الخديعة الكبري‌

اشارة

مولف:لجنة البحوث و الدراسات بالطريقة العزمية
مجله حوزه

المقدمة

أن شاخت الإمبراطورية العثمانية، بدأت الهجمة الغربية تسعي بكل جهدها و إمكاناتها إلي تفتيت أوصالها، و منع كل محاولات المخلصين من معالجة مشاكلها المزمنة، و العمل علي تجديد شبابها و تصحيح انحرافها الذي انتهي بها إلي ما آلت إليه، حينئذ برزت إلي الوجود حركات نشطة تدعو إلي إحياء المشروع الإسلامي العربي، لإقامة دولة عربية موحدة في وطن عربي واحد، يملك كل مقومات النهوض لتأسيس كيان تهيأت له كل أسباب الرفعة و السؤدد. و حينها كانت بريطانيا التي لا تغرب عن مستعمراتها الشمس، زعمية الغرب الإمبريالي، قد [ صفحه 5] انتبهت لخطورة ذلك المشروع المهدد دون شك لمصالحها و أطماعها، و كعادة ساستها في الخبث و الدهاء، لم تعارض ذلك المشروع الطموح، بل بدأت في الاستفادة القصوي من قوة اندفاعه، و وضع الأسافين لوأده، و منع قيامه، شجعت الشريف حسين ملك الحجاز، و عاهدته علي مصالح متبادلة، (القضاء علي الوجود العثماني بالمنطقة العربية لمصلحة بريطانيا، مقابل السماح له بإقامة الدولة العربية و إعلانه ملكا عليها)، و في نفس الوقت زرعت كيانين خطيرين لم يكن لهما وجود، يستحيل أن يقوم بوجودهما الوطن العربي الواحد، و هما الكيان السعودي في نجد القائم علي فكرة محرفة للإسلام و توظيفها لأغراض سياسية دنيوية (الوهابية)، و الكيان العبري في فلسطين القائم علي فكرة محرفة لليهودية (الصهيونية) في مواجهة خطيرة بين الدين و القومية، لاحظ تاريخ معاهدة دارين التي أقامت كيان آل [ صفحه 6] سعود في نجد 1915 م، و وعد بلفور المشؤوم الذي قام عليه الكيان الصهيوني في فلسطين 1917 م، و لاحظ كذلك ارتباط الموقعين بالأماكن المقدسة للرسالة الإسلامية)، و عندما رفض الشريف حسين التنازل عن فلسطين و الموافقة علي تمليكها لليهود، أمرت بريطانيا عبد العزيز آل‌سعود بمهاجمته بعد أن أمدته بالقيادة و العتاد و العدة، و علي رأسها استغلال بقايا الوهابية و عنفها السياسي المنحرف، ثم أمرته باجتياح مملكة الحجاز، التي شهدت جرائم حرب و فظاعات إنسانية، لم يعرف لها تاريخ الجزيرة مثيلا، أريقت فيها دماء المسلمين الأبرياء بيد آثمة تدعي الإسلام، و يدخل (جون فيلبي) مكة المكرمة و يعتلي منبرها ليخطب خطبة الفتح بعد أن زور اسمه إلي عبدالله فيلبي، مدعيين إسلامه، و أثبت التاريخ بعد ذلك أنه لم يغير دينه. [ صفحه 7] منذ ذلك الحين بدأت العلاقة الوطيدة بين النظام الوهابي و بني صهيون بشكل مباشر أحيانا، و بشكل غير مباشر في أغلب الأحيان، لكنها لا تخفي إلا علي السذج الذين أغشي الجهل بصيرتهم، فكلما تعرضت إحداهما للخطر، بادرت الأخري لإنقاذها مع الفارق بين مهام العميل (الوهابي)، و مهام الحليف (الصهيوني) و لكنهما يخدمان مصلحة من كان سببا في وجودهما، و بعد أن تأججت الثورة العربية في فلسطين عام 1936 م بشكل أزعج بريطانيا و هدد وجودها بالمنطقة، كانت مؤامرة فيصل و عهوده الشهيرة التي صدقها المغفلون، و قسمه المنقول عن والده بأن بريطانيا لن تسمح بقيام الكيان الصهيوني علي أرض العرب المقدسة، ولو لا تلك الأيمان الكاذبة ما استطاعت بريطانيا تمكين الصهاينة من فلسطين، و دور آل‌سعود و آل‌صهيون في وأد المشروع القومي الناصري لا يمكن أن يخفي علي أحد، و الدور [ صفحه 8] المشبوه الذي أدي إلي اتفاقية كامب ديفيد، و مشروع فهد الذي فت في عضد الانتفاضة الأولي و عمم روح الاستسلام في المنطقة، و آخرها مشروع عبدالله الذي أعلن في بيروت بصياغة أمريكية لإبطال روح العزيمة التي أججتها انتصارات المقاومة الشعبية في لبنان و الانتفاضة الفلسطينية الثانية، و الأخطر توظيف العقيدة الإسلامية و تحريفها لخدمة أغراض الغرب الإمبريالي أيام الحرب الباردة، و دفع الأمة الإسلامية لمواجهة المعسكر الشرقي دون الأخذ في الاعتبار مصالحها و مشاريع نموها و تعزيز حريتها، حتي وجدت الأمة نفسها تدفع بشبابها - الذين خربت المؤامرات عقولهم - في أتون حرب لم يكن لها ناقة و لا جمل في صراع الطواغيت، و كان من الأجدي لها لو استثمرت تلك الظروف لخدمة مصالحها و تحرير أراضيها و إرادتها السياسية و تأكيد حياده الإيجابي، الذي ظهر في روح باندونج، الذي ما فتئت الأسرة [ صفحه 10] السعودية علي مناصبته العداء خدمة لمن يملك إرادتهم، و كانت قمة الغباء في توريط الأمة الإسلامية بشكل مباشر في حرب أفغانستان و ما نتج عنها من مآسي طالت العالم الإسلامي و لا زالت تداعيتها تفت في عضده حتي يومنا هذا، و حتي لا نجانب الموضوعية، و نملي الاستنتاجات علي القاري‌ء، سنطرح الأحداث و الوقائع التاريخة كما هي بحيادية كاملة، دون غرض سوي إدراك الحقيقة، و الانطلاق منها لتكوين رؤية تسمح لكل متابع بأن يكون له رأي في مصير الأمة في هذا الوقت العصيب، لعلنا نوحد الجهود و ندفعها مجتمعين في اتجاه إنقاذ منطقتنا من مصير بائس يحاك لها، و إعادة الروح لقواها الحية لعلها تتمكن من تحقيق مصالح الوطن و المواطنين، في إطار المقاصد الإنسانية السامية. لقد تأكدت ضرورة التغيير، و السؤال القائم، [ صفحه 10] لمصلحة من؟!. إن النظام الجاهلي العميل المتخلف القائم في جزيرة العرب، و الذي تديره أسرة آل‌سعود دون حق شرعي، و لا يستمد شرعيته من عرف أو دين، و لن يحقق استمراره سوي مصالح الطامعين، و لن يؤكد سوي عدم الاستقرار و المزيد من الدماء و الأرواح و تشويه سماحة الإسلام، لذلك سنتناول بالبحث و التحليل نشوة مملكة آل‌سعود و جاهليتها و الوهابية و ما ارتكبته من جرائم حرب آثمة، و عدم شرعية نظامها، و الضرر الجسيم الذي سببته لمواطني الجزيرة العربية أولا، و الأمتين العربية و الإسلامية، و ثانيا: استعدادها الدائم لخدمة الطواغيت مقابل حماية نظامها، حتي إن كان ذلك علي حساب ثوابت الإسلام و أصوله و مصالح المسلمين، و الواجب الأهم إنقاذ الحرمين الشرفين من براثنهم قبل فوات الأوان، ثم [ صفحه 11] سنبحث المخططات التي تستهدف المنطقة و مقاصدها، و سبل التصدي لها بمنتهي الموضوعية، دون غرض سوي العمل علي إنقاذ الأمة مما يدبر ضدها، و العمل علي إعادتها لاحتلال مكانها اللائق به فوق الأرض و تحت الشمس كما أراد الله لها، خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر و تؤمن بالله، و الله من وراء القصد. [ صفحه 12]

آل سعود و الوهابية المعاصرة

إن النظام الرجعي في شبه الجزيرة العربية بات خطرا علي المنطقة والمجتمع الدولي، لأنه ينزع إلي النعف و إلي التكفير وإلي إهدار الدم و استباحة العرض للمخالف، و هو الذي أوجد فقها تعسفيا مغاليا، كان العصا الغليظة التي استغلتها أسرة آل‌سعود لقهر مخالفيها، و بها شكلت سلطانها و صار لها دولة تملكها. و بها ضربت المذاهب السنية و المدارس الفقهية الأخري و قمعتهم، و عبرهاتم تمدد السلطة السعودية إلي خارج الحدود، لنشر مذهب التطرف في الآفاق مدعوما بالمال و الثروة النفطية. هذا التيار يشكل اليوم خطراعلي المجتمع، و هي لا تعدو مسألة وقت قبل أن يبدأ في استخدام العنف علي إطلاقه، لكن العائلة المالكة تخشي (أن تقطع يدها بنفسها) و بالتالي لا تستطيع أن تضرب بيد من حديد [ صفحه 13] التي يهدد بها وزير الداخلية دائما، و رغم أن المتضررين من نمو هذا التيار كثيرين في الداخل و الخارج، و رغم أن الخطر قريب و ما حق، إلا أن العائلة المالكة لا تزال تتعاطي معه بكثير من الحذر و الخوف، و السبب أنها تخشي من فقدان ما تبقي لها من شرعية وطنية تعوض عن نقض الشرعية الدينية بين وهابيي نجد، ثم إن بين الأمراء من لا يزال يتعاطي الموضوع و كأن الوهابية المتطرفة مجرد ورقة في العمل السياسي و الصراع علي السلطة بين أجنحة الكم من نفس الأسرة.في حين أن هذا التيار المتشدد زادت فتاوي تكفيره في السنوات الماضية لتشمل أفرادا و أطيافا اجتماية و دينية مختلفة، و يكسب يوما بعد آخر أرضا جديدة. قمع هذا التيار في غياب الروح الوطنية و التغيير السياسي خطير، و هذا ما يفهمه أمراء آل‌سعود، و لذا [ صفحه 14] فهم سيكررون تجاربهم الماضية، قمع جهة للأجنحة المتشددة، و لكن بدعم من التيارات الرسمية الدينية التي فقدت ألقها و مكانتها بين الجمهور السلفي النجدي، و هذا الحل لا يعلو علي أن يكون تسكين مؤقت للمشكلة الحقيقة التي تمكن في العائلة المالكة نفسها، فهي التي سمحت بانتشار التطرف و مولته ضد أعدائها و لا تزال، رغم أنه بدأ يرتد عليها، و هي التي خلقت الظروف الملائمة لنمو شجرة العنف بسبب سوء إدارتها للاقتصاد الوطني، و بسبب الاستبداد السياسي و الفكري الخانق الذي فرض فكرا واحديا سلفيا متطرفا، لا يسمح بظهور أي صوت آخر مواز - و لا نقول مخالف - له. الحل ليسص في القمع و لا فائدة من الإصلاح مطلقا، هذه الكلمة السحرية التي لم تكتشفها العائلة المالكة، أو لا تريد اكتشافها، إذا كانت قد نجحت في الماضي في [ صفحه 15] تقليم أظفار التطرف الناشي‌ء كل عقد أو عقدين من الزمن، فإنها هذه المرة و هي إذ تفقد شرعيتها غير قادرة علي توسيع دائرة العنف، و لا تجد أحدا يقبل بحججها و لا بسياستها حتي بين المخالفين للتيار، و لا حل أمامها سوي الهرب، قبل أن يكتسحها موج التطرف و العنف الداخلي، و قبل أن تدهمها ضغوط الخارج فتنفي العائلة المالكة: و تمزق الجزيرة العربية حسب أهواء النظام العالمي الجديد، و قطبه الأوحد. منتصف التسعينيات قامت حكومة آل‌سعود بإيقاف مجموعة من الإسلاميين المعارضين الذين أثاروا شغبا في (بريدة)، و اقتحموا مبني إمارة المنطقة، و اعتصموا بالجوامع و أثناء إيقافهم في سجن الحاير الشهير، حدث انقسام و انشقاق بين الصف الأول و الثاني من الموقوفين الذين جمعهم المعتتقل بين جنباته، نشأ الخلاف بسبب الموقف الشرعي الواجب [ صفحه 16] اتخاذه تجاه الحكومة، و العاملين في جهاز المباحث من أعلي الرتب العسكرية إلي أقلهم رتبة. سجن الحاير كان يحوي لونين من الإسلاميين؛ (الصحويين الحركيين) و (السلفيين الجدد)، و الذين كان يتزعمهم الشيخ محمد الفراج و مجموعته، حيث كانوا يقضون أحكاما بالسجن لسنوات قضية أخري سابقة لأحداث بريدة، و كان ضمن هذه المجموعة الشيخ ناصر بن حمد الفهد، و الشيخ عبدالعزيز الجربوع، و قد كانا يمثلان الجناح المتشدد داخل هذه المجموعة، و هما اليوم يعتبران من رموز السلفية الجهادية. بالتقاء الشيخ علي بن خضير الخضير (الذي كان من بين الموقوفين بعد أحداث بريدة) بالأخيرين، نشأ تحالف جديد أحدث انقساما داخل سجن الحاير، كان هذا الانقسام هو الشرارة الأولي و النواة لقيام تيار [ صفحه 17] تكفيري غال، ظهر علي السطح لاحقا و مارس أنشطته علنا ببيانات و فتاوي التكفير، برعاية و مباركة من الشيخ حمود بن عقلاء الشعبي و بعد وفاة العقلاء، تزعهم الفهد و الخضير هذا التيار. السلفية الجديدة كانت تقتفي نهج ابن‌باز و تلاميذه، و بعض آراء و اجتهادات محمد ناصر الألباني في الفقه و الحديث، و كان حي السويدي في الرياض هو قاعدة هذا التيار، إلا أن التنقيب في تراث الوهابية و فتاوي مروجيها فيما يخص مسائل تكفير المعين و موانعه، و مسوغات الخروج علي الحاكم، أبرز الهدف و استخرج أحقادا عانت من تراكم الغبار، و أفكارا أصابها الضمور، تم توظيفها سلاحا فتاكا لتكفير حكومة آل‌سعود. يعود الأمر في ذلك إلي اثنين... أولهما: أبومحمد المقدسي... الفلسطيني الذي يقيم في الكويت، و تم [ صفحه 18] إبعاده إلي الأردن، و اسمه عصام البرقاوي و هو مؤلف الكتاب الشهير (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية)، و رسالته (ملة إبراهيم) تعتبر دستور التكفيريين، و يؤكد مطلعون علي أنها في الأساس تحشية علي رسالة قديمة لجهيمان العتيبي تحمل الاسم نفسه، زار عصام البرقاوي الجزيرة العربية عشية حرب الخليج الثانية، و قام بجولة زار فيها مدينة بريدة و مدنا أخري، و لم يكن حينها يحظي بذلك القبول لا في الكويت و لا في الجزيرة، فقد كان رأيه بكفر علماء المؤسسة الدينية الرسمية، سببا في جفول البعض منه خوفا من بطش الحكومة و غضب هيئة كبار العلماء، كما أن خلافا نشأ بينه و بين مريديه لإفتائه سرا بجواز السطو علي البنوك، مما اضطره لاحقا إلي التنصل من تلك الفتوي، و أثناء الاجتياح العراقي للكويت فضل البقاء، و كان من يدخلون الكويت أثناء الاحتلال يأتون بأخبار تؤكد صحة ما كان ينفيه عن نفسه. [ صفحه 19] أما الآخر الذي كان له دورا لا ينكر في نشر مذهب التكفير محليا، فهو اسم يجهله الغالبية العظمي من الإسلاميين في الجزيرة العربية و يعتبر (عراب) هذا المذاهب، و هو أبوسبيع (وليد السناني) الذي لا يزال موقوفا في سجن الحاير منذ ما يقارب الثمان سنوات، و هو شخص يتمتع بصفات نادرة و سرعة البديهة، و قوة الاستنباط، و الثبات علي آرائه، كما أن له حضورا طاغيا في مجالس المناظرة التي كانت تجري بينه و بين من يخالفونه الرأي، لقد كان له رسالة موجزة عن حكم (التحية العسكرية)، توصل - فيها كعادتهم في التكفير دون تمحيص للأدلة الشرعية - إلي أن التحية العسكرية كفر وردة عن الإسلام لما فيها من إظهار الخضوع لغير الله، و كان يقوم بنشرها بنفسه. المتتبع لجذور هذا الفكر لا يمكنه أن يتجاهل أيضا [ صفحه 20] تأثير أهل الحديث، إخوان الحرم (جهيمان العتيبي و مجموعته) بمنشوراتهم و كتيباتهم التي كانت تطبع في الكويت و تهرب إلي السعودية قبل حادثة الحرم، منها (الرسائل السبع) التي أعيد إحياؤها و بعثها أواخر الثمانينيات بعد أقل من عشر سنوات من القضاء عليهم، و إن لم تكن رسالتهم من الوضوح و الصراحة كما في كتب المقدسي. أيضا هناك المواطنون الذين كانوا يزورون اليمن لطلب العلم علي يد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، قبل حرب الخليج الثانية، و عقبها، فهؤلاء كانوا أحد روافد التكفير في السعودية، و قد قام الوادعي أوائل الثمانينيات بتأليف كتاب تناول فيه أطياف الإسلاميين الموجودين في (السعودية) و الخليج، و هو كتاب (المخرج من الفتنة)، أبدي فيه تعاطفا واضحا مع أهل الحديث، و أنحي باللائمة فيه علي الحكومات العربية [ صفحه 21] و (السعودية) علي وجه الخصوص، و في كتاب (السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة) هاجم الوادعي (السعودية) في ثمانية مواضع من الكتاب، و شكك في شرعية نظامها، كان الوادعي علي علاقة وطيدة بأهل الحديث قبل طرده من السعودية عام 1979 م، لهذا كان موقفه من عدم شرعية النظام فيها يحتل العامل الشخصي عنده نسبة كبيرة، حيث كان الوادعي يري عدم شرعية النظام (السعودية)، و يري أن حكامه مرتكبون لعظائم قد تبلغ بهم حد الخروج من الإسلام، و قد كان الوادعي يهاجم (السعودية) في كتبه و يلمح إلي كفرها في مجالسه، في الوقت الذي يتلقي فيه دعما منها كل شهرين بما قيمته خمسة عشر ألف ريال بواسطة عبدالعزيز بن باز، و لم ينقطع ذلك الدعم حتي زار اثنان من طلاب الوادعي ابن‌باز و أثارا مسألة عدم شرعية الحكم السعودي في مجلس عام، مما اعتبر انعكاسا لأفكار الوادعي. [ صفحه 22] إضافة إلي ذلك فإن مناخ الحرية و الانفتاح الذي كان يقايا أهل الحديث في الكويت يتمتعون به، منحهم جرأة في التعبير عن قناعاتهم و الحديث عنها، و كون الفترة التي امتدت من أواسط الثمانينيات إلي منتصف التسعينيات من ميلاد المسيح عليه‌السلام، هي فترة الانتعاش للصحوة الإسلامية، أعطي بقاياهم في (السعودية) من أهل البادية و الهجر - بسبب الزيارات الإخوانية المتبادلة بينهم - شعورا بالثقة، و القدرة علي التحدث في المجالس و المجامع ولو بالتلميح، عن قناعاتهم التي ترتكز في الأساس علي عدم شرعية الحكم. في العامين 1990 - 1989 م كانت ذروة انتشار هذا الفكر ولكنه كان حينها مقصورا علي تكفير الحكومة في العموم، مع خلافات تصيلية فيما دون ذلك كتعيين أشخاص بالحكم عليهم، و حكم وزراء الدولة و العاملين في الجهاز العسكري، باعتبارهم [ صفحه 23] جنود الطاغوت، و هل عليهم ما ذكره القرآن عن فرعون: (إن فرعون و هامات و جنودهما كانوا خاطئين) (القصص: 8). في أواخر عام 1990 م بدا ملفتا للأجهزة الأمنية أن الأشخاص الذين تستوقفهم مراكز التفتيش الأمنية، و لا يحملون التابعية أو بطاقة الشخصية، كانوا في ازدياد، فقد كان البعض يمزق بطاقته، لأجل الصورة الملصقة التي يعتقد تحريمها، و لأمر ثان و هو الأهم أن كونك تحمل تابعية أو هوية سعودية هو إقرار بالتبعية لنظام طاغوتي كافر. لوحظ ازدياد أعداد الذين يعتنقون هذه الأفكار، حيث كانت تناقش قضايا حساسة كتكفير الحكومة و تضليل علماء المؤسسة الدينية في مجالس عامة، يحضرها أحيانا الشيخ المسن، و الصبي المراهق، و أنصاف المثقفين و غيرهم، و يستأثر بالحديث فيها [ صفحه 24] شباب لم يبلغوا منتصف العشرينيات، كانت بريدة و المنطقة بعامتها قد عرفت أهل الحديث قبل أحداث الحرم، ولكنها و اجهت تمددهم بشراسة، فقد كان نقد أهل الحديث اللاذع لمشايخ فقهاء الحنابلة، و متون الفقه كزاد المستقنع و غيره، و تجهيلهم للقائلين بالوهابية الحكومية و سخريتهم بهم سببا في موجة من العداء الحكومي تجاههم، لهذا حينما انبعثت هذه الموجة بعد سنوات لم تخطئهم العين، فقد كانت شعورهم الطويلة، و ثيابهم القصيرة حتي أنصاف الساقين، و لبس بعضهم للخواتم بأيديهم، تذكر بأيامهم الغابرة و مأساة اقتحامهم للمسجد الحرام. تقاطع أفكار أهل الحديث الجدد - الذين كانت تشكل الرياض و المدينة المنورة قاعدتين أساسيتين لهم - بأفكار إخوان بريدة الذين كانوا يهجرون مدارس الحكومة و وظائفها، هيأ جوا من التقارب بين الفئتين، [ صفحه 25] مع شي‌ء من الربية و الحذر، و كثير من عدم الارتياح من قبل إخوان بريدة، الذين كانوا يدينون بالولاء التيام للحكومة و ولاة أمرها، كما أنهم لا يقبلون نقد علمائهم و فقهائهم و كتب الفقه التي تدرس في مساجدهم، خلافا لأهل الحديث كما سيأتي بيانه، وقتها عزمت مجموعة من وجهاء إخوان بريدة و بعض المشايخ فيها علي رفع الأمر إلي السلطات، و تنبيهها إلي أن الأمر أصبح مخفيا و مستفحلا، و لا يجوز السكوت عنه، حتي وساطة بعضهم بوعود قطعوها أن تعالج المسألة، بطريقة أكثر حكمة، بعيدا عن الحكومة و أجهزتها الأمنية. كانت نشرات أهل الحديث تؤكد علي أهميتة السنة، و الأخذ بها، و تعيب علي المذاهب الفقهية تحكيم أقوال الرجال في دين الله، و الإشارة إلي بعد الحكومات المجتمعات عن شرع الله و الأخذ بسنة رسوله صلي الله عليه و سلم، [ صفحه 26] و كان غاية ما تضمنته تلك النشرات الحكم بالضلال و الانحراف علي الحكام و ولاة الأمر، و حسب بعض المطلعين أن تكفير الحكومة السعودية كان رأيا لبعض طلبة العلم فيهم، الغريب أيضا أن رسائل جهيمان كانت تتناول أحاديث المهدي النبوية و ما يخص المغيبات و الملاحم و الفتن التي ستعرض لأمة الإسلام آخر الزمان، و المدهش أن جهيمان الذي كان يؤكد علي اتباع السلف و أئمة الحديث، كان له تفسيراته الخاصة - غير مسبوقة - لعدد من الأحاديث، و منها أحاديث المهدي، فقد كان هناك توطئة و تمهيد و تبشير لمهدية الذي قتل في الحرم (محمد بن عبدالله القحطاني)، و هذا يعود إلي نزعة استقلالية بفهم نصوص الشريعة من مصادرها من غير مفهوم السلف الأوائل. أذكر المتابع أننا نتحدث هنا عن ألوان طيف [ صفحه 27] الإسلاميين في السعودية، و هم: السلفية الجديدة (الوهابية الألبانية)، و أهل الحديث (جهيمان)، و السلفية الجهادية (الخضير و الفهد)، و الصحويون (الإخوان المسلمون) كالعودة و الحوالي، و هم الذين كانوا يستأثرون بحصة الأسد من الإسلاميين... و سلفية المدينة (الجامية)، و أما جماعة التبليغ فنزعتها الديوبندية لا تشفع لها ضمن هذا التصنيف (ألوان طيف الإسلام السلفي في السعودية). من الأمانة الإشارة إلي أن الفكر التكفيري، لم يكن ينظر إلي قيادات الصحوة و المنتمين إليها بعين الرضا، لأسباب كثيرة تتعلق بتفاصيل ليس هذا مجال ذكرها، أهمها أن قيادات الصحوة و المنتمين إليها متغلغلون في وظائف الحكومة، خلاف ما يجب عليهم - حسب رؤية التكفيريين - من إعلان البراءة و المفاصلة القائمة علي اعتزال وظائفها، و منها [ صفحه 28] حضور طروحات منظري الإخوان المسلمين في الخطاب الصحودي الذين لا يعتبرون من السلفيين بل حلفائهم فقط. شكلت حرب الخليج الثانية منعطفا هاما في تطور مراحل هذا الفكر، و إعادة ترتيب تحالفاته، كما أنها أعادت تشكيل الظاهرة الإسلامية في (السعودية) عامة، حيث تم تطعيمها بأفكار أكثر جذرية و راديكالية، و حدث ما هو أشبه بتبادل المقاعد بين تلك الألوان، كما أن الملمس اللين لحركيي الصحوة و قياداتها التاريخية، تكشف عن وجه أكثر شراسة حينما أفتوا في محاضراتهم بتكفير اللواتي قمن بمظاهرة قيادة السيارات إبان حرب الخليج الثانية، و بوصفهم لمن أيدوهن أو تعاطفوا معهن بأنهم علمانيون مارقون، إلي موقفهم من مشاغبات غازي القصيبي و تكفيرهم له، كما أن موقفهم الرافض لتواجد [ صفحه 29] القوات الأمريكية، وضع شرعية الحكومة السعودية تحت النقاش، الأمر الذي أكسبهم شعبية مضاعفة، و جماهيرية مكتسحة، ساعدت علي إضعاف مصداقية مشايخ المؤسسة الدينية التقليدية (ابن‌باز و ابن‌عثيمين) لموقفهم المؤيد للحكومة فيما يخص تواجد القوات الأجنبية في الخليج و (السعودية) لتحرير الكويت كما يدعون!!!. حرب الخليج الثانية و ذيولها و تداعياتها علي الظاهرة الإسلامية في (السعودية) تمخضت علي ولادة ما عرف حينها ب (سلفية المدينة) أو (الجامية) نسبة إلي د. محمد أمان الجامي، أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، و هو تيار كان استجابة للتحدي الذي فرضته الشعبية المكتسحة للعودة و الحوالي، بدا هذا اللون الجديد بالتشكل قلبها بثلاث سنوات تقريبا، و حظي برعاية أجهزة الأمن الحكومية، [ صفحه 30] و لظروف ولادته و مسوغاتها، كان من المهم حضور فتاوي محمد بن عبدالوهاب، و أتباع المؤسسة الدينية الرسمية في طروحاته. انطبع هذا التوجه الجامي بتقليعات غلاة (الألبانيين) و (الوادعيين) و قد ارتكزت أفكاره علي شيئين: الولاء المطلق للحكومة (السعودية) و ولاة أمرها، و الثاني: تبديع و تضليل سلمان العودة و سفر الحوالي و غيرهما من قيادات الصحوة، و تكفير سيد قطب الذي يعتبرونه أبو الجماعات التكفيرية، و مؤسس (القطبية) التكفيرية، و يتزعم هذا التيار اليوم د. ربيع بن هادي المدخلي أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لاحقا تحول اسم مدرسة (سيد قطب) الابتدائية ببريدة - التي كانت تسميتها في السبعينيات الميلادية سببا في معارضة بعض المشايخ - إلي مدرسة سليمان الشلاش الابتدائية. [ صفحه 31] الملفت للانتباه أن أكثر الذين اعتنقوا أفكار هذا التوجه (الجامي هم الوافدون و المقيمون في (السعودية) و من منطقة جازان، و بعض أطراف المنطقة الشمالية، و كانت قواعده في الكويت و الأردن و اليمن، و هذا التوجه خرج من عباءة الألباني، و تغذي من فكره، و مؤلفاته و أشرطة الكاسيت التي سجلت عليها محاضراته، و لكنه كان أكثر مزايدة و تشددا، لهذا قوبلت تزكية الألباني للحوالي و العودة، و ثناؤه عليهما باستياء بالغ، دفع بعضهم إلي الهجوم عليه و تضليله. سددت (سلفية المدينة) ضربات موجعة لقيادات الصحوة، و لأنها كانت تستخدم سلاح النص، و أقوال السلف و تلمز خصومها بالتقليل من أهمية التوحيد و سلامة العقيدة، فقد كانت ردة الفعل لدي خصومهم تكثيفا لدروس العقيدة و اهتماما بالحديث و الأثر حفظا [ صفحه 32] و تدريسا، و لكن افتقاد (سلفية المدينة) للمصداقية، و تقييمها لخصومها عبر مستوي الولاء الذي يدينون به للحكومة و الحكام، كان كفيلا بالقضاء عليها، فلم يلبث هذا التيار أن انحسر في منتصف التسعينيات، و لم يعد له اليوم حضور يذكر. في مدينة حائل كانت أفكار التكفير تعشش في عقول شباب كثر، و قد كانت مدينة حائل لم تزل حديثة عهد بالحركات الإسلامية عموما. و لكن لم يمض أقل من سنتين حتي كان غالبيتهم قد اعتنقوا أفكار (سلفية المدينة). كما أنه علينا أن نضع في الاعتبار مشاركة آلاف من أبناء الجزيرة في الحرب الأفغانية إبان الاحتلال السوفيتي، حيث منكهم ذلك من الاختلاط بالجماعات الإسلامية الأخري التي عرفتها المنطقة العربية، كالجماعة الإسلامية، و الجهاد المصريتين، و جماعة [ صفحه 33] التكفير و الهجرة، و (التوقف و التبين). و ليس سرا أن منشورات هذه الجماعات التي تركز علي كفر الحكام و الأنظمة العربية كانت تدخل (السعودية) و يتم نشرها عبر الأفغان العرب، و قد تمت مصادرة مجموعات كثيرة من هذه المنشورات و الكتب من العائدين في الجمارك و المطارات، و كان كتاب المقدسي (الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية) واحدا من هذه الكتب. إن اهتزاز مصداقية علماء المؤسسة الرسمية بعد حرب الخليج الثانية أثر علي أتباعهم و تلاميذهم، فهم و إن كانوا يتمتعون بثقة شعبية عارمة، لدي فئات المجتمع (السني) علي اختلاف شرائحهم، إلا أنهم كانوا يوما بعد يوم يخسرون أنصارا من الإسلاميين الذين رأوا في القيادات الجديدة بارقة أمل للفكاك من الطغيان السعودي، و تضاعف هذا الانحسار بعد [ صفحه 34] أحداث بريدة التي أعقبتها توقيف قيادات الصحوة، حيث قوبل بصمت بعض رموز المؤسسة الدينية، و بخذلان و توبيخ من آخرين. الفترة التي تفصل ما بين منتصف التسعينيات و أحداث الحادي عشر من سبتمبر أحدثت فراغا هائلا، ترتب عليه إعادة تشكل خارطة الإسلاميين في كرة أخري، فسبع سنوات من التغييرات الكبري العالمية التي ألقت بظلالها علي المنطقة، مضافا إليها التحولات الداخلية، الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و (الإنترنت)، أفرزت توجهين اثنين بارزين، أحدهما احتل الصدارة منذ الحادي عشر من سبتمبر - لأسباب يعرفها الجميع - و هو (السلفية الجهادية) التي انضوي تحت جناحها غالب ألوان الطيف الأخري و انصهرت في بوتقتها. و الثاني بدأ في التخلق - من رحم أكثر التوجهات تطرفا - منذ منتصف التسعينات، و له الآن [ صفحه 35] حضور يزداد يوما بعد يوم، و هو ما يسمي بالتيار التنويري الإصلاحي، أو من يوصفون محليا ب- (العقلانيين) الذين يشكلون خطابا أكثر اعتدالا و انفتاحا. ما نود التأكيد عليه أخيرا أن السلفية الجهادية بحركييها، و كوادرها، و منظريها (الفهد، و الخضير) و غيرهما تقوم علي فكرة مركزية هي (تكفير الأنظمة و الحكام في البلاد الإسلامية) ما عدا النموذج الطالباني، و هذه الفكرة الجوهرية أفصح ابن‌لادن عنها، و كان أكثر صراحة في ذلك أثناء خطابه الذي ألقاه في خطبة عيد الأضحي في إحدي السنوات الماضية، و بالتالي فهي لا تري حرمة دماء كل من يمثل هذه الأنظمة، من رؤساء دول، أو وزراء أو موظفي دول كبار، أو قيادات عسكرية، أو ضباط و أفراد، كما أنها تؤمن أن كل من يواجه إرهابها، أو [ صفحه 36] يقف ضدها أو يعين علي ذلك ولو ببلاغ أو تعاطف فهو كافر مرتد عن الإسلام حلال الدم و المال، و لهذا كان الشيخ حمود العقلاء يفتي بمقاومة أجهزة الأمن بالسلاح، و هذه الفتوي اليوم هي المعمول بها، و هذا ما يفسر ازدياد حالات إطلاق النار علي الأجهزة الأمنية، كما أن لها فهمها الخاص بها تجاه المسلمين الذين يعيشون في أمريكا و الدول التي تسير في فلكها، فهم يعتقدون أن كل مسلم مقيم في هذه الدول محارب للإسلام، مادام من دافعي الضرائب. الغالبية العظمي لا تعرف عن هذا التيار الذي يلقي تعاطفا واسعا جدا، إلا شعاره: (إخراج القوات الأمريكية و الغربية من المنطقة)، هذا هو المعلن، و لكن ما هو أدهي من ذلك أن لهذا التيار تفسيره الخاص لنظام الحكم، و له آراء أخري مخفية فيما لو تمكن من حكم مجتمع من المجتمعات الإسلامية التي [ صفحه 37] تمنحه التعاطف و التأييد، و تمكن من ترجمة تلك الآراء إلي سياسات مطبقة، حينها سيعلم الجميع أنه أكثر وحشية و ظلامية من نظام آل‌سعود،في حين أن ابن‌لادن يري أن كل أنظمة الحكم ليست إلا كفرا، بواحا، فهو - حسب رأيه - كان مقيم بين ظهراني حكومة طالبان الكافرة، لأنها كانت تطالب باعتراف المجتمع الدولي بها، و منحها عضوية الأمم المتحدة!. إن المتابع سيكون قناعه تامة، أن الفكر السلفي يحمل في بنيته نزعة تكفيرية، و التركيز علي الظاهرة الإسلامية / الإسلاموية في (السعودية)، و هي علي ألوانها ترتكز علي قاعدة فهم منحرف لفقه السلف يشكل مرجعية أقوالهم و مواقفهم من الآخر المسلم و غيره، فهذه التشكلات المتطرفة اليوم ليست استثناء، فقد ولدت كلها من عباءة السلف الوهابي، و قد وقعت أحداث متشابهة لما نراه و نسمعه اليوم من تكفير [ صفحه 38] و إهدار للدم، و مطالبة بإقامة حد الردة علي فلان و علان من علماء مثلهم، لا يقلون عنهم تقوي و تدينا و تمسكا إن لم يفوقونهم فكيف بمخالفيهم من أصحاب المذاهب الدينية و الطوائف الأخري، و التاريخ الإسلامي حافل بأمثلة كثيرة جدا. شهد العالم الإسلامي في القرن العشرين انفتاحا كبيرا علي الفكر الديمقراطي، و أقيمت أنظمة برلمانية و انتخابات رئاسية في معظم البلاد الإسلامية بل تمكنت دولة في إقامة نظام الشوري الكامل بالديمقراطية المباشرة، ماعدا مملكة آل‌سعود التي ظلت تحتفظ بنظام شمولي مطلق يحتكر فيه الملك، كل السلطات التشريعية و التنفيذية و فشلت في إحداث أي تطور ديمقراطي، و ربما كان لهذا الفشل عوامل عديدة ولكن أهمها الفكر السياسي الوهابي الرافض للديمقراطية، الذي يجد هو لدي أسرة الامتيازات [ صفحه 39] الحاكمة، و رغم أن العلاقة بين الحركة الوهابية و النظام السعودي لم تكن علي خير دائما، و كان يشوبها كثير من التوتر و الصراع، بحيث كانت تفرز تيارات راديكالية تطالب أحيانا بقطع رأس النظام، إلا أنها كانت تعيش أزمة فكرية سياسية محيرة تتردد فيها بين التكفير و الخروج أو الإرجاء و الخنوع، و لا تجد بينهما مخرجا، و هذا ما دفع بعض حركات المعارضة الوهابية للنظام السعودي كمنظمة (القاعدة) اعتماد استراتيجية بديلة من علمية الإصلاح الداخلي، و ذلك بالتوجه للانتقام من الأعداء الخارجيين و تحميلهم كل المسؤوليه، عن تدهور الأوضاع السياسية الداخلية. ففي حين اعترضت منظمة (القاعدة) علي التواجد العسكري الأمريكي في بلاد الحرمين الشريفين، و جهت كل غضبها علي (المحتل الأمريكي)، و تغافلت [ صفحه 40] عن الداعي و الطالب للحماية الأمريكية و هو النظام السعودي، و بدلا من أن تطالب النظام بطرد القوات الأجنبية، أو تعمل من أجل تغييره سياسيا أو تجد وسيلة للمشاركة في القرار السياسي و الضغط علي الحكومة من أجل تنفيذ سياسات شرعية منسجمة مع الدين الحنيف و المصلحة الوطنية... بدلا من ذلك اتجهت لخوض المعركة مع العدو الخارجي المحتمل. و كان علي زعيم منظمة (القاعدة) أسامة بن لادن أن يحكم علي النظام السعودي بالكفر حتي يستطيع أن يخرج عليه، لأنه لم يجد سبيلا إلي المعارضة السياسية السلمية الشعبية بعد أن أغلق النظام في وجه المعارضة و التغيير كل الأبواب، و لم يستطع الدعوة إلي إقامة نظام ديمقراطي أو مجالس شوري حتي يتمكن هو و غيره من التعبير عن رأيهم بصراحة و إجبار النظام الحاكم علي امتثال الحكم الشرعي أو [ صفحه 41] الانقياد لإرادة الرأي العام، لأنه لم يكن يؤمن بالخيار الديمقراطي من الأساس أو لأنه كان يري الطريق الديمقراطي بعيدا و طويلا في ظل هيمنة الفكر السياسي الوهابي علي البلاد. من هنا كان يبدو بوضوح أن الأزمة هي أولا أزمة الفكر السياسي،حيث اعتبر ابن‌لادن و مؤيدوه - من جهة - النظام السعودي (مرتدا و كافرا لأنه يخالف أهم مبادي‌ء التوحيد و يأتي بأكبر ناقض من نواقضه و هو الولاء للكفار). و من جهة أخري اعتبر النظام السعودي و رجال دينه أسامة بن لادن و أتباعه (خوارج و متمردين)، و لم توجد بينهما لغة للحوار أو وسيلة للتفاهم، في ظل انعدام الحياة السياسية الطبيعية في مملكة آل‌سعود و عدم وجود نظام شوري أو صحافة حرة، و هو ما دفع و يدفع بأي معارض للنظام للخروج و التمرد و العصيان و الكفر بالنظام و تكفير [ صفحه 42] أصحابه. و علي رغم قوة الانشقاق الذي قامت به المعارضة الراديكالية، إلا أنها بدورها لم تقدم نظاما سياسيا بديلا عن النظام الاستبدادي المطلق القائم، و لم تدع إلي تطبيق الديمقراطية أو مشاركة الأمة في الحياة السياسية، أو تأسيس قنوات دستورية للتعبير عن الرأي و المساهمة في اتخاذ القرار و مراقبة تنفيذه، و مع أن نظام آل‌سعود قدم خلال العقود الماضية كثيرا من الوعود بإقامة نوع من الديمقراطية و مجالس الشوري، و لكن تلك الوعود لم تترجم إلي واقع ملموس أو مؤسسات دستورية و لن تترجم، ليس بسبب الرغبة السلطانية في الحكم المطلق و الاستبداد فقط، و إنما لغياب الفكر الشوري و معاداة الفكر الوهابي الجاهلي للديمقراطية باعتبارها دينا إلحاديا غربيا، و كفرا معاديا للدين الإسلامي؟! و شركا بالله تعالي!، [ صفحه 43] و ناقضا من نواقض التوحيد!، إضافة إلي الخوف من عامة السكان و التشكيك بدينهم أو اتهامهم بالشرك و الانحراف و الضلال و الفسق و الفجور. من أجل حل هذه الأزمة لابد من دراسة و تحليل الفكر السياسي الوهابي، و الغوص عميقا في نظرية (التوحيد) الخاصة، التي طرحها محمد بن عبدالوهاب، و أقام علي ضوئها حركته المعروفة التي أفرزت النظام السعودي في مراحله الثلاث، خلال القرون الثلاثة الماضية. إن الظاهرة الديكتاتورية موجودة في كل زمان و مكان، ولكنها تتمتع بخصوصية بارزة في تاريخ آل‌سعود، و ترتبط بعلاقة وثيقة بالتفسير الوهابي للدين، بما يمكننا من القول بوجود ظاهرة خاصة في الاستبداد الوهابي تتجاوز حدود الديكتاتورية المعروفة في جميع أنحاء العالم، و التي تتمثل في استبداد الحاكم [ صفحه 44] بالسلطة المطلقة و إقصاء مختلف طبقات الشعب و فئاته، إذ أنها تبدأ مع تكفير الحركة للجميع و محاربته و استباحة دمائه و أمواله و إنكار أية حقوق إنسانية أولية له، و إذا كان النظام السعودي الحديث قد خفف من غلواء الفكر الوهابي القديم، و تخلي عن الكثير من تطرفه إلا أنه لم يستطع التحرير تماما من التركة النفسية المرعبة للروح الوهابية المتشددة، و لا يزال يتداخل معها و يتأثر بها و يدعمها و يستند إلي الكثير من النظريات و المؤسسات و المدارس الوهابية المتطرفة. و مع أن النظام السعودي عاني و يعاني من تطرف التفسيرات الوهابية و أحكامها المتشدة ضده، إلا أنه يخشي أن ينفصل عنها تماما، خوفا من فقدان القاعدة الاجتماعية و العصبية الحزبية التي تحتضن النظام، و قد استطاع أن يتجنب غضب القاعدة الوهابية عبر [ صفحه 45] ضمان ولاء المؤسسة الدينية التقليدية (من آل الشيخ خصوصا) و التظاهر ببعض الشعائر الإسلامية و تطبيق بعض الحدود الشرعية، و استغلال الفكر السياسي الوهابي الذي ينص علي وجوب الطاعة للأمراء و الخضوع لهم. و في الوقت الذي كان النظام السعودي يستفيد من الفكر الوهابي في تدجين المعارضة الوهابية، كان يستخدم الحركة الوهابية كبعبع في مواجهة الحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية، بالإيحاء إليها بإمكانية سيطرة الحركة الوهابية علي المجتمع، و إمكانية فوزها في أية عملية انتخابية، و إطلاق يدها في التعامل بشدة مع التيارات المختلفة العلمانية و الطائفية الحزبية و الإسلامية المستنيرة التي تعتبرها الوهابية كافرة و مرتدة، و حث المعارضة الديمقراطية علي القبول بالنظام السعودي و استبداده خوفا مما هو [ صفحه 46] أعظم. و لا يعني ذلك أن الصورة قاتمة جدا و لا أمل في التطور الديمقراطي في الجزيرة العربية، إذ أن ما يهون الخطب و يبشر بغد أفضل هو حدوث تطور مهم و إن لم يكن كبيرا في داخل الحركة الشعبية، و ولادة حركات إسلامية ديمقراطية تعيد النظر في كثير من الأسس الوهابية، و إذا قيض لهذه الحركات النمو و الانتشار فإنها يمكن أن تساهم في تغيير النظام السعودي و بناء نظام إسلامي ديمقراطي جديد. و لكي نتعرف علي كل تلك التطورات و الاتجاهات و التيارات لابد أن نقوم بدراسة الحركة الوهابية، ابتداء من (نظرية التوحيد) التي قدمها محمد بن عبدالوهاب و بني علي أساسها النظام السعودي الذي منحه الشرعية و القوة و الاستمرارية، و أثر تلك النظرية في تفجير الصراع الدموي العنيف داخل منطقة نجد [ صفحه 47] و الجزيرة العربية، و قيام الدولة السعودية الأولي انهيارها ثم قيام الدولة السعودية الثانية و ما رافق ذلك من تفجير للصراع الداخلي بين أتباع الوهابية حكاما و محكومين، و تكفير بعضهم لبعض. ثم ننتقل إلي الحديث عن نشوء النظام السعودي الجديد الذي ظهر في بداية، القرن العشرين علي يد الإنجليز الذين أتوا بنظام عبدالعزيز بن سعود، و طبيعته و ملامحه و علاقته بالحركة الوهابية (الإخوان) التي اعتمد عليها أولا في السنوات الأولي ثم قضي عليها بعد ذلك، و نشوء المؤسسة الدينية الوهابية و موقفها من الديمقراطية، و نقوم بعد ذلك بجولة علي أهم الفصائل المعارضة للوهابية الموالية و الخارجة، و نتوقف أخيرا عند الحركة الديمقراطية الإسلامية لنرصد أهم ملامحها و احتمالات نجاحها و قدرتها علي تشكيل البديل الإسلامي عن الحركة [ صفحه 48] الوهابية و الديمقراطية الليبرالية الغربية. و من نافلة القول الإشارة إلي ضرورة الفصل بين الحديث عن الوهابية النظرية، و الوهابية في الواقع، إذ ليس كل من حمل اسم (الوهابية) أو انتمي إليها في يوم من الأيام هو بالضرورة مؤمن بكل مقولاتها و ملتزم بكل مواقفها و مترجم لكل ملامحها، فإن هناك حركة ثقافية متطورة و متشعبة داخل الوهابية و ربما نجد بعض الوهابيين ليس له من الوهابية إلا الاسم أو الهوية بالولادة، و لذا ينبغي أن لا نقع في خطأ النظرة إلي الآخرين و كأنهم كتلة واحدة جامدة لم و لن تتغير. إن الحديث عن الوهابية هو نموذج للحديث عن التوجهات المتطرفة التي تحتكر الإسلام لنفسها و تجرد الآخرين منه أو تشكك في إيمانهم، و انعكاس ذلك علي آلية العمل السياسي و التوجه نحو الديكتاتورية و الاستبداد. [ صفحه 49]

من هم الوهابيون، و ما هي الوهابية

«الوهابيون» هم كل من ينتسب إلي أراء محمد عبدالوهاب الذي أجج في أواسط القرن الثاني عشر الهجري في نجد حربا ضد المدارس و مذاهب الفكرية الإسلامية التي تخالفه الرأي و الرؤية مثل الصوفية و الأشعرية، معتبرا تلك الممارسات شركا أعظم بالله تعالي، و كفرا مخرجا عن الملة، ثم تحالف مع أحد أمراء نجد و هو بن سعود و أسس معه ما عرف بالدولة السعودية الأولي سنة 1157 و في حين كان أتباع هذه المدرسة السابقون يطلقون علي أنفسهم اسم الموحدون أو المسلمون في مقابل المشركين، فإن خصومهم كانوا يطلقون عليهم اسم الخوارج، أما أتباع هذه المدرسة المعاصرون فيفضلون استخدام اسم السلفية و السلفيون، و قد شاع أيضا استخدام الوهابية من الطرفين كاسم علم عليهم من باب أنهم يشكلون [ صفحه 50] تيارا مميزا له خصائصه و مصنفاته و شيوخه، و هو يختلف عن التيار العام للسلفية في كثير من الأمور، لذلك فقد استخدمته أتباع المذهب مثل محمد بن عبداللطيف، و سليمان سمحان الذي قال: (نعم نحن وهابية نسقي لمن غاظنا المرا). و قال عبدالعزيز بن باز (هذا لقب مشهور لعلماء التوحيد علماء نجد ينسبونهم إلي الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب نجد ينسبونهم إلي الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب لأنه دعا إلي الله عزوجل في النصف الثاني من القرن الثاني عشر... و صار أتباعه و من دعا بدعوته و نشأ علي هذه الدعوة في نجد يسمي بالوهابي). و رغم التزام الدولة السعودية بالفكر الوهابي، و تدريسه في المدارس و الجامعات، إلا أنها تحاول منذ فترة طويلة التخلي عن اسم (الوهابية) الذي يقف عائقا أمام طموحها لقيادة العالم الإسلامي، حيث تصر علي أنها تنتمي للتراث الإسلامي السني العالم، و لا تتبني [ صفحه 51] مذهبا خاصا باسم (الوهابية)، و في هذا المجال صرح عبدالعزيز بن سعود في 1929/5/11 قائلا: «يسموننا بالوهابيين، و يسمون مذهبنا (الوهابي)، باعتبار أنه مذهب جديد أو عقيدة جديدة، و لم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاء في كتاب الله و سنة رسوله و ما كان عليه السلف الصالح؟!!. و قال فهد عام 1989: «إن الوهابية ليست مذهبا و إنهم ينعتون بالوهابية مدحا تارة و ذما تارة أخري، في حين أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يقم إلا بالدعوة لتطهير العقيدة من البدع و الضلالات». و هكذا يقول وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية السعودي صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ بتاريخ 2001/12/18: «إن ما يدعونه بالوهابية و يزعمون أننا عليه هي منهج السلف و جوهر الدين، و ليس هناك [ صفحه 52] داع لتسميتها بذلك لأنها ليست مذهبا جديدا»، و يؤكد إنه «ليس هناك مذهب اسمه الوهابية» و أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي ينسب إليه تأسيس هذه الحركة في القرن الثامن عشر «لم يأت بجديد، بل إحياء مذهب السلف الذي يحرص علي أن يكون الدين خالصا من الشوائب و البدع». و عبر صالح آل الشيخ عن أسفه لأن «الوهابية تستخدم اليوم لوصثف المملكة لكي يقال أنها دولة متشددة «و في نفس الوقت أكد الوزير عل ضرورة» التمسك بثواب المملكة و علي رأسها التزامنا بالدعوة السلفية التي تمنحنا فرصة الانطلاق إلي العالم باتزان و برؤية ذات أفق واسع؟!!». و شدد علي أن «حفاظنا علي المملكة إنما هو بالمحافظة علي هذه الدعوة، و هذا الفهم السلفي للشريعة و العقيدة الإسلامية».و يقول عبدالرحمن بن سليمان الريشد في (الهدية [ صفحه 53] السنية): (لم يكن إطلاق كلمة «الوهابية» التي يراد بها التعريف بأصحاب الفكرة السلفية شائع الاستعمال في وسط السلفيين، بل كان أكثرهم يتهيب إطلاقها علي الفكرة السلفية، و قد يتورع الكثيرون من نعت القائمين بها بذلك الوصف باعتباره وصفا عدوانيا، و بمرور الزمن تحول هذا اللقب بصورة تدريجية إلي مجرد لقب لا يحمل أي طابع للإحساس باستقرار المشاعر، و أصبح هذا اللقب شائعا و رائجا بين الكتاب و المؤرخين الشرقيين و الغربيين علي حد سواء، و لذا فقد فضلت استخدام هذا الاسم ليس من باب الذم أو المدح و إنما من باب الدقة في التعريف). [ صفحه 54]

الصراع بين الجاهلية و الاسلام‌

لن يغيب عن بصيرة كل متأمل في الوقائع و الأحداث التي عرفتها الأمة منذ انبلاج فجر الرسالة المحمدية - علي صاحبها أفضل الصلاة و أزكي التسليم - صراعها الذي ما توقف لحظه واحدة، و لن يتوقف إلي أن يرث الله الأرض و ما عليها، مع جاهلية ناصبتها العداء منذ بدايتها. و لن ينكر إلا جاحد تنكبت أقدامه سوي الصراط المستقيم، و عتم الغبش الجاهلي علي بصره و بصيرته أنه صلي الله عليه و آله و سلم أدي الأمانة و بلغ الرسالة و تركنا علي محجة بيضاء ليلها كنهارها. محددة الأهداف، جلية المقاصد، واضحة الدلالات، لا تحتمل التأويل، لا تجتمع أمتها علي ضلالة، و لا يحيد عن إجماعها إلا هالك. و الجاهلية التي نعنيها، ليست فترة تاريخية كما [ صفحه 55] يظن الكثيرون، بل هي حالة موضوعية، تظهر في أفكار و سلوك ترسخ واقعا يناقض الإسلام دون شك، و تتأول رسالته و نصوصها و مناهجها بما يحقق أطماعها و أحقادها، و تحرفها عن مقاصدها، حتي أفقدت الأمة رشادها و رشدها. لقد أجمع المسلمون علي أن الخلفاء الراشدين أربعة، الأمر الذي يؤكد ضمنا علي انتفاء صفة الرشد عمن أتي بعدهم، و منذ ذلك الحين و في كل عصر و أوان تظهر قوافل العلماء لتصحيح الانحراف و العمل علي إعادة الرشد للنظام الإسلامي، الذي لن يحتحقق إلا بالعودة إلي أصول تلك المحجة، التي تركنا عليها الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم و التي لا يختلف علي وضوحها اثنين في قلبيهما ذرة من إيمان و معرفة بأصولها و قواعدها الفطرية، و في كل فترة تقفز الجاهلية النفعية لتجير حركة التصحيح [ صفحه 56] لمصلحتها، و ليبرز عن ذلك نظام حكم يرسخ جاهليتها المقيتة، يناقض الدولة الإسلامية كما أرادها الله لأمة تدعوا إلي الخير، و تأمر بما تعارف الناس علي صلاحه، و تنهي عن كل فساد تنكره كل فطرة سليمة، نظامها الشوري الملزمة فرض عين علي كل مسلم و مسلمة، الحكم فيها للناس، و الحاكمية لله الواحد القهار، و دستورها القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه، تتلو نصوصه و تفهمها كما فهمها الذي أوحي له (النص و فهمه) صلي الله عليه و آله و سلم علي أحسن وجه في حياته حتي صار قرآنا يمشي علي الأرض و طبقه، و لم ينتقل من هذه الدنيا الفانية، إلي جوار ربه في أعلي مقام، إلا بعد أن بين و وضح و فهم و فسر و أعلن علي الملأ اكتمال الرسالة و وضوح الدين، ليشهد علينا الله و التاريخ أنه قد بلغ البلاغ المبين الكامل. في رسالة شاملة واضحة لا يحيد عنها إلا هالك. [ صفحه 57] و منذ بداية القرن الأول، و الجاهلية تقف لكل صحوة بالمرصاد تتحالف مع أعداء الله جهارا نهارا لإعاقة إقامة دولة الإسلام علي قواعد عدله الإلهي، لتحقيق أغراضها الدنيوية الفاسدة، و بدلا من أن تكون دولة الإسلام، بدأنا نعرف دولا طاغوتية و ملكا عضوضا، تحتكره أسر و تتوارثه، بل و تجبر المسلمين علي تسمية الدولة باسمهم من أموية إلي عباسية إلي عثمانية، و آخرها آل سلول التي تسمعت (بالسعودية). و جميعها تتلبس بالإسلام و تتظاهر به، و لا تدل مسالكها و تصرفاتها إلا عن جاهلية منافقة مفضوحة، تمثل أشد خطر علي الإسلام، و تنكل بكل أهله، تستبيح دماءهم و تنتهك أعراضهم و تستحل أموالهم، بل و تكفرهم و هم يقرون لله بالوحدانية و لسيدنا محمد صلي الله عليه و آله و سلم بالرسالة. و حتي لا يعتقد أحد أننا ننطلق من أحقاد أو أننا [ صفحه 58] نروج لأطماع، و الله وحده يعلم أننا لا نبتغي إلا مرضاته و إقامة حجته علي الناس أجمعين، نحرم ما حرمته شريعة الإسلام و نحلل ما أحلته، و نعلم أن أمة الإسلام لا تجتمع علي ضلالة أبدا، سنسرد الوقائع و الأحداث و نترك الحكم إلي ضمير كل مسلم يعلم أنه محاسب أمام ربه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. لقد بدأت المأساة منذ ظهور (ابن‌تيمية) الذي خالف علماء عصره متقدا أنه علي علم لا يدركه غيره، و قد توفرت له الفرصة الكاملة لشرح وجهة نظره، حاوره العلماء و حاجوه و دافعوه، و أقاموا عليه الحجة في إجماع كامل لم يعرف التاريخ الإسلامي مثيلا له في مجالات التدافع الفكري بين الفقهاء، و عند ظهور معاندته و إصراره علي الجهل حتي أخذته العزة بالإثم، حكم عليه بما يستحق حتي مات في [ صفحه 59] سجنه غير مأسوف عليه. ثم ظهر محمد بن عبدالوهاب الذي أخذ بأفكار (ابن‌تيمية) مخالفا كل علماء عصره بل و أقرب الناس إليه و أخيه و هم أكثر منه علما و أسلم فقها، و قد أدرك محمد بن عبدالوهاب هذا استحالة نشر مذهبه بالتدافع الفكري و الحجة الدامغة، فبدأ في التفكير في فرضه بقوة السلاح، في وسط يكاد أن يكون جاهليا، و بدأ في التحرك بين أمراء يتوقع فيهم حب الدنيا و القدرة علي المغامرة لأجلها و قد تنقل بين عدد منهم إلي أن وجد ضالته في محمد بن سعود أمير الدرعية، و قد أسس حركته علي المطامع الدنيوية بتنظيم قطاع الطرق و تحريك غريزة الغزو التي كانت شائعة بين البدو، ليسجل التاريخ جرائم حرب و فظائع و انتهاكات لحقوق الإنسان طالت جميع سكان الجزيرة العربية و العراق و الشام في وقت كانت المنطقة تعمل علي بحث [ صفحه 60] مشروعها الحضاري الأول الذي أطلقه محمدعلي والي مصر مستفيدا من ثورة شعبية قادها زعيم الأشراف عمر مكرم و نظر لها علماء الأزهر. و قد تهيأت أمامها كل ظروف النجاح، الأمر الذي أزعج الغرب بزعامة بريطانيا التي لم تتوقف منذ ذلك الوقت عن إعاقة أية محاولة لإحياء ذلك المشروع الذي توقف في بدايته و انكمش داخل حدود قطرية، و حتي داخل تلك الحدود التي سجن فيها لم يسلم من التآمر الذي انتهي باحتلال مصر. و في بداية العشرية الأولي من القرن العشرين بدأت معالم الصحوة الفكرية تنطلق من مصر و يرتفع الصوت الوطني مجلجلا في المنطقة العربية التي وحدتها الرغبة في التحرر و النهضة، بدأ العقل الأنجلو سكسوني يخطط لوأده في مهده و بدأت في استحداث نظامين من أخطر الأنظمة التآمرية التي عرفتها المنطقة لتدمير كل [ صفحه 61] محاولة للنهوض و الوحدة و هما النظام السعودي الذي بدأت عملية الإعداد لإقامته في عام 1902 حتي إعلان نواته في منطقة نجد، بموجب اتفاقية (دارين في ديسمبر 1915) و وعد بلفور 1917 باعتباره الخطوة العلمية الأولي لإقامة النظام العنصري الصهيوني في فلسطين، و أهم ما يجمع النظامين: 1) إقامتها علي مناطق الأماكن المقدسة لكل الرسالات السماوية و أهمها الحرمات الثلاث (مكة - المدينة - القدس). 2) تابعية النظامين الكاملة للمشروع الإمبريالي الغربي و غربتهما عن طموحات و أماني المنطقة و أهلها، مع فارق أن الأول عميل و الآخر حليف. 3) قيام النظامين علي فكرة خدمة المصالح الغربية في المنطقة مقابل تعهد الغرب بحمايتهما و تمكينهما، مع ملاحظة سياسة العنف التي يتبعهما النظامين [ صفحه 62] و فرض وجودهما بالقوة المسلحة و احتكار السلطة في بني‌سلول و بني‌إسرائيل دون غيرهما من أهل المنطقة و مواطنيها. 4) قيام النظامين علي فكرة دينية محرفة تدعي تمسكها بشريعة سماوية تناقضها، و إقامة النظام و إخضاعه بالكامل لتلك المفاهيم المحرفة و إجبار العالم علي الأخذ بهما، مع ملاحظة أن النظام الأول عميل مرحلي مؤقت تنتهي مهمته بانتهاء الحاجة إلي خدماته، و النظام الثاني رأس حربة لنشر عقيدة تستهدف اجتثات جذور الإسلام و تهيأة الرأي العام الغربي لرفضه الناتج عن صورته المشوهة التي لا وجود لها إلا في تصرفات صنيعة الغرب الوهابية السلولية الممثلة في النظام السعودي و أدواته، و من تمكنت من تدمير عقولهم من شباب الأمة. [ صفحه 63]

قيام النظام السعودي‌

تنبهت المخابرات البريطانية التي كانت تهيمن علي العراق و منطقة الخليج، لوجود عبدالرحمن آل‌سعود و ابنه عبدالعزيز اللذان كانا لاجئين بالكويت، فقامت بإعداد الابن و تجهيز الجيوش لإقامة دولة في منطقة نجد، بل و مدته بالخبرة العسكرية لقيادة معاركه و ضمان نجاح تلك السيطرة (قتل النقيب شكسبير و هو يقود الحملة لإسقاط نظام آل‌رشيد)، ثم قامت بالربط بينه و بين حركة الإخوان الوهابية، في استغلال فاضح واضح للدين و تسخيره لأغراض دينوية نفعية، فالعالم أجمع يعرف انتفاء أية صفة دينية عن عبدالعزيز آل‌سعود و جميع أبنائه، الذين تظهر علي تصرفهاتهم جميع الأفعال التي أنكرها الشرع و منع المسلمين من مجرد الاقتراب منها، فهم أباطرة الميسر، و معاقري الخمر إلي درجة السفه، و مرتكبي فاحشة الزنا بطريقة مقرفة مقززة ترفضها كل نفس لازالت علي إنسانيتها، لذلك فإن عبدالعزيز الذي كان يلقب بالشيخ، سرعان [ صفحه 64] ما أصبح يلقب بالإمام بعد أن بايعه الإخوان علي ذلك، و كان لهم و للأسلحة البريطانية الكلمة الفصل في احتلال الحجاز و التنكيل بأهله و استباحة حرماتهم و أموالهم بل و دمائهم، و كان العقيد جون فيلبي ضابط المخابرات البريطانية القائد العام لجيش آل‌سعود الوهابي، و إمعانا في الإذلال قام جون فيلبي بإمامتهم في صلاتهم بمكة و اعتلاء منبرها ليخطب خطبة الفتح، و ليؤكد أن مكة و المدينة أصبحتا مستعمرتين بريطانيتين، و قد نصبت بريطانيا العظمي عبدالعزيز لإدارتهما، و منذ ذلك الوقت بدأت عملية تشويه الإسلام لتكريه الرأي العام الغربي و منعه من اعتناقه، لتأكدهم أن ذلك المواطن لو وصل إلي جوهر الإسلام لابد أن يعتنقه. عندما استتب الأمر لعبد العزيز لم يعد يناسبه مجرد أن يلقب بالإمام ذلك اللقب الذي يذكره بأنه [ صفحه 65] مسلم، فتحول إلي سلطان ثم إلي ملك، و بدأ في تصفية (الإخوان) جزاء لهم علي تمكينه من جزيرة العرب، بأمر من الإنجليز، و الحد من حريتهم لأنهم لازالوا علي الإسلام بالرغم من جاهليتهم، و خوفا من أنهم لو استمروا في العلم و التعليم لا شك أنهم سيكتشفون جوهر الحقيقة و يتوبون من ضلالتهم بعد أن يعود لهم الرشد، و لا شك أنهم سيطالبون بإقامة مجتمع الشوري الذي يهدد نظام آل عبدالعزيز الذي يريده و راثيا، و قد أقام نظام آل‌سعود مؤسسة دينية تكيف الدين علي هواه و تفتيه بما يريد، تبيح له و لأولاده كل المحرمات، و تفتي بكفر من يخالفه و تأمر باستباحة ماله و عرضه و دمه، و الأهم، توفير الفتوي الشرعية التي يحتاجها النظام لتنفيذ أوامر أسياده، مثل تكفير الأنظمة العربية الرافضة للهيمنة الغربية، و تعميم الأفكار الدينية المحرفة التي خربت العقول و دفعتها لإرهاب مواطنيها، و التي طال إرهابها كل [ صفحه 66] حضر و وبر في الوطن العربي و العالم الإسلامي، و الأهم إعاقة العقل السليم عن التفكير في قضايا عصره بما يعيد الرشد إلي نظامه السياسي الذي فقد رشده و حصره في قضايا الحيض و النفاس و النكاح و اللحية و الجلباب و النقاب و الحجاب، المهم ألا ينتبه إلي المقاصد الأساسية المحققة للمصالح الإنسانية المرسلة التي ما كانت الشرائع إلا لتحقيقها. كانت آخر مهام النظام السعودي تحقيق المصالح الغربية الأنجلو سكسونية و دعمها في مواجهة الاتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة التي زجت و مولت ما يعرف بالأفغان العرب، في أفغانستان، ثم حرب الخليج الأولي ثم الثانية، و بعد أن استتب الأمر للغرب و تمكن من الهيمنة علي العالم أجمع و التواجد العسكري المباشر في المنطقة العربية تقلصت أهمية نظام آل‌سعود و أصبحت تكلفة الدفاع عنه أكبر من [ صفحه 67] المصلحة التي يمكن تحقيقها من خلاله، خاصة بعد أن انفلت الزمام، و انقلب السحر علي الساحر الذي تجلت معالمه في أحداث 11 سبتمبر و ما تلاها، و في عصر المعلومات و القرية الكونية أصبحت عملية قبول النظام السعودي فكرة لا يمكن الدفاع عنها لدي الرأي العام الغربي، لتبدأ عملية التوظيف الأخير قبل السقوط لتنفيذ مهمتين و هما: أولا: بلبلة العقل المسلم بأفكار تراجعية تكفر كل شي‌ء، و تقدم الإسلام في شكل لا يمكن لعقل سوي أن يقبله من جهة، و من جهة أخري تمييعه إلي درجة التشكيك في كل أحكامه وصولا لتحريف نصوصه و تحويله إلي طقوس لا تأثير لها علي الواقع الاجتماعي، و هذا ما ينفذه النظام حاليا. ثانيا: إشاعة الفاحشة، و إثارة الغرائز، و مسخ الهوية العربية الإسلامية، و هذا السيل من القنوات [ صفحه 68] الفضائية الإعلامية التي أفسدت الذوق و خربت السلوك كلها تنبع من جهة واحدة مصدرها الرياض و تمول بأموال آل‌سعود بشكل لا يمكن أن يغيب عن عقل أكثر الناس سذاجة. بالرغم من كبر حجم المؤامرة، و وضوح العمالة، إلا أننا لم نكن علي درجة من التفاؤل أكبر منها هذه الأيام، فالصحوة الإسلامية أعادت الوضوح إلي بصر كل ذي بصيرة، كشفت أمام كل مسلم أوكار النفاق و بدأت الصحوة التي تبشر بكل الخير، و التي لم تترك مجالا للمنافقين و أحفاد الجاهلية علي الاختفاء و الغش و الخداع، فها هم اليوم قد رد الله كيدهم في نحورهم، و بدأ المسلمون الصادقون البحث في أصول الإسلام لمواجهة عصرهم بمشروع حضاري ينبع من قواعد العدل التي بشرنا بها الرسول الأعظم، و نعيد اكتشاف محجتها البيضاء، و يعود النظام الإسلامي إلي أصله [ صفحه 69] الذي لا يقر خروجا أو زندقة، و حتي نؤيد الحقائق بوقائع تاريخية مؤيدة و موثقة، نسرد وقائع قيام النظام السعودي و محطاته الأساسية و نشأته علي يد الإنجليز لتحقيق مصالح المشروع الغربي الإمبريالي الرامي للسيطرة علي المنطقة و تدمير هويتها و دينها، إنه التحالف الخطير بين ثالوث الشر، الجاهلية و تمثلها الوهابية، و النفاق السلولي الواضح و تمثله أسرة (آل‌سعود)، و الاستكبار العالمي الذي تقوده الصهيونية العالمية التي تمكنت من السيطرة علي مركز القرار الأمريكي. [ صفحه 70]

محطات النظام الملكي الوراثي لآل سعود

هناك ست محطات، في تاريخ اسم الدولة «السعودية» ينبغي التوقف عندها: - بين عامي 1902 م - 1915 م، كان لقب «عبدالعزيز» هو: «الشيخ، و أحيانا الأمير». - و بين عامي 1915 م - 1921 م، أصبح لقبه «الإمام»، بعد أن تحالف مع إخوان الوهابية و تظاهر بالتدين. - و بين عامي 1921 م - 1926 م، أصبح لقبه سلطان. - و بين عامي 1926 م - 1927 م، أصبح لقبه «سلطان و ملك»... سلطان لنجد، و ملك للحجاز. - و بين عامي 1927 م - 1932 م، أصبح لقبه «ملك»، ملك الحجاز و نجد و ملحقاتهما. [ صفحه 71] - و منذ عام 1932 م - و حتي الآن، أصبح لقبه و لقب خلفائه «ملك المملكة العربية السعودية». هذه المحطات الست، تحكي كل منها، فصلا من فصول تاريخ بناء الدولة «السعودية» الثالثة، كما يبرهن كل منها علي أن العقلية التي تحكم تصرف ابن‌سعود هي عقلية التسلط و الملك و العمالة و لا شي‌ء سوي ذلك. في المحطة الأولي»1902 م - 1915 م»، و بعد احتلال «عبدالعزيز» للرياض من منطلق قبلي بعيد عن الدين، و بدعم من الإنجليز و تنفيذا لأوامرهم أصبح يسمي أميرا، أو الشيوخ، إلي عام 1915 م و هو العام الذي احتوي فيه حركة الإخوان، و الذي رفع بعده شعار الإسلام... و قد تمت البيعة الصورية له بالإمارة لا بالإمامة. [ صفحه 72] و في المحطة الثانية (1915 م - 1921 م) طرح لقب الإمام، تماشيا مع معتقدات حركة الإخوان، القوة العظمي في نجد، و لذا يقول جلال كشك: (و بالنسبة «لعبدالعزيز»، فقد بدأ تلقيبه بالإمام علي نحو بارز بظهور حركة الإخوان و انتهي ذلك بزوالهم، إذ تغلب لقب «الملك»... و كان الإخوان يحبون مناداته بالإمام». إذ كان التلفع بلقب الإمام لضرورة، فلما زالت... زال اللقب... في دليل واضح علي تأصل النفاق. و في المحطة الثالثة (1921 م - 1926 م)، أطلق ابن‌سعود علي نفسه لقب (سلطان) بعد أن سيطر علي كل نجد، و سقطت فاكهة حائل في يده. [ صفحه 73] و قد كان تلقبه بالسلطان مرحلة متقدمة ليسمي نفسه بالملك. و في 22 أغسطس 1921 م / 1339 ه- نصبت بريطانيا «عبدالعزيز» سلطانا علي نجد، و فيصل ملكا علي العراق بحجة رفع مكانتهما كما يدعي جلال كشك. و هدا العذر لا شك أنه ساذج، لأن الدولة إذا كانت قائمة علي أساس من الدين و القيم، فإنها تنال احترامها من كونها دولة حرة مستقلة تنال شرعيتها من شعبها و ليس من الألقاب الفضافضة التي لا تتناسب مع الدين... و إن كلاما كهذا يعني أن وقع كلمة «إمام» أقل تأثيرا علي الصعيد العالمي من كلمة «سلطان»... فإن كان ذلك صحيحا - و هو ما لا نعتقده - فإنه ليس مبررا لاختياره، لأن فيه تخلي عن لقب إسلامي... أما أهل الحل و العقد الذين ذكرهم جلال كشك، فإنهم لا [ صفحه 74] يستطيعون أن يحلوا أمرا و يعقدوه... و كان اجتماعهم بأمر ابن‌سعود. و يري محمد المبارك - ككثير من العلماء - أن (كلمة «سلطان» هي في أصل اللغة بمعني السلطة و القوة و النفوذ، و بهذا المعني استعملت في القرآن كقوله تعالي لإبليس: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) (الحجر: 42)، و قوله: (و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) (الإسراء: 33)... و قوله لموسي: (قال سنشد عضدك بأخيك و نجعل لكما سلطانا) (القصص: 35). و إنما الملك أو الأمير صاحب السلطان، أي السلطة و القوة و النفوذ... فإطلاق كلمة «سلطان» علي الأمراء و الملوك حدث في زمن متأخر، و هو خروج عن الأصل اللغوي، و علي كل ليس هو باصطلاح إسلامي). [ صفحه 75] أما المحطة الرابعة»1927 - 1926«و التي تقلص فيها دور الإخوان بعد احتلال الحجاز، آخر معقل سمح الاستعمار الأجنبي «لعبدالعزيز» باحتلاله مقابل الاعتراف بالوضع الإقليمي، أي وضع التجزئة الذي خططه الإنجليز بعد سقوط الدولة العثمانية... هذه المحطة تبدأ بعد أسبوعين تقريبا من سقوط جدة، حيث أعلن «عبدالعزيز» نفسه ملكا علي الحجاز فقط دون نجد التي بقي سلطانا عليها، خوفا من استثارة أهلها باسم «الملك»!... وضع ابن‌سعود بعد سقوط جدة نظاما للحجاز الذي سماه «المملكة الحجازية»، كانت مادته من إملائه بمكة في 16 صفر 1345 ه- / آب (أغسطس) 1926 م، و تولت صياغته جماعة كانت تعرف باسم «الجمعية العمومية» شكلها الملك نفسه... [ صفحه 76] و نشر في الجريدة الرسمية، في 21 صفر 1345 ه-، باسم التعليمات الأساسية للملكة الحجازية. و هذا هو نص قانون «مملكة الحجاز» التي لم تدمج حتي ذلك الحين بنجد - رسميا علي الأقل -، و التي أملاها «عبدالعزيز» نفسه: مادة 1: إن المملكة الحجازية، بحدودها المعلومة، مرتبطة بعضها ببعض لا تقبل التجزئة و لا الانفصال بوجه من الوجوه. مادة 2: إن الدولة العربية الحجازية، دولة ملكية شوروية إسلامية مستقلة في داخليتها و خارجيتها. مادة 3: مكة المكرمة هي عاصمة الدولة الحجازية. مادة 4: إن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة. [ صفحه 77] مادة 5: تكون جميع إدارة المملكة الحجارية بيد صاحب الجلالة الملك «عبدالعزيز» الأول بن عبدالرحمن آل‌فيصل «آل‌سعود». مادة 6: الأحكام تكون دواما في المملكة الحجازية منطبقة علي كتاب الله و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام، و ما كان عليه الصحابة و السلف الصالح. مادة 7: يعين من قبل صاحب الجلالة الملك «نائب عام»... و بقدر اللزوم مديرون و رؤساء لإدارة أمور المملكة. مادة 8: بما أن النيابة العامة هي المرجع العمومي لجميع دوائر الحكومة و أقسام إداراتها، فكل واحد من مديري الدوائر و رؤسائها يكون مسؤولا أمامها عن حسن جريان الأمور الداخلة في دائرة وظيفته، و هي مسؤولة أمام صاحب الجلالة الملك... الذي لم يلتزم بأي بند من هذه البنود في خيانة [ صفحه 78] صريحة لعهد قطعه علي نفسه. و منذ مبايعة ابن‌سعود ملكا علي الحجاز في يوم الجمعة 25 جمادي الثانية عام 1344 ه- / 10 يناير 1926 م، ابتدأت إرهاصات ثورة الإخوان، الذين كان أحد أسباب قتالهم الشريف حسين تسمية نفسه ملكا... و قد أنكر الإخوان علي «عبدالعزيز» الألقاب المتبدعة الجديدة مثل «سيدنا الأمير» و «سمو» و «صاحب السمو» و «صاحب الجلالة» و «المعظم» و غيرها... بل إن مجموعة من قادة الإخوان دخلوا علي «عبدالعزيز» في مجلسه شاهرين السيوف و مستنكرين، و هددوه بالخلع لأنه شارك الله في أسمائه الحسني. و قد ازداد لهيب ثورة الإخوان بعد إعلان نجد و ملحقاتها مملكة هي الأخري، لتبدأ محطة الألقاب الخامسة، عام 1927 م. فبعد سبعة أشهر و نصف [ صفحه 79] بالضبط من إعلان مملكة الحجاز، اجتمع أهل الحل و العقد المزعومين، في 29 يناير 1927 م، و طالبوا الملك بتسمية نجد باسم المملكة النجدية، غير أن الملك فضل التريث في الإعلان حتي شوال 1345 ه-، حيث أصدر بلاغا بذلك نشرته جريدة أم‌القري، في عددها»121«و بتاريخ 8 أبريل سنة 1927 م، و هذا نصه: (بمناسبة تشريف حضرة «مولاي صاحب الجلالة» ملك الحجاز و سلطان نجد و ملحقاته، «عبدالعزيز» بن عبدالرحمن آل‌فيصل «آل‌سعود» إلي الرياض عاصمة السلطنة النجدية و ملحقاتها. تقاطرت إليها الفود من سائر أنحائها، و عقدت هذه الوفود من أهل الحل و العقد مجلسا حافلا ضم ممثلي كافة مقاطعات السلطنة النجدية و ملحقاتها في 25 رجب سنة 1345 ه-، تحت رئاسة الإمام الجليل عبدالرحمن آل [ صفحه 80] فيصل، والد جلالة الملك المعظم، و قرر المجتمعون، و هم أهل الحل و العقد، جعل السلطنة النجدية و ملحقاتها مملكة باسم «المملكة النجدية و ملحقاتها» و المناداة بحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ملكا عليها، ثم رفعوا الأمر إلي جلالته ملتمسين قبول ما تم القرار عليه، فوافق جلالته علي مقرراتهم و أصدر أمره الكريم الآتي: «بناء علي ما عرضه علينا أهل الحل و العقد من رعايانا في سلطنة نجد و ملحقاتها «المملكة النجدية و ملحقاتها» و أن يكون لقبنا من الآن فصاعدا «ملك الحجاز و نجد و ملحقاتها» و نسأل الله التوفيق...». التوقيع (عبدالعزيز) 6 شوال 1345 ه-. و لا يشك في أن اجتماع من سموا بأهل الحل و العقد، ما هو إلا مسرحية، إذ ليس هناك أحد في [ صفحه 81] سلطنة ابن‌سعود يستطيع أن يحل أو يعقد غير الإنجليز، و كان الاجتماع أساسا قد خصص لإدانة الإخوان، و بعد أن استكملت الإدانة بواسطة وعاظالملك، بويع بالملك، يقول حافظ وهبة عن ذلك الاجتماع: (في 25 رجب سنة 1345 ه- - يناير سنة 1927 م، لبي جميع زعماء الإخوان الدعوة إلي مؤتمر يعقد في الرياض، ما عدا سلطان بن بجاد، و في هذا الاجتماع شرح الملك «عبدالعزيز» موقفه شرحا وافيا، فوصف نفسه بأنه خادم الشريعة، يحافظ عليهم أتم المحافظة، و أنه هو الذي يعهدونه من قبل لم يتغير، كما يتوهم بعض الناس، و أنه لا يزال ساهرا علي مصالح العرب و المسلمين، و قد انتهي هذا الاجتماع بالفتوي المشهورة التي أصدرها علماء نجد في صدد المسائل التي كانت سبب تشويش الإخوان، و أعلن الحاضرون تعلقهم بإمامهم و ملكهم، و بايعوده بالملكية علي نجد، فأصبح لقبه الرسمي، ملك الحجاز [ صفحه 82] و نجد و ملحقاتها). و في جمادي الأول 1347 ه-، و بعد تصاعد الثورة الإخوانية،عقد ابن‌سعود مؤتمرا سمي بالجمعية العمومية، لم يشترك فيه زعماء الإخوان، و خطب ابن‌سعود في هدا المؤتمر، مذكرا الإخوان بفضله عليهم و أنه هو الذي جمعهم و هداهم إلي الإسلام... كما أنكر عليهم أن يكون لأحدهم أي فضل عليه في توسيع ملكه... و بعد هذا قدم ابن‌سعود تنازله عن العرش - اسميا - و طالب الحاضرين أن يختاروا أحد أفراد أسرته للحكم... (مسرحية غاية في السماجة)!!. علي أية حال ما كان ذلك هدف ابن‌سعود، الذي طالب الحاضرين بأن يبايعوه من جديد، لمهاجمة المتمردين الثوار... لكن الإخوان و قادتهم تجاهلوا المؤتمر (و أذاعوا في الهجر أنهم قائمون بأمر الدين [ صفحه 83] و إقامة الشريعة التي يهدمها «عبدالعزيز»، و أن «عبدالعزيز» «طالب ملك»، و موال للكفار، و شريك لهم في جميع الأعمال). لقد كانت دوافع ثورة الإخوان محكومة بثلاثة عوامل: الأول: ما وصفه الإخوان بتغير «عبدالعزيز» بعد احتلال الحجاز فأعلن نفسه ملكا و بدت تصرفاته كالملوك. الثاني: موالاة الإنجليز و انكشاف ارتباطه بهم. الثالث: تعطيل ما يسمونه بالجهاد... لأن الجهاد لا يقف عند حدود، فكيف يكون أهالي الكويت و العراق و الشام كفارا و لا يحاربونهم... و هم الذين شحنوا بأن غيرهم كفار؟!، و كل من لا يري رؤيتهم كافر. فبعد هجوم الإخوان علي مخفر «بصية» علي [ صفحه 84] الحدود العراقية، و قبيل معركة «السبلة» المشهورة، يقول ديكسون واصفا الحالة - و الأزمة - بين الإخوان و إمامهم: (و لما ألح الملك طلب ابن‌حميد - أي سلطان بن بجاد - الذي صار الآن يتمتع بتأييد الدويش - أحد قادة الإخوان - المطلق، أن تحل القضية حسب الشريعة المقدسة، و كانت خطتهما - الدويش و ابن‌بجاد - وضع ابن‌سعود في مأزق لكي يتسني لهم إحراجه حب الحجة الآتية: يا «عبدالعزيز»، أنت كإمام كنت تدعو إلي الجهاد ضد الكفار المشركين، و لطالما دعوت و كررت الدعوة إلي أن العراق كدولة، يجب أن يدمر، و أن كل ما يؤخذ من أهله حلال... و لطالما رددت قول القرآن الكريم لإثبات أن كل الأعمال التي يقوم بها المؤمنون ضد الكفار و المشركين يجب أن يكافأ عليها... و الآن، و بأمر من [ صفحه 85] الإنكليز الكفار أنفسهم، تدعونا نحن فرسانك المختارين، سيف الإسلام، إلي إعادة، ما أخذناه، لأنك تعتبر ما فعلناه خطأ. فإما أن تكون أنت دجال منافق تحب ذاتك و تبحث عن منفعتك، و إما أن يكون القرآن غير صحيح. فليحكم علماء نجد بيننا... - و يضيف ديكسون -: و سما لا شك فيه أن الرعب دب في قلبه - أي قلب عبدالعزيز - بحيث إنه لم يفكر قط في عرض القضية علي أية هيئة من علماء الدين الوهابيين، و بدل أن يقرر القطيعة مع البريطانيين، قرر ضرب الإخوان بسرعة مرة واحدة و إلي الأبد...). و رغم قوة الإخوان العسكرية، إلا أن مقتلهم كان بسبب انفصال رجال الدين عنهم، و قد صدق وهبة حين قال: (لقد كان لابن‌سعود سلاح آخر لا يقل عن سلاح الجند و هم العلماء... و لكن العاصين لم يعودوا [ صفحه 86] يثقون حتي بالعلماء، و قال فريق من الإخوان: إن المشايخ مقصرون مداهنون لابن‌سعود و قد كتموا الحق عنه). هذه الأزمة، أزمة الانفصال بين العلماء و القاعدة المقاتلة، تكررت مرة أخري في حركة الإخوان التي انبعثت من جديد و فجرت انتفاضة، الحرم عام 1400 ه-. ما كان ابن‌سعود ليقدر علي استئصال حركة الإخوان، لو لا أن العلماء - معظمهم - أفتوا بأنهم خوارج، علي حكم «الإمام» ابن‌سعود!... فجردوهم من الشرعية و المظلمة الدينية، ولو أن رجال الدين كانوا رغم إيمانهم بعدالة مطالب الإخوان - صناعا للحركة و مؤسسين لها، ما حصل هذا الشرخ... فقد نصبوا كقيادات فوقية عل الهجر، و كانوا يدينون بمناصبهم و مرتباتهم إلي ابن‌سعود و ليس للإخوان... و هذا سبب [ صفحه 87] في أنهم فضلوا الملك علي القاعدة رغم فساده و انحرافه، و إشكالاتهم عليه... و ابتدأت مرحلة جديدة بفناء الإخوان، فراح ابن‌سعود يتصرف في إرادة البلاد بشكل مطلق، دون أن يعبأ بمعارضة حتي من رجال‌الدين «الذين نصبهم بنفسه». و كانت المحطة السادسة في تاريخ اسم الدولة «السعودية» قد بدأت، فما إن قضي علي الإخوان و هدأت ثورتهم، حتي أوعز إلي مجلس شواره و وكلائه في الحجاز»17 شخص» أن يكتبوا عريضة باسم الملايين يسترحمون «!!» جلالته أن يسمي البلاد باسم «المملكة العربية السعودية» كتعبير عن أنها أصبحت إقطاعية للعائلة الحاكمة. ففي الثاني عشر من شهر جمادي الأولي عام [ صفحه 88] 1351 ه-، الموافق 13 سبتمبر عام 1932 م، و كما يقول فؤادحمزة: أنه (اجتمع لفيف من «الوطنيين» في الطائف و حرروا صكا يطالبون بما ذكر أعلاه جاء فيه، أن اسم «المملكة الحجازية و النجدية و ملحقاتها لا يعبر عن الوحدة العنصرية و الحكومية و الشعبية... و لا يرمز إلي الأماني التي تختلج في صدور أبناء هذه الأمة للاتحاد و الائتلاف... و لا يدل علي الارتباط الحقيقي بين شقي المملكة المهيبين تحت ظل «جلالة الجاس علي العرش» فإن المجتمعين يرفعون بكمال الخضوع إلي «سدة حضرة صاحب الجلالة» أمنيتهم الأكيدة في أن يتكرم بإصدار الإرادة السنية بالموافقة علي تبديل اسم المملكة الحالي إلي اسم يكون أكثر انطباقا علي الحقيقة، و أوضح إشارة إلي الأماني المقبلة، و أبين في الإشادة، بذكر من كان السبب في هذا الاتحاد، و الأصل في جمع الكلمة و حصول الوحدة و هو شخص «جلالة الملك المفدي» و ذلك بتحويل اسم [ صفحه 89] «المملكة الحجازية و النجدية و ملحقاتها» إلي اسم «المملكة العربية السعودية»، الذي يدل علي البلاد التي يقطنها العرب ممن وفق الله جلالة الملك «عبدالعزيز السعود» إلي توحيد شملهم وضم شعثم هذا، و لما كان الاستقرار و الديمومة و الثبات من الشروط الأساسية التي تستهدفها الأمم في حياتها السياسية و الاجتماعية، و التي لا أمل بمواجهة صروف الحدثان و كوارث الدهر إلا بها، و التي لا تقوم لبلاد و لا لأمة بدونها قائمة، كما هو مشاهد في تاريخ الأمم و الحكومات و الدول التي أهملت مثل هذا الأمر الخطير، و ما آلت إليه من سوء المنقلب و المصير، فإن المجتمعين يتقدمون إلي سدة صاحب الجلالة الجالس علي العرش باستعطاف آخر مؤاده أن يتفضل جلالته بإصدار الأمر الكريم بالموافقة علي سن نظام خاص بالحكم و توارث العرش، لكي يعلم الجميع من صديق و عدو، و قريب و بعيد، أن هذا الملك موطد الأركان ثابت [ صفحه 90] الدعائم، لا تزعزعه العواصف، و لا تثني عوده الأيام، و جلالته أطلال الله عمره أول من يقدر أهمية هذا الأمر الخطير و فوائده العميمة في داخل البلاد و خارجها، و تقوية و مركزها الأدبي و المادي، و الله تعالي نسأله أن يوفق جلالة الملك المفدي إلي ما فيه الخير و الصلاح، (هل يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام عن مسلم يدعي اقتدائه بالسلف الصالح)، إنها إرادة إنجليزية دون شك وقعها أزلام النظام و هم: «فؤادحمزة، صالح‌شطا، عبدالله الشيبي، محمد شرف رضا، عبدالوهاب نائب‌الحرم، إبراهيم الفضل، محمد عبدالقادر مغيربي، رشيد الناصر، أحمد باناجه، عبدالله الفضل، خالد أبوالوليد القرقني، محمد شرف عدنان، حامد دويحي، حسين باسلامه، محمد صالح نصيف، عبدالوهاب عطار». و بناء علي بيان هؤلاء السبعة عشر فقط، أصدر [ صفحه 91] الملك بيانا هزيرلا، قال فيه: إن كافة رعاياه رفعوا إليه البرقيات - و هم الذين لم يفهموا حينها معني البرقية، بل إن الكثير منهم يحرم استعمالها - كما و يدعي أنه نزل علي رغبة الرأي العام، و كأن الخمسة أيام التي تلت إصدار البيان من قبل هؤلاء «الأصابع» كافية لتبلور رأي عام ضاغط، و يطالب بما يطالب به هؤلاء!. ففي السابع عشر من جمادي‌الأول عام 1351 ه- الموافق 18 سبتمبر عام 1932 م، أصدر ابن‌سعود أمره الملكي بتغيير اسم مملكته، و أهم ما جاء في الأمر: (بناء علي ما رفع من البرقيات من كافة رعايانا في مملكة الحجاز و نجد و ملحقاتها، و نزولا علي رغبة الرأي العام في بلادنا، و حبا في توحيد أجزاء المملكة العربية، أمرنا بما هو آت: المادة الأولي: تحول اسم «المملكة الحجازية [ صفحه 92] الجندية و ملحقاتها» إلي اسم «المملكة العربية السعودية» و يصبح لقبنا بعد الآن «ملك المملكة العربية السعودية». المادة السادسة: علي مجلس وكلائنا الحالي الشروع حالا في وضع نظام أساسي للملكة و نظام توارث العرش و نظام لتشكيلات الحكومة و عرضها علينا لاستصدار أوامرنا فيها. المادة الثامنة: إننا نختار يوم الخميس الواقع في 21 جمادي‌الأولي سنة 1351 ه- الموافق لليوم الأول من الميزان يوما لإعلان توحيد هذه المملكة العربية...صدر في قصرنا في الرياض في 1351/5/17 ه-. التوقيع (عبدالعزيز) [ صفحه 93]

كلمة حول لقب (الملك)

هناك إصرار غريب للحكام «السعوديين»، بشأن دمج معني «الإمامة» ب- «الملك» و أنهم يعتبرون كما الكتاب المدافعين عنهم أن لفظة «الملك» تعني لفظة «الإمام» بكل ظلالها، بل إن بعضهم - من فطاحل اللغة - اعتبروا لقب «الشيوخ» و «طويل العمر» تعني تماما «إمام»...!! لقد استعمل المسلمون لفط «الإمام» الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في كثير من الآيات، كقوله تعالي: (و إذا ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما) (البقرة: 124)، و قوله: (و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) (الأنبياء: 73)، و قوله: (و اجعلنا للمتقين إماما) (الفرقان: 74). و ذلك لتميز رئاسة الدولة الإسلامية عن غيرها من الدول الكسروية و القيصرية... كما استعملوا لفظ «خليفة» و «أميرالمؤمنين» ابتعادا عن مفهوم النظام [ صفحه 94] الملكي الذي كان يعني الاستكبار و العلو و الفساد في الأرض. (لهذا لم يسم الخلفاء الراشدون أنفسهم ملوكا، رغم أن لفظة ملك ورد ذكرها في القرآن، و لكن لما اقترنت الملكية في تاريخ ما قبل الإسلام بالفساد و الاستهتار و التحلل و الاستبداد، من خلال التوارث المقيت، عدل الحس الإسلامي إلي الإمامة و الخلافة تجنبا للمضمون المنحرف للملكية، بل إن ابن‌تيمية نفسه كان يقول: إن الخلفاء الراشدين «خلافتهم دامت ثلاثين سنة ثم آل‌الأمر إلي معاوية أول الملوك». و هكذا رأي ابن‌تيمية أن كلمة «ملوك» تطلق علي من حكموا ممن لم يستكملوا شروط التعيين للخلافة و صفاتها ممن تولوا إمرة المسلمين ابتداء من الأمويين علي الختلاف أحوالهم). (و القضية بالنسبة لنا ليست قضية ألقاب سياسية أو [ صفحه 95] إدارية إطلاقا، فلو كانت قضية ألقاب لهانت... و لما اعترضنا علي الممارسات المنحرفة اليوم فيما يسمي ب- «العالم الإسلامي». القضية أخطر من ذلك بكثير، حيث إنها مرتبطة بالتسلسل العقائدي في خليفة تفكير الإنسان المسلم الذي يؤمن بأن الله هو الملك، و أنه مالك الملك، و حيث إنه يملك هذا الكون كله بمن و ما فيه، لذلك فمن حقه الحاكمية و التشريع... و من واجبنا الاتباع لا الابتداع، فإذا جاء أحد التعساء المرضي و قال: أنا الملك، اهتز كل ذلك في ذهن و شعور الإنسان المسلم البسيط، و سلم أمره للملك المزعوم. من هنا جاءت رواية ابن‌سعد للحوار الذي دار بين سلمان الفارسي و عمر بن الخطاب، و منها نعلم أن عمر قال لسلمان: أملك أنا أم‌خليفة؟... فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو [ صفحه 96] أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة، و اقتنع عمر بأن صفة «الملك» هي خاصة بالله، و بأن كسري الذي يدعيها... و قيصر الذي يصر عليها، بنوا نظاما أسس علي الظلم الاجتماعي، و نحن نعلم أن الأمر قد حسم في استحسان لقبي:«الخليفة» و «أميرالمؤمنين»، و نعلم أنه - أي عمر - قال لأحد أصهاره «كما يروي محمد ابن‌سيرين» عندما اشتم منه أنه يريد ميزة من بيت‌المال: (أأردت أن ألقي الله ملكا خائنا). و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ينفي عن نفسه صفة الملك... يقول ابن‌مسعود: (أتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم رجل يكلمه فأرعد، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: «هون عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن‌امرأة كانت تأكل القديد»...). لكن انظر لهذا الرد المتهافت علي قرار تسمية ابن‌سعود نفسه ملكا... ففي دفاع أحد الكتاب يتخذ من قول [ صفحه 97] «عبدالعزيز» أن «الملك لله وحده» دليلا علي أن (العاهل «عبدالعزيز» بقوله ذلك قد أنكر إطلاق لفظ «الملك» علي نفسه... و بالتالي فإنه ضمنا - و من باب أولي - قد أنكر إطلاق لفظ «الجلالة» علي نفسه، أو هو علي الأقل كان قد أنكر ما قد يتبادر إليه الذهن من معاني قد تتضمنها كلمتي «الملك و الجلالة»... إذ أن هاتين الكلمتين - خاصة الأخيرة منهما - إنما تقترن باسمه سبحانه و تعالي)و هذا دفاع متهافت، لأن «عبدالعزيز» هو نفسه الذي أصدر مرسوما ملكيا بتاريخ 10 يناير 1926، يقضي بتلقيبه ب- «ملك الحجاز»، و هو الذي أصدر بعد أكثر من عام، و بالتحديد بتاريخ 6 شوال 1345 ه-، مرسوما جاء فيه ما نصه: (أن يكون لقبنا من الآن فصاعدا «ملك الحجاز و نجد و ملحقاتها»...) و هو الذي أصدر في السابع عشر من جمادي‌الأولي [ صفحه 98] 1351 ه-، أمرا ملكيا برقم»2716«، نصت المادة الأولي منه علي أن (يصبح لقبنا بعد الآن: (ملك المملكة العربية السعودية...) بعد هذا كله، أليس من الاستهتار و الاستغفال لعقول المواطنين و القراء، القول بأن ابن‌سعود ينكر لقب «الملك»؟!... فلماذا حاربه الإخوان إذن؟... و لماذا لو كان صادقا لم يمنع الآخرين من استخدامه؟!. و لعلم الملك السابق فيصل، أن لفظ «صاحب الجلالة» و «الجالس علي العرش» و «الملك» تخالف الشرع، فإنه و بعد إزاحة سعود عن الحكم عام 1964 م، حاول تملق الناس في خطاباته التي كان يلقيها في المناطق المختلفة من البلاد... ففي أحد خطاباته قال: (تكرر علي مسمعي لفظ «صاحب الجلالة» و «الجالس علي العرش» و ما أشبه ذلك، و إنني أرجو منكم أيها الإخوة أن تعتبروني أخا و خادما في [ صفحه 99] نفس الوقت، إن الجلالة لله سبحانه و تعالي، و إن العرش هو عرش رب السماوات و الأرض، و إن هذه الصفات دخيلة علينا في ديننا... إنني حينما أسمع كلمة صاحب الجلالة، أو الجالس علي العرش، فإنني أثأثر من ذلك أشد التأثر لأنني بشر)... ولو كان صادقا في هذا القول... لكان قد خجل من نفسه أن يأمر الصحافة - و لأول مرة في تاريخ البلاد - ليس لإلغاء اللقب الملكي الفاسد، و لكن لأضفاء لقب آخر علي زوجته التي سماها «الملكة!!» عفت.

النظام الملكي‌

من خلال من ما ذكر في الصفحات السابقة، يتبين أن الإسلام كان حريصا علي تميز الحكم الإسلامي عن غيره من الأنظمة، حتي اختيار اللفظ... و رأينا كيف أن الإسلام يسير باتجاه مناقض للأنظمة الملكية الكسروية و القيصرية... فهو لا يتعرف بها و لا بمن [ صفحه 100] يتسمي ملكا... و لكن ماذا يقول «آل‌سعود» عن نظامهم الملكي الوارثي المقيت؟... و أية صفات عظيمة يطلقونها عليه؟... و بأي مبرر جعلوه كذلك؟. في بيان «الوطنين!» الذي أصدروه في 1351/5/12 ه-، و الذي طالبوا فيه الملك بتسمية البلاد «المملكة العربية السعودية» و بجعلها وراثية... كانت حجتهم التي كتبوها هي: (الاستقرار و الديمومة و الثبات، للنظام الحكام، و حتي يعلم العدو و الصديق أن الملك السعودي موطد الأركان، ثابت الدعائم، لا تزعزعه العواصف، و لا تثني عوده الأيام... و أن ذلك يقوي مركز البلاد الأدبي و المادي). و هذا كاتب آخر يبرر الملكية المطلقة التي انتهجها «السعوديون»، و كيف أن الملكية الدستورية لا تستقيم في مجتمع الجزيرة العربية بالقول: (إن المملكة [ صفحه 101] العربية «السعودية» أيام نشأتها الأولي كانت مجتمع بداوة و رعي، و مجتمع كهذا لا يمكن أن يقوم فيه إلا نظام ملكي قوي، لأن العصبيات القليلة لم تكن قد تحولت بعد إلي إحساس بالمواطنة، و لم يكن هناك مظهر للوجدان الاجتماعي الشعبي إلا مظهر التمسك بالدين و احترام الشريعة، و لو تصور أي خيالي حالم أن يقيم في هذا المجتمع نظام ملكية دستورية، لا يباشر فيها الملك مسؤولياته، لعاد مجتمع شبه الجزيرة العربية ممزقا كما كان، و لما استطاع الملك «عبدالعزيز» أن يحقق معجزته الكبري). إن هذا القول مردود علي صاحبه، لأن وجود المجتمع البدوي... لا يبرر تجاوز أهم مبادئ الإسلام السياسية، و جعله نظاما ملكيا مطلقا وراثيا استبداديا، كما أن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و خلفاءه الراشدون، لم يعلنوا أنفسهم ملوكا بحجة أن مجتمعاتهم [ صفحه 102] بدوية... ثم ألا يكفي «أحمد عسه» الوجدان الاجتماعي الشعبي المشترك و القائم علي أساس الدين؟... إن ذلك هو أساس المواطنة، و ليس تقديس قطعة الأرض... إن الفكر المشترك و العقيدة المشتركة هي قاعدة المواطنة الصالحة... و الحقيقة أن الدين الحقيقي لم يكن له وجود من أساسه في فكر هؤلاء. و هذا كاتب سعودي آخر يصر علي أن الملكية «السعودية» المطلقة في ملكية دستورية، مخالفا في ذلك «أحمد عسه»، و مخالفا للحقيقة التي يؤكدها الحقوقيون، يقول هذا الكاتب: (إن الملكية الدستورية... تختلف عن الملكية المطلقة في أنه بينما تكون السلطة للملك وحده في الثانية، نجد أن «الشعب» هو صاحب السلطة في نظام الملكية الدستورية. و لئن كان الحكم الملكي الدستوري يجعل علي [ صفحه 103] رأس الدولة ملكا وراثيا، شأنه في ذلك شأن الحكم الملكي المطلق، غير أنه يختلف عن هذا لأن الشعب يبقي صاحب السيادة، يباشرها عن طريق برلمان «و مجلس شوري» يمثله. و نحن إذا عرفنا أنه في المملكة العربية «السعودية»، يتواجد مجلسان رئيسيان يشتركان في الحكم و الإرادة، و هما مجلس الوزراء و مجلس الشوري، فإنه يتأكد لنا أن النظام الملكي السعودي، إنما هو نظام ملكي دستوري)... شر البلية ما يضحك!!. و في موقع آخر يقول: (يمكن لنا أن نؤكد علي أننا لم نتردد في أن نصف النظام الملكي السعودي بأنه نظام ملكي مقيد، لأن هناك مبدأين أساسيين يقيدان الملك المعظم في أحكامه: «أ» - الشرعية الإسلامية. «ب» - الشوري «رأي الأمة و الشعب». [ صفحه 104] و لسنا هنا في معرض رد تفصيلي علي ما ذكره «الدحلان» إلا أننا يمكننا القول: - أن النظام السعودي ملكي مطلق مستبد، و أنه ليس هناك أي دور حقيقي علي الصعيد السياسي لمجلس الوزراء، كما أن مجلس الشوري ليس موجودا مطلقا من أساسه. - أن الذي يتقيد بأحكام الشرع عليه أن يلتزم به في كل أمر. و الملكية المطلقة كما الملكية الدستورية لا يقرها الإسلام. و حين يعدد «دحلان» ميزات الحكم الملكي، يقول باستهجان و سماجة بالغتين: 1 - من المزايا الرئيسية التي يحققها النظام الملكي، توفير الاستقرار في الدولة، و عدم تعرضها لهزات في مدد متقاربة علي النحو الذي يشاهد في الأنظمة الجمهورية... (تأمل!!). [ صفحه 105] إن الملكية تحقق نوعا من الثبات و الاستقرار السياسي في الداخل، لأنها نظام دائم... فالملك يتولي العرش لمدي الحياة. 2 - وفق ما سبق يستطيع الملك أن يلعب دورا هاما في النظم البرلمانية، لتحقيق التوازن بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية، فيقف إلي جانب السلطة التنفيذية إذا كانت محل اعتداء من البرلمان. 3 - و أخيرا... فإن شخصية الملك تستطيع أن تؤدي أجل الخدمات للبلاد في توطيد العقلاقات مع الدول الأخري (ضمانا للعمالة)، و ذلك بفضل الاتصالات الشخصية مع رؤسائها و الزيارات التي يقوم بها و التي تترك أحسن الأثر). و يبدو من استعراض المقتطفات من الكتب المذكورة، أن هناك شبه اتفاق بين مؤيدي النظام الملكي علي أن ديمومة النظام الملكي و استقراره هما [ صفحه 106] ميزتان تجعلانه من أفضل الأنظمة... و هذه النظرة لا تتفق مع الشرع... لأن الإسلام حين حدد كيفية وصول الحاكم إلي الخلافة أو الإمامة بموافقة الجمهور، و أعطي للناس حقوقهم في مراقبة الحاكم و عزله حين ينحرف، إنما أرسي أفضل قاعدة لاستقرار الحكم، فالحكم المستقر هو الحكم القائم علي رضا الناس... أما النظام الملكي السعودي فإنه يفرض استقرارا ظاهريا و هشا مصدره القوة و النار... و حكم النار و الحديد لا يمكن أن يستمر... و هذا يتوافق مع الأفكار الديكتاتورية المكيافيللية التي تري أن الاستقرار يتم بالقوة و يهدف تسلط الحاكمين و ديمومة حكمهم... و نعتقد أن الديمومة و الثبات الذي تعزف علي وتره كتابات الموالين للحكم السعودي إنما انتزعت من كتابات مكيافللي حول الملكيات الوارثية... حيث يقول: (ففي المقام الأول، تكون مهمة الاحتفاظ بالملكيات [ صفحه 107] الوراثية حيث تعود الناس علي أسرة حاكمة، أقل صعوبة من الاحتفاظ بالملكية الجديدة... و إذا لم يقترف الأمير من الرذائل ما يربو علي المعقول، فيحمل الناس علي كراهيته، فإن المنطق بالنسبة لرعاياه أن يكونوا شديدي التعلق به، فينسون علي حكمه الطويل ذكريات البدع و أسباب التجديد، إذ أن التبدل في الحكم يترك الطريق ممهدا دائما لوقوع تبدل آخر)... (و هل هناك موبقات أكثر من تلك التي يرتكبها آل‌سعود). و لا شك أن معتقداتنا نحن كمسلمين تخالف هذه النظرة، و بالتحديد تخالف الأسلوب القسري في الحكم و الوراثة من أجل تطويل أمد العائلة الحاكمة... فنظام الحكم الإسلامي يختلف عن أنظمة الحكم الملكية، فما يورث الحكم و السلطان في الإسلام و إنما يترك الجماعة أن تختار للحكم من تراه أصلح الناس له [ صفحه 108] و أقدرهم عليه. لقد ارتبطت الملكية بالفساد، و استقر أمر العالم كله قبل أن يجي‌ء الإسلام علي أن يكون نظام الحكم الملكي وراثيا يتوارثه الأبناء عن الآباء، و أصبحت لهذا النظام سمات و علامات تميزه عن غيره من أنظمة الحكم، فهو يتميز - فضلا عن الوراثة - بتعالي الملوك و استعلائهم المستمر علي الرعايا، و يتميز بما يحيط الملوك به أنفسهم من الترف الذي يهي‌ء لسقوط الهمم، و فساد الأخلاق، و تفشي المنكرات، و يتميز أخيرا بأنه يؤدي بطبيعته إلي الفساد العام. و لما كان هدف الإسلام هو الإصلاح و التسوية بين الناس، و توفير الخير و إشاعته بينهم، فقد كره لهم التعالي كالملوك، و حرم عليهم أن يريدوا الاستعلاء كما حرم عليهم كل ما يؤدي إلي الفساد، و نبه [ صفحه 109] المسلمين إلي أن هذه الصفات ليست من صفات المتقين، (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) (القصص: 83). و لأن نظام الحكم الملكي كان عندما جاء الإسلام متميزا بالعلو و الإفساد و الوارثة، فقد كره المسلمون أن يسموا أنفسهم ملوكا، و كان أول من كره ذلك هو الرسول «صلي الله عليه و آله و سلم»، و جري علي ذلك خلفاؤه من بعده، حتي إذا أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد، أخذ أصحاب الرسول و التابعون يرمونه خاصة و بني‌أمية عامة بأنهم حولوا الحكم الإسلامي إلي ملك عضوض، و الي حكومة كسروية أو هرقلية، نسبة إلي كسري ملك الفرس، و هرقل ملك الروم. إن للنظام الملكي مفاسد كثيرة منها: أولا: صفة الاستبداد بالرأي و الحكم، فقد جاء [ صفحه 110] الإسلام بالشوري التي تقتضي اختيار الأمة الإمام ضمن الموازين و الشروط الاسلامية، و عزله إذا ما انحرف عن الجادة المستقيمة و هذا يتنافي مع ما استقر عليه نظام الحكم الملكي السعودي المطلق و الموروث، لأن الملك... و بصفته الملوكية و الاستعلائية هذه، يعتبر نفسه الأعلم و الأفهم و الأذكي، و بالتالي سيبعد الرعية «الجماهير» عن ممارسة دورها السياسي في مراقبته - فضلا عن اختياره -، و تصحيح انحرافاته، و سيفرض رأيه علي الآخرين، فيكون مستبدا برأيه و تؤول البلاد إلي الفساد. و قد أعطي الإسلام للأمة حق النقد و المحاسبة و المراقبة للحاكم «الشرعي»، أما الحاكم غير الشرعي فهو لا يقبل النقد كالملوك الفاسدين الذين يعلون في الأرض و يفسدون فيها... (و الحاكم هنا هو الذي يحكم بين الناس لا الذي يحكمهم). [ صفحه 111] و حين أقر الشارع جل و علا مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإنه بذلك أعطي صلاحية كبيرة لمراقبة الحكام و تقويم انحرافاتهم... فرئيس الدولة ليس ذاتا مصونة فوق الشرع و الحساب... و واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر للحكام و غيرهم، لا يستقيم أمر المسلمين إلا به... جاء في الحديث: (إذا رأي الناس الظالم فلم يأخذوا علي يده أوشك أن يعمهم الله بعقابه)... و قال صلي الله عليه و آله و سلم: (أفضل الشهداء حمزة، و رجل قام إلي إمام جائر فأمره و نهاه فقتله). و عن حذيفة بن اليمان قال، قال رسول صلي الله عليه و آله و سلم: (و الذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عذابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم). و عن أبي‌سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلي [ صفحه 112] الله عليه و آله و سلم: (من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، و هذا أضعف الايمان). و قال عليه‌السلام: (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم فقد تودع منهم)... و قال: (لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول الحق إذا رآه أو سمعه). إن هذه الأحاديث توجب علي المسلمين فيما توجب، أن يراقبوا الحكام و يقوموا فسادهم و انحرافهم... و قد بينت الأحاديث النبوية الشريفة أن أولي الوسائل لتقويم الحاكمين «الشرعيين» هي النصيحة... فقد قال رسول الله صلي الله عليه و آله سلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟... قال: لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم) رواه مسلم. [ صفحه 113] و إذا لم يفد النصح فمن حق الأمة استعمال القوة اللازمة لتقويمه و ردعه عن الظلم و عن سائر مظاهر الانحراف و الاعوجاج، فقد جاء عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال:(و الله لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر، و لتأخذن علي يد الظالم و لتأطرنه علي الحق أطرا، و لتقصرنه علي الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم علي بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم)... رواه أبوداوود.و في حديث آخر يقول عليه‌السلام: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه). (إن من حق الأفراد في ظل دولة الإسلام، مراقبة رئيس الدولة و سائر الولاة في أعمالهم و تصرفاتهم التي تخص شؤون الدولة، و تستمد الأمة هذا الحق من طبيعة علاقاتها برئيس الدولة، فهي علاقة وكالة، فهي [ صفحه 114] التي اختارته، و من حق الموكل في الشريعة الإسلامية أن يراقب وكيله ليطمئن علي حسن قيامه فيما و كل فيه، و حق المراقبة يقرره الإسلام و يريد به تقويم رئيس الدولة إذا انحرف عن النهج الشرعي القويم). و قد كان تدخل أفراد الشعب في عمل الحكام أمرا معروفا شائعا و مألوفا لدي جمهور الشعب عامة في صدر الإسلام، بل كان واقعا بالفعل، فكانت المراقبة للسلطة و النقد و حرية إبداء الرأي في مجال الحكم و المحاسبة للحكام ماليا و سياسيا، مبادي‌ء دستورية معترفا بها و منصوصا عليها في الكتاب و السنة، و عرفا من الأعراف السياسية السارية يومئذ. إن التسليم النظري لهذه المبادي‌ء بقي مستمرا لدي المسلمين خاصتهم و عامتهم، و لكن التطبيق العملي لها أخذ في الضعف، ابتداء من العصر الأموي، و كاد يهمل فيما بعد من جانب الحكام الذين أصبحوا ملوكا [ صفحه 115] و سلاطين علي الطريقة الكسروية القيصرية). بناء علي هذا... أين يقف الحكم الوهابي؟!. فإذا كان الإسلام لم يكتف بأن يكون الحاكم مختارا من الناس فيتركوه علي حاله يعبث بالحكم... كما لم يكتف بتحديد المواصفات الصالحة للحكم الإسلامي و التي تردعه عن الانحراف، ليكل أمور العباد إليه دون رقيب... كما لم يكتف بوضع قانون الشوري، ليمنع الاستبداد بالحكم... و لم يكتف برسم السياسية العامة الداخلية و الخارجية للدولة الإسلامية حتي يسير عليها الحاكم الصالح... بل وفوق كل هذا أعطي صلاحيات واسعة للأمة تصل إلي حد عزله، بل و قتله إذا زاد جرمه و استحق القتل. و قال عمر: «من لي برعية إذا انحرف فيهم الحاكم قتلوه»... قيل... هلا قلت خلعوه يا أميرالمؤمنين؟... قال: «لا... القتل أنكل لمن بعده...». [ صفحه 116] إذا لاحظنا كل هذه، فإن من الطبيعي القول أن الحكم الوهابي، الذي يسير بدون ضوابط، من أشد الأنظمة استبدادية. - فلا الحاكم جاء بإجماع لآراء الأمة... و لا هو يتمتع بالمواصفات و اللياقات المطلوبة. - و لا هو يسير في سياساته بهدي من الكتاب الكريم... و لا هو يعتمد علي شوري، فيقدر آراء الأمة. فهل بعد هذا يتوقع منه أن يعطي الأمة حقها في نقده... و عزله، أو محاسبته و الضغط عليه؟! لقد قرر الحاكم و منذ زمن طويل أن «الشيوخ أبخص» و أن الشعب ما هو إلا رعاع لا رأي لهم و لا كلمة... و هو يعتقد بأن شرعيته لا تنبع إلا من القوة و الوراثة التي أوصلته إلي الحكم، و ليس لأحد من الرعية بعدئذ حق في الاقتراح، فضلا عن الانتقاد [ صفحه 117] و التوجيه... و كل هذا من مساوي‌ء النظام الملكي الفاسد. ثانيا: و من مساوي‌ء النظام الملكي، فصل الدين عن السياسية عمليا، فرغم أن علماء الدين لا يعتقدون بفصل الدين عن السياسية و أمور المجتمع نظريا، فإن الأمور تسير نحو الانفصال التام، إن لم يكن حدث بالفعل. فالغالبية العظمي من رجال الدين و المشايخ، تمارس دورها في المجتمع من التوعية و الإرشاد، دون المساس بالقضايا السياسية و الاجتماعية،و كأنها شي‌ء محرم... و اقتصرت علي الأمور العبادية المحضة المتعلقة بين الخالق و عبده، بل و جردت كل الأهداف السياسية من الأمور العبادية كالصلاة و الصوم و الحج. لماذا وقع هذا الانفصام؟ [ صفحه 118] لا شك أن الانفصام قد وقع منذ زمن غابر، فأدي إلي تخلف المسلمين كثيرا، كما أدي إلي الانفصام بين الحاكم و العلماء، و بين العلماء و الناس الذين لم يجدوا في رجال الدين أنهم يؤدون الواجب في قيادة الجماهير و مناهضة الحاكمين الفاسدين. لكن مع هذا، فان علماء الدين الوهابي يكادون أن يشكلوا نمطا مختلفا عن العلماء الآخرين... فهم قد استغلهم آل‌سعود في أغراضهم الدنيوية ثم استغنوا عنهم... و لم يبق لهم من الهيمنة و السيطرة و إدارة التوجيه سوي الجزء القليل، و التافة جدا. فبعد إعلان الملكية «السعودية» و إقرار نظام التوراث في الحكم، أصبح العلماء في آخر القافلة المؤثرة، و أصبح دورهم هو دور المطبل للنظام، الذي يسبغ عليه الشرعية، و يعطل بالتالي مسيرة التحرك ضده... و قد ارتضوا لأنفسهم هذا الدور المنزوي عن [ صفحه 119] كل ما يهم المجتمع و قضاياه. فأصبحت السياسة يديرها بالتوارث أفراد الأسرة الحاكمة بكل مساوئهم و فسادهم و بعدهم عن الرسالة، و هم يهتمون بالشؤون الدينية المحضة التي تجرد كل الأهداف السياسية و الاجتماعية للعبادات الإسلامية... فصار الفقهاء و العلماء لا يعون لغة الملك - و لا يطلب منهم أن يعوها، و صارت القيادة السياسية في واد... و الإسلام في واد آخر، و تحققت بذالك عمليا فكرة الفصل بين الإسلام كدين و منهج و نظام للحياة من جهة، و القيادة السياسية من جهة، أي: أصبحت دولة علمانية، و السبب؟... فكرة العائلة الحاكمة، و النزعة الملوكية و الوراثية المقيتة. ثالثا: إن العائلة الحاكمة هدفها الرئيسي مصالحها... و استمرار هيمنتها و نفوذها، قبل اهتمامها بالمواطنين و مصالحهم... و حقوقهم، بل هي لا تعير [ صفحه 120] هذا الجانب أهمية إلا بالمقدار الذي لا يهدد إغفاله خطرا عليها. و حين تقدم الأسرة مصالحها السياسية و الاقتصادية كطبقة متميزة عن المجتمع، تزداد المظالم و التعديات علي حقوق المسلمين، اقتصاديا... كنهب الثروات و السرقة من بيت مال المسلمين خزينة الدولة، و سياسيا... باستخدام كل وسائل القهر و الإذلال و جر البلاد إلي مزالق المحاباة و التقديس و تسليم أمور البلاد إلي المداحين و حثالات المجتمع ممن لا يفقهون إلا التسبيح بحمد النظام و رؤوسه الفاسدة... و بهذا يستبعد مخلصو الأمة و الغيورون علي مصالحها، فهؤلاء لا محل له في دائرة النظام. و نحن لا ينتابنا الشك في أن مصالح الطبقة الحاكمة التي جاءت إلي سدة الحكم بالقوة و القهر، و بكل الوسائل التي لا يقرها دين أو عقل، و التي تري [ صفحه 121] أن مصالحها هي الأهم، تتناقض مع المصلحة العامة للمسلمين. رابعا: أن الأنظمة الملكية المطلقة أسرع من غيرها من الأنظمة التي لا تحكم بأمر الله في التبعية للأجانب... لأن النظام الملكي الذي لا يستند إلي رضا الجمهور، و لا يأخذ رأيهم و يشاورهم، و الذي يفرض عليهم القوانين التي ما أنزل الله بها من سلطان... هذا النظام يجد نفسه - بسبب هذا النهج الاستبدادي - في تصادم و صراع دائم مع الجماهير... و الذي بسبب خوفه منها يسعي إلي عقد تحالفات مع القوي العظمي لحمايته و تعزيز مواقعه، و القوي العظمي لا تفعل ذلك بدون مقابل، و إنما تفرض شروطا سياسية و اقتصادية عليه... و بالتالي يصح القول أن النظام الوهابي و حلفاءه الأجانب من القوي العظمي يتآمرون علي الشعب لسلب إرادته و إبقائه ذليلا منهوب الثروات، [ صفحه 122] جامد العقل، معطل القوي. و هذا ما توضحه مسيرة الحكم الوهابي منذ استلابه الحكم، فقد كان تابعا لانجلترا التي دعمته بالسلاح و الطائرات و المال حين ثار «الإخوان» و حين انتقض «ابن‌رفاده»، و كذلك حين فسخت عسير بيعتها للحاكم الظالم... و تحولت التبعية بعد غروب عصر الامبراطورية العجوز إلي أمريكا التي تدعم الأسرة اليوم بكل ما تحتاجه مقابل تأمين مصالحها الاقتصادية و السياسية... و الأخطر أنها توظفها الآن لتدمير الدين الإسلامي كما أسلفنا. إن أهم عنصر يحكم العلاقات «السعودية» - الأمريكية، هو مبدأ الحماية للنظام السعودي. كتب «دانيال برجين» عضو مشروع أبحاث الطاقة القومية بجامعة هارفارد الأمريكية هذه الملاحظة في مقال صدر عن مجلة النيويورك تايمز في [ صفحه 123] 1978/6/4 م ما يلي: (هناك علي الدوام احتمالات أن يطرأ حادث طبيعي أو تخريب للمنشآت النفطية في الخليج أو في المناطق الخليجية، كما أن خطر التدخل السوفياتي وارد تماما إثر اتساع رقعة الصراع العربي - الإسرائيلي، في أي وقت، بالإضافة إلي احتمال قيام صراع بين «السعودية» و قوي محلية أخري في المنطقة - و بالأخص منها العرق و إيران - و يبقي من المهم أن نأخذ بالاعتبار أي تحول فكري أو سياسي في المنطقة، و هذا خطر حقيقي جدا يرغب الكثيرون بإغفاله، و هو خطر الانقلاب العسكري و وصول قوي راديكالية إلي الحكم). و ينضح من سياق التصريح أن تخوف السياسية الأمريكية من الاحتمال الكبير لتغير الحكم الوهابي في الجزيرة أمر جدي، و مثل هذا التخوف ينتاب أنصار [ صفحه 124] إسرائيل في الإدارة الأمريكية قبل غيرهم، بسبب الدور «التآمري» الذي يلعبه النظام الوهابي في ترتيب أوراق الصراع العربي - الصهيوني، لتأمين المصالح الحيوية لأمريكا و الصهيونية في المنطقة، فحينما أثيرت أيام الرئيس كارتر.أهمية إرسال ستين طائرة من طراز «فانتوم 15«المتطورة إلي «السعودية»، وقف «موريس إمتباي» رئيس الهيئة التفيذية للجنة العلاقات الأمريكية (الإسرائيلية) أمام الكونجرس الأمريكي في شهر مايو عام 1978 قائلا: «إن النظام السعودي هو عبارة عن نظام ملكي إقطاعي غير مستقر، و إن تغيير هذا النظام مرجح في ليلة و ضحاها»!. و في ظل هذا المستقبل الغير مستقر الذي يواجه «السعوديين»، تبرز أهمية مبدأ الحماية التي يمكن أن يوفرها الغرب و أمريكا بالخصوص لعرشهم المهتز. [ صفحه 125] و مرة أخري يعقب «تلمان» عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قائلا: «إن القادة «السعوديين» يعتبرون الولايات المتحدة الحامي الضروري ضد الانقلابات أو قيام خطر عدوان خارجي عليهم». و لم تتحفظ صحيفة الواشنطن الأمريكية المتفذة علي حقيقة هذا الأمر في مقال افتتاحي كتبته يوم 27 مايو 1981 قائلة: «الحكومة السعودية» ترغب دائما أن تلفت أنظار الدول الغربية إلي أهمية بقائها في السلطة من أجل ضمان استمرار تدفق المصالح الغربية في «السعودية». و مثل هذه التصريحات لا تحتاج إلي تفسير أكثر، فاحتمال الثورة الشعبية و الانقلاب أمر وارد جدا، و لعل الحكام «السعوديين» أكثر إدراكا لمثل هذا الخطر من غيرهم. و هناك شواهد قريبة تثبت بوادر هذا [ صفحه 126] التصعيد «حادثة الحرم... العصيانات العسكرية... انتفاضة المنطقة الشرقية»..إلي آخر السلسلة. و في أحد اجتماعات مجلس الشيوخ الأمريكي، قال السيناتور الأمريكي «كيس» من ولاية نيوجرسي الأمريكية ما نصه: («السعودية» تفهم أن ضمان مصالحها يعتمد كلية علي قوة إسرائيل في المنطقة، و حجم الدعم الأمريكي لضمان هذه القوة، لأن هذا النظام سوف يمسح من الوجود بمجرد أن تتعطل إمكانية أمريكا في التدخل لإنقاذه). خامسا: إن النظام الملكي الوهابي المطلق، يهدم أهم ركن في الحكم الإسلامي و هو مبدأ الشوري... قال تعالي: (و أمرهم شوري بينهم)... و قال: (فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل علي الله). [ صفحه 127] (و لقد فرض الله الشوري علي المسلمين و جعلها عمادا لحياتهم العامة، ولو كانت الحكومة الإسلامية حكومة ثيوقراطية لما كانت الشوري، و لما ألزم الله رسوله أن يشاورهم في الأمر، و هو في غني عن مشاورة البشر بالوحي الإلهي، و لما ألزم الرسول نفسه نتائج المشورة... كما فعل في غزوة بدر و غزوة أحد و غيرهما من المواقف، و إنما ألزم الله رسوله المشورة ليضع للناس قواعد الشوري، و ألزم الرسول نفسه بنتائج المشورة ليسن لمن بعده أن يلتزم بنتائجها و يتقيد بها. ولو كانت الحكومة الإسلامية ثيوقراطية لكان للخليفة أن يفعل ما يشاء، و يترك ما يشاء، ولكن الخليفة و كل حاكم إسلامي مقيد، فيما ورد فيه نص، بنصوص القرآن و السنة، و فيما لم يرد فيه نص بما تسفر عنه الشوري). [ صفحه 128] إن من حق الأفراد في دولة الإسلام - بعد حق انتخاب رئيس الدولة - حق المشاورة، و هو في الحقيقة امتداد لحق الأمة في اختيار منفذي أمرها، فما دامت هي التي تختاره و هو وكيلها في إدارة شؤونها، فمن حقها عليه أن يشاورها، و إذا كان الخطاب في آيات الشوري موجها إلي الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم علي جلالة قدره و عظيم منزلته، فوجوب المشاورة علي غيره من الحكام أوجب و ألزم. و علي ما قلناه تدل أقوال الفقهاء و المفسرين. 1 - «لا غني لولي الأمر عن المشاورة فإن الله تعالي أمر بها نبيه صلي الله عليه و آله و سلم» رأي جميع الفقهاء. 2 - «إنما أمر الله نبيه بمشاورة أصحابه مما أمره بمشاورتهم فيه تعريفا منه أمته ليقتدوا به في ذلك» تفسير الطبري، ج-4، ص 94. [ صفحه 129] 3 - يؤيده في ذلك تفسير القرطبي، ج 4، ص 250. 4 - كذلك الرازي، ج 9، ص 66 يقول: «قال الحسن و سفيان بن عيينة: إنما أمر بذلك - أي أمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم المشاورة - ليقتدي به غيره في المشاورة و يصير سنة في أمته». و مما يؤكد حق المشاورة للأمة علي حكامها أن النبي صلي الله عليه و سلم و آله علي عظيم قدره و منزلته و تأييده بالوحي،كان كثير المشاورة لأصحابه، شاورهم يوم بدر في الخروج للقتال، و شاورهم يوم أحد أيبقي في المدينة، أم يخرج للعدو، و أشار عليه «الحباب بن المنذر» يوم بدر بالنزول علي الماء فقبل منه، و أشار عليه «السعدان»... «سعد بن معاذ و سعد بن عبادة» يوم الخندق بترك مصالحة العدو علي بعض ثمار المدينة فقبل منهما «الرازي، [ صفحه 130] ج-، ص 67«. و هكذا كان رسول الله صلي الله عليه و سلم و آله كثير المشاورة للجماعة الإسلامية حتي ذكر في كتب الفقه أنه لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلي الله عليه و سلم و آله. و نظرا لثبوت حق الأمة في المشاورة، صرح الفقهاء بأن ترك هذا الحق من قبل القائم بشؤون الدولة موجب لعزله في الاسلام، فقد جاء في تفسير القرطبي «قال ابن‌عطية: و الشوري من قواعد الشريعة و عزائم الأحكام، و من لا يستشير أهل العلم و الدين فعزله واجب» ج 4، ص 249. فلا بقاء إذن لحاكم مستبد في دولة الإسلام). إن الحكم الوهابي القائم، تناسي هذا المبدأ الهام، و أغفل العمل به، بحجة أن الشعب ليس مهيئا لذلك، و أن «آل‌سعود» في صدد تهيئة الشعب لممارسة [ صفحه 131] الشوري... و هكذا و بكل سهولة يقزمون عقول المجتمع و يجعلون من أنفسهم أوصياء عليه. [ صفحه 132]

الادلة القطعية علي عمالة الدولة الوهابية

عن مذكرات حاييم وايزمان أول رئيس لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين قال: (إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول... و المشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته)، و يضيف نقلا عن تشرشل الرئيس الأسبق للحكومة البريطانية، و الذي كان له دور أساسي و بارز في قيام الكيان الوهابي السعودي، و الكيان العنصري الصهيوني: (في 11 / 3 / 1932 قال تشرشل: أريدك أن تعلم يا وايزمان أنني وضعت مشروعا لكم ينفذ بعد نهاية الحرب (الحرب العالمية الثانية) يبدأ بأن أري ابن‌سعود سيدا علي الشرق الأوسط و كبير كبرائه، علي شرط أن يتفق معكم أولا، و متي قام هذا المشروع، عليكم أن تأخذوا منه ما [ صفحه 133] أمكن و سنساعدكم في ذلك، و عليك كتمان هذا السر، ولكن انقله إلي روزفلت، و ليس هناك شي‌ء يستحيل تحقيقه عندما أعمل لأجله أنا، و روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية). هكذا أسس الإنجليز مشروع دولة آل‌سعود و مكنوهم من جزيرة العرب حيث الحرمين الشريفين و قبلة المسلمين، كخطوة مرحلية لإقامة الدولة الصهيونية و تمكينها من القدس ثالث الحرمين و أولي القبلتين و الأرض التي بارك الله حولها، لأسباب لا تخفي علي أحد و هي اعاقة قيام الدولة لعربية الموحدة كمشروع أساس لإقامة دولة الإسلام العالمية. و لا زال الأمر علي حاله بالرغم من المتغيرات الدولية و أهمها تحول مركز القيادة من بريطانيا إلي أمريكا و بروز الأفكار البراجماتية الأنجلو سكسونية التي تحرك السياسة الأمريكية، و التي بدأت تعلم تمام [ صفحه 134] العلم انتهاء مهمة النظام السعودي بعد أن تحققت جميع الأغراض التي أسس لأجلها، و هي تدمير المشروع القومي، و تشويه الدين الإسلامي، و إحكام قبضتها علي المنطقة، و لم تعد قادرة علي تحمل استهجان الرأي العام العالمي و المجتمع الدولي المطالب بضرورة تغيير هذا النظام الجاهلي بعد أن تمكنت الصهيونية من فلسطين و أهلها، تفعل بها و بهم ما تشاء دون رقيب أو حسيب، و الخطر بات يهدد الحرمين الشريفين و الصامت علي الحق لا شك أنه شيطان أخرس. يقول جون فيلبي في كتابه (40 عاما في البحرية): (إن قضية فلسطين لم تكن تبدو)لآل‌سعود(بأنها تستحق تعريض العلاقات الممتازة التي تربطهم مع بريطانيا و أمريكا) (و كان أساس الاتفاق لإنشاء الوجود السعودي أن تقوم سياسة آل‌سعود علي عد تدخلهم [ صفحه 135] بأي شكل من الأشكال ضد مصالح بريطانيا و أمريكا و اليهود في البلاد العربية و الإسلامية و أهمها فلسطين)، و الحق لابد أن يقال فقد حزن عبدالعزيز حزنا شديدا في أعقاب هزيمة الجيوش العربية في فلسطين، و قد كشف جون فيلبي سر هذا الحزن الشديد قائلا: (كان انتقال الجزء العربي الذي احتفظ به من فلسطين الي مملكة الأردن أمرا أكثر مما يستطيع عبدالعزيز استساغته... لأنه كان يريد ضمه إليه أو إلي الكيان الصهيوني... (و لأنها إرادة الإنجليز فلم يستطع معارضتها) ولكنه عارض بشدة إنشاء حكومة عموم فلسطين في غزة التي كانت تحت سيطرة الحكومة المصرية) هذا هو الموقف المتخاذل لآل‌سعود، ولكن التاريخ يسجل بطولة الكتيبة العربية التي خرجت أفرادا من الجزيرة العربية سرا و استشهد معظمها. و لمعرفة من هو جون فيلبي ننقل لكم ما يلي من [ صفحه 136] وثائق المخابرات البريطانية و كتاب (تاريخ آل‌سعود): (بعد مصرع قائد جيش آل‌سعود الذي أسسه الإنجليز النقيب شكسبير علي أيدي قوات ابن‌الرشيد، أمرت المخابرات البريطانية الحاكم الفعلي لمنطقة الخليج العربي و الجزيرة (السير بيرسي كوكس اليهودي) بدعم آل‌سعود و تعيين سكرتيره الخاص العقيد جون فيلبي خلفا للنقيب شكسبير، و تسليمه المسؤولية للعمل بكل وسيلة تمكنه من دحر خصوم ابن‌سعود)... (و قد تفرغ فيلبي للعمل علي إقامة مشروع بريطانيا الأول في المنطقة، و إعادة تنظيم الجيش السعودي و تمويله بالأموال و الأسلحة و الذخائر، و إعادة إحياء الأفكار الجاهلية الوهابية بعد أن تظاهر جون فيلبي باعتناقها و أطلق علي نفسه اسم محمد بن عبدالله فيلبي، و بدأ في جولات لإيجاد [ صفحه 137] أنصار له في كل بلدة و قبيلة و قرية في أنحاء جزيرة العرب، و إيجاد عملاء لتزويده بالمعلومات عن خصومه من أحرار الجزيرة، مع بث أفكار الدعوة الجاهلية الوهابية، و بث الإشاعات المرجفة و التركيز علي كسب العديد من الوجهاء و رجال الدين الأدعياء و الأغبياء، و سارت الأمور بقياته علي أحسن ما ترديده الحكومة البريطانية الأمر الذي نال عليه الثناء الكثير، خاصة بعد أن تمكن من إسقاط حكم ابن‌الرشيد في حائل، و إسقاط عرش الحسين بن علي في الحجاز، بل إنه أم المسلمين في صلاة الفجور عند فتح مكة، و أنشأ إمارة شرق الأردن و نقل لها عبدالله ابن الحسين، و كلف الإنجليز أشخاصا غيره لمراقبة و توجيه عبدالله و تنظيم الإمارة الجديدة، إلا أن هؤلاء الأشخاص لم يستطيعوا ترويض عبدالله بن الحسين الذي اعتقد أنه أمير حقا يمكنه التحرك حسب إرادته بعيدا عن الخط المرسوم له، و بدأ في اتخاذ الأردن [ صفحه 138] قاعدة لإعادة الهجوم لاستعادة العرش الهاشمي في الحجاز الذي منحه الإنجليز لآل‌سعود، و من أجل ذلك رأت الحكومة البريطانية ضرورة ذهاب فيلبي إلي الأردن في مهمة ترويضية، و يقول جون فيلبي في ذلك: (بعد شهرين من وصولي إلي الأردن قمت بجولة في أنحاء فلسطين، و كانت الثورة الفلسطينية في بدايتها، و يعيش الإنجليز في قلق منها، فحاول بعضهم توسيط الأمير عبدالله لدي الثوار الفلسطينيين بإيقاف الثورة، فحبذت الفكرة لعلمي أن عبدالله سيفشل في وساطته لعدم نفوذه بين الفلسطينيين، و بالتالي سيكون الجو مهيئا لصديقنا العزيز عبدالعزيز فتنجح وساطته و ترتفع أسهمه لدي الإنجليز، و هذا ما تم فعلا بعد فشل عبدالله في وساطته، اقترحت توسيط عبدالعزيز الذي أقسم لثوار فلسطين بأن أصدقاءنا الإنكليز تعهدوا بحل القضية لصالح الفلسطينيين و أنه يتحمل مسؤولية هذا العهد، و قد نقل لهم ذلك ابنه فيصل (الذي أصبح [ صفحه 139] ملكا فيما بعد)، و قد كان لنجاح هذه الوساطة صداها لدي الإنجليز و اليهود، و كانت المنعطف الأكبر في تاريخ فلسطين، و عزز ذلك النجاح الباهر كافة آرائي بعبد العزيز أمام رؤسائي بل و حتي خصومي الذين مازال بعضهم يؤيد الهاشميين و يعتبرهم أصلح للمصالح الغربية من آل‌سعود). و يضيف فيلبي: (أثناء رحلتي عرجت علي تل أبيب و قابلت ديفيد بن جوريون الذي كان فرحا لنجاح وساطة آل‌سعود التي أوقفت الثورة الفلسطينية، إلا أنه أبدي قلقه عن ابتعادي عن عبدالعزيز، فقلت لبن جوريون إننا لم نعد نخشي علي عبدالعزيز آل‌سعود، فلديه من الحصانة ما يكفي لتطعيمي و تطعيمك... كما أن ابتعادي هذه الأيام لصالحه من أجل ترويض خصومه في شرق الأردن). و لتطمين بن جوريون قلت له: (قبل أيام أخرجت [ صفحه 140] جيش الإخوان الوهابيين لتأديب عبدالله حتي هددوا كيانه، و عندما استنجد بي أو عزت لعبدالعزيز بإيقاف جيش الإخوان قبل أن يدخلوا الأردن، و قد وجدوا صعوبة في صد هذا الجيش البدوي الشرس، فاضطررت إلي إعطاء الأمر للطائرات الحربية البريطانية المرابطة في الأردن لتأديبهم، و بعد ذلك تخلي عبدالله عن أفكاره الوطنية و القومية في غزو الحجاز و اكتفي بما قسم الله له، و يستطرد جون فيلبي في مذكراته قائلا: (عندما قررت الذهاب إلي الحجاز في مهمة حج لقضاء حاجة، حملني بن جوريون رسالة إلي عبدالعزيز آل‌سعود نصها: (يا صاحب الجلالة... يا أخي في الله و الوطن، إن مبلغ العشرين ألف جنيه إسترليني ما هو إلا إعانة منا لدعمك فيما تحتاج إليه في تصريف شؤون ملكك الجديد في هذه المملكة الشاسعة المباركة، و إني أحب أن أؤكد لك: أنه ليس في هذا المبلغ ذرة من الحرام، فكله من تبرعات يهود بريطانيا و أوروبا الذين قد دعموك لدي الحكومة البريطانية في السابق ضد ابن‌الرشيد [ صفحه 141] و كافة خصومك، و جعلت بريطانيا تضحي بصديقها السابق حسين لأجلك، لكونه رفض حتي إعطاء قطعة من فلسطين لليهود الذين شردوا في العالم) و قد استفسر مني عبدالعزيز عن بعض العبارات الواردة، فأفهمته أن اليهود هم حكام بريطانيا بالفعل، إنهم الحكم و السلطة و الصحافة و المخابرات و لهم النفوذ الأقوي و كانوا وراء دعمك، و كانوا وراء الاستمرار في صرف مرتبك حتي الآن عن طريق المكتب الهندي، كما كانوا في السابق وراء قطع المرتب لاختبارك هل ترفض أو لا ترفض التوقيع بإعطاء فلسطين لليهود). و قد حملني عبدالعزيز رسالة إلي ابن‌جوريون هذا نصها: (الأخ بن جوريون، إننا لن ننسي فضل أمنا و أبونا بريطانيا العظمي، كما لم ننس فضل أبناء عمنا اليهود في دعمنا و في مقدمتهم السير بيرسي كوكس، و ندعوا الله أن يحقق لنا أقصي ما نريده، و نعمل من أجله، لتمكين هؤلاة اليهود المساكين المشردين في أنحاء العالم لتحقيق ما يريدون من مستقر لهم يكفيهم هذا العناء). [ صفحه 142]

الخاتمة

إن كتب التاريخ زاخرة بأكثر مما كتبناه في هذا الكتاب، و ما نقلناه عن صحاح المصادر احتراما لعقل القاري‌ء، و لن يخفي عن بصيرة المتابع النابه، فظاعة ما ارتكبه حلف الشيطان بين أحفاد أبي‌جهل (الوهابية) و أحفاد ابن‌سلول (آل‌سعود) في حق الإسلام و المسلمين، و لم نفعل ذلك من أجل التشهير بأحد، أو لأن لنا مطامع سوي مرضاة الله سبحانه و تعالي، و غيرتنا علي أمة الإسلام التي سلمت أمرها إلي حكام تحركهم القوي المعادية كيفما تشاء، و ما نقلناه، قلوبنا مطمئنة إلي أنه الحقيقة كما هي، لتضع كل مسلم أمام مسؤولياته، و الانتباه لما يحاك ضده و ضد وطنه و أهله و دينه، و هذا الوباء الذي استشري و خرب عقول شباب الأمة بترهات تدفعه إلي تكفير أهله، و التنصل من ثراته و تشويه هويته إلي درجة [ صفحه 143] يقتل فيها الأبرياء دون ذنب، و تقمع فيها الأفكار التي قد تكون منقذة للأمة من كبوتها و لا تؤمن سوي بالعنف و التدمير وسيلة للتدافع و الحوار، و تهدد كل وحدة وطنية، و تكفر كل مسلم دون سند أو حجة، و تتآمر علي كل حركة وطنية و تفتعل الأزمات و الفتن لتشويه الصالحين من نجباء الأمة و قادتها، و لا يمكننا في هذا المقام إلا تنبيه كل مسلم بقول الله تعالي: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) (الحجرات:6). و التأكيد علي أن الحقيقة ضالة المسلم أينما وجدها أخذ بها، و أن الساكت علي الحق شيطان أخرس، مع الإصرار و في تلك الظروف بأن العنف ليس من طباع المسلم المأمور بأن يدفع بالتي هي أحسن، و يدعوا إلي سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة، و لينصرن الله من ينصره إنه علي كل شي‌ء قدير، و يبقي السؤال الملح ما الذي يجب علينا فعله لإنقاذ الحرمين [ صفحه 144] الشريفين و أولي القبلتين مما يحاك ضدهم؟!. أليست هذه من أولي مسؤوليات المسلمين شعوبا و حكاما في وقتنا الحاضر. و الله ولي التوفيق.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.