الاحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الاحاديث المقلوبه في مناقب الصحابه/ علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1430ق=1388.

مشخصات ظاهري : 39ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 26

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت : الطبعه الرابعه

شماره كتابشناسي ملي : 1742143

حديث المنزلة

اشاره

لقد اتفق المسلمون علي رواية حديث المنزلة في حق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام... وأخرجه من علماء أهل السنة: البخاري ومسلم وغيرهما من أرباب الصحاح، وكذا رواه أصحاب المسانيد والمعاجم... وغيرهم من كبار المحدثين... القدماء والمتأخرين... وإليك نص الحديث كما في الصحاح. حديث المنزلة بشأن أمير المؤمنين: أخرج البخاري قائلا: حدثنا محمد بن بشار، ثنا غندر ثنا شعبة، عن سعد، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: قال النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم لعلي: أما ترضي أنتكون مني بمنزلة هارون من موسي [1] . قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيي، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم خرج إلي تبوك فاستخلف عليا فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترض أن تكون مني بمنزلة هارونمن موسي إلا أنه ليس نبي بعدي [2] . وأخرج مسلم، قال: حدثنا يحيي بن يحيي التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريح بن يونس، كلهم عن يوسف بن الماجشون [ صفحه 7] - واللفظ لابن الصباح - قال: نا يوسف أبو سلمة الماجشون، قال: ثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم لعي: أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي.

قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعدا، فلقيت سعدا فحدثته بما حدثني به عامر، فقال: أنا سمعته. قلت: أنت سمعته؟! قال: فوضع إصبعيه علي أذنيه فقال: نعم وإلا فاستكتا. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا غندر، عن شعبة. ح وحدثنا محمد بن مثني وابن بشار، قالا: نا محمد بن جعفر، قال: نا شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: خلف رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي غير أنه لا نبي بعدي. حدثناه عبيد الله بن معاذ، قال: نا أبي، قال: نا شعبة، في هذا الإسناد. حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد - وتقاربا في اللفظ - قالا: نا حاتم - وهو ابن إسماعيل - عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم فلن أسبه، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم يقول له - وخلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فتطاولنا

لها، فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع [ صفحه 8] الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا غندر عن شعبة. ح وحدثنا محمد بن المثني وابن بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، عن سعد، عن النبي صلي الله عليه[وآله] وسلم أنه قال لعلي: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي [3] .

المحاولات السقيمة في رد حدي المنزلة

ثم إن القوم لما رأوا صحة هذا الحديث سندا، بل تواتره من طرقهم المعتبرة عندهم التجأوا إلي التشكيك في دلالته علي أفضلية أمير المؤمنين وخلافته عن رسول رب العالمين... فراجع كتب الحديث والكلام. فجاء آخرون وانتبهوا إلي سقوط تلك التشكيكات فاضطروا إلي القدح في سنده، وإن كان متفقا عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم من أئمة الحديث... كما لا يخفي علي من راجع كتاب الصواعق المحرقة. وهناك من رأي أن لا جدوي في الطعن بالسند والدلالة، فعمد إلي لفظ الحديث وحرفه بما لا يتفوه به مسلم... فقال بأن لفظه: علي مني بمنزلة قارون من موسي...!!! كما لا يخفي علي من راجع كتب الرجال بترجمة حريز بن عثمان.

قلب حديث المنزلة

وقلب آخرون الحديث إلي الشيخين: قال الخطيب: أخبرنا الطاهري، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي [ صفحه 9] ابن زكريا الشاعر، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبر، مليكة، عن ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون منموسي [4] . وقال المتقي: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسي.خط، وابن الجوزي في الواهيات، عن ابن عباس [5] . وكذا قال المناوي [6] .

نظرات في سنده

أقول: وهذا السند في غاية السقوط، ففيه: 1 - ابن أبي مليكة،وقد عرفته في بحثنا حول حديث خطبة علي ابنة أبي جهل الموضوع الباطل [7] . 2 - قزعة بن سويد، روي ابن أبي حاتم عن أحمد: مضطرب الحديث وعن ابن معين ضعيف وعن أبيهأبي حاتم الرازي: لا يحتج به [8] . وذكر ابن حجر عن البخاري: ليس بذاك القوي وعن أبي دواد والعنبري [ صفحه 10] والنسائي: ضعيف وعن أبي حبان: كثير الخطأ، فاحش الوهم، فلما كثر ذلك فيروايته سقط الاحتجاج بأخباره [9] . وذكره الذهبي في الميزان وقال: له حديث منكر عن ابن أبي مليكة... [10] . . وستأتي كلمة ابن الجوزي. 3 - بشر بن دحية، قال ابن حجر: بشر بن دحية، عن قزعة بن سويد، وعنه محمد بن جرير الطبري، ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان.... أقول: وستقف علي نص العبارة وفيها عن الذهبي: هذا كذب، وهو من بشر. وفيها قول ابن حجر: وشيخ الطبري [يعني بشرا] ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري. 4 - علي بن الحسن

الشاعر، وهذا الرجل كذبه غير واحد، بل هو المتهم بوضع هذا الحديث عند بعضهم كما ستعرف.

تصريحات حوله

ولقد نص جماعة من نقاد الحديث علي أنه حديث كذب موضوع، ومنهم: ابن عدي وابن الجوزي والذهبي وابن حجر العسقلاني، ونحن في هذا المقام ننقل عبارة ابن الجوزي ثم عبارات ابن حجر، وفيها الكفاية: قال ابن الجوزي: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أنا أبو بكر ابن ثابت، قال: أخبرنا علي بن [ صفحه 11] عبد العزيز الطاهري، قال: نا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، قال: نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، قال: نا بشر بن دحية، قال: نا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أن النبي قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسي. قال المؤلف: هذا حديث لا يصح، والمتهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتمالرازي: لا يحتج بقزعة بن سويدة: وقال أحمد: هو مضطرب الحديث [11] . وقال ابن حجر بترجمة بشر بن دحية: بشر بن دحية، عن قزعة بن سويد، وعنه محمد بن جرير الطبري. ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان، فذكر عن ابن عدي أنه قال: محمد بن نوح، ثنا جعفر بن محمد الناقد، ثنا عمار بن هارون المستملي، أنا قزعة ابن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن أبن عباس رفعه: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر. الحديث، وفيه: وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسي. قال ابن عدي: وحدثناه ابن جرير الطبري، ثنا بشر بن دحية، ثنا قزعة بنحوه. قال الذهبي: هذا كذب، وهو من بشر. قال: ثم قال ابن عدي: ورواه مسلم بن

إبراهيم عن قزعة. قال الذهبي: وقزعة ليس بشئ. قلت: فبرئ بشر من عهدته، وسيأتي في ترجمة علي بن الحسن بن علي بن زكرياالشاعر أن المؤلف اتهمه به وأنه بريء من عهدته [12] . وقال ابن حجر بترجمة الشاعر: علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري، [ صفحه 12] بخبر كذب هو المتهم به، متنه: أبو بكر [13] مني بمنزلة هارون من موسي. إنتهي. ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما سأبينه. قال الخطيب في تاريخه: أنا علي بن عبد العزيز الطاهري، أنا أبو القاسم علي ابن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بهذا الحديث. فشيخ الطبري ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري، وقد قدمت كلام المؤلف فيه في ترجمته، وأن ابن عدي أخرج الحديث المذكور بأتم من سياقه عن ابن جرير الطبريبسنده. فبرئ ابن الحسن من عهدته [14] . - - - [ صفحه 13]

حديث المباهلة

اشاره

ومن فضائل أهل البيت حديث المباهلة... فإنه لما نزلت الآية المباركة: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [15] خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام إلي المباهلة... حديث المباهلة بأهل البيت: وقال السيوطي: أخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال: كان أهل نجران أعظم قوم من النصاري قولا في عيسي بن

مريم، فكانوا يجادلون النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فيه. فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران: (إن مثل عيسي عند الله) إلي قوله: (فنجعل لعنة الله علي الكاذبين). فأمر بملاعنتهم، فواعدوه لغد، فغدا النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه علي الجزية. فقال النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتي الطيرعلي الشجر لو تموا علي الملاعنة [16] . قال: وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد [ صفحه 14] ابن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهمهؤلاء أهلي [17] . قال: وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: قدم علي النبي السيد والعاقب... فغدا رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له. فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمر الوادي عليهما نارا. قال جابر: فيهم نزلت: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية. قال جابر: أنفسنا وأنفسكم: رسول الله وعلي. وأبناءنا: الحسن والحسين. ونساءنا: فاطمة [18] . قال: وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري: نزلت هذه الآية: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية. أرسل رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم إلي علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم. فقال شاب من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير! لا تلاعنوا! فانتهوا [19] .

فمن رواة الحديث

1 - أبو بكر ابن أبي شيبة. 2 -

سعيد بن منصور. 3 - عبد بن حميد. 4 - مسلم بن الحجاج. 5 - أبو عيسي الترمذي. [ صفحه 15] 6 - أبو عبد الله الحاكم. 7 - ابن المنذر 8 - محمد بن جرير الطبري. 9 - أبو بكر البيهقي. 10 - أبو نعيم الأصفهاني. 11 - جلال الدين السيوطي. وأخرجه أحمد، قال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه، فقال علي رضي الله عنه: أتخلفني مع النساء والصبيان؟ قال: يا علي، أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فتطاولنا لها. فقال: ادعوا لي عليا - رضي الله عنه - فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا - رضوان الله عليهم أجمعين - فقال: اللهمهؤلاء أهلي [20] . أقول: لا يخفي أن هذا الحديث هو نفس الحديث الذي أخرجه مسلم، وقد تقدم نصه في الحديث الأول، فقارن بين هذا اللفظ واللفظ المتقدم لتعرف ما في لفظ أحمد من التحريف والتصرف: وقد ذكر المفسرون خبر المباهلة بذيل الآية المباركة فلاحظ تفاسير: الزمخشري، الفخر الرازي، البيضاوي، الخازن، الجلالين، الآلوسي... وغيرهم. [ صفحه 16]

قلب حديث المباهلة

فلما رأي بعض المتعصبين اختصاص هذه الفضيلة بأهل البيت عليهم السلام، لا سيما وأنها تدل علي عصمة أمير المؤمنين عليه السلام

وإمامته، وعلي أن الحسنين عليهما السلام ابنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما نص عليه الفخر الرازي وغيره في تفسير الآية... عمد إلي وضع حديث ليقلب تلك المنقبة إلي غير أهل البيت وليقابل به حديث المباهلة: قال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي، أنبأ أبو الحسن العتيقي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا أبو الحسين أحمد بن قاج، نا محمد بن جرير الطبري إملاء علينا، نا سعيد بن عنبسة الرازي، نا الهيثم بن عدي، قال: سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال: فجاء بأبي بكر وولدهوبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده [21] . وعنه السيوطي بتفسير الآية كذلك [22] .

نظرات في سنده

وهذا الحديث كذب محض، باطل سندا ومتنا... ونحن نكتفي بالنظر في سنده... ففيه: 1 - سعيد بن عنبسة الرازي، وهذا الرجل ذكره ابن أبي حاتم الرازي فقال: سعيد بن عنبسة أبو عثمان الخزاز الرازي... سمع منه أبي ولم يحدث عنه وقال: [ صفحه 17] فيه نظر. حدثنا عبد الرحمن، قال: سمعت علي بن الحسين، قال: سمعت يحيي بن معين - وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي - فقال: لا أعرفه. فقيل: إنه حدث عن أبي عبيدة الحداد حديث والآن؟ فقال: هذا كذاب. حدثنا عبد الرحمن، قال: سمعت علي بن الحسين يقول: سعيد بن عنبسة كذاب.سمعت أبي يقول: كان لا يصدق [23] . 2 - الهيثم بن عدي، وقد اتفقوا علي أنه كذاب... قال ابن أبي حاتم: سئل يحيي بن معين الهيثم بن عدي فقال: كوفي ليس بثقة، كذاب.سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث [24]

. وذكره ابن حجر فذكر الكلمات فيه: البخاري: ليس بثقة، كان يكذب. يحيي بن معين: ليس بثقة، كان يكذب. أبو داود: كذاب. النسائي وغيره: متروك الحديث. ابن المديني: لا أرضاه في شئ. أبو زرعة: ليس بشئ. العجلي: كذاب. الساجي: كان يكذب. أحمد: كان صاحب أخبار وتدليس. [ صفحه 18] الحاكم والنقاش: حدث عن الثقات بأحاديث منكرة. محمود بن غيلان: أسقطه أحمد ويحيي بن معين وأبو خيثمة. ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء. وكذب الحديث، لكون الهيثم فيه، جماعة منهم: الطحاوي في مشكل الحديث،والبيهقي في السنن، والنقاش والجوزجاني في ما صنفا من الموضوعات وغيرهم [25] . - - - [ صفحه 19]

حديث سيادة أهل الجنة

اشاره

ومن الأحاديث المروية عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والثابتة عنه لدي المسلمين.. في فضل الإمامين السبطين الطاهرين، الحسن والحسين... هو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة: وقد رواه من أهل السنة علماء ومحدثون لا يحصي عددهم كثرة: فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي اللهعليه [وآله] وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة [26] . وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلي اللهعليه [وآله] وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما [27] . وأخرج أحمد بإسناده عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: ملك من الملائكة لم يهبط إلي الأرض قبل هذه الليلة، فاستأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة [28] .

وأخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عنه صلي الله عليه [وآله] وسلم قال: أتاني جبرئيل فقال: إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ثم قال لي رسول الله: غفر [ صفحه 20] الله لك ولأمك يا حذيفة [29] . وصححه الذهبي في تلخيصه. ومن رواته أيضا: ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن: 551. والنسائي في خصائص أمير المؤمنين: 36. والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 9 / 231. وأبو نعيم في حلية الأولياء 4 / 190. وابن حجر العسقلاني في الإصابة 1 / 266. وابن الأثير في أسد الغابة 5 / 574. وذكره الزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة والسيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة والسخاوي في المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة علي الألسنة بل أورده الزبيدي في كتابه لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة.

قلب الحديث

هذا هو الحديث كما في كتب القوم مصرحين بصحته... فقلبه بعض الكذابين إلي لفظ : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة: قال الترمذي: حدثنا الحسن بن الصباح البزار، حدثنا محمد بن كثير العبدي، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم لأبي بكر وعمر: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين. قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. [ صفحه 21] حدثنا علي بن حجر، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، عن علي ابن الحسين، عن علي بن أبي طالب، قال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين،

يا علي لا تخبرهما. قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث، ولم يسمع علي بن الحسين من علي بن أبي طالب. وقد روي هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه. وفي الباب عن أنس وابن عباس. حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: ذكر داود، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي، عن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، لاتخبرهما يا علي [30] . وقال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن الحسن بن عمارة، عن فراس، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي، قال: قال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيينوالمرسلين، لا تخبرهما يا علي ما داما حيين [31] . وقال: حدثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي، ثنا عبد القدوس بن بكر ابن خنيس، ثنا مالك بن مغول، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولينوالآخرين إلا النبيين والمرسلين [32] . [ صفحه 22] وقال عبد الله بن أحمد: حدثني وهب بن بقية الواسطي، ثنا عمر بن يونس - يعني اليمامي -، عن عبد الله بن عمر اليمامي، عن الحسن بن زيد بن الحسن، حدثني أبي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: يا علي، هذان سيدا كهول أهلالجنة وشبابها

بعد النبيين والمرسلين [33] .

نظرات في سنده

أقول: قد ذكرنا أهم أسانيد هذا الحديث في أهم كتبهم، فالترمذي يرويه بسنده عن أنس بن مالك، وهو وابن ماجة وعبد الله بن أحمد يروونه عن أمير المؤمنين عليه السلام.. وابن ماجة يرويه عن أبي جحيفة.. وربما روي في خارج الصحاح عن بعضالصحابة لكن بأسانيد اعترفوا بعدم اعتبارها [34] . وأول ما في هذا الحديث اعراض البخاري ومسلم عنه، فإنهما لم يخرجاه في كتابيهما، وقد تقرر عند كثير من العلماء رد ما اتفقا علي تركه، بل إن أحمد بن حنبل لم يخرجه في مسنده أيضا، وإنما أورده ابنه عبد الله في زوائده [35] ، وقد نص أحمد علي أن ما ليس في المسند فليس بحجة حيث قال في وصف كتابه: إن هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا، فما اختلف فيه المسلمون من حديثرسول الله فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة [36] . ثم إنه بجميع طرقه المذكورة ساقط عن الاعتبار: [ صفحه 23] أما الحديث عن علي عليه السلام: فقد رواه عنه الترمذي بطريقين، وعبد الله بن أحمد بطريق ثالث. أما الطريق الأول فقد نبه علي ضعفه الترمذي: أولا: بأن علي بن الحسين لم يسمع من علي بن أبي طالب، والواسطة بينهما غير مذكور وهذا قادح عل مذهب أهل السنة. وثانيا: بأن الوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف لا يكتب حديثه. وقال الجوزجاني: كان غير ثقة، يروي عن الزهري عدة أحاديث ليس لها أصول. وقال أبو زرعة الرازي: لين الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة، منكر الحديث. وقال ابن خزيمة: لا يحتج به.

وقال ابن حبان: روي عن الزهري أشياء موضوعة.بل قال ابن معين - في رواية عنه -: كذاب. وكذا قال غيره [37] . قلت: وهذا الحديث عن الزهري!! وأما الزهري، فقد ترجمنا له في بعض بحوثنا السابقة فلا نعيد. [ صفحه 24] واما الطريق الثاني: فهو عن الشعبي عن الحارث عن علي... عند الترمذي... وكذا... عند ابن ماجة... اما الشعبي، فقد ترجمنا له في بعض البحوث السابقة. واما الحارث، وهو الحارث بن عبد الله الأعور فإليك بعض كلماتهم فيه: أبو زرعة: لا يحتج بحديثه. أبو حاتم: ليس بقوي ولا ممن يحتج بحديثه. النسائي: ليس بالقوي. الدارقطني: ضعيف. ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. بل وصفه غير واحد منهم بالكذب! بل عن الشعبي - الراوي عنه -: كان كذابا!! وقد وقع هذا عندهم موقع الإشكال! كيف يكذبه ثم يروي عنه؟! إن هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه! فقيل: إنه كان يكذب حكاياته لا في الحديث. وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي! [38] . قلت: إن كان كذلك فقد ثبت القدح للشعبي، إذ الإفراط في حب علي لا يوجب القدح ولا يجوز وصفه بالكذب، ومن هنا تري أن غير واحد ينص علي وثاقة الحارث... هذا، ولا حاجة إلي النظر في حال رجال السندين حتي الشعبي، وإلا فإن الحسن بن عمارة عند ابن ماجة: قال الطيالسي: قال شعبة: أنت جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي [ صفحه 25] عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب... وقال ابن المبارك: جرحه عندي شعبة وسفيان، فبقولهما تركت حديثه. وقال أبو بكر المروزي عن أحمد: متروك الحديث. وقال عبد الله بن المديني عن أبيه: كان يضع. وقال أبو

حاتم ومسلم والنسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال الساجي: ضعيف متروك، أجمع أهل الحديث علي ترك حديثه. وقال الجوزجاني: ساقط. وقال ابن المبارك عن ابن عيينة: كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدث عن الزهري جعلت إصبعي في أذني. وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث.وقال السهلي: ضعيف بإجماع منهم [39] . قلت: فهذا حال هذا الرجل الذي روي عنه ابن ماجة! وروي عنه سفيان مع علمه بهذه الحال! وإذا كان سفيان جارحا له فكيف يروي عنه؟! ألا يوجب ذلك القدح في سفيان كذلك وسقوط جميع رواياته، عنه؟! وهذا الحديث من ذلك! وأما الطربق الثالث: فهو رواية عبد الله، ففيه: أولا: إنه مما أعرض عنه أحمد بناء علي ما تقدم. وثانيا: إن فيه الحسن بن زيد... قال ابن معين: ضعيف. وقال ابن عدي:أحاديثه عن أبيه أنكر مما روي عن عكرمة [40] . قلت: وهذا الحديث من ذاك! [ صفحه 26] وثالثا: إن لفظه يشتمل علي وشبابها وهذا يختص بهذا السند وهو كذب قطعا. وأما الحديث عن أنس: فهو الذي أخرجه الترمذي، ففيه: قتادة وكان مدلسا، يرمي بالقدر رأسا في بدعة يدعو إليها، خاطب ليل،حدث عن ثلاثين رجلا لم يسمع منهم... إلي غير ذلك مما قيل فيه [41] . و أنس بن مالك نفسه لا يجوز الاعتماد عليه، لا سيما في مثل هذا الحديث، فقد ثبت كذبه في حديث الطائر المشوي [42] وكتمه للشهادة بالحق حتي دعا عليه علي عليه السلام، وهو مع الحق [43] . وأما حديث أبي جحيفة: فهو الذي أخرجه ابن ماجة، ففيه: عبد القدوس بن بكر بن خنيس قال ابن حجر: ذكر محمود بن غيلان عن أحمدوابن معين وأبي خيثمة أنهم ضربوا علي

حديثه [44] . [ صفحه 27] تتمة: إنه لا يخفي اختلاف لفظ آخر الحديث عن علي، ففي لفظ: لا تخبرها يا علي وفي آخر: لا تخبرهما يا علي ما داما حيين وفي ثالث لم يذكر هذا الذيل أصلا..! أما في الحديث عن أنس فلا يوجد أصلا... ولماذا نهي عليا من أن يخبرهما؟! ولماذا لم ينه أنس عن ذلك، بل بالعكس أمره بأن يبشرهما - وعثمان - في حديث يروونه عنه وسيأتي نصه في كلام العيني... لم أجد - في ما بيدي من المصادر - لذلك وجها... إلا عند ابن العربي المالكي... فإنه قال: قال ذلك لعلي ليقرر عند تقدمهما عليه!! وأنه نهاه أن يخبرهمالئلا يعلما قرب موتهما في حال الكهولة!! [45] . وهل كان يحتاج علي إلي الإقرار إن كان تقدمهما عليه بحق؟! وهل كان يضرهما العلم بقرب موتهما في حال الكهولة؟! وهل كانا يخافان الموت؟! ولماذا؟! - - - [ صفحه 28]

حديث سد الأبواب

اشاره

ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة المشهورة، بل المتواترة.. الواردة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام... حديث سدوا الأبواب إلا باب علي... وهذه نصوص من ألفاظه:

حديث سد الأبواب إلا باب علي

أخرج الترمذي بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب علي [46] . وأخرج عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم لعلي: يا علي، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معني هذا الحديث؟ قال: لا يحللأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك [47] . وأخرج أحمد بسنده عن عبد الله بن الرقيم الكناني، قال: خرجنا إلي المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله صلي الله عليه [وآله]وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي [48] . وأخرجه أحمد كذلك بأسانيد مختلفة عن غير واحد من الصحابة [49] . [ صفحه 29] وأخرج الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال: كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوما: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. قال: فتكلم في ذلك الناس، فقام رسول الله فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشئ فاتبعته.هذا حديث صحيح الإسناد [50] . وأخرج بسنده عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب: لقد أعطي علي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إلي من

أن أعطي حمر النعم. قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجه فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.هذا حديث صحيح الإسناد [51] . وأخرج النسائي بسنده عن الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد ابن أبي وقاص فقلت له: سمعت لعلي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم في المسجد فروي فينا لسده ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله وآل علي. قال: فخرجنا، فلما أصبح أتاه عمه فقال: يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام؟! فقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام. إن الله هو أمر به. قال النسائي: قال فطر: عن عبد الله بن شريك، عن عبد الله بن أرقم، عن سعد: إن العباس أتي النبي فقال: سددت أبوابنا إلا باب علي؟! فقال: ما أنا فتحتها ولاأنا سددتها [52] . [ صفحه 30] هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمة، ولو أردنا استقصاء طرقه وألفاظه المختلفة عن الصحابة الذين رووه لطال بنا المقام، وربما نقف علي بعضها أيضا في خلال البحث... وبالجملة فإن الخبر قد تعدي الرواية وبلغ حد الدراية... ونحن إنما ذكرنا طرفا من ذلك تمهيدا لما أخرج في الصحيحين من حديث الخوخة، وما ترتب علي ذلك من نظرات وبحوث عند الشراح وكبار أئمة الحديث.

قلب الحديث

لقق قلبوا حديث سد الأبواب عن علي إلي أبي بكر ووضعوا أيضا حديث الخوخة وأخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما والترمذي وأحمد... وغيرهم ممن تقدم وتأخر... والعمدة ما جاء في كتابي البخاري ومسلم... فإذا درسناه وتوصلنا إلي واقع

الحال فيه أغنانا عن النظر في غيره... ولربما تعرضنا لغيره في خلال البحث.

الحديث المقلوب عند البخاري

والبخاري أخرجه في أكثر من باب... ففي باب الخوخة والممر في المسجد قال: حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت يعلي بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد علي المنبر، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله. من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر. وفي باب هجرة النبي وأصحابه إلي المدينة قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني مالك، عن أبي النضر مولي عمر بن عبيد الله عن عبيد - يعني ابن حنين - [ صفحه 31] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم جلس علي المنبر فقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكي أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له وقال الناس: أنظروا إلي هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فكان رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول صلي الله عليه [وآله] وسلم: إن من

أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.

الحديث المقلوب عند مسلم

وأخرجه مسلم في باب فضائل الصحابة فقال: حدثني عبد الله بن جعفر بن يحيي بن خالد، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد: أن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم جلس علي المنبر فقال: عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكي أبو بكر وبكي فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. قال: فكان رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به. وقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا فليح بن سليمان، عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطب رسول الله صلي [ صفحه 32] الله عليه [وآله] وسلم الناس يوما. بمثل حديث مالك.

تحريف البخاري الحديث المقلوب

ثم إن البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عباس في باب الخوخة والممر في المسجد كما عرفت حرفه في باب المناقب حيث قال: باب قول النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر. قاله ابن عباس عن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم. فاضطرب الشراح في توجيه هذا التحريف، فاضطروا إلي حمل ذلك علي أنه نقل بالمعني: قال ابن حجر: وصله المصنف في الصلاة بلفظ: سدوا عني كل خوخة، فكأنهذكره بالمعني [53] . وقال العيني: هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدوا عني كل خوخة فيالمسجد، وهذا هنا نقل بالمعني... [54] .

وهل يصدق علي أن نقل الخوخة إلي الباب نقل بالمعني؟! علي أن ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول: كأنه...! وكما حرف الحديث عن ابن عباس، كذلك حرف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في باب هجرة النبي كما عرفت، فقال في باب المناقب: حدثني عبد الله بن محمد، حدثني أبو عامر، حدثنا فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم وقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكي أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن [ صفحه 33] يخبر رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. وهنا أيضا اضطرب الشراح فراجع كلماتهم.

نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين

قدمنا حديث الخوخة بسنده ولفظه في الصحيحين... وقد عرفت أن البخاري ومسلما يرويانه عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري... لكنه ساقط عن درجة الاعتبار عن كليهما: أما الحديث عن ابن عباس: فهو عند البخاري فقط... ويكفي في سقوطه - بعد غض النظر عن بعض الكلام في وهب بن جرير [55] وعما قيل في أبيه جرير بن حازم فإن البخاري يقول: ربما يهم ويقول يحيي بن معين: هو عن قتادة ضعيف والذهبي يقول: تغير قبل موته فحجبه ابنه وهب [56] - إن

راويه عن ابن عباس هو عكرمة البربري مولاه، وإليك طرفا من أوصاف هذا الرجل: موجز ترجمة عكرمة مولي ابن عباس: 1 - إنه كان يري رأي الخوارج وكان داعية إليه، وقد أخذ كثيرون من أهل [ صفحه 34] أفريقية رأي الصفرية من عكرمة. قال الذهبي: قد تكلم الناس في عكرمة لأنه كان يري رأي الخوارج. 2 - وكان يطعن في الدين ويستهزئ بالأحكام، فقد نقلوا عنه قوله: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به. وقال في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا. ووقف علي باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلا كافر. 3 - وكان كذابا، حتي أوثقه علي بن عبد الله بن عباس علي باب كنيف الدار، فقيل له: تفعلون هذا بمولاكم؟! فقال: إن هذا يكذب علي أبي. واشتهر قول عبد الله ابن عمر لمولاه نافع: اتق الله، لا تكذب علي كما كذب عكرمة علي ابن عباس. وعن ابن سيرين ويحيي بن معين ومالك وجماعة غيرهم: كذاب. 4 - وعكوفه علي أبواب الأمراء للدنيا مشهور، حتي قيل له: تركت الحرمين وجئت إلي خراسان؟! فقال: أسعي علي بناتي. وقال لآخر: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم. 5 - ولأجل هذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته، فما حمله أحد، وأكتروا له أربعة رجال من السودان [57] . وأما الحديث عن أبي سعيد الخدري: فقد رواه البخاري عن: إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري... ورواه مسلم - في طريقه الأول - عن عبد الله بن جعفر بن يحيي بن خالد، [ صفحه 35] عن معن، عن مالك...

ورواه الترمذي عن أحمد بن الحسن، عن عبيد الله بن مسلمة، عن مالك... وقال:هذا حديث حسن صحيح [58] . فمداره علي مالك بن أنس. ومالك بن أنس وإن كان أحد الأئمة الأربعة، تقلده طائفة كبيرة من أهل السنة... فهو لا يعتمد علي رواياته، خاصة في مثل هذا المقام... لعقيدته التي انفرد بها حول الإمام عليه السلام... والتي خرج بها عن إجماع أهل الإسلام...!!

ترجمة مالك بن انس

وقد اقتض هذا المقام أن نفصل الكلام في ترجمة مالك بن أنس: 1 - كونه من الخوارج: فأول ما فيه كونه يري رأي الخوارج... قال المبرد في بحث له حول الخوارج: وكان عدة من الفقهاء ينسبون إليه، منهم: عكرمة مولي ابن عباس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس. ويروي الزبيريون: أن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعلي وطلحة والزبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلا علي الثريد الأعفر [59] . 2 - رأيه الباطل في مسالة التفضيل: وكان مالك يري مساواة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لسائر الناس، فكان يقول بأن أفضل الأمة هم أبو بكر وعمر وعثمان ثم يقف ويقول: هنا يتساوي [ صفحه 36] الناس [60] . وكان في هذا الرأي تبعا لابن عمر في رأيه حيث قال: كنا نقول علي عهد رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل. هذا الرأي الذي ذكره ابن عبد البر وأنكره جدا، قال: وهو الذي أنكره ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن عليا أفضل الناس بعد عثمان، وهذا مما لم يختلفوا فيه،

وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضا في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل علي أن حديث ابن عمر وهم غلط،وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحا... [61] . 3 - تركه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: ثم إنه لانحرافه عن أمير المؤمنين عليه السلام لم يخرج عنه شيئا في كتابه الموطأ!... الأمر الذي استغرب منه هارون الرشيد، فلما سأله عن السبب اعتذر بأنه: لم يكن في بلدي ولم ألق رجاله!! [62] . هذا مع روايته عن معاوية وعبد الملك بن مروان... واستناده إلي آرائهما..! وروايته عن هشام بن عروة مع قوله: هشام بن عروة كذاب!! [63] . وقال بعضهم: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطأ [64] . [ صفحه 37] 4 - كان مدلسا: وهو - مضافا إلي ذلك - كان مدلسا: قال عبد الله بن أحمد:سمعت أبي يقول: لم يسمع مالك بن أنس من بكير بن عبد الله شيئا، وقد حدثنا وكيع عن مالك عن بكير بن عبد الله. قال أبي: يقولون: إنها كتب ابنه [65] . وقال الخطيب في ذكر شئ من أخبار بعض المدلسين: ويقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عباس، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عباس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة فأسقط اسمه من الحديث وأرسله. وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يري الاحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم أن الحديث عمن ليس بحجة عنده. وأما المرسل فهو أحسن حالة من هذا، لأنه لم يثبت من حال منأرسل عنه أنه ليس بحجة [66] . 5 - اجتماعه بالأمراء

وسكوته عن منكراتهم:وكان مالك في غاية الفقر والشدة، حتي ذكروا أنه باع خشبة سقف بيته [67] . ولكن حاله تبدلت وتحسنت منذ أن أصبح بخدمة السلطات والحكام، فكانتالدنانير تدر عليه بكثرة، حتي أنه أخذ من هارون ألف دينار وتركها لوراثه [68] . ومن الطبيعي حينئذ أن يكون مطيعا للسلاطين، مشيدا لسياستهم، ساكتا عن منكراتهم ومظالمهم.... [ صفحه 38] قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء فيتكلم ابن أبيذئب يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل [69] . أقول: فهو في هذه الحالة مثل شيخه الزهري، فيتوجه إليه ما ذكره الإمامالسجاد عليه السلام في كتابه إلي الزهري [70] . 6 - حمل الحكومة الناس علي الموطأ وفتاوي مالك: وكان من الطبيعي أيضا أن يقابل من قبل الحكام بالمثل: فقد قال له المنصور اجعل هذا العلم علما واحدا... ضع الناس كتابا أحملهمعليه... نضرب عليه عامتهم بالسيف، ونقطع عليه ظهورهم بالسياط... [71] . وقال له: لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلي الآفاقفأحملهم عليه... [72] أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلي غيرها [73] . ولما أراد الرشيد الشخوص إلي العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإنيعزمت أن احمل الناس علي الموطأ كما حمل عثمان الناس علي القرآن [74] . ثم أراد هارون أن يعلق الموطأ علي الكعبة! [75] . ونادي منادي الحكومة: ألا لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس [76] . [ صفحه 39] ومن الطبيعي أن لا يعامل غيره هذه المعاملة: فقد قدم ابن جريج علي أبي جعفر المنصور فقال له: إني قد جمعت حديث جدكعبد

الله بن عباس وما جمعه أحد جمعي. فلم يعطه شيئا [77] . ولذا لما قيل لشيخه ربيعة الرأي: كيف يحظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟!! قال: أما علمتم أن مثقالا من دولة خير من حملي علم [78] . 7 - كان يتغني بالآلات:واشتهر مالك بن أنس بالغناء، وهذا ما نص عليه غير واحد [79] . وقد ذكر القرطبي أنه لا تقبل شهادة المغني والرقاص [80] . وقال الشوكاني: استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بهاكفر [81] . 8 - جهله بالمسائل الشرعية: ومما يجلب الانتباه ما ذكره المترجمون له، من أنه كان إذا سئل عن مسألة تهربمن الإجابة، أو قال: لا أدري... [82] . فقد ذكروا أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لاأدري!! [83] . [ صفحه 40] وسأله عراقي عن أربعين مسألة فما أجابه إلا عن خمس!! [84] . وسأله رجل عن مسائل فلم يجبه بشئ أصلا [85] . وكان مالك يصرح بأنه أدرك سبعين من المشايخ يحدثون عن رسول الله صلي اللهعليه وآله وسلم فلم يأخذ من أحدهم شيئا!! [86] . 9 - بكاؤه علي الفتيا بالرأي: وأجمع المؤرخون علي رواية خبر بكائه في مرض موته وقوله: ليتني جلدت بكلكلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط [87] . ولا بد له أن يبكي.. ومن أحق منه بالبكاء كما قال؟! وهل ينفعه؟! فقد قال الليث بن سعد: قد أحصيت علي مالك سبعين مسألة كلها مخالفة لسنةالنبي مما قال مالك فيها برأيه. قال: ولقد كتبت إليه بذلك في ذلك [88] . 10 - تكلم الأعلام فيه: هذا.. وقد تكلم في مالك وعابه جماعة من أعلام الأئمة: قال الخطيب:

عابه جماعة من أهل العلم في زمانه [89] ثم ذكر: ابن أبي ذؤيب، وعبد العزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق [90] . وقال يحيي بن معين: سفيان أحب إلي من مالك في كل شئ. [ صفحه 41] وقال سفيان في مالك: ليس له حفظ [91] . وقال ابن عبد البر تكلم ابن أبي ذؤيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونةكرهت ذكره [92] . وتكلم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه.وكذلك تكلم فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن أبي يحيي [93] . وناظره عمر بن قيس - في شئ من أمر الحج بحضرة هارون - فقال عمر لمالك: أنتأحيانا تخطئ وأحيانا لا تصيب. فقال مالك: كذاك الناس [94] .

ترجمة ابن أبي أويس

والراوي عن مالك - عند البخاري - هو إسماعيل بن أبي أويس وهو ابن أخت مالك -:قال النسائي: ضعيف [95] . وقال يحيي بن معين: هو وأبوه يسرقان الحديث. وقال الدولابي: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب. وقال الذهبي بعد نقل ما تقدم: ساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث، ثم قال: رويعن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد [96] . وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيي: مخلط، يكذب، ليس بشئ [97] . [ صفحه 42] وقال ابن حزم في المحلي: قال أبو الفتح الأزدي: حدثني سيف بن محمد:أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث [98] . وقال العيني: أقر علي نفسه بالوضع كما حكاه النسائي [99] . - ورواه مسلم بطريق آخر ليس فيه مالك بل هو: عن فليح بن سليمان، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري.

ترجمة فليح بن سليمان

لكن فيه: فليح بن سليمان: قال النسائي: ليس بالقوي [100] . وكذا قال أبو حاتم ويحيي بن معين [101] . وقال يحيي عن أبي كامل مظفر بن مدرك: ثلاثة يتقي حديثهم: محمد بن طلحة ابنمصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان [102] . وقال الرملي عن داود: ليس بشئ [103] . وقال ابن أبي شيبة: قال علي بن المديني: كان فليح وأخره عبد الحميد ضعيفين [104] . وذكره كل من العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء، وذكره ابن حبان في المجروحين... [ صفحه 43]

النظر في سند الحديث المحرف

قد عرفت أن البخاري حرف حديث الخوخة الذي أخرجه هو وغيره عن ابن عباس وأبي سعيد. اما تحريفه حديث ابن عباس فلم يذكر له سندا، وأما تحريفه حديث أبي سعيد فهو بالسند التالي: حدثني عبد الله بن محمد، حدثني أبو عامر، حدثني فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري... كذا في باب المناقب. وفي باب الخوخة والممر في المسجد: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا فليح، قال: حدثنا أبو النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري... ومداره علي فليح بن سليمان وقد عرفته في النظر في الطريق الثاني من رواية مسلم، وعلمت أن لفظه عند مسلم عن الرجل الخوخة لا الباب فما عند البخاري محرف، وقد تقدم محاولة بعض الشراح توجيهه. ثم إن في سند البخاري هنا في باب الخوخة والممر مشكلة أخري، فقد جاء فيه عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد مع أن عبيدا المذكور لا يروي عن بسر... وهذا ما اضطرب القوم في توجيهه كذلك: فقال ابن حجر: قال الدارقطني: هذا السياق غير محفوظ،

واختلف فيه علي فليح، فرواه محمد بن سنان هكذا، وتابعه المعافي بن سليمان الحراني. ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمد المؤدب وأبو داود الطيالسي عن فليح، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد جميعا، عن أبي سعيد. قلت: أخرجه مسلم عن سعيد، وأبو بكر ابن أبي شيبة عن يونس، وابن حبان [ صفحه 44] في صحيحه من حديث الطيالسي. ورواه أبو عامر العقدي عن فليح، عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد. ولم يذكر عبيد بن حنين. أخرجه البخاري في مناقب أبي بكر. فهذه ثلاثة أوجه مختلفة.ثم شرع في الجواب عن هذا الاعتراض والدفاع عن البخاري [105] . وكذلك تعرض للموضوع بشرح الحديث وحاول تصحيحه بأن الحديث عند أبي النضر عن شيخين يعني بسرا و عبيدا وأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر علي أحدهما مرة، ولكنه اعترف بالخطأ فقال: فلم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ فيحذف الواو العاطفة، مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به! [106] .

زيادة باطلة في الحديث المقلوب

ثم إن بعض الوضاعين شاء أن يزيد في حديث أنس صراحة في الدلالة علي الفضيلة والخصيصة!! فزاد عليه جملة... لكن الخطيب البغدادي وابن الجوزي والسيوطي.. نصوا علي أن الزيادة وهم، وأصل الحديث منقطع، فقد جاء في اللآلي المصنوعة: أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزار، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا الحسن بن حبيب بن عبد الملك، حدثنا فهد بن سليمان، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيي بن سعيد، عن أنس: أن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم خطب الناس فقال: سدوا هذه الأبواب الشارعة

في المسجد إلا باب أبي بكر. فقال الناس: سد الأبواب كلها إلا [ صفحه 45] باب خليله! فقال: إني رأيت علي أبوابهم ظلمة ورأيت علي باب أبي بكر نورا ن فكانت الآخرة عليهم أعظم من الأولي. قال الخطيب: هذا وهم، والليث روي صدره عن يحيي بن سعيد منقطعا، ورواه كلهعن معاوية بن صالح منقطعا [107] .

الاستدلال بالحديث المقلوب بكلمات مضطربة

ولما كان حديث الخوخة يدل بزعمهم علي فضل لأبي بكر، لا سيما وأنه مخرج في الكتابين الصحيحين عند أكثرهم... فقد جعلوا هذه القضية خصيصة لأبي بكر وفضيلة دالة علي إمامته وخلافته:قال النووي: وفيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر [108] . وقال ابن حجر: قال الخطابي وابن بطال وغيرهما: في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر، وفيه إشارة قوية إلي استحقاقه للخلافة، ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلي الله عليه [واله] وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر. وقد ادعي بعضهم: أن الباب كناية عن الخلافة، والأمر بالسد كناية عن طلبها، كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلا أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها. وإلي هذا جنح ابن حبان، فقال بعد أن أخرج هذا الحديث: في هذا الحديث دليل علي أنه الخليفة بعد النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم، لأنه حسم بقوله: (سدوا عني كل خوخة في المسجد) أطماع الناس كلهم علي أن يكونوا خلفاء بعده. وقوي بعضهم ذلك: بأن منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة - كما [ صفحه 46] سيأتي قريبا بعد باب - فلا يكون له خوخة إلي المسجد. وهذا الاستناد ضعيف، لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن

لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار وقد كان له إذ ذاك زوجة أخري - وهي أسماء بنت عميس - بالاتفاق، وأم رومان علي القول بأنها كانت باقية. وقد تعقب المحب الطبري كلام ابن حبان فقال: وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة: أن دار أبي بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلي المسجد كانت ملاصقة للمسجد، ولم تزل بيد أبي بكر حتي احتاج إلي شئ يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها... [109] . وقال العيني - بعد الحديث في كتاب الصلاة -: ذكر ما يستفاد منه من الفوائد: الأولي: ما قاله الخطابي وهو: أن أمره صلي الله عليه [وآله] وسلم بسد الأبواب غير الباب الشارع إلي المسجد إلا باب أبي بكر يدل علي اختصاص شديد لأبي بكر وإكرام له، لأنهما كانا لا يفترقان. الثانية: فيه دلالة علي أنه قد أفرده في ذلك بأمر لا يشارك فيه، فأولي ما يصرف إليه التأويل فيه أمر الخلافة. وقد أكثر الدلالة عليها بأمره إياه بالإمامة في الصلاة التي بني لها المسجد. قال الخطاب: لا أعلم أن إثبات القياس أقوي من إجماع الصحابة علي استخلاف أبي بكر مستدلين في ذلك باستخلافه إياه في أعظم أمور الدين وهو الصلاة، فقاسوا عليها سائر الأمور، ولأنه صلي الله عليه [وآله] وسلم كان يخرج من باب بيته وهو في المسجد للصلاة، فلما غلق الأبواب إلا باب أبي بكر دل علي أنه يخرج منه للصلاة، فكأنهأمر بذلك علي أن من بعده يفعل ذلك هكذا [110] . [ صفحه 47] وفي باب المناقب، أورد كلام الخطابي وابن بطال وابن حبان الذي ذكره ابن حجر

وأضاف: وعن أنس قال: جاء رسول الله صل الله عليه [وآله] وسلم فدخل بستانا وجاء آت فدق الباب. فقال: يا أنس، افتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة بعدي. قال: فقلت: يا رسول الله أعلمه؟ قال: أعلمه؟ فإذا أبو بكر. فقلت: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد النبي عليه الصلاة والسلام. قال: ثم جاء آت فقال: يا أنس، افتح له وبشره بالجنة وبالخلافة من بعد أبي بكر. قلت: أعلمه؟ قال: نعم، قال: فخرجت فإذا عمر فبشرته. ثم جاء آت فقال: يا أنس، افتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعد عمر وأنه مقتول. قال: فخرجت فإذا عثمان. قال: فدخل إلي النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقال: إني والله ما نسيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيد بايعتك! قال: هو ذاك. رواه أبو يعلي الموصلي من حديث المختار بن فلفل عن أنس وقال: هذا حديث حسن [111] . وفي باب هجرة النبي بشرحه: فأمر الشارع بسدها كلها إلا خوخة أبي بكرليتميز بذلك فضله. وفيه إيماء إلي الخلافة [112] . والكرماني أورد كلمات القوم في دلالته علي الإمامة مرتضيا إياها [113] . والقسطلاني قال بشرحه في الصلاة: فيه دلالة علي الخصوصية لأبي بكر الصديق بالخلافة بعده والإمامة دون سائر الناس، فأبقي خوخته دون خوخة غيره، وهو يدل عليأنه يخرج منها إلي الصلاة. كذا قرره ابن المنير [114] . وفي المناقب: قيل: وفيه تعريض بالخلافة له، لأن ذلك إن أريد به الحقيقة [ صفحه 48] فذاك، لأن أصحاب المنازل الملاصقة للمسجد كان لهم الاستطراق منها إلي المسجد، فأمر بسدها سوي خوخة أبي بكر، تنبيها للناس علي الخلافة، لأنه يخرج منها إلي المسجد للصلاة. وإن أريد به المجاز فهو كناية

عن الخلافة وسد أبواب المقالة دون التطرق والتطلع إليها. قال التوربشتي: وأري المجاز أقوي، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة. انتهي. وتعقبه في الفتح بأنه استدلال ضعيف، لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار... [115] . وفي هجرة النبي: فأمر رسول الله بسدها كلها إلا خوخة أبي بكر تكريما له وتنبيها علي أنه الخليفة بعده، أو المراد المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب المقالة دون التطرق. ورجحه الطيبي محتجا بأنه لم يصح عنده أن أبا بكر كان لهبيت بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة [116] . هذه كلمات شراح الحديث. وفي الكتب المؤلفة في العقائد... تجد الاستدلال بحديث الخوخة في باب الفضائل المزعومة لأبي بكر وفي أدلة إمامته وخلافته بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم... ولا حاجة إلي ذكر نصوص عباراتهم، ولربما أشرنا إلي بعضها في غضون البحث. أقول: لا يخفي الاضطراب والاختلاف بين القوم في كيفية الاستدلال، بل إن الباحث المحقق يجد كلمات الواحد منهم في موضع تختلف عن كلماته في الموضع الآخر... ونحن نلخص ما قالوا ونعلق عليه باختصار حتي يتبين الحال: [ صفحه 49] أما النووي.. فما قال إلا أن فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر فلم يتعرض للإمامة والخلافة، ولم يدع دلالة الحديث عليها لا بالصراحة ولا بالكناية... ونقول: أما الفضيلة فتتوقف علي ثبوت القضية، وأما كونها خصيصة فتتوقف - بالإضافة إلي الثبوت - علي عدم ورود مثل ذلك في حق غيره. وأما الخطابي وغيره..

فزعموا الخصيصة و الإشارة القوية إلي استحقاقه للخلافة، ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي، في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر بل جعل بعضهم الباب كناية عن الخلافة والأمر بالسد كناية عن طلبها... ونقول: أما الخصيصة فقد عرفت ما في دعواها. وأما الإشارة القوية... فلا دليل عليها إلا ما زعمه من القرينة الحالية... لكن القول بأنه صلي الله عليهوآله وسلم أمر أبا بكر بالصلاة كذب [117] . وهل هذه الإشارة القوية مبنية علي إرادة الحقيقة أو المجاز؟ قولان... والقسطلاني.. بعد أن زعم الدلالة في موضع، نسبها في موضع اخر إلي قيل وذكر القولين من الحمل علي الحقيقة أو المجاز، واكتفي بنقل الخلاف فقال: قيل: وفيه تعريض بالخلافة له، لأن ذلك إن أريد به الحقيقة فذاك... وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة.... وقد عرفت أن الأصل في الكلام حمله علي الحقيقة، لكن الدلالة علي الخلافة متوقفة علي ثبوت أصل القضية، ثم ثبوت عدم ورود مثلها في حق غيره!! فالعجب من مثل ابن حجر العسقلاني... كيف يسكت علي دعوي دلالة الحديث علي الإمامة - إن لم نقل بكونه من القائلين بذلك - بعد رده علي دعوي المجاز كما عرفت وإثباته ورود مثل الحديث في حق علي عليه السلام كما ستعرف؟! [ صفحه 50]

استشهاد بعضهم بحديث مختلق

وكأن العيني التفت إلي أن الحديث - مع ذلك كله - قاصر عن الإشارة فضلا عن الدلالة علي الخلافة فقال: وقد ادعي بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة... وإلي هذا مال ابن حبان... ثم قال: وعن أنس قال: جاء رسول الله فدخل بستانا... إلي آخر الحديث، وقد تقدم.... فإن ذكر هذا الحديث

في هذا المقام بعد كلمة وقد ادعي... ظاهر في عدم الموافقة علي ما قيل، ولذا التجأ إلي الاستدلال - أو الاستشهاد - للمدعي بحديث آخر. لكنه حديث باطل سندا ومتنا، والاستدلال به من العيني في هذا الموضع بشرح البخاري عجيب جدا... لكنه الاضطرار وضيق الخناق!! وإن كنت في ريب مما قلنا.. فإليك عبارة ابن حجر في الحديث ورجاله: الصقر بن عبد الرحمن أبو بهز سبط مالك بن مقول. حدث عن عبد الله بن إدريس، عن مختار بن فلفل، عن أنس بحديث كذب: قم يا أنس فافتح لأبي بكر وبشره بالخلافة من بعدي، وكذا في عمر وعثمان. قال ابن عدي: كان أبو يعلي إذا حدثنا عنه ضعفه. وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: كان يضع الحديث. وقال أبو علي جزرة: كذاب. وقال عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: كذب موضوع. ثم روي ابن حجر الحديث... وقال: لو صح هذا لما جعل عمر الخلافة في أهل الشوري، وكان يعهد إلي عثمان بلانزاع. والله المستعان [118] . [ صفحه 51] وأقول: وإن كل حديث جاء في مناقب الخلفاء وذكرت أساميهم علي الترتيب حديث موضوع بلا ريب... ثم إنا نجد أنسا في هذا الحديث يقوم كل مرة ويفتح الباب بكل سرعة، ولا يقابلهم بما قابل به أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الطير حيث رده غير مرة، ولما غضب عليه النبي صلي الله عليه وآله وسلم اعتذر بأنه كان يرجو أن يكون الذي سأل النبي حضوره رجلا من الأنصار!!

افراط البعض في التعصب

ثم إن بعضهم لم يقنع برواية الحديث المختلق المقلوب والاستدلال به حتي جعل يقدح في الحديث الأصل... قال العيني بشرح حديث الخوخة: فإن

قلت: روي عن ابن عباس أنه صلي الله عليه [وآله] وسلم. قال: سدوا الأبواب إلا باب علي. قلت: قال الترمذي: هو غريب. وقال البخاري: حديث إلا باب أبي بكر أصح. وقال الحاكم: تفرد به مسكين بن بكير الحراني عن شعبة. وقال ابن عساكر: وهو. وهم. وقال صاحب التوضيح: وتابعه إبراهيم بن المختار [119] . بل تجاوز بعضهم عن هذا الحد... حتي زعم أن الحديث الأصل من وضع الرافضة: قال ابن الجوزي - بعد أن رواه في بعض طرقه -: فهذه الأحاديث كلها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق علي صحته في: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر [120] . [ صفحه 52] وقال ابن تيمية: هذا مما وضعته الشيعة علي طريق المقابلة [121] . وقال ابن كثير: ومن روي إلا باب علي - كما في بعض السنن - فهو خطأ،والصواب ما ثبت في الصحيح [122] . قلت: لا شك في أن الأمر بسد أبواب الصحابة إلا باب واحد منهم فضيلة وخصيصة... ولما رأي المناوئون لأمير المؤمنين عليه السلام المنكرون فضائله وخصائصه - كمالك ابن أنس ونظائره - حديث سدوا الأبواب إلا باب علي ولم يتمكنوا من إنكاره لصحة طرقه عمدوا إلي قلبه إلي أبي بكر وجعل حديث الخوخة في حقه... ثم اختلفت مواقف المحدثين والشراح تجاه الحديثين. فمنهم من لم يتعرض لحديث سدوا الأبواب إلا باب علي لا نفيا ولا إثباتا... كالنووي والكرماني في شرحيهما علي مسلم والبخاري وابن سيد الناس في سيرته... ومنهم من تعرض له واختلف كلامه، كالعيني.. فظاهره في موضع طرحه أو ترجيح حديث الخوخة عليه، وفي آخر الجمع بما ذكره الطحاوي وغيره. ومنهم من حكم بوضعه... كابن الجوزي ومن تبعه...

ومنهم من اعترف بصحته وثبوته، ورد علي القول بوضعه أو ضعفه... وحاول الجمع بين الحديثين... كالطحاوي وابن حجر العسقلاني ومن تبعهما... أما السكوت وعدم التعرض فلعدم الجرأة علي رد حديث إلا باب علي وعدم تمامية وجه للجمع بين الحديثين... بعد فرض صحة حديث الخوخة لكونه في الصحيحين... وأما الطعن في حديث إلا باب علي فلأن الفضيلة والخصيصة لا تتم لأبي [ صفحه 53] بكر إلا بالطعن في ذاك الحديث، بعد فرض عدم تمامية وجه للجمع بينهما.

رد البعض علي البعض

لكن الطعن في حديث إلا باب علي مردود عند أكابر المحدثين وشراح الحديث بل نصوا علي أنه تعصب قبيح... قال ابن حجر بشرحه: تنبيه: جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب. منها: حديث سعد بن أبي وقاص قال: أمرنا رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي. أخرجه أحمد والنسائي. وإسناده قوي. وفي رواية للطبراني في الأوسط - رجالها ثقات - من الزيادة: فقالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا! فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها. وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد. فقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله: إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، ورجاله ثقات. وعن ابن عباس قال: أمر رسول الله بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي. وفي رواية: وأمر بسد الأبواب غير باب علي، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره. أخرجهما أحمد والنسائي، ورجالهما ثقات. وعن جابر بن سمرة

قال: أمرنا رسول الله بسد الأبواب كلها غير باب علي، فربما مر فيه وهو جنب. أخرجه الطبراني. وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: رسول الله خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر. ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله ابنته [ صفحه 54] وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر. أخرجه أحمد وإسناده حسن. وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار - بمهملات - قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن علي وعثمان. فذكر الحديث وفيه: وأما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلي منزلته من رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم، قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه. ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء وقد وثقه يحيي بن معين وغيره. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها. وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، أخرجه من حديث سعد ابن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر، مقتصرا علي بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس ذلك بقادح، لما ذكرت من كثرة الطرق. وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. انتهي. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا، فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمهالمعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن... [123] . ولابن حجر كلام مثله في كتابه القول المسدد [124] . وقد أورد السيوطي كلام ابن حجر في معرض

الرد علي ابن الجوزي حيث قال: قلت: قال الحافظ ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: قول أبن الجوزي في هذا الحديث أنه باطل وأنه موضوع، دعوي لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدام علي رد الأحاديث الصحيحة بمجرد [ صفحه 55] التوهم، ولا ينبغي الإقدام علي حكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك، لأن فوق كل ذي علم عليم. وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم علي الحديث بالبطلان، بل يتوقف فيه إلي أن يظهر لغيره ما لم يظهر له، وهذا الحديث من هذا الباب، هو حديث مشهور له طرق متعددة، كل طريق منها علي انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها مما يقطع بصحته علي طريقة كثير من أهل الحديث. وأما كونه معارضا لما في الصحيحين فغير مسلم، ليس بينهما معارضة... وها أنا أذكر بقية طرقه ثم أبين كيفية الجمع بينه وبين الذي في الصحيحين.... ثم قال بعد ذكر طرق للحديث: فهذه الطرق المتضافرة بروايات الأثبات تدل علي أن الحديث صحيح ذو دلالة قوية. وهذه غاية نظر المحدث... فكيف يدعي الوضع علي الأحاديث الصحيحة بمجرد هذا التوهم؟! ولو فتح هذا الباب لرد الأحاديث لأدي في كثير من الأحاديث الصحيحةالبطلان، ولكن يأبي الله ذلك والمؤمنون... [125] . وقال القسطلاني بشرح حديث الخوخة: وعورض بما في الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: سدوا الأبواب إلا باب علي. وأجيب بأن الترمذي قال: إنه غريب، وقال ابن عساكر: إنه وهم. لكن للحديث طرق يقوي بعضها بعضا، بل قال الحافظ ابن حجر في بعضها: إسنادهقوي، وفي

بعضها: رجاله ثقات [126] . وقال بعد ذكر طرق لحديث إلا باب علي: وبالجملة فهي - كما قال الحافظ ابن حجر -: أحاديث يقوي بعضها بعضا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عنمجموعها [127] . [ صفحه 56] وقال ابن عراق الكناني بعد كلام ابن الجوزي: تعقبه الحافظ ابن حجر الشافعي في القول المسدد فقال: هذا إقدام علي رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم، ولا معارضة بينه وبين حديث الصحيحين، لأن هذه قصة أخري، فقصة علي في الأبواب الشارعة وقد كان أذن له أن يمر في المسجد وهو جنب، وقصة أبي بكر في مرض الوفاة في سد طاقات كانوا يستقربون الدخول منها. كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه والكلاباذيفي معانيه والطحاوي في مشكله... [128] .

الاضطراب في حل المشكل

قد ظهر إلي الآن اضطراب القوم في حل المشكل... لكن السكوت عن وجود حديث إلا باب علي ظلم، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون... وإن إبطاله أمر يأباه الله والمؤمنون... فأما الاعتراف باختلاق حديث الخوخة... لكن الحقيقة مرة... وإما الجمع بين الحديثين بطريق يرتضيه ذوو الأفكار الحرة...!! وقد سلك ابن حجر وجماعة ممن تقدم وتأخر مسلك الجمع.. لكنها كلمات متناقضة.. ومحاولات يائسة...

كلام ابن روزبهان

قال ابن روزيهان: كان المسجد في عهد رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم متصلا ببيت رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم وعلي ساكن بيت رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم لمكان ابنته، وكان الناس من أبوابهم في المسجد يترددون ويزاحمون المصلين، فأمر رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم بسد الأبواب إلا باب علي. وقد صح في الصحيحين: أن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم أمر بسد كل [ صفحه 57] خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر. والخوخة الباب الصغير.فهذا فضيلة وقرب حصل لأبي بكر وعلي [129] . أقول: في هذا الكلام نقاط: الأولي: إن عليا عليه السلام كان يسكن بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يكن له هنالك بيت. وهذا إنكار للحقيقة الراهنة التي تدل عليها أخبار الباب، ولذا لم نجد أحدا يدعي هذه الدعوي. نعم، هناك غير واحد منهم ينفي أن يكون لأبي بكر بيت إلي جنب المسجد، أما بالنسبة إلي أمير المؤمنين عليه السلام فالأمر بالعكس... وفي عبارة ابن كثير الآتية تصريح بذلك. والثانية: إنه كان الناس من أبوابهم في المسجد يترددون ويزاحمون المصلين. فأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بسد الأبواب إلا باب علي. ومحصل هذا أن السبب

للأمر بسد الأبواب مزاحمة المصلين. وهذا مما لا شاهد عليه في الأخبار، بل مفاد الأخبار في هذا الباب وغيره أن السبب الذي من أجله أمر بسد الأبواب عن المسجد هو تنزيه المسجد عن الأرجاس وتجنيبه عن الأدناس... واستثني نفسه وعليا وأهل بيته لكونهم طاهرين مطهرين، أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. والثالثة: جمعه بين حديث باب علي و خوخة أبي بكر بأن هذا فضيلة وقرب حصل لكليهما... والمقصود من هذا الجمع - وإن لم يشتمل علي زعم دلالة حديث الخوخة علي خلافة أبي بكر كما تقدم عن بعضهم - إنكار اختصاص هذه الفضيلة بأمير المؤمنين عليه السلام... وستعرف الإشكال فيه من كلام الحلبي... [ صفحه 58]

كلام أبن كثير

وقال ابن كثير بشرح حديث إلا باب علي: وهذا لا ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من أمره عليه السلام في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلي المسجد إلا باب أبي بكر الصديق، لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلي المرور من بيتها إلي بيت أبيها، فجعل هذا رفقا بها. واما بعد وفاته فزالت هذه العلة، فاحتيج إلي فتح باب الصديق لأجل خروجه إلي المسجد ليصلي بالناس، إذ كانالخليفة عليهم بعد موته عليه السلام، وفيه إشارة إلي خلافته [130] . أقول: 1 - فيه تصريح بأنه كان لعلي عليه السلام هناك بيت غير بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم!... وإعراض عما قاله المتقدمون عليه في مقام الجمع! 2 - جعل السبب في إبقاء باب علي مفتوحا احتياج فاطمة إلي المرور من بيتها إلي بيت أبيها ولم يذكر السبب في سد سائر الأبواب! 3 - إذا كان السبب لترك بابها مفتوحا هو

المرور من بيتها إلي بيت أبيها فلماذا لم يترك باب أبي بكر رفقا بعائشة!! كي تمر من بيتها إلي بيت أبيها؟! 4 - وإذ احتيج إلي فتح باب الصديق... فهل سد باب علي من تلك الساعة أو لا؟! إن كان يدعي سده فأين الدليل؟! وكيف وليس له إلا باب واحد؟! لكنه لا يدعي هذا، بل ظاهر العبارة بقاؤه مفتوحا غير إنه فتح باب أبي بكر... فأين الإشارة إلي الخلافة؟! 5 - ثم إن هذا كله يتوقف علي أن يكون لأبي بكر بيت إلي جنب المسجد... وهذا غير ثابت... [ صفحه 59] 6 - هذا، وابن كثير نفسه يروي عن أم سلمة: خرج النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم في مرضه حتي انتهي إلي صرحة المسجد فنادي بأعلي صوته أنه لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وأزواجه وعليوفاطمة بنت محمد، إلا هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا [131] . وهذا الحديث يبين السبب في سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام ويبطل جميع ما ذكره أبن الأثير... ومن الطبيعي والحال هذه أن يقدح في سنده!

كلام ابن حجر

وقال ابن حجر: إن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشار إلي ذلك البزار في مسنده فقال: ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري، يعني: الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال: لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك. والمعني: أن باب علي كان إلي جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يؤمر بسده.

ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القران من طريق المطلب ابن عبد الله بن حنطب أن النبي لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي ابن أبي طالب، لأن بيته كان في المسجد. ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولي: استثني علي لما ذكر، وفي الأخري استثني أبو بكر. ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي علي الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر علي الباب المجازي، والمراد به الخوخة، كما صرح به في بعض طرقه. وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا [ صفحه 60] يستقربون الدخول إلي المسجد منها، فأمروا بعد ذلك بسدها. فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في (مشكل الآثار) وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في (معاني الأخبار) وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجدوبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد. والله أعلم [132] . وكذا قال في القول المسدد وأورده السيوطي ووافقه [133] وذكر القسطلانيملخصه في مقام الجمع بين الحديثين [134] . أقو ل: 1 - إن هذا الجمع الذي ذكره يبتني - كغيره - علي أن يكون لأبي بكر بيت إلي جنب المسجد، وقد عرفت أن غير واحد من محققيهم ينفي ذلك، ومن هنا حمل البعض الحديث علي أنه كناية عن الخلافة! وابن حجر، وإن ضعف القول المذكور قائلا: وهذا الاستناد ضعيف لكنه لم يذكر لدعواه مستندا قويا، وما ذكره من خبر ابن شبةضعيف سندا [135] . 2 - إن هذا الجمع الذي ذكره

عن الطحاوي وغيره مما قد وقف عليه النووي وأمثاله قطعا، وإذ لم يتعرضوا لهذا الجمع فهم معرضون عنه وغير معتمدين عليه... وهذا هو الصحيح، وستعرف بعض الوجوه الدالة علي سقوطه. 3 - فيما نقله ابن حجر عن البزار نقاط: الأولي: إن رواة قصة علي كوفيون ورواة قصة أبي بكر مدنيون وهذا ما لم نتحققه. [ صفحه 61] والثانية: إن روايات قصة علي بأسانيد حسان. وهذا ما يخالف الواقع ولا يوافق عليه ابن حجر... وقد تقدمت عبارته في رده علي كلام ابن الجوزي. والثالثة: تشكيكه في روايات قصة علي بقوله: إن ثبتت وهذا تشكيك في الحقيقة الواقعة، ولا يوافق عليه ابن حجر كذلك. والرابعة: كون معني لا يحل لأحد أن يطرق المسجد جنبا غيري وغيرك هو إن باب علي كان إلي جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده باطل جدا. أما أولا: فلأن الحديث المذكور لا يدل إلا علي اختصاص هذا الحكم بهما عليهما السلام، فأين الدلالة علي المعني المذكور؟! وأما ثانيا: فلأنه لو كان السبب في أنه لم يؤمر بسد بابه أنه لم يكن لبيته باب غيره لم يكن وجه لاعتراض الناس وتضجرهم مما فعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا سيما عمه حمزة حيث جاء - فيما يروون - وعيناه تذرفان بالدموع...! ولكان الأجدر برسول الله أن يعتذر بأنه: ليس له باب غيره فلذا لم أسد بابه وأنتم لبيوتكم بابان باب من داخل وباب من خارج، لا أن يسند سد الأبواب إلا بابه إلي الله قائلا: ما أنا سددت شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشئ فاتبعته! ولكان لمن سأل ابن عمر عن علي - فأجابه بقوله: أما علي

فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلي منزلته من رسول الله: قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه - أن يقول له: وأي منزلة هذه منه صلي الله عليه وآله وسلم و لم يكن لبيته باب غيره؟! ولكان لقائل أن يقول له: كيف تكون هذه الخصلة أحب إليك من حمر النعم، وتجعلها كتزويجه من بضعته الزهراء، وإعطائه الراية في خيبر، وقد كان من الطبيعي أن لا يسد بابه لأنه لم يكن لبيته باب غيره؟! ولو كان كذلك لم يبق معني لقول بعضهم: تركه لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه وأخوه من الرضاعة وعمه! ولا لقول آخرين: تركه من أجل بنته! حتي بلغت أقاويلهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فخرج إليهم... في حديث ننقله بكامله [ صفحه 62] لفوائده: بينما الناس جلوس في مسجد رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم إذ خرج مناد فنادي: أيها الناس، سدوا أبوابكم. فتحسحس الناس لذلك ولم يقم أحد. ثم خرج الثانية فقال: آيها الناس، سدوا أبوابكم. فلم يقم أحد. فقال الناس: ما أراد بهذا؟ فخرج فقال: إيها الناس، سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين. وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه حين نادي: سدوا أبوابكم. قال: ولكل رجل منهم باب إلي المسجد، أبو بكر وعمر وعثمان، وغيرهم. قال: وجاء علي حتي قام علي رأس رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم. فقال: ما يقيمك؟ إرجع إلي رحلك. ولم يأمره بالسد. فقالوا: سد أبوابنا وترك باب علي وهو أحدثنا! فقال بعضهم: تركه لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه، وأخوه من الرضاعة، وعمه! وقال بعضهم: تركه من أجل ابنته. فبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم فخرج

إليهم بعد ثالثة، فحمد الله وأثني عليه محمرا وجهه - وكان إذا غضب احمر عرق في وجهه - ثم قال: أما بعد ذلكم، فإن الله أوحي إلي موسي أن اتخذ مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هارون وأبناء هارون شبرا وشبيرا وإن الله أوحي إلي أن أتخذ مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي حسن وحسين، وقد قدمت المدينة واتخذت بها مسجدا، وما أردت التحول إليه حتي أمرت، وما أعلم إلا ما علمت، وما أصنع إلا ما أمرت، فخرجت علي ناقتي، فلقيني الأنصار يقولون: يا رسول الله انزل علينا. فقلت: خلوا الناقة، فإنها مأمورة، حتي نزلت حيث بركت. والله ما أنا سددت الأبواب وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت عليا، ولكن اللهأسكنه [136] . 4 - ما ذكره بعد قوله: ومحصل الجمع... ليس محصلا لما ذكره قبله، فقد [ صفحه 63] تأملت فيه فوجدته وجها مغايرا للوجه السابق...! ثم وجدت السمهودي ينص علي ذلك فيقول بعد نقل العبارة: قلت: والعبارة تحتاج إلي تنقيح، لأن ما ذكره بقوله: (ومحصل الجمع) طريقة أخري في الجمع غير الطريقة المتقدمة، إذ محصل الطريقة المتقدمة أن البابين بقيا، وأن المأمورين بالسد هم الذين كان لهم أبواب إلي غير المسجد مع أبواب من المسجد. وأما علي فلم يكن بابه إلا من المسجد، وأن الشارع صلي الله عليه [وآله] وسلم خصه بذلك، وجعل طريقه إلي بيته المسجد لما سبق، فباب أبي بكر هو المحتاج إلي الاستثناء، ولذلك اقتصر الأكثر عليه، ومن ذكر باب علي فإنما أراد بيان أنه لم يسد، وأنه وقع التصريح بإبقائه أيضا. والطريقة الثانية تعدد الواقعة، وأن قصة علي كانت متقدمة علي قصة أبي بكر. ويؤيد ذلك ما

أسنده يحيي من طريق ابن زبالة وغيره عن عبد الله بن مسلم الهلالي، عن أبيه، عن أخيه، قال: لما أمر بسد أبوابهم التي في المسجد خرج حمزة بن عبد المطلب يجر قطيفة له حمراء وعيناه تذرفان يبكي يقول: يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك! فقال: ما أنا أخرجتك ولا أسكنته، ولكن الله أسكنه.فذكره حمزة رضي الله عنه في القصة يدل علي تقدمها... [137] . 5 - وفي الجمع الثاني - وهو وقوع الأمر بسد الأبواب مرتين - نقطتان التفت إليهما ابن حجر نفسه: أحداهما: أن هذا الجمع لا يتم إلا بأن يحمل ما في قصة علي علي الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر علي الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه. والثانية: ما أشار إليه بقوله: وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا... [ صفحه 64] أقول: أما في الأولي فلقد تقدم أن البخاري هو الذي حرف الحديث من الخوخة إلي الباب وقد ذكرنا هناك توجيه ابن حجر ذلك بأنه نقل بالمعني ولا يخفي التنافي بين كلامه هناك وكلامه هنا. واما في الثانية: فإن الوجه في قوله: وكأنهم... هو أن قصة حديث إلا باب علي متقدمة علي قصة حديث الخوخة بزمن طويل. فتلك كانت قبل أحد كما عرفت، وهذه في أيام مرضه الذي توفي فيه كما ذكروا، فإذا كان قد أمر بسد الأبواب فأي معني للأمر بسد الخوخ؟! فلا بد من أن يدعي أنهم أطاعوا أمره بسد الأبواب لكنهم أحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلي المسجد منها! لكن ابن حجر يقول: وكأنهم... فهو غير جازم بهذا... وأقول: 1 - هل من المعقول أن يأمر بسد الأبواب ويأذن بإحداث

خوخ يستقربون الدخول إلي المسجد منها؟! إن كانت الخوخ المستحدثة يستطرق منها إلي المسجد فما معني الأمر بسد الأبواب؟! 2 - إنه لا يوجد في شئ من ألفاظ حديث سد الأبواب إلا باب علي ما يدل علي إذن النبي صلي الله عليه وآله وسلم... 3 - هناك في غير واحد من الأحاديث تصريح بالمنع عن إحداث الخوخ بعد الأمر بسد الأبواب... ففي حديث: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: سدوا أبواب المسجد إلا باب علي. فقال رجل: أترك لي قدر ما أخرج وأدخل؟ فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك. قال: أترك بقدر ما أخرج صدري يا رسول الله؟! فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك. وانصرف. قال رجل: فبقدر رأسي يا رسول الله؟ فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك. وانصرف واجدا باكيا حزينا، فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك، سدوا الأبواب إلا باب [ صفحه 65] علي [138] . وفي آخر: قال له رجل من أصحابه: يا رسول الله دع لي كوة أنظر إليك منهاحين تغدو وحين تروح. فقال: لا والله ولا مثل ثقب الإبرة [139] . ومن هنا قال السمهودي: وقد اقتضي ذلك المنع من الخوخة أيضا، بل ومما دونها عند الأمر بسدالأبواب أولا... [140] . إلي هنا وقد ظهر أن الحق مع المعرضين عن الجمع...

كلام ابن عراق

وابن عراق حيث نقل كلام ابن حجر أعرض عما قال ابن حجر قبل: ومحصل الجمع وإنها ذكر في وجه الجمع: أن هذه قصة أخري فقصة علي في الأبواب الشارعة، وقد كان أذن له أن يمر في المسجد وهو جنب، وقصة أبي بكر في مرض الوفاة في سد طاقات كانوا يستقربون الدخول منها. كذا جمع القاضي إسماعيل

في أحكامه والكلاباذي فيمعانيه والطحاوي في مشكله [141] . فتراه يقتصر علي الجمع الثاني وهو اختلاف القصتين، ويعرض عن دعوي أن السبب في عدم سد باب علي كون بابه من داخل المسجد!! والموضوع في القصة الأولي الأبواب وفي الثانية: طاقات!! والذي ينسبه إلي المتقدمين في وجه الجمع هو هذا المقدار فقط!! [ صفحه 66]

كلام المباركفوري

والمباركفوري وافق ابن حجر في أن أحاديث باب علي يقوي بعضها بعضا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها. ثم تهرب عن الدخول في تفصيل المطلب وقال: فهذه الأحاديث تخالف أحاديث الباب. قال الحافظ: ويمكن الجمع بين القصتين وقدأشار إلي ذلك البزار في مسنده... [142] .

كلام الحلبي

والحلبي صاحب السيرة التفت إلي وهن هذا الجمع فأورده مع تفسيرات وتغييرات من عنده... فقال: وجمع بعضهم بأن قصة علي متقدمة علي هذا الوقت، وأن الناس كان لكل بيت بابان، باب يفتح للمسجد وباب يفتح خارجه، إلا بيت علي كرم الله وجهه فإنه لم يكن له إلا باب من المسجد وليس له باب من خارج، فأمر صلي الله عليه [وآله] وسلم بسد الأبواب، أي التي تفتح للمسجد. أي بتضييقها وصيرورتها خوخا إلا باب علي كرم الله وجهه، فإن عليا لم يكن له إلا باب واحد ليس له طريق غيره كما تقدم، فلم يأمر صلي الله عليه [وآله] وسلم بجعل خوخة ثم بعد ذلك أمر بسد الخوخ إلا خوخة أبي بكر. وقول بعضهم: حتي خوخة علي كرم الله وجهه. فيه نظر، لما علمت أن عليا كرم الله وجهه لم يكن له إلا باب واحد. فالباب في قصة أبي بكر ليس المراد به حقيقته بلالخوخة، وفي قصة علي كرم الله وجهه المراد به حقيقته [143] . أقول: لقد غير العبارة من: وأحدثوا خوخا... إلي تضييق الأبواب وصيرورتها خوخا علي أن المراد من سدوا الأبواب إلا باب علي هو: ضيقوها واجعلوها خوخا... فبالله عليك هل تفهم هذا المعني من سدوا الأبواب....!! لكنه [ صفحه 67] اضطر إلي هذا التمحل لما رأي بطلان كلام ابن حجر... كما أنه ترك قول ابن

حجر: يستقربون إلي المسجد منها لالتفاته إلي أنها حينئذ أبواب لا الخوخ! لكنه مع ذلك كله نبه علي ما نبه عليه السمهودي من أن الأحاديث الواردة تنفي الإذن بجعل الخوخ بعد سد الأبواب... فقال: وعلي كون المراد بسد الأبواب تضييقها وجعلها خوخا يشكل ما جاء [144] . فعلي تقدير صحة ذلك يحتاج إلي الجواب عنه. ولكن لا جواب، لا منه ولا من غيره!! ثم قال: وعلي هذا الجمع يلزم أن يكون باب علي كرم الله وجهه استمر مفتوحا في المسجد مع خوخة أبي بكر، لما علم أنه لم يكن لعلي باب آخر من غير المسجد. وحينئذ قد يتوقف في قول بعضهم: في سد الخوخ إلا خوخة أبي بكر إشارة إلي استخلافأبي بكر لأنه يحتاج إلي المسجد كثيرا دون غيره [145] . أقول: وفي هذا رد علي الخطابي وابن بطال ومن تبعهما... وعلي ابن حجر نفسه الذي اختار هذا الجمع وهو مع ذلك ينقل كلمات أولئك... اللهم إلا أن يقال بعدم ارتضائه لها لما أشرنا إليه سابقا من قوله لدي نقلها: وقد ادعي.

حقيقة الحال في هذا الحديث

أقول: قد رأيت عدم تمامية شئ مما ذكروا في وجه الجمع بين القصتين، وأن [ صفحه 68] كلمات القوم في المقام متهافتة للغاية، وما ذلك إلا لامتناعهم عن الإدلاء بالحق والاعتراف بالواقع... وحقيقة الحال في هذا الحديث هو: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمر بسد الأبواب الشارعة إلي المسجد تنزيها له عن الأدناس وتجنيبا عن الأرجاس... وحتي باب عمه حمزة سيد الشهداء عليه السلام سده علي ما كان عليه من الفضل والقرابة والشأن الرفيع... والأحاديث الدالة علي كون ما ذكرناه هو السبب في سد الأبواب كثيرة عند الفريقين... لكنه

إنما لم يؤمر بسد بابه وباب علي وأجاز مكث علي وأهل بيته ومرورهم من المسجد - في حال الجنابة - لكونهم طاهرين مطهرين بحكم آية التطهير النازلة من رب العالمين وغير هذه الآية من أدلة عصمة أهل البيت وامتيازهم بهذه الخصيصة عن سائر الخلق أجمعين... فبابهم لم يسد لعدم الموجب لسده كما كان بالنسبة إلي غيرهم... وبهذا ظهرت ميزة أخري من مميزاتهم [146] ... الأمر الذي أثار عجب قوم وحسد أو غضب قوم آخرين... ثم إن هذا الحسد لم يزل باقيا في نفوس أتباع أولئك... كمالك وأمثال مالك... فحملهم الحسد لعلي والحب لأبي بكر - وهو ممن سد بابه كما هو صريح أخبار الباب - علي أن يضعوا له في المقابل حديثا ويقلبوا الفضيلة...! والواقع: أن هذا الوضع - في أكثره - من صنع أيام معاوية... لكن وضع علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أواخر أيام حياته... وله نظائر عديدة... لقد نصبوا أبا بكر للخلافة وبايعوه... وهم يعلمون بعدم وجود نص عليه وبعدم توفر مؤهلات فيه كما اعترف هو بذلك فيما رووه... فحاولوا أن يضعوا أشياء وينسبوها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن قالها في أيام مرضه زعموا أن فيها إشارة قوية إلي خلافته... ليصبغوا ما صنعوا بصبغة الشرعية... وليضيفوا ما وقع منهم [ صفحه 69] إلي الإرادة الإلهية... ومن هذه الأحاديث المختلقة في هذه الفترة: حديث: مروا أبا بكر فليصل بالناس. وقد بحثنا عنه في رسالة مفردة... وحديث:... يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر.... ولعلنا نبحث عنه في مجال آخر. وحديث: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر أو: سدوا الخوخ إلا خوخة أبي بكر. وهو موضوع رسالتنا هذه... حيث

أثبتنا عدم تماميته سندا ومعني ودلالة، حتي أن القوم حاروا في معناه واضطربت كلماتهم وتهافتت مواقفهم تجاهه... حتي التجأ بعضهم إلي دعوي أن حديث إلا باب علي هو الموضوع المقلوب!!

الاعتراف بوضع أحاديث

ولقد كان الأولي والأجدر بابن الجوزي القول بالحق والاعتراف بالحقيقة... وهو : كون الحديث في أبي بكر موضوعا، لقلة طرقه جدا، وضعف كلها سندا، وعدم وجود شاهد له أبدا...

ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر

وقد وجدنا ابن الجوزي وغيره يعترفون بوضع أحاديث في فضل أبي بكر، كحديث ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر هذا الحديث الموضوع الذي ربما استدل به بعضهم في فضل أبي بكر واحتج به غيره في مقابلة حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها المتواتر بين الفريقين... يقول ابن الجوزي: وما أزال أسمع العوام يقولون عن رسول الله صلي الله [ صفحه 70] عليه [وآله] وسلم أنه قال: (ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر)! و (إذا اشتقت إلي الجنة قبلت شيبة أبي بكر)! و (كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان، سبقته فاتبعني ولو سبقني لاتبعته)! في أشياء ما رأينا لها أثرا، لا في الصحيح ولا في الموضوع.ولا فائدة في الإطالة بمثل هذه الأشياء [147] . ويقول: المجد الفيروزآبادي: وأشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر: حديث: إن الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة ولأبي بكر خاصة! وحديث: ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر! وحديث: كان رسول الله إذا اشتاق إلي الجنة قبل..! وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان...! وحديث: إن الله تعالي لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر!وأمثالها من المفتريات الواضح بطلانها ببداهة العقل [148] . ويقول الفتني - نقلا عن كتاب الخلاصة في أصول الحديث للطيبي - ما نصه: في الخلاصة: ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر. موضوع [149] . ويقول

القاري - نقلا عن ابن القيم -: ومما وضعه جهلة المنتسبين إلي السنة في فضل الصديق: حديث: إن الله يتجلي للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة! وحديث: ما صب الله في صدري شيئا إلا صببته في صدر أبي بكر! [ صفحه 71] وحديث: كان إذا اشتاق إلي الجنة قبل شيبة أبي بكر! وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان! وحديث: إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر! وحديث عمر: كان رسول الله عليه السلام وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما! وحديث: لو حدثتكم بفضائل عمر عمر نوح في قومه ما فنيت، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر! وحديث: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، وإنما سبقكم بشئ وقر في صدره! وهذا من كلام أبي بكر ابن عياش [150] . ويقول الشوكاني: حديث: ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر. ذكره صاحبالخلاصة وقال: موضوع [151] .

لو لم أبعث لبعث عمر

وقال ابن الجوزي في ما وضع في فضل عمر: الحديث الثاني: أنبأنا إسماعيل بن أحمد، قال: أنبأ ابن مسعدة، قال: أنبأ حمزة، قال: أنبأ ابن عدي، قال: ثنا علي بن الحسن بن قديد، قال: ثنا زكريا بن يحيي الوقار، قال: ثنا بشر بن بكر، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن حمزة بن حبيب، عن عصيف بن الحارث، عن بلال بن رباح، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لو لم أبعث فيكم لبعث عمر! قال ابن عدي: وثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي، قال: ثنا مصعب بن سعد [ صفحه 72] أبو خيثمة، قال: ثنا عبد الله بن واقد، قال: حدثنا حياة

بن شريح، عن بكر بن عمر، وعن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر! قال المصنف: هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله. أما الأول، فإن زكريا ابن يحيي كان من الكذابين الكبار. قال ابن عدي: كان يضع الحديث. وأما الثاني، فقال أحمد ويحيي: عبد الله بن واقد ليس بشئ. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: انقلبت علي مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به [152] .

خذوا شطر دينكم عن الحميراء

ومن الأحاديث الموضوعة في فضل عائشة: خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء. وهو حديث مشهور... لكنهم أجمعوا علي أنه موضوع: قال ابن أمير الحاج: ذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه. وقال: قال شيخنا الحافظ - ابن حجر العسقلاني -: لا أعرف له إسنادا، ولارأيته في شئ من كتب الحديث... [153] . وتبعهم السخاوي [154] . وقال السيوطي: لم أقف عليه، وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: هو حديث غريب جدا، بل هو حديث منكر. سألت عنه... [155] . [ صفحه 73] وكذا قال القاري [156] . والزرقاني المالكي. [157] وغيرهم....

دعوة إلي التحقيق والقول بالحق

وبعد، فهذه أربعة أحاديث. بحثنا عنها في هذه الرسالة... في السند والدلالة ... وعلي ضوء الشواهد والأدلة... وما أكثر النظائر لهذه الأخبار في بطون الكتب والأسفار... وإني لأدعو ذوي الفكر وأصحاب الفضيلة... إلي التحقيق في السنة النبوية الشريفة، وإعادة النظر في الأحاديث التي قرر السابقون صحتها... وبنوا في الأصول والفروع علي أساسها... ثم القول بالصدق والإعلان عن الحق... فقد ولت عصور التعصب واتباع الهوي والتقليد الأعمي.... وفي ذلك خدمة للشريعة الحنيفة والسنة الشريفة، وتحقيق للوحدة والوئام بين أهل الإسلام... والله ولي التوفيق... وصلي الله علي محمد وآله أجمعين.

پاورقي

[1] مناقب علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

[2] باب غزوة تبوك من كتاب المغازي.

[3] باب فضائل علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

[4] تاريخ بغداد 11 / 384.

[5] كنز العمال 11 / 567.

[6] كنوز الحقائق - حرف الألف.

[7] وهو موضوع الرسالة السادسة من هذه الرسائل.

[8] الجرح والتعديل 7 / 139.

[9] تهذيب التهذيب 8 / 336. [

[10] ميزان الاعتدال 3 / 390.

[11] العلل المتناهية 1 / 199.

[12] لسان الميزان 2 / 23.

[13] كذا.

[14] لسان الميزان 4 / 219.

[15] سورة آل عمران 3: 61.

[16] الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 39.

[17] الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 39.

[18] الدر المنثور 2 / 39.

[19] الدر المنثور 2 / 40.

[20] المسند 1 / 185.

[21] تاريخ دمشق - ترجمة عثمان بن عفان: 168 - 169.

[22] الدر المنثور 2 / 40.

[23] الجرح والتعديل 4 / 52.

[24] الجرح والتعديل 9 / 85.

[25] لسان الميزان 6 / 209.

[26] صحيح الترمذي 2 / 306.

[27] سنن ابن ماجة 1 / 44.

[28] مسند أحمد 5 / 391.

[29] المستدرك علي الصحيحين 3 / 381.

[30] صحيح

الترمذي 5 / 570.

[31] سنن ابن ماجة 1 / 36.

[32] سنن ابن ماجة 1 / 38.

[33] المسند 1 / 80.

[34] مجمع الزوائد 9 / 53، فيض القدير 1 / 89.

[35] لم يذكر في مادة كهل من معجم ألفاظ الحديث النبوي إلا هذا المورد، وهو من حديث عبد الله بن أحمد وليس لأحمد نفسه.

[36] لاحظ ترجمة أحمد في طبقات الشافعية الكبري للسبكي.

[37] تهذيب التهذيب 11 / 131.

[38] لاحظ ذلك كله بترجمة الحارث من تهذيب التهذيب 2 / 126.

[39] لاحظ هذه الكلمات وغيرها بترجمته من تهذيب التهذيب 2 / 263.

[40] تهذيب التهذيب 2 / 243.

[41] لاحظ ترجمته في التهذيب 8 / 317.

[42] حديث الطائر المشوي من أشهر الأحاديث الدالة علي أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته، أخرجه عشرات الأئمة والعلماء الأعلام في كتبهم، منه: الترمذي والحاكم والطبراني وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الأثير... راجع منها المستدرك 3 / 130.

[43] كان ذلك في قضية مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الناس في رحبة الكوفة بأن من شهد منهم غدير خم فليقم ويشهد، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفر منهم... فدعا عليهم الإمام عليه السلام... روي ذلك: ابن قتيبة والبلاذري وابنعساكر وآخرون... راجع كتاب الغدير 1 / 192.

[44] تهذيب التهذيب 6 / 329.

[45] عارضة الأحوذي 13 / 131.

[46] صحيح الترمذي 2 / 301.

[47] صحيح الترمذي 2 / 300.

[48] مسند أحمد 1 / 175.

[49] راجع المسند 1 / 175، 330، و 2 / 26، و 4 / 369.

[50] المستدرك علي الصحيحين 3 / 125.

[51] المستدرك علي الصحيحين 3 / 125.

[52] خصائص علي بن أبي طالب: 13.

[53] فتح الباري 1 / 442.

[54] عمدة القاري 4 / 245.

[55] تهذيب التهذيب

11 / 142.

[56] ميزان الاعتدال 4 / 248، المغني في الضعفاء 2 / 182.

[57] ذكرنا ترجمته في كتابنا: التحقيق في نفي التحريف: 248 - 253 عن: تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب 7 / 263، وطبقات ابن سعد 5 / 287، ووفيات الأعيان 1 / 319، وميزان الاعتدال 3 / 93، والمغني في الضعفاء 2 / 84، والضعفاء الكبير 3 / 373، وسيرأعلام النبلاء 5 / 9.

[58] صحيح الترمذي 5 / 568.

[59] الكامل - للمبرد - 1 / 159.

[60] ترتيب المدارك - ترجمة مالك.

[61] الاستيعاب 3 / 1116.

[62] تنوير الحوالك 1 / 7. شرح الموطأ - للزرقاني - 1 / 9.

[63] تاريخ بغداد 1 / 223، الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة - ترجمة هشام، هديالساري 2 / 169.

[64] تهذيب التهذيب 9 / 41.

[65] العلل ومعرفة الرجال - لأحمد بن حنبل - 1 / 44.

[66] الكناية في علم الرواية: 365.

[67] ترتيب المدارك - ترجمته، الديباج المذهب: 25.

[68] العقد الفريد 1 / 274.

[69] العلل ومعرفة الرجال 1 / 179.

[70] لاحظ ترجمة الزهري في بحثنا المنشور في تراثنا العدد 23.

[71] الديباج المذهب: 25. شرح الزرقاني 1 / 8، الوافي بالوفيات - ترجمته.

[72] تذكرة الحفاظ 1 / 290.

[73] كشف الظنون 2 / 1908، عن طبقات ابن سعد.

[74] مفتاح السعادة 2 / 87.

[75] كشف الظنون 2 / 1908.

[76] وفيات الأعيان 3 / 284 مفتاح السعادة 2 / 87، مرآة الجنان 1 / 375.

[77] العلل ومعرفة الرجال 1 / 348.

[78] طبقات الفقهاء - لأبي إسحاق الشيرازي -: 42.

[79] نهاية الأرب 4 / 229، الأغاني 2 / 75.

[80] تفسير القرطبي 14 / 56.

[81] نيل الأوطار 8 / 264.

[82] حلية الأولياء 6 / 323

- 324.

[83] الديباج المذهب: 23، شرح الزرقاني 1 / 3.

[84] الانتقاء - لابن عبد البر - 38.

[85] العقد الفريد 2 / 225.

[86] حلية الأولياء 6 / 323، الديباج المذهب: 21.

[87] وفيات الأعيان 3 / 286. جامع بيان العلم 2 / 145، شذرات الذهب 1 / 292.

[88] جامع بيان العلم 2 / 148.

[89] تاريخ بغداد 10 / 223.

[90] تاريخ بغداد 10 / 224.

[91] تاريخ بغداد 10 / 164.

[92] جامع بيان العلم 2 / 157.

[93] جامع بيان العلم 2 / 158.

[94] تهذيب التهذيب 7 / 432.

[95] الضعفاء والمتروكون: 14.

[96] ميزان الاعتدال 1 / 222.

[97] تهذيب التهذيب 1 / 312.

[98] تهذيب التهذيب 1 / 312.

[99] عمدة القاري - المقدمة السابعة.

[100] الضعفاء والمتروكون: 139.

[101] ميزان الاعتدال 2 / 541، تهذيب التهذيب 6 / 116.

[102] ميزان الاعتدال 2 / 541، تهذيب التهذيب 6 / 116.

[103] تهذيب التهذيب 6 / 116.

[104] تهذيب التهذيب 6 / 116.

[105] مقدمة فتح الباري، الحديث الرابع من الأحاديث التي اعترض فيها علي البخاري.

[106] فتح الباري - شرح صحيح البخاري، ولاحظ أيضا: عمدة القاري للعيني الحنفي.

[107] اللآلي المصنوعة 1 / 352.

[108] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - هامش القسطلاني - 9 / 252.

[109] فتح الباري 1 / 442.

[110] عمدة القاري 4 / 245.

[111] عمدة القاري 16 / 176.

[112] عمدة القاري 17 / 39.

[113] الكواكب الدراري 4 / 129.

[114] إرشاد الساري 1 / 453.

[115] إرشاد الساري 6 / 83.

[116] إرشاد الساري 6 / 214.

[117] انظر: الرسالة الرابعة من هذه الرسائل.

[118] لسان الميزان 3 / 192.

[119] عمدة القاري 4 / 254.

[120] الموضوعات 1 / 366.

[121] منهاج السنة 3 / 9.

[122] تفسير ابن كثير 1 / 501.

[123] فتح الباري

6 / 11 - 12.

[124] القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: 16 - 20.

[125] اللآلي المصنوعة 1 / 347 - 352.

[126] إرشاد الساري 1 / 453.

[127] إرشاد الساري 6 / 84 - 85.

[128] تنزيه الشريعة 1 / 384.

[129] إبطال نهج الباطل / في رد نهج الحق للعلامة الحلي.

[130] البداية والنهاية 7 / 342.

[131] البداية والنهاية 7 / 343.

[132] فتح الباري 7 / 12.

[133] اللآلي المصنوعة 1 / 347.

[134] إرشاد الساري 6 / 83.

[135] أخبار المدينة المنورة - لابن شبة - 1 / 242.

[136] وفاء الوفا بأخبار دار المصطفي 1 / 478.

[137] وفاء الوفا بأخبار دار المصطفي 1 / 480.

[138] وفاء الوفا 1 / 480.

[139] وفاء الوفا 1 / 480.

[140] وفاء الوفا 1 / 480.

[141] تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 384.

[142] تحفة الأحوذي 10 / 163.

[143] إنسان العيون 3 / 460 - 461.

[144] ذكر العباس في قضية سد الأبواب إلا باب علي غلط، بل هو حمزة عليه السلام، لأن العباس أسلم عام الفتح وقصة علي قبل أحد... وهذا واضح وقد نبه عليه غير واحد... ثم رأيت ابن سيد الناس في عيون الأثر 2 / 336 يذكر طلب العباس واعتراضه في قضيةإلا باب أبي بكر المزعومة... وكأنه لغرض تثبيت قصة أبي بكر!!.

[145] إنسان العيون 3 / 461.

[146] وممن نص علي هذه الميزة والاختصاص المحب الطبري في ذخائر العقبي: 77.

[147] الموضوعات 1 / 219.

[148] سفر السعادة - خاتمة الكتاب.

[149] تذكرة الموضوعات: 93.

[150] الموضوعات الكبري: 132.

[151] الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: 152.

[152] الموضوعات 1 / 320.

[153] التقرير والتحبير في شرح التحرير 3 / 99.

[154] المقاصد الحسنة: 198.

[155] الدرر المنتثرة: 79.

[156] الموضوعات الكبري: 190، المرقاة 5 / 616.

[157] شرح

المواهب اللدنية 3 / 233.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.