الحصون المنيعة في رد ما اورده صاحب المنار في حق الشيعة

اشارة

پديدآور: امين، محسن1865-1952م.
عنوان و شرح مسئوليت: الحصون المنيعة في رد ما اورده صاحب المنار في حق الشيعة
تاليف محسن الامين
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
فروست: سلسلة الكتب المؤلفة في رد الشبهات ؛15
موضوع: عقايد شيعه اماميه

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً. وبعد: فقد قرأت في مجلة المنار المنشأة بمصر سنة 1315 لصاحبها الشيخ محمد رشيد رضا الطرابلسي الشامي نزيل القاهرة في الجزء الاول من المجلد الحادي عشر الصادر في اوائل صفر سنة 1326 في صحيفة 45 رسالة تحت عنوان:

كلمات عن العراق و أهله

لعالم غيور علي الدولة: ومذهب أهل السنة تعرض فيها للتنديد بالشيعة في العراق ونسبتهم إلي ما هم منه بريئون وتحريض الحكومة عليهم مع انهم لها مطيعون وقد ذيلها صاحب المنار بكلمات ندد فيها ايضاً بالشيعة بما لم يكن (فاحببت) ان ابين ما في الاصل والذيل من مخالفة الواقع والصحة والسقم نصرة للحق سالكاً في ذلك جادة الانصاف (واتممت) المرام بذكر كلمات موجزة في السنة والشيعة وما [ صفحه 6] اوجب الاختلاف بينهم وكلمات في متعة النساء التي ندد بهم صاحب المنار لاجلها وذكر طرف من الاخبار الواردة فيها وفي متعة الحج من طرق أهل السنة وذكر ما احتج به الفريقان علي نفيها وثبوتها وذكر اصل مذهب الوهابية وحقيقته لامر اقتضي ذلك فجاء ما كتبته بحمد الله تعالي وافياً بالمرام وسميته (بالحصون المنيعة في رد ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة) قال صاحب الرسالة بعد ما ذكر ان العراق من افضل الأقطار تربة وطيب هواء وعذوبة ماء وان به انهاراً عظيمة كدجلة والفرات وديالي وكارون وان اكثره خراب لعسر المواصلات ونقد الامن وحرمانه من نور المعارف والمدنية وان الحكومة فيه كما هي في غيره عبارة عن شركة سلب ونهب وفساد تعمل في خراب البلاد وهلاك العباد وانهم عن الدسائس الاجنبية عمون حتي اصبح بر العراق كله متسلحاً بالمارثين مما ترسل به انكلترا. ومن البلاء العظيم انتشار مذهب الشيعة في العراق كله حتي اصبح ثلاثة ارباع اهله شيعيين وذلك بفضل جد مجتهدي الشيعة وطلبة العلوم منهم وموازرة الحكومة لهم باخذها علي يد اهل السنة عن مقاومة سعيهم وخفض كلمتهم وفي النجف مجتمع مجتهدي الشيعة وفيه من طلبة العلوم ستة عشر ألفاً ودأبهم انهم ينتشرون في البلاد ويجدون في اضلال العباد [ صفحه 7] ولذلك يحسب عقلاء العراق ان القطر قد انسلخ من الدولة ولم يبق لها فيه من الرسم إلا الأسم ولقد استحكمت النفرة منها في قلوب الجميع فلا يذكرونها بلسانهم وكلما يراجعونها في شؤونهم «إلي أن قال» انه لم يجد في علماء بغداد اجمع لفنون الفضل وصفات الكمال من شكري افندي وابن عمه علي افندي الالوسيين وانه رأي من سعة اطلاعهما وقوة دينهما وسلامة عقيدتهما السلفية «إلي أن قال» والتهابهما غيرة وحمية علي الدين ومجاهدتهما في سبيله فريقاً من الجامدين من المقلدة وعباد القبور ما بهره وعشقه فيهما «إلي أن قال» واعداؤهما من عبدة القبور والاوهام وانصار التقليد والخرافات ينبزونهم باسم الوهابية لنفروا منهم ويحرضوا الحكومة علي اضطهادهم إلي أن قال ولم ار احداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرها مثلهما ثم ذكر رد احدهما علي الشيخ يوسف النبهاني البيروتي لتأليفه رسالة في تضليل ابن تيمية وابن القيم وانتقاصهما وتنديده بالشيخ نعمان الالوسي وذمه وذم عائلته إلي غير ذلك مما لا غرض لنا بنقله فنقول وبالله التوفيق:

الرد علي مراسل المنار

عجباً لهذا العالم الغيور وعجباً لصاحب المناركيف وصفه بالغيور وكان احق بان يوصف بالمتعصب الساعي في تفريق كلمة المسلمين والقاء العداوة والبغضاء بين طائفتين عظيمتين منهم في حين هم أحوج إلي الوئام والوفاق منهم [ صفحه 8] إلي الاختلاف والافتراق والمعتمد لهدم ما يؤسسه عقلاء الطائفتين في هذه الاعصار الاخيرة من ازالة الخلاف والشقاق وجمع الكلمة. «ويا عجباً» لهذا العالم الغيور كيف خلط المسائل السياسية بالدينية فخبط خبط عشواء واختلط عليه الحابل [1] بالنابل والخاثر بالزباد [2] . وعجباً لغيرة هذا العالم كيف ادت به إلي أن جعل من البلاء العظيم انتشار مذهب الشيعة في العراق وجدهم في طلب العلوم ولا ذنب لهم الا التمسك بالثقلين كما امر به نبيهم صلي الله عليه وآله وحبهم وتفضيلهم لاهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً والتجاؤهم إلي السفينة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوي ودخولهم في باب حطة الذي من دخله كان آمناً وقصدهم مدينة العلم النبوي من بابها [ صفحه 9] واتباعهم لقوله تعالي (قل لا اسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربي). وحقيق ان يقال ان من البلاء العظيم وجود مثل هذا الشخص بين المسلمين ووصفه بالعالم الغيور. وأما قوله: وذلك بفضل جد مجتهدي الشيعة إلي قوله ودأبهم انهم ينتشرون في البلاد ويجدون في اضلال العباد (ففيه) ان جد علماء الشيعة وطلابهم في تشييد مذهبهم ونشره والدعاء اليه وبث علوم اهل بيت نبيهم عليه وعليهم السلام وان كان مما لا يعابون به بل هو موضع الافتخار الا ان ادعاءه كون انتشار مذهب الشيعة في العراق بسبب ذلك مخالف للواقع فان مذهب الشيعة منتشر في العراق من الصدر الاول كما هو ظاهر لكل من لاحظ التواريخ وما زال منتشراً إلي يومنا هذا (ولم نر) ولا نقل الينا وقد توطنا العراق ما يزيد عن عشر سنين ان احداً من علماء الشيعة أو طلابهم دعا احداً من السنة إلي ترك مذهبه والدخول في مذهب الشيعة ومن دخل من السنة في مذهب الشيعة لم يكن دخوله لهذا السبب. (وعلماء) الشيعة وطلابهم المقيمون في العراق لا سيما النجف الاشرف لا شغل لهم سوي الجد والاجتهاد في طلب العلم واكثرهم يجاورون في النجف لا يخرجون منه الا لزيارة قبول الائمة عليهم السلام ويجدون في طلب العلم ليلهم [ صفحه 10] ونهارهم إلي الممات ومن خرج منهم خارج النجف فانما يحل بين الشيعة ليعلمهم معالم دينهم وما سمعنا ولا رأينا أحداً منهم حل بين السنة ودعاهم إلي الدخول في مذهبه «وان» كان ما يدعيه حقاً فهلا انتشر علماء السنة وطلابهم القاطنون في بغداد وغيرها وهم عدد غير قليل في البلاد ودعوا الناس إلي مذهبهم ونهوهم عن مذهب الشيعة الذي بني علي تفضيل اهل البيت والاقتباس من علومهم لينتشر بذلك مذهب السنة في العراق ويرتفع البلاء العظيم عن هذا العالم الغيور علي الدولة ومذهب اهل السنة.. «واما» اعتذاره عن ذلك بمؤازرة الحكومة لعلماء الشيعة باخذها علي يد اهل السنة عن مقاومة سعيهم وخفض كلمتهم فعذر غير مقبول فان الحكومة قد اعطت الحرية لجيمع الاديان حتي غير المسلمين فكيف لا تعطي الحرية لمن يشاركها في المذهب وما رأينا ولا سمعنا انها منعت احداً من علماء السنة عن نشر مذهبه وبيان انه علي الحق فلابد ان يكون المانع لهذا العالم الغيور واعوانه من الجد في نشر مذهبه ودعوة الناس اليه اما الكسل وقلة الغيرة الذين عوفي منهما علماء الشيعة او عدم علمه بنجاح مساعية فجعل يتشبث بهذه الاعذار. «وان كان مراده بمؤازرة الحكومة لعلماء الشيعة واخذها علي يد اهل السنة عن مقاومة سعيهم انها قد اعطت الشيعة [ صفحه 11] الحرية في دينهم وحافظت علي حقوقهم المدنية لكونهم بعض رعاياها وبذلهم الطاعة لها كغيرهم او اشد مع اعتقادهم وجوب المحافظة علي بيضة الاسلام فشكواه من ذلك قلة انصاف منه وتمسك بذيل العصبية «فكأنه» لا يرضيه عن الحكومة إلا ان تلقي الفساد والفتنة بين رعاياها وتجبرهم علي ترك اديانهم واظن انها لو كانت الحكومة بيد امثال هذا العالم الغيور لهلك الحرث والنسل «وهلا» شكا من انتشار دين اليهود في حاضرة بغداد واشتهار مقالة الدهرية في جميع البلاد وبث النصاري دعاتهم المسمين بالمرسلين في انحاء المعمور وطلب إلي الحكومة ان تخالف نص الكتاب المبين لا اكراه في الدين فتردهم عن اديانهم ولا تأخذ علي يده ويد امثاله من العلماء الغيورين علي الدولة ومذهب أهل السنة عن مقاومة سعيهم «وهلا» شكا من انتشار مذهب الوثنية في اقطار الارض الذين يربو عددهم علي سائر أهل الاديان ان كان صادق الغيرة علي المذهب الحق «وهلا» شكا من انتشار المنكرات بين السملمين وتعطيل الحدود واندراس الاحكام «وهلا» حركته الغيرة علي الألوف من الأعراب الرحالة كعنزة وغيرها الذين هم علي مذهب اهل السنة بالاسم ولا يعرفون شيئاً من احكام الاسلام ولا يعملون عملاً دينياً قليلا ولا كثيرا ولا يطيعون الله ولا الحكومة ودأبهم سلب العباد ونهب البلاد «وهلا» عد من البلاء العظيم انتشار مذهب الوهابية في بادية [ صفحه 12] نجد وما والاها وفي غيرها الذين ابدعوا ما ابدعوا في الدين وكفروا ما سواهم من طوائف المسلمين واستحلوا الدماء والاموال والاعراض وخالفوا ضروريات دين الاسلام وحاربوا الدولة مراراً ونهبوا البلاد واكثروا في الارض الفساد ولم يروا للدولة عليهم طاعة كما سنفصل احوالهم ان شاء الله تعالي فهم احق بان يغار علي الدولة ومذهب أهل السنة من أفعالهم. «أما» حركته غيرته إلا علي اخوانه المسلمين الشيعيين الشاهدين لربهم بالوحدانية ولنبيه محمد صلي الله عليه وآله بالرسالة والمطيعين لسلطانهم والمتمسكين بولاء عترة نبيهم والآخذين عنهم أحكام دينهم والمحافظين علي شرائع الاسلام من الصوم والصلوة والحج والزكاة وسائر أحكام الدين حتي عد انتشار مذهبهم في العراق من البلاء العظيم وجعلهم من المضلين هذا مع شهادته لهم بالجد والاجتهاد في طلب العلوم الذي هو فريضة علي كل مسلم حتي اجتمع منهم في بلد واحد ستة عشرة الف طالب عدي عما في غيرها من مدن العراق وبلاد ايران وتركستان والافغان وبخاري والشام والهند والبحرين والقطيف والاحساء وسائر الاقطار ما هذا إلا قلة انصاف منه وقلة غيرة علي الدين. «ولو» كان صادق الغيرة علي الاسلام لدعا علماء المسلمين [ صفحه 13] وزعماء الدين إلي الائتلاف والاتحاد الذي امرت به الشريعة الغراء ودل علي حسنه العقل وحثهم علي الاجتماع وبسط المسائل الخلافية علي بساط البحث والانصاف ليرتفع الخلاف ولم يسع بينهم بالفساد. واما قوله ولذلك يحسب عقلاء العراق ان القطر قد انسلخ من الدولة الخ فان كان اشارة إلي الدسائس الاجنبية فله وجه لكن لا وجه لذكر انتشار مذهب الشيعة بين العلة والمعلل بل كان اللازم ذكر هذا بعد كلامه الاول وان كان اشارة إلي انتشار مذهب الشيعة أو الامرين معا كما هو ظاهر كلامه. «ففيه» ان نفوذ الدولة في العراق يزداد يوماً فيوماً وسلطتها الآن اشد منها في العصور السابقة بكثير والشيعة في العراق ليسوا باقل خضوعاً واطاعة للدولة من غيرهم فيها «نعم» قد كان انتشار مذهب الوهابية الذين قام هذا العالم يدعو إليهم متستراً بلباس الغيرة علي الدولة ومذهب اهل السنة موجباً لانسلاخ الاقطار التي اشتهر فيها هذا المذهب عن الدولة.

السنة والشيعة

ويناسب في هذا المقام ذكر كلمات موجزة في السنة والشيعة تنجلي بها غواشي الاوهام عن الافهام ويهتدي بها إلي طريق الحق من كان له قلب او القي السمع وهو شهيد. «فنقول»: جاء الدين الاسلامي الحنيف ولاسنة ولا شيعة ولا شافعي ولا حنفي ولا مالكي ولا حنبلي ولا جعفري [ صفحه 14] ولا اشعري ولا معتزلي ولا قادري ولا رفاعي ولا نقشبندي ولا شاذلي ولا بكتاشي ولا وهابي ولا بابي ولا ولا.

ما به يتحقق الاسلام

وكانت دعوة النبي صلي الله عليه وآله إلي شهادة أن لا إله إلا الله وانه رسول الله فمن قال ذلك عصم ماله ودمه واستحق اسم المسلم وإلي فعل الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا وايتاء الزكاة وسائر الواجبات وإلي ترك الزنا وشرب الخمر والبغي والفساد وسائر المحرمات علي سبيل التدريج حتي اكمل الله لهم الدين في حياة نبيه صلي الله عليه وآله وقال اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً.

سبب الانقسام إلي العلوية والعثمانية

وبقي المسلمون فرقة واحدة حتي قتل الخليفة الثالث وبويع الخليفة الرابع فلم يجد اعداؤه وسيلة إلي هدم خلافته والقدح فيه اقوي من نسبة قتل الخليفة الثالث اليه فسعوا في ذلك جهدهم حتي تمكنوا من اقناع جم غفير من المسلمين بذلك وتهيأ لهم بما دبروه من الحيلة ان يقسموا المسلمين فرقتين فسميت احداهما علوية والأخري عثمانية ونالوا بذلك ما أملوه من الملك وقهر علي بن ابي طالب وأولاده الذين هم اعدي اعدائهم ويخافون منازعتهم في الملك ولهم عندهم ثارات بدر [ صفحه 15] وغيرها «ولم» يكتفوا بهذا حتي امروا بسب علي بن ابي طالب علي جميع منابر الاسلام في الاعياد والجمعات وجعلوه كفرض من الفروض الواجبة حتي انه قيل لبعضهم قد بلغت ما املت فلو كففت عن لعن هذا الرجل فقال لا والله حتي يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً رواه الجاحظ واستمروا علي ذلك إلي زمن عمر بن عبد العزيز وبذلوا الاموال الجسيمة وولوا الولايات لمن يختلق لهم الاحاديث في ذم علي بن ابي طالب.

ايام بني أمية و بني العباس و محنة العلوية

«ولم يكتفوا» بهذا حتي قصدوا كل من يوالي علياً وولده بأنواع الاذي من القتل والاسر والنهب وهدم الدور والنفي كما فعل بحجر بن عدي واصحابه حين انكروا سب علي بن ابي طالب عليه السلام بالكوفة فحملوا مقيدين إلي الشام وقتل من امتنع منهم عن البرائة من علي بن ابي طالب عليه السلام بمرج عذرا من ارض دمشق وفعل زياد بن ابيه وابنه عبيدالله باهل الكوفة ما فعلا وكذلك الحجاج وغيرهم حتي اخذوا علي الظن والتهمة وعظمت البلية واشتدت المحنة فكم من قتيل وشريد لانه قيل عنه انه ترابي. «وبقي» الحال علي هذا والناس عثمانية وعلوية طول ملك بن امية وجملة من ملك بني العباس ولكن اسم الاسلام واحكامه تعم الطائفتين. «وقد» كان اسم الشيعة يطلق مع ذلك علي من شايع علياً وولده في الدولتين [ صفحه 16] «ولم يكن» بنو العباس اقل تشدداً في قهر العلويين والغض منهم وتنفير الناس عنهم وايذاء من ينسب إليهم من بني امية فان السبب الداعي لذلك واحد وهو الخوف علي الملك وميل الناس إلي العلويين فقصدوهم بانواع الاذايا وحبسوا من حبسوا وقتلوا من قتلوا حتي ادي الحال بالمتوكل إلي حرث قبر الحسين عليه السلام وادارة الماء عليه والمنع من زيارته وقصد اعفاء اثره وانتقاص علي بن ابي طالب عليه السلام والسخرية منه في المجالس وقصته مع ولده المستنصر مشهورة. «وفي طول» هذه المدة قل المنتسبون إلي أهل البيت بالنسبة إلي غيرهم وتستروا واختفوا خوفاً علي دمائهم وكثر المائلون إلي الامويين والعباسيين والمتقربون منهم رغباً أو رهباً والناس علي دين ملوكهم وقد زين لهم حب الشهوات والحق مر حتي صار الرجل يري النسبة إلي الكفر والزندقة اهون عليه من أن يقال انه علوي.

انتشار علوم أهل البيت

«وكتم» أهل البيت عليهم السلام علومهم عن اكثر الناس ولم يبوحوا بها الا لخواص اصحابهم خوفاً علي دمائهم وقل المنتفع بهم والآخذ من علومهم «ولكن» في أواخر الدولة الاموية واوائل الدولة العباسية انتشرت علوم أهل البيت عليهم السلام انتشاراً عظيماً وكثر الرواة عنهم والمقتبسون من علومهم لقلة [ صفحه 17] الخوف بسبب ضعف اهل السلطنة واشتغالهم بتأسيس قواعد ملكهم كما هو الشأن في انقراض دولة وابتداء اخري سيما مع كون الثانية هاشمية وذلك في عصر الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب وولده الامام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام ولا سيما في عصر الثاني حتي قال الحسن ابن علي الوشا من اصحاب الرضا عليه السالم ادركت في هذا المسجد (يعني مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد ولذلك نسب مذهب الشيعة في الفروع اليه فقيل المذهب الجعفري كما يقال الحنفي والشافعي.

التسمية بالنسبة والشيعة و نسخ اسم العلوية

ثم صار المنتسبون إلي أهل البيت عليهم السلام يعرفون بالشيعة وغيرهم بالسنة ونسخ اسم العلوية والعثمانية وذلك في الدولة العباسية واستمر ذلك إلي يومنا هذا وكثرت العلماء والفقهاء في الطائفتين ثم دونت كتب اصول الفقه والفقه عند الفريقين واتسع باب البحث في مقدمات الاجتهاد وجميع العلوم.

معول الشيعة والسنة في معالم الدين

فكان معول فقهاء الشيعة في معالم دينهم علي الكتاب العزيز والسنة النبوية وأقوال اهل البيت عليهم السلام والاجماع وما استقل العقل بحسنه أو قبحه بل علي الأولين لرجوع الاجماع [ صفحه 18] عندهم إلي السنة وكون اقوال اهل البيت عندهم مستمدة من اقوال النبي صلي الله عليه واله وكون العقل لا يخالف الشرع ومعول فقهاء السنة مع الكتاب والسنة والاجماع علي القياس والاستحسان والمصالح المرسلة (وما زالت الشيعة) في كل عصر تجد في طلب العلوم وتفني اعمارها في ذلك وينتدب له منهم في كل عصر عدد كثير يعد بالالوف من لدن الصدر الاول الي هذا العصر كما شهد لهم بذلك في هذا العصر عالمنا الغيور وخرج منهم في كل عصر ما لا يحصي كثرة من محققي العلماء في المعقول والمنقول الذين برعوا وتقدموا علي من سواهم ووجد فيهم من الشعراء والادباء والكتاب جماعة كثيرة اتفق الناس علي تفضيلهم. «اما»: قدماء الشيعة اعني المعاصرين للائمة عليهم السلام فقد صنفوا في الاحاديث المروية من طرق اهل البيت عليهم السلام المستمدة من مدينة العلم النبوي في فنون شتي ما يزيد علي ستة الاف وستمائة كتاب مذكورة في الرجال علي ما ضبطه صاحب الوسائل وامتاز من بينها أربعمائة مصنف اشتهرت بالأصول الأربعمائة وقال شيخنا البهائي في الوجيزة ان ما تضمنته كتبنا من هذه الاحاديث يزيد علي ما في الصحاح الستة لاهل السنة بكثير كما يظهر لمن تتبع احاديث الفريقين وذكر علماء الرجال انه روي راو واحد وهو ابان بن تغلب عن امام واحد وهو جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ثلاثين [ صفحه 19] الف حديث هذا وقد كان فيهم اعني المعاصرين للائمة عليهم السلام من اشتهر في علم الكلام وفن المناظرة وبرع فيه وجرت له المباحثات والمناظرات العديدة مع علماء عصره من اهل السنة مثل هشام بن الحكم ومؤمن الطالق وغيرهما.

بعض مشاهير علماء الشيعة و ادبائهم و شعرائهم

«وأما» من تأخرعن هؤلاء فمن مشاهير مصنفيهم في الحديث «الكليني» وابن بابويه المعروف «بالصدوق» وفي الفقه والكلام «الحسن بن ابي عقيل العماني» اول من هذب الفقه وبوبه ومن مصنفاته فيه كتاب المتمسك بحبل آل الرسول وبعده «ابن الجنيد» ومن مصنفاته تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة في عشرين مجلدا يشتمل علي جميع كتب الفقه ومختصره المعروف بالاحمدي في الفقه المحمدي ومن رؤساء مشاهيرهم في الاصول والفقه والكلام «الشيخ المفيد» وفيها وفي اللغة والشعر والادب والتفسير «السيد المرتضي علم الهدي» وفي الاصول والفقه والحديث والرجال والتفسير «الشيخ الطوسي» وهؤلاء كلهم في المائة الثالثة الي اواسط المائة الخامسة ومن مشاهيرهم في التفسير من قدماء المحدثين «العياشي» وفرات بن ابراهيم ومن متأخري العلماء «ابو الفتوح الرازي» له فيه روح (روض خ ل) الجنان في عشرين [ صفحه 20] مجلدا «والطبرسي» له فيه مجمع البيان المستمد من التبيان للشيخ الطوسي وكان كالاول معاصر لصاحب الكشاف صنف المجمع قبل الاطلاع علي الكشاف فلما اطلع عليه صنف جامع الجوامع وفي الكلام والاصول والفقه «سديد الدين محمود الحمصي الراوي الحلي» استاذ الفخر الرازي السني المشهور كما عن القاموس وفي الاصول والفقه «المحقق الحلي» وفي جميع العلوم العقلية والنقلية «العلامة الحلي» والشهديان والشيخ البهائي وفيها خصوصا العقلية الخواجة نصير الدين الطوسي» وفي الفقه «المحقق الكركي» وفي المعقول القطب الرازي وميثم البحراني وهؤلاء من اواسط المائة الخامسة الي احدي وثلاثين من المائة الحادية عشرة وفي النحو واللغة والادب من القدماء «الخليل بن احمد العروضي وابن السكيت» وبعدهم ابن دريدو «ابن خالويه» ومن المتأخرين «الشيخ الرضي» شارح الكافية والشافية ومنهم واضع النحو بتلقين امير المؤمنين عليه السلام «ابو الاسود الدئلي» ومن مشاهيرهم من اواسط المائة الحادية عشرة الي احدي وثمانين من المائة الثالثة عشرة في الرجال والحديث وغيرهما «العلامة المجلسي» وفي المعقول «الصدر الشيرازي» وفي الفقه والاصول والرجال والحديث وغيرها «بحر العلوم الطباطبائي» وشيخه «البهبهاني» وفي الفقه «الشيخ جعفر النجفي» [ صفحه 21] و«الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر» وفي الاصول والفقه «الشيخ مرتضي الانصاري» وغيرهم وما ذكرناه قطرة من بحر والا فمشاهير المصنفين منهم في كل عصر لا يحصي عددهم وكتب الرجال كافلة لذلك وقد صنفت عدة كتب في فهرست اسماء المصنفين منهم للشيخ الطوسي وغيره ومن مشاهيرهم في تاريخ «المسعودي وابو الفرج الاصبهاني الزيدي» وفي الشعر والادب. ابو دهبل الجمحي. والفرزدق والكميت، وكثير عزه، والسيد الحميري، ودعبل بن علي الخزاعي،وابو تمام، والبحتري، ومحمد بن وهيب الحميري، وابو نواس محمد بن هاني الاندلسي، وابو فراس الحمداني، وديك الجن، ومنير الدين الطرابلسي، وابن الحجاج، والشريف والرضي، ومهيار الديلمي، والصفي الحلي، والطغرائي، والابيوردي الاموي وغيرهم. وفي الانشاء ابن العميد والصاحب بن عباد» وهما من كتاب الدنيا وابو بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمداني وغيرهم وما زال اهل البيت عليهم السلام واتباعهم تحت حجاب الخوف والتقية الي ان ضعفت الدولة العباسية.

المنع من الاجتهاد والتقليد

(وفقهاء) اهل السنة وعلمائهم كانوا هم المرجع [ صفحه 22] للملوك والامراء غالباً وبيدهم ازمة القضاء والحكم بين الناس من قبل خلفاء زمانهم وكان ظهورهم وانتشارهم في الدولة العباسية ثم منع اهل السنة من الاجتهاد لما كثر عدد الفقهاء وانتشرت الاقوال فحصروا التقليد في اقوال اربعة من الفقهاء وتركوا اقوال غيرهم ممن عاصرهم او تقدمهم وبقوا علي ذلك الي هذا العصر فظهر قوم قالوا بجواز الاجتهاد لمن جمع الشرائط لما لم يروا دليلاً علي المنع وامنوا جانب الحكام بعدم تعرضهم غالباً لغير السياسيات لكنهم علي قلتهم لا يعدمون قادحاً من اهل نحلتهم. اما الشيعة فبقوا علي ما كان عليه سلفهم في اخذ معالم دينهم ولم تكثر اقوال فقهائهم كثرة مفرطة لانحصار دائرة الاجتهاد عندهم فيما استفيد من الكتاب العزيز او صح عن النبي صلي الله عليه وآله واهل بيته الطاهرين بشرط عدم المخالفة لاجماع المسلمين فهم في الحقيقة مرجحون لا مجتهدون ولذلك قل بحث علماء السنة في مسائل أصول الفقه بل عدم في الإعصار الأخيرة واقتصروا في علومهم الدينية علي درس الأحاديث ومعرفة المذاهب الأربعة (والبحث) بين علماء الطائفتين حاصل في بعض المسائل الفرعية وبعض مسائل الاصولين لما لا يقضي بتكفير احدي الطائفتين (فهذا) ما كان من انقسام المسلمين الي السنة والشيعة بوجه الاختصار وكله ظاهر معروف مسطور [ صفحه 23] في كتب الآثار (ومنه يعلم ان الداعي الي تفريق كلمه المسلمين ومخالفة بعضهم لبعض في الاعتقادات لم يكن طلب الدين بل الملك وطلب الدينار وحب الرياسة كما أشار إليه صاحب المنار في آخر كلامه الآتي الذي ذيل به الرسالة (وهذا) اصل الشيعة وفرعهم الذي دعا هذا العالم الغيور علي الدين ان يعد انتشار مذهبهم في العراق من البلاء العظيم وينسبهم الي اضلال العباد ويحرض الحكومة عليهم ليوقع الفساد ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ولا يحيق المكر السيء الا باهلة.

تعظيم القبور و زيارتها و تجديدها

وإما قوله: الجامدين من المقلدة وعباد القبور فهو ليس موجها الي الشيعة خاصة بل الي الشيعة والسنة فان تعظيم قبور الانبياء والائمة والاولياء والصلحاء وزيارتها لا تختص بالشيعة بل لعل المقصود به خصوص السنة فان هذا العالم الغيور بعد ان شفا غيظه من الشيعة بما بهتهم به اراد ان يشفي غيظه من السنة الذين لا يقولون بمقالته ومقالة اصحابه الوهابية كالالوسيين المذكورين وغيرهما ممن ترك تعظيم قبور الانبياء والاولياء والصلحاء وزيارتها. (فنقول) جرت سيرة المسلمين في جميع اقطار الارض خلفا عن سلف ويدا عن يد من عصر النبي صلي الله عليه [ صفحه 24] واله والصحابة والتابعين من سنة وشيعة وعلماء وعوام ونساء وأطفال علي تعظيم قبور الانبياء والاوصياء والاولياء والعلماء والصلحاء وزيارتها والتبرك بها والصلوة وقراءة القرآن والدعاء وطلب الحوائج من الله تعالي عندها (وسيرة) المسلمين حجة كاشفة عن اخذ ذلك من صاحب الشرع وهي اقوي من اجماع العلماء كما قرر في الاصول (بل) لعل ذلك من ضروريات دين الاسلام بل جميع الاديان (وبقي) الحال علي هذا الي ان ظهر مذهب الوهابية فمنعوا منه في جملة ما منعوا وقام هذا العالم الغيور بلسانهم بذم المسلمين ويسميهم عباد القبور. وهم محجوجون بما سمعت من السيرة القطعية (نعم) ورد في بعض الاخبار من طرق اهل السنة ذم اليهود علي اتخاذهم قبور انبيائهم مساجد رواه مسلم في صحيحه «وفي بعضها ذم اليهود والنصاري علي ذلك» رواه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه الصغري. وزاد مسلم في بعضها عن عائشة قالت فلولا ذلك لابرز قبره غير انه خشي ان يتخذ مسجداً. وفي بعض روايات مسلم الا وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد اني انهاكم عن ذلك (وروي) مسلم في صحيحه والنسائي في سننه الصغري ايضاً بسندهما ان ام حبيبة وام سلمة ذكرتا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير [ صفحه 25] فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان اولئك اذا كان فيه الرجل الصالح فمات بنوا علي قبره مسجداً وصوروا تلك الصور اولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. (والجواب) عن هذه الاخبار بعد تسليم صحة سندها وانها ليست اخص من المدعي. (اولاً): بانها لا تنافي المقصود اذ لا يبعد ان يكون المراد في الاخبار الاول من اتخاذهم لها مساجد السجود اليها تعظيما او جعلها قبلة او نحو ذلك كما قيل ويرشد اليه قول عائشة كما عرفت فلولا ذلك لا برز قبره غير انه خشي ان يتخذ مسجدا «وفي الجامع الصغير للسيوطي» في باب مناهي النبي صلي الله عليه وآله عن الترمذي عن جابر نهي صلي الله عليه وآله عن صلوة الي القبور (وروي مسلم في صحيحه) النهي عن الصلوة الي القبور بطريقين (وفي الخبر الاخير) ذمهم علي تصوير الصور وعبادتها كما هو المألوف عن النصاري (قال النووي) في شرح صحيح مسلم ما لفظه قال العلماء انما نهي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به فربما ادي ذلك الي الكفر كما جري لكثير من الامم الخالية ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين والتابعون الي زيادة في مسجد رسول الله [ صفحه 26] صلي الله عليه وآله وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة الي ان دخلت بيوت امهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلي عليه وسلم وصاحبيه ابي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا علي القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي اليه العوام ويؤدي الي المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتي التقيا حتي لا يتمكن احد من استقبال القبر ولهذا قال في الحديث ولولا ذلك لابرز قبره غير انه خشي ان يتخذ مسجدا انتهي. (وقال السيوطي) في زهر الربي علي المجتبي، وهو أي المجتبي سنن النسائي الصغري «ما لفظه» قال البيضاوي لما كانت اليهود والنصاري يسجدون لقبور انبيائهم تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلوة نحوها واتخذوها اوثانا ذمهم ومنع المسلمين من مثل ذلك فاما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد انتهي. (وثانياً) ان النصاري نبيهم عيسي عليه السلام وهو لم يمت فكيف جمعهم مع اليهود وهذا وان اجيب عنه بامور من جملتها ان المراد الانبياء وكبار اتباعهم فاكتفي بذكر [ صفحه 27] الانبياء، قيل ويؤيده رواية مسلم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد الا انه موهن في الجملة. (وثالثاً) إنها مع انفراد اهل السنة بها معارضة بما روي متواتراً من طريق اهل البيت عليهم السلام. (ورابعاً) انها شاذة لا عامل بها من المسلمين قبل الوهابية بل السيرة القطعية من جميع المسلمين كما عرفت علي خلافها وكفاك في ذلك مسجد النبي صلي الله عليه وآله الذي دخل فيه قبره بعد الزيادة في المسجد واستمر المسلمون كافة علي ذلك وعلي تعظيم قبره صلي الله عليه وآله الي يومنا هذا وما هذا شأنه من الاخبار لا يعول عليه ولو اردنا ان نعمل بكل خبر وافق الكتاب والسنة والسيرة أو خالفها لزم الهرج والمرج «مع» انه قد جاء في الكتاب العزيز في شأنه اهل الكهف (قال الذين غلبوا علي امرهم لنتخذن عليهم مسجدا) ففي تفسير الجلالين (قال الذين غلبوا علي امرهم) وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم) حولهم (مسجدا) يصلي فيه وفعل ذلك علي باب الكهف انتهي. وفي الكشاف (قال الذين غلبوا علي امرهم) من المسلمين وملكهم وكانوا اولي بهم وبالبناء عليهم (لنتخذن) علي باب الكهف (مسجداً) يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم انتهي. [ صفحه 28] «وورد» ايضاً النهي عن تجديد القبور (واشتهر) خير القبور الدوارس وان كنا لم نجده فيما رأيناه من كتب الحديث سيما ما هو مظنه ذلك كالجامع الصغير للسيوطي «وروي مسلم في صحيحه» عن النبي صلي الله عليه وآله الامر بتسوية القبور وانه نهي ان يجصص القبور وان يقعد عيله وان يبني عليه «وفي رواية» نهي عن تقصيص القبور وهو تجصيصها. وان عليا عليه السلام قال لرجل الا ابعثك علي ما بعثني عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا قبرا مشرفاً الا سويته «وفي رواية» ولا صورة الا طمستها. (ولكن) هذه الاخبار بعد تسليم صحة سندها عمومات محمولة علي الكراهة لمخالفتها للسيرة ومخصصة بغير ما يكون تجديده والبناء عليه تعظيماً للشعائر وما قامت عليه السيرة القطعية (وقد) دل الشرع الشريف علي ان حرمة المؤمن ميتاً كحرمتة حياً ولذلك وجب تكفينه ودفنه والصلوة عليه واستحب تشييع جنازته وحرمت اهانته والجناية عليه وشتمه ونبش قبره وغير ذلك وقد قال الله تعالي في حق الشهداء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون) مع ان تعظيم هذه القبور من تعظيم حرمات الله وشعائره ومن يعظم حرمات [ صفحه 29] الله فهو خير له ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوي القلوب ولا يمنع العقل من تعظيمها والتبرك بها وزيارتها والتوسل الي الله تعالي ببركة اصحابها. وقد ورد لذلك نظائر في الشرع فان الله تعالي اوجب تعظيم الكعبة المشرفة واستقبالها في الصلوة وحرم استقبالها واستدبارها حال التخلي وجعل لمكة المكرمة حرما واعطي النبي صلي الله عليه وآله الشفاعة باتفاق المسلمين كما دلت عليه الاخبار وقال الله تعالي (ولا يشفعون الا لمن الاتضي) فاثبت الشفاعة في الجملة. فان كان المراد من عبادة القبور هو زيارتها وتعظيمها والتبرك بها والصلوة لله تعالي عندها فقد عرفت انه امر راجح وان اراد اتخاذها الها فما رأينا احد من المسلمين يعتقد ذلك هذا كله بعد كون أهل القور ممن يستحق التعظيم لا بمجرد كونه من المجانين او الحشاشين او المشعبذين والدجالين وغيرهم ممن يدعي لهم الولاية وينسب اليهم اعظم المعجزات والكرامات ترويجاً لأعراض الدنيا.

مذهب الوهابية

اما الوهابية الذين اشرنا اليهم فلا بأس بذكر مبدأ امرهم وبعض معتقداتهم ومبتدعاتهم ليكون الناظر في امرهم علي بصيرة (قال ملطبرون الافرنجي) في جغرافيته [ صفحه 30] المترجمة من رفاعة بك ناظر مدرمة الالسن وقلم الترجمة بمصر وهذا الناقل غير متهم في حق الوهابية ولا غرض له في تعمد الكذب وانقاله مؤيده بما سمعناه وشاهدناه من الوهابية (وهذا كلامه) ومن بلاد نجد خرج مذهب الوهابية واصله ان العرب سيما اهل اليمن تحدثوا بان راعيا فقيرا اسمه سليمان راي في منامه كأن شعلة نار خرجت منه وانتشرت في الارض وصارت تحرق من قابلها فقصها علي معبر فعبرها بان ولدا له يحدث دولة قوية فتحققت الرؤيا في حفيده الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان المذكور فالمبتدع المذهب انما هو محمد ولكنه نسب الي ابيه عبدالوهاب فلما كبر محمد صار محترماً عند اهل بلده بسبب هذه الرؤيا التي لا يعلم انها كانت ام لا فاخبرهم انه من ذرية النبي صلي الله عليه وآله وسلم واسمه كاسمه وانه يدعو الي توحيد الله تعالي وان القرآن قديم يجب اتباعه دون الفروع المستنبطة وان محمداً رسول الله وحبيبه ولكن لا ينبغي وصفه باوصاف المدح والتعظيم اذ لا يليق ذلك الا بالقديم وان ذلك من قبيل الاشراك وان الله تعالي حيث لم يرض بهذا الشرك ارسله ليهدي الناس الي سواء السبيل فمن اجاب والا وجب قتله فاول امره بين مذهبه سرا فاتبعه جماعة ثم سافر الي الشام فلم يتبعه احد فرجع الي بلاد العرب بعد ان غاب عنها ثلاث سنين فاتبعه ابن [ صفحه 31] سعود (الصواب ان متبعه اولا هو سعود) من مشائخ عرب نجد فانه كان شهماً وبعد ان حكم قبيلته تغلب علي قبيلتين من اليمن وانضم اليه سائر العرب وبعد خمس عشرة سنة اتسعت ولايته وهو يطمع في الزيادة فظن ان محمداً الوهابي يجذب الناس اليه باتباعه له فاعان هذا المذهب وقواه فاخذ في الازدياد والانتشار ودان به جميع عرب نجد فرتب محمد مذهبه واظهر الاجتهاد فكان هو الرئيس الديني للوهابية وابن سعود رئيس الحكم والحرب وصارت ذرية كل منهما تتولي رتبة سلفها واختاروا مدينة الدرعية قاعدة بلادهم وهي في الجنوب الشرقي من البصرة في البادية ثم مات ابن سعود فخلفه ابنه عبد العزيز وكان اذا اراد محاربة قبيلة دعاها الي اعتقاد القرآن علي ما يفسره الوهابية فان قبلت والا قاتلها لكنه لا يتعرض للنساء والأطفال بل يستصفي جميع الاموال واذا اطاعته القبيلة ارسل اليها حاكما ويأخذ منها عشر المواشي والنقود والعروض بل والانفس فيأخذ عشر الناس بالقرعة فجمع اموالا عظيمة وصار جيشه يربو علي مئة وعشرين الف مقاتل فاطاعه جميع اهل البادية التي بين البحر الاحمر وبحر فارس وحوالي بلاد حلب ودمشق والوهابية يبغضون من عداهم من المسلمين بغضاً شديداً لما بينهم من المخالفة الواضحة لكنهم يوافقون اهل السنة في فروع كثيرة ولا [ صفحه 32] يتخذون في المساجد منارات ولا قبابا ولا غيرها لانه بدعة ولا يعظمون الائمة والاولياء ويدفنون موتاهم بغير احتفال ولا يشربون القهوة. انتهي مع اختصار ونقل بعض بالمعني. (اقول) وكان ظهور مذهب الوهابية في اوائل المائة الثالثة من الالف الثانية (ومن معتقداتهم) تحريم تشييد القبور وبناء القباب عليها والنذور لها والتوسل بالانبياء وغيرهم الي الله تعالي في قضاء الحوائج ومناداة غير الله تعالي عند الشدائد ولو كان من الانبياء او الاوصياء فانه شرك ومتي سمعوا ذلك من احد شتموه وضربوه وقالوا له اشركت وتحريم حمل المحمل الذي يؤخذ مع الحاج من مصر والشام وتعظيمه لانه بدعة وتحريم شرب القهوة والتتن ونحو ذلك (وذكر الجبرتي) في عجائب الاثار في حوادث سنة ثمان عشر ومائتين والف وهو ممن يصرح بالثناء علي الوهابية وتصويب معتقداتهم في غير موضع من كتابه المذكور وكان استيلاؤهم علي الحرمين الشريفين في عصره ان الوهابي ارسل كتابا الي رئيس الركب المغربي يتضمن دعوته وعقيدته قال فيه بعد مقدمة طويلة (ما لفظه) اذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوي من حوادث الامور التي اعظمها الاشراك بالله والتوجه الي الموتي وسؤالهم النصر علي الاعداء وقضاء الحاجات [ صفحه 33] وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها الا الله وكذلك التقرب اليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الي غير ذلك من انواع العبادة التي لا تصلح الا لله وصرف شيء من انواع العبادة لغير الله كصرف جميعها (الي ان قال) بعد ذكر ايات استدل بها علي ابطال الشفاعة «ما لفظه» فأخبرني الله تعالي انه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم واشرك بهم ثم قال فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا الا من الله (الي ان قال) واما ما حدث من سؤال الانبياء والاولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها واسراجها والصلوة عندها واتخاذها اعياد او جعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الامور التي اخبر بها النبي صلي الله عليه وآله وسلم امته وحذر منها كما في الحديث عنه صلي الله عليه وآله وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتي يلحق حي من امتي بالمشركين وحتي تعبد فئام من امتي الاوثان الي اخر ما ذكر.

فعل الوهابية بالعراق وبالحجاز

(وذكر) صاحب مفتاح الكرامة قدس الله روحه الوهابية في اواخر اكبر مجلدات الكتاب المذكور وهو معاصر [ صفحه 34] لرئيسهم سعود ومشاهد لبعض وقائعه في العراق وكانت عند تصنيف الكتاب المذكور (ففي) اخر مجلد الضمان ما لفظه فانه أي سعود الوهابي الخارج في ارض نجد اخترع ما اخترع في الدين واباح دماء المسلمين وتخريب قبور الائمة المعصومين، فاغار سنة الف ومائتين وست عشرة علي مشهد الحسين عليه السلام وقتل الرجال والاطفال واخذ الاموال وعاث في الحضرة المقدسة فافسد بنيانها وهدم اركانها ثم انه بعد ذلك استولي علي مكة المشرفة والمدينة المنورة وفعل بالبقيع ما فعل لكنه لم يهدم قبة النبي صلي الله عليه وآله. وفي السنة الحادية والعشرين في الليلة التاسعة من شهر صفر قبل الصبح هجم علينا ونحن في غفلة حتي ان بعض اصحابه صعد السور وكادوا يأخذون البلد فظهرت لامير المؤمنين عليه السلام المعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة فقتل من جيشه كثير ورجع خائبا (وفي) اخر مجلد الشفعة منه (ما لفظه) وفي هذه السنة أي سنة الف ومائتين واثنين وعشرين جاء الخارجي الذي اسمه سعود في جمادي الآخرة من نجد بما يقرب من عشرين الف مقاتل او أكثر فجاءت النذر بانه يريد ان يدهمنا في النجف الاشرف غيلة فتحذرنا منه وخرجنا جميعاً الي سور البلد فاتانا ليلا فرآنا علي حذر قد احطنا بالسور بالبنادق والاطواب فمضي الي الحلة فرآهم كذلك ثم [ صفحه 35] مضي الي مشهد الحسين عليه السلام علي حين غفلة نهارا فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً وعاث في العراق فقتل من قتل وقد استولي علي مكة المشرفة والمدينة المنورة وتعطل الحاج ثلاث سنين. (وفي) اخر مجلد الوكالة منه بعد ما ذكر انه فرغ منه في الليلة التاسعة من شهر رمضان سنة الف ومائتين وخمس وعشرين «ما لفظه» وكان ذلك مع تشويش البال واختلال الحال وقد احاطت الاعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف الاشرف ومشهد الحسين عليه السلام وقد قطعوا الطرق ونهبوا زوار الحسين عليه السلام بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان وقتلوا منهم جما غفيراً واكثر القتلي من العجم وربما قيل انهم مائة وخمسون وقيل اقل وبقي جملة من الزوار في الحلة ما قدروا ان يأتوا إلي النجف الاشرف فبعضهم صام في الحلة وبعضهم ذهب إلي الحسكة ونحن الان كلنا في حصار والأعراب إلي الان ما انصرفوا وهم من الكوفة إلي فوق مشهد الحسين عليه السلام بفرسخين او اكثر علي ما قيل. (وفي) اخر مجلد الهبات ذكر انه قد وقع اطراف العراق كالحلة والمشهدين في البلاء المبين من القتل الذريع الكثير [ صفحه 36] خصوصاً في الزوار والمترددين وحرق الزرع. (وذكر) في اواخر مجلدات آخر منه نحواً من هذا. (وفي تاريخ الجبرتي) المتقدم ذكره انه في (العاشر من شهر شعبان سنة الف ومائتين وسبع عشرة حضر الي مصر جماعة من اشراف مكة وعلمائها هاربين من الوهابي وقصدهم القسطنطيسنية ليستنجدوا بالدولة العثمانية وذهبوا الي بيوت الحكام والاكابر يشكون ويخبرون عما جري عليهم). (وفي) اخر شوال من السنة المذكورة حضر الي مصر اولاد الشريف سرور شريف مكة هاربين من الوهابية ليستنجدوا بالدولة العثمانية. (وفي) يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة من السنة المذكورة حضرت كتب من الحجاز الي مصر فيها ان الوهابين حضروا الي الطائف فخرج اليهم الشريف غالب شريف مكة فهزموه فرجع الي الطائف واحرق داره وفر هارباً الي مكة وكان رئيس عسكر الوهابيين عثمان المضايفي زوج اخت الشريف وكان حصل بينهما وحشة فخرج المضايفي مع الوهابيين وطلب من سعود الوهابي ان يؤمره علي العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا اهل الطائف ثلاثة ايام حتي دخلوا البلدة عنوة وقتلوا الرجال واسروا النساء والأطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم وهدم المضايفي قبة ابن عباس الغريبة الشكل [ صفحه 37] والوصف. (وفي) يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر محرم سنة الف ومائتين وثمان عشرة حضر هجان الي مصر معه كتب مؤرخة في العشرين من ذي الحجة وفيها ان الوهابية احاطوا ببلاد الحجاز وان الشريف غالب طلب من والي جدة وامراء الحاج الشامي والمصري ان يبقوا معه اياما لينقل ماله ومتاعه الي جدة فاجابوه بعد ان بذل لهم مالا فبقوا معه اثني عشر يوما ثم رحلوا ورحل بعد ان احرق داره. (وفي) يوم الاثنين سادس عشر صفر من تلك السنة وردت كتب من الحجاز الي مصر بتاريخ منتصف المحرم وفيها ان الوهابين استولوا علي مكة في يوم عاشوراء بعد ارتحال الشريف غالب وبعد ارتحال الحاج بيومين لان الحاج تأخر بمكة ثمانية ايام زيادة علي المعتاد. (وفي) يوم الاحد الثاني والعشرين من صفر من تلك السنة حضر الي مصر الشريف عبدالله بن سرور مع بعض اقاربه من شرفاء مكة واتباعهم نحوا من ستين شخصاً واخبروا انهم خرجوا من مكة مع الحاج وان عبدالعزيز بن سعود الوهابي دخل مكة بغير قتال وولي الشريف عبدالمعين اميرا علي مكة والشيخ عقيلا قاضيا وانه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي هي اعلي من الكعبة الخ. [ صفحه 38] (وفي) يوم الاحد التاسع والعشرين من شهر صفر من السنة المذكورة حضر مع الحجاج كثير من اهل مكة الي مصر هربا من الوهابية (وفي الخامس والعشرين من شوال من تلك السنة حضر فرمان الي مصر من الدولة بارسال اربعة الاف عسكري الي الحجاز لمحاربة الوهابيين وانهم وجهوا من جهة بغداد أربعة بشوات مع العساكر وارسلوا الي احمد باشا الجزار (الذي كان في عكا) بالتوجه ايضاً لمحاربتهم). (وفي) اواخر محرم سنة الف ومائتين واحدي وعشرين وردت اخبار الي مصر بمسالمة الشريف غالب للوهابيين لما اشتد عليه الحصار وغلب الاسعار فأخذ العهد علي دعاتهم بداخل الكعبة ومنع من شرب الاراكيل بالتنباك بين الصفا والمروة وعاهده علي امور منها ترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وبناء القباب علي القبور وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الاعياد والمواسم لها وهدم القباب المبنية علي القبور والاضرحة لأنها من الامور المحدثة التي لم تكن في زمانه صلي الله وآله. (وفي) اخر المحرم سنة الف ومائتين واثنين وعشرين ورد الخبر الي مصر برجوع الحاج الشامي من منزل هديه لان الوهابي ارسل الي عبدالله باشا امير الحاج ان يأتي بدون [ صفحه 39] المحمل والطبل والزمر والاسلحة. (وفي يوم) السبت ثالث صفر من هذه السنة وصل حجاج المغاربة الي مصر واخبروا ان سعود الوهابي دخل مكة بجيش كثيف وتوعد امير الحاج المصري بحرق المحمل ان جاء به ثانيا وانه هدم القباب وقبة آدم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك في الاسواق وغيرها. (وفي) يوم الاحد سابع ربيع الثاني من السنة المذكورة حضر مع الحاج الي مصر اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وخدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعاً واخبر الحاج انهم منعوا من زيادة المدينة وان الوهابي اخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وانه امر بحرق المحمل (انتهي). ما اردنا نقله من كلام الجبرتي. (وقال) في حوادث سنة الف ومائتين وثلاث وعشرين ان منها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي. وقال انه لم يمنع احدا ان يحج علي الطريقة المشروعة وانما يمنع من يأتي بالبدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الاسلحة. ثم ذكر ان اهل الحجاز يرون اخذ الوهابي لذخائر الحجرة الشريفة وجواهرها من الكبائر العظام وصوب هو اخذهم لها. وقال انه لما وضعها ضعفاء العقول [ صفحه 40] من الأغنياء والملوك الاعاجم وغيرهم. ثم بين انها لا ينبغي ان تكون للنبي صلي الله عليه وآله لزهده في الدنيا وانه بعث ليكون نبيا لا ملكا. وذكر احاديث واردة في عرض الدنيا عليه صلي الله عليه وآله وآبائه وفي زهده. وانها ان كانت صدقة فهي محرمة عليه وعلي اله وانها لا نفع فيها مع بقائها علي حالها فالارجح صرفها علي المحاويج الي غير ذلك من التلفيقات. ثم ذكر انه يقال ان الوهابي ملأ أربعة صناديق من الجواهر المحلاة بالالماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربعة شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة الماس تضيء في الظلام ونحو مائة سيف لا تقوم قرابانها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك ونصلها من الحديد الموصوف وعليها اسماء الملوك والخلفاء السالفين. (اقول) مع كون افعال الوهابية مشهورة متواترة فالجبرتي شاهد صدق علي ما تقدم من معتقداتهم فهو منهم وغير منهم في نقله عنهم فانكار بعض المتعصبين للوهابية ما ينقل عنهم من الافعال والمعتقدات الشنيعة وقوله ان ذلك انما اشتهر من قبل امراء الدولة العثمانية حين استفحال امر الوهابية لينفروا الناس عنهم فقالوا للشيعة انهم هدموا قبر الحسين عليه السلام وفعلوا وفعلوا وقالوا للسنة امثال ذلك غير مسموع بعد ما سمعت وما ذكره الجبرتي من تصويب نهبهم لموقوفات الحضرة الشريفة النبوية جهل محض [ صفحه 41] فان هذه الذخائر موقوفة لتوضع بالحجرة الشريفة وتكون زينة لها وليست ملكاً له عليه السلام ولا صدقة وزهد النبي صلي الله عليه وآله في الدنيا لا ربط له بالمقام. (فان قال) ان وقفها علي الحجرة الشريفة غير جائز؟ (قلنا) بل هو جائز لجريان سيرة المسلمين بل جميع أهل الاديان علي ذلك ولان في وقفها تعظيماً لشعائر الدين فلا يكون سفها بل هو امر راجح مطلوب شرعاً. (أما) تشييد قبور الانبياء والاوصياء والصلحاء والعلماء فقد تقدم الدليل علي جوازه ورجحانه. (وأما) التوسل بالموتي من ذوي المكانة عند الله تعالي فلا مانع منه شرعاً ولا عقلاً فانهم احياء عند ربهم يرزقون فالتوسل بهم اما دعاء لله تعالي ان يقضي الحاجة ببركتهم ومثله كثير في الادعية المأثورة عنه صلي الله عليه وآله وعن اهل بيته وعن الصحابة والتابعين او طلب منهم ان يسئلوا الله تعالي في قضاء الحاجة ولا مانع منه عقلاً ولا شرعاً فان الله تعالي اجري الامور باسبابها وفضل الناس بعضهم علي بعض وجعل العبادة في بعض الاماكن كالمساجد افضل منها في غيرها واقسم ببعض مخلوقاته تعظيماً لها واعطي الشفاعة لبعض انبيائه باعتراف الوهابية ونص عليها الكتاب العزيز فجعل ذلك من الشرك جهل محض كقياسه علي ما ورد في قوله تعالي (وما نعبدهم الا [ صفحه 42] ليقربونا إلي الله زلفي) فان أولئك صلوا للأصنام وعبدوها لتقربهم إلي الله ونحن لم نصل إلي أحد من الأنبياء ولا عبدناهم وإنما استشفعنا بهم إلي الله بالكلام لمكانتهم عنده تعالي. (وأما) جعلهم الشفاعة حقاً في الآخرة وطلبها في الدنيا شركاً فجهل وغباوة فان ما يكون شركاً في الدنيا لا يكون حقاً في الآخرة. (وأما) جعلهم سؤال الموتي قضاء الحوايج وتفريج الكربات شركا لانه لا يقدر عليها الا الله. (فنقول) بل يقدر عليها غير الله باقدار الله تعالي له فالرجل منا يقدر علي قضاء دين اخيه بما رزقه الله من المال وعلي نصره بما اعطاه الله من القوة فاذا سئله ذلك لا يكون مشركاً وإذا كان اهل المكانة عند الله تعالي احياء عند ربهم يرزقون كما نطق به القرآن الشريف في حق الشهداء فما المانع من قدرتهم علي نصر المستغيث بهم وقضاء حاجته كالاحياء ولو فرض عدم قدرتهم فلا يكون ذلك شركاً بل يكون كمن طلب من المفلس قضاء دينه جاهلاً بفلسه وإذا كان ذلك شركاً فالوهابية أول المشركين لاستعانتهم بالناس في قضاء حوائجهم وطلب النصرة من الناس علي أعدائهم. (وأما) النذور وذبح القرابين فالنذور لا يقصد تمليكها [ صفحه 43] للأموات بل لتصرف علي الخدمة أو الزوار او الفقراء أو نحو ذلك ويكون ثوابها للميت أو للناذر وفي ذلك تعظيم للشعائر كما مر فلا مانع منه. (أما) ما سموه بالقرابين تشبيها بما يذبح للاصنام فليس كذلك بل يراد اطعامه للفقراء تقربا اليه تعالي ونسبته الي صاحب القبر لقصد صرفه علي زواره او كون ثوابه له او نحو ذلك كما في سائر النذور فان هذا نوع منها ولا مانع منه وجعله من الشرك جهل وغباوة (وبالجملة) فالله تعالي فضل الناس بعضهم علي بعض بل فضل بعض الجمادات علي بعض واوجب الصلوة الي الكعبة تعظيما لها ولم يكن ذلك شركا وورد في الشرع تقبيل الحجر الاسود والطواف بالبيت والحج اليه والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والصلوات في المساجد ونحو ذلك مما لا يحصي وامر الله تعالي بالدعاء والتوسل اليه تعالي بالموجودات الشريفة والاقسام بها عليه كما تدل عليه الادعية المأثورة عن النبي واهل بيته عليه وعليهم الصلوة والسلام مع انه قادر ان يعطي العبد جميع الخيرات بلا مسئلة ولنعم ما قال القائل: الم تر أن الله قال لمريم - وهزي اليك الجذع يساقط الرطب ولو شاء ان تجنيه من غير هزه - جنته ولكن كل شيء له سبب [ صفحه 44] فمن ذلك ظهر ان هذه الكلمات التي ذكروها تمويهات فاسدة وتهويلات باردة والجبرتي علي ما يظهر من كتابه لا يعد من العلماء الذين يعبؤ بموافقتهم للوهابية او مخالفتهم واظن ان عالمنا الغيور من هذا القبيل (وما اشبه) الوهابية في هذا الزمان بالخوارج فان كلا منهما تصلب في الدين وحافظ علي الصلوات والعبادات وتورع عن جملة من المباحات وارتكب بجهله وغباوته اعظم الموبقات وخالف ضرورة الدين واستحل دماء المسلمين هذا الكلام علي ما يتعلق بالرسالة.

كلام صاحب المنار في حق الشيعة في العراق

(اما) ما ذيلها به صاحب المنار فانه «قال» ان هذه الرسالة ذكرته بما كتبه في المجلد الثاني من المنار في رمضان سنة 1317 في صفحة 687 من نشر مذهب الشيعة في العراق وهو انه قد قرأ في بعض الجرائد عزم الدولة العلية علي ارسال بعض العلماء الي سناجق البصرة والمنتفق وكربلا لا رشاد القبائل الرحالة هناك وفي بعضها صدور الارادة السنية بذلك فعلا وحمد الله تعالي علي تنبه الدولة العلية لهذا الامر قبل ان يخرج من يدها قال فقد سبقها الشيعة وبثوا الوعاظ والمرشدين في هذه القبائل يذهب الملا الشيعي الي القبيلة فيمتزج بشيخها امتزاح الماء بالراح بما يسهل عليه من التكاليف الشرعية ويحمله علي هواه فيها كاباحة التمتع بالعدد الكثير من النساء [ صفحه 45] الذي له الشأن الاكبر عند اولئك الشيوخ وغير ذلك حتي يكون وليجته وعيبة سره ومستشاره في امره فيتمكن الملا بذلك من بث مذهبه في القبيلة باقرب وقت ويكتفي من السياسة غالبا بافهام القوم ان رئيس طائفة الشيعة المحقة شاه العجم ورئيس الطائفة الاخري المسماة بالسنية السلطان عبدالحميد ولاشك ان هؤلاء يكونون عونا لرئيس مذهبهم اذا وقع نزاع لا قدر الله بينه وبين رئيس المذهب الاخر وان كانوا في بلاد الاخر. ثم وصف الذين تختارهم الدولة العلية للارشاد ورغبهم بانهم لا يحرمون من اجر الدنيا وقال قد استغني دعاة الشيعة في تلك القبائل مع حصولهم علي غرضهم في نشر المذهب قال وليبدأ دعاة الدولة العلية بمن علي الفرات فان فيهم عدداً كبيرا لم يزل علي مذهب اهل السنة «هذا» ما كتبه من نحو تسع سنين. (واما) ما كتبه بعد ذلك فهو قوله: ان اكثر من اجابوا دعوة علماء الشيعة هناك لم يكونوا علي شيء من مذهب اهل السنة فاذا كان اولئك الدعاة يبثون فيهم الوعاظ يعلمونهم الفرائض واحكام الحلال والحرام فان ذلك خير لهم في دينهم من الحالة التي كانوا عليها فنحن لا نعد الامر من الجهة الدينية بلاءً نازلاً كما عده الاستاذ كاتب الرسالة ولكن الامر مهم من الجهة السياسية فان السياسة هي التي كانت ولا تزال مثار [ صفحه 46] الخلاف بين اهل السنة والشيعة ولولاها لما كان خلاف وما ضاع الدين والدنيا علينا إلا الخلاف وقد كان طلاب الاصلاح بالوحدة الاسلامية مغتبطين بما حصل في هذه السنين الاخيرة من التآلف والتعارف بين الفريقين حتي وقع اخيرا ما وقع من التعدي علي الحدود فباتوا يخشون ان تهدم السياسة السوء في سنة واحدة ما بناه دعاة الإصلاح في عشرات من السنين. «انتهي» ما اردنا نقله مما ذيل به صاحب المنار هذه الرسالة (وقد) رايناه في كلامه الاخير اقرب الي الانصاف منه في كلامه الذي كتبه منذ تسع سنين فانه قارب الانصاف في قوله لا نعد الامر من الجهة الدينية بلاء نازلا كما عده كاتب الرسالة وفي قوله ما اضاع الدين والدنيا علينا الا الخلاف الي اخر كلامه. وفي كلا الكلامين مواضع للرد.

الرد علي صاحب المنار

(اما قوله): ان الشيعة قد ادخلوا معظم تلك القبائل في مذهب الشيعة فمخالف للواقع لما عرفت عند الرد علي كتاب الرسالة من ان ذلك لم يكن منه شيء في زماننا هذا والقبائل في العراق معروفة مشهورة بعضها علي مذهب اهل السنة بعضها علي مذهب الشيعة كان ولم يزل وما سمعنا في زماننا [ صفحه 47] هذا ان قبيلة كانت علي مذهب اهل السنة فدخلت في مذهب الشيعة بدعاء علماء الشيعة لها اللهم الا ان يكون ذلك قبل عصرنا فان كان ما يقوله حقا فليسم لنا قبيلة من هذه القبائل التي يدعيها. ووعاظ الشيعة ومرشدوهم انما يحلون بين اظهر الشيعة فقط فيعلمونهم معالم الحلال والحرام ولو كان ما زعمه حقا فهو ليس مما يضر بالدين فان الشيعة لا تفترق عن السنة في اصول الاسلام التي هي الشهادتان وما يتبع ذلك وفي كثير من الفروع فان خالفت مذهبا من الاربعة في فرع وافقت الاخر الا نادرا وان خالفت الاربعة وافقت بعض من تقدمهم او عاصرهم من الفقهاء. (والحاصل) ان الشيعة توافق السنة في الاصول التي بها يستحق المسلم اطلاق اسم الاسلام عليه وجريان احكامه التي منها حرمة ماله ودمه وعرضه وفي اكثر الفروع فان تخالفا في نادر من الاصول او الفروع فهو كمخالفة بعض المذاهب الاربعة للاخر او بعض علماء السنة لبعض لا يوجب الجزم بهلاك احدي الطائفتين واهم الخلافيات في الاصول تفضيل اهل البيت عليهم السلام وتقديمهم فدخول السني في مذهب الشيعة كانتقال الحنفي الي مذهب الشافعي. (واما قوله) يذهب الملا الشيعي الي قوله بما يسهل عليه امر التكاليف الشرعية فهو افتراء ولعل عذر صاحب المنار فيه [ صفحه 48] انه سمعه من افواه بعض المفسدين والمتعصبين الذين دأبهم قذف الشيعة بما هم منه بريئون ونسبة القبائح اليهم لتنفير الناس عنهم والملا الشيعي في العراق لا يترك الاشتغال بالعلم الا عند الضرورة ولا يذهب اصلا الي قبائل السنة كما ذكرنا حتي يفعل ما قاله ولا الي قبائل الشيعة الا نادرا فاذا ذهب لا يسهل عليهم امر التكاليف كما قال بل يشدد عليهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن عاشر الشيعة وخبر باطن امرهم وظاهره علم انهم شديدو التصلب في دين الاسلام محافظون علي احكام الشرع جهدهم قليلو التهاون والمسامحة بها لا يأخذون احكام دينهم الا عمن عرف بالعدالة والتقوي والاستقامة ومتي ظهر لهم في رجل من العلماء ورؤساء الدين ادني تسامح في الشرعيات نفروا منه ولم يقبلوا قوله.

متعة النساء

(واما قوله): كاباحة التمتع بالعدد الكثير من النساء الخ فهو كسابقة في مخالفة الواقع بجعل علة ميل الشيوخ الي اهل العلم هو هذا فان الشيوخ ان كانوا من السنة فلا يذهب اليهم الملا الشيعي مرشدا ولا يستفتونه وان كانوا من الشيعة فليس هذا علة ميلهم الي اهل العلم فان متعة النساء وان كانت حلالا في مذهب الشيعة فليس كل حلال يفعل والعرب قاطبة شيوخهم ومن دونهم لا يفعلون المتعة ويرونها عارا وان كانت [ صفحه 49] حلالا بل العلة في ميل الشيوخ الي اهل العلم ما عرفوهم به من الاستقامة. (والعجب) من صاحب المنار الذي برز في هذا العصر بلباس البحث عن الحقائق وفلسفة الدين وترك تقليد الاباء والامهات كيف خفي عليه انه لا يحسن بمثله ان يندد بشيء ثبتت مشروعيته في دين الاسلام ولم يثبت له ناسخ الا نهي بعض الصحابة الذين ليس لهم نسخ الاحكام الألهية وليس معصوماً من الخطأ باتفاق المسلمين (ويحسن) في هذا المقام ذكر ما يحتج به الشيعة لمشروعية متعة النساء وبقاء شرعيتها وعدم ثبوت ناسخ لها وما يحتج به خصومهم علي نسخها وما اجابهم به الشيعة وتحقيق الحق من ذلك بوجه الاختصار. «فنقول» متعة النساء مشروعة (بنص الكتاب العزيز) قال الله تعالي فما (استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) (وفي الكشاف) عن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن الي اجل مسمي انتهي. (وعن) ابي ابن كعب وابن مسعود انهما قرءا ايضاً كذلك. «وفي شرح النووي» لصحيح مسلم عن القاضي عياض ان ابن مسعود قرأ فما استمتعتم به منهن الي اجل. [ صفحه 50] (وفي الروضة) روي شعبه عن الحكم بن عيينه وهو من اكابر اهل السنة قال سئلته عن هذه الآية (فما استمتعتم به منهن) امنسوخة هي قال لا ثم قال الحكم قال علي بن ابي طالب لولا ان عمر نهي عن المتعة ما زني الا شفي وشفي بالفاء مع القصر أي قليل واحتمال ان يراد بالاية النكاح الدائم مدفوع بانه خلاف ظاهر لفظ الاستمتاع لشيوعه في الشرع في المتعة ولفظ الاجور لان المستمتع بها اشبه بالمستأجرة والمتعارف في الدائم الصداق كقوله تعالي (واتوا النساء صدقاتهن) مع ما تقدم في الكشاف عن ابن عباس وما تقدم عن ابي وابن مسعود ومع اعتراف غير واحد من علماء السنة بورودها في المتعة كما سيأتي انشاء الله تعالي في كلام تبن حزم وما حكاه عن الشافعي (وبالسنة المواترة) عنه صلي الله عليه وآله من طرق اهل السنة خاصة فضلا عما رواه الشيعة انه صلي الله عليه وآله رخص الصحابة في المتعة واستمتعوا في زمانه. (روي البخاري) في صحيحة بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا كنا في جيش فاتانا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال انه قد اذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا. (وروي مسلم) في صحيحه بسنده خرج علينا منادي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال ان رسول الله صلي الله [ صفحه 51] عليه وسلم قد اذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء. (وروي مسلم) في صحيحه ايضاً بسنده عن سلمة بن الاكوع وجابر بن عبد الله ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اتانا فاذن لنا في المتعة. (وروي البخاري) في صحيحه ايضاً في باب ما يكره من التبتل والخصا بسنده قال قال عبدالله كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وليس لنا شيء فقلنا الا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا (يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم) الاية «ورواه» البخاري ايضاً في باب قوله تعالي (يا أيها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم) نحوه. (قال القسطلاني) في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري في ذلك الباب وهذا الحديث اخرجه مسلم والنسائي في التفسير (وقال) ايضاً عند قوله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعند قوله ان ننكح المرأة بالثوب أي الي اجل في نكاح المتعة، وقال في موضع اخر وهو نكاح المتعة، وعند قوله ثم قرأ علينا أي عبد الله بن مسعود قال كما في رواية مسلم وكذا الاسماعيلي في تفسير المائدة. ثم قال قال في الفتح وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه اللآية هنا يشعر بانه كان يري جواز المتعة انتهي. [ صفحه 52] (وروي مسلم) في صحيحة بسنده عمن سمع عبدالله يعني ابن مسعود كما سمعت يقول كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليس لنا نساء فقلنا الا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب الي اجل ثم قرأ عبد الله (يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يجب المعتدين). (ورواه) مسلم ايضاً بسنده مثله الا انه قال ثم قرأ علينا ولم يقل قرأ عبدالله. (ورواه) ايضاً بسنده مثله الا انه قال كنا ونحن شباب فقلنا يا رسول الله الا نستخصي ولم يقل نغزو. (قال النووي) في شرح صحيح مسلم فيه أي في استشهاد ابن مسعود بالاية اشارة الي انه كان يعتقد اباحة المتعة كقول ابن عباس وانه لم يبلغه نسخها انتهي الي غير ذلك من الروايات التي يطول الكلام باستقصائها وسيأتي جملة منها. (وفي شرح النووي) لصحيح مسلم عن القاضي عياض انه روي حديث اباحة المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الاكوع وسبره بن معبد الجهني الخ (وباجماع المسلمين) فأنهم اجمعوا علي مشروعيتها وان اختلفوا في نسخها. [ صفحه 53] «وفي شرح النووي» لصحيح مسلم عن القاضي عياض عن المزري انه ثبت ان نكاح المتعة كان جائزاً في اول الاسلام الخ انتهي واذا ثبت مشروعيتها في دين الاسلام بالادلة الثلاثة وجب الاخذ بذلك حتي يثبت الناسخ ولم يثبت بل ثبت العدم كما ستعرف. (واجاب) اهل السنة عن الاية بانها منسوخة بقوله تعالي (والذين هم لفروجهم حافظون الا علي ازواجهم او ما ملكت ايمانهم) «وربما» قال بعضهم انها منسوخة بآية ميراث الزوجة «ومنهم» من احتج بالآية الاولي علي تحريم المتعة من غير ان يتعرض لكونها ناسخة لآاية الاخري قالوا والمتمتع بها ليست ملك يمين وهو واضح ولا زوجة لانها غير وارثة ولا موروثة.. (قال ابن حزم) في الناسخ والمنسوخ قوله تعالي (فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة) نسخت بقوله صلي الله عليه وآله وسلم وذكر حديثاً في تحريم المتعة ثم قال ووقع ناسخها من القرآن موضع ذكر ميراث الزوجة وقال محمد ابن ادريس الشافعي رحمة الله عليه موضع تحريمها في سورة المؤمنين وناسخها قوله تعالي (والذين هم لفروجهم) الاية واجمعوا علي انها ليست بزوجة ولا ملك يمين فنسخها الله بهذه الاية انتهي كلام ابن حزم. [ صفحه 54]

الجواب عما اجاب به اهل السنة

(والجواب) انها زوجة ترث وتورث مطلقا او مع الشرط علي قول او مع عدم شرط عدم الارث علي قول اخر وعلي القول بعدم ارثها والارث منها لدليل لا ينافي ذلك كونها زوجة فان القاتلة لا ترث اجماعا والكافرة لا ترث من المسلم عندنا ولا ترث ولا تورث عندكم فلم تكن هذه الاية دالة علي تحريم المتعة ولا منافية لتلك حتي تكون ناسخة لها. (قال) في الكاشف في تفسير الاية (فان قلت) هل فيه دليل علي تحريم المتعة «قلت» لا لان المنكوحة نكاح المتعة من جملة الازواج اذا صح النكاح انتهي فدعوي ابن حزم الاجماع علي عدم زوجيتها مجازفة سيما مع انه افتي باباحتها جماعة من الصحابة كما ستعرف (هذا) مع ان آية (فما استمتعتم) في سورة النساء وهي مدنية كما صرح به ابن حزم وغيره وآية (الا علي ازواجهم) في سورتي المعارج والمؤمنون وكلتاهما مكية كما صرح به ابن حزم وغيره ايضا والناسخ لا يجوز ان يتقدم علي المنسوخ (هذا) مع سهولة الشريعة وسماحتها ورفع الحرج في الدين القاضيين بعدم نسخ مثل هذا الحكم الذي شرع تسهيلا علي العباد وصيانة له عن الزنا فانه ليس كل [ صفحه 55] احد يتمكن من النكاح الدائم والاسفار البعيدة والحروب والغزوات من ضروريات الوجود والمعاش وليس كل واحد يتمكن من حمل زوجته معه في الاسفار وشهوة النكاح من اقوي الشهوات والصبر عنها من اعسر الاشياء لغالب الناس فالحكمة الالهية قاضية بلزوم بقاء مثل هذا الحكم كما تقضي بلزوم بقاء الحكم بكون الماء طهوراً ولولا المنع منها ما كانت ديار المومسات مشهورة في مدن الاسلام العظام اكثر مما كانت ايام الجاهلية كما يشير الي ذلك ما يأتي في الوجه الرابع من الجواب عن احاديث تحريمها من قول ابن عباس ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد صلي الله عليه وآله لولا نهيه عنها ما احتاج الي الزنا الا شفي أي قليل من الناس. وقول علي عليه السلام لولا ان نهي عمر عن المتعة ما زني الا شفي (هذا) مع ان زفر من فقهاء الحنفية قال ان الشرط يسقط ويصح النكاح علي التابيد اذا كان بلفظ التزويج.

جواب القاضي عياض عن احاديث اباحة المتعة

(واجاب) القاضي عياض عن احاديث اباحة المتعة فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم بقوله ليس في هذه الاحاديث كلها انها كانت في الحضر واما كانت في اسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النساء مع ان [ صفحه 56] بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل انتهي. (وفيه) ان الاحوال التي يكون عليها المكلف حين توجه الحكم عليه لا تكون قيدا في الحكم ما لم يصرح بذلك فيحمل علي الاطلاق الا مع التقييد فاذا نزل وجوب الصلوة مثلا والمسلمون في السفر كان الحكم مطلقا عاما للسفر والحضر بخلاف ما لو كان الحكم مقيدا بالسفر كالقصر فالمتعة لا يلزم ان يكون في الاخبار تصريح بجوازها في الحضر بل يكفي عدم التصريح باختصاصها بالسفر وكذلك الكلام في كون بلادهم حارة (مع) ان احتمال اختصاصها بالسفر منفي بالاجماع المركب لانها اما جائزة سفرا وحضرا او محرمة فيهما ولا قائل بالتفصيل. واحتجوا علي النسخ بعدة روايات:

رواية في تحريمها يوم خيبر او حنين وعام اوطاس

(منها) ما رووه عن علي بن ابي طالب عليه السلام من تحريمها يوم خيبر «ففي صحيح البخاري» بسنده ان عليا رضي الله عنه قال لابن عباس ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر. قال القسطلاني في الشرح بعد قوله لابن عباس لما سمعه يفتي في متعة النساء انه لا بأس بها انتهي. [ صفحه 57] «وفي صحيح مسلم» بسنده عن علي انه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الانسية. «وفي سنن النسائي» الصغري بسنده ان عليا بلغه ان رجلا لا يري بالمتعة بأسا فقال انك تآئه انه نهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عنها وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر. قال محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي في الحاشية قوله ان رجلا هو ابن عباس (ثم) قال وكأنه اما التفت اليه ابن عباس يعني الي النهي يوم خيبر لما ثبت عنده من نسخ هذا النهي بالرخصة في المتعة بعد ذلك كايام الفتح الخ. وذكر السندي المذكور نحوا من هذا في حاشية سنن ابن ماجه. (ومنها) ما رووه من تحريمها يوم خيبر او حنين: (ففي سنن النسائي) الصغري ايضا اخبرنا عمر بن علي ومحمد بن بشار ومحمد بن المثني قالوا انبأنا عبدالوهاب قال سمعت يحيي بن سعيد يقول اخبرني مالك ابن انس ان ابن شهاب اخبره ان عبدالله والحسن ابنا محمد بن علي اخبراه ان اباهما محمد بن علي اخبرهما ان [ صفحه 58] علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال نهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء قال ابن المثني يوم حنين وقال هكذا حدثنا عبدالوهاب من كتابه انتهي ما في السنن. (وقال القسطلاني) في ارشاد الساري شرح صحيح البخاري اتفق اصحاب الزهري كلهم علي خيبر بالخاء المعجمة والراء اخره الا ما رواه عبدالوهاب الثقفي عن يحيي بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فقال حنين بالحاء المهملة والنونين اخرجه النسائي والدارقطني وقالا انه وهم تفرد به انتهي. (اقول) ليس في سنن النسائي الصغري انه وهم وستعرف ان حمله علي الوهم ليس باولي من حمل رواية خيبر عليه. (ومنها) ما رووه من تحريمها عام اوطاس: (ففي صحيح مسلم) بسنده عن سلمة بن الاكوع قال رخص رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهي عنها «قال» في المصباح المنير اوطاس واد في ديارهوازن جنوبي مكة بنحو ثلاث مراحل وكانت وقعتها في شوال بعد فتح مكة بنحو شهر انتهي وبظهر انه قريب من موضع وقعة حنين. قال ابن الاثير [ صفحه 59] في الكامل في تفصيل وقعة حنين فلما نزلوا أي المشركون اوطاس جمع الناس وفيهم دريد بن الصمة فقال دريد باي واد انتم فقالوا باوطاس قال نسم مجال الخيل الخ هوازان هم الذين كانت معهم وقعة حنين واوطاس وغزوة اوطاس كانت بعد غزوة حنين. (قال ابن الاثير) بعد تفصيل وقعة حنين وكان بعض المشركين باوطاس فارسل اليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ابا عامر الاشعري عم ابي موسي الي ان قال وانهزم المشركون باوطاس وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا. (وفي صحيح البخاري) باب غزاة اوطاس ثم اسند عن ابي موسي قال لما فرغ النبي صلي الله عليه وآله وسلم من حنين بعث ابا عامر علي جيش الي اوطاس الخ. ولكن في معجم البلدان لياقوت الحموي اوطاس واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنبي صلي الله عليه وآله وسلم ببني هوازن أهـ ويمكن ان يكون اطلق عليها وقعة حنين لتقاربهما في الزمان والمكان وكون كل منهما مع هوازن مع كون غزوة حنين اشهر جمعاً بينه وبين ما تقدم كما يحتمل ان يراد من غزاة اوطاس في الحديث غزاة حنين نفسها. (ومنها) ما رووه من تحريمها يوم فتح مكة: «ففي صحيح مسلم» بسنده عن الربيع بن سبرة ان [ صفحه 60] اباه غزا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشرة أو ثلاثين بين ليلة ويوم فاذن لنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في متعة النساء فخرجت انا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد فبردي خلق واما برد ابن عمي فبرد جيد غض حتي اذا كنا باسفل مكة او باعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة [3] العنطنطه [4] فقلنا لها هل لك ان يستمتع منك احدنا قالت وماذا تبذلان فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر الي الرجلين ويراها صاحبي ينظر الي عطفها فقال ان برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول برد هذا لابأس به ثلاث مرار او مرتين ثم استمتعت منها فلم اخرج حتي حرمها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبره بن معبد عن ابيه ان نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم عام فتح مكة امر اصحابه بالتمتع من النساء قال فخرجت انا وصاحب لي من بني سليم حتي وجدنا جارية [ صفحه 61] من بني عامر كأنها بكرة عيطاء [5] فخطبناها الي نفسها وعرضنا عليها بردينا فجعلت تنظر فتراني اجمل من صاحبي وتري برد صاحبي احسن من بردي فامرت نفسها ساعة ثم اختارتني علي صاحبي فكن معنا ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بفراقهن. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبره عن ابيه ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي يوم الفتح عن متعة النساء. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه انه اخبره ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن المتعة زمان الفتح متعة النساء وان اباه كان تمتع ببردين احمرين. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه قال امرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتي نهانا عنها. (وفي ارشاد الساري) لشرح صحيح البخاري [ صفحه 62] للقسطلاني عند تعداد اوقات التحريم ما لفظه ثم الفتح كما في مسلم بلفظ انها حرام من يومكم هذا الي يوم القيامة انتهي. لكننا لم نجد هذه الرواية في صحيح مسلم فراجع.

رواية من تحريمها في حجة الوداع

«ففي سنن ابن ماجه» بسنده عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فقالوا يا رسول الله ان العزبة قد اشتدت علينا قال فاستمتعوا من هذه النساء فاتيناهن فأبين ان ينكحننا الا أن نجعل بيننا وبينهن اجلاً فذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال اجعلوا بينكم وبينهن اجلاً فخرجت انا وابن عم لي معه برد ومعي برد وبره اجود من بردي وأنا اشب منه فأتينا علي امرأة فقالت برد كبرد فتزوجتها فمكثت عندما تلك الليلة ثم غدوت ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قائم بين الركن والباب وهو يقول أيها الناس أني قد كنت اذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها الي يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئاً.

رواية في تحريمها في عمرة القضاء و غزوة تبوك و بغير تعين وقت

(ومنها) ما رووه من تحريمها في عمرة القضاء: [ صفحه 63] (قال القسطلاني) في الاشاد الساري لشرح صحيح البخاري كما رواه عبدالرزاق من مرسل الحسن البصري ومراسليه ضعيفة لانه كان يأخذ عن كل احد انتهي. (وفي شرح النووي لصحيح مسلم) روي عن الحسن البصري انها ما حلت قط الا في عمرة القضاء وروي هذا عن سبرة الجهني انتهي.

رواية في من تحريمها في غزوة تبوك

حكاه القسطلاني في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري قال فيما اخرجه اسحق بن راهويه وابن حيان من طريقه من حديث ابي هريرة وهو ضعيف لانه من رواية المؤمل بن اسماعيل عن عكرمة عن عمار وفي كل منهما مقال انتهي. «وفي شرح النووي لصحيح مسلم» ما لفظه وذكر غير مسلم عن علي ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم نهي عنها في غزوة تبوك من رواية اسحاق بن راشد عن الزهري عن عبدالله بن محمد بن علي عن ابيه عن علي الخ.

رواية في من تحريمها بغير تعيين وقت

«ففي سنن النسائي» الصغري وصحيح مسلم بسندهما عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه انه قال اذن [ صفحه 64] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمتعة فانطلقت انا ورجل الي امرأة من بني عامر فعرضنا عليها أنفسنا فقالت: ما تعطيني فقلت: ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه فاذا نظرت الي رداء صاحبي أعجبها واذا نظرت الي اعجبتها ثم قالت انت وردائك تكفيني فمكثت معها ثلاثا ثم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال من كان عنده من هذه النساء اللاتي يتمتع فليخل سبيلها. «وفي صحيح مسلم» بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني ان اباه قال قد كنت استمتعت في عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم امرأة من بني عامر ببردين احمرين ثم نهانا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن المتعة. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني ان اباه حدثه انه كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال يا ايها الناس اني قد كنت اذنت لكم في الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك الي يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئا. «وفي صحيح مسلم» أيضا بسنده عن الربيع بن سبرة عن ابيه ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن [ صفحه 65] نكاح المتعة.

رواية عن تحريمها عن عمرو عن ابن عباس

(ومنها) ما رووه عن عمر في تحريمها مع اسناده الي النبي صلي الله عليه وآله وبدونه). «ففي سنن ابن ماجه» بسنده عن ابن عمر قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس فقال ان رسول الله صلي الله عليه وآله اذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها والله لا اعلم احدا يتمتع وهو محصن الا رجمته بالحجارة الا أن يأتيني بأربعة يشهدون ان رسول الله احلها بعد اذ حرمها. (قال محمد بن عبدالهادي) الحنفي المعروف بالسندي في الحاشية قوله ثلاثا أي ثلاث مرات وثلاث ليال. «وفي موطأ ملك» بسنده ان خولة بنت حكيم دخلت علي عمر بن الخطاب فقالت ان ربيعة استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر ردائه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت. (وقد اشتهر) عن عمر انه خطب الناس فقال متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله انا احرمهما او انهي عنهما واعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج وممن رواه الامام الرازي في تفسيره واحتج به علي تحريم المتعة كما ستعرف. [ صفحه 66] (ومنها) ما رووه في تحريمها عن ابن عباس: «ففي كتاب القويم» في احاديث النبي الكريم لبعض علماء السنة من اهل الهند عن ابن عباس رضي الله عنهما انما كانت المتعة في اول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يري انه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له منه حتي اذا نزلت الاية (الا علي ازواجهم او ما ملكت ايمانهم) قال ابن عباس رضي الله عنهما فكل فرج سواهما فهو حرام اخرجه الترمذي انتهي الي غير ذلك من الروايات.

الجواب عن اخيار تحريم المتعة

(والجواب) عن هذه الاخبار: اما ما اسند فيه التحريم الي غير النبي صلي الله عليه واله فلا حجة فيه لعدم العصمة وعدم حجية قول غير المعصوم بالاتفاق وسيأتي لذلك مزيد توضيح عند ذكر الجواب عن احتجاج الفخر الرازي بحديث المتعتين. واما بقية الاخبار فالجواب عنها مع الغض عن الطعن في سندها عند اهل السنة: (اولا) انها لا تصلح حجة علي الشيعة لانها كلها من طريق اهل السنة وروايات الشيعة عن اهل البيت عليهم [ صفحه 67] السلام كلها قد اتفقت علي بقاء المشروعية حتي انه قلما يكون حكم لم تختلف فيه الرواية عن اهل البيت عليهم السلام الا هذا الحكم. «وما حكاه القسطلاني» انه قد نقل البيهقي عن جعفر بن محمد انه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه مكذوب عليه فان شيعته واتباعه اعرف بمذهبه من غيرهم وكلهم اتفقوا علي ان مذهبه الاباحة وان صح فهو خارج مخرج الخوف والتقية. (وثانيا) انها معارضة بما ورد من طريق اهل السنة. «ففي صحيح مسلم» بسنده عن عطاء قال قدم جابر ابن عبدالله معتمرا فجئناه في منزله فسئله القوم عن اشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وابي بكر وعمر. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عمن سمع جابر ابن عبدالله يقول كنا نستمتع بالقبضة من الثمر والدقيق الايام علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وابي بكر حتي نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وهما صريحتان في بقاء المشروعية بعد النبي صلي الله عليه واله مدة خلافة ابي بكر وشطرا من خلافة عمر والثانية صريحة في ان النهي كان منه لا من النبي صلي الله عليه واله فتعارضان جميع ما تقدم. وقوله في شأن عمرو بن حريث [ صفحه 68] يدل علي ان امرا صدر مع عمرو بن حريث كان هو السبب في نهي عمر عن المتعة ولم اطلع علي قصة عمرو ابن حريث ولا ذكرها النووي في شرح صحيح مسلم (واعتذار النووي) في الشرح المذكور عن ذلك بقوله هذا محمول علي ان الذي استمتع في عهد ابي بكر وعمر رضي الله عنهما لم يبلغه النسخ وقوله حتي نهانا عنه عمر يعني حين بلغه النسخ انتهي. تكلف غير مسموع فان مثل هذا الحكم الذي يكثر به الابتلاء لم يكن ليخفي علي مثل جابر وعمر كل هذه المدة في حياة النبي صلي الله عليه واله وبعد موته وهما من اكابر الصحابة وموجودان دائما في خدمة النبي صلي الله عليه واله وقد نسخ في حجة الوداع او فتح مكة او غيرهما علي رؤوس الاشهاد فلم يبلغهما الا في خلافة عمر ان هذا ما لا يكون (وفي تفسير الفخر الرازي) عند ذكر الاحتجاج علي اباحة متعة النساء عن عمران بن الحصين انه قال ان الله انزل في المتعة آية وما نسخها بآية اخري وامرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد ان عمر نهي عنها انتهي وسيأتي قريب من هذا عن عمران بن حصين في اخبار متعة الحج. [ صفحه 69] «وفي الروضة» عن صحيح الترمذي ان رجلا من اهل الشام سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال ان اباك قد نهي عنها فقال ابن عمر ارأيت ان كان ابي قد نهي عنها وسنها رسول الله صلي الله عليه واله انترك السنة ونتبع قول ابي. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن ابي نضرة قال كنت عند جابر بن عبدالله فاتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنها عمر فلم نعد لهما. وهو دال علي ان النهي كان من عمر لا من رسول الله صلي الله عليه واله والا لكان اسناد النهي اليه اولي وفيه دلالة علي بقاء الاباحة في خلافة ابي بكر: وقوله فلم نعد لهما لا يدل علي اعتقاده صحة النهي لان الظاهر ان عدم العودة كان خوفاً بعد التهديد بالرجم كما مر في رواية ابن ماجه ويأتي في غيرهما. (وثالثا) انها مضطربة متناقضة متعارضة متهافته وما هذا شأنه لا يصلح ناسخا لما علم ثبوته في الشريعة وذلك من وجوه:

اختلاف الاخبار في تاريخ الاباحة والنسخ

(منها) اختلافها العظيم في تاريخ الاباحة والنسخ فان [ صفحه 70] في بعضها ان النسخ كان في «غزاة خيبر» وكانت في المحرم سنة سبع من الهجرة وفي بعضها انه كان «في عمرة القضاء» وكانت في ذي الحجة سنة سبع من الهجرة وفي بعضها انه كان يوم «فتح مكة» بعد ان اباحها وكان فتح مكة لعشر بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها انه كان «في غزوة حنين» وكانت في شوال سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها انه كان «عام اوطاس» بعد ان رخص فيها ثلاثة ايام وكانت غزاة اوطاس في شوال بعد غزوة حنين بقليل وفي بعضها انه كان في «غزوة تبوك» وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة وفي بعضها انه كان في «حجة الوداع» بعد ان اباحها وكانت سنة عشر من الهجرة فعلي هذه الروايات تكون قد ابيحت ونسخت سبع مرات لا مرتين فقط كما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض ان بعضهم قال ان هذا مما تداوله التحريم والاباحة والنسخ مرتين انتهي. وكما اختاره هو اي النووي من ان التحريم والاباحة كانا مرتين فحلت قبل خيبر وحرمت يوم خيبر وحلت يوم الفتح ثم حرمت مؤبدا فاي اختلاف وتهافت اعظم من هذا وبين غزوة حنين وفتح مكة نحو من شهر فتكون قد ابيحت وحرمت في شهر مرتين وباضافة اوطاس تكون قد حرمت وابيحت في نحو من شهر ثلاث مرات وما سمعنا في الشريعة بحكم نسخ ثم اعيد ولو [ صفحه 71] مرة واحدة فضلا عن سبع مرات او مرتين فما هذا إلا تلاعب في الاحكام وما هذا إلا شأن المتقلبين المتلونين عالي عن ذلك رب العالمين. فهذا مع ما سيأتي من وجه الاختلاف يقضي بان تلك الاحاديث موضوعة مختلقة قصد بكل واحد منها تصحيح ما حرمه عمر ولم يطلع احدهم علي ما وضعه الاخر فوقع هذا الاختلاف (وحاول) غير واحد معالجة هذا الاختلاف ومداواته فلم ليستطيعوا وتكلفوا وتعسفوا فقد اتسع الخرق علي الراقع. وهل يصلح العطار ما افسد الدهر.

القاضي عياض في معالجة اختلاف الاخبار

(منهم) القاضي عياض فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم في جملة كلام طويل فأنه تكلف لاسقاط جميع الروايات وابقاء روايات خيبر والفتح ليهون الخطب. فجعل يوم اوطاس ويوم الفتح واحدا، وحمل رواية تبوك علي الغلط بحجة ان راوية عن الزهري انفرد به وروي غيره عن الزهري يوم خيبر قال قالوا ورواية الاباحة في حجة الوداع خطأ لانه لم يكن يومئذ ضرورة ولا عزوبة واكثرهم حجوا بنسائهم والصحيح ان الذي جري في حجة الوداع مجرد الني ثم قال وتسقط رواية اباحتها يوم حجة الوداع لانها مروية عن سبرة وانما روي عنه الثقات الاثبات الاباحة يوم الفتح والذي في حجة الوداع مجرد التحريم فيؤخذ ما وافقه عليه غيره من [ صفحه 72] النهي يوم الفتح ويكون التحريم في حجة الوداع تأكيدا. قال ويحتمل ما جاء من تحريمها يوم خيبر وعمرة القضاء والفتح واوطاس انه جدد النهي في هذه المواطن لان حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه ثابت من رواية الثقات الاثبات الي ان قال يكن يبقي ما جاء من اباحتها في عمرة القضاء والفتح واوطاس فيحتمل ان اباحتها للضرورة بعد التحريم. قال واما قول الحسن انها في عمرة القضاء لا قبل ولا بعد فترده الاحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر وهو قبل عمرة القضاء وما جاء من اباحتها يوم الفتح واوطاس مع ان الرواية بهذا يعني ما قاله الحسن انما جاءت عن سبرة وهو رواي الروايات الاخر وهي اصح.

الرد علي القاضي عياض

(اقول) جعل يوم اوطاس ويوم الفتح واحدا لا وجه له فانهما غزوتان مستقلتان بينهما نحو من شهر او ازيد ويفصل بينهما غزوة حنين بناء علي انها غير غزوة اوطاس فلا وجه للتعبير عن احداهما بالاخري وحمل رواية تبوك علي الغلط غير مسموع لان الاصل عدم الغلط وانفراد راويه به عن الزهري ورواية غيره عنه خيبر ليس دليلاً علي الغلط لجواز تعدد الرواية عن شخص واحد وفتح هذا الباب يؤدي الي عدم جواز الاحتجاج برواية اصلا وما حكاه من تخطئة رواية حجة الوداع بحجة انه لا [ صفحه 73] ضرورة لانهم حجوا بنسائهم غريب فانه رد للرواية بمجرد التشهي اذ ليس فيها تقييد بالضرورة وحصر الحكم في الضرورة كما في بعض الروايات غير ثابت كما ستعرف وكذا طرحه لرواية حجة الوداع المبيحة واخذه بالرواية المقتصر فيها علي التحريم للعلة التي ذكرها غريب فان رواية الثقات عنه الاباحة يوم الفتح ان سلمت لا تمنع ان يروي عنه الاباحة في حجة الوداع مع ان التحريم ظاهر في رفع الاباحة الثابتة قبله وحمله علي مجرد التأكيد خلاف الظاهر وحمله التحريم في خيبر وعمرة القضاء والفتح واوطاس علي تجديد النهي مع انه خلاف الظاهر كما عرفت ينافيه التصريح في بعضها بالاباحة كما اعترف به هو اخيراً بقوله لكن يبقي الخ. وحمله علي الضرورة مع عدم صحته كما ستعرف لا يسمن ولا يغني من جوع لانه اخص من المدعي وهو عدم جوازها مطلقاً. (واما قوله) أي القاضي عياض ان حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه فيرده ما في شرح صحيح البخاري للقسطلاني قال البيهقي فيما قرأته في كتاب المعرفة وكان ابن عيينة يزعم ان تاريخ خيبر في حديث علي انما هو في النهي عن لحوم الحمر الاهلية لا في نكاح المتعة قال البيهقي وهو يشبه ان يكون كما قال فقد روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه رخص فيه بعد ذلك ثم نهي عنه فيكون احتجاج علي بنهيه [ صفحه 74] اخرا حتي تقوم به الحجة علي ابن عباس وقال السهيلي النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر شيء لا يعرفه احد من اهل السير ولا رواة الاثر فالذي يظهر انه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري انتهي القسطلاني ولفظ الزهري في المغازي من صحيح البخاري نهي عن متعة النساء يوم خيبر وعن اكل الحمر الأنسية وفي النكاح منه نهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر واراد بالتقديم والتأخير ان يكون يوم خيبر في الاصل ظرفاً للنهي عن لحم الحمر لا عن المتعة فقدم واخر كما ذكره القسطلاني في المغازي من شرح صحيح البخاري أيضاً، وقال القسطلاني ايضاً في المغازي وقال ابن عبدالبر ان ذكر النهي يوم خيبر غلط انتهي، وقال القسطلاني ايضا في النكاح وايده ابن القيم في الهدي بان الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات، وحكي النووي ايضا في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض في حديث خيبر المتقدم بلفظ الزهري انه قال قال بعضهم هذا الكلام فيه انفصال ومعناه تحريم المتعة بغير تعيين وقت وتحريم اللحوم يوم خيبر ليجمع بين الروايات قال هذا القائل وهذا هو الأشبه لان تحريم المتعة كان بمكه واما اللحوم فبخيبر بلا شك قال القاضي وهذا حسن لو ساعده سائر الروايات انتهي، يعني مثل رواية نهي يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الاهلية فان مثل هذه الرواية صريح في خلاف هذا التأويل نعم يمكن حملها علي التقديم والتأخير كما [ صفحه 75] قال السهيلي وانما يمكن هذا التأويل في مثل نهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، والذي دعاهم الي ذلك ما سمعته عن الاجلاء من ان النهي عن المتعة يوم خيبر غلط لا يعرفه احد فالتجاؤا اما الي هذا التأويل البعيد فيما يمكن فيه كالرواية الاولي او حمل الروايات علي الغلط بالتقديم والتأخير فيما لا يمكن فيه هذا التأويل كالرواية الثانية والاولي الاعتراف بان تلك الروايات كغيرها مكذوبة موصوعة بعد تصريح الاجلاء بان رواية النهي في ذلك اليوم غلط لا يعرفه احد من اهل السير ولا رواة الاثر فهذا حال الحديث الصحيح الذي لا مطعن فيه فما ظنك بغيره (واما رده) أي القاضي عياض لقول الحسن بالاحاديث الاخر فيتم لو سلمت تلك الاحاديث من قدح واني له بسلامتها. وكذلك رده لرواية سبرة الموافقه لقول الحسن بروايات سبرة الاخر بدعوي انها اصح ممنوع لاختلاف روايات سبرة اختلاف شديدا يوجب سقوطها وعدم الاخذ بشيء منها كما ستعرف. (والحاصل) انه لا تكاد تسلم رواية من هذه الروايات عن القدح فيها. والجمع بينها بالوجوه المقررة للجمع بين الاخبار غير ممكن وتأويلها والخروج عن ظاهرها بالوجوه البعيدة المتعسفة من غير دليل بل بمجرد التشهي كترك بعضها والاخذ بالبعض كذلك غير جائز ولا مسموع فلا بد من طرحها جميعها والاخذ بما علم ثبوته من الكتاب والسنة واجماع المسلمين. [ صفحه 76]

جواب المازري عن تعارض الاخبار

(ومنهم) المازري فانه اجاب عن تعارض الاخبار فيما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض عنه بانه يجوز ان ينهي في زمان ثم ينهي في اخر توكيدا او ليشتهر النهي. «وفيه» ان التناقض والاختلاف انما جاء من قبل دلالة الروايات علي اباحتها ثم تحريمها مرارا عديدة لا من مجرد النهي في وقتين مختلفين مع ان النهي في الشرع ظاهر في التأسيس لا التأكيد.

كلام القسطلاني في اختلاف الاخبار

(ومنهم) القسطلاني في شرح صحيح البخاري فانه تكلم في روايات خيبر بما سمعت وقال في رواية حنين عن النسائي والدارقطني انه وهم تفرد به راويه عن الزهري وروي غيره عن الزهري خيبر وقال في رواية عمرة القضاء كما رواه عبدالرزاق من مرسل الحسن البصري ومراسليه ضعيفة لانه كان يأخذ عن كل احد واحتمل في عام اوطاس ان يراد به عام الفتح لتقاربهما ثم استبعد وقوع الاذن في غزوة اوطاس بعد ان وقع التصريح قبلها في الفتح انها حرمت الي يوم القيامة، وقال في حديث تبوك انه ضعيف لانه من رواية المؤمل بن اسماعيل عن عكرمة عن عمار وفي كل منهما مقال وعلي تقدير صحته فليس فيه [ صفحه 77] انهم استمتعوا يومئذ او كان النهي قديماً فلم يبلغ بعضهم فاستمر علي الرخصة ولذلك قرن صلي الله عليه وآله وسلم النهي بالغضب كما في رواية الحازمي من حديث جابر، وقال ان التحريم في حجة الوداع بلفظ اختلف فيه علي الربيع بن سبرة والرواية عنه بانها في الفتح اصح وأشهر، ثم قال ان بعض الروايات عن الربيع بن سبرة في حجة الوداع ليس فيه الا التحريم فيحمل علي اعادة النهي وايده بأنهم في حجة الوداع حجوا بنسائهم فلا شدة فلم يبق صحيح صريح سوي خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام انتهي ما اردنا نقله.

الرد علي القسطلاني

(اقول) اما جعله رواية حنين وهما فيعارضه ما قيل في روايات خيبر كما عرفت من انه لا يعرفها احد ومن انها غلط والامر دائر بينهما مع ان دعوي الوهم غير مسموعة والا لما صح الاستدلال بحديث اصلا ومجرد انفراد رواية به لا يجعله وهما كما عرفت وقد رواه النسائي وغيره كما مر فطرح احداهما ليس اولي من طرح الاخري واحتماله يراد بعام اوطاس عام الفتح قد عرفت ما فيه واستبعاده الاذن في اوطاس بعد التحريم المؤبد في الفتح عجيب بل هو مما لا ريب في بطلانه ان وجد، وحمله رواية تبوك علي التأكيد قد مر ما فيه وفيما ايده به؟ وقوله عن روايات الفتح انها اصح واشهر من رواية حجة الوداع فيه [ صفحه 78] ان روايات الفتح من طريق سبرة وستعرف حال رواياته وانها مختلفة اختلافا يوجب القطع بانها مكذوبة حتي رواياته الواردة في الفتح خاصة فراجع فهذا حال هذه الروايات التي كلما داويت جرحا منها سال جرح فكيف ينسخ بها ما ثبت بالكتاب العزيز والسنة المتواترة واجماع المسلمين.

اختلاف روايات تحريم المتعة

و«منها» أي من وجوه اختلاف هذه الاخبار ما وقع في روايات سبرة خاصة فانها مختلفة اختلافا لا يصح معه التعويل عليها «ففي» بعضها انها ما حلت قط الا في عمرة القضاء كما تقدم في كلام النووي «وفي» بعضها ان الاباحة والنسخ كانا عام الفتح «وفي» بعضها انهما كانا في حجة الوداع. «وفي» بعضها الاقتصار علي التحريم في حجة الوداع من دون ذكر الاباحة «وفي» بعضها لم يعين الوقت، وهذه التي لم يعين فيها الوقت. «منها» ما اقتصر فيها علي مجرد الاباحة والتحريم. «ومنها» علي الاذن والتحريم المؤبد. «ومنها» علي مجرد النهي. «ومنها» علي النهي المؤبد ثم اخبار فتح مكة. [ صفحه 79] «ومنها» ما ذكر فيه الاباحة والتحريم. «ومنها» ما ظاهر ان الاذن كان بعد خمسة عشر يوما من دخول مكة. «ومنها» ما دل علي انه كان حين دخولها. «ومنها» ما دل علي انه خرج مع رجل من بني سليم. «ومنها» ما دل علي انه خرج مع رجل من قومه ابن عم له. «ومنها» ما دل علي انه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد. «ومنها» ما دل علي انه تمتع بامرأة منهم ببردين احمرين. فكم مرة تمتع سبرة في يوم فتح مكة مع ان في الروايات ما يدل علي ان ذلك كله حكاية لواقعة واحدة صدرت معه يوم الفتح فان راوي هذه الروايات عنه واحد وهو ولده الربيع بن سبرة وهي متحدة في اكثر الخصوصيات مثل خروجه مع رجل. وعرضهما انفسهما علي المرأة وكونه شابا جميلاً ورفيقه بالعكس وبرده ردي وبرد رفيقه جيد. وتردد المرأة بينهما لذلك ثم اختيارها له. وكونها من بني عامر الي غير ذلك فكيف تتفق معه هذه الخصوصيات كل مرة؟ وسبرة من جهينة كما صرحت به الروايات؟ وجهينه ابو بطن من قضاعة بن معد بن عدنان [ صفحه 80] وقيل قضاعة بن ملك بن حمير؟ وبنو سليم بطن من مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو سليم بن منصور وبنو سليم بن فهم ايضا فرقة من الاشاقر وهم بطن من دوس وهم فرقة من غسان وهم بطن من قحطان وجميع العرب الموجودين يرجعون الي ولد عدنان وقحطان وقضاعة كما نص علي ذلك كله الشريف عبدالقادر الحسيني الشافعي في عيون المسائل فلا يتوهمن متوهم ان بني سليم من جهينه فهذا الاختلاف والاضطراب الشديد يدل علي انها مكذوبة مختلفة.

معارضة رواية ابن ماجه لرواية الموطأ

«ومنها» أي من وجوه اختلاف هذه الاخبار ان رواية ابن ماجه عن ابن عمر تدل علي ان عمر بين التحريم في اول ولايته وتوعد بالرجم وهو ينافي ما في رواية الموطأ من قوله لو كنت تقدمت فيها لرجمت مع انها اذا كانت قد حرمت مؤبدا في حجة الوداع التي اجتمع فيها ما لا يحصي من الخلائق من انحاء بلاد الاسلام واكمل فيها الدين فلابد ان يكون امرها قد اشتهر بين الناس سيما اهل المدينة فيستحق فاعلها الرجم اذا كان محصنا من غير حاجة الي ان يتقدم فيها عمر فقوله لو كنت تقدمت الخ يدل علي انها لم تكن قد حرمت قبل وان التحريم منه انما صدر في ذلك الوقت ولهذا لم يرجم فاعلها لانها لم تكن حرمت فلم يستحل العقاب قبل البيان. [ صفحه 81]

وجوه الاختلاف بين الاخبار

(ومنها) ان في بعضها ان النبي صلي الله عليه واله اذن فيها ثلاثا. فان اريد ثلاث مرات نافت جميع هذه الروايات لدلالتها علي ان الاذن كان اكثر من ذلك. وان اريد ثلاث ليال دلت علي ان الاذن كان مرة واحدة محددة بثلاث ليال فنافت جميع هذه الروايات ايضا الدالة علي انه كان اكثر من مرة واحدة ونافت رواية ابن عباس السابقة الدالة علي ان الرجل مكان يتزوج بقدر ما يري انه يقيم بل ربما دلت رواية سبرة علي ان ذلك كان في حجة الوداع يوما وليلة ونافت ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن النبي صلي الله عليه واله ايما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فان احبا ان يتزايدا او يتتاركا تتاركاً الحديث فانها وان دلت علي ان العقد يكون علي ثلاث ليال لكنها دلت علي جواز الزيادة بعد انقضاء الثلاث وتلك تدل علي عدم جواز الزيادة بمفهوم العدد. (ومنها) ان في بعضها عن علي من طريق الزهري ان التحريم كان يوم خيبر وفي بعضها عن علي من طريق الزهري ايضا انه كان في غزوة تبوك، والنووي في شرح صحيح مسلم التجأ في رفع ذلك الي حمل رواية تبوك علي الغلط وهو غير مسموع كما عرفت آنفا. [ صفحه 82] (ومنها) ان رواية اباحتها وتحريمها في عمرة القضاء لا غير كما مر عن الحسن وسبرة تنافي جميع ما ورد في اباحتها وتحريمها في غيرها ورواية مسلم بتحريمها يوم الفتح مؤبدا ان صح ما حكاه القسطلاني كما عرفت تنافي ما ورد من اباحتها بعد ذلك كما في حنين واوطاس وتبوك وحجة الوداع. (ومنها) ان ما في رواية الترمذي المتقدمة عن ابن عباس انها انما كانت في اول الاسلام ثم نسخت باية (الا علي ازواجهم) الخ مناف لما دل عليه غيرها مما تقدم من انها شرعت في حجة الوداع او في غزوة حنين او يوم الفتح او غيره من الغزوات المتأخرة مع عدم صلاحية الاية المذكورة في اخر الرواية لان تكون ناسخة كما بيناه عند الكلام عليها وذلك مما لا يخفي علي مثل ابن عباس ذلك التحرير. ومناف لما رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس كما في تفسير الفخر الرازي انه قال في قوله (فما استمتعتم به منهن) صارت هذه الاية منسوخة بقوله تعالي (يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) فانه بعد نسخ الحكم باحدي الآيتين لا يبقي مجال لنسخه بالاخري مع ان اية الطلاق لا تنافي آية المتعة حتي تكون ناسخة لها اذ ليس فيها الا ان الطلاق عند وقوعه ليكن للعدة ولا تدل علي ان كل زوجة يصح ان تطلق وذلك مما لا يخفي علي مثل ابن عباس كما عرفت فاضطراب هذه الانقال واختلافها في ناسخها من [ صفحه 83] الكتاب فتارة يقال ان ناسخها اية ميراث الزوجة وتارة اية (الا علي ازواجهم) وتارة اية الطلاق كما سمعت وكما مر في كلام ابن حزم كاضطرابها في ناسخها من السنة امارة علي اختلاقها، وما في رواية الترمذي ورواية عظاء المذكورتين مناف ايضا لما روي عن ابن عباس من انها رحمة رحم الله بها امة محمد صلي الله عليه واله وانه لولا نهيه عنها ما احتاج الناس الي الزنا الا قليل بناء علي ما استظهرناه فيما تقدم من عود ضمير نهيه الي عمر، ومناف لما اشتهر عن ابن عباس من الافتاء ببقاء حليتها كما تقدم في كلام غير واحد من علماء السنة وكما اشار اليه غير واحد من الروايات «مثل» رواية ان عليا سمع ابن عباس يلين في متعة النساء وانه بلغه انه لا يري بالمتعة بأسا. «ومثل» ما في رواية ابي نضرة المتقدمتين. «ومثل» ما في صحيح مسلم بسنده عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير ان عبدالله بن الزبير قام بمكة فقال ان اناسا اعمي الله قلوبهم كما اعمي ابصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال انك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل علي عهد امام المتقين يريد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لارجمنك باحجارك، قال النووي في شرح صحيح مسلم قوله يعرض برجل يعني يعرض بابن عباس انتهي ثم قال مسلم [ صفحه 84] قال ابن شهاب فاخبرني خالد بن المهاجر انه بينما هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فامره بها فقال له ابن ابي عمرة الانصاري مهلا قال ما هي والله لقد فعلت في عهد امام المتقين قال ابن عمرة انها كانت رخصة في اول الاسلام لمن اضطر اليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم احكم الله الدين ونهي عنها.

اشتهار الفتوي بالمتعة عن ابن عباس

(اقول) الظاهر ان الرجل المفتي هو ابن عباس وعدم التصريح باسمه اما للخوف عليه ممن كانوا يتوعدون او لغير ذلك كما لم يصرح باسمه في الحديث الذي قبله مع ان المراد به ابن عباس كما فسره النووي وفي كلام مسلم ايماء الي ذلك وقول ابن ابي عمرة بانها كانت في اول الاسلام ينافيه ما روي فيما مر من اباحتها في حجة الوداع وتشبيهها بالميتة غير صحيح لان الميتة لا تحل الا عند خوف التلف وليس في اخبار المتعة تقييد بذلك فهو مجرد اجتهاد مردود وابن عباس كان اعلم بحديث رسول الله صلي الله عليه واله من ابن ابي عمرة وامثاله مع انهم في حجة الوداع التي ابيحت فيها كانوا قد حجوا بنسائهم بعد ان وسع الله عليهم بما تقدمها من الفتوح بالمال والسبي كما نبه عليه القسطلاني في شرح صحيح البخاري. مع انه اذا كانت اباحتها كاباحة المتعة فلا يقتضي احكام الدين [ صفحه 85] النهي عنها بل هي باقية الي يوم القيامة فان اباحة الميتة للضرورة لم تنسخ اجماعا ومن ذلك يعلم ان ما يحكي عن ابن عباس كما في تفسير الفخر الرازي من ان الناس لما ذكروا الاشعار في فتياه في المتعة قال ابن عباس قاتلهم الله اني ما افتيت باباحتها علي الاطلاق لكني قلت انها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير له؟ مكذوب عليه مع انه يمكن ان يكون قال ذلك تخلصا مما عابوه به كما يدل عليه ذكرهم له في الاشعار علي ان صدرها دال علي اشتهار ذلك عنه كما مر. «ومثل» ما في تفسير الفخر الرازي قال عمارة سألت ابن عباس عن المتعة اسفاح هي ام نكاح قال لا سفاح ولا نكاح قلت فما هي قال متعة كما قال الله تعالي قلت هل لها عدة قال نعم عدتها حيضة قلت هل يتوارثان قال لا. والظاهر ان مراده من نفي كونها نكاحا نفي النكاح الدائم بحيث تترتب عليها جميع احكامه وكأنه فهم ذلك من سؤال السائل والا فما ليس بنكاح فهو سفاح. «ومثل» ما في العقد الفريد لابن عبدربه عن الشعبي قال قال ابن الزبير لعبدالله بن عباس قاتلت ام المؤمنين. وحواري رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وافتيت بتزويج المتعة فقال اما ام المؤمنين فانت اخرجتها وابوك وخالك وبنا سميت ام المؤمنين وكنا لها خير بنين فتجاوز الله عنها وقاتلت انت [ صفحه 86] وابوك عليا فان كان علي مؤمناً فقد ضللتم بقتالكم المؤمنين وان كان علي كافراً فقد بؤتم بسخط من الله بفراركم من الزحف واما المتعة فان علياً رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رخص فيها فافتيت بها ثم سمعته ينهي فنهيت عنها واول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير فهذه تدل علي ان فتوي ابن عباس بالمتعة كان امراً مشهوراً واما قوله سمعته ينهي فنهيت عنها فمع معارضته لغيره مما دل علي استمراره علي الفتوي بها مما مر ويأتي وعدم خلوه عن نوع اضطراب يمكن أن يكون مكذوباً عنه كنسبه العدول عن الافتاء بها إليه كما ستعرف أو صادرا للخوف بعد أن توعده ابن الزبير بالرجم كما في بعض الروايات السابقة. «ومثل» ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس انه سئل عن متعة النساء فرخص فقال له مولي له انما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم فهذه الرواية نصت علي افتائه بها، اما موافقته للمولي علي ان ذلك مخصوص بالحال الشديد وفي النساء قلة فلا ينافي ذلك غايته ان يكون جوازها مقيداً بالحال الشديد كما يشير إليه قول سبرة في الرواية السابقة ان العزبة قد اشتدت علينا وذلك كمن لا يصبر عن النكاح وهو مسافر مثلاً أو لا يتمكن من النكاح الدائم لفقر او لقلة النساء اللاتي يصلحن للنكاح الدائم كما ذكر في الرواية مع كونهن لا يناسبن حاله او نحو [ صفحه 87] ذلك. (فان قيل) المسلمون علي قولين الجواز مطلقاً وعدمه مطلقاً فتقييد الجواز بذلك مخالف للاجماع المركب. (قلنا) فليترك هذا الظاهر لمخالفته الاجماع ويبقي صدر الرواية علي حاله لعدم المعارض او يحمل ذلك علي ان الاولي تركها مع عدم الشدة وقلة النساء. (فان قيل) لعل المراد ان الترخيص فيها كان في الحال الشديد وفي النساء قلة ولكن لما ارتفعت الشدة وكثرت النساء نسخت ولذلك اوردها البخاري في باب نهي رسول الله صلي الله عليه وآله عن نكاح المتعة. (قلنا) مع ان هذا الاحتمال ينافيه ما ورد من اباحتها في حجة الوداع وكانوا قد حجوا بنسائهم بعد ان وسع الله عليهم بفتح خيبر من المال والسبي فهو فاسد لفظاً ومعني «اما لفظاً» فلأنه كان اللازم أن يقول انما كان ذلك الخ فحيث لم يأت بلفظ كان علم ارادة الاستمرار «واما معني» فلأن الحال الشديد كما يكون في ذلك الزمان يكون في غيره وقلة النساء في زمان دون آخر لا يفهم له معني محصل وكيف صارت قلتها موجبة لاباحة المتعة وما كان ابن عباس ليرجع عن فتواه بمثل هذا الكلام الذي قاله المولي مع ان قوله نعم يدل علي انه كان عالماً بذلك فكيف افتي اولا بخلافه. [ صفحه 88] «ومثل» ما في رواية النسائي المتقدمة ان علياً بلغه ان رجلاً لا يري بالمتعة بأسا والرجل هو ابن عباس كما تقدم وما كان ليخفي عليه التحريم يوم خيبر لو وقع. «ومثل» ما في رواية مسلم السابقة عن علي انه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء. (ويؤيد ذلك) ما حكاه عنه في الكشاف كما تقدم من ان آية المتعة محكمة لم تنسخ ومن ذلك يظهر أن ما حكاه عنه في الكشاف أيضاً بقوله ويروي انه رجع عن ذلك أي عن القول بالمتعة عند موته وما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم من انه روي عنه انه رجع بعد قوله وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول باباحتها وما في تفسير الفخر الرازي من انه روي عن ابن عباس انه قال عند موته اللهم اني اتوب اليك من قولي في المتعة والصرف مكذوب عنه ويدل علي ذلك ايضاً ما حكاه فضل بن الروزبهان من علماء السنة في رده علي العلامة الحلي من علماء الشيعة عن الشافعي ان نكاح المتعة حرام ولكن لا حد فيه قال لانه ذهب أي الشافعي إلي أن كل جهة صححها عالم سني بدليل قوي واباح الوطئ بها فلا حد وان اعتقد الواطئ التحريم ومثل لذلك بالوطئ في النكاح بلا ولي كمذهب ابي حنيفة وبلا شهود كمذهب مالك وفي المتعة كمذهب ابن عباس. [ صفحه 89]

مخالفة رواية تحريمها عن علي لما رواه عنه اولاده و شيعته

(ورابعاً) ان ما رووه عن علي عليه السلام يخالف ما رواه اولاده وشيعته عنه من القول باباحتها وهم اعرف بمذهبه من سواهم فدل علي ان اسناد الرواية اليه اختلاق كيف وقد روي عنه من طريق أهل السنة ايضاً ما يدل علي الانكار علي عمر في تحريمها.

حديث لولا نهيه عنها ما زني الا شفي

«ففي احقاق الحق» عن الثعلبي ومحمد بن جرير الطبري في تفسيريهما عن علي بن ابي طالب قال لولا ان نهي عمر عن المتعة ما زني الا شفي وقد سمعت ان الحكم بن عيينة روي عنه مثله. «وفي التفسير الكبير» للامام فخر الدين الرازي ما لفظه وروي محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه قال لولا ان عمر نهي الناس عن المتعة ما زني الا شفي. «وفي النهاية الاثيرية» عن كتاب الهروي ما لفظه وفي حديث ابن عباس ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد صلي الله عليه وآله سلم لولا نهيه عنها ما احتاج إلي الزنا الا شفي أي الا قليل من الناس وقال الازهري أي الا ان يشفي [ صفحه 90] أي يشرف علي الزنا ولا يواقعه انتهي كلام النهاية. «وفي لسان العرب» ما لفظه، وفي الحديث عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ما كانت المتعة وساق الحديث إلي ان قال قال والله لكأني اسمع قوله الا شفا عطاء القاتل قال ابو منصور وهذا الحديث يدل علي ان ابن عباس علم ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن المتعة فرجع إلي تحريمها بعد ما كان باح باحلالها انتهي كلام اللسان. (أقول) الظاهر رجوع الضمير في نهيه إلي عمر لا إلي النبي صلي الله عليه واله يدل علي ذلك ان الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها وانه كان في غير محله لانها رحمة والنهي عنها سبب كثرة الزنا ولو كان النهي منه عليه السلام لما كان محل لهذا الكلام كما لا يخفي.

بقية الكلام في الجواب عن احاديث التحريم

(وخامساً) ان رواية الموطأ تدل علي بقاء التحليل إلي زمان عمر والا لما استمتع ربيعة بن امية لانها ان كانت محرمة فما الفائدة في ايقاع عقدها فيكون كمن عقد علي امه او اخته فان كان ربيعة متديناً لم يفعل وان كان غير متدين لم يوقع العقد واحتمال ان يكون التحريم لم يبلغه كالمقطوع بعدمه بعد ان يكون النبي صلي الله عليه وآله حرمها علي رؤوس الاشهاد في حجة الوداع وكان معه يومئذ من الخلائق ما لا يحصي عددا. [ صفحه 91] (وسادساً) كان اللازم ان يقول علي عليه السلام لابن عباس لما بلغه انه لا يري بالمتعة بأسا او في امرها علي ما تقدم في روايتي النسائي ومسلم ان النبي صلي الله عليه واله قد نهي عنها في حجة الوداع لان المفروض ان ذلك اخر نهي صدر منه صلي الله عليه واله ولم يتعقبه رخصة اما النهي يوم خيبر فالمفروض انه منسوخ بالرخصة بعده فلا يحسن الاستدلال به علي ابن عباس فله حق ان يقول ان النبي صلي الله عليه واله رجع عن هذا النهي فيحتاج علي عليه السلام الي ان يقول له انه بعد ان رجع قد نهي اخيرا نهيا لم يرجع عنه وهذا كالأكل من القفا. وهذا الذي دعا البيهقي الي ان يصوب انكار ابن عيينة لذكر النهي عن متعة النساء يوم خيبر في حديث علي عليه السلام كما تقدم (لا يقال) لعل عليا عليه السلام بلغه ذلك عن ابن عباس بعد وقعة خيبر وقبل صدور الرخصة يوم وقعة حنين. (لانا نقول) ظاهر الكلام ان ابن عباس كان لا يري بها بأسا بعد وفاة النبي صلي الله عليه واله كما تدل عليه بعض الامور التي ذكرناها ومن حكي عنه انه رجع قال ان ذلك كان في اخر عمره ولو كان ذلك في حياة النبي صلي الله عليه واله لاخبر علي عليه السلام النبي صلي الله عليه واله بذلك لينهي ابن عباس فانهما في بلد واحد وذلك ادخل في ارتداع ابن عباس او لقال له علي عليه السلام اسئل رسول الله صلي الله [ صفحه 92] عليه واله عن حكمها فانه حرمها او نحو ذلك.

ما حكاه الرازي في الاحتجاج علي تحريم المتعة

وحكي الفخر الرازي في تفسيره احتجاج الجمهور علي تحريم المتعة ببعض الاخبار المتقدمة وبامرين اخرين: (الاول) ان الوطئ لا يحل الا في الزوجة او المملوكة لقوله تعالي: (الذين هم لفروجهم حافظون الا علي ازواجهم او ما ملكت ايمانهم) والمتمتع بها ليست مملوكة وهو واضح ولا زوجة لانها لو كانت زوجة لحصل التوارث ولا توارث بالاتفاق ولثبت النسب لقوله عليه الصلاة والسلام الولد للفراش وبالاتفاق لا يثبت، ولوجبت العدة عليها لقوله تعالي (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بانفسهن أربعة اشهر وعشراً). ثم قال واعلم ان هذه الحجة كلام حسن مقرر.

متعتان كانتا علي عهد رسول الله

الثاني ما روي عن عمر رضي الله عنه انه قال في خطبته متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم انا انهي عنهما واعاقب عليهما ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما انكر عليه احد. «فاما» ان يكونوا عالمين باباحتها وسكتوا مداهنة وهو يوجب تكفيره وتكفيرهم وهو علي ضد قوله تعالي (كنتم خير [ صفحه 93] امة). «واما» ان يكونوا شاكين ولذلك سكتوا وهو ممتنع عادة لانها مما تشتد الحاجة إلي معرفتها كالنكاح الدائم. فتعين ان يكون سكوتهم لعلمهم بالنسخ انتهي ملخصاً. (أقول) الامر الاول قد تقدم مع جوابه عند ذكر جوابهم عن الآية انما اعدناه هنا لاشتماله علي زيادة لم تذكر هناك وهي قوله ولثبت النسب ولوجبت العدة وذلك انا عثرنا عليه بعد كتابة ذلك الموضع وطبعه فلنجب عن تلك الزيادة. «فنقول» قوله ولثبت النسب الخ الظاهر ان المراد به ثبوت النسب عند الشك فيه وانكار الولد فانه ينتفي منه بمجرد انكاره بخلاف الدائم فانه لا ينتفي الا باللعان كما بين في الفقه.

الجواب عن الاحتجاج بانها ليست فراشا

(والجواب) انها فراش والنسب ثابت والولد ملحق به مع الشك وعدم الانكار وان لم يحصل اعتراف باتفاق فقهاء الشيعة لاندراجه في عموم الولد للفراش فكيف يدعي الانفاق علي عدم ثبوت النسب واما انتفاء الولد بمجرد الانكار من غير لعان فلا ينافي كونها فراشا لان انتفاء بعض أحكام الفراش لدليل لا يقتضي انتفائه رأساً وذلك كانتفاء الولد في الدائم باللعان مع قوله عليه السلام الولد للفراش وكذلك قوله [ صفحه 94] ولوجبت العدة الخ فان عدة الوفاة ثابتة للمتمتع بها بناء علي صحة النكاح بالاتفاق لدخولها في عموم الازواج والشيعة متفقة علي انها تعتد عدة الوفاة فظهر ان كلام هذه الحجة غبر حسن وعدمه مقرر.

الجواب عن الاحتجاج بحديث متعتان كانتا ـ الخ

(واما الاحتجاج) بقول عمر متعتان الخ فاجدر بان يكون حجة علي الخصم لا له لان فيه اعترافاً بانها كانت مشروعة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقوله انا انهي عنهما صريح في ان النهي منه لا من النبي صلي الله عليه وآله وهو غير معصوم ولا حجية في قول غير المعصوم اتفاقاً فيهما. اما صراحة الكلام في ذلك فلوجوه: (الاول) لظهور قوله كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه واله في أنهما كانتا طول حياته (صلعم) ولو نسخا في حياته لكانتا علي بعض عهده. (الثاني) لقوله انا انهي عنهما بتقديم المسند اليه المفيد للحصر كقولك انا فعلت كذا كما قرر في علم المعاني والبيان. «وثالثاً» انه لو كان النهي صادرا من النبي صلي الله عليه واله لكان اسناده اليه ادخل في قبول الناس لذلك وامتثالهم اياه فكان اللازم ان يقول كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه [ صفحه 95] واله ثم نسخهما فلا تفعلوهما فمن فعلهما عاقبته عليهما ولا يأتي بعبارة تدل علي خلاف المقصود وتنقض الغرض المطلوب من ردع الناس عما حرم عليهم ولاشك ان عمر رضي الله عنه كان عارفا باساليب الكلام وموجبات الفصاحة والبلاغة ومنافياتهما فانه من قريش الذين امتازوا بذلك عن سائر الناس.

جواب الفخر الرازي عن رد الاستدلال بحديث المتعتين

وقد اجاب عن ذلك الفخر الرازي بقوله قلنا قد بينا انه لو كان مراده ان المتعة كانت مباحة في شرع محمد صلي الله عليه وآله وسلم وانا انهي عنها لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه ويقضي ذلك الي تكفير امير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه وكل ذلك باطل فلم يبق الا ان يقال كان مراده ان المتعة كانت مباحة في زمن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وانا انهي عنها لما ثبت عندي انه صلي الله عليه وآله وسلم نسخها انتهي.

جواب قاضي القضاة عن حديث المتعتين

وبنحو ذلك اجاب قاضي القضاة في المغني علي ما حكاه عنه الشريف المرتضي في الشافي، فقال: انما عني بقوله وأنا انهي عنهما واعاقب عليهما كراهيته لذلك وتشدده فيه من حيث نهي رسول الله صلي الله عليه وآله عنهما [ صفحه 96] بعد ان كانتا في ايامه منبها بذلك علي حصول النسخ لانا نعلم انه كان متبعاً للرسول متديناً بالاسلام فلا يجوز ان نحمل قوله علي خلاف ما تواتر من حاله وقد حكي عن ابي علي ان ذلك بمنزلة ان يقول اني اعاقب من صلي إلي بيت المقدس وان كان صلي اليه في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله. قال واعتمد في تصويبه علي كف الصحابة عن النكير عنه وادعي ان امير المؤمنين عليه السلام انكر علي ابن عباس احلالها وروي عن النبي صلي الله عليه وآله تحريهما انتهي.

الرد علي جواب الفخر الرازي و قاضي القضاة

(اقول) مع الغض عن ان هذا التأويل مخالف لصريح اللفظ لما عرفت ان دعواه لزوم التكفير بذلك ممنوعة فان من منع الناس من بعض المباحات وحرمها عليهم مع اعتقاده حليتها يكون عاصياً لا كافراً ومع اعتقاده تحريمها باجتهاد اخطأ فيه يكون مثاباً. وكذا مع اعتقاده ان في تركها مصلحة او في فعلها مفسدة وقد اشار إلي ذلك السيد المرتضي في الشافي في جوابه لكلام قاضي القضاة المتقدم فقال وليس هذا القول رداً منه علي الرسول صلي الله عليه وآله لانه لا يمتنع ان يكن استحسن حصرها في ايامه لوجه لم يكن فيما تقدم واعتقد ان الاباحة في أيام الرسول صلي الله عليه وآله كان لها شرط لم يوجد في ايامه وقد روي عنه انه صرح بهذا المعني فقال انما [ صفحه 97] أحل الله المتعة للناس علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله والنساء يومئذٍ قليل وكذلك روي عنه في متعة الحج انه قال قد علمت ان رسول الله صلي الله عليه وآله قد فعلها واصحابه ولكن كرهت ان يظلوا بهن معرسين تحت الأراك ثم يرجعوا بالحج تقطر رؤوسهم انتهي. (فان قال) ان الاجتهاد لا يكون في مقابل النص. (قلنا) نعم لو لم تعرض شبهة تدفع النص ولذلك كان من حارب علياً عليه السلام عندك مجتهداً مثاباً وان اخطأ مع وجود النص بانه مع الحق والحق معه يدور معه كيفما دار وغير ذلك مما ورد في فضله. وفيما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها كما يأتي في اخبارمتعة الحج وما ذيله به النووي ما يرفع استبعاد وقوع الشبهة في مقابل النص واما الاستشهاد بالصلوة إلي بيت المقدس فاجاب عنه المرتضي في الشافي بانه لا يشبه ما نحن فيه لأن نسخ الصلوة إلي بيت المقدس معلوم ضرورة من دينه فاذا قال انا انهي عنه علم ان المراد انهي عنه لانه منسوخ وليس كذلك المتعة مع انه لو قال الصلوة إلي بيت المقدس كانت في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله جائزة وانا انهي عنها كان قولاً في غير محله انتهي بمعناه. [ صفحه 98] وكذلك السكوت من ردع سن حرم مباحاً لا يوجب الكفر لأن غاية ما في الباب تركه لارشاد المخطئ في اجتهاده او تركه للنهي عن المنكر والأول مع فرض حرمته معصية والثاني مع فرض اجتماع الشرائط المقررة لوجوب النهي عن المنكر وعدم احتمال عذر صحيح للساكت من خوف وفقد ناصر او خوف مفسدة أعظم او نحو ذلك مما يرفع وجوب النهي او يحرمه لوجوب دفع الضرر عقلاً وشرعاً معصية ايضاً وليست كل معصية توجب الكفر ولو كان ترك الردع والمحاربة مكفراً مطلقاً لزم والعياذ بالله تكفير هارون عليه السلام بتركه محاربة بني اسرائيل واعتذاره بقوله ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني سيما مع التوعد بالرجم كما في بعض الاخبار السابقة، وفي تفسير الفخر الرازي انه روي عنه انه قال لا اؤتي برجل نكح امرأة إلي أجل إلا رجمته، اقول هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه بسنده عن ابي نضرة قال كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهي عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبدالله فقال علي يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلما قام عمر قال ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وان القران قد نزل منازله فاتموا الحج والعمرة لله كما امركم الله وابتوا نكاح هذه النساء فان اوتي برجل نكح امرأة إلي اجل الا رجمته بالحجارة وقوله فلما قام الخ ينافي قوله في رواية الموطأ المتقدمة لو كنت تقدمت فيها لرجمت [ صفحه 99] لدلالته علي انه قال ذلك في اول ولايته كما تنافيها رواية ابن ماجه علي ما بيناه في وجوه اختلاف اخبار متعة النساء ولم نكن اطلعنا علي هذا الحديث الا بعد كتابة ذلك المقام وطبعه ومن هذه الرواية يظهر بطلان ما مر عن الفخر الرازي من ان عدم انكار الصحابة لتحريم المتعة يدل علي حقيته فان الرجم غير جائز قطعاً لمكان الشبهة كما اعترف به الفخر الرازي مع ان الصحابة لم ينكروه عليه واعتذاره عن ذلك بانه لعله كان يذكر ذلك علي سبيل التهديد للسياسة ومثله جائز للإمام واستشهد بقوله صلي الله عليه وآله من منع منا الزكاة فانا اخذها منه وشطر ماله فان اخذ شطر المال من مانع الزكاة غير جائز لكنه قاله للمبالغة في الزجر مردود بانا لا نسلم عدم جواز اخذ شطر المال للنبي صلي الله عليه وآله الذي هو أولي بالمؤمنين من انفسهم وان لم يجز ذلك لغيره ولو سلم فنقول هذا كذب محرم يصان عنه شرف النبوة ومقام الرسالة والسياسة لا تسوغه لعدم انحصار الرادع فيه لامكان الردع بالتهديد بالضرب والتعزير والتأديب وقول من منعها اخذناها منه قهراً او نحو ذلك وهذا مما يوجب الاطمئنان بعدم صدور هذا الخبر الذي استشهد به عن النبي صلي الله عليه وآله قال المرتضي رحمه الله في الشافي في رد ما نقله عن المغني واما اعتماده علي الكف عن النكير فقد تقدم انه ليس بحجة إلا علي شرائط شرحناها. [ صفحه 100] (أقول) والشرائط التي اشار إليها تفهم مما ذكره في مقام اخر من ان ترك النكير قد يقع ويكون الداعي إليه غير الرضا وقد يكون الداعي اليه الرضا فهو اعم والعام لا يدل علي الخاص والنكير قد يرتفع لأمور: منها الخوف علي النفس وما جري مجراها. ومنها العلم او الظن بانه يعقب مفسدة اعظم مما يراد انكاره. ومنها الاستغناء عنه بنكير تقدم. ومنها ان يكون للرضا انتهي ملخصاً. ثم قال المرتضي فاما ادعاؤه ان امير المؤمنين عليه السلام انكر علي ابن عباس احلالها فالأمر بخلافه فقد روي عنه عليه السلام بطرق كثيرة انه كان يفتي بها وينكر علي من حرمها. وروي عن عمر بن سعد الهمداني عن حبيش بن المعتمر قال سمعت امير المؤمنين عليه السلام يقول لولا ما سبق من ابن الخطاب في المتعة ما زني الا شفي. وروي أبو بصير قال سمعت ابا جعفر محمد بن علي الباقر يقول سمعت علي بن الحسين يروي عن جده أمير المؤمنين عليهم السلام انه كان يقول لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زني إلا شفي، وقد افتي بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين. كعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، [ صفحه 101] وجابر بن عبد الله الانصاري، وسلمة بن الاكوع، وابي سعيد الخدري، وسعيد بن جبير، وابن جريح ومجاهد وغيرهم ممن يطول ذكره انتهي كلام المرتضي. ولعله يشير بغيرهم إلي ما زاده العلامة في كشف الحق وهم المغيرة بن شعبة ومعاوية بن ابي سفيان وعطا وغيرهم، وحكاه في كشف الحق ايضاً عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وقد تقدم في رواية الترمذي حكايته عن ابن عمر. (وفي كشف الحق) قال محمد بن حبيب البختري كان ستة من الصحابة وستة من التابعين يفتون باباحة المتعة للنساء. وفي تفسير الفخر الرازي ان القول بعدم نسخها مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين وقد عرفت ما حكاه الفخر الرازي نفسه عن عمران بن الحصين من انكار تحريمها وان المحرم قال ذلك برأيه، مع ما عرفت مما يدل علي صدق هذه الحكاية عن أمير المؤمنين عليه السلام وجابر وابن مسعود وابن عباس وغيرهم في تضاعيف ما تقدم مع ان مذهب امير المؤمنين عليه السلام في عدم تحريمها معلوم بالضرورة مما رواه عنه شيعته واتباعه وكذلك مذهب أولاده عليهم السلام وهم أحق بالاتباع ومن أخذ عنهم فقد دخل المدينة من قبل الباب وابن عباس لم يكن ليخالف أمير المؤمين عليه السلام في فتواه وهو تلميذه وعنه أخذ وبه اقتدي ومن ذلك يظهر فساد ما يقال [ صفحه 102] انها لو كانت مباحة لاحلها امير المؤمنين عليه السلام في امارته مع انه لم يفعل مضافاً إلي ان ذلك شهادة علي النفي لا تقبل. «قال المرضتي رضي الله عنه» في الشافي فاما سادة أهل البيت وعلمائهم فامرهم واضح في الفتيا بها كعلي بن الحسين زين العابدين وابي جعفر الباقر وابي عبدالله الصادق، وابي الحسن موسي الكاظم، وعلي بن موسي الرضا عليهم السلام، وما ذكرناه من فتيا من اشرنا إليه من الصحابة بها يدل علي بطلان ما ذكره صاحب الكتاب يعني قاضي القضاة من ارتفاع النكير لتحريمها لأن مقامهم علي الفتيا بها نكير انتهي، هذا مع تصريح جابر في الحديث المتقدم وهو من اجلاء الصحابة بانهم فعلوها علي عهد ابي بكر رضي الله عنه فكيف خفي عليهم نسخها وهي مما تشتد الحاجة إلي معرفتها وهذا مما يبطل قول الفخر الرازي انه يمتنع ان يكونوا شاكين ولذلك سكتوا لأنها مما تشتد الحاجة إليها كالدائم فانه إذا امتنع في حقهم الشك امتنع اعتقاد الخلاف فكيف اعتقدوا مشروعيتها علي عهد ابي بكر وفعلوها وهي منسوخة من زمان النبي صلي الله عليه وآله وستعرف انكار جمع من الصحابة لتحريم متعة الحج أيضاً التي اشتمل عليها هذا الحديث مع انها جمعت معها بلفظ واحد واختلافهم في حكمها بين آمر وناه فنهي عنها عثمان ومعاوية وابن الزبير كما يفهم من أحاديثها [ صفحه 103] الآتية ونهي عنها ناس كما يفهم من خبر ابي جمرة الآتي هناك وامر بها علي وابن عباس وعمران بن الحصين وسعد بن ابي وقاص واختلف في حكمها ابن عباس مع ابن الزبير وعلي مع عثمان وسعد بن ابي وقاص مع معاوية كما دلت عليه الروايات الآتية ايضاً فكيف خفي عليهم حكمها وهي مما تشتد الحاجة إليه وهو ايضاً مما يبطل قول الرازي انه يمتنع ان يكونوا شاكين بالتقريب المتقدم. فظهر ان الحديث المذكور من ادلة اباحة المتعة لا تحريمها بل هو من اقوي أدلة الاباحة، وهو حديث مشهور في كتب الفريقين قديماً وحديثاً وان كنا لم نجده في عدة من كتب الحديث التي اطلعنا عليها لاهل السنة ولعل عدم ذكرهم له فيها لذلك. وقد أجاب عنه قاضي القضاة بما تقدم ولم يتعرض لسنده ولو كان سنده غير ثابت لاكتفي بالقدح في سنده ورفع عن نفسه كلفة الجواب عنه. وكذلك الفخر الرازي كما عرفت والفضل بن الروزبهان فانه لم ينكره وتكلف للجواب عنه وعبدالحميد بن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة فانه لم يقدح في سنده واعترف بانه لا شبهة في ظهوره في إضافة النهي إلي نفسه. قال ولكن يجب ترك هذا الظاهر والعدول إلي التأويل لان العلم بحال عمر من تدينه بالإسلام واتباعه الرسول وعدم دعواه انه مشرع يكون قرينة علي التأويل. «وفيه» ان الشواهد والقرائن الكثيرة التي تقدمت علي [ صفحه 104] خلاف هذا التأويل تمنع من الحمل عليه وقد عرفت ان عدم الحمل عليه لا يستلزم كونه مشرعاً ولا مخالفاً للرسول للعذر الذي اشرنا اليه وأشار اليه المرتضي فراجع.

بقية الكلام في حديث متعتان كانتا و اشتهاره

«ومما يدل» علي اشتهار الحديث المذكور واستفادة الأباحة منه زيادة علي ما مر ما ذكره القاضي ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة يحيي بن اكتم قال حدث محمد بن منصور قال كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة إلي أن قال فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاط متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي عهد ابي بكر رضي الله عنه وانا انهي عنهما ومن انت يا جعل حتي تنهي عما فعله رسول الله صلي عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه إلي آخر ما ذكره، ونحوه ذلك حكي عن اليافعي الشافعي في ترجمة يحيي بن اكتم «وما حكاه» في المسالك عن بعض كتب أهل السنة أن رجلاً كان يفعلها فقيل له عمن أخذت حلها فقال عن عمر فقالوا له وكيف ذاك وعمر هو الذي نهي عنها وعاقب علي فعلها فقال لقوله متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وانا احرمهما واعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء فانا اقبل روايته في شرعيتها ولا اقبل نهيه من قبل نفسه انتهي. فاتضح من مجموع ما تقدم أن المشروعية ثابتة في [ صفحه 105] حياة النبي صلي الله عليه وآله وبعد وفاته بغير ناسخ ولا اقل من عدم ثبوت الناسخ وهو كاف.

فتوي زفر و ابي حنيفة في المتعة

هذا مع ما تقدم عن زفر من صحة النكاح مؤبداً وسقوط الشرط، وفي مجمع الأنهر شرح ملتقي الابحر في الفقه الحنفي في المجلد الأول منه المطبوع بالاستانة العلية سنة 1319 في صحيفة 270 «ما لفظه» وعن الامام (والظاهر ان المراد به ابو حنيفة) لو قال اتزوجك متعة ينعقد به النكاح ويلغط قوله متعة كما في الخانية أهـ.

قول مالك باباحة متعة النساء

وفي الحاشية لصاحب الشرح المذكور «ما لفظه» وقال مالك هو أي نكاح المتعة جائز لانه كان مباحاً فليبق إلي أن يظهر ناسخه أهـ. وذكر في الشرح المذكور انه منسوخ باجماع الصحابة قال فعلي هذا يلزم عدم ثبوت ما النقل من اباحته عند مالك ا هـ. فجعل السبب في عدم ثبوت النثقل النسخ باجماع الصحابة حيث ان اجماعهم غير متحقق بل عدمه ثابت لما عرفت من افتاء جماعة من الصحابة بذلك فالنقل ثابت مع أنه ذكر في الحاشية ايضاً أن المختار ان الاجماع لا يكون ناسخاً وعلي هذا فما في بعض الكتب من اتفاق الفقهاء الاربعة علي [ صفحه 106] التحريم غير صحيح لما سمعت من افتاء مالك بالاباحة هذا مع ان عمر رضي الله عنه كما نهي عن متعة النساء فقد نهي عن متعة الحج وقد جمعهما في عبارة واحدة في الحديث المشهور المتقدم بغير تفاوت واشتهر ذلك في زمانه وبعده اشتهارا لا ريب فيه.

كيف قبلوا نهيه عن متعة النساء دون متعة الحج

وكما ورد القران الشريف بمتعة الحج في قوله تعالي (فمن تمتع بالعمرة إلي الحج) أي انتفع بسبب العمرة بمحظورات الاحرام إلي وقت الدخول في الحج. كذلك ورد في متعة النساء بقوله تعالي (فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن) ووردت السنة المطهرة بالمتعتين ايضاً من طرق السنة والشيعة وفعلهما المسلمون في حياة النبي صلي الله عليه وآله. وكما اختلفت وتناقضت الأحاديث الورادة من طرق أهل السنة في النهي عن متعة النساء كما عرفت اختلفت وتناقضت الاحاديث الواردة من طرقهم في متعة الحج كما ستعرف فكيف قبلوا نهيه في الأولي ولم يقبلوه في الثانية. [ صفحه 107]

اقسام الحج وصفة حج التمتع عند الشيعة

ولابد لتوضيح المقام من تقديم مقدمة، «وهي» أن الحح علي ثلاثة اقسام. قران وافراد، وتمتع، باتفاق جميع علماء الاسلام من السنة والشيعة وان اختلفوا في بعض الخصوصيات. وصفة حج التمتع عند الشيعة ان يجعل نسكه مركباً من حج وعمرة والحج مرتبط بالعمرة فيحرم من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام من الميقات بالعمرة ويعقد احرامه بالتلبية لا بسياق الهدي ثم يأتي مكة فيطوف ويسعي ويقصر ويحل من احرامه ثم ينشيء أحراماً آخر للحج من مكة فيكون قد تمتع أي انتفع بما حرم عليه بالاحرام ولذلك سمي حج التمتع.

صفة حج التمتع عند أهل السنة

وعند أهل السنة كما يستفاد من ارشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني ومن تنوير الابصار وشرحه المسمي بالدر المختار ومن مراقي الفلاح كلاهما في مذهب الامام ابي حنيفة وغيرها بمعني استفادة المجموع من المجموع هو ان يحرم من هو علي مسافة القصر من حرم مكة بعمرة اولا هو ان يحرم من هو علي مسافة الحج وبعد الفراغ منها يحل من كل شيء ثم ينشئ حجاً من مكة من عامها ولم يعد لميقات من المواقيت ولا لمثل مسافته أهـ. وهما متقاربان ولكن العلامة في [ صفحه 108] التذكرة قال العمرة في حج التمتع عند أهل السنة هي عمرة مفردة أهـ. ولسنا بصدد تحقيق ذلك، ثم ان حج التمتع تارة يكون مقصوداً من أول الامر وتارة يكون بالعدول من الأفراد مثلاً اليه بان يحرم للحج ثم يعدل فيجعل الاحرام للعمرة وبعد الفراغ منها يأتي بالحج وهو المعبر عنه بفسخ الحج إلي العمرة وقد اجمع الفقهاء الاربعة وغيرهم علي جواز حج التمتع المشهور وهو المقصود من اول الأمر في الجملة وان كرهه او منعه ابو حنيفة للمكي.

اجماع الفقهاء الاربعة و غيرهم علي جواز حج التمتع المشهور

«قال» الشعراني في ميزانه وصاحب رحمة الأمة في اختلاف الائمة ان الائمة الثلاثة اتفقوا علي صحة الحج باحدي هذه الكيفيات الثلاث المشهورة علي الاطلاق وهي الافراد والتمتع والقران، لكل مكلف من غير كراهة مع قول ابي حنيفة بكراهة القران والتمتع للمكي هكذا في الميزان. وفي رحمة الأمة لا يشرع في حقه التمتع والقران ويكره له فعلهما أهـ. وقال النووي في شرح صحيح مسلم وقد انعقد الاجماع علي جواز الافراد والتمتع والقران وانما اختلفوا في الافضل. وقال ايضاً في موضع آخر اعلم ان احاديث الباب متظاهرة علي جواز افراد الحج عن العمرة وجواز التمتع والقران وقد اجمع العلماء [ صفحه 109] علي جوازالانواع الثلاثة ا هـ. وصرح بانقسام الحج إلي الاقسام الثلاثة القران الافراد والتمتع وجواز كل منها. الفخر الرازي في تفسيره. وصاحب مراقي الفلاح شرح نور الايضاح في مذهب الامام أبي حنيفة وصاحب الدر المختار شرح تنوير الابصار في مذهب أبي حنيفة ايضاً. وابن عبادين في حاشيته. والخطيب الشرييني في الاقناع في حل الفاظ ابي شجاع علي مذهب الشافعي وغيرهم. وبالجملة جواز حج التمتع مسلم معلوم عند جميع أهل السنة لا يحتاج إلي اكثار الشواهد عليه. وقال المرتضي رضي الله عنه في الشافي. والفقهاء في أعصارنا هذه يعني فقهاء السنة لا يرونها أي متعة الحجة خطأ بل صواباً أهـ. وقال الفضل بن الروزبهان من علماء السنة متعة الحج جوزها العلماء وذهبوا إليه أهـ.

الخلاف في جواز فسخ الحج إلي العمرة و حجة من خصه بالصحابة وردها

(وأما) فسخ الحج إلي العمرة فجوزه احمد وطائفة من أهل الظاهر ومنعه الفقهاء الثلاثة وقالوا انه كان خاصاً بالصحابة وبتلك السنة يعني لا يجوز لغير الصحابة ولا لهم في غير تلك السنة كما حكاه القسطلاني في شرح صحيح البخاري والنووي [ صفحه 110] في شرح صحيح مسلم ومحمد بن عبدالهادي الحنفي في حاشية سنن النسائي الا انه قال احمد والظاهر به. وروي جوازه عن أهل البيت عليهم السلام وجوزه فقهائهم وحكي النووي في شرح صحيح مسلم تجويزه عن القاضي عياض قال النووي في شرح قوله: إن عمر رضي الله عنه قال ان نأخذ بكتاب الله فان كتاب الله يأمر بالتمام وان نأخذ بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يحل حتي بلغ الهدي محله. «ما لفظه» قال القاضي عياض رحمه الله تعالي ظاهر كلام عمر رضي الله عنه هذا انكار فسخ الحج إلي العمرة وان نهيه عن التمتع انما هو من باب ترك الاولي لا انه منع تحريم وابطال ويؤيدهذا قوله بعد هذا قد علمت ان النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» قد فعله واصحابه لكن كرهت ان يظلوا معرسين بهن في الأراك أهـ. وهو صريح في جواز فسخ الحج إلي العمرة واحتج النووي للمانعين بحديث ابي ذر رضي الله عنه كانت المتعة في الحج لاصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم خاصة يعني فسخ الحج إلي العمرة ا هـ. واحتج هو والقسطلاني لهم بحديث الحارث بن بلال الآتي وفيه ان فسخ الحج إلي العمرة لهم خاصة قال القسطلاني واجاب المجوزون بان حديث الحارث ابن بلال ضعيف فان الدارقطني قال انه تفرد به عبدالعزير بن محمد الدراوردي عنه وقال احمد انه لا يثبت ولا نرويه عن [ صفحه 111] الدراوردي ولا يصح حديث في الفسخ ان لهم خاصة وقال مرة حديث بلال لا اقول به لا نعرف هذا الرجل ولم يروه الا الدراوردي واما الفسخ فرواه احد وعشرون صحابياً واين يقع بلال بن الحارث منهم قال واجاب النووي بانه لا معارضة بين حديث بلال وغيره أهـ. ومن ذلك يظهر قوة حجة المجوزين وضعف حجة المانعين مع ضعف جواب النووي فانه مع تسليم عدم المعارضة فالضعيف ليس حجة في نفسه مع انه يعارضه صريحاً ما في حديثي مسلم والنسائي الآتيين وغيرهما انها لابد او لابد أبداً واي عبارة اصرح من قوله لابد ابد.

الذين جوزوا حج التمتع المشهور و فسخ الحج إلي العمرة

وحمله علي ارادة ان العمرة يجوز فعلها في اشهر الحج إلي يوم القيامة كما فعل النووي خلاف الظاهر بل الظاهر ان المراد في السؤال والجواب ما فعلوه من فسخ الحج إلي العمرة وقوله دخلت العمرة في الحج اشارة إلي حج التمتع سواء حصل بفسخ الحج أم لا مع ان روايات ابي موسي الآتية تدل علي أن النهي عن فسخ الحج إلي العمرة قد حدث في زمانه ولم يكن قبل لقولهم انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في النسك وتدل ايضاً علي ان ابا موسي كان يفعل ذلك ويفتي به إلي خلافة عمر فاذا كان ذلك خاصاً بالصحابة وبتلك السنة فكيف خفي أمره إلي خلافة عمر وهو مما تشتد الحاجة إليه [ صفحه 112] وستعرف ان في تلك الروايات ما يدل علي ان النهي عنه كان فسخ الحج إلي العمرة لقوله ان نأخذ بكتاب الله فانه يأمرنا بالتمام فان المراد به كما ستعرف ان الأمر بالأتمام ينافي جواز فسخ الحج والعدول إلي العمرة ثم ان الاختصاص بالصحابة وبتلك السنة ليس له نظير في الشرع فان احكام الله تعالي في الاولين والاخرين واحدة وظاهر الاختصاص انه لم يكن محتاجاً إلي نسخ وهو عديم النظير فان حلال محمد صلي الله عليه وآله وسلم حلال إلي يوم القيامة وحرامه كذلك فهذا كما قيل في متعة النساء انها نسخت وابيحت مراراً عديدة فكيف اختصت هاتان المتعتان بشيء لم يوجد في سائر أحكام الدنيا(اذا عرفت هذا) كله ظهر لك ان الفقهاء الأربعة وغيرهم لم يقبلوا نهيه في التمتع الحاصل بغير فسخ واحمد واهل الظاهر لم يقبلوه في التمتع الحاصل بفسخ الحج إلي العمرة قال النووي في شرح صحيح مسلم قال المازري اختلف في المتعة التي نهي عنها عمر في الحج فقيل هي فسخ الحج إلي العمرة وقيل هي العمرة في اشهر الحجر ثم الحج من عامه وعلي هذا انما نهي عنها ترغيبا في الأفراد الذي هو أفضل لا انه يعتقد بطلانها او تحريمها وقال القاضي عياض ظاهر حديث جابر وعمران وابي موسي ان المتعة التي اختلفوا فيها يعني الصحابة انما هي فسخ الحج إلي العمرة ثم قال النووي والمختار ان عمر وعثمان وغيرهما انما نهوا عن المتعة التي هي الأعتمار في اشهر الحج ثم الحج من عامه ومرادهم [ صفحه 113] نهي اولوية للترغيب في الأفراد لكونه افضل أهـ.

الذين حملوا متعة الحج المنهي عنها علي فسخ الحج إلي العمرة

وقال النووي في موضع آخر في شرح قول مسلم كان عثمان رضي الله عنه ينهي عن المتعة وكان علي رضي الله عنه يأمر بها «ما لفظه» المختار أن المتعة التي نهي عنها عمثان هي التمتع المعروف في الحج وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم وانما نهيا عنها لان الافراد افضل وهو مأمور بصلاح رعيته وكان يري الأمر بالافراد من جملة صلاحهم، وقال في موضع آخر بعد ذكر تظاهر الاخبار علي جواز الافراد والتمتع والقران في الحج واجماع العلماء علي ذلك واما النهي الوارد عن عمر وعثمان رضي الله عنهما فسنوضح معناه يعني انه نهي تنزيه للعدول إلي الأفضل لا نهي تحريم كما مر، وحمل غير واحد متعة الحج المنهي عنها في الحديث المذكور علي فسخ الحج إلي العمرة تخلصاً من الاشكال المتقدم. «منهم» الفخر الرازي في تفسيره فانه قال في تفسير فمن تمتع بالعمرة إلي الحج في سورة البقرة والتمتع بالعمرة إلي الحج هو ان يقدم مكة فيعتمر في اشهر الحج ثم يقيم بمكة حلالا ثم ينشيء منها الحج فيحج من عامة ذلك والتمتع علي هذا الوجه صحيح لا كراهة فيه، وههنا نوع آخر من التمتع مكروه وهو [ صفحه 114] الذي حذر عنه عمر وقال متعتان كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وانا انهي عنهما واعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج. والمراد من هذه المتعة ان يجمع بين الاحرامين ثم يفسخ الحج إلي العمرة ويتمتع بها إلي الحج ثم ذكر الرواية عنه صلي الله عليه وآله انه اذن لاصحابه في ذلك ثم نسخ والوراية عن ابي ذر انه قال ما كانت متعة الحج إلا لنا خاصة وقال ما حاصله فكأن السبب فيه شدة انكارهم للعمرة في اشهر الحج فبالغ صلي الله عليه وآله وسلم في ابطاله بنقلهم في اشهر الحج من الحج إلي العمرة وهذا السبب لا يشاركهم فيه غيرهم فلذا كان فسخ الحج خاصا بهم أهـ. «ومنهم» القسطلاني في شرح صحيح البخاري لكنه لم يجزم بذلك بل تردد بينه وبين ارادة التمتع المشهور وكون النبي للتنزيه قال في شرح قوله وعثمان ينهي عن المتعة «ما لفظه» أي عن فسخ الحج إلي العمرة لانه كان مخصوصاً بتلك السنة التي حج فيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم او عن التمتع المشهور والنهي للتنزيه ترغيباً في الافراد انتهي. «ومنهم» قاضي القضاة في المغني فانه قال علي ما حكاه عنه الشريف المرتضي في الشافي فاما متعة الحج فانما اراد ما كانوا يفعلون من فسخ الحج لانه كان يحصل لهم عنده التمتع ولم يرد بذلك التمتع الذي يجري مجري تقديم العمرة واضافة [ صفحه 115] الحج إليها لان ذلك جائز لم يقع فيه فسخ ا هـ. فان الظاهر ان مراده من فسخ الحج فسخه إلي العمرة. ويحتمل ان يريد ابطال الحج بعد الشروع فيه. وكأن المرتضي رحمه الله في الشافي حمله علي المعني الثاني ولذلك اجاب عنه بان ذلك لا يسمي متعة. وبان ذلك ما فعل في ايام النبي صلي الله عليه وآله ولا فعله احد من المسلمين بعده وانما هو من سنن الجاهلية فلا يصح حمل كلامه عليه ا هـ. (أقول) حمل التمتع المنهي عنه علي فسخ الحج إلي العمرة خاصة فيه. (أولاً) انه خلاف المتبادر المعروف بين الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً. (وثانياً) ان متعة الحج كما تصدق علي ما يحصل بفسخ الحج إلي العمرة تصدق علي ما يحصل بحج التمتع المعروف لحصول الانتفاع بمحظورات الاحرام في كل منهما بل صدقها علي الثاني اشهر واعرف فكلاهما متعة الحج وكلاهما كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيشملهما النهي الواقع عن متعة الحج بوجه العموم فما الذي خصصه بفسخ الحج. وحكي النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض عن ابن عبدالبر انه قال لا خلاف بين العلماء ان التمتع المراد بقوله تعالي (فمن تمتع بالعمرة إلي الحج فما استيسر من الهدي) [ صفحه 116] هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج إلي ان قال ومن التمتع ايضاً فسخ الحج إلي العمرة ا هـ. مع ان فسخ الحج بما هو فسخ لا يسمي متعة وانما هو سبب لها. ومن ذلك يظهر انه ليس لهم التمسك بما ورد في عدة اخبار من أنهم كانوا محرمين بالحج أو بحج الافراد فأمرهم عليه السلام بفسخه إلي العمرة وجعل الحج حج تمتع كما في احاديث جابر وعائشة الآتية وغيرها فان تلك الاخبار لم تدل علي انحصار متعة الحج بذلك غاية الأمر ان يكون ذلك من اقسامها فيعمه النهي كما يعم حج التمتع المشهور. (وثالثاً) انه ينافيه التعليل المروي عنه في بعض الروايات الآتية من كراهة ان يظلوا معرسين بنسائهم في الأراك ثم يروحون إلي الحج تقطر رؤوسهم فان هذه العلة لا تختص بفسخ الحج إلي العمرة بل تعم حج التمتع المشهور فان المراد منها كراهة اتيانهم النساء بعد العمرة وقبل الحج مع قرب اوانه وهذا حاصل في حج التمتع كما لا يخفي. (ورابعاً) انه معارض بما تقدم عن النووي من اعترافه في عدة مواضع من شرح صحيح مسلم بان المتعة التي كان ينهي عنها عمر رضي الله عنه في الحج هي حج التمتع المعروف. وبما تقدم عن المازري من الخلاف فيها انها فسخ الحج أو حج التمتع المعروف وكذلك ترديد القسطلاني فيما تقدم بين المعنيين [ صفحه 117] مما يدل علي ان تفسيرها بفسخ الحج غير مسلم. (وخامساً) ان فسخ الحج إلي العمرة جوزه أحمد والظاهرية والقاضي عياض كما عرفت بل ومن الصحابة عمران بن الحصين وسعد بن ابي وقاص فانهما انكرا تحريم متعة الحج التي نهي عنها عمر باي معني فسرت وكذا انكره جابر وابن عباس كما ستعرف وانت قد فسرتها بفسخ الحج إلي العمرة فيكون الذي انكر تحريمه هؤلاء هو فسخ الحج إلي العمرة فليكن تجويز الشيعة لمتعة النساء كتجويز من ذكر المتعة، الحج مع وقوع النهي عنهما في الحديث المشهور. وقد عرفت فيما تقدم قوة حجة المجوزين لفسخ الحج إلي العمرة وضعف حجة المانعين بما لا مزيد عليه، هذا الكلام علي ما تشترك فيه هذه الكلمات واما ما يختص ببعضها فاما كلام الفخر الارزي ففيه نظر من وجوه:

وجوه النظر في كلام الفخر الرازي في متعة الحج

(احدها) ان قوله في تفسير المتعة الجائز ان يقدم مكة فيعتمر ظاهره ان العمرة تكون من مكة مع الاتفاق علي انها لا تكون الا من الميقات كما صرح به القسطلاني وصاحب مراقي الفلاح وغيرهما وكانه يريد أن يقدم مكة فيتم افعال العمرة أو معني يقدم يريد القدوم وهو تعسف في التعبير بغير داعي. [ صفحه 118] (ثانيها) تعبيره عن المنسوخ المتوعد عليه بالعقاب بالمكروه. (ثالثها) ان قوله تفسير المتعة المنهي عنها ان يجمع بين الاحرامين لم نجده في كلام غيره ولا في شيء من روايات البخاري ومسلم وغيرهما والذي صرح به القسطلاني فيما يأتي وفي عدة مواضع من كتابه ان الاحرام كان للحج وحده لا له وللعمرة معا، وكذلك الذي صرحت به عدة من الروايات ان الذين امرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان يفسخوا الحج إلي العمرة حين لم يسوقوا الهدي كانوا احرموا بالحج وحده لا به وبالعمرة مثل روايات البخاري الآتية عن جابر وعائشة وروايتي مسلم والنسائي عن جابر الاتيتين ايضاً وقد اكد فيهما كون الاحرام للحج وحده بابلغ عبارة ولعل القصد بذلك التاكيد التعريض بمن ينكر فسخ الحج إلي العمرة وغيرها من الاحاديث مما لم نذكره وهي كثيرة في صحيحي مسلم والبخاري وغيرهما فكيف خصصه بمن جمع بينهما «نعم» في بعضها كون الاحرام لهما لكن مع عدم الفسخ. «مثل» ما في البخاري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ومنا من اهل بحجة وعمرة إلي ان قالت فاما من اهل بالحج او جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتي كان يوم [ صفحه 119] النحر.

الرد علي دعوي اختصاص فسخ الحج بالصحابة و بتلك السنة

(رابعها) ان دعوي اختصاص فسخ الحج بالصحابة لا يكاد يتم لتضعيف الدارقطني لحديث اختصاصه بالصحابة وانكار احمد له غاية الانكار ومبالغته في ذلك وكونه لا نظير له في الشرع كما تقدم ذلك كله، ولأن اختصاصه بالصحابة وبتلك السنة ينافيه ما يأتي في روايات ابي موسي من فعله لها وافتائه الناس بها إلي خلافة عمر فكيف خفي عليه نسخها وعلي الناس طول هذه المدة مع ان قولهم انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في النسك بعدك يدل علي حدوث النهي في ذلك الوقت كما مر عند المناقشة مع الفخر الرازي في متعة النساء، ولأن قوله كانتا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ظاهر في ثبوتهما طول عهده لا تلك السنة فقط إلي غير ذلك، ثم ان ما ذكره القسطلاني من جعل النهي للتحريم ان اريد فسخ الحج إلي العمرة لكونه كان خاصاً بتلك السنة ينافي ما ذكره في شرح حديث جابر الآتي حيث قال (فأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم اصحابه) ممن ليس معه هدي (ان يجعلوها) أي الحجة التي اهلوا بها (عمرة) وهو معني فسخ الحج إلي العمرة [ صفحه 120] هـ. ثم قال لا يقال الحديث يدل علي ان التمتع افضل لأنه عليه الصلوة والسلام لا يتمني الا الأفضل الخ فان هذا الكلام ظاهر في بقاء مشروعية فسخ الحج إلي العمرة والا فلا ثمرة في هذا السؤال ولا معني للبحث عن المنسوخ انه افضل ام لا فينافي جعل النهي عن فسخ الحج نهي تحريم وانه خاص بتلك السنة إلا أن يريد أن الحديث يدل علي جواز فسخ الحج إلي العمرة وان ما يحصل بالفسخ من التمتع افضل إذا نسخ جواز الفسخ بقيت الدلالة علي افضلية التمتع بغير فسخ ثابتة وهو بعيد فمع هذا الاضطراب الذي سمعته في كلماتهم في تفسير التمتع المنهي عنه كيف يعول علي شيء منها فظهر من مجموع ما تقدم أن متعة الحج التي نهي عنها عمر رضي الله عنه هي حج التمتع بعينه المعروف بين الفريقين قديماً وحديثاً إلي الان او هو داخل فيها وان حملها علي فسخ الحج إلي العمرة انما هو من ضيق الخناق مع انه غير مجد كما عرفت.

اختلاف اخبار متعة الحج

اما اختلاف الاحاديث الواردة في متعة الحج وتناقضها الذي اشرنا اليه، فهو ان: (في بعضها) ما يدل علي امر النبي صلي الله عليه وآله وسلم بها وفعل الصحابة لها في زمانه «مثل» ما رواه البخاري بسنده عن جابر بن عبدالله قال [ صفحه 121] أهل النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو واصحابها بالحج وليس مع احد منهم هدي غير النبي صلي الله عليه وآله وسلم وطلحة وقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال اهللت بما اهل به النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم اصحابه ان يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا الا من كان معه الهدي فقالوا ننطلق الي مني وذكر احدنا يقطر منيا فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال لو استقبلت من امري ما استدبرت ما اهديت ولولا ان معي الهدي لأحللت «الحديث». وما رواه البخاري بسنده عن جابر ايضاً انه حج مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم الي ان قال وقد اهلوا بالحج مفردا فقال لهم احلوا من احرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم اقيموا حلالا حتي اذا كان يوم التروية فاهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما امرتكم فلولا اني سقت الهدي لفعلت مثل الذي امرتكم «الحديث». وما رواه مسلم بسنده عن جابر ايضاً قدمنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج فامرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان نجعلها عمرة ونحل وكان معه ونحل وكان معه الهدي فلم يستطع ان يجعلها عمرة. وما رواه مسلم ليضاً بسنده عن جابر قدمنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونحن نقول لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان نجعلها عمرة. [ صفحه 122] وقد سمعت ما رواه مسلم والنسائي عن جابر عند تفسير فسخ الحج الي العمرة. وما رواه البخاري ايضا عن عائشة رضي الله عنها. خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولا نري الا انه الحج فلما تطوفنا بالبيت امر صلي الله عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي ان يحل. «وفي صحيح مسلم» بسنده عن عائشة قدم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاربع مضين من ذي الحجة او خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من اغضبك يا رسول الله ادخله الله النار قال او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون لو اني استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتي اشتريه ثم احل كما حلوا، قال النووي في الشرح اما غضبه صلي الله عليه وآله وسلم فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالي (فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فغضب صلي الله عليه وآله وسلم لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص ايمانهم وفي دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين وفيه جواز الدعاء علي المخالف لحكم الشرع انتهي. [ صفحه 123] «وفي صحيح البخاري» بسنده عن ابن عباس انه سئل عن متعة الحج فقال اهل المهاجرين والأنصار وازواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع واهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اجعلوا اهلا لكم بالحج عمرة الا من قلد الهدي طفنا بالبيت وبالصفا والمروة واتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فانه لا يحل له حتي يبلغ الهدي محله ثم امرنا عشية التروية ان نهل بالحج فاذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا الي ان قال فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فان الله تعالي انزله في كتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وآله وسلم واباحه للناس غير اهل مكة قال ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام «الحديث». «وفي صحيح مسلم» بسنده ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم امر ازواجه ان يحللن عام حجة الوداع قالت حفصة ما يمنعك ان تحل قال اني لبدت وأسي وقلدت هديي فلا احل حتي انحر هديي. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن عبدالله بن عمر قال تمتع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة الي الحج االي ان قال فلما قدم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم اهدي فانه لا [ صفحه 124] يحل من شيء حرم منه حتي يقضي حجه ومن لم يكن منكم اهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج «الحديث». وهو صريح في ان من لم يسق الهدي حج حج التمتع المعروف، الي غير ذلك من الاحاديث التي بهذا المضمون وهي كثيرة وكلها ما عدي الاخيرين ظاهرة في التمتع الذي هو بمعني فسخ الحج الي العمرة والثلاثة الأخيرة لورودها في حجة الوداع تبعد فيها دعوي النسخ. (وفي بعضها) ما يدل علي نهي عمر رضي الله عنه عنها (مثل) ما في سنن النسائي الصغري بسنده عن ابي موسي وذكر انه قدم من اليمن علي رسول الله صلي الله عليه واله بمكة حاجا فامرة ان يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ويحل قال فجعلت افتي الناس بذلك حتي كان في خلافة عمر فقال له رجل يا ابا موسي رويدك بعض فتواك فانك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعدك قال ابو موسي يا ايها الناس من كنا افتيناه فليتئد فان امير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به وقال عمر ان نأخذ بكتاب الله فانه امرنا بالتمام وان نأخذ بسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فان النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يحل حتي بلغ الهدي محله. [ صفحه 125] «وفي سنن النسائي» الصغري ايضا بسند اخر عن ابي موسي وذكر ان النبي صلي الله عليه واله امره حين لم يسق الهدي ان يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل قال فكنت افتي الناس بذلك في امارة ابي بكر وامارة عمر واني لقائم بالموسم اذ جاءني رجل فقال انك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في شأن النسك قلت ايها الناس من كنا افتيناه بشيء فليتئد فان امير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به فلما قدم قلت يا امير المؤمنين ما هذا الذي احدثت في شأن النسك قال ان نأخذ بكتاب الله عز وجل فان الله عز وجل قال واتموا الحج والعمرة لله وان نأخذ بسنة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم لم يحل حتي نحر الهدي، وروي مسلم في صحيحه عدة روايات في قصة ابي موسي بهذا المضمون. «وفي صحيح البخاري» بسنده عن ابي موسي وذكر ان النبي صلي الله عليه واله امره حين لم يسق الهدي ان يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم امر بالاحلال الي ان قال فقدم عمر رضي الله عنه فقال أن نأخذ بكتاب الله فانه يأمونا بالتمام قال تعالي (واتموا الحج والعمرة لله) وان نأخذ بسنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم فانه لم يحل حتي نحر الهدي. (اقول) المراد في هذه الاحاديث ان كلا من الكتاب [ صفحه 126] والسنة يبطل التمتع قال محمد بن عبدالهادي الحنفي في حاشية سنن النسائي في شرح الحديث الاول والحاصل ان الجمع بين القرآن السنة اداه الي النهي عن التمتع الخ، وقال القاضي عياض فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم ظاهر كلام عمر رضي الله عنه هذا انكار فسخ الحج الي العمرة الي اخر ما تقدم، والمراد بفسخ الحج الي العمرة قلب احرام الحج اليها ومنعه عن هذا مستفاد من استشهاده بقوله تعالي (واتموا الحج) فانه استفاد من الامر باتمام الحج عدم جواز الفسخ فان الفسخ ينافي الاتمام، ووجهه محمد بن عبدالهادي الحنفي في حاشية سنن النسائي بقوله أي واتمام كل باتيانه بسفر جديد او باحرام جديد لا يجعل احدهما تابعا للاخر أهـ. فقد حمل القاضي عياض النهي في هذه الاخبار علي النهي عن فسخ الحج الي العمرة وحمله المحشي علي النهي عن حج التمتع المشهور. «وفي بعضها» ما يدل علي فعل النبي صلي الله عليه واله لها والصحابة وعدم نسخها بكتاب ولا سنة وان نهي الناهي عنها كان برأيه «مثل» ما في سنن النسائي الصغري بسنده عن مطرف عن عمران بن حصين ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد تمتع وتمتعنا معه قال فيها قائل [ صفحه 127] برأيه. قال محمد بن عبد الهادي الحنفي في الحاشية قوله قال فيها أي في النهي عن المتعة قائل برأيه فلا عبرة به في مقابلة صريح السنة انتهي. «وفي صحيح البخاري» بسنده عن مطرف عن عمران قال تمتعناعلي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء قال القسطلاني في الشرح هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان لان عمر اول من نهي عنها فكان من بعده تابعا له في ذلك ففي مسلم ان ابن الزبير كان ينهي عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرا فأشار الي ان اول من نهي عنها عمر انتهي، وهاتان الروايتان وان اطلق فيهما لفظ التمتع الا ان النسائي والبخاري اورداهما في الحج لا في النكاح مع ان الاولي ظاهرة بنفسها في ارادة متعة الحج لقوله تمتع وتمتعنا معه «وفي صحيح مسلم» بسنده عن مطرف ان عمران بن حصين قال له اني لاحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم واعلم ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد اعمر طائفة من اهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتي مضي لوجهه ارتأي كل امرئ بعد ما شاء ان يرتئي «ورواه مسلم» ايضاً بسندين اخرين احدهما عن ابن حاتم قال وفي رواية ابن حاتم ارتأي رجي برايه ما شاء يعني عمر. [ صفحه 128] (اقول) اعمر طائفة من اهله أي امرهم بالعمرة في العشر أي عشر ذي الحجة، وفي النهاية الاثيرية ارتأي فكر وتأني وهو افتعل من رؤية القلب او من الرأي أهـ. «وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن مطرف عن عمران بن حصين تمتعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم ينزل فيه القران قال رجل برأيه ما شاء «ورواه» مسلم بسند اخر وفيه تمتع نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم وتمتعنا معه. (اقول) المراد في هذه وما قبلها متعة الحج كما عرفت وأوردهما مسلم في ذلك الباب. «وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن ابي رجاء عن عمران بن الحصين نزلت اية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وامرنا بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم لم تنزل اية تنسخ اية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي مات قال رجل برأيه بعد ما شاء «ورواه» مسلم ايضاً بسند اخر مثله غير انه قال وفعلناها مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يقل وامرنا بها، وفي شرح النووي لصحيح مسلم قال رجل برأيه ما شاء يعني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وقال النووي ايضاً في الشرح المذكور بعد ايراد مضامين روايات عمران بن الحصين [ صفحه 129] المتقدمة ورواياته الاتية في الجمع بين الحج والعمرة «ما لفظه» هذه الروايات كلها متفقة علي ان مراد عمران ان التمتع بالعمرة الي الحج جائز وكذلك القران وفيه التصريح بانكاره علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر انه لم يرد ابطال التمتع بل ترجيح الافراد عليه أهـ. «وفي سنن النسائي» وموطأ مالك بسندهما عمن سمع سعد بن ابي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن ابي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة الي الحج فقال الضحاك لا يصنع ذلك الا من جهل امر الله فقال سعد بئسم اقلت يا ابن اخي قال الضحاك فان عمر بن الخطاب نهي عن ذلك قال سعد قد صنعها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وصنعناها معه. «وفي بعضها» ما يدل علي جمع النبي صلي الله عليه واله بين الحج والعمرة وعدم نسخ ذلك بكتاب ولا سنة وانه نهي عن ذلك برأيه «مثل» ما في سنن النسائي الصغري بسنده عن مطرف عن عمران ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنهما النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال فيهما رجل برأيه ما شاء. (قال) محمد بن عبدالهادي الحنفي المعروف [ صفحه 130] بالسندي في الحاشية قال فيهما رجل أي عمر فانه كان ينهي عن الجمع كعثمان «وفي» سنن النسائي الصغري أيضاً بطريق آخر عن مطرف عن عمران ابن حصين أن رسول الله صلي الله عليه وآله جمع بين حج وعمرة ثم توفي قبل أن ينهي عنها وقبل ان ينزل القرآن بتحريمه وهو وان لم يكن فيه تصريح بنهي عمر عنها لكن المراد منه التعريض بذلك بقرينة غيره. «وفي صحيح مسلم» بسنده عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن عمران بن حصين قال اعلم ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيهما كتاب ولم ينهنا وعنهما قال فيها رجل برأيه ما شاء. «وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن مطرف ان عمران ابن حصين قال له احدثك حديثاً عسي الله ان ينفعك به ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتي مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وقد كان يسلم علي حتي اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد «وفيه ايضاً» بسنده عن مطرف بعث الي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال اني محدثك باحاديث لعل الله ان ينفعك بها بعدي فان عشت فاكتم عني وان مت فحدث بها ان شئت انه قد سلم علي واعلم ان نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء، والظاهر عدم [ صفحه 131] رضاه بالتحديث بها في حياته للخوف ممن قال فيها برأيه ما شاء وقال النووي في شرح صحيح مسلم اراد بقوله ان عشت فاكتم عني الاخبار بالسلام عليه لانه كان به بواسير فكان يصبر علي المها وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوي فانقطع سلامهم فترك فعادوا فكره ان يشاع ذلك عنه خوف الفتنة انتهي. ملخصا وفيه ان ظاهر الكلام كراهته التحديث بالجميع لا بخصوص السلام والا لنص عليه ولم يحرم الناس من فائدة التعلم في حياته ثم ان المراد بالجمع بين الحج والعمرة علي الظاهر الجميع بينهما في عام واحد بان يكون حجه حج تمتع فان ذلك هو الذي اشتهر عن عمر النهي عنه ويدل عليه ما يأتي في الاخبار الدالة علي اختصاصها بالصحابة ويحتمل ان يراد به جمع الحج والعمرة في احرام واحد وهو حج القران عندهم. (وفي بعضها) ما يدل علي ترخيصه في الجمع بين الحج والعمرة «ففي» سنن النسائي الصغري بسنده ما معناه ان رجلا كان نصرانيا فاسلم ورأيالحج والعمرة واجبين عليه فسأل رجلا من عشيرته فقال اجمعهما ثم اذبح ما استيسر من الهدي فاهل بهما فلقي سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وهو يهل بهما فقال احدهما للاخر ما هذا بافقه من بعيره فاتي عمر فسئله فقال هديت لسنة نبيك «وروي» النسائي ايضاً هذا المضمون بطريقين اخرين قال محمد بن عبدالهادي الحنفي في الحاشية (ما هذا بافقه من بعيره) أي ان عمر منع عن الجمع [ صفحه 132] واشتهر ذلك المنع وهو لا يدري به فهو والبعير سواء في عدم الفهم ثم قال فان قلت كان عمر يمنع عن الجمع فكيف قرره علي ذلك باحسن تقرير قلت كأنه يري جواز ذلك لبعض المصالح ويري انه جواز للنبي صلي الله عليه وآله وسلم لذلك فكأنه كان يري من عرض له مصلحة اقتضت الجمع في حقه فالجمع في حقه سنة انتهي. ثم انه يحتمل ان يراد من جمعهما جمعهما في احرام واحد وهو حج القران عندهم كما عرفت. فيكون خارجا عما نحن فيه وربما يرشد اليه قوله وهو يهل بهما، ويحتمل ان يراد جمعهما لعام واحد كما هو الشأن في حج التمتع فيكون دالا علي الترخيص في متعة الحج ولا ينافيه قوله وهو يهل بهما فان حج التمتع لارتباط العمرة فيه بالحج وتركب النسك منهما يجوز الاهلال بهما في احرام العمرة الذي هو اول الافعال كما ورد عن اهل البيت عليهم السلام من طريق الشيعة في التلبيات المستحبة في احرام عمرة التمتع زيادة علي الاربعة الواجبة لبيك بعمرة وحجة تمامها عليك لبيك مع ان الاحرام للعمرة وحدها. (وفي بعضها) ما يدل علي اعترافه بالمشروعية وانه انما نهي عنها كراهية ان يظلوا معرسين بنسائهم «مثل» ما في سنن النسائي الصغري بسنده عن ابراهيم بن ابي موسي عن ابي موسي انه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل رويدك بعض فتياك فانك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعد حتي [ صفحه 133] لقيته فسألته فقال عمر قد علمت ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد فعله ولكن كرهت ان يظلوا معرسين بهن في الاراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم «ورواه» مسلم في صحيحه بسنده الي ابراهيم مثله الا انه زاد واصحابه بعد قد فعله. (وفي بعضها) اعترافه بالنهي عنها مع انها في كتاب الله وفعلها رسول الله صلي الله عليه واله «مثل» ما في سنن النسائي الصغري ايضا بسنده عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول والله اني لانهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعني العمرة في الحج انتهي. (قال) محمد بن عبدالهادي الحنفي المعروف بالسندي في الحاشية قوله وانها لفي كتاب الله أي فاعلم تأويل الكتاب والسنة وان النهي لا يخالف الكتاب والسنة اذ لا يظن به انه قصد به اظهار مخالفته للكتاب والسنة انتهي. (وفي بعضها) انها كانت مخصوصة بالصحابة فقط «مثل» ما في صحيح مسلم بسنده عن ابي ذر قال كانت المتعة في الحج لاصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم خاصة. «وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن ابي ذر لا تصلح المتعتان الا لنا خاصة يعني النساء ومتعة الحج انتهي. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده ان ابراهيم النخعي قال [ صفحه 134] لابن ابي الشعثاء لما قال اني اهم ان اجمع العمرة والحج العام لكن ابوك لم يكن ليهم بذلك وانه ذكر ذلك لابي ذر بالربذة فقال انما كانت لنا خاصة دونكم والمراد بجمع العمرة والحج هو حج التمتع بقرينة الخبرين قبله لا جمعهما في احرام واحد وفي سنن النسائي بسنده عن الحارث بن بلال عن ابيه قلت يا رسول الله افسخ الحج لنا خاصة ام للناس عامة قال لنا خاصة. (وفي بعضها) انها كانت لابد الابد او ليوم القيامة روي مسلم في صحيحه بسنده عن عطا عن جابر اهللنا اصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا وحده فقدم النبي صلي الله عليه وآله وسلم فامرنا ان نحل الي ان قال فقدم علي فقال بما اهللت قال بما اهل به النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاهد وامكث حراما فقال سراقة بن مالك يا رسول الله العامنا هذا ام لابد قال لابد. قال النووي في الشرح وفي الرواية الاخري فقام سراقة بن مالك فقال يارسول الله العامنا هذا ام لابد فشبك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اصابعه واحدة في الاخري وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لابد ابد. وروي النسائي في سننه بسنده عن عطا عن جابر اهللنا اصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا ليس معه غيره خالصا وحده الي ان قال فامرنا النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال احلوا واجعلوها [ صفحه 135] عمرة الي ان قال وقدم علي من اليمن ثم ذكر نحوا مما مر عن مسلم ثم قال وقال سراقة بن مالك يا رسول الله ارأيت عمرتنا هذه لعامنا أم لابد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هي لابد. وروي النسائي ايضا بسنده عن سراقة تمتع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتمتعنا معه فقلنا لنا خاصة ام لابد قال بل لابد. وفي صحيح مسلم بسنده عن ابن عباس قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هذه عمرة استمتعنا بها فمن لمن يكن عنده الهدي فليحل الحل كله فان العمرة قد دخلت في الحج الي يوم القيامة.

الاخبار الدالة علي احتلاف الصحابة في متعة الحج

(وفي بعضها) ما يدل علي اختلاف الصحابة في حكمها «ففي» صحيح مسلم بسنده عن مسلم القوي سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهي عنها فقال هذه ام ابن الزبير تحدث ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رخص فيها فدخلنا عليها فقالت قد رخص رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيها ورواها ايضا بطريقين اخرين وفي احدهما المتعة ولم يقل متعة الحج وفي الاخر قال الراوي لا ادري متعة الحج او متعة النساء «وفي صحيح مسلم» بسنده عن ابي جمرة الضبعي تمتعت فنهاني ناس عن ذلك فاتيت ابن عباس فسألته [ صفحه 136] عن ذلك فامرني بها قال ثم انطلقت الي البيت فاتاني ات في منامي فقال عمرة متقبلة وحج مبرور قال فأتيت ابن عباس فأخبرته بالذي رأيت فقال الله اكبر الله اكبر سنة ابي القاسم صلي الله عليه وآله وسلم

الاخبار الدالة علي ان متعة الحج كانت رخصة

(وفي بعضها) انها كانت رخصة كما جاء مثل ذلك في متعة النساء «ففي» صحيح مسلم بسنده عن ابي ذر كانت لنا رخصة يعني المتعة في الحج «فهذا» شأن هذه الاخبار علي اختلافها وتناقضها وليست باكثر تناقضا مما ورد في النهي عن متعة النساء كما بيناه عند ذكرها.

في ان حال المتعتين في الاسلام واحد

«فظهر» ان حال المتعتين في الاسلام واحد وان النهي عنهما كان بعد ثبوتهما بالكتاب والسنة، فكما تركنا نحن وانتم نهيه في متعة الحج بمعني حج التمتع المشهور واخذنا بما ثبت من الكتاب والسنة وتركناه نحن واحمد وبعض اهل الظاهر وغيرهم في متعة الحج الحاصلة بفسخ الحج الي العمرة فلنتركه في متعة النساء ونأخذ بما ثبت من الكتاب والسنة، وكما امكن عندكم وعند احمد واهل الظاهر وغيرهم ان يكون له محمل صحيح في نهيه عن متعة الحج بمعني حج التمتع المشهور او [ صفحه 137] بمعني فسخ الحج الي العمرة يرفع عنه تعمد مخالفة الكتاب والسنة ولا يلزمنا الاخذ بقوله علي كل حال فليكن له محمل صحيح في نهيه عن متعة النساء يرفع عنه تعمد مخالفة الكتاب والسنة ولا يلزمنا الاخذ بقوله علي كل حال فكيف قلتم في متعة النساء انه لا بد ان يكون نهيه مستندا الي نهي النبي صلي الله عليه واله لانه لا يخالف الكتاب والسنة ولم تقولوا مثله في متعة الحج (فان قلتم) ان نهيه في متعة الحج نهي تنزيه بمعني النهي عن ترك الاولي والارشاد الي افضل الافراد لا نهي تحريم كما جمع بذلكك بين الروايات القاضي عياض وايده بقوله قد علمت ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد فعله واصحابه لكن كرهت ان يظلوا معرسن بهن في الاراك والنووي في شرح صحيح مسلم والقسطلاني في شرح صحيح البخاري علي وجه كما تقدم ذلك كله في تضاعيف ما مر. (قلنا) فليكن نهيه عن متعة النساء ايضا نهي تنزيه ونهيا عن ترك الاولي (فان قلتم) لا يمكن ذلك في متعة النساء للتوعد عليها بالرجم في قوله لو تقدمت لرجمت وقوله لا اوتي برجل نكح الي اجل الا رجمته بالحجارة كما في بعض الروايات السابقة (قلنا) وكذلك متعة الحج توعد عليها بالعقاب في الحديث المشهور وقال القاضي عياض كما في شرح النووي لصحيح مسلم كان عمر رضي الله عنه يضرت الناس عليها يعني علي متعة الحج (فان قالوا) التوعد بالعقاب علي متعة [ صفحه 138] الحج كان للسياسة واستصلاح الرعية بحملهم علي الافضل بالابعاد من دون ان يعاقبهم والامام مامور باصلاح رعيته (قلنا) فليكن التوعد بالرجم في متعة النساء سياسيا لقصد اصلاح الرعية وحملهم علي ترك خلاف الاولي وما يلحقهم بسببه العار بالتوعد من دون ان يعاقبهم كما اجاب بذلك الفخر الرازي عن عدم جواز الرجم في نكاح الشبهة ونظره بقوله عليه السلام من منع منا الزكاة اخذناها منه ونصف ماله علي ما تقدم مع انك قد سمعت انه كان يضرب الناس علي متعة الحج ولا يكتفي بالتهديد، هذا مع ان حمل النهي علي النهي عن ترك الاولي فيه. (اولاً) انه خلاف ظاهر النهي لظهوره في التحريم بل خلاف صريحه بعد اقترانه بقوله واعاقب عليهما وخلاف ظاهر قوله ان نأخذ بكتاب الله الخ. (وثانياً) ان المتعتين قد نهي عنهما في عبارة واحدة في الحديث المشهور وتوعد بالعقاب عليهما فالتفكيك يجعل النهي في احدهما للتنزيه وفي الاخري للتحريم غير ممكن. (وثالثاً) ان كثيراً من الروايات الواردة عن النبي صلي الله عليه واله في صحيح البخاري وغيره تدل علي ان حج التمتع افضل كقوله عليه السلام لما امر اصحابه من لم يسق الهدي منهم ان يحلوا من احرامهم ويجعلوها عمرة لو استقبلت من [ صفحه 139] امري ما استدبرت ما اهديت او لفعلت مثل الذي امرتكم فانه عليه السلام لا يتمني الا الافضل واعتذار ابن دقيق العيد عن ذلك فيما حكاه القسطلاني في شرح صحيح البخاري بان التمني ليس لكونه افضل بل لامر خارج غير صحيح لانه عليه السلام لا تأخذه في الله لومة لائم، ومراده بالامر الخارج ما رآه من كراهة اصحابه للاحلال كما يدل عليه قولهم ننطلق الي مني وذكر أحدنا يقطر منياً وغير ذلك كما مر. (ورابعاً) ان هذا الحمل يبطله قول عمران بن الحصين في الروايات السابقة ان القران لم ينزل بالتحريم ولم ينزل فيه قران يحرمه فانه يدل علي انه علم التحريم من نهي عمر رضي الله عنه وهو كان اقرب عهدا به واعرف بمذهبه من القاضي عياض، وكذلك قوله لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها النبي صلي الله عليه واله الي غير ذلك مما يدل علي شدة انكاره لنهي عمر عنها فانه صريح او كالصريح في ان عمر كان يحرمها والا فلو كان نهيه للعدول الي افضل الفردين فلا داعي لهذا الانكار الشديد ولا وجه للاستدلال بفعل النبي صلي الله عليه واله وعدم نهيه فانه يجوز ان يفعل غير الافضل وان لا ينهي عن فعله مع فرض كونه احد فردي الواجب المخير، وكذلك قوله ان عشت فاكتم عني فانه لا داعي الي الكتمان عنه الا الخوف مع ما اشتهر من تحريم عمر للمتعتين وتهديده بالمعاقبة عليهما ولذلك [ صفحه 140] قال قال فيها قائل ولم يصرح باسمه، وكذلك قول الضحاك في رواية السنن والموطأ السابقةلا يصنع ذلك الا من جهل امر الله واستدلاله بنهي عمر ورد سعد عليه بفعل النبي صلي الله عليه واله فان ذلك كله انما يناسب التحريم دون الكراهة او خلاف الاولي كما لا يخفي، ويبطله ايضا اتفاق الفقهاء الاربعة علي جواز التمتع لكل مكلف بدون كراهة الا المكي فكرهه له لب وحنيفة ونهي عمر لم يكن خاصا بالمكيين، واما الرواية التي ايد بها القاضي عياض هذا الجمع فلا يصح الاعتماد عليها في نفسها فكيف تفسر غيرها وذلك لانها تدل علي ان النهي كان استحسانا منه من غير ان يرد نهي من النبي صلي الله عليه واله فنهي عما فعله النبي صلي الله عليه واله كراهة ان يظلوامعرسين بنسائهم في الاراك ثم يروحوا في الحج تقطر روسهم من اغتسالهم للجنابة واي محذور في فعلهم لما احل الله لهم فالوثوق به يوجب منع صدور مثل هذه الرواية عنه ولهذا لم يعمل الفقهاء الأربعة بمثل هذه الرواية تحريما ولا كراهة كما عرفت وكان الاجدر بهم ان لا يعملوا بما ماثلها من روايات تحريم متعة النساء. (فان قلتم) ان بعض الروايات الواردة في نهيه عن متعة النساء قد اسندت ذلك الي النبي صلي الله عليه واله واعتضدت بروايات اخري اسندت النسخ والتحريم الي النبي صلي الله عليه واله فلذلك قبلنا تحريمه لمتعة النساء. (قلنا) وكذلك بعض الروايات الواردة في نهيه عن [ صفحه 141] متعة الحج قد اسندت ذلك الي الكتاب وفعل النبي صلي الله عليه واله كالروايات الثلاث المتقدمة عن ابي موسي واعتضدت بالروايات المتقدمة عن ابي ذر انها كانت للصحابة خاصة وبغيرها مع ان الروايات التي اشرتم اليها في تحريم متعة النساء متهافتة متناقضة لا تصلح ان تكون مستندا لنسخ مثل هذا الحكم الثابت بالكتاب والسنة القطعيين كما بيناه عند نقلها. (فان قالوا) ان نهيه عن متعة الحج قد رده عليه جماعة من الصحابة كما مر عن عمران بن حصين وسعد بن ابي وقاص بل وجابر وابن عباس وردوه ايضا علي عثمان ومعاوية «ففي» سنن النسائي الصغري بسنده ان عثمان سمع عليا يلبي بعمرة وحجة فقال الم تكن تنهي عن هذا قال بلي ولكني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يلبي بهما جميعا فلم ادع قول رسول الله صلي الله عليه وله لقولك «وفي» سنن النسائي ايضا بسنده ان عثمان نهي عن المتعة وان يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال علي لبيك بحج وعمرة معا فقال عثمان اتفعلها وانا انهي عنها فقال علي لم اكن لادع سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاحد من الناس. «ورواه» النسائي ايضا بسند اخر مثله «وفي» سنن النسائي ايضا عمن سمع سعيد ين المسيب يقول حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهي عثمان عن التمتع فقال علي اذا رايتموه قد ارتحل فارتحلوا فلبي علي واصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال [ صفحه 142] علي الم اخبر انك تنهي عن التمتع قال بلي قال له علي الم تسمع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تمتع قال بلي. «وفي صحيح البخاري» بسنده عن مروان بن الحكم قال شهدت عليا وعثمان رضي الله عنهما وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأي علي اهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال ما كنت لادع سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لقول احد. «وفي صحيح البخاري» ايضا بسنده قال اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة فقال علي ما تريد الي ان ننهي عن امر فعله النبي صلي الله عليه وآله وسلم فلما راي ذلك علي اهل بهما جميعا. «وفي صحيح مسلم» بسنده عن سعيد بن المسيب قال اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهي عن المتعة او العمرة فقال علي ما تريد الي امر قد فعله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تنهي عنه فقال له عثمان دعنا منك فقال اني لا استطيع ان ادعك فلما ان رأي علي ذلك اهل بهما جميعا. «وفي سنن النسائي» الصغري بسنده عن طاوس قال قال معاوية لابن عباس اعلمت اني قصرت من رأس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عند المروة قال لا يقول ابن عباس هذا معاوية ينهي الناس عن المتعة وقد تمتع النبي صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 143] «وفي صحيح مسلم» بسنده عن طاوس ان ابن عباس قال قال لي معاوية اعلمت اني قصرت من رأس النبي صلي الله عليه وآله وسلم عند المروة بمشقص فقلت لا اعلم هذا الا حجة عليك. «وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عمن سأل سعد بن ابي وقاص عن المتعة فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني بيوت مكة (اقول) العرش بضمتين جمع عريش فكأن بيوت مكة كانت كذلك او كان فيها ما هو كذلك «ورواه» مسلم بسند اخر وفيه يعني معاوية، وبسند اخر وفيه المتعة في الحج الي غير ذلك. اما نهيه عن متعة النساء فلم يرده عليه احد فلذلك قبلنا نهيه في متعة النساء ولم نقبله في متعة الحج (قلنا) لهم ومتعة النساء ايضا قد انكر تحريمها جماعة من الصحابة وغيرهم كما مر وفيهم ممن انكر متعة الحج عمران بن الحصين كما حكاه عنه الفخر الرازي وقد تقدم عند الجواب عن احاديث التحريم وهو الذي قد بلغ من جلالة شأنه ان الملائكة سلمت عليه كما مر عن صحيح مسلم والنووي في شرحه. اما قوله الملا الشيعي يكتفي من السياسة بافهامهم ان رئيس الشيعة المحقة شاه العجم ورئيس السنة السلطان عبدالحميد وتهويله بان الشيعة يكونون عونا لرئيسهم اذا وقع نزاع بينه وبين الرئيس الاخر وان كانوا في بلاد الاخر وتهويله ايضا [ صفحه 144] بقوله اخرا ان الامر مهم من الجهة السياسية، فلا نصيب لشيء منه في الصحة واحري بان يكون تدليسا وتلبيسا وسعيا بالفساد لو صدر من غير صاحب المنار لكن صدوره منه مع اشتهاره بالانصاف يقضي بان يكون منشؤه الجهل بواقع الامر فان الشيعة يعتقدون وجوب اطاعة السلطان العثماني واعانته ووجوب اداء الخراج اليه لكونه حافظا لبيضة الاسلام وحاميا لحوزة الدين وسلطانا وخليفة للمسلمين والاسلام دين للشيعة والسنة وكل منهما محق عند الأخر في اعتقاد الأسلام وان اختلفوا في بعض الامور التي لاتخرج عن الأسلام «فالسلطان العثماني» باعتبار كونه سلطانا وخليفة للمسلمين رئيس للسنة والشيعة لا للسنة كما توهمه صاحب المنار اذ هو ليس سلطان السنة بل سلطان المسلمين (وشاه العجم) ليس رئيساً لمذهب الشيعة كما توهمه صاحب المنار ايضاً لانه ان عني انه رئيس ديني فالرئيس الديني لمذهب الشيعة ومنهم شاه العجم هو جعفر بن محمد الصادق الذي اخذوا فروع دينهم عنه عن ابائه عن جده رسول الله صلي الله عليه واله، وان عني ان رئيس دنيوي فلا رياسة له الا علي رعيته وفيهم الشيعي والسني والنصراني واليهودي والمجوسي وغير ذلك ولا رياسة له علي الشيعة الذين هم رعايا لغيره من الملوك، فما هول به من ان هؤلاء يكونون عوناً لرئيس مذهبهم عند الخلاف وان كانوا في بلاد خصمه لا حقيقة له وما كنا نؤثر ان يصدر من مثله وكان الأليق في هذا [ صفحه 145] المقام والأنفع هو حث الدولة علي العدل والأنصاف بين الرعايا فبذلك يتم نظام الملك وتجلب قلوب الرعية الي حب سلطانها وعدم ادخال المسائل الدينية في هذا الموضوع لكونها اجنبية عنه (واما قوله) ان اكثر من اجابوا دعوة علماء الشيعة لم يكونوا علي شيء من مذهب اهل السنة فكغيره مما سبق لاحظ له في الصحة لما عرفت من ان اعراب العراق منهم شيعة من قديم الزمان الي الأن ومنهم سنة كذلك ومن دخل منهم في مذهب الشيعة لم يكن دخوله بدعوة علمائها فياليت شعري اين هذه القبائل التي يدعي تارة انها كانت علي مذهب السنة وتارة انها لم تكن علي مذهب الشيعة ولا السنة فادخلها علماء الشيعة في مذهبهم ما هي الا قبائل موهومة لم تدخل في ظهر ادم ولا خرجت من بطن حوا (اما قوله) ان السياسة هي التي كانت ولا تزال مثار الخلاف بين السنة والشيعة ففيه حق وباطل فانا ان نظرنا الي افتراق المسلمين اولا وجدنا سببه الملوك السالفين من بني امية وبني العباس الذين رأوا ميل الناس الي أهل البيت فخافوا منهم علي ملكهم فامالوا الناس عنهم باسم الدين وبغيره اما في هذه الأزمان فان الملوك لا يتعرضون لمسائل الدين ولا همة لهم الا نظم الملك فلذلك كان الرعايا تميل الي العادل منهم وان خالفها في المذهب وتنفر من الجائر وان وافقها فيه «ومن» هذا يعلم ان ما بناه دعاة الأصلاح في عشرات من السنين لا يهدم بما وقع من التعدي علي الحدود بل يهدم بمثل ما [ صفحه 146] كتبه العالم الغيور علي الدولة ومذهب اهل السنة وما ذيله به صاحب المنار وذلك ان التعدي علي الحدود لم يكن طلبا للدين بل توسيعا للمملكة ولذلك فهو لا يؤثر شيئاً في الوحدة الاسلامية ان كانت اما تلك الرسالة وذيلها فمما يوقع التنافر ويؤثر البغضاء والشحناء بين الطائفتين وبين الدولة والرعية بما واقع له. فالعجب من صاحب المنار كيف يتظلم من السياسة السؤي التي خشي منها ان تهدم ما بناه دعاة الأصلاح ويدرج في مجلته مثل هذه الرسالة ويذيلها بهذا الذيل وهما من اعظم ما يهدم به ما بناه دعاة الأصلاح والله يعلم المفسد من المصلح وهو نعم الحكم. هذا ما جري به القلم في هذا المضمار والحمد لله وحده وصلي الله علي رسوله محمد واله وصحبه وسلم. وفرغ من تسويد هذه الرسالة مؤلفها العبدالفقير الي عفو ربه الغني محسن الامين الحسيني العاملي غفر الله له ولوالديه عصر يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1327 حامدا مصليا مسلما. وكان الفراغ من طبعها في العشرين من شهر محرم الحرام سنة 1328هـ. يقول المؤلف عفي الله عنه: عثرنا علي زيادات نافعة بعد طبع المكان المناسب اثباتها فيه فاثبتناها هنا منبهين علي الموضع الذي يجب وضعها فيه بذكر الصحيفة والسطر والكلمة [ صفحه 147] الواجب وضعها بعدها كما ستراه ليتمكن من اراد تصحيح نسخته او اعادة الطبع من وضعها في مواضعها. ففي صحيفة 14 سطر 20 بعد الدؤلي، وواضع علم التصريف معاذ بن مسلم الهراء، وفي الطب الشيخ داود الأنطاكي البصير اعجوبة الزمان كما في دائرة المعارف، وفي ص15 س11 زدنا بعد، الخزاعي، ومسلم بن الوليد صريع الغواني كما يظهر من العقد الفريد لابن عبدربه والناشي والزاهي كما نص عليه ابن خلكان، وفي ص38 س11 زدنا بعد، صدقاتهن، وبما في تفسير الفخر الرازي من انه اوجب الاجور بمجرد الأستمتاع وهو التلذذ والأنتفاع والأجور في الدائم لا تجب علي الأستمتاع بل علي النكاح ولذا لزم نصف المهر بمجرد العقد وانا لو حملناها علي الدائم لزم تكرار بيان حكم النكاح في السورة الواحدة لانه تعالي قال في اول هذه السورة (فانكحوا ما طلب لكم) الخ ثم قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) بخلاف ما لو حملناها علي المتعة فانه يكون حكما جديدا، وفي ص40 س6 زدنا بعد، انتهي، وفي تفسير الفخر الرازي روي ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة فشكا اصحاب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم إليه العزوبة فقال استمتعوا من هذه النساء، وفي ص40 س10 زدنا بعد، نسخها، قال الفخر الرازي في تفسير اتفقوا علي انها كانت مباحة في ابتداء [ صفحه 148] الأسلام وفي ص15 س16 زدنا بعد، مسلم، نعم في كشف الحق نقل الحديث المذكور عن الصحيحين وساقه الي ان قال حتي نهي عمر لاجل عمر وابن حريث لما استمتع. (تنبيه) سئلنا بعد تمام الرسالة وطبعها التنبيه علي مأخذ الحكم بتشيع بعض من ذكر في صحيفة 14 و15 مثل ابن دريد ومحمد بن هاني الأندلسي والطغرائي والأبيوردي وابن العميد وبديع الزمان وهؤلاء نص علي تشيعهم في امل الأمل. اما ابو بكر الخوارزمي فلم نجد من نص علي تشيعه لكن يستفاد ذلك من رسائل بديع الزمان الهمداني عند ذكر المناظرة بينهما وقول بديع الزمان لما رأي اهل المجلس تعصبوا للخوارزمي عليه ما معناه ان كان غيري شيعيا فانا في اعلي درجات التشيع وانشد القصيدة التي اولها: يا لمة ضرب الزمان علي معرسها خيامة ويستفاد ذلك من عدة رسائل للخوارزمي لا سيما رسالته لاهل بعض بلدان العجم.

پاورقي

[1] الحابل السدا والنابل اللحمة وقيل المارد بالحابل صاحب الحبالة وبالنابل صاحب النبل أي اختلط الصائدون (منه).
[2] الخاثر ما خثر من اللبن والزباد بالضم والتشديد الزبد قاله الميداني عن الاصمعي وفي اللسان زباد اللبن بالضم والتشديد ما لا خير فيه والزباد الزبد واختلط الخاثر بالزباد أي الخير بالشر والجيد بالردي والصالح بالطالح انتهي وفسره في الجمهرة بما لا يكاد يصح (منه).
[3] بفتح الباء وسكون الكاف الفتية من الابل أي الشابة القوية (منه).
[4] بعين مهملة مفترحة ونونين مفتوحتين وطائين مهملتين الطويلة العنق مع حسنه او الطويلة (منه).
[5] البكرة مر تفسيرها والعيطاء بفتح العين المهملة واسكان الياء المثنآة من تحت وبطاء مهملة وبالمد من العيط بفتح العين والياء وهو طول العنق وقال النووي هي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام (منه).

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.