشيخها، لم يستطع الا أن يقول: (و لكنهم يرون أن من لم يدخل تحت دولة صاحب نجد، ممتثلا لأوامره، فهو خارج عن الاسلام)- راجع البدر الطالع (5/2). و كذلك منصور الحازمي - و هو سلفي - مع ثنائه علي ابن عبدالوهاب الا أنه أخذ عليه مسألتين: (الأولي: تكفير أهل الأرض بمرد تلفيقات.. و الثانية: سفك الدم المعصوم بلا حجة و لا برهان) - أبجد العلوم 194/3. [ صفحه 142] و كذلك الشيخ السلفي محمد صديق حسن خان أعلن براءة أهل الحديث من الوهابية لأنهم لا يعرفون الا بسفك الدماء (أنظر: دعاوي المناوئين ص 160) [52] . و من المحايدين الذين وصفوا الوهابية بالتكفير الشيخ المحدث أنور شاه كشميري، فهو يري أن الوهابية [ صفحه 143] يتسارعون في الحكم بالتكفير (دعاوي المناوئين ص 160). و أما مخالفوا الوهابية فأقوالهم في هذا كثيرة جدا، و سنقتصر هنا علي نماذج من أقوال أهل السنة، مبتدئين بأقوال الحنابلة منهم: - فهذا الشيخ السني الحنبلي ابن‌عفالق يقول عن ابن عبدالوهاب أنه: (حلف يمين فاجرة بأن اليهود و المشركين أحسن حالا من هذه الأمة) [53] قلنا: و هذا واضح في أقوال ابن عبدالوهاب بأن مشركي زماننا (و يقصد بهم المسلمين المخالفين له) أكفر من كفار قريش بخصلتين، و بداهة أن كفار قريش أكفر من أهل الكتاب، فلم نجد الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف في كتابه دعاوي المناوئين يحشر الشيخ الفاضل ابن‌عفالق بهذا القول و أمثاله في زمرة(الكذابين)؟! لماذا و أقوال ابن عبد [ صفحه 144] الوهاب في هذا ظاهرة صريحة كما سبق في نقد كتاب ابن عبدالوهاب كشف الشبهات [54] . - و هذا الشيخ السني الحنبلي سليمان بن سحيم يقول عن ابن عبدالوهاب: (و من لم يوافقه في كل ما قاله و يشهد أن ذلك حق، يقطع بكفره! و من وافقه و صدقه في كل ما قال، قال: أنت موحد! ولو كان فاسقا محضا..) [55] . - و هذا الشيخ السني الحنبلي السلفي النجدي عثمان بن منصور من قضاة أمراء آل‌سعود في الدولة الثانية [56] . [ صفحه 145] يقول: (قد ابتلي الله أهل نجد بل جزيرة العرب من خرج عليهم و سعي بالتكفير للأمة خاصها و عامها.. بتلفيقات ما أنزل الله بها من سلطان)! [57] و قال: (و لكن هذا الرجل - و يقصد ابن عبدالوهاب - جعل طاعته ركنا سادسا من أركان الاسلام)! [58] . - و كذلك سليمان بن عبدالوهاب أخومحمد بن عبدالوهاب يقول: (كم أركان الاسلام يا محمد بن عبدالوهاب؟ فقال: خمسة، قال: أنت جعلتها ستة، السادس: [ صفحه 146] من لم يتبعك فليس بمسلم، هذا عندك ركن سادس من أركان الاسلام) [59] . قلنا: و كلام سليمان هنا الزام، و الا فابن عبدالوهاب لا يقول بهذا، لكن نتيجة شروطه المعقدة لثبوت الاسلام يؤدي الي هذه النتيجة. - و يقول الزهاوي: (لو سأل سائل عما تمذهبت به الوهابية ما هو؟ و عن غايته ما هي؟ فقلنا في جواب كلا السؤالين، هو تكفير كافة المسلمين، لكان جوابا علي اختصاره تعريفا كافيا لمذهبها) [60] . - و يقول الشيخ أحمد زيني دحلان: (لا يعتقدون موحدا الا من تبعهم فيها يقولون.. [61] ( - و يقول السيد السني الحداد الحضرمي: (و اذا أراد رجل أن يدخل في دينه يقول له: اشهد علي نفسك أنك كنت كافرا، و اشهد علي والديك أنهما ماتا [ صفحه 147] كافرين، و اشهد علي العالم الفلاني و الفلاني أنهم كفار.. فان شهد بهذا قبله و الا قته..) [62] . ثم يعقب السيد الحداد علي فعل الوهابية هذا بقوله: (كيف لا ترضي بالأحياء أن تجعلهم مشركين حتي تعديت علي أموات المسلمين من سنين عديدة تقول: ضالين مضلين، حتي عينت أناسا من أكابر العلماء المحققين..). - و يقول الشيخ السني حسن الشطي الدمشقي (مدار الدعوة الوهابية علي تكفير المسلمين..) [63] . و هكذا كل مخالفي ابن عبدالوهاب سواء كانوا من أهل السنة الأشاعرة أو من السلفيين كالشوكاني و الأمير الصنعاني و عثمان بن منصور - بل بعضهم متعصب له - [ صفحه 148] يقررون أن محمد بن عبدالوهاب و أتباعه يغلون في تكفير المسلمين من علماء و عامة، و هذا ما وجدناه في كتبه. و نجد أن الفرق الأخري من غير أهل السنة كالشيعة و الاباضية متفقين مع أهل السنة بأن ابن عبدالوهاب و أتباعه قد غلو في التكفير، فهذا محمد جواد مغنيه - و هو شيعي امامي - يقول: (و ليس من شك أنهم يريدون باموحدين الوهابية أنفسهم، و بالمشركين جميع المسلين بلا استثناء) [64] ، و هذا قد وافقه عليه أمثال الشوكاني و هو سلفي قح، له مؤلفات في تحريم البناء علي القبور و الدعوة للتوحيد الخاص و ذم البدع، الا أنه لا يكفر المسلمين و لا يعمم علي الجميع بفعل البعض، و لا يكفر الجاهل و لا المتأول، و علي هذا كل علماء المسلمين الا بعض غلاة الحنابلة و بعض غلاة الشيعة و بعض غلاة الخوارج فانهم يكفرون من خالفهم في العقائد. و لكن يجب أن ننبه علي أمر و هو أن تكفير الوهابي [ صفحه 149] يقل و يضعف في حالة الضعف، و يقوي في حالة القوة، و من باب التقية و السياسية و ليس من باب الاعتقاد و الانصاف أو حتي التناقض، و هذا ما يظهر لنا.ء و أحيانا كثيرة يلجئون للتعمية و الخداع مثل قول بعضهم: (نحن لا نكفر المسلمين فهذه تهمة باطلة، فمعاذ الله أنه نكفر مسلما! و انما نكفر المشركين و من يسبب دين الرسول)! فهذا القول قول مخادع، لأن ا لشطر الثاني من القول ينخدع به من لا يعرفهم، و القول يجمع بين الدعاية و التكفير يعرف هذا من أدمن علي قراءة مؤلفاتهم ليفهم سر الخلاف بينهم و بين المسلمين، ليحرر موطن الخلاف، و سيجد أن موطن الخلاف أن المسلم من معارضيهم عندهم مشرك! و علي هذا فيستطيع الواحد منهم أن يقسم خمسين يمينا أنه لا يكفر المسلمين! و هو لا يقصد الا المسلمين حسب تعريفهم الشائك و الخاطي‌ء لمن يطلق عليه كلمة (مسلم). هذا اذا استثتينا سنوات الضعف و الخلاف بين أمراء الدولة السعودية الثانية، أو في هذه الأيام التي يواجهون [ صفحه 150] فيها ضغطا من الدولة بنقد المنهج التكفيري، فهنا الأمر قد يختلف، لكن كلامنا علي التراث الأول للوهابية و الأفعال الأولي، كلامنا علي السائد و ليس علي الاستثناء المحكوم بظروف الضغط أو الخلاف أو المجاملة أو الخداع.

و مجمل التهمة (أنه ادعي النبوة بلسان الحال لا بلسان المقال)! و من الانصاف أن نقول أنهم لم يطلقوها هكذا.. و لا يقصدون أنه ادعي النبوة جهارا و لكنه في نظرهم أنزل نفسه و أصحابه منزلة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أصحابه، و أنزل بقية المسلمين منزلة الكفار، و لكن بعضهم أضاف الي ذلك أنه كان يدمن علي قراءة سير المرتدين كمسيلمة و الأسود العنسي.. الخ، و هذه زيادة اتهام بأنه يقصد التنبؤ، و علي كل فهي تهمة أخف من اتهام ابن عبدالوهاب لهم بالكفر و معاداة دين الرسول. و قد ردد تهمة أدعاء النبوة في حق ابن عبدالوهاب بالتفضيل السابق محمد بن عبدالرحمن بن عفالق، و أحمد القباني، و السيد علوي الحداد الحضرمي، و الشيخ حسن عمر الشطي الدمشقي، و الشيخ أحمد زيني دحلان، و جميل [ صفحه 151] الزهاوي، و عبدالقادر الاسكندراني، و مختار أحمد باشا المؤيد و السمنودي، و محمد توفيق، و الشاعر عبدالرحمن ابن‌عمر الأحسائي، و الشيخ يوسف النبهاني.. و قد انبري في ردها علماء الدعوة الوهابية و أشهرهم لسان الدعوة سليمان بن سمحان و فوزان السابق و غيرهم، و طولوا في ردها، لكن لم يردوا علي لب هذه الشبهة و هو ما أراده بعضهم من كلمة (بلسان الحال)، فان هؤلاء الخصوم لا بن عبدالوهاب يقصدون بعبارة مختصرة معاصرة: أن ابن عبدالوهاب احتكر الاسلام، و جعل مخالفيه مشركين، و جعل دنيه هو دين الرسول و من خالفه فقد سب دين الرسول، و من وصف الوهابية بأنهم خوارج فقد سب دين الرسول.. و هذه التهمة صحيحة الي حد بعيد، لكن لا يتهم ابن عبدالوهاب أنه فعلها متعمدا، و قد مرت الأمثلة العديدة علي هذه (الحدة في تنزيه النفس و المذهب الذي تفرع عنه تكفير المخالف)، فهذا هو الذي حير عقلاء مخالفيه - دون المتعصبين منهم - و دفعهم للقول: بأن ابن عبدالوهاب نصب نفسه مكان النبي صلي الله عليه و سلم، و مخالفيه مكان كفار قريش بل أعظم، فهذا في نظرهم [ صفحه 152] ادعاء للنبوة ب(لسان الحال).

الشخي أحمد بن حجر آل أبوطامي قاضي المحكمة الشرعية بقطر يجعل ابن عبدالوهاب كالرسول صلي الله عليه و آله و سلم في كتاب: (الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عقيدته و دعوته) و قدم لهذا و صححه الشيخ عبدالعزيز بن باز - من مطبوعات الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة و دار الاعتصام بالقاهرة - ص 74-71، ط. 1977 فيقول: 1- عصر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان عصرا قد بلغ من فساد العقائد و الأخلاق مبلغا عظيما، فالأصنام كانت تعبد من دون الله في المسجد الحرام عند الكعبة، و قصاري ما يقال في هذا العصر: انه عصر انتحار الفضائل الانسانية الكبري و المعاني السامية العليا. و كان عصر ابن عبدالوهاب شبيها بذلك العصر، بما كانوا فيه من جاهلية مطلقة، كما كانوا غارقين في أودية الجهالة و الرذيلة و الوثنية المسبوكة في قالب حب الصالحين، و أوجز ما يقال فيه: انه عصر انتحار الفضائل [ صفحه 153] الانسانية و المعاني الرفيعة، يضاف اليه محو الدين، و الخضوع لسطان الخرافات و البدع. 2- بعث الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بعد فترة من الرسل و كانت الانسانية بما أصابها في مقاتلها تنتظر و تتعطش اي هذه البعثة الكريمة، و جاء ابن عبدالوهاب في وقت كانت جزيرة العرب في أمس الحاجة الي مصلح يعالجها من أمراضها القاتلة. 3- كما وفق نبينا في الدعوة الي الله و توحيده، و نبذ الشرك و تهجينه، وفق ابن عبدالوهاب في تجديد الدين من كل شائبة و باطل. 4- لم يطب المقام للرسول صلي الله عليه و آله و سلم بمكة التي ولد فيها باذاء قريش له و تسلطهم عليه بالسوء و الأذي حتي أجمعوا أخيرا علي قتله، فهاجر الي المدينة و وجد من الأنصار عونا، و كذلك الشيخ قد تآمر مماليك بلده - الذي ولد فيه - علي قتله، و لقي من أهله الأذي و التنكيل، ففر بدينه و عقيدته الي الدرعية، و لقي فيها محبين كانوا عونا له. 5- كما حدث للرسول صلي الله عليه و آله و سلم في طريقه للمدينة و هو [ صفحه 154] مهاجر، أن تتبعه سراقة بن مالك، طمعا في جعل قريش، و لما أدرك النبي ساخت قوائم فرسه في الأرض، كذلك قد جري لابن عبدالوهاب، فقد و كل به أمير العيينة عثمان ابن‌معمر - عندما أمر بمغادرة الشيخ للبلاد - فارسا حتي اذا رام أن يقتله، و استل سيفه، و اذا بيده القوية تتهالك فيسقط منها. 6- و كان ابن عبدالوهاب يعرض نفسه علي القبائل و البطون، فمن ناصره و مجيره، الي خاذله و محاربه، كما كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يعرض نفسه علي القبائل، فينصره بعضها، و يخذله بعضها و يهزأ به بعضها، و يناله بعضها بما يكره. 7- و مثل ما اعترض حياة الرسول الكريم الخطر و الهلاك، اعترضت حياة ابن عبدالوهاب الويلات و الكوارث. 8- و كما كان الرسول يغزو بنفسه و يزج بها في المعارك و الميدان، و اذا احتدم القتال يقوي قلوب صحابته الكرام و يعززهم و يذكرهم، و يدعو الله لهم، كان ابن عبدالوهاب يغزو بنفسه مع محمد بن سعود. [ صفحه 155] 9- و كان محمد صلي الله عليه و آله و سلم يرسل الرسل للملوك يدعوهم الي الهدي و دين التوحيد، و يرسل السرايا للغزو ان أعلنوا الحرب علي الدعوة، و كان ابن عبدالوهاب يفعل أيضا. 10- و كما ابتلي الرسول بأعداء أقوياء لدد في الخصومة، و يتهمونه بالسحر و الكذب، حتي أن أقرب ذوي قرباه كانوا في حيرة من أمره، حتي أن عمه أبالهب كان لا يرضي عنه و خاصمه و سفه حلمه، و لم يأل جهدا في تأليب الناس عليه، ابتلي ابن عبدالوهاب أيضا بخصوم أشداء، نصبوا له الحبائل، و رشقوه بالسهام و لكنها كانت تطيش، و كان ينجو بفضل الله، حتي أخوه سليمان كان عدوا لدودا، طعنه طعنات و انضم الي صفوف المناوئين، لا يتورع عن شتمه و نقد أرائه و دعوته و طريقته نقدا لاذعا. 11- و كما انتصر الرسول علي أعدائه و خضعوا له و أصبحوا من خيرة أنصاره، كعمر و خالد و عمرو بن العاص، كذلك انتصر ابن عبدالوهاب علي مناوئية و أتوا اليه معتذرين و اذا به يعفو كرما، و اذا بهم يعودون أخوة و أنصارا مخلصين. [ صفحه 156] -و لولا بقية قليلة من الحياء عند هؤلاء المفتتين لاستمرت المقارنة الضالة لتقول: ان محمدبن عبدالوهاب كان ينزل عليه وحي من السماء، و أنه أسري و عرج به الي السموات العلا، و شق له القمر، و تفجر الماء من بين يديه، و أنه كان يخاطب الحيوان و الطير في صحراء نجد، أو أنه أيضا كان يسمع تسبيح الرمل بين يديه. لقد انطوي ادعاء النبوة في ثنايا فكره و في رؤوس أتباعه، ولو لا الخوف من المسلمين لتغير التلميح الي التصريح. بل ان واقعهم يؤكد أنهم يفضلون ابن عبدالوهاب علي رسول الله صلي الله عليه و سلم و لا تعجبوا.. فهم وحدهم المسلمون، و أتباع نبي الاسلام بين كافر و مشرك و مبتدع، و علي هذا فمحمد بن عبدالوهاب ترك أمة مسلمة، و محمد رسول الله ترك مشركين، و كافرين، و مبتدعين..

اتهامات خصوم ابن عبدالوهاب له في هذا الأمر في محلها، ليس لأنه يوجد في كلام الوهابية شي‌ء يسير من [ صفحه 157] تشبيه أو تجسيم، فمثل هذا قد يوجد في كلام أكثر أدعياء السلفية، و خصوصا من يقلد ابن‌تيمية و ابن‌القيم، و لكن لأن موضوع (الصفات) ليس من اهتمامات ابن عبدالوهاب و لا الوهابية المتقدمة انما اهتمامهم منصب علي التوحيد. و مع هذا فابن عبدالوهاب و أتباعه أخف تشبيها من ابن‌تيمية و الحنابلة المتقدمين، و ابن عبدالوهاب قد يذكر شيئا من الفقه أو الصفات أو التاريخ تقليدا أو يذكره عرضا، أو يختصر فيه كتبا.. فلا يحاسب علي نقل خطأ أخطأ فيه من سبقه، خاصة و أن موضوع التجسيم - و ان كان خطيرا - لكنه لا يرجع بالأذي علي بقية المخالفين، و انما اهتم بموضوع الصفات و وقع في التشبيه و تحمس له متأخروا الوهابية، تأثرا بالكتب السلفية المطبوعة كالدارمي، و عبدالله بن أحمد، و الابانة لابن بطة، و أصول الاعتقاد للالكائي، و الشريعة للآجري، و السنة للخلال و نحوها، ففي هذه الكتب تجسيم و تشبيه كبيران.

انكار الكرامات للأولياء هي التهمة الرابعة التي اتهم [ صفحه 158] بها الخصوم دعوي الوهابية، لكن ابن عبدالوهاب للانصاف لا ينكرها، و انما يختلف مع علماء عصره تبعا و تقليدا لاختلاف ابن‌تيمية مع علماء عصره في هذا الباب. و قد اتهم علماء الوهابية بتهم أخري كثيرة، لكن أكثرها محل نظر الا في مسألتي التكفير ثم القتال المبني علي التكفير، فهاتان التهمتان ثابتتان واضحتان، لمن أراد الانصاف. لكن هذا لا يجعلنا نهمل اضطرار الوهابية للتكفير في زمن القوة و السيطرة الوهابية، و في حالات الاكراه - كما رأينا في بيان علماء الحرمين - و لدراسة تطور الوهابية و تأثرهم بالظروف و تخليهم أو تخفيفهم من التكفير في السنوات الصعبة، لهذا كله وقت و جهد آخران. [ صفحه 159]

انتهت أبرز الملحوظات علي كتاب الدرر السنية و هي ملحوظات رئيسة - بعضها أوضح من بعض - علي رسالة مشهورة و هي من أقوي ما أنتجه الفكر الوهابي، و من أكثر ما يتفاخر به أتباعه، و قد تبين منها أن الفكر الوهابي غلا في التكفير غلوا ظاهرا، فنقول أخطأ و كفي، مجتنبين الغلو من خصومه و أتباعه، لأنه شرعا لا يجوز أن نحمي ابن عبدالوهاب و أتباعه محملين أخطاءهم الاسلام، فنزعم أن هذا التكفير قد دلت عليه النصوص الشرعية، و أنه دين الله،.. الخ، فهذه الطريقة في تبرئة ابن عبدالوهاب و أتباعه و تحميل الاسلام أخطاءهم فيها خيانة للدين نفسه، يجب آن يبقي الدين فوق مستوي أن نربط مصيره بمصير من نحب من العلماء أو الحكام أو غيرهم، الدين ليس حكرا علي أحد، و ليس هناك قراءة واحدة، و لا اتفاق علي كل النصوص تصحيحا أو فهما، لكن من تسمي بالاسلام ولو منافقا كاذبا، حرم دمه و ماله و عرضه، و حفظت حقوقه، فكيف بمن ينتسب للاسلام [ صفحه 160] صادقا مقيما للشعائر، مجتنبا الكبائر، ثم بعد هذا تلحقه الوهابية بالكفار نتيجة فهم دليل أو تلفيق حجة، فهذا أمر خطير، له ثماره و نتائجه السيئة، و هذه التلفيقات التكفيرية يجب أن يكون الموقف منها واضحا في حال و زمان، فلا نغزلها اليوم لطمع و ننكثها غدا لفزع، و لنتق الله فاننا ان جاملنا في اقرارها ذهب ديننا سدي، و ان أكلنا بها اليوم أكلتنا غدا، نقول هذا نصيحة و سدادا، ما أردنا بهذا علوا في الأرض و لا فسادا، و الله المطلع علي النيات.

[1] جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة و الخطبة (592/1) رقم (867) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، و انظر في تحقيق معني البدعة رسالة العلامة السيد عبدالله بن الصديق الغماري رحمه الله تعالي (اتقان الصنعة في تحقيق معني البدعة) و هي مطبوعة.
[2] رواه أحمد في مسنده (305/4)، و الترمذي في سننه (722/5) في المناقب، باب فضل مكة رقم (3925) و قال: حديث حسن غريب صحيح. و رواه النسائي في سننه الكبري (479/2)، و ابن‌ماجة في سننه (1037/2) في المناسك، باب فضل مكة رقم (3108)، و ابن‌حبان في صحيحه (الاحسان 22/9) رقم (3708)، و الحاكم في المستدرك (7/3) و قال: صحيح الاسناد علي شرط الشيخين و لم يخرجاه، و وافقه الذهبي. و الحزورة: التل أو الربوة الصغيرة.
[3] رواه أحمد في مسنده (74/2)، و الترمذي في سننه (719/5) في المناقب، باب فضل المدينة رقم (3917) و قال: حديث حسن غريب من حديث أيوب السختياني، رواه النسائي في الكبري (488/2)، و ابن‌ماجة في سننه (1039/2)، و ابن‌حبان في صحيحه (الاحسان 57/9) رقم (3741).
[4] أنظر بدائع الفوائد لابن القيم (136-135/3) و فيه ما نصه: قال ابن‌عقيل: سألني سائل أيما الأفضل حجرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم أو الكعبة؟ فقلت: ان أردت مجرد الحجرة فالكعبة أفضل، و ان أردت و هو فيها فلا و الله و لا العرش و حملته و لا جنة عدن و لا الأفلاك الدائرة، لأن بالحجرة جسدا لو وزن بالكوتين لرجح) أه. و قال الامام مالك: (ان البقعة التي فيها جسد النبي صلي الله عليه و آله و سلم الأفضل من كل شي‌ء حتي الكرسي و العرش، ثم المسجد النبوي ثم المسجد الحرام، ثم مكة.
[5] روضة السيدة آمنة بنت وهب عليهاالسلام أم الحبيب المصطفي نبي هذه الأمة صلي الله عليه و سلم و آله.
[6] رواه أبوداود في سننه (453/3) في الجنائز، باب في جمع الموتي في قبر، و القبر يعلم رقم (3206). قال الحافظ ابن‌حجر في (التخليص الحبير) (141/2): اسناده حسن.
[7] رواه البخاري في صحيحه (فتح الباري 264/3) في الجنائز، باب الجريدة علي القبر تعليقا، قال الحافظ ابن‌حجر في فتح الباري (265/3): (خارجة بن زيد: أي ابن‌ثابت الأنصاري أحد ثقات التابعين، و هو أحد السبعة الفقهاء من أهل المدينة. الخ، وصله المصنف - أي البخاري - في التاريخ الصغير من طريق ابن‌اسحاق: حدثني يحيي بن عبدالرحمن بن أبي‌عمرة الأنصاري سمعت خارجة بن زيد فذكره، و فيه جواز تعلية القبر و رفعه عن وجه الأرض) أ.ه.
[8] رواه البيهقي في شعب الايمان (164/2) و في دلائل النبوة (158-157/1)، و الحاكم في المستدرك (35/1) و صححه علي شرط الشيخين و وافقه الذهبي، و رواه القضاعي في مسنده (189/2) مرفوعا عن أبي‌هريرة رضي الله عنه، و رواه الدارمي في سننه (21/1) و غيره من أبي‌صالح مرسلا، و رواه البزار (كشف الأستار 114/3) بلفظ: (انما بعثت رحمة مهداة)، قال الهيثمي في المجمع (257/8): رواه البزار و الطبراني في الصغير و الأوسط، و رجال البزار رجال الصحيح.
[9] رواه البيهقي في حياة الأنبياء (ص 15)، و أبويعلي في مسنده (147/6) رقم (3425)، و البزار في مسنده (256)، و قال الهيثمي في مجمع الزوائد (211/8): (رواه أبويعلي و البزار، و رجال أبي يعلي ثقات). [
[10] رواه أحمد في مسنده (8/4)، و ابن أبي‌شيبة (516/2)، و أبوداود في سننه (1047)، و النسائي (9291/3)، و ابن‌خزيمة في صحيحه (1733)، و الحاكم في المستدرك و صححه (278/1) و وافقه الذهبي، و صححه النووي في الأذكار (أنظر الفتوحات الربانية (312-309/3).
[11] و هذا الهراء ردده أيضا في رسالته (تحذير الساجد) (ص 69-68)، بل زاد علي ذلك حين عد في رسالته (حجة النبي صلي الله عليه و آله و سلم)(ص 137) من ضمن بدع المدينة المنورة كما يزعم (ابقاء القبر النبوي في مسجده) أ.ه.
[12] هو جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه (الفتح 348/11) رقم (6502) كتاب الرقاق، باب التواضع.
[13] أنظر تفسير ابن‌كثير (206/2).
[14] و علي رأسهم الامام الرباني الحبيب العيدروس العدني، بركة عدن و حضر موت رحمه الله تعالي، و لكن الله تعالي رد كيدهم حيث جدد مشهده و أعيد بناء قبته المباركة.
[15] رواه البخاري في صحيحه (72-69/4) في فضائل المدينة، باب حرم المدينة، و في الاعتصام باب اثم من آوي محدثا، و مسلم في صحيحه، رقم (1367،1366،1365) في الحج، باب فضل المدينة، و دعاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيها بالبركة.
[16] رواه البخاري في صحيحه (89/8) في الفتن، باب ظهور الفتن، و مسلم في صحيحه رقم (2672) في العلم، باب رفع العلم و قبضه و ظهور الجهل و الفتن في آخر الزمان من حديث أبي‌موسي الأشعري.
[17] رواه البخاري في صحيحه (33/1) في العلم، باب كيف يقبض العلم، و مسلم رقم (157) في العلم، باب رفع العلم و قبضه و ظهور الجهل من حديث عبدالله بن عمرو.
[18] رواه مسلم في صحيحه (74/1) رقم (55) و قد تقدم.
[19] رواه مالك في الموطأ رقم (609)، و أحمد (272/2)، و البخاري في الأدب المفرد (759)، و مسلم في صحيحه (36/8)، و أبوداود (4983)، جميعهم من حديث أبي‌هريرة.
[20] أنظر مجموع تسع رسائل للامام الحافظ جلال‌الدين السيوطي في نجاة والدي المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم فانها أحسن ما كتب في هذا الباب، و هي مطبوعة مجموعة و مفرقة.
[21] التي صرح فيها بأنه لا يكفر من توسل بالصالحين، و لا يكفر البوصيري و لا يكفر ابن‌الفارض و لا ابن‌عربي، و لا يبطل كتب المذاهب... الخ، و له كلام مشابه في المجلد الأول نفسه (ص 80).
[22] الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبدالرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي النجدي، الطبعة السادسة مزيدة و منقحة، 1417 ه، بلا ذكر للدار الطابعة، و قد عرف ابن‌قاسم هذا الكتاب بأنه (مجموعة رسائل و مسائل علماء نجد الأعلام من عصر محمد بن عبدالوهاب الي عصرنا هذا)، علما بأن عبدالرحمن بن قاسم توفي عام 1392 ه، و قد كان ابن‌باز يدرس هذا الكتاب ضمن دروسه اليومية، و علمنا أنه قد وجه بترك رسائل و فتاوي كانت غاية في التكفير، لكننا وجدنا في الباقي ما يكفي و زيادة في اثبات منهج ابن عبدالوهاب و أبرز أتباعه، و سنقتصر علي هذا الكتاب في هذا المبحث.
[23] بتحقيق الدكتور عبدالرحمن العثيمين.
[24] عالم حنبلي و هو عضو في كهيئة كبار العلماء الوهابية.
[25] عالم حنبلي و هو عضو في هيئة كبار العلماء الوهابية.
[26] أنظر الدرر السنية (63/10).
[27] أنظر الدرر السنية (64/10).
[28] كل هذه في الدرر السنية، و كل التوثيقات في هذا الفصل فهو مأخوذ من الدرر السنية الا ما بيناه في موضعه.
[29] مع أن كثيرا من كبار علماء أهل السنة كتبوا و ألفوا في فضائل الامام علي و منهم النسائي في كتابه (خصائص أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب) كتبه ردا علي أهل الشام النواصب في بداية القرن الرابع و لقي النسائي. حتفه بسبب هذا الكتاب، فقد قام النواصب الدمشقيون بمطالبته باخراج كتاب مماثل في فضائل معاوية! فقال: لا أعرف فيه الا حديث (لا أشبع الله بطنه)! فغضبوا و قاموا بفرك خصيتيه الي أن مات! فكان اللؤم فيهم حتي في قتل العلماء، و من علماء السنة الامام الحافظ أبو عبدالله الحاكم صاحب المستدرك، فقد أكثر من فضائل الامام علي و الدفاع عنه في المستدرك، في بداية القرن الخامس الهجري، و قام النواصب كالعادة بمطالبته باخراج أحاديث في فضل معاوية، فقال: (لا يأتي من قلبي) و حاصروه في بيته بخراسان، و كذلك الامام ابن عبدالبر امام أهل السنة في وقته فقد كان كثير الدفاع عن الامام علي في كتبه، و منها الاستيعاب و الاستذكار، في أواسط القرن الخامس الهجري، و لم يصبه مكروه، الا أن السلفية المعاصرة تنتقده في التوسع في (ماشجر بين الصحابة)! و هم يعرفون أن ابن‌تيمية توسع أكثر منه، لكن يقصدون من هذا ما ذكره من فضائل الامام و ذم الظلم الأموي، و كذلك تجدهم اليوم يركزون هجومهم علي كل من دافع عن الامام علي و نقد الظلم الأموي فيتهمونه بالرفض مباشرة! و المقصود هنا أنه لا يخلوا أهل السنة من قائل بفضل أهل البيت و الدفاع عنهم الا أن النواصب غالبا يعملون علي اماتة ذكرهم - كما هو حاصل اليوم - مع اشهار كتب النواصب ككتب ابن‌تيمية و الفراء الحنبلي و محب‌الدين الخطيب، و رشيد رضا و سائر كتب دعاة السلفية، و الرسائل الجامعية في موضوع الصحابة فكلها يشوبها كثير من النصب الخفي!.
[30] و بعد سلب الوهابية لمكة و المدينة في عهد سعود الكبير تم اجبار علماء مكة و المدينة علي التوقيع علي وثيقة فيها الحكم علي أهل مكة و المدينة بأنهم قبل سلبها كانوا (في الكفر الأكبر المبيح للدم و المال) و أن بقية بلاد المسلمين يومئذ علي الشرك الأكبر! (راجع الدرر السنية (317-314/1)تجد الوثيقتين، و تستطيع بسهولة أن تعرف أنهما منتزعتان بالاكراه لتشابه الصيغتين، و لشدتهما في تكفير أهل الحرمين، و لأن هؤلاء العلماء كانوا ضد الوهابية قبل الاستيلاء علي الحرمين. و سبب الغلو الزائد في الدولة السعودية الأولي أن الحكام كانوا كالعلماء وهابية غلاة، أما في الدولتين السعوديتين الثانية و الثالثة فقد أخفوا وهابيتهم لكنهم قد لا يدركون خطر الغلو الوهابي، و لذلك يتفاجئون بقود الغلو و الغلاة في المملكة، لأن الغلاة اختطفوا كل التراث السلفي المغالي و كل التراث الوهابي و زادوا علي ذلك بالحركات الصحوية الحزبية، فتكدس في هذا الوطن الغلو القديم و الحديث مع التحزب، و الحل هو فتح المجال لمراجعة هذه المناهج و الكتب و الأفكار و الفتاوي.
[31] الدرر السنية (314/1).
[32] الدرر السنية (317-316/1).
[33] و قد أثني عليه الذهبي و السبكي و ابن‌خلكان و غيرهم، و هو فقيه و مفسر و أصولي و متكلم و طبيب، و ان كان له أخطاء كما لغيره أخطاء، فانها ليست من الأخطاء الكفرية كما يقول ابن عبدالوهاب، و لو كان يحسن عبادة الكواكب لذمه هؤلاء، أو ذكروا هذا الكفر علي الأقل، و لو كفرنا كل من أخطأ لن يبقي معنا أحد.
[34] مع أن أغلب خصومه لا يتهمونه بالكفر الأكبر و لا عبادة الأصنام و انما ينتهمونه بالخارجية.
[35] الدرر السنية (78/1).
[36] و الغريب أنه في مواضع أخري ينكر أنه يكفر من لم يهاجر اليه! و هذا ذهول أو رجوع أو مناورة.
[37] مثلما تبادل ابن عبدالوهاب و خصومه البغض مع أنهم كلهم من أهل السنة، و مثلما تبادل الامام مالك و ابن‌اسحاق البغض و لكهم مسلمون، و هكذا سائر خصومات الأقران لابد أن يصاحبها بغض، لكن هذا البغض لا يجوز أن يدفع صاحبه لتكفير خصومه الا بدليل ظاهر له فيه من الله برهان.
[38] فمن النصوص في الخوارج (يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية)! و من النصوص الخاصة في الفئة الثانية: فئد معاوية (يدعون الي النار) وورد أنهم (قاسطون: أي جائرون)، فهاتان الطائفتان (الخوارج و البغاة) كان يمكن للامام علي و من معه من أهل بدر و الرضوان أن يكفرهم بها لو استجاب للحماس الداخلي و ظروف المعركة الخارجية، كان يستطيع أن يقول: من مرق من الاسلام مروق السهم من الرمية فلن يعود فيه! و من دعا الي الناس فليس بمسلم، و (أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)، لكن الامام علي و من معه من أهل بدر كانوا أتقي لله من أن يعملوا النصوص في غير ما هي من تخطئة البغاة و الخوارج و وجوب قتالهم.
[39] الآية محكمة و قد حاول بعض المتمسلفة من الشاميين المنحرفين عن الامام علي - و هو ابن‌تيمية - أن يتفلسف و يزعم: (أن قتال الفئة الباغية لم يأمر الله به ابتداء)! و نسي أو تناسي أن الصلح أيضا في الآية نفسها لم يأمر الله به ابتداء أيضا! و انما أمر به بعد القتال! فهل يقول عاقل: ان الصلح بين فئتين غير مشروع حتي يقتتلا؟! فاذا كان جامدا علي (الظاهر اللفظي في الآية) فليجمد علي ظاهرية كل الآية جميعا؛ و ان كان يري (مشروعية الصلح ابتداء) و لو لم يحدث قتال؛ لزمه أن يري (مشروعية قتال الفئة الباغية) ولو لم يحدث صلح، أما أن يجمد لي نصف الآية و يترك بقيتها فهذا تناقض يدل علي الهوي، و قد يتحقق الصلح بلا سابق قتال، كما أنه قد يتحقق البغي بلا سابق صلح، و يدل علي ذلك أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سمي فئة معاوية باغية و لم يحدث قبلها الا دعوتها للجماعة، فاما أن يكون هذا هو الصلح المأمور به في الآية في حالة كون الخصم اماما شرعيا، و اما أن تحقق البغي لا يشترط فيه صلح سابق، و ان استفدنا (مشروعية الصلح) مطلقا من خارج الآية نستطيع بسهولة أن نستفيد (مشروعية قتال أهل البغي و شاق العصا) من خارج الآية أيضا، فتبين بهذا و غيره أن حبل النصب قصير، و ان دندن حوله بعض المتمسلفة!.
[40] الدرر السنية (113/10).
[41] راجع الكتاب الأول من هذه السلسلة المباركة بعنوان (براهين الحقائق الجلية في كشف الوهابية).
[42] قال عبدالله بن عيسي: (بلغني أنه حلق نناس من أهل تهامة رؤوسهم علي ضوء السراج نحو ست مائة رجل في ليلة واحدة؟!، و قد اعترف عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب بأن (بعض البوادي الذي دخلوا في ديننا قاتلوا من لم يحلق رأسه.. و أن من لم يحلق رأسه صار مرتدا)، دعاوي المناوئين (184).
[43] راجع كتاب (الملحوظات علي كتاب كشف الشبهات) و هو رقم (13) من هذه السلسلة المباركة.
[44] الا اذا كان آباؤه داخلين في الدعوة، أو أنهم لم يرتكبوا شيئا مما نهي عنه ابن عبدالوهاب.
[45] و معظم هذا يخص الكفار المحاربين لا المسالمين و لا أهل الذمة و لا المعاهدين، فكيف اذا علمنا أن المقصود بالمشركين في هذه العبارات - فيما يظهر - المسلمون في الدول المجاورة؟! فاذا أطلقوا (المشركين) فغالبا لا يقصدون الكفار الأصليين و انما يقصدون المسلمين علي الأكثر الأعم، و النادر لا حكم له، و الواقع يؤكد أن الوهابية هم خدام الاستعمار علي الدوام، بريطانيا قديما، و أمريكا حديثا!!.
[46] مع ما في هذا من غلو ظاهر في ابن عبدالوهاب، فشجرة لا اله الا الله التي جاء بها النبي صلي الله عليه و سلم، بل سبقه اليها سائر الأنبياء عليهم‌السلام، فلو كانت العبارة (الشجرة التي سقاها محمد بن عبدالوهاب) لكانت أليق بمقام النبي صلي الله عليه و سلم و أليق بمقام ابن عبدالوهاب مع التجوز في هذا أيضا، أما أن ترفع من شأن ابن عبدالوهاب علي حساب النبي صلي الله عليه و آله و سلم فكلا و ألف كلا.
[47] و هذا تكفير صريح للمسلمين في الدول التي كانت وزارة المعارف السعودية تستقدم منها المعلمين، كمصر و سوريا و الأردن و السودان و فلسطين و دول المغرب العربي و غيرها.
[48] و قد حاول محشي الكتاب أن يخفف الاطلاق السابق فقال: (يعني بالعلوم العصرية التي تؤدي الي الالحاد و تعليم التمثيل و الأغاني و الألحان و تعليم الغيب! بالنجوم و الكواكب، و علوم الفلسفة و لا يعني علم طبقات الأرض و الطب و الهندسة) أه مختصرا، و في قوله هذا أيضا غلو ظاهر، فليس هناك علوم تعلم الالحاد و لاعلم الغيب،حتي علم الفلسفة لا يعلم الالحاد فهو بحسب الفيلسوف، و لعلنا نري اليوم أن من أكبر المدافعين عن الاسلام أثرا و اقناعا هم الفلاسفة المسلمون.
[49] يقصد أن الخشبات الثلاث واحدة عند الكفار و عند المسلمين مما يؤكد التشبه بالكفار!.
[50] هذا من المبالغة في اعتساف النصوص الشرعية للاستدلال بها علي التحريم، و هذه سمة غالبة علي استدلالات كثير من علماء الوهابية، فالأصل في الأشياء الاباحة و ليس التحريم، و لأن تخطي‌ء في التحليل خير من أن تخطي‌ء في التحريم، لأن الأصول هو اليسر و الاباحة، و التبشير لا التنفير، و غير ذلك من يسر الاسلام.
[51] و الشيخ عبداللطيف يبرر كل موقف يتخذه بالشرع، فيجب قتال سعود بن فيصل بالشرع! و يجب نصرته بالشرع! و يجب جهاد أخيه عبدالله بن فيصل بالشرع! و يجب حرب المفسدين بالشرع! و يجب طاعة المفسدين بالشرع لأنهم متغلبون! و هكذا..، (راجع الدرر السنية 34/9 و ما بعدها)، هذا الشرع أنهكناه تماما بمثل هذه التوظيفات، و كنا نتمني لو أنه لم يحمل الاسلام كل هذه المواقف المنتناقضة، و للأسف أن المنظومة الوهابية بشكل عام من زمن قديم تعاني من هذا التناقض و التذبذب حتي أنه ليخيل للقاري‌ء أن الوهابي يريد أن (يطوع الاسلام) لما يريد! فما يتفق مع هواه فهو المطلوب شرعا بل هو التوحيد الخالص، و ما يكرهه أولا يعقله فهو المذموم شرعا! بل هو كفر وردة!!.
[52] و قد اعتذر عنه الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف بأن مصادره في ذلك مسيحية! و تناسي الدكتور الفاضل أن سفك الوهابية للدماء موجود في مصادر الوهابية نفسها، فهذا ابن‌غنام يذكر في تاريخه أكثرمن 300 غزوة، كل تعبيراته تقول: و في هذه السنة غزا المسلمون الكفار.. (و هذه الغزوات انما هي من الوهابية لمسلمين في أوساط نجد و الحجاز و الأحساء.. الخ)! ثم المسيحيون انما يكتبون أخبار الوهابية من المسلمين، فلم يكن في نجد مسيحيون، ثم الدكتور و غيره من المدافعين عن الوهابية نجدهم في النتيجة لا يقبلون النقل الا من الوهابية، فلا يقبلون روايات علماء أهل السنة من المخالفين للوهابية و كأنهم يجبروننا علي فهم ما جري وفق ما تقوله الوهابية فقط! و كأن المسلمين الآخرين كفار قريش أمام النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و هذا غرو و تطرف، فالمسلمون المخالفون للوهابية في نهايةالأمر صادقون في اتهام الوهابية بالتكفير و القتال، فهذا رأيناه متحققامن كلام ابن عبدالوهاب نفسه و من كلام أتباعه بما لا نستيطع أن نلقي اللوم فيه علي مسيحي و لا يهودي.
[53] دعوي المناوئين للدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف ص 164، الطبعة الأولي - و هي رسالة جامعية بجامعة محمد بن سعود الاسلامية بالرياض - طبعة دار الوطن، 1412 ه.
[54] راجع الكتاب رقم (13) من هذه السلسلة المباركة.
[55] المصدر السابق: 164.
[56] هذه ستة تقريظات سلفية في نسق واحدة! شيخ و سني و سلفي و حنبلي و نجدي و قاضي! و عمل لأمراء آل سعود أيضا و هذه سابعة، و ترجم له البسام و بكر أبوزيد و صالح القاضي و ارتضوه و أثنوا عليه و هذه ثامنة، لكن غلاة الوهابية في آخر الأمر لا يقبلون في الوهابية و لا في السلفية الا قول من يثني فقط، فهم يستشهدون الي اليوم بأقوال القصيمي - الذي آل به الأمر الي الالحاد- في الدفاع عن ابن عبدالوهاب، و لا يوردون السلفي الحنبلي في نقد ابن عبدالوهاب، فالنتيجة معهم محسومة الفشل، و كأنهم يقولون: سنأخذ أقوال من يثني و يمدح و يبري‌ء ولو كان فاجرا أو ملحدا أو يهوديا أو نصرانيا، و سنتهم كل من ينقد ولو كان من أصلح عباد الله و أعلمهم و أخشاهم لله، فهم يمنعون من النقل عن المسلمين و غير المسلمين، أما غير المسلم فيكفي أن يدعوا أنه غير مسلم، و أما المسلم فيقولون مبتدع، و ان نقلنا من السنة قالوا: هذا بعيد عن الدعوة و ليس من أهل نجد، و ان نقلنا عن حنبلي و من أهل نجد، قالوا: هذا من خصوم الشيخ و حاسديه! فلم يبقوا أمامنا الا النقل عن ابن عبدالوهاب و أتباعه، ففعلنا في هذا الكتاب، و أثبتنا وجود التكفير في أقوال ابن عبدالوهاب فضلا عن الاتباع، فماذا بقي بعد؟ علما بأنهم يبيحون لأنفسهم النقل عن تجار الكتب و بائعي الضمائر و المغفلين و الملحدين، و لذلك فنحن هنا لا نتحدث مع الغلاة، فحكمهم المسبق معروف لنا مسبقا أيضا.
[57] دعاوي المناوئين للدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف ص 166.
[58] دعاوي المناوئين 166.
[59] دعاوي المنائين ص 166.
[60] دعاوي المناوئين ص 167.
[61] دعاوي المنائين ص 166.
[62] المصدر السابق ص 165، و قد ذكر الدكتور عبدالله بن محمد أبوداهش في كتابه (أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في جنوبي الجزيرة العربية) - و هو رسالة دكتوراه في جامعة ابن‌سعود أيضا - قصصا تؤكد علي كلام السيد علوي الحداد، أو علي الأقل أن هذا فعله بعض الوهابية، و علي هذا فليست هذه من (اختراعاته) كما ذكر الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف.
[63] المصدر السابق.
[64] دعاوي المناوئين ص 1 68.

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.