الاعتصام بالكتاب و السنه: دراسه مبسطه في مسائل فقهيه مهمه

اشارة

سرشناسه : سبحاني تبريزي، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : الاعتصام بالكتاب و السنه: دراسه مبسطه في مسائل فقهيه مهمه/ تاليف جعفر السبحاني

مشخصات نشر : تهران: رابطه الثقافه و العلاقات الاسلاميه، اداره [صحيح: مديريت] الترجمه و النشر، 1417ق. = 1996م. = 1375.

مشخصات ظاهري : ص 384

شابك : 964-9177-32-8بها:8500ريال

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: موسسه الامام الصادق، 1372

يادداشت : كتابنامه: ص. [365] - 378

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

موضوع : احاديث -- قرن 14

شناسه افزوده : سازمان فرهنگ و ارتباطات اسلامي. مديريت ترجمه و نشر

رده بندي كنگره : BP183/5/س 2الف 6 1375

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 77-2796

المقدمة

دراسة مبسطة في مسائل فقهية مهمة تأليف:العلامة الفقيه جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام للتحقيق والتأليف قم المقدسة - إيران مقدمة المجمع العالمي لأهل البيت - عليهم السلام -: بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والصلاة والسلام علي سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين. وبعد، فإن الوحدة الإسلامية هي من أهم خصائص الأمة الإسلامية التي أكد عليها القرآن الكريم ودعا كل مسلم للعمل علي تحقيقها، وخطط لها بشتي الأساليب. وأعلن أن هذه الوحدة ليست وحدة مصالح، ولا وحدة مكان أو عنصر وإنما هي وحدة قلوب، وهبها الله تعالي التآلف والتحاب وهو أمر لا يتحقق عبر الوسائل المادية مهما تعاظمت... وبها تم الانتصار الإسلامي الأول علي كل طواغيت الكفر وأساطين الاستكبار فقال تعالي: - (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين - وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) - (الأنفال 62 - 63). وقد ظن البعض أنها وحدة عاطفية مما يجعلها

واهية أيضا إلا أن الحقيقة هي أنها وحدة قلوب، وليس القلب عاطفة لا تقوم علي أسس عقلية كما أنه ليس عقلا مجردا يبتعد عن التجسد العاطفي، إنه التحام الوعي بالإحساس... وهكذا الوحدة الإسلامية.. إنها تنطلق من أسس عقائدية متينة واقعية تنير الوجود الإنساني بأنوارها وتصوغ الأحاسيس بلطفها كما تصوغ المفاهيم عن الكون والحياة والإنسان تماما، وحينئذ يشكل المجموع (العقيدة، والمفاهيم والأحاسيس) القاعدة الأساسية لقيام المجتمع الإسلامي الرصين الواحد. ولا ريب في أن الإسلام أراد من كل نظمه أن تساهم في إغناء هذه الحقيقة والمساهمة الفاعلة في إيجاد أمة موحدة تغييرية تعمل جادة لتحقيق هدف الخلقة علي المستوي الحضاري التاريخي الممتد. ومن هذه النظم الإسلامية نفس نظام الاجتهاد الذي يعبر عن أروع صورة للمرونة الإسلامية كما تعبر عن أرضية [ صفحه 2] الخصوبة الفكرية المستمرة وطبيعي أن يعلن الإسلام وهو المبدأ الواقعي حرية الاجتهاد والاستنباط نظرا لأنه دين الحياة، ونظرا لأنه يعطي رأيه في كل واقعة، والوقائع متكثرة والإسلام إذ يفتح باب الاجتهاد يمنح المتخصصين والعلماء كل القواعد وكل المنابع الواضحة، ويعين كل الشروط التي تضمن للعملية الاجتهادية أن تبقي في الخط العام تنتج وتثمر وتتعامل مع الواقع منطلقة من الرؤية المبدئية فإذا الاجتهاد، انطلاقة مبدئية، وثراء علمي وقدرة علي استيعاب الجديد وامتداد مع المسيرة الفطرية الصافية نحو الغد المرسوم هكذا شاء الله تعالي للاجتهاد أن يكون مصدر عظمة، ومصدر توحد، ولا خير في أن تختلف النتائج وتختلف الآراء إن كانت جميعا في الخط العام.. وما ورد من النصوص الناهية عن الاختلاف إنما تنصب علي الموقف العملي الاجتماعي والسياسي للأمة في حين تصور البعض أنها تشير للاختلاف الاستنباطي الفقهي أو المفهومي وليس الأمر كذلك. هذه الحقائق

كان ينبغي للقادة والعلماء أن يعلنوها بكل صراحة وأن يمرنوا الأمة عليها وهذا هو ما أكده الإسلام ورسوله العظيم وأهل بيته الطاهرون، ومن هنا أمكننا أن نقول إن مدرسة أهل البيت - عليهم السلام - كانت من أهم المدارس مرونة ورحابة صدر، يجلس فيها أئمة المذاهب لينهلوا من علومها ويرشفوا من معينها الصافي بروح الإخوة والمحبة الخالصة. إلا أن عصور الظلمة، ودسائس الأعداء، وجهل البعض حول هذه الحالة الأخوية مع الأسف أدت إلي حالات تنافر وتباعد، وتصور بعض العامة أن الاختلاف في الآراء الفقهية يعني الاختلاف في المواقف الإسلامية الاجتماعية. وهذا الكتاب القيم يعبر عن محاولة علمية جادة تجمع بين الرأي العلمي القوي والنظرة الاجتماعية القويمة واللغة السمحة لبيان الموقف في بعض الموارد الفقهية المختلف فيها مما يؤكد ما قلناه... وسماحة آية الله الشيخ السبحاني رجل غني عن التعريف... خصوصا وإن نتاجه العلمي الثر وقدرته الاستقلالية الفائقة تبدو بوضوح من كتبه الكثيرة والغزيرة بمعلوماتها. وإننا إذ نسأل الله جل وعلا أن يوفق كل القراء الكرام للانتهال من هذا المنهل العذب لنرجوه عز وجل أن يوفقنا جميعا لوعي أهداف رسالتنا والعمل بجد ووعي علي تحقيقها بما نستطيع إنه السميع المجيب. الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت - عليهم السلام - [ صفحه 3] مقدمة المؤلف: بسم الله الرحمن الرحيم المذاهب الفقهية تراث إسلامي ثمين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي رسوله نبي الرحمة وعترته الأسوة، وعلي من اهتدي بهداهم واعتصم بالعروة الوثقي. بني الإسلام علي دعامتين: العقيدة والشريعة. فالعقيدة تتكفل البحث عن الله سبحانه وصفاته وأفعاله. والشريعة تبحث عن وظائف العباد أمام الله وأمام أنبيائه وعباده. فلكل من المجالين رجال وأبطال

خدموا الإسلام بآرائهم وأفكارهم وأقلامهم. فالمناهج الكلامية تحاول أن تشق الطريق وصولا إلي الواقع كما أن المذاهب الفقهية تسعي إلي كشف الستر عن وجه الأحكام الواقعية. والحق لا يتلخص في منهج دون منهج أو في مذهب دون آخر، إذ لازم ذلك بطلان سائر المناهج والمذاهب من رأس وإن كانت تتميز بقلة الخطأ وكثرته. ومع ذلك فللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. [ صفحه 4] إن الطريق المهيع لكسح الخلاف، وتقريب السبل، وتداني الآراء، هو دراسة الآراء والمقارنة ما بينها في العقيدة والشريعة، فعند ذاك يتجلي الحق في إطار النقاش بصورة واضحة ويرجع المخطئ المنصف عن خطئه، ويدعم الحق برجوع الآخر إليه. إن المذاهب الفقهية ثمرة ناضجة لدراسة الكتاب والسنة وتراث إسلامي وصل إلينا من المشايخ الكبار فللخلف النظر إليها بالإكبار والتقدير، فإنها جهود رجال نذروا حياتهم في استثمار تلك الشجرة الطيبة. ولكن ذلك لا يعني عدم جواز النقاش فيها علي ضوء المنطق الصحيح فإن التقاء الفكرين أشبه بالتقاء الأسلاك الكهربائية التي يتفجر منها النور. ففي ضوء هذا الأصل نستعرض في هذه الرسالة مسائل فقهية اختلف فيها مذهب فقهاء الشيعة مع سائر المذاهب الفقهية وليس الاختلاف ناجما عن الرغبة في الإطاحة بالحق. بل هو أمر طبيعي في كل علم له مسائل نظرية تستنبط من أصول وضوابط. فابتغاء الوفاق في جميع المسائل أمر في غير محله. وقد سبقنا في هذا النمط من البحث سيدنا الجليل العلامة الأكبر السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (1290 - 1377) المغفور له، ف آثرنا مواقفه وخطواته، ومشينا علي الخط الذي مشي عليه في النقاش والجدال في كتابه المعروف ب " مسائل فقهية " وإن كانت المسائل مختلفة جوهرا لكنها متشاكلة عرضا واستدلالا.

وقد اخترنا للبحث المسائل التالية ورتبناها حسب ترتيب الكتب الفقهية: [ صفحه 5] 1 - مسح الرجلين أو غسلهما. 2 - التثويب في أذان صلاة الفجر. 3 - وضع اليد اليمني علي اليسري في القراءة. 4 - السجود علي الأرض أو ما أنبت منها. 5 - الخمس في الأرباح والمكاسب. 6 - الزواج المؤقت. 7 - الإشهاد علي الطلاق. 8 - الطلاق ثلاثا في مجلس واحد. 9 - الحلف بالطلاق. 10 - الطلاق في الحيض والنفاس. 11 - الوصية للوارث إذا لم تتجاوز الثلث. 12 - إرث المسلم من الكافر. 13 - التعصيب في الإرث. 14 - العول. 15 - التقية في الكتاب والسنة. [ صفحه 6] وبما أنا صدرنا في هذه المسائل عن الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت بعد الاستضاءة من الكتاب والسنة، فيطيب لنا البحث في الخاتمة حول مصادر علومهم ليكون كالأساس لكل ما نقلنا عنهم. وإن كان حسب وضع الكتاب خاتمة المطاف. وإني أتقدم بكتابي هذا إلي حملة لواء التقريب بين المسلمين ودعاته في جميع أصقاع العالم الإسلامي وبهذه الأبيات الرائعة التي تفجرت من روح موارة تسعي لصالح تقريب المسلمين ولا تهدأ حتي تتحقق تلك الأمنية بأحسن ما يمكن إن شاء الله تعالي. فيم التفرق والكتاب المرجع++ قلبا إلي قلب يضم ويجمع فيم التفرق والنبي محمد++ ينهي عن الصف الشتيت ويردع الوحدة البيضاء نهج نبينا++ فعلام نهج نبينا لا يتبع الوحدة البيضاء صخرة عزنا++ فعلام صخرة عزنا تتصدع إن الخلاف طريق كل مضلل++ مهما يزين قبحه ويرقع الدين دين الله لا دين الهوي++ فتوحدوا بطريقه وتسرعوا يا من تفرقنا وتنقض صفنا++ هبطت عليك مصيبة لا ترفع [1] . [ صفحه 7]

ونحن وجميع المؤلفين الإسلاميين كما يصفهم شاعر الأهرام، محمد حسن عبد الغني المصري: إنا لتجمعنا العقيدة أمة++ ويضمنا دين الهدي أتباعا ويؤلف الإسلام بين قلوبنا++ مهما ذهبنا في الهوي أشياعا اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتك، والقادة إلي سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. قم - الحوزة العلمية جعفر السبحاني 16 رمضان المبارك 1413 ه [ صفحه 9]

مسح الرجلين أو غسلهما في الوضوء

اختلف المسلمون في غسل الرجلين ومسحهما، فذهب الأئمة الأربعة إلي أن الواجب هو الغسل وحده، وقالت الشيعة الإمامية: إنه المسح، وقال داود بن علي والناصر للحق من الزيدية: يجب الجمع بينهما وهو صريح الطبري فيتفسيره: ونقل عن الحسن البصري: إنه مخير بينهما [2] . ومما يثير العجب اختلاف المسلمين في هذه المسألة، مع أنهم رأوا وضوء رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " كل يوم وليلة في موطنه ومهجره، وفي حضره وسفره، ومع ذلك اختلفوا في هذه المسألة التي هي من أشد المسائل ابتلاء، وهذا يعرب عن أن الاجتهاد لعب في هذه المسألة دورا عظيما، فجعل أوضح المسائل أبهمها. إن الذكر الحكيم تكفل ببيان المسألة وما أبقي فيها إبهاما وإعضالا، وقد بينها رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " ومن هنا فلا بد من الجزم بأن المسلمين كانوا قد اتفقوا علي فعل واحد، وإلا فما كان هذا الأمر يخفي، إذن فلا محيص من القول بأن الحاضرين في عصر النزول فهموا من الآية معني واحدا: إما المسح أو [ صفحه 10] الغسل، ولم يترددوا في حكم الرجلين أبدا. ولو خفي حكم هذه المسألة بعد رحلة الرسول " صلي

الله عليه وآله وسلم " علي الأجيال الآتية فلا غرو في أن يخفي علي المسلمين حكم أكثر المسائل. وليس فيها شئ أوثق من كتاب الله فعلينا دراسة ما جاء فيه، قال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافقوامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) - [3] وقد اختلف القراء في قراءة: - (وأرجلكم إلي الكعبين) - فمنهم من قرأ بالفتح، ومنهم من قرأ بالكسر. إلا أنه من البعيد أن تكون كل من القراءتين موصولة إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فإن تجويزهما يضفي علي الآية إبهاما وإعضالا، ويجعل الآية لغزا، والقرآن كتاب الهداية والإرشاد، وتلك الغاية تطلب لنفسها الوضوح وجلاء البيان، خصوصا فيما يتعلق بالأعمال والأحكام التي يبتلي بها عامة المسلمين، ولا تقاس بالمعارف والعقائد التي يختص الامعان فيها بالأمثل فالأمثل. وعلي كل تقدير فممن حقق مفاد الآية وبينها الإمام الرازي في تفسيره، ننقل كلامه بتلخيص - وسيوافيك مفصل كلامه في آخر البحث -: قال: حجة من قال بوجوب المسح مبني علي القراءتين المشهورتين في قوله: - (وأرجلكم) - وهما: الأول: قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم - في رواية أبو بكر عنه - بالجر. الثاني: قرأ نافع وابن عامر وعاصم - في رواية حفص عنه - بالنصب. [ صفحه 11] أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة علي الرؤوس فكما وجب المسح في الرأس، فكذلك في الأرجل. فإن قيل لم لا يجوز أن يكون الجر علي الجوار؟ كما في قوله: " جحر ضب خرب " وقوله: " كبير أناس في بجاد مزمل ". قيل: هذا باطل من وجوه: 1 - إن الكسر علي

الجوار معدود من اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه. 2 - إن الكسر علي الجوار إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: " جحر ضب خرب " فإن " الخرب " لا يكون نعتا للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. 3 - إن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب. وأما القراءة بالنصب فهي أيضا توجب المسح، وذلك لأن - (برؤوسكم) - في قوله: - (فامسحوا برؤوسكم) - في محل النصب [4] بامسحوا لأنه المفعول به، ولكنها مجرورة لفظا بالباء، فإذا عطفت الأرجل علي الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفا علي محل الرؤوس، وجاز الجر عطفا علي الظاهر. [ صفحه 12] ونزيد بيانا أنه علي قراءة النصب يتعين العطف علي محل برؤوسكم، ولا يجوز العطف علي ظاهر - (أيديكم) - لاستلزامه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية وهو غير جائز في المفرد، فضلا عن الجملة. هذا هو الذي يعرفه المتدبر في الذكر الحكيم، ولا يسوغ لمسلم أن يعدل عن القرآن إلي غيره، فإذا كان هو المهيمن علي جميع الكتب السماوية، فأولي أن يكون مهيمنا علي ما في أيدي الناس من الحق والباطل، والمأثورات التي فيها الحديث ذو شجون. مع كونها متضاربة في المقام، فلو ورد فيها الأمر بالغسل، فقد جاء فيها الأمر بالمسح، رواه الطبري عن الصحابة والتابعين نشير إليه علي وجه الاجمال. 1 - ابن عباس، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. 2 - كان أنس إذا مسح قدميه بلهما، ولما خطب الحجاج وقال: ليس شئ من ابن آدم أقرب إلي

خبثه في قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما، قال أنس: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله: - (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين) - وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما. 3 - عكرمة، قال: ليس علي الرجلين غسل وإنما نزل فيهما المسح. 4 - الشعبي قال: نزل جبرئيل بالمسح وقال: ألا تري إن التيمم أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا. 5 - عامر: أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل بالوضوء، وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء: الرأس والرجلان. وقيل له: إن أناسا يقولون: إن جبرئيل نزل [ صفحه 13] بغسل الرجلين فقال: نزل جبرئيل بالمسح. 6 - قتادة: في تفسير الآية: افترض الله غسلتين ومسحتين. 7 - الأعمش: قرأ - (وأرجلكم) - مخفوضة اللام. 8 - علقمة: قرأ - (أرجلكم) - مخفوضة اللام. 9 - الضحاك: قرأ - (وأرجلكم) - بالكسر.10 - مجاهد: مثل ما تقدم [5] . وهؤلاء من أعلام التابعين وفيهم الصحابيان: ابن عباس وأنس وقد أصفقوا علي المسح وقراءة الجر الصريحة في تقديم المسح علي الغسل، وجمهور أهل السنة يحتجون بأقوالهم في مجالات مختلفة فلماذا أعرض عنهم في هذا المجال المهم والحساس في عبادة المسلم. إن القول بالمسح هو المنصوص عن أئمة أهل البيت - عليهم السلام -، وهم يسندون المسح إلي النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم "، ويحكون وضوءه به، قال أبو جعفر الباقر - عليه السلام -: " ألا أحكي لكم وضوء رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "؟ ثم أخذ كفا من الماء فصبها علي وجهه... إلي أن قال: ثم مسح رأسه وقدميه. وفي رواية أخري: ثم مسح ببقية

ما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدهمافي الإناء [6] . وفي ضوء هذه الروايات والمأثورات اتفقت الشيعة الإمامية علي أن [ صفحه 14] الوضوء غسلتان ومسحتان، وإلي ذلك يشير السيد بحر العلوم في منظومته الموسومة بالدرة النجفية: إن الوضوء غسلتان عندنا++ ومسحتان والكتاب معنا فالغسل للوجه ولليدين++ والمسح للرأس وللرجلين وبعد وضوح دلالة الآية، وإجماع أئمة أهل البيت علي المسح، واستنادا إلي جملة الأدلة الواضحة التي ذكرنا بعضا منها، فإن القول بما يخالفها يبدو ضعيفا ولا يصمد أمام النقاش، إلا أنا سنحاول أن نورد الوجوه التي استدل بها القائلون بالغسل ليتبين للقارئ الكريم مدي ضعف حجيتها: 1 - إن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل علي المسح ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلي الاحتياط فوجب المصير إليه، ويكونغسل الأرجل يقوم مقام مسحها [7] . يلاحظ عليه: أن أخبار الغسل معارضة بأخبار المسح، وليس شئ أوثق من كتاب الله، فلو دل علي لزوم المسح لا يبقي مجال لترجيحه علي روايات المسح. والقرآن هو المهيمن علي الكتب والمأثورات، والمعارض منها للكتاب لا يقام له وزن. وأعجب من ذلك قوله: إن الغسل مشتمل علي المسح، مع أنهما حقيقتان مختلفتان، فالغسل إمرار الماء علي المغسول، والمسح إمرار اليد علي الممسوح [8] . [ صفحه 15] وهما حقيقتان مختلفتان لغة وعرفا وشرعا، ولو حاول الاحتياط لوجب الجمع بين المسح والغسل، لا الاكتفاء بالغسل. 2 - ما روي عن علي - عليه السلام - من أنه كان يقضي بين الناس فقال: " - (وأرجلكم) - هذا من المقدم والمؤخر في الكلام فكأنه سبحانه قال: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق واغسلوا أرجلكم وامسحوا برؤوسكم) ". لكنه يرد: بأن أئمة أهل

البيت كالباقر والصادق - عليهما السلام - أدري بما في البيت، وهما اتفقا علي المسح، وهل يمكن الاتفاق علي المسح مع اعتقاد كبيرهم بالغسل؟! إن المؤكد هو أن هذه الرواية موضوعة عن لسان الإمام ليثيروا الشك بين أتباعه وشيعته. ولا نعلق علي احتمال التقديم والتأخير شيئا، سوي أنه يجعل معني الآية شيئا مبهما في المورد الذي يطلب فيه الوضوح، إذ هي المرجع للقروي والبدوي، وللحاضر عصر النزول، والغائب عنه، فيجب أن يكون علي نسق ينتقل منه إلي المراد، ثم إنه أي ضرورة اقتضت هذا التقديم والتأخير، مع إنه كان من الممكن ذكر الأرجل بعد الأيدي من دون تأخير؟ ولو كان الدافع إلي التأخير هو بيان الترتيب، وإن غسل الأرجل بعد مسح الرأس، فكان من الممكن أن يذكر فعله ويقال: (فامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم إلي الكعبين). كل ذلك يعرب عن أن هذه محاولات فاشلة لتصحيح الاجتهاد تجاه النص وما عليه أئمة أهل البيت من الاتفاق علي المسح. 3 - ما روي عن ابن عمر في الصحيحين قال: تخلف عنا رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " في سفره، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، وجعلنا نتوضأ ونمسح [ صفحه 16] علي أرجلنا، قال: فنادي بأعلي صوته: " ويل للأعقاب من النار " - مرتين أوثلاث - [9] . ويرد هذا الاستدلال: أن هذه الرواية علي تعين المسح أدل من دلالتها علي غسل الرجلين، فإنها صريحة في أن الصحابة يمسحون، وهذا دليل علي أن المعروف عندهم هو المسح، وما ذكره البخاري من أن الانكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار علي بعض الرجل، اجتهاد منه، وهو حجة عليه لا علي غيره، فكيف يمكن أن يخفي علي

ابن عمر حكم الرجلين حتي يمسح رجليه عدة سنين إلي أن ينكر عليه النبي المسح؟! علي أن للرواية معني آخر تؤيده بعض المأثورات، فقد روي: أن قوما من أجلاف العرب، كانوا يبولون وهم قيام، فيتشرشر البول علي أعقابهم وأرجلهم فلايغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة، وكان ذلك سببا لذلك الوعيد [10] ويؤيد ذلك ما يوصف به بعض الأعراب بقولهم: بوال علي عقبيه، وعلي فرض كون المراد ما ذكره البخاري، فلا تقاوم الرواية نص الكتاب. 4 - روي ابن ماجة القزويني عن أبي إسحاق عن أبي حية، قال: رأيت علياتوضأ فغسل قدميه إلي الكعبين ثم قال: " أردت أن أريكم طهور نبيكم " [11] . يلاحظ عليه: أن أبا حية مجهول لا يعرف، ونقله عنه أبو إسحاق الذي شاخ ونسي واختلط وترك الناس روايته [12] أضف إليه أنه يعارض ما رواه عنه أهل [ صفحه 17] بيته، وأئمة أهل بيته، خصوصا من لازمه في حياته وهو ابن عباس كما مر. 5 - قال صاحب المنار: وأقوي الحجج اللفظية علي الإمامية جعل الكعبين غاية طهارة الرجلين، وهذا لا يحصل إلا باستيعابهما بالماء، لأن الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل. وهذا القول يلاحظ عليه: أنا نفترض أن المراد من الكعبين هو ما ذكره، لكنا نسأله: لماذا لا تحصل تلك الغاية إلا باستيعابها بالماء؟ مع أنه يمكن تحصيل تلك الغاية بمسحهما بالنداوة المتبقية في اليد، والاختبار سهل، ونحن لا نري في العمل إعضالا وعسرا. 6 - وقال: إن الإمامية يمسحون ظاهر القدم إلي معقد الشراك عند المفصل بين الساق والقدم، ويقولون هو الكعب، ففي الرجل كعب واحد علي رأيهم، فلوصح هذا لقال: إلي الكعاب كما قال في اليدين: - (إلي

المرافق [13] . أقول: إن المشهور بين الإمامية هو تفسير الكعب بقبة القدم التي هي معقد الشراك، وهناك من يذهب إلي أن المراد هو المفصل بين الساق والقدم، وذهب قليل منهم إلي أن المراد هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل. وعلي كل تقدير، يصح إطلاق الكعبين، وإن كان حد المسح هو معقد الشراك أو المفصل، فيكون المعني: (فامسحوا بأرجلكم إلي الكعبين منكم) إذ لا شك أن كل مكلف يملك كعبين في رجليه. [ صفحه 18] أضف إلي ذلك: أنه لو صح التفسير بما ذكره فإنه يجب أن يوسع الممسوح ويحدد بالعظمين الناتئين لا أن يبدل المسح بالغسل، وكأنه تخيل أن المسح بالنداوة المتبقية في اليد لا يتحقق بها، وأنه تجف اليد قبل الوصول إليهما. ولعمري أن هذه اجتهادات واهية، وتخرصات لا قيمة لها في مقابل الذكر الحكيم. 7 - آخر ما عند صاحب المنار في توجيه غسل الأرجل هو التمسك بالمصالح، حيث قال: لا يعقل لإيجاب مسح ظاهر القدم باليد المبللة بالماء حكمة، بل هو خلاف حكمة الوضوء، لأن طروء الرطوبة القليلة علي العضو الذي عليه غبار أو وسخ يزيده وساخة، وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة. يلاحظ عليه: أن ما ذكره استحسان لا يعرج عليه مع وجود النص، فلا شك أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية ولا يجب علينا أن نقف عليها، فأي مصلحة في المسح علي الرأس ولو بمقدار إصبع أو إصبعين حتي قال الشافعي: إذا مسح الرأس بإصبع واحدة أو بعض إصبع أو باطن كفه، أو أمر من يمسح له أجزأه ذلك؟! وهناك كلمة قيمة للإمام شرف الدين الموسوي نأتي بنصها، قال - رحمه الله: نحن نؤمن بأن الشارع المقدس لاحظ

عباده في كل ما كلفهم به من أحكامه الشرعية، فلم يأمرهم إلا بما فيه مصلحتهم، ولم ينههم إلا عما فيه مفسدة لهم، لكنه مع ذلك لم يجعل شيئا من مدارك تلك الأحكام منوطا من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد، بل تعبدهم بأدلة قوية عينها لهم، فلم يجعل لهم مندوحة [ صفحه 19] عنها إلي ما سواها. وأول تلك الأدلة الحكيمة كتاب الله عز وجل، وقد حكم بمسح الرؤوس والأرجل في الوضوء، فلا مندوحة عن البخوع لحكمه، أما نقاء الأرجل من الدنس فلا بد من إحرازه قبل المسح عليها عملا بأدلة خاصة دلت علي اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه [14] ولعل غسل رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " رجليه - المدعي في أخبار الغسل - إنما كان من هذا الباب ولعله كان من باب التبرد، أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ منالوضوء. والله أعلم [15] . ثم إن هناك لفيفا من أهل السنة اعترفوا بما ذكرنا من أن المستفاد من الكتاب هو المسح لا الغسل، ويطيب لي نقل نصوصهم: 1 - قال ابن حزم: إن القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالي: - (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم) - وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي علي كل حال عطف علي الرؤوس: إما علي اللفظ وإما علي الموضع، لا يجوز غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة. وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح - يعني في الرجلين - في الوضوء. وقد قال بالمسح علي الرجلين جماعة من السلف، منهم علي بن أبي طالب [ صفحه 20] وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة

غيرهم، وهو قول الطبري، ورويت في ذلك آثار. منها أثر من طريق همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: ثنا علي بن يحيي بن خلاد عن أبيه، عن عمه - هو رفاعة بن رافع - أنه سمع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول: " إنها لا تجوز صلاة أحدكم حتي يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلي المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلي الكعبين ". وعن إسحاق بن راهويه: ثنا عيسي بن يونس، عن الأعمش، عن عبد خير، عن علي: " كنت أري باطن القدمين أحق بالمسح حتي رأيت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يمسح ظاهرهما ". ثم إنه ذكر خبر " ويل للأعقاب من النار " واستظهر منها أنه يستفاد من الخبر شئ زائد علي ما في الآية، ويكون ناسخا لما فيها، والأخذ بالزائد واجب. ولكنك عرفت أن هذا الخبر - علي فرض صحته - لا يهدف إلي ما يرتئيه من وجوب الغسل، وقد عرفت معني الرواية. ثم قال: وقال بعضهم: إنه سبحانه وتعالي قال في الرجلين: - (إلي الكعبين) - كما قال في الأيدي: - (إلي المرافق) -، دل علي أن حكم الرجلين حكم الذراعين. فأجاب عنه بقوله: ليس ذكر المرفقين والكعبين دليلا علي وجوب غسل ذلك، لأنه تعالي قد ذكر الوجه ولم يذكر في مبلغه حدا، وكان حكمه الغسل، لكن لما أمر الله تعالي في الذراعين بالغسل كان حكمهما الغسل، وإذا لم يذكر ذلك في [ صفحه 21] الرجلين وجب أن لا يكون حكمهما ما لم يذكر فيها إلا أن يوجبه نص آخر.قال علي: والحكم للنصوص لا للدعاوي

والظنون. وبالله تعالي التوفيق [16] . 2 - قال الإمام الرازي: اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر: أن الواجب فيهما المسح، وهو مذهب الإمامية من الشيعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل، وقال داود الأصفهاني: يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل. حجة من قال بوجوب المسح مبني علي القراءتين المشهورتين في قوله - (وأرجلكم) - فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب، فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة علي الرؤوس فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل. فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: هذا كسر علي الجوار كما في قوله: جحر ضب خرب. وقوله: كبير أناس في بجاد مزمل. قلنا: هذا باطل من وجوه: الأول: أن الكسر علي الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه. وثانيها: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس، كما في [ صفحه 22] قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضا: إنها توجب المسح. وذلك لأن قوله: - (وامسحوا برؤوسكم) - فرؤوسكم في محل

النصب ولكنها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الأرجل علي الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفا علي محل الرؤوس، والجر عطفا علي الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنحاة. إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله: - (وأرجلكم) - هو قوله: - (وامسحوا) - ويجوز أن يكون هو قوله: - (فاغسلوا) - لكن العاملان إذا اجتمعا علي معمول واحد كان إعمال الأقرب أولي، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله - (وأرجلكم) - هو قوله - (وامسحوا) - فثبت أن قراءة - (وأرجلكم) - بنصب اللام توجب المسح أيضا، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية علي وجوب المسح. ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز. واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين: أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل علي المسح ولا ينعكس، فكان الغسلأقرب إلي الاحتياط فوجب المصير إليه [17] ، وعلي هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الرجل يقوم مقام مسحها، والثاني: أن فرض الرجلين محدود إلي الكعبين، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح. [ صفحه 23] والقوم أجابوا عنه بوجهين: الأول: أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم، وعلي هذا التقدير فيجب المسح إلي ظهر القدمين. والثاني: أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلي هذين الموضعين،وحينئذ لا يبقي هذا السؤال [18] . 3 - إن الزمخشري لما سلم بأن قراءة الجر تجره إلي القول بوجوب المسح أراد التخلص منه بقوله: فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في

حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهية عنه، فعطفت علي الثالث " الرؤوس "الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه علي وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها [19] . يلاحظ عليه: أن الوجوه والأيدي مظنة للإسراف المذموم مثل الأرجل، فلماذا نبه علي وجوب الاقتصاد في صب الماء في خصوص الأرجل دون غيرهما مع كون الجميع مظنة للإسراف في صب الماء. ولا يخفي أنه تفلسف في تفسير الآية بشئ تافه لا يرضي به الذوق العربي. فإنه لو صح ما ذكره من الفلسفة فإنما يصح فيما إذا أمن من الالتباس لا في مثل المقام الذي لا يؤمن منه، ويحمل ظاهر اللفظ علي وجوب المسح من دون التفات لما ذكره من النكتة البديعة!. [ صفحه 25]

التثويب في أذان صلاة الفجر

اشاره

سيوافيك معني التثويب في محله فانتظر اتفقت الشيعة الإمامية - تبعا للنصوص المتضافرة من أئمة أهل البيت - علي أن الأذان - ومثله الإقامة - من صميم الدين ومن شعائره، أنزله الله سبحانه علي قلب سيد المرسلين وأن الله الذي فرض الصلاة، هو الذي فرض الأذان، وأن منشئ الجميع واحد، ولم يشارك في تشريعه أي ابن أنثي، لا في اليقظة ولا في المنام. ففي جميع فصوله من التكبير إلي التهليل مسحة إلهية، وعذوبة وإخلاص، وسمو المعني وفخامته، تثير شعور الإنسان إلي مفاهيم أرقي، وأعلي وأنبل مما في عقول الناس. ولو حاولت يد التشريع الإنساني أن تضيف فصلا إلي فصوله أو تقحم جملة في جمله لأصبح المضاف كالحصي بين الدرر والدراري. والفصل الأول من فصوله يشهد علي أنه سبحانه أكبر من كل شئ وبالتالي: أقدر وأعظم وأن غيره من الموجودات وإن بلغ من

العظمة ما بلغ، ضئيل وصغير عنده خاضع لمشيئته. والفصل الثاني يشهد علي أنه سبحانه هو الإله في صفحة الوجود وأن ما سواه سراب ما أنزل الله به من سلطان. [ صفحه 26] وثالث الفصول، يشهد علي أن محمدا " صلي الله عليه وآله وسلم " رسوله، الذي بعثه لإبلاغ رسالاته وإنجاز دعوته. ففي نهاية ذلك الفصل يتبدل صراحه وإعلانه من الشهادة، إلي الدعوة إلي الصلاة التي فرضها والتي بها يتصل الإنسان بعالم الغيب، وفيها يمتزج خشوعه،بعظمة الخالق، ثم الدعوة إلي الفلاح والنجاح، وخير العمل [20] التي تنطوي عليها الصلاة. وفي نهاية الدعوة إلي الفلاح وخير العمل، يعود ويذكر الحقيقة الأبدية التي صرح بها في أوليات فصوله ويقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. هذه هي حقيقة الأذان وصورته والجميع سبيكة واحدة أفرغتها يد التشريع السماوي في قالب جمل، تحكي عن حقائق أبدية، تصد الإنسان عن الإنكباب في شواغل الدنيا وملاذها. هذا ما يحسه كل إنسان واع منصت للأذان، ومتدبر في فصوله ومعانيه، ولكن هنا حقيقة مرة لا يمكن لي ولا لغيري إخفاؤها - بشرط التجرد عن كل رأي مسبق، أو تعصب لمذهب - وهو أن المؤذن إذا انحدر من الدعوة إلي الصلاة، والفلاح وخير العمل - في أذان صلاة الفجر - إلي الإعلان بأن الصلاة خير من النوم، فكأنما ينحدر من قمة البلاغة إلي كلام عار عن الرفعة والبداعة، يعلن شيئا يعرفه الصبيان ومن دونهم، يصيح - بجد وحماس - علي شئ لا يجهله إلا من يجهل البديهيات، فإن صراخه وإعلانه بأنها خير من النوم، أشبه بصراخ من يعلن في محتشد كبير بأن الاثنين نصف الأربعة. [ صفحه 27]

هذا هو الذي أحسسته عندما تشرفت بزيارة بيت الله الحرام عام 1375 وأنا أستمع للأذان في الحرمين الشريفين، ولم تزل تجول في ذهني ومخيلتي أن هذا الفصل ليس من كلام الوحي وإنما أقحم بسبب، بين فصول الأذان، فهذا ما دعاني إلي البحث والتنقيب في هذا الموضوع فلم أر بدا من البحث عن أمرين: 1 - كيفية تشريع الأذان ودراسة تاريخه. 2 - ما هو السبب لدخول هذا الفصل بين فصول الأذان.

كيفية تشريع الأذان و دراسة تاريخه

اشاره

اتفقت أئمة أهل البيت علي أن الله سبحانه هو المشرع للأذان، وإنه هبط به جبرئيل وعلمه رسول الله وهو علمه بلالا، ولم يشارك في تشريعه أحد. وهذا عندهم من الأمور المسلمة، نذكر بعض ما أثر عنهم: 1 - روي ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر الباقر - عليه السلام - قال: لما أسري برسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " إلي السماء فبلغ البيت المعمور، وحضرت الصلاة، فأذن جبرئيل - عليه السلام - وأقام فتقدم رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وصفت الملائكة والنبيون خلف محمد " صلي الله عليه وآله وسلم ". 2 - روي أيضا بسند صحيح عن الإمام الصادق - عليه السلام - قال: لما هبط جبرئيل بالأذان علي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " كان رأسه في حجر علي - عليه السلام - فأذن جبرئيل وأقام [21] فلما انتبه رسول الله " صلي الله [ صفحه 28] عليه وآله وسلم " قال: علي سمعت؟ قال: نعم [22] قال: حفظت؟ قال: نعم. قال: ادع لي بلالا، فدعا علي - عليه السلام - بلالا فعلمه. 3 - روي

أيضا بسند صحيح أو حسن عن عمر بن أذينة عن الصادق - عليه السلام - قال: تروي هؤلاء؟ فقلت: جعلت فداك في ماذا؟ فقال: في أذانهم... فقلت: إنهم يقولون إن أبي بن كعب رآه في النوم. فقال: كذبوا فإن دين الله أعز من أن يري في النوم. قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا. فقال أبو عبد الله (الصادق): إن الله تعالي لما عرج بنبيه " صلي الله عليه وآله وسلم " إلي سماواته السبع إلي آخره [23] . 4 - وروي محمد بن مكي الشهيد في الذكري عن فقيه الشيعة في أوائل القرن الرابع، أعني ابن أبي عقيل العماني أنه روي عن الإمام الصادق: أنه لعن قومازعموا أن النبي أخذ الأذان من عبد الله بن زيد [24] فقال: ينزل الوحي علي نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد [25] . وليست الشيعة متفردة في هذا النقل عن أئمة أهل البيت، فقد روي الحاكم وغيره نفس النقل عنهم وإليك بعض ما أثر في ذلك المجال عن طريق أهل السنة. [ صفحه 29] 5 - روي الحاكم عن سفيان بن الليل قال: لما كان من الحسن بن علي ما كان، قدمت عليه المدينة قال: فقد ذكروا عنده الأذان فقال بعضنا: إنما كان بدء الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، فقال له الحسن بن علي: إن شأن الأذان أعظم منذلك، أذن جبرئيل في السماء مثني، وعلمه رسول الله وأقام مرة مرة [26] فعلمه رسول الله [27] . 6 - روي المتقي الهندي عن هارون بن سعد عن الشهيد زيد بن الإمام علي ابن الحسين عن آبائه عن علي: أن

رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " علمالأذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة [28] . 7 - روي الحلبي عن أبي العلاء، قال: قلت لمحمد بن الحنفية: إنا لنتحدث أن بدء الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال: ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا وقال: عمدتم إلي ما هو الأصل في شرائع الإسلام، ومعالم دينكم، فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام، قال: فقلت له: هذا الحديث قداستفاض في الناس. قال: هذا والله الباطل... [29] . 8 - روي المتقي الهندي عن مسند رافع بن خديج: لما أسري برسول الله إلي السماء أوحي إليه بالأذان فنزل به فعلمه جبرئيل. (الطبراني في الأوسط عنابن عمر) [30] . [ صفحه 30] 9 - ويظهر مما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج: قال عطاء: إن الأذان كانبوحي من الله سبحانه [31] . 10 - قال الحلبي: ووردت أحاديث تدل علي أن الأذان شرع بمكة قبلالهجرة، فمن تلك الأحاديث ما في الطبراني عن ابن عمر... ونقل الرواية الثامنة [32] . هذا هو تاريخ الأذان وطريق تشريعه أخذته الشيعة من عين صافية من أناس هم بطانة سنة الرسول يروي صادق عن صادق حتي ينتهي إلي الرسول. وأما غيرهم فقد رووا في تاريخ تشريع الأذان أمورا لا تصح نسبتها إلي الرسول الأعظم، يروون أن الرسول كان مهتما بأمر الصلاة ولكن كان متحيرا في أنه كيف يجمع الناس إلي الصلاة، مع بعد الدار وتفرق المهاجرين والأنصار في أزقة المدينة، فاستشار أصحابه في حل العقدة فأشاروا إليه بعدة أمور: 1 - أن يستعين بنصب

الراية فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه. 2 - أشاروا إليه باستعمال القبع أي بوق اليهود، فكرهه النبي. 3 - أن يستعين بالناقوس كما يستعين به النصاري، كرهه أولا ثم أمر به فعمل من خشب ليضرب به للناس حتي يجتمعوا للصلاة. كان النبي الأكرم علي هذه الحالة إذ جاء عبد الله بن زيد وأخبر رسول الله بأنه كان بين النوم واليقظة إذ أتاه آت فأراه الأذان، وكان عمر بن الخطاب قد رآه [ صفحه 31] قبل ذلك بعشرين يوما فكتمه ثم أخبر به النبي فقال: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فعلمه، فتعلم بلال الأذان وأذن. هذا مجمل ما يرويه المحدثون حول تاريخ تشريع الأذان، فتجب علينا دراسة أسناده ومتونه، وإليك البيان.

روايات حول كيفية تشريع الأذان

1 - روي أبو داود (202 - 275) قال: حدثنا عباد بن موسي الختلي، وزياد بن أيوب، - وحديث عباد أتم - قالا: ثنا هشيم، عن أبي بشر، قال زياد: أخبرنا أبو بشر، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتم النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القبع - يعني الشبور - قال زياد: شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: " هو من أمر اليهود " قال: فذكر له الناقوس فقال: " هو من أمر النصاري ". فانصرف عبد الله بن زيد (بن عبد ربه) وهو مهتم لهم رسول الله " صلي الله

عليه وآله وسلم "، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا علي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فأخبره فقال (له): يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد رآه قبل ذلك [ صفحه 32] فكتمه عشرين يوما [33] ، قال: ثم أخبر النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فقال له: " ما منعك أن تخبرني "؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " قال: فأذن بلال، قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا، لجعله رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " مؤذنا. 2 - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال: حدثني أبي: عبد الله بن زيد، قال: لما أمر رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي، وأنا نائم، رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلي الصلاة قال: أفلا أدلك علي ما هو خير من ذلك؟ فقلت (له): بلي، قال: فقال تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله

إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي علي الصلاة، حي علي الصلاة، حي علي الفلاح، حي علي الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي علي الصلاة، حي علي الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فأخبرته بما [ صفحه 33] رأيت فقال: " إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندي صوتا منك ". فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأي، فقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ":فلله الحمد " [34] . ورواه ابن ماجة (207 - 275) بالسندين التاليين: 3 - حدثنا أبو عبيد: محمد بن ميمون المدني، ثنا محمد بن سلمة الحراني، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه، قال: كان رسول الله قد هم بالبوق، وأمر بالناقوس فنحت، فأري عبد الله بن زيد في المنام... إلخ. 4 - حدثنا: محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي: ثنا أبي، عن عبد الرحمان بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن النبي استشار الناس لما يهمهم إلي الصلاة فذكروا

البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصاري، فأري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار يقال عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب... قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم، فأقرهارسول الله... [35] . ورواه الترمذي بالسند التالي: 5 - حدثنا سعد بن يحيي بن سعيد الأموي، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن [ صفحه 34] إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله فأخبرته بالرؤيا... إلخ. 6 - وقال الترمذي: وقد روي هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، ثم أضاف الترمذي: وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه، ولا نعرف له عن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " شيئا يصح إلا هذاالحديث الواحد في الأذان [36] . هذا ما رواه أصحاب السنن المعدودة من الصحاح أو الكتب الستة ولها من الأهمية ما ليس لغيرها كسنن الدارمي أو الدارقطني أو ما يرويه ابن سعد في طبقاته، والبيهقي في سننه، ولأجل تلك المكانة الخاصة فصلنا ما روي في السنن المعروفة، عما روي في غيرها. فلندرس هذه الروايات متنا وسندا حتي تتضح الحقيقة ثم نذكر بقية النصوص الواردة في غيرها فنقول:

هذه الروايات لا تصلح للاحتجاج

إن هذه الروايات غير صالحة للاحتجاج لجهات شتي: الأولي: لا تتفق مع مقام النبوة: إنه سبحانه بعث رسوله لإقامة الصلاة مع المؤمنين في أوقات مختلفة. وطبع القضية يقتضي أن يعلمه سبحانه كيفية تحقق هذه الأمنية. فلا معني لتحير [ صفحه 35] النبي أياما طويلة أو عشرين يوما علي ما في الرواية

الأولي التي رواها أبو داود وهو لا يدري كيف يحقق المسؤولية الملقاة علي عاتقه، فتارة يتوسل بهذا، وأخري بذاك حتي يرشد إلي الأسباب والوسائل التي تؤمن مقصوده، مع أنه سبحانه يقول في حقه: - (وكان فضل الله عليك عظيما) - (النساء / 113) والمقصود من الفضل هو العلم بقرينة ما قبله: - (وعلمك ما لم تكن تعلم) -. إن الصلاة والصيام من الأمور العبادية وليسا كالحرب والقتال الذي ربما كان النبي يتشاور فيه مع أصحابه ولم يكن تشاوره في كيفية القتال عن جهله بالأصلح، وإنما كان لأجل جلب قلوبهم كما يقول سبحانه: - (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله) - (آل عمران / 159). أليس من الوهن في أمر الدين أن تكون الرؤيا والأحلام والمنامات من أفراد عاديين، مصدرا لأمر عبادي في غاية الأهمية كالأذان والإقامة؟... إن هذا يدفعنا إلي القول بأن كون الرؤيا مصدرا للأذان أمر مكذوب علي الشريعة. ومن القريب جدا أن عمومة عبد الله بن زيد هم الذين أشاعوا تلك الرؤيا وروجوها، لتكون فضيلة لبيوتاتهم وقبائلهم. ولذلك نري في بعض المسانيد أن بني عمومته هم رواة هذا الحديث، وأن من اعتمد عليهم إنما كان لحسن ظنه بهم. الثانية: إنها متعارضة جوهرا: إن الروايات الواردة حول بدء الأذان وتشريعه متعارضة جوهرا من جهات: [ صفحه 36] 1 - إن مقتضي الرواية الأولي (رواية أبي داود) أن عمر بن الخطاب رأي الأذان قبل عبد الله بن زيد بعشرين يوما. ولكن مقتضي الرواية الرابعة (رواية ابن ماجة) أنه رأي في نفس الليلة التي رأي فيها عبد الله بن زيد. 2 - إن رؤيا

عبد الله بن زيد هو المبدأ للتشريع، وأن عمر بن الخطاب لما سمع الأذان جاء إلي رسول الله وقال: إنه أيضا رأي نفس تلك الرؤيا ولم ينقلها إليه استحياء. 3 - إن المبدأ به، هو نفس عمر بن الخطاب، لا رؤياه لأنه هو الذي اقترح النداء بالصلاة الذي هو عبارة أخري عن الأذان، روي الترمذي في سننه وقال: كان المسلمون حين قدموا المدينة... - إلي أن قال: - وقال بعضهم: اتخذوا قرنا مثل قرن اليهود، قال: فقال عمر بن الخطاب: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ قال: فقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": يا بلال قم فناد بالصلاة، أي الأذان.نعم فسر ابن حجر النداء بالصلاة ب " الصلاة جامعة " [37] ولا دليل علي هذا التفسير. ورواه النسائي والبيهقي في سننهما [38] . 4 - إن مبدأ التشريع هو نفس النبي الأكرم. روي البيهقي:... فذكروا أن يضربوا ناقوسا أو ينوروا نارا فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قال: ورواه البخاري عن محمد بن عبد الوهاب ورواه مسلم [ صفحه 37] عن إسحاق بن عمار [39] . فمع هذا الاختلاف في النقل كيف يمكن الاعتماد علي هذه النقول. الثالثة: إن الرائي كان أربعة عشر شخصا لا واحدا: يظهر مما رواه الحلبي أن الرائي للأذان لم يكن منحصرا بابني زيد والخطاب، بل ادعي أبو بكر أنه أيضا رأي نفس ما رأياه وقيل: إنه ادعي سبعة منالأنصار، وقيل: أربعة عشر [40] كلهم ادعوا أنهم رأوا في الرؤيا الأذان، وليست الشريعة وردا لكل وارد، فإذا كانت الشريعة والأحكام خاضعة للرؤيا والأحلام فعلي الإسلام السلام. فالرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " يستسقي تشريعاته من

الوحي لا من أحلامهم. الرابعة: التعارض بين نقلي البخاري وغيره: إن صريح صحيح البخاري أن النبي أمر بلالا في مجلس التشاور بالنداء للصلاة وعمر حاضر حين صدور الأمر، فقد روي عن ابن عمر: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادي لها فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصاري، وقال بعضهم: بل قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله: يابلال قم فناد بالصلاة [41] . وصريح أحاديث الرؤيا: أن النبي إنما أمر بلالا بالنداء عند الفجر إذ قص [ صفحه 38] عليه ابن زيد رؤياه ذلك بعد الشوري بليلة - في أقل ما يتصور - ولم يكن عمر حاضرا وإنما سمع الأذان وهو في بيته، خرج وهو يجر ثوبه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأي. وليس لنا حمل ما رواه البخاري علي النداء ب " الصلاة جامعة " وحمل أحاديث الرؤيا علي التأذين بالأذان، فإنه جمع بلا شاهد أولا، ولو أمر النبي بلالا برفع صوته ب " الصلاة جامعة " لحلت العقدة ثانيا، ورفعت الحيرة خصوصا إذا كررت الجملة " الصلاة جامعة " ولم يبق موضوع للحيرة وهذا دليل علي أن أمرهبالنداء، كان بالتأذين بالأذان المشروع [42] . هذه الوجوه الأربعة ترجع إلي دراسة مضمون الأحاديث وهي بوحدتها كافية في سلب الركون عليها. وإليك دراسة أسنادها واحدا بعد الآخر. وهي بين موقوف لا يتصل سندها بالنبي الأكرم، ومسند مشتمل علي مجهول أو مجروح أو ضعيف متروك، وإليك البيان حسب الترتيب السابق. أما الرواية الأولي التي رواها أبو داود فهي ضعيفة: 1 - تنتهي الرواية إلي

مجهول أو مجاهيل، لقوله: عن عمومة له من الأنصار. 2 - يروي عن العمومة، أبو عمير بن أنس، فيذكره ابن حجر ويقول فيه: روي عن عمومة له من الأنصار من أصحاب النبي في رؤية الهلال وفي الأذان. وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.وقال ابن عبد البر: مجهول لا يحتج به [43] . [ صفحه 39] وقال جمال الدين: هذا ما حدث به في الموضوعين: رؤية الهلال والأذانجميع ما له عندهم [44] . أما الرواية الثانية: فقد جاء في سندها من لا يصح الاحتجاج به نظراء: 1 - محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي: أبو عبد الله المتوفي حدود عام 120. قال أبو جعفر العقيلي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي وذكر محمد بن إبراهيم التيمي المدني فقال: في حديثه شئ، يروي أحاديث مناكير، أومنكرة [45] . 2 - محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، فإن أهل السنة لا يحتجون برواياته، وإن كان هو الأساس ل " سيرة ابن هشام - المطبوعة - ". قال أحمد بن أبي خيثمة: سئل يحيي بن معين عنه فقال:... ضعيف عندي سقيم ليس بالقوي. وقال أبو الحسن الميموني: سمعت يحيي بن معين يقول: محمد بنإسحاق ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي [46] . 3 - عبد الله بن زيد، راوية الحديث وكفي في حقه أنه قليل الحديث، قال الترمذي: لا نعرف له شيئا يصح عن النبي إلا حديث الأذان، قال الحاكم: الصحيح: أنه قتل بأحد، والروايات عنه كلها منقطعة، قال ابن عدي: لا نعرف له شيئا يصح [ صفحه 40] عن النبي إلا حديث الأذان [47] . وروي الترمذي عن البخاري: لا نعرف له

إلا حديث الأذان [48] . وقال الحاكم: عبد الله بن زيد هو الذي أري الأذان، الذي تداوله فقهاءالإسلام بالقبول ولم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده [49] . وأما الرواية الثالثة: فقد اشتمل السند علي محمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وقد تعرفت علي حالهما كما تعرفت علي أن عبد الله بن زيد كان قليل الرواية، والروايات كلها عنه منقطعة. وأما الرواية الرابعة: فقد جاء في سنده: 1 - عبد الرحمان بن إسحاق بن عبد الله المدني. قال يحيي بن سعيد القطان: سألت عنه بالمدينة، فلم أرهم يحمدونه وكذلك قال علي بن المديني. وقال علي أيضا: سمعت سفيان وسئل عن عبد الرحمان بن إسحاق، قال: كان قدريا فنفاه أهل المدينة فجاءنا هاهنا مقتل الوليد فلم نجالسه. وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: روي عن أبي الزناد أحاديث منكرة. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي. [ صفحه 41] وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال البخاري: ليس ممن يعتمد علي حفظه... ولا يعرف له بالمدينة تلميذ إلا موسي الزمعي، روي عنه أشياء في عدة منها اضطراب. وقال الدارقطني: ضعيف يرمي بالقدر. وقال أحمد بن عدي: في حديثهبعض ما ينكر ولا يتابع [50] . 2 - محمد بن عبد الله الواسطي (150 - 240) فيعرفه جمال الدين المزي بقوله: قال ابن معين: لا شئ، وأنكر روايته عن أبيه، وقال أبو حاتم: سألت يحيي بن معين فقال: رجل سوء كذاب، وأخرج أشياء منكرة، وقال أبو عثمان سعيد بن عمر البردعي: وسألته - أبا زرعة - عن محمد بن خالد، فقال: رجل سوء، وذكرهابن حبان في

كتاب الثقات وقال: يخطئ ويخالف [51] . وقال الشوكاني بعد نقل الرواية: وفي إسناده ضعف جدا [52] . وأما الرواية الخامسة: فقد جاء في سندها: 1 - محمد بن إسحاق بن يسار. 2 - محمد بن الحارث التيمي. 3 - عبد الله بن زيد. وقد تعرفت علي جرح الأولين، وانقطاع السند في كل ما يرويان عن الثالث [ صفحه 42] وبذلك يتضح حال السند السادس فلاحظ. هذا ما ورد في الصحاح. أما ما ورد في غيرها فنذكر منه ما رواه الإمام أحمد، والدارمي، والدارقطني في مسانيدهم، والإمام مالك في موطئه، وابن سعد في طبقاته والبيهقي في سننه وإليك البيان: ألف - ما رواه الإمام أحمد في مسنده: روي الإمام أحمد رؤيا الأذان في مسنده عن عبد الله بن زيد بأسانيدثلاثة [53] . 1 - قد ورد في السند الأول زيد بن الحباب بن الريان التميمي (المتوفي 203 ه). وقد وصفوه بكثرة الخطأ وله أحاديث تستغرب عن سفيان الثوري من جهةإسنادها، وقال ابن معين: أحاديثه عن الثوري مقلوبة [54] . كما اشتمل علي عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وليس له في الصحاح والمسانيد إلا رواية واحدة وهي هذه، وفيها فضيلة لعائلته، ولأجل ذلك يقل الاعتماد عليها. كما اشتمل الثاني علي محمد بن إسحاق بن يسار الذي تعرفت عليه. واشتمل الثالث علي محمد بن إبراهيم الحارث التيمي، مضافا إلي محمد بن إسحاق، وينتهي إلي عبد الله بن زيد وهو قليل الحديث جدا. [ صفحه 43] وقد جاء في الرواية الثانية بعد ذكر الرؤيا وتعليم الأذان لبلال: إن بلالا أتي رسول الله فوجده نائما فصرخ بأعلي صوته: الصلاة خير من النوم،

فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلي صلاة الفجر. ب - ما رواه الدارمي في مسنده: روي رؤيا الأذان الدارمي في مسنده بأسانيد، وكلها ضعاف وإليك الأسانيد وحدها: 1 - أخبرنا محمد بن حميد، ثنا سلمة، حدثني محمد بن إسحاق وقد كان رسول الله حين قدمها... الخ. 2 - نفس هذا السند وجاء بعد محمد بن إسحاق: حدثني هذا الحديث، محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه بهذا الحديث. 3 - أخبرنا محمد بن يحيي، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق... والباقي نفس ما جاء في السند الثاني [55] . والأول منقطع، والثاني والثالث مشتملان علي محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وقد عرفت حاله، كما تعرفت علي حال ابن إسحاق. ج - ما رواه الإمام مالك في الموطأ: روي الإمام مالك رؤيا الأذان في موطئه: عن يحيي، عن مالك، عن يحيي [ صفحه 44] ابن سعيد أنه قال: كان رسول الله قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما... [56] . والسند منقطع، والمراد يحيي بن سعيد بن قيس المولود عام 70 وتوفيبالهاشمية سنة 143 [57] . د - ما رواه ابن سعد في طبقاته:رواه محمد بن سعد في طبقاته بأسانيد [58] موقوفه لا يحتج بها: الأول: ينتهي إلي نافع بن جبير الذي توفي في عشر التسعين وقيل سنة 99. والثاني: ينتهي إلي عروة بن الزبير الذي تولد عام 29 وتوفي عام 93. والثالث: ينتهي إلي زيد بن أسلم الذي توفي عام 136. والرابع: ينتهي إلي سعيد بن المسيب الذي توفي عام 94 وإلي عبد الرحمان ابن أبي ليلي الذي توفي عام

82، أو 83. وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن زيد: حدث عنه سعيد بن المسيب وعبد الرحمان بن أبي ليلي - ولم يلقه - [59] . وروي أيضا بالسند التالي: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، أخبرنا مسلم بن خالد، حدثني [ صفحه 45] عبد الرحيم بن عمر، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " أراد أن يجعل شيئا يجمع به الناس... حتي أري رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد، وأريه عمر بن الخطاب تلك الليلة... - إلي أن قال: - فزاد بلال في الصبح " الصلاة خير من النوم " فأقرها رسول الله. فقد اشتمل السند علي: 1 - مسلم بن خالد بن قرقرة: ويقال: ابن جرحة. ضعفه يحيي بن معين. وقال علي بن المديني: ليس بشئ، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ليس بذاك القوي،منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، تعرف وتنكر [60] . 2 - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني (51 - 123). قال أنس بن عياض، عن عبيد الله بن عمر: كنت أري الزهري يعطي الكتاب فلا يقرأه ولا قرئ عليه فيقال له: نروي هذا عنك فيقول: نعم. وقال إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني عن الفريابي: سمعت سفيان الثوري: أتيت الزهري فتثاقل علي فقلت له: لو أنك أتيت أشياخنا، فصنعوا بك مثل هذا، فقال: كما أنت، ودخل فأخرج إلي كتابا فقال: خذ هذا فاروه عني فما رويت عنهحرفا [61] . [ صفحه 46] ه:

ما رواه البيهقي في سننه: روي البيهقي رؤيا الأذان بأسانيد لا يخلو الكل عن علة أو علات وإليك الإشارة إلي الضعاف الواردين في أسانيدها: الأول: يشتمل علي أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، وقد تعرفت علي أبي عمير بن أنس، أنه قال فيه ابن عبد البر: وإنه مجهول لا يحتج بهيروي عن مجاهيل [62] باسم العمومة، ولا دليل علي كون هؤلاء من الصحابة، وإن افترضنا عدالة كل صحابي، وعلي فرض التسليم أن العمومة كانوا منهم لكن موقوفات الصحابي ليست بحجة إذ لا علم بأنه روي عن الصحابي. الثاني: يشتمل علي أناس لا يحتج بهم: 1 - محمد بن إسحاق بن يسار. 2 - محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي. 3 - عبد الله بن زيد. وقد تعرفت علي الجميع. الثالث: مشتمل علي ابن شهاب الزهري، يروي عن سعيد بن المسيبالمتوفي عام 94 عن عبد الله بن زيد وقد عرفت أنه لم يدركا عبد الله بن زيد. [63] . [ صفحه 47] وقد توفي عبد الله بن زيد سنة 32 ه وقد تولد سعيد بن المسيب - حسب ما ينقله الذهبي - لسنتين مضتا من خلافة عمر (؟؟؟). وعلي ذلك فقد تولد عام 15 ه فيكون عمره عند وفاة زيد قريبا من 17 سنة. و - ما رواه الدارقطني: روي الدارقطني رؤيا الأذان بأسانيد، إليك بيانها: 1 - حدثنا محمد بن يحيي بن مرداس، حدثنا أبو داود، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حماد بن خالد، ثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن عبد الله، عن عمه عبد الله بن زيد. 2 - حدثنا محمد بن يحيي: ثنا أبو داود، ثنا عبيد الله

بن عمر، ثنا عبد الرحمان ابن مهدي، ثنا محمد بن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن محمد، قال: كانجدي عبد الله بن زيد بهذا الخبر [64] . وقد اشتمل السندان علي محمد بن عمرو، وهو مردد بين الأنصاري، الذي ليس له في الصحاح والمسانيد إلا هذه الرواية، قال الذهبي: لا يكاد يعرف، وبين محمد بن عمرو أبو سهل الأنصاري الذي ضعفه يحيي القطان، وابن معين وابن عدي [65] . 3 - حدثنا أبو محمد بن ساعد، ثنا الحسن بن يونس، ثنا الأسود بن عامر، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمان بن أبي ليلي، عن معاذ بن جبل، قال: قام رجل من الأنصار، يعني عبد الله بن زيد، إلي النبيفقال: إني رأيت في النوم... [66] . [ صفحه 48] وهذا السند منقطع لأن معاذ بن جبل توفي عام 20 أو 18 وتولد عبد الرحمان بن أبي ليلي، سنة 17، مضافا إلي أن الدارقطني ضعف عبد الرحمان وقال: ضعيف الحديث سيئ الحفظ وابن أبي ليلي لا يثبت سماعه من عبد الله بنزيد [67] . إلي هنا تم الكلام في المقام الأول واتضح أن الأذان إنما شرع بوحي إلهي لا برؤيا عبد الله بن زيد ولا برؤيا عمر بن الخطاب ولا غيرهما كائنا من كان، وإن هذه الأحاديث، متعارضة جوهرا، غير تامة سندا، لا يثبت بها شئ، مضافا إلي ما ذكرنا في صدر البحث من الاستنكار العقلي فلاحظ. وحان البحث عن كيفية دخول التثويب في أذان الفجر، وهذا هو المقام الثاني الذي نتلوه عليك فنقول:

ما هو السبب لدخول التثويب في أذان صلاة الفجر

اشاره

التثويب من ثاب يثوب: إذا رجع فهو بمعني الرجوع إلي الأمر بالمبادرة إلي الصلاة،

فإن المؤذن إذا قال: " حي علي الصلاة " فقد دعاهم إليها، فإذا قال: " الصلاة خير من النوم " فقد رجع إلي كلام معناه: المبادرة إليها. وفسره صاحب القاموس: بمعان منها: الدعاء إلي الصلاة، وتثنية الدعاء، وأن يقول في أذان الفجر " الصلاة خير من النوم - مرتين - ". وقال في المغرب: التثويب: القديم، هو قول المؤذن في أذان الصبح: " الصلاة خير من النوم - مرتين - " والمحدث " الصلاة الصلاة " أو " قامت [ صفحه 49] قامت " [68] . والظاهر أنه غلب استعماله بين أئمة الحديث في القول المذكور أثناء الأذان، ربما يطلق علي مطلق الدعوة بعد الدعوة، فيعم ما إذا نادي المؤذن بعد تمام الأذان بالقول المذكور أيضا أو بغيره مما يفيد الدعوة إليها بأي لفظ شاء. قال السندي في حاشيته علي سنن النسائي: التثويب هو العود إلي الإعلام بعد الإعلام، وقول المؤذن " الصلاة خير من النوم " لا يخلو عن ذلك. فسميتثويبا [69] . فالمقصود في المقام تبيين حكم قول المؤذن أثناء الأذان لصلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، فهل هو مشروع أو بدعة حدثت بعد النبي لما استحسنه بعض الناس من إقراره في الأذان، سواء كان هو التثويب فقط أو عم مطلق الدعوة إلي الصلاة ولو بعد تمام الأذان، بهذا اللفظ أو بغيره. فنقول: التثويب بهذا المعني ورد تارة في خلال أحاديث رؤية الأذان، وأخري في غيرها، أما الأول فقد ورد في ما يلي: 1 - ما رواه ابن ماجة (الرواية الرابعة) وقد عرفت نص الشوكاني عليضعفها [70] . 2 - ما رواه الإمام أحمد: وقد عرفت ما في سنده من الضعف حيث جاء

فيه: [ صفحه 50] محمد بن إسحاق، وابن شهاب الزهري وعبد الله بن زيد بن عبد ربه [71] . 3 - ما رواه ابن سعد في طبقاته: وفي سنده: مسلم بن خالد بن قرقرة وقدعرفت ضعفه [72] . وأما الثاني فقد نقله أصحاب السنن وإليك النصوص: 4 - ما رواه ابن ماجة: بالسند التالي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن عبد الله الأسدي، عن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن عبد الرحمان بن أبي ليلي عنبلال، قال: أمرني رسول الله أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء [73] وفي هذه الرواية دلالة علي أن التثويب يستعمل في مطلق الدعوة إلي الصلاة، وإن لم يكن بلفظ " الصلاة خير من النوم " بشهادة النهي عن التثويب في العشاء، لأن الأنسب للتثويب في صلاة العشاء هو " الصلاة جامعة "، أو " قد قامت الصلاة " وغيرهما. 5 - حدثنا عمرو بن رافع، ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن بلال: أنه أتي النبي يؤذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر فثبتالأمر علي ذلك [74] . والسندان منقطعان أما الأول: فابن أبي ليلي ولد عام 17 ومات بلال عام 20 أو 21 بالشام وكان مرابطا بها قبل ذلك من أوائل فتوحها، فكيف يسمع منه مع [ صفحه 51] حداثة السن وتباعد الديار [75] . ورواه الترمذي مع اختلاف في أول السند وقال: حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم (ابن عيينة) قال: إنما

رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم. وأبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق وليس هو بذاك القوي عندأهل الحديث [76] . أما الثاني فقد قال فيه ابن ماجة نقلا عن الزوائد: إسناده ثقات إلا أن فيهانقطاعا (لأن) سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال [77] . 6 - ما رواه النسائي: أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن أبي سلمان، عن أبي محذورة، قال: كنت أؤذن لرسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وكنت أقول في أذان الفجر: حي علي الفلاح، الصلاةخير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله [78] . وفي سنن البيهقي [79] وسبل السلام [80] مكان " أبي سلمان ": " أبي سليمان ". قال البيهقي: وأبو سليمان اسمه " همام المؤذن " ولم نجد ترجمة لهمام المؤذن فيما بأيدينا من كتب الرجال فلم يذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، ولا المزي في تهذيب الكمال، والرجل غير معروف. [ صفحه 52] وأما أبو محذورة فهو من الصحابة لكنه قليل الرواية، لا يتجاوز ما رواه عنعشر روايات وقد أذن لرسول الله في العام الثامن، في غزوة حنين [81] . 7 - ما رواه البيهقي في سننه بسند ينتهي إلي أبي قدامة عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه، عن جده قال: يا رسول الله علمني سنة الأذان، وذكر الحديث وقال فيه: حي علي الفلاح، حي علي الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم... 8 - ما رواه أيضا بسند ينتهي إلي عثمان بن السائب: أخبرني أبي،

وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم "نحوه [82] . ومحمد بن عبد الملك قد تعرفت علي حاله. وعثمان بن السائب ولدا ووالدا، غير معروفين ليس لهما إلا رواية واحدة [83] . 9 - ما رواه أبو داود بسند ينتهي إلي الحرث بن عبيد، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله علمني سنة الأذان - إلي أن قال: - فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاةخير من النوم... [84] . والسند مشتمل علي محمد بن عبد الملك، قال ابن حجر: قال عبد الحق: لا يحتج بهذا الإسناد، وقال ابن القطان: مجهول الحال، لا نعلم روي عنه إلا [ صفحه 53] الحارث [85] . وقال الشوكاني في حق محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة: غير معروفالحال، والحرث بن عبيد وفيه مقال [86] . 10 - روي أيضا بسند ينتهي إلي عثمان بن سائب: أخبرني أبي، وأم عبدالمالك بن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي. نحو هذا الخبر [87] . وقد عرفت ضعف السند. 11 - روي أيضا بسند ينتهي إلي إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: ألقي علي رسول الله الأذان حرفا حرفا - إلي أن قال -: وكان يقولفي الفجر: الصلاة خير من النوم... [88] . وإبراهيم بن إسماعيل له رواية واحدة، وهو بعد لم يوثق [89] مضافا إلي احتمال الانقطاع في السند.

و ما رواه الدارقطني فعلي أقسام

12 - ما يدل علي أنه سنة في الأذان،

رواه عن أنس من دون أن ينسبه " أنس " إلي النبي وفيه أحاديث ثلاثة [90] . [ صفحه 54] 13 - ما يدل علي أن النبي أمر بلالا بذلك لكن السند منقطع. رواه عبدالرحمان بن أبي ليلي عن بلال [91] مع ضعف في سنده لمكان عبد الرحمان بن الحسن فيه المكني ب " أبي مسعود الزجاج " وقد عرفه أبو حاتم: بأنه لا يحتج بهوإن لينه الآخرون [92] . 14 - ما يدل علي جواز الإعلام بعد الأذان، بأي شكل اتفق وهو خارج عنالمقصود وقد ضعف بعض من جاء في سنده [93] .

ما رواه الدارمي

15 - روي الدارمي بسند ينتهي إلي الزهري عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن... قال حفص: حدثني أهلي، أن بلالا أتي رسول الله يؤذنه لصلاة الفجر فقالوا: إنه نائم، فنادي بلال بأعلي صوته: الصلاة خير من النوم. فأقرت في أذانصلاة الفجر [94] . والرواية لا يحتج بها لمكان الزهري أولا، وحفص بن عمر الذي ليس له إلا رواية واحدة وهي هذه [95] مضافا إلي كون الأصل الناقل مجهولا. 16 - ما رواه الإمام مالك: إن المؤذن جاء إلي عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة [ صفحه 55] الصبح فوجده نائما فقال: الصلاة خير من النوم. فأمر عمر أن يجعلها في نداءالصبح [96] .

حصيلة الروايات

إن روايات التثويب متعارضة جدا لا يمكن إرجاعها إلي معني واحد، وإليك أقسامها: 1 - ما يدل علي أن عبد الله بن زيد رآه في رؤياه وأنه كان جزءا من الأذان من أول الأمر. 2 - ما يدل علي أن بلالا زاده فيه وقرره النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " علي أن يجعله بلال جزءا من الأذان كما في رواية الدارمي. 3 - ما يدل علي أن عمر بن الخطاب أمر المؤذن أن يجعلها في نداء الصبح كما رواه الإمام مالك. 4 - ما يدل علي أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " علمها أبا محذورة، كما رواه البيهقي في سننه. 5 - ما يظهر أن بلالا ينادي بالصبح فيقول: " حي علي خير العمل " فأمره النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " أن يجعل مكانها: " الصلاة خير من النوم " وترك " حي علي خير العمل " كما رواه المتقي الهندي في

كنزه (8 / 345 برقم 23188). ومع هذا التعارض الواضح، لا يمكن الركون إليها وبما أن أمرها دائر بين [ صفحه 56] السنة والبدعة، فتركها متعين لعدم العقاب علي تركها، بخلاف ما لو كانت بدعة.

تصريح أعلام الأمة علي كونها بدعة

وهناك من يراها بدعة وأنه لم يأمر بها النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " وإنما حدثت بعده " صلي الله عليه وآله وسلم " وإليك نصوصهم: 1 - قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن حفص أن سعدا (المؤذن) أول من قال: الصلاة خير من النوم، في خلافة عمر فقال عمر: بدعة، ثم تركه وإن بلالا لم يؤذن لعمر. 2 - وعنه أيضا: أخبرني حسن بن مسلم أن رجلا سأل طاووسا: متي قيل الصلاة خير من النوم؟ فقال: أما أنها لم تقل علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " ولكن بلالا، سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ". يقولها رجل غير مؤذن، فأخذها منه. فأذن بها فلم يمكث أبو بكر إلا قليلا حتي إذا كان عمر قال: لو نهينا بلالا عن هذا الذي أحدث وكأنه نسيه وأذن بها الناس حتي اليوم [97] . 3 - روي عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ليث عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فسمع رجلا يثوب في المسجد فقال: اخرج بنا من (عند) هذا المبتدع [98] . [ صفحه 57] نعم يظهر مما رواه أبو داود في سننه أن الرجل ثوب في الظهر والعصر لافي صلاة الفجر [99] . 4 - ما روي عن أبي حنيفة كما في جامع المسانيد عنه عن حماد عن إبراهيم قال: سألته

عن التثويب؟ فقال: هو مما أحدثه الناس وهو حسن، مما أحدثوه. وذكر أن تثويبهم كان حين يفرغ المؤذن من أذانه: إن الصلاة خير من النوم - مرتين -. قال: أخرجه الإمام محمد بن الحسن (الشيباني) في الآثار فرواه عن أبي حنيفة ثمقال محمد: وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - وبه نأخذ [100] . وهذه الرواية تدل علي أن التثويب في عصر الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " أو في عصر الخلفاء كان بعد الفراغ عن الأذان ولم يكن جزءا منه وإنما كان يذكره المؤذن من عند نفسه إيقاظا للناس من النوم. ثم إنه أدرج في نفس الأذان. 5 - قال الشوكاني نقلا عن البحر الزخار: أحدثه عمر فقال ابنه: هذه بدعة. وعن علي - عليه السلام - حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه، ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال: قلنا لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاووسسلمنا فأمرنا به إشعارا في حال، لا شرعا جمعا بين الآثار [101] . 6 - وقال الأمير اليمني الصنعاني المتوفي عام 182: قلت: وعلي هذا ليس " الصلاة خير من النوم " من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلي الصلاة والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي استعملت لإيقاظ النائم فهو كألفاظ التسبيح [ صفحه 58] الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضا عن الأذان الأول. ثم قال: وإذا عرفت هذا، هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب هل هومن ألفاظ الأذان أو لا، وهل هو بدعة أو لا؟ [102] . 7 - نقل ابن قدامة عن إسحاق أنه بعد ما نقل رواية

أبي محذورة قال: هذا شئ أحدثه الناس، وقال أبو عيسي: هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم وهو الذيخرج منه ابن عمر من المسجد لما سمعه [103] . 8 - ما استفاض من أئمة أهل البيت من كونها بدعة: روي الشيخ الطوسي بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عن التثويب الذي يكونبين الأذان والإقامة؟ قال: لا نعرفه [104] . والذي أحتمله جدا من خلال دراسة ما ورد حول الأذان: أن عائلتين استغلتا ما روي عن جدهم عبد الله بن زيد وأبي محذورة فعمدتا إلي نشر ما نسب إلي جدهما لما فيه من فضيلة للعائلة، ولولا ذلك لم يكن لهذين الأمرين (تشريع الأذان بالرؤيا والتثويب في أذان صلاة الفجر) انتشار بهذا النحو الواسع، ولأجل ذلك ربما يرتاب الإنسان فيما نقل عن جدهما، وقد عرفت وجود رواة في أسانيد الروايات ينسبون إلي هاتين العائلتين. [ صفحه 59] قد تقدم منا أن التصرف في الأذان بإدخال التثويب ليس فريدا في بابه، بل له نظير آخر، وهو: حذف " حي علي خير العمل " من فصول الأذان والإقامة، وذلك لغاية أن لا يكون الإعلان به في الأذان سببا في تثبيط العامة عن الجهاد، لأن الناس إذا عرفوا أن الصلاة خير العمل، لاقتصروا عليها وأعرضوا عن الجهاد. وهذا بعين الله إطاحة بالتشريع وتصرف فيه، بتفلسف تافه. فإن المشرع كان واقفا علي هذا المحذور، ومع ذلك أدخله في الأذان. قال القوشجي - وهو من متكلمي الأشاعرة - ناقلا عن الخليفة الثاني أنه قال علي المنبر: ثلاث كن علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة

الحج، وحي علي خير العمل [105] . وقد أطبقت الشيعة علي كونه جزءا من الأذان، وعلي ذلك جروا، من العهد النبوي إلي يومنا هذا، وصار ذلك شعارا لهم. وإن كثيرا من المؤرخين يكنون عن الشيعة بمن يحيعلون أي الذين يقولون: " حي علي خير العمل ". قال أبو الفرج في " مقاتل الطالبيين " في مقتل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين - عليه السلام -: أنه استولي علي المدينة، وصعد عبد [ صفحه 60] الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي " صلي الله عليه وآله وسلم "عند موضع الجنائز، فقال للمؤذن: أذن ب " حي علي خير العمل "... [106] . وقال الحلبي: إن ابن عمر والإمام زين العابدين علي بن الحسين - عليهماالسلام - كانا يقولان في الأذان بعد " حي علي الفلاح ": " حي علي خير العمل " [107] . [ صفحه 61]

وضع اليد اليمني علي اليسري

في القراءة

اشاره

اتفق المسلمون علي عدم وجوب القبض الذي يعبر عنه بوضع اليمين علي الشمال أو بالتكتيف أو بالتكفير [108] ولكن اختلفوا في حكمه في ما عدا الوجوب. فقالت الحنفية: إن التكتف مسنون وليس بواجب، والأفضل للرجل أن يضع باطن كفه اليمني علي ظاهر كفه اليسري تحت سرته، وللمرأة أن تضع يديها علي صدرها. وقالت الشافعية: أنه يسن للرجل والمرأة، والأفضل وضع باطن يمناه علي ظهر يسراه تحت الصدر وفوق السرة، مما يلي الجانب الأيسر. وقالت الحنابلة: أنه سنة والأفضل أن يضع باطن يمناه علي ظاهر يسراه، ويجعلها تحت السرة. وقالت المالكية: بأنه جائز، ولكن يندب إرسال اليدين في صلاة الفرض. [ صفحه 62] فهؤلاء اتفقوا علي عدم وجوبه بينما تراه الأكثرية

أنه مسنون، والمالكيةعلي خلافه، وقد صرح غير واحد من أهل السنة بكونه غير واجب [109] . وقد نقل عن المالكية أن بعضهم استحبه وبعضهم استحب الارسال وكرهه،وبعضهم خير بين الوضع والإرسال [110] . وأما الشيعة، فالمشهور بينهم كونه حراما ومبطلا وقال بعضهم: إنه حرام وليس بمبطل، إلي ثالث كالحلبي، قال: إنه مكروه. ومن أراد أن يقف علي دلائل القائلين والروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت في هذا المجال فليرجع إلي مظانه [111] . ومع أن أهل السنة اتفقوا علي عدم وجوبه، فقد أثارت المسألة مشكلا في الأوساط الإسلامية، أن الشيعة بأجمعهم تبعا للنهي عن أئمة أهل البيت، يرسلون الأيدي في حال الصلاة فتري أن كثيرا من عوام أهل السنة ينظرون إليهم بنظر خاص، وربما يعدونهم مبتدعين بتركهم هذا العمل مع أن أقصي ما عندهم كونه أمرا مسنونا، ولا يعد ترك السنة بدعة مع أن المالكية يكرهونه، مضافا إلي أن أئمة أهل البيت نهوا عنه. وعلي كل تقدير فعلي المخلصين من دعاة التقريب السعي في أن لا يقع إرسال اليدين أو قبضهما ذريعة للتفرقة. [ صفحه 63] والمسألة لم تحدث مشكلا بين الشيعة بل ربما صارت ذريعة بين أهل السنة للضرب والشتم وسفك الدم بحجة أن إمام هذا المصلي يتكتف علي كيفية، وإمام المصلي الآخر يقبض علي كيفية أخري أو يرسل يديه. يقول محمد صالح العثيمين: " لقد جري في سنة من السنين مسألة في " مني " علي يدي ويد بعض الإخوان، وقد تكون غريبة عليكم، حيث جيئ بطائفتين، وكل طائفة من ثلاثة أو أربعة رجال، وكل واحدة تتهم الأخري بالكفر واللعن - وهم حجاج - وخبر ذلك أن إحدي الطائفتين، قالت: إن الأخري إذا

قامت تصلي وضعت اليد اليمني علي اليسري فوق الصدر، وهذا كفر بالسنة، حيث إن السنة عند هذه الطائفة إرسال اليدين علي الفخذين، والطائفة الأخري تقول: إن إرسال اليدين علي الفخذين دون أن يجعل اليمني علي اليسري، كفر مبيح للعن، وكان النزاع بينهم شديدا. ثم يقول: فانظر كيف لعب الشيطان بهم في هذه المسألة التي اختلفوا فيها، حتي بلغ أن كفر بعضهم بعضا بسببها التي هي سنة من السنن فليست من أركان الإسلام ولا من فرائضه، ولا من واجباته، غاية ما هنالك إن بعض العلماء يري أن وضع اليد اليمني علي اليسري فوق الصدر هو السنة وآخرين من أهل العلم يقولون: إن السنة هو الارسال، مع أن الصواب الذي دلت عليه السنة هو وضع اليداليمني علي الذراع اليسري " [112] . وقد سمعت عن بعض الشباب المصريين في مكة المكرمة عام 1412: أن [ صفحه 64] الشباب المجاهدين في مصر الذين يقومون في وجه الحكومة المصرية الاستعمارية جرهم البحث في هذه المسألة إلي اختلاف شديد ما كانت تحمد عقباه لولا أن من الله عليهم بائتلاف جديد. أقول: لا أظن أن الشباب ولا الإخوان ولا غيرهم مقصرين في المسألة، وإنما التقصير في المسألة يرجع إلي العلماء والخطباء، حيث يأمرون بالمسنون كأمرهم بالواجب، فتظن العامة أكثر المسنونات فرائض. وكما أن ترك المسنون من رأس، يخالف روح الشريعة فهكذا المداومة به علي وجه يتخيل الناس أنه واجب كسائر الفرائض، ليس ببعيد عن البدعة، بل يجب الاصحار بالحقيقة مع المداومة. إن النبي الأكرم كان يفرق الصلوات الخمس، وربما كان يجمع بينهما [113] لئلا يتخيل الناس أن التفريق فريضة وللأسف إنه صار كذلك، عند الفقيه والمتفقه والمقلد. والحديث ذو شجون. إن

إمام كل صقع وخطيبه، يعتقد أن ما عليه إمام مذهبه في الفقه هو الوحي المنزل الذي لا غبار عليه، فانتهي ذلك إلي جهل المسلمين بأحكام صلواتهم إلي أن عاد يكفر بعضهم بعضا، وهم مساكين لا يعلمون من الإسلام شيئا. [ صفحه 65] أضف إلي ذلك، أن ما استدلوا به من الروايات، علي كونه سنة، غير وافية بإثباته أمرا مسنونا، فإليك بما استدلوا به علي كونه مسنونا - والذي هو عند أئمة أهل البيت بدعة - وإليك دراسة ما روي في المقام. إن مجموع ما يمكن الاستدلال به علي أن القبض سنة في الصلاة لا يعدو عن مرويات ثلاثة: 1 - حديث سهل بن سعد. رواه البخاري. 2 - حديث وائل بن حجر. رواه مسلم ونقلها البيهقي بأسانيد ثلاثة. 3 - حديث عبد الله بن مسعود. رواه البيهقي في سننه. وإليك دراسة كل حديث.

حديث سهل بن سعد

روي البخاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمني علي ذراعه اليسري في الصلاة " قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " [114] . قال إسماعيل [115] : ينمي ذلك ولم يقل ينمي. والرواية متكفلة لبيان كيفية القبض إلا أن الكلام في دلالته علي وروده من النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم ". ولا يدل عليه بوجهين: [ صفحه 66] أولا: لو كان النبي الأكرم هو الآمر بالقبض فما معني قوله: " كان الناس يؤمرون "؟ أو ما كان الصحيح عندئذ أن يقول: كان النبي يأمر؟ أوليس هذا دليلا علي أن الحكم نجم بعد ارتحال النبي الأكرم حيث إن

الخلفاء وأمراءهم كانوا يأمرون الناس بالقبض بتخيل أنه أقرب للخشوع؟ ولأجله عقد البخاري بعده بابا باسم باب الخشوع. قال ابن حجر: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع عن العبث وأقرب إلي الخشوع، كان البخاري قد لاحظ ذلك وعقبه بباب الخشوع. وثانيا: إن في ذيل السند ما يؤيد أنه كان من عمل الآمرين، لا الرسول الأكرم نفسه حيث قال: قال إسماعيل: " لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلي النبي " بناء علي قراءة الفعل بصيغة المجهول. ومعناه أنه لا يعلم كونه أمرا مسنونا في الصلاة غير أنه يعزي وينسب إلي النبي، فيكون ما يرويه سهل بن سعد مرفوعا. قال ابن حجر: ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي: ينميه، فمراده:يرفع ذلك إلي النبي [116] . هذا كله إذا قرأناه بصيغة المجهول، وأما إذا قرأناه بصيغة المعلوم، فمعناه أن سهلا ينسب ذلك إلي النبي، فعلي فرض صحة القراءة وخروجه بذلك من الارسال والرفع، يكون قوله: " لا أعلمه إلا... " معربا عن ضعف العزو والنسبة وأنه سمعه عن رجل آخر ولم يسم. [ صفحه 67]

حديث وائل بن حجر

وروي بصور: 1 - روي مسلم عن وائل بن حجر: أنه رأي النبي رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمني علي اليسري، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما ثم كبر فركع... [117] . والاحتجاج بالحديث احتجاج بالفعل، ولا يحتج به إلا أن يعلم وجهه، وهو بعد غير معلوم لأن ظاهر الحديث أن النبي جمع أطراف ثوبه فغطي صدره به، ووضع يده اليمني علي اليسري وهل فعل ذلك لأجل كونه أمرا مسنونا في الصلاة، أو فعله لئلا

يسترخي الثوب بل يلصق الثوب بالبدن ويتقي به نفسه عن البرد؟ والفعل أمر مجهول العنوان، لا يكون حجة إلا إذا علم أنه فعل به لأجل كونه مسنونا. إن النبي الأكرم صلي مع المهاجرين والأنصار أزيد من عشر سنوات، فلو كان ذلك ثابتا من النبي لكثر النقل وذاع، ولما انحصر نقله بوائل بن حجر، مع ما في نقله من الاحتمالين. نعم روي بصورة أخري ليس فيه قوله " ثم التحف بثوبه " وإليك صورته: [ صفحه 68] 2 - روي البيهقي بسنده عن موسي بن عمير: حدثني علقمة بن وائل عن أبيه: أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " كان إذا قام في الصلاة قبض علي شماله بيمينه ورأيت علقمة يفعله [118] . وبما أنه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالثانية هي المتعينة، فيلاحظ عليها بما لوحظ علي الأولي وأن وجه الفعل غير معلوم. علي أنه لو كان النبي مقيما علي هذا العمل، لاشتهر بين الناس، مع أن قوله: " ورأيت علقمة يفعله " يعرب عن أن الرواي تعرف علي السنة من طريقه. 3 - رواه البيهقي أيضا بسند آخر عن وائل بن حجر [119] ويظهر الإشكال فيه بنفس ما ذكرناه في السابق. 4 - روي البيهقي مسندا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يصلي فوضع يده اليسري علي اليمني فرآه النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فوضع يدهاليمني علي اليسري [120] . يلاحظ عليه مضافا إلي أنه من البعيد أن لا يعرف مثل عبد الله بن مسعود ذلك الصحابي الجليل ما هو المسنون في الصلاة مع أنه من السابقين في الإسلام:أن في السند هشيم بن بشير

وهو مشهور بالتدليس [121] . [ صفحه 69] ولأجل ذلك نري أن أئمة أهل البيت كانوا يتحرزون عنه ويرونه من صنع المجوس أمام الملك. روي محمد بن مسلم عن الصادق أو الباقر - عليهما السلام - قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصلاة - وحكي - اليمني علي اليسري؟ فقال: ذلك التكفير، لا يفعل. وروي زرارة عن أبي جعفر - عليه السلام - أنه قال: وعليك بالإقبال علي صلاتك، ولا تكفر، فإنما يصنع ذلك المجوس. وروي الصدوق بإسناده عن علي - عليه السلام - أنه قال: لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر - يعنيالمجوس - [122] . علي أن الاعتبار لو قلنا بحجية الاستحسان، يقتضي أن يقوم العبد أمام الرب مرسل اليد، لأن التكتف شعار المتمردين الذين ألقي عليهم القبض فصاروا أساري أمام الملوك والجبابرة - ومقام المصلي أمام الله فوق ذلك فهو عبد خاضع خاشع لا يملك لنفسه موتا ولا حياة ولا بعثا ولا نشورا، فالأولي أن يطرق رأسه ويقوم أمام الله سبحانه مشعرا بأنه لا يملك شيئا وأنه أذل من كل شئ، والقبض إشعار بالشخصية المقهورة، وعباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، وتتجافي جنوبهم عن المضاجع، أعلي منزلة من ذلك. وفي الختام نلفت نظر القارئ إلي كلمة صدرت من الدكتور علي السالوس: [ صفحه 70] فهو بعد ما نقل آراء فقهاء الفريقين، وصف القائلين بالتحريم والإبطال بقوله: " وأولئك الذين ذهبوا إلي التحريم والإبطال، أو التحريم فقط، يمثلون التعصبالمذهبي وحب الخلاف، تفريقا بين المسلمين " [123] . ما ذنب الشيعة إذا هداهم الاجتهاد والفحص في الكتاب والسنة إلي أن القبض أمر

حدث بعد النبي الأكرم وكان الناس يؤمرون بذلك أيام الخلفاء، فمن زعم أنه جزء من الصلاة فرضا أو استحبابا، فقد أحد ث في الدين ما ليس منه، أفهل جزاء من اجتهد أن يرمي بالتعصب المذهبي وحب الخلاف؟! ولو صح ذلك، فهل يمكن توصيف الإمام مالك به؟ لأنه كان يكره القبض مطلقا أو في الفرض أفهل يصح رمي إمام دار الهجرة بأنه كان يحب الخلاف؟! أجل لماذا لا يكون عدم الارسال ممثلا للتعصب المذهبي وحب الخلاف بين المسلمين، يا تري؟! [ صفحه 71]

السجود علي الأرض

اشاره

لعل من أوضح مظاهر العبودية والانقياد والتذلل من قبل المخلوق لخالقه، هو السجود، وبه يؤكد المؤمن عبوديته المؤكدة لله تعالي، ومن هنا فإن البارئ عز اسمه يقدر لعبده هذا التصاغر وهذه الطاعة فيضفي علي الساجد فيض لطفه وعظيم إحسانه، لذا روي في بعض المأثورات " أقرب ما يكون العبد إلي ربه حال سجوده ". ولما كانت الصلاة من بين العبادات معراجا يتميز بها المؤمن عن الكافر، وكان السجود ركنا من أركانها، فليس هناك أوضح في إعلان التذلل لله تعالي من السجود علي التراب والرمل والحجر والحصي، لما فيه من التذلل شئ أوضح وأبين من السجود علي الحصر والبواري، فضلا عن السجود علي الألبسة الفاخرة والفرش الوثيرة والذهب والفضة، وإن كان الكل سجودا، إلا أن العبودية تتجلي في الأول بما لا تتجلي في غيره. والإمامية ملتزمة بالسجدة علي الأرض في حضرهم وسفرهم، ولا يعدلون عنها إلا إلي ما أنبت منها من الحصر والبواري بشرط أن لا يؤكل ولا يلبس، ولا [ صفحه 72] يرون السجود علي غيرهما صحيحا في حال الصلاة أخذا بالسنة المتواترة عن النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم

" وأهل بيته وصحبه. وسيظهر - في ثنايا البحث - أن الالتزام بالسجود علي الأرض أو ما أنبتت، كانت هي السنة بين الصحابة، وأن العدول عنها حدث في الأزمنة المتأخرة. ولأجل توضيح المقام نقدم أمورا:

اختلاف الفقهاء في شرائط المسجود عليه

اتفق المسلمون علي وجوب السجود في الصلاة في كل ركعة مرتين، ولم يختلفوا في المسجود له، فإنه هو الله سبحانه الذي له يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها [124] وشعار كل مسلم قوله سبحانه: - (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) - [125] وإنما اختلفوا في شروط المسجود عليه - أعني ما يضع الساجد جبهته عليه - فالشيعة الإمامية تشترط كون المسجود عليه أرضا أو ما ينبت منها غير مأكول ولا ملبوس كالحصر والبواري، وما أشبه ذلك. وخالفهم في ذلك غيرهم من المذاهب، وإليك نقل الآراء: قال الشيخ الطوسي [126] - وهو يبين آراء الفقهاء -: لا يجوز السجود إلا علي الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار. [ صفحه 73] وخالف جميع الفقهاء في ذلك حيث أجازوا السجود علي القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك - إلي أن قال -: لا يجوز السجود علي شئ هو حامل له ككور العمامة، وطرف الرداء، وكم القميص، وبه قال الشافعي، وروي ذلك عن علي - عليه الصلاة والسلام - وابن عمر، وعبادة بن الصامت، ومالك، وأحمد بن حنبل. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا سجد علي ما هو حامل له كالثياب التي عليه أجزأه. وإن سجد علي ما لا ينفصل منه مثل أن يفترش يده ويسجد عليها أجزأهلكنه مكروه، وروي ذلك عن الحسن البصري [127] . وقال العلامة الحلي

[128] - وهو يبين آراء الفقهاء فيما يسجد عليه -: لا يجوز السجود علي ما ليس بأرض ولا من نباتها كالجلود والصوف عند علمائنا أجمع، وأطبق الجمهور علي الجواز. وقد اقتفت الشيعة في ذلك أئمتهم الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه في حديث الثقلين ونحن نكتفي هنا بإيراد شئ مما روي في هذا الجانب: روي الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم أنه قال لأبي عبد الله - عليه السلام -: أخبرني عما يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز؟ قال: " السجود لا يجوز إلا علي الأرض، أو علي ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس ". فقال له: جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ [ صفحه 74] قال: " لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون علي ما يؤكل ويلبس، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده علي معبود أبناء الدنيا الذيناغتروا بغرورها " [129] . فلا عتب علي الشيعة إذا التزموا بالسجود علي الأرض أو ما أنبتته إذا لم يكن مأكولا ولا ملبوسا اقتداء بأئمتهم، علي أن ما رواه أهل السنة في المقام، يدعم نظرية الشيعة، وسيظهر لك فيما سيأتي من سرد الأحاديث من طرقهم، ويتضح أن السنة كانت هي السجود علي الأرض، ثم جاءت الرخصة في الحصر والبواري فقط، ولم يثبت الترخيص الآخر بل ثبت المنع عنه كما سيوافيك. روي المحدث النوري في المستدرك عن دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي - عليهم السلام -، أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " قال: " إن الأرض

بكم برة، تتيممون منها، وتصلون عليها في الحياة (الدنيا) وهي لكم كفاة في الممات، وذلك من نعمة الله، له الحمد، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ". وروي أيضا عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - أنه قال: " ينبغي للمصلي أن يباشر بجبهته الأرض، ويعفر وجهه في التراب، لأنه من التذلل لله " [130] . وقال الشعراني - ما هذا نصه -: المقصود إظهار الخضوع بالرأس حتي يمس الأرض بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، سواء كان ذلك بالجبهة أو الأنف، بل [ صفحه 75] ربما كان الأنف عند بعضهم أولي بالوضع من حيث إنه مأخوذ من الأنفة والكبرياء، فإذا وضعه علي الأرض، فكأنه خرج عن الكبرياء التي عنده بين يدي الله تعالي إذ الحضرة الإلهية محرم دخولها علي من فيه أدني ذرة من كبر فإنها هي الجنة الكبري حقيقة وقد قال " صلي الله عليه وآله وسلم ": " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر " [131] . نقل الإمام المغربي المالكي الروداني: عن ابن عباس رفعه: من لم يلزق أنفهمع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته [132] .

الفرق بين المسجود له والمسجود عليه

كثيرا ما يتصور أن الالتزام بالسجود علي الأرض أو ما أنبتت منها بدعة ويتخيل الحجر المسجود عليه وثنا، وهؤلاء هم الذين لا يفرقون بين المسجود له، والمسجود عليه، ويزعمون أن الحجر أو التربة الموضوعة أمام المصلي وثنا يعبده المصلي بوضع الجبهة عليه. ولكن لا عتب علي الشيعة إذا قصر فهم المخالف، ولم يفرق بين الأمرين، وزعم المسجود عليه مسجودا له، وقاس أمر الموحد بأمر المشرك بحجة المشاركة في الظاهر، فأخذ بالصور والظواهر، مع أن الملاك هو الأخذ

بالبواطن والضمائر، فالوثن عند الوثني معبود ومسجود له يضعه أمامه ويركع ويسجد له، ولكن الموحد الذي يريد أن يصلي في إظهار العبودية إلي [ صفحه 76] نهاية مراتبها، يخضع لله سبحانه ويسجد له، ويضع جبهته ووجهه علي التراب والحجر والرمال والحصي، مظهرا بذلك مساواته معها عند التقييم قائلا: أين التراب ورب الأرباب. نعم: الساجد علي التربة غير عابد لها، بل يتذلل إلي ربه بالسجود عليها، ومن توهم عكس ذلك فهو من البلاهة بمكان، وسيؤدي إلي إرباك كل المصلين والحكم بإشراكهم، فمن يسجد علي الفرش والقماش وغيره لا بد أن يكون عابدا لها علي هذا المنوال فيا للعجب العجاب!!

السنة في السجود في عصر الرسول

و بعده

إن النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " وصحبه كانوا ملتزمين بالسجود علي الأرض مدة لا يستهان بها، متحملين شدة الرمضاء، وغبار التراب، ورطوبة الطين، طيلة أعوام. ولم يسجد أحد يوم ذاك علي الثوب وكور العمامة بل ولا علي الحصر والبواري والخمر، وأقصي ما كان عندهم لرفع الأذي عن الجبهة، هو تبريد الحصي بأكفهم ثم السجود عليها، وقد شكي بعضهم رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " من شدة الحر، فلم يجبه، إذ لم يكن له أن يبدل الأمر الإلهي من تلقاء نفسه، إلي أن وردت الرخصة بالسجود علي الخمر والحصر، فوسع الأمر للمسلمين لكن في إطار محدود، وعلي ضوء هذا فقد مرت في ذلك الوقت علي المسلمين مرحلتان لا غير: 1 - ما كان الواجب فيها علي المسلمين السجود علي الأرض بأنواعها المختلفة من التراب والرمل والحصي والطين، ولم تكن هناك أية رخصة لغيرها. [ صفحه 77] 2 - المرحلة التي ورد فيها الرخصة بالسجود علي نبات الأرض من الحصي والبواري

والخمر، تسهيلا للأمر، ورفعا للحرج والمشقة، ولم تكن هناك أية مرحلة أخري توسع الأمر للمسلمين أكثر من ذلك كما يدعيه البعض، وإليك البيان: المرحلة الأولي: السجود علي الأرض: 1 - روي الفريقان عن النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " أنه قال: " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " [133] . والمتبادر من الحديث أن كل جزء من الأرض مسجد وطهور يسجد عليه ويقصد للتيمم، وعلي ذلك فالأرض تقصد للجهتين: للسجود تارة، وللتيمم أخري. وأما تفسير الرواية بأن العبادة والسجود لله سبحانه لا يختص بمكان دون مكان، بل الأرض كلها مسجد للمسلمين بخلاف غيرهم حيث خصوا العبادة بالبيع والكنائس، فهذا المعني ليس مغايرا لما ذكرناه، فإنه إذا كانت الأرض علي وجه الإطلاق مسجدا للمصلي فيكون لازمه كون الأرض كلها صالحة للعبادة، فما ذكر معني التزامي لما ذكرناه، ويعرب عن كونه المراد ذكر " طهورا " بعد " مسجدا " وجعلهما مفعولين ل " جعلت " والنتيجة هو توصيف الأرض بوصفين: كونه مسجدا وكونه طهورا، وهذا هو الذي فهمه الجصاص وقال: إن ما جعله من الأرضمسجدا هو الذي جعله طهورا [134] . ومثله غيره من شراح الحديث. [ صفحه 78] تبريد الحصي للسجود عليها: 2 - عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنت أصلي مع النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " الظهر، ف آخذ قبضة من الحصي، فأجعلها في كفي ثم أحولها إلي الكف الأخري حتي تبرد ثم أضعها لجبيني، حتي أسجد عليها من شدة الحر [135] . وعلق عليه البيهقي بقوله: قال الشيخ: ولو جاز السجود علي ثوب متصل بهلكان ذلك أسهل من تبريد الحصي بالكف ووضعها للسجود [136] .

ونقول: ولو كان السجود علي مطلق الثياب سواء كان متصلا أم منفصلا جائزا لكان أسهل من تبريد الحصي، ولأمكن حمل منديل أو ما شابه للسجود عليه. 3 - روي أنس قال: كنا مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " في شدةالحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه [137] . 4 - عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلي رسول الله " صلي الله عليه وآلهوسلم " شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا [138] . قال ابن الأثير في معني الحديث: إنهم لما شكوا إليه ما يجدون من ذلك لميفسح لهم أن يسجدوا علي طرف ثيابهم [139] . [ صفحه 79] هذه المأثورات تعرب عن أن السنة في الصلاة كانت جارية علي السجود علي الأرض فقط، حتي أن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " لم يفسح للمسلمين العدول عنها إلي الثياب المتصلة أو المنفصلة، وهو " صلي الله عليه وآله وسلم " مع كونه بالمؤمنين رؤوفا رحيما أوجب عليهم مس جباههم الأرض، وإن آذتهم شدة الحر. والذي يعرب عن التزام المسلمين بالسجود علي الأرض، وعن إصرار النبي الأكرم بوضع الجبهة عليها لا علي الثياب المتصلة ككور العمامة أو المنفصلة كالمناديل والسجاجيد، ما روي من حديث الأمر بالتتريب في غير واحد من الروايات. الأمر بالتتريب: 6 - عن خالد الجهني: قال: رأي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " صهيبايسجد كأنه يتقي التراب فقال له: " ترب وجهك يا صهيب " [140] . 7 - والظاهر أن صهيبا كان يتقي عن التتريب، بالسجود علي الثوب المتصل والمنفصل، ولا أقل بالسجود علي الحصر والبواري والأحجار الصافية، وعلي

كل تقدير، فالحديث شاهد علي أفضلية السجود علي التراب في مقابل السجود علي الحصي لما مر من جواز السجدة علي الحصي في مقابل السجود علي غير الأرض. 8 - روت أم سلمة - رضي الله عنها -: رأي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم "غلاما لنا يقال له أفلح ينفخ إذا سجد، فقال: " يا أفلح ترب " [141] . [ صفحه 80] 9 - وفي رواية: " يا رباح ترب وجهك " [142] . 10 - روي أبو صالح قال: دخلت علي أم سلمة، فدخل عليها ابن أخ لها فصلي في بيتها ركعتين، فلما سجد نفخ التراب، فقالت أم سلمة: ابن أخي لا تنفخ، فإني سمعت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول لغلام له يقال له يسار -ونفخ -: " ترب وجهك لله " [143] . الأمر بحسر العمامة عن الجبهة: 11 - روي: أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " كان إذا سجد رفع العمامةعن جبهته [144] . 12 - روي عن علي أمير المؤمنين أنه قال: " إذا كان أحدكم يصلي فليحسرالعمامة عن وجهه "، يعني حتي لا يسجد علي كور العمامة [145] . 13 - روي صالح بن حيوان السبائي: أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " رأي رجلا يسجد بجنبه وقد اعتم علي جبهته فحسر رسول الله " صلي اللهعليه وآله وسلم " عن جبهته [146] . 14 - عن عياض بن عبد الله القرشي: رأي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " رجلا يسجد علي كور عمامته فأومأ بيده: " ارفع عمامتك " وأومأ إليجبهته [147] .

هذه الروايات تكشف عن أنه لم يكن للمسلمين يوم ذاك تكليف إلا [ صفحه 81] السجود علي الأرض، ولم يكن هناك أي رخصة سوي تبريد الحصي، ولو كان هناك ترخيص لما فعلوا ذلك، ولما أمر النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " بالتتريب، وحسر العمامة عن الجبهة. المرحلة الثانية: الترخيص في السجود علي الخمر والحصر: هذه الأحاديث والمأثورات المبثوثة في الصحاح والمسانيد وسائر كتب الحديث تعرب عن التزام النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وأصحابه بالسجود علي الأرض بأنواعها، وأنهم كانوا لا يعدلون عنه، وإن صعب الأمر واشتد الحر، لكن هناك نصوصا تعرب عن ترخيص النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " - بإيحاء من الله سبحانه إليه - السجود علي ما أنبتت الأرض، فسهل لهم بذلك أمر السجود، ورفع عنهم الإصر والمشقة في الحر والبرد، وفيما إذا كانت الأرض مبتلة، وإليك تلك النصوص: 1 - عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "يصلي علي الخمرة [148] . 2 - عن ابن عباس: كان رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يصلي عليالخمرة، وفي لفظ: وكان النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " يصلي علي الخمرة [149] . 3 - عن عائشة: كان النبي يصلي علي الخمرة [150] . 4 - عن أم سلمة: كان رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يصلي عليالخمرة [151] . [ صفحه 82] 5 - عن ميمونة: ورسول الله يصلي علي الخمرة فيسجد [152] . 6 - عن أم سليم قالت: كان [رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "] يصليعلي الخمرة

[153] . 7 - عن عبد الله بن عمر: كان رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يصليعلي الخمر [154] . السجود علي الثياب لعذر: قد عرفت المرحلتين الماضيتين، ولو كانت هناك مرحلة ثالثة فإنما هي مرحلة جواز السجود علي غير الأرض وما ينبت منها لعذر وضرورة. ويبدو أن هذا الترخيص جاء متأخرا عن المرحلتين لما عرفت أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " لم يجب شكوي الأصحاب من شدة الحر والرمضاء، وراح هو وأصحابه يسجدون علي الأرض متحملين الحر والأذي، ولكن الباري عز اسمه رخص لرفع الحرج السجود علي الثياب لعذر وضرورة، وإليك ما ورد في هذا المقام: 1 - عن أنس بن مالك: كنا إذا صلينا مع النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، طرح ثوبه ثم سجد عليه. 2 - وفي صحيح البخاري: كنا نصلي مع النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه. 3 - وفي لفظ ثالث: كنا إذا صلينا مع النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فيضع [ صفحه 83] أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود [155] . وهذه الرواية التي نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد تكشف حقيقة بعض ما روي في ذلك المجال الظاهر في جواز السجود علي الثياب في حالة الاختيار أيضا. وذلك لأن رواية أنس نص في أنهم كانوا يفعلون ذلك حالة الضرورة، فتكون قرينة علي المراد من هذه المطلقات، وإليك بعض ما روي في هذا المجال: 1 - عبد الله بن

محرز عن أبي هريرة: كان رسول الله " صلي الله عليه وآلهوسلم " يصلي علي كور عمامته [156] . إن هذه الرواية مع أنها معارضة لما مر من نهي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " عن السجود عليه، محمولة علي العذر والضرورة، وقد صرح بذلك الشيخ البيهقي في سننه، حيث قال: قال الشيخ: " وأما ما روي في ذلك عن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " من السجود علي كور العمامة فلا يثبت شئ من ذلك، وأصح ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي " صلي الله عليهوآله وسلم " [157] . وقد روي عن ابن راشد قال: رأيت مكحولا يسجد علي عمامته فقلت: لماتسجد عليها؟ قال أتقي البرد علي أسناني [158] . 2 - ما روي عن أنس: كنا نصلي مع النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فيسجد [ صفحه 84] أحدنا علي ثوبه [159] . والرواية محمولة علي صورة العذر بقرينة ما رويناه عنه، وبما رواه عنه البخاري: كنا نصلي مع النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " في شدة الحر، فإذا لميستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه [160] . ويؤيده ما رواه النسائي أيضا: كنا إذا صلينا خلف النبي " صلي الله عليه وآلهوسلم " بالظهائر سجدنا علي ثيابنا اتقاء الحر [161] . وهناك روايات قاصرة الدلالة حيث لا تدل إلا علي أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " صلي علي الفرو. وأما أنه سجد عليه فلا دلالة لها عليه. 3 - عن المغيرة بن شعبة: كان رسول الله " صلي الله عليه وآله

وسلم " يصليعلي الحصير والفرو المدبوغة [162] . والرواية مع كونها ضعيفة بيونس بن الحرث، ليست ظاهرة في السجود عليه. ولا ملازمة بين الصلاة علي الفرو والسجدة عليه، ولعله " صلي الله عليه وآله وسلم " وضع جبهته علي الأرض أو ما ينبت منها. وعلي فرض الملازمة لا تقاوم هي وما في معناها ما سردناه من الروايات في المرحلتين الماضيتين. حصيلة البحث: إن المتأمل في الروايات يجد وبدون لبس أن قضية السجود في الصلاة مرت بمرحلتين أو ثلاثة مراحل ففي المرحلة الأولي كان الفرض السجود علي [ صفحه 85] الأرض ولم يرخص للمسلمين السجود علي غيرها، وفي الثانية جاء الترخيص فيما تنبته الأرض، وليست وراء هاتين المرحلتين مرحلة أخري إلا جواز السجود علي الثياب لعذر وضرورة، فما يظهر من بعض الروايات من جواز السجود علي الفرو وأمثاله مطلقا فمحمولة علي الضرورة، أو لا دلالة لها علي السجود عليها، بل غايتها الصلاة عليها. ومن هنا يظهر بوضوح أن ما التزمت به الشيعة هو عين ما جاءت به السنة النبوية، ولم تنحرف عنه قيد أنملة، ولعل الفقهاء أدري بذلك من غيرهم، لأنهم الأمناء علي الرسالة والأدلاء في طريق الشريعة، ونحن ندعو إلي قليل من التأمل لإحقاق الحق وتجاوز البدع. ما هو السر في اتخاذ تربة طاهرة؟ بقي هنا سؤال يطرحه كثيرا إخواننا أهل السنة حول سبب اتخاذ الشيعة تربة طاهرة في السفر والحضر والسجود عليها دون غيرها. وربما يتخيل البسطاء - كما ذكرنا سابقا - أن الشيعة يسجدون لها لا عليها، ويعبدون الحجر والتربة، وذلك لأن هؤلاء المساكين لا يفرقون بين السجود علي التربة، والسجود لها. وعلي أي تقدير فالإجابة عنها واضحة، فإن المستحسن عند الشيعة هو

اتخاذ تربة طاهرة طيبة ليتيقن من طهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك سواء. وليس هذا الالتزام إلا مثل التزام المصلي بطهارة جسده وملبسه ومصلاه، وأما سر الالتزام في اتخاذ التربة هو أن الثقة بطهارة كل أرض يحل بها، ويتخذها [ صفحه 86] مسجدا، لا تتأتي له في كل موضع من المواضع التي يرتادها المسلم في حله وترحاله، بل وأني له ذلك وهذه الأماكن ترتادها أصناف مختلفة من البشر، مسلمين كانوا أم غيرهم، ملتزمين بأصول الطهارة أم غير ذلك، وفي ذلك محنة كبيرة تواجه المسلم في صلاته لا يجد مناصا من أن يتخذ لنفسه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها، يسجد عليها لدي صلاته حذرا من السجدة علي الرجاسة والنجاسة، والأوساخ التي لا يتقرب بها إلي الله قط ولا تجوز السنة السجود عليها ولا يقبله العقل السليم، خصوصا بعد ورود التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلي ولباسه والنهي عن الصلاة في مواطن منها: المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومواطن الإبل، بل والأمربتطهير المساجد وتطييبها [163] . وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها، فقد روي: أن التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع المتوفي عام 62 كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها. كما أخرجه بن أبي شيبة في كتابه المصنف، باب من كان حمل في السفينة شيئا يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أن مسروقا كانإذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها [164] . إلي هنا تبين أن التزام الشيعة باتخاذ التربة مسجدا ليس إلا لتسهيل الأمر للمصلي في سفره وحضره خوفا من أن لا يجد أرضا طاهرة أو حصيرا

طاهرا فيصعب الأمر عليه، وهذا كادخار المسلم تربة طاهرة لغاية التيمم عليها. [ صفحه 87] وأما السر في التزام الشيعة استحبابا بالسجود علي التربة الحسينية فإن من الأغراض العالية والمقاصد السامية منها، أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته علي تلك التربة، تضحية ذلك الإمام بنفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ومقارعة الجور والفساد. ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة، وفي الحديث " أقرب ما يكون العبد إلي ربه حال سجوده " فيناسب أن يتذكر بوضع جبهته علي تلك التربة الزاكية، أولئك الذين جعلوا أجسامهم ضحايا للحق، وارتفعت أرواحهم إلي الملأ الأعلي، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع، وتحتقر هذه الدنيا الزائفة، وزخارفها الزائلة، ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع كما في الخبر، فيكون حينئذ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلي ربالأرباب [165] . وقال العلامة الأميني: نحن نتخذ من تربة كربلاء قطعا لمعا، وأقراصا نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها، والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة، ومعلم السنة بها، وحاشاه من البدعة. فليس في ذلك أي حزازة وتعسف أو شئ يضاد نداء القرآن الكريم أو يخالف سنة الله وسنة رسوله " صلي الله عليه وآله وسلم " أو خروج من حكم العقل والاعتبار. وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدي الشيعة من الفرض المحتم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولا يفرق أي أحد منهم منذ أول [ صفحه 88] يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم، وإن هو عندهم

إلا استحسان عقلي ليس إلا، واختيار لما هو الأولي بالسجود لدي العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت، وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه فيصلواتهم [166] . هذا إلمام إجمالي بهذه المسألة الفقهية والتفصيل موكول إلي محله، وقد أغنانا عن ذلك ما سطره أعلام العصر وأكابره، وأخص بالذكر منهم. 1 - المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1295 - 1373 ه) في كتابه الأرض والتربة الحسينية. 2 - العلامة الكبير الشيخ عبد الحسين الأميني مؤلف الغدير (1320 - 1390 ه) فقد دون رسالة في هذا الموضوع طبع في آخر كتابه " سيرتنا وسنتنا ". 3 - السجود علي الأرض للعلامة الشيخ علي الأحمدي - دام عزه - فقد أجاد في التتبع والتحقيق. فما ذكرنا في هذه المسألة اقتباس من أنوار علومهم. رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الله الباقين منهم. هذا ما وقفنا عليه من الأبحاث والتي أوردناها في هذا المختصر. [ صفحه 89]

ليست هذه أول قارورة كسرت في الإسلام

قد وقفت علي أن السجود علي الأرض أو علي الحصر والبواري وأشباهها هو السنة، وأن السجود علي الفرش والسجاجيد وأشباهها هو البدعة، وأنه ما أنزل الله به من سلطان، ولكن يا للأسف صارت السنة بدعة والبدعة سنة. فلو عمل الرجل بالسنة في المساجد والمشاهد، وسجد علي التراب والأحجار يوصف عمله بالبدعة، والرجل بالمبدع. ولكن ليس هذا فريدا في بابه فقد نري في فقه المذاهب الأربعة نظائر. نذكر موضعين: 1 - قال الشيخ محمد بن عبد الرحمان الدمشقي: السنة في القبر، التسطيح. وهو أولي علي الراجح من مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة

ومالك: التسنيم أولي، لأن التسطيح صار شعارا للشيعة [167] . 2 - قال الإمام الرازي: روي البيهقي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله يجهر في الصلاة ب " بسم الله الرحمن الرحيم " وكان علي - رضي الله عنه - يجهر بالتسمية وقد ثبت بالتواتر، وكان علي بن أبي طالب يقول: يا من ذكره شرف للذاكرين، ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعي في إخفائه. وقالت الشيعة: السنة، هي الجهر بالتسمية، سواء أكانت في الصلاة الجهرية [ صفحه 90] أو السرية، وجمهور الفقهاء يخالفونهم - إلي أن قال -: إن عليا كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلي بني أمية بالغوا في المنع من الجهر، سعيا فيإبطال آثار علي - رضي الله عنه - [168] . [ صفحه 91]

الخمس في الأرباح والمكاسب

اشاره

ربما يتخيل بعض البسطاء أن الشيعة تنفرد بالقول بوجوب الخمس في غير الغنائم، ولأجل توضيح الحال ندرس الموضوع في ظل الكتاب والسنة، وكلمات الفقهاء. الأصل في ضريبة الخمس هو قوله سبحانه: - (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شئ قدير) - (الأنفال / 41). لا شك أن الآية نزلت في مورد خاص، أعني يوم الفرقان، يوم التقي الجمعان وهو غزوة " بدر " الكبري، لكن الكلام في أن قوله - (ما غنمتم) - هل هو عام لكل ما يفوز به الإنسان في حياته أو خاص بما يظفر به في الحرب من السلب والنهب؟ وعلي فرض كونه عاما فهل المورد مخصص أو لا؟ فيقع الكلام في مقامين: [

صفحه 92]

الغنيمة مطلق ما يفوز به الإنسان

أما الأول فالظاهر من أئمة اللغة أنه في الأصل أعم مما يظفر به الإنسان في ساحات الحرب، بل هو لغة لكل ما يفوز به الإنسان وإليك بعض كلماتهم.1 - قال الأزهري: " قال الليث: الغنم: الفوز بالشئ، والاغتنام انتهاز الغنم " [169] . 2 - قال الراغب: الغنم معروف... والغنم: إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدي وغيرهم قال: - (واعلموا أنما غنمتم من شئ) - - (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) - والمغنم: ما يغنم وجمعه مغانم، قال: - (فعند اللهمغانم كثيرة [170] . 3 - قال ابن فارس: " غنم " أصل صحيح واحد يدل علي إفادة شئ لم يملكمن قبل ثم يختص بما أخذ من المشركين [171] . 4 - قال ابن منظور: " الغنم " الفوز بالشئ من غير مشقة [172] . 5 - قال ابن الأثير: في الحديث: " الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه،غنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته " [173] . 6 - قال الفيروزآبادي: " الغنم " الفوز بالشئ لا بمشقة، وأغنمه كذا تغنيما [ صفحه 93] نفله إياه، واغتنمه وتغنمه، عده غنيمة [174] . وهذه النصوص تعرب عن أن المادة لم توضع لما يفوز به الإنسان في الحروب، بل معناها أوسع من ذلك وإن كان لا يستعمل في العصور المتأخرة عن نزول القرآن إلا في ما يظفر به في ساحة الحرب. ولأجل ذلك نجد أن المادة استعملت في مطلق ما يفوز به الإنسان في الذكر الحكيم والسنة النبوية. لقد استعمل القرآن لفظة " المغنم " فيما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال بل كان عن

طريق العمل العادي الدنيوي أو الأخروي إذ يقول سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقيإليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) - [175] . والمراد بالمغانم الكثيرة: هو أجر الآخرة، بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا فيدل علي أن لفظ المغنم لا يختص بالأمور والأشياء التي يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا وفي ساحات الحرب فقط، بل هو عام لكل مكسب وفائدة. ثم إنه قد وردت هذه اللفظة في الأحاديث وأريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء. [ صفحه 94] روي ابن ماجة في سننه: أنه جاء عن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما " [176] . وفي مسند أحمد عن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " غنيمةمجالس الذكر الجنة " [177] . وفي وصف شهر رمضان عنه " صلي الله عليه وآله وسلم ": " غنم للمؤمن " [178] . وفي نهاية ابن الأثير: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، سماه غنيمة لما فيهمن الأجر والثواب [179] . فقد بان مما نقلناه من كلمات أئمة اللغة وموارد استعمال تلك المادة في الكتاب والسنة، أن العرب تستعملها في كل مورد يفوز به الإنسان، من جهة العدي وغيرهم، وإنما صار حقيقة متشرعة في الأعصار المتأخرة في خصوص ما يفوز به الإنسان في ساحة الحرب، ونزلت الآية في أول حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول الله، ولم يكن الاستعمال إلا تطبيقا للمعني الكلي علي مورد خاص.

المورد لا يخصص

اشاره

إذا كان مفهوم اللفظ عاما يشمل كافة ما يفوز به الإنسان، فلا يكون وروده في

مورد خاص، مخصصا لمفهومه ومضيقا لعمومه، إذا وقفنا علي أن التشريع الإسلامي فرض الخمس في الركاز والكنز والسيوب أولا، وأرباح المكاسب ثانيا، فيكون ذلك التشريع مؤكدا لإطلاق الآية، ولا يكون وروده في الغنائم الحربية [ صفحه 95] رافعا له. وإليك ما ورد في السنة من الروايات في الموردين: 1 - الخمس في الركاز والكنز والسيوب: تضافرت الروايات عن النبي الأعظم علي وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب وإليك النصوص أولا، ثم تبيين مفادها ثانيا. روي لفيف من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وجابر وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك، وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب، وإليك قسما مما روي في ذلك المجال: 1 - في مسند أحمد وسنن ابن ماجة واللفظ للأول: عن ابن عباس قال:قضي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " في الركاز، الخمس [180] . 2 - وفي صحيحي مسلم والبخاري واللفظ للأول: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس "، وفي بعض الروايات عند أحمد: البهيمة عقلها جبار [181] . قال أبو يوسف في كتاب الخراج: كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتله معدن جعلوه عقله. فسأل سائل رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " عن ذلك فقال: " العجماء [ صفحه 96] جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس " فقيل له: ما الركاز يارسول الله؟ فقال: " الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت " [182] . 3 - وفي مسند أحمد: عن الشعبي عن

جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " السائمة جبار، والجب جبار، والمعدن جبار، وفيالركاز الخمس " قال الشعبي: الركاز: الكنز العادي [183] . 4 - وفيه أيضا: عن عبادة بن الصامت قال: من قضاء رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " أن المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار، والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها، والجبار هوالهدر الذي لا يغرم، وقضي في الركاز الخمس [184] . 5 - وفيه: عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " إلي خيبر فدخل صاحب لنا إلي خربة يقضي حاجته فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبرا، فأخذها فأتي بها النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فأخبرهبذلك، قال: " زنها " فوزنها فإذا مائتا درهم فقال النبي: " هذا ركاز وفيه الخمس " [185] . 6 - وفيه: أن رجلا من مزينة سأل رسول الله مسائل جاء فيها: فالكنز نجده في الخرب وفي الآرام؟ فقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " فيه وفيالركاز الخمس " [186] . [ صفحه 97] 7 - وفي نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس في مادة " سيب " واللفظ للأول: وفي كتابه - أي كتاب رسول الله - لوائل بن حجر: " وفي السيوب الخمس " السيوب: الركاز. قالوا: " السيوب: عروق من الذهب والفضة تسيب في المعدن، أي تتكون فيه وتظهر " والسيوب: جمع سيب، يريد به - أي يريد النبي بالسيب - المال المدفونفي الجاهلية، أو المعدن لأنه من فضل الله تعالي وعطائه لمن أصابه " [187]

.

تفسير ألفاظ الأحاديث

العجماء: الدابة المنفلتة من صاحبها، فما أصابت في انفلاتها فلا غرم علي صاحبها، والمعدن جبار يعني: إذا احتفر الرجل معدنا فوقع فيه إنسان فلا غرم عليه، وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل فوقع فيها إنسان فلا غرم علي صاحبها، وفي الركاز الخمس، والركاز: ما وجد من دفن أهل الجاهلية فمن وجدركازا أدي منه الخمس إلي السلطان وما بقي له [188] . والآرام: الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدي بها، واحدها إرم كعنب. وكان من عادة الجاهلية أنهم إذا وجدوا شيئا في طريقهم لايمكنهم استصحابه، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتي إذا عادوا أخذوه [189] . وفي لسان العرب وغيره من معاجم اللغة،: ركزه يركزه ركزا: إذا دفنه. [ صفحه 98] والركاز: قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض أو المعدن، واحده الركزة كأنه ركز في الأرض. وفي نهاية اللغة: والركزة: القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها وجمع الركزة الركاز. إن هذه الروايات تعرب عن كون وجوب الخمس في الكنز والمعادن، ضريبة غير الزكاة، وقد استند إليها أستاذ الفقهاء أبو يوسف في كتابه " الخراج " وإليك نصه: كلام أبي يوسف في المعدن والركاز: قال أبو يوسف: في كل ما أصيب من المعادن من قليل أو كثير، الخمس، ولو أن رجلا أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضة أو أقل من وزن عشرين مثقالا ذهبا فإن فيه الخمس، وليس هذا علي موضع الزكاة إنما هو علي موضع الغنائم [190] ، وليس في تراب ذلك شئ إنما الخمس في الذهب الخالص والفضة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شئ، وقد تكون النفقة تستغرق ذلك كله فلا

يجب إذن فيه خمس عليه، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلا كان أو كثيرا، ولا يحسب له من نفقته شئ من ذلك وما استخرج من المعادن سوي ذلك من الحجارة - مثل الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرة - فلا خمس في [191] شئ من ذلك، [ صفحه 99] إنما ذلك كله بمنزلة الطين والتراب. قال: ولو أن الذي أصاب شيئا من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس، كان عليه دين فادح لم يبطل ذلك الخمس عنه، ألا تري لو أن جندا من الأجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خمست ولم ينظر أعليهم دين أم لا، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس. قال: وأما الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عز وجل في الأرض يوم خلقت، فيه أيضا الخمس، فمن أصاب كنزا عاديا في غير ملك أحد - فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب - فإن في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمس وما بقي فلهم. قال: ولو أن حربيا وجد في دار الإسلام ركازا وكان قد دخل بأمان، نزع ذلك كله منه ولا يكون له منه شئ، وإن كان ذميا أخذ منه الخمس كما يؤخذ من المسلم، وسلم له أربعة أخماسه. وكذلك المكاتب يجد ركازا في دار الإسلام فهوله بعد الخمس... [192] . 2 - الخمس في أرباح المكاسب: يظهر من غير واحد من الروايات أن النبي الأكرم أمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الإنسان من أرباح المكاسب وغيرها وإليك بعض ما ورد في المقام: 1 - لما وفد عبد القيس لرسول الله " صلي الله عليه

وآله وسلم " فقالوا: " إن [ صفحه 100] بيننا وبينك المشركين وإنا لا نصل إليك إلا في الأشهر الحرم فمرنا بجمل الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من وراءنا " فقال " صلي الله عليه وآله وسلم ": " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان، شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم " [193] . ومن المعلوم أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيهم في غير الأشهر الحرم، خوفا من المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون. وهناك كتب ومواثيق، كتبها النبي وفرض فيها الخمس علي أصحابها وستتبين بعد الفراغ من نقلها، دلالتها علي الخمس في الأرباح وإن لم تكن غنيمة حربية فانتظر. 2 - كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلي اليمن: " بسم الله الرحمن الرحيم... هذا... عهد من النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلي اليمن، أمره بتقوي الله في أمره كله، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب علي المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقي البعل وسقت السماء، ونصف العشر مما سقي الغرب " [194] . [ صفحه 101] والبعل ما سقي بعروقه، والغرب: الدلو العظيمة. 3 - كتب إلي شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين، ومعافر وهمدان:" أما بعد، فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله "

[195] . 4 - كتب إلي سعد هذيم من قضاعة، وإلي جذام كتابا واحدا يعلمهم فرائض الصدقة، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلي رسوليه أبي وعنبسة أو منأرسلاه " [196] . 5 - كتب للفجيع ومن تبعه: " من محمد النبي للفجيع، ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتي الزكاة وأطاعالله ورسوله وأعطي من المغانم خمس الله... " [197] . 6 - كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه: " ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فإن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبدالله " [198] . 7 - كتب لجهينة بن زيد فيما كتب: " إن لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، علي أن ترعوا [ صفحه 102] نباتها وتشربوا ماءها، علي أن تؤدوا الخمس " [199] . 8 - كتب لملوك حمير فيما كتب: " وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم: خمس الله، وسهم النبي وصفيه وماكتب الله علي المؤمنين من الصدقة " [200] . 9 - كتب لبني ثعلبة بن عامر: " من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتي الزكاة وأعطي خمس المغنم وسهم النبيوالصفي " [201] . 10 - كتب إلي بعض أفخاذ جهينة: " من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتي الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطي منالغنائم الخمس " [202] . إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب: يتبين - بجلاء - من هذه الرسائل أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحق في أموالهم من خمس وصدقة. ثم إنه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط -

في ذلك - خوض الحرب واكتساب الغنائم. [ صفحه 103] هذا مضافا إلي أن الحاكم الإسلامي أو نائبه هما اللذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئا مما سلب وإلا كان سارقا مغلا. فإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم علي عهد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " من شؤون النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب، وفي عهد بعد عهد؟ فيتبين أن ما كان يطلبه لم يكن مرتبطا بغنائم الحرب. هذا مضافا إلي أنه لا يمكن أن يقال: إن المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " عن النهب والنهبي بشدة، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النهبة عنه " صلي الله عليه وآله وسلم ":" من انتهب نهبة فليس منا " [203] ، وقال: " إن النهبة لا تحل " [204] ، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت: بايعنا النبي " صلي الله عليه وآلهوسلم " علي أن لا ننهب [205] . وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبي، عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله يمشي متكئا علي قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: " إن النهبة ليست بأحل منالميتة " [206] . [ صفحه 104] وعن عبد الله

بن زيد: نهي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " عن النهبيوالمثلة [207] . إلي غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد. وقد كانت النهيبة والنهبي عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم - في مصطلح يومنا هذا - الذي يستعمل في أخذ مال العدو. فإذا لم يكن النهب مسموحا به في الدين، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير إذن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " جائزة، لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق تعني دائما ما يؤخذ في القتال، بل كان معني الغنيمة الواردة فيها هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه، ولا محيص حينئذ من أن يقال: إن المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهب الممنوع في الدين. وعلي الجملة: أن الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبوية أداء خمسها إما أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة، أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولي من طريق الكسب والكد. والأول ممنوع، بنص الأحاديث السابقة فلا معني أن يطلب النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " خمس النهيبة. والثاني يكون أمر الغنائم فيه بيد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " مباشرة، فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكل من الفارس والراجل ما له من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معني لأن يطلبه النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعين. [

صفحه 105] وورد عن أئمة أهل البيت - عليهم السلام - ما يدل علي ذلك، فقد كتب أحد الشيعة إلي الإمام الجواد - عليه السلام - قائلا: أخبرني عن الخمس أعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلي الصناع وكيف ذلك؟فكتب - عليه السلام - بخطه: الخمس بعد المؤنة [208] . وفي هذه الإجابة القصيرة يظهر تأييد الإمام - عليه السلام - لما ذهب إليه السائل، ويتضمن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعي في أداء الخمس: وعن سماعة قال: سألت أبا الحسن (الكاظم) - عليه السلام - عن الخمس؟فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير [209] . وعن أبي علي بن راشد (وهو من وكلاء الإمام الجواد والإمام الهادي - عليهما السلام -) قال: قلت له (أي الإمام - عليه السلام -): أمرتني بالقيام بأمرك، وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم: وأي شئ حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: وفي أي شئ؟ فقال: في أمتعتهموصنائعهم، قلت: والتاجر عليه، والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم [210] . إلي غير ذلك من الأحاديث والأخبار المروية عن النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " وأهل بيته الطاهرين - عليهم السلام - التي تدل علي شمول الخمس لكل مكسب. [ صفحه 106]

مواضع الخمس في الكتاب

يقسم الخمس حسب تنصيص الآية علي ستة أسهم، فيفرق علي مواضعها الواردة في الآية، قال سبحانه: - (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل) - (الأنفال / 41) غير أنه يطيب لي تعيين المراد من ذي القربي. إن - (ذي القربي) -

بمعني صاحب القرابة والوشيجة النسبية، ويتعين فرده، بتعيين المنسوب إليه. وهو يختلف حسب اختلاف مورد الاستعمال، ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام - إن وجدت - ومنها السياق، وإلا فيستعان بالسنة. قال سبحانه: - (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربي) - (التوبة / 113) والمراد أقرباء المذكورين في الآية أي النبي والمؤمنين. وقال سبحانه: - (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي) - (الأنعام / 152)، والمراد أقرباء المخاطبين في الآية بقوله: - (قلتم) - و - (فاعدلوا) -. وقال سبحانه: - (وإذا حضر القسمة أولوا القربي) - (النساء / 8) والمراد أقرباء من يقسم ماله أعني الميت. وعلي ضوء ذلك فالمراد منه في آية الخمس، أقرباء الرسول، المذكور قبل هذه الكلمة، قال سبحانه: - (وللرسول ولذي القربي) -. [ صفحه 107] ومثلها قوله سبحانه: - (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي) - (الحشر / 7) وقوله سبحانه: - (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) - (الشوري / 23) المراد في الآيتين قرابة الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " لتقدم ذكره وعدم صلاحية السياق إلا لذلك. وأما آية الخمس من سورة الأنفال المتقدم ذكرها فقد اتفق المفسرون علي أن المراد من ذي القربي قرابة الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " واختلفوا في اليتامي والمساكين وابن السبيل أنهم مطلق اليتامي والمساكين وأبناء السبيل أو من ذوي القربي علي الخصوص. والسياق هنا وإن لم يقتض الالتزام بأحدهما إلا أن السنة الشريفة الواردة عن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " وأهل بيته اقتضت الأخير كما يأتي

في البحث التالي.

مواضع الخمس في السنة

وأما السنة فهي أيضا تدعم ما هو مفاد الآية: روي عن ابن عباس: " كان رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقسمالخمس علي ستة: لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتي قبض " [211] . وروي عن أبي العالية الرياحي [212] : كان رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، يؤتي بالغنيمة فيقسمها علي خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة و هو سهم الله، ثم يقسم ما بقي علي خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربي وسهم لليتامي وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل. قال: والذي جعله للكعبة فهو سهم الله [213] . [ صفحه 108] ولعل جعله للكعبة كان لتجسيد السهام وتفكيكها وربما خالفه كما رويعطاء بن أبي رباح [214] قال: " خمس الله، وخمس رسوله واحد، وكان رسول الله يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء " [215] . والمراد من كون سهمهما واحدا، كون أمره بيده " صلي الله عليه وآله وسلم " بخلاف الأسهم الأخر، فإن مواضعها معينة. وبذلك يظهر المراد مما رواه الطبري: " كان نبي الله إذا اغتنم غنيمة جعلت أخماسا، فكان خمس لله ولرسوله. ويقسم المسلمون ما بقي (الأخماس الأربعة) وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله، لرسوله، ولذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل، فكان هذا الخمس خمسة أخماس خمس للهولرسوله " [216] . فالظاهر أن المراد كان أمر السهمين بيد الرسول ولذا جعلهما سهما واحدا، بخلاف السهام الأخر، وإلا فالخبر مخالف لتنصيص القرآن الكريم. وأما تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربي ومن جاء

بعدهم من اليتامي والمساكين وابن السبيل، فلأجل الروايات الدالة علي أنه لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. روي الطبري: كان آل محمد " صلي الله عليه وآله وسلم " لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس، وقال: قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة [217] كما تضافرت الروايات [ صفحه 109] عن أئمة أهل البيت أن السهام الأربعة من الخمس، لآل محمد " صلي الله عليه وآله وسلم " [218] . هذا ما يستفاد من الكتاب والسنة غير أن الاجتهاد لعب دورا كبيرا في تحويل الخمس عن أصحابه وإليك ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة: " قالت الشافعية والحنابلة: تقسم الغنيمة، وهي الخمس، إلي خمسة أسهم، واحد منها سهم الرسول، ويصرف علي مصالح المسلمين، وواحد يعطي لذوي القربي، وهم من انتسب إلي هاشم بالأبوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء، والثلاثة الباقية تنفق علي اليتامي والمساكين وأبناء السبيل سواء أ كانوا من بني هاشم أو من غيرهم. وقالت الحنفية: إن سهم الرسول سقط بموته، أما ذوو القربي فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول. وقالت المالكية: يرجع أمر الخمس إلي الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة. وقالت الإمامية: إن سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربي يفوض أمرها إلي الإمام أو نائبه، يضعها في مصالح المسلمين. والأسهم الثلاثة الباقيةتعطي لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولا يشاركهم فيها غيرهم ". [219] . وقال ابن قدامة في المغني، بعد ما روي أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - قسما الخمس علي ثلاثة أسهم: " وهو قول أصحاب الرأي - أبي حنيفة وجماعته -

[ صفحه 110] قالوا: يقسم الخمس علي ثلاثة: اليتامي والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله بموته، وسهم قرابته أيضا. وقال مالك: الفئ والخمس واحد يجعلان في بيت المال. وقال الثوري: والخمس يضعه الإمام حيث أراه الله عز وجل. وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية، فإن الله تعالي سمي لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمي الثلاثة الأصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب، وأما جعل أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - سهم ذي القربي في سبيل الله، فقد ذكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه، ورأي أن قول ابن عباس ومن وافقه أولي، لموافقته كتاب الله وسنة رسوله " صلي الله عليه وآله وسلم "... " [220] . الاجتهاد مقابل النص: ثم إن الخلفاء بعد النبي الأكرم اجتهدوا مقابل النص في موارد منها: إسقاط سهم ذي القربي من الخمس، وذلك أن الله سبحانه وتعالي جعل لهم سهما، افترض أداءه نصا في الذكر الحكيم والفرقان العظيم يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، وهو قوله عز من قائل: - (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شئقدير) - [221] . [ صفحه 111] وقد أجمع أهل القبلة كافة علي أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنه لم يعهد بتغيير ذلك إلي أحد حتي دعاه الله إليه، واختار الله له الرفيق الأعلي. فلما ولي أبو بكر تأول الآية فأسقط سهم

النبي وسهم ذي القربي بموت النبي " صلي الله عليه وآله وسلم "، ومنع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامي المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم. قال الزمخشري: وعن ابن عباس: الخمس علي ستة أسهم: لله ولرسوله، سهمان، وسهم لأقاربه حتي قبض فأجري أبو بكر الخمس علي ثلاثة، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء قال: وروي أن أبا بكر منع بني هاشمالخمس [222] . وقد أرسلت فاطمة - عليها السلام - تسأله ميراثها من رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة علي أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتي توفيت، وعاشت بعد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلي عليها. الحديث [223] . وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز. قال: كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجي إلي ابن عباس قال ابن هرمز: فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه وقال ابن عباس: والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت [ صفحه 112] إليه، ولا نعمة عين. قال: فكتب إليه: إنك سألتني عن سهم ذي القربي الذين ذكرهم الله من هم؟ وإنا كنا نري أن قرابة رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "هم نحن فأبي ذلك علينا قومنا، الحديث [224] . وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في أواخر ص 294 من الجزء الأول من مسنده. ورواه كثير من أصحاب المسانيد بطرق كلها صحيحة،

وهذا هو مذهب أهل البيت المتواتر عن أئمتهم - عليهم السلام -. لكن الكثير من أئمة الجمهور أخذوا برأي الخليفتين - رضي الله عنهما - فلم يجعلوا لذي القربي نصيبا من الخمس خاصا بهم. فأما مالك بن أنس فقد جعله بأجمعه مفوضا إلي رأي الإمام يجعله حيث يشاء في مصالح المسلمين، لا حق فيه لذي قربي ولا ليتيم ولا لمسكين ولا لابن سبيل مطلقا. وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " سهمه وسهم ذي قرباه، وقسموه بين مطلق اليتامي والمساكين وابن السبيل علي السواء، لا فرق عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين. والشافعي جعله خمسة أسهم: سهما لرسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يصرف إلي ما كان يصرف إليه من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع ونحو ذلك، وسهما لذوي القربي من بني هاشم وبني [ صفحه 113] المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل يقسم بينهم - (للذكر مثل حظ الأنثيين) -،والباقي للفرق الثلاث: اليتامي والمساكين وابن السبيل مطلقا [225] . إلي هنا خرجنا بنتيجتين: 1 - وجوب الخمس في كل ما يفوز به الإنسان. وأنه لا يختص بالغنائم الحربية. 2 - إن الخمس يقسم علي ستة أسهم، الثلاثة الأولي، أمرها بيد الإمام يتولاها حسب ما رأي من المصلحة، والثلاثة الأخري، للأيتام والمساكين وأبناء السبيل من آل النبي الأكرم لا مطلقهم. [ صفحه 115]

الزواج المؤقت

اشاره

اتفقت المذاهب الفقهية علي أن المتعة كانت نكاحا حلالا أحلها رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " بوحي منه سبحانه في برهة من الزمن، وإنما اختلفوا في استمرار حليتها، والشيعة الإمامية علي بقاء حليتها

وعدم ورود أي نسخ عليها خلافا للمذاهب الأربعة فهي علي التحريم البات قائلة بالنسخ. ولما كانت الحلية من مختصات فقه الشيعة، آثرنا أن نبحث عنها في إطار الكتاب والسنة، علي وجه الاجمال، حتي يقف القارئ علي أن القول بأصل تشريعها وعدم نسخها مما يثبته الكتاب والسنة، وأن قول بعضهم بعدم تشريعها بتاتا أو ادعاء نسخها يضادهما. وسيوافيك أن لفيفا من الصحابة والتابعين كانوا يفتون بجوازها وعدم نسخها، وإنما منع عنها عمر بن الخطاب لحافز نفسي أو اجتهاد شخصي لا دليل عليه وليس حجة علي الآخرين. وقد قال بنظيره في متعة الحج التي كانت في زمن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ". فأما زواج المتعة: فهو عبارة عن تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع - من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدة أو غير ذلك من الموانع الشرعية - بمهر مسمي إلي أجل مسمي بالرضا والاتفاق، فإذا [ صفحه 116] انتهي الأجل تبين منه من غير طلاق. ويجب عليها مع الدخول بها - إذا لم تكنيائسة - أن تعتد عدة الطلاق إذا كانت ممن تحيض وإلا فبخمسة وأربعين يوما [226] . وولد المتعة - ذكرا كان أو أنثي يلحق بالأب ولا يدعي إلا به، وله من الإرث ما أوصانا الله سبحانه به في كتابه العزيز. كما يرث من الأم، وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والأمهات، وكذا العمومات الواردة في الإخوة والأخوات والأعمام والعمات. وبالجملة: المتمتع بها زوجة حقيقة، وولدها ولد حقيقة. ولا فرق بين الزواجين: الدائم والمنقطع إلا أنه لا توارث هنا ما بين الزوجين، ولا قسمة ولا نفقة لها إلا أن

تشترط ذلك في العقد. كما أن له العزل عنها. وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الأحكام لا في الماهية، لأن الماهية واحدة غير أن أحدهما مؤقت والآخر دائم، وأن الأول ينتهي بانتهاء الوقت والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ. وقد أجمع أهل القبلة علي أنه سبحانه شرع هذا النكاح في صدر الإسلام، ولا يشك أحد في أصل مشروعيته، وإنما وقع الكلام في نسخه أو بقاء مشروعيته. والأصل في مشروعيته قوله سبحانه: - (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماحكيما) - [227] . [ صفحه 117] والآية ناظرة إلي نكاح المتعة وذلك لوجوه: 1 - الحمل علي النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه: إن هذه السورة، أي سورة النساء، تكفلت ببيان أكثر ما يرجع إلي النساء من الأحكام والحقوق، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة علي نظام خاص، أما الدائم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: - (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوافواحدة...) - [228] . وأما أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية: - (وآتوا النساء صدقاتهن نحلةفإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) - [229] . وقال سبحانه: - (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن...) -

[230] . وقال سبحانه: - (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارافلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) - [231] . وأما نكاح الإماء فقد جاء في قوله سبحانه: - (ومن لم يستطع منكم طولا أن [ صفحه 118] ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهنبالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان...) - [232] . فقوله سبحانه: - (من ما ملكت أيمانكم) - إشارة إلي نكاح السيد لأمته، الذي جاء في قوله سبحانه أيضا: - (إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غيرملومين...) - [233] . وقوله سبحانه: - (فانكحوهن بإذن أهلهن) - إشارة إلي تزويج أمة الغير. فإلي هنا تم بيان جميع أقسام النكاح فلم يبق إلا نكاح المتعة، وهو الذي جاء في الآية السابقة، وحمل قوله سبحانه: - (فما استمتعتم) - علي الزواج الدائم. وحمل قوله: - (ف آتوهن أجورهن) - علي المهور والصدقات مستلزم للتكرار. وسيوافيك وجود نكاح المتعة في صدر الإسلام، ولا يصح للشارع السكوت عن حكمها. فالناظر في السورة يري أن آياتها تكفلت ببيان أقسام الزواج علي نظام خاص ولا يتحقق ذلك إلا بحمل الآية علي نكاح المتعة كما هو ظاهرها أيضا. 2 - تصريح جماعة من الصحابة بشأن نزولها: ذكرت أمة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها، وينتهي نقل هؤلاء إلي أمثال ابن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وحبيب بن أبي ثابت، وسعيد بن جبير، إلي غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتهامهم بالوضع والجعل. [ صفحه 119] وقد ذكر نزولها

من المفسرين والمحدثين:إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده [234] . وأبو جعفر الطبري في تفسيره [235] . وأبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن [236] . وأبو بكر البيهقي في السنن الكبري [237] . ومحمود بن عمر الزمخشري في الكشاف [238] . وأبو بكر بن سعدون القرطبي في تفسير جامع أحكام القرآن [239] . وفخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب [240] . إلي غير ذلك من المحدثين والمفسرين الذين جاءوا بعد ذلك إلي عصرنا هذا، ولا نطيل الكلام بذكرهم. وليس لأحد أن يتهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يفتون به. وبملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشك في ورودها في نكاح المتعة. ومعني الآية: إن الله تبارك وتعالي شرع لكم نكاح ما وراء المحرمات لأجل [ صفحه 120] أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم ويصون عفتكم ويصدكم عن الزنا، فإذا تزوجتم استمتاعا ف آتوهن أجورهن. والغاية من النكاح مطلقا هو صيانة النفس، وهي موجودة في جميع الأقسام، النكاح الدائم، والمؤقت والزواج بأمة الغير المذكورة في هذه السورة من أولها إلي الآية 25. هذا هو الذي يفهمه كل إنسان من ظواهر الآيات غير أن من لا يروقه الأخذ بظاهر الآية: - (فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن) - لرواسب نفسية أو بيئية حاول أن يطبق معني الآية علي العقد الدائم، وذكر في المورد شبهات ضعيفة لا تصمد أمام النقاش نجملها بما يلي: الشبهة الأولي: إن الهدف من تشريع النكاح هو تكوين الأسرة وإيجاد النسل، وهو يختص بالنكاح الدائم دون المنقطع الذي لا يترتب عليه إلا إرضاءالقوة الشهوية وصب الماء وسفحه [241] . ويجاب عنها: بأنه خلط بين الموضوع والفائدة المترتبة عليه، وما ذكر إنما هو من

قبيل الحكمة، وليس الحكم دائرا مدارها، لضرورة أن النكاح صحيح وإن لم يكن هناك ذلك الغرض، كزواج العقيم واليائسة والصغيرة. بل أغلب المتزوجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلا قضاء الوطر واستيفاء الشهوة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل أصلا وإن حصل لهم قهرا، ولا يقدح ذلك في صحة زواجهم. [ صفحه 121] ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر، مع أنها كالدائم قد يقصد منها النسل والخدمة وتدبير المنزل وتربية الأولاد والإرضاع والحضانة وإن كانت قليلة. ونسأل المانعين الذين يعتبرون نكاح المتعة، مخالفا للحكمة، التي من أجلها شرع النكاح، نسألهم عن الزوجين اللذين يتزوجان نكاح دوام، ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد شهرين، فهل هذا نكاح صحيح أو لا؟ لا أظن أن فقيها من فقهاء الإسلام يمنع ذلك إلا إذا أفتي بغير دليل ولا برهان، وبهذا الشكل يتعين الجزم بأصحية هذا النكاح، فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوي أن المدة مذكورة في الأول دون الثاني؟ يقول صاحب المنار: إن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوي الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياهيعد خداعا وغشا وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت [242] . أقول: نحن نفترض أن الزوجين رضيا بالتوقيت لبا، حتي لا يكون هناك خداع وغش، فهو صحيح بلا إشكال. الشبهة الثانية: إن تسويغ النكاح المؤقت ينافي ما تقرر في القرآن كقوله عز وجل في صفة المؤمنين: - (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين -

فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) - [243] . [ صفحه 122] والمراد من قوله: - (من ابتغي) - هم المتجاوزون ما أحله الله لهم إلي ما حرمه عليهم. والمرأة المتمتع بها ليست زوجة فيكون لها علي الرجل مثل الذي عليها بالمعروف. إلا أنه يرد عليها: إنها دعوي بلا دليل. فإنها زوجة ولها أحكام، وعدم وجود النفقة والقسمة لا يخرجانها عن الزوجية، فإن الناشزة زوجة ليست لها النفقة وحق القسمة، ومثلها الصغيرة. والعجب أن يستدل بعدم وجود الأحكام علي نفي الماهية، فإن الزوجية رابطة بين الزوجين تترتب عليها جملة من الأحكام وربما تختص بعض الأحكام ببعض الأقسام. الشبهة الثالثة: إن المتمتع في النكاح المؤقت لا يقصد الإحصان، بل يكون قصده المسافحة، وإن كان هناك نوع ما من الإحصان بالنسبة إليه حيث يمنعها من التنقل في دمن الزنا، فإنه لا يكون فيه شئ من الإحصان بالنسبة إلي المرأة التي تؤجر نفسها كل مدة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:كرة حذفت بصوالجة - فتلقفها رجل رجل [244] . ويرد علي هذه الشبهة: إنه من أين وقف علي أن الإحصان في النكاح المؤقت يختص بالرجل دون المرأة، فإنا إذا افترضنا كون العقد شرعيا، فكل واحد من الطرفين يحصن نفسه من هذا الطريق، وإلا فلا محيص عن التنقل في دمن [ صفحه 123] الزنا. والذي يصون الفتي والفتاة عن البغي أحد الأمور الثلاثة: 1 - النكاح الدائم. 2 - النكاح المؤقت بالشروط الماضية. 3 - كبت الشهوة الجنسية. فالأول ربما يكون غير ميسور خصوصا للطالب والطالبة اللذين يعيشان بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة، وكبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمله إلا الأمثل فالأمثل من الشباب

والمثلي من النساء، وهم قليلون، فلم يبق إلا الطريق الثاني، فيحصنان نفسهما عن التنقل في بيوت الدعارة. إن الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، ونبيه خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع، فلا بد أن يضع لكل مشكلة اجتماعية حلولا شرعية، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة، وما المشكلة الجنسية عند الرجل والمرأة إلا إحدي هذه النواحي التي لا يمكن للدين الإسلامي أن يهملها، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه: ماذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، وتمنعهم كرامتهم ودينهم عن التنقل في بيوت الدعارة والفساد، والحياة المادية بجمالها تؤجج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلا من عصمه الله، فلم يبق طريق إلا زواج المتعة، الذي يشكل الحل الأنجح لتلافي الوقوع في الزنا، وتبقي كلمة الإمام علي بن أبي طالب ترن في الآذان [ صفحه 124] محذرة من تفاقم هذا الأمر عند إهمال العلاج الذي وصفه المشرع الحكيم له، حيث قال - عليه السلام -: " لولا نهي عمر عن المتعة لما زني إلا شقي أو شقية ". وأما تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الرجل بحقيقةنكاح المتعة وحدودها، فإن ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل [245] . وغيره إلي الشيعة، وهم براء من هذا الإفك، إذ يجب علي المتمتع بها بعد انتهاء المدة الاعتداد علي ما ذكرنا، فكيف يمكن أن تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل؟! سبحان الله ما أجرأهم علي الكذب علي الشيعة والفرية عليهم، وما مضمون الشعر إلا جسارة علي الوحي والتشريع الإلهي، وقد اتفقت كلمة المحدثين والمفسرين علي التشريع، وأنه لو كان هناك نهي أو

نسخ فإنما هو بعد التشريع والعمل. الشبهة الرابعة: إن الآية منسوخة بالسنة، واختلفوا في زمن نسخها علي أقوال شتي: 1 - أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر. 2 - ما أحلت إلا في عمرة القضاء. 3 - كانت مباحة ونهي عنها في عام الفتح. 4 - أبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها [246] . [ صفحه 125] وهذه الأقوال تنفي الثقة بوقوع النسخ، كما أن نسخ القرآن بأخبار الآحاد ممنوع جدا، وقد صح عن عمران بن الحصين أنه قال: " إن الله أنزل المتعة وما نسخها بآية أخري، وأمرنا رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه "، يريد به عمر بن الخطاب. وسيوافيك مصدره. إن الخليفة الثاني لم يدع النسخ وإنما أسند التحريم إلي نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله عز وجل أو من رسوله، لأسند التحريم إليهما، وقد استفاض قول عمر وهو علي المنبر: متعتان كانتا علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء. بل نقل متكلم الأشاعرة في شرحه علي شرح التجريد أنه قال: أيها الناس ثلاث كن علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، وأنا أنهي عنهن،وأحرمهن، وأعاقب عليهن، متعة النساء، ومتعة الحج، وحي علي خير العمل [247] . وقد روي عن ابن عباس - وهو من المصرحين بحلية المتعة وإباحتها - في رده علي من حاجه بنهي أبي بكر وعمر لها، حيث قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، وتقولون: قال أبو

بكر وعمر. حتي أن ابن عمر لما سئل عنها، أفتي بالإباحة، فعارضوه بقول أبيه، فقال لهم: أمر رسول الله أحق أن يتبع أم أمر عمر؟ كل ذلك يعرب عن أنه لم يكن هناك نسخ ولا نهي نبوي وإنما كان تحريما من جانب الخليفة، وهو في حد ذاته يعتبر اجتهادا قبالة النص الواضح، وأنه ما انفك يعلن جملة من الصحابة رفضهم له وعدم إذعانهم لأمره، وإذا كان الخليفة [ صفحه 126] قد اجتهد لأسباب رآها وأفتي علي أساسها فكان الأولي بمن لحقوه أن يتنبهوا لهذا الأمر لا أن يسرفوا في تسويغه دون حجة ولا دليل. المنكرون للتحريم: ذكرنا أن لفيفا من وجوه الصحابة والتابعين أنكروا هذا التحريم ولم يقروا به، ومنهم: 1 - علي أمير المؤمنين، في ما أخرجه الطبري بالإسناد إليه أنه قال: " لولا أنعمر نهي عن المتعة ما زني إلا شقي " [248] . 2 - عبد الله بن عمر، أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر، قال - وقد سئل عن متعة النساء -: والله ما كنا علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " زانين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول: " ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثونوأكثر " [249] . 3 - عبد الله بن مسعود، روي البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شئ، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن تنكح المرأة بالثوب إلي أجل معين، ثم قرأ علينا: - (يا أيها الذين آمنوا لا تحرمواطيبات ما أحل الله لكم

ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) - [250] [251] . [ صفحه 127] 4 - عمران بن حصين، أخرج البخاري في صحيحه عنه، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتي مات. قال رجل برأيه ما شاء [252] . أخرج أحمد في مسنده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، فلمتنزل آية تمنعها، ولم ينه عنها النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " حتي مات [253] . 5 - كما أن الخليفة العباسي المأمون أوشك أن ينادي في أيام حكمه، بتحليل المتعة إلا أنه توقف خوفا من الفتنة وتفرق المسلمين. قال ابن خلكان، نقلا عن محمد بن منصور: قال: كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال يحيي بن أكثم لي ولأبي العيناء: بكرا غدا إليه فإن رأيتما للقول وجها فقولا، وإلا فاسكتا إلي أن أدخل، قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتا علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وعلي عهد أبي بكر - رضي الله عنه - وأنا أنهي عنهما، ومن أنت يا جعل حتي تنهي عما فعله رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأبو بكر - رضي الله عنه -؟! فأومأ أبو العيناء إلي محمد بن منصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟ فأمسكنا، فجاء يحيي بن أكثم فجلس وجلسنا، فقال المأمون ليحيي: ما لي

أراك متغيرا؟ فقال: هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام، قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: الزنا؟ قال: نعم، المتعة زنا، قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله عز وجل، وحديث رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، قال [ صفحه 128] الله تعالي: - (قد أفلح المؤمنون) - إلي قوله: - (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغي وراء ذلكفأولئك هم العادون) - [254] يا أمير المؤمنين زوج المتعة ملك يمين؟ قال: لا، قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا، قال:فقد صار متجاوز هذين، من العادين [255] . أقول: هل عزب عن ابن أكثم - وقد كان ممن يكن العداء لآل البيت - أن المتعة داخلة في قوله سبحانه: - (إلا علي أزواجهم) - وإن عدم الوراثة تخصيص في الحكم، وهو لا ينافي ثبوتها، وكم لها من نظير، فالكافرة لا ترث الزوج المسلم، وبالعكس، كما أن القاتلة لا ترث وهكذا العكس، وأما الولد فيلحق قطعا، ونفي اللحوق ناشئ إما من الجهل بحكمها أو التجاهل به. وما أقبح كلامه حيث فسر المتعة بالزنا وقد أصفقت الأمة علي تحليلها في عصر الرسول والخليفة الأول، أفيحسب ابن أكثم أن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " حلل الزنا ولو مدة قصيرة. وهناك روايات مأثورة عن الخليفة نفسه، تعرب عن أن التحريم كان صميم رأيه، من دون استناد إلي آية أو رواية. فقد روي مسلم في صحيحه: عن ابن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير

ينهي عنها، فذكر ذلك لجابر، فقال: علي يدي دار الحديث: تمتعنا مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فلما قام عمر قال: إن [ صفحه 129] الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة وأبتوا نكاح هذهالنساء، فلئن أوتي برجل نكح امرأة إلي أجل إلا رجمته بالحجارة [256] . وروي الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة قال: قلت لجابر: إن ابن الزبير ينهي عن المتعة، وإن ابن عباس يأمر بها، فقال لي: علي يدي جري الحديث: تمتعنا مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وإن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " هو الرسول، وإنهما كانتا متعتان علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآلهوسلم " إحداهما متعة الحج والأخري متعة النساء [257] . وهذه المأثورات تعرب جملة من الملاحظات نجملها بملاحظتين اثنتين: أولا: إن المتعة كانت باقية علي الحل إلي عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبقيت لوقت في أيامه حتي نهي عنها ومنع. وثانيا: إنه باجتهاده قام بتحريم ما أحله الكتاب والسنة، ومن المعلوم أن اجتهاده - لو صحت تسميته بالاجتهاد - حجة علي نفسه لا علي غيره. وفي الختام نقول: إن الجهل بفقه الشيعة أدي بكثير من الكتاب إلي التقول علي الشيعة، وخصوصا في مسألة المتعة التي نحن بصدد الحديث عنها، برميهم بآراء وأحكام، يدل علي جهل مطبق أو خبث سريرة لا يدمغ، ومن هذه الأقوال: إن من أحكام المتعة عند الشيعة أنه لا نصيب للولد من ميراث أبيه، وأن المتمتع بها لا عدة لها، [ صفحه

130] وأنها تستطيع أن تنتقل من رجل إلي رجل إن شاءت. ومن أجل هذا استقبحوا المتعة واستنكروها وشنعوا علي من أباحها. وقد خفي الواقع علي هؤلاء. وإن المتعة عند الشيعة كالزواج الدائم لا تتم إلا بالعقد الدال علي قصد الزواج صراحة، وإن المتمتع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع، وإن ولدها كالولد من الدائمة من وجوب التوارث، والإنفاق وسائر الحقوق المادية، وإن عليها أن تعتد بعد انتهاء الأجل مع الدخول بها، وإذا مات زوجها وهي في عصمته اعتدت كالدائمة من غير تفاوت، إلي غير ذلك منالآثار [258] . علي أن الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه وإدراكه بوضوح، إن الشيعة رغم إدراكهم وإيمانهم بحلية زواج المتعة وعدم تحريمه - وهو ما يعلنون عنه صراحة ودون تردد - إلا أنهم لا يلجأون إلي هذا الزواج إلا في حدود ضيقة وخاصة، وليس كما يصوره ويتصوره البعض من كونه ظاهرة متفشية في مجتمعهم وبشكل مستهجن ممجوج. [ صفحه 131]

نحن والدكتور محمد فتحي الدريني

قد وقفت - أخيرا - علي كتاب حول المتعة بقلم: السائح علي حسين، أسماه بهذا النحو: " الأصل في الأشياء..؟ ولكن المتعة حرام!! " نشرته دار قتيبة، وقدم له الدكتور محمد فتحي الدريني، عميد كلية الشريعة بدمشق. والذي دعاني إلي التعليق عليه أمران: 1 - اسم الكتاب، حيث أسماه بما عرفت، وحاول أن يقرر أن الأصل الأولي في الأشياء الحلية، والمتعة داخلة في هذا الأصل، ولكن خرج عنه بالدليل ولولاه لكانت محكومة بالحلية. وبعبارة أخري: حاول أن يتظاهر لصالح الخصم (القائل بحلية المتعة) مؤقتا وأن الأصل معه، ولكنه خرج عن الأصل بدليل حاسم. 2 - تقديم الدكتور الدريني المحرر بقلم نزيه من دون همز ولمز للمخالف الذي

يري كون المتعة حلالا، وموقفه من رعاية أدب المناظرة مشكور، والحق أن مثله قليل فيما كتب حول عقائد الشيعة بقلم أهل السنة فإن الغالب - إلا ما شذ وندر - لا يفارق اللذع واللدغ أو الطعن والسب، وأحيانا التكفير أعاذنا الله من شرور أنفسنا. ومع ذلك كله لنا تأملات فيما كتب يظهر بعضها من الامعان فيما سبق، ولكن لأجل إيقاف القارئ علي النقاط الخاطئة في كلامه، نذكر أهم ما أفاده مع التعليق. وإن مر بعضها عند مناقشة الشبهات. أما حول الاسم فنقول: إن قول الفقهاء والأصوليين الأصل في الأشياء الحلية، لا يعم الدماء والأعراض والأموال فإن الأصل فيها هو الحرمة، يعرف ذلك [ صفحه 132] من له أدني إلمام بالفقه، فلأجل ذلك نري أن الله سبحانه يجعل الأصل في الدماء الحرمة، ويستثني موردا واحدا وذلك إذا كان القتل عن حق فيقول: - (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) - (الفرقان / 68) كما أنه سبحانه يأتي بذلك البيان في الأعراض واستباحة الفروج، فيقول: - (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) - (المؤمنين / 5 - 6). ويكفي في كون الأصل في الأموال، الحرمة قوله سبحانه: - (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) - (النساء / 29) وقول النبيالأكرم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه [259] فالأصل في التصرف في مال الغير هو الحرمة إلا إذا طابت نفسه. وعلي ضوء ذلك فالأصل في المتعة بما أنها استباحة للفروج هو الحرمة والخروج عن الأصل يحتاج إلي دليل، وما ذكره الأصوليون من كون الأصل في الأشياء هو الحلية راجع

إلي غير هذه الموارد مما يرجع إلي استفادة الإنسان من مظاهر الطبيعة ومعطياتها. وعلي ضوء ذلك فما حاوله مؤلف الكتاب من التظاهر بالمرونة في البحث وأنه يوافق أخاه الشيعي في حلية المتعة - حسب الأصل الأولي - ولكن الأدلة القطعية دفعته إلي القول بالتحريم، محاولة خاطئة واقعة في غير محلها، وأظن أن الكاتب قصير الباع في هذه المسائل. والكتاب - بلا إنكار وبخس لحقوق المؤلف - أشبه بكتاب قصصي، لا فقهي، وإني استغربت من قيام الدكتور الدريني بالتقديم لهذا الكتاب، ولذلك [ صفحه 133] أعرضنا عن مناقشة محتوياته واكتفينا بما جاء في التقديم. وأما التقديم فقد ذكرنا وصفه ولكن لنا فيما ذكره تأملات وتعليقات نذكرها بعد نقل كلامه موجزا. فإن نقل كل كلامه يوجب الإطناب. ولأجل أن يسهل للقارئ الوقوف علي الفكرتين، نفصل كل موضوع بعنوان معه رقم رياضي. 1 - الأحكام الشرعية تابعة للمصالح: يقول الأستاذ: من المتفق عليه بين الأصوليين والفقهاء ممن يعتد برأيهم في ميزان العلم والاجتهاد أن أحكام التشريع الإسلامي ذات مقاصد وغايات قد توخي الشارع تحقيقها قطعا من خلال تشريعه للأحكام، وقد أشار المحققون إلي هذا الأصل: أن الأحكام معللة بمصالح العباد. ثم قال: وقد ألف الإمام الشاطبي كتاب الموافقات في أصول الشريعة ومقاصدها وأثبت أن أحكام الشريعة ما عدا التعبديات ذات مقاصد معتبرة من قبل الشارع في تشريعه للحكم، وأنه لا عبرة بالوسيلة إذا تخلفت عنها غايتها، أو أفضت إلي النقيض منها. يلاحظ علي هذا الكلام بأمور: 1 - إن كون الأحكام معللة بمصالح، أمر يصدقه الذكر الحكيم، وأحاديث العترة الطاهرة، يقول سبحانه: - (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون - إنما يريد

الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم [ صفحه 134] منتهون) - (المائدة / 90 - 91) إلي غير ذلك من الآيات الواردة حول تشريع الأحكام ففيها إلماع إلي المصالح التي صارت سببا لتشريعها. وأما أحاديث أئمة أهل البيت فقد جمعها الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه (306 - 381) في كتاب أسماه ب " علل الشرائع " وهو نسخة من علوم أئمة أهل البيت يليق بكل مسلم واع الرجوع إليها والصدور عنها، وذلك قبل أن يولد الشاطبي أو يكون أثر من أستاذه أو أستاذ أستاذه، والشيعة الإمامية معروفة بالقول بتبعية الأحكام للمصالح تبعا لأئمتهم كما هو ظاهر لمن راجع كتبهم الفقهية والأصولية. فكان التركيز علي هذا الأصل أشبه بنقل التمر إلي هجر. 2 - إن الشيخ الأشعري الإمام الشهير لأكثر أهل السنة ممن يخالف هذا الأصل ويراه تحديدا لإرادة الله تعالي، ومزاحما لإطلاقها. وهذا ظاهر لمن راجع كتب الأشاعرة [260] في الأصول والفروع، وهؤلاء هم المنددون بالقائلين بتبعية الأحكام للمصالح، ومع ذلك فكيف يجعله الأستاذ قولا متفقا عليه بين الأصوليين والفقهاء، نعم قيد القائلين بالتبعية بمن يعتد برأيهم في ميزان العلم والاجتهاد. ولا أظن أن لا يكون الإمام الأشعري والجماهير التابعة له ممن لا يعتد برأيهم في ذلك المجال. 3 - إن الأستاذ تبعا للإمام الشاطبي خص تبعية الأحكام للمقاصد والمصالح بما عدا التعبديات، ولم يظهر لي وجه الاستثناء، مع أن الدليل علي [ صفحه 135] التبعية في الجميع واحد وهو صون فعل الحكيم عن اللغو، وهذا يشارك فيه التعبدي وغير التعبدي. نعم ربما لا نصل إلي المقاصد الموجودة في التعبديات ولكنه غير

كونها خالية عنها، قال سبحانه: - (وأقم الصلاة لذكري) - (طه / 14) وقال سبحانه: - (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) - (العنكبوت / 45) وقال سبحانه في حق الصيام: - (كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون) - (البقرة / 183). فإخراج التعبديات عن تحت الضابطة أشبه بتخصيص القاعدة العقلية ومن المعلوم أن القاعدة العقلية لا تخصص فلا يصح أن يقال: إن حاصل ضرب 2 × 2 = 4 إلا في مورد خاص. إن القائلين بلزوم تبعية الأحكام للمناطات والملاكات هم القائلون بحجية العقل في مجال استنباط الأحكام الشرعية في باب الملازمات العقلية ونظائرها، والعقل الحاكم بتبعية الأحكام للمصالح، لا يفرق بين العبادات وغيرها، بين التعبديات والتوصليات قائلا بأن الشارع حكيم، والحكيم مصون فعله عن اللغو والعبث فلأحكامه وتشريعاته سبحانه، غايات ترجع إلي العباد، ومصالح تتم لصالح العاملين بها. 2 - المقصد الأساسي للنكاح هو تكوين الأسرة: قال الدكتور: شرع النكاح في الإسلام لمقاصد أساسية قد نص عليها القرآن الكريم صراحة، ترجع كلها إلي تكوين الأسرة الفاضلة التي تشكل النواة الأولي [ صفحه 136] للمجتمع الإسلامي، بخصائصه الذاتية من العفة، والطهر، والولاية، والنصرة والتكافل الاجتماعي - ثم استشهد بآيات علي ذلك الأصل - ثم يقول: إن الله إذ يربط الزواج بغريزة الجنس، لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة، بل قصد أن يكون علي النحو الذي يحقق ذلك المقصد بخصائصه من تكوين الأسرة التي شرع أحكامها التفصيلية القرآن الكريم. وعلي هذا فإن الاستمتاع مجردا عن الإنجاب وبناء الأسرة، يحبط مقصد الشارع من كل أصل تشريع النكاح [261] . يلاحظ عليه أمران: الأول: أن الأستاذ خلط علة التشريع ومناطه، بحكمته، فإن

العلة عبارة عما يدور الحكم مدارها، يحدث الحكم بوجودها ويرتفع بارتفاعها، وهذا بخلاف الحكمة، فربما يكون الحكم أوسع منها، وإليك توضيح الأمرين: إذا قال الشارع اجتنب المسكر، فالسكر علة وجوب الاجتناب بحجة تعليقه علي ذلك العنوان، فما دام المائع مسكرا، له حكمه، فإذا انقلب إلي الخل يرتفع. وأما إذا قال: - (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر...) - (البقرة / 228). [ صفحه 137] فإن الامعان في الآية يكشف عن أن وجه التربص لأجل تبين وضع الرحم، وإنها هل تحمل ولدا أو لا؟ ومن المعلوم أن هذا حكمة الحكم، لا علته ولأجل ذلك نري أن الحكم أوسع منها بشهادة أن الفقهاء يحكمون بوجوب التربص علي من نعلم بعدم وجود حمل في رحمها. 1 - كما إذا كانت عقيما لا تلد أبدا. 2 - إذا كان الرجل عقيما. 3 - إذا غاب عنها الزوج مدة طويلة كستة أشهر فما فوق، ونعلم بعدم وجود حمل في رحمها. 4 - إذا تبينت عن طريق إجراء الفحوصات الطبية خلو رحمها عنه. فالآية محكمة وإن لم تكن حكمة الحكم موجودة، وهذا لا ينافي ما توافقنا عليه من تبعية الأحكام للمصالح، فإن المقصود منه هو وجود الملاكات في أغلب الموارد لا في جميعها. إذا عرفت الفرق بين الحكمة والعلة تقف علي أن الأستاذ خلط بين العلة والحكمة، فتكوين الأسرة والإنجاب والتكافل الاجتماعي كلها من قبيل الحكم بشهادة أن الشارع حكم بصحة الزواج في موارد فاقدة لهذه الغايات. 1 - يجوز زواج العقيم بالمرأة الولود. 2 - يجوز زواج المرأة العقيم بالرجل المنجب. 3 - يجوز نكاح

اليائسة. [ صفحه 138] 4 - يجوز نكاح الصغيرة. 5 - يجوز نكاح الشاب من الشابة مع العزم علي عدم الإنجاب إلي آخر العمر. أفيصح للأستاذ أن يشطب علي هذه الأنكحة بقلم عريض بحجة افتقادها لتكوين الأسرة؟! علي أن من الأمور الواضحة، أن أغلب المتزوجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلا قضاء الوطر، واستيفاء اللذة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل، وإن كان يحصل لهم قهرا. الثاني: يجب علي الأستاذ التفصيل بين من يتزوج متعة لغاية الإنجاب وتشكيل الأسرة بخصائصها الذاتية من العفة، والطهر، والولاية، والنصرة، والتكافل الاجتماعي، وبين من يتزوج لقضاء الوطر، ودفع الشهوة بهذا الطريق، وأما إنه لماذا يتزوج زواجا مؤقتا فلأجل وجود بعض التسهيلات في المؤقت دون الدائم. إن الأستاذ كأكثر من كتب عن المتعة من أهل السنة، يتعامل مع المتمتع بها معاملة الغانيات المفتوحة أبوابهن، يدخل عليهن في كل يوم رجل ويجتمع معها ذلك اليوم ثم يفارق ويأتي رجل آخر بهذه الخصوصية. فلو كان هذا معني التمتع بالمرأة والزواج المؤقت، فالشيعة الإمامية وأئمتها ورسولها وكتابها بريئون من هذا التشريع الذي يرادف الزنا إلا في التسمية. ولكن المتعة يفارق ذلك مائة بالمائة، فربما يكون هناك نساء توفي عنهن أزواجهن ولهن جمالهن وكمالهن، وربما لا يتمكن الرجل من الزواج الدائم لمشاكل اجتماعية، ومع ذلك يرغب إلي هذه [ صفحه 139] الطبقة من النساء فيتزوجها طالبا بها رفع العنت أولا وتشكيل الأسرة بمالها من الخصوصيات ثانيا. والحق أن ما اختمر في ذهن الكاتب وغيره من المتعة أشبه بالنساء المبذولات في بيوت خاصة، ومحلات معينة فمثل ذلك لا يمكن أن تضفي عليه المشروعية، غير أن المتعة الشرعية غير ذلك، وربما يتوقف

التزوج بهن علي طي عقبات، فيشترط فيها ما يشترط في الدائم، ويفارق الدائم بأمرين: الطلاق والنفقة. وأما التوارث فيتوارثان بالاشتراط ومثل ذلك يلازم الغايات المطلوبة للنكاح غالبا. وقد أوضحنا حقيقة زواج المتعة في صدر البحث. والحق أن الغاية القصوي في كل مورد رخص فيه الشارع العلاقة الجنسية بعامة أقسامها حتي ملك اليمين وتحليل الإماء... هو صيانة النفس عن الوقوع في الزنا والسفاح. وأما سائر الغايات من تشكيل الأسرة، والتكافل الاجتماعي، فإنما هي غايات ثانوية تحصل بالنتيجة سواء توخاها الزوجان أم لا. والغاية القصوي موجودة في الزواج المؤقت، وأن الهدف من تشريعه هو صيانة النفس عن الحرام لمن لا يتمكن من الزواج الدائم، ولأجل ذلك استفاض عن ابن عباس قال: " يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ولولا نهيه عنها ما احتاج إلي الزنا إلا شقي " [262] . إن قوله سبحانه: - (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله...) - (النور / 33) دليل علي أن الغاية من تجويز النكاح، والنهي عن الرهبانية [ صفحه 140] هو صيانة النفس عن الفحشاء ودفعها إلي التعفف، وهذه الغاية كما عرفت موجودة في جميع الأنكحة والعلاقات الجنسية من الزواج الدائم إلي الزواج المؤقت إلي ملك اليمين إلي تحليل الإماء بشروطها المقررة في الفقه. 3 - المتعة داخلة تحت السفح المنهي عنه في الآية: ذكر الأستاذ أن مجرد قضاء الشهوة والاستمتاع، هو ما أطلق عليه القرآن " السفاح " ولذا حذر الإسلام من اتباع هذا السبيل بقوله: - (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) - (النساء / 24) إذ مؤداه أن تتزوجوا النساء

بالمهور، قاصدين ما شرع الله النكاح لأجله من الإحصان، وتحصيل النسل دون مجرد سفح الماء وقضاء الشهوة كما يفعل الزناة، وفي هذا إشعار بتحريم أن تبتغي المرأة من أجل مجرد الاستمتاع بها وسفح الماء في رحمها. (؟؟؟) يلاحظ عليه بأمرين: الأول: أن السفح في الآية إنما هو بمعني الزنا لا بمعني صب الماء حتي ولو كان الطرف زوجة شرعية، وبعبارة أخري أريد من قوله: - (محصنين غير مسافحين) - كونهم متزوجين غير زانين، ويظهر ذلك بتوضيح معني الإحصان، وبالتالي معني السفح الواردين في الآية. وإليك نص الآية وما بعدها. - (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن فريضة...) - (النساء / 24). [ صفحه 141] - (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما علي المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم...) - (النساء / 25). تري أن مادة الإحصان وردت بصورها المختلفة في الآيتين ست مرات وأما معناه لغة فليس له إلا معني واحدا وهو المنع، غير أن أسباب المنع أو متعلقاته يختلف، فالمرأة تكون محصنة بأمور: 1 - الإسلام 2 - العفاف 3 - الحرية 4 - الزواج. فالإسلام يمنعها عن التزوج بالمشرك مثلا، والعفاف يصدها عن الزنا، والحرية تمنعها عن التبذل الجنسي أكثر من الأمة، أو التزوج بغير الكفوء، والزواجيصد المرأة عن الفحشاء أو الزواج مع

الغير. [263] . روي السيوطي في الدر المنثور عن النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم "أنه قال: الإحصان إحصانان: إحصان نكاح، وإحصان عفاف [264] وعلي ضوئه يتبين المقصود من الإحصان الوارد في الآيتين، فقد أريد: من قوله: - (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت) -. وقوله: - (محصنين غير مسافحين) -. وقوله: - (فإذا أحصن) -. الإحصان بالتزويج. [ صفحه 142] كما أريد من قوله: - (محصنات غير مسافحات) -. هو الإحصان بالعفة. وأريد: من قوله: - (أن ينكح المحصنات المؤمنات) -. وقوله: - (نصف ما علي المحصنات من العذاب) -. الإحصان بالحرية. إلي هنا تبين المقصود من الإحصان واتضح أن المراد من قوله - (محصنين غير مسافحين) - هو كونهم متزوجين، كما أن المراد من قوله - (محصنات غير مسافحات) - أي كونهن عفائف [265] . هذا حول الإحصان، وأما السفح فهو في اللغة بمعني صب الماء، يقال: سفحت الماء: إذا صببته. ودم مسفوح أي مراق، والسفاح: الزنا مأخوذ من سفحت الماء إذا صببته. وفي الحديث أوله سفاح وآخره نكاح، والمراد أن المرأة تسافح رجلا مدة ثم يتزوجها بعد ذلك. إذا تبين ذلك تقف علي أن المراد من قوله: - (غير مسافحين) - هو غير زانين كما هو الحال في قوله: - (غير مسافحات) - وذلك بحكم كونهما قرينين ل " محصنين " أو " محصنات ". فقوله سبحانه في الآية: - (محصنين غير مسافحين) - يدعو إلي أن مباشرة الرجل للمرأة يجب أن يكون بالتزويج، لا بالزنا، كما أن قوله سبحانه في الآية الثانية: - (محصنات غير مسافحات) - يدعو إلي أن الأمة التي يباشرها الرجل يجب أن تكون عفيفة لا

زانية، والهدف هو الدعوة إلي التزوج والنهي عن الزنا، لا الدعوة إلي تكوين النسل والنهي عن مطلق صب الماء. [ صفحه 143] وأظن أن من حمل قوله سبحانه: - (غير مسافحين) - علي المعني اللغوي، لأجل أنه اتخذ موقفا خاصا من المتعة وهو موقف التحريم فحاول البرهنة علي مدعاه فتمسك بهذه الكلمة حاملا إياه علي المعني اللغوي، أي تحريم صب الماء سواء كانت المرأة زوجة أو غيرها. ثم إنه كيف يمكن القول بحرمة صب الماء فيما إذا كان الطرف للرجل زوجته الشرعية فيجامعها التذاذا ودفعا للعنت والشبق، ولا يطلب الولد أفيمكن لفقيه الافتاء بالحرمة؟ فإذا كان المتمتع بها زوجة شرعية كما هو المفترض، فمباشرتها للالتذاذ بلا طلب للولد نفس المباشرة للزوجة الدائمة بهذه الكيفية، فكما أن الثاني مباح، فهكذا الأول. فلو كان القائل بالتحريم يريد البرهنة علي مدعاه فليركز علي نفي كونها زوجة وإلا مع التسليم بكونها زوجة لا دليل علي حرمة صب الماء بلا طلب للولد، وقد وقع الكاتب في هذا الاشتباه تبعا لما ذكره الإمام عبده في تفسيره [266] وأنا - شخصيا - أجل الإمام عن هذا التفسير، إنما هو من منشئ المنار السيد محمد رشيد رضا وقد أدخل أفكاره في ثنايا نظريات الإمام عبده. الثاني: لو كان سبب الحرمة كون التزوج متعة لغاية صب الماء لا لتكوين الولد وتشكيل الأسرة، يلزم التفصيل بين كون الغاية منه هو صب الماء وما إذا [ صفحه 144] كانت الغاية تشكيل الأسرة أو طلب الولد. فهل الأستاذ يفتي به أو لا؟ 4 - الآية تهدف إلي تأكيد المهر بعد الاستمتاع: إن القائلين بحلية المتعة تبعا للنصوص الواردة في السنة (وإن أغفل الكاتب ذكرها، وذكر القائلين بنزول

الآية فيها من أهل السنة) يستدلون علي حلية المتعة بقوله سبحانه: - (فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن فريضة...) - وسيوافيك كيفية الاستدلال بها ولأجل إخلاء الآية عن الدلالة علي حكم المتعة حملها الأستاذ علي معني آخر وقال: إنما أوردها تعالي هنا للدلالة علي تأكيد المهر بعد الاستمتاع وعدم قابليته للسقوط بعد هذا الاستمتاع إذ من المعلوم أن " عقد الزواج " وإن كان يثبت به المهر كاملا إثر إبرامه، وتستحقه الزوجة بنفس العقد، غير أنه يثبت ثبوتا قابلا لسقوط بعضه، كالطلاق قبل الدخول مثلا، حيث يثبت نصفه فقط، أما بعد " الاستمتاع " بالزوجة فيتأكد " المهر " كملا ويصبح العقد غير قابل لأن يسقط شئ منه. فالآية الكريمة - (فما استمتعتم به منهن) - تفيد أن المهر - كما ذكرنا - يتأكد وجوبه كاملا بالاستمتاع، لا بعقد الزواج وحده، لأنه عرضة لأن يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول، فيتأكد حق المرأة في تمام المهر بالدخول. فالاستمتاع هنا، أثر لعقد النكاح الصحيح الدائم الذي يثبت به المهر كملا غير قابل للسقوط. وليسإنشاء لعقد المتعة [267] . [ صفحه 145] يلاحظ عليه بأمرين: الأول: أن الاستمتاع ورد في الآية علي وجه الاطلاق، وهو كما يشمل الدخول، يشمل سائر الوجوه من الاستمتاعات من التقبيل إلي سائر ألوانها، فلو حملنا الآية علي أنها بصدد بيان استقرار جميع المهر علي الزوج يلزم القول بوجوبه عليه بمجرد التمتع وهذا باطل بضرورة الفقه، لأن استقراره كاملا يتوقف علي الدخول وإلا فلا يجب إلا النصف، قال سبحانه: - (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) - (البقرة / 237). فعلي ما فسر به الآية يجب

دفع جميع المهر لمطلق التمتع وهو أمر باطل، والقول بتخصيص الآية بإخراج جميع ألوان التمتع، يستلزم الاستهجان في الكلام لأنه يكون من قبيل تخصيص الأكثر. الثاني: أن القرآن الكريم تكفل ببيان حكم المهر في الآية السابقة حيث فرق بين المس وعدمه فلا حاجة إلي إعادة مضمونه بلا ملزم. أضف إليه أنه سبحانه ذكر حكم المهور قبل هذه الآية في نفس السورة فقال: - (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) - (النساء / 4). وقال سبحانه: - (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) - (النساء / 20). وعلي ذلك فلا حاجة للإعادة مع هذه الآيات الصريحة. [ صفحه 146] 5 - حمل الآية علي المتعة يوجب انقطاعها عن قبلها: إن حمل الآية علي المتعة يستلزم كونها كلاما جديدا منقطعا عما قبلها وعما بعدها لأنه - من وجهة نظرهم - يتناول موضوعا جديدا وهو " عقد المتعة " خلافا لما قبله، وهو النكاح الصحيح الدائم، وهذا غير صحيح لغة، لأن المعلوم أن " الفاء " في قوله تعالي: - (فما استمتعتم) - تربط ما بعدها بما قبلها، وإلا تفكك النظم القرآني، فالعطف بالفاء مانع من قطع المعني بعدها، عما قبلها، فيتعين أن يكون قوله تعالي: - (فما استمتعتم به منهن) - منصرفا إلي الاستمتاع بالنكاح الدائم الصحيح، لا بالمتعة، لأن العطف يمنع هذا الانقطاع. يدلك علي هذا، آخر الآية الكريمة من قوله تعالي: - (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم) - ويتبع ذلك قوله تعالي معللا السبب: - (ذلك لمن خشي

العنت منكم وإن تصبروا خير لكم) -. ولا جرم، أن هذا السياق من أول الآية إلي آخرها خاص بالنكاح المشروع الدائم، فكان هذا مانعا من أن يقحم نكاح المتعة في وسطها، ومانعا أيضا من الدلالة علي ذلك، لوحدة السياق الذي ينتظم وحدة الموضوع التي تتناولها الآيات بأحكامها، إذ لو كانت " المتعة " جائزة لما نصت الآية صراحة علي التزوج من الإماء، ولما اضطر الناس إلي ذلك، ولما جعل الشارع خشية العنت، ثم جعل الصبر علي ترك نكاح الأمة خيرا من نكاحهن، ولكان في نكاح المتعة مندوحةعن ذلك كله، لو كان جائزا!! [268] . [ صفحه 147] يلاحظ عليه بأمور: ألف: أن حاصل كلامه في المقام يرجع إلي أمرين: أحدهما: أن حمل قوله سبحانه: - (فما استمتعتم...) - علي المتعة يوجب تفكيك النظم القرآني. الثاني: أنه لو كانت المتعة جائزة لما نصت الآية صراحة علي التزوج بالإماء ولما اضطر الناس إلي ذلك مع أنه سبحانه يقول: - (ومن لم يستطع منكم طولا...) -. والأول مأخوذ من كتاب " الوشيعة في نقض عقائد الشيعة " لموسي جار الله قال فيها: " وأري أن أدب البيان يأبي، وعربية هذه الجملة الكريمة تأبي أن تكون هذه الجملة الجليلة الكريمة قد نزلت في المتعة لأن تركيب هذه الجملةيفسد، ونظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا بأنها نزلت فيها " [269] وأدب المناظرة تقتضي بيان مصادر الفكرة وأداء حق كل ذي حق حقه، ولكن الأستاذ شطب علي هذا الأصل الأخلاقي بقلم عريض، وقد تكرر منه ذلك كما عرفت. ب: أن دراسة الظروف السائدة للبيئة التي نزلت فيها الآية تعين علي دراسة الآية وتحديد مفهومها. فيجب علي المفسر الواعي النظر إلي

الشرائط الموجودة في زمان نزولها بذهن خال عن كل رأي مسبق وإلا فدراسة الآية، بالذهن المكتظ بالمفاهيم السلبية، تعرقل خطي المفسر وتصده عن الوصول إلي الحقيقة فنقول: إن الظاهر من السنة، أن المتعة شرعت بسنة النبي الأكرم وتحليله، أو [ صفحه 148] بإمضائه ما هو الموجود في صدر الإسلام والآية نزلت تأكيدا لما شرعه النبي الأكرم بأمر منه سبحانه ويدل علي ذلك: 1 - ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت متعة النساء في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته ولا يحفظ متاعه فيزوج المرأة إلي قدر ما يري أنه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه وتصلح له ضيعته... 2 - ورواه الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أول الإسلام... فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يري أنه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه... 3 - أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وليس معنا نساؤنا فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلي أجل ثم قرأ عبد الله: - (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) -. 4 - وأخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " عام فتح مكة في متعة النساء، فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة... 5 - وأخرج ابن شيبة وأحمد ومسلم عن

سبرة قال: رأيت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " قائما بين الركن والباب وهو يقول: يا أيها الناس إني كنتأذنت في الاستمتاع ألا وأن الله حرمها إلي يوم القيامة... [270] . [ صفحه 149] 6 - روي البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قال: كنا في جيش فأتانا رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فقال: إنه قدأذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا [271] . 7 - روي مسلم في صحيحه بسنده: خرج علينا منادي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فقال: إن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " قد أذن لكم أنتستمتعوا، يعني متعة النساء [272] . 8 - روي مسلم في صحيحه أيضا بسنده عن سلمة بن الأكوع، وجابر بنعبد الله: أن رسول الله أتانا فأذن لنا في المتعة [273] . إلي غير ذلك من الروايات التي دعت الفخر الرازي وغيره في تفسيره إليالقول بأنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام [274] . وبما أن الآية مدنية فقد نزلت في أجواء كان هنا وراء النكاح الدائم الذي هو الأصل في النكاح، نكاح المتعة، وتزويج الإماء، والآية واردة في سورة النساء التي تكفلت لبيان أحكام النساء وما يرجع إليهم في مختلف الأحوال، وعلي ذلك فلا يكون هنا اقتضاب ولا ارتجال في أن تبين حكم المتعة أولا وتزويج الإماء ثانيا، بعد الفراغ من حكم النكاح الدائم. إن الناظر في آيات السورة من أولها إلي الآية الخامسة والعشرين التي تكفلت ببيان تزويج الإماء، يقف علي أن المحور للأحكام الواردة فيها هو النكاح الدائم فأصدرت فيها أحكاما بالشكل التالي: [ صفحه 150]

1 - يجوز نكاح ما طاب من النساء إلي أربع بشرط رعاية العدالة وإلا فواحدة (الآية 3). 2 - يجب إيتاء صدقات النساء ومهورهن ولا يجوز أخذ شئ، منها إلا بإذنهن (الآية 4). 3 - حكم من يأتي الفاحشة من النساء (الآية 7). 4 - ميراث الأزواج زوجا وزوجة، ذات ولد أو غير ذات ولد (الآية 12). 5 - ردع السنة الجاهلية من إرث النساء حيث كانت نساء الموتي معدودة من التركة (الآية 19). 6 - النهي عن إمساك الزوجة التي لا رغبة له فيها، إضرارا ليأخذ بعض ما آتاها من المهر. 7 - الأمر بالمعاشرة معها بالمعروف في القول والنفقة والمبيت (الآية 19). 8 - إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، وأعطي لواحدة من زوجاته مالا كثيرا صداقا فليس له الأخذ، فلو أخذ، فقد أخذ ظلما وزورا. (الآية 20). ثم بين المحرمات اللاتي، لا يجوز نكاحهن ضمن آيات ثلاث (21 و 22 وصدر الآية 23). فبقوله سبحانه: - (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم) - تم بيان ما يرجع إلي أحكام النكاح الدائم وما حوله من وظائف للزوجين. غير أن التشريع لما كان بصدد بيان حكم ما هو الرائج يوم ذاك، ذكر حكم [ صفحه 151] أمرين: 1 - النكاح المؤقت فأشار إليه بقوله: - (فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن فريضة) -. 2 - تزويج الإماء فأشار إليه بقوله: - (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم) -. ولا يعد مثل ذلك الانتقال من الدائم، إلي المؤقت، ثم إلي نكاح الإماء، اقتضابا في الكلام أو ارتجالا في البيان، لما عرفت أن الآية

نزلت، والمتعة كانت أمرا رسميا، مثل نكاح الإماء فالاكتفاء ببيان حكم النكاح الدائم والسكوت عن الآخرين مخالف لإكمال التشريع. ومن هنا يعلم: أن قوله: - (استمتعتم) - ليس بمعناه اللغوي أي التمتع والالتذاذ، بل بمعني عقد المتعة، يظهر ذلك بملاحظة ما سبق من الروايات، حيث جاءت فيها المتعة، بمعني العقد علي المرأة متعة. والذي أوقع الأستاذ وغيره فيما أوقع، هو تصور أن اللفظ بمعناه اللغوي، غافلا عما هو المصطلح في ذلك اليوم، وحمله علي المعني اللغوي، أشبه بحمل ألفاظ الصلاة والصوم والحج علي معانيها اللغوية. فلو رجع الأستاذ ومن لف لفه إلي النصوص الواردة حول المتعة جوازا ومنعا في التفاسير بالأثر، نظير تفسير الطبري والدر المنثور لأذعن بأن اللفظة، كانت في ذلك اليوم حقيقة في النكاح المؤقت، بحيث لا يراد منها سوي هذا. وأما العدول عن لفظ النكاح والزواج إلي هذا اللفظ فللإشعار إلي ما هو الغاية من هذا العقد، ولأجل ذلك أتي بلفظ الأجر مكان المهر، للإيماء إلي لزوم أدائه وعدم [ صفحه 152] التهاون في دفعه. فاتضح أن السورة من أولها إلي نهاية الآية الخامسة والعشرين عالجت الموضوعات المطروحة في ذلك اليوم، وبين أحكامها وأوضح معالمها وحدودها وكان ذلك مقتضي إكمال الشريعة. وجه تصدير الجملة ب " فاء " التفريع: بقي الكلام في أنه لماذا صدر بيان الزواج المؤقت بلفظة " فاء " التفريع حيث قال: - (فما استمتعتم به منهن ف آتوهن أجورهن) - مع أنه لم يسبق منه في الظاهر شئ في الآيات المتقدمة: ولكن الإجابة عنه واضحة لأن المصحح لدخولها، تقدم جملتين في كل واحدة إيماء إلي هذا النوع من النكاح: أحدهما: - (أن تبتغوا بأموالكم) -. ثانيهما: - (محصنين

غير مسافحين) -. وفي كل من هذين القيدين إشارة إلي الزواج المؤقت. قال سبحانه: - (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم...) -. توضيحه: ماذا يريد سبحانه من قوله: - (وأحل لكم ما وراء ذلكم) - هل يريد حل ما وراءه بالنكاح الدائم فقط أو يريد شيئا وراء ذلك؟ والاحتمال الأول يوجب خروج الكلام مخرج توضيح الواضح للعلم الضروري، بحلية نكاح ما وراء المحرمات بالنكاح الدائم، فما هو الدافع علي توضيح الواضح خصوصا أنه تقدم [ صفحه 153] في صدر السورة قوله: - (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع) - (النساء / 3). فلا مناص عن احتمال آخر، وهو: أنه يهدف إلي بيان حلية النكاح الذي يبتغي بالأموال بحيث يكون للمال (الصداق) هناك دور واسع. بحيث لولاه لبطل، أو لما تحقق. فيوضح قوله: - (ما وراء ذلكم) - بقوله: - (أن تبتغوا بأموالكم) - وليس ذلك إلا نكاح المتعة، لا النكاح الدائم، فإن الصداق في الثاني ليس بركن، بل يجوز تركه قال سبحانه: - (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) - (البقرة / 236) قال ابن قدامة: ويستحب أن لا يعري النكاح عن تسمية الصداق، لأن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " كان يزوج بناته وغيرهنويتزوج، فلم يكن يخلي ذلك من صداق [275] . وهذا بخلاف المتعة، فإن الأجل والصداق فيها ركن، تبطل بترك واحدمنهما، قال الإمام الصادق: " لا تكون متعة إلا بأمرين: أجل مسمي، وأجر مسمي " [276] . ولأجل ذلك صح الإتيان بفاء التفريع. ثم وصف الزوج بأن يكون محصنا لا زانيا وقال: -

(محصنين غير مسافحين) - بأن يكون اللقاء بنية الزواج لا الزنا، وبما أن عقد المتعة ربما ينحرف عن مجراه ومسيره الصحيح فيتخذ لنفسه لون السفاح لا الزواج، أمر سبحانه بأن يكون الهدف هو الزواج لا السفاح. فصار ذلك أيضا مصححا لدخول الفاء في الجملة لما فيها من الإيماء إلي ما ربما يكون الرجل فيه زانيا لا متزوجا. [ صفحه 154] وبما أن نكاح الإماء أيضا، مظنة لذلك الأمر إذ الغالب علي الإماء هو روح الابتذال قيد سبحانه العفة في نكاحين بقوله: - (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) - (النساء / 25). وبالجملة: إن افتتاح الكلام، بجملتين، حاملتين مفهوم المتعة، هو المسوغ لدخول الفاء. وبذلك تقف علي أن النظم القرآني بعد لم يتفكك، وأن أدب البيان يقتضي حمله علي ما فهمه السلف الصالح من هذه الجملة وإن اختلفوا في نسخها وعدمها. ومن رجع إلي كتب الحديث والتفسير والفقه، يري أن المحدثين والمفسرين والفقهاء، تسلموا نزول الآية في عقد المتعة وإنما اختلفوا في بقاء حليتها، فقد رووا عن النبي الأكرم أنه " صلي الله عليه وآله وسلم " حرمها، كما رووا عن غيره. ولم يخطر ببال أحد منهم أن حملها علي الزواج المؤقت يهدم نظم الآية، أو يوجد خللا في بيانها. هذا كله حول الأمر الأول وأما الأمر الثاني وهو لو كانت المتعة جائزة لما وصلت النوبة إلي نكاح الإماء، مع أنه سبحانه قيد نكاحهن بعدم الاستطاعة علي نكاح الحرائر دائما أو منقطعا حسب الفرض. يلاحظ عليه: أن الإماء بطبيعة الحال تكون مبتذلة ولأجل ذلك لا يجوز نكاحهن إلا عند الضرورة وعدم الطول لنكاح المحصنات، ولأجل ذلك اشترط فيهن الإحصان، قال سبحانه: - (محصنات غير مسافحات

ولا متخذات أخدان) - [ صفحه 155] ولا تري هذا الشرط في جانب الحرائر وما هذا إلا للابتذال السائد عليهن. وأما إغناء نكاح المتعة عن نكاح الإماء فهو رجم بالغيب إذ ليست بالوفرة التي يتخيلها الكاتب حتي يستغني بها عن نكاح الإماء، فإن كثيرا من النساء الثيب تأبي نفسها عن العقد المنقطع، فضلا عن الأبكار، فليس للشارع إلا فتح طريق ثالث وهو نكاح الإماء عند عدم الطول. إن المرأة المتمتع بها عند الكاتب لا تختلف عن النساء المبتذلات اللاتي يعرضن أنفسهن في النوادي والفنادق وبيوت الدعارة والالتذاذ بهن يغني عن نكاح الإماء، لكن المتمتع بهن متعة مشروعة بالكتاب والسنة حرائر عفاف لا صلة بينهن وبين المتواجدات في دمن الفحشاء أعاذنا الله وإياكم من شرور أنفسنا. إلي هنا تبين أن دلالة الذكر الحكيم علي جواز الزواج المؤقت مما لا غبار عليها، بشرط أن يتجرد الناظر عن كل رأي مسبق وعما يقوله هذا الإمام، أو ذاك، فلا محيص عن الأخذ بمفاد الذكر الحكيم إلا إذا ثبت النسخ بالدليل القاطع وأني للقائل بالتحريم إثباته فقد اختلفوا في زمان النسخ إلي أقوال مختلفة تسلب الركون إلي الجميع، كما عرفت. وأما قراءة الآية بزيادة " إلي أجل مسمي " فلا تعني كونها جزءا من الآية سقطت منها، بل تعني إلي تبيين المراد، وقد قرأ بها ابن مسعود، وأبي بن كعبوابن عباس وليست خاصة بابن مسعود كما زعمه الكاتب فلاحظ [277] . [ صفحه 156] 6 - نقد استدلال المجيزين بالسنة: إن الكاتب عطف عنان البيان إلي نقد استدلال المجيزين وقال: " قالوا إن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " قد أباح المتعة لأصحابه. ويرد عليهم أن هذه الإباحة

إنما كانت عارضة لأمر عارض يوم فتح مكة، وهذا استثناء من أصل التحريم، وقد ثبت قطعا نسخها بالأحاديث الصحيحة فتعود إلي الأصل وهوالتحريم " [278] . كان المترقب من كاتب موضوعي، أن ينقل دليل المخالف برحابة صدر والأسف أنه تخلف عن ذلك الطريق فنقل دليل المجوز بصورة ناقصة جدا، إن المجيز يستدل بروايات صحيحة في الصحاح والمسانيد تدل بوضوح علي أن النبي الأكرم شرع المتعة بوحي منه سبحانه ولم يحرمها إلي رحيله، وقد نصت علي أن التحريم إنما جاء بعد رحيله وإليك بعض ما روي فإن الاستيعاب لا يناسب المقام: 1 - روي مسلم بسنده: عن أبي نضر قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر: فعلناهما معرسول الله ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما [279] . 2 - روي البيهقي عن أبي نضرة عن جابر - رضي الله عنه - قال: قلت: إن ابن الزبير ينهي عن المتعة وإن ابن عباس يأمر، قال: علي يدي جري الحديث تمتعنا مع رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " ومع أبي بكر - رضي الله عنه - فلما [ صفحه 157] ولي عمر خطب الناس: إن رسول الله هذا الرسول، وإن القرآن هذا القرآن، وإنهما كانتا متعتان علي عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء ولا أقدر علي رجل تزوج امرأة إلي أجل إلا عيبته بالحجارة، والأخري متعةالحج... [280] . 3 - روي الإمام أحمد بإسناد رجال كلهم ثقات، عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالي وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزلآية

تنسخها ولم ينه عنها النبي حتي مات [281] . 4 - روي أبو جعفر الطبري في تفسيره بإسناد صحيح، عن شعبة، عن الحكم قال، قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: وقال علي -رضي الله عنه - لولا أن عمر - رضي الله عنه - نهي عن المتعة ما زني إلا شقي [282] . إلي غير ذلك من المرويات في السنن والمسانيد، الدالة علي جوازها شرعا في عصر الرسول وأنها بقيت علي ما كانت عليه، غير أنه قال فيها رجل برأيه، وصارت السنة بدعة. وأوضح دليل علي أن مبدأ التحريم هو منع الخليفة عنها، ما جاء في بعض خطبه: متعتان كانتا علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء. وقد اشتهر هذا الكلام منه، اشتهار الشمس في رابعة النهار رواه عنه نظراء [ صفحه 158] الجاحظ في البيان والتبيين 2 / 223، الجصاص في أحكام القرآن 1 / 342 و 345، القرطبي: جامع الأحكام 2 / 370، التفسير الكبير: الرازي 2 / 167، ابن قيم: زاد المعاد 1 / 444 إلي غيرها من المصادر التي جاءت فيها هذه الجملة. قال الراغب في المحاضرات: قال يحيي بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال: بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: كيف وعمر كان أشد الناس فيها؟ فقال: لأن الخبر الصحيح أنه صعد المنبر فقال: إن الله ورسوله قد أحلا لكم متعتين وإني محرمهما عليكم وأعاقب عليهما. فقبلنا شهادتهولم نقبل تحريمه [283] . 7 - أدلة جماهير الأمة القائلين بتحريم نكاح المتعة: ذكر الأستاذ في هذا

الفصل أدلة القائلين بتحريم نكاح المتعة، وجعل القول بالحرمة رأيا لجماهير الأمة كما عرفت، وكأن الشيعة وهم ربع المسلمين أو ثلثهم ليسوا من جماهير الأمة، وكأنهم شذاد الآفاق، كما أن أئمة أهل البيت الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه ليسوا منهم. ولو أنصف كان عليه أن يقول: أدلة القائلين بالتحريم، بحذف كلمة " جماهير الأمة ". وعلي كل تقدير فقد نقل استدلالهم بقوله تعالي: - (والذين هم لفروجهم حافظون - إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) - (المؤمنون / 5 - 7). وجه الاستدلال: أن المرأة المتمتع بها ليست أمة كما هو واضح، ولا زوجة، [ صفحه 159] لعدم ترتب آثار عقد النكاح الصحيح كالنفقة والإرث والطلاق [284] . يلاحظ عليه: بأنه خلط آثار الشئ بمقوماته، فالذي يضر هو فقدان المقومات لا الآثار، فإن النكاح رابطة وعلقة بين الزوجين، كما أن البيع رابطة بين المالين، فالذي يجب وجوده هو ما جاء في التعريف من وجود الزوجين، أو وجود المالين، وأما ما وراء ذلك فإنما هي آثار ربما تترتب، وربما تتخلف، فقد ذكر من آثار النكاح: النفقة، والإرث، والطلاق. وزعم أن فقدان واحد منها يوجب فقدان حقيقة النكاح، ولكن الأمر ليس كذلك، بشهادة الموارد التالية التي تفقد الآثار ولا تفقد حقيقة النكاح: 1 - الزوجة الناشزة لا تجب نفقتها مع أنها زوجة. 2 - الزوجة الصغيرة زوجة ولا تجب نفقتها. 3 - الزوجة القاتلة لا ترث الزوج مع أنها زوجة. 4 - الزوجة الكافرة لا ترث زوجها المسلم مع أنها زوجة، وكذا الزوجة المسلمة زوجة ولا ترث زوجها الكافر عند أهل السنة. 5 - الزوجة

المجنونة وغيرها من ذوي العاهات [285] تبين بلا طلاق. إلي غير ذلك من الموارد التي يبين فيها الزوجان بلا طلاق مما ذكره الفقهاء في مجوزات الفسخ. 6 - الزوجة التي باهلها الزوج تبين بلا طلاق. [ صفحه 160] وكان علي الأستاذ أن يدرس مقومات الموضوع ويميزها عن آثاره، وعلي ذلك فالمتمتع بها داخلة في قوله: - (إلا علي أزواجهم) - بلا إشكال. ثم نقل استدلالا آخر للقائلين بالمنع، وهو قوله تعالي: - (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله) - (النور / 33) قائلين بأن المتعة لو كانت جائزة لما أمر الله تعالي بالاستعفاف، لأن أعباء الاستمتاع وتكاليفه سهلةميسورة، فلا حاجة إذن إلي الأمر بالاستعفاف [286] . يلاحظ عليه: أن الكاتب خلط بين النساء المتعففات، والمبتذلات في النوادي والفنادق وبيوت الدعارة، وقد عرفت أن كثيرا من النساء لعلو طبعهن لا يخضعن للمتعة وإن كانت حلالا، إذ ليس كل حلال مرغوبا عند الكل، ولأجل ذلك تصل النوبة إلي الاستعفاف ولا يجد الشاب نكاحا مؤقتا ولا دائما. والعجب أنه استدل علي التحريم بالسنة بروايتين، وأغفل عما تدل علي الإباحة من السنة (ما هكذا تورد يا سعد الإبل) وقد سمعت أذن العالم أن السلطة أيام خلافة عمر بن الخطاب حالت بين الأمة وحلالها، ولولاه لما كان للمنع صخب وهياج. ولأجل ذلك أخرج ابن أبي شيبة النافع: أن ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام، فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها، قال: فهلا تزمزم بها في زمان عمر. نعم، لو تزمزم بها في أيامه لعلته الدرة التي كانت أهيب من سيف الحجاج. وأخيرا نذكر كلام السدي أحد التابعين، قال في تعريفه نكاح المتعة: الرجل [

صفحه 161] ينكح المرأة بشرط إلي أجل مسمي ويشهد شاهدان، وينكح بإذن وليها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة وعليها أن تستبرئ ما فيرحمها، وليس بينهما ميراث [287] . 8 - هل المتعة من أقسام السفاح؟ إن في كلام الكاتب إيماء إلي أن المتعة من أقسام الزنا، يقول: " ولطالما نهي القرآن عن السفاح، وحرمه تحريما قاطعا وحاسما بالنسبة إلي الرجال والنساءعلي السواء، ودعا إلي النكاح المشروع الدائم ورغب فيه... " [288] . يلاحظ عليه: أن المسلمين عامة أصفقوا علي أن الإسلام أحل المتعة، أياما قلائل في فتح مكة - علي قول الكاتب - أو قبله في خيبر وغيره علي قول الأخيرين، ومعني كون المتعة داخلة تحت السفاح، أن الوحي السماوي أمر به في أيام أو شهور أو سنوات، والسفاح من أقسام الفحشاء والله سبحانه لا يأمر به وإن بلغ الأمر ما بلغ - (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون علي الله ما لا تعلمون) - (الأعراف / 28). والمسلم المؤمن بكتاب الله وسنة رسوله، لا يخطر بباله أن التشريع، الإسلامي جوز الزنا للمسلمين فترة من الزمن، وأمر بالقبيح، مكان الأمر بالحسن ولا محيص إلا بتفكيك المتعة عن السفاح، موضوعا وحدا وخصوصية، وقد عرفت تعريف السدي لها. وأظن - وظن الألمعي يقين - أن العناية بحفظ كرامة الخليفة وتبرئته من [ صفحه 162] تحريم ما أحل الله سبحانه، جر القوم إلي هذه التسويلات. مع أن المتتبع لسيرة الخلفاء يقف علي أنها ليست أول قارورة كسرت في الإسلام، وليست أول مرة، صارت السنة بدعة، ولعبت يد الهوي في التشريع فغيرت الكلم عن مواضعها، وسيوافيك أن الخليفة حكم علي الطلاق ثلاثا -

في مجلس واحد - بلا تخلل العدة والرجوع، بأنها تحسب تطليقات ثلاث، مع أنها علي خلاف نص الكتاب والسنة، وقد وقف عليه الخليفة بعد أن بلغ السيل الزبي.

زلة لا تستقال

إن الدكتور الدريني يصر علي أن المتعة أبيحت يوم فتح مكة ثلاثة أيام فقط (أي أباح نبي العظمة والعصمة الفروج ثلاثة أيام لجنوده يوم فتح مكة سفاحا) ولما رأي أن هناك أحاديث تدل علي أنه " صلي الله عليه وآله وسلم " نهي يوم خيبر وهي تدل التزاما علي وجود إباحة لها قبل هذا اليوم وكانت غزوة خيبر في العام السابع من الهجرة وفتح مكة في الثامن منها، حاول أن يجمع بينها بوجه يمس كرامة الصحابة العدول، وقال: " إن نهي الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " عن المتعة يوم خيبر، لا يدل علي أنه أذن لأصحابه بها أولا ثم نهاهم عنها، فلم لا يكون من بعضهم استمرار العادات الجاهلية وكانوا حديثي عهد بها، فيكون النهي عنها كغيرها من العادات الجاهلية التي حرمها الإسلام دون أن تكون مسبوقة بإذنأو ترخيص [289] . يلاحظ عليه: أن بين المستمتعين، عبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ولا يمكن رميهما بالجهل بحكم الله، ومعني ما ذكره الكاتب أنهم كانوا [ صفحه 163] يقترفون الزنا، مدة طويلة إلي أن وصل إليهم نهي النبي في خيبر وهذا مما لا يلتزم به أحد في أمثال ذينك الصحابيين الجليلين، قال ابن مسعود: كنا نغزوا مع رسول الله وليس معنا نساؤنا فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلي أجل ثم قرأ عبد الله - (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ماأحل الله لكم)

- [290] . وفي ذيل كلامه إيماء إلي التحريم البدعي الذي قامت به السلطة. وليست استباحة فروج النساء أمرا نادرا يعذر فيه المقترف، خصوصا إذا كان نظير عبد الله ابن مسعود وجابر بن عبد الله. وكان الأول كثير الولوج علي النبي وقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " إذنك علي أن ترفع الحجاب ". أسلم بمكة قديما،وتوفي عام 32 ه [291] وهل يصح أن يجهل مثله حكم الله وينجرف في سنن الجاهلية. ولو رمي شيعي أحد الصحابة بهذا الأمر لثارت ثورة القائلين بعدالة كل صحابي ولكن... هذا بعض الكلام حول هذه السنة التي اتخذت لنفسها في هذه الأيام عند إخواننا أهل السنة لون البدعة، وكثير منهم غير واقفين علي منطق القائلين بالجواز، ولو أنهم رجعوا إلي الكتاب والسنة من غير رأي مسبق لعادوا إلي الحق. وأقصي ما يمكن أن يقال تبريرا لعمل الخليفة هو أن النهي كان نهيا حكوميا لا إلهيا، ومثله يتبع المصالح والمفاسد، فلو فقد الملاك ارتفع النهي. [ صفحه 165]

الاشهاد علي الطلاق

ومما انفردت به الإمامية، القول: بأن شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق، ومتي فقد لم يقع الطلاق وخالف باقي الفقهاء في ذلك [292] . وقال الشيخ الطوسي: كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان وإن تكاملت سائر الشروط، فإنه لا يقع. وخالف جميع الفقهاء ولم يعتبر أحد منهمالشهادة [293] . ولا تجد عنوانا للبحث في الكتب الفقهية لأهل السنة وإنما تقف علي آرائهم في كتب التفسير عند تفسير قوله سبحانه: - (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) - (الطلاق / 2). وهم بين من يجعلونه قيدا للطلاق والرجعة،

ومن يخصه قيدا للرجعة المستفادة من قوله: - (فامسكوهن بمعروف) -. روي الطبري عن السدي أنه فسر قوله سبحانه: - (وأشهدوا ذوي عدل [ صفحه 166] منكم) - تارة بالرجعة وقال: أشهدوا علي الامساك إن أمسكتموهن وذلك هو الرجعة، وأخري بها وبالطلاق وقال: عند الطلاق وعند المراجعة.ونقل عن ابن عباس: أنه فسرها بالطلاق والرجعة [294] . وقال السيوطي: أخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: النكاح بالشهود، والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود. وسئل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد؟ قال: بئس ما صنع طلق في بدعة وارتجع في غير سنة فليشهد علي طلاقه ومراجعته وليستغفر الله [295] . قال القرطبي: قوله تعالي: - (وأشهدوا) - أمرنا بالإشهاد علي الطلاق، وقيل: علي الرجعة، والظاهر رجوعه إلي الرجعة لا إلي الطلاق. ثم الإشهاد مندوب إليهعند أبي حنيفة كقوله: - (وأشهدوا إذا تبايعتم) - وعند الشافعي واجب في الرجعة [296] . وقال الآلوسي - (وأشهدوا ذوي عدل منكم) - عند الرجعة إن اخترتموها أوالفرقة إن اخترتموها تبريا عن الريبة [297] . إلي غير ذلك من الكلمات الواردة في تفسير الآية. وممن أصحر بالحقيقة عالمان جليلان: أحمد محمد شاكر القاضي المصري، والشيخ أبو زهرة. قال الأول بعد ما نقل الآيتين من أول سورة الطلاق: [ صفحه 167] والظاهر من سياق الآيتين أن قوله: - (وأشهدوا) - راجع إلي الطلاق وإلي الرجعة معا والأمر للوجوب، لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلي غير الوجوب - كالندب - إلا بقرينة ولا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب، بل القرائن هنا تؤيد حمله علي الوجوب - إلي أن قال: - فمن أشهد علي طلاقه، فقد أتي بالطلاق علي الوجه المأمور به،

ومن أشهد علي الرجعة فكذلك، ومن لم يفعل فقد تعدي حدود الله الذي حده له فوقع عمله باطلا، لا يترتب عليه أي أثر من آثاره - إلي أن قال: - وذهب الشيعة إلي وجوب الإشهاد في الطلاق وأنه ركن من أركانه، ولم يوجبوهفي الرجعة والتفريق بينهما غريب لا دليل عليه [298] . وقال أبو زهرة: قال فقهاء الشيعة الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية: إن الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين، لقوله تعالي " في أحكام الطلاق وإنشائه في سورة الطلاق ": - (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا يحتسب) - فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعا إليه، وإن تعليل الإشهاد بأنه يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح ذلك ويقويه، لأن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلي الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلي الله سبحانه وتعالي. وأنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين [299] . [ صفحه 168] وهذه النصوص تعرب عن كون القوم بين من يقول برجوع الإشهاد إلي الرجعة وحدها، وبين من يقول برجوعه إليها وإلي الطلاق، ولم يقل أحد برجوعه إلي الطلاق وحده إلا ما عرفته من كلام أبي زهرة. وعلي ذلك فاللازم علينا بعد نقل النص، التدبر والاهتداء بكتاب الله إلي حكمه. قال سبحانه: - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم

لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا - فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهدة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا) - (الطلاق / 1 - 2). إن المراد من بلوغهن أجلهن: اقترابهن من آخر زمان العدة وإشرافهن عليه. والمراد بإمساكهن: الرجوع علي سبيل الاستعارة، كما أن المراد بمفارقتهن: تركهن ليخرجن من العدة ويبن. لا شك أن قوله: - (وأشهدوا ذوي عدل) - ظاهر في الوجوب كسائر الأوامر الواردة في الشرع ولا يعدل عنه إلي غيره إلا بدليل، إنما الكلام في متعلقه. فهناك احتمالات ثلاثة: 1 - أن يكون قيدا لقوله: - (فطلقوهن لعدتهن) -. 2 - أن يكون قيدا لقوله: - (فأمسكوهن بمعروف) -. 3 - أن يكون قيدا لقوله: - (أو فارقوهن بمعروف) -. [ صفحه 169] لم يقل أحد برجوع القيد إلي الأخير فالأمر يدور بين رجوعه إلي الأول أو الثاني، فالظاهر رجوعه إلي الأول وذلك لأن السورة بصدد بيان أحكام الطلاق وقد افتتحت بقوله سبحانه: - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) - فذكرت للطلاق عدة أحكام: 1 - أن يكون الطلاق لعدتهن. 2 - إحصاء العدة. 3 - عدم خروجهن من بيوتهن. 4 - خيار الزوج بين الامساك والمفارقة عند اقتراب عدتهن من الانتهاء. 5 - إشهاد ذوي عدل منكم. 6 - عدة المسترابة. 7 - عدة من لا تحيض وهي في سن من تحيض. 8 - عدة أولات الأحمال. وإذا

لاحظت مجموع آيات السورة من أولها إلي الآية السابعة تجد أنها بصدد بيان أحكام الطلاق لأنه المقصود الأصلي، لا الرجوع المستفاد من قوله: - (فأمسكوهن) - وقد ذكر تبعا. وهذا هو المروي عن أئمتنا - عليهم السلام -. روي محمد بن مسلم قال: قدم رجل إلي أمير المؤمنين - عليه السلام - بالكوفة فقال: إني طلقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها قبل أن أجامعها، فقال أمير المؤمنين - عليه السلام - [ صفحه 170] : أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله؟ فقال: لا، فقال: اذهب فإن طلاقك ليس بشئ [300] . وروي بكير بن أعين عن الصادقين - عليهما السلام - أنهما قالا: وإن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع، ولم يشهد علي ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إياها بطلاق [301] . وروي محمد بن الفضيل عن أبي الحسن - عليه السلام - أنه قال لأبي يوسف: إن الدين ليس بقياس كقياسك وقياس أصحابك، إن الله أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه بشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين، وأمر في كتابه التزويج وأهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل الله، وأبطلتم شاهدين فيما أكد الله عز وجل، وأجزتم طلاق المجنون والسكران، ثم ذكر حكم تظليل المحرم [302] . قال الطبرسي: قال المفسرون: أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة شاهدي عدل حتي لا تجحد المرأة المراجعة بعد انقضاء العدة ولا الرجل الطلاق. وقيل: معناه وأشهدوا علي الطلاق صيانة لدينكم، وهو المروي عن أئمتنا - عليهم السلام - وهذا أليق بالظاهر، لأنا إذا حملناه علي الطلاق كان أمرا يقتضي الوجوب وهو من شرائط الطلاق، ومن قال: إن ذلك راجع إلي المراجعة، حمله

عليالندب [303] . ثم إن الشيخ أحمد محمد شاكر، القاضي الشرعي بمصر كتب كتابا حول " نظام الطلاق في الإسلام " وأهدي نسخة منه مشفوعة بكتاب إلي العلامة الكبير [ صفحه 171] الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وكتب إليه: إنني ذهبت إلي اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق، وإنه إذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقا ولم يعتد به، وهذا القول وإن كان مخالفا للمذاهب الأربعة المعروفة إلا أنه يؤيده الدليل ويوافق مذهب الأئمة أهل البيت والشيعة الإمامية. وذهبت أيضا إلي اشتراط حضور شاهدين حين المراجعة، وهو يوافق أحدقولين للإمام الشافعي ويخالف مذهب أهل البيت والشيعة، واستغربت [304] من قولهم أن يفرقوا بينهما والدليل له: - (وأشهدوا ذوي عدل منكم) - واحد فيها. وأجاب العلامة كاشف الغطاء في رسالة إليه بين وجه التفريق بينهما وإليك نص ما يهمنا من الرسالة: قال بعد كلام: " وكأنك - أنار الله برهانك - لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الامعان في غير هذا المقام، وإلا لما كان يخفي عليك أن السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه حتي أنها قد سميت بسورة الطلاق، وابتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالي: - (إذا طلقتم النساء) - ثم ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدة أي لا يكون في طهر المواقعة، ولا في الحيض، ولزوم إحصاء العدة، وعدم إخراجهن من البيوت، ثم استطرد إلي ذكر الرجعة في خلال بيان أحكام الطلاق حيث قال عز شأنه: - (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) - أي إذا أشرفن علي الخروج من العدة، فلكم إمساكهن بالرجعة أو تركهن علي المفارقة. ثم عاد إلي تتمة أحكام الطلاق فقال: -

(وأشهدوا ذوي عدل منكم) - أي في الطلاق الذي سيق الكلام كله لبيان أحكامه ويستهجن عوده إلي [ صفحه 172] الرجعة التي لم تذكر إلا تبعا واستطرادا، ألا تري لو قال القائل: إذا جاءك العالم وجب عليك احترامه وإكرامه وأن تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه، ويجب المشايعة وحسن الموادعة، فإنك لا تفهم من هذا الكلام إلا وجوب المشايعة والموادعة للعالم لا له ولخادمه ورفيقه، وإن تأخرا عنه، وهذا لعمري حسب القواعد العربية والذوق السليم جلي واضح لم يكن ليخفي عليك وأنت خريت العربية لولا الغفلة (وللغفلات تعرض للأريب)، هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآية الكريمة. وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار من حيث الحكمة الشرعية والفلسفة الإسلامية وشموخ مقامها وبعد نظرها في أحكامها. وهو أن من المعلوم أنه ما من حلال أبغض إلي الله سبحانه من الطلاق، ودين الإسلام كما تعلمون - جمعي اجتماعي - لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة لا سيما في العائلة والأسرة، وعلي الأخص في الزيجة بعد ما أفضي كل منهما إلي الآخر بما أفضي. فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثر قيوده وشروطه علي القاعدة المعروفة من أن الشئ إذا كثرت قيوده، عز أو قل وجوده، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أولا وللتأخير والأناة ثانيا، وعسي إلي أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندهما يحصل الندم ويعودان إلي الألفة كما أشير إليه بقوله تعالي: - (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) - وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم مضافا إلي الفوائد الأخر، وهذا كله بعكس قضية الرجوع فإن الشارع يريد التعجيل به

ولعل للتأخير آفات فلم يوجب في الرجعة أي شرط من الشروط. [ صفحه 173] وتصح عندنا معشر الإمامية - بكل ما دل عليها من قول أو فعل أو إشارة - ولا يشترط فيها صيغة خاصة كما يشترط في الطلاق، كل ذلك تسهيلا لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده والرغبة الأكيدة في ألفتهم وعدم تفرقهم، وكيف لا يكفي في الرجعة حتي الإشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع وهي - أي المطلقة الرجعية - عندنا معشر الإمامية لا تزال زوجة إلي أن تخرج من العدة، ولذا ترثه ويرثها، وتغسله ويغسلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أنيتزوج بأختها، وبالخامسة، إلي غير ذلك من أحكام الزوجية ". [305] . [ صفحه 175]

الطلاق ثلاثا دفعة أو دفعات

في مجلس واحد

من المسائل التي أوجبت انغلاقا وعنفا في الحياة وانتهت إلي تمزيق الأسرة وتقطيع صلات الأرحام في كثير من البلاد، مسألة تصحيح الطلاق ثلاثا دفعة واحدة، بأن يقول: أنت طالق ثلاثا، أو يكرره ثلاث دفعات ويقول في مجلس واحد: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. فتحسب ثلاث تطليقات حقيقة وتحرم المطلقة علي زوجها حتي تنكح زوجا غيره. إن الطلاق عند أكثر أهل السنة غير مشروط بشروط عائقة عن التسرع في إيقاعه، ككونها غير حائض، أو في غير طهر المواقعة، أو لزوم حضور العدلين. فربما يتغلب الغيظ علي الزوج ويأخذه الغضب فيطلقها ثلاثا في مجلس واحد، ثم يندم علي عمله ندامة شديدة تضيق عليه الأرض بما رحبت فيطلب المخلص عن أثره السيئ، ولا يجد عند أئمة المذاهب الأربعة والدعاة إليها مخلصا فيقعد ملوما محسورا ولا يزيده السؤال والفحص إلا نفورا عن الفقه والفتوي. نحن نعلم علما قاطعا بأن الإسلام دين سهل وسمح، وليس فيه حرج وهذا

[ صفحه 176] يدفع الدعاة المخلصين إلي دراسة المسألة من جديد دراسة حرة بعيدة عن أبحاث الجامدين الذين أغلقوا باب الاجتهاد في الأحكام الشرعية علي وجوههم، وعن أبحاث أصحاب الهوي الهدامين الذين يريدون تجريد الأمم عن الإسلام، وأن ينظروا إلي المسألة ويطلبوا حكمها من الكتاب والسنة، متجردين عن كل رأي مسبق فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وربما تفك العقدة ويجد المفتي مخلصا من هذا المضيق الذي أوجده تقليد المذاهب. وإليك نقل الأقوال: قال ابن رشد: جمهور فقهاء الأمصار علي أن الطلاق بلفظ الثلاث حكمه حكم الطلقة الثالثة، وقال أهل الظاهر وجماعة: حكمه حكم الواحدة ولا تأثيرللفظ في ذلك [306] . قال الشيخ الطوسي: إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد، كان مبدعا ووقعت واحدة عند تكامل الشروط عند أكثر أصحابنا، وفيهم من قال: لا يقع شئ أصلا وبه قال علي - عليه الصلاة والسلام - وأهل الظاهر، وحكي الطحاوي عن محمد بن إسحاق أنه تقع واحدة كما قلناه، وروي أن ابن عباس وطاوسا كانا يذهبان إلي ما يقوله الإمامية. وقال الشافعي: فإن طلقها ثنتين أو ثلاثا في طهر لم يجامعها فيه، دفعة أو متفرقة كان ذلك مباحا غير محذور ووقع. وبه قال في الصحابة عبد الرحمان بن عوف، ورووه عن الحسن بن علي - عليهما الصلاة والسلام -، وفي التابعين ابن سيرين، وفي الفقهاء أحمد وإسحاق وأبو ثور. [ صفحه 177] وقال قوم: إذا طلقها في طهر واحد ثنتين أو ثلاثا دفعة واحدة، أو متفرقة، فعل محرما وعصي وأثم، ذهب إليه في الصحابة علي - عليه الصلاة والسلام -، وعمر، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وفي الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه ومالك، قالوا: إلا أن ذلك

واقع [307] . قال أبو القاسم الخرقي في مختصره: وإذا قال لمدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، لزمه تطليقتان إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولي فتلزمه واحدة، وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولي ولم يلزمها ما بعدها لأنه ابتداء كلام. وقال ابن قدامة في شرحه علي مختصر الخرقي: إنه إذا قال لامرأته المدخول بها: أنت طالق مرتين ونوي بالثانية إيقاع طلقة ثانية، وقعت لها طلقتان بلا خلاف، وإن نوي بها إفهامها أن الأولي قد وقعت بها أو التأكد لم تطلق إلا مرة واحدة، وإن لم تكن له نية وقع طلقتان وبه قال أبو حنيفة ومالك، وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر: تطلق واحدة. وقال الخرقي أيضا في مختصره: " ويقع بالمدخول بها ثلاثا إذا أوقعها مثل قوله: أنت طالق، فطالق فطالق، أو أنت طالق ثم طالق، ثم طالق، أو أنت طالق، ثم طالق وطالق أو فطالق. وقال ابن قدامة في شرحه: إذا أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن [ صفحه 178] معا، فوقعن كلهن كما لو قال: أنت طالق ثلاثا [308] . وقال عبد الرحمان الجزيري: يملك الرجل الحر ثلاث طلقات، فإذا طلق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة، بأن قال لها: أنت طالق ثلاثا، لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الأربعة وهو رأي الجمهور، وخالفهم في ذلك بعض المجتهدين: كطاوس وعكرمة وابن إسحاق وعلي رأسهم ابن عباس - رضي اللهعنهم - [309] . إلي غير ذلك من نظائر تلك الكلمات التي تعرب عن اتفاق جمهور الفقهاء بعد عصر التابعين علي نفوذ ذلك الطلاق محتجين بما، تسمع، ورائدهم في ذلك تنفيذ عمر بن الخطاب، الطلاق الثلاث

بمرأي ومسمع من الصحابة ولكن لو دل الكتاب والسنة علي خلافه فالأخذ به متعين. دراسة الآيات الواردة في المقام: قال سبحانه: - (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) - (البقرة / 228). - (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن [ صفحه 179] تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) - (البقرة / 229). - (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) - (البقرة / 230). - (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه...) - (البقرة / 231). جئنا بمجموع الآيات الأربع - مع أن موضع الاستدلال هو الآية الثانية - للاستشهاد بها في ثنايا البحث وقبل الخوض في الاستدلال نشير إلي نكات في الآيات: 1 - قوله سبحانه: - (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) - كلمة جامعة لا يؤدي حقها إلا بمقال مسهب، وهي تعطي أن الحقوق بينهما متبادلة، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وعلي الرجل عمل يقابله، فهما - في حقل المعاشرة - متماثلان في الحقوق والأعمال، فلا تسعد

الحياة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر، وقيام كل بوظيفته تجاه الآخر، فعلي المرأة القيام بتدبير المنزل والقيام بالأعمال فيه، وعلي الرجل السعي والكسب خارجه، هذا هو الأصل الأصيل في حياة الزوجين الذي تؤيدها الفطرة، وقد قسم النبي الأمور بين ابنته فاطمة وزوجها علي فجعل أمور داخل البيت علي ابنته وأمور خارجه علي زوجها - صلوات الله عليهما -. [ صفحه 180] 2 - " المرة " بمعني الدفعة للدلالة علي الواحد في الفعل، و " الامساك " خلاف الاطلاق، و " التسريح " مأخوذ من السرح وهو الاطلاق يقال: سرح الماشية في المرعي: إذا أطلقها لترعي. والمراد من الامساك هو إرجاعها إلي عصمة الزوجية. كما أن المقصود من " التسريح " عدم التعرض لها لتنقضي عدتها في كل طلاق أو الطلاق الثالث الذي هو أيضا نوع من التسريح. علي اختلاف في معني الجملة. وإن كان الأقوي هو الأول لأن الظاهر أن تصريح عدم إرجاعها بعد الطلاق لأنها قبل انقضاء العدة لا زالت في قيده فتركها وعدم إرجاعها يخرجها من القيد. 3 - قيد الإمساك بالمعروف، والتسريح بإحسان، مشعرا بأنه يكفي في الامساك قصد عدم الإضرار بالرجوع، وأما الإضرار فكما إذا طلقها حتي تبلغ أجلها فيرجع إليها ثم يطلق كذلك، يريد بها الإضرار والإيذاء، وعلي ذلك يجب أن يكون الامساك مقرونا بالمعروف، وعندئذ لو طلب بعد الرجوع ما آتاها من قبل، لا يعد أمرا منكرا غير معروف، إذ ليس إضرارا. وهذا بخلاف التسريح فلا يكفي ذلك بل يلزم أن يكون مقرونا بالإحسان إليها فلا يطلب منها ما آتاها من الأموال. ولأجل ذلك يقول تعالي: - (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) - أي

لا يحل في مطلق الطلاق استرداد ما آتيتموهن من المهر، إلا إذا كان الطلاق خلعا فعندئذ لا جناح عليها فيما افتدت به نفسها من زوجها. وقوله سبحانه: - (فيما افتدت به) - دليل علي وجود النفرة من الزوجة فتخاف أن لا تقيم حدود الله فتفتدي بالمهر وغيره لتخلص نفسها. 4 - لم يكن في الجاهلية للطلاق ولا للمراجعة في العدة، حد ولا عد، فكان الأزواج يتلاعبون بزوجاتهم يضاروهن بالطلاق والرجوع ما شاءوا، فجاء الإسلام بنظام دقيق وحدد الطلاق بمرتين، فإذا تجاوز عنه وبلغ الثالث تحرم عليه [ صفحه 181] حتي تنكح زوجا غيره. روي الترمذي: كان الناس، والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتي قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدا قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة فأخبرت النبيفسكت حتي نزل القرآن: - (الطلاق مرتان...) - [310] . 5 - اختلفوا في تفسير قوله سبحانه: - (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) - إلي قولين: ألف: إن الطلاق يكون مرتين، وفي كل مرة إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والرجل مخير بعد إيقاع الطلقة الأولي بين أن يرجع فيما اختار من الفراق فيمسك زوجته ويعاشرها بإحسان، وبين أن يدع زوجته في عدتها من غير رجعة حتي تبلغ أجلها وتنقضي عدتها. وهذا القول هو الذي نقله الطبري عن السدي والضحاك فذهبا إلي أن معني الكلام: الطلاق مرتان فإمساك في كل واحدة منهما لهن بمعروف أو تسريح لهن بإحسان، وقال: هذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل لولا الخبر الذي رواهإسماعيل بن

سميع عن أبي رزين [311] . يلاحظ عليه: أن هذا التفسير ينافيه تخلل الفاء بين قوله: - (مرتان) - وقوله - (فإمساك بمعروف) - فهو يفيد أن القيام بأحد الأمرين بعد تحقق المرتين، لا في [ صفحه 182] أثنائهما. وعليه لا بد أن يكون كل من الامساك والتسريح أمرا متحققا بعد المرتين، ومشيرا إلي أمر وراء التطليقتين. نعم يستفاد لزوم القيام بأحد الأمرين بعد كل تطليقة، من آية أخري أعني قوله سبحانه: - (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) - [312] . ولأجل الحذر عن تكرار المعني الواحد في المقام يفسر قوله: - (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) - بوجه آخر سيوافيك. ب - أن الزوج بعد ما طلق زوجته مرتين، يجب أن يتفكر في أمر زوجته أكثر مما مضي، فيقف أن ليس له بعد التطليقتين إلا أحد الأمرين: إما الامساك بمعروف وإدامة العيش معها، أو التسريح بإحسان بالتطليق الثالث الذي لا رجوع بعده أبدا، إلا في ظرف خاص. فيكون قوله تعالي: - (أو تسريح بإحسان) - إشارة إلي التطليق الثالث الذي لا رجوع فيه ويكون التسريح متحققا به. وهنا سؤالان أثارهما الجصاص في تفسيره: 1 - كيف يفسر قوله: - (أو تسريح بإحسان) - بالتطليق الثالث. مع أن المراد من قوله في الآية المتأخرة - (أو سرحوهن بإحسان) - هو ترك الرجعة وهكذا المراد من قوله - (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) - (الطلاق / 2) هو تركها حتي ينتهي أجلها، ومعلوم أنه لم يرد من قوله: - (أو سرحوهن بمعروف) - أو قوله: - (أو فارقوهن بمعروف) -: طلقوهن واحدة أخري [

صفحه 183] [313] . يلاحظ عليه: أن السؤال أو الإشكال ناشئ من خلط المفهوم بالمصداق، فاللفظ في كلا الموردين مستعمل في السرح والإطلاق، غير أنه يتحقق في مورد بالطلاق، وفي آخر بترك الرجعة، وهذا لا يعد تفكيكا في معني لفظ واحد في موردين، ومصداقه في الآية 229، هو الطلاق، وفي الآية 231، هو ترك الرجعة، والاختلاف في المصداق لا يوجب اختلافا في المفهوم. 2 - إن التطليقة الثالثة مذكورة في نسق الخطاب بعده في قوله تعالي: - (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنكح زوجا غيره) - وعندئذ يجب حمل قوله تعالي: - (أو تسريح بإحسان) - المتقدم عليه علي فائدة مجددة وهي وقوع البينونةبالاثنين [314] بعد انقضاء العدة. وأيضا لو كان التسريح بإحسان هو الثالثة لوجب أن يكون قوله تعالي: - (فإن طلقها) - عقيب ذلك هي الرابعة، لأن الفاء للتعقيب قد اقتضي طلاقا مستقلا بعد ماتقدم ذكره [315] . والإجابة عنه واضحة، لأنه لا مانع من الاجمال أولا ثم التفصيل ثانيا، فقوله تعالي: - (فإن طلقها) - بيان تفصيلي للتسريح بعد البيان الإجمالي، والتفصيل مشتمل علي ما لم يشتمل عليه الاجمال من تحريمها عليه حتي تنكح زوجا غيره. [ صفحه 184] فلو طلقها الزوج الثاني عن اختياره فلا جناح عليهما أن يتراجعا بالعقد الجديد إن ظنا أن يقيما حدود الله فأين هذه التفاصيل من قوله: - (أو تسريح بإحسان) -. وبذلك يعلم أنه لا يلزم أن يكون قوله: - (فإن طلقها) - طلاقا رابعا. وقد روي الطبري عن أبي رزين أنه قال: أتي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " رجل فقال: يا رسول الله أرأيت قوله: - (الطلاق مرتان

فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) - فأين الثالثة؟ قال رسول الله: - (إمساك بمعروف أو تسريحبإحسان) - هي الثالثة [316] . نعم الخبر مرسل وليس أبو رزين الأسدي صحابيا بل تابعي. لكن تضافرت الروايات عن أئمة أهل البيت أن المراد من قوله: - (أو تسريحبإحسان) - هي التطليقة الثالثة [317] . إلي هنا تم تفسير الآية وظهر أن المعني الثاني لتخلل لفظ " الفاء " أظهر بل هو المتعين بالنظر إلي روايات أئمة أهل البيت - عليهم السلام -. بقي الكلام في دلالة الآية علي بطلان الطلاق ثلاثا بمعني عدم وقوعه بقيد الثلاث، وأما وقوع واحدة منها فهو أمر آخر، فنقول:

الاستدلال علي بطلان الطلاق ثلاثا

إذا تعرفت علي مفاد الآية، فاعلم أن الكتاب والسنة يدلان علي بطلان الطلاق ثلاثا، وأنه يجب أن يكون الطلاق واحدة بعد الأخري، يتخلل بينهما [ صفحه 185] رجوع أو نكاح، فلو طلق ثلاثا مرة واحدة. أو كرر الصيغة فلا يقع الثلاث. وأما احتسابها طلاقا واحدا، فهو وإن كان حقا، لكنه خارج عن موضوع بحثنا، وإليك الاستدلال عن طريق الكتاب أولا والسنة ثانيا:

الاستدلال عن طريق الكتاب

1 - قوله سبحانه: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). تقدم أن في تفسير هذه الفقرة من الآية قولين مختلفين، والمفسرون بين من يجعلونها ناظرة إلي الفقرة المتقدمة أعني قوله: - (الطلاق مرتان...) - ومن يجعلونها ناظرة إلي التطليق الثالث الذي جاء في الآية التالية، وقد عرفت ما هو الحق، فتلك الفقرة تدل علي بطلان الطلاق ثلاثا علي كلا التقديرين. أما علي التقدير الأول، فواضح لأن معناها أن كل مرة من المرتين يجب أن يتبعها أحد أمرين: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. قال ابن كثير: أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين، فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية، بين أن تردها إليك ناويا الاصلاح والإحسان وبين أن تتركها حتي تنقضي عدتها، فتبين منك، وتطلق سراحها محسنا إليها لا تظلمها من حقها شيئاولا تضار بها [318] وأين هذا من الطلاق ثلاثا بلا تخلل واحد من الأمرين - الامساك أو تركها حتي ينقضي أجلها - سواء طلقها بلفظ: أنت طالق ثلاثا، أو: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. [ صفحه 186] وأما علي التقدير الثاني، فإن تلك الفقرة وإن كانت ناظرة لحال الطلاق الثالث، وساكتة عن حال الطلاقين الأولين، لكن قلنا إن بعض الآيات، تدل علي أن مضمونها من خصيصة مطلق الطلاق، من غير فرق

بين الأولين والثالث فالمطلق يجب أن يتبع طلاقه بأحد أمرين: 1 - الامساك بمعروف. 2 - التسريح بإحسان. فعدم دلالة الآية الأولي علي خصيصة الطلاقين الأولين، لا ينافي استفادتهامن الآيتين الماضيتين [319] ولعلهما تصلحان قرينة لإلقاء الخصوصية من ظاهر الفقرة - (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) - وإرجاع مضمونها إلي مطلق الطلاق ولأجل ذلك قلنا بدلالة الفقرة علي لزوم اتباع الطلاق بأحد الأمرين علي كلا التقديرين، وعلي أي حال فسواء كان عنصر الدلالة نفس الفقرة أو غيرها - كما ذكرنا - فالمحصل من المجموع هو كون اتباع الطلاق بأحد أمرين من لوازم طبيعة الطلاق الذي يصلح للرجوع. ويظهر ذلك بوضوح إذا وقفنا علي أن قوله: - (فبلغن أجلهن) - من القيود الغالبية، وإلا فالواجب منذ أن يطلق زوجته، هو القيام بأحد الأمرين، لكن تخصيصه بزمن خاص وهو بلوغ آجالهن، هو لأجل أن المطلق الطاغي عليه غضبه وغيظه، لا تنطفئ سورة غضبه فورا حتي تمضي عليه مدة من الزمن تصلح فيها، لأن يتفكر في أمر زوجته ويخاطب بأحد الأمرين، وإلا فطبيعة الحكم الشرعي - (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) - تقتضي أن يكون حكما سائدا [ صفحه 187] علي جميع الأزمنة من لدن أن يتفوه بصيغة الطلاق إلي آخر لحظة تنتهي معها العدة. وعلي ضوء ما ذكرنا تدل الفقرة علي بطلان الطلاق الثلاث وأنه يخالف الكيفية المشروعة في الطلاق، غير أن دلالتها علي القول الأول بنفسها، وعلي القول الثاني بمعونة الآيات الأخر. 2 - قوله سبحانه: - (الطلاق مرتان) -. إن قوله سبحانه: - (الطلاق مرتان) -: ظاهر في لزوم وقوعه مرة بعد أخري لا دفعة واحدة وإلا يصير مرة ودفعة، ولأجل ذلك عبر سبحانه بلفظ

" المرة " ليدل علي كيفية الفعل وإنه الواحد منه، كما أن الدفعة والكرة والنزلة، مثل المرة، وزنا ومعني واعتبارا. وعلي ما ذكرنا فلو قال المطلق: أنت طالق ثلاثا، لم يطلق زوجته مرة بعد أخري، ولم يطلق مرتين، بل هو طلاق واحد، وأما قوله " ثلاثا " فلا يصير سببا لتكرره، وتشهد بذلك فروع فقهية لم يقل أحد من الفقهاء فيها بالتكرار بضم عدد فوق الواحد. مثلا اعتبر في اللعان شهادات أربع، فلا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله " أربعا ". وفصول الأذان المأخوذة فيها التثنية، لا يتأتي التكرار فيها بقراءة واحدة وإردافها بقوله " مرتين " ولو حلف في القسامة وقال: " أقسم بالله خمسين يمينا أن هذا قاتله " كان هذا يمينا واحدا. ولو قال المقر بالزنا: " أنا أقر أربع مرات أني زنيت " كان إقرارا واحدا، ويحتاج إلي إقرارات، إلي غير ذلك من الموارد التي لا يكفي فيها العدد عن التكرار. [ صفحه 188] قال الجصاص: - (الطلاق مرتان) -، وذلك يقتضي التفريق لا محالة، لأنه لو طلق اثنتين معا لما جاز أن يقال: طلقها مرتين، وكذلك لو دفع رجل إلي آخر درهمين لم يجز أن يقال: أعطاه مرتين، حتي يفرق الدفع، فحينئذ يطلق عليه، وإذا كان هذا هكذا، فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لأدي ذلك إلي إسقاط فائدة ذكر المرتين، إذ كان هذا الحكم ثابتا في المرة الواحدة إذا طلق اثنتين، فثبت بذلك أن ذكر المرتين إنما هو أمر بإيقاعه مرتين، ونهي عن الجمع بينهما في مرة واحدة. [320] هذا كله إذا عبر عن التطليق ثلاثا بصيغة واحدة، أما إذا كرر الصيغة

كما عرفت، فربما يغتر به البسطاء ويزعمون أن تكرار الصيغة ينطبق علي الآية، لكنه مردود من جهة أخري وهي: أن الصيغة الثانية والثالثة تقعان باطلتين لعدم الموضوع للطلاق، فإن الطلاق إنما هو لقطع علقة الزوجية، فلا زوجية بعد الصيغة الأولي حتي تقطع، ولا رابطة قانونية حتي تصرم، وبعبارة واضحة: إن الطلاق هو أن يقطع الزوج علقة الزوجية بينه وبين امرأته ويطلق سراحها من قيدها، وهو لا يتحقق بدون وجود تلك العلقة الاعتبارية الاجتماعية، ومن المعلوم أن المطلقة لا تطلق، والمسرحة لا تسرح. وربما يقال: إن المطلقة ما زالت في حبالة الرجل وحكمها حكم الزوجة، فعندئذ يكون للصيغة الثانية والثالثة تأثير بحكم هذه الضابطة. ولكن الإجابة عنه واضحة وذلك لأن صيغة الثانية لغو جدا، وذلك لأن الزوجة بعدها أيضا بحكم الزوجة. وإنما تخرج عنه إذا صار الطلاق بائنا وهو يتحقق بالطلاق ثلاثا. والحاصل: أنه لا يحصل بهذا النحو من التطليقات الثلاث، العدد الخاص الذي هو الموضوع للآية التالية أعني قوله سبحانه: - (فإن طلقها فلا تحل له حتي تنكح زوجا غيره) - وكيف لا يكون كذلك، وقد قال " صلي الله عليه وآله وسلم ": لا [ صفحه 189] طلاق إلا بعد نكاح، وقال: ولا طلاق قبل نكاح [321] . فتعدد الطلاق رهن تخلل عقدة الزواج بين الطلاقين، ولو بالرجوع، وإذا لم تتخلل يكون التكلم أشبه بالتكلم بكلام لغو. قال السماك: إنما النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، وكيف تحل عقدةقبل أن تعقد؟! [322] . 3 - قوله سبحانه: - (فطلقوهن لعدتهن) -. إن قوله سبحانه: - (الطلاق مرتان) - وارد في الطلاق الذي يجوز فيه الرجوع [323] ، ومن جانب آخر دل قوله سبحانه: - (وإذا

طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) - (الطلاق / 1). علي أن الواجب في حق هؤلاء هو الاعتداد وإحصاء العدة، من غير فرق بين أن نقول أن " اللام " في - (عدتهن) - للظرفية بمعني " في عدتهن " أو بمعني الغاية، والمراد لغاية أن يعتددن، إذ علي كل تقدير يدل علي أن من خصائص الطلاق الذي يجوز فيه الرجوع، هو الاعتداد وإحصاء العدة، وهو لا يتحقق إلا بفصل الأول عن الثاني، وإلا يكون الطلاق الأول بلا عدة وإحصاء لو طلق اثنتين مرة. ولو طلق ثلاثا يكون الأول والثاني كذلك. وقد استدل بعض أئمة أهل البيت بهذه الآية علي بطلان الطلاق ثلاثا. [ صفحه 190] روي صفوان الجمال عن أبي عبد الله - عليه السلام -: أن رجلا قال له: إني طلقت امرأتي ثلاثا في مجلس واحد؟ قال: ليس بشئ، ثم قال: أما تقرأ كتاب الله: - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن - إلي قوله سبحانه: - لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) - ثم قال: كل ما خالف كتاب الله والسنة فهو يرد إلي كتاب الله والسنة [324] . أضف إلي ذلك: أنه لو صح التطليق ثلاثا فلا يبقي لقوله سبحانه: - (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) - فائدة لأنه يكون بائنا ويبلغ الأمر إلي ما لا تحمد عقباه، ولا تحل العقدة إلا بنكاح رجل آخر وطلاقه مع أن الظاهر أن المقصود حل المشكل من طريق الرجوع أو العقد في العدة. ثانيا: الاستدلال عن طريق السنة: قد تعرفت علي قضاء الكتاب في المسألة، وأما حكم السنة، فهي تعرب عن أن الرسول كان يعد مثل هذا الطلاق لعبا بالكتاب. 1

- أخرج النسائي عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبانا ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بينأظهركم؟ حتي قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ [325] إن محمود بن لبيد صحابي صغير وله سماع، روي أحمد بإسناد صحيح عنه قال: أتانا رسول الله [ صفحه 191] " صلي الله عليه وآله وسلم " فصلي بنا المغرب في مسجدنا فلما سلم منها... [326] . ولو سلمنا عدم سماعه كما يدعيه ابن حجر في فتح الباري [327] فهو صحابي ومراسيل الصحابة حجة بلا كلام عند الفقهاء، أخذا بعدالتهم أجمعين. 2 - روي ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله: كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد. قال: إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها [328] . والسائل هو ركانة بن عبد يزيد، روي الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا قال: فسأله رسول الله: كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا. قال، فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت.قال: فأرجعها فكان ابن عباس يري إنما الطلاق عند كل طهر [329] . [ صفحه 192]

الاجتهاد مقابل النص

التحق النبي الأكرم بالرفيق الأعلي وقد حدث بين المسلمين اتجاهان مختلفان، وصراعان فكريان، فعلي ومن تبعه من أئمة أهل البيت، كانوا يحاولون التعرف علي الحكم الشرعي من خلال النص الشرعي آية ورواية، ولا يعملون برأيهم أصلا، وفي مقابلهم لفيف من الصحابة يستخدمون رأيهم للتعرف علي

الحكم الشرعي من خلال التعرف علي المصلحة ووضع الحكم وفق متطلباتها. إن استخدام الرأي فيما لا نص فيه، ووضع الحكم وفق المصلحة أمر قابل للبحث والنقاش، إنما الكلام في استخدامه فيما فيه نص، فالطائفة الثانية كانت تستخدم رأيها تجاه النص، لا في خصوص ما لا نص فيه من كتاب أو سنة بل حتي فيما كان فيه نص ودلالة. يقول أحمد أمين المصري: ظهر لي أن عمر بن الخطاب كان يستعمل الرأي في أوسع من المعني الذي ذكرناه، وذلك أن ما ذكرناه هو استعمال الرأي حيث لا نص من كتاب ولا سنة، ولكنا نري الخليفة سار أبعد من ذلك، فكان يجتهد في تعرف المصلحة التي لأجلها نزلت الآية أو ورد الحديث، ثم يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه، وهو أقرب شئ إلي ما يعبر عنه الآن بالاسترشاد بروحالقانون لا بحرفيته [330] . إن الاسترشاد بروح القانون الذي أشار إليه أحمد أمين أمر، ونبذ النص والعمل بالرأي أمر آخر، ولكن الطائفة الثانية كانوا ينبذون النص ويعملون بالرأي، [ صفحه 193] وما روي عن الخليفة في هذه المسألة، من هذا القبيل. وإن كنت في ريب من ذلك فنحن نتلو عليك ما وقفنا عليه: 1 - روي مسلم عن ابن عباس، قال: كان الطلاق علي عهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناهعليهم، فأمضاه عليهم [331] . 2 - وروي عن ابن طاووس عن أبيه: أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة علي عهد النبي " صلي

الله عليه وآله وسلم " وأبيبكر وثلاثا من (خلافة) عمر؟ فقال: نعم [332] . 3 - وروي أيضا: أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك، ألم يكن الطلاق الثلاث علي عهد رسول الله وأبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك فلما كانفي عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم [333] . 4 - روي البيهقي، قال: كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عباس، قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة علي عهد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وأبي بكر - رضي الله عنه - وصدرا من إمارة عمر - رضي الله عنه - فلما رأي الناس قد تتابعوا فيها، قال: أجيزوهنعليهم [334] . 5 - أخرج الطحاوي من طريق ابن عباس أنه قال: لما كان زمن عمر - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس قد كان لكم في الطلاق أناة وإنه من تعجل أناة الله في [ صفحه 194] الطلاق ألزمناه إياه [335] . 6 - عن طاووس قال: قال عمر بن الخطاب: قد كان لكم في الطلاق أناةفاستعجلتم أناتكم وقد أجزنا عليكم ما استعجلتم من ذلك [336] . 7 - عن الحسن: أن عمر بن الخطاب كتب إلي أبي موسي الأشعري: لقد هممت أن أجعل إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس أن أجعلها واحدة، ولكن أقواما جعلوا علي أنفسهم، فألزم كل نفس ما ألزم نفسه. من قال لامرأته: أنت علي حرام، فهي حرام، ومن قال لامرأته: أنت بائنة، فهي بائنة، ومن قال: أنت طالق ثلاثا،فهي ثلاث [337] . هذه النصوص تدل علي أن عمل الخليفة لم

يكن من الاجتهاد فيما لا نص فيه ولا أخذا بروح القانون الذي يعبر عنه بتنقيح المناط وإسراء الحكم الشرعي إلي المواضع التي تتشارك المنصوص في المسألة، كما إذا قال: الخمر حرام، فيسري حكمه إلي كل مسكر أخذا بروح القانون وهو أن علة التحريم هي الاسكار الموجود في المنصوص وغير المنصوص، وإنما كان عمله من نوع ثالث وهو الاجتهاد تجاه النص ونبذ الدليل الشرعي، والسير وراء رأيه وفكره وتشخيصه، وقد ذكروا هنا: تبريرات لحكم الخليفة: لما كان الحكم الصادر عن الخليفة يخالف نص القرآن أو ظاهره، حاول بعض المحققين تبرير عمل الخليفة ببعض الوجوه حتي يبرر حكمه ويصححه ويخرجه عن مجال الاجتهاد مقابل النص بل يكون صادرا عن دليل شرعي، بيانها: [ صفحه 195] 1 - نسخ الكتاب بالإجماع الكاشف عن النص: إن الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ، فإن قلت: ما وجه هذا النسخ وعمر - رضي الله عنه - لا ينسخ، وكيف يكون النسخ بعد النبي " صلي الله عليه وآله وسلم "؟ قلت: لما خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار، صار إجماعا، والنسخ بالإجماع جوزه بعض مشايخنا، بطريق أن الاجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت النسخ به، والإجماع في كونه حجة أقوي من الخبر المشهور. فإن قلت: هذا إجماع علي النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك فيحقهم، قلت: يحتمل أن يكون ظهر لهم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا [338] . يلاحظ عليه أولا: أن المسألة يوم أفتي بها الخليفة، كانت ذات قولين بين نفس الصحابة، فكيف انعقد الاجماع علي قول واحد، وقد عرفت الأقوال في صدر المسألة. ولأجل ذلك نري البعض الآخر ينفي انعقاد الاجماع البتة ويقول: وقد أجمع

الصحابة إلي السنة الثانية من خلافة عمر علي أن الثلاث بلفظ واحد واحدة، ولم ينقض هذا الاجماع بخلافه، بل لا يزال في الأمة من يفتي به قرنا بعدقرن إلي يومنا هذا " [339] . وثانيا: أن هذا البيان يخالف ما برر به الخليفة عمله حيث قال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، ولو كان هناك نص عند الخليفة، لكان التبرير به هو المتعين. [ صفحه 196] وفي الختام نقول: أين ما ذكره صاحب العمدة مما ذكره الشيخ صالح بن محمد العمري (المتوفي 1298) حيث قال: إن المعروف عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين، وعند سائر العلماء المسلمين: أن حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالي أو سنة رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسية، والعصبية الشيطانية بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع علي هذا النص وتركه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع علي دليل آخر، ونحو هذامما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين وأطبق عليه جهلة المقلدين [340] . 2 - تعزيرهم علي ما تعدوا به حدود الله: لم يكن الهدف من تنفيذ الطلاق ثلاثا في مجلس، إلا عقابهم من جنس عملهم، وتعزيرهم علي ما تعدوا حدود الله، فاستشار أولي الرأي، وأولي الأمر وقال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؟ فلما وافقوه علي ما اعتزم أمضاه عليهم وقال: أيها الناس قد كانت لكم في الطلاق أناة وأنه من تعجل أناة الله ألزمناه إياه [341] . لم أجد نصا فيما فحصت

في مشاورة عمر أولي الرأي والأمر، غير ما كتبه إلي أبي موسي الأشعري بقوله: " لقد هممت أن أجعل إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا [ صفحه 197] في مجلس أن أجعلها واحدة... " [342] وهو يخبر عن عزمه وهمه ولا يستشيره، ولو كانت هنا استشارة كان عليه أن يستشير الصحابة من المهاجرين والأنصار القاطنين في المدينة وعلي رأسهم علي بن أبي طالب، وقد كان يستشيره في مواقف خطيرة ويقتفي رأيه. ولا يكون استعجال الناس، مبررا لمخالفة الكتاب والسنة بل كان عليه ردع الناس عن عملهم السيئ بقوة ومنعة، وكيف تصح مؤاخذتهم بما أسماه رسول اللهلعبا بكتاب الله [343] . يقول ابن قيم: إن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم، ولم يأت بعده إجماع يبطله ولكن رأي أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأي من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم ليعلموا أن أحدهم إذا أوقعه جملة بانت منه المرأة، وحرمت عليه، حتي تنكح زوجا غيره نكاح رغبة، يراد للدوام لا نكاح تحليل، فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق المحرم، فرأي عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه، ورأي أن ما كانوا عليه في عهد النبي وعهد الصديق، وصدرا من خلافته كان الأليق بهم، لأنهم لم يتابعوا فيه وكانوا يتقون الله في الطلاق، وقد جعل الله لكل من اتقاه مخرجا، فلما تركوا تقوي الله وتلاعبوا بكتاب الله وطلقوا علي غير ما شرعه الله ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم فإن الله شرع الطلاق مرة بعد مرة، ولم [ صفحه 198] يشرعه كله مرة واحدة [344] . يلاحظ عليه: أن ما ذكره من

التبرير لعمل الخليفة غير صحيح، إذ لو كانت المصالح المؤقتة مبررة لتغير الحكم فما معني " حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة " ولو صح ما ذكره لتسرب التغير إلي أركان الشريعة، فيصبح الإسلام ألعوبة بيد الساسة، فيأتي سائس فيحرم الصوم علي العمال لتقوية القوة العاملة في المعامل. وفي الختام نذكر تنبه بعض علماء أهل السنة في هذه العصور لما في تنفيذ هذا النوع من الطلاق، ولأجل ذلك تغير قانون محاكم مصر الشرعية وخالف مذهب الحنفية بعد استقلالها وتحررها عن سلطنة الدولة العثمانية. ويا للأسف أن كثيرا من مفتي أهل السنة علي تنفيذ هذا النوع من الطلاق، ولأجل ذلك يقول مؤلف المنار بعد البحث الضافي حول المسألة: " ليس المراد مجادلة المقلدين أو ارجاع القضاة والمفتين عن مذاهبهم، فإن أكثرهم يطلع علي هذه النصوص في كتب الحديث وغيرها ولا يبالي بها لأن العمل عندهم علي أقوال كتبهم دون كتاب الله وسنة رسوله [345] . [ صفحه 199]

تغير الأحكام بالمصالح

ولابن قيم كلام مسهب في تحليل إمضاء عمر الطلاق ثلاثا نأتي بملخصه، وهو يعتمد علي تغير الأحكام بالمصالح ويخلط الصحيح بالسقيم وإليك كلامه قال: الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع علي الجرائم. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها - ثم أتي بأمثلة كثيرة عن باب التعزيرات - وقال: ومن ذلك أنه - رضي الله عنه -، يريد عمر بن الخطاب - لما رأي الناس قد أكثروا في الطلاق، رأي أنهم لا ينتهون عنه إلا

بعقوبة فرأي إلزامهم بها عقوبة لهم ليكفوا عنها وذلك: إما من التعزير العارض الذي يفعل عند الحاجة كما كان يضرب في الخمر ثمانين ويحلق فيها الرأس. وإما ظنا أن جعل الثلاث واحدة كان مشروعا بشرط وقد زال. وإما لقيام مانع قام في زمنه منع من جعل الثلاث واحدة. - إلي أن قال: - فلما رأي أمير المؤمنين أن الله سبحانه عاقب المطلق ثلاثا، بأن حال بينه وبين زوجه وحرمها عليه حتي تنكح زوجا غيره، علم أن ذلك لكراهة الطلاق المحرم، وبغضه له، فوافقه أمير المؤمنين في عقوبته لمن طلق ثلاثا [ صفحه 200] بأن ألزمه بها وأمضاها عليه. وقال: فإن قيل: كان أسهل من ذلك أن يمنع الناس من إيقاع الثلاث، ويحرمه عليهم ويعاقب بالضرب والتأديب من فعله لئلا يقع المحذور الذي يترتب عليه. قيل: نعم، لعمر الله كان يمكنه ذلك ولذا ندم في آخر أيامه وود أنه كان فعله، قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مسند عمر: أخبرنا أبو يعلي، حدثنا صالح بن مالك، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما ندمت علي شئ مثل ندامتي علي ثلاث: أن لا أكون حرمت الطلاق، وعلي أن لا أكون أنكحت الموالي، وعلي أن لا أكون قتلت النوائح. وليس مراده من الطلاق الذي حرمه، الطلاق الرجعي الذي أباحه الله تعالي وعلم من دين رسول الله جوازه، ولا الطلاق المحرم الذي أجمع المسلمون علي تحريمه كالطلاق في الحيض والطهر المجامع فيه، ولا الطلاق قبل الدخول، فتبين قطعا أنه أراد تحريم الطلاق الثلاث - إلي أن قال: - ورأي عمر - رضي الله عنه - أن

المفسدة تندفع بإلزامهم به فلما تبين أن المفسدة لم تندفع بذلك وما زاد الأمر إلا شدة، أخبر أن الأولي كان عدوله إلي تحريم الثلاث الذي يدفع المفسدة من أصلها، واندفاع هذه المفسدة بما كان عليه الأمر في زمن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأبي بكر وأول خلافة عمر - رضي الله عنه - [346] . [ صفحه 201]

تغير الأحكام حسب مقتضيات الزمان

يلاحظ عليه: أن ما ذكره من تقسيم الأحكام إلي نوعين، صحيح. لكن من أين علم أن حكم الطلاق الثلاث من النوع الثاني، فأي فرق بين حكم الواجبات والمحرمات وقوله سبحانه: - (الطلاق مرتان) - وكيف يتغير حكم وصف رسول الله خلافه لعبا بالدين؟ وما ذكره من الاحتمالات الثلاثة فالاحتمال الأول هو المتعين وهو الموافق لكلام الخليفة نفسه، وأما الاحتمالان الأخيران من أن جعل الثلاث واحدة كان مشروعا بشرط وقد زال، أو قام مانع عن إمضائه، فلا يعتمد عليهما والدافع إلي تصوير الاحتمالين هو الخضوع للعاطفة وتبرير عمل الخليفة بأي نحو كان. تغير الأحكام حسب مقتضيات الزمان: إن الأحكام التي تتغير بتغير الزمان وتبدل الظروف، عبارة عن الأحكام التي حدد جوهرها برعاية المصالح، وتركت خصوصياتها وأشكالها إلي رأي الحاكم الإسلامي، فهذا النوع من الأحكام يتعرض للتغير دون ما قام الشارع بتحديد جوهره وشكله وكيفيته، ولم يترك للحاكم الإسلامي أي تدخل فيه والأحكام الواردة في الأحوال الشخصية من هذا القبيل، فليس للحاكم التدخل في أحكام النسب والمصاهرة والرضاع والعدد، فليس له أن يحرم ما أحل الله عقوبة للخاطئ. وبالعكس وإنما هي أحكام ثابتة لا تخضع لرأي حاكم وغيره. وأما ما يجوز للحاكم التدخل فيه فهو عبارة عن الأحكام التي تركت خصوصياتها وأشكالها إلي الحاكم،

ليصون مصالح الإسلام والمسلمين، بما تقتضيه الظروف السائدة وإليك نزرا يسيرا منها، لئلا يخلط أحدهما بالآخر: [ صفحه 202] 1 - في مجال العلاقات الدولية الدبلوماسية: يجب علي الدولة الإسلامية أن تراعي مصالح الإسلام والمسلمين، فهذا أصل ثابت وقاعدة عامة، وأما كيفية تلك الرعاية، فتختلف باختلاف الظروف الزمانية والمكانية، فتارة تقتضي المصلحة، السلام، والمهادنة والصلح مع العدو، وأخري تقتضي ضد ذلك. وهكذا تختلف المقررات والأحكام الخاصة في هذا المجال، باختلاف الظروف ولكنها لا تخرج عن نطاق القانون العام الذي، هو رعاية مصالح المسلمين، كقوله سبحانه: - (ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا) - (النساء / 141). وقوله سبحانه: - (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) -. - (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) - (الممتحنة / 8 - 9). 2 - العلاقات الدولية التجارية: فقد تقضي المصلحة عقد اتفاقيات اقتصادية وإنشاء شركات تجارية أو مؤسسات صناعية، مشتركة بين المسلمين وغيرهم، وقد تقتضي المصلحة غير ذلك. ومن هذا الباب حكم الإمام المغفور له، الفقيد المجدد السيد الشيرازي بتحريم التدخين ليمنع من تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية التي عقدت في زمانه بين إيران وانكلترا، إذ كانت مجحفة بحقوق الأمة المسلمة الإيرانية لأنها خولت لانكلترا حق احتكار التنباك الإيراني. 3 - الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده من الأعداء، [ صفحه 203] قانون ثابت لا يتغير، فالمقصد الأسني لمشرع الإسلام، إنما هو صيانة سيادته من خطر أعدائه وأضرارهم ولأجل ذلك أوجب عليهم تحصيل قوة ضاربة ضد الأعداء،

وإعداد جيش عارم جرار، تجاه الأعداء كما يقول سبحانه: - (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) - (الأنفال / 60) فهذا هو الأصل الثابت في الإسلام الذي يؤيده العقل والفطرة، أما كيفية الدفاع وتكتيكه ونوع السلاح، أو لزوم الخدمة العسكرية وعدمه، فكلها موكولة إلي مقتضيات الزمان، تتغير بتغيره، ولكن في إطار القوانين العامة فليس هناك في الإسلام أصل ثابت، حتي مسألة لزوم التجنيد الإجباري، الذي أصبح من الأمور الأصلية في غالب البلاد. وما نري في الكتب الفقهية من تبويب باب أو وضع كتاب خاص، لأحكام السبق والرماية، وغيرها من أنواع الفروسية التي كانت متعارفة في الأزمنة الغابرة، ونقل أحاديث في ذلك الباب، عن الرسول الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " وأئمة الإسلام فليست أحكامها أصلية ثابتة في الإسلام، دعا إليها الشارع بصورة أساسية ثابتة، بل كانت هي نوع تطبيق لذلك الحكم، والغرض منه، تحصيل القوة الكافية تجاه العدو في تلك العصور، وأما الأحكام التي ينبغي أن تطبق في العصر الحاضر، فإنه تفرضها مقتضيات العصر نفسه [347] . [ صفحه 204] فعلي الحاكم الإسلامي تقوية جيشه وقواته المسلحة بالطرق التي يقدر معها علي صيانة الإسلام ومعتنقيه من الخطر، ويصد كل مؤامرة عليه من جانب الأعداء حسب إمكانيات الوقت. والمقنن الذي يتوخي ثبات قانونه ودوامه وسيادة نظامه الذي جاء به، لا يجب عليه التعرض إلي تفاصيل الأمور وجزئياتها، بل الذي يجب عليه هو وضع الكليات والأصول ليساير قانونه جميع الأزمنة بأشكالها وصورها المختلفة، ولو سلك غير هذا السبيل لصار حظه من البقاء قليلا جدا. 4 - نشر العلم والثقافة واستكمال المعارف التي تضمن سيادة المجتمع ماديا ومعنويا يعتبر من الفرائض الإسلامية، أما تحقيق ذلك وتعيين

نوعه ونوع وسائله فلا يتحدد بحد خاص، بل يوكل إلي نظر الحاكم الإسلامي، واللجان المقررة لذلك من جانبه حسب الإمكانيات الراهنة في ضوء القوانين الثابتة. وبالجملة: فقد ألزم الإسلام، رعاة المسلمين، وولاة الأمر نشر العلم بين أبناء الإنسان واجتثاث مادة الجهل من بينهم ومكافحة أي لون من الأمية، وأما نوع العلم وخصوصياته، فكل ذلك موكول إلي نظر الحاكم الإسلامي وهو أعلم بحوائج عصره. فرب علم، لم يكن لازما، لعدم الحاجة إليه، في العصور السابقة، ولكنه أصبح اليوم في الرعيل الأول من العلوم اللازمة التي، فيها صلاح المجتمع، كالاقتصاد والسياسة. 5 - حفظ النظام وتأمين السبل والطرق، وتنظيم الأمور الداخلية ورفع مستوي الاقتصاد وغيرها من الضروريات، فيتبع فيه وأمثاله، مقتضيات الظروف [ صفحه 205] وليس فيه للإسلام حكم خاص يتبع، بل الذي يتوخاه الإسلام، هو الوصول إلي هذه الغايات، وتحقيقها بالوسائل الممكنة، دون تحديد وتعيين لنوع هذه الوسائل وإنما ذلك متروك إلي إمكانيات الزمان الذي يعيش فيه البشر، وكلها في ضوء القوانين العامة. 6 - قد جاء الإسلام بأصل ثابت في مجال الأموال وهو قوله سبحانه: - (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) - وقد فرع الفقهاء علي هذا الأصل شرطا في صحة عقد البيع أو المعاملة فقالوا: يشترط في صحة المعاملة وجود فائدة مشروعة وإلا فلا تصح المعاملة ومن هنا حرموا بيع (الدم) وشراءه. إلا أن تحريم بيع الدم وشرائه ليس حكما ثابتا في الإسلام بل التحريم كان في الزمان السابق صورة إجرائية لما أفادته الآية من حرمة أكل المال بالباطل وكان بيع الدم في ذلك الزمان مصداقا له، فالحكم يدور مدار وجود الفائدة (التي تخرج المعاملة عن كونها أكل المال بالباطل) وعدم تحقق الفائدة (التي

تخرج المعاملة عن كونها أكل المال بالباطل) فلو ترتبت فائدة معقولة علي بيع الدم أو شرائه فسوف يتبدل حكم الحرمة إلي الحلية، والحكم الثابت هنا هو قوله تعالي: - (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) -. وفي هذا المضمار ورد أن عليا - عليه السلام - سئل عن قول الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم ": غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود؟ فقال - عليه السلام -: إنما قال " صلي الله عليه وآله وسلم " ذلك والدين قل، فأما الآن فقد اتسع نطاقهوضرب بجرانه فامرؤ وما اختار [348] . هذا ولما كان الحكم بصحة الطلاق ثلاثا، مثيرا للفساد، عبر التاريخ، قام ابن [ صفحه 206] قيم - مع تبريره عمل الخليفة بما ذكر - ببيان ما ترتب عليه من شماتة أعداء الدين عليه، وها نحن ننقل نص كلامه:

جزاء الانحراف عن الطريق المهيع

إن ابن قيم - كما عرفت - كان من المدافعين المتحمسين عن فتيا الخليفة، وقد برر حكمه بأن المصلحة يومذاك كانت تقتضي الأخذ بما التزم به المطلق علي نفسه، وقد عرفت ضعف دفاعه ووهن كلامه، ولكنه ذكر في آخر كلامه بأن المصلحة في زماننا هذا علي عكس ما كان عليه زمن الخليفة، وأن تصحيح التطليق ثلاثا، جر الويلات علي المسلمين في أجوائنا وبيئاتنا وصار سببا لاستهزاء الأعداء، بالدين وأهله، وأنه يجب في زماننا هذا الأخذ بمر الكتاب والسنة، وهو أنه لا يقع منه إلا واحد. ولكنه غفل عما هو الحق في المقام وأن المصلحة في جميع الأزمنة كانت علي وتيرة واحدة، وأن ما حده سبحانه من الحدود، هو المطابق لمصالح العباد ومصائرهم، وأن الشناعة والاستهزاء اللتين يذكرهما ابن قيم إنما نجمتا من الانحراف عن الطريق المهيع

والاجتهاد مقابل النص بلا ضرورة مفضية إلي العدول ومن دون أن يكون هناك حرج أو كلفة، ولأجل ذلك نأتي بكلامه حتي يكون عبرة لمن يريد في زماننا هذا أن يتلاعب بالأحكام الشرعية بهذه المصالح المزعومة، وإليك نص كلامه: هذه المسألة مما تغيرت الفتوي بها بحسب الأزمنة وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلي ربها من مفسدة التحليل، وقبح ما يرتكبه المحللون [ صفحه 207] مما هو رمد بل عمي في عين الدين، وشجي في حلوق المؤمنين، من قبائح تشمت أعداء الدين بها، وتمنع كثيرا ممن يريد الدخول فيه بسببه، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح ويعدونها من أعظم الفضائح، قد قلبت من الدين رسمه، وغيرت منه اسمه، وضمخ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل، وقد زعم أنه قد طيبها للحليل، فيا لله العجب! أي طيب أعارها هذا التيس الملعون؟ وأي مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدون؟ أتري وقوف الزوج المطلق أو الولي علي الباب، والتيس الملعون قد حل إزارها وكشف النقاب، وأخذ في ذلك المرتع، والزوج أو الولي يناديه: لم يقدم إليك هذا الطعام لتشبع، فقد علمت أنت والزوجة ونحن والشهود والحاضرون والملائكة الكاتبون، ورب العالمين، أنك لست معدودا من الأزواج، ولا للمرأة أو أوليائها بك رضا ولا فرح ولا ابتهاج، وإنما أنت بمنزلة التيس المستعار للضراب، الذي لولا هذه البلوي لما رضينا وقوفك علي الباب، فالناس يظهرون النكاح ويعلنونه فرحا وسرورا، ونحن نتواصي بكتمان هذا الداء العضال، ونجعله أمرا مستورا بلا نثار ولا دف، ولا خوان ولا إعلان، بل التواصي بهس ومس والإخفاء والكتمان، فالمرأة تنكح لدينها وحسبها ومالها وجمالها. والتيس المستعار

لا يسأل عن شئ من ذلك، فإنه لا يمسك بعصمتها، بل قد دخل علي زوالها، والله تعالي قد جعل كل واحد من الزوجين سكنا لصاحبه، وجعل بينهما مودة ورحمة ليحصل بذلك مقصود هذا العقد العظيم، وتتم بذلك المصلحة التي شرعه لأجلها العزيز الحكيم. [ صفحه 208] فسل التيس المستعار: هل له من ذلك نصيب، أو هو من حكمة هذا العقد ومقصوده ومصلحته أجنبي غريب؟ وسله: هل اتخذ هذه المصابة حليلة وفراشا يأوي إليه؟ هل رضيت به قط زوجا وبعلا تعول في نوائبها عليه؟ وسل أولي التمييز والعقول: هل تزوجت فلانة بفلان؟ وهل يعد هذا نكاحا في شرع أو عقل أو فطرة إنسان؟ وكيف يلعن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " رجلا من أمته نكح نكاحا شرعيا صحيحا، ولم يرتكب في عقده محرما ولا قبيحا؟ وكيف يشبهه بالتيس المستعار، وهو من جملة المحسنين الأبرار؟ وكيف تعير به المرأة طول دهرها بين أهلها والجيران، وتظل ناكسة رأسها إذا ذكر ذلك التيس بين النسوان؟ وسل التيس المستعار: هل حدث نفسه وقت هذا العقد الذي هو شقيق النفاق، بنفقة أو كسوة أو وزن صداق؟ وهل طمعت المصابة منه في شئ من ذلك، أو حدثت نفسها به هنالك؟ وهل طلب منها ولدا نجيبا واتخذته عشيرا وحبيبا؟ وسل عقول العالمين وفطرهم: هل كان خير هذه الأمة أكثرهم تحليلا، وكان المحلل الذي لعنه الله ورسوله أهداهم سبيلا؟ وسل التيس المستعار ومن ابتليت به: هل تجمل أحد منهما بصاحبه كما يتجمل الرجال بالنساء والنساء بالرجال، أو كان لأحدهما رغبة في صاحبه بحسب أو مال أو جمال؟ وسل المرأة: هل تكره أن يتزوج عليها هذا التيس المستعار أو يتسري، أو تكره

أن تكون تحته امرأة غيرها أخري، أو تسأله عن ماله وصنعته أو حسن عشيرته وسعة نفقته؟ وسل التيس المستعار: هل سأل قط عما يسأله عنه من قصد حقيقة النكاح، أو يتوسل إلي بيت أحمائه بالهدية والحمولة، والنقد الذي يتوسل به خاطب الملاح؟ وسله: هل هو " أبو يأخذ " أو " أبو يعطي "؟ وهل قوله عند قراءة أبي جاد هذا العقد: خذي [ صفحه 209] نفقة هذا العرس أو حطي؟ وسله: هل تحمل من كلفة هذا العقد خذي نفقة هذا العرس أو حطي؟ وسله عن وليمة عرسه: هل أولم ولو بشاة؟ وهل دعا إليها أحدا من أصحابه فقضي حقه وأتاه؟ وسله: هل تحمل من كلفه هذا العقد ما يتحمله المتزوجون، أم جاءه - كما جرت به عادة الناس - الأصحاب والمهنئون؟ وهل قيل له بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية، أم لعن الله المحلل والمحلل له لعنةتامة وافية؟ [349] . يلاحظ عليه: أن العار الذي - علي زعمه - دخل الإسلام رهن تصحيح الطلاق ثلاثا، وأن الطلاق الواحد حقيقة يعد ثلاثا، وأما ما شرعه الذكر الحكيم من توقف صحة النكاح بعد التطليقات الثلاث علي المحلل فهو من أفضل قوانيه المشرقة، وأرسخها وأتقنها فلا يدخل العار من جانبه علي الإسلام أبدا، وذلك: أولا: أنه يصد الزوج عن الطلاق الثالث لما يعلم أن النكاح بعده يتوقف علي التحليل الذي لا يتحمله أكثر الرجال. وثانيا: أنه لا يقوم به إلا إذا يئس من التزويج المجدد، لأن التجارب المتكررة، أثبتت أن الزوجين ليسا علي شاكلة واحدة من جانب الأخلاق والروحيات فلا يقدم علي الطلاق إلا إذا كان آيسا من الزواج المجدد وقلما يتفق تجدد الجنوح

إلي بناء البيت بالزوجة التي طلقها ثلاثا لو لم نقل إنه يندر جدا - فعند ذاك تقل الحاجة إلي المحلل جدا، وهذا بخلاف تصحيح الطلاق الواحد، [ صفحه 210] ثلاثا، فكثيرا ما يندم الزوج من الطلاق ويريد إعادة بناء البيت الذي هدمه بالطلاق - وهو حسب الفرض يتوقف علي المحلل الذي يلصق العار بهما ويترتب عليه ما ذكره ابن قيم في كلامه المسهب. وفي كلامه ملاحظات أخري تركناها خصوصا في تصويره المحلل كأنه الأجير للتحليل، ويتزوج لتلك الغاية وهو تصوير خاطئ جدا بل يتزوج بنفس الغاية التي يتزوج لأجلها، سائر النساء، غير أنه لو طلق الزوجة عن اختيار يصير حلالا للزوج السابق وأين ذلك مما جاء في كلامه. [ صفحه 211]

الحلف بالطلاق

اشاره

اعلم أن الطلاق غير المنجز ينقسم إلي قسمين: 1 - الطلاق المعلق. 2 - الحلف بالطلاق. وكلاهما من أقسام غير المنجز، والفرق بينهما أنه لو قصد من التعليق الحث علي الفعل، أو المنع عنه، يسمي حلفا بالطلاق كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو إن لم تدخلي الدار فأنت طالق، أو قصد منه تصديق المخبر، كقوله: أنت طالق إن لم يقدم زيد، أو زوجتي طالق لو كان في حقيبتي بضاعة ممنوعة. وأما إذا علق ولم يكن منه لا الحث علي الفعل ولا المنع منه، ولا التنبيه علي تصديق المخبر، يسمي طلاقا معلقا، كقوله: أنت طالق إن طلعت الشمس، أو أنت طالق إن قدم الحاج، أو أنت طالق إن لم يقدم السلطان، فهو شرط محض ليس بحلف، لأن حقيقة الحلف القسم. وإنما سمي تعليق الطلاق علي شرط حلفا تجوزا، لمشاركته الحلف في المعني المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو قوله: والله

لأفعلن، أو لا [ صفحه 212] والله لا أفعل، أو والله لقد فعلت أو والله لم أفعل، وما لم يوجد فيه هذا المعني لايصح تسميته حلفا [350] . وقال السبكي: إن الطلاق المعلق، منه ما يعلق علي وجه اليمين، ومنه ما يعلق علي غير وجه اليمين، فالطلاق المعلق علي غير وجه اليمين كقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق. والذي علي وجه اليمين كقوله: إن كلمت فلانا فأنت طالق، أو إن دخلت الدار فأنت طالق، وهو الذي يقصد به الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علق الطلاقعلي هذا الوجه، ثم وجد المعلق عليه وقع الطلاق [351] . هذا هو مذهب أكثر أهل السنة إلا من شذ وسنشير إليه، فقد أجازت هذه المذاهب الطلاق بغير الحلف، بكل ما دل عليه لفظا وكتابة وصراحة وكناية، مثل: أنت علي حرام، أو أنت برية، أو اذهبي فتزوجي، أو حبلك علي غاربك، أو الحقي بأهلك، إلي غير ذلك من الصيغ. والجدير بالذكر أنهم سودوا الصفحات الطوال العراض حول أقسام الطلاق المعلق خصوصا النوع الخاص به، أعني: الحلف به، وجاءوا بآراء وفتاوي لم يبرهنوا عليها بشئ من الكتاب والسنة، والراجع إليها يقطع بأن الطلاق عند هؤلاء ألعوبة، يتلاعب به الرجل بصور شتي. وإن كنت في شك مما ذكرت فلاحظ الكتابين المعروفين: 1 - المغني: تأليف محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة [ صفحه 213] (المتوفي عام 620) وهو أوسع فقه ظهر عند الحنابلة مع الترجيح بين الأقوالبالدليل المقنع لهم. فقد خص (45) صفحة من كتابه بهذا النوع من الصيغ [352] . 2 - الفقه علي المذاهب الأربعة: تأليف الشيخ عبد الرحمان

الجزيري، فقد ألفه ليعرض الفقه بثوبه الجديد علي الناشئ، ومع ذلك فقد خص من كتابه لهذاالنوع من صور الطلاق صفحات كثيرة [353] وإليك نماذج من هذه الصور حتي تقف علي صدق ما قلناه، ننقله من الكتاب الأول: 1 - إن قال لامرأتيه: كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثم أعاد ذلك ثلاثا، طلقت كل واحدة منهما ثلاثا. 2 - إن قال لإحداهما: إن حلفت بطلاقك فضرتك طالق، ثم قال للأخري مثل ذلك... 3 - وإن كان له ثلاث نسوة فقال: إن حلفت بطلاق زينب، فعمرة طالق، ثم قال: وإن حلفت بطلاق عمرة، فحفصة طالق، ثم قال: إن حلفت بطلاق حفصة، فزينب طالق، طلقت عمرة، وإن جعل مكان زينب عمرة طلقت حفصة، ثم متي أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة... 4 - ومتي علق الطلاق علي صفات فاجتمعن في شئ واحد وقع بكل صفة ما علق عليها كما لو وجدت متفرقة وكذلك العتاق، فلو قال لامرأته: إن كلمت رجلا فأنت طالق، وإن كلمت طويلا فأنت طالق، وإن كلمت أسود فأنت طالق، [ صفحه 214] فكلمت رجلا أسود طويلا، طلقت ثلاثا [354] . إلي غير ذلك من الصور التي لا يترتب علي نقلها سوي إضاعة الوقت والورق. وفي مقابل هؤلاء، أئمة أهل البيت، لا يذكرون للطلاق إلا صيغة واحدة، روي بكير بن أعين عن أحدهما: الباقر والصادق - عليهما السلام - قال: ليس الطلاق إلا أن يقول الرجل لها - وهي طاهر في غير جماع -: أنت طالق ويشهدشاهدي عدل، وكل ما سوي ذلك فهي ملغي [355] . ومع أن المشهور عند أهل السنة وقوع الطلاق بالحلف به، فنجد بين الصحابة والتابعين من ينكر ذلك ويراه باطلا، ووافقه

بعض المتأخرين من الظاهريين كابن حزم، وابن تيمية من الحنابلة. قال ابن حزم: وصح خلاف ذلك (وقوع الطلاق باليمين) عن السلف. 1 - روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: إن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذها أهل امرأته فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلي شهر، فجاء الأجل ولم يبعث بشئ، فلما قدم خاصموه إلي علي، فقال علي - عليه السلام -: اضطهدتموه حتي جعلها طالقا، فردها عليه [356] . 2 - روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء: في رجل قال [ صفحه 215] لامرأته: أنت طالق إن لم أتزوج عليك. قال: إن لم يتزوج عليها حتي تموت أو يموت، توارثا. والحكم بالتوارث آية بقاء العلقة. 3 - ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال: في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن لم أفعل كذا ثم مات أحدهما قبل أن يفعل، فإنهما يتوارثان. إن في عدم اعتداد الإمام علي بالطلاق - بلا إكراه - والحكم بالتوارث في الروايتين الأخيرتين دلالة علي عدم الاعتداد باليمين بالطلاق. 4 - ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني ابن طاووس عن أبيه أنه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئا. قلت: أكان يراه يمينا؟ قال: لا أدري.قال ابن حزم بعد نقل هذه الروايات: فهؤلاء علي بن أبي طالب وشريح [357] . وطاووس لا يقضون بالطلاق علي من حلف به فحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - ثم يقول: من أين أجزتم الطلاق بصفة ولم تجيزوا النكاح بصفة، والرجعة بصفة كمن قال: إذا دخلت الدار فقد

راجعت زوجتي المطلقة، أو قال: فقد تزوجتك وقالت هي مثل ذلك، وقال الولي مثل ذلكولا سبيل إلي فرق [358] . فقد سئل ابن تيمية عن مسألة الحلف بالطلاق، فأفتي بعدم وقوع الطلاق بنفس الحلف ولكن قال: تجب الكفارة إذا لم يطلق بعد، فقال: إن في المسألة بين السلف والخلف أقوالا ثلاثة: [ صفحه 216] 1 - إنه يقع به الطلاق إذا حنث في يمينه، وهذا هو المشهور عند أكثر الفقهاء المتأخرين حتي اعتقد طائفة منهم أن ذلك إجماع، ولهذا لم يذكر عامتهم عليه حجة، وحجتهم عليه ضعيفة، وهي أنه التزم أمرا عند وجوب شئ فلزمه ماالتزمه [359] . 2 - إنه لا يقع به طلاق ولا تلزمه كفارة، وهذا مذهب داود وأصحابه،وطوائف من الشيعة، ويذكر ما يدل عليه عن طائفة من السلف [360] ، بل هو مأثور عن طائفة صريحا كأبي جعفر الباقر - عليه السلام - رواية جعفر بن محمد، وأصل هؤلاء أن الحلف بالطلاق والعتاق والظهار لغو كالحلف بالمخلوقات. 3 - وهو أصح الأقوال، وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة، والاعتبار أن هذا يمين من أيمان المسلمين فيجري فيها ما يجري في أيمان المسلمين، وهو الكفارة عند الحنث إلا أن يختار الحالف إيقاع الطلاق، فله أن يوقعه، ولا كفارة، وهذا قول طائفة من السلف والخلف كطاووس وغيره، وهو مقتضي المنقول عن أصحاب رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " في هذا الباب، وبه يفتي كثير من المالكية وغيرهم، حتي يقال: إن في كثير من بلاد المغرب من يفتي بذلك من أئمةالمالكية، وهو مقتضي نصوص أحمد ابن حنبل، وأصول في غير هذا الموضع [361] . إن هنا أمورا: الأول: في وقوع الطلاق

بنفس هذا الانشاء. [ صفحه 217] الثاني: لزوم الكفارة عند الحنث أي عدم إيقاع الطلاق. الثالث: ما هو حكم الزوجة في الفترة التي لم يقع المعلق عليه. أما الأول: فالدليل الذي نقله ابن تيمية عن القائل كان عبارة أنه التزم أمرا عند وجوب شرط فلزمه ما التزمه، مثلا التزم بأنه إذا كلمت الزوجة فلانا فهي طالق. يلاحظ عليه: أنه ليس لنا دليل مطلق يعم نفوذ كل ما التزم به الإنسان حتي فيما يحتمل أن الشارع جعل له سببا خاصا كالطلاق والنكاح، إذ عند الشك يكون المرجع هو بقاء العلقة الزوجية إلي أن يدل دليل علي خروجها عن عصمته، أخذا بالقاعدة المأثورة عن أئمة أهل البيت بأنه لا ينقض اليقين بالشك، المعبر عنه في مصطلح الأصوليين بالاستصحاب. قال السبكي: " قد أجمعت الأمة علي وقوع المعلق كوقوع المنجز، فإن الطلاق مما يقبل التعليق، ولا يظهر الخلاف في ذلك إلا عن طوائف من الروافض، ولما حدث مذهب الظاهريين، المخالفين لإجماع الأمة، المنكرين للقياس،خالفوا في ذلك - إلي أن قال -: ولكنهم قد سبقهم الاجماع [362] . ثم قال: وقد لبس ابن تيمية بوجود خلاف في هذه المسألة وهو كذب وافتراء وجرأة منه علي الإسلام، وقد نقل إجماع الأمة علي ذلك أئمة لا يرتاب في قولهم ولا يتوقف في صحة نقلهم. كيف يحكم بسبق الاجماع مع خلاف الإمام علي ولفيف من التابعين وأئمة أهل البيت، وليس ابن تيمية ناقلا للخلاف بل نقله ابن حزم الأندلسي ونقله هو [ صفحه 218] عنه كما صرح في رسائله. وهناك كلمة لبعض مشايخ الإمامية نأتي بنصها وفيها بيان وبلاغ، قال: إن الإمامية يضيقون دائرة الطلاق إلي أقصي الحدود، ويفرضون القيود الصارمة علي

المطلق والمطلقة، وصيغة الطلاق وشهوده. كل ذلك لأن الزواج عصمة ومودة ورحمة وميثاق من الله. قال تعالي: - (وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) - (النساء / 21) وقال سبحانه: - (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) - (الروم / 21) إذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة والمودة والرحمة، وهذا العهد والميثاق إلا بعد أن نعلمعلما قاطعا لكل شك بأن الشرع قد حل الزواج ونقضه بعد أن أثبته وأبرمه [363] . وقد تضافرت الروايات عن أئمة أهل البيت علي بطلان هذا الطلاق، بل وعدم الاعتداد بهذا اليمين مطلقا، ومن أخذ دينه عن أئمة أهل البيت، فقد أخذ عن عين صافية. نكتفي ببعض ما ورد عنهم: 1 - روي الحلبي عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: كل يمين لا يراد به وجه الله في طلاق أو عتق فليس بشئ [364] . 2 - جاء رجل باسم " طارق " إلي أبي جعفر الباقر وهو يقول: يا أبا جعفر إني هالك إني حلفت بالطلاق والعتاق والنذر، فقال: يا طارق إن هذا من خطوات الشيطان [365] . [ صفحه 219] 3 - عن أبي أسامة الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: إن لي قريبا لي أو صهرا لي حلف إن خرجت امرأته من الباب فهي طالق ثلاثا، فخرجت وقد دخل صاحبها منها ما شاء الله من المشقة فأمرني أن أسألك فأصغي إلي، فقال: مره فليمسكها فليس بشئ، ثم التفت إلي القوم فقال: سبحان الله يأمرونهاأن تتزوج ولها زوج [366] . وقد عرفت الشيعة بإنكارها الأمور الثلاثة في باب

الطلاق: 1 - طلاق المرأة وهي حائض. 2 - الطلاق بلا إشهاد عدلين. 3 - الحلف علي الطلاق. هذا كله حول وقوع الطلاق وإليك الكلام في المقامين الثاني والثالث: وأما الثاني وهو ترتب الكفارة أو لا، فيحتاج إلي تنقيح ما هو الموضوع للكفارة، فلو دل الدليل علي أن الكفارة من آثار الحلف بلفظ الجلالة أو ما يعادله أو يقاربه، كالرب وغيره فلا تترتب علي الحلف بالطلاق والعتاق، وبما أن المسألة خارجة عن موضوع البحث لذا نحيل تحقيقها إلي محله. وأما الثالث: فقد نقل ابن حزم عن الشافعي: الطلاق يقع عليه والحنث في آخر أوقات الحياة فلو قال لامرأته: أنت طالق إن لم أضرب زيدا، فإنما يتحقق الحنث - إذا لم يضرب - عند موته، ومعني هذا أنها زوجته إلي ذلك الآن، ونقل عنمالك: يوقف عن امرأته وهو علي حنث حتي يبر، ثم استشكل علي الإمامين [367] . [ صفحه 220] وجملة الكلام فيه - علي القول بانعقاد الطلاق به - أن المعلق عليه تارة يكون أمرا وجوديا - كالخروج عن الدار - وأخري عدميا - مثل إن لم أفعل - وعلي التقديرين تارة يكون محددا مؤقتا بزمان وأخري مطلقا مرسلا عنه، فلو كان أمرا وجوديا فهي زوجته ما لم يتحقق، فإذا تحقق في ظرفه المعين، أو مطلقا - حسب ما علق - تكون مطلقة. ولو كان أمرا عدميا، فلو كان محددا ومؤقتا بزمان، فلو لم يفعل في ذلك الزمان تكون مطلقة، بخلاف ما لو لم يكن كذلك، فلا تكون مطلقة إلا في آخر الوقت الذي لا يستطيع القيام به. ولكنها فروض علي أساس منهار.

الكلام في الطلاق المعلق

قد عرفت أن الطلاق المعلق ينقسم إلي قسمين: منه ما

يوصف بالحلف بالطلاق ومنه ما يوصف بالمعلق فقط، وقد عرفت حكم الأول وإليك الكلام في التالي: فنقول: إن للشروط تقسيمات: 1 - ما يتوقف عليه صحة الطلاق ككونها زوجة، وما لا يتوقف عليه كقدوم زيد. 2 - ما يعلم المطلق بوجوده عند الطلاق كتعليقه بكون هذا اليوم يوم الجمعة، وأخري ما يشك في وجوده. 3 - ما يذكر في الصيغة تبركا، لا شرطا وتعليقا كمشيئته سبحانه (إن شاء الله)، وما يذكر تعليقا حقيقة. [ صفحه 221] ومورد البحث هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة وقد اتفقت كلمة الإمامية [368] علي بطلان المعلق والدليل المهم هو النص والإجماع وإليك البيان:

الطلاق المعلق باطل نصا و إجماعا

دل النص عن أئمة أهل البيت علي بطلان الطلاق المعلق، ويكفي في ذلك ما رواه بكير بن أعين عنهم - عليهم السلام - أنهم قالوا: ليس الطلاق إلا أن يقول الزوج لزوجته وهي طاهرة من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدي عدل، وكلما سوي ذلك فهي ملغي [369] . فأي تصريح أولي من قوله: " وكل ما سوي ذلك فهي ملغي " مع شيوع الطلاق المعلق خصوصا قسم الحلف في أعصارهم. وإذا أضيف إلي ذلك ما روي عنهم - عليهم السلام - في بطلان الحلف بالطلاق لاتضح الحكم بأجلي وضوح لأن الحلف به قسم من أقسام المعلق، فليس بطلانه إلا لبطلان المعلق غاية الأمر يتضمن حلفا ويمينا، وقد عرفت أنالإمام قال: سبحان الله يأمرونها أن تتزوج ولها زوج [370] . وأما الاجماع فقد قال المرتضي: ومما انفردت به الإمامية أن تعليق الطلاقبجزء من أجزاء المرأة أي جزء كان لا يقع فيه الطلاق [371] . [ صفحه 222] وقال الشيخ في الخلاف: إذا قال لها: أنت

طالق إذا قدم فلان، فقدم فلان. لايقع طلاقه [372] . وقال ابن إدريس: اشترطنا إطلاق اللفظ احترازا من مقارنة الشرط [373] . ومن تفحص فقه الإمامية يجد كون البطلان أمرا متفقا عليه. ويؤيد ذلك: أن عناية الإسلام بنظام الأسرة الذي أسها النكاح والطلاق، يقتضي أن يكون الأمر فيها منجزا لا معلقا، فإن التعليق ينتهي إلي ما لا تحمد عاقبته من غير فرق بين النكاح والطلاق، فالمرء إما أن يقدم علي النكاح والطلاق أو لا، فعلي الأول فينكح أو يطلق بتاتا، وعلي الثاني يسكت حتي يحدث بعد ذلك أمرا، فالتعليق في النكاح والطلاق لا يناسب ذلك الأمر الهام، فقد قال سبحانه: - (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) - (النساء / 129). والله سبحانه يشبه المرأة التي يترك الزوج أداء الواجب لها بالمعلقة التي هي لا ذات زوج ولا أيم، فالمنكوحة معلقة، أو المطلقة كذلك، أشبه شئ بالمعلقة الواردة في الآية، فهي لا ذات زوج ولا أيم. نعم ربما استدل ببعض الوجوه العقلية علي البطلان وهي ليست تامة عندنا نظير: أ - أن الطلاق المعلق من قبيل تفكيك المنشأ عن الانشاء، لأن المفروض [ صفحه 223] عدم وقوعه قبل الشرط، فيلزم تفكيك المنشأ عن الانشاء. وأنت خبير بعدم استقامة الدليل، فإن المنشأ بعد الانشاء محقق من غير فرق بين المنجز والمعلق، غير أن المنشأ تارة يكون منجزا وأخري معلقا، وفائدة الانشاء أنه لو وقع المعلق عليه لا يحتاج إلي إنشاء جديد. ب - ظاهر الأدلة ترتب الأثر علي السبب فورا، فاشتراط تأخره إلي حصول المعلق عليه، خلاف ظاهر الأدلة. يلاحظ

عليه: أنه ليس في الأدلة ما يثبت ذلك، فالوارد في الأدلة هو لزوم الوفاء بالإنشاء غير أن الوفاء يختلف حسب اختلاف مضمونه، فالأولي الاستدلال بالنص والإجماع. [ صفحه 225]

الطلاق في الحيض والنفاس

اشاره

اتفقت كلمتهم علي أنه يجب أن تكون المطلقة في حال الطلاق طاهرة عن الحيض والنفاس بلا خلاف، ولكن اختلفوا في أن الطهارة هل هي شرط الصحة والإجزاء، أو شرط الكمال والتمام، وبعبارة أخري هل هي حكم تكليفي متوجه إلي المطلق، وهو أنه يجب أن يحل العقدة في حال كونها طاهرة من الحيض والنفاس، فلو تخلف أثم وصح الطلاق، أو هو حكم وضعي قيد لصحة الطلاق، ولولاه كان الطلاق باطلا؟ فالإمامية وقليل من سائر المذاهب الفقهية علي الثاني وأكثر المذاهب علي الأول وإليك بعض كلماتهم: قال الشيخ الطوسي في الخلاف: الطلاق المحرم، هو أن يطلق مدخولا بها غير غائب عنها غيبة مخصوصة، في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه، فما هذا حكمه فإنه لا يقع عندنا، والعقد ثابت بحاله، وبه قال ابن علية، وقال جميع الفقهاء: إنه يقع وإن كان محظورا. ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي والثوري والشافعي - دليلنا - إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد، ووقوع الطلاق يحتاج إلي دليل شرعي، [ صفحه 226] وأيضا قوله تعالي: - (فطلقوهن لعدتهن) - وقد روي لقبل عدتهن، ولا خلاف أنه أراد ذلك، وإن لم تصح القراءة به، فإذا ثبت ذلك دل علي أن الطلاق إذا كان ما غير الطهر محرما منهيا عنه، والنهي يدل علي فساد المنهي عنه [374] . وستوافيك دلالة الآية علي اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس. وقال ابن رشد في حكم من طلق في وقت الحيض: فإن الناس اختلفوا من

ذلك في مواضع منها أن الجمهور قالوا: يمضي طلاقه، وقالت فرقة: لا ينفذ ولا يقع، والذين قالوا: ينفذ، قالوا: يؤمر بالرجعة، وهؤلاء افترقوا فرقتين، فقوم رأوا أن ذلك واجب، وأنه يجبر علي ذلك، وبه قال مالك، وأصحابه، وقالت فرقة: بليندب إلي ذلك ولا يجبر، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد [375] . وقد فصل الجزيري وبين آراء الفقهاء في كتابه [376] . هذه هي الأقوال، غير أن البحث الحر يقتضي نبذ التقليد والنهج علي الطريقة المألوفة بين السلف حيث كانوا يصدعون بالحق ولا يخافون لومة المخالف، وكانوا لا يخشون إلا الله، فلو وجدنا في الكتاب والسنة ما يرفض آراءهم فهما أولي بالاتباع. [ صفحه 227]

الاستدلال بالكتاب

قال الله تعالي: - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم) - [377] . توضيح دلالة الآية يتوقف علي تبيين معني العدة في الآية، فهل المراد منها، الأطهار الثلاثة أو الحيضات الثلاث؟ وهذا الخلاف يتفرع علي خلاف آخر هو تفسير " قروء " بالأطهار أو الحيضات. توضيحه: أن الفقهاء اختلفوا في معني قوله سبحانه: - (والمطلقات يتربصنبأنفسهن ثلاثة قروء) - [378] فذهبت الشيعة الإمامية إلي أن المراد من القروء هو الأطهار الثلاثة، وقد تبعوا في ذلك ما روي عن علي - عليه السلام -: روي زرارة عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: فقلت: أصلحك الله أكان علي يقول: إن الأقراء التي سمي الله في القرآن إنما هي الطهر فيما بين الحيضتين وليست بالحيض؟ قال:نعم، كان يقول: إنما القرء الطهر، تقرأ فيها الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض، قذفته [379] . وذهب أصحاب سائر المذاهب إلا قليل كربيعة الرأي إلي أن المراد

منها هي الحيضات. ولسنا في مقام تحقيق ذلك إنما الكلام في بيان دلالة الآية - علي كلا المذهبين - علي اشتراط الطهارة في حال الطلاق، بعد الوقوف علي أن من جوز الطلاق في الحيض قال بعدم احتساب تلك الحيضة من " القروء " فنقول: [ صفحه 228] أما إذا قلنا بأن المراد من العدة في قوله سبحانه: - (لعدتهن) - هي الأطهار الثلاثة، فاللام متعينة ظاهرة في الغاية والتعليل، والمعني: فطلقوهن لغاية أن يعتددن، والأصل هو ترتب الغاية علي ذيها بلا فصل ولا تريث (ما لم يدل دليل علي الخلاف)، مثل قوله سبحانه: - (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) - [380] وقوله تعالي: - (وما أنزلنا عليك الكتب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) - [381] . واحتمال كون اللام للعاقبة التي ربما يكون هناك فيها فصل بين الغاية وذيها، مثلقوله سبحانه: - (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا و ح [382] زنا) - غير صحيح، لأن موردها فيما إذا كانت النتيجة مرتبة علي ذيها ترتبا قهريا غير إرادي كما في الآية، ومثل قولهم: لدوا للموت وابنوا للخراب. وأما إذا قلنا بأن العدة في الآية هي الحيضات الثلاث، فبما أن الحيضة التي تطلق فيها لا تحسب من العدة باتفاق القائلين بجواز الطلاق في الحيض، يكون الأمر به فيها لغوا، والتعجيل بلا غاية، فلا محيص لم يجد المفسرون حلا إلا بتقدير جملة مثل " مستقبلات لعدتهن " نظير قولهم: لقيته لثلاث بقين من الشهر، يريد مستقبلا لثلاث، وعندئذ يدل علي وقوع الطلاق في حالة الطهر، وذلك لأنها إذا كانت العدة هي الحيضة فيكون قبيلها ضدها، وهي الطهارة. ونخرج بهذه النتيجة أن الآية ظاهرة

في شرطية الطهارة من الحيض في صحة الطلاق. ثم إن بعض الباحثين ذكر الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض: أن ذلك يطيل علي المرأة العدة، فإنها إن كانت حائضا لم تحتسب الحيضة من عدتها،فتنتظر حتي تطهر من حيضها وتتم مدة طهرها ثم تبدأ العدة من الحيضة التالية [383] . [ صفحه 229] هذا علي مذاهب أهل السنة من تفسير " القروء " وبالتالي العدة بالحيضات، وأما علي مذهب الإمامية من تفسيرها بالأطهار، فيجب أن يقال:... فإنها إن كانت حائضا لم تحتسب الحيضة من عدتها فتنتظر حتي تطهر من حيضها وتبدأ العدة من يوم طهرت. وعلي كل تقدير، فبما أنهم اتفقوا علي أن الحيضة التي وقع الطلاق فيها لا تحسب من العدة إما لاشتراط الطهارة أو لعدم الاعتداد بتلك الحيضة، تطيل علي المرأة العدة سواء كان مبدؤها هو الطهر أو الحيضة التالية.

الاستدلال بالسنة

إن الروايات تضافرت عن أئمة أهل البيت علي اشتراط الطهارة. روي الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر - عليه السلام - قال: كل طلاق لغير العدة (السنة) فليس بطلاق: أن يطلقها وهي حائض أو في دم نفاسها أو بعد مايغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقها بطلاق [384] . هذا ما لدي الشيعة وأما ما لدي السنة فالمهم لديهم في تصحيح طلاق الحائض هو رواية عبد الله بن عمر، حيث طلق زوجته وهي حائض، وقد نقلتبصور مختلفة نأتي بها [385] . الأولي: ما دل علي عدم الاعتداد بتلك التطليقة وإليك البيان: 1 - سئل أبو الزبير عن رجل طلق امرأته حائضا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - امرأته وهي حائض علي عهد رسول الله " صلي الله

عليه وآله [ صفحه 230] وسلم " فسأل عمر - رضي الله عنه - رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض؟ فقال النبي: ليراجعها، فردها علي وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك، قال ابن عمر: وقرأ النبي " صلي الله عليه وآله وسلم ": - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) - أي في قبل عدتهن. 2 - روي أبو الزبير قال: سألت جابرا عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض؟ فقال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض، فأتي عمر رسول الله فأخبره بذلك فقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": ليراجعها فإنها امرأته. 3 - روي نافع مولي ابن عمر عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض، قال ابن عمر: لا يعتد بها. الثانية: ما يتضمن التصريح باحتساب تلك التطليقة طلاقا صحيحا وإن لزمت إعادة الطلاق وإليك ما نقل بهذا المضمون: 1 - يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلق امرأته وهي حائض؟ فقال: تعرف عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم، قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتي عمر - رضي الله عنه - النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فسأله، فأمره أن يراجعها ثم يطلقها من قبل عدتها. قال، قلت: فيعتد بها؟ قال: نعم، قال: أرأيت إن عجز واستحمق. 2 - يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلق امرأته، وهي حائض؟ قال: تعرف ابن عمر؟ إنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي " صلي الله عليه وآله وسلم

" فأمره أن يراجعها، قلت: فيعتد بتلك التطليقة؟ قال: فمه؟ أرأيت إن عجز واستحمق. [ صفحه 231] 3 - يونس بن جبير قال: سمعت ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض. فأتي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فذكر ذلك له، فقال النبي " صلي الله عليه وآله وسلم ": ليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها، قال: فقلت لابن عمر: فاحتسبت بها؟ قال: فما يمنعه؟ أرأيت إن عجز واستحمق. 4 - أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر يقول: طلقت امرأتي وهي حائض، قال: فذكر ذلك عمر للنبي " صلي الله عليه وآله وسلم " قال، فقال: ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها. قال: فقلت له - يعني لابن عمر -: يحتسب بها؟ قال: فمه؟ 5 - أنس بن سيرين: ذكر نحوه غير أنه قال: فليطلقها إن شاء. قال: قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم. 6 - أنس بن سيرين قال: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلق؟ فقال: طلقتها وهي حائض. فذكر ذلك لعمر - رضي الله عنه - فذكره للنبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فقال: مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها لطهرها. قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها. قلت: واعتدت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض؟ قال: ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت. 7 - عامر قال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض واحدة، فانطلق عمر إلي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فأخبره، فأمره إذا طهرت أن يراجعها ثم يستقبل الطلاق في عدتها ثم تحتسب بالتطليقة التي طلق أول مرة.

8 - نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه طلق امرأته، وهي حائض، فأتي عمر - رضي الله عنه - النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فذكر ذلك له فجعلها واحدة. 9 - سعيد بن جبير عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: حسبت علي بتطليقة. [ صفحه 232] الثالثة: ما ليس فيه تصريح بأحد الأمرين: 1 - ابن طاووس عن أبيه: أنه سمع ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته حائضا؟ فقال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ قال: نعم. قال: فإنه طلق امرأته حائضا، فذهب عمر - رضي الله عنه - إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " فأخبره الخبر، فأمره أن يراجعها. قال: لم أسمعه يزيد علي ذلك لأبيه. 2 - منصور بن أبي وائل: إن ابن عمر طلق امرأته، وهي حائض، فأمره النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " أن يراجعها حتي تطهر، فإذا طهرت طلقها. 3 - ميمون بن مهران عن ابن عمر أنه طلق امرأته في حيضها، قال: فأمره رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " أن يرتجعها حتي تطهر فإذا طهرت فإن شاء طلق وإن شاء أمسك قبل أن يجامع. وهناك رواية واحدة تتميز بمضمون خاص بها، وهي رواية نافع قال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، علي عهد رسول الله، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " عن ذلك؟ فقال رسول الله: فليراجعها، فليمسك حتي تطهر ثم تحيض ثم تطهر، إن شاء أمسكها بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق

لها النساء. وبعد تصنيف هذه الروايات نبحث عن الفئة الراجحة منها بعد معرفة طبيعة الإشكالات التي تواجه كلا منها ومعالجتها. [ صفحه 233]

معالجة الصور المتعارضة

لا شك أن الروايات كانت تدور حول قصة واحدة، لكن بصور مختلفة، فالحجة بينها مرددة بين تلك الصور والترجيح مع الأولي لموافقتها الكتاب وهي الحجة القطعية، وما خالف الكتاب لا يحتج به، فالعمل علي الأولي. وأما الصورة الثالثة، فيمكن إرجاعها إلي الأولي لعدم ظهورها في الاعتداد والصحة، نعم ورد فيه الرجوع الذي ربما يتوهم منه، الرجوع بعد الطلاق الملازم لصحته، لكن ليس بشئ. فإن المراد من المراجعة فيها هو المعني اللغوي لا مراجعة المطلقة الرجعية، ويؤيد ذلك أن القرآن يستعمل كلمة الرد أو الامساك، فيقول: - (وبعولتهن أحقبردهن) - [386] . وقال سبحانه: - (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف) - [387] وقال سبحانه: - (فأمسكوهن بمعروف) - [388] وقال تعالي: - (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) - [389] . نعم استعمل كلمة الرجعة في المطلقة ثلاثا إذا تزوجت رجلا آخر فطلقها، قال سبحانه: - (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلاجناح عليهما أن يتراجعا) - [390] . [ صفحه 234] بقي الكلام في النصوص الدالة علي الاحتساب أعني الصورة الثانية، فيلاحظ عليها بأمور: 1 - مخالفتها للكتاب، وما دل علي عدم الاحتساب. 2 - أن غالب روايات الاحتساب لا تنسبه إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وإنما إلي رأي ابن عمر وقناعته، فلو كان النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " قد أمر باحتسابها، لكان المفروض أن يستند ابن عمر إلي ذلك في جواب السائل، فعدم استناده إلي حكم النبي " صلي

الله عليه وآله وسلم " دليل علي عدم صدور ما يدل علي الاحتساب من النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " نفسه، فتكون هذه النصوص موافقة للنصوص التي لم تتعرض للاحتساب، لأنها كلها تتفق في عدم حكم النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " باحتساب التطليقة، غايته اشتمل بعضها علي نسبة الاحتساب إلي ابن عمر نفسه، وهو ليس حجة لإثبات الحكم الشرعي. نعم روايتا نافع رويتا بصيغتين، نسب الحكم بالاحتساب في إحدي الصيغتين إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " نفسه (الرواية 8 من القسم الثاني)، بينما رويت الثانية بصيغة أخري تضمنت النسبة إلي ابن عمر بعدم الاحتساب (الرواية 3 من القسم الأول). وأما رواية أنس فرويت بصيغتين تدلان أن الحكم بالاحتساب هو قناعة ابن عمر نفسه لا قول النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " (الرواية 4 و 6 من القسم الثاني) وبصيغة ثالثة نسبت الاحتساب إلي النبي (الرواية 5 من القسم الثاني) ومع هذا الاضطراب لا تصلح الرواية لإثبات نسبة الحكم بالاحتساب إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " نفسه. 3 - أن فرض صحة التطليقة المذكورة لا يجتمع مع أمر النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " بإرجاعها وتطليقها في الطهر هذه، لأن القائلين بصحة الطلاق في [ صفحه 235] الحيض لا يصححون إجراء الطلاق الثاني في الطهر الذي بعده، بل يشترطون بتوسط الحيض بين الطهرين وإجراء الطلاق في الطهر الثاني. فالأمر من النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " بإرجاعها وتطليقها في الطهر الثاني ينافي احتساب تلك تطليقة صحيحة. 4 - اشتهر في كتب التاريخ أن عمر كان يعير ولده بالعجز عن

الطلاق، وظاهره يوحي بأن ما فعله لم يكن طلاقا شرعا. وبعد ملاحظة كل ما قدمناه يتضح عدم ثبوت نسبة الاحتساب إلي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " والذي يبدو أن النص - علي فرض صدوره - لم يتضمن احتساب التطليقة من قبل النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وإنما هي إضافات أو توهمات بسبب قناعة ابن عمر أو بعض من هم في سلسلة الحديث، ولذلك اضطربت الصيغ في نقل الحادثة. وأما رواية نافع المذكورة فيلاحظ عليها أنها لا تدل علي صحة التطليقة الأولي إلا بادعاء ظهور " الرجوع " في صحة الطلاق وقد علمت ما فيه، وأما أمره بالطلاق في الطهر الثاني بعد توسط الحيض بين الطهرين حيث قال: " مره فليراجعها، فليمسك حتي تطهر ثم تحيض ثم تطهر. إن شاء أمسكها وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمره أن يطلق لها النساء " فلعل أمره بمضي طهر وحيض، لأجل مؤاخذة الرجل حيث تسرع في الطلاق وجعله في غير موضعه فأرغم عليه أن يصبر طهرا وحيضا، فإذا استقبل طهرا ثانيا فليطلق أو يمسك. وبعد كل هذا يمكننا ترجيح الحكم ببطلان الطلاق في الحيض، لاضطراب النقل عن ابن عمر، خصوصا مع ملاحظة الكتاب العزيز الدال علي وقوع الطلاق في العدة. [ صفحه 237]

الوصية للوارث إذا لم تتجاوز الثلث

اشاره

اتفقت المذاهب الخمسة علي أن الوصية التبرعية تنفذ في مقدار الثلث فقط، مع وجود الوارث سواء صدرت في المرض أم في الصحة، وما زاد عن الثلث يفتقر إلي إجازة الورثة. وإن كان الأفضل في بعض المذاهب أن لا يستوعبالثلث بالوصية [391] . وأما في مقدار الثلث فتنفذ وصيته عند الإمامية في الأقرب والأجنبي، ومن غير

فرق في الأقرب، بين الوارث وغيره. وأما المذاهب الأربعة فأجازت الوصية للأقرب بشرط أن لا يكون وارثا، وأما الوارث فلا تجوز الوصية له سواء كان بمقدار الثلث أم أقل أم أكثر، إلا بإجازة الورثة. قال السيد المرتضي: ومما ظن انفراد الإمامية به، ما ذهبوا إليه من أن الوصية للوارث جائزة، وليس للوارث (غير الموصي له) ردها. وقد وافقهم في هذاالمذهب بعض الفقهاء [392] وإن كان الجمهور والغالب، علي خلافه [393] . [ صفحه 238] وقال الشيخ الطوسي: تصح الوصية للوارث مثل الابن والأبوين. وخالفجميع الفقهاء في ذلك وقالوا: لا وصية للوارث [394] . وقال الخرقي في متن المغني: " ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك ". وقال ابن قدامة في شرحه: إن الإنسان إذا أوصي لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم علي هذا، وجاءت الأخبار عن رسول الله بذلك فروي أبو أمامة قال: سمعت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول: " إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، ولأن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم علي بعض في حال الصحة وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك، لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم، ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولي وأحري، وإنأجازها جازت في قول الجمهور من العلماء [395] . ومع أن الكتب الفقهية للمذاهب الأربعة تنفي جواز الوصية

للوارث، إلا إذا أجاز الورثة، حتي أن بعضهم يقول بأن الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلا أنيعطوه عطية مبتدأة [396] - ومع هذا التصريح - ينقل الشيخ محمد جواد مغنية: كان عمل المحاكم في مصر علي المذاهب الأربعة، ثم عدلت عنها إلي مذهب الإمامية، وما زال عمل المحاكم الشرعية السنية في لبنان علي عدم صحة الوصية للوارث، [ صفحه 239] ومنذ سنوات قدم قضاتها مشروعا إلي الحكومة يجيز الوصية للوارث ورغبوا إليهافي تبنيه [397] . يلاحظ علي ما ذكره ابن قدامة من الحكمة: أنها لا تقاوم الذكر الحكيم، واتفاق أئمة أهل البيت، ولو صحت لزم تحريم تفضيل بعضهم علي بعض في الحياة في البر والإحسان، لأن ذلك يدعو إلي الحسد والبغضاء مع أنه لا خلاف في جوازه، وما نقل عن النبي من النهي، فهو محمول علي التنزيه لا التحريم إذ لم يقل أحد بحرمة التفضيل في الحياة. والعجب استدلال من ينكر التحسين والتقبيح العقليين، بهذه الحكم والمصالح التي لا يدركها إلا العقل، مع أنه بمعزل عندهم عن إدراكهما عند أصحاب المذاهب الأربعة، وسيوافيك الكلام فيما تصور من الحكمة. والأولي عرض المسألة علي الكتاب والسنة، أما الكتاب فيكفي في جواز الوصية قوله سبحانه: - (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا علي المتقين) - (البقرة / 180). المراد من حضور الموت: ظهور أماراته من المرض والهرم وغيره، ولم يرد إذا عاين ملك الموت، لأن تلك الحالة تشغل الإنسان عن الوصية، وأيضا يجب أن يراعي جانب المعروف في مقدار الوصية والموصي له، فمن يملك المال الكثير إذا أوصي بدرهم فلم يوص بالمعروف، كما أن الايصاء للغني دون الفقير خارج

عن المعروف، فان المعروف هو العدل الذي لا ينكر، ولا حيف فيه ولا جور. والآية صريحة في الوصية للوالدين، ولا وارث أقرب للإنسان من والديه، [ صفحه 240] وقد خصهما بالذكر لأولويتهما بالوصية ثم عمم الموضوع وقال: - (والأقربين) - ليعم كل قريب، وارثا كان أم لا. وهذا صريح الكتاب ولا يصح رفع اليد عنه إلا بدليل قاطع مثله، وقد أجاب القائلون بعدم الجواز عن الاستدلال بالآية بوجهين:

آية الوصية منسوخة بآية المواريث

قالوا: إنها منسوخة بآية المواريث، فعن ابن عباس والحسن: نسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء [398] ، وتثبت للأقربين الذين لا يرثون، وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكيين، وجماعة من أهل العلم. ومنهم من يأبي عن كونها منسوخة، وقال: بأنها محكمة ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لا يرثان كالكافرين والعبدين، وفي القرابةغير الورثة [399] . ومرجع الوجه الأول: إلي النسخ في الوالدين وأنه لا يوصي لهما وارثين كانا أو ممنوعين، والتخصيص في الأقربين فيصح الايصاء لهم إذا لم يكونوا وارثين. ومرجع الوجه الثاني: إلي التخصيص في كلا الموردين. وقال الجصاص في تفسير الآية: نسختها آية الفرائض. 1 - قال ابن جريج عن مجاهد: كان الميراث للولد والوصية للوالدينوالأقربين. فهي منسوخة [400] . [ صفحه 241] 2 - وقالت طائفة أخري: قد كانت الوصية واجبة للوالدين والأقربينفنسخت عمن يرث، وجعلت للوالدين والأقربين الذين لا يرثون [401] . وعلي الوجه الأول ف آية الوصية منسوخة بالمعني الحقيقي، وعلي الثاني مخصصة حيث أخرج الوارث منهما وأبقي غير الوارث، لكن لازم كون الوصية واجبة وبقاء الأقربين تحت العموم، وجوب الوصية لغير الوارث منهما. وهو كما تري. تري نظير هذه الكلمات في كتب التفسير والفقه لأهل السنة ونحن نعلق

عليها بوجهين: الأول: إن السابر في كتب القوم يقف علي أن الذي حملهم علي ادعاء النسخ والتخصيص في الآية هو رواية أبي أمامة أو عمر بن خارجة وأنه سمع رسول الله يقول في خطبته - عام حجة الوداع -: ألا أن الله قد أعطي كل ذي حقحقه فلا وصية لوارث [402] ولولا هذه الرواية لما خطر في بال أحد بأن آية المواريث ناسخة لآية الوصية، إذ لا تنافي بينهما قيد شعرة حتي تكون إحداهما ناسخة أو مخصصة، حيث لا منافاة أن يكتب سبحانه علي الإنسان فرضا أو ندبا أن يوصي للوالدين والأقربين بشئ، لا يتجاوز الثلث، وفي الوقت نفسه يور ث الوالدين والأقربين علي النظام المعروف في الفقه. والذي يوضح ذلك: هو أن الميراث، في طول الوصية، ولا يصح للمتأخر أن يعارض المتقدم، وأن الوراث يرثون بعد إخراج الدين والوصية، قال سبحانه: - (من [ صفحه 242] بعد وصية يوصي بها أو دين) - [403] وفي موردين آخرين: - (من بعد وصية يوصي بها أو دين) - [404] فلا موضوع للنسخ ولا للتخصيص. وقد تفطن القرطبي لبعض ما ذكرنا وقال: ولولا هذا الحديث لأمكن الجمع بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورث بالوصية، وبالميراث إن لم يوص، أو مابقي بعد الوصية، لكن منع من ذلك هذا الحديث والإجماع [405] . أقول: أما الاجماع، فغير متحقق، وكيف يكون كذلك مع أن أئمة أهل البيت - كما سيوافيك - اتفقوا علي جوازه وكذلك فقهاء الإمامية طوال القرون وهم ثلث المسلمين، وبعض السلف كما يحدث عنه صاحب المنار، وأما الحديث فسيوافيك ضعفه، وأنه علي فرض الصحة سندا، قابل للتأويل والحمل علي ما زاد الايصاء عن الثلث. الثاني: إن

ادعاء النسخ أو التخصيص في الآية، بآية المواريث، متوقف علي تأخر الثانية عن الا ولي وأني للقائل بهما اثباته، بل لسان آية الوصية بما فيها من التأكيد لأجل الإتيان بلفظ - (كتب) - وتوصيفه بكونه حقا علي المؤمنين يأبي عن كونه حكما مؤقتا لا يدوم إلا شهرا أو شهور. قال الإمام عبده: إنه لا دليل علي أن آية المواريث نزلت بعد آية الوصية هنا فان السياق ينافي النسخ، فان الله تعالي إذا شرع للناس حكما وعلم أنه مؤقت وأنه سينسخه بعد زمن قريب فإنه لا يؤكده ولا يوثقه بمثل ما أكد به أمر الوصية هنا [ صفحه 243] من كونه حقا علي المتقين ومن وعيد لمن بدله. ثم قال: " وبامكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا أن الوصية في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث بأن يخص القريب هنا بالممنوع من الإرث ولو بسبب اختلاف الدين، فإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران، فله أن يوصيلهما بما يؤلف به قلوبهما " [406] . ولا يخفي ما في صدر كلامه من الاتقان لولا ما تنازل في آخره وحاول الجمع بين الآيتين بتخصيص جواز الوصية لمن لا يرثان من الوالدين لسبب كالقتل والكفر والسرقة، إذ لقائل أن يسأل الإمام أنه إذا كان المراد من الوالدين والأقربين في آية الوصية هم الممنوعين من الوراثة، فما معني هذا التأكيد والعناية البارزة في الآية مع ندرة المصداق أو قلته بالنسبة إلي غير الممنوعين، أوليس هذا أشبه بالتخصيص المستهجن فلا محيص عن القول بعموم الآية، لكل والد ووالدة وأقرب، ممنوعين كانوا أم غيره. وأما ما يثيرون حول الايصاء للوالدين من كونه سببا لظهور العداء، فقد مر جوابه في صدر البحث وهنا نزيد

ما ذكره ذلك الإمام بقوله: وجوز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخص بها من يراه أحوج من الورثة كأن يكون بعضهم غنيا والبعض الآخر فقيرا. مثال ذلك أن يطلق أبوه أمه وهو غني، ولا عائل لها إلا ولدها، ويري أن ما يصيبها من التركة لا يكفيها، ومثله أن يكون بعض ولده أو إخوته - إن لم يكن له ولد - عاجزا عن الكسب فنحن نري أن الحكيم الخبير اللطيف بعباده، الذي وضع الشريعة والأحكام لمصلحة خلقه، لا [ صفحه 244] يحكم أن يساوي الغني الفقير. والقادر علي الكسب من يعجز عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة علي أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنهم سواسية في الحاجة كما أنهم سواء في القرابة، فلا غرو أن يجعل أمر الوصية مقدما علي أمر الإرث... ويجعل الوالدين والأقربين في آية أخري أولي بالوصية لهم من غيرهم لعلمه سبحانه وتعالي بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحيانا، فقد قال في آيات الإرث في سورة النساء: - (من بعد وصية يوصي بها أو دين) - فأطلق أمر الوصية وقال في آية الوصية هنا ما هو تفصيل لتلك. لقد بان الحق مما ذكرنا وان الذكر الحكيم أعطي للإنسان حق الايصاء للوالدين لمصالح هو أعرف بها، علي حد لا يتجاوز الثلث، وليكون ايصاؤه أيضا علي حد المعروف. ويؤيده اطلاق قوله سبحانه في ذيل آية المواريث قال سبحانه: - (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلي أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا) - (الأحزاب / 7). ويريد منالذيل الاحسان في الحياة والوصية عند الموت فإنه جائز [407] وإطلاقه يعم الوارث وغيره.

والله سبحانه هو العالم بمصالح العباد، فتارة يخص بعض الوراث ببعض التركة عن طريق تنفيذ الوصية ما لم تتجاوز الثلث، وأخري يوصي لغير الوارث [ صفحه 245] بشئ منها، يقول سبحانه: - (وإذا حضر القسمة أولوا القربي واليتامي والمسكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) - (النساء / 8). والمراد من ذوي القربي الأخ للميت الشقيق وهو لا يرث، وكذلك العم والخال والعمة والخالة ويعدون من ذوي القربي للوارث، الذي لا يرثون معه وقد يسري إلي نفوسهم الحسد فينبغي التودد إليهم، واستمالتهم باعطائهم شيئا منذلك الموروث، بحسب ما يليق بهم ولو بصفة الهبة أو الهدية... [408] .

آية الوصية منسوخة بالسنة

اشاره

قد عرفت مدي صحة نسخ الآية بآية المواريث فهلم معي ندرس منسوخية الآية بالسنة التي رواها أصحاب السنن ولم يروها الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما، وإليك ما نقل سندا أو متنا. روي الترمذي في باب ما جاء لا وصية لوارث: 1 - حدثنا علي بن حجر وهناد قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول في خطبته عام حجة الوداع: إن الله قد أعطي لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر... 2 - حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم عن عمرو بن خارجة: أن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " خطب [ صفحه 246] علي ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها [409] وإن لعابها يسيل بين كتفي فسمتعه يقول: إن الله أعطي كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث والولد للفراشوللعاهر الحجر...

[410] . وفي الاسناد: من لا يحتج به. 1 - إسماعيل بن عياش: قال الخطيب: عن يحيي بن معين يقول: أما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني: كان يوثق فيما روي عن أصحابه أهل الشام فأما ما روي عن غير أهل الشام ففيه ضعف. وقال عمر بن علي: كان عبد الرحمان بن المهدي: لا يحدث عن إسماعيلبن عياش [411] . وقال ابن منظور: وقال مضر بن محمد الأسدي، عن يحيي: إذا حدث عن الشاميين وذكر الخبر فحديثه مستقيم، فإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين خلطما شاء [412] . وقال الحافظ جمال الدين المزي: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن إسماعيل بن عياش فقال: نظرت في كتابه عن يحيي بن سعيد أحاديث [ صفحه 247] صحاح، وفي " المصنف " أحاديث مضطربة. وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم: إسماعيل بن عياش في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين. وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعا يقول: قدم علينا إسماعيل بن عياش فأخذ من أطراف لإسماعيل بن أبي خالد، فرأيته يخلط في أخذه. وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ما أشبه حديثه بثياب سابور يرقم علي الثوب المائة، وأقل شرائه دون عشرة. قال: كان من أروي الناس عن الكذابين.وقال أبو إسحاق الفزاري في حقه: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه [413] . ونقل الترمذي بعد ذكر الحديث عن أبي إسحاق الفزاري: ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدث عن الثقات ولا عن غير الثقات. 2 - شرحبيل بن مسلم الخولاني الشامي:قال ابن معين: ضعيف واختتن في

ولاية عبد الملك بن مروان [414] ووثقه الآخرون. 3 - شهر بن حوشب: تابعي توفي حدود عام 100.قال النسائي: ليس بالقوي [415] . [ صفحه 248] وقال يحيي بن أبي بكر الكرماني عن أبيه: كان شهر بن حوشب علي بيت المال فأخذ خريطة فيها دراهم فقال القائل: لقد باع شهر دينه بخريطة++ فمن يأمن القراء بعدك يا شهر [416] . وقال جمال الدين المزي: قال شبابة بن سوار عن شعبة: ولقد لقيت شهرا فلم أعتد به. وقال عمرو بن علي: كان يحيي لا يحدث عن شهر بن حوشب. وقال أيضا: سألت ابن عون عن حديث هلال بن أبي زينب عن شهر... فقال: ما يصنع بشهر إن شعبة نزك شهرا. فقال النضر: نزكوه. أي طعنوا فيه. وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: أحاديثه لا تشبه حديث الناس. وقال موسي بن هارون: ضعيف. وقال علي بن المديني: كان يحيي بن سعيد لا يحدثعن شهر، وقال يعقوب بن شيبة:... علي أن بعضهم قد طعن فيه [417] . 3 - روي أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم: سمعت أبا أمامة: سمعت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول:" إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " [418] . والاسناد مشتمل علي إسماعيل بن عياش وشرحبيل بن مسلم وقد عرفت حالهما. فلاحظ. 4 - روي النسائي: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن [ صفحه 249] شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: خطب رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فقال: إن الله

قد أعطي كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث. 5 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب، أن ابن غنم ذكر أن ابن خارجة ذكر له أنه شهد رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يخطب الناس علي راحلته، وإنها لتقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل. فقال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " في خطبته: إن الله قد قسم لكل إنسان قسمة من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية. فالإسنادان اشتملا علي شهر بن حوشب، وقد تعرفت عليه. 6 - أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، قال: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قتادة عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " إن الله عز اسمه قد أعطي كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث " [419] . وقد اشتمل الإسناد علي قتادة بن دعامة بن قتادة: أبو الخطاب البصري (61 - 117 ه) الذي ورد في حقه عن حنظلة بن أبي سفيان: كنت أري طاووسا إذ أتاه قتادة يسأله يفر منه، قال: وكان قتادة يتهم بالقدر. وقال علي بن المديني: قلت ليحيي بن سعيد: إن عبد الرحمان يقول: اترك كل من كان رأسا في بدعة يدعو إليها. قال: كيف تصنع بقتادة...؟ ثم قال يحيي: إن ترك هذا الضرب ترك ناسا كثيرا. وقال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس. [ صفحه 250] وقال أبو داود: حدث قتادة عن ثلاثين رجلا لم يسمع منهم [420] . 7 - روي ابن ماجة: حدثنا أبو

بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون: أنبأنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أن النبي خطبهم وهو علي راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لغامها ليسيل بين كتفي، قال: إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية، والولد للفراش... كذلك فالإسناد مشتمل علي شهر بن حوشب. 8 - حدثنا هشام بن عمار، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يقول في خطبته، عام حجة الوداع: إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. وفي الاسناد إسماعيل بن عياش، وقد عرفت حاله. 9 - حدثنا هشام بن عمار، ثنا محمد بن شعيب بن شابور، ثنا عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن سعيد بن أبي سعيد، أنه حدثه عن أنس بن مالك قال: إني لتحت ناقة رسول الله، يسيل علي لعابها فسمعته يقول: إن الله قد أعطي كل ذيحق حقه ألا لا وصية لوارث [421] . وفي السند، من لا يحتج به: 1 - عبد الرحمان بن يزيد بن جابر الأزدي أبو عتبة الشامي (المتوفي عام [ صفحه 251] 153).قال الفلاس: ضعيف الحديث... روي عن أهل الكوفة أحاديث مناكير [422] . 2 - سعيد بن أبي سعيد، واسمه كيسان المقبري أبو سعد المدني (المتوفي عام 125). قال يعقوب بن شيبة: قد كان تغير واختلط قبل موته يقال بأربع سنين، وقال الواقدي: اختلط قبل موته بأربع سنين، وقال ابن حبان في الثقات: اختلط قبل موتهبأربع سنين [423] .

10 - روي الدارقطني: نا أبو بكر النيسابوري، نا يوسف بن سعيد، نا حجاج، عن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة. وفي الاسناد عطاء بن أبي مسلم الخراساني (50 ه - 135 ه). قال الدارقطني: لم يلق ابن عباس. وقال أبو داود: ولم يدرك ابن عباس ولم يره. البخاري قد ذكر عطاء الخراساني في الضعفاء... والبخاري لم يخرج له شيئا.وقال ابن حبان: كان ردئ الحفظ يخطئ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به [424] . وقال البيهقي: عطاء هذا هو الخراساني لم يدرك ابن عباس ولم يره. قاله [ صفحه 252] أبو داود السجستاني وغيره وقد روي من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس [425] . 11 - نا علي بن إبراهيم بن عيسي، نا أحمد بن محمد الماسرجسي، نا عمرو ابن زرارة، نا زياد بن عبد الله، نا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول الله: لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة. ولو صح الاسناد، فهو محمول علي ما إذا زاد عن الثلث كما سيأتي نقله. 12 - نا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي، نا محمد بن عمرو بن خالد، نا أبي، عن يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة عن ابن عباس قال:قال رسول الله: " لا يجوز لوارث وصية إلا أن يشاء الورثة " [426] . ولا أظن أن فقيها يحتج بحديث في سنده: عكرمة البربري: أبو عبد الله المدني مولي ابن عباس: وقد عرفه أهل الرجال بما يلي: قال ابن لهيعة: عن أبي الأسود:

كان عكرمة قليل العقل خفيفا، كان قد سمع الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدث به عن رجل يسأل عنه بعد ذلك، فيحدث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه. وقال يحيي بن معين: إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية (طائفة من الخوارج) وقال عطاء: كان أباضيا. وقال أبو خلف الخزاز، عن يحيي البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتق [ صفحه 253] الله ويحك يا نافع ولا تكذب علي كما كذب عكرمة علي ابن عباس. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لغلامه: لا تكذب علي كما يكذب عكرمة علي ابن عباس. وعن عطاء الخراساني: قلت لسعيد بن المسيب: إن عكرمة يزعم أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " تزوج ميمونة وهو محرم، فقال: كذب مخبثان. وقال سعيد بن جبير: كذب عكرمة. وقال وهيب بن خالد عن يحيي بن سعيد الأنصاري: كان كذابا. وكان مالك لا يري عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه. وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل:... وعكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه. وقال ابن عليه: ذكره أيوب فقال: قليل العقل. وقال الحاكم: أبو أحمد احتج بحديثه الأئمة القدماء لكن بعض المتأخرينأخرج حديثه من حيز الصحاح [427] . 13 - نا أحمد بن كامل، نا عبيد بن كثير، نا عباد بن يعقوب، نا نوح بن دراج، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله: لا وصية لوارث ولا إقرار بدين. وفي الاسناد من لا يحتج به أهل السنة وهونوح بن دراج (المتوفي عام [ صفحه 254] 182) والحديث نقل محرفا. فقد تضافر عن جعفر

بن محمد، صحة الوصية للوارث إلا إذا تجاوز عن الثلث، فإنه اضرار بالورثة ويؤيده ذيل الحديث " ولا إقرار بدين " والإقرار بالدين، والايصاء فوق الثلث مظنة الاضرار بالورثة. 14 - نا أحمد بن زياد، نا عبد الرحمان بن مرزوق، نا عبد الوهاب، نا سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله بمني فقال: إن الله عز وجل قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية إلا من الثلث، قال: ونا سعيد بن مطر عن شهر،عن عمرو بن خارجة عن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " مثله [428] . والسند مشتمل علي شهر بن حوشب، والمتن يؤيد مقالة الإمامية حيث قال: فلا يجوز له ارث إلا من الثلث. 15 - روي الدارمي: حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام الدستوائي، ثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة، قال: كنت تحت ناقة النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وهي تقصع بجرتها ولعابها وينوص بين كتفي، سمعته يقول: ألا إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه فلا يجوز وصيةلوارث [429] . وفي الاسناد شهر بن حوشب وكفي به ضعفا. 16 - روي البيهقي بأسانيد مختلفة، لا تخلو من ضعف. [ صفحه 255] فالأول مقطوع برواية عطاء عن ابن عباس وقد عرفت عدم ادراكه له وعطاء هذا هو عطاء الخراساني. والثاني مشتمل علي رواية: عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، وقد عرفت حال الرجلين. والثالث أيضا مثل الثاني. والرابع مشتمل علي الربيع بن سليمان، الذي كان يوصف بغفلة شديدة، وعن الشافعي

أنه ليس بثبت وإنما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد موتالبويطي [430] . وعلي سفيان بن عيينة (المتوفي عام 198) قال محمد بن عبد الله بن عمار: سمعت يحيي بن سعيد يقول: اشهدوا أن سفيان بن عيينة اختلط سنة 97، فمنسمع في هذه السنة وبعدها، سماعه لا شئ [431] . وعلي مجاهد بن جبر المكي المولود في خلافة عمر (المتوفي عام 100) فمضافا إلي أن الرواية مقطوعة فقد ورد في حقه: مجاهد معلوم التدليس فعنعنته لاتفيد الوصل [432] . والخامس مشتمل علي ابن عياش وشرحبيل بن مسلم وقد تعرفت عليهما. والسادس مشتمل علي شهر بن حوشب. [ صفحه 256] والسابع مشتمل علي حماد بن سلمة عن قتادة، والسند إما مقطوع أو موصول بواسطة شهر بن حوشب بقرينة الرواية السابقة. والثامن مشتمل علي إسماعيل بن مسلم وهو مردد بين العبدي (أبو محمد (البصري) والمكي (أبو إسحاق البصري) الذي ضعفه جمال الدين المزي بقوله: قال: عمرو بن علي: كان يحيي وعبد الرحمان لا يحدثان عن إسماعيل المكي. وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن مسلم المكي منكر الحديث. وقال عباس الدوري عن يحيي بن معين: إسماعيل بن مسلم المكي ليس بشئ. وكذلك قال عثمان بن سعيد الدارمي وأبو يعلي الموصلي عن يحيي. وعن علي بن المديني: إسماعيل بن مسلم المكي لا يكتب حديثه... وكان ضعيفا في الحديث... يكثر الخلط. وقال أبو زرعة: هو بصري سكن مكة، ضعيف الحديث.وقال النسائي:... متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة [433] . والتاسع مشتمل علي عبد الرحمان بن يزيد بن جابر الأزدي، وسعيد بن أبي سعيد وقد تعرفت عليهما. والعاشر مشتمل علي سفيان بن عيينة وقد تعرفت

عليه وعلي طاووس بنكيسان اليماني وهو تابعي لم يدرك النبي وإنما ينقل ما ينقل عن ابن عباس [434] . [ صفحه 257] 17 - روي الحافظ سعيد بن منصور المكي (المتوفي 227) في سننه هذا الحديث بأسنايد مختلفة. فالأول - مضافا إلي أنه مقطوع بمجاهد -: مشتمل علي سفيان بن عيينة. والثاني: مقطوع بعمرو بن دينار (المتوفي حدود عام 125) ومشتمل علي سفيان بن عيينة. والثالث: مشتمل علي إسماعيل بن عياش وشرحبيل بن مسلم. والرابع: مشتمل علي شهر بن حوشب. والخامس: مشتمل علي سفيان بن عيينة وهشام بن حجر المكي الذي ضعفه يحيي بن معين، وعن غيره أنه يضرب علي حديثه، وعن أبي داود أنهضرب الحد بمكة [435] . 18 - روي الصنعاني بسند ينتهي إلي شهر بن حوشب عن عمرو بنخارجة، قال: سمعت رسول الله يقول: لا وصية لوارث [436] وقد تعرفت علي حال " شهر ".

ملاحظات علي نسخ الآية بالسنة

ويلاحظ علي هذه الإجابة، أي نسخ الكتاب بهذه الروايات، بوجوه: 1 - الكتاب العزيز، قطعي السند، وصريح الدلالة في المقام. وظاهر الآية [ صفحه 258] كون الحكم أمرا أبديا وأنه مكتوب علي المؤمنين، وهو حق علي المتقين، أفيصح نسخه أو تخصيصه برواية لم يسلم سند منها عن خلل ونقاش فرواتها مخلط، من أروي الناس عن الكذابين، لا يري ما يخرج من رأسه، إلي ضعيف أختتن في كبر سنه، إلي بائع دينه بخريطة، إلي مسند ولم ير المسند إليه، إلي محدود أجري عليهالحد في مكة، إلي خارجي يضرب به المثل، إلي، إلي، إلي [437] . ولو قلنا بجواز نسخ الكتاب فإنما نقول به إذا كان الناسخ، دلالة قرآنية أو سنة قاطعة. 2 - كيف يمكن الاعتماد علي

رواية، تدعي أن النبي الأكرم خطب في محتشد كبير لم ينقل لنا التاريخ له مثيلا في حياة النبي إلا في وقعة الغدير، وقال: إنه لا وصية لوارث، ولم يسمعه أحد من الصحابة إلا أعرابي مثل عمرو بن خارجة الذي ليس له رواية عن رسول الله سوي هذه [438] أو شخص آخر كأبي أمامة الباهلي وهذا ما يورث الاطمئنان علي وجود الخلل فيها سندا أو دلالة. 3 - لو سلم أن الحديث قابل للاحتجاج، لكنه لا يعادل ولا يقاوم ما تواتر عن أئمة أهل البيت من جواز الوصية للوارث. فهذا هو محمد بن مسلم أحد فقهاء القرن الثاني، من تلاميذ أبي جعفر الباقر - عليه السلام - يقول: سألت أبا جعفر عن الوصية للوارث؟ فقال: تجوز، ثم تلا هذه الآية: - (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) -. [ صفحه 259] وهذا أبو بصير المرادي شيخ الشيعة في عصر الصادق - عليه السلام - يروي عنه أنه سأله عن الوصية للوارث؟ فقال: تجوز [439] . 4 - أن التعارض فرع عدم وجود الجمع الدلالي بين نص الكتاب والحديث، إذ من المحتمل جدا أن الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " ذكر قيدا لكلامه، ولم يسمعه الراوي أو سمعه، وغفل عن نقله، أو نقله ولم يصل إلينا وهو أنه مثلا قال: " ولا تجوز وصية للوارث " إذا زاد عن الثلث أو بأكثر منه، كما ورد كذلك من طرقنا،وطرق أهل السنة. وقد عرفت: أن الدارقطني نقله عن الرسول الأكرم بهذا القيد [440] . وقد ورد من طرقنا عن النبي الأكرم أنه قال في خطبة الوداع: " أيها الناس إن الله قدقسم لكل وارث نصيبه من الميراث،

ولا تجوز وصية لوارث بأكثر من الثلث " [441] . وبعد هذه الملاحظات لا يبقي أي وثوق للرواية بالصورة الموجودة في كتب السنن. أضف إلي ذلك: أن الإسلام دين الفطرة، ورسالته خاتمة الرسالات فكيف يصح أن يسد باب الإيصاء للوارث، مع أنه ربما تمس الحاجة إلي الايصاء للوارث، بعيدا عن الجور والحيف، من دون أن يثير عداء الباقين وحسد الآخرين كما إذا كان طفلا، أو مريضا، أو معوقا أو طالب علم، لا يتسني له التحصيل إلا بعون آخرين. كل ذلك يدعو فقهاء المذاهب في الأمصار، إلي دراسة المسألة من الأصل عسي أن يتبدل المختلف إلي المؤتلف والخلاف إلي الوفاق بفضله وكرمه سبحانه. [ صفحه 261]

ارث المسلم من الكافر

لا خلاف بين المسلمين أن الكافر لا يرث المسلم، وإنما الخلاف في أن المسلم يرث الكافر أو لا، فأئمة أهل البيت علي الأول، قائلين بأن الإسلام لا يزيد إلا عزا، لا بؤسا وشقاء، فلا وجه معقول لمنع المسلم عن ارث ما ترك آباؤه أو أبناؤه، نعم الكفر يزيد بؤسا وشقاء وحرمانا، فلا يرث الكافر المسلم لكرامة المورث ودناءة الوارث إلا إذا أسلم. وقد تضافرت رواياتهم علي الإرث، إذا كان الوارث مسلما سواء كان المورث مسلما أو كافرا. وأما الصحابة فقد ذهب كثير منهم إلي هذا القول وهو مروي عن علي - عليه السلام - ومعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومن التابعين مسروق وسعيد وعبد الله بن معقل، ومحمد بن الحنفية، ومحمد بن علي الباقر - عليهم السلام - وإسحاق ابن راهويه. وقال الشافعي: لا يرث المسلم الكافر، وحكوا ذلك عن علي - عليه السلام- وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وزيد بن ثابت والفقهاء

كلهم [442] . [ صفحه 262] وقال ابن قدامة: أجمع أهل العلم علي أن الكافر لا يرث المسلم. وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث المسلم الكافر يروي هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة، والزهري وعطاء وطاووس والحسن، وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار، والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل. وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية، أنهم ورثوا المسلم من الكافر، ولم يورثوا الكافر من المسلم، وحكي ذلك عن محمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين، وسعيد ابن المسيب، ومسروق، وعبد الله بن معقل، والشعبي، والنخعي، ويحيي بن يعمر، وإسحاق وليس بموثوق به عنهم، فإن أحمد قال: ليس بين الناس اختلاففي أن المسلم لا يرث الكافر [443] . دليلنا: إطلاقات الكتاب وعموماته مثل قوله سبحانه: - (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الا نثيين) - وقوله سبحانه: - (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) - وقوله تعالي: - (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) - فإنها تعم ما إذا كان المورث كافرا والوارث مسلما وأما عكس المسألة فقد خرج بالدليل. أضف إلي ذلك، ما تضافر من الروايات عن أئمة أهل البيت الصريحة في التوريث. منها: صحيحة أبي ولاد قال: سمعت أبا عبد الله يقول: المسلم يرث امرأته [ صفحه 263] الذمية، وهي لا ترثه [444] . منها موثقة سماعة: عن أبي عبد الله قال: سألته عن المسلم هل يرث المشرك؟ قال: نعم فأما المشرك فلا يرث المسلم [445] . وقد علل في بعض الروايات حكم التوريث بقولهم " نحن نرثهم ولا يرثوناإن الله عز وجل لم يزدنا بالإسلام إلا

عزا [446] وفي رواية أخري قال أبو عبد الله: نرثهم ولا يرثونا إن الإسلام لم يزده في ميراثه إلا شدة [447] . وقد فهم معاذ بن جبل من قول النبي: " الإسلام يزيد ولا ينقص " حكمالمسألة فورث المسلم، من أخيه اليهودي [448] . نعم استدل المخالف بأمور: 1 - رواية أسامة بن زيد عن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " أنه قال: لايرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر. وقال ابن قدامة: متفق عليه [449] . يلاحظ عليه: أنها رواية واحدة لا تقابل اطلاق الكتاب وعمومه، وقد قلنا في البحوث الا صولية أنه لا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وإن منزلة الكتاب أرقي من أن يخصص بالظن وقد قال به أيضا المحقق الحلي في المعارج.2 - روي عن عمر أنه قال: لا نرث أهل الملل ولا يرثوننا [450] لكنه خبر موقوف لم يسنده إلي النبي فهو كسائر موقوفات الصحابة ليس حجة كما حققناه [ صفحه 264] في " أصول الحديث وأحكامه ". 3 - ما رواه الفريقان عن النبي الأكرم أنه قال: " لا يتوارث أهل ملتين " لكنه غير دال علي المدعي إذ الحديث بصدد نفي التوارث، حتي يتوارث كل من الآخر، بل لا يرث الكافر من المسلم، ويرث المسلم من الكافر. وقد تضافرت الروايات عن أهل البيت - عليهم السلام - علي هذا التفسير، روي عبد الرحمان بن أعين عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: لا يتوارث أهلملتين نحن نرثهم ولا يرثونا إن الله - عز وجل - لم يزدنا بالإسلام إلا عزا [451] . وفي صحيحة جميل وهشام، عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال:

فيما روي الناس عن النبي أنه قال: " لا يتوارث أهل ملتين "، قال: نرثهم ولا يرثونا إنالإسلام لم يزده في حقه إلا شدة [452] . وروي أبو العباس، قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: لا يتوارث أهل ملتين يرث هذا هذا، ويرث هذا هذا إلا أن المسلم يرث الكافر،والكافر لا يرث المسلم [453] ، إلي غير ذلك من الروايات المفسرة للنبوي والرادة علي فتوي الفقهاء المشهورة في عصرهم - عليهم السلام -. وبذلك تظهر حال مسائل أخري مذكورة في الفرائض. [ صفحه 265]

التوريث بالعصبة

اشاره

اتفقت الإمامية علي أن ما فضل عن السهام يرد علي أصحاب السهام بخلاف سائر الفقهاء. ولأجل إيضاح محل الخلاف بين الإمامية وسائر الفقهاء نذكر أمورا: الأول: إذا بقي من سهام التركة شئ - بعد اخراج الفريضة - فله صور: الصورة الا ولي: إن الميت إذا لم يخلف وارثا إلا ذوي فروض ولا يستوعب المال كالبنات وليس معهن أحد، أو الأخوات كذلك، فإن الفاضل عنذوي الفروض يرد عليهم علي قدر فروضهم إلا الزوج والزوجة [454] . الصورة الثانية: أن يكون بين أصحاب الفروض مساو لا فرض له، وبعبارة أخري أن يجتمع من لا فرض له مع أصحاب الفرض، ففيها يرد الفاضل، علي المساوي الذي ليس له سهم خاص في الكتاب وإليك بعض الأمثلة: 1 - إذا ماتت عن أبوين وزوج. 2 - إذا مات عن أبوين وزوجة. [ صفحه 266] فالزوج في الأول، والزوجة في الثاني، والا م في كليهما من أصحاب الفروض دون الأب فما فضل بعد أخذهم، فهو لمن لا فرض له، أي الأب، فللزوج والزوجة نصيبهما الأعلي وللا م الثلث، والباقي للأب لأنه لا

فرض له، نعم الأب من أصحاب الفروض إذا كان للميت ولد قال سبحانه: - (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) - (النساء / 11) بخلاف الا م فهي مطلقا من ذوات الفروض. قال الخرقي في متن المغني: " وإذا كان زوج وأبوان، أعطي الزوج النصف والا م ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، وإذا كانت زوجة أعطيت الزوجة الربع، والا م ثلث ما بقي، وما بقي للأب. قال ابن قدامة: هاتان المسألتان تسميان العمريتين لأن عمر - رضي الله عنه - قضي فيهما بهذا القضاء، فتبعه علي ذلك عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود، وروي ذلك عن علي، وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي - رضي الله عنهم - وأصحاب الرأي، وجعل ابن عباس ثلث المال كله للا م في المسألتين، ويروي ذلك عن علي " [455] . 3 - ذلك الفرض ولكن كان للا م حاجب، فللزوج والزوجة نصيبهما الأعلي وللا م السدس، والكل من أصحاب الفرض، والباقي للأب الذي لا فرض له. [ صفحه 267] 4 - إذا مات عن أبوين وابن وزوج أو زوجة، فلهما نصيبهما الأدني - لأجل الولد - وللوالدين السدسان والباقي للابن الذي لا فرض له. 5 - إذا مات عن زوج أو زوجة وإخوة من الا م، وإخوة من الأبوين أو من الأب، فللزوج النصف أو للزوجة الربع، وللإخوة من الا م الثلث، والباقي لمن لا فرض له أي الإخوة من الأبوين أو الذين يتقربون بالأب. ففي هذه الصورة فالزائد بعد اخراج الفرائض للمساوي في الطبقة الذي لا فرض له. ولعل هذه الصورة موضع اتفاق بين الفقهاء: السنة والشيعة. الصورة الثالثة: إذا لم يكن هناك

قريب مساو لا فرض له وزادت سهام التركة عن الفروض فهناك رأيان مختلفان بين الفقهاء: الشيعة والسنة. 1 - الشيعة كلهم علي أن الزائد يرد إلي أصحاب الفرائض عدا الزوج والزوجة [456] بنسبة سهامهم، فإذا مات عن أبوين وبنت وليس في طبقتهم من ينتمي إلي الميت بلا واسطة سواهم، يرد الفاضل - أي السدس - عليهم بنسبة سهامهم، فيرد السدس عليهم أخماسا فللأبوين: الخمسان من السدس، وللبنت ثلاثة أخماس منه، ولا تخرج التركة عن هذه الطبقة أبدا. 2 - أهل السنة يرون أنه يرد إلي أقرباء الميت من جانب الأب والابن وهم العصبة. [ صفحه 268] الأمر الثاني: ما هو المراد من العصبة لغة واصطلاحا؟ قال ابن منظور: العصبة والعصابة: جماعة ما بين العشرة إلي الأربعين. وفيالتنزيل: - (ونحن عصبة) - [457] . قال الأخفش: والعصبة والعصابة: جماعة ليس لها واحد. وقال الراغب: العصب: اطناب المفاصل، ثم يقال: لكل شد عصب،والعصبة: جماعة متعصبة متعاضدة. قال تعالي: - (لتنوأ بالعصبة) - [458] والعصابة: ما يعصب بها الرأس والعمامة. وقال في النهاية: العصبة: الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم. وقال الطريحي: عصبة الرجل، جمع " عاصب " ككفرة جمع كافر، وهم بنوه وقرابته، والجمع: العصاب، قال الجوهري: وإنما سموا عصبة، لأنهم عصبوا به أي: أحاطوا به فالأب طرف، والابن طرف، والأخ طرف، والعم طرف... وكلامه توضيح لما أجمله ابن الأثير. وقد سبق الطريحي، ابن فارس في مقاييسه فقال: له أصل واحد يدل علي ربط شئ بشئ ثم يفرع ذلك فروعا وتطلق علي أطناب المفاصل التي تلائم بينها، وعلي العشرة من الرجال لأنها قد عصبت كأنها ربط بعضها ببعض. وعلي كل

تقدير فهو في الأصل بمعني الربط والإحاطة وكأن الإنسان يحاط [ صفحه 269] بالعصبة ويرتبط بها مع غيرهم. وأما في اصطلاح الفقهاء فهو لا يتجاوز عما ذكره الطريحي في كلامه، وأحسن التعاريف ما ذكره صاحب الجواهر حيث قال: العصبة: الابن والأب ومن تدلي بهما، وهو يشمل الأخ والعم وغيرهما. وقال ابن قدامة: هو الوارث بغير تقدير، وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضلعنه قل، أو كثر، وإن انفرد أخذ الكل، وإن استغرقت الفروض المال سقط [459] . وما ذكره أشبه ببيان حكم العصبة من حيث الحكم الشرعي وليس تفسيرا لمادة العصبة. ثم إن العصبة عندهم تنقسم إلي العصبة بالنفس، وإلي العصبة بالغير والأول أقرب العصبات، كالابن، ابن الابن، الأب، الجد لأب وإن علا، الأخ لأبوين، ابن الأخ لأبوين، أو أب، العم لأبوين أو لأب، ابن العم لأبوين أو لأب. وأما الثاني فينحصر في الإناث كالبنت، وبنت ابن وأخت لأبوين، أو لأب. لأن العصبة من تدلي إلي الميت من جانب الأب وهو يعم الجميع ولايختص بالذكور، نعم توارثهم بالعصبة علي نظام خاص مذكور في كتبهم [460] . قال الخرقي: " وابن الأخ للأب والأم، أولي من ابن الأخ للأب. وابن الأخ [ صفحه 270] للأب، أولي من ابن ابن الأخ للأب والا م. وابن الأخ وإن سفل إذا كان للأب [461] . أولي من العم. وابن العم للأب، أولي من ابن ابن العم للأب والا م. وابن العم وإنسفل، أولي من عم الأب " [462] . الأمر الثالث: في تبيين ملاك الوراثة عند الطائفتين: إن الضابط لتقديم بعض الأقرباء السببيين علي البعض الآخر عندنا أحد الأمرين: 1 - كونه صاحب فريضة في الكتاب قال سبحانه:

- (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) - (النساء / 11). 2 - القربي إذا لم يكن صاحب فريضة فالأقرب إلي الميت، هو الوارث للكل أو لما فضل عن التركة قال سبحانه: - (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم) -. وأما عند أهل السنة فالملاك بعد الفرض، هو التعصيب - بالمعني الذي عرفت بعد أصحاب الفرض - وإن بعد عنهم، كالأخ عندما مات، عن أخت أو أختين فيرث الأخ، أو العم، الفاضل من التركة، بما أنهما عصبة ويرد عندنا إلي أصحاب الفروض وربما لا يترتب علي الخلاف ثمرة كما في الموردين التاليين: كما لو اجتمع الأب مع الابن، فالأب يأخذ فرضه وهو السدس، وما بقي يأخذه الابن بالاتفاق لكن عندنا بالقرابة وعند أهل السنة بالعصبة. [ صفحه 271] ومثله لو اجتمع الأب مع ابن الابن فبما أن الأولاد تنزل منزلة الآباء فللأب السدس والباقي لابن الابن عندنا بالقرابة وعندهم بالتعصيب. لكن تظهر الثمرة في موارد أخر. كما إذا كانت العصبة بعيدا عن ذي فرض كالأخ فيما إذا ترك بنتا أو بنات، ولم يكن له ولد ذكر، أو العم فيما إذا ترك أختا أو أخوات ولم يكن له أخ، فعلي مذهب الإمامية لا يرد إلي البعيد أبدا، سواء كان أخا أو عما، لأن الضابط في التقديم والتأخير هو الفرض والقرابة والأخ والعم بعيدان عن الميت مع وجود البنت أو الا خت، فيرد عليهما الفاضل، فالبنت ترث النصف فرضا والنصف الآخر قرابة، وهكذا الصور الا خري. وأما علي مذاهب أهل السنة، فبما أنه حكموا بتوريث العصبة مع ذي فرض قريب

يردون الفاضل إلي الأخ في الأول، والعم في الثاني. قال الشيخ الطوسي: القول بالعصبة باطل عندنا ولا يورث بها في موضع من المواضع، وإنما يورث بالفرض المسمي أو القربي، أو الأسباب التي يورث بها من الزوجية والولاء. وروي ذلك عن ابن عباس لأنه قال فيمن خلف بنتا وأختا: إن المال كله للبنت دون الا خت، ووافقه جابر بن عبد الله في ذلك. وروي موافقة ابن عباس عن إبراهيم النخعي، روي عنه الأعمش ولم يجعل داود الأخوات مع البنات عصبة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وأثبتوا العصباتمن جهة الأب والابن [463] . [ صفحه 272] إذا عرفت ذلك فلنأخذ بدراسة أدلة نفاة العصبة فنقول:

دراسة أدلة نفاة العصبة

احتجت الإمامية علي نفي التعصيب وأنه مع وجود الأقرب وإن كان ذا فرض لا يرد الباقي إلي البعيد وإن كان ذكرا، بوجوه: الأول: قوله سبحانه: - (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) - (النساء / 6). وجه الاستدلال: أنه أوجب توريث جميع النساء والأقربين ودلت علي المساواة بين الذكور والإناث في استحقاق الإرث، لأنها حكمت بأن للنساء نصيبا كما حكمت بأن للرجال نصيبا، مع أن القائل بالتعصيب عليه توريث البعض دون البعض مع كونهما في رتبة واحدة وذلك في الصور التالية: 1 - لو مات وترك بنتا، وأخا وأختا، فالفاضل عن فريضة البنت يرد إلي الأخ، ويحكم علي الا خت بالحرمان. 2 - لو مات وترك بنتا، وابن أخ، وابن أخت، فالقائل بالتعصيب يعطي النصف للبنت، والنصف الآخر لابن الأخ، ولا شئ لابن أخته مع أنهما في درجة واحدة. 3 - لو مات وترك أختا، وعما، وعمة، فالفاضل

عن فريضة الا خت يرد إلي [ صفحه 273] العم، لا العمة. 4 - لو مات وترك بنتا، وابن أخ، وبنت أخ، فإنهم يعطون النصف للبنت، والنصف الآخر لابن الأخ، ولا يعطون شيئا لبنت الأخ مع كونهما في درجة واحدة. فالآية تحكم علي وراثة الرجال والنساء معا وبوراثة الجميع، والقائل بالتعصيب يورث الرجال دون النساء والحكم به أشبه بحكم الجاهلية المبنية علي هضم حقوق النساء كما سيوافيك بيانه. وحمل الآية في مشاركة الرجال والنساء، علي خصوص الميراث المفروض، لا الميراث لأجل التعصيب كما تري، والحاصل أن نتيجة القول بالتعصيب هو توريث الرجال وإهمال النساء علي ما كانت الجاهلية عليه. قال السيد المرتضي: توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربي والدرجة، من أحكام الجاهلية، وقد نسخ الله بشريعة نبينا محمد " صلي الله عليه وآله وسلم " أحكام الجاهلية، وذم من أقام عليها واستمر علي العمل بها بقوله: - (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما) - وليس لهم أن يقولوا إننا نخصص الآية التي ذكرتموها بالسنة، وذلك أن السنة التي لا تقتضي العلم القاطع لا يخصص بها القرآن، كما لم ينسخه بها، وإنما يجوز بالسنة أن يخصص وينسخ إذا كانت تقتضي العلم واليقين، ولا خلاف في أن الأخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علما، وأكثر ما يقتضيه غلبة الظن، علي أن أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة ترويها الشيعة من طرق مختلفة في إبطال أن يكون الميراث بالعصبة، وأنه بالقربي والرحم، وإذا تعارضت الأخبار رجعنا إلي ظاهر [ صفحه 274] الكتاب [464] . الثاني: قوله سبحانه: - (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم) -

(الأنفال / 75). وجه الاستدلال: أن المراد من الأولوية هو الأقربية أي الأقرب فالأقرب، وعلي ذلك فكيف يرث الأخ أو العم مع وجود الأقرب أعني البنت أو الا خت، وهما أقرب إلي الميت من الأخ والعم، لأن البنت تتقرب إلي الميت بنفسها، والأخ يتقرب إليه بالأب، والا خت تتقرب إلي الميت بالأب، والعم يتقرب إليه بواسطة الجد، والا خت تتقرب بواسطة، والعم يتقرب بواسطتين، وأولاده بوسائط. والعجب أنهم يراعون هذا الملاك في ميراث العصبة حيث يقدمون الأخ لأبوين، علي الأخ لأب. وابن الأخ لأبوين، علي ابن الأخ لأب، كما أن العم لأبوين يقدمونه علي العم لأب، وابن العم لأبوين علي ابن العم لأب. هذا في العصبة بالنفس ومثلها العصبة بالغير. ومما يدل علي أن الآية في بيان تقديم الأقرب فالأقرب - مضافا إلي ما ورد من أنها وردت ناسخة للتوارث بمعاقدة الإيمان والتوارث بالمهاجرة اللذين كاناثابتين في صدر الإسلام [465] . إن عليا كان لا يعطي الموالي شيئا مع ذي رحم، سميت له فريضة أم لم تسم له فريضة وكان يقول: [ صفحه 275] - (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم) -قد علم مكانهم فلم يجعل لهم مع أولي الأرحام [466] . وروي زرارة عن أبي جعفر - عليه السلام - في قول الله: - (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) -: إن بعضهم أولي بالميراث من بعض لأن أقربهم إليه رحما أولي به، ثم قال أبو جعفر: أيهم أولي بالميت وأقربهم إليه؟ أمه؟ أوأخوه؟ أليس الا م أقرب إلي الميت من إخوته وأخواته؟ [467] . وروي عن زيد بن ثابت أنه قال: من قضاء الجاهلية

أن يورث الرجال دونالنساء [468] . قال العلامة الصافي في تفسير قوله سبحانه: - (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون...) - قد أبطل الله بهذه الآية النظام الجاهلي المبني علي توريث الرجال دون النساء، مثل توريث الابن دون البنت، وتوريث الأخ دون الا خت، وتوريث العم دون العمة، وابن العم دون بنته، فقرر بها مشاركة النساء مع الرجال في الإرث، إذا كن معهم في القرابة في مرتبة واحدة، كالابن والبنت، والأخ والا خت، وابن الابن وبنته، والعم والعمة وغيرهم، فلا يوجد في الشرع مورد تكون المرأة مع المرء في درجة واحدة إلا وهي ترث من الميت بحكم الآية... فكما أن القول بحرمان الرجال الذين هم من طبقة واحدة نقض لهذه الضابطة المحكمة الشريفة، كذلك القول بحرمان النساء أيضا... ومثل هذا النظام - الذي تجلي فيه اعتناء الإسلام بشأن المرأة ورفع مستواها في الحقوق المالية كسائر حقوقها -يقتضي أن يكون عاما لا يقبل التخصيص والاستثناء [469] . [ صفحه 276] ويظهر من السيد في الانتصار أن القائلين بالتعصيب ربما يعترضون علي الإمامية بأن الحرمان موجود في فقههم، كما إذا مات الرجل عن بنت وعم أو ابن عم، فإن التركة كلها للبنت عندهم ولاحظ لهما. وهو حرمان الرجال دون النساء عكس القول بالتعصيب، ويشتركان في الحرمان ومخالفة الذكر الحكيم. والجواب: أن الحرمان في المثال لأجل عدم الاستواء في القرابة ألا تري أن ولد الولد (ذكورا كانوا أو إناثا) لا يرث مع الولد، لعدم التساوي في الدرجة والقرابة، وإن كانوا يدخلون تحت التسمية بالرجال والنساء، وإذا كانت القرابة والدرجة مراعاة بين العم وابنه، فلا يساوي - العم - البنت في القربي والدرجة وهو أبعد منها كثيرا. وليس كذلك

العمومة والعمات وبنات العم وبنو العم، لأن درجة هؤلاء واحدة وقرباهم متساوية والمخالف يورث الرجال منهم دون النساء، فظاهر الآية حجة عليه وفعله مخالف لها، وليس كذلك قولنا في المسائل التي وقعت الإشارةإليها وهذا واضح فليتأمل [470] . الثالث: قوله سبحانه: - (إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك...) - (النساء / 176) والآية ظاهرة في أن توريث الا خت من الأخ مشروط بعدم وجود الولد له. مع أنه يلزم في بعض صور التعصيب توريث الا خت مع وجود الولد (البنت) للميت وذلك فيما إذا كان التعصيب بالغير كأخت أو أخوات لأبوين، أو أخت وأخوات لأب، فإنهن عصبة بالغير من جانب الأب فلو مات عن بنت وأخت لأبوين أو لأب، فالنصف للبنت، والنصف الآخر للعصبة وهي الا [ صفحه 277] خت أو الأخوات مع أن وراثة الا خت مشروطة بعدم الولد في صريح الآية. قال الخرقي: والأخوات مع البنات عصبة، لهن ما فضل، وليس لهن معهن فريضة مسماة. وقال ابن قدامة في شرحه: والمراد بالأخوات هاهنا، الأخوات من الأبوين، أو من الأب وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه، فإنه يروي عنه أنه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة فقال في بنت وأخت: للبنت النصف ولا شئ للأخت. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم الله، يريد قول الله سبحانه: - (إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك...) - فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد. ثم إن ابن قدامة رد علي الاستدلال بقوله: إن الآية تدل علي أن الا خت لا يفرض لها النصف مع الولد، ونحن نقول به، فإن ما تأخذه

مع البنت ليس بفرض، وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ، وقد وافق ابن عباس علي ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قول الله تعالي: - (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) - وعلي قياس قوله" ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها " [471] . حاصل كلامه: أن الا خت ترث من الأخ النصف في حالتي وجود الولد وعدمه، غاية الأمر عند عدم الولد ترث فرضا، وعند وجوده ترثه عصبة. يلاحظ عليه: أن المهم عند المخاطبين هو أصل الوراثة، لا التسمية فإذا كان الولد وعدمه غير مؤثر فيها، كان التقييد لغوا، وما ذكره من أنها ترث النصف عند الولد تعصيبا لا فرضا أشبه بالتلاعب بالألفاظ، والمخاطب بالآية هو العرف العام [ صفحه 278] وهو لا يفهم من الآية سوي حرمان الأخت عند الولد وتوريثها معه باسم آخر، يراه مناقضا. وما نسبه إلي ابن عباس من أنه كان يري ميراث الأخ مع الولد، غير ثابت وعلي فرض تسليمه فهو ليس بحجة. الرابع: الروايات المروية في الصحاح والمسانيد وفي جوامعنا، ننقل منها ما يلي: 1 - روي الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: مرضت بمكة مرضافأشفيت [472] منه علي الموت فأتاني النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " يعودني فقلت: يا رسول الله: إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال: الثلث كبير، إنك إن تركت ولدك أغنياءخير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس [473] . وفي لفظ مسلم في باب الوصية بالثلث: " ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة ". والرواية صريحة في أنه كان يدور في خلد

سعد، أنها الوارثة المتفردة والنبي سمع كلامه وأقره عليه ولم يرد عليه بشئ وقد كان السؤال والجواب بعد نزول آيات الفرائض. 2 - روي البيهقي عن سويد بن غفلة في ابنة وامرأة ومولي قال: كان علي -عليه السلام - يعطي الابنة النصف والمرأة الثمن ويرد ما بقي علي الابنة [474] . [ صفحه 279] 3 - روي: من ترك مالا فلأهله [475] . 4 - وربما يستدل بما روي عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": والمرأة تحوز ثلاث مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي تلاعن عليه [476] . وجه الاستدلال: أن سهم الا م هو السدس أو الثلث وقد حكم علي الفاضل عن التركة بالرد عليها دون العصبة. إلا أن يقال: إن عدم الرد لعدم وجود العصبة (بحكم اللعان) فلا يصح الاستدلال به علي ما إذا كانت هناك عصبة. الخامس: إن القول بالتعصيب يقتضي كون توريث الوارث مشروطا بوجود وارث آخر وهو مخالف لما علم الاتفاق عليه لأنه إما أن يتساوي الوارث الآخر فيرثان، وإلا فيمنع وذلك في المثال الآتي: إذا خلف الميت بنتين، وابنة ابن، وعم. فبما أن العم من العصبة بالنفس والابنة عصبة بالغير يرد الفاضل إلي العم. ولا شئ لبنت الابن. ولكنه لو كان معها أخ أي ابن الابن، فهي تتعصب به، وبما أنه أولي ذكر بالميت يكون مقدما علي العم ويكون الفاضل بينهما أثلاثا، للإجماع علي المشاركة، لقوله سبحانه: - (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الا نثيين) - (النساء / 11) وهذا هو ما قلناه من أنه يلزم أن يكون توريث الابنة مشروطا بالأخ وإلا فيرث العم. [ صفحه 280] قال

الخرقي في متن المغني: " فإن كن بنات، وبنات ابن، فللبنات الثلثان وليس لبنات الابن شئ إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الا نثيين ". وقال ابن قدامة: " فإن كان مع بنات الابن، ابن في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن، أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن، عصبهنفي الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظ الا نثيين " [477] . السادس: لقد تضافر عن أئمة أهل البيت أن الفاضل عن الفروض للأقرب، وهي متضافرة لو لم نقل أنها متواترة ولعل الشهيد الثاني لم يتفحص في أبوابالإرث فقال: يرجع الإمامية إلي خبر واحد [478] ويظهر من الروايات أنه كان مكتوبا في كتاب الفرائض لعلي - عليه السلام -. 1 - روي حماد بن عثمان قال: سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن رجل ترك أمه وأخاه؟ قال: يا شيخ تريد علي الكتاب؟ قال، قلت: نعم. قال: كان علي - عليه السلام - يعطي المال للأقرب، فالأقرب. قال: قلت: فالأخ لا يرث شيئا؟ قال:قد أخبرتك أن عليا - عليه السلام - كان يعطي المال الأقرب فالأقرب [479] . 2 - روي زرارة عن أبي جعفر - عليه السلام - في رجل مات وترك ابنتهوأخته لأبيه وأمه؟ فقال: المال كله للابنة وليس للا خت من الأب والا م شئ [480] . [ صفحه 281] 3 - روي عبد الله بن خداش المنقري أنه سأل أبا الحسن عن رجل مات وترك ابنته وأخاه؟ فقال: المال للابنة [481] . 4 - عن بريد العجلي عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: قلت له: رجل مات وترك

ابنة وعمه؟ فقال: المال للابنة وليس للعم شئ، أو قال: ليس للعم مع الابنة شئ [482] . ويظهر من مناظرة الرشيد مع الإمام أبي الحسن الأول، أن توريث العم مع الأبناء كان مؤامرة سرية لإقصاء علي عن حقه، بتقديم العم علي ابنة رسول الله [483] . 5 - ما رواه حسين الرزاز قال: أمرت من يسأل أبا عبد الله - عليه السلام - المال لمن هو؟ للأقرب أو العصبة؟ فقال: المال للأقرب والعصبة في فيه التراب [484] . 6 - ما رواه العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد الله قال: اختلف علي بن أبي طالب وعثمان في الرجل يموت وليس له عصبة يرثونه وله ذو قرابة لا يرثونه، ليس لهم سهم مفروض، فقال علي: ميراثه لذوي قرابته لأن الله تعالي يقول: - (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) - وقال عثمان: اجعلماله في بيت مال المسلمين [485] . [ صفحه 282]

دراسة أدلة المخالف

لقد اتضح الحق وتجلي بأجلي مظاهره، بقي الكلام في دراسة أدلة المخالف فقد استدل بوجوه: الأول: لو أراد سبحانه توريث البنات ونحوهن أكثر مما فرض لهن لفعل ذلك والتالي باطل، فإنه تعالي نص علي توريثهن مفصلا ولم يذكر زيادة علي النصيب. بيان الملازمة أنه تعالي لما ورث الابن الجميع لم يفرض له فرضا، وكذا الأخ للأب والعم وأشباههم، فلولا قصر ذوي الفروض علي فرضهم لم يكن في التنصيص علي المقدار فائدة. وحاصله: أن كل من له فرض لا يزاد عنه وكل من لم يفرض له يعطي الجميع. يلاحظ عليه: أولا: بالنقض بورود النقيصة علي ذوات الفروض عند أهل السنة إذا عالت الفرائض علي السهام، كما سيوافيك شرحه فإنهم

يدخلون النقص علي الجميع مثل باب الديون، فربما يكون سهم البنت والا خت أقل من النصف، فإذا جاز النقص فما المانع من الزيادة، بل الأمر في النقصان أولي لأن النقصان ينافي الفرض بخلاف الزيادة عليه بدليل آخر، فإن فيه أعمال الدليلين والأخذ بمفادهما. وثانيا: بالحل إن تحديد الفرض بالنصف إنما يكون لغوا إذا لم تترتب عليه فائدة مطلقا،، ولكنه ليس كذلك لترتب الثمرة عليه فيما إذا كان معه وارث ذو [ صفحه 283] فرض كالا م، فإن كيفية الرد علي الوارثين لا تعلم إلا بملاحظة فرضهما ثم الرد عليهما بحسب تلك النسبة فلو لم يكن سهم البنت والبنتين منصوصا في الذكر الحكيم لما علمت كيفية الرد. وبالجملة: أنه وإن كان لا تظهر للقيد ثمرة إذا كان الوارث هو البنت أو الا خت وحدها، ولكنه ليس كذلك إذا كان معه وارث آخر وهو ذو فرض مثلها كالا م، فإن الرد عليهما يتوقف علي ملاحظة فرضهما ثم الرد بتلك النسبة. وثالثا: أن التصريح بالفرض لأجل التنبيه علي أنها لا تستحق بالذات إلا النصف أو الثلثان، بخلاف الأخ وإنما تأخذ الزائد بعنوان آخر وهو أنه ليس معه وارث مساو بخلاف الابن أو الأخ، فإن كلا يستحق المال كله بالذات. ورابعا: إن المفهوم في المقام أشبه بمفهوم اللقب وهو ليس بحجة فيه. الثاني: قوله سبحانه: - (إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) - (النساء / 176). وجه الاستدلال: أنه سبحانه حكم بتوريث الا خت، نصف ميراث أخيها مع عدم الولد وحكم بتوريث الأخ ميراثها أجمع بدليل قوله تعالي: - (وهو يرثها) - فلو ورثت الا خت

الجميع كما هو مذهبكم لن تبقي للفرق بين الأخ والا خت ثمرة أصلا. الجواب: أن التقييد بالنصف مع أنها ربما ترث الكل لأجل التنبيه، علي أنها لا تستحق بالذات إلا النصف وأن الأصل القرآني هو استحقاق الذكر ضعف سهم الا نثي وهو النصف، وأنها إن ورثت المال كله فإنما هو لأجل طارئة خاصة، علي [ صفحه 284] أن التصريح بالفرض لأجل تبيين ما يتوقف عليه تقسيم الفاضل، بينها وبين من يشاركه في الطبقة كالإخوة أو الأخوات من الا م، فإن الباقي يرد عليهما بنسبة سهامهما فلو لم يكن هناك تحديد بالنصف فمن أين تعلم كيفية الرد. الثالث: قوله تعالي: - (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا - يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) - (مريم 5 - 6). وجه الاستدلال: أن زكريا - عليه السلام - لما خاف أن ترثه العصبة، سأل الله سبحانه أن يهبه وليا حتي يرث المال كله، لا ولية حتي ترث المال نصفه ويرث الموالي الفاضل، ولولا ذلك لما أكد علي كون الولد الموهوب من الله ذكرا، في قوله سبحانه: - (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا - يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) -. يلاحظ عليه: أن المقصود من " وليا " هو مطلق الأولاد ذكرا كان أو أنثي، وذلك علي مساق اطلاق المذكر وإرادة الجنس وهو شائع في القرآن الكريم. مثل قوله سبحانه: - (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) - بشهادة قوله تعالي في آية أخري: - (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع

الدعاء) - (آل عمران / 38). بل يمكن أن يقال إنه طلب ذرية مثل مريم لقوله سبحانه قبل هذه الآية: - (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب - هنالك دعا...) - أي في هذه الحال التي رأي فيها في مريم من الكرامة سأل الله سبحانه أن يرزقه ذرية طيبة [ صفحه 285] (مثل مريم) فلو لم نقل إنه سأل أنثي مثل مريم، ليس لنا أن نقول إنه طلب الذكر. ولو سلمنا أنه طلب الذكر لكنه لم يطلب لأجل أنه لو رزق الا نثي ترثه العصبة وإنما سأله الذكر لمحبة كثيرة له، أو لأنه أولي بالإدارة من الا نثي كما لا يخفي. الرابع: الروايات والآثار الواردة في هذا المجال ولعلها أهم المدارك والمصادر لهذه الفتيا. الرواية الا ولي: رواية عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني (المتوفي عام 132) رواها الشيخان في غير مورد. روي البخاري عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب عن ابن طاووس عن أبيه، عن ابن عباس: قال رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولي رجل ذكر [486] . [ صفحه 286] يلاحظ عليه أولا: الروايات تنتهي إلي عبد الله بن طاووس بن كيساناليماني وقد وثقه علماء الرجال [487] لكن يعارض توثيقهم مع ما ذكره أبو طالب الأنباري [488] في حق هذه الرواية قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري، قال: حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا الحميري، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قاربة بن مضرب قال: جلست عند ابن عباس وهو بمكة،

فقلت: يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه: إن ما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر؟ قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراءك أني أقول: إن قول الله عز وجل: - (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله) - وقوله: - (أولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) - وهل هذه إلا فريضتان وهل أبقتا شيئا، ما قلت هذا، ولا طاووس يرويه علي، قال قاربة بن مضرب: فلقيت طاووسا فقال: لا والله ما رويت هذا علي ابن عباس قط وإنما الشيطان ألقاه علي ألسنتهم، قال سفيان: أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاووس فإنه كان علي خاتم سليمان بن عبد الملك [489] وكان يحمل علي هؤلاء القوم حملا [ صفحه 287] شديدا - أي بني هاشم - [490] . إن سليمان بن عبد الملك الأموي المرواني هو الذي قتل أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي الحنفية بالسم ظلما وخداعا، فكيف يكون حال من يواليهم. وثانيا: أن نسبة الآيات المتقدمة إلي هذه الرواية وإن كان نسبة الاطلاق إلي التقييد، ولكن الاعتماد علي هذه الرواية في تقييد الذكر الحكيم، مما لا يجترئ عليه الفقيه الواعي. إن وراثة العصبة ليست من المسائل التي يقل الابتلاء بها، بل هي مما تعم البلوي بها في عصر النبي وعصور الخلفاء، فلو كان هناك تشريع علي مضمون هذه الرواية لما خفي علي غيره ونقله الآخرون، وقد عرفت أن الأسناد تنتهي إلي عبد الله بن طاووس. وثالثا: أن فقهاء المذاهب أفتوا في موارد علي خلاف مضمون هذا الخبر، وقد أشار إليها فقيه الطائفة الطوسي، نذكر قسما منها. 1

- لو مات وخلف بنتا وأخا وأختا، فقد ذهبوا إلي أن للبنت النصف والنصف الآخر للأخ والا خت - (للذكر مثل حظ الا نثيين) - مع أن مقتضي خبر ابن طاووس أن النصف للبنت أخذا بقوله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " ألحقوا الفرائض بأهلها والنصف الآخر للأخ لأنه أولي رجل ذكر ". 2 - لو أن رجلا مات وترك بنتا، وابنة ابن، وعما، فقد ذهبوا إلي أن النصف للبنت والنصف الآخر لابنة الابن والعم، مع أن مقتضي الخبر أن يكون النصفالآخر للعم وحده لأنه أولي ذكر [491] . [ صفحه 288] قال السيد المرتضي: وفيهم من يذهب فيها إلي أن المراد بها قرابة الميت من الرجال الذين اتصلت قرابتهم به من جهة الرجال كالأخ والعم، دون الا خت والعمة، ولا يجعل للرجال الذين اتصلت قرابتهم من جهة النساء عصبة كإخوة الميت لا مه، وفيهم من جعل العصبة مأخوذة من التعصب والرايات والديوان والنصرة. ومع هذا الاختلاف لا اجماع يستقر علي معناها، علي أنهم يخالفون لفظ هذا الحديث الذي يروونه لأنهم يعطون الا خت مع البنت بالتعصيب وليستبرجل ولا ذكر كما تضمنه لفظ الحديث [492] . إلي غير ذلك من الأحكام التي اتفقوا عليها وهي علي طرف النقيض من الخبر. فإن قلت: فماذا تصنع بالخبر، مع أن الشيخين نقلاه بل نقله غيرهما علي ما عرفت. قلت: يمكن حمل الخبر علي ما لا يخالف اطلاق الكتاب ولا ما أطبق المسلمون عليه وهو أنه وارد في مجالات خاصة: مثلا: 1 - رجل مات وخلف أختين من قبل الا م، وابن أخ، وابنة أخ لأب وأم، وأخا لأب، فالا ختان من أصحاب الفرائض، كلالة الا م،

يعطي لهما الثلث والباقي لأولي ذكر، وهو الأخ لأب. 2 - رجل مات وخلف زوجة وخالا وخالة، وعما وعمة، وابن أخ، فالزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها وهي الربع والباقي يدفع إلي أولي ذكر، وهو ابن الأخ. [ صفحه 289] 3 - رجل مات وخلف زوجة، وأختا لأب، وأخا لأب وأم، فإن الزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها وهي الربع والباقي للأخ للأب والا م، ولا ترث الا خت لأب معه. 4 - امرأة ماتت وخلفت زوجا، وعما من قبل الأب والا م، وعمة من قبل الأب، فللزوج النصف سهمه المسمي وما بقي للعم للأب والا م، ولا يكون للعمة من قبل الأب شئ. إلي غير ذلك من الصور التي يمكن أن ينطبق عليها الخبر. قال السيد المرتضي، ولا عتب إذا قلنا إن الرواية وردت: في من خلف أختين لا م، وابن أخ، وبنت أخ لأب وأم، وأخا لأب فإن الا ختين من الا م فرضهن الثلث وما بقي فلأولي ذكر أقرب وهو الأخ من الأب وسقط ابن الأخ وبنت الأخ، لأن الأخ أقرب منهما. وفي موضع آخر وهو أن يخلف الميت امرأة وعما وعمة، وخالا وخالة، وابن أخ، فللمرأة الربع وما بقي فلأولي ذكر وهو ابن الأخ وسقط الباقون. والعجب أنهم ورثوا الا خت مع البنت عصبة، فان قالوا: من حيث عصبها أخوها، قلنا: فألا جعلتم البنت عصبة عند عدم البنين ويكون أبوها هو الذي يعصبها. وكذلك يلزمهم أن يجعلوا العمة عند عدم العم عصبة في ما توجه لإنجازه وفعله، فإن قالوا: البنت لا تعقل عن أبيها، قلنا: والا خت أيضا لا تعقل عن أخيهافلا تجعلوها عصبة مع البنات [493] . [ صفحه 290]

الرواية الثانية: ما أخرجه الترمذي، وابن ماجة، وأبو داود، وأحمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع، بابنتيها من سعد إلي رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: يقضي الله في ذلك، فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " إلي عمهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك [494] . يلاحظ عليه أولا: أن جابر بن عبد الله نقل نزول الآية في واقعة أخري قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه، من طرق عن جابر بن عبد الله قال: عادني رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " لا أعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش علي فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يارسول الله؟ فنزلت: - (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الا نثيين [495] . ) - واحتمال نزول الآية مرتين، أو كون سبب النزول متعددا كما تري. [ صفحه 291] وثانيا: أن الرواية نقلت بصورة أخري وهي أن الوافدة إلي النبي كانت زوجة ثابت بن قيس بن شماس لا زوجة سعد بن الربيع [496] . وثالثا: أن في سند الرواية من لا

يصح الاحتجاج به وإليك البيان: 1 - عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، والأسانيد في سنن الترمذي وابن ماجة وابن داود، تنتهي إليه. ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة وقال: كان منكر الحديث، لا يحتجون بحديثه وكان كثير العلم، وقال بشر بن عمر: كان مالك لا يروي عنه، وقال يعقوب بن أبي شيبة عن ابن المديني: لم يدخله مالك في كتبه، قال يعقوب: وابن عقيل صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدا، وكان ابن عيينة يقول: أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره فيهم، وقال ابن المديني عن ابن عيينة: رأيته يحدث نفسه فحملته علي أنه قد تغير، إلي غير ذلك من الكلمات الجارحة التي تسلب ثقةالفقيه بحديثه [497] . 2 - الراوي عنه في سنن الترمذي هو عبيد بن عمرو البصري الذي ضعفهالأزدي وأورد له ابن عدي حديثين منكرين وضعفه الدارقطني ووثقه ابن حبان [498] . 3 - الراوي عنه في سنن أبي داود: بشر بن المفضل، قال ابن سعد: كان ثقة [ صفحه 292] كثير الحديث عثمانيا [499] . إلي غير ذلك من رجال في الأسانيد، مرميين بأمور لا يحتج معها. الرواية الثالثة: روي الأسود بن يزيد قال: " أتانا معاذ بن جبل باليمن معلما وأميرا، فسألناه عن رجل توفي وترك ابنة وأختا؟ فقضي: أن للابنة النصف، وللا خت النصف. ورسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " حي [500] . وفي لفظ أبي داود: أن معاذ بن جبل ورث أختا وابنة، جعل لكل واحدة منهما النصف، وهو باليمن، ونبي الله يومئذ حي [501] . والأثر يتضمن عمل الصحابة وهو ليس بحجة إلا إذا أسند إلي المعصوم. والرجوع

إلي الآثار الواردة عن الصحابة في مجال الفرائض يعرب عن أنه لم يكن عندهم إحاطة بأحكام الفرائض، بل كل كان يفتي حسب معايير ومقاييس يتخيلها صحيحة. ويكفي في ذلك اختلاف أبي موسي الأشعري مع ابن مسعود في رجل ترك بنتا وأختا وابنة ابن. روي البخاري: سئل أبو موسي عن ابنة وابنة ابن، وأخت؟ فقال: للابنة النصف، وللا خت النصف وأت ابن مسعود فسيتابعني، قال: سئل ابن مسعود [ صفحه 293] وأخبر بقول أبي موسي فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضي النبي " صلي الله عليه وآله وسلم ": للابنة النصف، ولابنة ابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللا خت، فأتينا أبا موسي فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم [502] .

مضاعفات القول بالتعصيب

ثم إنه يلزم علي القول بالتعصيب أمور يأباها الطبع ولا تصدقها روح الشريعة نأتي بنموذج واحد: لو كان للميت عشر بنات وابن، يأخذ الابن السدس، وتأخذ البنات خمسة أسداس، وذلك أخذا بقوله سبحانه: - (للذكر مثل حظ الا نثيين) -. لو كان له مكان الابن، ابن عم للميت، فللبنات فريضتها وهي الثلثان، والباقي أي الثلث لابن العم. فيكون الابن أسوأ من ابن العم. قال السيد المرتضي: فإذا تبين بطلان القول بالتعصيب يظهر حكم كثير من المسائل، منها: فمن هذه المسائل أن يخلف الرجل بنتا وعما فعند المخالف أن للبنت النصف والباقي للعم بالعصبة، وعندنا أنه لاحظ للعم والمال كله للبنت بالفرض والرد، وكذلك لو كان مكان العم ابن عم، وكذلك لو كان مكان البنت ابنتان، ولو خلف الميت عمومة وعمات أو بني عم وبنات عم فمخالفنا يورث [ صفحه 294] الذكور من

هؤلاء دون الإناث لأجل التعصيب، ونحن نورث الذكور والإناث.ومسائل التعصيب لا تحصي كثرة [503] . يقول المحقق محمد جواد مغنية: إن الإنسان أرأف بولده منه بإخوته، وهو يري أن وجود ولده ذكرا أو أنثي امتداد لوجوده، ومن هنا رأينا الكثير من أفراد الا سر اللبنانية الذين لهم بنات فقط يبدلون مذهبهم من التسنن إلي التشيع، لا لشئ إلا خوفا أن يشترك مع أولادهم الإخوان أو الأعمام. ويفكر الآن، الكثير من رجال السنة بالعدول عن القول بالتعصيب، والأخذ بقول الإمامية من ميراث البنت تماما كما عدلوا عن القول بعدم صحة الوصية للوارث، وقالوا بصحتها كما تقول الإمامية، علي الرغم من اتفاق المذاهب عليعدم الصحة [504] . [ صفحه 295]

حكم الفرائض إذا عالت

اشاره

إذا كانت الوراثة بالتعصيب، تجري عند نقص الفرائض عن استيعاب التركة، فالعول يعني زيادة الفرائض عليها وهو مأخوذ من " عال يعول عولا ": إذا زادت، أو من العول بمعني الميل، ومنه قوله سبحانه: - (ذلك أن لا تعولوا) - (النساء / 3). وكأن الفريضة عايلة لميلها بالجور علي أهل السهام بإيراد النقص عليهم، أو من العول بمعني الارتفاع يقال: عالت الناقة ذنبها: إذا رفعته، لارتفاع الفريضة بزيادة السهام. وعلي كل تقدير فمورد العول علي طرف النقيض من مورد التعصيب. إن مسألة العول أي زيادة الفرائض علي سهام التركة، من المسائل المستحدثة التي لم يرد فيها نص عن رسول الله، وقد ابتلي بها عمر بن الخطاب عندما ماتت امرأة في عهده وكان لها زوج وأختان فجمع الصحابة فقال لهم: فرض الله تعالي للزوج النصف، وللا ختين الثلثين، فإن بدأت للزوج لم يبق للا ختين حقهما، وإن بدأت للا ختين لم يبق للزوج حقه فأشيروا علي، فاتفق

رأي أكثرهم [505] علي العول أي إيراد النقص علي الجميع من دون تقديم ذي فرض علي [ صفحه 296] آخر، وخالف ابن عباس وقال: إن الزوجين يأخذان تمام حقهما ويدخل النقص علي البنات. ومن ذلك العصر صار الفقهاء علي فرقتين، فالمذاهب الأربعة وما تقدمها من سائر المذاهب الفقهية قالوا بالعول، والشيعة الإمامية، تبعا للإمام علي وتلميذه ابن عباس علي خلافه، فهم علي إيراد النقص علي البعض دون بعض من دون أن يكون عملهم ترجيحا بلا مرجح. وخلاصة مذهب الشيعة الإمامية: أن المال إذا ضاق عن سهام الورثة قدم ذوو السهام المؤكدة المذكورة من الأبوين والزوجين علي البنات، والأخوات من الا م علي الأخوات من الأب والا م أو من الأب، وجعل الفاضل عن سهامهم لهن، وذهب ابن عباس - رحمة الله عليه - إلي مثل ذلك، وقال به أيضا عطاء بن أبي رياح. وحكي فقهاء السنة هذا المذهب عن محمد بن علي بن الحسين الباقر - صلوات الله عليهم - ومحمد بن الحنفية - رضي الله عنه - وهو مذهب داود بن علي الأصبهاني، وقال باقي الفقهاء: إن المال إذا ضاق عن سهام الورثة قسم بينهم علي قدر سهامهم، كما يفعل ذلك في الديون والوصايا إذا ضاقت التركة عنها، والذي يدل علي صحة ما نذهب إليه اجماع الطائفة عليه، فإنهم لا يختلفون فيه،وقد بينا أن اجماعهم حجة [506] . قال الشيخ الطوسي: " العول عندنا باطل فكل مسألة تعول علي مذهب المخالفين فالقول عندنا [ صفحه 297] فيها بخلاف ما قالوه ". وبه قال ابن عباس وأدخل النقص علي البنات، وبنات الابن، والأخوات للأب والا م، أو للأب. وبه قال محمد بن الحنفية، ومحمد بن

علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب - عليهم الصلاة والسلام - وداود بن علي. وأعالها جميع الفقهاء " [507] . ولأجل إيضاح مذهب العول، لا بأس بالإشارة إلي مسألة من مسائل العولالمعروفة بأم الفروخ [508] ونكتفي بعناوين الوارثين روما للاختصار: 1 - زوج وأختان: للزوج النصف أي ثلاثة من ستة، وللا ختين الثلثان أي أربعة منها. ومن المعلوم أن المال ليس فيه نصف وثلثان فلو أخذ من الست، النصف، لا يفي الباقي بالثلثين وهكذا العكس فتعول السهام إلي السبعة (3 + 4 = 7). فالقائل بالعول يقسم التركة إلي سبعة سهام، مكان الستة فيعطي للزوج ثلاثة سهام، وللا ختين أربعة سهام لكن من السبعة، وبذلك يدخل النقص علي الجميع، فلا الزوج ورث النصف الحقيقي ولا الا ختان، الثلثين، بل أخذ كل أقل من سهمه المقرر. 2 - تلك الصورة ومعهما أخت واحدة من الا م فريضتها السدس، ومن المعلوم أن التركة لا تفي بالنصف والثلثين والسدس، فتعول التركة إلي ثمانية سهام [ صفحه 298] وذلك (3 + 4 + 1 = 8). فالقائل بالعول يورد النقص علي الجميع، فيقسم المال إلي ثمانية سهام، فيعطي للزوج ثلاثة. وللا ختين أربعة، وللا خت من الا م واحدا، ولكن الكل من ثمانية أجزاء، فلا الزوج نال النصف، ولا الا ختان الثلثين، ولا الا خت من الا م، السدس. 3 - تلك الصورة ومعهم أخ من أم وفريضته أيضا السدس فتعول الفريض إلي تسعة وذلك (3 + 4 + 1 + 1 = 9). فيعطي للزوج ثلاثة، وللا ختين أربعة، ولكل من الا خت والأخ من الا م واحد لكن من تسعة أسهم، لا من ستة سهام، ولا

يمتع الزوج بالنصف، ولا الا ختان بالثلثين، ولا الا خت والأخ من الا م بالثلث إلا لفظا. وإنما سميت أم الفروخ لأنها تعول بوتر، وتعول بالشفع أيضا. وهناك مسألة أخري معروفة باسم المسألة المنبرية، وهي التي سئل عنها الإمام علي - عليه السلام - وهو علي المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وزوجة؟ فقال الإمام - عليه السلام -: صار ثمن المرأة تسعا، ومراده: أنه علي الرأي الرائج، صار سهمها تسعا. وذلك لأن المخرج المشترك للثلثين والسدس والثمن هو عدد (24) فثلثاه (16) وسدساه (8) وثمنه (3) وعند ذلك تعول الفريضة إلي (27) سهما، وذلك مثل (16 + 8 + 3 = 27). فالقائل بالعول، يورد النقص علي جميع أصحاب الفروض، فيعطي [ صفحه 299] لأصحاب الثلثين (16) سهما وللأبوين (8) سهام، وللزوجة (3) سهام، من (27)، بدل اعطائهم بهذا المقدار من (24) سهما، والزوجة وإن أخذت (3) سهام، لكن لا من (24) سهما حتي يكون ثمنا واقعيا، بل من (27) وهو تسع التركة التي هي (24)سهما في الواقع [509] . هذه هي نظرية العول وبيانها بوجه سهل غير مبتن علي المحاسبات الدقيقةوإن كان بيانه علي ضوئها أتقن وأدق، فلنذكر أدلة [510] القائلين به. ويظهر من السيد المرتضي أن القائلين بالعول ربما يوافقون الإمامية في بعض الصور، كامرأة ماتت وخلفت بنتين وأبوين وزوجا، والمال يضيق عن الثلثين والسدسين والربع فنحن بين أمور: إما أن ندخل النقص علي كل واحد من هذه السهام أو ندخله علي بعضها، وقد أجمعت الا مة علي أن البنتين هاهنا منقوصتان بلا خلاف، فيجب أن نعطي الأبوين السدس والزوج الربع، ويجعل مابقي للابنتين، ونخصهما

بالنقص لأنهما منقوصتان بالإجماع [511] .

ادلة القائلين بالعول

استدل القائلون بالعول بوجوه: 1 - إن الديان يقتسمون المال علي تقدير قصوره عن دينهم بالحصص، وكذلك الوراث، والجامع الاستحقاق للمال. [ صفحه 300] يلاحظ عليه: أنه قياس مع الفارق فان الدين يتعلق بالذمة، والتركة كالرهن عند الدائن، وبعبارة أخري: تعلق الدين بعين المال تعلق استحقاق لا تعلق انحصار، فلو لم يؤدوا حق الغرماء فلهم مصادرة التركة واستيفاء طلبهم من باب التقاص، ولو قاموا بالتأدية من غير التركة فليس لهم أي اعتراض ولأجل ذلك ليس بمحال أن يكون لرجل علي رجل ألف، ولآخر ألفان، ولثالث عشرة آلاف وإن صار الدين أضعاف التركة، لأن المديون أتلف مال الغير بالاستقراض والصرف، فصار مديونا بما أتلف، كان بمقدار ماله أو أزيد أو أنقص فلا اشكال في تعلق أضعاف التركة بالذمة لأنها تسع أكثر من ذلك. وأما سهام الإرث فإنها انما تتعلق بالتركة والأعيان الموروثة، ومن المحال أن يكون للمال نصف، ونصف وثلث، فامتلاك الورثة من التركة بقدر هذه الفروض أمر غير معقول، فلابد أن يكون تعلقها بشكل آخر تسعها التركة. بأن لا يكون لبعض أدلة الفروض اطلاق يعم حالي الانفراد والاجتماع حتي لا يستلزم المحال، وسيوافيك بيان ماله اطلاق لحال الاجتماع مع سائر الفروض وما ليس له اطلاق. وقد فصل أصحابنا في نقد هذا الدليل وجوها وما ذكرناه أتقن. قال المرتضي: ما يقولونه في العول أن الديون إذا كانت علي الميت ولم تف تركته بالوفاء بها، فإن الواجب القسمة للمال علي أصحاب الديون بحسب ديونهم من غير إدخال النقص علي بعضهم، وذلك أن أصحاب الديون مستوون في وجوب استيفاء أموالهم من تركة الميت، وليس لأحد مزية علي الآخر في ذلك، فإن

اتسع المال لحقوقهم استوفوها، فإن ضاق تساهموه وليس كذلك مسائل العول، لأنا قد بينا أن بعض الورثة أولي بالنقص من بعض، وأنهم غير [ صفحه 301] مستويين كاستواء أصحاب الديون فافترق الأمران [512] . 2 - إن التقسيط مع القصور واجب في الوصية للجماعة فالميراث كذلك، والجامع بينهما استحقاق الجميع التركة، فلو أوصي لزيد بألف، ولعمرو بعشرة آلاف، ولبكر بعشرين ألفا، وضاق ثلثه عن القيام بالجميع يورد النقص علي الجميع حسب سهامهم. يلاحظ عليه: أن الحكم ليس بمسلم في المقيس عليه حتي يستظهر حال المقيس منها. بل الحكم فيه أنه يعطي الأول فالأول إلي أن يبقي من المال شئ ويسقط من لم يسعه الثلث، لأنه أوصي بشئ لم يملكه فتكون وصيته باطلة. نعم لو ذكر جماعة ثم سمي، كما إذا قال: زيد وعمرو وبكر لكل واحد ألف، فعجز عنه مقدار ما ترك، فلا شك أنه يدخل النقص علي الجميع والفارق بينه وبين المقام هو تصريح الموصي بالعول، ولو ورد التصريح به في الشريعة - وأغضينا عما سيوافيك - يجب اتباعه فكيف يقاس، ما لم يرد فيه التصريح بما ورد. 3 - إن النقص لابد من دخوله علي الورثة علي تقدير زيادة السهام أما عند العائل فعلي الجميع وأما عند غيره فعلي البعض لكن هذا ترجيح من دون مرجح. يلاحظ عليه: أن رفع الأمر المحال بإيراد النقص علي الجميع فرع احراز صحة أصل تشريعه، وأنه يصح أن يتملك شخص نصف المال، وآخر نصفه الآخر، وثالث ثلثه، وقد عرفت أنه غير صحيح وأن المال لا يتحمل تلك الفروض، ومع عدم صحة تشريعه لا تصل النوبة إلي احتمال ورود النقص علي [ صفحه 302] الجميع، وتصويره بصورة العول،

وإيراد النقص علي الجميع رجوع عن الفرض، واعتراف بأنه ليس فيه نصفان وثلث. كما سيظهر عند بيان أدلة القائلين ببطلانه. أضف إلي ذلك وجود المرجح الذي أشار إليه الإمام أمير المؤمنين وتلميذه ابن عباس وسيأتي كلامهما. وكلام العترة الطاهرة. 4 - ما رواه أبو طالب الأنباري [513] باسناده عن سماك عن عبيدة السلماني، قال: كان علي - عليه السلام - علي المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه، وأبويه وزوجة؟ فقال علي - عليه السلام -: صار ثمن المرأة تسعا. قالوا: إن هذا صريح في العول لأنكم قد قلتم إنها لا تنقص عن الثمنوقد جعل - عليه السلام - ثمنها تسعا [514] . وذيله دال علي أن الإمام ذكره مجاراة للرأي السائد في ذلك العصر وإلا فمن يجهل بأن الإمام وعترته الطاهرة وخريجي منهجهم ينكرون العول بحماس. وإليك الذيل: قلت لعبيدة: وكيف ذلك؟ قال: إن عمر بن الخطاب وقعت في امارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع وقال: للبنتين الثلثان، وللأبوين السدسان، وللزوجة الثمن. قال: هذا الثمن باق بعد الأبوين والبنتين، فقال له أصحاب محمد " صلي الله عليه وآله وسلم ": اعط هؤلاء فريضتهم، للأبوين السدس، وللزوجة الثمن، [ صفحه 303] وللبنتين ما يبقي، فقال: فأين فريضتهما الثلثان؟ فقال له علي بن أبي طالب - عليه السلام -: لهما ما يبقي. فأبي ذلك عمر وابن مسعود فقال علي - عليه السلام -: علي ما رأي عمر. قال عبيدة: وأخبرني جماعة من أصحاب علي - عليه السلام - بعد ذلك في مثلها أنه أعطي للزوج الربع، مع الابنتين، وللأبوين السدسين والباقي رد علي البنتين وذلك هو الحق وإن أباه قومنا

[515] . ويستفاد من الحديث أولا: أن عليا وأصحاب النبي إلا شخصين كانوا يرون خلاف العول، وأن انتشاره لكون الخليفة يدعم ذلك آنذاك. وثانيا: أن الإمام عمل في واقعة برأيه وأورد النقص علي البنتين فقط، وعلي ذلك يكون المراد من قوله، فقال علي - عليه السلام -: علي ما رأي عمر، هو المجاراة والمماشاة، وإلا يصير ذيل الحديث مناقضا له. إلي هنا تمت دراسة أدلة القائلين بالعول. فلنذكر أدلة المنكرين.

ادلة القائلين ببطلان العول

1 - يستحيل أن يجعل الله تعالي في المال نصفين وثلثا، أو ثلثين ونصفا ونحو ذلك مما لا يفي به وإلا كان جاهلا أو عابثا تعالي الله عن ذلك. 2 - أن القول بالعول يؤدي إلي التناقض والإغراء بالجهل، أما التناقض فقد بينا عند تفصيل القول بالعول أنه إذا مات وترك أبوين وبنتين وزوجا، وقلنا: إن فريضتهم من اثني عشر، فمعني ذلك أن للأولين أربعة من اثني عشر، وللثانيتين، [ صفحه 304] ثمانية من اثني عشر، وللزوج ثلاثة من اثني عشر، فإذا أعلناها إلي خمسة عشر فأعطينا الأبوين أربعة من خمسة عشر وللبنتين ثمانية من خمسة عشر، وللزوج ثلاثة من خمسة عشر، فقد دفعنا للأبوين (مكان الثلث) خمسا وثلثه، وإلي الزوج (مكان الربع) خمسا، وإلي الابنتين (مكان الثلثين) ثلثا وخمسا وذلك نفس التناقض. وأما الاغراء بالجهل، فقد سمي الله سبحانه، الخمس وثلثه باسم الثلث، والخمس باسم الربع، وثلثا وخمسا باسم الثلثين [516] . والأولي أن يقرر الدليلان بصورة دليل واحد، مؤلف من قضية حقيقية بأن يقال: إذا جعل الله سبحانه في المال نصفين وثلثا، فأما أن يجعلها بلا ضم حلول - مثل العول - إليه، فيلزم كونه سبحانه جاهلا أو عابثا تعالي عن ذلك،

وأما أن يجعل مع النظر إلي حلول مثل العول، فيلزم التناقض بين القول والعمل والإغراء مع كونه قبيحا. 3 - أنه يلزم علي القول بالعول تفضيل النساء علي الرجال في موارد ومن المعلوم أنه يخالف الشريعة الإسلامية، منها ما يلي: 1 - إذا خلفت زوجا وأبوين وابنا. 2 - إذا خلفت زوجا وأختين لا م، وأخا لأب. بيان الملازمة: أنه لو خلفت المرأة زوجا وأبوين، فعلي ظاهر النصوص، [ صفحه 305] يدفع إلي الزوج النصف أي ثلاثة من ستة، وللا م اثنان من ستة، والباقي وهو الواحد للأب، ولكن المذاهب لم تعمل بظاهر النصوص لاستلزامه تفضيل النساء علي الرجال. ولكنه يلزمهم التفضيل في الموردين المتقدمين علي القول بالعول بالبيان التالي. أنهم التزموا في المورد الأول بدفع الربع إلي الزوج والسدسين للأبوين والباقي (وهو خمسة أسهم من اثني عشر) للابن. وفي المورد الثاني يدفع إلي الزوج النصف وإلي الا ختين الثلث، والباقي وهو الواحد إلي الأخ لأب بلا عول. ولكن: لو كان بدل الابن بنتا وبدل الأخ أختا لأب فهما تأخذان أكثر من الذكر. وذلك لاستلزامهما العول في كلتا الصورتين وورود النقص علي الجميع، وإن شئت التوضيح فلاحظ التعليقة [517] .

ما هي الحلول لهذه المشكلة

كان الإمام علي يندد القول بالعول ويقول: " إن الذي أحصي رمل عالج يعلم أن السهام لا تعول علي ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة " [518] وقد تضافر القول [ صفحه 306] " السهام لا تعول " عن أئمة أهل البيت [519] . وقد جاء تفصيل تاريخ العول في رواية ابن عباس وبيان الحلول التي لجأ إليها تلميذ الإمام في رواية عبيد الله بن عبد الله وإليك نصها: " جالست ابن عباس

فعرض ذكر الفرائض في المواريث فقال ابن عباس: سبحان الله العظيم أترون أن الذي أحصي رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري: فمن أول من أعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لما التفت الفرائض عنده ودفع بعضها بعضا فقال: والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص، فأدخل علي كل ذي سهم ما دخل عليه من عول الفرائض، و أيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة. فقال له زفر: وأيها قدم وأيها أخر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا إلي فريضة فهذا ما قدم الله. وأما ما أخر: فلكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلا ما بقي، فتلك التي أخر. فأما الذي قدم: فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلي الربع لا يزيله عنه شئ، والزوجة لها الربع، فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلي الثمن لا يزيلها عنه شئ، والا م لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلي السدس، ولا [ صفحه 307] يزيلها عنه شئ، فهذه الفرائض التي قدم الله. وأما التي أخر: ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان، فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي، فتلك التي أخر، فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم الله فأعطي حقه كاملا، فإن بقي شئ كان لمن أخر، وإن لم يبق شئ فلا شئ له " [520] . فقد جاء في كلام

ابن عباس ذكر الطوائف الذين لا يدخل بهم النقص وهم عبارة عن: 1 - الزوج. 2 - الزوجة. 3 - الام، وهؤلاء يشاركون في أنهم لا يهبطون عن فريضة إلا إلي فريضة أخري وهذا آية أن سهامهم محدودة لا تنقص. وكان عليه أن يذكر الأخ والا خت من أم، لأنهم أيضا لا يهبطون من سهم (الثلث) إلا إلي سهم آخر وقد جاء الجميع في كلام الإمام أمير المؤمنين. روي أبو عمر العبدي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: الفرائض من ستة أسهم: الثلثان أربعة أسهم، والنصف ثلاثة أسهم، والثلث سهمان، والربع سهم ونصف، والثمن ثلاثة أرباع سهم، ولا يرث مع الولد إلا الأبوان والزوج والمرأة، ولا يحجب الا م عن الثلث إلا الولد والإخوة، ولا يزاد الزوج عن النصف ولا ينقص من الربع، ولا تزاد المرأة علي الربع ولا تنقص عن الثمن، وإن كن أربعا أو دون ذلك فهن فيه سواء، ولا تزاد الإخوة من الا م علي الثلث ولا ينقصون من السدس وهم فيه سواء الذكر والا نثي، ولا يحجبهم عن الثلث إلا الولد، والوالد، والدية تقسم علي من [ صفحه 308] أحرز الميراث [521] . نعم روي أبو بصير عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: أربعة لا يدخلعليهم ضرر في الميراث: الوالدان، والزوج، والمرأة [522] وبما أن المراد من المرأة هي الزوجة فلابد من تقييد الرواية بكلالة الا م. فإذا كان هؤلاء من قدمهم الله ولا يزيد عليهم النقص، فيكون من أخره الله عبارة عن البنت أو البنتين أو من يتقرب بالأب والا م أو بالأب من الا خت أو الأخوات. روي محمد بن مسلم عن أبي جعفر

- عليه السلام - قال: قلت له: ما تقول في امرأة تركت زوجها وإخوتها لا مها وإخوة وأخوات لأبيها؟ قال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، ولإخوتها من أمها الثلث سهمان الذكر والا نثي فيه سواء، وما بقي سهم للإخوة والأخوات من الأب: - (للذكر مثل حظ الا نثيين) - لأن السهام لا تعول ولأن الزوج لا ينقص من النصف، ولا الإخوة من الا م من ثلثهم فإن كانوا أكثر منذلك فهم شركاء في الثلث [523] . وورد تعبير لطيف في رواية الصدوق في عيون الأخبار: عن الرضا - عليهالسلام - في كتابه إلي المأمون وهو أنه " وذو السهم أحق ممن لا سهم له " [524] .

ما الفرق بين البنت و كلالة الام

بقي الكلام في عد البنت والبنات والا خت والأخوات، ممن يدخل عليهم النقص دون الا خت والأخ من الا م، مع أن الطوائف الثلاث علي وتيرة واحدة. [ صفحه 309] فللبنت والبنات: النصف والثلثان، وللا خت والأخوات: النصف والثلثان، ولكلالة الا م: الثلث والسدس. فما هو الفارق بين الطائفة الثالثة والا وليين؟ يتضح الجواب ببيان أمر: وهو دخول الأخ في كلالة الا م، لا يخرجها عن كونها وارثة بالفرض، فالواحد منها سواء كان ذكرا أم أنثي له السدس، وغير الواحد، سواء كانوا ذكرا أم أنثي، أو ذكرا وأنثي لهم الثلث يقتسمون بالمناصفة. وهذا بخلاف الطائفتين الا وليين فللبنت والا خت المنفردتين النصف، ولأزيد من الواحدة الثلثان، ولو انضم إليهما الأخ فللذكر مثل حظ الا نثيين في الطائفتين، أي لا يرثن بالفرض بل بالقرابة. وعلي ذلك وكلالة الا م مطلقا وارثة بالفرض لا ترث إلا به، بخلاف البنت وأزيد، أو الا خت وأزيد، فربما يرثن بالقرابة وذلك فيما إذا

انضم إليهن الأخ. إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: إن كلالة الا م، ترث بالفرض مطلقا كان معهم ذكر أو لا، تفردت من الطبقة بالإرث أو لا، فلو لم يكن وارث سواها ترث الثلث فرضا والباقي ردا. ولا ينقص حظهم في صورة من الصور لو لم يزد عند الرد، وهذا آية عدم ورود النقص عند التزاحم. وبالجملة: لا نري فيهم أي إزالة من الفرض في حال من الحالات ولا ورود نقص عليهم عند تطور الأحوال. وهذا بخلاف البنت والا خت فلو دخل فيهم: الأخ، يتغير الفرض من النصف أو الثلثين، إلي مجموع ما ترك بعد دفع سهام الآخرين كالوالدين، أو كلالة الا م، ثم يقتسمون بالتثليث وتنقص حظوظ البنت أو [ صفحه 310] البنات أو الا خت والأخوات عن النصف والثلثين بكثير، وهذا آية جواز دخول النقص عليهم عند التزاحم. وبعبارة أخري: أن كلالة الا م ترث دائما بالفرض حتي فيما إذا تفردت، وأما الطائفتان الا وليان فإنما ترثان بالفرض تارة كما إذا لم يكن بينهم أخ، وأخري بالقرابة فقط كما إذا انضم الأخ إليهن. وأيضا: كلالة الا م لا يرد عليها النقص ولا ينقص حظهم عن الثلث والسدس، بخلاف الأخيرتين فينقص حظهما عن النصف والثلثين. ولعله إلي ما ذكرنا من التوضيح يشير صاحب الجواهر بقوله: " دون من يتقرب بالا م الذي لا يرث إلا بالفرض، بخلاف غيره فإنه يرث به تارة وبالقرابة أخري كالبنت والبنتين، اللتين ينقصن إذا اجتمعن مع البنين عن النصف أو الثلثينبنص الآية لأن للذكر حينئذ مثل حظ الا نثيين " [525] . وقال العاملي: " ويدخل النقص علي البنت والبنات لأنهن إذا اجتمعن مع البنين ربما نقصن عن العشر أو

نصفه لنص الآية - (للذكر مثل حظ الا نثيين) - وكذاالحال في الإخوة والأخوات من قبل الأب أو من قبلهما " [526] . قال المحقق: يكون النقص داخلا علي الأب أو البنت أو البنتين أو من يتقرب بالأب والا م أو بالأب من الا خت والأخوات دون من يتقرب بالا م، ولميذكر العلامة في القواعد [527] " الأب " وهو الصحيح لأن الكلام في المقام هو زيادة [ صفحه 311] الفروض علي التركة، فيقع الكلام في تقديم بعض أصحاب الفروض علي بعض، وأما الوارث الذي ليس بصاحب فرض وإن كان في جنب ذيه فهو خارج عنمحل البحث، والأب كذلك لأنه مع الولد للميت لا ينقص فرضه عن السدس [528] . ومع عدمه ليس ذا فرض بخلاف الا م فإنها من ذوات الفروض مطلقا. وليعلم أن عامل العول هو الزوج أو الزوجة إذا اجتمع أحدهما مع البنت أو البنات، أو مع الا خت أو الأخوات من قبل الأبوين أو لأب، وإلا لما يلزم العول. وعلي ذلك: 1 - فلو خلفت زوجا وأبوين وبنتا، يختص النقص بالبنت بعد الربع والسدس. 2 - لو خلفت زوجا وأحد الأبوين وبنتين، يختص النقص بهما بعد الربع والسدسين. 3 - لو خلف زوجة وأبوين وبنتين، يختص النقص بهما بعد الثمن والسدسين. 4 - لو خلفت زوجا مع كلالة الا م وأختا أو أخوات لأب وأم أو لأب، يدخل النقص بالا خت أو الأخوات بعد النصف والسدس إن كانت الكلالة واحدة أو الثلث إن كانت متعددة. [ صفحه 312]

بقيت هنا نكات نذكرها

1 - إن الآثار المروية عن ابن عباس تشهد علي أن حبر الا مة كان قاطعا ببطلان العول علي حد كان مستعدا

للمباهلة. قال ابن قدامة: روي عن ابن عباس أنه قال في زوج وأخت وأم: من شاء باهلته أن المسائل لا تعول، إن الذي أحصي رمل عالج عددا، أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا، هذان نصفان ذهبابالمال فأين موضع الثلث؟ فسميت هذه المسألة، مسألة المباهلة لذلك [529] . 2 - إن فقيه المدينة: الزهري كان يستحسن فتوي ابن عباس ويقول: إنها الحجة لولا أنه تقدم عليه عمر بن الخطاب. روي الشيخ في الخلاف عن عبيد الله بن عبد الله وزفر بن أوس البصري أنهما سألا ابن عباس: من أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب، قيل له: هلا أشرت به عليه؟ قال: هبته وكان أمره مهيبا، قال الزهري: لولا أنه تقدم ابن عباس، امام عدل وحكم به وأمضاه وتابعه الناس علي ذلك لما اختلف علي ابنعباس اثنان [530] . إن موسي جار الله قد أطنب الكلام في مسألة " العول " إلي حد ممل جدا وأخذ يجتر كلاما واحدا، وحصيلة كلامه: يغلب علي ظني أن القول بأن لا عول عند الشيعة، قول ظاهري فإن العول هو النقص فإن كان النقص في جميع السهام [ صفحه 313] بنسبة متناسبة، فهو العول العادل أخذت به الا مة وقد حافظت علي نصوص الكتاب، وإن كان النقص في سهم المؤخر، فهو العول الجائر أخذت به الشيعةوخالفت به نصوص الكتاب [531] . يلاحظ عليه: 1 - أن المعني المناسب للعول في المقام هو الارتفاع أو الميل إلي الجور، وتفسيره بالنقص - لو افترضنا صحة استعماله فيه - غير مناسب جدا، لظهور ارتفاع الفرائض عن سهام التركة، وارتفاعها وإن كان ملازما لنقص التركة عن الإجابة لجميع الفروض، لكن

ينظر إلي المسألة من زاوية ارتفاع الفرائض دون نقصان سهام التركة ولأجل ذلك يقول ابن عباس: " وأيم الله لو قدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله ما عالت فريضة " ومن المعلوم عدم صحة تفسيره ب " وما نقصت الفريضة ". 2 - سلمنا أن العول بمعني النقص لكن رمي الشيعة بأنهم يقولون به حيث إنهم يوردون النقص علي المؤخر، غفلة من نظرهم، فان النقص إنما يتصور إذا كان المؤخر ذا فرض، ولكنه عندهم ليس بذي فرض بل يرث بالقرابة كسائر من يرثون بها وعندئذ لا يصدق النقص أبدا في هذه الحالة. يشهد بذلك كلام ابن عباس حيث يفسر المقدم بأنه ممن له فرضان، والمؤخر بأنه ممن ليس له إلا فرض واحد وهو في غير هذا المورد: حيث قال في جواب " زفر " الذي سأله عمن قدمه ومن أخره؟ فقال: والذي أهبطه من فرض إلي [ صفحه 314] فرض فذلك الذي قدمه، والذي أهبطه من فرض إلي ما بقي فذلك الذي أخرهالله [532] وبعبارة أخري: إن الذي أخره الله لم يجعل له حقا مفروضا في حالة التزاحم والاجتماع فيرث ما بقي، وليس هو بذي فرض في هذا الفرض لكونه وارثا بالقرابة. وبذلك تبين أنه لا عول عند الشيعة بالمعني المصطلح عند الفقهاء. 3 - ما ذكره من أن السنة حافظت علي نصوص الكتاب ولكن الشيعة بإدخال النقص علي المؤخر خالفت نصوصه، من أعاجيب الكلام، فإذا كان في دخول النقص علي المؤخر (علي وجه المسامحة) مخالفة لظاهر الكتاب ففي دخولها علي الجميع مخالفة مضاعفة، فقد عرفت في ما سبق أن من فرض الله له النصف أعطوه أقل منه، ومن فرض له الثلثان أعطوه

أقل منهما. فكيف لا يكون فيه مخالفة [533] . [ صفحه 315]

التقية

اشاره

التقية من المفاهيم القرآنية التي وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وفي تلك الآيات إشارات واضحة إلي الموارد التي يلجأ فيها المؤمن إلي استخدام هذا المسلك الشرعي خلال حياته أثناء الظروف العصيبة، ليصون بها نفسه وعرضه وماله، أو نفس من يمت إليه بصلة وعرضه وماله، كما استعملهامؤمن آل فرعون لصيانة الكليم عن القتل والتنكيل [534] ولاذ بها عمار عندما أخذ وأسر وهدد بالقتل [535] إلي غير ذلك من الموارد الواردة في الكتاب والسنة، فمن المحتم علينا أن نتعرف عليها، مفهوما وغاية ودليلا وحدا، حتي نتجنب الافراط والتفريط في مقام القضاء والتطبيق. [ صفحه 316] إن التقية، اسم ل " إتقي يتقي " [536] والتاء بدل من الواو، وأصله من الوقاية، ومن ذلك اطلاق التقوي علي إطاعة الله، لأن المطيع يتخذها وقاية من النار والعذاب. والمراد هو التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق.

مفهومها

إذا كانت التقية هي اتخاذ الوقاية من الشر، فمفهومها في الكتاب والسنة هو: إظهار الكفر وإبطان الإيمان، أو التظاهر بالباطل وإخفاء الحق. وإذا كان هذا مفهومها، فهي تقابل النفاق، تقابل الإيمان والكفر، فإن النفاق ضدها وخلافها، فهو عبارة عن إظهار الإيمان وابطان الكفر، والتظاهر بالحق وإخفاء الباطل، ومع وجود هذا التباين بينهما فلا يصح عدها من فروع النفاق. نعم: من فسر النفاق بمطلق مخالفة الظاهر للباطن، وبه صور التقية - الواردة في الكتاب والسنة - من فروعه، فقد فسره بمفهوم أوسع مما هو عليه في القرآن، فإنه يعرف المنافقين بالمتظاهرين بالإيمان والمبطنين للكفر بقوله تعالي: - (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهدإن المنافقين لكاذبون) - [537] فإذا

كان هذا حد المنافق فكيف يعم من يستعمل التقية تجاه الكفار والعصاة فيخفي إيمانه ويظهر الموافقة لغاية صيانة النفس والنفيس، [ صفحه 317] والعرض والمال من التعرض؟! ويظهر صدق ذلك إذا وقفنا علي ورودها في التشريع الإسلامي، ولو كانت من قسم النفاق، لكان ذلك أمرا بالقبيح ويستحيل علي الحكيم أن يأمر به: - (قل إنالله لا يأمر بالفحشاء أتقولون علي الله ما لا تعلمون) - [538] .

غايتها

الغاية من التقية: هي صيانة النفس والعرض والمال، وذلك في ظروف قاهرة لا يستطيع فيها المؤمن أن يعلن عن موقفه الحق صريحا خوفا من أن يترتب علي ذلك مضار وتهلكة من قوي ظالمة غاشمة كممارسة الحكومات الظالمة الارهاب، والتشريد والنفي، والقتل والتنكيل، ومصادرة الأموال، وسلب الحقوق الحقة، فلا يكون لصاحب العقيدة الذي يري نفسه محقا محيص عن إبطانها، والتظاهر بما يوافق هوي الحاكم وتوجهاته حتي يسلم من الاضطهاد والتنكيل والقتل، إلي أن يحدث الله أمرا. إن التقية سلاح الضعيف في مقابل القوي الغاشم، سلاح من يبتلي بمن لا يحترم دمه وعرضه وماله، لا لشئ إلا لأنه لا يتفق معه في بعض المبادئ والأفكار. إنما يمارس التقية من يعيش في بيئة صودرت فيها الحرية في القول والعمل، والرأي والعقيدة فلا ينجو المخالف إلا بالصمت والسكوت مرغما أو بالتظاهر بما يوافق هوي السلطة وأفكارها، أو قد يلجأ إليها البعض كوسيلة لابد منها من أجل إغاثة الملهوف المضطهد والمستضعف الذي لا حول له ولا قوة، [ صفحه 318] فيتظاهر بالعمل إلي جانب الحكومة الظالمة وصولا إلي ذلك كما كان عليه مؤمن آل فرعون الذي حكاه سبحانه في الذكر الحكيم. إن أكثر من يعيب التقية علي مستعملها، يتصور أو يصور أن

الغاية منها هو تشكيل جماعات سرية هدفها الهدم والتخريب، كما هو المعروف من الباطنيين والأحزاب الإلحادية السرية، وهو تصور خاطئ ذهب إليه أولئك جهلا أو عمدا دون أن يركزوا في رأيهم هذا علي دليل ما أو حجة مقنعة، فأين ما ذكرناه من هذا الذي يذكره، ولو لم تلجئ الظروف القاهرة والأحكام المتعسفة هذه الجموع المستضعفة من المؤمنين لما كانوا عمدوا إلي التقية، ولما تحملوا عب ء اخفاء معتقداتهم ولدعوا الناس إليها علنا ودون تردد، إلا أن السيف والنطع سلاح لا تتردد كل الحكومات الفاسدة من التلويح به أمام من يخالفها في معتقداتها وعقائدها. أين العمل الدفاعي من الأعمال البدائية التي يرتكبها أصحاب الجماعات السرية للإطاحة بالسلطة وامتطاء ناصية الحكم، فأعمالهم كلها تخطيطات مدبرة لغايات ساقطة. وهؤلاء هم الذين يحملون شعار " الغايات تبرر الوسائل " فكل قبيح عقلي أو ممنوع شرعي يستباح عندهم لغاية الوصول إلي المقاصد المشؤومة. إن القول بالتشابه بين هؤلاء وبين من يتخذ التقية غطاء، وسلاحا دفاعيا ليسلم من شر الغير، حتي لا يقتل ولا يستأصل، ولا تنهب داره وماله، إلي أن يحدث الله أمرا، من قبيل عطف المبائن علي مثله. إن المسلمين القاطنين في الاتحاد السوفيتي السابق قد لاقوا من المصائب [ صفحه 319] والمحن ما لا يمكن للعقول أن تحتملها ولا أن تتصورها، فإن الشيوعيين طيلة تسلطهم علي المناطق الإسلامية قلبوا لهم ظهر المجن، فصادروا أموالهم وأراضيهم، ومساكنهم، ومساجدهم، ومدارسهم، وأحرقوا مكتباتهم، وقتلوا كثيرا منهم قتلا ذريعا ووحشيا، فلم ينج منهم إلا من اتقاهم بشئ من التظاهر بالمرونة، وإخفاء المراسم الدينية، والعمل علي إقامة الصلاة في البيوت إلي أن نجاهم الله سبحانه بانحلال تلك القوة الكافرة، فبرز المسلمون إلي الساحة

من جديد، فملكوا أرضهم وديارهم، وأخذوا يستعيدون مجدهم وكرامتهم شيئا فشيئا، وما هذا إلا ثمرة من ثمار التقية المشروعة التي أباحها الله تعالي لعباده بفضله وكرمه سبحانه علي المستضعفين. فإذا كان هذا معني التقية ومفهومها، وكانت هذه غايتها وهدفها، فهو أمر فطري يسوق الإنسان إليه قبل كل شئ عقله ولبه، وتدعوه إليه فطرته، ولأجل ذلك يستعملها كل من ابتلي بالملوك والساسة الذين لا يحترمون شيئا سوي رأيهم وفكرتهم ومطامعهم وسلطتهم ولا يترددون عن التنكيل بكل من يعارضهم في ذلك، من غير فرق بين المسلم - شيعيا كان أم سنيا - وغيره، ومن هنا تظهر جدوي التقية وعمق فائدتها. ولأجل دعم هذا الأصل الحيوي ندرس دليله من القرآن والسنة.

دليلها في القرآن والسنة

شرعت التقية بنص القرآن الكريم حيث وردت جملة من الآيات الكريمة [539] سنحاول استعراضها في الصفحات التالية: [ صفحه 320] الآية الاولي: قال سبحانه: - (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) - (النحل / 106). تري أنه سبحانه يجوز إظهار الكفر كرها ومجاراة للكافرين خوفا منهم، بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان، وصرح بذلك لفيف من المفسرين القدامي والجدد، سنحاول أن نستعرض كلمات البعض منهم تجنبا عن الإطالة والإسهاب، ولمن يبتغي المزيد فعليه بمراجعة كتب التفسير المختلفة: 1 - قال الطبرسي: قد نزلت الآية في جماعة أكرهوا علي الكفر، وهم عمار وأبوه ياسر وأمه سمية، وقتل الأبوان لأنهما لم يظهرا الكفر ولم ينالا من النبي، وأعطاهم عمار ما أرادوا منه، فأطلقوه، ثم أخبر عمار بذلك رسول الله، وانتشر خبره بين المسلمين، فقال قوم: كفر عمار، فقال الرسول: كلا

إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلي قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه. وفي ذلك نزلت الآية السابقة، وكان عمار يبكي، فجعل رسول الله يمسحعينيه ويقول: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت [540] . 2 - وقال الزمخشري: روي أن أناسا من أهل مكة فتنوا فارتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه، وكان فيهم من أكره وأجري كلمة الكفر علي لسانه وهو معتقد للإيمان، منهم عمار بن ياسر وأبواه: ياسر وسمية، وصهيب وبلال وخباب. [ صفحه 321] أما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها... [541] . 3 - وقال الحافظ ابن ماجة: " والايتاء: معناه الاعطاء أن وافقوا المشركين علي ما أرادوا منهم تقية، والتقية في مثل هذه الحال جائزة لقوله تعالي: - (إلا من أكرهوقلبه مطمئن بالإيمان) - " [542] . 4 - وقال القرطبي: قال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلي يوم القيامة - ثم قال: - أجمع أهل العلم علي أن من أكره علي الكفر حتي خشي علي نفسه القتل إنه لا اثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بالكفر،هذا قول مالك والكوفيين والشافعي [543] . 5 - قال الخازن: " التقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية، قال اللهتعالي: - (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) - ثم هذه التقية رخصة " [544] . 6 - قال الخطيب الشربيني: " - (إلا من أكره) - أي علي التلفظ به - (وقلبهمطمئن بالإيمان) - فلا شئ عليه لأن محل الإيمان هو القلب " [545] . 7 - وقال إسماعيل حقي: " - (إلا من أكره) - أجبر علي ذلك اللفظ بأمر يخاف علي نفسه

أو عضو من أعضائه... لأن الكفر اعتقاد، والإكراه علي القول دون الاعتقاد، والمعني: " ولكن المكره علي الكفر باللسان "، - (وقلبه مطمئن بالإيمان) - [ صفحه 322] لا تتغير عقيدته، وفيه دليل علي أن الإيمان المنجي المعتبر عند الله، هو التصديقبالقلب " [546] . الآية الثانية: قال سبحانه: - (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسهوإلي الله المصير) - [547] . وكلمات المفسرين حول الآية تغنينا عن أي توضيح: 1 - قال الطبري: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) -: قال أبو العالية: التقية باللسان، وليس بالعمل، حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله تعالي: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) - قال: التقية باللسان من حمل علي أمر يتكلم به وهو لله معصية فتكلم مخافة نفسه - (وقلبهمطمئن بالإيمان) - فلا اثم عليه، إنما التقية باللسان [548] . 2 - وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالي: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) -: رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة: مخالفة ومعاشرةظاهرة، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع [549] . [ صفحه 323] 3 - قال الرازي في تفسير قوله تعالي: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) -: المسألة الرابعة: اعلم: أن للتقية أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها: ألف: إن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار، ويخاف منهم علي نفسه، وماله، فيداريهم باللسان، وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان، بل يجوز أيضا أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة، ولكن بشرط أن

يضمر خلافه وأن يعرض في كل ما يقول، فإن للتقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب. ب: التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة: لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " حرمة مال المسلم كحرمةدمه " ولقوله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " من قتل دون ماله فهو شهيد " [550] . 4 - وقال النسفي: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) - إلا أن تخافوا جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، أي ألا يكون للكافر عليك سلطان فتخافه علي نفسك ومالك فحينئذيجوز لك اظهار الموالاة وإبطان المعاداة [551] . 5 - وقال الآلوسي: وفي الآية دليل علي مشروعية التقية وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء. والعدو قسمان: الأول: من كانت عداوته مبنية علي اختلاف الدين، كالكافر والمسلم. الثاني: من كانت عداوته مبنية علي أغراض دنيوية، كالمال والمتاع والملكوالامارة [552] . [ صفحه 324] 6 - وقال جمال الدين القاسمي: ومن هذه الآية: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) - استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف، وقد نقل الاجماع علي جوازها عندذلك الإمام مرتضي اليماني في كتابه (إيثار الحق علي الخلق) [553] . 7 - وفسر المراغي قوله تعالي: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) - بقوله: أي إن ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شئ تتقونه منهم، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يتقي ذلك الشئ، إذ القاعدة الشرعية " ان درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح ". وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فأولي أن تجوز لمنفعة المسلمين، وإذا فلا مانع من

أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلي الا ولي إما بدفع ضرر أو جلب منفعة، وليس لها أن تواليها في شئ يضر المسلمين، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف، بل هي جائزة في كل وقت. وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق، لأجل توقي ضرر من الأعداء يعود إلي النفس، أو العرض، أو المال. فمن نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك، وقلبه مطمئن بالإيمان، لا يكون كافرا بل يعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش علي الكفر فوافقها مكرها وقلبه مليئ بالإيمان وفيه نزلت الآية:- (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) - [554] . [ صفحه 325] هذه الجمل الوافية والعبارات المستفيضة لا تدع لقائل مقالا إلا أن يحكم بشرعية التقية بالمعني الذي عرفته بل قد لا يجد أحد مفسرا أو فقيها وقف علي مفهومها وغايتها يتردد في الحكم بجوازها، كما أنك أخي القارئ لا تجد إنسانا واعيا لا يستعملها في ظروف عصيبة، ما لم تترتب عليها مفسدة عظيمة، كما سيوافيك بيانها عند البحث عن حدودها. واما المعارض لجوازها أو المغالط في مشروعيتها، فإنما يفسرها بالتقية الرائجة بين أصحاب التنظيمات السرية والمذاهب الهدامة كالنصيرية والدروز، والباطنية كلهم، إلا أن المسلمين جميعا بريئون من هذه التقية الهدامة لكل فضيلة رابية. الآية الثالثة: قوله سبحانه: - (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد ج آءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقايصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب

[555] . وكانت عاقبة أمره أن: - (وقاه الله سيئات ما مكروا وحاق ب آل فرعون سوءالعذاب) - [556] . وما كان ذلك إلا لأنه بتقيته استطاع أن ينجي نبي الله من الموت: - (قاليا موسي إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) - [557] . وهذه الآيات تدل علي جواز التقية لإنقاذ المؤمن من شر عدوه الكافر. [ صفحه 326]

اتقاء المسلم من المسلم في ظروف خاصة

إن مورد الآيات وإن كان هو اتقاء المسلم من الكافر، ولكن المورد ليس بمخصص لحكم الآية، إذ ليس الغرض من تشريع التقية عند الابتلاء بالكفار إلا صيانة النفس والنفيس من الشر، فإذ ابتلي المسلم بأخيه المسلم الذي يخالفه في بعض الفروع ولا يتردد الطرف القوي عن إيذاء الطرف الآخر، كأن ينكل به أو ينهب أمواله أو يقتله، ففي تلك الظروف الحرجة يحكم العقل السليم بصيانة النفس والنفيس عن طريق كتمان العقيدة واستعمال التقية، ولو كان هناك وزر فإنما يتوجه علي من يتقي منه لا علي المتقي، فلو سادت الحرية جميع الفرق الإسلامية، وتحملت كل فرقة آراء الفرقة الا خري لوقفت علي أن الرأي الآخر هو نتيجة اجتهادها، ولما اضطر أحد من المسلمين إلي استخدام التقية، ولساد الوئام مكان النزاع. وقد فهم ذلك لفيف من العلماء وصرحوا به، وإليك نصوص بعضهم: 1 - يقول الإمام الرازي في تفسير قوله سبحانه: - (إلا أن تتقوا منهم تقاة) -: ظاهر الآية يدل علي أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين، إلا أن مذهب الشافعي - رضي الله عنه -: أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلت التقية محاماة عن النفس، وقال: التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة لصون

المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " حرمة مال المسلم كحرمة دمه "، وقوله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " منقتل دون ماله فهو شهيد " [558] . [ صفحه 327] 2 - ينقل جمال الدين القاسمي عن الإمام مرتضي اليماني في كتابه " إيثار الحق علي الخلق " ما نصه: " وزاد الحق غموضا وخفاء أمران: أحدهما: خوف العارفين - مع قلتهم - من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن، وإجماع أهل الإسلام، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق، ولا برح المحق عدوا لأكثر الخلق، وقد صح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال - في ذلك العصر الأول -: حفظت من رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وعاءين، أما أحدهما فبثثته في الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذاالبلعوم [559] . 3 - وقال المراغي في تفسير قوله سبحانه: - (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) -: ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم وبذل المال لهم، لكف أذاهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع، فقد أخرج الطبراني قوله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " ما وقي المؤمن به عرضه فهوصدقة " [560] . إن الشيعة تتقي الكفار في ظروف خاصة لنفس الغاية التي لأجلها يتقيهم السني، غير أن الشيعي ولأسباب لا تخفي، يلجأ إلي اتقاء أخيه المسلم لا لقصور في الشيعي، بل في أخيه الذي دفعه إلي

ذلك لأنه يدرك أن الفتك والقتل مصيره إذا صرح بمعتقده الذي هو موافق لا صول الشرع الإسلامي وعقائده، نعم كان الشيعي وإلي وقت قريب يتحاشي أن يقول: إن الله ليس له جهة، أو أنه تعالي لا يري يوم القيامة، وإن المرجعية العلمية والسياسية لأهل البيت بعد رحلة النبي [ صفحه 328] الأكرم، أو أن حكم المتعة غير منسوخ. إن الشيعي إذا صرح بهذه الحقائق - التي استنبطت من الكتاب والسنة - سوف يعرض نفسه ونفيسه للمهالك والمخاطر. وقد مر عليك كلام الرازي وجمال الدين القاسمي والمراغي الصريح في جواز هذا النوع من التقية، فتخصيص التقية بالتقية من الكافر فحسب، جمود علي ظاهر الآية وسد لباب الفهم، ورفض للملاك الذي شرعت لأجله التقية، واعدام لحكم العقل القاضي بحفظ الأهم إذا عارض المهم. والتاريخ بين أيدينا يحدثنا بوضوح عن لجوء جملة معروفة من كبار المسلمين إلي التقية في ظروف عصيبة أوشكت أن تودي بحياتهم وبما يملكون، وخير مثال علي ذلك ما أورده الطبري في تاريخه (7 / 195 - 206) عن محاولة المأمون دفع وجوه القضاة والمحدثين في زمانه إلي الإقرار بخلق القرآن قسرا حتي وإن استلزم ذلك قتل الجميع دون رحمة، ولما أبصر أولئك المحدثون حد السيف مشهرا عمدوا إلي مصانعة المأمون في دعواه وأسروا معتقدهم في صدورهم، ولما عوتبوا علي ما ذهبوا إليه من موافقة المأمون برروا عملهم بعمل عمار بن ياسر حين أكره علي الشرك وقلبه مطمئن بالإيمان، والقصة شهيرة وصريحة في جواز اللجوء إلي التقية التي دأب البعض علي التشنيع فيها علي الشيعة وكأنهم هم الذين ابتدعوها من بنات أفكارهم دون أن تكون لها قواعد وأصول إسلامية ثابتة ومعلومة.

الظروف العصيبة التي مرت بها الشيعة

الذي دفع بالشيعة

إلي التقية بين إخوانهم وأبناء دينهم إنما هو الخوف من السلطات الغاشمة فلو لم يكن هناك في غابر القرون - من عصر الأمويين ثم [ صفحه 329] العباسيين والعثمانيين - أي ضغط علي الشيعة، ولم تكن بلادهم وعقر دارهم مخضبة بدمائهم والتاريخ خير شاهد علي ذلك، كان من المعقول أن تنسي الشيعة كلمة التقية وأن تحذفها من ديوان حياتها، ولكن ياللأسف إن كثيرا من إخوانهم كانوا أداة طيعة بيد الأمويين والعباسيين الذين كانوا يرون في مذهب الشيعة خطرا علي مناصبهم، فكانوا يؤلبون العامة من أهل السنة علي الشيعة يقتلونهم ويضطهدونهم وينكلون بهم، ولذا ونتيجة لتلك الظروف الصعبة لم يكن للشيعة، بل لكل من يملك شيئا من العقل وسيلة إلا اللجوء إلي التقية أو رفع اليد عن المبادئ المقدسة التي هي أغلي عنده من نفسه وماله. والشواهد علي ذلك أكثر من أن تحصي أو أن تعد، إلا أنا سنستعرض جانبا مختصرا منها: فمن ذلك ما كتبه معاوية بن أبي سفيان باستباحة دماء الشيعة أينما كانوا وكيفما كانوا، وإليك نص ما ذكرته المصادر عن هذه الواقعة لتدرك محنة الشيعة:

بيان معاوية إلي عماله

روي أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب " الأحداث " قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلي عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة، وعلي كل منبر، يلعنون عليا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي - عليه السلام - فاستعمل عليها زياد بن سمية، وضم إليه البصرة، فكان يتبع الشيعة وهو بهم [ صفحه 330]

عارف، لأنه كان منهم أيام علي - عليه السلام -، فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم علي جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم، وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق: ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. ثم كتب إلي عماله نسخة واحدة إلي جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أخري: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة حتي أن الرجل من شيعة علي - عليه السلام - ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الأيمان الغليظة، ليكتمن عليه. وأضاف ابن أبي الحديد: فلم يزل الأمر كذلك حتي مات الحسن بن علي - عليهما السلام -، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف علي دمه، أو طريد في الأرض. ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين - عليه السلام -، وولي عبد الملك بن مروان، فاشتد علي الشيعة، وولي عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من البغض من علي - عليه السلام - وعيبه، والطعن فيه، والشنان له، حتي أن إنسانا وقف للحجاج - ويقال إنه جد الأصمعي - عبد الملك بن قريب بن قريب فصاح به: أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا، وإني

فقير وبائس وأنا إلي صلة الأمير [ صفحه 331] محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ما توسلت به، قد وليتك موضع كذا [561] . ونتيجة لذلك شهدت أوساط الشيعة مجازر بشعة علي يد السلطات الغاشمة، فقتل الآلاف منهم، وأما من بقي منهم علي قيد الحياة فقد تعرض إلي شتي صنوف التنكيل والإرهاب والتخويف، والحق يقال إن من الا مور العجيبة أن يبقي لهذه الطائفة باقية رغم كل ذلك الظلم الكبير والقتل الذريع، بل العجب العجاب أن تجد هذه الطائفة قد ازدادت قوة وعدة، وأقامت دولا وشيدت حضارات وبرز منها الكثير من العلماء والمفكرين. فلو كان الأخ السني يري التقية أمرا محرما فليعمل علي رفع الضغط عن أخيه الشيعي، وأن لا يضيق عليه في الحرية التي سمح بها الإسلام لأبنائه، وليعذره في عقيدته وعمله كما هو عذر أناسا كثيرين خالفوا الكتاب والسنة وأراقوا الدماء ونهبوا الدور فكيف بطائفة تدين بدينه وتتفق معه في كثير من معتقداته، وإذا كان معاوية وأبناء بيته والعباسيون كلهم عنده مجتهدين في بطشهم وإراقة دماء مخالفيهم فماذا يمنعه عن إعذار الشيعة باعتبارهم مجتهدين. وإذا كانوا يقولون - وذاك هو العجيب - ان الخروج علي الإمام علي - عليه السلام - غير مضر بعدالة الخارجين والثائرين عليه، وفي مقدمتهم طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة، وإن إثارة الفتن في صفين - التي انتهت إلي قتل كثير من الصحابة والتابعين وإراقة دماء الآلاف من العراقيين والشاميين - لا تنقص شيئا من ورع المحاربين وهم بعد ذلك مجتهدون معذورون لهم ثواب من اجتهد [ صفحه 332] وأخطأ فلم لا يتعامل مع الشيعة ضمن هذا الفهم ويذهب إلي أنهم معذورون ومثابون!! نعم كانت التقية بين الشيعة تزداد

تارة وتتضاءل أخري، حسب قوة الضغط وض آلته، فشتان بين عصر المأمون الذي يجيز مادحي أهل البيت، ويكرم العلويين، وبين عصر المتوكل الذي يقطع لسان ذاكرهم بفضيلة. فهذا ابن السكيت أحد أعلام الأدب في زمن المتوكل، وقد اختاره معلما لولديه فسأله يوما: أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ قال ابن السكيت: والله إن قنبر خادم علي - عليه السلام - خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا ذلك به فمات. وذلك في ليلة الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين، وقيل ثلاث وأربعين، وكان عمره ثمانية وخمسين سنة. ولما مات سير المتوكل لولده يوسف عشرة آلاف درهموقال: هذه دية والدك!! [562] . وهذا ابن الرومي الشاعر العبقري يقول في قصيدته التي يرثي بها يحيي بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي: اكل أوان للنبي محمد++ قتيل زكي بالدماء مضرج بني المصطفي كم يأكل الناس شلوكم++ لبلواكم عما قليل مفرج أبعد المكني بالحسين شهيدكم++ تضئ مصابيح السماء فتسرج [563] . [ صفحه 333] فإذا كان هذا هو حال أبناء الرسول، فما هو حال شيعتهم ومقتفي آثارهم؟! قال العلامة الشهرستاني: إن التقية شعار كل ضعيف مسلوب الحرية. إن الشيعة قد اشتهرت بالتقية أكثر من غيرها لأنها منيت باستمرار الضغط عليها أكثر من أية أمة أخري، فكانت مسلوبة الحرية في عهد الدولة الأموية كله، وفي عهد العباسيين علي طوله، وفي أكثر أيام الدولة العثمانية، ولأجله استشعروا بشعار التقية أكثر من أي قوم، ولما كانت الشيعة، تختلف عن الطوائف المخالفة لها في قسم مهم من الاعتقادات في أصول الدين وفي كثير من الأحكام الفقهية، والمخالفة تستجلب بالطبع رقابة وتصدقه التجارب،

لذلك أضحت شيعة الأئمة من آل البيت مضطرة في أكثر الأحيان إلي كتمان ما تختص به من عادة أو عقيدة أو فتوي أو كتاب أو غير ذلك، تبتغي بهذا الكتمان صيانة النفس والنفيس، والمحافظة علي الوداد والاخوة مع سائر إخوانهم المسلمين، لئلا تنشق عصا الطاعة، ولكي لا يحس الكفار بوجود اختلاف ما في المجتمع الإسلامي فيوسع الخلاف بين الا مة المحمدية. لهذه الغايات النزيهة كانت الشيعة تستعمل التقية وتحافظ علي وفاقها في الظواهر مع الطوائف الا خري، متبعة في ذلك سيرة الأئمة من آل محمد وأحكامهم الصارمة حول وجوب التقية من قبيل: " التقية ديني ودين آبائي "، إذ أن دين الله يمشي علي سنة التقية لمسلوبي الحرية، دلت علي ذلك آيات من القرآنالعظيم [564] . [ صفحه 334] روي عن صادق آل البيت - عليهم السلام - في الأثر الصحيح: " التقية ديني ودين آبائي " و: " من لا تقية له لا دين له ". لقد كانت التقية شعارا لآل البيت - عليهم السلام - دفعا للضرر عنهم، وعن أتباعهم، وحقنا لدمائهم، واستصلاحا لحال المسلمين، وجمعا لكلمتهم، ولما لشعثهم، وما زالت سمة تعرف بها الإمامية دون غيرها من الطوائف والأمم. وكل إنسان إذا أحس بالخطر علي نفسه، أو ماله بسبب نشر معتقده، أو التظاهر به لا بد أن يتكتم ويتقي مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول. من المعلوم أن الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن، وصنوف الضيق علي حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة، أو أمة أخري، فاضطروا في أكثر عهودهم إلي استعمال التقية في تعاملهم مع المخالفين لهم، وترك مظاهرتهم، وستر عقائدهم، وأعمالهم المختصة بهم عنهم، لما كان

يعقب ذلك من الضرر في الدنيا. ولهذا السبب امتازوا بالتقية وعرفوا بها دون سواهم. وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها، بحسب اختلاف مواقعخوف الضرر، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية [565] . [ صفحه 335]

حدها

قد تعرفت علي مفهوم التقية وغايتها، ودليلها، بقي الكلام في تبيين حدودها، فنقول: عرفت الشيعة بالتقية وأنهم يتقون في أقوالهم وأفعالهم، فصار ذلك منشأ لوهم عالق بأذهان بعض السطحيين والمغالطين، فقالوا: بما أن التقية من مبادئ التشيع فلا يصح الاعتماد علي كل ما يقولون ويكتبون وينشرون، إذ من المحتمل جدا أن تكون هذه الكتب دعايات والواقع عندهم غيرها. هذا ما نسمعه منهم مرة بعد مرة. ولكن نلفت نظر القارئ الكريم إلي أن مجال التقية إنما هو في حدود القضايا الشخصية الجزئية عند وجود الخوف علي النفس والنفيس، فإذا دلت القرائن علي أنه في إظهار العقيدة أو تطبيق العمل علي مذهب أهل البيت يحتمل أن يدفع بالمؤمن إلي الضرر يصبح هذا المورد من مواردها، ويحكم العقل والشرع بلزوم الاتقاء حتي يصون بذلك نفسه ونفيسه عن الخطر. وأما الا مور الكلية الخارجة عن إطار الخوف فلا تتصور فيها التقية، والكتب المنتشرة من جانب الشيعة داخلة في هذا النوع الأخير، إذ لا خوف هناك حتي يكتب خلاف ما يعتقد، حيث ليس هناك لزوم للكتابة أصلا في هذه الحال فله أن يسكت ولا يكتب شيئا. فما يدعيه هؤلاء أن هذه الكتب دعايات لا واقعيات ناشئ عن قلة معرفتهم بحقيقة التقية عند الشيعة. والحاصل: أن الشيعة إنما كانت تتقي في عصر لم تكن [ صفحه 336] لهم دولة تحميهم، ولا قدرة ولا منعة تدفع عنهم الأخطار. وأما هذه الأعصار فلا مسوغ ولا

مبرر للتقية إلا في موارد خاصة. إن الشيعة كما ذكرنا لم تلجأ إلي التقية إلا بعد أن اضطرت إلي ذلك، وهو حق لا أعتقد أن يخالفها فيه أحد ينظر إلي الأمور بلبه لا بعواطفه، إلا أن من الأمور المسلمة في تاريخ التشيع، انحصار التقية في مستوي الفتاوي، ولم تترجم إلا قليلا علي المستوي العملي، بل كانوا عمليا من أكثر الناس تضحية، وبوسع كل باحث أن يرجع إلي مواقف رجال الشيعة مع معاوية وغيره من الحكام الأمويين، والحكام العباسيين، أمثال حجر بن عدي، وميثم التمار، ورشيد الهجري، وكميل بن زياد، ومئات من غيرهم، وكمواقف العلويين علي امتداد التاريخ وثوراتهم المتتالية.

التقية المحرمة

إن التقية تنقسم حسب الأحكام الخمسة، فكما أنها تجب لحفظ النفوس والأعراض والأموال، فإنها تحرم إذا ترتب عليها مفسدة أعظم، كهدم الدين وخفاء الحقيقة علي الأجيال الآتية، وتسلط الأعداء علي شؤون المسلمين وحرماتهم ومعابدهم، ولأجل ذلك تري أن كثيرا من أكابر الشيعة رفضوا التقية في بعض الأحيان وقدموا أنفسهم وأرواحهم أضاحي من أجل الدين، فللتقية مواضع معينة، كما أن للقسم المحرم منها مواضع خاصة أيضا. إن التقية في جوهرها كتم ما يحذر من إظهاره حتي يزول الخطر، فهي [ صفحه 337] أفضل السبل للخلاص من البطش، ولكن ذلك لا يعني أن الشيعي جبان خائر العزيمة، خائف متردد الخطوات يملأ حناياه الذل، كلا إن للتقية حدودا لا تتعداها، فكما هي واجبة في حين، هي حرام في حين آخر، فليست التقية في جوازها ومنعها تابعة للقوة والضعف، وإنما تحددها جوازا ومنعا مصالح الإسلام والمسلمين. إن للإمام الخميني - قدس الله سره - كلاما في المقام ننقله بنصه حتي يقف القارئ علي أن للتقية أحكاما خاصة وربما تحرم

لمصالح عالية. قال - قدس الله سره -: تحرم التقية في بعض المحرمات والواجبات التي تمثل في نظر الشارع والمتشرعة مكانة بالغة، مثل هدم الكعبة، والمشاهد المشرفة، والرد علي الإسلام والقرآن والتفسير بما يفسر المذهب ويطابق الالحاد وغيرها من عظائم المحرمات، ولا تعمها أدلة التقية ولا الاضطرار ولا الاكراه. وتدل علي ذلك معتبرة مسعدة بن صدقة وفيها: " فكل شئ يعمل المؤمنبينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلي الفساد في الدين فإنه جائز " [566] . ومن هذا الباب ما إذا كان المتقي ممن له شأن وأهمية في نظر الخلق، بحيث يكون ارتكابه لبعض المحرمات تقية أو تركه لبعض الواجبات كذلك مما يعد موهنا للمذهب وهاتكا لحرمه، كما لو أكره علي شرب المسكر والزنا مثلا، فإن [ صفحه 338] جواز التقية في مثله متمسكا بحكومة دليل الرفع [567] وأدلة التقية مشكل بل ممنوع، وأولي من ذلك كله في عدم جواز التقية، ما لو كان أصل من أصول الإسلام أو المذهب أو ضروري من ضروريات الدين في معرض الزوال والهدم والتغيير، كما لو أراد المنحرفون الطغاة تغيير أحكام الإرث والطلاق والصلاة والحج وغيرها من أصول الأحكام فضلا عن أصول الدين أو المذهب، فإن التقية في مثلها غير جائزة، ضرورة أن تشريعها لبقاء المذهب وحفظ الأصول وجمع شتات المسلمين لإقامة الدين وأصوله، فإذا بلغ الأمر إلي هدمها فلا تجوز التقية، وهو مع وضوحه يظهرمن الموثقة المتقدمة. [568] . وهكذا فقد بينا للجميع الأبعاد الحقيقية والواقعية للتقية، وخرجنا بالنتائج التالية: 1 - إن التقية أصل قرآني مدعم بالسنة النبوية، وقد استعملها في عصر الرسالة من ابتلي بها من الصحابة لصيانة نفسه فلم يعارضه الرسول بل أيده بالنص القرآني

كما في قضية عمار بن ياسر، حيث أمره " صلي الله عليه وآله وسلم " بالعودة إذا عادوا. 2 - إن التقية بمعني تشكيل جماعات سرية لغاية التخريب والهدم، مرفوضة عند المسلمين عامة والشيعة خاصة، وهو لا يمت إلي التقية المتبناة من قبل الشيعة بصلة. 3 - إن المفسرين في كتبهم التفسيرية عندما تعرضوا لتفسير الآيات الواردة في التقية اتفقوا علي ما ذهبت إليه الشيعة من إباحتها للتقية. [ صفحه 339] 4 - إن التقية لا تختص بالاتقاء من الكافر، بل تعم الاتقاء من المسلم المخالف، الذي يريد السوء والبطش بأخيه. 5 - إن التقية تنقسم حسب انقسام الأحكام إلي أقسام خمسة، فبينما هي واجبة في موضع فهي محرمة في موضع آخر. 6 - إن مجال التقية لا يتجاوز القضايا الشخصية، وهي فيما إذا كان الخوف قائما، وأما إذا ارتفع الخوف والضغط، فلا موضوع للتقية لغاية الصيانة. وفي الختام نقول: نفترض أن التقية جريمة يرتكبها المتقي لصيانة دمه وعرضه وماله ولكنها في الحقيقة ترجع إلي السبب الذي يفرض التقية علي الشيعي المسلم ويدفعه إلي أن يتظاهر بشئ من القول والفعل الذي لا يعتقد به، فعلي من يعيب التقية للمسلم المضطهد، أن يسمح له الحرية في مجال الحياة ويتركه بحاله، وأقصي ما يصح في منطق العقل، أن يسأله عن دليل عقيدته ومصدر عمله، فإن كان علي حجة بينة يتبعه، وإن كان علي خلافها يعذره في اجتهاده وجهاده العلمي والفكري. نحن ندعو المسلمين للتأمل في الدواعي التي دفعت بالشيعة إلي التقية، وأن يعملوا قدر الإمكان علي فسح المجال لإخوانهم في الدين فإن لكل فقيه مسلم، رأيه ونظره، وجهده وطاقته. إن الشيعة يقتفون أثر أئمة أهل البيت في

العقيدة والشريعة، ويرون رأيهم، لأنهم هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأحد الثقلين اللذين أمر الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " بالتمسك بهما في مجال العقيدة [ صفحه 340] والشريعة، وهذه عقائدهم لا تخفي علي أحد، وهي حجة علي الجميع. نسأل الله سبحانه: أن يصون دماء المسلمين وأعراضهم عن تعرض أي متعرض، ويوحد صفوفهم، ويؤلف بين قلوبهم، ويجمع شملهم، ويجعلهم صفا واحدا في وجه الأعداء، إنه علي ذلك قدير وبالإجابة جدير. [ صفحه 341]

خاتمة المطاف

مصادر التشريع عند الشيعة الإمامية و أحاديث أئمة أهل البيت

إن الإمامية - كما تصدر عن الكتاب والسنة في مجالي العقيدة والشريعة - كذلك تصدر عن أحاديث أئمة أهل البيت وتري قولهم وفعلهم وتقريرهم حجة، وهذا لا يعني أن أحاديثهم، حجة ثالثة، في عرض الكتاب والسنة أو أنهم أنبياء يوحي إليهم كما ربما يتخيله من ليس له إلمام بعقائدهم وأصولهم، بل العترة الطاهرة لما كانوا وعاة علمه وحفظة سنته، وخلفاءه بعده، يحكون بقولهم وأفعالهم وتقريرهم، سنة النبي الأكرم، فالاحتجاج بأحاديثهم، احتجاج في الحقيقة بحديث النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " وكلامه. ولأجل إيضاح الموضوع، نأتي بتفصيل ذلك:

ائمة الشيعة أوصياء الرسول

اشاره

اتفقت الشيعة علي أن الأئمة الاثني عشر أوصياء الرسول، وأنهم أئمة الأمة وأحد الثقلين اللذين أوصي بهما رسول الله في غير موقف من المواقف، وقال: [ صفحه 342] " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " والحديث من التواتر بمكان أغنانا عن ذكر مصادره ويكفي في ذلك ما نشرته دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة في هذا المجال. إن الشيعة الإمامية كسائر المسلمين مؤمنون بعالمية رسالة النبي الأكرم كما هم مؤمنون بخاتمية رسالته، مستدلين بقوله سبحانه: - (ما كان محمد أبا أحد منرجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما) - [569] . وقوله سبحانه: - (وإنه لكتاب عزيز - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه تنزيل من حكيم حميد [570] ) - إلي غير ذلك من الآيات والأحاديث. إن خاتمية رسالة النبي الأكرم من الأمور الدينية الضرورية تكفل لبيانها الذكر الحكيم والأحاديث المتضافرة التي بلغت حد التواتر، منها قوله " صلي الله عليه وآله وسلم " عندما خرج إلي غزوة تبوك فقال له علي: أأخرج؟ فقال: لا،

فبكي علي، فقال له رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " [571] . وهذا علي أمير المؤمنين أول الأئمة الاثني عشر قال وهو يلي غسل رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": " بأبي أنت وأمي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطعبموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء " [572] . [ صفحه 343] وفي كلام آخر له: " أما رسول الله فخاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول،وختم رسول الله الأنبياء إلي يوم القيامة " [573] . ونكتفي في هذه العجالة بهذا المقدار من النصوص فمن أراد أن يقف علي نصوص الأئمة الاثني عشر علي ختم النبوة وانقطاع الوحي وسد باب التشريع بعد رحلة الرسول، فعليه الرجوع إلي الجزء الثالث من كتابنا " مفاهيم القرآن " فقد جاء فيه قرابة (134) نصا من النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين في ذلك المجال. إن فقهاء الشيعة حكموا بارتداد من أنكر عالمية الرسالة، أو خاتميتها، ولأجل ذلك فالبابية والبهائية وهكذا القاديانية مرتدون عندهم ارتدادا فطريا أو مليا [574] أحيانا، وهذه كتبهم الفقهية في باب الحدود وأحكام المرتد وغير ذلك. هذا قليل من كثير اكتفينا به لتبيين عقيدة الشيعة في حق الرسول الأعظم وأنهم عن بكرة أبيهم معتقدون بعالمية رسالة الرسول وخاتميته، ولم ينحرفوا عن هذا الخط قيد شعرة، ويظهر ذلك من المرور علي الكتب الاعتقادية المدونة من بداية القرن الثالث الهجري إلي عصرنا هذا، فقد ألفوا مئات الكتب والرسائل، بل الموسوعات الكبيرة حول العقائد الإسلامية وهي بين مخطوطة ومطبوعة منتشرة في العالم وهذه كتبهم ومكتباتهم وجامعاتهم العلمية،

وخطباؤهم ومنشوراتهم الرسمية لا تجد فيها كلمة تشير إلي نبوة غير النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم "، أو بنزول الوحي علي غيره فلا محيص عن القول بأن هذه النظرية الخاطئة، استنبطها البعض من خلال أمور لا دلالة لها علي ما يرتئيه ولا بأس [ صفحه 344] بالإشارة إلي بعض هذه الأمور التي كانت سببا لهذا الوهم، وقد ألمح إليها بعض دكاترة العصر من المستهترين وهي لا تتجاوز أمرين: 1 - حجية أحاديثهم وأفعالهم. 2 - القول بعصمتهم من الإثم والخطأ. وإليك تحليل هذين الأمرين:

الشيعة و حجية أقوال العترة الطاهرة

إن الشيعة يتعاملون مع أحاديث العترة الطاهرة كالتعامل مع أحاديث النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم "، فلولا كونهم أنبياء أو طرفا للوحي فكيف تكون أحاديثهم حجة؟ الجواب: إن الشيعة الإمامية تأخذ بأقوالهم للأمور التالية: ألف: إن النبي الأكرم هو الذي أمر المسلمين قاطبة بالأخذ بأقوال العترة حيث قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي... [575] فالتمسك بأحاديثهم وأقوالهم امتثال لقول الرسول الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم "، وهو لا يصدر إلا عن الحق، فمن أخذ بالثقلين فقد تمسك بما ينقذه من الضلالة ومن أخذ بواحد منهما فقد خالف الرسول. [ صفحه 345] ب: نري أن الرسول الأكرم يأمر الأمة بالصلاة علي آل محمد في الفرائض والنوافل، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يذكرون العترة بعد النبي الأكرم في تشهدهم ويصلون عليهم مثل الصلاة عليه، والفقهاء وإن اختلفوا في صيغة التشهد ولكنهم لا يختلفون في لزوم الصلاة علي النبي وآله وفيها يقول الإمام الشافعي: يا أهل بيت رسول الله حبكم++ فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الشأن أنكم++

من لم يصل عليكم لا صلاة له فلو لم يكن للعترة شأن ومقام في مجال هداية الأمة ولزوم الاقتفاء بهم، فما معني جعل الصلاة عليهم فريضة في التشهد وتكرارها في جميع الصلوات ليلا ونهارا، فريضة ونافلة؟ وهذا يعرب عن سر نقف عليه من خلال أمر النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " في هذا المجال، وهو أن لآل محمد شأنا خاصا في الأمور الدينية والقيادة الإسلامية أظهرها: أن أقوالهم وآراءهم حجة علي المسلمين، وأن لهم المرجعية الكبري بعد رحلة الرسول، سواء أكان في مجال العقيدة والشريعة أم في مجال آخر. ج: إن النبي الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم " شبه العترة الطاهرة بسفينة نوح، وأنه من ركبها نجا، وأن من تخلف عنها غرق [576] وهو يدل علي حجية أقوالهم وأفعالهم. إلي غير ذلك من الوصايا الواردة في حق العترة التي نقلها أصحاب [ صفحه 346] الصحاح والمسانيد ومن أراد فليرجع إلي مصادرها. فالمسلم المؤمن بصحة هذه الوصايا لا يشك في حجية أقوال العترة سواء أعلم مصدر علومهم أم لم يعلم. قال سبحانه: - (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلضلالا مبينا) - [577] . ومع ذلك كله نحن نشير إلي بعض مصادر علومهم حتي يتضح أن حجية أقوالهم لا تدل علي أنهم أنبياء أو فوض إليهم أمر التشريع: 1 - السماع عن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم ": إن الأئمة يروون أحاديث رسول الله سماعا منه " صلي الله عليه وآله وسلم "، إما بلا واسطة أو بواسطة آبائهم، ولأجل ذلك تري في

كثير من الروايات أن الإمام الصادق - عليه السلام - يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن علي أمير المؤمنين، عن الرسول الأكرم " صلي الله عليه وآله وسلم ". وهذا النمط في الروايات كثير في أحاديثهم وقد تضافر عن الإمام الصادق أنه كان يقول: " حديثي، حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي "، فعن هذا الطريق تحملوا أحاديث كثيرة عن الرسول الأكرم وبلغوها، من دون أن يعتمدوا علي الأحبار والرهبان، أو علي أناس مجاهيل، أو شخصيات متسترة بالنفاق وهذا النوع من الأحاديث ليس بقليل. [ صفحه 347] 2 - كتاب علي - عليه السلام -: يرجع قسم آخر من أحاديثهم إلي ما أخذوه عن كتاب الإمام أمير المؤمنين بإملاء رسول الله وخط علي وقد أشار أصحاب الصحاح والمسانيد إلي بعض هذه الكتب [578] . فقد كان لعلي كتاب خاص بإملاء رسول الله وقد حفظته العترة الطاهرة وصدرت عنه في مواضع كثيرة ونقلت نصوصه في موضوعات مختلفة، وقد بث الحر العاملي في موسوعته الحديثية، أحاديث ذلك الكتاب حسب الكتب الفقهية من الطهارة إلي الديات ومن أراد فليرجع إلي تلك الموسوعة. وقال الإمام الصادق - عليه السلام - عندما سئل عن الجامعة؟ فقال: " فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا فيها حتي أرش الخدش ". وكان كتاب علي مصدرا لأحاديث العترة الطاهرة يرثونه واحدا بعد آخر وينقلون عنه ويستدلون به علي السائلين. وهذا هو أبو جعفر الباقر - عليه السلام - يقول لأحد أصحابه - أعني حمران بن أعين - وهو يشير إلي بيت كبير: يا حمران إن في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا

بخط علي - عليه السلام - وإملاء رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة. وهذا هو الإمام الصادق - عليه السلام - يعرف كتاب علي - عليه السلام - [ صفحه 348] بقوله: فهو كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب - عليه السلام - بيده، فيه والله جميع ما يحتاج إليه الناس إلي يوم القيامة حتي أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة. ويقول سليمان بن خالد: سمعت أبا عبد الله يقول: " إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا إملاء رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " وخط علي - عليه السلام - بيده، ما من حلال ولا حرام إلا وهو فيها حتي أرش الخدش. ويقول أبو جعفر الباقر - عليه السلام - لبعض أصحابه: " يا جابر إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " " [579] . 3 - الاستنباط من الكتاب والسنة: المصدر الثالث لأقوالهم، هو إمعانهم في الكتاب والسنة وتدبرهم فيهما، فاستخرجوا من المصدرين الرئيسيين ما يخص العقيدة والشريعة بصورة يقصر عنها أكثر الأفهام، وهذا هو الذي جعلهم متميزين بين المسلمين بالوعي والدقة والفهم، وخضع لهم أئمة الفقه في مواقف شتي حتي قال الإمام أبو حنيفة بعد تتلمذه علي الإمام الصادق " سنتين ": لولا السنتان لهلك النعمان. ولأجل ذلك كانوا يستدلون علي كثير من الأحكام عن طريق الكتاب والسنة ويقولون: " ما

من شئ [ صفحه 349] إلا وله أصل في كتاب الله وسنة نبيه ". أخرج الكليني بإسناده عن عمر بن قيس عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: سمعته يقول: " إن الله تبارك وتعالي لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله وجعل لكل شئ حدا. وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل علي من تعدي ذلك الحد حدا ". أخرج الكليني بإسناده عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: سمعته يقول: " ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة ". وأخرج عن سماعة عن أبي الحسن موسي - عليه السلام - قال: قلت له: أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه؟ قال: " بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه " [580] . ومن وقف علي الأحاديث المروية عنهم يقف علي أنهم كيف يستدلون علي الأحكام الإلهية عن المصدرين بفهم خاص ووعي متميز يبهر العقول، ويورث الحيرة. ولولا الخوف من الإطالة لنقلت في المقام نماذج من ذلك ونكتفي ببيان موردين: 1 - قدم إلي المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم، فقال يحيي بن أكثم: الإيمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، فكتب المتوكل إلي الإمام الهادي يسأله، فلما قرأ الكتاب، كتب: يضرب حتي يموت، فأنكر الفقهاء ذلك، فكتب إليه يسأله عن العلة، فكتب: بسم [ صفحه 350] الله الرحمن الرحيم - (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين - فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت فيعباده وخسر هنالك الكافرون) - [581] فأمر به

المتوكل فضرب حتي م [582] ات. إن الإمام الهادي ببيانه هذا شق طريقا خاصا لاستنباط الأحكام من الذكر الحكيم، طريقا لم يكن يحلم به فقهاء عصره، وكانوا يزعمون أن مصادر الأحكام الشرعية هي الآيات الواضحة في مجال الفقه التي لا تتجاوز ثلاثمائة آية، وبذلك أبان للقرآن وجها خاصا لدلالته، لا يلتفت إليه إلا من نزل القرآن في بيته، وليس هذا الحديث غريبا في مورده، بل له نظائر في كلمات الإمام وغيره من آبائه وأبنائه - عليهم السلام -. 2 - لما سم المتوكل نذر لله: إن رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، أو بدراهم كثيرة. فلما عوفي اختلف الفقهاء في مفهوم " المال الكثير " فلم يجد المتوكل عندهم فرجا، فبعث إلي الإمام علي الهادي فسأله؟ قال: يتصدق بثلاثة وثمانين دينارا، فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال: من قوله تعالي: - (لقدنصركم الله في مواطن كثيرة...) - [583] . والمواطن الكثيرة: هي هذه الجملة، وذلك لأن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم " غزا سبعا وعشرين غزوة، وبعث خمسا وخمسين سرية، وآخر غزواتهيوم حنين، وعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب [584] . [ صفحه 351] وقد ورد عن طريق آخر أنه قال " بثمانين " مكان " ثلاثة وثمانين " وذلك لأن عدد المواطن التي نصر الله المسلمين فيها إلي يوم نزول هذه الآية كان أقل منثلاثة وثمانين [585] . 4 - الإشراقات الإلهية: إن هناك مصدرا رابعا لأحاديثهم نعبر عنه بالإشراقات الإلهية، وأي وازع من أن يخص سبحانه بعض عباده بعلوم خاصة يرجع نفعها إلي العامة من دون أن يكونوا أنبياء، أو معدودين من المرسلين، والله سبحانه يصف مصاحب موسي بقوله:

- (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) - ولم يكن المصاحب نبيا بل كان وليا من أولياء الله سبحانه وتعالي بلغ في العلم والمعرفة مكانا حتي قال له موسي - وهو نبي مبعوث بشريعة -: - (هل أتبعك عليأن تعلمني مما علمت رشدا) - [586] . يصف سبحانه وتعالي جليس سليمان - الذي نسميه آصف بن برخيا - بقوله: - (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلمارآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي) - [587] . وهذا الجليس لم يكن نبيا، ولكن كان عنده علم من الكتاب، وهو لم يحصله من الطرق العادية التي يتدرج عليها الصبيان والشبان في المدارس [ صفحه 352] والجامعات، بل كان علما إلهيا أفيض إليه لصفاء قلبه وروحه ولأجل ذلك ينسب علمه إلي فضل ربه ويقول: - (هذا من فضل ربي) -. تضافرت الروايات علي أن في الأمة الإسلامية - مثل الأمم السابقة - رجالا مخلصين محدثين تفاض عليهم حقائق من عالم الغيب من دون أن يكونوا أنبياء، وإن كنت في شك من ذلك فارجع إلي ما رواه أهل السنة في هذا الموضوع. روي البخاري في صحيحه: لقد كان في من كان قبلكم من بني إسرائيليكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر [588] . قال القسطلاني ليس قوله: " فإن يكن " للترديد بل للتأكيد كقولك: إن يكن لي صديق ففلان، إذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء. وإذا ثبت أن هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه الأمةالفاضلة أحري [589] . وأخرج البخاري في

صحيحه بعد حديث الغار: عن أبي هريرة مرفوعا: أنه قد كان فيما مضي قبلكم من الأمم محدثون إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمرابن الخطاب [590] . قال القسطلاني في شرحه: قال المؤلف: يجري علي ألسنتهم الصواب منغير نبوة [591] . [ صفحه 353] وقال الخطابي: يلقي الشئ في روعه، فكأنه قد حدث به يظن فيصيب، ويخطر الشئ بباله فيكون، وهي منزلة رفيعة من منازل الأولياء. وأخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عائشة عن النبي " صلي الله عليه وآله وسلم ": قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم.ورواه ابن الجوزي في صفة الصفوة وقال: حديث متفق عليه [592] . وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في " مشكل الآثار " بطرق شتي عن عائشة وأبي هريرة، وأخرج قراءة ابن عباس: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث. قال: معني قوله محدثون أي ملهمون، فكان عمر - رضي الله عنه - ينطقبما كان ينطق ملهما [593] . قال النووي في شرح صحيح مسلم: اختلف تفسير العلماء للمراد بمحدثون فقال ابن وهب: ملهمون، وقيل: مصيبون إذا ظنوا فكأنهم حدثوا بشئ فظنوه. وقيل: تكلمهم الملائكة، وجاء في رواية: مكلمون. وقال البخاري: يجري الصواب علي ألسنتهم وفيه إثبات كرامات الأولياء. وقال الحافظ محب الدين الطبري في " الرياض ": ومعني " محدثون - والله أعلم - أي يلهمون الصواب، ويجوز أن يحمل علي ظاهره وتحدثهم الملائكة لابوحي وإنما بما يطلق عليه اسم حديث، وتلك فضيلة عظيمة " [594] . [ صفحه 354] قال القرطبي: محدثون - بفتح الدال - اسم مفعول جمع محدث

- بالفتح - أي ملهم أو صادق الظن، وهو من ألقي في نفسه شئ علي وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلي، أو من يجري الصواب علي لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأي رأيا أو ظن ظنا أجاب كأنه حدث به، وألقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر علي نحو ما وقع له، وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء. فإن يكن من أمتي منهم أحد فإنه عمر، كأنه جعله في انقطاع قرينة في ذلك كأنه نبي، فلذلك أتي بلفظ " إن " بصورة التردد. قال القاضي: ونظير هذا التعليق في الدلالة علي التأكيد والاختصاص قولك: إن كان لي صديق فهو زيد، فإن قائله لا يريد به الشك في صداقته بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إليغيره [595] . فإذا كان في الأمم السالفة رجال بهذا القدر والشأن فلم إذا لا يكون بين الأمة الإسلامية رجال شملتهم العناية الإلهية فأحاطوا بالكتاب والسنة إحاطة كاملة يرفعون حاجات الأمة في مجال العقيدة والتشريع. فمن زعم أن مثل هذه الإفاضة تساوق النبوة والرسالة، فقد خلط الأعم بالأخص فالنبوة منصب إلهي يقع طرفا للوحي يسمع كلام الله تعالي ويري رسول الوحي، ويكون إما صاحب شريعة مستقلة أو مروجا لشريعة من قبله. وأما الإمام: وهو الخازن لعلوم النبوة في كل ما تحتاج إليه الأمة من دون أن يكون طرفا للوحي أو سامعا كلامه سبحانه أو رائيا للملك الحامل له. ولإحاطته [ صفحه 355] بعلوم النبوة طرقا أشرنا إليها. ومن التصور الخاطئ: الحكم بأن كل من ألهم من الله سبحانه أو كلمه الملك فهو نبي

ورسول، مع أن الذكر الحكيم يعرف أناسا، ألهموا أو رأوا الملك ولم يكونوا بالنسبة إلي النبوة في حل ولا مرتحل. هذه أم موسي يقول في حقها سبحانه: - (وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه منالمرسلين) - [596] . أفصارت أم موسي بهذا الإلهام نبية من الأنبياء؟ وهذه مريم البتول، تكلمها الملائكة من دون أن تكون نبية قال سبحانه: - (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساءالعالمين - يا مريم اقنتي لربك...) - [597] . بلغت مريم العذراء مكانا شاهدت رسول ربها المتمثل لها بصورة البشر قال سبحانه: - (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا - قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا - قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا - قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا - قال كذلك قال ربك هو علي هينولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا) - [598] . نري أن مريم البتول رأت الملك وسمعت كلامه ولم تصبح نبية ولا رسولة، [ صفحه 356] فمن تدبر في الكتاب والسنة يقف علي أبدال شملتهم العناية الإلهية وقفوا علي أسرار الشريعة ومكامن الدين بفضل من الله سبحانه من دون أن يصيروا أنبياء.

عصمة الأئمة الاثني عشر

إن القول بعصمة الأئمة الاثني عشر وقعت ذريعة لتخيل أنهم أنبياء، زاعمين بأن العصمة تساوي النبوة، غافلين عن أنها أعم من النبوة وإليك البيان: العصمة: قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، حيث لا يترك واجبا، ولا يفعل محرما مع قدرته علي الترك والفعل، وإلا لم يستحق مدحا

ولا ثوابا، وإن شئت قلت: إن المعصوم قد بلغ في التقوي حدا لا تتغلب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبة لا يخطأ معها أبدا. وليست العصمة شيئا ابتدعته الشيعة وإنما دلهم عليها في حق العترة الطاهرة كتاب الله وسنة رسوله، أما الكتاب: فقد قال سبحانه: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) - (الأحزاب / 33) وليس المراد من الرجس إلا الرجس المعنوي وأظهره الفسق. وأما السنة فنذكر بعضها: 1 - قال الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم ": " علي مع الحق والحق مع [ صفحه 357] علي يدور معه كيفما دار " [599] ومن دار معه الحق كيفما دار محال أن يعصي أو أن يخطئ. 2 - وقال الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " في حق العترة: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا " [600] فإذا كانت العترة عدل القرآن، تصبح معصومة كالكتاب، لا يخلف أحدهما الآخر وليس القول بعصمة العترة بأعظم من القول بكون الصحابة كلهم عدول. ولا أظن أن يرتاب فيما ذكرنا أحد، إلا أن اللازم التعرف علي أهل بيته عن طريق نصوص الرسول الأكرم فنقول: من هم العترة وأهل البيت؟ لا أظن أن أحدا، قرأ الحديث والتاريخ، يشك في أن المراد من العترة وأهل البيت لفيف خاص من أهل بيته، ويكفي في ذلك مراجعة الأحاديث التي جمعها ابن الأثير في جامعه عن الصحاح، ونكتفي بالقليل من الكثير منها. روي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية: - (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم...) - الآية،

دعا رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ". وروي أيضا عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أن هذه الآية نزلت في بيتي: - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. قالت: وأنا جالسة عند الباب، فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ فقال: إنك إلي خير، أنت من أزواج رسول الله. قال: وفي البيت رسول الله، وعلي، [ صفحه 358] وفاطمة، وحسن، وحسين، فجللهم بكسائه وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". وروي أيضا عن أنس بن مالك: أن رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلي الصلاة حين نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر، يقول: " الصلاة أهل البيت ": - (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) -. وروي مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم، إلي زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم "؟ قال: يا ابن أخي والله، لقد كبر سني، وقدم عهدي، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله " صلي الله عليه وآله وسلم " يوما فينا خطيبا بماء يدعي خما، بين مكة

والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر ثم قال: " أما بعد، ألا أيها الناس، إنما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به - فحث علي كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: - وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ". فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلي أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين [ صفحه 359] حرموا الصدقة بعده [601] . 3 - روي المحدثون عن النبي الأكرم أنه قال: " إنما مثل أهل بيتي في أمتي، كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " [602] . فشبه - صلوات الله عليه وآله - أهل بيته بسفينة نوح في أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ أصوله وفروعه منهم نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن آوي يوم الطوفان إلي جبل ليعصمه من أمر الله غير أن ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم. فإذا كانت هذه منزلة علماء أهل البيت - (فأني تصرفون) -؟ يقول ابن حجر في صواعقه: " ووجه تشبيههم بالسفينة: أن من أحبهم وعظمهم، شكرا لنعمة مشرفهم وأخذا بهدي علمائهم، نجا من ظلمة المخالفات. ومن تخلف عن ذلك، غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان " [603] . [ صفحه 360]

عصمة الإمام في الكتاب

ومما يدل علي عصمة الإمام علي وجه الاطلاق قوله سبحانه: - (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) - (النساء /

59). والاستدلال مبني علي دعامتين: 1 - إن الله سبحانه أمر بطاعة أولي الأمر علي وجه الاطلاق، أي في جميع الأزمنة والأمكنة وفي جميع الحالات والخصوصيات، ولم يقيد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشئ كما هو مقتضي الآية. 2 - إن من البديهي أنه سبحانه لا يرضي لعباده الكفر والعصيان - (ولا يرضي لعباده الكفر) - (الزمر / 7). من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداء من دون تدخل أمر آمر أو نهي ناه، أو يقومون به بعد صدور أمر ونهي من أولي الأمر. فمقتضي الجمع بين هذين الأمرين: وجوب إطاعة أولي الأمر علي وجه الاطلاق وحرمة طاعتهم إذا أمروا بالعصيان، وأن يتصف أولو الأمر الذين وجبت إطاعتهم علي وجه الاطلاق، بخصوصية ذاتية وعناية إلهية ربانية، تصدهم عن الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة. وليس هذا إلا عبارة أخري عن كونهم معصومين، وإلا فلو كانوا غير واقعين تحت العناية، لما صح الأمر بإطاعتهم علي وجه الاطلاق ولما صح الأمر بالطاعة بلا قيد وشرط. فيستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة اشتمال المتعلق علي خصوصية تصده عن الأمر بغير الطاعة. هذه الآية تدل علي عصمة من أمر الله بطاعتهم ولا تحدد مصداق المعصوم الواجب طاعته. ولكن اتفقت الأمة علي عدم عصمة غير النبي والأئمة الاثني عشر، فلا محيص عن انطباقه عليهم لئلا تخلو الآية عن المصداق. [ صفحه 361] وممن صرح بدلالة الآية علي العصمة الإمام الرازي في تفسيره ويطيب لي أن أذكر نصه حتي يمعن فيه من يعشق الحقيقة قال: " إن الله تعالي أمر بطاعة أولي الأمر علي سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته علي سبيل الجزم والقطع، لا بد وأن يكون معصوما

عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه علي الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلي اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنه محال فثبت أن الله تعالي أمر بطاعة أولي الأمر علي سبيل الجزم وثبت أن كل من أمر الله بطاعته علي سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ، فثبت قطعا أن أوليالأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما " [604] . تم بيد مؤلفه الفقير إلي رحمة الله جعفر السبحاني ابن الفقيه الشيخ محمد حسين التبريزي - قدس الله سره - نحمده سبحانه ونشكره وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

پاورقي

[1] الأبيات للأستاذ: محمود البغدادي - دام علاه -.

[2] الطبري: التفسير: 6 / 86 ومفاتيح الغيب: 11 / 162 والمنار: 6 / 228.

[3] المائدة / 6.

[4] يقال: ليس هذا بعالم ولا عاملا. قال الشاعر: معاوي إننا بشر فاسجح ++ فلسنا بالجبال ولا الحديدا لاحظ: المغني لابن هشام: الباب الرابع.

[5] الطبري: التفسير: 6 / 82 - 83.

[6] الحر العاملي: الوسائل 1، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 9 و 10.

[7] مفاتيح الغيب: 11 / 162.

[8] قال سبحانه حاكيا عن سليمان: - (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) - - ص / 33 -أي مسح بيده علي سوق الصافنات الجياد وأعناقها.

[9] صحيح البخاري ج 1 كتاب العلم ص 18 باب من رفع صوته، الحديث 1. [

[10] مجمع البيان: 2 / 167.

[11] سنن ابن ماجة: 1 / 170 باب ما جاء في غسل القدمين الحديث الأول.

[12] لاحظ التعليقة لسنن ابن ماجة

170 وميزان الاعتدال للذهبي: 4 / 519، برقم 10138 وص489 باب " أبو إسحاق ".

[13] المنار: 6 / 234.

[14] ولذا تري حفاة الشيعة والعمال منهم - كأهل الحرث وأمثالهم وسائر من لا يبالون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة المشروطة بالطهارة - إذا أرادوا الوضوء غسلوا أرجلهم ثم توضأوافمسحوا عليها نقية جافة.

[15] مسائل فقهية: 82.

[16] ابن حزم: المحلي: 2 / 56 برقم 200.

[17] قد عرفت الجواب عنه فيما سبق.

[18] الإمام الرازي: مفاتيح الغيب: 11 / 161.

[19] الزمخشري: الكشاف: 1 / 449.

[20] سيأتي أنه من فصول الأذان أسقط منها لغاية خاصة.

[21] لا منافاة بين الروايتين وكم نزل أمين الوحي بآية واحدة مرتين، والغاية من التأذين في الأولغيرها في الثاني كما هو واضح لمن تدبر.

[22] كان علي - عليه السلام - محدثا وهو يسمع كلام الملك. لاحظ صحيح البخاري وشرحه: إرشاد الساري: 6 / 99 وغيره باب رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء... روي عن النبي أنه قال:لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل....

[23] الكليني: الكافي: 3 / 302 باب بدء الأذان الحديث 1 - 2 وباب النوادر ص 482 الحديث 1.وسيأتي أنه ادعي رؤية الأذان في النوم ما يقرب من أربعة عشر رجلا.

[24] سيوافيك نقله عن السنن.

[25] وسائل الشيعة: الجزء 4 / 612، الباب الأول من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 3.

[26] المروي عنهم - عليهم السلام - أن الإقامة مثني مثني إلا الفصل الأخير وهو مرة.

[27] الحاكم: المستدرك: 3 / 171، كتاب معرفة الصحابة.

[28] المتقي الهندي: كنز العمال: 6 / 277 برقم 397.

[29] برهان المدني الحلبي: السيرة: 2 / 297.

[30] المتقي الهندي: 8 / 329 برقم 23138، فصل في الأذان.

[31] عبد الرزاق: همام الصنعاني (126

- 211): المصنف: 1 / 456 برقم 1775.

[32] الحلبي: السيرة: 2 / 296 باب بدء الأذان ومشروعيته.

[33] أفيصح في منطق العقل أن يكتم الإنسان تلك الرؤيا التي فيها إراحة للنبي وأصحابه عشرينيوما، ثم يعلل ذلك - بعد سماعها من ابن زيد - بأنه استحيي....

[34] أبو داود: السنن: 1 / 134 - 135 برقم 498 - 499 تحقيق محمد محيي الدين.

[35] ابن ماجة: السنن: 1 / 232 - 233 باب بدء الأذان، برقم 706 - 707.

[36] الترمذي: السنن: 1 / 358، باب ما جاء في بدء الأذان برقم 189.

[37] الحلبي: السيرة النبوية: 2 / 297.

[38] الترمذي: السنن: 1 / 362 رقم 190، النسائي: السنن: 2 / 3، البيهقي: السنن: 1 / 389 في باببدء الأذان الحديث الأول.

[39] البيهقي: السنن: 1 / 390. الحديث 1 و 2.

[40] الحلبي: السيرة الحلبية: 2 / 300.

[41] البخاري: الصحيح: 1 / 120 باب بدء الأذان.

[42] شرف الدين: النص والاجتهاد: 137.

[43] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 12 / 188 برقم 767.

[44] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 34 / 142 برقم 7545.

[45] المصدر نفسه: 24 / 304.

[46] المصدر نفسه: 24 / 423 - 424، ولاحظ تاريخ بغداد: 1 / 221 - 224.

[47] السنن: الترمذي: 1 / 361، ابن حجر: تهذيب التهذيب: 5 / 224.

[48] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 14 / 541.

[49] الحاكم: المستدرك: 3 / 336.

[50] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 16 / 519 برقم 3755.

[51] المصدر نفسه: 25 / 139 برقم 5178.

[52] الشوكاني: نيل الأوطار: 2 / 42.

[53] الإمام أحمد: المسند: 4 / 42 - 43.

[54] الذهبي: ميزان الاعتدال: 2 / 100 برقم 2997.

[55] الدارمي: السنن: 1 / 267 - 269 باب

بدء الأذان.

[56] مالك: الموطأ: 75 باب ما جاء في النداء للصلاة برقم 1.

[57] الذهبي: سير أعلام النبلاء: 5 / 468 برقم 213.

[58] ابن سعد: الطبقات الكبري: 1 / 246 - 247.

[59] الذهبي: سير أعلام النبلاء: 2 / 376 برقم 79، وسيوافيك تفصيله في المقام الثاني. والضميريرجع إلي عبد الرحمن، وسيوافيك أنه من البعيد أن يروي سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد.

[60] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 27 / 508 برقم 5925.

[61] المصدر نفسه: 26 / 439 - 440.

[62] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 12 / 188 برقم 768.

[63] البيهقي: السنن: 1 / 390.

[64] الدارقطني: السنن: 1 / 245 برقم 56 و 57.

[65] الذهبي: ميزان الاعتدال: 3 / 674 برقم 8017 و 8018، جمال الدين المزي: تهذيبالكمال: 26 / 220 برقم 5516، ابن حجر: تهذيب التهذيب: 9 / 378 برقم 620.

[66] الدارقطني: السنن: 1 / 242 برقم 31.

[67] الدارقطني: السنن: 1 / 242 برقم 31.

[68] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 1 / 226 وابن منظور: لسان العرب مادة " ثوب "،والفيروز آبادي: القاموس، مادة " ثوب ". والبحراني: الحدائق: 7 / 419.

[69] السنن: 2 / 14 قسم التعليقة.

[70] لاحظ ص 41 من هذا الكتاب.

[71] لاحظ ما نقلناه عن الإمام أحمد، بعد أحاديث السنن ص 42.

[72] لاحظ ص 44 من هذا الكتاب.

[73] ابن ماجة: السنن: 1 / 237 برقم 715 - 716.

[74] ابن ماجة: السنن: 1 / 237 برقم 715 - 716.

[75] الشوكاني: نيل الأوطار: 2 / 42.

[76] الترمذي: السنن: 1 / 378، برقم 198.

[77] ابن ماجة: السنن: 1 / 237، برقم 716، وولد سعيد بن المسيب عام 13 وتوفي عام 94.

[78] النسائي: السنن: 2

/ 13 باب التثويب في الأذان.

[79] البيهقي: السنن: 1 / 422، الصنعاني: سبل السلام: 1 / 221.

[80] البيهقي: السنن: 1 / 422، الصنعاني: سبل السلام: 1 / 221.

[81] ابن حزم الأندلسي: أسماء الصحابة الرواة: برقم 188.

[82] البيهقي: السنن: 1 / 421 - 422 باب التثويب في أذان الصبح.

[83] الذهبي: ميزان الاعتدال: 2 / 114، برقم 3075 (السائب)، وابن حجر: تهذيب التهذيب:7 / 117 برقم 252 (عثمان بن السائب).

[84] أبو داود: السنن: 1 / 136، برقم 500.

[85] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 9 / 317.

[86] الشوكاني: نيل الأوطار: 2 / 43.

[87] أبو داود: السنن: 1 / 136 - 137، باب كيفية الأذان برقم 501 - 504.

[88] أبو داود: السنن: 1 / 136 - 137، باب كيفية الأذان برقم 501 - 504.

[89] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 2 / 44 برقم 147.

[90] الدارقطني: السنن: 1 / 243 برقم 38 - 39 - 40.

[91] الدارقطني: السنن: 1 / 243 برقم 41.

[92] الذهبي: ميزان الاعتدال: 2 / 556 برقم 4851.

[93] الدارقطني: السنن: 1 / 244 - 245 برقم 48، 51، 52، 53.

[94] الدارمي: السنن: 1 / 270، باب التثويب في أذان الفجر.

[95] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 7 / 30 برقم 1399، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:1 / 560 برقم 2129: تفرد عن حفص، الزهري.

[96] الإمام مالك: الموطأ: 78 برقم 8.

[97] المتقي الهندي: كنز العمال: 8 / 357 برقم 23252 و 23251، ورواه عبد الرزاق فيالمصنف: 1 / 474 برقم 1827 و 1828 و 1829.

[98] عبد الرزاق الصنعاني: المصنف: 1 / 475 برقم 1832، ورواه أيضا المتقي الهندي: 8 / 357برقم 23250.

[99] أبو داود: السنن: 1 / 148 برقم 538.

[

[100] الخوارزمي: جامع المسانيد: 1 / 296.

[101] الشوكاني: نيل الأوطار: 2 / 43 ولعل الصحيح " شعارا " لا " إشعارا ".

[102] الصنعاني: سبل السلام في شرح بلوغ المرام: 1 / 222.

[103] ابن قدامة: المغني: 1 / 419 - 420.

[104] الوسائل: 4 / الباب 92 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 1، ولاحظ أحاديث الباب.

[105] علاء الدين القوشجي (المتوفي عام 879 ه بالقسطنطينية): شرح التجريد: اقرأ ترجمته فيكتابنا " بحوث في الملل والنحل ج 2 - ط. بيروت.

[106] أبو الفرج الأصفهاني (284 ه - 356 ه): مقاتل الطالبيين: 297.

[107] برهان الدين الحلبي: السيرة: 2 / 295.

[108] من تكفير العلج للملك، بمعني وضع يده علي صدره، والتضامن له.

[109] محمد جواد مغنية: الفقه علي المذاهب الخمسة: ص 110.

[110] صحيح مسلم: 1 / 382، مؤسسة عز الدين، بيروت 1407.

[111] النجفي، جواهر الكلام: 11 / 15 و 16، ولاحظ وسائل الشيعة: 4 / 126 الباب 15 منأبواب قواطع الصلاة.

[112] محمد بن صالح العثيمين: دروس وفتاوي في الحرم المكي ص 26.

[113] روي مسلم عن ابن عباس قال: صلي رسول الله الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته. (صحيح مسلم: 2 / 151 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر).

[114] ابن حجر، فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 2 / 224، باب وضع اليمني علي اليسري. ورواه البيهقي في السنن الكبري: 2 / 28 الحديث 3 في باب وضع اليمني علي اليسري فيالصلاة.

[115] المراد: إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي. لاحظ فتح الباري: 5/ 325.

[116]

المصدر السابق، هامش رقم (1).

[117] مسلم: الصحيح: 1 / 382، الباب الخامس من كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمني علي اليسري، وفي سند الحديث " همام " ولو كان المقصود، هو همام بن يحيي فقد قال ابن عمار فيه: كان يحيي القطان لا يعبأ ب " همام " وقال عمر بن شيبة: حدثنا عفان قال: كان يحيي بن سعيد يعترض علي همام في كثير من حديثه. وقال أبو حاتم: ثقة في حفظه. لاحظ هدي الساري: 1 /449.

[118] سنن البيهقي: 2 / 28 وفي سند الحديث عبد الله بن جعفر، فلو كان هو ابن نجيح قال ابن معين: ليس بشئ، وقال النسائي: متروك، وكان وكيع إذا أتي علي حديثه جز عليه، متفق عليضعفه. لاحظ دلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر: 1 / 87.

[119] المصدر نفسه وفي سنده عبد الله بن رجاء. قال عمرو بن علي الفلاس: كان كثير الخلطوالتصحيف، ليس بحجة. لاحظ هدي الساري: 1 / 437.

[120] سنن البيهقي: 2 / 28 باب وضع اليد اليمني علي اليسري الحديث 5.

[121] هدي الساري: 1 / 449.

[122] الحر العاملي: الوسائل 4 / الباب الخامس عشر من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 1 و 2 و 7.

[123] فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة / 183.

[124] إشارة إلي قوله سبحانه: - (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهمبالغدو والآصال) - - الرعد / 15 -.

[125] فصلت: الآية 37.

[126] من أعلام الشيعة في القرن الخامس صاحب التصانيف والمؤلفات ولد 385 ه وتوفي عام 460 ه من تلاميذ الشيخ المفيد 336 - 413 ه، والسيد الشريف المرتضي 355 - 436 ه -رضي الله عنهما -.

[127] الخلاف: 1 كتاب

الصلاة / 357 - 358، المسألة 112 - 113.

[128] الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي 648 - 726 ه وهو زعيم الشيعة في القرن السابع، لايسمح الدهر بمثله إلا في فترات خاصة.

[129] الوسائل: ج 3، الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه، الحديث 1، وهناك روايات بمضمونه. والكل يتضمن أن الغاية من السجود التي هي التذلل لا تحصل بالسجود علي غيرها فلاحظ.

[130] مستدرك الوسائل: 4 باب 10 من أبواب ما يسجد عليه. ولعل الحديث ورد في أوائل الهجرة وقد كان المسلمون آنذاك يسجدون علي الأرض فقط ولا منافاة بينه وبين ما يأتي منالرخصة بالنسبة إلي ما أنبتته الأرض.

[131] اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر: عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري المصريالمعروف بالشعراني (من أعيان علماء القرن العاشر): 1 / 164. الطبعة الأولي.

[132] محمد بن محمد بن سليمان المغربي (المتوفي عام 1049): جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد: 1 / 214 برقم 1515.

[133] صحيح البخاري: 1 / 91 كتاب التيمم الحديث 2 وسنن البيهقي: 2 / 433 باب: أينما أدركتكالصلاة فصل فهو مسجد، ورواه غيرهما من أصحاب الصحاح والسنن.

[134] أحكام القرآن للجصاص: 2 / 389 نشر بيروت.

[135] مسند أحمد: 3 / 327 من حديث جابر وسنن البيهقي: 1 / 439 باب ما روي في التعجيل بهافي شدة الحر.

[136] سنن البيهقي: 2 / 105.

[137] السنن الكبري: 2 / 106.

[138] سنن البيهقي: 2 / 105 باب الكشف عن الجبهة.

[139] ابن الأثير: النهاية: 2 / 497 مادة " شكي ".

[140] المتقي الهندي: كنز العمال: 7 / 465 برقم 19810.

[141] المصدر نفسه: 7 / 459 برقم 19776.

[142] المتقي الهندي: كنز العمال: 7 / 459 برقم 19777.

[143] المصدر نفسه: 7

/ 465، برقم 19810 ومسند أحمد: 6 / 301.

[144] ابن سعد: الطبقات الكبري: 1 / 151 كما في السجود علي الأرض 41.

[145] منتخب كنز العمال المطبوع في هامش المسند: 3 / 194.

[146] البيهقي: السنن الكبري: 2 / 105.

[147] المصدر نفسه.

[148] أبو نعيم الأصفهاني: أخبار أصبهان: 2 / 141.

[149] مسند أحمد: 1 / 269 - 303 - 309 و 358.

[150] المصدر نفسه: 6 / 179 وفيه أيضا قال للجارية وهو في المسجد: ناوليني الخمرة.

[151] المصدر نفسه: 302.

[152] مسند أحمد: 6 / 331 - 335.

[153] المصدر نفسه: 377.

[154] المصدر نفسه: 2 / 92 - 98.

[155] صحيح البخاري: 1 / 101، صحيح مسلم: 2 / 109، مسند أحمد: 1 / 100، السنن الكبري:2 / 106.

[156] كنز العمال: 8 / 130 برقم 22238.

[157] البيهقي: السنن: 2 / 106.

[158] المصنف لعبد الرزاق: 1 / 400 كما في سيرتنا وسنتنا، والسجدة علي التربة 93.

[159] البيهقي: السنن الكبري: 2 / 106، باب من بسط ثوبا فسجد عليه.

[160] البخاري: 2 / 64 كتاب الصلاة باب بسط الثوب في الصلاة للسجود.

[161] ابن الأثير: الجامع الأصول: 5 / 468 برقم 3660.

[162] أبو داود: السنن: باب ما جاء في الصلاة علي الخمرة برقم 331.

[163] العلامة الأميني: سيرتنا وسنتنا 158 - 159.

[164] أبو بكر بن أبي شيبة: المصنف: 1 / 400 كما في السجدة علي التربة 93.

[165] الأرض والتربة الحسينية: 24.

[166] العلامة الأميني: سيرتنا وسنتنا: 166 - 167 طبعة النجف الأشرف.

[167] الدمشقي: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: 1 / 88 ونقله أيضا العلامة الأميني في الغدير:10 / 209.

[168] الرازي: مفاتيح الغيب: 1 / 205 - 206.

[169] الأزهري: تهذيب اللغة، مادة " غنم ".

[170] الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة

" غنم ".

[171] ابن فارس: مقاييس اللغة مادة " غنم ".

[172] ابن منظور الإفريقي: لسان العرب نفس المادة.

[173] نهاية اللغة، مادة " غنم ".

[174] قاموس اللغة، مادة " غنم ".

[175] النساء: الآية 94.

[176] ابن ماجة: السنن: كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة، الحديث 1797.

[177] أحمد: المسند: ج 2 ص 330 و 374 و 524.

[178] المصدر نفسه: ص 177.

[179] النهاية، مادة " غنم ".

[180] أحمد: المسند: 1 / 314، وسنن ابن ماجة 2 / 839 ط 1373 ه.

[181] مسلم: الصحيح: 5 / 127 باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الحدود،وصحيح البخاري 1 / 182 باب في الركاز الخمس.

[182] الخراج: 22.

[183] أحمد: المسند: 3 / 335.

[184] المصدر نفسه: 5 / 326.

[185] المصدر نفسه: 3 / 128.

[186] المصدر نفسه: 2 / 186.

[187] ابن الأثير: النهاية، مادة " سيب ".

[188] الترمذي: السنن 6 / 145 باب ما جاء في العجماء.

[189] النهاية، مادة " إرم ".

[190] تري أن أبا يوسف يعد الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمة الواردة في آيةالخمس وهو شاهد علي كونها عامة مفهوما.

[191] هذا رأي أبي يوسف، وإطلاق الآية يخالفه مضافا إلي مخالفته مع روايات أئمة أهل البيتفإنها تفرض الخمس في الجميع.

[192] الخراج: 22.

[193] البخاري: الصحيح: 4 / 250 باب " والله خلقكم وما تعملون " من كتاب التوحيد، وج 1 ص 13 و 19، وج 3 ص 53، ومسلم: الصحيح 1 / 35 - 36 باب الأمر بالإيمان، النسائي: السنن:1 / 333، وأحمد: المسند 1 / 318، الأموال: ص 12 وغيرها.

[194] البلاذري: فتوح البلدان: 1 / 81 باب اليمن، وسيرة ابن هشام: 4 / 265. وتنوير الحوالك فيشرح موطأ مالك:

1 / 157.

[195] الوثائق السياسية: 227 برقم 110. (ط 4 بيروت).

[196] ابن سعد: الطبقات الكبري: 1 / 270.

[197] المصدر نفسه: ص 304 - 305.

[198] المصدر نفسه: ص 270.

[199] الوثائق السياسية: ص 265 برقم 157.

[200] فتوح البلدان: 1 / 82 وسيرة ابن هشام: 4 / 258.

[201] الإصابة: 2 / 189 وأسد الغابة: 3 / 34.

[202] ابن سعد: الطبقات الكبري: 1 / 271.

[203] ابن ماجة: السنن: كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.

[204] ابن ماجة: السنن: كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.

[205] البخاري: الصحيح: 2 / 48 باب النهب بغير إذن صاحبه.

[206] أبو داود: السنن: 2 / 12.

[207] رواه البخاري في الصيد، راجع التاج: 4 / 334.

[208] الوسائل: ج 6 الباب 8 من أبواب الخمس، الحديث 1.

[209] المصدر نفسه، الحديث 6.

[210] المصدر نفسه، الحديث 3.

[211] النيسابوري: ط بهامش الطبري: 10 / 4.

[212] أبو العالية الرياحي: هو رفيع بن مهران مات سنة 90، لاحظ تهذيب التهذيب: 3 / 246.

[213] أبو عبيد القاسم بن سلام: الأموال: 325، الطبري: التفسير: 10 / 4، والجصاص: أحكامالقرآن: 3 / 60.

[214] عطاء بن أبي رباح مات سنة 114، أخرج حديثه أصحاب الصحاح.

[215] الطبري: التفسير: 10 / 4.

[216] المصدر نفسه. والأصح أن يقول ستة أسداس وعرفت وجه العدول عنه.

[217] المصدر نفسه / 5، فجعل خمس الخمس، بلحاظ المواضع الخمسة ما سوي لله، وجعلهكله لهم باعتبار أن أمره أيضا بيده، فلا منافاة بين الجعلين.

[218] الوسائل: ج 6 الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، ولاحظ أيضا صحيح البخاري1 / 181، باب تحريم الزكاة علي رسول الله.

[219] محمد جواد مغنية: الفقه علي المذاهب الخمسة: 188.

[220] أبو فرج عبد الرحمان بن قدامة المقدسي: الشرح الكبير

- علي هامش المغني -: 10 / 493 -494.

[221] الأنفال: الآية 41.

[222] الكشاف: 2 / 126.

[223] البخاري: الصحيح: 3 / 36 باب غزوة خيبر. وفي صحيح مسلم: 5 / 154: "... وصلي عليهاعلي ".

[224] مسلم: الصحيح: 2 / 105، كتاب الجهاد والسير.

[225] لشرف الدين: النص والاجتهاد: 25 - 27.

[226] لاحظ الكتب الفقهية للشيعة الإمامية في ذلك المجال.

[227] النساء: الآية 23 - 24.

[228] النساء: الآية 3.

[229] النساء: الآية 4.

[230] النساء: الآية 19.

[231] النساء: الآية 20.

[232] النساء: الآية 25.

[233] المؤمنون: الآية 6.

[234] أحمد: المسند: 4 / 436.

[235] الطبري: التفسير: 5 / 9.

[236] أحكام القرآن: 2 / 178.

[237] السنن الكبري: 7 / 205.

[238] الكشاف: 1 / 360.

[239] جامع أحكام القرآن: 5 / 13.

[240] مفاتيح الغيب: 3 / 267.

[241] وسنعود إلي هذه الشبهة في نقد كلام " الدريني " أيضا.

[242] المنار: 5 / 17.

[243] المؤمنون: الآية: 5 - 7.

[244] المنار: 5 / 13.

[245] لاحظ كتابه: السنة والشيعة: 65 - 66.

[246] لاحظ للوقوف علي مصادر هذه الأقوال مسائل فقهية: لشرف الدين: 63 - 64، الغدير:6 / 225، أصل الشيعة وأصولها: 171، والأقوال في النسخ أكثر مما جاء في المتن.

[247] مفاتيح الغيب: 10 / 52 - 53، القوشجي: شرح التجريد: 484 طبع إيران.

[248] الطبري: التفسير: 5 / 9.

[249] أحمد: مسند: 2 / 95.

[250] المائدة: الآية 87.

[251] البخاري: الصحيح: 7 / 4، كتاب النكاح، الباب 8، الحديث 3.

[252] البخاري: الصحيح: 6 / 27، كتاب التفسير، تفسير قوله تعالي: - (فمن تمتع بالعمرة إليالحج) - من سورة البقرة.

[253] أحمد: المسند: لاحظ مسائل فقهية للسيد شرف الدين: 70.

[254] المؤمنون: الآية 1 - 7.

[255] ابن خلكان: وفيات الأعيان: 6 / 149 - 150.

[256] مسلم: الصحيح:

4 / 130، باب نكاح المتعة الحديث 8، طبع محمد علي صبيح.

[257] أحمد: المسند: 1 / 52.

[258] الاثنا عشرية وأهل البيت تأليف مغنية 46.

[259] حديث رواه الفريقان.

[260] لاحظ أصول الدين للإمام أبي منصور البغدادي: 150 طبع بيروت، ونهاية الإقدامللشهرستاني: 397، تحقيق " الفرد جيوم " والمواقف للإيجي: 321 وغيرها.

[261] المقدمة: وقد أخذه من تفسير " المنار " قال: " إن مصلحة البشر أن تكون هذه الداعية الفطرية سائقة لكل فرد من أفراد أحد الجنسين لأن يعيش مع فرد من الجنس الآخر عيشة الاختصاص، لتتكون بذلك البيوتات ويتعاون الزوجان علي تربية أولادهما، فإذا انتفي قصد هذا الإحصان،انحصرت طاعة الداعية الفطرية في قصد سفح الماء... " (المنار: 5 / 8) ط عام 1367.

[262] السيوطي: الدر المنثور: 2 / 141 وروي النص عن علي - عليه السلام - أيضا لاحظ تفسيرالإمام الرازي: 3 / 200 المسألة الثالثة في بيان نكاح المتعة.

[263] ابن الأثير: النهاية، مادة " الحصن " بتوضيح منا.

[264] السيوطي: الدر المنثور: 2 / 139.

[265] نظيره قوله سبحانه - (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) - (التحريم: الآية 12) أيمنعت فرجها من دنس المعصية وعفت عن الحرام.

[266] الإمام عبده: المنار: 5 / 9: ليكن عفيفات طاهرات ولا يكون التزوج لمجرد التمتع وسفحالماء وإراقته وهو يدل علي بطلان النكاح المؤقت وهو نكاح المتعة الذي يشترط فيه الأجل.

[267] مقدمة الدريني علي كتاب " الأصل في الأشياء... " ص 16 - 17.

[268] المصدر السابق: ص 17 - 18.

[269] موسي جار الله: الوشيعة في نقض عقائد الشيعة / 32.

[270] السيوطي: الدر المنثور: 2 / 140.

[271] البخاري: الصحيح: 7 / 13 كتاب النكاح.

[272] مسلم: الصحيح: 4 / 130 باب نكاح المتعة.

[273] مسلم:

الصحيح: 4 / 130 باب نكاح المتعة.

[274] الفخر الرازي: مفاتيح الغيب: 10 / 49.

[275] المغني: 7 / 136 وكلامه صريح في عدم الوجوب وعدم الخلاف فيه بين المذاهب.

[276] الحر العاملي: الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب المتعة الحديث 1 والسند صحيح.

[277] لاحظ التفاسير بالأثر: الدر المنثور: 2 / 140.

[278] المقدمة: 22.

[279] مسلم: الصحيح، الجزء 4 باب نكاح المتعة، ص 131 الحديث 8، البيهقي: السنن: 7 / 206.

[280] البيهقي: السنن: 7 / 206، ومسلم: الصحيح الجزء 4 باب في المتعة بالحج الحديث 1.

[281] الإمام أحمد: المسند: 4 / 436.

[282] الطبري: التفسير: 5 / 9.

[283] الراغب: المحاضرات: 2 / 94.

[284] مقدمة كتاب " الأصل في الأشياء... " ص 26.

[285] قال الخرقي في متن المغني: " وأي الزوجين وجد بصاحبه جنونا أو جذاما أو برصا أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عفلاء أو فتقاء أو الرجل مجنونا فلمن وجد ذلك منهما يصاحبه الخيار في فسخ النكاح " المغني: 7 / 109 تصحيح محمد خليل، ولاحظ الخلاف للطوسي: 2 / 396 فصلفي العيوب المجوزة للفسخ المسألة 124.

[286] المقدمة: 28.

[287] الطبري: التفسير: 5 / 9.

[288] المقدمة: 31.

[289] المقدمة: 23.

[290] السيوطي: الدر المنثور: 2 / 140. والآية في سورة المائدة / 87.

[291] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 16 / 123.

[292] المرتضي: الإنتصار: 127 - 128.

[293] الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الطلاق المسألة 5.

[294] الطبري: جامع البيان: 28 / 88.

[295] السيوطي: الدر المنثور: 6 / 232، وعمران بن حصين من كبار أصحاب الإمام علي - عليهالسلام -.

[296] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18 / 157.

[297] الآلوسي: روح المعاني: 28 / 134.

[298] أحمد محمد شاكر: نظام الطلاق في الإسلام: 118 - 119.

[299] أبو زهرة:

الأحوال الشخصية: 365 كما في الفقه علي المذاهب الخمسة: 131 (والآية: 2 - 3من سورة الطلاق).

[300] الوسائل: ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 3 و 12 ولاحظ بقيةأحاديث الباب.

[301] الوسائل: ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 3 و 12 ولاحظ بقيةأحاديث الباب.

[302] الوسائل: ج 15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 3 و 12 ولاحظ بقيةأحاديث الباب.

[303] مجمع البيان: 5 / 306.

[304] مر نص كلامه حيث قال: والتفريق بينهما غريب.

[305] أصل الشيعة وأصولها: 163 - 165، الطبعة الثانية.

[306] ابن رشد: بداية المجتهد: 2 / 62، ط بيروت.

[307] الشيخ الطوسي: الخلاف: 2 كتاب الطلاق، المسألة 3. وعلي ما ذكره، نقل عن الإمام عليرأيان متناقضان، عدم الوقوع والوقوع مع الإثم.

[308] ابن قدامة: المغني: 7 / 416.

[309] عبد الرحمان الجزيري: الفقه علي المذاهب الأربعة: 4 / 341.

[310] الترمذي: الصحيح: 3 كتاب الطلاق، الباب 16، الحديث 1192.

[311] الطبري: التفسير: 2 / 278 وسيوافيك خبر أبي رزين.

[312] البقرة: الآية 231 وأيضا في سورة الطلاق: - (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أوفارقوهن بمعروف) - (الطلاق / 2).

[313] الجصاص: التفسير: 1 / 389.

[314] الأولي أن يقول: بكل طلاق.

[315] الجصاص: التفسير: 1 / 389.

[316] الطبري: التفسير: 2 / 278.

[317] البحراني: البرهان: 1 / 221، وقد نقل روايات ست في ذيل الآية.

[318] ابن كثير: التفسير: 1 / 53.

[319] الآية 231 من سورة البقرة والآية 2 من سورة الطلاق.

[320] الجصاص: أحكام القرآن: 1 / 378.

[321] البيهقي: السنن الكبري: 7 / 318 - 321، الحاكم: المستدرك: 2 / 24.

[322] المصدر نفسه: 7 / 321.

[323] فخرج الطلاق البائن كطلاق غير المدخولة، وطلاق اليائسة من

المحيض الطاعنة في السنوغيرهما.

[324] عبد الله بن جعفر الحميري: قرب الإسناد: 30، ورواه الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 15الباب 22، الحديث 25.

[325] النسائي: السنن: 6 / 142، السيوطي: الدر المنثور: 1 / 283.

[326] أحمد بن حنبل: المسند: 5 / 427.

[327] ابن حجر: فتح الباري: 9 / 315، ومع ذلك قال: رجاله ثقات، وقال في كتابه الآخر بلوغ المرام 224: رواته موثقون، ونقل الشوكاني في نيل الأوطار: 7 / 11، عن ابن كثير أنه قال: إسنادهجيد، أنظر " نظام الطلاق في الإسلام " للقاضي أحمد محمد شاكر: 37.

[328] ابن رشد: بداية المجتهد: 2 / 61، ورواه آخرون كابن قيم في إغاثة اللهفان: 156 والسيوطيفي الدر المنثور: 1 / 279 وغيرهم.

[329] أحمد بن حنبل: المسند: 1 / 265.

[330] أحمد أمين: فجر الإسلام: 238، نشر دار الكتاب.

[331] مسلم: الصحيح: 4 باب الطلاق الثلاث، الحديث 1 - 3. التتابع: بمعني الاكثار من الشر.

[332] مسلم: الصحيح: 4 باب الطلاق الثلاث، الحديث 1 - 3. التتابع: بمعني الاكثار من الشر.

[333] مسلم: الصحيح: 4 باب الطلاق الثلاث، الحديث 1 - 3. التتابع: بمعني الاكثار من الشر.

[334] البيهقي: السنن: 7 / 339، السيوطي: الدر المنثور: 1 / 279.

[335] العيني: عمدة القارئ: 9 / 537، وقال: إسناده صحيح.

[336] المتقي الهندي: كنز العمال: 9 / 676، برقم 27943.

[337] المتقي الهندي: كنز العمال: 9 / 676، برقم 27943.

[338] العيني: عمدة القارئ: 9 / 537.

[339] تيسير الوصول: 3 / 162.

[340] العمري: إيقاظ همم أولي الأبصار: 9.

[341] أحمد بن حنبل: المسند: 1 / 314، برقم 2877، وقد مر تخريج الحديث أيضا، لاحظ نظامالطلاق في الإسلام لأحمد محمد شاكر: 79.

[342] المتقي الهندي: كنز العمال: 9 / 676، برقم

27943.

[343] السيوطي: الدر المنثور: 1 / 283.

[344] ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين: 3 / 36.

[345] السيد محمد رشيد رضا: المنار: 2 / 386، الطبعة الثالثة 1376.

[346] ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين: 3 / 36، وأشار إليه أيضا في كتابه " إغاثة اللهفان من مصايدالشيطان ": 1 / 336.

[347] قال المحقق في الشرائع: 152: وفائدة السبق والرماية: بعث النفس علي الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال وهي معاملة صحيحة. وقال الشهيد الثاني: في المسالك في شرح عبارة المحقق: لا خلاف بين المسلمين في شرعية هذا العقد، بل أمر به النبي في عدة مواطن لما فيه من الفائدة المذكورة وهي من أهم الفوائد الدينية لما يحصل بها من غلبة العدو في الجهاد لأعداء الله تعالي. الذي هو أعظم أركان الإسلام ولهذه الفائدة يخرج عن اللهو واللعب المنهي عن المعاملة عليهما. فإذا كانت الغاية من تشريعها الاستعداد للقتال والتدرب للجهاد، فلا يفرق عندئذ بين الدارج فيزمن النبي وغيره أخذا بالملاك المتيقن.

[348] نهج البلاغة، الحكمة رقم 16. لاحظ كتابنا مفاهيم القرآن: 3 / 265 - 275.

[349] ابن قيم (المتوفي 751): إعلام الموقعين. 3 / 41 - 43، ولاحظ إغاثة اللهفان له أيضا: 1 / 312.

[350] ابن قدامة: المغني: 7 / 365.

[351] السبكي: تقي الدين علي بن عبد الكافي (المتوفي 756): الدرة المضيئة: 155.

[352] لاحظ الجزء السابع 369 - 414 بتصحيح الدكتور محمد خليل هراس.

[353] الفقه علي المذاهب الأربعة الجزء الرابع.

[354] المغني: 7 / 369 - 376.

[355] وسائل الشيعة 15، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الحديث 1.

[356] ظاهر الحديث: أن الإمام رد المرأة لوقوع الطلاق مكرها، وبما أنه لم تكن هناك كراهة ولميطلب أهل المرأة سوي النفقة، يحمل علي

خلاف ظاهره، من بطلان الطلاق لأجل الحلف به.

[357] نقل رواية عن شريح تركنا نقلها لعدم دلالتها. وكان عليه عطف عطاء عليه أيضا.

[358] ابن حزم الأندلسي: المحلي: 10 / 212 - 213.

[359] سيوافيك ضعف هذا الدليل بعد الفراغ من نقل كلامه.

[360] قد تعرفت علي القائلين بعدم كفاية الحلف في تحقق الطلاق في كلام ابن حزم الظاهري.

[361] ابن تيمية، الفتاوي الكبري: 3 / 12 و 13.

[362] السبكي: الدرة المضيئة: 155 - 156.

[363] الفقه علي المذاهب الخمسة: 414.

[364] وسائل الشيعة: الجزء 16، الباب 14 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 1 و 4، ولاحظ سائرأحاديث الباب.

[365] وسائل الشيعة: الجزء 16، الباب 14 من أبواب كتاب الإيمان، الحديث 1 و 4، ولاحظ سائرأحاديث الباب.

[366] الوسائل: الجزء 15، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.

[367] ابن حزم الأندلسي: المحلي: 10 / 213.

[368] الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الطلاق، المسألة 40.

[369] الوسائل: الجزء 15، الباب 16، الحديث 1.

[370] المصدر نفسه: الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 4.

[371] السيد المرتضي: الإنتصار: 14.

[372] الطوسي: الخلاف، كتاب الطلاق، المسألة 13.

[373] ابن إدريس الحلي: السرائر، كتاب الطلاق: 322. ولاحظ الطبعة الحديثة 2: 665.

[374] الشيخ الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الطلاق المسألة 2. وما ذكره من تقدير " قبل " إنما يتم علي القول بكون العبرة في العدة بالحيض فيكون قبلهما بينطهرها من الحيض والنفاس فتتم الدلالة.

[375] ابن رشد: بداية المجتهد: 2 / 65 - 66.

[376] الجزيري: الفقه علي المذاهب الأربعة: 4 / 297 - 302.

[377] الطلاق: الآية 2.

[378] النساء: الآية 228.

[379] الحر العاملي: الوسائل: 15، الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 4.

[380] النحل: الآية 44.

[381] النحل: الآية 64.

[382] القصص: الآية 8.

[383] أحمد محمد شاكر: نظام الطلاق

في الإسلام: 27.

[384] الحر العاملي: الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9، وغيره.

[385] راجع في الوقوف علي تلك الصور، السنن الكبري للبيهقي: 7 / 324 - 325.

[386] البقرة: الآية 228.

[387] البقرة: الآية 229.

[388] البقرة: الآية 231.

[389] البقرة: الآية 231.

[390] البقرة: الآية 230.

[391] ابن قدامة: المغني: 6 / 78.

[392] سيوافيك التصريح به من صاحب المنار أيضا.

[393] السيد المرتضي: الانتصار: 308.

[394] الطوسي: الخلاف: 2 كتاب الوصية 1.

[395] المغني: 6 / 79 - 80.

[396] المصدر نفسه.

[397] الفقه علي المذاهب الخمسة: 465.

[398] - (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد...) - النساء: الآية 12.

[399] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 2 / 262 - 263.

[400] رواه الدارمي في سننه، مرسلا عن قتادة: السنن: 2 / 419.

[401] الجصاص: أحكام القرآن: 1 / 164.

[402] سيوافيك نصه وسنده.

[403] النساء: الآية 11.

[404] النساء: الآية 12.

[405] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 1 / 263.

[406] المنار: 2 / 136 - 137.

[407] الجامع لأحكام القرآن: 14 / 126.

[408] المنار: 4 / 396.

[409] " الجران ": هو من العنق ما بين المذبح إلي المنحر. و " تقصع بجرتها ": أراد شدة المضغوضم بعض الأسنان علي بعض، وقيل: قصع الجرة: خروجها من الجوف إلي الشدق. النهاية.

[410] الترمذي: السنن: 4 / 433، باب ما جاء لا وصية لوارث، الحديث 2120 - 2121.

[411] الخطيب: تاريخ بغداد: 6 / 226 - 227.

[412] ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق: 4 / 376.

[413] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 3 / 175 - 178.

[414] الترمذي: السنن: 4 / 433، الحديث 220.

[415] النسائي: الضعفاء والمتروكين: 134 برقم 310.

[416] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 4 / 286، برقم 570.

[417] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال:

12 / 581.

[418] أبو داود: السنن: 3 / 114، باب ما جاء في الوصية للوارث، برقم 2870.

[419] النسائي: السنن: 6 / 207، كتاب الوصايا باب ابطال الوصية للوارث، الحديث بأسناده الثلاثة ينتهي إلي عمرو بن خارجة الذي قال البزارفي حقه: إنه لا نعلم له عن النبي إلا هذاالحديث.

[420] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 8 / 319، جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 23 / 509.

[421] سنن ابن ماجة: 2 / 905، كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث، الأحاديث 2712 - 2714.

[422] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 6 / 266 برقم 581.

[423] المصدر نفسه: 4 / 34 برقم 61.

[424] المصدر نفسه: 7 / 190 برقم 395.

[425] البيهقي: السنن الكبري: 6 / 264.

[426] الدارقطني: السنن: 4 / 152 " الوصايا " الحديث 10 و 11.

[427] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 7 / 234 رقم 476.

[428] الدارقطني: السنن: 4 / 152 " الوصايا " الحديث 12 و 13.

[429] الدارمي: السنن: 2 / 419، باب الوصية للوارث.

[430] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 3 / 213 برقم 473.

[431] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 11 / 196.

[432] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 10 / 40 برقم 68.

[433] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال: 3 / 198 برقم 483.

[434] البيهقي: السنن: 6 / 264 - 265.

[435] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 11 / 32 برقم 74.

[436] الصنعاني: عبد الرزاق بن همام (176 - 211): المصنف: 9 / 70 برقم 16376.

[437] لاحظ ما نقلناه عن أئمة الرجال في حق رواة الحديث ونقلته.

[438] ابن حجر: الإصابة: 2 / 527 والمزي: تهذيب الكمال: 21 / 599 وابن حبان: الثقات:3 / 271.

[439] وسائل الشيعة: 13، الباب 15 من أبواب أحكام الوصايا الحديث، وفيه ثلاثة

عشر حديثاتصرح علي جواز الوصية للوارث.

[440] لاحظ الرقم 14 مما سلف وفيه: فلا يجوز لوارث وصية إلا من الثلث.

[441] الحسن بن علي بن شعبة (من محدثي القرن الرابع) تحف العقول: 34.

[442] الطوسي: الخلاف 2 / كتاب الفرائض المسألة 16.

[443] ابن قدامة: المغني: 6 / 340.

[444] الوسائل: 17 الباب 1 من أبواب موانع الإرث ح 1 و 5، ولاحظ ح 6 و 7 و 8 و 14 و 17 و19 من ذلك الباب.

[445] الوسائل: 17 الباب 1 من أبواب موانع الإرث ح 1 و 5، ولاحظ ح 6 و 7 و 8 و 14 و 17 و19 من ذلك الباب.

[446] لاحظ الرواية 6 و 17 و 8 من ذلك الباب.

[447] لاحظ الرواية 6 و 17 و 8 من ذلك الباب.

[448] لاحظ الرواية 6 و 17 و 8 من ذلك الباب.

[449] ابن قدامة: المغني: 6 / 341.

[450] ابن قدامة: المغني: 6 / 341.

[451] الوسائل: 17 الباب 1 من أبواب موانع الإرث ح 6 و 14 و 15.

[452] الوسائل: 17 الباب 1 من أبواب موانع الإرث ح 6 و 14 و 15.

[453] الوسائل: 17 الباب 1 من أبواب موانع الإرث ح 6 و 14 و 15.

[454] المغني: 6 / 256 ونقل عن ابن سراقة أنه قال: أن عليه العمل اليوم في الأمصار.

[455] المغني: 6 / 236 - 237. وهذا ونظائره الكثيرة في الفرائض يعرب عن عدم وجود نظام محدد في الفرائض في متناول الصحابة، ومع أنهم يروون عن النبي أن أعلم الصحابة بالفرائض هو زيد بن ثابت وانه " صلي الله عليه وآله وسلم " قال: " أفرضهم زيد، وأقرأهم أبي ". لكنه تبع قضاءعمر ولم يكن عنده

شئ في المسألة التي يكثر الابتلاء بها.

[456] اتفقت عليه المذاهب كلها قال ابن قدامة: " فأما الزوجان فلا يرد عليهما، باتفاق أهل العلم "المغني: 6 / 257.

[457] يوسف: الآية 8.

[458] القصص: الآية 76.

[459] المغني: 6 / 226.

[460] لاحظ المغني: 6 / 236 عند قول الماتن: وابن الأخ للأب أولي من ابن ابن الأخ للأب.

[461] في المصدر: " الأب " والصحيح ما أثبتناه.

[462] المغني: 6 / 236.

[463] الطوسي: الخلاف: 2 / كتاب الفرائض المسألة 80.

[464] الانتصار: 278.

[465] مجمع البيان: 2 / 563 طبع صيدا.

[466] الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 10 و 11 و 2.

[467] الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 10 و 11 و 2.

[468] الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 10 و 11 و 2.

[469] مع الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر: 15 - 16.

[470] الانتصار: 283.

[471] ابن قدامة: المغني: 6 / 227.

[472] أي فأشرفت وقاربت.

[473] صحيح البخاري: 8 / 150، كتاب الفرائض، باب ميراث البنات.

[474] السنن الكبري: 6 / 242 باب الميراث بالولاء.

[475] صحيح البخاري: 8 / 150 كتاب الفرائض باب قول النبي: من ترك مالا فلأهله، وكنز العمال:11 / 7 الحديث 30388، وجامع الا صول: 9 / 631 قال: رواه الترمذي.

[476] المسند: 3 / 490، وسنن ابن ماجة: 2 / 916 باب ما تحوزه المرأة، ثلاث مواريث رقم 2742،وفي جامع الا صول: 9 / 614، برقم 7401... ولدها الذي لاعنت عنه. أخرجه أبو داود والترمذي.

[477] المغني: 6 / 229.

[478] المسالك، كتاب الفرائض عند شرح قول المحقق: ولا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب.

[479] الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 6 و 1.

[480] الوسائل:

17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 6 و 1.

[481] الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 3 و 14 ولاحظ الحديث 4 و 5و 7 - 13. من ذلك الباب.

[482] الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 3 و 14 ولاحظ الحديث 4 و 5و 7 - 13. من ذلك الباب.

[483] الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين الحديث: 3 و 14 ولاحظ الحديث 4 و 5و 7 - 13. من ذلك الباب.

[484] وفي السند " صالح بن السعدي وهو ممدوح، والحسين الرزاز مجهول، وفي التهذيب:9 / 267 رقم 972 " البزاز " وهو أيضا مجهول.

[485] الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 1 و 9.

[486] صحيح البخاري: 8 / 151 باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن، وص 152، باب ميراث الجد مع الأب والإخوة، ورواها عن سليمان بن حرب (مكان مسلم بن إبراهيم) ورجال السند في غيرهما، واحد وباب ابني عم أحدهما أخ والآخر زوج ص 153، رواها عن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع عن روح عن عبد الله بن طاووس. وصحيح مسلم: 5 / 59 باب ألحقوا الفرائض بأهلها عن ابن طاووس عن ابن عباس رقم 1615. وصحيح الترمذي في الفرائض باب ميراث العصبة رقم 2099. وسنن أبي داود في الفرائض باب ميراث العصبة رقم 2898.ولاحظ السنن الكبري: 6 / 238 باب العصبة، وجامع الا صول: 9 / 6104 رقم 7421.

[487] تهذيب التهذيب: 5 / 268 رقم 458 سير أعلام النبلاء، حوادث عام 132 وغيرهما.

[488] هو عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري: قال النجاشي: شيخ

من أصحابنا " أبو طالب " ثقة في الحديث، عالم به، كان قديما من الواقفة توفي عام 356 (رجال النجاشي برقم 615 طبع بيروت). وأما رجال السند ففي تعليقة الخلاف أنه لم يتعرف علي البربري، وأما بشر بن هارون لعله تصحيف بشر بن موسي إذ هو الراوي عن الحميدي علي ما في تاريخ البغدادي: 86. والحميدي هو عبد الله بن الزبير القرشي توفي بمكة 219 كما في تذكرة الحفاظ 2: 413، وسفيان هو سفيانبن عيينة وأبو إسحاق هو: عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعي.

[489] سليمان بن عبد الملك بن مروان سابع خلفاء بني أمية بويع سنة 96 وتوفي سنة 98 وهوابن خمس وأربعين سنة وكان خاتمه بيده يختم رسائله بخاتمه صيانة عن التزوير.

[490] التهذيب: لشيخ الطائفة: 9 / 262. الخلاف: 2، المسألة 80.

[491] الخلاف: 2 / 278، المسألة 80 والتهذيب للشيخ الطوسي: 9 / 262.

[492] الانتصار 279.

[493] الانتصار: 280.

[494] سنن الترمذي 4 / باب ما جاء في ميراث البنات رقم 2092، سنن ابن ماجة: 2 / 908 بابفرائض الصلب رقم 272، سنن أبي داود: 3 / 121، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2891.

[495] الدر المنثور: 2 / 124.

[496] البيهقي: السنن الكبري ص 69 باب فرض الابنتين، وقد أخطأ البيهقي كون الابنتين لقيس وقال: إنهما كانتا بنتي سعد، وقال أبو داود 3 / 121 رقم 2891: أخطأ بشر فيه انما هما ابنتا سعد بنالربيع، وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.

[497] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 6 / 140 لاحظ بقية كلامه.

[498] المصدر نفسه: 4 / 121.

[499] ابن حجر: تهذيب التهذيب: 1 / 459.

[500] البخاري: الصحيح: 8 / 150 في الفرائض باب ميراث البنات، وباب

ميراث الأخوات معالبنات عصبة.

[501] صحيح أبي داود في الفرائض باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2893. ولاحظ جامع الاصول: 9 / 610 رقم 7394.

[502] البخاري: الصحيح: 8 / 151 باب ميراث ابنة ابن مع ابنة، وسنن الترمذي: 4 / 415 باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب رقم 2093، وسنن أبي داود: 3 / 120، باب ما جاء فيميراث الصلب رقم 2890.

[503] الانتصار: 282.

[504] الفقه علي المذاهب الخمسة: 517 - 518.

[505] وعلي ما نقله أبو طالب الأنباري اتفق عليه اثنان: عمر، وعبد الله بن مسعود، وكانت الصحابة وفي مقدمهم الإمام علي - عليه السلام - علي خلاف هذا القول ولكن القوة التنفيذيةحالت بينهم وبين رأيهم.

[506] الانتصار: 284.

[507] الخلاف: 2، كتاب الفرائض: المسألة 81.

[508] وما ذكرناه قريب من أم الفروخ المذكورة في الخلاف فلاحظ.

[509] سهم الزوجة 19 = 327 = مجموع السهام 27 = 3 + 8 + 16.

[510] أخذنا الدلائل الثلاثة الأول من المغني: 6 / 242 مع تفصيل منا.

[511] الانتصار: 284.

[512] الانتصار: 285.

[513] هو عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري شيخ من أصحابنا، ثقة في الحديث عالم به، كان قديما من الواقفة توفي عام 356، اقرأ ترجمته في رجال النجاشي: 2 / 41 رقم 615، وتنقيح المقال وغيره وهو الذي روي خبر تكذيب ابن عباس رواية التعصيب. وقدتقدمت الإشارة إليه أيضا.

[514] سهم الزوجة 19 = 327 = مجموع السهام 27 = 3 + 8 + 16.

[515] الوسائل: 17، الباب 7، من أبواب موجبات الإرث الحديث 14 ولاحظ التهذيب لشيخالطائفة: 9 / 259 رقم 971.

[516] سهام الأبوين 15 × 13 + 15 = 115 + 315

= 415 مجموع السهام 15 = 8 + 3 + 2 + 2. للبنتين13 + 15 = 515 + 315 = 815. سهم الزوج 15 = 315.

[517] لو كان ابنا 5 = 7 - 12. 7 = 2 + 2 + 3. فلو كان مكان الابن بنتا يلزم أن يكون نصيبها أكثر من الابن 512 612 - للبنت 612 = 16 لو كان الوارث أخا لأب 1 = 5 - 6 - 5 = 2 + 3ولو كان مكان الأخ أختا لأب فسهمها 38 وسهم الأخ 16 - 8 = 3 + 2 + 3 - 16 38.

[518] الوسائل: 17 الباب 6 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 7 و 9 و 14.

[519] الوسائل: 17 الباب 6 من أبواب موجبات الإرث، الحديث: 1 - 2 - 3 - 5 - 7 - 8 - 10 - 11 - 12 - 15 - 16.

[520] الوسائل: 17 الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث: 6، لاحظ المستدرك للحاكم: 4 / 340 كتاب الفرائض والحديث صحيح علي شرط مسلم، وأورده الذهبي في تلخيصه اذعانابصحته.

[521] الوسائل: 17 الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

[522] الوسائل: 17 الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

[523] الوسائل: 17 الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

[524] الوسائل: 17 الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

[525] الجواهر 39: 110. وحاشية جمال الدين علي الروضة البهية: 2 / 297 في هامش الكتاب.

[526] مفتاح الكرامة: 8 / 120.

[527] المصدر نفسه.

[528] الوسائل: 17 الباب

7 من أبواب موجبات الإرث الحديث 2 و 4 و 10.

[529] المغني: 6 / 241 ونقله عن ابن عباس أكثر من تعرض للمسألة.

[530] الخلاف: 2 / 282، المسألة 81 وغيره.

[531] الوشيعة في نقض عقائد الشيعة، وقد نقلنا كلامه مجردا عن الطعن بأئمة أهل البيت.

[532] لاحظ الوسائل: 17 الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 6.

[533] وقد كفانا في نقد ما اختلقه من الشبهات أو أخذها ممن تقدم عليه: العلمان الجليلان: السيد عبد الحسين العاملي في كتابه " أجوبة موسي جار الله ". والسيد محسن العاملي في " نقض الوشيعة " - قدس الله أسرارهما -. - جعل التقية من المسائل الفقهية لأجل اتصافها بالجواز والمنع عند الفقهاء، وهذا يكفي فيكونها مسألة فقهية، مضافا إلي البحث عن صحة الأعمال الموافقة للتقية وعدمها.

[534] القصص: الآية 20.

[535] النحل: الآية 106.

[536] قال ابن الأثير في النهاية: 5 / 217: وأصل اتقي: أوتقي فقلبت الواو ياء لكسرة قبلها ثم أبدلت تاء وأدغمت. ومنه حديث علي - عليه السلام -: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله، أي جعلناهوقاية من العدو. ولاحظ لسان العرب مادة " وقي ".

[537] المنافقون: الآية 1.

[538] الأعراف: الآية 28.

[539] غافر: الآية 28 و 45، والقصص: الآية 20 وستوافيك نصوص الآيات في ثنايا البحث.

[540] الطبرسي: مجمع البيان: 3 / 388.

[541] الزمخشري: الكشاف عن حقائق التنزيل: 2 / 430.

[542] ابن ماجة: السنن: 1 / 53، شرح حديث رقم 150.

[543] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 4 / 57.

[544] تفسير الخازن: 1 / 277.

[545] الخطيب الشربيني: السراج المنير. في تفسير الآية.

[546] إسماعيل حقي: تفسير روح البيان: 5 / 84.

[547] آل عمران: الآية 28.

[548] الطبري: جامع البيان: 3 / 153.

[549] الزمخشري: الكشاف:

1 / 422.

[550] مفاتيح الغيب: 8 / 13.

[551] النسفي: التفسير بهامش تفسير الخازن: 1 / 277.

[552] الآلوسي: روح المعاني: 3 / 121.

[553] جمال الدين القاسمي: محاسن التأويل: 4 / 82.

[554] تفسير المراغي: 3 / 136.

[555] غافر: الآية 28.

[556] غافر: الآية 45.

[557] القصص: الآية 20.

[558] الرازي: مفاتيح الغيب: 8 / 13 في تفسير الآية.

[559] جمال الدين القاسمي: محاسن التأويل: 4 / 82.

[560] مصطفي المراغي: التفسير: 3 / 136.

[561] شرح نهج البلاغة: 11 / 44 - 46.

[562] ابن خلكان: وفيات الأعيان: 3 / 33. الذهبي: سير أعلام النبلاء: 12 / 16.

[563] ديوان ابن الرومي: 2 / 243.

[564] غافر: الآية 28، النحل: الآية 106.

[565] مجلة المرشد: 3 / 252، 253، ولاحظ: تعليقة أوائل المقالات: ص 96.

[566] الوسائل كتاب الأمر بالمعروف الباب 25 الحديث رقم 6.

[567] قال رسول الله ص: " رفع عن أمتي ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه ".

[568] الإمام الخميني: الرسائل: 171 - 178.

[569] الأحزاب: الآية 40.

[570] فصلت: الآيتان 41 - 42.

[571] أمالي الصدوق: 29، معاني الأخبار: 94 وغيرها من المصادر الشيعية ولاحظ صحيحالبخاري: 6 / 3 باب غزوة تبوك.

[572] نهج البلاغة: الخطبة 129.

[573] نهج البلاغة: الخطبة 230، مجالس المفيد: 527، بحار الأنوار: 22 / 527.

[574] المرتد الملي: عبارة عن من لم يكن أحد والديه مسلما حين انعقاد نطفته، كما إذا كانالوالدان كتابيين فأسلم الولد بعد البلوغ ثم ارتد.

[575] ربما يروي عنه " صلي الله عليه وآله وسلم ": إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي. ولا تعارض بين الخبرين، غير أن الأول متواتر دون الثاني والأول مسند، والثاني مرسل نقله الإمام مالك في موطئه، وأين هو من حديث العترة الذي أطبق المحدثون علي نقله. والتفصيل

موكولإلي محله.

[576] الحاكم: المستدرك: 2 / 151، السيوطي: الخصائص الكبري: 2 / 266، ابن حجر: الصواعق:191، الباب 12.

[577] الأحزاب: الآية 36.

[578] الإمام أحمد: المسند: 1 / 81، صحيح مسلم: 4 / 217، البيهقي: السنن الكبري: 8 / 26 نقلاعن الإمام الشافعي.

[579] وقد جمع العلامة المجلسي ما ورد من الأثر حول كتب الإمام علي في موسوعته " بحار الأنوار ": 26 / 18 - 66 تحت عنوان " باب جهات علومهم وما عندهم من الكتب " فلاحظ الباب،الحديث 12، 1، 10، 30.

[580] راجع الكافي " باب الرد إلي الكتاب والسنة ": 1 / 59 - 62 تجد فيه أحاديث تصرح بما ذكر،والمراد منها أصول الأحكام وجذورها لا فروعها وجزئياتها.

[581] غافر: الآية 84 - 85.

[582] ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب: 4 / 405.

[583] التوبة: الآية 25.

[584] ابن الجوزي: تذكرة الخواص: 202.

[585] ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب: 4 / 402.

[586] الكهف: الآية 66.

[587] النمل: الآية 40.

[588] البخاري: الصحيح: 2 / 149.

[589] القسطلاني: إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 6 / 99.

[590] البخاري: الصحيح: 2 / 171.

[591] القسطلاني: إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 5 / 431.

[592] ابن الجوزي: صفة الصفوة: 1 / 104.

[593] مشكل الآثار: 2 / 257.

[594] الطبري: الرياض: 1 / 199.

[595] لاحظ للوقوف علي سائر الكلمات حول المحدث، كتاب الغدير: 5 / 42 - 49.

[596] القصص: الآية 7.

[597] آل عمران: الآية 42 - 43.

[598] مريم: الآية 17 - 21.

[599] حديث مستفيض، رواه الخطيب في تاريخه: 14 / 321، والهيثمي في مجمعه: 7 / 236.

[600] حديث متواتر أخرجه مسلم في صحيحه والدارمي في فضائل القرآن وأحمد في مسنده:2 / 114 وغيرهم.

[601] لاحظ فيما نقلناه من

الأحاديث، جامع الأصول: 1 / 100 - 103 الفصل الثالث، من البابالرابع.

[602] الحاكم: المستدرك: ج 2 / 151، السيوطي: الخصائص الكبري: 2 / 266 وللحديث طرقومسانيد كثيرة من أراد الوقوف عليها، فعليه بتعاليق إحقاق الحق: 9 / 270 - 293.

[603] الصواعق: 191 الباب 11. يقول سيدنا شرف الدين في مراجعاته: إلا أني مسائل ابن حجر أنه إذا كان هذا مقام أهل البيت، فلماذا لم يأخذ هو بهدي أئمتهم في شئ من فروع الدين وعقائده، ولا في شئ من علوم السنة والكتاب ولا في شئ من الأخلاق والسلوك والآداب؟ ولماذا تخلف عنهم، فأغرق نفسه في بحار كفر النعم، وأهلكها في مفاوزالطغيان؟!.

[604] مفاتيح الغيب: 10 / 144.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.