كربلاء، الثورة والمأساة

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: يعقوب اردني، احمد حسين1939- م.,Ya'qub, Ahmad Husayn
عنوان و شرح مسئوليت: كربلاء [منبع الكترونيكي] : الثورة والمأساة / أحمد حسين يعقوب
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت(ع)
توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (332 بايگاني: 1066.5KB)
يادداشت: 1418ق.=1997م.=1376
يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس
موضوع: واقعه كربلا، 61ق.
تاريخ اسلام
حسين بن علي (ع)، امام سوم، 4-61ق.

كلمة المركز

كلمة المركز مثلت ثورة كربلاء، في التاريخ الاسلامي، منذ أن قامت، ولا تزال تمثل، نهجا في معرفة حقيقة النظام الخارج علي تعاليم الإسلام، وفي مواجهته والسعي إلي تغييره، فكانت تأسيسا لهجرة تتجدد، في مسار الزمن، كما ضوء الشمس، هجرة تتبع خطي خاتم الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم التي وأصلها سبطه سيد الشهداء عليه السلام، ويمضي في هديها المسلمون الأتقياء.
وللهجرة المتجددة دروب، من بينها الكتابة تبيانا للحق وكشفا للزيف وهديا للحائرين، الباحثين عن يقين.
ينتمي هذا الكتاب (كربلاء: الثورة والمأساة) إلي هذا النوع من الكتابة، فهو يهدف إلي محاكمة نظام جائر انقلب علي الإسلام وحكم باسمه ليفرغه من جوهره ويبقي علي شكليات يتوسلها ليسوغ استبداده بالأمة، فكانت كربلاء ثورة علي هذا الارتداد المفضي إلي الاستبداد.
يعود المؤلف في محاكمته الموضوعية، إلي التاريخ، ويستقي من كتبه، حقائقه، ويقدمها مجردة فيوضح عدة قضايا، نشير، في هذا المقام، إلي أهمها:
- تعريف الفئتين اللتين تواجهتا في كربلاء: قيادة وأركانا وعددا ومواقف وأهدافا.
- بيان دور الأمة الإسلامية في كربلاء، ومواقفها من هذا الحدث، وبدا لافتا سكوت الأكثرية، وسعي المقاتلين في جيش يزيد إلي الارتزاق؛ إلي الفضة والذهب والمناصب، علي الرغم من معرفتهم أن من يقاتلونه هو خير الناس، ما
(٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، واقعة الطف (1)، مدينة كربلاء المقدسة (4)، الهدف (1)، الإرتداد (1)
يجعل الضوء يتركز علي أمرين، أولهما: موقف الأقلية، الصفوة التي تبينت الحق وثانيهما: الحقائق التي كشفتها أخبار السماء.
- البحث في أسباب ثورة كربلاء، وفي رؤية الإمام الحسين (ع) إلي الواقع القائم وضرورة تغييره وسبل ذلك.
- تتبع مسار هذه السبل، أو الهجرة / رحلة الشهادة والبحث في وقائعها ونتائجها.
وبهذا يمثل هذا الكتاب دراسة موضوعية تتحري، من خلال تبيين الحقيقة وقائع، مجردة جلية، رضوان الله تعالي، وهذا هو رجاء كل مسلم تقي في هذه الحياة.
مركز الغدير للدراسات الإسلامية - بيروت
(٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، واقعة الطف (1)، مدينة بيروت (1)، الشهادة (1)

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة:
نحمد الله ونشكره كما يستحقه وكما هو أهله، ونصلي ونسلم ونبارك علي محمد رسول رب العالمين وخاتم النبيين وعلي آله الطيبين الطاهرين الذين اصطفي من عباده. أما بعد..
فقبل بضع سنين دعيت لحضور مؤتمر في طهران، كنت يومذاك قد استوعبت المقاطع والكليات الأساسية لقضية أهل بيت النبوة العادلة، ولم أكن قد تعرفت بعد علي تفاصيلها الدقيقة، وكنت أعرف بالضرورة أن مذبحة كربلاء هي جرح غائر في قلوب أهل بيت النبوة وأوليائهم، وأن تلك المذبحة قد أصابت من الإسلام ومن أهل بيت النبوة مقتلا، وأنها قد فضحت نظام الخلافة السياسي التاريخي وأظهرته علي حقيقته، ولكني كنت أجهل تفاصيل تلك المذبحة، ومقدماتها، ودقائقها.
كان من برنامج الدعوة زيارة ضريح الإمام الخميني بمناسبة الذكري السنوية لوفاته، وفي صبيحة هذا اليوم ذهبنا لزيارة الضريح، فوجئت بعدد لا يقل عن ثلث مليون رجل وامرأة متحلقين حول ذلك الضريح، وهم يرفعون قبضات أيديهم في الهواء ويرددون باللغة الفارسية شعارات لها نغم يشق طريقه بيسر إلي القلب.
قلت لمرافقي: ترجم لي حرفيا ما يقوله هذا الجمع، فقال الفتي: إنهم يقولون:
" لن نكون كالذين تركوا إمامهم وحيدا، نحن معك يا إمام " فانفجرت بالبكاء وعرفت أن الإمام الذي ترك وحيدا ليقاتل جيش الخلافة وحده هو الإمام الحسين!! في ذلك اليوم بالذات نبتت في ذهني وقلبي فكرة الكتابة عن مذبحة
(٧)
صفحهمفاتيح البحث: زيارة القبور (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة طهران (1)، يوم عرفة (1)، القتل (1)، الطهارة (1)
كربلاء، وتكونت لدي القناعة بضرورة الوقوف علي تفاصيل تلك المذبحة، ونذرت جزءا من وقتي لهذا الموضوع، وبدأت أقرأ، وأجمع، وأخزن، لهذه الغاية، وكلما زرت مقام السيدة زينب في ضواحي مدينة دمشق، كنت استعرض صور المأساة، وتتعمق وتتأصل وتتجدد فكرة الكتابة عن كربلاء، وكلما طرحت الفكرة أمام بعض العلماء الأفاضل الذين أحبهم وأثق بدينهم وعمق ولائهم لأهل بيت النبوة، والذين عرفوني، واطلعوا علي مؤلفاتي، وجدت التشجيع علي ذلك، وقالوا: إن ثقافتي في مجال الفكر السياسي ستجعل من كتابتي، في هذا الموضوع عملا فريدا مميزا.
وعندما طبع كتابي التاسع (مساحة للحوار) (1) استعنت بالله، وشمرت عن ساعدي، وبدأت كتابة هذا البحث، بلغة العصر وروحه، وكانت فترة كتابته من أقسي وأكثر فترات عمري حزنا علي الإطلاق، فقد كنت أنفعل مع الأحداث وأبكي مرات عديدة يوميا، وأي إنسان لا تبكيه فصول مأساة كربلاء!!.
وقد دخلت إلي البحث من أربعة جهات، وسميت كل جهة بابا، ثم فتحت من كل جهة مجموعة من المسارب والطرق سميتها فصولا.
ففي الباب الأول: حشدت بمنهجية علمية كل المعلومات التي تعرف القارئ الكريم بالفئتين اللتين تواجهتا في كربلاء، من هما، عددهما، قادتهما، أركان قيادتهما، والمواقف النهائية لكل فئة وذلك من خلال أربعة فصول.
في الباب الثاني: فقد بينت دور الأمة وموقفها من مذبحة كربلاء من خلال أربعة فصول، غطت بالكامل كل ما يتعلق بهذا الموضوع.
وفي الباب الثالث: عالجت الأسباب التي أدت لانتفاضة الإمام الحسين وثورته وقادت لمذبحة كربلاء، وذلك عبر خمسة فصول.
أما الباب الرابع: فتحدثت فيه عن المواجهة العسكرية في كربلاء والنتائج
(1) مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة. ط. مركز الغدير للدراسات الإسلامية - بيروت:
1418 ه / 1997 م.
(٨)
صفحهمفاتيح البحث: واقعة الطف (1)، مدينة كربلاء المقدسة (6)، دمشق (1)، الكرم، الكرامة (1)، الحزن (1)، القناعة (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، مدينة بيروت (1)
المؤلمة لهذه المواجهة من خلال ستة فصول.
فجاء الكتاب جديدا بشكله، ومضمونه، ومنهجيته، ومميزا بتفرده بالشكل، والمضمون، والمنهجية.
فهو ليس مقتلا من المقاتل المألوفة، ولا تاريخا من التواريخ المخطوطة، ولا وصفا أدبيا حزينا لمأساة من أكثر المآسي البشرية إيلاما للنفس، وإنما كان محاكمة موضوعية وعادلة وبلغة العصر، لنظام حكم همجي جائر، جاء بالقوة والقهر، وحكم باسم الإسلام، ثم انقلب علي الإسلام، ورفعه عمليا من واقع الحياة، بعد أن انتهك حرماته كلها، وقتل رموزه المقدسة، وأباد المخلصين للإسلام إبادة تامة، ثم جرد الإسلام من مضمونه ومحتواه، وأبقي علي القشور التي تخدم ذلك النظام وتظهره بمظهر الحكم الديني وشكله.
* (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفي علي الله من شئ في الأرض ولا في السماء) * وتعلم أنا ما قصدنا إلا رضوانك ووجهك الكريم، أسألك يا مولاي بجد الحسين، ووالد الحسين، ووالدة الحسين، وأهل بيت الحسين، وأصحابه أن تجعل عملي هذا خالصا لوجهك الكريم، وهدية خالصة لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم ولأهل بيته الطاهرين، تجلب لي بها الخير والنعمة، وصدقة تطفئ بها خطاياي، إنك أنت الودود الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المحامي أحمد حسين يعقوب الأردن جرش ص. ب 363 10 / محرم الحرام / 1418 ه 16 / أيار / 1997 م
(٩)
صفحهمفاتيح البحث: شهر محرم الحرام (1)، الكرم، الكرامة (2)، القتل (1)، الطهارة (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء

اشاره

الباب الأول الفئتان المتواجهتان في كربلاء * الفصل الأول: قائدا الفئتين * الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين * الفصل الثالث: عدد الفئتين * الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين
(١١)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)

الفصل الأول: قائدا الفئتين

الفصل الأول قائدا الفئتين لا خلاف بين اثنين من المسلمين علي الإطلاق بأن مواجهة ضارية ودموية قد حدثت بين فئتين من " المسلمين " في كربلاء.
الفئة الأولي: وتتألف من آل محمد رسول الله وذوي قرباه الذين لا تجوز صلاة المسلم بغير الصلاة عليهم (1)، والذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (2)، وافترض مودتهم ومحبتهم علي كل مسلم (3)، ومن أولئك الذين نصروهم ووقفوا معهم حتي نهاية المجابهة (4).
الفئة الثانية: وتتألف من أركان دولة الخلافة الإسلامية وجيشها الجرار الذي اشترك فعليا بالقتال وصنع بسيوفه، وسهامه، وسنابك خيله مذبحة كربلاء بصورتها المأساوية الدامية.
قائدا الفئتين:
قائد الفئة الأولي: الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.
قائد الفئة الثانية: " خليفة المسلمين " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
(1) راجع علي سبيل المثال مسند الإمام أحمد ج 6 ص 327، وكنز العمال للمتقي الهندي ج 7 ص 103.
والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 7 ص 143، والدر المنثور للسيوطي في تفسير آية التطهير.
(2) راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 270 وقد أورد أكثر من 60 مرجعا من المراجع المعتمدة عند أهل السنة.
(3) راجع علي سبيل المثال تفسير الطبري ج 25 ص 16 - 17 وحلية الأولياء ج 3 ص 201 والدر المنثور للسيوطي في تفسير آية المودة في القربي، والمستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 172، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 146، وأسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 367، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 101 - 102.
(4) هم الذين قاتلوا مع الإمام الحسين حتي استشهدوا أو جعل الله لهم مخرجا.
(١٣)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، علي بن أبي طالب (1)، الصّلاة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، آية المودة (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، آية التطهير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، القتل (1)
قائد الفئة الأولي:
الإمام الحسين بن علي كالشمس المتألقة في رابعة السماء، يعرفه أهل الأرض وأهل السماء، وهو ابن رسول الله بالحكم الشرعي، فقد أعلن الرسول بأمر من ربه بأنه لن تكون له ذرية من صلبه، وأن ذريته ستكون من صلب ابن عمه وزوج ابنته البتول علي بن أبي طالب (1) وأعلن بالمقام نفسه أن كل بني أنثي ينتمون إلي عصبتهم إلا ولد فاطمة فهو أبوهم وهو عصبتهم (2) وأعلن الرسول بنشوة عارمة مرات ومرات أمام المسلمين " إن هذا ابني الحسن، أو هذا ابني الحسين أو هذان ابناي، لقد صارت أبوة النبي للحسن والحسين من المسلمات العامة التي لا يختلف فيها اثنان. وأعلن الرسول بأمر من ربه أن الحسن والحسين سبطا هذه الأمة (3) وأنهما سيدا شباب أهل الجنة (4) وأنهما ريحانتاه من هذه الأمة (5) وطالما قال لفاطمة الزهراء: " أدعي ابني فيشمهما ويضمهما " (6) ثم أعلن النبي: بأنهما عضوان من أعضائه (7)، وأنهما أحب أهل بيته إليه (8) وأنه حرب لمن حاربوا وسلم لمن سالموا (9)، لقد كانت هذه الإعلانات النبوية معلومة بالضرورة
(١) راجع علي سبيل المثال كنز العمال ج ٦ ص ١٥٢ الحديث ٥٢١٠، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٤١.
(٢) راجع علي سبيل المثال المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٦٤، والصواعق لابن حجر ص ١٢ وقد أخرجه الطبراني.
(٣) راجع كنز العمال ج ٢ ص ٨٨ و ج ٦ ص ٢٢١ وأخرجه الطبراني وأبو نعيم، ومرقاة المفاتيح لعلي بن سلطان ج ٥ ص ٦٠٢، وذخائر العقبي للطبري ص ٤٤ و ١٣٥.
(٤) راجع صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦ - ٣٠٧ وصحيح ابن ماجة ج ٣ ص ١٦٧ - فضائل أصحاب النبي -، والمستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ١٦٧، ومسند أحمد ج ٣، ص ٣ و ٦٢ و ٨٢، وخصائص النسائي ص ٣٦.
(٥) راجع مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٣٩٩.
(٦) راجع صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٥.
(٧) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٢٢١، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٤.
(٨) راجع صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦ وفيض القدير للمناوي ج ١ ص ١٤٨ وقال في الشرع: أخرجه أبو يعلي، وكنوز الحقائق ص ٥، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٥، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 11.
(9) صحيح الترمذي ج 2 ص 319، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 149، ومسند أحمد ج 2 ص 442.
(١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الأحكام الشرعية (1)، علي بن أبي طالب (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الحسين بن علي (1)، الحرب (1)، الصّلب (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (3)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب صحيح الترمذي (4)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (2)، إبن ماجة (1)، أحمد بن حنبل (1)
من كل سكان الجزيرة العربية أو رعايا دولة النبي، المسلم، واليهودي، والنصراني، علي السواء، فقد سمع الجميع بواقعة المباهلة (1)، وبواقعة التطهير (2)، وبواقعة المودة في القربي (3)، وبواقعة جعل الصلاة علي آل محمد جزءا من الصلاة المفروضة علي العباد!! (4) ثم إن الحسين هو الإمام الشرعي فلم ينتقل الرسول إلي جوار ربه إلا بعد أن ترك الأمة علي المحجة البيضاء، وبين لها الأئمة الشرعيين الذين اختارهم الله ليتعاقبوا تباعا علي قيادة الأمة من بعده وحددهم باثني عشر إماما، أولهم علي، وثانيهم الحسن، وثالثهم الحسين، وتسعة من ولد الحسين، سماهم الرسول بأسمائهم قبل أن يولدوا، كدليل علي صدقه بتبليغ ما أوحي إليه من ربه (5).
أبوه علي بن أبي طالب:
ووالد الإمام الحسين هو الإمام علي بن أبي طالب، شمس المشارق والمغارب، يعرفه الثقلان، ولا يخفي علي مبصر من أهل الأرض وأهل السماء، ابن عم النبي الشقيق، وأخوه، ووالد سبطيه، وعضده، وفارس الإسلام الأوحد، وحامي حماه، أعلنه الرسول بأمر من ربه سيدا للعرب، وسيدا لكافة المسلمين (6)
(١) راجع صحيح مسلم - فضائل الصحابة / فضائل علي - وصحيح الترمذي ج ٢ ص ١٦٦، وفضائل الخمسة ص ٢٩٠ وما بعدها.
(٢) راجع صحيح مسلم - فضائل أهل البيت -، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٢ ص ١٤٩، وصحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٩ و ٢٠٩ و ٣١٩.
(٣) راجع تفسير الطبري ج ٥ ص ١٦ - ١٧، وحلية الأولياء ج ٣ ص ٢٠، والدر المنثور للسيوطي - تفسير آية المودة -.
(٤) راجع مسند أحمد ج ٦ ص ٢٩٦ و ٣٢٣، والمستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ١٠٨ و ١٤٧، وكنز العمال ج ٧ ص ٩٢ و ٢١٧.
(٥) إكمال الدين للشيخ الصدوق: ج ١ ص ٣٦٥، إلزام الناصب للحائري ج ١ ص ٥٥، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٩٥، وانظر أيضا: صحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٥.
(٦) راجع المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٨٨ والمناقب للخوارزمي الحنفي، وشرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج ٩ ص ١٧٠، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٣١ حيث ستجد العشرات من المراجع.
(١٥)
صفحهمفاتيح البحث: جزيرة العرب (1)، علي بن أبي طالب (2)، المودة في القربي (1)، الصّلاة (2)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، آية المودة (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب صحيح الترمذي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، مدرسة المعتزلة (1)، كتاب صحيح مسلم (2)، الشيخ الصدوق (1)، الخوارزمي (1)
ووليا للمؤمنين (1)، وهو صاحب التاريخ الشخصي الحافل بالأمجاد التي لا تضاهيها أمجاد، والفضائل التي تتضاءل دونها كل الفضائل إلا فضائل النبيين والرسل، لقد كان جمعا بذاته، وجيشا بمفرده، وينبوع علم لدني بمكنونه.
وقد أعلن النبي أمام الأكثرية الساحقة من المسلمين التي اشتركت في غزوة تبوك: مكانة علي المميزة التي لا تدانيها مكانة، فقال له أمام ذلك الجمع الحاشد: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " لقد خصه الله تعالي بكافة المنازل التي كانت لهارون ولم يستثن من تلك المنازل والاختصاصات إلا منزلة النبوة، وقد أجمعت الأمة علي صحة هذا الحديث، وعلي صحة صدوره من النبي (2).
أبو طالب جد الحسين لأبيه:
وأبو طالب هو والد الإمام علي، وهو عم النبي الشقيق لأبيه عبد الله، فعبد الله والد الرسول وأبو طالب والد علي أخوة أشقاء، فهو أقرب الناس لرسول الله، ولما مات جد الرسول عبد المطلب كفله عمه أبو طالب وكان عمر الرسول آنذاك 8 سنوات، وبقي الرسول في بيت عمه مدة 17 عاما يأكل مما يأكل منه أولاد أبي طالب، ويشرب مما يشربون ويلبس مما يلبسون، بل إن الرسول كان أحب إلي عمه أبي طالب وإلي زوجة عمه من أبنائهما!! وكان مفضلا عندهما علي كل الأبناء، ويوم ماتت فاطمة بنت أسد؛ وصف النبي الكريم طبيعة علاقته بتلك الأم الصالحة، فقال: " اليوم ماتت أمي، إنها كانت أمي، وإنها كانت لتجيع صبيانها وتشبعني، وتشعثهم وتدهنني، وكانت أمي " (3) وبقي الرسول في بيت عمه محاطا
(١) راجع كتاب نظرية عدالة الصحابة ص ٢٤٧ وما بعدها - ستجد أكثر من ٧٠ مرجعا من عيون المراجع المعتمدة عند أهل السنة -، وكتاب المواجهة ص ٣٥٠ وما بعدها - ستجد التأهيل التاريخي والشرعي لفكرة الولاية -، وكتاب " الوجيز في الإمامة والولاية ".
(٢) راجع علي سبيل المثال صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق، غزوة تبوك -، وصحيح مسلم - فضائل علي -، وصحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠، ومسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ١٨٥ و ٣٠٩، وخصائص النسائي ص ١٤ - ١٦، وفضائل الخمسة ج ١ ص ٣٤٧ وما بعدها.
(٣) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٤.
(١٦)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمه بنت أسد أم أمير المؤمنين عليهما السلام (1)، حديث المؤاخاة (1)، اللبس (1)، الكرم، الكرامة (1)، الموت (1)، الزوج، الزواج (1)، الأكل (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، معركة تبوك (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)
بأنبل العواطف من عمه وزوجته وأبناء عمه حتي بلغ الخامسة والعشرين، عندئذ خطب له عمه خديجة بنت خويلد فتزوجها واستقل الرسول في بيت خاص به.
ولما شرف الله نبيه بالرسالة، كان لأبي طالب الدور البارز في قيادة جبهة الإيمان، فهو الذي أرسي قواعد التحالف بين بني هاشم وبني المطلب، وكون من البطنين جبهة واحدة وقفت برجولة أمام بطون قريش ال 23 التي اتحدت ضد محمد ودعوته، وهو الذي رعي أول اجتماع للبطنين المتحالفين وتصدي لخصوم محمد في ذلك الاجتماع ولجمهم (1) وهو الذي أعلن أمام بطون قريش " بأنها إذا قتلت محمدا فإن الهاشميين والمطلبين سيقاتلونها حتي الفناء التام " (2) وهو نفسه الذي طالما خاطب النبي أمام بطون قريش " يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلي ربك فأعلمنا حتي نخرج معك بالسلاح " (3) وهو نفسه الذي كان يستقبل وفود بطون قريش ويسمع لمطالبها، وينقل رد النبي عليها (4) وهو الذي شجع بنيه علي التضحية بأرواحهم دفاعا عن ابن عمهم رسول الله (5) وهو الناطق الرسمي باسم النبي عندما أكلت دابة الأرض صحيفة المقاطعة التي تعاقدت عليها بطون قريش، وهو الذي قاد عملية رجوع الهاشميين والمطلبيين إلي مكة بعد ثلاث سنين من حصار بطون قريش لهم (6) وهو شاعر النبي وحامي حماه (7) ومن هنا نفهم معني قول الرسول عندما مات أبو طالب: " ما نالت مني قريش حتي مات أبو طالب " (8) ولهذا سمي رسول الله العام الذي توفي فيه أبو طالب وماتت فيه زوجته ب (عام الحزن)، وعد موت الاثنين مصيبتين، وعبر الرسول عن ذلك بقوله: " اجتمعت
(١) راجع كتابنا المواجهة ص ٥١ وما بعدها تجد التوثيق والمراجع.
(٢) راجع كتابنا المواجهة ص ٥١، والطبقات لابن سعد ج ١ ص ١٨٦.
(٣) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٧.
(٤) راجع الغدير للعلامة الأميني ج ٧ ص ٤٠٠.
(٥) راجع سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢١٥، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢١٤، وكتابنا المواجهة ص 52.
(6) راجع كتابنا المواجهة ص 52 وما فيه من المراجع.
(7) راجع (الغدير في الكتاب والسنة والأدب) للأميني ج 7 ص 371 - 409 تجد بعض أشعاره التي تطفح بأنبل العواطف وبأصدق المشاعر الدينية نحو الإسلام ونبيه.
(8) راجع تاريخ ابن الأثير ج 2 ص 21.
(١٧)
صفحهمفاتيح البحث: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (1)، الزوجة (1)، الموت (2)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
مع هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشد جزعا " (1) والخلاصة أن أبا طالب كان أحد أركان جبهة الإيمان، وقد استغل مكانته الاجتماعية لصالح الرسول ولصالح الإسلام، وكان ساعد النبي الأيمن طوال حياته المباركة، ويوم مات أبو طالب لخص النبي هذه المواقف النبيلة بقوله: " يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، ونصرت كبيرا، فجزاك الله عني خيرا " (2) ومن المثير للدهشة حقا أن أعداء أهل بيت النبوة الذين استولوا علي مقاليد الأمور بالقوة وسيطروا علي مناهج التربية والتعليم عندما لم يقووا علي إنكار هذه المواقف أشاعوا بأن أبا طالب مات علي الشرك، فهو في ضحضاح من النار علي حد تعبير المغيرة بن شعبة المشهور بحقده علي بني هاشم؛ كما يقول علامة المعتزلة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عند مناقشته لإسلام أبي طالب.
قائد الفئة الثانية:
القائد الفعلي لجيش الخلافة الجرار في كربلاء، هو يزيد بن معاوية بن صخر المكني بأبي سفيان، فهو المهندس الفعلي لمجزرة كربلاء، وصانعها، وما كان عبيد الله بن زياد، ولا عمر بن سعد بن أبي وقاص، ولا بقية أركان القتل والإجرام في كربلاء إلا مجرد جلاوزة، أو عبيد، يأتمرون بأمر سيدهم يزيد بن معاوية وينفذون توجيهاته العسكرية بدقة كاملة، أو مجرد أدوات أو دمي يحركها حيثما يشاء، وكيفما يشاء، ومتي شاء!! ولم لا؟! فهو " أمير المؤمنين وخليفة رسول الله علي المسلمين "!!!! بيده مفاتيح خزائن الدولة " الإسلامية " وتحت إمرته تعمل كافة جيوشها الجرارة، والأكثرية الساحقة من رعايا دولته تصفق له رغبة أو رهبة!! متأملة باستمرار وصول " الأرزاق " إليها من خليفتها، ووجلها من أن يغضب فيقطع عنها " الأرزاق " فتموت جوعا!!!
(١) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥.
(2) المصدر نفسه.
(١٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مدرسة المعتزلة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو هاشم (1)، الموت (1)
ضرورات البحث العلمي:
قبل قليل عرفنا القارئ الكريم بشخصية الإمام الحسين بن علي الذي قاد الفئة الأولي في كربلاء، وبشخصية أبيه علي، وجده عبد مناف بن عبد المطلب المكني بأبي طالب، ونزولا عند ضرورات البحث العلمي سنعرف القارئ بشخصية يزيد بن معاوية بن صخر المكني بأبي سفيان بوصفه قائد الفئة الثانية في كربلاء.
فمن هو يزيد؟:
هو يزيد بن معاوية بن صخر المكني بأبي سفيان، جدته لأبيه هند التي لاكت كبد حمزة عم النبي في معركة أحد، نشأ نشأة مترفة في بيت أبيه معاوية الذي تربع علي ولاية الشام قرابة عشرين عاما وعاش حياة الملوك المترفين، وهيأ معاوية لابنه كل أسباب التعليم للمعارف المشهورة في عصره، لأن معاوية كان يعد العدة للإنقضاض علي منصب الخلافة، ويهيئ الأسباب لتمويل الخلافة إلي ملك ينحصر في ذرية أبي سفيان أو البيت الأموي، وكان يرجو أن يكون ابنه يزيد هو الملك الثاني بعد أبيه!!! إلا أن الولد يزيد نشأ جانحا، ميالا للعبث واللهو، مستهترا، وخليعا، مدمنا علي الصيد، وشرب الخمر، مولعا بالكلاب والقرود، ملحدا في قرارة نفسه، حاقدا علي النبي محمد وعلي آله وأهل بيته خاصة وعلي الهاشميين عامة بعد أن عرف طبيعة الصراح الدامي الذي جري بين رسول الله وآله والهاشميين من جهة وبين أبيه وجده وآل أبي سفيان والبيت الأموي من جهة أخري، وبعد أن عرف أن عليا وحمزة والهاشميين قتلوا أعمامه وأجداده وأقاربه،!! ولكن يزيد كان من الذكاء بحيث إنه قد عرف بأن النبوة قد صارت طريقا للملك، وأن الدين قد صار وسيلة لاستقرار هذا الملك، فجاهر بعصيانه وعبثه واستهتاره وادعائه بأنه مسلم، وكتم إلحاده وكفره، ثم انكشفت حقيقته من زلات لسانه!!! لما شاهد الرؤوس تحمل إليه، قال:
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل * فقد اقتضيت من الحسين ديوني
(١٩)
صفحهمفاتيح البحث: شرب الخمر (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، معركة أحد (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الحسين بن علي (1)، الشام (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (1)، القتل (1)، الصيد (1)
ومن هنا فقد حكم ابن الجوزي، والقاضي أبو يعلي، والتفتازاني، وجلال الدين السيوطي بكفره ولعنه (1) وقد قال ابنه معاوية عندما مات والده واصفا إياه بقوله: " … ومن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وبؤس منقلبه وقد قتل عترة الرسول، وأباح الخمر وخرب الكعبة … " (2) ثم إن رسول الله قد لعن يزيد باسمه فقال: " يزيد لا بارك الله بيزيد، نعي إلي الحسين، وأوتيت بتربته، وأخبرت بقاتله … وآها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف، بقتل خلفي وخلف الخلف " (3).
ولعنه رسول الله بالوصف، فقال: " سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب الدعوة … والمستحل من عترتي ما حرم الله " (4).
وأخرج الواقدي عن عبد الله بن حنظلة الغسيل، قال: " والله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة " تجد ذلك في " الصواعق المحرقة " لابن حجر ص 137، وقال الذهبي: " ولما فعل يزيد ما فعل بأهل المدينة مع شربه الخمر، وإتيانه المنكرات اشتد عليه الناس ". وجاء في المستدرك علي الصحيحين للحاكم. إن يزيد رجل يشرب الخمر، ويزني بالحرم!!! راجع فضائل الخمسة ج / 3 ص 390.
هذه طبيعة يزيد الذي قاد جيش الخلافة في كربلاء، وصنع مجزرتها
(١) راجع روح المعاني للآلوسي ج ٢٦ ص ٧٣ آية * (فهل عسيتم إن توليتم) * وقال: " إنما قتل بما قتله الرسول يوم بدر كجده وخاله وهذا كفر صريح، ومثله تمثله بقول ابن الزبعري قبل إسلامه: - ليت أشياخي ببدر شهدوا - "، وراجع تذكرة الخواص لابن الجوزي ج ٢ ص ١٤٨، وفتوح ابن أعثم ج ٥ ص ٢٤١.
(٢) راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٣٤.
(٣) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٣٩ قال: أخرجه الطبراني، وراجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ١٨٩، وأخرجه ابن عساكر ورواه عن أبي نعيم والديلمي.
(٤) راجع الصواعق المحرقة ص ١٤٣، وميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ ص ١١٩، وكنز العمال ج ٦ ص ٤٦، و ج 8 ص 191 - 192، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 1 ص 36 و ج 2 ص 525 و ج 4 ص 90 و 464 و 487.
(٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، عبد الله بن حنظلة (1)، القتل (3)، الموت (1)، الصّلاة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، الطبراني (1)، إبن عساكر (1)، الشهادة (1)
الرهيبة، فذبح آل محمد وأهل بيته ومن والاهم وأخذ بنات النبي سبايا، بعد أن مثل بضحاياه شر تمثيل!!!
وقد ولي الحكم ثلاث سنوات، ففي السنة الأولي من حكمه قتل أولاد النبي وأحفاده وبني عمومته ومن والاهم بمذبحة كربلاء، وفي السنة الثانية، استباح المدينة، وفض جيشه ألف عذراء وقتل عشرة آلاف مسلم بيوم واحد وهو " يوم الحرة "، وختم أعناق الصحابة وأخذ البيعة علي أنهم خول وعبيد " لأمير المؤمنين " يتصرف بهم تصرف السيد بعبيده، أما في السنة الثالثة فقد هدم الكعبة وأحرقها. وهذه أمور قد أجمعت الأمة علي صحة وقوعها وتوثيقها!!!.
من هو والد يزيد؟ وجده:
معاوية هو والد يزيد! وصخر بن أمية المكني بأبي سفيان هو جد يزيد وكلاهما طليق، ومن المؤلفة قلوبهم، وكلاهما من أئمة الكفر بإجماع الأمة!!
فالثابت بالإجماع أن الاثنين قد استسلما يوم فتح مكة، فأعلنا إسلامهما بعد أن أغلقت أمامهما كل الأبواب، والثابت كذلك أن الرجلين قد قاوما رسول الله ودينه بكل أساليب المقاومة، وحارباه بكل فنون الحرب، وكاداه بكل طرق الكيد طوال فترة 21 عاما وهي المدة الممتدة بين إعلان النبوة وفتح مكة!! وهذه حقائق لا ينكرها إلا تافه مريض. فأبو سفيان من أكابر تجار مكة، وهو الوارث لمنصب قيادة البطون، وبعد موت أبي جهل صار أبو سفيان زعيم جبهة الشرك بلا منازع، فهل يعقل أن تتحد بطون قريش ال 23 ضد محمد ودينه وضد بني هاشم دون علمه وعلم أولاد حنظلة ويزيد ومعاوية وهم سادات مجتمع الكفر!!! وهل يعقل أن تجري عمليات تعذيب المستضعفين قبل الهجرة دون علم وموافقة أبي سفيان وبنيه!! وهل يعقل أن تهدد بطون قريش بقتل محمد دون علم أبي سفيان وموافقته!!! ومن يصدق بأن بطون قريش ال 23 المتحدة قد أجمعت علي حصار النبي وبني هاشم ومقاطعتهم ثلاث سنين في شعب أبي طالب دون علم قائدها أبي سفيان وموافقته!!!.
(٢١)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، شعب أبي طالب (ع) (1)، بنو هاشم (2)، القتل (3)، الجهل (1)، الحرب (1)
وهل يعقل بأن تجري البطون اتصالات مع زعماء الطائف ليردوا النبي ردا مؤلما دون علم أبي سفيان ومباركته!!!.
ومن يصدق بأن بطون قريش قد أرسلت وفدا إلي النجاشي ليرد المهاجرين دون علم أبي سفيان وبنيه وموافقتهم!!!.
وهل يعقل أن تتآمر بطون قريش ال 23 علي قتل النبي ليلة هجرته وأن تختار منها مائة رجل ليضربوا النبي ضربة رجل واحد دون علم أبي سفيان ومباركته!!!.
ألم يخرج أولاد أبي سفيان لقتال النبي في بدر!! ألم يقتل بكره حنظلة هنالك!! أليس هو قائد المشركين في أحد!!! ألم تخرج عائلة أبي سفيان كلها مع جيش المشركين في أحد!!! أليست زوجته هند هي التي بقرت بطن حمزة عم النبي وأخرجت كبده لتأكله من كيدها وحقدها!!!.
أليس أبو سفيان هو الذي جمع الأحزاب وقادها، وانسحب بها بعد الهزيمة، وأين كان بنوه!!!.
لقد أعلن أبو سفيان في داخل الكعبة كما يروي الواقدي، وهو الذي قال لوفد اليهود: " إن أحب الناس إلينا من أعاننا علي عداوة محمد " (1) هذه عقيدة أبي سفيان وعقيدة بنيه: كره بلا حدود، وحقد بلا حدود، وحسد بلا حدود.
كانت أفعال أبي سفيان وبنيه وبني عمومته واضحة في أذهان الجميع من سكان الجزيرة، المسلم، والمشرك، واليهودي، والنصراني. كانت جرائم أبي سفيان وبنيه جراحات دامية في قلب النبي وآله وبني هاشم وفي قلوب الذين آمنوا، فمن الطبيعي أن يلعنهم الرسول وأن يدعوا عليهم لكشف حقيقتهم للأمة، فلعنه الرسول في سبعة مواطن (2) ولعنه رسول الله في الركعة الثانية من صلاة
(1) راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 442، وكتابنا المواجهة ص 184.
(2) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي، ص 134.
(٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: بنو هاشم (1)، الركوع، الركعة (1)، الزوجة (1)، القتل (3)، الأكل (1)، الصّلاة (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، إبن حجر الهيثمي (1)
الصبح (1)، وقال السيوطي: وأخرج أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، والبيهقي، أن رسول الله قد قال يوم أحد: " اللهم العن أبا سفيان … " (2) ويروي نصر بن مزاحم عن البراء بن عازب، قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية. فقال رسول الله (ص): " اللهم العن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس " فقال البراء لأبيه: من الأقيعس. قال: معاوية؟ (3) وأخرج نصر بن مزاحم، قال: نظر رسول الله إلي أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه، أحدهما قائد والآخر سائق. فلما نظر رسول الله إليهم قال: اللهم العن القائد والسائق والراكب " قلنا: أنت سمعت رسول الله؟ قال: نعم، وإلا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي (4).
وشاعت حقيقة أن رسول الله قد لعن أبا سفيان وبنيه، قال الإمام علي في خطبه له يوم صفين: " طليق وابن طليق وحزب من الأحزاب، لم يزل الله ولرسوله عدوا هو وأبوه، حتي دخلا في الإسلام مكرهين " (5) وقال مرة: " سيروا إلي بقية الأحزاب، قتلة المهاجرين والأنصار.. " (6) وقال مرة أخري: " إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء ومن أسلم كرها، وكان لرسول الله حربا " (7).
وخاطب الإمام علي معاوية قائلا: " وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدي قريش لله ولرسوله " (8) قال أبو أيوب الأنصاري لعلي: " يا أمير المؤمنين إن معاوية كهف المنافقين … " (9). وكتب قيس بن سعد بن عبادة أمير الخزرج،
(١) المستدرك علي الصحيحين، ج ١ ص ٣٦.
(٢) الدر المنثور للسيوطي، ج ٢ ص ٧١. وانظر: صحيح البخاري، ج ٥ ص ٣٥ و ١٧١. وكتابنا:
المواجهة، ص ٦٦.
(٣) وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ص ٧١٢.
(٤) وقعة صفين، ص ٢٢٠. وآراء علماء المسلمين للسيد مرتضي الرضوي، ص ٧٤ - ٧٦.
(٥) وقعة صفين، ص ٢٢٧، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٤. وجمهرة الخطب ج ١ ص ١٦١، والغدير في الكتاب والسنة والأدب ج ١٠ ص ١٩١.
(٦) وقعة صفين. ص ١٠٥، وجمهرة الخطب، ج ١ ص ١٤٢.
(٧) الإمامة والسياسة، ج ١ ص ١١٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٣٧، ج ١ ص ١١٣.
(٨) مقاتل الطالبيين ص ٢٩، وشرح ابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٢، وجمهرة الرسائل ج ٢ ص ٤٩.
(9) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 280.
(٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو أيوب الأنصاري (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، البراء بن عازب (1)، سعد بن عبادة (1)، نصر بن مزاحم (2)، القتل (1)، النفاق (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
مخاطبا معاوية: " فإنما أنت وثن وابن وثن دخلت في الإسلام كرها، وخرجت منه طوعا لم يقدم إيمانك، ولم يحدث نفاقك " (1). وكتب له الإمام السبط: " وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدي قريش لرسول الله ولكتابه " (2). وكتب محمد بن أبي بكر إلي معاوية: " وأنت اللعين ابن اللعين، ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله، وتجهدان علي إطفاء نور الله، وتجمعان علي ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان فيه القبائل، علي ذلك مات أبوك، وعلي ذلك خلفته، والشاهد علي ذلك من يأوي إليك من بقية الأحزاب، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله " (3).
ومع أن أبا سفيان وأولاده قد أسلموا مكرهين بعد أن اضطروا للاستسلام بعد حرب دامت بينهم وبين رسول الله وآله 23 عاما، إلا أن إسلامهم لم يغير حقيقة مشاعرهم نحو آل النبي علي الأقل، فهم يحقدون علي آل محمد وقد بينت هند أم معاوية طبيعة هذا الحقد عندما حاولت أكل كبد حمزة عم النبي، ولما آلت الأمور إلي عثمان دخل أبو سفيان عليه يوما بعد ما ذهب بصره، فقال: أهاهنا أحد؟ فقالوا: لا، فقال أبو سفيان: " اللهم إجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبيه، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية " (4). ورأي أبو سفيان الناس يوما يتهافتون علي النبي، فقال في نفسه: " لو عاودت الجمع لهذا الرجل " فكشف الله لرسوله ما حاك أبو سفيان في صدره عندئذ ضرب الرسول في صدر أبي سفيان وقال له: " إذا يخزيك الله " (5).
وعلي الرغم من أن رسول الله قد بسط سلطانه علي العرب إلا أن أبا سفيان لم ييأس من النيل من رسول الله، فقد كمن لرسول الله ومعه أحد عشر فردا بعد
(١) الغدير في الكتاب والسنة والأدب للعلامة الأميني ج ١٠ ص ١٩٤.
(٢) مقاتل الطالبيين ص ٢٢، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٢، وجمهرة الرسائل ج ٢ ص ٤٩.
(3) راجع كتابنا المواجهة ص 63، تجد التوثيق والمراجع، لهذا النص وما سبقه.
(4) تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 407.
(5) راجع الإصابة لابن حجر ج 2 ص 179 ترجمه " صخر بن حرب " رقم 4066.
(٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (1)، محمد بن أبي بكر (1)، الموت (1)، الضرب (1)، الحرب (1)، الأكل (1)، الجهل (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، إبن عساكر (1)، صخر بن حرب (1)
عودته من غزوة تبوك لينفروا ناقة الرسول فيسقط عنها بالعقبة ويموت، كما يروي علامة المعتزلة ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1). لقد وصلتنا مثل هذه الأنباء عن سيرة الرجلين علي الرغم من أن الأمويين قد حكموا ألف شهر، سيطروا خلالها علي وسائل الإعلام ومناهج التربية والتعليم، فلو لم تكن حقيقة الرجل من الشيوع والعموم لما وصلتنا مثل هذه الأنباء!! صحيح أن سلطان الدولة التاريخية علي المناهج التربوية والتعليمية واضح وله بصمات، خذ علي سبيل المثال: صحيح البخاري، فأهل السنة يعتبرونه بعد القرآن بالصحة!! ومع هذا يروي في صحيحه (2): " إن الرسول كان يقول إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة:
" اللهم العن فلانا، وفلانا وفلانا بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده " من المؤكد أن الرسول الكريم سمي الفلانات الثلاثة بأسمائها الملعونة ومن المؤكد أن البخاري يعرف أسماء الفلانات الثلاثة، لكنه استعاض عن كل اسم بكلمة فلان، فلو ذكر البخاري أسماء الفلانات الثلاثة، لما صار لصحيحه أية قيمة، ولهاجت الغوغاء وماجت، لجن جنون الجموع المسلمة التي أشرب ثقافة التاريخ والمناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة التاريخية!!!.
إلي أي بطن ينتمي يزيد؟:
ينتمي يزيد وأبوه معاوية وجده صخر إلي البطن الأموي المشهور بحقده وحسده وكراهيته لبني هاشم عامة ولآل محمد وأهل بيت النبوة خاصة، ففي معركة بدر قتل أهل بيت النبوة أحد عشر رجلا من بني أمية دفعة واحدة، منهم:
حنظلة ابن أبي سفيان شقيق معاوية وعم يزيد، وعتبة بن ربيعة جد معاوية، والوليد بن عتبة خال معاوية، وشيبة بن عتبة شقيق جد معاوية، وعم أمه، والعاص بن سعيد، وعقبة بن معيط وهم القرابة القريبة لعثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس (3).
(1) ج 2 ص 102 - 103.
(2) ج 3 ص 24.
(3) راجع المغازي للواقدي ج 1 ص 147 - 148.
(٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، الدولة الأموية (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، معركة تبوك (1)، معركة بدر (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، مدرسة المعتزلة (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، القرآن الكريم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الركوع، الركعة (1)، القتل (1)، اللعن (1)
لهذا كله امتزج الكره والحسد والحقد في قلوب الأمويين ونفوسهم، فانحرفوا انحرافا مهلكا، وقد نبه النبي الأمة إلي حقيقة المشاعر الأموية، فقال:
" إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم " (1).
وعندما بين رسول الله آية * (ألم تر إلي الذين بدلوا نعمة الله كفرا) * قال: " هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلي حين " (2).
لقد عبرت جويرية بنت أبي جهل عن الوضع النفسي لبطون قريش، فعندما صعد بلال علي ظهر الكعبة وأذن وسمعت الأذان، قالت بعفوية: " قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي، والله لا نحب من قتل الأحبة أبدا " (3)، لقد عاش البطن الأموي رهينا لسلسلة من العقد!! لماذا يكون النبي من بني هاشم!!!
كيف يثأرون من الهاشميين وبالذات آل محمد وأهل بيته لقتلاهم في بدر!!! كيف يستعيدون حقهم بقيادة بطون قريش!!! وكيف يوفقون بين الإسلام وبين هذه العقد المميتة!!!.
(١) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٤٨٧، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج ٦ ص ٥٠ وقال أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.
(٢) راجع كنز العمال ج ١ ص ٢٥٣ وقال أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني في الجامع الصغير، وذكره السيوطي في الدر المنثور وقال أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وقال أخرجه ابن مردويه.
(3) راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 846.
(٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (2)، بنو أمية (3)، بنو هاشم (1)، القتل (1)، الجهل (1)، الصّلاة (1)، الأذان (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، الطبراني (2)، المتقي الهندي (1)، ابن المنذر (1)

الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين

الفصل الثاني أركان قيادة الفئتين قلنا: إن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب كان هو القائد الأعلي لمنتسبي الفئة الأولي التي تجمعت والتفت حوله، وقاتلت معه ببسالة خارقة حتي أبيدت وقتلت عن بكرة أبيها في كربلاء. وقلنا أيضا إن " الخليفة " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كان أيضا هو القائد الأعلي لمنتسبي الفئة الثانية " جيش الخلافة " وأركان دولة الخلافة، الذين نفذوا أوامره بدقة، فقتلوا آل محمد وأهل بيته وذوي قرباه ببرودة، صانعين مذبحة كربلاء، تلك المذبحة البشعة التي يترفع همج ما قبل التاريخ وعبدة الشيطان عن تلويث أيديهم بكلياتها وتفاصيلها المخزية والمخجلة حقا!!.
ما معني أركان القيادتين؟:
يقصد بأركان القيادتين تلك العناصر البشرية المهمة أو البارزة التي شاركت القيادتين بالتخطيط، والتدبير، والتنفيذ، فنفذت الأولي أوامر الحسين بالدفاع المشروع عن الدين والنفس، ونفذت الثانية أوامر يزيد بن معاوية، فأشبعت رغبته بالعنف والتنكيل بخصومه، وقتلهم، وتعذيبهم أحياء وميتين استجابة لأهوائه.
أركان قيادة الإمام الحسين:
1 - الهاشميون من ذرية أبي طالب: لا خلاف بأن ذرية أبي طالب قد خرجت مع الإمام الحسين، وهم: شباب آل محمد، وزهرة أهل بيت النبوة، وذوو قربي النبي، تخرجوا من مدرسة النبوة، فكانوا فراقد متألقة، ونماذج بشرية لن تتكرر، وأفضل فتية علي وجه الأرض، وشوقهم الفائق للجنة، وطلبهم الحثيث للموت، وسعيهم الدؤوب له، وصبرهم العجيب علي مكاره السفر، واستماتتهم بالدفاع عن شيخ آل محمد يعكس طبيعة وفاء أولئك الفتية، ونوعية
(٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، القتل (2)، الموت (1)
إيمانهم، ومعدن أصالتهم، لقد كانوا نماذج بشرية تفوق كل مجالات وآفاق التصور والتصديق، فكان أولئك الفتية هم أبرز أركان قيادة الإمام الحسين، وضعهم بالصورة الكاملة قبل خروجه من المدينة المنورة، ووافقوه علي كل ما فعل خطوة خطوة، ونفذوا أوامره برضي خاطر، فما من أحد منهم إلا وقد قال للحسين: ائذن لي يا بن رسول الله لأدافع عنك، وأقتل بين يديك، وما من أحد منهم إلا وأثلج خاطر الحسين صولة وجولة، حتي إذا ما قضي نحبه صار جرحا غائرا في قلب الحسين، وانهدم ركن عصي من أركان قيادته!! ففتية آل محمد كانوا هم ناصية أركان قيادة الحسين، فلما وقعت الواقعة تقدموا وقاتلوا بين يديه وسقطوا فرقدا إثر فرقد، حتي خلت السماء تماما من فراقدها، عندئذ كسر ظهر الإمام الحسين، وامتلأ قلبه بالجراح النازفة، واضطر الحسين أن يحمل قلبه المثخن بالجراح وأن يقاتل جيش الخلافة وحيدا بعد أن تهدمت أركان قيادته.
إن الكواكب التي انتثرت وتساقطت تباعا من سماء كربلاء أمام الحسين لهي ظاهرة قيادية كونية نادرة، وإن تعجب لأراك الدهر عجبا، فأعجب كيف بقي للحسين قلب، وكيف انصرف ليقاتل وحده جيشا يزيد علي عشرين ألف مقاتل، بعد أن فقد أركان قيادته، وأعجب لنفسية أفراد هذا الجيش المرتزق الذي أصر علي قتال الحسين وحيدا!!! وبعد حملات هذا الجيش وصولاته علي الإمام الوحيد قتلوه، ولم يكتفوا بقتل الإمام، إنما مثلوا به أشنع تمثيل، وبعد أن أكملوا المذبحة ذهبوا وصلوا!! وقالوا في صلاتهم كما أمرهم الله: " اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد " وهم قبل قليل أبادوا آل محمد وذبحوا شيخهم كما تذبح الأضاحي!!!.
2 - أركان قيادة الإمام الحسين من غير بني هاشم: الذين اتبعوا الإمام الحسين من غير بني هاشم هم نخبة الأمة الإسلامية، ولقد وصفهم أحد قادة الجيش الأموي بقوله للجيش: " أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين " (1) وقال عنهم الإمام علي: " ليس مثلهم إلا شهداء بدر " (2).
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٣٥.
(٢) راجع أسد الغابة لابن الأثير ج ١ ص ١٢٣ و ٣٤٩، والإصابة لابن حجر ج ١ ص ٦٨، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣ وقال: أخرجه البغوي وابن السكن والبارودي وابن مندة وابن عساكر، وذكره الطبري في ذخائر العقبي ص ١٤٦ وقال: خرجه الملا في في سيرته راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة ص 347 و 348 ج 3.
(٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، المدينة المنورة (1)، بنو هاشم (2)، القتل (5)، الصّلاة (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
فالذين اتبعوا الإمام الحسين من غير بني هاشم واستشهدوا بين يديه في كربلاء، كانوا علي علم بما يجري، وبالدوافع الذاتية لقادة فريقي المواجهة، فهم يعرفون طبيعة الخلافة، وطبيعة نظام دولته وطبيعة أركان هذه الدولة، وطبيعة الجيش " الإسلامي " الجرار الذي يأتمر بأمر الخليفة، وطبيعة الحالة التي آلت إليها نفسية الأمة، فمن غير المحتمل علي الإطلاق أن يخاطر أي فرد من أغلبية الرعية بقطع " الأرزاق " أو الأعطيات الشهرية التي يقدمها الخليفة لعبيده، أو يجاهر بعصيانه ليخسر دنياه، ويخسر حياته ويهدم داره،!! فالذين اتبعوا الإمام الحسين ونالوا شرف الشهادة بين يديه نماذج بشرية عجيبة حقا، حللت واقعها تحليلا دقيقا، وأصغت لنبيها وهو يأمرها بنصرة الإمام الحسين فاختارت ما اختارت بقلوب راضية مطمئنة، بأعصاب هادئة، وبرضي تام، وساروا إلي الموت بخطي ثابتة، كلما فر الموت من أمامهم لاحقوه بلا كلل ولا ملل!! لقد صار الموت مطلبهم، وغايتهم، ونشوتهم العظمي!!! ولم لا!! فهم أنصار الحسين، والحسين مقتنع قناعة نهائية لا تقبل المراجعة أن الموت خير من الحياة تحت حكم الظالمين، بل إنه كان يري الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما. إن أنصار الحسين علي خطه تماما، رافقوه وتداولوا الأمر معه، ثم نفذوه بدقة وتفان.
فلما وقعت الواقعة افتدوه، وافتدوا أهل بيت النبوة الكرام، وقاتلوا بين يديه حتي قتلوا، لقد كانوا جبالا حقيقية، اندكت تباعا بين يدي الحسين!!!.
أركان قيادة يزيد في كربلاء:
قهر معاوية الأمة، وتملك أمرها بالقوة والتغلب، ودانت له البلاد والعباد رغبة بما في يديه من مال ونفوذ، أو رهبة من بطشه وجبروته. ولكن معاوية بدهائه مدرك أن الجمر في كثير من المواقع ما زالت تحت الرماد، لقد حصر معاوية الخطر علي ملكه بمصدرين، أحدهما: آل محمد، أهل بيت النبوة، الذين لا ينفكون عن القول بأنهم أصحاب الحق الشرعيين بقيادة الأمة، وأن معاوية
(٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، بنو هاشم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (2)، القتل (1)، الموت (4)، الشهادة (1)
وأمثاله غاصبون لهذا الحق. وثاني هذين الخطرين: أهل المدينة المجمعون علي أن معاوية طليق وابن طليق لا تحل له الخلافة، وأنه غاصب لها، ولكن أهل المدينة منقسمون إلي شيع تبع كل شيعة أحد غراس عمر بن الخطاب " أصحاب الشوري "، أو تبع ابنه في حالة وفاة أبيه.
خطة معاوية:
لقد أغرق معاوية أهل المدينة بالأموال والعطايا وسلط كل شيعة علي الأخري، فاستقامت له أمور جميع الشيع إلي حين. وهكذا حيد معاوية هذا الخطر بسلاح المال. وتفرغ بكل قوة الدولة لمواجهة مصدر الخطر الآخر المتمثل بآل محمد، أهل بيت النبوة، ومن والاهم. ففرض علي كل المسلمين أن يسبوا عليا وأهل بيت النبوة في كل صلاة وبالعشي والإبكار!!! وأصدر سلسلة من مراسيمه الملكية تقضي بأن يمحا من ديوان العطاء كل من يوالي عليا وأهل بيته، ثم تهدم داره، ثم يقتل!! (1) ثم ولي زيادا ابن أبيه علي العراق لأنه كان يعرف شيعة أهل البيت، ففتك بهم فتكا ذريعا وصفاهم من دون رحمة (2) وبكل قوة الدولة قاد معاوية حملة اختلاق الأحاديث علي رسول الله، لتمييع النصوص الشرعية المتعلقة بالخلافة من بعد النبي وخلط الأوراق (3) وتوج خطته بدس السم إلي الإمام الحسن وقتله (4) وهكذا هيأ معاوية كل الظروف لتحويل الخلافة رسميا إلي ملك، ولحصر هذا الملك في ذريته وفي البيت الأموي، أشد البيوت عداء لله
(١) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج ٣ ص ٥٩٥ وما بعد.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) قال ابن سعد في طبقاته: سمه معاوية، وقال الواقدي: مثل ذلك، راجع تاريخ ابن كثير ج ٨ ص ٤٣، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٥٠، ومقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص ٢٩، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٦ - ١٧، والاستيعاب لابن عبد البر ج ١ ص ١٤١، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٢١، وترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 4 ص 228 - 241 الأحاديث 367 - 392، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 144، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 2 ص 298، وتاريخ الخميس ج 2 ص 394، والغدير للعلامة الأميني ج 11 ص 26 - 39، وكتابنا المواجهة ص 237 - 238.
(٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: شيعة أهل البيت عليهم السلام (1)، دولة العراق (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، القتل (3)، الصّلاة (1)، الوفاة (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، مدرسة المعتزلة (1)، إبن عساكر (1)، دمشق (1)
ولرسوله (1) وهكذا نجح معاوية بتحويل الدين رسميا إلي مجرد طريق للملك، والمحافظة عليه، ونجح بتفريغ الإسلام سياسيا من محتواه، وصار الخليفة فعليا مجرد رجل " ميكافيلي " لا هم له إلا البقاء في ملكه، والمحافظة علي هذا الملك بأي وسيلة كانت شرعية أو غيرها.
يزيد بن معاوية: وعملا بنظام الملك والوراثة ورث يزيد بن معاوية عن أبيه مملكة مترامية الأطراف، كانت بمثابة ضيعة كبري لأبيه، وورث مع الأقاليم قيادة أمة هرمت شبابها وذلت فاستذلت، حتي صارت الأغلبية الساحقة من جماعاتها وأفرادها بمثابة عبيد أو أقنان لمعاوية وورثته.
يزيد يكمل خطة والده:
بعد أن حمل ولاة الأقاليم البيعة ليزيد، وبعد أن انتهت مراسيم تتويج الملك الجديد أحيط الملك يزيد علما بنقطتين هامتين:
1 - أولاهما: إن شيخ آل محمد، الحسين بن علي بن أبي طالب، لم يبايع وأنه قد خرج وأهل بيت النبوة من المدينة إلي مكة، تهربا من إعطاء البيعة، ومن المؤكد أنه سيلجأ إلي العراق وإلي الكوفة بالذات عاصمة دولة الخلافة في عهد أبيه علي.
2 - وثانيهما: إن أهل المدينة وشيعها السياسية متلكئون بإعطاء البيعة ويتأهبون للشغب.
عزم يزيد وإصراره:
يزيد بطبيعته رجل جنس ولهو، ورجال الجنس واللهو بالضرورة يعشقون العنف، لقد قرر أن يضرب خصومه وبمنتهي الوحشية والقسوة، وأن يقطع دابر معارضيه وإلي الأبد؛ فبدأ من حيث انتهي أبوه، واستفاد من خبرة أبيه بالقمع
(١) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٤٨٧، ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٧١، وكنز العمال ج ١ ص ٢٥٢ و ج 5 ص 50 و 68، والسيوطي في الدر المنثور تفسير آية * (ألم تر إلي الذين بدلوا نعمة الله كفرا) *.
(٣١)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، علي بن أبي طالب (1)، الضياع (1)، الضرب (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)
والإرهاب، ومن أولئك الذين نفذوا سياسة أبيه بهذين المجالين.
من ينفذ المهمتين؟:
من يبيد آل محمد وأهل بيت النبوة ومن يقتل شيخهم؟!! من يضع حدا نهائيا لتمرد أهل المدينة ويقصم ظهورهم وإلي الأبد!! هذا ما كان يشغل ذهن يزيد بن معاوية!!!.
سرجون ومعاوية:
استشار يزيد سرجون مولاه، وكاتبه، ونديمه، وأنيسه. وسرجون هذا نصراني دخل في خدمة معاوية (1) فقال سرجون ليزيد: " عليك بعبيد الله بن زياد!!
قال يزيد: لا خير فيه!! فقال سرجون: لو كان معاوية حيا وأشار عليك به أكنت توليه؟ قال يزيد: نعم. فقال سرجون: هذا عهد معاوية إليه بخاتمه، ولم يمنعني أن أعلمك به إلا معرفتي ببغضك له " (2).
عندئذ قرر يزيد اختيار عبيد الله بن زياد لإنجاز النقطة أو المهمة الأولي المتمثلة بقتل الإمام الحسين وأهل بيته، وبوصية من أبيه، كما يقول الدينوري في " الإمامة والسياسة " قرر يزيد اختيار مسلم بن عقبة لإنجاز النقطة أو المهمة الثانية المتمثلة بوضع حد نهائي لتمرد أهل المدينة، وما يعنينا هو المهمة الأولي التي أوكل تنفيذها لعبيد الله بن زياد.
لقد استجاب يزيد لنصيحة سرجون، ونفذ العهد الذي كتبه معاوية حال حياته، فعزل بشير بن النعمان وعين بدلا منه عبيد الله بن زياد ليتولي تنفيذ المهمة القذرة!!.
(١) راجع الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ج ٢ ص ١٥٨.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٩٩ - 201، والإسلام والحضارة العربية ج 2 ص 158، ومقتل الحسين لعبد الرزاق الموسوي المقرم ص 148.
(٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: عبيد الله بن زياد لعنه الله (4)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (2)، الإختيار، الخيار (2)، النفاذ، التنفيذ (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
مرسوم التعيين:
كتب يزيد بن معاوية إلي عبيد الله بن زياد قائلا: أما بعد، فإن الممدوح مسبوب يوما، وإن المسبوب يوما ممدوح، وقد سمي بك إلي غاية أنت فيها كما قال الأول:
رفعت وجاوزت السحاب وفوقه * فما لك إلا مرقب الشمس مقعد وأمره بالاستعجال علي الشخوص إلي الكوفة ليطلب ابن عقيل مندوب الحسين فيوثقه أو يقتله أو ينفيه (1).
وتلاحظ أن يزيد قد بين لعبيد الله بأنه بالذات هو وحده المؤهل للقيام بهذه المهمة، وأن يزيد قد أطلق يد قائده عبيد الله وأعطاه كافة الصلاحيات للتعامل مع مندوب الإمام الحسين مسلم بن عقيل.
وتشير المصادر إلي أن يزيد قد كتب لعبيد الله بن زياد رسالة أخري، قال فيها:
" إنه قد بلغني أن حسينا قد سار إلي الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به أنت من بين العمال، وعندها تعتق، أو تعود عبدا، كما تعتبد العبيد " (2) فأنت تلاحظ أن هذه الرسالة مليئة بالتحريض والتهديد، والتذكير بنعمة آل أبي سفيان علي عبيد الله وأبيه زياد، فقد كان زياد عبدا من أبوين عبدين وهما: عبيد وسمية، فمن عليه معاوية وألحقه بالأمويين زاعما أن أبا سفيان قد زني بسمية سرا، وأنها حملت زيادا من تلك الزنية، وأن أبا سفيان هو الوالد الحقيقي لزياد وليس عبيدا كما كان شائعا في المجتمع، وعلاوة علي " شرف " الإلحاق ولاه معاوية العراقين يتصرف فيهما تصرف السيد مع عبيده، وها هو يزيد يتم نعمته علي حفيد سمية فيوليه العراقين أيضا. بمعني أن
(1) مقتل الحسين، السيد المقرم، دار الأضواء، بيروت، ص 148 - 149.
(2) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 344، وتاريخ ابن كثير ج 8 ص 165.
(٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، مدينة الكوفة (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، مدينة بيروت (1)، التاريخ الإسلامي (1)
عبيد الله إن لم ينجح بالتصدي لشيخ آل محمد وأهل بيت النبوة سيعود عبدا بلا حسب ولا نسب ولا مكانة!!.
وما يعنينا هو أن عبيد الله بن زياد عين رئيسا لهيئة الأركان المكلفة بأخذ البيعة من شيخ آل محمد وأهل بيت النبوة وهم صاغرون أو قتلهم والتمثيل بهم لوضع حد لخطرهم!!!.
عمر بن سعد:
لما جاء مسلم بن عقيل مندوب الحسين إلي الكوفة، ورأي عمر بن سعد ابن أبي وقاص إقبال الناس عليه أحرق الحسد والكره قلبه، فكتب سرا إلي يزيد بن معاوية بذلك. فمن الطبيعي أن يسر ذلك يزيد (1)، ومن الطبيعي أن يطلب من عبيد الله تعيين عمر بن سعد بن أبي وقاص قائدا للقوات العسكرية المكلفة بقتل شيخ آل محمد وأهل بيت النبوة، ومن الطبيعي أيضا أن يعده الخليفة وعبيد الله بن زياد بولاية الري إن هو نجح بالمهمة الموكولة إليه، وهكذا كان إذ عين عمر بن سعد قائدا عاما للقوات العسكرية المكلفة بقتال أهل بيت النبوة وقتلهم والتمثيل بهم، أما لماذا اختار عمر بن سعد بن أبي وقاص ليقود المرتزقة في كربلاء؟ فإننا لا نعلم علي وجه التحديد!! ربما لأن عمر كتب له بقدوم مسلم وإقبال الناس عليه!! وربما لأنه يعرف أن عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكارهين لآل محمد، والحاقدين عليهم!! وربما لإشعار الناس بأن أولاد سعد بن أبي وقاص معه استغلالا لسمعة سعد كأحد الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة!! وربما لضرب بطون قريش ببعضها حتي يكون هو الحكم.
شمر بن ذي الجوشن:
ومن أركان قيادة يزيد بن معاوية: شمر بن ذي الجوشن، ويبدو أنه كان يتمتع بمكانة خاصة عند عبيد الله، وفي قلوب أفراد عشيرته، وأنه كان وجيه هذه العشيرة، وقائد أفرادها في كربلاء، بدليل أن أكثر المؤرخين يجمعون عند ذكر
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٩٩ - 201.
(٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، عمر بن سعد لعنه الله (7)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (2)، القتل (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
قطع رؤوس الشهداء بأن هوازن جاءت " بكذا رأس من رؤوس الشهداء " مع صاحبهم شمر بن ذي الجوشن (1) ومن المؤكد أن ابن ذي الجوشن هذا كان قائدا للقوات الراجلة تحت إمرة سعد، ومن المؤكد أيضا أن ابن ذي الجوشن هذا كان نائبا لعمر بن سعد بن أبي وقاص، فعندما كان عمر يفاوض الإمام الحسين كانت أوامر عبيد الله بن زياد أن قاتل أو سلم الإمارة لشمر بن ذي الجوشن (2) ويبدو واضحا للعيان أن شمر بن ذي الجوشن لا يكره محمدا وآل محمد فحسب، بل يحقد عليهم حقدا، وعملا بالمبدأ السائد " صارت النبوة طريقا للملك " فمن المؤكد أن شمر هذا قد قرأ التاريخ وفهم تفاصيل معركة حنين والمواجهة بين قبيلته هوازن وبين النبي الأعظم (3) فامتلأت نفسه بالكره والحقد علي محمد وآله، ولأنه لا يستطيع أن يجهر بحقده علي النبي، فقد جهر بكراهيته وحقده علي آل النبي ولقد تجلي هذا الحقد بأبشع صوره في معركة الطف.
وما يعنينا هو أنه كان الرجل الثالث في تلك القيادة المجرمة.
أركان القيادة الأقزام:
وساعد الثلاثة في القيادة مجموعة من أركان القيادة الأقزام، الذين لم تكن لهم مكانة الثلاثة الأول إلا أنهم لعبوا دورا بارزا في قيادة الجند الذين اشتركوا بمذبحة كربلاء. نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر:
الحصين بن نمير التميمي، وشبث بن ربعي، وكعب بن طلحة، وحجار ابن أبجر، ونصر بن حرشة، ومضاير بن رهينة (4) ومن الذين قادوا قبائلهم:
قيس بن الأشعث، وهلال بن الأعور، وغيهمة بن أبي زهير، والوليد بن عمرو (5)..
(١) راجع علي سبيل المثال تاريخ الطبري ص ٤٦٧ - ٤٦٨ والأخبار الطوال للدينوري ص ٢٥٩.
(٢) راجع تاريخ ابن الأثير ج ٤ ص ٢٣، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٦.
(٣) يمكن الاطلاع علي تفاصيل هذه المواجهة في كتاب: المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٤٦، وراجع كتابنا المواجهة ص ٣٢٩.
(٤) راجع: ابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢١٥.
(٥) راجع الأخبار الطوال للدينوري ص 259.
(٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، معركة حنين (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (3)، رؤوس الشهداء (2)، قيس بن الأشعث (1)، حصين بن نمير (1)، القتل (1)، الكراهية، المكروه (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
القبائل التي اشتركت بالمذبحة:
نذكر منها علي سبيل المثال: 1 - كنده، 2 - هوازن، 3 - تميم، 4 - بنو أسد، 5 - مذحج (1)، 6 - الأزد، 7 - ثقيف (2).
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٦٧ - ٤٦٨.
(٢) الأخبار الطوال ص ٢٥٩.
(٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب تاريخ الطبري (1)

الفصل الثالث: عدد الفئتين

الفصل الثالث عدد الفئتين عدد فئة الإمام الحسين:
لا نعرف بالتحديد وعلي وجه الدقة واليقين عدد الفئة الأولي التي كان يقودها الإمام الحسين في كربلاء، لأن هذه الفئة مرت بسلسلة من الظروف والأحوال أثرت علي عددها زيادة ونقصانا حتي استقرت نهائيا في العشر الأوائل من شهر محرم، ولكن بالاستقراء العلمي للمصادر التاريخية، والمقاتل، وكتب الزيارات، وروايات الذين توثقت علاقاتهم بآل محمد وكانوا لهم شيعة، وبحصر الذين نجوا من مذبحة كربلاء، وبأعمال مناهج الاستقراء والاستدلال والاستنباط والمقارنة بهذا كله يمكن أن نقف علي حقيقة العدد اليقيني.
عدد الناجين من المذبحة:
تجمع كافة المصادر التي أشرنا إليه علي أن كافة الذكور الذين تتكون منهم الفئة الأولي التي قادها الإمام الحسين في كربلاء قد قتلوا عن بكرة أبيهم، ولم ينج منهم غير ستة: ثلاثة من بني هاشم وهم:
1 - الإمام علي بن الحسين، زين العابدين، فقد كان طريح الفراش ولا يقوي علي الحركة.
2 - الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. 3 - عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقد كانا طفلين (1). ونجا من المذبحة ثلاثة من أنصار الحسين من غير الهاشميين وهم:
1 - الضحاك بن عبد الله المشرقي، عاهد الحسين بالقتال معه ما كان القتال
(١) راجع علي سبيل المثال تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٦٦.
(٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، شهر محرم الحرام (1)، الحسن بن علي بن أبي طالب (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، عمر بن الحسن (1)، القتل (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
نافعا، فإن لم يجد مقاتلا معه كان في حل من العهد، وقد انسحب هذا الرجل عندما لم يعد قتاله مجديا.
2 - عقبة بن سمعان مولي الرباب زوجة الإمام الحسين الذي قال لعمر بن سعد عندما وقع بين يديه: أنا عبد مملوك فتركه.
3 - المرفع بن ثمامة الأسدي، جاء وقومه بالمراحل الأخيرة من القتال وهو يقاتل عندما لم يك القتال مجديا فأعطوه الأمان وأخذوه معهم (1).
وقد أجمعت كافة المصادر علي أنه عندما قتل كافة أنصار الإمام الحسين من غير بني هاشم، وبعد أن قتل ذكور آل محمد وأهل بيت النبوة، ركب الحسين جواده وامتشق حسامه، وأخذ يقاتل جيش الخليفة وحيدا، ولما عقروا جواده، قاتل جيش الخلافة راجلا واستمر بالقتال وحيدا حتي أثخنته الجراح وقتل، وبقتله، وبقطع رؤوس الشهداء، وبالدوس علي جثثهم بسنابك الخيل، وأخذ ملابسهم التي كانوا يرتدونها غنائم للقتلة، وبالتمكن من بنات النبي وأخذهن سبايا، أخذت مذبحة كربلاء صورتها النهائية بمعني أن الإمام الحسين عمليا كان يدير القتال والعمليات العسكرية ولم يقاتل قتالا فعليا إلا بعد ما أبيدت فئته وأصبح وحيدا أمام جيش القتلة!!.
رؤوس الشهداء:
يمكن أن نستدل علي عدد الفئة التي كان يقودها الإمام الحسين بعدد رؤوس شهداء هذه الفئة التي حزها وقطعها القتلة بعد قتل الشهداء لينالوا بهذه الرؤوس الحظوة عند الخليفة وأركان دولة الخلافة، ويثبتوا رجولتهم وشجاعتهم لعل الخليفة يرضي منهم ويأمر لهم ببعض المال، ويبدو أن هنالك اتفاقا علي عدد رؤوس الشهداء، قال الطبري بروايته عن شاهد عيان من جيش الخلافة: " فقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسا " (2).
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣٨٩ و ٤١٨ و ٤٤٤ و ٤٤٥ و ٤٥٤.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٥ - 456.
(٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، رؤوس الشهداء (3)، بنو هاشم (1)، عقبة بن سمعان (1)، القتل (12)، الشهادة (3)، الزوج، الزواج (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
وقال الدينوري: " وحملت الرؤوس علي أطراف الرماح وكانت اثنين وسبعين رأسا " (1).
وقال الشيخ المفيد: " وسرح عمر بن سعد … برأس الحسين، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وكانوا اثنين وسبعين رأسا " (2).
وقال المجلسي في بحار الأنوار: " إن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأسا " (3).
عدد الشهداء:
يبدو أن عددا من الشهداء لم تقطع رؤوسهم، ومتابعة لاستقصائنا عن عدد الفئة الأولي التي كان يقودها الإمام الحسين تذكر طائفة من الروايات التي تحدثت عن عدد القتلي من فئة الإمام الحسين، قال المسعودي: " وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين منهم ابنه علي بن الحسين " (4).
وقال الطبري في رواية له: " فقتل من أصحاب الحسين 72 رجلا " (5).
وقال الطبري في رواية أخري: " أقبل زحر بن قيس حتي دخل علي يزيد بن معاوية، فقال: ما وراءك وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فأحطنا بهم حتي أتينا علي آخرهم " (6).
عدد الفئة الأولي:
قال الطبري في رواية له عن أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين، الإمام
(١) الأخبار الطوال ص ٢٥٩.
(٢) الارشاد ص ٢٤٣.
(٣) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٦٢.
(٤) راجع مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٧١..
(٥) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٥.
(٦) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٩ - 460.
(٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، العلامة المجلسي (1)، كتاب بحار الأنوار (2)، محمد بن علي بن الحسين (1)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، الحسين بن علي (1)، علي بن الحسين (1)، القتل (3)، الشهادة (2)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
الباقر … : " فلما رأي ذلك عدل إلي كربلاء، فنزل وضرب أبنيته، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل " (1).
وفي رواية ثانية للطبري: " وإنهم لقريب من مائة رجل، فيهم لصلب علي بن أبي طالب خمسة، ومن بني هاشم ستة عشر … " (2).
وروي الطبري أيضا: " وعبأ الحسين أصحابه وصلي بهم الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا " (3).
قال الدينوري: " وعبأ الحسين أيضا أصحابه وكانوا اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا " (4).
وقال اليعقوبي: " وكان الحسين في اثنين وستين أو اثنين وسبعين رجلا من أهل بيته وأصحابه " (5).
وقال الخوارزمي: " ولما أصبح الحسين عبأ أصحابه، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا " (6).
القول الفصل:
قال الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه " أنصار الحسين "، والذي اعتمدنا عليه في هذه الناحية: " نلاحظ قبل أن نذكر تقديرنا الخاص في المسألة، أن عدد أصحاب الحسين لم يكن ثابتا في جميع المراحل منذ الخروج من مكة إلي ما بعد ظهر اليوم العاشر من المحرم في كربلاء، وإنما كان العدد متقلبا عند الخروج من مكة بالعدد الذي ذكره الخوارزمي " 82 " ثم ازداد العدد كثيرا في الطريق، ثم تقلص حتي عاد إلي العدد الأول " 82 رجلا " وربما يكون قد نقص
(١) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣٨٩.
(٢) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣٩٢ - ٣٩٣.
(٣) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٢٢ وص ٤٣٦.
(٤) الأخبار الطوال ص ٢٥٦.
(٥) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٣٠.
(6) مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج 2 ص 4.
(٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، الخوارزمي (2)، الصّلاة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)
عنه قليلا، أو ازداد بنسبة صغيرة قبل المعركة نتيجة لقدوم بعض الأنصار، وتحول بعض جنود الجيش الأموي إلي معسكر الحسين، وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهي إليه البحث هو أن أصحاب الحسين الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مائة رجل أو يبلغونها، وربما زادوا قليلا عن المائة، ولا نستطيع أن نعين عددا بعينه، لأنه لا بد من افتراض نسبة من الخطأ تنشأ عن تصحيف الأسماء، ومن عدم دقة الرواة الذين نقلوا الأحداث، وأسماء رجالها، ولكن نسبة الخطأ المفترضة ليست كبيرة قطعا " (1).
وأي باحث يستعمل مناهج الاستقراء، والاستدلال والاستنباط، والمقارنة، يصل إلي شبه يقين بأن عدد الفئة الأولي التي كان يقودها الإمام الحسين في كربلاء كان أكثر قليلا من المائة، أو أقل قليلا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه كان عند الحسين عشرة من الموالي، وعند ابنه علي اثنان منهم.
فالموالي وكما قال عقبة بن سمعان (مولي الرباب) عبيد (2)، وفي عداد الممتلكات.
عدد الفئة الثانية:
في ست خلون من المحرم تكامل عند عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد جيوش الخليفة في كربلاء قرابة عشرين ألف مقاتل، فمع شمر أربعة آلاف، ومع يزيد بن الركاب ألفان، ومع الحصين بن نمير أربعة آلاف، ومع شبث بن ربعي ألف، ومع كعب بن طلحة ثلاثة آلاف، ومع حجار بن أبجر ألف، ومع مضاير بن رهينة المازني ثلاثة آلاف، ومع نصر بن حرشة ألفان، ولم يزل عبيد الله بن زياد يرسل العساكر إلي عمر بن سعد حتي تكامل عنده ثلاثون ألفا " (3) قبل أن ينشب القتال.
(١) راجع " أنصار الحسين ".
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٤.
(٣) راجع مقتل الحسين / عبد الرزاق الموسوي المقرم / ص ٢٠٠ نقلا عن الأخبار الطوال للدينوري ص 253 ومقتل العوالم ص 15 و 45 وابن شهرآشوب ج 2 ص 215.
(٤١)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، حجار بن أبجر (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، عقبة بن سمعان (1)، حصين بن نمير (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، ابن شهرآشوب (1)
ويؤكد هذا العدد " ثلاثين ألفا " ما رواه أبو عبد الله، الصادق، من " أن الحسين دخل علي الحسن في مرضه الذي استشهد فيه، فلما رأي ما به بكي، فقال له الحسن: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقال: أبكي لما صنع بك! فقال الحسن: إن الذي أوتي إلي سم أقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفا يدعون أنهم من أمة جدنا محمد وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون علي قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك " (1) ومن المؤكد بأن الأئمة الكرام إذا حدثوا، فإنما يحدثون عن رسول الله، ورسول الله لا ينطق عن الهوي، فكافة المعلومات التي يثبت صدورها عن أئمة أهل بيت النبي هي معلومات يقينية من جميع الوجوه.
قال أبو الفداء في تاريخه (2): إن عمر بن سعد بن أبي وقاص خرج في أربعة آلاف، وإن الحر قد خرج في ألفين، فمن المعروف أن عمر بن سعد هو القائد العام للعمليات الحربية في كربلاء، والمكلف بقيادتها وتوجيهها حسب الأوامر التي يتلقاها من عبيد الله بن زياد، ومن الخليفة يزيد بن معاوية، ومن المعروف أن القوة التي قادها الحر هي قوة مهمتها الاستطلاع وتقييد حركة الإمام الحسين حتي يتكامل جيش الخلافة، ومن المؤكد أن مجموعة من القبائل ككندة، وهوازن، وتميم، وبني أسد، ومذحج قد لبت نداء ابن زياد وخرجت للقتال بقيادة المتوجهين من رجالاتها كقيس بن الأشعث، وشمر بن ذي الجوشن، وهلال بن الأعور.. الخ ومن الطبيعي جدا أن تنظم هذه القبائل لبقية جيش الخليفة، وأن تضع نفسها تحت تصرف القائد العام عمر بن سعد بن أبي وقاص، وأن تأتمر بأمره ليشركها في الغنائم، ولينقل لأسياده بطولة الوجوه وقبائلهم، فينالوا حظوة الأسياد!!.
ووردت روايات بأن العدد أكثر من ذلك، ففي هامش " تذكرة الخواص " لسبط ابن الجوزي رواية تفيد أن عدد الفئة الثانية " جيش الخليفة " كان مائة ألف،
(1) راجع أمالي الصدوق ص 71 مجلس 30.
(2) تاريخ أبي الفداء ص 190.
(٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (3)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، السبط إبن الجوزي (1)، أبو عبد الله (1)، قيس بن الأشعث (1)، بنو أسد (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصدق (1)، المرض (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، الغنيمة (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)
وفي " تحفة الأزهار " لابن شدقم " إن عددها كان ثمانين ألفا ".
ولكن الأقرب إلي الحقيقة أن عدد جيش الخلافة كان يتراوح بين عشرين ألفا وثلاثين ألفا، وأن ابن زياد لم يتوقف عن إرسال المدد إلي عمر بن سعد حتي تمت المذبحة بدليل ما أجمع المؤرخون علي قول ابن زياد لعمر بن سعد: " إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال، لا تمس ولا تصبح إلا وخبرك عندي غدوة وعشية ". وبتعبير العصر لقد أعلنت التعبئة العامة في دولة الخلافة عامة وفي أقاليم العراق خاصة، يحشدون الخيل والرجال ويرسلونها إلي جبهة القتال في كربلاء!!!
وكانت الشعوب تواقة " للجهاد " لا حبا بالله أو برسوله ولكن طمعا بالمغانم، وابتغاء لمرضاة الخليفة الذي بيده الأموال والنفوذ يعطي ما يشاء لمن يشاء!!! بلا حسيب ولا رقيب، وبهذا المناخ فكأني بطلاب الدنيا يتهافتون تهافتا علي وجهاء قبائلهم وعرفائهم وعلي الوالي وأركان ولايته، طالبين السماح لهم ب " نيل شرف " قتال الإمام الحسين وآل محمد، وأهل بيت النبوة، وذوي قربي النبي، ومن والاهم، وكأني بالخليفة والولاة وأركان دولة الخلافة وقد استغلوا هذا الانحراف أبشع استغلال ليعمقوا الهوة بين الأمة وقيادتها الشرعية المتمثلة بآل محمد وأئمة أهل بيت النبوة الأطهار.
قال البلاذري في " أنساب الأشراف ": إن عبيد الله بن زياد خطب وقال:
" فلا يبقين رجل من العرفاء، والمناكب، والتجار، والسكان، إلا خرج فعسكر معي، فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة " (1).
(١) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ٨٢ للعسكري..
(٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، الوقوف (1)، القتل (2)، العصر (بعد الظهر) (1)

الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين

الفصل الرابع المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين موقف الإمام الحسين:
منذ اللحظة التي تأكد فيها الإمام الحسين من هلاك معاوية ومن استخلافه رسميا لابنه يزيد من بعده قرر الإمام وصمم تصميما نهائيا علي عدم مبايعة يزيد ابن معاوية مهما كانت النتائج.
أساس الموقف:
عهد رسول الله للإمام الحسين بالإمامة والقيادة الشرعية للأمة، كما عهد بها من قبل لأبيه علي ولأخيه الحسن، فهو موقن أنه:
1 - إمام زمانه بعهد من الله ورسوله، وباستخلاف معاوية لابنه وتجاهله للإمام الحسين يكون معاوية قد غصب حق الإمام الشرعي بقيادة الأمة، تماما كما فعل هو والذين من قبله بأبيه وأخيه، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الأمة هي أمة محمد رسول الله، فمحمد هو الذي كون الأمة وأسس دولتها والإمام الحسين كأبيه وأخيه أولي المسلمين بمحمد رسول الله، ومن جهة ثالثة فإن آل محمد وذوي قرباه هم الذين احتضنوا النبي ودينه، وضحوا بأرواحهم لتكون الأمة وتكون الدولة، بالوقت الذي حاربه فيه الأمويون وناصبوه العداء. فهل من العدل أن يتقدم أعداء الله ورسوله علي أولياء الله ورسوله، المؤهلين لقيادة الأمة قيادة شرعية!!!.
2 - لما تمكن معاوية من هزيمة الأمة، والاستيلاء علي أمرها بالقوة والقهر والتغلب، قطع علي نفسه عهد الله أن يجعل الأمر من بعده شوري بين المسلمين ليختاروا بمحض إرادتهم من يريدون، واستخلاف معاوية ليزيد بهذه الحالة هو نقض لعهد الله.
(٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، البيعة (1)، الغصب (1)
3 - الأمة كلها تعلم حال يزيد، فهو مستهتر، تارك للصلاة، شارب للخمر، وزان، ثم إنه يجاهر بفجوره ويجاهر حتي بكفره!!! (1) ومن غير الجائز شرعا أن يتولي أمر المسلمين من كانت هذه حاله!! وفيهم ابن النبي المعهود إليه بالإمامة من الله ورسوله!!!. ولا ميزة ليزيد بن معاوية سوي أنه قد ورث ملكا مغصوبا حصل عليه وأبوه بالقوة والقهر والتغلب!!!.
4 - إن الأمة كلها تعرف الإمام الحسين، وتعرف قرابته القريبة من رسول الله، وأنه المعهود إليه بإمامة الأمة وقيادتها، وتعرف الأمة كلها علمه، ودينه، ومكانته الدينية المميزة. فعندما يضع الإمام الحسين يده المباركة بيد يزيد القذرة النجسة ويبايعه خليفة لرسول الله علي المسلمين!!! فإن الإمام الحسين يصدر فتوي ضمنية بصلاحية يزيد للخلافة، وبشرعية غصبه لأمر المسلمين، ويتنازل ضمنيا عن حقه الشرعي بقيادة الأمة!!! وفي ذلك مس بالدين والعقيدة.
5 - إن من واجب الإمام الحسين أن يرشد الأمة إلي الطريق الشرعي، فإن سلكته الأمة وأخذت به فقد اهتدت وإن تنكبت عنه فلا سلطان للحسين عليها ولا قدرة له، بل ولا ينبغي له إجبارها علي الحق وجرها إليه جرا فعاجلا أو آجلا ستدفع الأمة ضريبة تنكبها عن الشرعية وتهاونها بأمر الله.
6 - وبهذه الحالة فإن أقصي ما يتمناه الإمام الحسين أن لا يجبر علي البيعة، وأن يترك وشأنه حتي يستبين الصبح للأمة!!!
موقف قيادة أركان الحسين:
أتباع الحسين - أهل بيت النبوة الكرام وأنصاره من غير بني هاشم - استناروا ببصيرة الحسين، حللوا واقعهم تحليلا دقيقا، وانتهوا إلي ذات الموقف النهائي الذي صمم الحسين عليه، فهو إمامهم وهو وليهم، وقد أمروا بنصرته واتباعه والدفاع عنه، فإن بايع الإمام بايعوا، وإن رفض الإمام البيعة رفضوا، فما يجري علي الإمام يجري عليهم.
(1) راجع المراجع التي وثقناها قبل قليل تحت عنوان " من هو يزيد بن معاوية ".
(٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، بنو هاشم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصّلاة (1)، الرفض (1)
الموقف النهائي ليزيد:
بعد أن تمت مراسيم التتويج العملية ليزيد ملكا علي المسلمين بعد أبيه، والافتراء بصياغة تقارير تفيد أن شيخ آل محمد، الحسين بن علي، قد امتنع عن البيعة، وامتنع أهل بيت النبوة عن البيعة أيضا تبعا لامتناع شيخهم، وحتي لا يكرهوا علي البيعة، خرجوا من المدينة إلي مكة، ومن مكة إلي العراق. وخلفه تقارير رسمية تفيد بأن أهل المدينة يتململون وأنهم غير راضين عنه، وبعد أن تأكدت هذه التقارير صمم يزيد بن معاوية نهائيا علي: " قتل شيخ آل محمد وإبادة أهل بيت النبوة إبادة تامة ليضع حدا نهائيا لخطرهم الدائم علي دولته " تحت مظلة امتناعهم عن البيعة، وخروجهم علي خليفة المسلمين!!!!.
وتحقيقا لهذا الهدف، استجاب لنصيحة أبيه، فعين عبيد الله بن زياد الذي ورث عداوة أهل بيت النبوة ومن والاهم من أبيه وهو ابن المجرب بالقمع والإرهاب والتنكيل وتنفيذ الرغبات الآثمة لأبيه معاوية، وابن الذي نجح بتركيع أهل العراق وإذلالهم وتحويلهم إلي أقنان وعبيد لمعاوية، ومن الواضح أن يزيد بن معاوية أمر عبيد الله بأن يولي عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن علي القوة الضاربة المعدة لقتل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وكلاهما ناصبي، وموتور، وكاره، وحاقد علي آل محمد وأهل بيت النبوة، وكلاهما رجل دنيا، طامع ببعض مما في يد يزيد!!! ومن المؤكد بأن يزيد كان علي اتصال دائم بأركان قيادته، أن أركان قيادته كانوا يأتمرون بأمره وينفذون توجيهاته بدقة بالغة كأنها وحي إلهي!!! أنه قد بين لهم ما يريده، تماما فلا يعقل أحد في الدنيا أن يعطي عبيد الله بن زياد أوامر خطية بقتل سبط الرسول الإمام الحسين، وإبادة أهل بيت النبوة، وقتل من معهم والتمثيل بهم، ومنع الماء عنهم حتي يموتوا عطشا!! دون علم ومباركة يزيد بن معاوية قائده الأعلي!! فابن زياد أقل وأذل وأحقر من أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه!!!.
أنظر إلي كتاب ابن زياد الذي وجهه لعمر بن سعد وجاء فيه ما يلي:
(٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، عمر بن سعد لعنه الله (2)، دولة العراق (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، الحسين بن علي (1)، القتل (4)، الموت (1)، الهدف (1)
" … فإن نزل حسين وأصحابه علي حكمي فابعث بهم إلي سلما وإن أبو فازحف إليهم حتي تقتلهم وتمثل بهم!! فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره … فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه بذلك " (1) وقد روي الطبري أن عبيد الله بن زياد كتب إلي عمر بن سعد: " أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي، الزكي، المظلوم، أمير المؤمنين، عثمان بن عفان " (2) فهل يعقل أن يعطي عبيد الله بن زياد أوامر خطية بهذه الخطورة دون علم ومباركة سيده وقائده الأعلي يزيد بن معاوية!!.
ثم هل يعقل بأن يعلن ابن زياد التعبئة العامة في ولاية مثل العراق دون علم الخليفة يزيد بن معاوية ومباركته!! قال البلاذري في " أنساب الأشراف ": إن ابن زياد جمع الناس وخطبهم قائلا: " فلا يبقين رجل من العرفاء، والمناكب، والتجار، والسكان، إلا خرج فعسكر معي، وأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة " وروي البلاذري أيضا: أن ابن زياد رتب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلا مضمرة مقدمة فكان خبر ما قبله يأتيه في كل الأوقات (3).
فإذا كان بإمكان عبيد الله بن زياد أن يجعل بينه وبين عمر بن سعد خيلا مضمرة تأتيه بأخباره في كل وقت، أليس بإمكان الخليفة أن تكون له مثل هذه الخيل بينه وبين عمر بن سعد؟ ثم إن كتب يزيد بن معاوية إلي عبيد الله بن زياد التي سبقت الإشارة إليها تفصح عن حقيقة موقفه النهائي.
ثم إنه بعد انتهاء المجزرة في كربلاء لم يوجه يزيد بن معاوية لعبيد الله بن زياد كلمة لوم واحدة، بل علي العكس أثني عليه ومكن له في الأرض!!!.
(١) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٤ ص ٢٣.
(٢) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ٨٦ كما نقلها عن الطبري.
(٣) راجع أنساب الأشراف للبلاذري ترجمة الحسين.
(٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (4)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (3)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (4)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، القتل (2)، الظلم (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)
وأبسط ما يفعله قادة الدول مع الذين يرتكبون أعمالا أقل وحشية من مجزرة كربلاء أن يحيلونهم علي التقاعد!! أو يعفونهم من مناصبهم احتراما لمشاعر المجتمعات التي يحكمونها، لكن يزيد لم يفعل ذلك، بل ولم يسمح لأحد بأن ينتقد عبيد الله بن زياد. روي الطبري في تاريخه قال: لما وضعت الرؤوس " رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه " بين يدي يزيد بن معاوية قال يزيد:
يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال يحيي بن الحكم، أخو مروان:
لهام بجنب الطف أدني قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل سمية أمسي نسلها عدد الحصي * وبنت رسول الله ليس لها نسل فضرب يزيد في صدر يحيي وقال له: اسكت.
فيزيد لا يسمح حتي لابن عمه أن ينتقد فعل عبيد الله في كربلاء أو أن ينتقد عبد الله، لسبب بسيط هو أن ما فعله عبيد الله كان تنفيذا حرفيا لمشيئة يزيد وموقفه النهائي القاضي بقتل آل محمد وقتل من يواليهم!!! ثم إن يزيد قد اعترف أمام وفده الذي أرسله إلي ابن الزبير، إذ قال: " لن يكون أعظم من الحسين، ولا الزبير أعظم من علي … " (1).
عيد في عاصمة يزيد:
قال الخوارزمي الحنفي بروايته عن سهل بن سعد، خرجت إلي بيت المقدس حتي توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار، كثيرة الأشجار. قد علقوا الستور، والحجب، والديباج، وهم فرحون، مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن، فرأيت قوما يتحدثون، فقلت: يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟ قالوا: يا شيخ نراك غريبا. فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله وحملت حديثه … ثم أخبروه قائلين: " هذا رأس الحسين عترة رسول الله يهدي من أرض
(1) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 344، وتاريخ ابن كثير ج 8 ص 165.
(٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، سهل بن سعد (2)، الخوارزمي (1)، الشام (3)، القتل (2)، التاريخ الإسلامي (1)
العراق إلي الشام!! فقلت: واعجبا أيهدي رأس الحسين والناس يفرحون.. " (1).
موقف أركان قيادة يزيد:
عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وبقية طواقم الإجرام في كربلاء هم أركان قيادة يزيد بن معاوية وهم مجرد عبيد، ينفذون أوامر سيدهم، ويتبنون موقفه مصيبا كان أم مخطئا. فهل يعقل أن يكون - مثلا - لرجل مثل عمر بن سعد المتردد، المريض، المهزوز موقف ينبع من قناعاته الخاصة.
معرفة الإمام الحسين بالنتائج سلفا:
قبل أن يخرج الإمام الحسين من المدينة إلي مكة قال لأخيه محمد بن الحنفية: " يا أخي لو كنت في جحر هام من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتي يقتلونني " (2).
واقترح عليه أحد إخوته أن يبايع لأنه سمع بأن الحسين سيقتل، فأجابه الإمام الحسين: " حدثني أبي أن رسول الله أخبره بقتل (أي الإمام الحسن عليه السلام) وقتلي، وأن تربتي تكون بقرب تربته، فتظن أنك علمت ما لم أعلمه، وإنه لا أعطي الدنية من نفسي أبدا، ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته، ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها " (3) وقبل خروجه من المدينة أتته أم سلمة، فقالت: " يا بني لا تحزني بخروجك إلي العراق، فإني سمعت جدك يقول: " يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء ".
فقال لها الإمام الحسين: " يا أماه أنا والله أعلم ذلك، وإني مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بد، إني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي، وقرابتي
(١) راجع مقتل الخوارزمي الحنفي، ج ٢ ص ٦٠ - ٦١.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧١، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٨٨٨، ووقعة الطف ص ٨٥.
(٣) اللهوف: ص 12.
(٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، دولة العراق (3)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، معرفة الإمام (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، الشام (1)، القتل (4)، المرض (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (1)
وشيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي، … " (1).
ولما خرج الإمام الحسين من المدينة دعا بقرطاس وكتب فيه ما يلي، " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلي بني هاشم، أما بعد فإن من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح، والسلام " (2).
هذه النماذج من النصوص تدل دلالة قاطعة علي أن الإمام الحسين كان يعلم علم اليقين نتائج امتناعه عن البيعة سلفا، وكان يعلم علم اليقين بأنه سيقتل وسيقتل من معه. وليلة العاشر من محرم - أي ليلة المذبحة - أخبر أصحابه بأنه سيقتل وأهل بيته سيقتلون معه.
معرفة يزيد بالنتائج سلفا:
إنه لا يخفي علي ذي بصيرة بأن دولة الخلافة كانت من الدول العظمي، وقبل أن يموت معاوية وطد الأمر لابنه يزيد، وروض له العباد وسلمه عمليا مفاتيح خزائن الدولة، وقيادة جيوشها، فهو ملك ومالك حقيقي للدولة ومواردها، فخلال أيام معدودة يستطيع يزيد بن معاوية أن يجند نصف مليون جندي وأن يزودهم بما يحتاجونه من مال وسلاح ليقفوا علي أهبة الاستعداد لحرب الإمام الحسين، بل ولحرب رسول الله نفسه لو بعث حيا!!!.
أما الإمام الحسين فهو مجرد عمليا من كافة سلطاته وصلاحياته، وبالرغم من مكانته المعظمة إلا أنه لا يملك من الموارد التي تساعده علي تجنيد بضعة عشر جنديا وليس له عمليا إلا أهل بيته والقلة القليلة التي اختارت الآخرة علي الدنيا.
فيزيد يعلم أنه سيجند ثلاثين ألف مقاتل ليواجه الحسين وأهل بيته وأنصاره الذين لا يتجاوز عددهم المائة رجل،!!! فعندما يكون المؤمنين مائة يغلبون ألفا
(١) راجع بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣١، والعوالم ص ١٧ - ١٨، وينابيع المودة ص ٤٠٥.
(٢) بصائر الدرجات حديث ٥، واللهوف ص ٢٨، والمناقب لابن شهرآشوب، وبحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣ و 42 و 45 و 84.
(٥١)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، الموت (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، ابن شهرآشوب (1)
ولكن لا طاقة لمائة مؤمن بأن يغلبوا ثلاثين ألفا، فيزيد يعلم بأن المواجهة محسومة لصالحه وبكل الموازين، ويعلم كذلك بأن هذه المواجهة ستسفر عن قتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة وأصحاب الحسين. وليس من المستبعد بأن يكون يزيد قد سمع بخبر مستفيض عن رسول الله مفاده أن الحسين وأهل بيت النبوة سيقتلون في كربلاء.
(٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)

الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء

اشارة

الباب الثاني دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء * الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين (عليه السلام) وموقفها منه * الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء.
* الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الإمام الحسين (عليه السلام) أو تعاطفت معه * الفصل الرابع: أخبار السماء عن مذبحة كربلاء
(٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، مدينة كربلاء المقدسة (3)

الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه

الفصل الأول حالة الأمة وقت خروج الحسين وموقفها منه أين كانت الأمة؟:
أين كانت الأمة الإسلامية عندما وقعت مذبحة كربلاء!!! أين كان المسلمون!!! وأين كان عقلاء الأمة ووجهاؤها!! هل كانوا بالحج فشغلوا بمناسكه!! أم كانوا غزاة - يجاهدون في سبيل الله!!! أم كانوا نياما وقد استغرقوا في نومهم فلم يسمعوا صرخات الاستغاثة، ولا قرقعة السيوف، ووقع سنابك جيش الخليفة!!!.
الأدلة القاطعة تشير بأنهم لم يكونوا بالحج، ولا كانوا غزي، ولا كانوا مستغرقين بالنوم، بل جرت أمامهم فصول المذبحة فصلا فصلا، وبالتصوير الفني البطئ، وأنهم تابعوا وشاهدوا وقائع المذبحة البشعة في كربلاء، بنظرات ساكنة، وأعصاب باردة، تماما كما يشاهدون فلما من أفلام الرعب علي شاشة التلفاز، وكان دور الأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية، ودور وجهائها وعقلائها مقتصرا علي المتابعة والمشاهدة باستثناء بعض التعليقات أو الانفعالات الشخصية المحدودة التي أبداها بعضهم همسا وهو يتابع ويشاهد المذبحة!!.
كان بإمكان عقلاء الأمة الإسلامية ووجهائها، وكان بإمكان أكثرية تلك الأمة علي الأقل أن يحجزوا بين الفئتين المتنازعتين قبل وقوع المذبحة!! فالوجهاء والعقلاء الذين لا دين لهم يحجزون بمثل هذه الحالات!!.
كان بإمكانهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فيقولون للخليفة الطاغية مثلا: " إن قتل ابن بنت النبي وآل محمد، وأهل بيت النبوة منكر، وحاشا لمثلك يا " أمير المؤمنين " أن يقع فيه! " يمكنهم أن يقولوا للخليفة الطاغية: " بأن تعبئة ثلاثين ألف مقاتل وزجهم في المعركة لمقاتلة ابن بنت رسول الله وأهل بيت النبوة ومواليهم وهم لا يتجاوزون المئة رجل، أمر لا يليق بشرف العسكرية الإسلامية التي يمثلها جيش الخليفة!!! " وكان بإمكانهم أن يقولوا للخليفة
(٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، سبيل الله (1)، الحج (2)، القتل (3)، النوم (1)
الطاغية: وإن كنت فاعلا يا أمير المؤمنين فاعط أوامرك لجيشك الجرار بأسر ابن بنت النبي وآل النبي وأهل بيت النبي، فليست هنالك ضرورة عسكرية لقتلهم!!.
كان بإمكان الأكثرية ووجهاء الأمة وعقلائها علي الخصوص أن يقولوا للخليفة: " إن ابن بنت النبي عالم ورث علم النبوة، أو علي الأقل أحد علماء الإسلام، وليس مناسبا " لأمير المؤمنين " أن يقتل عالما مهما كان جرمه!! إنها لوصمة عار في جبين الجيش الإسلامي إن قتل حبرا يهوديا، أو راهبا نصرانيا، فكيف يا أمير المؤمنين بوارث علم النبوة الإمام الحسين!!.
كان بإمكانهم أن يتداعوا من كل حدب وصوب ويقولوا " لخليفة المسلمين " نرجوك " يا أمير المؤمنين " إن الحسين وأهل بيته هم آل محمد الذين فرض الله علي كل مسلم أن يصلي عليهم في صلاته، وأنهم ذوو قربي النبي الذين أوجب الله علي المسلمين مودتهم!! وقتلهم بهذه الطريقة إخراج لكم ولنا ولديننا أيضا!!.
كان بإمكان الوجهاء والعقلاء وأكثرية الأمة المسلمة أن تقول للخليفة الطاغية: يا أمير المؤمنين إن محمدا رسول الله نفسه لم يكره أحدا من الناس علي بيعته، ثم إن بيعة الإمام الحسين وأهل بيت النبوة لا تزيد في ملك " مولانا أمير المؤمنين " وإن عدم بيعتهم له لا تؤثر عمليا في ملكه!!.
كان بإمكان وجهاء الأمة وعقلائها وأكثريتها أن تقول للخليفة الطاغية نرجوك يا صاحب الجلالة ونستوهبك روح الحسين وآل محمد وأهل بيت النبوة وذوي قربي محمد!! نحن عبيدك وعبيد أبيك من قبلك، وعلي طاعتك، فهبهم لنا!! إنك إن قتلتهم أيها الملك فأي شئ مقدس يبقي لدينا!!.
لو قال وجهاء وعقلاء المسلمين ذلك ليزيد بن معاوية لما وقعت مذبحة كربلاء!! ربما كانت قلوبهم مليئة بالرعب، وكان عسيرا عليهم أن يجتمعوا ويقولوا ذلك للخليفة.
وربما أن الوجهاء قد أدركوا بثاقب عيون مصالحهم الضيقة أن الحسين وأهل بيت النبوة عائق أمام مطامعهم المستقبلية بالرئاسة، فأدركوا أن فعل يزيد بن
(٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (3)، الكراهية، المكروه (1)
معاوية يصب في النهاية بحوض مطامعهم الضيقة، فاستحسنوا فعله، وعبروا عن هذا الاستحسان بالسكوت " لأن السكوت في معرض الحاجة إلي البيان بيان " كما يقول ذلك علماء البلاغة.
ليفخروا بالمنكر ولا فخر به!!:
ليفخر وجهاء وعقلاء الأمة الإسلامية، وأكثريتها الساحقة بأنهم لم يأمروا بمعروف، ولا نهوا عن منكر، ولا سمعوا من الفئتين، فحددوا من هي الباغية؟
ولا حتي حجزوا وإنما شاهدوا المذبحة وتابعوها من أولها إلي آخرها دون أن يحركوا ساكنا، أو يوجهوا كلمة لوم واحدة للخليفة الطاغية، بل مضوا في طاعته!! ألا بعدا لهذه الوجاهة الفارغة، ولتلك الأكثرية الجاهلة كما بعدت ثمود!!.
حالة الأمة وقت خروج الحسين:
عندما خرج الإمام الحسين من المدينة أو أخرج منها كان واضحا لجميع رعايا دولة الخلافة أن عاصفة مدمرة تتجمع بالأفق وتتحفز للانطلاق والانفجار، وأن مواجهة عنيفة وضارية ستنشب لا محالة بين الخليفة وأركان دولته وجيشه المطيع الجرار من جهة وبين ابن النبي الإمام الحسين وآل محمد وأهل بيت النبوة والقلة القليلة التي انضمت إليهم مختارة الآخرة علي الدنيا.
مثلما كان واضحا لرعايا دولة الخلافة بأن هذه المواجهة ليست متكافئة، فالخليفة يستطيع أن يجند خلال أسبوع واحد نصف مليون مقاتل، وهل بإمكان الحسين ومن معه وهم لا يزيدون عن المائة أن يقاتلوا نصف مليون جندي!!!.
ومن جهة ثانية، فقد كان واضحا لرعايا دولة الخلافة، أن الخليفة المتغلب وأركان دولته يملكون بأيديهم مفاتيح المال، والجاه، والسلطان، والنفوذ، فلا يدخل الجيوب درهم إلا بإذن الدولة، ولا يخرج من الجيوب درهم إلا بأمرها، فالخليفة سلطان اقتصادي، قبل أن يكون سلطانا سياسيا، سلطانا عسكريا.
إقليم دولة الخلافة كله ما هو في حقيقته إلا ضيعة للخليفة وأقاربه بالدرجة
(٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: الضياع (1)، القتل (1)، الحاجة، الإحتياج (1)
الأولي وأركان دولته بالدرجة الثانية!! ورعايا دولة الخلافة ما هم في الحقيقة إلا أقنان يعملون جميعا في " ضيعة الخليفة " وعبيد يأتمرون بأمر الخليفة، ويعتمدون هم وعائلاتهم في حياتهم اليومية في معيشتهم علي ما يقدمه لهم الخليفة، فالخليفة يقدم عطاء شهريا لأفراد جيشه، وعطاء وأعطيات لرعايا دولته بمعني أن جميع أفراد رعايا دولة الخلافة " يتلقون رزقا أو عطاء " شهريا مباشرا أو غير مباشر من الخليفة، والخليفة الملك لا يعطي مجانا، فهو يعتبر مال الدولة ماله الخاص، لذلك فإنه يقدم الأرزاق والعطايا لجيشه ولرعاياه ليبقوا دائما علي طاعته، فلا يعمل أحد منهم إلا بما يرضي الخليفة، ولا يتكلم إلا بما يسر الخليفة.
فإذا خرج أحد من الرعية عن طاعة الخليفة، أو عمل عملا يغضب الخليفة، أو تكلم بكلام لم يسر الخليفة، فأول إجراء يتعرض له هذا " المواطن " هو قطع الرزق والعطاء الشهري عنه، وعن أفراد عائلته، ويتبع ذلك ما يسمي " برئت منه الذمة " أي يهدر دمه، ومع دمه قد تهدر دماء أولاده وعائلته!! جزاء وفاقا لعصيانه " لخليفة رسول الله " لأن الخروج علي طاعة الخليفة من جرائم الخيانة العظمي.
ومع الأيام تروض أفراد الرعية، وتسابقوا لإشباع جوعهم للمال، والجاه، والنفوذ، وكان ميدان السباق الأرحب هو " التفنن " بطاعة الخليفة وابتغاء رضوانه ومرضاته بأي وسيلة.
ثم إن الناس قد خرجوا قبل قليل من حرب أهلية أشعلها معاوية بن أبي سفيان بخروجه علي الإمام الشرعي وإصراره علي تحويل نظام الخلافة إلي ملك، وانتزاع هذا الملك بالقوة والقهر والغلبة وبأي وسيلة تلزم لتحقيق غاياته، بغض النظر عن شرعيتها أو عدم شرعيتها، إنسانيتها أو وحشيتها!! وقد طالت الحرب الأهلية، ودفعت الرعية أغلي الأثمان واستسلمت في النهاية، وتنازلت لمعاوية عن كل شئ من دون قيد ولا شرط، فما حرمه معاوية فهو الحرام!! وما أحله معاوية فهو الحلال!!! فقد أمر معاوية المسلمين بأن يسبوا علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة، فاستجابت الرعية علي الفور وتعبدت بسب علي وأهل بيت
(٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي طالب (1)، الرزق (1)، الضياع (1)، الحرب (1)
النبوة، وقال معاوية: إضفوا هالة القداسة علي كل من صحب النبي ورآه، فاستجابت الرعية ورددت خلف معاوية بأن كل الصحابة بمن فيهم معاوية وأبوه ومروان بن الحكم عدول لا يصدر منهم إلا حقا وصوابا، لقد ملت الأمة فكرة المقاومة والدفاع عن الحق، وقررت أن تطلب الحياة والسلامة والعافية ولو بالقيود والأغلال.
فضلا عن ذلك، فإن المناهج التربوية والتعليمية والسلوك العام للخلفاء وأركان دولتهم كان منصبا بالدرجة الأولي علي إنكار أي حق لأهل بيت النبوة بقيادة الأمة، وعلي تصغير مكانة أهل بيت النبوة، وتأويل النصوص الشرعية التي نجت من حصار الخلفاء تأويلا يخرجها عن معناها، وعلي محاصرة أهل بيت النبوة ومن والاهم، وإظهارهم بمظاهر الطامعين بالسلطة، والمنازعين لأمر أهله!!
وبمظهر المتربصين بوحدة الأمة، والمتأهبين لشق عصا الطاعة، والخروج علي الجماعة!! لقد نجحت دولة الخلافة بإرساء هذه المفاهيم الظالمة في نفوس الأكثرية الغافلة من رعاياها!!.
فضلا عن ذلك، فإن عامة أبناء بطون قريش ال 23، والبطن الأموي خاصة صاروا هم ومن والاهم أركانا لدولة الخلافة من بعد وفاة النبي وحتي عهد يزيد وما بعده، وهذه البطون هي نفسها التي حاربت محمدا وحاربت دينه طوال 21 عاما ولم تسلم إلا مكرهة ونتيجة معاناة الحرب التي استمرت 21 عاما كرهت محمدا وبني هاشم وأضمرت الحقد لهم، ولما انتصر الإسلام، وصار له ملك ودولة صار الدين طريق ملك، فادعت البطون حبها لمحمد، وقرابتها منه، وأعلنت اعترافها بالنبوة، وتفاخرها بهذه النبوة لغاية توطيد ملكها علي العرب، وعلي العالم، وبالوقت نفسه الذي أبقت فيه بطون قريش كراهيتها وحقدها علي آل محمد خاصة والهاشميين عامة، وأخذت هذه البطون حذرها التام من كل من يواليهم ويحبهم من المسلمين، وجردت الهاشميين ومن والاهم عمليا من كافة حقوقهم السياسية، وبالوقت نفسه الذي تزعم فيه البطون إسلامها وإيمانها، وتحكم الناس باسم الدين، إسلاما وإيمانا!!.
(٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: مروان بن الحكم (1)، بنو هاشم (1)، الحرب (1)، الوفاة (1)
مجموعة هذه الأمور أماتت الشعور بالانتماء للأمة، والإحساس العام، وخلقت حالة من التقوقع علي الذات، ومن الشعور بالانفصال العملي التام عن المجتمع. فانتصارات المجتمع العسكرية تقابل بالفتور، وهزائمه تقابل بقليل من الأسف. صحيح أن الأمة كانت تعرف الحق من الباطل ولكن لا حوافز لديها ولا رغبة بنصرة الحق، أو محاربة الباطل!! إنها تتمني أن ينتصر الحق، وأن يهزم الباطل ولكن ليست لدي أي فرد من أفراد الرعية العزيمة والرغبة للاشتراك بنصرة الحق أو هزيمة الباطل وهو مقتنع أن في يوم من الأيام سيأتي غيره فينصر الحق أو يهزم الباطل دون أن يكلفه عناء المواجهة!! كان هذا الشعور بالتواكل سائدا عند الرجال والنساء ولكن بنسب متفاوتة. قال الطبري في تاريخه: " إن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها فتقول: " انصرف، الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلي ابنه وأخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام " (1).
بهذا المناخ المعقد مات معاوية، وخلفه يزيد، وامتنع الإمام الحسين عن البيعة فاضطر حفاظا علي حياته وموقفه للخروج..
موقف الأمة الإسلامية من خروج الحسين موقف الأكثرية الساحقة:
لم يقف يزيد بن معاوية وحده في وجه الإمام الحسين وأهل بيت النبوة، إنما وقفت مع يزيد ابن معاوية واستنكرت موقف الإمام الحسين وأهل بيت النبوة مجموعة من القوي الكبري التي كانت تكون رعايا دولة الخلافة أو ما عرف باسم " الأمة الإسلامية " وهذه القوي هي:
1 - بطون قريش ال 23 وأحابيشها وموالوها وهي القوة نفسها التي كذبت النبي وقاومته وتآمرت علي قتله، وحاربته 21 عاما حتي أحاط بها النبي فاستسلمت واضطرت مكرهة لإعلان إسلامها وهي تخفي في صدورها غير
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣٧٠.
(٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الشام (1)، الباطل، الإبطال (4)، القتل (1)، الموت (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الإسلام، ويزيد بن معاوية ليس غريبا علي البطون، فجده أبو سفيان هو الذي قاد البطون ووحدها للوقوف ضد محمد، لمحاربة محمد. ومعاوية والد يزيد هو الذي قاد البطون، ووحدها لحرب علي، ثم إن يزيد موتور شأنه شأن كل واحد من أبناء البطون، وتشترك بطون قريش ال 23 بكراهية آل محمد والحقد عليهم ورفضها المطلق لقيادتهم وإمامتهم وخلافتهم.
2 - ووقف المنافقون من أهل المدينة وممن حولها من الأعراب، ومن خبث من ذرياتهم، ومنافقو مكة ومن حولها جميعا مع يزيد بن معاوية، لا حبا بيزيد، ولا حبا ببطون قريش ولكن كراهية وحقدا علي محمد وآل محمد وطمعا بهدم أساسيات الدين بيد معتنقيه وقد اعتقدوا أن الفرص قد لاحت لإبادة آل محمد إبادة تامة لذلك أيدوا يزيد بن معاوية.
3 - ووقفت المرتزقة من الأعراب مع يزيد أيضا، وقد وجدت ظاهرة الارتزاق جنبا إلي جنب مع ظاهرة النفاق، ومات النبي وبقيت الظاهرتان، والمرتزقة قوم لا مبادئ لهم إلا مصالحهم، مهنتهم اقتناص الفرص، وتأييد المواقف، وترجيح الكفات والانقضاض علي المغلوب، وهم علي استعداد لمناصرة من يدفع لهم أكثر كائنا من كان، ولا فرق عندهم سواء أيدوا رسول الله أم أيدوا الشيطان، فهم يدرون مع النفع العاجل حيث دار، انظر إلي قول سنان بن أنس، قاتل الإمام الحسين لعمر بن سعد بن أبي وقاص عندما جاءه طالبا المكافأة علي قتل الحسين:
إملأ ركابي فضة أو ذهبا * إني قتلت السيد المحجبا وخيرهم من يذكرون النسبا * قتلت خير الناس أما وأبا (1) فاللعين يعرف الإمام الحسين، ويعرف مكانته العلية، ولكن ما يعني هذا التافه هو المال، إعطه المال وكلفه بقتل نبي يقتله مع علمه بأنه نبي، أو كلفه بقتل الشيطان يقتله إن رآه وبأعصاب باردة، لا فرق عنده بين الاثنين!!.
لقد أدركت المرتزقة بأن الإمام الحسين وأهل بيته سيغلبون وأن يزيد
(1) مقتل الإمام الحسين، السيد المقرم، دار الأضواء، بيروت، 1979 م، ص 304.
(٦١)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، معرفة الإمام (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، القتل (5)، النفاق (1)، الجنابة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، مدينة بيروت (1)
سينتصر وسيعطيهم بعض المال لذلك أيدوا يزيد بن معاوية.
4 - الأكثرية الساحقة من الأنصار، وقفت مع يزيد بن معاوية، فقد بايعته أو قبلت به، أو تظاهرت بقبوله، فليس واردا علي الإطلاق أن تقف مع الإمام الحسين، وليس واردا أن تعصي أمر يزيد بن معاوية، فلو طلب منها يزيد أن تميل علي الإمام الحسين وأهل بيت النبوة فتحرق عليهم بيوتهم وهم أحياء لأجابته أكثرية الأنصار إلي ذلك، فللأنصار تاريخ بالطاعة، فالسرية التي أرسلها الخليفة الأول وقادها الخليفة الثاني لحرق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه - وفيه علي، والحسن، والحسين، وفاطمة بنت محمد وآل محمد - كانت من الأنصار (1) لذلك يمكنك القول وبكل ارتياح إن أكثرية الأنصار كانت سيوفهم مع يزيد وتحت تصرفه، وكانوا عمليا من حزبه ومن حزب خلفاء البطون أو علي الأقل ليسوا من حزب أهل بيت النبوة!!.
5 - المسلمون الجدد الذين دخلوا في الإسلام علي يد جيش الخلفاء الفاتح كانوا بأكثريتهم الساحقة مع يزيد بن معاوية، لأنهم فهموا الإسلام علي طريقة قادة البطون وأبنائها، وتلقوا تعليمهم في مدارس البطون وأكثريتهم لا يعرفون أهل بيت محمد، ولا ذوي قرباه ويجهلون تاريخهم الحافل بالأمجاد، لأن الخلفاء وأبناء بطون قريش ال 23 تعمدوا تجهيل الناس بذلك، بل وأبعد من ذلك فإن أكثريتهم يعتقدون أن علي بن أبي طالب قاتل ومجرم " حاشاه " وأنه وأهل بيت النبوة ينازعون الأمر أهله، وأنهم أعداء للدين، وإلا فلماذا فرض " الخليفة معاوية " سبه ولعنه علي رعايا الدولة!!! ولماذا أصدر الخليفة معاوية بقتل كل من يوالي عليا وأهل بيته!! (2) لذلك وقفت الأكثرية الساحقة من المسلمين الجدد مع يزيد بن معاوية.
6 - ووقف مع يزيد بن معاوية أبناء وبطون وشيع الخمسة الذين عرفوا
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٤٣ - ٤٤٤ وشرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٣٠ - 134 لتجد أسماء الأنصار الذين اشتركوا بعملية التحريق!!!.
(2) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم.
(٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (6)، علي بن أبي طالب (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، فاطمة بنت محمد (2)، القتل (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
" بأهل الشوري " ويكفي أن تعلم بأن مذبحة كربلاء قد نفذت علي يد عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان أبوه أحد الخمسة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لمنافسة علي بن أبي طالب صاحب الحق الشرعي بالإمامة من بعد النبي!!.
7 - كذلك وقف مع يزيد بن معاوية أبناء الخلفاء الذين استولوا علي مقاليد الأمور من بعد النبي، ووقفت معهم أيضا بطون الخلفاء وشيعهم، ويكفي أن تعلم بأن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان من أكثر المتحمسين لبيعة يزيد بن معاوية، ومن أكثر المشجعين علي هذه البيعة!! وهو نفسه الذي امتنع عن مبايعة علي بن أبي طالب!!.
الأكثرية مع يزيد:
من يصدق أن أكثرية الأمة الإسلامية وقفت مع يزيد بن معاوية وضد الإمام الحسين!!! والأقلية هي التي وقفت مع الإمام الحسين ضد يزيد بن معاوية!!! من يصدق ذلك، لقد تتبعنا كافة الشواهد، واستقرأنا حقيقة تلك الفترة، فصدمتنا هذه الحقيقة المرة؟!
التاريخ الحافل بالمخازي!!:
من يقرأ تاريخ الأمم والشعوب يستنتج أن الأكثرية الساحقة من كل أمة من أمم الأرض، وكل شعب من شعوبها، قد اتخذت دائما مواقف مخجلة يصعب الدفاع عنها، لأنها مكللة بالخزي والعار حقا!! فالأكثرية الساحقة من كل أمة من أمم الأرض وكل شعب من شعوبها، وقفت وقفة رجل واحد مع طاغوتها ضد نبيها، معاندة له، ومكذبة به، ورافضة الحق الذي جاء به!!
لقد ساق القرآن الكريم كما هائلا من الأمثلة علي تلك المواقف المخجلة لتلك الأكثريات، قال تعالي: * (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد * وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب * إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب) * [ص / 12 - 14]، وبين القرآن الكريم بعض صفات الأكثرية في كل أمة وشعب، وكشف حقيقة هذه الأكثرية بكم وكيف هائل من الآيات فقال تعالي بهذا
(٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (2)، القرآن الكريم (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (4)، علي بن أبي طالب (1)، الكذب، التكذيب (2)، البيعة (1)
المجال: * ( … ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * [البقرة / 243]، * (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) * [الأنعام / 116]، * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [الأعراف / 187]. * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * [هود / 17]، * (فأبي أكثر الناس إلا كفورا) * [الأسراء / 89]، * (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) * [آل عمران / 110].
فالأكثرية الساحقة من الأمة المصرية وقفت مع فرعونها الذي فرض نفسه عليها بالقوة والقهر والغلبة، وتخلت هذه الأكثرية عن موسي وهارون وخذلتهما، ووافقت هذه الأكثرية علي الانخراط بالجيش الذي أعده فرعون لقتل موسي وهارون ومن آمن معهما وسارت الأكثرية بالفعل لارتكاب مذبحة علي شاكلة مذبحة كربلاء ولكن المذبحة لم تحدث لسبب لا يد لهذه الأكثرية فيه!!!.
والأكثرية الساحقة من رعايا دولة نمرود وقفت مع نمرودها الطاغية وقفة رجل واحد ضد " إبراهيم الخليل " واشتركت بجمع الحطب، وشهدت عملية إحراق إبراهيم، تلك العملية التي فشلت لسبب سماوي!!! لم تخجل تلك الأكثرية عندما أجمعت كلها علي مواجهة رجل واحد!! وعندما اجتمعت لتتلذذ برؤية إبراهيم وهو يحترق!!! ما هي مصلحة أكثرية أمة فرعون، وأمة نمرود!!
لتفعل ما فعلت!! إنه لا مصلحة لأمة بقتل من يحاول إنقاذها من براثن العبودية، وما ارتكبت كل أمة من الأمم السابقة مخازيها إلا مجاراة لطاغيتها، وابتغاء لمرضاته، وانسياقا أهوج مع التيار تحت دعاوي الدفاع عن مصالحها الموهومة وقيمها الفاسدة!!!.
المواقف المخجلة لماذا؟:
الأكثرية الساحقة من كل أمة من أمم الأرض ليست شيعة واحدة كما يتصور بعض القراء أو حزبا واحدا، إنما تتكون تلك الأكثرية من مجموعة كبيرة من الشيع أو الأحزاب التي تحالفت مع بعضها، ومع طاغوتها وأقامت نظام الحكم الذي يقوده، ويرمز لوحدته طاغوتها، وبالتالي فهي منتفعة من بقاء هذا النظام، وتعتقد أن لا مصلحة لها بتغييره، فهي تعتقد أن تغيير النظام يؤدي لضياع مكتسباتها
(٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، سبيل الله (1)، القتل (2)
وحصتها بالسلطة، ومنافعها الحاصلة والمأمولة، وتنظر هذه الأكثرية إلي النبي - أي نبي -، أو المصلح - أي مصلح - علي أساس أنه جاء ليسلبها مكتسباتها بدعاوي موهومة!!! وربما كانت هذه الأسباب وراء المواقف المخجلة لكل أكثرية من أكثريات الأمم التي كذبت أنبياءها، ورسلها، والمصلحين المشفقين عليها، ووقفت مع طاغيتها ضدهم، علاوة علي حالة القسر الاجتماعي التي يخلقها الانسياق أو التوجه العام.
الأقلية ومواجهة الأكثرية:
الذين آمنوا من كل أمة أقلية، حقا، أقلية لا يتجاوزون أصابع اليدين، فماذا عسي هذه الأقلية أن تفعل لمواجهة أكثرية تتكون من الآلاف أو عشرات الآلاف أو مئات الآلاف، إن مواجهة مسلحة تسعي إليها القلة المؤمنة هي بمثابة انتحار حقيقي، ستؤدي إلي قتل النبي وإبادة الذين آمنوا معه لتخلو الساحة كليا وتبقي للأكثرية المجرمة، من هنا ابتعد كل نبي من الأنبياء وكل رسول من الرسل وكل أقلية من الأقليات التي آمنت بكل واحد منهم عن المواجهة المسلحة مع الأكثرية الفاسدة. وبالوقت نفسه الذي بقي فيه كل نبي متمسكا بالإعلان عن عدم شرعية نظام الأكثرية، وفساد قيم هذه الأكثرية، مع الاستمرار بحملة الإصلاح، واقتصر دور الأقلية علي تصديق الرسول أو النبي والإيمان به، وموالاته، والسعي السري لنشر مبادئه لمن يتقبلها!!
الله في مواجهة الأكثرية:
عندما وقفت الأكثرية من كل أمة ضد نبيها، ومن معه، وكذبته، وعزلته عزلا اجتماعيا كاملا، ونفرت منه، وقاومت دعوته لإصلاح الفساد المتفشي في أوساط تلك الأكثرية، وحالت بينه وبين كشف الحقائق عندما فعلت كل ذلك؛ فقد أجرمت حقا ولا بد من أن ينال المجرم عقابه العاجل، لذلك فإن الله سبحانه وتعالي تولي أمر مواجهتهم بوسائله وجنوده، فأهلك الأكثرية الفاسدة من قوم نوح، وعاد، وفرعون، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة، وبالطرق التي بينها
(٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)، السلاح (1)، القتل (1)
القرآن الكريم تفصيلا وكانت عمليات الإهلاك تتم بعد تجاوزهم للمدي، وبعد اليأس من صلاحهم.
(٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)

الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء

الفصل الثاني:
الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء الامتناع عن البيعة:
أصل المذبحة ونواتها أن الإمام الحسين امتنع عن بيعة يزيد بن معاوية وتبعا لامتناعه امتنع آل محمد، وأهل بيت النبوة، لأن الإمام الحسين قد قدر بأن بيعته ليزيد تتناقض تماما مع الشرع ومع الحقيقة ومع معتقداته وخط الكمال الإسلامي الذي يمثله، وأن بيعته ليزيد ستكون بمثابة اعتراف بشرعية خلافة غير شرعية، وفتوي ضمنية بأهلية يزيد للخلافة وهو الرجل الذي يجاهر بفسقه ومجونه وحتي بكفره، والإمام الحسين علي علم يقيني بحقيقة الأوضاع كلها، وأنه لا طاقة له ولا لأهل بيته بالدخول بمواجهة مسلحة مع الخليفة وأركان دولته، كان هم الإمام الحسين منصبا بالدرجة الأولي علي العثور علي مكان آمن يستطيع فيه أن يحافظ علي نفسه وأهل بيت النبوة وعلي موقفه، وعلي فئة من الناس تجيره، وتجير أهله، وتجير موقفه، وتمكنه من بيان الأسباب التي دعته للامتناع عن بيعة يزيد ليكون هذا البيان صرخة لإيقاظ النائمين، ومحاولة جديدة لإصلاح هذه الأمة!! لقد حلل الإمام الحسين واقع الأمة تحليلا دقيقا.
الامتناع عن بيعة الخليفة حالة معروفة عند الأمة:
1 - امتناع الإمام علي عن بيعة أبي بكر:
لقد امتنع علي بن أبي طالب عن بيعة أبي بكر، الخليفة الأول، وقال له:
أنا أحق منك بهذا الأمر، وتبعا لامتناع الإمام علي امتنع بنو هاشم كلهم عن البيعة ولم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر وبعد أن بايع علي (1).
(١) راجع تيسير الوصول ج ٢ ص ٤٦ قال: " ولا أحد من بني هاشم " وراجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٤٨، وصحيح البخاري كتاب " المغازي " باب " غزوة خيبر " ج ٣ ص ٣٨ وصحيح مسلم ج ١ ص ٧٢، وابن كثير ج ٥ ص ٢٨٥ - ٢٨٦ والاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٢٤٤ حيث قال: " إن الإمام علي لم يبايع إلا بعد موت فاطمة " وفي أسد الغابة ج ٣ ص ٢٢٢ بترجمة أبي بكر، قال: " كانت بيعتهم بعد ستة أشهر علي الأصح " وقال اليعقوبي في ج 2 ص 105 من تاريخه: " لم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر ".
(٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، بنو هاشم (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، معركة خيبر (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
2 - امتناع بعض كبار الصحابة عن بيعة أبي بكر:
كان قسم كبير من كبار الصحابة يعتقدون أن علي بن أبي طالب هو أولي بالخلافة من أبي بكر، لذلك لم يبايعوا أبا بكر، نذكر منهم فروة بن عمرو (1)، وخالد بن سعيد الأموي وقد أسلم قبل إسلام أبي بكر (2)، والبراء بن عازب وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري (3).. الخ.
3 - في خلافة أمير المؤمنين:
وعندما تولي علي بن أبي طالب الخلافة. ووفق النمط الذي اخترعه قادة البطون امتنعت مجموعة من الناس عن بيعته، مثل: سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمة.. الخ ولم يكرههم الإمام علي البيعة، بل غادر الإمام وجيشه المدينة وتركهم وأمثالهم دون التعرض لهم. ولم يزد الإمام علي بعد أن أقام الحجة عليهم علي القول: " أما ابن عمر فضعيف، وأما سعد فحسود، وذنبي إلي محمد بن مسلمة أني قتلت أخاه يوم خيبر " (4) " مرحب اليهودي ".
الامتناع عن البيعة والقتل:
صحيح أن الخليفة الأول قد هدد الإمام عليا بالقتل إن لم يبايع (5) ولكنه لم يقتله بالرغم من أنه امتنع عن البيعة ستة أشهر كما وثقنا قبل قليل وصحيح أيضا أن الخليفة الأول ومن يأتمر بأوامره هموا بإحراق بيت فاطمة بنت محمد علي من
(١) الموفقيات ص ٥٩٠ للزبير بن بكار.
(٢) المعارف لابن قتيبة ص 128، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 13.
(3) تاريخ الخميس ج 1 ص 188، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 64، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156.
(4) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 54.
(5) المصدر نفسه، ص 13.
(٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: أبوذر الغفاري (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، خالد بن سعيد الأموي (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، علي بن أبي طالب (2)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (2)، البراء بن عازب (1)، خيبر (1)، فاطمة بنت محمد (1)، عمار بن ياسر (1)، محمد بن مسلمة (2)، القتل (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)
فيه، وفيه علي بن أبي طالب والهاشميون ونفر ممن تعاطف معهم بسبب عدم مبايعتهم له (1) ولكنهم توقفوا عن عملية إحراق البيت بعد أن خرج الموالون لعلي وبايعوا، وصحيح أيضا أن عمر بن الخطاب قد أصدر أمرا بقتل سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة لامتناعه عن البيعة، ولكن الأمر لم ينفذ، ولم يقتل سعد إلا في ما بعد وخفية!!!.
قتل سعد بن عبادة بسبب امتناعه عن البيعة:
هنالك حادثة قتل بسبب الامتناع عن البيعة مكشوفة ولا يمكن إنكارها، وهي حادثة قتل سعد بن عبادة سيد الخزرج، وكان قتل سعد بعد صبر طويل وبعد أن ضاق الخليفة عمر بن الخطاب ذرعا بعناد سعد بن عبادة، إذ أن عمر بن الخطاب بوصفه نائبا للخليفة الأول قد أصدر أمرا لاتباعه في سقيفة بني ساعدة بقتل سعد بن عبادة لامتناعه عن البيعة (2) ولكن لأسباب أمنية، وبناء علي نصيحة أحد أصفياء دولة البطون رئي عدم قتل سعد في حينها (3) ومات الخليفة الأول ولم يبايع سعد، وآلت الخلافة إلي عمر بن الخطاب ولم يبايعه سعد أيضا، وحدث حوار بالصدفة بين سعد وعمر بن الخطاب انتهي برحيل سعد عن المدينة إلي الشام (4)، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره رجلا من الأنصار ليطلب البيعة منه وأمره أن يقتله إن أبي البيعة، ولحق الرجل، وعرض عليه البيعة، فأبي سعد، فرماه مبعوث عمر بسهم فقتله (5) وقيل: إن الذي أرسله عمر لقتل سعد هو
(١) العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٦٤، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٥٨٦، وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠ والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٧، وتاريخ ابن شحنة ص ١١٣ بهامش الكامل لابن الأثير ج ١١، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ١٠٠، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥، ومعالم المدرستين للعسكري ج ١ ص ١٢٧.
(٢) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١٠.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) راجع الرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٨، والطبقات الكبري لابن سعد ج ٣ ق / ٢ ص ١٤٥ وابن عساكر بترجمة ابن سعد من التهذيب، وكنز العمال ج ٣ ص ١٣٤ حديث ٢٢٩٦، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٦٧.
(٥) راجع أنساب الأشراف للبلاذري ج 1 ص 589، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 64 - 65.
(٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (5)، علي بن أبي طالب (1)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، سعد بن عبادة (5)، الشام (1)، السقيفة (2)، القتل (8)، الصبر (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)
محمد بن مسلمة (1) وقتل سعد بطريقة سرية من دون إعلام (2) وقد قتل سعد وهو جالس يتبول في نفق (3).
إذا استثنينا حالة سعد بن عبادة الذي قتل بالطريقة التي وصفناها باختصار قبل قليل، فإن الخلفاء الثلاثة الأول من أبناء البطون نادرا ما قتلوا من يمتنع عن بيعتهم، إنما كان القتل عندهم إجراء احتياطيا " من قبيل وآخر الدواء الكي " وكانوا يتخذون سلسلة من الإجراءات بحق الممتنعين عن البيعة فيعزلونهم اجتماعيا، وينفرون الناس منهم، ويحرمونهم من الحقوق المقررة لهم، ومن الوظائف العامة، ويضيقون عليهم أسباب المعيشة والرزق، ولا يستخدمونهم لأي أمر من الأمور العامة، هذه الإجراءات كانت كافية لعقاب الممتنعين عن البيعة وحافزا لهم لإعادة النظر بقرار الامتناع عن البيعة وغالبا ما كانت هذه الإجراءات ناجحة، إذ تجعل من يمتنع عن البيعة عبرة لغيره وتقتله ولكن ببطء، ودون حاجة لسل السيف، وإراقة الدماء وإحراج الخليفة وأركان دولته!!
موقف الخليفتين:
لم ينفذ الخليفة الأول ونائبه تهديدهما بقتل الإمام علي إن لم يبايع، وأوقفوا مشروعهما بحر البيت علي من فيه بعد أن شرعوا بالحريق فعلا، لقد اكتشف الخليفتان أن هنالك إجراءات تغني عن القتل وعن الإحراق، وأنه من غير اللائق بمكانتهما أن يحرقوا ابن عمر صهرهما محمدا، وطفليه، وابنته الزهراء، وأقاربه الهاشميين لأن هذا سيسبب لهما ولمن والاهما حرجا بالغا وهنالك من الوسائل ما يغنيهما عن القتل والإحراق، وينالا بها العافية فاتخذ الخليفة ونائبه سلسلة من القرارات الاقتصادية التي مست الإمام عليا عليه السلام وأهل بيت النبوة خاصة والهاشميين عامة.
(١) راجع معالم المدرستين للسيد العسكري ج ١ ص ١٣٣.
(٢) العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٣) الطبقات الكبري لابن سعد ج ٣ ق ٢ ص ١٤٥، وابن قتيبة في المعارف ص ١١٣.
(٧٠)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، سعد بن عبادة (1)، محمد بن مسلمة (1)، القتل (8)، الدواء، التداوي (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)
1 - لقد قرر الخليفة ونائبه حرمان أهل بيت النبوة من إرث النبي (1).
2 - وقررا حرمان أهل بيت النبوة من المنح التي أعطاها لهم النبي ومصادرة هذه المنح (2).
3 - وقررا أيضا حرمان أهل بيت النبوة والهاشميين من الخمس الوارد في القرآن الكريم والمخصوص لهم كحق ثابت (3).
ولما ضج أهل بيت النبوة من قسوة هذه القرارات الموجعة وتساءلوا: كيف نعيش، وماذا نأكل،!! تبرع الخليفة ونائبه أن يعولوا وينفقوا علي أهل بيت النبوة، ومن كان النبي ينفق عليهم!!! (4).
بمعني أن الخليفة الأول والثاني استعاضا عن القتل والإحراق بوسائل أكثر تحضرا وتهذيبا، وأنهما كانا حتي علي استعداد فعلي لتقديم الطعام والنفقة لمن امتنعوا عن البيعة!! كان الممتنعون عن البيعة آمنين علي أرواحهم ودمائهم وأبنائهم، ولم يقل أحد إن القتل هو الوسيلة المألوفة للحصول علي بيعة الرعية أو بيعة كبار الشخصيات.
أمر مستهجن:
البيعة في عهد رسول الله سواء للدخول في الدين أو القبول بولايته وقيادته
(١) راجع صحيح الترمذي ج ٧ ص ١١١، وتاريخ ابن الأثير ج ٥ ص ٢٨٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٥ وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ٣١٥ و ج ٥ ص ٧٧، ومسند أحمد ج ١ ص ٤ ح ١٤ و ١٠ ح ٦٠ وسنن أبي داود ج ٣ ص ٥٠ وتاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٣٨٩ وتاريخ الذهبي ج ١ ص ٣٤٦ وشرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٨١ نقلا عن الجوهري في كتابه السقيفة.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٢ ص ٣٤ - ٣٥، وشرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٨١ نقلا عن الجوهري، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٤٧، وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٧، وراجع التفصيل في كتابنا " المواجهة " ص ٥٤١.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) راجع صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٠٠ باب " مناقب قرابة الرسول "، وسنن الترمذي ج ٧ ص ١١١، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٤٩ كتاب " الخراج "، وسنن النسائي ج ٢ ص ١٧٩، ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 6 - 9.
(٧١)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، الأكل (1)، الطعام (1)، القتل (2)، الخمس (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (2)، إبن الأثير (1)، التاريخ الإسلامي (1)، السقيفة (1)
كانت من الأمور الرضائية البحتة، لأن البيعة عقد بين طرفين، ولا عقد دون الرضا التام، فلم يصدف بتاريخ النبوة المحمدية أن أجبر رسول الله أحدا من الناس ليبايعه للدخول في الدين أو القبول بولايته وقيادته. إن كل الذين بايعوه علي الدخول في الدين أو القبول بولايته وقيادته بايعوا بمحض اختيارهم ورضاهم التام من دون إكراه. تلك حقيقة مطلقة وثابتة لا يماري فيها إلا جاهل (1).
وبعد وفاة النبي توصل الخلفاء الثلاثة إلي قرار استبعاد القتل للحصول علي بيعة القبول بقيادتهم، وجعل القتل وسيلة احتياطية، لا يصار إليها إلا عند الضرورة القصوي، واستعاض الخلفاء الثلاثة عن القتل بوسائل أخري، سقنا قبل قليل أمثلة منها.
ومن هنا فإن ملاحقة الإمام الحسين ومطاردته والإصرار علي ضرورة مبايعته ومن معه أو قتلهم أمر في غاية الغرابة والاستهجان، فلو ترك الإمام الحسين وشأنه لما جاء منه خطر يذكر علي دولة بني أمية، لأن الأكثرية الساحقة من الأمة كانت سادرة ولاهية عنه بدنياها.
معاوية أول من سن القتل والإرهاب للاستيلاء علي منصب الخلافة، وأخذ البيعة حب القيادة والدفاع عنها:
كانت قيادة بطون قريش في الجاهلية لأبي سفيان بلا خلاف، وعندما أعلن النبي نبأ النبوة والرسالة أدرك أبو سفيان بأن قيادته في خطر، وأدركت بطون قريش ال 23 أن الصيغة السياسية الجاهلية القائمة علي اقتسام مناصب الشرف بين البطون قد أصبحت في خطر أيضا، وأن النبوة مؤامرة هاشمية علي أبي سفيان
(1) راجع محاسن التأويل للقاسمي ج 16 ص 5776، وراجع صحيح البخاري كتاب البيوع، وصحيح مسلم كتاب " الأقفية "، والتفسير الحديث عن عزة دروزه ج 2 ص 24 - 25 و 29 و ج 15 ص 5401 و 5416 من محاسن التأويل، وسيرة ابن هاشم ج 1 ص 432 و 433 و 441 و 446 و 449 لنري بعض نماذج من بيعة المسلمين لرسول الله.
(٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (1)، القتل (5)، الجهل (3)، الوفاة (1)، كتاب صحيح البخاري (1)
والأمويين خاصة، وعلي بطون قريش ال 23 عامة.
فشمر أبو سفيان عن ساعده، ووحد بطون قريش ال 23، وشكل منها وممن والاها من العرب جبهة قوية واحدة، وتولي هو وأبناؤه الثلاثة: حنظلة، ويزيد، ومعاوية، قيادة هذه الجبهة لتقف وقفة رجل واحد ضد النبي وضد البطن الهاشمي الذي احتضن النبي، وضد الدين الذي جاء به الرسول الكريم (ص).
وقاد الثلاثة موجات العداوة لمحمد ولبني هاشم، وللدين الذي جاء به محمد طوال الفترة التي قضاها النبي في مكة قبل الهجرة والتي استمرت 15 عاما ولما علم الثلاثة بعزم النبي علي الهجرة خططوا لقتل النبي وشرعوا بالقتل بالفعل، ولكن المؤامرة فشلت لأسباب لا يد للثلاثة فيها.
الحقد الأسود وضرورة الثأر:
لما استقر النبي في يثرب جيش أبو سفيان وأولاده الثلاثة الجيوش، وخاضوا مع النبي حربا دموية دامت ثماني سنوات، قتل خلالها حنظلة بن أبي سفيان، وعتبة جد معاوية، وشقيق عتبة عم هند أم معاوية، والوليد خال معاوية، وبضعة عشر رجلا من عمومة معاوية (1)، وقرابة ستين رجلا من صناديد بطون قريش ال 23 وأكثرهم قد قتل بيد علي بن أبي طالب ابن عم النبي، وبيد حمزة عم النبي فتأججت نيران الحقد في قلوب أبي سفيان وابنيه معاوية ويزيد وأبناء بطون قريش ال 23، واستقرت في قلوبهم نهائيا فكرة الثأر وهواجسه، ومبررات دوام العداء.
الإدمان علي العنف والتسلط:
طوال 23 عاما وأبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية يقودون موجة العداء ضد النبي، ويؤذونه بكل وسائل الإيذاء، ويقاومونه بكل طرق المقاومة، ويحاربونه بكل فنون الحرب، لقد اكتسب الثلاثة خبرة هائلة بتلك المجالات، ونشأوا نشأة عدوانية حربية أساسها العنف، وصورت لهم فكرة الثأر من قتلة " الأحبة " ملايين
(1) راجع المغازي للواقدي ج 1 ص 147 - 148 وكتابنا المواجهة ص 165.
(٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، المدينة المنورة (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، القتل (4)، الكرم، الكرامة (1)، الحرب (1)
الصور المليئة بالرعب والعنف، فأدمنت عائلة أبي سفيان علي العنف والأذي إنهم لا يرحمون ضحاياهم ومن يقع بين أيديهم، ولا يتورعون عن استعمال آية وسيلة للتنكيل بخصومهم!! قد يصبرون ولكنهم لا ينسون أبدا!! إنهم يكرهون خصمهم حيا وميتا!!.
خذ علي سبيل المثال: أم معاوية هند بنت عتبة، وهي امرأة، والمرأة علي الغالب ترمز للرحمة، وتجنح للموادعة، لكن هندا لم تكتف بأن يخرج زوجها وإبناها لمعركة أحد، بل أصرت علي الخروج بنفسها، وحملت نساء البطون علي الخروج لتشهد العنف والدم علي الطبيعة، لقد تيقنت من قتل حمزة عم النبي، لكنها لم تكتف بقتله، بل سارت بخطي ثابتة حتي وقفت بجانب جثته، وبأعصاب باردة شقت بطن حمزة وهو ميت واستخرجت كبده، وحاولت أن تأكله، ثم قطعت أذنيه وأنفه ومثلت به أشنع تمثيل!!!.
فإذا كانت المرأة منهم تفعل بضحيتها هكذا!! فكيف يفعل أبو سفيان ومعاوية وذريتهم بضحاياهم. هذه هي البيئة الدموية التي تربي فيها يزيد بن معاوية، مهندس مذبحة كربلاء، فأبوه معاوية، وجده أبو سفيان، وجدته هند!!
لقد ورث العنف والتنكيل بخصومه كابرا عن كابر!!.
بعد 23 عاما من قيادة أبي سفيان وابنيه يزيد ومعاوية لجبهة الشرك فوجئوا بجيوش النبي وهي تدخل مكة دخول الفاتحين، فاستسلم الثلاثة، وباستسلام الثلاثة استسلمت جبهة الشرك كاملة، وتلفظ أئمة الكفر وقادة الشرك الثلاثة بالشهادتين، مكرهين وتبعا لهم تلفظ أفراد وجماعات جبهة الشرك بالشهادتين، وتظاهروا جميعا بالإسلام، وأبطنوا قناعات الشرك كاملة، وتركة صراع بينهم وبين النبي دام 23 عاما مثلما أبطنوا فكرة الثأر!!.
الثلاثة ينقسمون إلي قسمين:
بعد موت النبي صممت قيادة البطون علي صرف الأمر عن صاحب الحق الشرعي علي بن أبي طالب، فوقفت بطون قريش ال 23 ضد علي تماما كما وقفت ضد النبي، واغتنم الثلاثة الفرصة، فوقف يزيد ومعاوية في صف البطون،
(٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، معركة أحد (1)، علي بن أبي طالب (1)، القتل (2)، الشهادة (1)
وتظاهر أبو سفيان بالوقوف مع علي لا حبا بعلي؛ فعلي هو قاتل ابنه حنظلة والأكثرية من قتلي بني أمية ولكن رغبة بتسخين وضع ابنيه في الجهة المقابلة، وتجزيلا لنصيبه من الغنيمة، وعلي الفور تركت له قيادة البطون ما جمع من الصدقات، وولت ابنه يزيد قائدا لجيوش الشام، وعينت ابنه الثاني معاوية نائبا لأخيه ليحل محله إذا مات!! وهكذا رضي الثلاثة، وأيقنوا بأنهم قد وضعوا حجر الأساس للملك الأموي. وما زالت ولاية معاوية تتوسع حتي شملت سوريا كلها بحدودها الطبيعية، وتركه الخلفاء الثلاثة، الأول واليا علي الشام عشرين عاما، يجمع كما يشاء، ويدخر ما يشاء، ويعطي من يشاء، ويحرم من يشاء بلا حسيب ولا رقيب، لقد كان ملكا حقيقيا وسلطة الخلافة عليه سلطة اسمية!! وكأن تولية يزيد ابن أبي سفيان ووراثة معاوية ليزيد أخيه وبقاءه واليا علي الشام جزء من صفقة وحدة البطون ضد علي!! كان عمر يحاسب كل ولاته علي الكثير والقليل ويعزلهم سريعا ولكن لا أحد في الدنيا يخبرنا متي حاسبه!! وعلي أي شئ!!
ولماذا لم يعزله!! إنه يعد معاوية لأمر عظيم!!!.
معاوية يطالب بخلافة المسلمين!!!:
آلت الخلافة إلي علي بن أبي طالب بالطريقة نفسها التي اخترعها قادة البطون، وكان عثمان الأموي قد قتل لتوه، وكانت دولة الخلافة أموية من جميع الوجوه فلا تجد مصرا من الأمصار إلا وواليه أموي أو من المخلصين لبني أمية، لقد نجح عثمان قبل موته بجعل دولة الخلافة أموية بالفعل، لو كان غير الإمام علي لسلم فور تسلمه للخلافة، ولما حكم ستة أيام!! وعلي كل فقد جاءت بيعة كل الأقاليم إلا ولاية الشام، فقد رفض معاوية بيعته متذرعا بقتلة عثمان، لقد كان بإمكانه أن ينصر عثمان وهو حي ولكنه تخلي عن عثمان كجزء من خطته الرامية إلي استيلائه علي منصب الخلافة بالقوة، والتغلب، والقهر، وتحويلها إلي ملك يتوارثه الأمويون، واستعمال سيف الخلافة للتنكيل بخصوم بني أمية. إن الفرصة مؤاتية له بالفعل ليحقق كامل أحلامه، فخزائن الشام مليئة بالأموال التي ادخرها وأعدها لهذه الغاية!!!.
(٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو أمية (3)، الشام (5)، القتل (3)، الموت (2)، الرفض (1)
من وسائل معاوية:
خلال مدة ولاية معاوية علي الشام بني جيشا منظما، يدين له شخصيا بالطاعة العمياء، ولا يعرف هذا الجيش من الإسلام إلا القشور. فمعاوية نفسه لا يعرف الإسلام فهو طليق وابن طليق ومن المؤلفة قلوبهم، فكان هذا الجيش من أعظم وسائل معاوية التي استعملها للاستيلاء علي منصب الخلافة، وقهر أعدائه، كان هذا الجيش بيد معاوية كالخاتم بالأصبع، يحركه كيفما يشاء؛ فلو أمره معاوية أن يهدم الكعبة لهدمها عن طيب خاطر، وقد هدمها في زمن يزيد، وهدمها في زمن عبد الملك، ولو أمره معاوية أن يستبيح المدينة المنورة، فيقتل رجالها، وينهب أموالها لفعل، وقد فعل ذلك في زمن يزيد بن معاوية، إذ قتل عشرة آلاف بيوم واحد، واغتصب جيشه ألف عذراء، وقد حارب معاوية بهذا الجيش أمير المؤمنين عليا. وأرسل فرقة من هذا الجيش مع بسر بن أرطأة، وأمره أن يسير إلي المدينة ومن المدينة إلي مكة ومن مكة إلي صنعاء، فيقتل كل من كان في طاعة علي، وينهب أموال كل من ليس في طاعة معاوية، وأمره بأن ينشر الرعب أينما حل، وأن يخوف عباد الله ويأخذهم أخذا أليما، ونفذ بسر بن أرطأة أوامر مولاه معاوية بدقة، فكان يقتل الرجال والنساء والأطفال، لقد قتل طفلي عبيد الله ابن العباس وعاد بسر إلي الشام بعد أن أخذ البيعة لمعاوية بالعنف والإرهاب.
الأنصاري وأم سلمة يصفان أسلوب معاوية:
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: " لما خفت بسرا وتواريت عنه، قال لقومي: " لا أمان لكم عندي حتي يحضر جابر، فأتوني وقالوا: ننشدك لما انطلقت معنا فبايعت، فحقنت دماءنا، ودماء قومك فإنك إن لم تفعل قتلت مقاتلينا، وسبيت ذرارينا، فاستنظرتهم الليل، فلما أمسيت دخلت علي أم سلمة (إحدي زوجات الرسول) فأخبرتها الخبر، فقالت: يا بني انطلق فبايع، أحقن دمك ودماء قومك، فإني قد أمرت ابن أخي أن
(٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، المدينة المنورة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، جابر بن عبد الله (1)، الشام (2)، القتل (3)، الخوف (1)
يذهب فيبايع، وإني لأعلم أنها بيعة ضلالة " (1).
قال ظافر القاسمي في كتابه " نظام الحكم في الشريعة والتاريخ " بعد بحث دقيق ومستفيض: " نعم، لقد حصل معاوية علي البيعة بالتقتيل، والتدمير، والتحريق، وشتم أنصار الرسول " (2).
ولم يكتف معاوية بسلاح الإرهاب والقتل والتدمير، بل استعمل سلاح المال، فخلال ولايته علي الشام التي دامت عشرين عاما جمع من الأموال ما أمكنه جمعه استعدادا لليوم الموعود، ولما جاء ذلك اليوم سخرها في سبيل الملك بعد أن أخرجها عن مصارفها المشروعة التي أمر بها القرآن، واعتبر بيت مال المسلمين خزانة خاصة له يأمر بإنفاق ما فيها حسب هواه (3) ويشتري بتلك الأموال ضمائر بعض الناس، ودينهم، وولاءهم.
ومن أساليب معاوية الوعد بالولاية مدي الحياة كما فعل مع عمرو بن العاص، إذ اتفق معه أن يعطيه ولاية مصر له ولعقبه مقابل أن يبايعه خليفة ويقف معه ضد الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب، فقبل عمرو وبايع معاوية ووقف معه، ولولا عمرو لانتهت قصة معاوية في صفين ولتغير مجري التاريخ، وكما فعل مع قيس بن سعد الذي رفض عرض معاوية (4).
ومن أساليب معاوية: تزوير الكتب، ونشر الشائعات، ودس الوقيعة بين جماعة علي، ولم يأل جهدا في هذا المضمار.
ومن أساليب معاوية وسننه: أن رتب عطاء مخصوصا اسمه رزق البيعة يعطي للجند حينما يأتي الخليفة الجديد (5)
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ١٥٧.
(٢) راجع نظام الحكم لظافر القاسمي ص ٢٨٤.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) راجع تاريخ الطبري ج ٤ ص ٥٥٠.
(5) راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 383.
(٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي طالب (1)، قيس بن سعد (1)، القرآن الكريم (1)، الشام (1)، الضلال (1)، الرفض (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
البيعة والخضوع التام:
إذا بايع المسلم معاوية، فلا تقفل دائرة الإرهاب، بل يتوجب علي المسلم أن يكون بحالة تبعية وخضوع تامين لمعاوية، فإذا أحس معاوية بأي تراخ بهذه التبعية وذلك الخضوع التأمين عندئذ يصدر أوامره بقتل هذا المتراخي بالتبعية والخضوع وما فعله مع حجر بن عدي وأصحابه الصادقين ومع عمرو بن الحمق وهم من خيرة الصحابة لهو خير دليل علي ذلك.
التنكيل بعد الموت:
لقد انتقل علي بن أبي طالب إلي جوار ربه، وآل الملك إلي معاوية بالقوة والقهر وكان من المفترض أن يسدل معاوية الستار علي تلك الفترة، لكن معاوية أصدر سلسلة من مراسيمه الملكية، فرض فيها علي كل فرد من أفراد رعايا دولة الخلافة أن يلعن علي بن أبي طالب علي كل منبر وفي كل صلاة (1) وأبعد من ذلك فإن معاوية اعتبر محبة علي وأهل بيت النبوة من جرائم الخيانة العظمي وأباح دم من يواليهم ويحبهم، وأمر ولاته بأن يقتلوا علي الفور كل من يحب عليا وأهل بيت النبوة، وأن يهدموا داره (2).
الموت مصير المعارضين لمعاوية:
لقد تنازل الإمام الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية، بقيا منه علي القلة المؤمنة، حتي لا يقتلها معاوية، وتخلو الأرض من المؤمنين، ولزم الإمام الحسن بيته، ولأن معاوية قد أدرك بأن منيته قد دنت وأن وجود الإمام الحسين علي قيد الحياة من بعده قد يعيق مشاريعه الرامية إلي تحويل الخلافة إلي ملك، وحصر هذا الملك في بيت أبي سفيان خاصة وفي البيت الأموي عامة، وتعويق الإمام
(١) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٣٦٦، وشرح نهج البلاغة ج ١ ص ٣٥٦، و ج 2 ص 220 و ج 3 ص 258 و ج 4 ص 56، وأسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 144، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 ص 127 ح 1449، ومعاوية بن أبي سفيان في الميزان للعقاد ص 16.
(2) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595 - 596.
(٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: حجر بن عدي الكندي (1)، علي بن أبي طالب (2)، عمرو بن الحمق (1)، الحسن بن علي (1)، القتل (1)، الموت (1)، الصّلاة (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، مدرسة المعتزلة (1)، إبن عساكر (1)، دمشق (1)
الحسن لمشاريع معاوية، كل ذلك احتمال وارد!
لذلك قرر معاوية أن يقتل الإمام الحسن، ليزيحه من درب مشاريعه، وبالفعل، استعان معاوية بشياطينه، ودس السم للإمام الحسن فقتله (1)، وهو يعلم أنه ابن بنت رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة، وريحانة النبي من الأمة!!.
لكن الإمام الحسن بالوقت نفسه هو ابن علي بن أبي طالب الذي قتل حنظلة شقيق معاوية، فقتل معاوية للإمام الحسن يحقق له غايتين، أولهما: يمهد الطريق لمرور مشاريع معاوية، وثانيهما: الثأر لأخيه وجده وخاله وأبناء عمومته الذين قتلوا في بدر!!! والأهم أنه يشبع روح معاوية المتعطشة للدم والعنف (2)!!.
معاوية يخرج المجرمين:
إن الأكثرية الساحقة من المجرمين العتاة الذين ظهروا في تاريخ دولة الخلافة، وأشاعوا الهلع والرعب في قلوب رعايا دولة الخلافة وأمعنوا في عباد الله تقتيلا وتشريدا وتعذيبا ونهبا، وأذلوا من نجا من القتل إذلالا لم يشهد التاريخ البشري له مثيلا، وتركوا بصماتهم الملطخة بالدم علي كل شئ لأمسوه، أكثرهم تخرج من مدرسة معاوية وتتلمذ علي يديه، وتلقي أقسي وأبشع تعليماته بالعنف، ومنهم:
1 - بسر بن أرطأة من السفاكين، المجرمين، العتاة، الذي لم ير في التاريخ البشري مثله شراسة، جهز له معاوية جيشا وطلب منه أن يسير من شمال الجزيرة إلي جنوبها، تبوك، المدينة، مكة، والعودة في رحلة الشر التي بعثه بها معاوية ليحصل له علي البيعة من أهل الجزيرة وبالطريقة التي رواها الصحابي جابر بن
(١) حياة الإمام الحسن لباقر شريف القرشي، ج ٢ ص ٢٧٨.
(٢) راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٣٤، وتاريخ ابن الأثير ج ٨ ص ٤٨، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٥٠، ومقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص ٢٩، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١١ - ١٧، والاستيعاب لابن عبد البر ج ١ ص ١٤١، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٢١، وترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 4 ص 228 - 241 الأحاديث 367 - 393، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 2 ص 298، وتاريخ الخميس ج 2 ص 294، وراجع الغدير للأميني ج 11 ص 26 - 32 وكتابنا المواجهة ص 638.
(٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، علي بن أبي طالب (1)، القتل (6)، البعث، الإنبعاث (1)، الشهادة (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، دمشق (1)
عبد الله الأنصاري، والتي أيدتها أم سلمة زوجة الرسول والتي سقناها قبل قليل،!! لقد بلغت الوحشية ببسر بن أرطأة وجيشه أن سمحوا لأنفسهم حتي بقتل الأطفال الرضع الأبرياء كما فعلوا بطفلي عبيد الله بن عباس!! (1) فمن يصدق أن عبدا تافها مثل بسر بن أرطأة يمكن أن يفعل هكذا أفعال دون أوامر صريحة من سيده وأستاذه معاوية!!.
لقد أمره معاوية وبكل صراحة بكل ما فعل، ومما وصل إلينا من أوامر معاوية أنه خاطب بسر بن أرطأة قائلا: " وانهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا " (2)، " وأمره معاوية أن يقتل كل من كان في طاعة علي، فقتل خلقا كثيرا، وقتل فيمن قتل ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكانا غلامين صغيرين " (3).
2 - زياد بن عبيد، المعروف ب " زياد ابن أبيه " ولد من أبوين عبدين هما:
عبيد وسمية، كان في خدمة الإمام علي ومن المتظاهرين بنصرته وخلال وجود زياد مع جماعة علي بن أبي طالب تعرف زياد وعرف المخلص منهم والمنافق، كان معاوية بحاجة إلي رجل يعرف أصحاب علي معرفة دقيقة، حتي يتمكن منهم معاوية ويبيدهم عن بكرة أبيهم ويقضي علي أي ناصر لعلي في الأرض، وقدر معاوية أن هذا الرجل بالذات زياد بن عبيد أو زياد ابن أبيه هو بغيته المطلوبة، واكتشف معاوية أن زيادا هذا يخفي مواهب جرمية حبيسة، وإذا أتيح لتلك المواهب أن تنطلق فقد يفوق زياد بسر بن أرطأة، ومسلم بن عقبة وغيرهما من طاقم الإجرام.
لذلك كله كاتبه معاوية وتودد إليه، وليجعل لزياد مصلحة في ملكه ووعده بولاية العراق، وزعم معاوية لزياد أنه أخوه وتفصيل ذلك - بزعم معاوية - أن أبا سفيان زني يوما بسمية أم زياد فحملت سمية من تلك الزنية، فزياد علي هذا
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ١٣٩.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٥٧، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 209، وتاريخ ابن كثير ج 8 ص 130، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 344.
(٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، دولة العراق (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، عبيد الله بن العباس (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، علي بن أبي طالب (1)، زياد بن عبيد (2)، الرضاع (1)، القتل (3)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، التاريخ الإسلامي (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
الأساس هو ابن صخر وهو أخو معاوية!!! وأعلن معاوية مضامين هذا الزعم وادعي بأن زيادا وأخاه وابن أبي سفيان بالفعل، وصدق زياد هذه المزاعم أو تظاهر بالتصديق وألحق بخدمة معاوية وبدأت مهمة زياد بقتل كل من أحب عليا وأولاده فتفقدهم زياد " ابن أبي سفيان واحدا واحدا فقتلهم عن بكرة أبيهم " (1)، وروع أهل العراق وأذلهم حتي صاروا أذل من العبيد، وتنكر أهل العراق لعلي، وتبرأوا منه لينجوا بأنفسهم، لم يخف معاوية الحقيقة، لقد أصدر سلسلة من المراسيم أباح فيها لزياد ولغيره قتل كل من أحب عليا أو والاه وهدم داره.
3 - مسلم بن عقبة: من أصفياء معاوية، وموضع ثقته، وهو من أعظم المجرمين الذين اصطفاهم معاوية لنفسه، وأعدهم للعظيم من أموره.
أدرك معاوية أنه هالك وميت لا محالة، وأن أهل المدينة سيتمردون ويثورون علي ابنه وخليفته من بعده يزيد بن معاوية، ومساعدة لابنه، واستمرارا لمخططه الرامي إلي تفريغ الأرض من المؤمنين الصادقين أوصي معاوية ابنه يزيد، قائلا: " إن رابك منهم ريب، أو انتقض عليك منهم أحد، فعليك بأعور بني مرة، مسلم بن عقبة " (2).
ولما ثار أهل المدينة بعد موت معاوية دعاه يزيد، وكان مسلم مريضا، منهوكا، فعرض عليه قيادة الجيش بناء علي وصية أبيه ولما رأي حاله قال له يزيد: " إن شئت أعفيتك "، فجن جنون المجرم وقال ليزيد: " نشدتك الله أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إلي ".
من أفعال مسلم بن عقبة قال الطبري: وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال (3)،
(١) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد تحقيق حسن تميم ج ٣ ص ٥٩٥.
(٢) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ١ ص ٢٠٩.
(٣) تاريخ الطبري ج ٧ ص ١١، وابن الأثير ج 3 ص 47، وابن كثير ج 8 ص 220.
(٨١)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (2)، مسلم بن عقبة المري (3)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (3)، الهلاك (1)، الصدق (1)، الوصية (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مدرسة المعتزلة (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
قال اليعقوبي: " فلم يبق فيها كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول الله حتي ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن " (1).
قال ابن كثير: " قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، وكان قتل بشر كثيرا حتي كاد لا يفلت أحد من أهلها " (2).
وروي عن هشام، قال: " ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج " (3).
وروي عن الزهري أنه قال: " كان القتلي سبعمائة من وجوه المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر أو عبد وغيرهم عشرة آلاف " (4).
وقال السيوطي: " وكانت وقعة الحرة بباب طيبة قتل فيها خلق كثير من الصحابة ونهبت المدينة، وافتض فيها ألف بكر " (5).
قال الدينوري والذهبي: قال رأيت أبا سعيد الخدري ولحيته بيضاء، وقد خف جانباها، وبقي وسطها فقلت: يا أبا سعيد مال لحيتك؟ فقال: " هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي بيتي، فانتهبوا ما فيه حتي أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء، ثم خرجوا ودخل علي بعدهم عشرة نفر وأنا قائم أصلي، فطلبوا البيت فلم يجدوا فيه شيئا، فأسفوا لذلك، فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الأرض، وأقبل كل رجل منهم علي ما يليه من لحيتي فنتفه، فما تري منها خفيفا فهو موضع النتف وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب فلم يصلوا إليه، وسأدعها كما تري حتي أوافي ربي " (6).
(١) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٦ ص ٢٥١.
(٢) تاريخ ابن كثير ج ٦ ص ٢٣٤.
(٣) المصدر نفسه: ج ٨ ص ٢٢.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٠٩ وراجع تاريخ الخميس ج ٢ ص ٣٠٢.
(٦) راجع الأخبار الطوال للدينوري ص 269، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 357.
(٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، أبو سعيد الخدري (1)، القرآن الكريم (1)، الشام (1)، القتل (4)، الزوج، الزواج (1)، التاريخ الإسلامي (1)
هذه بعض أفعال مسلم بن عقبة الذي ادخره معاوية لذلك اليوم وأوصي ابنه يزيد بأن يسلمه قيادة الجيش!!! وهذه أفعال جيش " الإسلام " الذي بناه معاوية، فهل يعقل أن يتصرف تافه مثل مسلم بن عقبة هذه التصرفات التي لم يعرف بشاعتها التاريخ دون علم ومباركة سيده ومولاه وصفيه!!!.
يزيد يأمر بمذبحة المدينة:
كتب مسلم بن عقبة بعد مذبحة الحرة رسالة إلي " أمير المؤمنين يزيد بن معاوية " جاء فيها: " فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع، والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف، وقتلنا من أشرف لنا منهم، واتبعنا مدبرهم، وأجهزنا علي جريحهم وانتهبناها ثلاثة كما قال أمير المؤمنين " (1).
قال الطبري إن يزيد بن معاوية أمر مسلم بن عقبة، قائلا: " ادع القوم ثلاثا فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند.. ".
وقال المسعودي: " أمره يزيد … وإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف، ولا تبق عليهم، وانتهبهم ثلاثا وأجهز علي جريحهم، واقتل مدبرهم … " (2).
بعد أن نفذ صفي معاوية وموضع ثقته مسلم بن عقبة وجيشه البطل أوامر الملك، ونفذوا المذبحة الرهيبة في مدينة رسول الله، أمر مسلم بن عقبة القلة الذليلة من أهل المدينة التي نجت من المذبحة بأن تبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية!!!.
قال الطبري وغيره: " فدعا الناس للبيعة علي أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم ما شاء " (3).
(١) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ١ ص ٢١٨.
(٢) راجع التنبيه والإشراف للمسعودي ص ٢٦٣، ومروج الذهب ج ٣ ص ٦٨ - ٦٩.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٧ ص ١٣.
(٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقبة المري (6)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، القتل (1)، الباطل، الإبطال (1)، الطعام (1)، الوصية (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
قال المسعودي: " وبايع من بقي من أهل المدينة علي أنهم قن ليزيد " (1).
قال الدينوري: " فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة، فدعاهم للبيعة، فكان أول من أتاه يزيد بن عبد الله وجدته أم سلمة زوج النبي، فقال له مسلم: بايعني، قال: أبايعك علي كتاب الله وسنة نبيه، فقال مسلم: بل بايع علي إنك فئ لأمير المؤمنين يفعل في أموالكم وذراريكم ما يشاء، فأبي أن يبايع علي ذلك، فضربت عنقه " (2).
وأتي بيزيد بن وهب بن زمعة، فقال له مسلم: بايع، فقال: أبايعك علي سنة عمر، فقال مسلم: اقتلوه، فقتل (3).
بيعة الحسين ودور معاوية بمذبحة كربلاء نجح معاوية بن أبي سفيان بالاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة، وبقهر يفوق التصور، وبأساليبه المتعددة التي أشاعت الرعب في قلوب المسلمين، وأدت لإبادة الأكثرية الساحقة من القلة المؤمنة التي حاربته وأباه علي الشرك 23 عاما، وقامت دولة النبوة علي أكتافها وبنجاح أساليب معاوية أرسي قواعد باستخدام العنف بالتعامل مع الرعية وإخضاعها بالقوة والإرهاب.
بعد هذا النجاح الساحق قرر معاوية أن يمضي قدما في مخططه وأن يحول الخلافة إلي ملك علي شاكلة ملك كسري وقيصر ولكن بجبة ولحية إسلامية!!!
علي اعتبار إن الإسلام هو طريق الملك، وأنه دين أغلبية الرعية، وقرر معاوية أن يحصر هذا الملك في بيت أبي سفيان خاصة والبطن الأموي عامة لذلك اختار ابنه يزيد بن معاوية ليكون وليا لعهده وخليفة من بعده، صحيح أن معاوية قد أباد القلة المؤمنة ولم ينج منها إلا القليل، وصحيح أيضا أن معاوية قد أرهب الرعية وأذلها حتي صارت أذل من الذليل، ولكن قراره باختيار يزيد غير معقول وغير منطقي،
(١) التنبيه والإشراف ص ٢٦٤، ومروج الذهب ج ٣ ص ٧١ للمسعودي.
(٢) تاريخ الطبري ج ٧ ص ١١ - ١٢.
(٣) الأخبار الطوال للدينوري ص 265.
(٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، يزيد بن عبد الله (1)، القتل (1)، الإختيار، الخيار (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
فيزيد يجهر بعصيانه وحتي بكفره، وبتركه للصلاة وبإدمانه علي الزني، وتلك أمور يصعب علي الرعية الذليلة استيعابها وهضمها، وبأساليب معاوية نجح بتنصيب يزيد وحصل علي موافقة الرعية، ويبدو أن ثلاثة قد تمنعوا عليه أحدهم الإمام الحسين بن علي (1).
وكأسلوب من أساليب معاوية تجاهلهم وأوحي لأهل الشام خاصة وللرعية عامة أن الكل قد قبل بيزيد وليا للعهد وخليفة من بعد معاوية (2).
ومن المؤكد أن الابن وأباه قد اتفقا علي كليات وتفاصيل مؤامرة قتل الحسين، لا طمعا ببيعته فإنما هو مجرد رجل، ولكن رغبة بقتل الحسين، لأن مجرد وجود الحسين يشكل خطرا علي دولة يزيد وتقدير معاوية وأركان دولته أن الحسين إن بقي حيا سيكون بمثابة مركز تجمع لمعارضي الملك الأموي، ولا مجال لمقارنة يزيد بن معاوية بالحسين شرفا وعلما وتاريخا ومنزلة، وعلي هذا الأساس تم التركيز علي ضرورة مبايعة الإمام الحسين، ليكون رفض الحسين لمبايعة يزيد مبررا لقتله!! لأن الحسين برأي معاوية ويزيد وأركان الدولة هو أخطر خصومهم. لذلك كانت أول مشاريع يزيد بن معاوية أن أمر واليه علي المدينة أن يأخذ بيعة الحسين، وأمره أن يضرب عنق الحسين إن هو امتنع عن البيعة كما رأينا قبل قليل، ولكن الإمام الحسين كان قد خرج من المدينة فرارا بدينه وأهل بيته وموقفه.
تقدير معاوية للموقف قدر معاوية وأركان دولته أن الإمام الحسين لن يبايع يزيد، ولن يقبل به خليفة حتي لو قطعه إربا إربا، وقدر أيضا أن الأكثرية من آل محمد وأهل بيت النبوة لن يبايعوا حتي يبايع الحسين، وقدر أيضا بأن الحسين سيكتشف إنه ليس له في المدينة من يحميه ويحمي أهل بيت النبوة، وأن والي المدينة سيقتله ويقتل أهل بيت النبوة إن بقي في المدينة، ولن يجد فيها من يدافع عنه بيد ولا بلسان،
(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 189 - 190.
(2) المصدر نفسه.
(٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الحسين بن علي (1)، الشام (1)، الزنا (1)، الضرب (1)، القتل (2)، البيعة (1)، الصّلاة (1)، المنع (1)، الرفض (1)
فهو لن يكون أعظم من أبيه ولا له المكانة المقدسة نفسها التي كانت لأمه ومع هذا هدد أبوه بالقتل، وشرعت السلطة بحرق بيت فاطمة علي من فيه، وصادرت السلطة تركة الرسول، وحرمت ورثته من إرثهم وحرمت ذوي قربي النبي من سهمهم ولم يجد أهل بيت النبوة في المدينة رجلا واحدا يأمر بمعروف أو ينهي عن منكر، لذلك توصل معاوية وأركان دولته إلي نتيجة مفادها بأن الحسين سيغادر المدينة هو وأهله وعلي الأغلب إلي مكة من حيث المبدأ.
وقدر معاوية أن مغادرة الحسين للمدينة أمر ترغبه سلطة الخلافة لأن أهل المدينة يعرفون الحسين معرفة عميقة ويعرفون قربه للنبي ومكانته العلمية، صحيح أنهم لن يحركوا ساكنا إن قتل الإمام الحسين وأهل بيته أمامهم، ولن يأمروا بمعروف أو ينهوا عن المنكر عمليا لكن قتل رجل وأهل بيته بحجم الحسين وأهل بيت النبوة أمام معارفهم سيثير شيئا من مشاعر استياء أهل المدينة، لذلك كان خروج الإمام الحسين خطوة تمنتها السلطة، ولو أرادت دولة الخلافة أن تلحق بالإمام الحسين للحقته بكل سهولة، لأن الحسين قد أصر علي سلوك الطريق التي يسلكها الناس عامة عند ذهابهم إلي مكة، وعندما نصحه ابن عمه مسلم بن عقيل أن يعدل عن الطريق رفض الحسين ذلك قائلا: " والله يا ابن عمي لا فارقت هذا الطريق أبدا أو أنظر إلي أبيات مكة، أو يقضي الله في ذلك ما يحب ويرضي " (1).
وقال الطبري: إن الحسين قد رد علي من اقترح عليه مجانبة الطريق قائلا:
" والله لا أفارقه حتي يقضي الله ما هو أحب إليه " (2) وهكذا ذكر الشيخ المفيد (3).
وفي رواية " إن الحسين خرج المدينة وركب الجادة العظمي، فقال له أهل بيته: لو سلكت الطريق الأفرع لكان أصح فقال الحسين " أتخافون الطلب "؟ قالوا: أجل!
فقال الحسين: لن أحيد الطريق حذر الموت " (4).
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٤، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٩، وينابيع المودة ج ٢ ص ٤ إلي قوله أبدا.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٦.
(3) راجع الإرشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 2.
(4) راجع مقتل الحسين لأبي مخنف ص 25، وينابيع المودة ج 2 ص 4.
(٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، القتل (3)، الموت (1)، الرفض (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
بمعني أن دولة الخلافة كانت تعلم بخروج الحسين، وكان بإمكانها اللحوق به فهو يسير علي الطريق العام، ولكنها لم تلحق به لأن خروجه من المدينة كان جزء من خطتها لقتله بعيدا عمن يعرفونه معرفة حقيقية.
وقدر معاوية وأركان دولته أن الحسين سيصل إلي مكة بالضرورة، ولا خطر علي دولة معاوية من وصول الحسين إلي مكة لأن أكثرية سكانها من أبناء بطون قريش ال 23 ومواليهم وأحابيشهم وهي الأكثرية نفسها التي كانت مشركة، واضطرت مكرهة لإعلان إسلامها وهي تعرف تاريخ الصراع وحصيلته وهي موتورة ومن المحال أن تقف مع الإمام الحسين، ووصل الحسين بالفعل إلي مكة، صحيح أن مكة لن تقف معه، ولكن وجود الحسين في مكة ومعرفة وفود الحجيج سنويا بوجوده يشكل خطرا، لذلك يتوجب إبعاده عن مكة، حسب خطة معاوية، وبالتالي يجب قتله وأهل بيته في مكان ناء بعيدا عن معارفه!!! الذين يعرفونه معرفة حقيقية، والذين يعرفونه معرفة سطحية، وليس من المستبعد بأن معاوية الذي يشرف علي مخابرات دولة عظمي وتأتيه كل أنبائها، علي علم بأن الحسين وأهل بيت النبوة سيقتلون في كربلاء، وطمعا بأن يقتلوا في كربلاء رتب مع ابنه وأركان دولته جر الحسين وأهل بيته من مكة إلي كربلاء.
لقد كان أمير دولة البطون علي مكة علي علم بوجود الحسين وعلي علم بامتناع الحسين عن المبايعة، وعلي علم بمشاعر أكثرية سكان مكة نحو الحسين، كان بإمكانه أن يجهز جيشا قوامه ألف مقاتل بمدة لا تتجاوز يومين وكان بإمكانه أن يقتل الحسين وأهل بيت النبوة ولكنه لم يفعل، ولم يتعرض للحسين إلا تعرضا بسيطا، قال الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، والبلاذري: " فاعترضته رسل الوالي من قبل يزيد عمرو بن سعيد، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط، وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعا قويا ". (1).
ودليل آخر علي صحة ما ذهبنا إليه أن الإمام الحسين عندما خرج من
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٧ - ٢١٨، وابن الأثير ج ٤ ص ١٧، وابن كثير ج ٨ ص ١٦٦، وأنساب الأشراف ص ١٦٤.
(٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (3)، مدينة مكة المكرمة (9)، إبن الأثير (2)، عمرو بن سعيد (1)، القتل (4)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
المدينة ردد قول الله تعالي عن موسي: * (فخرج منها خائفا يترقب قال ربي نجني من القوم الظالمين) * (1) [القصص / 21] ولما وصل الإمام الحسين إلي مكة قرأ * (ولما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) * (2) [القصص / 22] ولما سأل عبد الله بن مطيع الإمام الحسين قائلا: " جعلت فداك أين تريد؟ " فقال الحسين: " أما الآن فمكة وأما بعد فإني أستخير الله " (3) فحال الحسين عندما اضطر للخروج من المدينة، كحال موسي الذي اضطر لمغادرة عاصمة ملك فرعون، وكانت حال الحسين عندما وصل إلي مكة كحال موسي عندما وصل إلي مدين، فموسي ينتظر التوجيه الإلهي، وليس عنده علم عن المكان الآخر، أو المرحلة اللاحقة، كذلك فإن الحسين خرج من المدينة إلي مكة " مدين " وليس لديه علم عن المكان الآخر أو المرحلة وإنه سينتظر التوجيه الإلهي!!
مكيدة الرسائل والكتب:
دولة الخلافة يمكنها أن تقتل الإمام الحسين وأهل بيته في المدينة المنورة وهي واثقة أنه لن يعيقها أحد، فلدي دولة الخلافة القوة والقدرة علي إبادة كل سكان المدينة!! وعندما خرج الإمام الحسين كان بإمكان دولة الخلافة أن ترسل قوة ضاربة علي خيول سريعة مطهمة، وتلحق بالإمام الحسين قبل وصوله إلي مكة فتقتله وأولاده وأهل بيته شر قتلة، فالإمام الحسين، كان يسير علي الطريق العام إلي مكة ورفض رفضا قاطعا الخروج عن الطريق.
وعندما وصل الإمام الحسين وأهل بيت النبوة إلي مكة كان بإمكان دولة الخلافة أن تتلقاه وأهل بيته بقوة ضاربة وأن تقطعهم إربا إربا، فالخليفة يزيد له وال وجيش في المدينة وله وال وجيش في مكة وله عيون وجواسيس علي طول
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٣، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٢١، وينابيع المودة ج ٢ ص ٤، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨.
(٢) الإرشاد للشيخ المفيد ج ٢ ص ٤، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٢، والعوالم ج ١٧ ص ١٨١، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٢، وأعيان الشيعة ج ٥ ص ٢٥.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٦ - 197.
(٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (8)، المدينة المنورة (1)، الظلم (1)، القتل (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)
الطريق المؤدية من مكة إلي المدينة، ولكن لا والي المدينة لحق بالحسين ولا والي مكة وضع حدا لمسيرة الحسين، لأن هنالك خطة عامة لاستدراج الإمام الحسين وأهل بيته وأنصاره القلة إلي كربلاء، وأن هذه الخطة قد رسمت في زمن معاوية وبحضور ابنه وأركان دولته!! لقد تسترت دولة الخلافة لأسباب أمنية علي نبأ هلاك معاوية، ولكن انتشر النبأ،! فلما دعي الحسين إلي مجلس والي المدينة قال: " قد ظننت أن طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر " (1).
فرتبت مخابرات دولة معاوية بالاتفاق المسبق مع معاوية وابنه وأركان دولته لتزوير مجموعة من الكتب علي ألسنة علية القوم في الكوفة تدعو الحسين للشخوص من مكة إلي العراق، فمعاوية وجهاز دولته مهرة بتزوير الكتب، وليس من المستبعد أن تكون دولة الخلافة قد اتفقت مع من تراهم وجوه المجتمع ليكتبوا للحسين ثم يتنكرون له في ما بعد وينكرون أنهم كتبوا.
وليس من المستبعد أيضا أن يكون بعض الصادقين من موالي أهل بيت النبوة في الكوفة قد كتبوا للحسين، ثم اكتشفوا في ما بعد أن كثيرا من أهل الكوفة قد كتب، وأن موضوع الكتب والرسائل مجرد مكيدة من مكائد الدولة، فغزا الرعب قلوب بعض الموالين، وأضمرت أن تتنكر للكتابة، وهي واثقة بأن الرسائل قد وصلت للحسين ومن المحال أن يشي بها الحسين!! وليس من المستبعد أن بعض من كتب عندما عرف بمكيدة الكتب والرسائل، وأن وراءها الدولة ادعي بأنه إنما كتب استجابة لتوجهات الدولة وعملا بتوجيهها، وليس من المستبعد أن بعضهم قد ادعي ولاء للخليفة، وحاول أن يقوم ببعض الأعمال الشائنة إثباتا لهذا الولاء!!.
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٠، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٢٩، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٥٧، وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 11، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 182.
(٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، مدينة الكوفة (3)، الهلاك (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وصول الكتب إلي الحسين في مكة:
من المؤكد أن موالي أهل بيت النبوة في الكوفة قد اجتمعوا عندما سمعوا بهلاك معاوية، وأنهم قد رأوا الفرصة مناسبة للتخلص من طغيان بني أمية بعد هلاك الطاغية علي حد تعبير الإمام الحسين ومن المؤكد أنهم قد كتبوا للحسين كتابا يدعونه للقدوم إليهم، وهم لا يعرفون أن دولة الخلافة كانت تقود حملة كتابة الرسائل والكتب.
كذلك فإن شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، وعزرة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن عمر المعروفين بولائهم للخليفة قد كتبوا أيضا للإمام الحسين يدعونه للقدوم إلي الكوفة.
فأولياؤه كتبوا إليه، وأولياء معاوية كتبوا إليه أيضا، وهم سادة مجتمع الكوفة، فقدر الإمام أن الجميع قد اكتووا بظلم الظالمين وأن موت معاوية أعطاهم الفرصة للخروج من الظلم الذي يمثله معاوية وبطانته إلي العدل الذي يمثله أهل بيت النبوة، وقرر الإمام الحسين أن يبعث مسلم بن عقيل وأن يتوجه بالفعل إلي الكوفة وبالفعل توجه إلي الكوفة.
إكتشاف المكيدة:
توجه الإمام وأهل بيت النبوة ومن والاهم إلي العراق لما وصلتهم الرسائل والكتب وتأملوا أن يجدوا في العراق قوما يجيرونهم، أو قوة تحميهم وفي ما بعد اكتشف الإمام الحسين مكيدة الكتب والرسائل، فقال لأصحابه في كربلاء:
" … إنما القوم يطلبونني، وقد وجدوني وما كانت كتب من كتب إلي - فيما أظن - إلا مكيدة لي، وتقربا إلي ابن معاوية بي " (1).
لقد وصل رسول الإمام الحسين قبله ليمهد لوصوله (2) وبمدة وجيزة
(١) راجع أنساب الأشراف للبلاذري ج ٣ ص ١٨٥، وموسوعة كلمات الإمام الحسين ص ٣٩٧.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٨.
(٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، دولة العراق (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (5)، حجار بن أبجر (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، بنو أمية (1)، محمد بن عمر (1)، الظلم (2)، البعث، الإنبعاث (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وخيالية بايعه ثمانية عشر ألفا (1) فكتب مسلم إلي الإمام يطلب منه الإسراع بالقدوم مؤكدا له أن الناس كلهم معه (2). وفي رواية " بايع مسلم بن عقيل خمسة وعشرون ألفا، وفي رواية أخري أربعون ألفا " (3). ولما بدأت ملامح المعركة، وجاء ابن زياد تخلي الناس كلهم عن مسلم بن عقيل ولم يجد من الأربعين ألفا رجلا واحدا يأويه أو يدله علي الدرب إلا هانئ بن عروة، وبسرعة تم إلقاء القبض علي مسلم وهانئ بن عروة فقطع الوالي الجديد رأسيهما وأرسل الرأسين إلي الخليفة يزيد بن معاوية (4) فليس معقولا أن يبايع أربعون ألفا اليوم ويتنكروا غدا لبيعتهم فلا يثبت أحد منهم علي الإطلاق!! والمعقول الوحيد أن البيعة قد كانت بالاتفاق مع دولة الخلافة، مقابل جعل للمبايعين، وأن تنصل المبايعين من بيعتهم قد تم أيضا بالاتفاق مع دولة الخلافة!! وهو ما يعرف بلغة المخابرات المعاصرة بالاختراق!!! حيث ينظم إلي التنظيم المراد اختراقه مجموعة من العيون تتظاهر بعضويتها لهذا التنظيم، وتنقل ما تسمعه، أو تتدخل بمشاريعه!!.
لقد اكتشف أهل الكوفة مكيدة الكتب والرسائل التي أرسلت للإمام الحسين، وأنها من تدبير الدولة لغايات استدراج الإمام إلي المكان الذي تريده،!!! ثم إنه لن يجرؤ أحد منهم علي الإعلان عن عدم موالاته لدولة الخلافة، لأن هذا الإعلان يؤدي لقطع العطاء، ويؤدي للموت أيضا!! ولن يجرؤ أحد منهم علي الإعلان عن ولائه لعلي بن أبي طالب أو لأحد من أهل بيته، لأن عقوبة هذا الإعلان هي الموت وهدم الدار وهذه العقوبة كانت سارية قبل قدوم مسلم وبعد موته. مما يؤكد أن فكرة البيعة أيضا كانت من تدابير دولة الخلافة!!!.
إن أهل الكوفة أقل وأذل من أن يجرؤوا علي البيعة وعلي تحدي سلطة
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١١، ومثير الأحزان ص ٢١، واللهوف ص ١٠، وموسوعة كلمات الحسين ص ٥٣.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١١.
(٣) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٩.
(٤) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٩ - 215، والإرشاد ص 199 - 200.
(٩١)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، مدينة الكوفة (2)، هاني بن عروة (2)، علي بن أبي طالب (1)، الموت (3)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)
الخلافة بعد سني حكم معاوية التي أذلتهم وأرهقتهم واجتثت من نفوسهم كل نخوة وشرف ودين.
وما يعنينا أن الإمام الحسين وجد نفسه في كربلاء في مقابلة جيش الخلافة البالغ عدده ثلاثون ألف مقاتل.
المطلوب رأس الإمام ورؤوس أهل بيت النبوة عندما خرج الإمام الحسين من مكة متوجها إلي العراق بعد وصول الكتب والرسائل لم تعد دولة الخلافة مهتمة ببيعته أو بيعة الذين معه، فحتي لو أعطي الإمام الحسين البيعة " وهذا مستحيل " فإنها لن تقبل منه ذلك قبل أن تذله إذلالا لم يذله أحد قط، فالبيعة لا تعني دولة الخلافة إنما يعنيها بالدرجة الأولي والأخيرة قتل الحسين، وإبادة أهل بيت النبوة، إبادة تامة حتي يختفي خطرهم إلي الأبد!!
وقد عبر عبيد الله بن زياد عن ذلك خير تعبير، فقد كتب له عمر بن سعد رسالة جاء فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسول فسألته عما أمامه وما يطلب ويسأل، فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت فأما إذا كرهوني، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم ".
فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال:
الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص (1) فعبيد الله يعترف أن لدولة الخلافة مخالب كالوحوش تماما، وأن الحسين وأهل بيت النبوة قد وقعوا في مخالبها بالفعل، وأن هذه المخالب قد علقت به بالفعل، وأن نجاة الحسين بهذه الحالة مستحيلة، ومع هذا فإنه كتب إلي عمر بن سعد: " أما بعد فقد بلغني كتابه وفهمت ما ذكرت فاعرض علي الحسين أن يبايع
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٢ - ٢٧٠، وابن الأثير ص ١٩ - ٣٨، وابن كثير ج ٨ ص ١٧٢ - ١٩٨، والأخبار الطوال للدينوري ص ٢٥٣ - ٢٦١ وأنساب الأشراف ص ١٧٦ - 227، والإرشاد للمفيد ص 210 - 236، لتقف علي تفاصيل نزول الحسين ومفاوضاته مع عمر بن سعد.
(٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، القتل (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
ليزيد بن معاوية هو وأصحابه فإن فعل ذلك رأينا رأينا والسلام " فالبيعة لا تنهي المشكلة، ولا تضمن عودة الإمام الحسين، إنما يتبعها ما هو أمر من العلقم وذلك بأن يري ابن مرجانة رأيه في ابن محمد وأهل بيت النبوة!!!.
عودة لما كنا بصدده:
قلنا في الفصل الأول من هذا الباب أن القسم الأعظم والأكثر وقف مع الخليفة يزيد بن معاوية ضد الإمام الحسين. وقلنا إن هذا القسم مكون من بطون قريش ال 23 ومن والاها من العرب، وهي الفئة نفسها التي وقفت ضد النبي وقاومته وحاربته 23 عاما حتي أحيط بها، فاستسلمت وتظاهرت بالإسلام، وبإسلامها شكلت أكثرية الأمة الإسلامية، بالإضافة إلي المنافقين، والمرتزقة من الأعراب، وأبناء وعشائر وشيع الخمسة الذين سماهم عمر للشوري، بالإضافة إلي مسلمة الفتح الذين دخلوا في الإسلام علي يد جيش الخلفاء الفاتح، وخضعوا للبرامج التربوية والتعليمية التي وضعها الخلفاء وأولياؤهم.
حجتهم في ذلك أن يزيد بن معاوية هو الخليفة والمالك الفعلي لمقاليد الأمور، ومن بيده المال والجاه والنفوذ، وقيادة البلاد والعباد الفعلية، وبالتالي ما كان ينبغي علي الإمام الحسين الامتناع عن بيعته، أو الخروج عليه.
قال النووي في شرحه علي مسلم وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، " لا ينعزل الخليفة بالفسق، والظلم، وتعطيل الحدود، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه … " (1).
وقال أيضا: " وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقه ظالمين " (2).
قال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه التمهيد: " قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال،
(1) راجع صحيح مسلم شرح النووي ج 12 ص 229، وسنن البيهقي ج 8 ص 158 - 159.
(2) المصدر نفسه.
(٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، ابن مرجانة لعنه الله (1)، النفاق (1)، الجواز (1)، كتاب صحيح مسلم (1)
وضرب الأبدان، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه " (1).
وقد استندت هذه الفتاوي علي سلسلة من الأحاديث التي رواها أولياء الخلفاء ونسبوها إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
القرار النهائي:
بعد التداول والإثبات، وتقليب الأمور علي وجوهها المختلفة قرر " خليفة رسول الله " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أن يقتل الإمام الحسين ابن رسول الله، وأن يقتل آل محمد، وأهل بيت النبوة، وذوي قربي النبي، وأن يقتل معهم كل من والاهم ووقف معهم من المسلمين وقرر أن يمثل بهم أشنع التمثيل بعد القتل، وأن يقطع رؤوسهم لتحمل في البلاد، وليراها العباد، وقرر أيضا أن يبيح لجيشه الإسلامي أن ينهب أموالهم، بما فيه ملابس القتلي، وأن يسوق نساءهم حفايا وعلي الأقتاب من الكوفة إلي دمشق عاصمة ملكه السعيد، وقرر تكليف أركان دولة الخلافة بتنفيذ هذه القرارت في كربلاء بأسرع وقت ممكن، بجرم امتناعهم عن البيعة وخروجهم علي خليفة المسلمين!!!.
أركان دولة الخلافة ينفذون قرارات الخليفة حرفيا:
1 - فقد قتلوا الإمام الحسين أشنع قتلة، وقطعوا رأسه، وبعد قتله أخذوا سراويله، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته، وأخذ رجل سيفه وأخذ آخر نعليه …
ولا خلاف بين أحد من المؤرخين علي هذه الوقائع.
2 - قتلوا آل محمد، وأهل بيت النبوة، وذوي قربي النبي ولم ينج منهم إلا علي بن الحسين " زين العابدين " فقد كان مريضا، طريح الفراش ولا يقوي علي الحركة. والحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وعمرو بن الحسن بن
(1) راجع التمهيد باب " ذكر ما يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته ".
(٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (1)، الحسن بن علي بن أبي طالب (1)، قيس بن الأشعث (1)، علي بن الحسين (1)، دمشق (1)، القتل (9)
علي بن أبي طالب وكانا طفلين صغيرين ولم يشاهدهما القتلة ولم ينتبهوا لهما إلا بعد انتهاء المجزرة (1).
3 - وقتلوا كافة الذين وقفوا مع الحسين وأهل بيته من غير بني هاشم ولم ينج منهم إلا ثلاثة وبالصدفة وهم: عبد الله المشرقي (2) وعقبة بن سمعان (3) والمرقع بن ثمامة الأسدي (4).
4 - وقتلوا حتي الأطفال، فقد قتلوا الطفل علي بن الحسين (5) والطفل أبا بكر بن الحسين، وغلاما من آل الحسين، وطفلا للإمام الحسن (6).
5 - وقتلوا حتي النساء كأم وهب بن عبد (7).
6 - وانتهبوا كل شئ، قال أبو مخنف: " ومال الناس علي الدرس والحلل والإبل فانتهبوها، ومال وحال الناس علي نساء الحسين وثقله ومتاعه وإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتي تغلب عليه فيذهب بها منها " (8).
7 - وكان القتلة قبل قتل الجميع قد منعوا الماء عن الإمام الحسين ومن معه حيث كتب ابن زياد إلي عمر بن سعد أما بعد " فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة " (9)..
القرار النهائي للأكثرية الساحقة:
بطون قريش ال 23، والمنافقون، والمرتزقة من الأعراب، وأبناء وبطون
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٦٩ علي سبيل المثال.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ١٨ و ٤٤٤ و ٤٤٥.
(٣) الطبري ج ٥ و ٤٥٤..
(٤) المصدر نفسه.
(٥) مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٣٢، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٦٠، وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ١٨٨.
(٦) راجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٦٣ " غلامان من أهله ".
(٧) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٢٩ - ٤٣٠ و ٤٣٦ و ٤٣٨، وانظر الطريقة الوحشية التي قتلت فيها تلك السيدة.
(٨) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ١٣٦ للعسكري.
(٩) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ٨٤ نقلا عن الطبري.
(٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، علي بن الحسين (1)، بنو هاشم (1)، عقبة بن سمعان (1)، النّهب (1)، القتل (8)، كتاب تاريخ الطبري (5)، الخوارزمي (1)
وشيع الخمسة الذين رشحهم عمر للخلافة وسماهم أهل الشوري، والمسلمون الجدد الذين دخلوا بالإسلام علي يد جيش الخلفاء الفاتح أيدوا قرارات الخليفة يزيد بن معاوية، مثلما أيدوا تنفيذ أركان دولة الخلافة لهذه القرارات، وباركوا مذبحة كربلاء التي ارتكبها جيش الخلافة، وباركوا قتل الإمام الحسين وأهل بيته ونهب أموالهم وقتل أطفالهم وحرمانهم من الماء والتمثيل بهم بعد موتهم. وذلك لأن عقيدة هذه الأكثرية تحرم الخروج علي الخليفة، ولا تجوز عدم بيعته (1) إنهم وإن لم يصرحوا فهم ضمنيا يرون أن امتناع الإمام الحسين وذوي قرباه " غير جائز " ويرون أن خروجهم علي يزيد بن معاوية " حرام " (2) وفق المفهوم الديني لهذه الأكثرية. ذلك المفهوم الذي لم ينزل به الله سلطانا إنما هو من تعاليم مدارس الخلفاء!! الذين قصروا مهمة الدين علي أنه طريق ملك، ومنهج للمحافظة علي هذا الملك!!! تلك المدارس خصصت المنافقين للإفتاء والمرجعية وجعلتهم سادة، وخيرت آل محمد بين القبول بفتاوي ومرجعية المنافقين أو الموت فاختاروا الموت عن طيب خاطر.
والأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية كانت بين مؤيد ومنفذ، فجيوش الخلفاء مع الخليفة، بما فيه الجيش الذي نفذ مذبحة كربلاء!! ولم يدع أحد للآن أن تلك الجيوش ليست من الأمة الإسلامية والذين لم ينخرطوا بجيش الخليفة كان تحت السلاح فلو لزم الأمر لجندهم الخليفة كلهم فهم يتقاضون منه عطاءهم الشهري، ومن يوالي غيرهم أو يطع غيره فلا عطاء له. لم يأمره أحد بمعروف، ولم ينهه أحد عن منكر. لقد اعتبرت الأكثرية التي أشرنا إليها قتل ابن النبي وأهل بيت النبي ومن والاهم فتحا مبينا. إذ من يدلني علي رجل واحد من الأكثرية التي وقفت مع الخليفة، أنه قال له: هذا منكر يا أمير المؤمنين ما كان ينبغي لك قتل ابن النبي وإبادة أهل بيت النبوة لأي سبب!!.
كانت الأكثرية تبارك لأمير المؤمنين " بنصر الله والفتح "!!!.
(1) راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 229، وسنن البيهقي ج 8 ص 158 - 159، والتمهيد للباقلاني باب " ذكر ما يوجب خلع الإمام ".
(2) المصدر نفسه.
(٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، القتل (3)، الموت (1)، النفاق (2)، الجواز (1)، النفاذ، التنفيذ (1)، كتاب صحيح مسلم (1)
متي ندمت هذه الأكثرية؟ لقد ندمت فقط عندما ندم الخليفة!!! واكتشفت أنها أجرمت بحق الله وبحق رسوله، عندما اكتشف الخليفة فظاعة جرمه.
خرج علي بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق واستقبله المنهال بن عمرو الصحابي، فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ قال:
" أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، يا منهال، أمست العرب تفتخر علي العجم، بأن محمدا منهم، وأمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأن محمدا منها، وأمسينا أهل بيت محمد ونحن مغصوبون، مظلومون، مقهورون، مقتولون، مبتورون، مطرودون، فإنا لله وإنا إليه راجعون " (1) تماما كما فعلت الأكثرية الساحقة من مجتمع فرعون بموسي وبني إسرائيل، فعلت الأكثرية الساحقة من مجتمع يزيد بن معاوية بالحسين وأهل بيت النبوة!!!.
(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 247 - 249، ومقتل الخوارزمي ج 2 ص 69 - 71.
(٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن الحسين (1)، آل فرعون (1)، دمشق (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، الخوارزمي (1)

الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه

الفصل الثالث الأقلية التي وقفت مع الإمام الحسين (ع) أو تعاطفت معه ما من أمة من الأمم السابقة لأمة محمد إلا ووقفت أكثريتها الساحقة مع طاغيتها وضد نبيها، والأقلية القليلة من كل أمة من الأمم القبلية التي اختارت بمحض إرادتها أن تقف مع نبيها ولم يكن النبي محمد بدعا مع الرسل، إذ وقفت معه الأقلية القليلة، ووقفت ضده الأكثرية الساحقة من العرب، وحتي عندما فرض سلطانه علي العرب وحولهم من دين إلي دين وقبيل وفاته لمت الأكثرية شملها،، ووقفت ضده وهو علي فراش الموت وحالت بينه وبين كتابة ما أراد،!! كما بينا، بمعني إن مواقف الأكثرية والأقلية من كل أمة هي حالة من التواصل والامتداد الطبيعي لموقف الأكثرية والأقلية من كل أمة من الأمم السابقة، فالأكثرية تقف مع مصالحها المرتبطة بنظام المجتمع السائد في زمنها، والأقلية تقف دائما مع مبادئها، ويبدو واضحا أن موقف الأكثرية والأقلية ظاهرة من ظواهر الاجتماع البشري الثابتة، فأقدم الأمم أمة نوح، وأحدث الأمم أمة محمد، فكل أمة من الأمم الواقعة ما بين الأمة الأقدم والأحدث، وقفت أكثريتها مع الباطل أو ما نسميه: مصالحها، ووقفت أقليتها مع الحق أو ما نسميه: المبادئ. فأكثرية الأمة الإسلامية التي وقفت مع يزيد بن معاوية وأركان دولته حفظا لمصالحها هي امتداد وتواصل طبيعي لموقف الأكثرية من كل أمة من الأمم السابقة التي اختارت الوقوف إلي جانب طاغوتها ونظامه السائد ضد النبي أو المصلح الذي جاء لإنقاذها، والأقلية من الأمة الإسلامية التي اختارت الوقوف إلي جانب الإمام الحسين ضد يزيد بن معاوية وأركان دولته هي أيضا حالة من التواصل والامتداد الطبيعي لأقليات الأمم السابقة التي اختارت الوقوف مع أنبيائها ومبادئهم..
(٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (1)
التعتيم الرسمي:
السلطة - أي سلطة - بما فيها دولة الخلافة كانت وما تزال تملك السيطرة الكاملة علي وسائل الإعلام، وتملك سيطرة فعلية غير معلنة علي كتابة التاريخ، فهي التي تقدر عمليا ما ينبغي أن يكتب وما لا ينبغي، وما ينبغي أن ينشر ويعلم به العامة، وما لا ينبغي، فيبقي سرا ويظل العلم بتفاصيله حصرا علي السلطة وأركان دولتها، وكان إعلام الدول من القدرة بحيث أنه يستطيع أن يصور الأسود بصورة الأبيض!!! وأن يقدم الأسود بصورة الأبيض، وأن يبرز الباطل لرعايا الدولة علي أساس أنه الحق المبين، وأن يصور أركانه ودعاته علي أساس أنهم النماذج البشرية الفذة التي اختارتها قوي غيبية ومقدسة خاصة لقيادة المجتمع وتوجيهه،!!! مثلما كانت له القدرة علي تقديم الحق لرعايا الدولة بصورة الباطل الزهوق، وتقديم دعاته باحتقار بالغ وتصويرهم بصور الحثالة، أو الأراذل الذين خرجوا علي مجتمعهم الموحد، وحاولوا أن يشقوا صفوفه، وأن يفرقوا جمعه!! إنه إعلام قذر، مسلح بالكفر الصراح، لا يجد حرجا ولا غضاضة من استعمال أية وسيلة لإقناع الجميع بما خطط له وأراد، وغني عن البيان أن السلطة أو الدولة في كل أمة تملكها أو تدعي ملكيتها الأكثرية في هذه الأمة أو تلك، لذلك فإن إعلام كل دولة مسخر ليكون الناطق الرسمي باسم تلك الأكثرية. والتاريخ المكتوب لكل أمة ما هو إلا تسجيل لانتصاراتها وإنجازاتها، وقدرتها علي سحق الأقلية وازدرائها.
ومن هنا، وهذا هو السر في عدم معرفتنا بأشخاص الأقليات من كل أمة، وسيرهم الشخصية، وتفاصيل الموقف المشرف الذي اتخذه كل فرد من أفراد تلك الأقليات، لأن تاريخ الأمم وإعلامه، تعمد التعتيم علي كافة جوانب العز والعظمة التي تميز بها كل فرد من أفراد تلك الأقليات، لقد حول إعلام الدول عز الأقلية إلي هوان، وكبرياءها إلي ذل، وحصافتها إلي جنون!! وعزمها علي التغيير إلي عبث بوحدة المجتمع، ومحاولة لبعثرة جمعه!!.
(١٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (2)
أنباء الأقلية التي وقفت مع الإمام الحسين:
إن دولة الخلافة كانت تملك السيطرة الكاملة علي وسائل الإعلام، وعلي كتابة التاريخ وتوثيق ظاهراته وهذه الدولة كانت جماع مصالح الأكثرية، أو أن تلك الأكثرية كانت تتصور ذلك، أو أن تلك الأكثرية كانت المنتفع الرئيسي من دولة الخلافة، فبيد الخليفة وأركان دولته مفاتيح مال الدولة وجاهها ونفوذها، والولاء للخليفة ودولته أو التظاهر بهذا الولاء أو التطرف فيه هو الطريق الأوحد للحصول علي نصيب من مال الدولة وجاهها ونفوذها، لذلك ارتبطت مصالح الأكثرية مع مصلحة الدولة فصارت دولة نفعية، وصارت الأكثرية نفعية أيضا، وعمق الإحساس بالمصلحة المشتركة والنفعية أن الأكثرية المسلمة كانت هي الأكثرية المشركة التي قاومت النبي بكل وسائل المقاومة، وحاربته بكل فنون الحرب طوال 23 عاما حتي أحاط بها النبي فاضطرت للاستسلام، وأعلنت إسلامها مكرهة بالوقت الذي كانت تخفي فيه كامل قناعات الشرك!!! فصارت الأكثرية المشركة بالأمس هي الأكثرية المسلمة اليوم!! لقد تظاهر معسكر الشرك كله بالإسلام أو أعلن إسلامه، وبإسلامهم اختلت تركيبة المجتمع الإسلامي كله، وضاعت بهذا البحر البشري الأقلية المؤمنة التي وقفت مع الرسول وقفة رجل واحد وقامت علي أكتافها الدولة والأمة معا. وأصبحت الأقلية المؤمنة كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود علي حد تعبير معاوية بن أبي سفيان. لقد كان واضحا أن أي هزة في المجتمع الإسلامي ستقلب موازين القوي فيه رأسا علي عقب، وكان رسول الله هو الثقل الذي يحول دون رجفان الأرض من تحت أقدام الذين آمنوا علي حد تعبير البتول، فاطمة الزهراء، وكان واضحا بأن الأكثرية التي كانت مشركة بالأمس وأصبحت اليوم مسلمة قد أعادت ترتيب أوراقها، وقررت أن تستفيد من الدين الجديد، وأن تجعله طريق ملك، وأسلوبا للمحافظة علي هذا الملك. واستطاعت تلك الأكثرية أن تستخفي نفرا من الذين كانوا محسوبين علي النبي، وعلي القلة المؤمنة التي أخلصت له، وكان واضحا أن تلك الأكثرية والنفر الذين استخفتهم يقفون علي أهبة الاستعداد وينتظرون بفارغ الصبر موت النبي
(١٠١)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الصبر (1)، الشراكة، المشاركة (1)
للاستيلاء علي الخلافة من بعده، وليعيدوا ترتيب الأوراق من جديد، كان النبي علي علم بما يجري، ولما مرض أراد أن يوثق توجيهاته النهائية ويكتبها ليجنب الأمة الشر المستطير والعاصفة التي تنتظر موته، وانتبه النفر الذي استخفته الأكثرية، فداهموا بيت النبي وحالوا بينه وبين كتابة وتوثيق توجيهاته النهائية وقالوا له مواجهة: أنت تهجر ولا حاجة لنا بكتابك ولا بوصيتك لأن القرآن عندنا وهو يكفينا (1) ومات النبي الأعظم، كسير الخاطر، واستولت الأكثرية علي السلطة ولكن بقيادة رمز من المحسوبين علي رسول الله، وعهد الأول للثاني، وعهد الثاني للثالث وفي عهد الخليفة الثالث استولت الأكثرية علي السلطة، وصار الخليفة الثالث مجرد واجهة، وقبض الذين كانوا بالأمس من أشد أعداء الله ورسوله علي مقاليد الأمور، ثم جاء معاوية، وأنهي حكم الخليفة الرمز، وأعلن وبكل صلف عودة الملك لمعدنه علي حد تعبيره فصارت دولة الخلافة تماما بيد الأكثرية التي كانت بالأمس مشركة، وصارت اليوم مسلمة، وعادت القيادة لأبي سفيان وهو الرجل نفسه الذي قاد وأولاده جبهة الشرك طوال 23 سنة، وهكذا استردت الأكثرية كامل مواقعها التي خسرتها أثناء حربها مع الرسول ومات معاوية وانتقلت القيادة لابنه يزيد تماما كما انتقلت القيادة لأبي سفيان من أبيه أمية ولكن بالمراسيم الإسلامية.
هذه النقلات التكتيكية والإيدلوجية المتتابعة ألهمت إعلام دولة الخلافة إلهاما لم يحظ به إعلام من قبل، لقد أفرز إعلام دولة الخلافة من العجائب والغرائب ما لم يفرزه أي إعلام في التاريخ، فإذا كان إعلام دول الكفر كانت له القدرة علي تصوير الأسود بصورة الأبيض!! فقد كان لإعلام دولة الخلافة القدرة الكاملة علي تصوير الأسود بصورة كل الألوان!! وإظهار الباطل بمظهر الحق،
(١) راجع صحيح البخاري ج ١ ص ٣٧ و ج ٢ ص ١٦ و ج ٤ ص ٣١ و ج ٥ ص ٧٥ و ج ٧ ص ٩ و ج ١١ ص ٩٥ (بشرح النووي)، ومسند الإمام أحمد ج ١ ص ٣٥٥ و ج ٤ ص ٣٥٦ ح ٢٩٩٢، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص ٢١، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٦٢، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٨٧ وكتابنا المواجهة مع رسول الله وآله ص 306 لتجد عشرات المراجع وتحليلنا العلمي.
(١٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عثمان بن عفان (2)، القرآن الكريم (1)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (1)، المرض (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)
وحفز الأكثرية علي القتال دفاعا عنه، مثلما كانت له القدرة، علي تصوير الحق بصورة الباطل المذموم وحفز الأكثرية علي القتال بالسلاح الأبيض دفاعا عنه، وارتكاب المجازر والمذابح قربانا إليه، وكانت له القدرة الفائقة علي تقديم المجرمين العتاة بصورة أولياء الأتقياء، الأنقياء، الذين يثخنون في الأرض لتوطيد حكم الله، مثلما كانت له القدرة علي تصوير أولياء الله الذين اختارهم الله ورسوله لقيادة الأمة وتوجيهها بصورة المجرمين الشاقين للطاعة والمفرقين للجمعة والجماعة!! مثلما كانت له القدرة علي تصوير المخازي المخجلة بصورة المغازي!!.
نماذج من إعلام دولة خلافة يزيد:
تمت مذبحة كربلاء بالصورة المرعبة الرهيبة التي أمر بها الخليفة يزيد بن معاوية ونفذها جيشه بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتحت الإشراف المباشر لواليه علي العراق عبيد الله بن زياد، وساق الجيش " الإسلامي " بنات النبي وحريم آل محمد أساري وحمل معه الغنائم التي سلبها من الشهداء ومن جملتها الملابس والأحذية التي نهبوها من الشهداء وهم أموات (1) ورفعوا فوق رؤوس رماحها رؤوس الشهداء التي قطعوها بعد قتلهم، ودخلوا الكوفة دخول المنتصرين ونادي رسول ابن زياد: " الصلاة جامعة، الصلاة جامعة " فاجتمع الناس في المسجد الأعظم، وصعد ابن زياد المنبر وارتجل الكلمة التالية: " الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته " (2) فأنت تري أن يزيد بن معاوية الذي لعنه رسول الله بالاسم والوصف، ولعن أباه وجده بالاسم والوصف - كما وثقنا - صار بقدرة قادر يمثل الحق وأهله، وبقدرة قادر صار ابن النبي، وسبطه وريحانته وسيد شباب أهل الجنة وإمام الأمة بالنص الحسين بن علي صار كذابا!! وصار أبوه الإمام، والولي
(١) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ١٣٦ (نقلها عن الطبري)، واللهوف ص ٧٣، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٣٨ وص ١٠٣، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢، والمناقب ج 2 ص 224.
(2) راجع تاريخ ابن الأثير ج 1 ص 34، وروي ذلك الطبري عن حميد بن مسلم.
(١٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، رؤوس الشهداء (1)، الحسين بن علي (2)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (4)، الشهادة (2)، الصّلاة (2)، الغنيمة (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، إبن الأثير (1)، حميد بن مسلم (1)، الخوارزمي (1)
لكل مؤمن ومؤمنة، ومن قاتل والد يزيد وجده وقتلهم علي الإسلام صار كذابا!!
لست أدري من يصدق الطغام!! هل يصدقون رسول الله!! أم يصدقون عدو الله!!
إن ما يعنينا بالدرجة الأولي هو قدرة إعلام دولة الخلافة علي قلب الحقائق رأسا علي عقب!! بصورة لم يعرف التاريخ البشري لها مثيلا!!.
عندما تمت مذبحة كربلاء أقبل زحر بن قيس حتي دخل علي يزيد بن معاوية فقال له يزيد الذي كان يترقب أنباء مذبحة كربلاء بلهفة: ويلك ما وراءك وما عندك؟ فقال زحر: " أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين ابن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته، فأحطنا بهم من كل ناحية حتي أتينا علي آخرهم … " (1).
فزحر هذا يسمي قتل آل محمد وأهل بيت النبوة، وذوي قربي النبي نصر الله والفتح!!!! فالقوم يستعملون المصطلح نفسه الذي استعمله القرآن الكريم عند فتح مكة.
وعندما أقبل موكب رؤوس الشهداء، وبنات الرسول الأساري شاهده الخليفة، فقال علي الفور:
نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح * فلقد قضيت من الغريم ديوني (2) ولما وضعت رؤوس الشهداء بين يدي الخليفة تمثل بأبيات ابن الزبعري التي افتخر فيها بانتصار المشركين علي المسلمين في أحد، واستيفاء ثأرهم عن قتلاهم في بدر:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل قد قتلنا القوم من سادتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل (3)
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٩ - ٤٦٠.
(٢) راجع تذكرة الخواص لابن الجوزي ج ٢ ص ١٤٨.
(٣) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٤١، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص 120، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 148 وتاريخ ابن كثير ج 8 ص 204.
(١٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، القرآن الكريم (1)، رؤوس الشهداء (2)، القتل (4)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص: " المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنه لما حضر الرأس بين يديه، جمع أهل الشام وأخذ ينكث عليه بالخيزران ويقول أبيات ابن الزبعري "!!!.
ومعني هذا بكل وضوح أن " خليفة رسول الله " ينتقم من الرسول ويثأر منه جزاء وفاقا لقتله أشياخ يزيد في بدر!!! قال ابن أعثم: ثم زاد عليها يزيد:
لست من عتبة إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل وقال الشعبي: وزاد عليها يزيد:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل وهذا يعني أننا أمام مشرك وكافر ولكنه يرتدي الزي الإسلامي للمحافظة علي ملكه!!، هذا الذي يعمل هذه الأفعال؛ يزعم بأنه " خليفة رسول الله " إنه إعلام دولة الخلافة الذي لم يشهد التاريخ إعلاما بقدرته علي قلب الحقائق!! وفي تاريخ الطبري أن يزيد بن معاوية، قال لعلي بن الحسين: " أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت "!!! فكانت قيادة الأمة حقا خالصا لأبي سفيان، ولمعاوية وليزيد!!!. وهو يردد هذه المزاعم أمام ابن النبي وحفيد علي الذي قاتل أباه وجده وقتل أشياخه في بدر علي الشرك!! إنها تجارة قلب الحقائق.
الجرائم قربان من الله:
عندما انتهي مسلم بن عقبة من مذبحة المدينة، التي تحدثنا عنها سابقا قال: " اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أحب إلي ولا أرجي عندي في الآخرة " (1) وفي لفظ ابن كثير: " أحب إلي من قتل أهل المدينة وأجزي عندي في الآخرة، وإن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي ثم مات " (2).
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٧ ص ١٤، وابن الأثير ج 2 ص 49، وابن كثير ج 8 ص 295.
(2) راجع تاريخ ابن كثير ج 8 ص 215.
(١٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، علي بن الحسين (1)، الشام (1)، الإنتقام،النقمة (1)، القتل (4)، الموت (1)، الشهادة (2)، التجارة (1)، إبن الأثير (1)
وفي تاريخ اليعقوبي أنه قال: " اللهم إن عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد ابن معاوية، وقتل أهل الحرة فإني إذا لشقي " (1).
وفي كتاب الفتوح لابن أعثم أنه قال: " اللهم إني لا أعمل عملا أرجو به النجاة إلا ما فعلت بأهل المدينة " (2)!!!.
نحن أمام إعلام مجنون ومفترس، امتهن قلب الحقائق، ففاق بقدرته حد التصور والتصديق.
ففي الوقت نفسه الذي يقوم فيه جيش الخليفة بهدم الكعبة علي رؤوس المسلمين وإحراقها، وبالوقت الذي يقتل فيه المسلمين وبالآلاف يوميا، فإن هذا الجيش يتلطف حتي لا يقتل حمام الحرم!!!!!! (3) هذه هي طبيعة الجيش الذي ارتكب مذبحة كربلاء، وتلك هي طبيعة الإعلام الذي غطي المذبحة!!!!.
نموذج أخير من إعلام دولة الخلافة:
عندما وضع رأس الإمام الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد أخذ العبد ينكث بقضيب خيزران ثنايا الحسين، فقال له زيد بن أرقم العماني، الجليل، المعروف:
أعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله علي هاتين الشفتين، يقبلهما، ثم انفجر الصحابي بالبكاء فغضب ابن زياد وقال: أبكي الله عينيك، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك (4).
فالأمر بالمعروف جريمة، والنهي عن المنكر جريمة، والتذكير برسول الله جريمة أيضا تستوجب القتل، هذه الصالحات برهان قاطع علي الخرف وذهاب
(١) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٥١.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٣٠١.
(٣) تاريخ الطبري ج ٧ ص ١٦ - ١٧ في ذكر حوادث سنة ٦٥.
(٤) راجع معالم المدرستين للعسكري ج ٣ ص ١٤٩ كما رواها عن الطبري، وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١١٨، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٢ والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 90، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 6 ص 195، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 340.
(١٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، النهي عن المنكر (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، زيد بن أرقم (1)، القتل (4)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
العقل!!! تلك هي عبقرية إعلام دولة الخلافة!! وهذا سر عجائبه.
رأينا نماذج من الأفعال الهمجية والتي تعتبر جرائم بشعة، وفق معايير كل الشرائع الأهلية والوضعية يستحق فعلتها المجرمون المقت والخزي والموت وسخط الخالق والمخلوق معا، ومن المثير للدهشة إن إعلام دولة الخلافة يعتبر هذه الأفعال بطولات وقربات إلي الله، ويعتبر المجرمين الذين ارتكبوها أبطالا ومجتهدين لهم الأجر عليها!! فبسر بن أرطأة من عتاة المجرمين ويقال إنه صحابي، وبما أنه صحابي فهو مجتهد ومأجور علي كل جرائمه حسب إعلام دولة الخلافة، قال ابن تيمية في رده علي المثالب: " وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر " (1) وقال ابن حجر في ترجمة أبي الغادية:
" والظن بالصحابة في كل تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين وللمجتهد المخطئ أجر … " (2) وقال ابن حزم في " المحلي "، وابن التركماني في " الجوهر النقي " واللفظ للأول: ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل علي بن أبي طالب إلا متأولا مجتهدا مقدرا أنه علي صواب (3)، فقاتل علي بن أبي طالب مجتهد مأجور أجرا واحدا!!!! وحتي يزيد بن معاوية صار بقدرة إعلام دولة الخلافة " ذاك إمام مجتهد " (4) والخلاصة فإن كل المجرمين العتاة الذين نكلوا بأمة محمد مجتهدون، مأجورون أجرا واحدا علي جرائمهم البشعة!! هذه هي طبيعة إعلام دولة الخلافة وتلك عجائبه، وحتي يزول العجب ألبسوا إعلامهم جبة الدين. أما ضحايا الحرة وكربلاء ورفاق حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق، فهم نكرات لا يلتفت إليهم إعلام دولة الخلافة، لأنهم خانوا الأكثرية، وخرجوا من صفوف الجماعة!!!!.
(١) منهاج السنة ج ٣ ص ١٩.
(٢) راجع الإصابة ج ٤ ص ١٥١.
(٣) راجع ابن حزم في المحلي ج ١٠ ص ٤٨٤، والجوهر النقي بذيل سنن البيهقي ج 8 ص 58 - 59.
(4) راجع معالم المدرستين للعسكري ج 2 ص 75 كما نقلها عن أبي الخير الشافعي المتوفي سنة 590 ه.
(١٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، حجر بن عدي الكندي (1)، علي بن أبي طالب (2)، ابن تيمية (1)، عمرو بن الحمق (1)، القتل (1)، الجماعة (1)، الوفاة (1)
بهذه الصورة من المناخ الإعلامي لدولة الخلافة سنحاول أن نتعرف علي الأقلية التي وقفت مع الإمام الحسين فكما تجاهلت الأكثرية الفاسدة من كل أمة من أمم الأرض التي كذبت أنبياءها الأقلية المؤمنة تجاهلا إعلاميا كاملا، فلم تعن بأشخاصهم، ولا بقدراتهم المميزة، ولا بسيرهم العطرة، بل تجاهلتهم تجاهلا كاملا واعتبرتهم كأوراق شجرة تتساقط بالخريف!!.
كذلك فعلت الأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية إذ تجاهلت الأقلية المؤمنة التي وقفت مع الإمام الحسين وأهل بيت النبوة وقفة عز وشرف، قاتلت بين يديه، لم يضيع إعلام دولة الخلافة وقته، ولم يبعثر جهده لإعطاء الأجيال لمحة عن تلك الشخصيات البارزة التي اختارت الآخرة علي الدنيا، والموت بشرف علي الحياة الذليلة تحت حكم الطغاة الظالمين!! تجاهلهم إعلام دولة الخلافة بالوقت الذي أعطي فيه الكثير من اهتمامه لتغطية كفاح أبي سفيان وأولاده ضد النبي وضد الإسلام طوال 23 عاما من المواجهة بين جبهة الشرك التي كان يقودها أبو سفيان وأولاده وبين جبهة الإيمان التي كان يقودها محمد وآله!!!.
الأقلية التي أيدت ثورة الإمام الحسين:
الأقلية المؤمنة التي أيدت ثورة الإمام الحسين تنقسم إلي فئتين أيضا:
الفئة الأولي: وهي الفئة التي خرجت مع الإمام الحسين، فرافقته دربه وشاطرته قناعاته وتحليلاته، وأيدت موقفه، ونالت شرف الدفاع عنه، وقاتلت بكل قواها حتي قتلت بين يديه، وهم بتعبير أدق شهداء مذبحة كربلاء ومن نجا منهم بعذر شرعي.
الفئة الثانية: وهم فئة مؤمنة، أحبوا الإمام الحسين بالفعل وتفهموا شرعية وعدالة موقفه، ولكنه قدروا أن الحسين ومن معه لا طاقة لهم بمواجهة الخليفة وأركان دولته والأكثرية التي تؤيده، وقد اكتفت هذه الفئة بالتعاطف القلبي مع الإمام الحسين، وتصعيد خالص الدعاء لله لحفظه وسلامته، وتابعت أنباءه بشغف بالغ، ولكنها فضلت حياتها علي الوقوف معه ومناصرته، ولما استشهد الإمام
(١٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، الكذب، التكذيب (1)، الظلم (1)، الشهادة (2)
الحسين بكت هذه الفئة عليه بصدق وحرقة، وندمت علي موقفها وتمنت لو ماتت دونه، بعد أن تيقنت أن الإمام الشرعي قد قتل، وأن قمر العز والأمل قد اختفي نهائيا من سماء العالم الإسلامي!!!
وأفراد هذه الفئة كلهم من ذرية أبي طالب وهو الذي كفل النبي يتيما، ورباه صغيرا، ونصره كبيرا، ووقف معه وقفة عز وبطولة، ولم يتخل عنه حتي الموت، وبالوقت الذي فيه تخلي عن النبي كل الناس، ورمته بطون قريش كلها بسهم واحد وقف معه أبو طالب وأولاده وقال للنبي: " يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلي ربك فأعلمنا حتي نخرج معك بالسلاح " (1) وقد عبر النبي عن عرفانه وامتنانه لأبي طالب وأولاده يوم مات أبو طالب، فقال النبي، والحزن يملأ قلبه الشريف:
" يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، ونصرت كبيرا، فجزاك الله عني خيرا " (2) واعتبر رسول الله أن موت أبي طالب مصيبة أصابت الأمة الإسلامية، وسمي العام الذي مات فيه أبو طالب بعام الحزن (3) لقد وقفت عائلة أبي طالب مع النبي ولم تتخل عنه حتي الأم أو زوجة أبي طالب وقفت مع النبي وقفة عز وشرف، فقد كانت بمثابة الأم لرسول الله. الأم الحقيقية أحبت الرسول أكثر من أولادها، وعبر الرسول عن عميق عرفانه لها يوم ماتت فقال: " اليوم ماتت أمي، إنها كانت أمي، إنها كانت لتجيع صبيانها وتشبعني، وتشعثهم وتدهنني، وكانت أمي " (4).
وباختصار كما تفردت عائلة أبي طالب الرجل والمرأة والأولاد بالوقوف مجتمعين مع النبي في أيام المحنة يوم رمي العرب النبي بسهم واحد كذلك انفرد أحفاد أبي طالب وأحفاد المرأة الصالحة زوجته بالوقوف وقفة رجل واحد مع ابن النبي الإمام الحسين يوم رمته الأكثرية الساحقة من الأمة " الإسلامية " بسهم واحد، وهذا شرف لم تنله أية جماعة مسلمة، لقد كان أحفاد أبي طالب الذين وقفوا مع الإمام الحسين جماعة، وكان عددهم عشرين علي الأقل، قتل منهم بين يديه
(١) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٧.
(2) المصدر نفسه ج 2 ص 36.
(3) المصدر نفسه ج 2 ص 35.
(4) المصدر نفسه ج 2 ص 14.
(١٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: العزّة (1)، الزوجة (1)، القتل (2)، الموت (3)، البكاء (1)، الحزن (1)، الزوج، الزواج (1)
سبعة عشر فتي من خيرة فتية الأرض (1) كما أجمع علي ذلك الطبري في تاريخه وأبو الفرج الأصفهاني في " مقاتل الطالبيين " والخوارزمي في " مقتل الحسين "، والشيخ المفيد في " الإرشاد ".
1 - فأحفاد أبي طالب هم الجماعة الوحيدة التي وقفت مع الإمام الحسين من بين جماعات الأمة الإسلامية كلها.
2 - نعم، لقد جرت محاولة لجذب جماعة إسلامية أخري ولكنها لم تنجح، وملخص ذلك أن حبيب بن مظاهر أحد أنصار الحسين قال للحسين: " يا ابن رسول الله‌ها هنا حي من بني أسد بالقرب مني أتأذن لي أن أدعوهم إلي نصرتك! فقال الحسين: أذنت لك، فذهب حبيب ونجح بجمع تسعين رجلا ولما علم عمر بن سعد بذلك أرسل قرابة 400 فارس لملاقاتهم والحيلولة دون وصولهم إلي معسكر الحسين، وأدرك بنو أسد أنه لا طاقة لها بالقوم، فانهزم التسعون (2).
3 - جماعة من الأنصار: المعلومات القليلة المتوفرة لدي تشير أن جماعة من الأنصار عددهم خمسة وقفت مع الإمام الحسين وهم: جنادة بن الحارث الأنصاري (3)، وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي (4)، وعمرو بن جنادة ابن الحارث الأنصاري (5)، وعمر بن فرضة بن كعب الأنصاري (6)، ونعيم بن عجلان الأنصاري (7) ولكن يبدو واضحا أنهم لم يقفوا مع الحسين كجماعة، ولم يلتحقوا به كجماعة تمثل الأنصار إنما انطلقوا كأفراد، وعلي أي
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٩ - ٤٦٠ وكتاب الشيخ محمد مهدي شمس الدين القيم (أنصار الحسين).
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٠٠، وفتوح الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٦، والعوالم ج ١٧ ص ٢٣٧ وموسوعة كلمات الإمام الحسين ص ٣٨٤.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٠٤، والخوارزمي ج ٢ ص ٢١، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٨.
(٤) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٢٣، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ١، واللهوف لابن طاووس ص ٤٠.
(٥) المناقب ج ٤ ص ١٠٤، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٢١، والبحار ج ٤٥ ص ٢٨.
(٦) الطبري ج ٥ ص ٤١٣، والمناقب ج ٤ ص ١٠٥، والبحار ج ٤٥ ص ٢٣، والخوارزمي ج ٤ ص ٢٣.
(٧) المناقب ج 4 ص 113.
(١١٠)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، جنادة بن الحارث (1)، نعيم بن عجلان (1)، بنو أسد (2)، الخوارزمي (4)، الجماعة (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
حال فإن هذه الأقلية من الأنصار إنما كانت من قبيل الامتداد الطبيعي للأقلية التي وقفت مع الإمام علي بعد موت النبي، واتحاد بطون قريش ال 23 ضده.
4 - وجماعة من قوم أبي ذر الغفاري وعددهم أربعة وهم: جون مولي أبي ذر الغفاري (1)، وعبد الرحمن بن عروة الغفاري (2)، وعبد الرحمن بن عزرة بن حران الغفاري (3)، وكان جده حران من أصحاب أمير المؤمنين علي وعبد الله بن عزرة بن حران الغفاري، قرة بن أبي قرة الغفاري (4) وهذه النخبة من قوم أبي ذر الغفاري جديرة بهذا الموقف، فقد عرفوا حق النبي، وحق الولي من بعده، وحق الإمام الحسين من بعد أبيه، وموقفهم هذا حالة من التواصل والامتداد لموقف الصحابي المؤمن أبي ذر الغفاري.
النخبة والصفوة:
بينا قبل قليل أن الجماعات التي وقفت مع الإمام الحسين محصورة " 1 - بأحفاد أبي طالب، 2 - بخمسة من الأنصار، 3 - بأربعة من قوم أبي ذر الغفاري ".
أما بقية الذين وقفوا مع الإمام الحسين، وقاتلوا بين يديه حتي قتلوا، فهم مجرد أفراد، أو نخبة أو صفوة، من العرب والموالي، ومن عرب الشمال وعرب الجنوب، ومن الشيوخ والشبان حللوا واقعهم تحليلا دقيقا، وأيقنوا أن الإمام الحسين علي الحق المبين، وأيقنوا أنه من العار وفق مقاييسهم الصادقة النقية أن يتركوا الإمام الحسين وحده، وتوصلوا إلي ذات النتيجة التي توصل لها الإمام الحسين وهي أن الموت خير من حياة الذل تحت حكم الظالمين، فشمروا عن سواعدهم، ووقفوا مع الإمام الحسين، ولاحقوا الموت كلما فر منهم، حتي
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٢ و ج ٢ ص ١٩، وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٢٠، والمناقب ج ٤ ص ١٠٣.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٩٢، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٨.
(٣) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٤٢، والبحار ج ٤٥ ص ٢١ و ٢٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٣.
(٤) راجع المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 102، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 3 ص 18، والبحار ج 45 ص 23.
(١١١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، أبوذر الغفاري (2)، قرة بن أبي قرة (1)، الظلم (1)، القتل (2)، الموت (2)، الجماعة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (4)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
إذا بدأت المعركة، وأمرهم الإمام الحسين بالقتال قاتلوا بشجاعة تفوق حد التصور والوصف حتي قتلوا عن بكرة أبيهم بين يديه دفاعا عنه وعن أهل بيته.
ونحن لا نعلم الكثير عن السيرة الشخصية لكل واحد منهم، لكن العقل والنقل والوجدان يشير إلي أنهم نخبة، وصفوة، وقلة مؤمنة، لا يدانيها بالعظمة والإيمان إلا شهداء بدر، وقد وصفهم أحد قادة جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص في معرض نهيه عن قتال المبارزة قائلا لجنوده: " ويلكم يا حمقاء مهلا أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين " (1).
فهذه شهادة من عدوهم، فهو يشهد أن النخبة التي وقفت مع الإمام الحسين هم فرسان البلاد، وكانت الفروسية أعظم مفاخر ذلك العصر، ويشهد أيضا بأن النخبة التي قاتلت مع الحسين هم أهل البصائر في البلاد، وأهل البصائر:
مصطلح يطلق علي من بلغوا قمة الوعي والثقافة الإنسانية، أي أنهم الحكمة، ويشهد عدوهم بأنهم مستميتون أي يقاتلون قتال من يريد الموت، ولا يقاتل مثل هذا القتال إلا الصفوة التي امتحن الله قلوب أفرادها للإيمان والمحسنون الذين يعبدون الله كأنهم يرونه، ويشتاقون للموت طمعا بالجنة ورضوان الله. إنهم نماذج بشرية فريدة من نوعها، عاشوا حياتهم بشرف وعز وتركوها بقمة العز والشرف.
ولولاهم لكلل جبين الأمة الإسلامية أمام الأمم بالخزي والعار، ولقالت الأمم:
أية أمة تلك الأمة التي يقتل ابن نبيها وآله الذين يذكرونهم في صلاتهم ولم ينصره أحد من أفرادها!!!
القلة التي تعاطفت مع الإمام الحسين ولكنها لم تقف معه!!:
بينا أن القلة أو الأقلية من الأمة الإسلامية التي أيدت الإمام الحسين فئتان:
إحداهما وقفت وقفة عز مع الحسين، فقاتلت معه ودونه حتي قتلت عن بكرة أبيها، دفاعا عنه وعن آل محمد وأهل بيت النبوة، وثانيهما تعاطفت معه، وتمنت نصره، ولكنه قعدت عن نصرته، ومع هذا فقد تأثرت تأثرا بالغا لما تناهت إلي
(1) راجع الطبري ج 5 ص 435.
(١١٢)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، العزّة (1)، الموت (2)، القتل (7)، الشهادة (3)، العصر (بعد الظهر) (1)
أسماعها أنباء مذبحة كربلاء وبكت علي الشهداء بكاء مرا.
جماعات هذه القلة:
أولا: الهاشميون:
أ - الرجال الهاشميون: عندما خرج الإمام الحسين أو أخرج لم يطلب من الهاشميين أن يخرجوا معه، لكنه لما عزم الخروج كتب كتابا إلي بني هاشم، هذا نصه: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين ابن علي بن أبي طالب إلي بني هاشم أما بعد: فمن لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح، والسلام " (1).
فالإمام الحسين وضعهم أمام الواقع والمحتمل، وخيرهم بين الالتحاق به وإدراك الشهادة، وبين التربص علي نفس الحالة. لم يقل الرسول للهاشميين قاتلوا معي، أو أخرجوا معي عندما هاجر، أو احموني من بطون قريش ال 23 إنما أخذ أبو طالب المبادرة وجمع الهاشميين والمطلبيين وتولوا حمايته من تلقاء أنفسهم، ووجه الإمام عليا وجعفرا أخاه إلي حيث أراد لأنهم وضعوا أنفسهم تحت تصرفه وكلف عليا وحمزة وعبيد الله بالخروج للمبارزة لأنهم وضعوا أنفسهم تحت تصرفه، لماذا عسي (الإمام الحسين) أن يقول للهاشميين؟ هل يقول لهم أخرجوا معي؟ وماذا يكون الموقف لو رفضوا الخروج معه بعد دعوتهم للخروج!! إن في ذلك إحراجا له ولهم وإحراجا له ولهم أمام العرب والشامتين من بطون قريش ال 23، وسيكون قول الإمام وتكليفه لهم بالخروج حجة عليهم يوم القيامة!! لقد قال الحسين في رسالته التي وجهها إلي بني هاشم ما ينبغي أن يقال بلا زيادة ولا نقصان!!.
لم يخرج مع الحسين من بني هاشم إلا ذرية أبي طالب، ولم يخرج معه أي شخص من ذرية أعمام النبي الثمانية، ولا أي شخص من ذرية أي هاشمي إلا
(١) راجع بصائر الدرجات ص ٤٨١ حديث ٥، واللهوف ص ٢٨، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٧٦، ومثير الأحزان ص ٣٩، وبحار الأنوار ج ٤٢ ص ٨١ (حديث 12)، و ج 44 ص 330، و ج 45 ص 84، والعوالم ج 17 ص 179 وموسوعة كلمات الإمام الحسين ص 296.
(١١٣)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يوم القيامة (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (4)، البكاء (1)، الشهادة (3)، الحج (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، ابن شهرآشوب (1)
أحفاد أبي طالب!!! لقد اختار الهاشميون البقاء في المدينة!!.
محمد بن الحنفية:
لما عرف محمد بن الحنفية أن الإمام الحسين سيخرج من المدينة فرارا بموقفه ودينه وأهله ذهب إلي منزل الإمام وقال له: " يا أخي أنت أحب الخلق إلي، وأعزهم علي، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق وليس أحد أحق بها منك لأنك … وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة … الخ. ونصحه بأن يذهب إلي اليمن أو يلتحق بالرمال وشعب الجبال، ويجتاز من بلد إلي بلد حتي ينظر ما يؤول إليه أمر الناس..
فقال له الإمام الحسين: " يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية " وأنهي الإمام الحسين الحديث معه قائلا: " يا أخي جزاك الله خيرا، لقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم علي الخروج إلي مكة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت فلا عليك أن تقيم في المدينة، فتكون لي عينا عليهم لا تخف عني شيئا من أمورهم " (1).
وصية الإمام الحسين لمحمد بن الحنفية:
" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلي أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيه، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي " ص " أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولي بالحق، ومن رد علي هذا
(١) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٣، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٨، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٩، والعوالم ج ١٧ ص ١٧٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ١٨٨.
(١١٤)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (3)، مدينة مكة المكرمة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (2)، البعث، الإنبعاث (1)، القبر (1)، الشهادة (1)، الوصية (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)
أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب " ثم طوي الحسين الكتاب ودفعه إلي أخيه محمد (1).
ويبدو أن الإمام الحسين قد أدركت بأن أخاه غير مقتنع بخروجه وأنه محب ومشفق وناصح بالفعل، فلم يطلب منه الخروج معه بغير قناعة، فأذن له أن يبقي في المدينة، طالما أنه علي طاعة الإمام وولايته، ولأنه الوحيد المتبقي من ذرية أبي طالب، وبالضرورة سيسأله المسلمون عن الحسين، لذلك ترك له تلك الوصية ليطلع الناس عليها وهي جامعة لأسباب خروجه، ونحن نميل إلي القناعة التامة بأن الإمام الحسين لو كلف محمد بن الحنفية بالخروج لخرج معه، ولكن الحسين يريد من رأيه علي رأيه وأمره علي أمره (2).
ثانيا: العباسيون:
كان العباسيون كثرة وعلي رأسهم عبد الله بن عباس ولكن لم يخرج منهم أحد. لقد وقف العباس مع علي بعد موت النبي وقفة عز وشرف، ورفض إغراءات دولة الخلافة بأن يجعلوا له ولعقبه شيئا من الأمر مقابل أن يتخلي عن الإمام علي (3)، ولكنه رفض العرض بإباء وبقي إلي جانب الإمام علي حتي انتقل إلي جوار ربه، وبعد موت العباس وقف عبد الله بن العباس إلي جانب الإمام علي، فولاه الإمام البصرة، ولما آلت الأمور إلي الإمام الحسن كلف عبيد الله بن العباس بإمارة جيش أعده علي عجل لمحاربة معاوية وبعد مفاوضات سرية بين رسل معاوية وعبيد الله بن العباس، التحق بمعاوية مقابل مبلغ من المال، واستمال
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٣٤، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٨، والبحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٣٢٩ وهي بلفظه، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٨٩، والعوالم ج ١٧ ص ١٧٩.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٣، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٨، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٩، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨.
(٣) راجع علي سبيل المثال الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١٥ والنص في كتاب السقيفة للجوهري كما رواها ابن أبي الحديد، راجع معالم المدرستين للعسكري ج 1 ص 124.
(١١٥)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (2)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، عبيد الله بن العباس (1)، مدينة البصرة (1)، القناعة (1)، الرفض (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب السقيفة للجوهري (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، ابن شهرآشوب (1)
معه أكثر من ثلث جيش الإمام (1) وفيما قرر الإمام الحسين عليه السلام الخروج إلي العراق أخبر بذلك عبد الله بن عباس لكنه نصحه أن يبقي في الحجاز، وأن لا يذهب إلي العراق، وإن كان لا بد من ترك الحجاز فليذهب إلي اليمن، ونصحه أن لا يسير بنسائه وصبيته فشكره الإمام الحسين، ولم يأخذ بنصائحه (2). ويبالغ الاختصار فإنه لم يخرج مع الحسين إلا أحفاد أبي طالب، أما بقية بني هاشم فقد كانوا من المتعاطفين!!.
ب - نساء بني هاشم:
لما علمت نساء بني عبد المطلب بعزم الإمام علي المسير والخروج اجتمعن للنياحة، ومشي الحسين إليهن وناشدهن الله علي أن لا يفعلن ذلك، فقلن له: فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا (يوم خروجك) كيوم مات رسول الله، وعلي، وفاطمة، ورقية، وزينب، وأم كلثوم فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت فيا حبيب الأبرار من أهل القبور (3).
وجاءته عمته أم هانئ فهش لها وبش وسألها عن سبب قدومها، فقالت:
وكيف لا آتي، وقد بلغني أن كفيل الأرامل ذاهب عني، ثم انتحبت باكية، ثم قالت: سيدي وأنا متطيرة عليك من المسير لهاتف سمعت البارحة يقول:
وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت حبيب رسول الله لم يك فاحشا * أبانت مصيبتك الأنوف وجلت فقال لها الحسين: يا عمة لا تقولي من قريش، ولكن قولي: " أذل رقاب المسلمين فذلت "، ثم قال: يا عمة كل الذي مقدر فهو كائن لا محالة.
فخرجت أم هانئ من عنده وهي باكية وتقول:
وما أم هانئ وحدها ساء حالها * خروج حسين عن مدينة جده
(١) راجع سيرة الرسول وأهل بيته ج ٢ ص ٣٠ لمؤسسة البلاغ، والفتنة الكبري لطه حسين، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٦١، والإرشاد للشيخ المفيد ص ١٨٩، وكتابنا المواجهة ص ٦٣٢ - ٦٣٥.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٦ - ٢١٧ وابن الأثير ج ٤ ص ١٦ والأخبار الطوال ص ٢٤.
(٣) راجع بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨، ومقتل الحسين للمقرم ص 152.
(١١٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، يوم عاشوراء (1)، عبد الله بن عباس (1)، دولة العراق (2)، بنو هاشم (2)، الموت (1)، القبر (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، إبن الأثير (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
ولكنما القبر الشريف ومن به * ومنبره يبكون من أجل فقده (1) ولا أخال نساء بني عبد المطلب يرفضن دعوة الإمام الحسين لو دعاهن للخروج معه، ولا أخاله يدعوهن لذلك.
ومن المؤكد أن خروج الإمام الحسين، قد فجع قلوب الشيوخ الطاعنين من الصحابة الصادقين، وفجع قلوب الذين أحبوه، ولكن لم يرتقوا إلي مستوي الوقوف معه.
فعند خروجه لقيه عبد الله بن مطيع، ونصحه أن لا يخرج وختم نصيحته بالقول: " فوالله لئن هلكت لنسترق من بعدك " (2).
المتعاطفون: البكاء والألم!!
لما وضع الرأس الشريف بين يدي ابن زياد أخذ ينكث بقضيبه ثنايا الحسين، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيت شفتي رسول الله علي هاتين الشفتين تقبلهما، ثم انفجر الصحابي بالبكاء وهم بقتله لولا أنه شيخ خرف وذهب عقله كما قال (3).
وتكررت الحادثة أمام الخليفة إذ أخذ الخليفة ينكث بثنايا الحسين والرأس أمامه فقال له صحابي يقال له أبو برزة الأسلمي: " أتنكث بقضيبك في ثغر الحسين، أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربما رأيت رسول الله يرشفه … " (4).
وفي كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي و " مقتل الخوارزمي " وغيرهما: وساق
(١) معالي السبطين ج ١ ص ٢١٤ وموسوعة كلمات الإمام الحسين ص ٢٩٦.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٠ وما بعدها وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٩، وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١٥٥.
(٣) راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٨، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٦٢، والبداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ٩٠.
(٤) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٤١، ومعالم المدرستين ج ٣ ص ١٦٠ كما رواها عن الطبري.
(١١٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (3)، أبو برزة الأسلمي (1)، زيد بن أرقم (1)، الخوارزمي (2)، البكاء (1)، القتل (2)، القبر (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
القوم حرم الرسول كما تساق الأساري، حتي إذا بلغوا بهم الكوفة، خرج الناس ينظرون إليهم وجعلوا يبكون ويتوجعون. قال ابن أعثم والخوارزمي: إنه بعد خطبة زينب عليها السلام " رأيت الناس يومئذ حياري كأنهم سكاري يبكون ويحزنون ويتفجعون وقد وضعوا أيديهم علي أفواههم، ونظرت إلي شيخ من أهل الكوفة كان واقفا بجنبي قد بكي حتي اخضلت لحيته بدموعه وهو يقول:
صدقت بأبي وأمي، كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النسوان " (1).
ولما بلغ أهل المدينة أن علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد رجعوا إلي المدينة لم يبق في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا وبرزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة، فلم ير يوم أمر علي أهل المدينة منه.
وألقي الإمام علي بن الحسين كلمة جاء فيها:
" … أيها الناس أصبحنا مطرودين، مشردين، مذودين، شاسعين، كأنا أولاد ترك أو كابل من غير جرم أجرمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاق، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا، لما زادوا علي ما فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ".
فقام إليه صوحان بن صعصعة فاعتذر إليه، فقبل عذره وشكر له وترحم علي أبيه (2).
عقاب عاجل لأهل المدينة:
بعد مدة يسيرة من مذبحة كربلاء، جاء دور الذين لم يمنعوا الإمام الحسين ويحموه، والذين خذلوا الحسين وتركوه يخرج وحيدا بأهله، فأرسل إليهم يزيد بن معاوية جيشا بقيادة مسلم بن عقبة الذي اختاره يزيد بناء علي نصيحة (رهين الرمس) أبيه معاوية ليأخذ البيعة من أهل المدينة. وبعد أربعة أيام علي
(١) تاريخ أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٢١ - ٢٢٦ ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٤٠ - ٤٢.
(٢) راجع مثير الأحزان ص ٩٠ - ٩٢، واللهوف ص ٧٦ - 77.
(١١٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (2)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن الحسين (1)، الخوارزمي (2)، كتاب مثير الأحزان (1)
وصول الجيش " الإسلامي " تمكن مسلم بن عقبة وجيشه من قتل أحد عشر ألف مسلم من أهلها (1)، ونهب كل الأموال الموجودة فيها (2)، وأخذ البيعة ممن تبقي من سكانها علي أنهم عبيد وأقنان لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية يتصرف بهم كما يشاء (3).
لو أن الأنصار من سكان المدينة علي الأقل جاءوا إلي الإمام الحسين وقالوا له: إن جدك رسول الله قد أخذ منا البيعة علي أن نحميه ونحمي أهل بيته كما نحمي ذرارينا ونحن ملزمون بحمايتك، ابق يا ابن الرسول ولا تخرج فنحن جندك، وأنت أولي بالبيعة من هذا الفاجر، لو قالوا هذا أو ما هو علي شاكلته ودخلوا بحرب طويلة مع يزيد تحت قيادة الإمام الحسين لما خسرت المدينة نصف معشار ما خسرته بأربعة أيام، لقد حارب الأنصار بطون قريش ثماني سنوات ولم يزد عدد قتلاهم في تلك الحرب علي مائة قتيل، فكأن ما أصاب المدينة عقوبة عاجلة لأهلها وصفقة علي حساب عقوبات مقبلة، وأصاب مكة ما أصاب المدينة.
(١) راجع تاريخ ابن كثير ج ٨ ص ٢٢، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ٢١٥.
(٢) راجع تاريخ ابن كثير ج ٨ ص ٢٢٠ وابن الأثير ج ٣ ص ٤٧، وتاريخ الطبري ج ٧ ص ١٤.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٧ ص ١١، والتنبيه والإشراف للمسعودي ص ٢٦٤، ومروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٧١، وتاريخ الطبري ج ٧ ص ١٤ - ٢٢ وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٣٠٦ والأخبار الطوال للدينوري ص 265 والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 390.
(١١٩)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (1)، الحرب (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)

الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا

الفصل الرابع أخبار السماء عن مذبحة كربلاء عندما حدث مذبحة كربلاء لم تكن مفاجأة للأمة الإسلامية، فالأمة وطغاتها كانوا علي علم بالمذبحة قبل وقوعها!! فقبل وقوع المذبحة بأكثر من نصف قرن أخبر رسول الله الأمة بأن فئة من أعداء الله ورسوله المتسترين بالإسلام سيخططون لمذبحة كبري يقتلون فيها بشناعة بالغة أحب الخلق إلي قلبه الحسين بن علي ابن بنته البتول فاطمة الزهراء، الذي ولد حديثا!! وأن المذبحة ستتم علي أرض العراق، وبالتحديد علي ضفة شط نهر الفرات، وبمكان يقال له كربلاء. وكانت العراق يومئذ تحت حكم الفرس، وكان مجرد التصور بأن المسلمين سيفتحون العراق، وسيدخل أهله بالإسلام ضربا من ضروب الأحلام وفق مقاييس بعض المسلمين. وأبعد من ذلك فإن الرسول قد أخبرهم بأن المذبحة ستتم بزمن خليفة مسرف، مستهتر، محسوب عليه، يقال له يزيد، وبأيدي أناس يزعمون الانتماء لأمته!!.
كان الرسول يتحدث بيقين عن أمور ستقع بعد ستين سنة وكأنها واقعة بالفعل!! وبالرغم من عظمته وتميزه إلا أنه صلي الله عليه وآله بكي بكاء مرا أمام المسلمين وهو يخبرهم بهذه الأنباء، وكان لبكائه شهيق!! موصيا المسلمين أن القتلة إن نجحوا بفعلتهم سيصيبون منه مقتلا!!.
النبي يستنصر للحسين:
إن القتل أبشع الجرائم التي عرفها الجنس البشري وهو عين الظلم والله تعالي لا يأمر بالقتل ولا يفرضه علي العباد، ولا يقوي القتلة علي القتل إن وجدوا قوة تحول بينهم وبين تنفيذ جريمتهم!! لذلك ومن هذا المنطلق كرر رسول الله تحذيراته من وقوع المذبحة وأمر المسلمين وكلفهم بأن يقفوا إلي جانب ابنه
(١٢١)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (3)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، نهر الفرات (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الحسين بن علي (1)، البكاء (1)، الظلم (1)، القتل (5)، النفاذ، التنفيذ (1)
الحسين، وأن يدافعوا عنه بكل قواهم، وإن ماتوا وهم يدافعون عنه فهم شهداء، وبشرهم بالجنة إن ماتوا دفاعا عنه فهم شهداء ولهم أجر خير شهداء الأرض.
وحذر الرسول أمته من مغبة التخلي عن نصرة الحسين، لأنهم إن فعلوا ذلك فإن عذاب الله سيصيبهم وسيكون هذا العذاب فريدا من نوعه، وسيقتل فوق ذلك من الأمة بالحسين وصحبه مئات الأضعاف، وفوق ذلك فإن الأمة ستضل ولن تبلغ الهدي إلا قليلا.
وتناقل المسلمون هذه الأنباء التي سمعوها وشاعت بين الناس، كما شاع غيرها من أخبار النبي.
التندر والعجب من هذه الأخبار:
المنافقون والذين اتبعوا الرسول ليقينهم أن محمدا سينجح بتكوين الملك، فاتبعوه طمعا بهذا الملك المرتقب، اعتبروا هذه الأنباء مثارا للتندر، فابن ابنته ولد لتوه، والعراق تحت حكم الأكاسرة!! وما معني الخليفة يزيد، وأين هو، ومن سيخلف!! ومن الذي ضمن لمحمد أن ابن ابنته سيعيش لستين عاما!! أليس من الممكن أن يقتل أو يموت قبل أن يبلغ السن!! المئات من الأسئلة خطرت بأذهان المنافقين من المدينة ومن حولهم من الأعراب وأخالهم قد اعتبروها وفق مقاييسهم الفاسدة شطحة من شطحات محمد كشطحة الإسراء والمعراج!!! أما القلة المؤمنة الصادقة فقد آمنت بأن رسول الله لا ينطق عبثا ولا عن الهوي، بل يتبع ما يوحي إليه من ربه، ويبلغ الناس ما أمر بتبليغه وأن لابنه الحسين هذا شأنا عظيما وإلا لما اهتمت السماء بأخبار تتعلق به وتقع بعد ستين عاما!! لقد أثارت تلك الأنباء المتعلقة بمذبحة كربلاء عجبهم بعظمة نبيهم وابن ابنته ومكانتهما عند الله تعالي، وعلي أي حال فالمنافقون والمتربصون بالملك والمؤمنون علي حد سواء أحيطوا علما بأنباء مذبحة كربلاء!!.
الذبيح المرتقب:
استقطابا للمسلمين، وحشدا لتأييدهم ومناصرتهم لابنه الذبيح المرتقب
(١٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، الإسراء و المعراج (1)، الشهادة (3)، الموت (1)، القتل (1)، العذاب، العذب (1)
أخبرهم رسول الله بأن الله سبحانه جعل ذريته من صلب علي، فلن تكون له ذرية إلا من ولد فاطمة، فهو أبوهم وهو عصبتهم (1) وعلي هذا الأساس فالحسن ابنه، والحسين ابنه أيضا وهما هبة الله لمحمد وللأمة، وقد اشتهر هذا الأمر بين المسلمين، حتي صار معروفا عند الجميع، وعرف الجميع أنهما أحب الخلق إليه (2) فكانا يثبان علي ظهره وهو يصلي فلا يمنعهما (3) وإذا حضرا وهو يخطب علي المنبر بالمسلمين يقطع خطبته وينزل ويحمل ابنيه (4) ليشعر المسلمين بأهمية هذين الطفلين، وبقربهما له، وحبه لهما، وليركز في أذهان المسلمين أنباء المذبحة وحوافز تأييدهم للحسين، ثم أعلن مرارا وتكرارا بأن ابن عمه علي بن أبي طالب هو وليه وخليفته من بعده (5) وهو سيد العرب (6)، وسيد المسلمين (7)، وأن ابنته فاطمة هي سيدة نساء العالمين (8)، وأن رسول الله هو سيد ولد آدم (9) فالحسن والحسين سليلا الأسياد، وأعلن رسول الله أن هؤلاء الأربعة، علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (10) وهم آل محمد (11) الذين جعل الله الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة علي العباد وهم ذوو قربي النبي، الذين افترض الله مودتهم علي كل مسلم (12) وجاءت واقعة المباهلة لتعمم هذه الإعلانات التاريخية علي كافة
(١) راجع كنز العمال ج ١ ص ١٥٢ الحديث ٢٥١٠، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١١٢ والمستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ١٦٤.
(٢) راجع سنن البيهقي ج ٢ ص ٢٦٣، والمستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ١٦٧.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) راجع صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦، ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٥٤، وسنن البيهقي ج ٣ ص ٢١٨.
(٥) راجع كتابنا المواجهة تجد فيه مئات المراجع وكتابنا نظرية عدالة الصحابة.
(٦) راجع حلية الأولياء وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٢٥١.
(٧) راجع المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٨٨، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٢٥٧.
(٨) الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج ٤ ص ٣٧٧ - ٣٧٨ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٣٧.
(٩) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٢٥١.
(١٠) راجع صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٨ و ج ١٥ ص ١٩٤ بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٠.
(١١) راجع مسند أحمد ج ٦ ص ٣٢٣ والمستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ١٠٨ و ج ٣ ص ١٤٧.
(١٢) راجع المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٧٢، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١ و ٥٧، والدر المنثور ج ٦ ص ٧.
(١٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الصّلاة (1)، الصّلب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (4)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب صحيح الترمذي (2)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن عساكر (1)، دمشق (1)
سكان الجزيرة العربية ومن مختلف الملل (1) وواقعة المباهلة من القوة بحيث أنها مدعومة بآية محكمة ومن الوضوح بحيث يتعذر تأويلها. وفي غدير خم عندما عاد الرسول من حجة الوداع بلغ غاية الإحكام عندما أعلن في غدير خم أنه بعد عودته للمدينة سيمرض، وسيموت في مرضه وإن أراد أن يلقي القول معذرة للناس، وأنه سيترك للناس بعد موته: الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (2) وأنهما لن يفترقا (3)، ويوم القيامة سيسأل المسلمين عن الاثنين معا (4)، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال: من كنت وليه فهذا وليه (5) ومن كنت مولاه فهذا مولاه (6) ومن كنت الأولي به فعلي هو الأولي به (7) وتفرق المسلمون علي هذا الأساس. وكان المسلمون يرسلون كافة هذه الحقائق إرسال المسلمات، تماما كطلوع الشمس من المشرق، ولما استولت بطون قريش علي منصب الخلافة بالقهر والغلبة وأخرت الذين قدمهم الله، وقدمت الذين أخرهم الله قاد الخلفاء بأنفسهم وبمساعدة أوليائهم حملات التشكيك بمكانة الأربعة ليبرروا تقدم الخلفاء وتأخر آل محمد، وليخفوا آثار جريمة غصب السلطة والولاية.
وقد سقنا عند التعريف بقادة فئتي كربلاء نماذج من النصوص النبوية التي أعلنها النبي والتي تضمنت قول النبي بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتاه من هذه الأمة، وأنهما سبطاه، وأن حربهما حربه، وسلمهما سلمه، وأن عدوهما عدوه، وحبيبهما حبيبه ووثقنا ذلك في حينه، وبين الرسول
(١) راجع صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٠ و ج ٧ ص ١٢٠ بشرح النووي، والمستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ١٥.
(٢) راجع صحيح الترمذي بشرح النووي ج ٢ ص ٣٦٢ و ج ١٥ ص ١٧٩ - ١٨٠.
(٣) راجع صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨ ج ٣٨٧٤، وكنز العمال ج ١ ص ١٥٤ علي سبيل المثال.
(٤) راجع أسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ١٤٧، ومجمع الزوائد ج ٥ ص ١٩٥.
(٥) راجع كتبنا المواجهة ص ٤٠٠ وما بعدها تجد أكثر من مئة مرجع، وكتاب نظرية عدالة الصحابة وكتاب الوجيز في الإمامة والولاية.
(6) المصدر نفسه.
(7) المصدر نفسه.
(١٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، جزيرة العرب (1)، يوم القيامة (1)، حجة الوداع (1)، غدير خم (2)، المرض (1)، الموت (1)، الغصب (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب صحيح الترمذي (2)، كتاب صحيح مسلم (1)
أن الحسن والحسين أحب الناس إلي قلبه (1).
ماذا علي الرسول أن يفعل!!:
ماذا بوسع الرسول الأعظم أن يفعل غير ذلك!! وماذا بوسعه أن يعلن غير ما أعلن!! أو يحتاط غير ما احتاط به، أو يوصي غير الذي أوصاه، لقد ذبح الحسين بعد موت جده رسول الله!!! ولو كان الرسول حيا لفدي حسينا وأهل بيته بملك الدنيا كلها، ولفداهم حتي بروحه الطاهرة، ولقاتل دونهم، ولذهبت نفسه حسرات علي ما أصابهم، ولكن الرسول في رحاب الله وبينه وبين المجرمين برزخ!!.
أزمة تصديق الرسول:
القلة المؤمنة الصادقة هي التي كانت تصدق النبي، وتعتبره متصلا بالله، ولا ينطق عن الهوي، وأنه يقول كل ما يؤمر بقوله، ومع هذا فإن هذه القلة متفاوتة بإيمانها ودرجات تصديقها لأنها تتعرض لموجات من التشكيك في ما تسمعه من رسول الله من الأكثرية الكافرة التي تحيط بها وتعيش معها، أضف إلي ذلك معقولية ما يسمعونه، فالخارق ممن يسمعونه من الرسول يخضعونه لمقاييسهم وتحاليلهم العقلية، كأن يقولون: أيعقل هذا!! وغالبا تقف عقولهم عاجزة عن الإجابات!! فالرسول يتكلم بيقين بالغ عن أمور تحدث خلال عشرات أو مئات السنين وهم مندهشون من هذا اليقين، لكن عقولهم لا تستطيع مجاراته، وقلة نادرة من المسلمين هي التي جارت وسايرت وواكبت يقين النبي!!!
الرسول يبلغ ويقيم الحجة:
لقد بلغ الرسول للمسلمين ما أمره الله تعالي بتبليغه، وكشف لهم كافة الجوانب المتعلقة بمذبحة كربلاء، وكانوا يعرفون تماما درجة القرابة بين النبي وبين الحسين والطيبين الذين استشهدوا معه وقد بلغهم الرسول المكانة الدينية التي
(١) راجع علي سبيل المثال صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦، وذخائر العقبي للطبري ص 122 والإصابة لابن حجر ج 2 ص 11.
(١٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)
أعطاها الله لأهل بيت النبوة ولآل محمد وذوي قرباه، وسواء صدقوا أو لم يصدقوا فقد سمعوا البلاغ وأحيطوا علما بمكانة الإمام الحسين عند النبي، وسمعوا النبي وهو يأمرهم ويكلفهم بنصرة الإمام الحسين، وسمعوه وهو ينذرهم بالعذاب والشر المستطير إن لم ينصروا الحسين!! ومعني ذلك أن الحجة قد أقيمت عليهم تماما بعد أن بينها الرسول بكل وسائل البيان.
أسلوب الأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية بإطاعة رسول الله ونصرة الحسين، وحفظ أهل بيت النبوة!!!
أما علي فقد سلبوه حقه، وأخروه وهو المتقدم، وأذلوه وهو العزيز، ثم قتلوه وهو صائم.
وأما فاطمة فقد غصبوها إرثها وممتلكاتها وهموا بإحراق بيتها عليها وعلي زوجها علي، وعلي طفليها يوم ذاك الحسن والحسين، فماتت كمدا وهي شانئة للقوم.
وأما الحسن فقد جرعوه كؤوس العذاب، وطعنوه ونهبوا رحله ثم قتل مسموما بتخطيط من معاوية.
وأما الحسين ذبيح كربلاء، فقد ساموه سوء العذاب، وذبحوا أمامه أولاده، وإخوته وأولاد إخوته، وأبناء عمومته، ثم توجوا المذبحة بقتل الحسين أشنع قتلة!! وقبل أن يقتلوهم بأيام منعوا عنهم ماء الفرات وهو متاح للحيوان والطير والوحش، فمات الحسين وأهل بيت النبوة عطشي وظمأي، ولم يكتفوا بذلك بل أوطأوا الخيل صدورهم وهم أموات، ثم قاموا بقطع رؤوسهم، وحملها جيش الخلافة علي رؤوس الرماح نشوة وافتخارا بالمذبحة، بعد أن سلبوهم كل ما معهم وسلبوا حتي ملابس الشهداء ونعالهم!! وبعد ذلك ساقوا بنات الرسول أساري من بلاد العراق إلي بلاد الشام، وسموا المذبحة " بنصر الله والفتح ".
(١٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، نهر الفرات (1)، الشام (1)، القتل (1)، العزّة (1)، الشهادة (1)، العذاب، العذب (2)
عندما عاد علي بن الحسين إلي المدينة قال في مقطع من خطبة ألقاها بمستقبليه ومعزيه من أهل المدينة:
" والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا، كما تقدم إليهم بالوصاة بنا لما زادوا علي ما فعلوا، فإنا لله وإنا إليه راجعون " (1).
الملك والجيش والأمة والمذبحة:
قد يتصور بعض الناس أن ملك الفرس، أو ملك الروم، أو ملك التتار هو الذي أمر بالمذبحة!! لا إنه ملك المسلمين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان!!!
والجيش الذي ارتكب المذبحة ليس جيش الفرس، ولا جيش الروم ولا جيش التتار ولكنه جيش الخلافة الإسلامي!!! وقائد الجيش الذي أشرف علي تنفيذ المذبحة هو عمر بن سعد بن أبي وقاص!!! يعاونه أركان قيادته المسلمة!!!.
والأمة التي شهدت المذبحة لم تكن أمة التتار ولا أمة السكسون ولا الهنود الحمر إنما كانت الأمة الإسلامية!!..
جريمة مع التعمد والإصرار:
المجرمون الذين ارتكبوا مذبحة كربلاء، كانوا يعلمون علم اليقين أن المذبحة أشنع جريمة، وأن النبي قد حذرهم منها بكل وسائل التحذير، وكانوا يعلمون علم اليقين أنهم يقتلون آل محمد، وأهل بيته، وكانوا يعلمون علم اليقين أن مذبحة كربلاء تصيب من النبي مقتلا، وتفجعه بأحب الخلق إليه، ولكن القتلة ملكا وجيشا وقيادة مع سبق الإصرار والترصد نفذوا جريمتهم النكراء بوحشية بالغة وعدم مبالاة.
والأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية كانت تعلم علم اليقين أن الذين أخرجوا إلي كربلاء هم آل محمد، وأهل بيته، وذوو قرباه، وكانت تعرف مراتبهم العلية، ودرجاتهم السنية وقد سمعت من النبي أنباء المذبحة قبل وقوعها بستين
(١) راجع مثير الأحزان ص ٩٠ / ٩٢، واللهوف ص ٧٦ - 77.
(١٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، علي بن الحسين (1)، القتل (1)، كتاب مثير الأحزان (1)
عاما، وسمعت أوامر النبي بضرورة نصرة الحسين والدفاع عنه، مثلما سمعت نذر النبي من مغبة التخلي عنه، ومع هذا تجاهلت كل ذلك وكانت بين مشارك للقتلة بالمذبحة أو مؤيد لهم أو متفرج عليهم، فكانت أفعال هذه الأكثرية مشاركة جرمية مع جميع الوجوه وكأفعال القتلة تماما وهي سلسلة جرائم ولكن مع سبق الترصد والإصرار، لقد سمع العالم كله، بخروج الحسين من المدينة إلي مكة إلي العراق، وكانت فترة كافية للتجمع ونصرته ولكن الأكثرية تخلت عنه. ألا بعدا لهم كما بعدت ثمود.
من أخبار السماء عن مذبحة كربلاء:
النموذج الأول: روت أم الفضل بنت الحارث، أنها وفي يوم من الأيام بعد ولادة الحسين حملته، ووضعته في حجر النبي، فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع، فلما سألته عن سبب بكائه، قال لها النبي: " أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، قال فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء " (1) قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين.
النموذج الثاني: قالت أسماء بنت عميس، والصحيح كما قال العسكري:
" سلمي بنت عميس زوجة سيد الشهداء حمزة " (2) لما ولد الحسين أمرني النبي أن آتيه به، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمني، وأقام في اليسري، ثم وضعه في حجره وبكي!! ولما سألته عن سبب بكائه، قال النبي: علي ابني هذا، فقالت سلمي: إنه ولد الساعة، قال النبي: تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال لها: لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة عهد بولادته (3).
(١) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٣ ص ٧٦، ورواه مختصرا في ص ١٧٩، وراجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٣١، وقريب منه في ح ٦٣٠، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٧٩، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٥٩ و ١٦٢، وابن كثير ج ٦ ص ٢٣٠ و ج ٨ ص ١٩٩، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٤٥، والصواعق لابن حجر ص ١١٥، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣، وراجع معالم المدرستين للعسكري ص ٢٨ وفضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٣٦.
(٢) راجع ترجمتها في أسد الغابة ص ٤٧٩.
(٣) راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج ٦ ص ٨٧ - ٨٨ وذخائر العقبي للطبري ص 119، ومعالم المدرستين للعسكري ج 1 ص 17.
(١٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أسماء بنت عميس (1)، القتل (2)، الزوج، الزواج (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الخوارزمي (1)
النموذج الثالث: قالت زينب بنت جحش: بينما كان الرسول في بيتي، دخل الحسين فقام النبي، فصلي، فلما قام احتضن الحسين إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكي، ثم مد يده، فسألته حين قضي الصلاة قائلة: " يا رسول الله إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته؟ قال النبي: إن جبريل أتاني أن هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأتاني بتربة حمراء " (1).
النموذج الرابع: قالت أم سلمة: إن رسول الله رقد ذات ليلة، فاستيقظ مضطربا، ثم اضطجع فرقد فاستيقظ مضطربا، ثم اضطجع فرقد واستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقالت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال النبي: أخبرني جبريل، أن هذا [أي الحسين] يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها " (2).
النموذج الخامس: قالت أم سلمة: دخل الحسين يوما حتي جلس في حجر النبي، فقال جبريل للنبي: إن أمتك ستقتل ابنك هذا، فقال النبي: يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال: نعم، فتناول جبريل تربة فقال: بمكان كذا وكذا، فخرج رسول الله، قد احتضن حسينا، كاسف البال، مغموما، فظنت أنه غضب من دخول الصبي عليه لأنه كان قد أمر أن لا تدع أحدا يدخل عليه، فقالت معتذرة: يا رسول الله قلت لنا لا تبكوا هذا الصبي، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك فجاء، فخليت عنه، فلم يرد عليها الرسول، وخرج إلي أصحابه وهم جلوس فقال لهم: " إن أمتي يقتلون هذا " وفي القوم أبو بكر وعمر، وفي آخر الحديث أراهم تربته (3).
(١) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٩، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٨، وكنز العمال ج ١٣ ص ١١٢، وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ١٩٩، ومثير الأحزان ص ٧ - ١٠، واللهوف ص ٧ - ٩.
(٢) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٣٩٨، والمعجم الكبير للطبراني ح ٥٥، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١٩ - ٦٢١، وترجمة الحسين من الطبقات الكبري لابن سعد ح ٢٦٧، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١١، وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٩٤ - ١٩٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٥٨ - ١٥٩، وذخائر العقبي للطبري ص ١٤٨ - ١٤٩، وتاريخ ابن كثير ج ٦ ص ٢٣٠، وكنز العمال ج ١٦ ص ٢٦٦، ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٣١، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ ص ٣٣٧.
(٣) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦١٨، وتهذيبه ج ٤ ص ٣٢٥، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١٠، وسير النبلاء ج ٣ ص ١٠، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٩، ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٣٠، وفضائل الخمسة ج 3 ص 341 - 342.
(١٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، زينب بنت جحش (1)، القتل (4)، الصّلاة (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، إبن عساكر (3)، التاريخ الإسلامي (2)
النموذج السادس: قالت أم سلمة: سمعت نشيج النبي يبكي، فاطلعت فإذا حسين بحجره والنبي يمسح جبينه وهو يبكي، فاعتذرت أم سلمة قائلة: والله ما علمت حين دخل، - لأن الرسول أمرها أن لا تدخل عليه أحدا -، فقال النبي: إن جبريل كأن معنا في البيت فقال: أتحبه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم، قال: " إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي، فلما أحيط بالحسين، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء " (1).
النموذج السابع: قالت أم سلمة: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي في بيتي، فنزل جبريل، فقال: يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، فأومأ بيده إلي الحسين، فبكي رسول الله، ووضعه إلي صدره، ثم قال رسول الله: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله وقال: ويح كرب وبلاء قالت: وقال رسول الله: يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل: قالت: فجعلتها في قارورة ثم جعلت أنظر إليها كل يوم قائلة: إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم " (2).
النموذج الثامن: قالت أم سلمة: دخل الحسين علي النبي ففزع، فقالت:
مالك يا رسول الله؟ قال: إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل، وأنه اشتد غضب الله من يقتله (3)..
(١) راجع معجم الطبراني ح ٥٣ ص ١٢٥، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٨ - ١٨٩، وكنز العمال ج ١٦ ص ٢٦٥، وذخائر العقبي ص ١٤٧، ونظم درر السمطين للزرندي ص ٢١٥، ومعالم المدرستين للعسكري ج ٣ ص ٣١ - ٣٢.
(٢) راجع معجم الطبراني ح ٥١ ص ١٢٤، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٢ وتهذيبه ج ٤ ص ٣٢٥، وذخائر العقبي للطبري ص ١٤٧، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٩، والخصائص الكبري للسيوطي ج 2 ص 152، وجوهرة الكلام ص 120.
(3) راجع تاريخ ابن عساكر ح 623 وتهذيبه ج 4 ص 325، وكنز العمال ج 23 ص 112، ومعالم المدرستين للعسكري ج 3 ص 33.
(١٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (5)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، التصديق (1)، القتل (3)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (2)، إبن عساكر (2)
النموذج التاسع: قالت أم سلمة: قال رسول الله: يقتل الحسين بن علي علي رأس ستين من مهاجري (1) حين يعلوه القتير (2).
النموذج العاشر: قالت أم سلمة: كان النبي نائما، فجاء الحسين فأمسكته مخافة أن يوقظ النبي، ثم غفلت عنه فدخل الحسين فقعد علي بطن النبي، فسمعت نحيب رسول الله، وجئت لأعتذر، فقال النبي: إنما جاءني جبريل وهو علي بطني قاعد فقال: أتحبه؟ فقلت: نعم، قال: إن أمتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال: فقلت: بلي، قال: فضرب بجناحه فأتي بهذه التربة، قالت: وإذا بيده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: " يا ليت شعري من يقتلك بعدي " (3).
قالت أم سلمة: قلت يا نبي الله أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وإن ابنك جاء فذهبت أتناوله، فسبقني، فلما طال ذلك تطلعت من الباب، فوجدتك تقلب بكفيك شيئا، ودموعك تسيل والصبي علي بطنك؟ قال النبي: نعم، أتاني جبريل: فأخبرني أن أمتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي يقتل عليها، فهي التي أقلب بكفي " (4).
النموذج الثاني عشر: قال أنس بن مالك: جاء الحسين فاقتحم، ففتح الباب فجعل النبي يلتزمه ويقبله فقال الملك الذي كان عنده: أتحبه؟ قال: نعم، قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه فقبض قبضة من
(١) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٤ وتهذيبه ج ٤ ص ٣٢٥، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٩، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٦١، ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٣٣.
(٢) راجع ترجمة الحسين من معجم الطبراني ح ٤٢ ص ١٢١.
(٣) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٦، وذخائر العقبي للطبري ص ١٤٧، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٥٤، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٤٢، ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٣٣.
(٤) راجع ترجمة الحسين في المعجم الكبير للطبراني ح ٥٤ ص ١٢٤، وطبقات ابن سعد ح ٢٦٨، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٥٨، وكنز العمال ج ١٦ ص ٢٢٦، وأخرجه ابن شيبة في المصنف ح 12.
(١٣١)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (3)، الحسين بن علي (1)، أنس بن مالك (1)، القتل (4)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (1)، إبن عساكر (2)، الخوارزمي (2)
المكان الذي قتل فيه فأراه، فجاء بسهلة أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها (1).
النموذج الثالث عشر: قالت عائشة: إن رسول الله أجلس حسينا علي فخذه، فجاء جبريل فقال: هذا ابنك؟ قال: نعم، قال: إن أمتك ستقتله بعدك، فدمعت عينا رسول الله، فقال جبريل: إن شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها؟
قال: نعم، فأراه جبريل ترابا من تراب الطف … (2).
النموذج الرابع عشر: قالت عائشة: دخل الحسين علي رسول الله وهو يوحي إليه، فنزا علي رسول الله وهو منكب، ولعب علي ظهره، فقال جبريل لرسول الله: أتحبه يا محمد؟ قال النبي: يا جبريل وما لي لا أحب ابني؟ قال:
" فإن أمتك ستقتله من بعدك، فمد جبريل يده وناوله تربة، وذهب جبريل من عند النبي والتربة في يده وهو يبكي، فقال النبي لعائشة: إن جبريل أخبرني أن الحسين ابني مقتول، في أرض الطف، وأن أمتي ستفتن بعدي، ثم خرج إلي أصحابه فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله فقال: أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه " (3).
النموذج الخامس عشر: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن معاذ بن جبل أخبره أن رسول الله قد خرج علينا متغير اللون فقال: " أنا محمد أوتيت فواتح
(١) راجع مسند أحمد ج ٣ ص ٢٤٣ و ٢٦٥، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١٥ و ٦١٧، وترجمة الحسين من المعجم الكبير للطبراني ح ٤٧، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٦٠ - ١٦٢، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١٠٠، وسير النبلاء ج ٣ ص ١٩٤، وذخائر العقبي ص ١٤٦ - ١٤٧، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٧، و ١٩٠، وتاريخ ابن كثير ج ٦ ص ٢٢٩ و ج ٨ ص ١٩٩، والمواهب اللدنية للعسقلاني ج ٢ ص ١٩٥ والخصائص للسيوطي ج ٢ ص ٢٥.
(٢) راجع الطبقات الكبري لابن سعد ح ٢٦٩، وتاريخ ابن عساكر بترجمة الحسين ح ٦٢٧، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٥٩، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٧، وكنز العمال ج ١٣ ص ١٠٨، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١١٥، وخصائص السيوطي ج ٢ ص ١٢٥ - ١٢٦.
(٣) راجع ترجمة الحسين من معجم الطبراني ح ٤٨ ص ١٢٣، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٧، وراجع أعلام النبوة للماوردي ص 83، ومعالم المدرستين للعسكري ج 3 ص 34.
(١٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (3)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عمرو بن العاص (1)، معاذ بن جبل (1)، القتل (3)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، الطبراني (1)، إبن عساكر (2)، التاريخ الإسلامي (1)، الخوارزمي (1)
الكلام وخواتمه فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا ذهبت فعليكم بكتاب الله عز وجل أحلوا حلاله وحرموا حرامه، أتتكم الموتة بالروح والراحة.. أتتكم فتن كقطع الليل المظلم، كلما ذهب رسل جاء رسل، تناسخت النبوة فصارت ملكا … أمسك يا معاذ واحص، فلما بلغت خمسا، قال النبي: يزيد لا بارك الله في يزيد، ثم ذرفت عيناه، ثم قال: نعي إلي حسين، وأتيت بتربته، وأخبرت بقاتله والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم، وسلط عليهم شرارهم، وألبسهم شيعا، ثم قال: وآها لفراخ آل محمد من خليفة يستخلف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف " (1).
النموذج السادس عشر: قال سعيد بن جمهان: أن النبي أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل بها الحسين، فقال: اسمها كربلاء فقال رسول الله:
كرب وبلاء (2).
النموذج السابع عشر: قال ابن عباس: " ما كنا نشك أهل البيت، وهم متوافرون أن الحسين بن علي يقتل بالطف " (3).
نماذج أخري:
لأن عليا هو الولي الشرعي من بعد النبي، وهو المخول بأن يبين للأمة ما اختلفت فيه من بعد النبي (4) فلرواياته أهمية خاصة وأن الحسين ابنه وأن عليا كان يسكن مع الرسول في بيت واحد طوال حياته المباركة، وكان يتبعه اتباع الفصيل لأثر أمه علي حد تعبير الإمام.
النموذج الثامن عشر: صعد الإمام علي منبر الكوفة فحمد الله وأثني عليه ثم
(١) راجع معجم الطبراني ح ٩٥ ص ١٤٠، ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ - ١٦١، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩ و ج ١٣ ص ١١٣، وراجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ١٨٩.
(٢) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٢، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١١، وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ٢٠٠.
(٣) مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٦.
(٤) راجع ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٤٤٨، ١٠٠٨، ١٠٠٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٨٦، والمناقب للخوارزمي أيضا ص 236، وينابيع المودة للقندوزي ص 182.
(١٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، عبد الله بن عباس (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (1)، الحسين بن علي (1)، سعيد بن جمهان (1)، القتل (5)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، الطبراني (1)، إبن عساكر (2)، التاريخ الإسلامي (1)، الخوارزمي (4)، دمشق (1)
قال: " كيف أنتم إذا نزل بذرية نبيكم بين ظهرانيكم؟ قالوا: إذا نبلي الله فيهم بلاء حسنا، فقال: والذي نفسي بيده لينزلن بين ظهرانيكم، ولتخرجن إليهم، فلتقتلنهم ثم أقبل يقول:
هم أوردوهم بالغرور وغردوا * أجيبوا دعاه لا نجاة ولا عذرا " (1) النموذج التاسع عشر: قال رسول الله (ص): " إن الله حرم الجنة علي من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم أو أغار عليهم ".
النموذج العشرون: قال الإمام علي لأصحابه يوما: " يقتل الحسين بن علي قتلا، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية قريبة من النهرين " (2).
النموذج الحادي والعشرون: لما سار الإمام علي إلي صفين نزل في كربلاء فقال لابن عباس أمام أصحابه: أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا، قال علي: لو عرفتها بكيت بكائي، ثم بكي بكاء شديدا ثم قال: مالي ولآل أبي سفيان، ثم التفت إلي الحسين وقال: صبرا يا بني فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقي بعده " (3).
النموذج الثاني والعشرون: وقف الإمام علي في كربلاء فقيل له: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء؟ قال الإمام علي ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلي مكان، فقال:ها هنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ إلي موضع آخر فقال:ها هنا مهراق دمائهم " (4).
النموذج الثالث والعشرون: عندما ذهب الإمام علي إلي صفين، ونزل وصلي عند شجرة، ثم قال: " يقتل‌ها هنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة
(١) راجع معجم الطبراني ح ٥٧ ص ١٢٨، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩١، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ٣٨.
(٢) راجع معجم الطبراني ح ٥٧ ص ١٢٨، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١١، وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٩٥، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٠، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٧٩.
(٣) مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج ١ ص ١٦٢.
(٤) راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 142، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 278.
(١٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، الحسين بن علي (1)، البكاء (1)، الشهادة (2)، القتل (4)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، الطبراني (2)، التاريخ الإسلامي (1)، نصر بن مزاحم (1)
يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلي مكان هنالك فعلموه بشئ، فقتل فيه الحسين " (1).
النموذج الرابع والعشرون: لما جاء علي إلي نينوي وهو منطلق إلي صفين نادي علي: " صبرا أبا عبد الله صبرا أبا عبد الله بشط الفرات، قيل له: وماذا؟
قال: دخلت علي رسول الله ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشهدك من تربته؟ قال: نعم، فمد فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا " (2).
النموذج الخامس والعشرون: في كربلاء أخذ الإمام علي يشير بيده ويقول:
ها هنا:ها هنا، فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: " ثقل لآل محمد ينزل‌ها هنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم، فقال الرجل: ما معني هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: " ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله النار بقتلهم " (3).
النموذج السادس والعشرون: وقال الإمام علي مرة بعد أن رفع إليه من تربة كربلاء فشمها " واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب " قال الراوي ساخرا ومندهشا: وما علمه بالغيب " (4).
النموذج السابع والعشرون: قال ميمون بن شيبان بن مخرم وكان عثمانيا يبغض عليا:
(١) راجع تاريخ ابن كثير ج ٨ ص ١٩٩ - ٢٠٠، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩١.
(٢) راجع مسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٨٥، وقال بالهامش: إسناد صحيح، ومعجم الطبراني ح ٤٥ ص ١٢٦، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١١ - ٦١٣، وتهذيبه ج ٤ ص ٣٢٥، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٧، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١٠ وسير النبلاء ج ٣ ص ١٩٣، وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ١٩٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٧٠، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١١٥، وخصائص السيوطي ج ٢ ص ١٢٦.
(٣) راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم.
(٤) راجع التفصيل في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 140 - 141، وتاريخ ابن عساكر ح 636 و 638.
(١٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، نهر الفرات (2)، نينوي (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (1)، إبن عساكر (2)، التاريخ الإسلامي (1)، نصر بن مزاحم (2)
" رجعنا مع علي إلي صفين فانتهينا إلي موضع، فقال: ما سمي هذا الموضع؟ فقلنا له: كربلاء، قال: كرب وبلاء، قال: ثم قعد علي دابته، وقال:
يقتل‌ها هنا قوم أفضل شهداء علي ظهر الأرض … قال: قلت: بعض كذباته ورب الكعبة، قال: فقلت لغلامي وثمة حمار ميت جئني برجل هذا الحمار فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا، فلما قتل الحسين قلت لأصحابنا: انطلقوا ننظر فانتهينا إلي المكان فإذا جسد الحسين علي رجل الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله " (1).
النموذج الثامن والعشرون: قال أنس بن الحارث سمعت رسول الله يقول:
إن ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك فلينصره، فخرج أنس بن الحارث إلي كربلاء، فقتل بها مع الحسين (2).
النموذج التاسع والعشرون: عن هيثم بن الأسود النخعي الكوفي قال: " كان أبي يتبري فينزل قريبا من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك فقال له أبي: إني أراك ملازما هذا المكان؟ قال:
بلغني أن حسينا يقتل‌ها هنا، فأنا أخرج لعلي أصادفه، فاقتل معه، فلما قتل الحسين قال أبي: انطلق ننظر هل الأسدي في من قتل، وأتينا المعركة فطوفنا فإذا الأسدي مقتول " (3).
النموذج الثلاثون: في ترجمة الحارث بن نبيه وكان من أصحاب النبي من أهل الصفة قال: " سمعت رسول الله والحسين في حجره يقول: إن ابني هذا يقتل في أرض يقال لها العراق فمن أدركه فلينصره " (4).
(١) راجع كامل الزيارات باب ٢٣ ص ٧١ - ٧٢، وراجع أسد الغابة لابن الأثير ج ١ ص ١٢٣، وفضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٤٧.
(٢) راجع ترجمة أنس بن الحارث في الجرح والتعديل للرازي ج ١ ص ٢٨٧، وتاريخ البخاري الكبير ج ١ ص ٣٠ رقم الترجمة ١٥٨٣، وابن عساكر ح ٦٨٠ وتهذيبه ج ٤ ص ٣٣٨، وأسد الغابة ج ١ ص ١٢٣، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٥٩ - ١٦٠، وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ١٩٩.
(٣) راجع ترجمة الحسين في طبقات ابن سعد ح ٢٨٠، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٦٦.
(٤) راجع أسد الغابة ج ١ ص ٣٤٩ ترجمة الحارث بن نبيه، والإصابة لابن حجر ج ١ ص ٦٨ قال (ص):
" إن ابني هذا يقتل في أرض يقال لها العراق فمن أدركه فلينصره ". وراجع كنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣ وقال: أخرجه البغوي، وابن السكن، والباوردي، وابن مندة، وابن عساكر، وذكره الطبري في ذخائر العقبي ص ١٤٦ وقال: خرجه الملا في سيرته، راجع فضائل الخمسة ج 3 ص 347 - 348.
(١٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (2)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، أنس بن الحارث (3)، بنو أسد (1)، القتل (6)، الشهادة (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (3)، كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب الجرح والتعديل للرازي (1)، إبن عساكر (3)
النموذج الواحد والثلاثون: قال الرسول: " نعي إلي الحسين، وأوتيت بتربته وأخبرت بقاتله " (1).
النموذج الثاني والثلاثون: قال رسول الله: " سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب الدعوة … والمستحل من عترتي ما حرم الله " (2).
النموذج الثالث والثلاثون: قال عبد الله بن مسعود: " أتينا رسول الله، فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه، فما سألنا عن شئ إلا أخبرنا، ولا سكتنا إلا ابتدأنا.
حتي مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله ما نزال نري في وجهك شيئا نكرهه؟ فقال:
" إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإنه سيلقي أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا في البلاد " (3).
النموذج الرابع والثلاثون: قال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله: " إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وأن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم ". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد (4).
النموذج الخامس والثلاثون: قال النبي: " يجئ يوم القيامة المصحف والمسجد والعترة، فيقول المصحف … ويقول المسجد … وتقول العترة: -
(١) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣ وقال أخرجه الديلمي راجع فضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٣٩.
(٢) أسد الغابة لابن الأثير ج ٤ ص ١٠٧، وكنز العمال ج ٨ ص ١٩١ - ١٩٢، وقال أخرجه الطبراني، وراجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ ص ٣٤٩ - ٣٥٠ تجد الكثير من المراجع.
(٣) المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٤٦٤، وراجع صحيح ابن ماجة ص ٣٠٩ باب خروج المهدي، وفضائل الخمسة للفيروز آبادي ج ٣ ص ٣٥٠.
(٤) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٤٨٧، وكنز العمال ج ٦ ص ٤٠ وقال: أخرجه نعيم بن حماد في الفتن، راجع فضائل الخمسة ج 3 ص 351.
(١٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: أبو سعيد الخدري (1)، يوم القيامة (1)، عبد الله بن مسعود (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، السجود (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، الطبراني (1)، إبن ماجة (1)
طردونا وقتلونا وشردونا، وأجثو بركبتي للخصومة، فيقول الله: ذلك إلي وأنا أولي بذلك "، وأخرجه الديلمي عن جابر وأحمد بن حنبل والطبري وسعيد بن منصور عن أبي أمامة (1).
النموذج السادس والثلاثون: قال النبي: " إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وأن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة وشدة، وتطريدا في البلاد، حتي يأتي قوم من‌ها هنا وأشار بيده نحو المشرق أصحاب رايات سود " (2).
النموذج السابع والثلاثون: قالت أم سلمة: " إنها وضعت التربة في قارورة فلما كانت ليلة مقتل الحسين سمعت قائلا يقول:
أيها القاتلون جهرا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل قد لعنتم علي لسان ابن داود * وموسي وحامل الإنجيل قالت: فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما " (3).
النموذج الثامن والثلاثون: قالت سلمي: دخلت علي أم سلمي وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله في المنام وعلي رأسه ولحيته التراب!!
فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا " (4).
النموذج التاسع والثلاثون: رأي ابن عباس النبي في المنام أشعث وأغبر معه قارورة فيها دم، ولما سأله عنها قال: هذا دم الحسين، وأحصي ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي قتل فيه الحسين (5) قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم.
(١) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٤٤٦، وفضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٥١.
(٢) راجع ذخائر العقبي للطبري ص ١٧، وفضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٥١.
(٣) راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١١٥، وفضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٥٥.
(٤) راجع صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦ مناقب الحسن والحسين، والمستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ١٩ في ذكر أم المؤمنين أم سلمة، وتهذيب التهذيب لابن حجر ج ٢ ص ٣٥٦، وذخائر العقبي للطبري ص ١٤٨، وقال خرجه البغوي في الحسان.
(٥) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٣٩٧ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٤٢، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٤٢ وأسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 22، والاستيعاب لابن عبد البر ج 1 ص 144 في ترجمة الحسين، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 17.
(١٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، عبد الله بن عباس (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، أحمد بن حنبل (1)، القتل (2)، أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب ذخائر العقبي (2)، كتاب الصواعق المحرقة (1)
النموذج الأربعون: وناحت الجن علي الحسين: قالت أم سلمة: إنها سمعت الجن تنوح علي الحسين (1) ومما قالت الجن:
ألا يا عين فاحتفلي بجهدي * ومن يبكي علي الشهداء بعدي علي رهط تقودهم المنايا * إلي متجبر في ملك عبد (2) النموذج الواحد والأربعون: لما قتل الإمام الحسين، كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتي ظننا أنها هي وقد ظهرت مجموعة من العجائب " (3).
النموذج الثاني والأربعون: 1 - قال رسول الله: " إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وأن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم " قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد (4).
2 - قال علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب " إن الذين بدلوا نعمة الله كفرا هما الأفجران من قريش، بنو المغيرة وبنو أمية " (5).
3 - قال رسول الله (ص): " يزيد لا بارك الله في يزيد نعي إلي الحسين، وأوتيت تربته وأخبرت بقاتله، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا، واها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف " (6).
(١) راجع الإصابة لابن حجر ج ٢ ص ١٧، وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٣٥٥، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٩، وذخائر العقبي للطبري ص ١٥٠، وقالوا رواه الطبراني ورجال الصحيح وأخرجه ابن الضحاك، راجع فضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٥٩.
(٢) راجع سنن البيهقي ج ٣ ص ٣٣٧، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٧، وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٣٥٤.
(٣) راجع فضائل الخمس ج ٣ ص ٣٦١ - ٣٦٩ تجد عشرات المراجع والكثير من العجائب.
(٤) راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٤ ص ٤٨٧، وكنز العمال ج ٦ ص ٤٠، وقال أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.
(٥) راجع كنز العمال ج ١ ص ٢٥٢، قال أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني في الجامع الصغير، وراجع فضائل الخمسة ج ٣ ص ٣٧٧ - ٣٧٨.
(٦) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٣٩، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 189، وقال المتقي الهندي أخرجه الطبراني عن معاذ، وذكره المناوي في فيض القدير باختصار، وقال في المتن أخرجه ابن عساكر عن سلمة بن الأكوع وقال في الشرح ورواه عنه أبو نعيم والديلمي..
(١٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو أمية (2)، القتل (3)، الشهادة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (3)، إبن عساكر (1)، سلمة بن الأكوع (1)، المتقي الهندي (1)، ابن المنذر (1)، الخمس (1)
وقال رسول الله: " لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان، أما إنه نعي إلي حبيبي حسين وأوتيت بتربته، ورأيت قاتله، أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه إلا عموا بعقاب " (1).
4 - قال علي عليه السلام لعمر بن سعد: " كيف أنت إذا قمت قياما تخير فيه بين الجنة والنار " (2).
5 - قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام: " إن قوما من السفهاء يزعمون أني أقتلك، فقال الحسين: ليسوا سفهاء، ثم قال: والله إنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا " (3).
6 - قال رسول الله: " كأني أنظر إلي كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي " (4) قال محمد بن عمرو بن حسين: كنا مع الحسين بنهر كربلاء فنظر إلي شمر بن ذي الجوشن فقال: صدق رسول الله كأني أنظر إلي كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي، وكان شمر أبرص (5).
7 - أما معاوية بن أبي سفيان، فقد تطرقنا إلي بعض النصوص التي وردت عن النبي في حقه وحق أبيه وأخيه، وعالجنا هذا الموضوع في بداية البحث " تحت عنوان من هو والد يزيد " فارجع إليه إن شئت.
(١) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣ وقال أخرجه ابن عساكر عن ابن عمر.
(٢) راجع كنز العمال ج ٧ ص ١١١ وقال أخرجه ابن عساكر.
(٣) راجع تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٤٥١.
(٤) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣، وقال أخرجه ابن عساكر، وذكره المناوي في كنوز الحقائق ص ١٠٣ وقال أخرجه الديلمي.
(٥) راجع كنز العمال ج ٧ ص ١١٠، وقال أخرجه ابن عساكر، راجع فضائل الخمسة ج 3 ص 390 - 391.
(١٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، عمر بن سعد لعنه الله (2)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، محمد بن عمرو (1)، التصديق (1)، القتل (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (4)، إبن عساكر (4)

الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولي

اشارة

الباب الثالث بواعث رحلة الشهادة ومحطاتها الأولي * الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية * الفصل الثاني: إقتراحات المشفقين * الفصل الثالث: الإمام الحسين (عليه السلام) يشخص أمراض الأمة المزمنة * الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين (عليه السلام) للشهادة في سبيل الله * الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلي كربلاء
(١٤١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، سبيل الله (1)، الشهادة (2)

الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية

الفصل الأول:
التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية لما هلك معاوية، آلت خلافته لابنه يزيد بحكم الكيد والمكر والوراثة، كان الخليفة الجديد علي يقين بأن أخطر خصومه هو الإمام الحسين بن علي، لذلك انصب اهتمامه علي أخذ البيعة من الحسين، وكان أول مراسيمه الملكية أن كتب كتابا إلي واليه علي المدينة، جاء فيه:
" خذ البيعة علي أهل المدينة عامة، وخاصة علي الحسين، فإن أبي عليك فاضرب عنقه " (1).
وجاء في تاريخ الطبري: " أما بعد فخذ حسينا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايعوا والسلام " (2) فالخليفة الجديد مصمم علي أخذ البيعة من الحسين، ومصمم علي قتل الحسين إن أبي بيعته!! ولما شعر يزيد بن معاوية أن الحسين ممتنع عن البيعة صمم نهائيا علي قتل الإمام الحسين أشنع قتلة، ليجعله عبرة لغيره وليتخلص نهائيا من وجوده ومن خطره المحتمل علي الملك الأموي!!! وحجته العلنية ووسيلته إلي ذلك منحصرة بامتناع الحسين عن البيعة.
تواصل لتاريخ أسود:
ليس جديدا إصرار يزيد بن معاوية علي تجاهل حق أهل بيت النبوة، وعلي إرغام أنف الحسين، وأخذ البيعة منه راغما، أو قتله أشنع قتلة!! فهذا الموقف الاعتباطي الأرعن امتداد لمواقف أبيه، وعمه، وجده، والبطن الأموي وبطون قريش ال 23 التي تشكل بمجموعها حلقات تاريخية متصلة، وأدوارا متفقا عليها تماما، فأبو سفيان ومعاوية يقودان جبهة الشرك 23 عاما، ثم ينخرطان في مؤامرة
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٠، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٠ - ١٨٥ ومثير الأحزان ص ١٤ - ١٥، واللهوف ص ٩ - ١٠.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٨ باب بيعة يزيد بن معاوية.
(١٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن الزبير (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، عبد الله بن عمر (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، الحسين بن علي (1)، القتل (5)، الهلاك (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)
بطون قريش ال 23، ويحصلان علي ولاية الشام، ثم يترك معاوية بهذه الولاية 20 عاما، ثم يستولي بالقوة علي منصب الخلافة، ثم يجعل الخلافة ملكا، ويحصر هذا الملك في بيت أبي سفيان ويكون ابنه يزيد بن معاوية، أول ملك أموي يرث أباه، ولا يترك معاوية الأمور تجري علي مسارها الطبيعي بل يمهد لابنه، ويعينه وليا لعهده، وخليفة من بعده، ويأخذ بيعة الرعية ويحاصر وبغير رحمة أهل بيت النبوة، أصحاب الحق الشرعيين بخلافة النبي، فيوجب علي الرعية لعنهم، ويحرم محبتهم، ويعتبر موالاتهم من جرائم الخيانة العظمي، ثم يتوج معاوية سلسلة أعماله " البطولية " بقتل الإمام الحسن عن طريق السم، ولمواجهة امتناع الحسين عن البيعة عهد معاوية بولاية العراق إلي عبيد الله بن زياد، واتفق معه علي أسلوب التعامل مع الحسين إن امتنع عن البيعة، وكلف معاوية ابنه يزيد أن يرسل مسلم بن عقبة إلي أهل المدينة إن ثاروا عليه، واتفق معاوية علي أسلوب التعامل مع أهل المدينة، وبعد هذه الانجازات الرائعة هلك معاوية. وجاء ابنه يزيد ليسير سيرة سلفه ووالده وليحافظ علي الملك الذي ورثه منه بالأساليب والأنماط نفسها التي استعملها أبوه من قبله!!! فأعمال يزيد بن معاوية سلسلة من حلقات متكاملة ومتفق عليها بين الابن وأبيه.
ومن هنا نعرف سر إصرار يزيد بن معاوية علي أن يعطي الحسين بيعته أو يقتل أشنع قتلة، والبيعة ما هي إلا ستار كقميص عثمان الذي استعمله أبوه!! لقد صالح الإمام الحسن معاوية بن أبي سفيان حقنا للدماء وبقيا منه علي من تبقي من المؤمنين، فهل حال هذا الصلح دون إصرار معاوية علي قتله!!! ولو بايع الإمام الحسين يزيد بن معاوية وصالحه وصفي له، فالبيعة والصلح لن يحولا دون قتل الحسين، لأن وجه الخلافة لن يصفو لمعاوية مع وجود الإمام الحسن، ولن يصفو وجهها ليزيد مع وجود الإمام الحسين، ثم إن معاوية موتور، ويزيد موتور فقتل الإمام الحسن والإمام الحسين " سيدي شباب أهل الجنة " (1) و " ريحانتي النبي
(1) راجع علي سبيل المثال صحيح الترمذي ج 2 ص 306 و 307 وصحيح ابن ماجة ج 3 ص 167 والمستدرك علي الصحيحين ج 4 ص 139.
(١٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: سبطي رسول الله الحسنان عليهما السلام (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، دولة العراق (1)، صلح (يوم) الحديبية (2)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، الشام (1)، القتل (3)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، إبن ماجة (1)
من هذه الأمة " (1) يحقق لمعاوية وابنه يزيد والبيت الأموي مطلبين معا: أولهما:
يصفي لهم وجه الخلافة وثانيهما: يشفي ما في صدورهم من غل وحقد علي آل محمد!!.
ويؤكد هذا أنه لما وضع رأس الإمام الحسين بين يدي يزيد بن معاوية، شعر أنه قد ثأر لشيوخه الذين قتلوا في بدر!!! لذلك تمثل بأبيات من قصيدة ابن الزبعري " ليت أشياخي ببدر شهدوا … " (2) الشعور نفسه الذي راود والده معاوية عندما سمع بموت الحسن (3).
كان الإمام الحسن آمنا مطمئنا، يوم جاءته رسل الموت التي أرسلها معاوية لسمه وقتله!! وكان الإمام الحسين آمنا مطمئنا يوم أبلغه والي يزيد بن معاوية علي المدينة بكتاب يزيد الذي يطلب منه فيه أخذ البيعة من الإمام الحسين، ويأمره بضرب عنقه إن أبي (4) فيزيد بن معاوية يضع الإمام الحسين أمام خيارات محدودة وصعبة، ومرة، أحلاها أمر من العلقم، كان الإمام الحسين علي يقين بأن يزيد بن معاوية يخطط لقتله عاجلا أم آجلا، بايع أو لم يبايع، ولكن يزيد يريد أن يستفيد من الحسين ما أمكن قبل الإقدام علي قتله تماما كما فعل أبوه مع الإمام الحسن، فمعاوية ويزيد والبيت الأموي خاصة والأكثرية الساحقة من أبناء بطون قريش ال 23، لا يدعون لأحد من أهل بيت النبوة (إلا ولا ذمة) لأن الحقد أتلف أي مظهر من مظاهر الإنسانية لديهم، لقد نزع الله الرحمة من قلوبهم!!
(١) راجع صحيح ابن ماجة ج ٣ ص ١٦٧ ومسند أحمد ج ٣ ص ٦٢ و ٨٢ وصحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦ وما بعد.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٤١، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٥٨، ومثير الأحزان ص ٨٠، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص ١٢٠، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٤٨، والأمالي لأبي علي القالي ج ١ ص ١٤٢.
(٣) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٤٤: إن معاوية لما أتاه خبر موت الحسن أظهر فرحا وسرورا، حتي سجد وسجد من كان معه، وجاء في العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٢ ص ٢٩٨: لما بلغ معاوية موت الحسن خر ساجدا …
(٤) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٠، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٠ - ١٨٥، ومثير الأحزان ص ١٤ - ١٥ واللهوف ص ٩ - 10.
(١٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، القتل (5)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن ماجة (1)
الإمام الحسين والخيارات المتاحة:
خيار البيعة ليزيد:
كان الإمام الحسين علي يقين من ربه بأن القيادة من بعد النبي كانت حقا خالصا لأبيه علي بن أبي طالب، فقد اختاره الله تعالي لهذا المنصب، وأهله، وأعده لذلك، وأمر رسول الله أن يعلن هذا الاختيار للأمة، فأعلنه رسول الله بكل وسائل الإعلان المعروفة حتي أحيطت الأمة كلها علما بهذا الاختيار، وحتي معاوية وهو الطليق ابن الطليق ومن المؤلفة قلوبهم والذي أعلن إسلامه متأخرا كان يعلم ذلك علم اليقين، فقد قال برسالة وجهها إلي محمد بن أبي بكر: " كنا وأبوك معا في حياة من نبينا نري حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه ما عنده … فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، علي ذلك اتفقا واتسقا " … (1) وحتي الذين غصبوه هذا الحق، يعلمون ذلك علم اليقين، لقد صرح عمر بن الخطاب ذات يوم قائلا: " بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب، فزحزحوه عنه لحداثة سنه وللدماء التي كانت عليه " (2) وكيف ينسي عمر والخلفاء ذلك وهم الذين قدموا التهاني لأمير المؤمنين في غدير خم (3).
وحسب يقين الإمام الحسين فإنه هو الإمام والقائد والخليفة الشرعي، وليس يزيد بن معاوية، فيزيد بن معاوية غاصب لحق الحسين، تماما كما كان أبوه غاصبا لحق الإمام الحسن، وباغيا علي الإمام علي، وبالتالي فالأولي بيزيد بن معاوية أن يبايع للإمام الحسين وليس العكس!!! لكن ابن معاوية لا يكتفي بغصب
(١) راجع نص رسالة معاوية لمحمد بن أبي بكر في مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ١١، وفي موقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١١٨ - ١١٩.
(٢) راجع الطبقات الكبري لابن سعد ج ٣ ص ١٣٠ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٢٠ وكتابنا المواجهة مع رسول الله وآله ص ٤٧٢ وما بعد.
(٣) راجع ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٥٤٨ و ٤٤٩ و ٥٥٠، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 94، ومسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 281 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 24 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 197 وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 29.
(١٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، علي بن أبي طالب (1)، محمد بن أبي بكر (2)، غدير خم (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، إبن عساكر (1)، التاريخ الإسلامي (1)، نصر بن مزاحم (1)، الخوارزمي (1)، دمشق (1)
حق الإمام الحسين بل يريد من الإمام الحسين أن يشهد بالزور، بأن يزيد هو صاحب الحق الشرعي ويريد من الحسين أيضا أن يقر ضمنا بأنه لا حق له بالخلافة!! وهذا منتهي الظلم الذي ينفر الإمام الحسين بطبيعته وتكوين نسيجه النفسي.
هذا علي صعيد الشرعية الإلهية، أما علي صعيد العقل والمنطق، فإن الإمام الحسين هو ابن فاطمة الزهراء بنت النبي، ومن صلب علي بن أبي طالب ابن عم النبي. والأمة هي أمة النبي، والملك هو ملك النبي الذي بناه حجرا فوق حجر، والإمام الحسين أولي بقيادة جده وبملك جده من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان هذا هو أبسط مظاهر العدل الذي يفهمه الإنسان بالفطرة والضرورة.
أما علي صعيد التاريخ، فعلي بن أبي طالب ابن عم النبي عاش في كنفه طوال حياته وكان أول من صدقه وآمن به وكان عضده وفارسه الأعظم طوال فترة الصراع المسلح الذي نشب بين الرسول وبين بطون قريش فهو بطل بدر بلا منازع، وهو بطل أحد بلا منازع، وهو بطل الخندق بلا منازع، وهو حامل راية الرسول في كل زحف (1)، وجده أبو طالب كان حامي النبي ودينه طوال حياته (2) وهو الذي كفل النبي ورباه يتيما ونصره كبيرا، وكانت زوجته بمثابة الأم الحقيقية للنبي (3)، أما أبو سفيان جد يزيد ومعاوية والد يزيد ويزيد بن أبي سفيان فهم الذين وحدوا بطون قريش ال 23 ومن والاهم ضد النبي ودينه، وهم الذين قادوا جبهة الشرك التي قاومت النبي وحاربته طوال 23 عاما، ورموا رسول الله بكل سهم في كناناتهم، حتي أحاط النبي بهم، فاضطروا للاستسلام وأكرهوا علي إعلان الإسلام.
(١) راجع علي سبيل المثال شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٥ وخصائص النسائي ص ٣ والحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٣٦ وتاريخ بغداد ج ٢ ص ٨١، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٧٢ وتاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ ص ٧٦ وأسد الغابة لابن الأثير ج ٥ ص ٢٨٧ وميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ ص ٤١٧ والطبقات لابن سعد ج ٢ ص ٢٣ وكنز العمال ج ٣ ص ١٥٤ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٧ وفضائل الخمسة ص ٣٥٧ - ٣٦٠.
(٢) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥.
(٣) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٤.
(١٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (2)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الباطل، الإبطال (3)، الزوجة (1)، الظلم (1)، الشهادة (1)، الصّلب (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، دمشق (1)
وأما علي الصعيد الشخصي: فالإمام الحسين ابن النبي وحفيده، وسيد شباب أهل الجنة، وسبط النبي وريحانته من الأمة، وهو الإمام الذي اختاره الله لقيادة الأمة من بعد أخيه الحسن، وهو التقي، النقي،، الطاهر، المؤهل للإمامة (1) أما يزيد فهو ابن معاوية بن أبي سفيان، وهو الأشد عداوة لله ولرسوله وقد لعنه رسول الله قبل أن يولد (2).
فأيهما الأولي بخلافة النبي، ابنه الحسين التقي، النقي، المؤهل للإمامة؟
أم يزيد بن معاوية شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، والمشكوك حتي بدينه!!!.
القرار:
بعد أن قلب الإمام الحسين الأمور علي مختلف الوجوه، وزانها بميزان الشرع الحنيف رأي بيقين أنه الإمام الشرعي وأن معاوية مغتصب للخلافة، لذلك نراه يقول: " إنما كان الأمر لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع، وحلف لأخي الحسن أنه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده، وإن يردها للحسين إن كان حيا، فطالما أن معاوية لم يف لي ولا لأخي الحسن بما كان ضمن لنا، فقد والله أتانا ما لا قوام لنا به.. " (3) لهذا كله فإن الحسين كان يعتقد أنه الأولي بالبيعة من يزيد، وأن من واجب يزيد بن معاوية، وواجب الأمة الإسلامية أن يبايعوا الحسين وليس العكس، وطالما يزيد هو المالك الفعلي للخلافة، ومن بيده مفاتيح القوة والمال والنفوذ، فلا يملك الإمام الحسين من حيث المبدأ إلا الامتناع عن البيعة، وقرر عدم مبايعة يزيد، مهما كلف الثمن، وبعد ذلك أعلن قراره.
قال عبد الله بن الزبير لما علم بهلاك معاوية: " … فما تري أن تصنع إن
(١) مع أن كل ما ذكرناه معلوم بالضرورة إلا أننا وثقناه أكثر من مرة في الفصول السابقة.
(٢) راجع كنز العمال ج ٦ ص ٣٩ وقال: أخرجه الطبراني، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ١٨٩ وقال:
رواه الطبراني وذكره المناوي في فيض القدير وقال: أخرجه ابن عساكر، ورواه أبو نعيم والديلمي وراجع كنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣ وقال: أخرجه ابن عساكر.
(3) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 11، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 182.
(١٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: شرب الخمر (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، عبد الله بن الزبير (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، البيعة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، الطبراني (2)، إبن عساكر (2)
دعيت إلي بيعة يزيد يا أبا عبد الله؟ " فقال له الحسين: " اصنع أني لا أبايع له أبدا … " (1) ولما دعي الإمام الحسين لمقابلة والي المدينة بعد موت معاوية وطلب منه أن يبايع ليزيد بن معاوية، قال الإمام الحسين: " أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح، وتصبحون وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة " (2).
وجد الإمام الحسين مروان بن الحكم في طريقه ذات يوم، فقال له مروان:
يا أبا عبد الله إني لك ناصح، فأطعني ترشد وتسدد، فقال له الحسين " وما ذلك حتي أسمع "؟ فقال له مروان أقول: " إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنه خير لك في دينك ودنياك " فاسترجع الإمام الحسين وقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون وعلي الإسلام السلام إذ قد ابتليت الأمة براع مثل يزيد "، ثم أقبل الإمام الحسين علي مروان وقال له: " ويحك أتأمرني في بيعة يزيد وهو رجل فاسق، لقد قلت شططا من القول يا عظيم الزلل، لا ألومك علي قولك لأنك اللعين الذي لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص، فإن من لعنه رسول الله لا يمكن له ولا منه إلا أن يدعو إلي بيعة يزيد، ثم قال: إليك عني يا عدو الله، فإنا أهل بيت رسول الله، والحق فينا، وبالحق تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول الله يقول: الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان، وعلي الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية علي منبري، فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة علي منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذابا " (3).
فغضب مروان من كلام الحسين ثم قال: " والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد بن
(١) راجع النص الكامل لجواب الإمام الحسين بالمرجعين السابقين، الفتوح والمقتل بنفس الصفحتين.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٤ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٤، ومثير الأحزان ص ٢٤، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٥ والموسوعة ص 283.
(3) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 17، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 184 والموسوعة ص 285.
(١٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: مروان بن الحكم (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (1)، الصّلب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (3)
معاوية صاغرا، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاما، وأشربتم بغض آل بني سفيان، فقال له الحسين: ويلك يا مروان فإنك رجس، وإنا أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله علي نبيه محمد * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * [الأحزاب / 33] فنكس مروان رأسه لا ينطق بشئ فقال له الحسين: أبشر يا ابن الزرقاء بكل ما تكره من رسول الله، يوم تقدم علي ربك فيسألك جدي عن حقي وحق يزيد، فمضي مروان مغضبا حتي دخل علي الوليد بن عتبة، فأخبره بما سمعه من الحسين بن علي (1) والتحق الحسين بقبر جده يبكي تماما كما فعل أبوه علي بن أبي طالب عندما هددته زعامة بطون قريش بالقتل إن لم يبايع، فالتحق بقبر النبي يبكي ويتلو الآية الكريمة: * (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * (2) وبكي الإمام الحسين أمام قبر جده بكاء مرا، ونام بعد ذلك، فرأي جده في المنام يضمه إلي صدره ويقبله ويقول له: " يا بني يا حسين كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء، من عصابة من أمتي، وأنت في ذلك عطشان لا تسقي، وظمآن لا تروي، وهم في ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة، فما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي، وهم إليك مشتاقون، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة … " (3) وانتبه الإمام الحسين من نومه وودع قبر جده وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد خرجت من جوارك كرها، وفرق بيني وبينك، حيث إني لم أبايع ليزيد بن معاوية شارب الخمور، وراكب الفجور وها أنا خارج من جوارك علي الكراهية، فعليك مني السلام " (4).
وقال له عبد الله بن عمر بن الخطاب: " وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس، واصبر كما صبرت لمعاوية، فلعل الله أن يحكم بينك وبين
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٨، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٥.
(٢) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١٣.
(٣) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٠، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٨٦ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٨، والعوالم ج 17 ص 177 والموسوعة ص 287.
(4) راجع المنتخب للطريحي ص 410، وناسخ التواريخ ج 2 ص 14 وينابيع المودة ص 401 والموسوعة ص 289.
(١٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: آية التطهير (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، يوم القيامة (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، الحسين بن علي (1)، النوم (1)، البكاء (1)، القبر (2)، الكرم، الكرامة (1)، الكراهية، المكروه (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، الخوارزمي (1)
القوم الظالمين "، فقال له الإمام الحسين: " أبا عبد الرحمن أنا أبايع يزيد، وأدخل في صلحه وقد قال النبي فيه وفي أبيه ما قال "؟ وبعد حوار بين الإمام الحسين وابن عباس وابن عمر، قال الإمام الحسين لابن عمر: أسألك بالله أنا عندك علي خطأ من أمري هذا؟ فإن كنت عندي علي خطأ فردني، فإني أخضع واسمع وأطيع، فقال ابن عمر: اللهم لا ولم يكن الله تعالي يجعل ابن بنت رسوله علي خطأ وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول علي مثل يزيد بن معاوية، لعنه الله باسم الخلافة، ولكني أخشي أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف وتري من هذه الأمة ما لا تحب، فارجع معنا إلي المدينة، وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبدا (1). فقال الحسين: " هيهات يا ابن عمر، إن القوم لا يتركوني وإن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتي أبايع وأنا كاره أو يقتلونني … اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي … " (2).
والخلاصة أنه كان علي الحسين أن يتخذ قراره وأن يختار أحد خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يبايع ليزيد بن معاوية ليكون " خليفة لرسول الله، وأميرا للمؤمنين ومرجعا لهم، وإما أن يمتنع عن البيعة فيقتل في النهاية "، لقد اتخذ الإمام الحسين قراره النهائي بالامتناع عن بيعة يزيد، وأعلن هذا القرار بكل وسائل الإعلان المعروفة في زمانه وهذا القرار لم يكن اعتباطيا، إنما بني علي قناعات دينية يقينية، وحقائق تاريخية وعقلية وفطرية معلومة بالضرورة وقد أشرنا إليها في هذا البيان.
الحسين ومغادرة المدينة المنورة:
إن الإمام الحسين يمثل قمة الوعي الديني والسياسي فهو إمام، ومصطلح الإمام شرعا يعني:: الأفهم والأقرب إلي الله وأفضل الموجودين، فالإمام
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٩ ومثير الأحزان ٤١.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٦، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٩ ومثير الأحزان ص ٤١ والموسوعة ص 307 - 309.
(١٥١)
صفحهمفاتيح البحث: المدينة المنورة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الظلم (1)، الضرب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب مثير الأحزان (1)، الخوارزمي (1)
الحسين يعلم بالضرورة أن الامتناع عن مبايعة الخليفة الطاغية يعني المواجهة، لأن عدم البيعة بمفاهيم الخلفاء الطغاة تعني الخروج علي الطاعة، وإعلان الحرب.
ثم إن الإمام الحسين رجل منطق وعقل، فهو يعلم علم اليقين أن معاوية قبل أن يهلك سلم ابنه يزيد مفاتيح بيوت الأموال، فصارت أموال الدولة بيده، ويعلم الإمام الحسين أن معاوية قبل أن يهلك أيضا سلم ابنه قيادة الجيوش المدبرة علي الطاعة والتي تتقاضي رواتبها من بيوت الأموال التي يملك يزيد بن معاوية مفاتيحها، ويعلم الإمام الحسين أن أمراء الأقاليم لهم ضلع بالمؤامرة، وهم ليسوا أكثر من موظفين يتقاضون رواتبهم من يزيد بن معاوية!!! ويعلم أن الناس مع من غلب، وأن الجيوش التي يقودها يزيد لا تعرف من الدين إلا قشوره، فهي مجهلة ومعدة إعدادا كاملا لتكون درعا لدولة الخلافة وللخليفة، وعصا بيده يضرب بها من يشاء، ويعلم الإمام الحسين أنه بنظر الناس مجرد ابن النبي المغضوب عليه هو وأهل بيته من قبل الخلفاء خاصة معاوية الذي فرض مسبة أبيه علي الرعية واعتبر محبة أهل بيت النبوة وموالاتهم من جرائم الخيانة العظمي، وما زالت قوانين معاوية سارية المفعول، فقد هلك قبل أيام، ولم يقم أحد بإلغاء تلك القوانين، وليس مع الإمام الحسين عمليا إلا أهل بيت النبوة وبضعة عشر رجلا من المؤمنين، ولا قدرة لأهله ولا للقلة المؤمنة علي حمايته وحماية موقفه إذا حدثت أية مواجهة بينه وبين والي المدينة وجيش الخليفة في المدينة، وسيتمكن جيش الخليفة من القضاء عليه وعلي أهل بيته بصمت ودون أن يشعر به أحد من المسلمين خارج المدينة!!!.
أين المهاجرون والأنصار؟:
الأكثرية الساحقة من المهاجرين والنبي علي فراش الموت قد اتحدت مع إخوانها من أبناء بطون قريش ال 23 أما الأقلية المؤمنة منهم والتي لم تتحد فقد ماتت، وهوي أبناء الأكثرية من المهاجرين هوي بطون قريش، فلا أمل للإمام الحسين بنصرتهم له ولا بدفاعهم عنه وعن موقفه، ثم الإمام الحسين لن يكون
(١٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الهلاك (3)، الضرب (1)، البيعة (1)، الموت (1)
أعظم من أبيه علي، ومن هذا هدد أبوه بالموت إن لم يبايع (1) أمام المهاجرين ولم يحركوا ساكنا، وهم الخليفة الأول ونائبه بإحراق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه وفيه علي والحسن والحسين، وشرعوا بإحراق البيت بالفعل ولم يتعرض أحد من المهاجرين علي هذا العمل الفظيع، واكتفي المهاجرون بالتفرج علي ما يحدث، أو شاركوا بما يحدث، وبالتالي لا ينبغي للإمام الحسين أن يتأمل بسكان المدينة من المهاجرين أكثر مما أمل أبوه وأكثر مما أملت أمه (2).
أما بالنسبة لسكان المدينة من الأنصار، فالإمام الحسين يذكر تجربة أبيه معهم، صحيح أن الأنصار أو بعض الأنصار قد قالوا في سقيفة بني ساعدة: لا نبايع إلا عليا وعلي غائب (3) وصحيح أيضا أن المنذر بن الأرقم قد قال في سقيفة بني ساعدة: " وإن فيهم رجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد " وهو يعني علي بن أبي طالب " (4)..
وإن نسي الحسين فلن ينسي يوم حمل أبوه علي أمه فاطمة الزهراء علي حمار وقاد الحسن والحسين وطاف علي بيوت الأنصار بيتا بيتا يسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فكان علي يقول لهم: أفكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لم أجهزه، وأخرج إلي الناس أنازعهم في سلطانه؟ وكانت البتول الزهراء تقول: " ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه " (5) وقد أشار معاوية إلي هذه الواقعة قائلا: " وأعهدك أمس تحمل قعيدة
(١) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١٣.
(٢) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٦٤ وأبو الفداء ج ١ ص ١٥٦ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٦ وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠ والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٧ والسقيفة للجوهري برواية ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٢ و ج ٦ ص ٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٨ وتاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ح ١١ ومروج الذهب ج ٢ ص ١٠٠ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٨ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ ص ١٢٣ الذي قال: إن الأنصار قد قالت ذلك بعد أن بايع عمر لأبي بكر.
(٤) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٣ والموفقيات للزبير بن بكار ص ٥٧٩.
(٥) أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة برواية ابن أبي الحديد في كتابه " شرح نهج البلاغة " ج 6 ص 78، والإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 12.
(١٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي طالب (1)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، فاطمة بنت محمد (1)، السقيفة (3)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، الموت (1)، النسيان (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب السقيفة للجوهري (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
بيتك ليلا علي حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع لأبي بكر … " (1) فالأنصار لم تنصر أهل بيت النبوة بعد يوم واحد من وفاة النبي، فهل يعقل أن تستجيب الأنصار للحسين وحده!!! ثم إن الأنصار قد سمعت بموقف الإمام الحسين، وتجاهلت الأمر، وتظاهرت كأنها لم تسمع، وإن نسي الإمام الحسين فلن ينسي يوم حرمت أمه من ميراث أبيها، وصودرت المنح التي أعطيت لها حال حياة أبيها، ومنعت الخمس المخصص لذوي القربي، وطالبت بحقها أمام المهاجرين والأنصار فلم يدعمها أحد، ولو بكلمة واحدة. إنما وقف الجميع يتفرجون علي صراع السيدة مع الخليفة وأركان دولته، وكان بوسعهم أن يأمروا علي الأقل بالمعروف وينهوا عن المنكر باللسان وهذا أبسط ما علي الإنسان.
والخلاصة أن الإمام الحسين كان واثقا ثقة مطلقة بأن أهل المدينة لن يحموه، ولن يحموا موقفه، ولن يحموا أهل بيت النبوة وأن الخليفة يزيد بن معاوية لو كلفهم بحرق بيت الحسين علي من فيه لأطاعته الطائفة التي كلفها بالحرق، ولبقيت الطائفة الأخري تتفرج، لهذه الأسباب مجتمعة ومنفردة قرر الإمام الحسين أن يترك المدينة وجوار جده العظيم وهو كاره. أنظر إلي قوله ومناجاته لجده: " وأنا خارج من جوارك وعلي الكراهية، فعليك مني السلام " (2).
كان الإمام الحسين يشعر أنه في قوم فرعون، وتحت حكم شبيه بحكمه، أنظر إليه وهو يردد الآية نفسها التي رددها موسي عندما خرج من عاصمة فرعون وخرج الإمام الحسين ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين ببنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية وهو يتلو هذه الآية: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (3) وتابع الحسين حالة التمثل بموسي، فلما وصل إلي مكة قرأ آية: * (ولما توجه تلقاء مدين قال
(١) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٦٧، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٨٢.
(٢) راجع منتخب الطريحي ص ٤١٠ وينابيع المودة ص ٤٠١.
(٣) أشار إلي قراءته للآية المفيد في الإرشاد والطبري في تاريخه ج ٣ ص ٢٧٢، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١ والعوالم ج ١٧ ص ١٨١ وينابيع المودة ص ٤٠٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨.
(١٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، شهر رجب المرجب (1)، الظلم (1)، النسيان (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، الخمس (1)، الوفاة (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، نصر بن مزاحم (1)
عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) * [القصص / 22] (1).
فالحسين علي يقين أن فرعون حقيقي يلاحقه وأنه يتنقل ضمن مملكة فرعون بني أمية، وأنه وأهل بيته يمثلون الشرعية الإلهية والحق الذي كان يمثله موسي!!!.
لا يعني امتناع سكان المدينة عن حماية الإمام الحسين، وحماية أهله وموقفه أن أولئك السكان خاصة الأنصار يكرهون الإمام الحسين، فليس بالحسين ما يكره بل علي العكس هم يحبون الإمام الحسين، وعندما سمعوا في ما بعد بقتله بكت القلة المؤمنة علي الحسين دموعا من دم، ويكمن السر بامتناع الأنصار عن حماية الإمام الحسين ونصرته والدفاع عن موقفه بأنهم لا يريدون مواجهة مع الخليفة ولا مع أركان دولته، لأنه لا طاقة لهم بهذه المواجهة، ولا مصلحة لهم فيها، فليس عند الإمام الحسين ما يطمعون به، وكل ما يريدونه موجود لدي الخليفة وأركان دولته: المال، النفوذ، الجاه، الدنيا كلها بيد الخليفة، فما هي مصلحة أكثرية الأنصار ليتخلوا عن الدنيا من أجل الإمام الحسين!! ثم إن الإحساس بالانتماء الاجتماعي، والانتماء لمثله العليا قد مات بالفعل، أو تحول إلي كلمات جامدة ليس أمامها أي فرصة للتطبيق والتفعيل، استقرت نهائيا روح التواكل في مجتمع المدينة وغيره من المجتمعات الإسلامية، صحيح لقد كانت هنالك عناصر ثائرة علي خلق التواكل الذي ساد المجتمعات الإسلامية، لكنها سرعان ما تغرق في محيط التواكل. قال الطبري يصف هذه الحالة: " إن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها، فتقول: انصرف، الناس يكفونك ويجئ الرجل إلي ابنه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام … " (2).
فالأنصار يتمنون قلبيا أن ينتصر الإمام الحسين، وأن تنتصر مبادئه ويتمنون أن يهزم يزيد وأتباعه، ويرجون أن ييسر الله للإمام الحسين من ينصره، ويحميه،
(١) راجع هذا التمثل بالإرشاد ص ٢٠٢، وبحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣٢ والعوالم ج ١٧ ص ١٨١ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣١، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٤ والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٢٥، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٨٨ ووقعة الطف ص ٨٦ والموسوعة ص ٣٠٥.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٧١.
(١٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (1)، الشام (1)، البكاء (1)، الموت (1)، الكراهية، المكروه (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
لكنهم ليسوا علي استعداد إطلاقا للمساهمة بأي شكل من الأشكال بنصرة الحسين أو حمايته!!! لقد تعودوا أن يقفوا ساكنين أمام أي مواجهة بين فريقين، فإذا انتصر أحدهما وقفوا مع الغالب، وسلموا له تسليما كاملا، فإذا ظهر علي المسرح فارس جديد يريد أن يغلب غالب الأمس، فإنهم يتمسكون بغالب الأمس لا حبا به، ولكن خوفا منه!!، كأن انسانيتهم قد أصيبت بالشلل فعلا!! لما قال أمير المدينة إن الخليفة في دمشق أمره أن يأخذ البيعة من الحسين، وإن أبي فعليه أن يضرب عنقه يمكن لعقلاء الأنصار التدخل بهذه الحالة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاقتراح علي الأمير أن يعطي الإمام الحسين فرصة لإعادة النظر في موقفه!! يمكنهم أن يقولوا للأمير: رجاء أن تبلغ الخليفة في دمشق أن الإمام الحسين هو ركن آل محمد، وأهل بيته وذوي قرباه وهو ابن رسول، وقتل هذا الرجل يسبب حرجا للجميع، ولكن أهل المدينة ليسوا علي استعداد حتي لمثل هذه التضحية البسيطة، فقلوبهم مسكونة بالرعب، فقد يظن الخليفة أو أميره علي المدينة أنهم يوالون أهل بيت النبوة، وقد بينا أن موالاة أهل البيت كانت من جرائم الخيانة العظمي وعقوبتها التنكيل وهدم الدار (1) وقد يظن الخليفة أن أهل المدينة يحبون أهل البيت، وحب أهل بيت النبوة أيضا من جرائم الخيانة العظمي وعقوبتها شطب ومحو اسم (المجرم) من ديوان العطاء، وتجريده من الحقوق المدنية بحيث لا تقبل له شهادة (2) فمن له بهذه الحالة مصلحة ليأمر بالمعروف أو ينهي عن المنكر، فتقدير أهل المدينة أن الإمام الحسين سيقدر أوضاعهم، وسيلتمس لهم عذرا!!! إن الفراعنة أنفسهم لم يذلوا رعاياهم لهذه الدرجة التي أذل فيها معاوية وابنه وخلفاء بني أمية رعاياهم لقد كان حكمهم أكثر بشاعة وقبحا وظلما من حكم الفراعنة!!.
والخلاصة وأمام هذه السلبيات القاتلة فإنه لا ينبغي للإمام الحسين أن يأمل بنصرة ومنعة أهل المدينة له ولموقفه ولآل محمد وذوي قرباه، فلو أمرهم الخليفة أن يصلبوا الإمام الحسين في جذوع النخل، أو أن يحرقوه حيا لنفذوا أمر الخليفة
(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم.
(2) المصدر نفسه.
(١٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (2)، بنو أمية (1)، دمشق (2)، القتل (1)، الشهادة (1)، الظنّ (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مدرسة المعتزلة (1)
بأيديهم بالوقت الذي تكون فيه عيونهم تسيل دما حزنا علي الحسين، وقلوبهم تنفطر أسي جزعا لما فعلوا بالحسين، لقد خالف الله ما في صدورهم عما في ألسنتهم!! لقد جعل الله باطنهم شيئا، وظاهرهم شيئا آخر، وهذا أحدث فن من فنون العذاب ومسخ إنسانية الإنسان وأقصي ما فعله الأنصار للإمام الحسين أن خرج معه خمسة منهم، رافقوه بكل المراحل، ولم يتخلوا عنه، وقاتلوا برجولة نادرة بين يديه حتي قتلوا (1)، وعذر أنصار المدينة أنهم ضاعوا وسط الأكثرية التي كانت علي الشرك ثم أسلمت وصارت أكثرية مسلمة، واستولت علي الخلافة بالقوة، فصار حاكم الأنصار هو عدوها الذي حاربته بالأمس تحت قيادة الرسول وآله، فكانت عيون الأكثرية الحاكمة مفتوحة علي كل حركة وسكنة للأنصار، وكان الأنصار بنظر الأكثرية الحاكمة موضع شبهة بموالاة آل محمد الذين قادوا الحرب ضد تلك الأكثرية عندما كانت علي الشرك، وكان علي الأنصار وأولادهم إذا ما أرادوا الحياة أن يثبتوا لبطون قريش ال 23 أنهم ليسوا مع آل محمد!!!
فضلا عن ذلك فإن الأنصار صاروا قلة قليلة جدا وسط الكثرة التي كانت مشركة ثم أسلمت، ووسط الكثرة الوافدة من البلاد المفتوحة، وبالتالي قلت أهمية الأنصار، وتضاءلت فاعليتهم. لكل هذه الأسباب اضطر الإمام الحسين ليخرج من المدينة كارها!!.
أهداف الإمام المرحلية:
وفق التحليلات الدقيقة للإمام الحسين، - والتي أشرنا إليها قبل قليل - رأي أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبري وبكل المعايير الدينية والتاريخية والمنطقية، لذلك امتنع عن بيعة يزيد بن معاوية، وأعلن هذا الامتناع بكل وسائل الإعلان. الامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم، يعتبر خروجا علي طاعة الخليفة الغالب، وعدم القبول بخلافته، ووفق قوانين دولة الخلافة السائدة
(١) راجع المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٠٤ والخوارزمي ج ٢ ص ٢١ وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٢٣ وبحار الأنوار ج ٤ ص ٢٨ وتاريخ الطبري ج ٤ ص ٤١٣ وقد وثقناها تحت عنوان " جماعات وأفراد الفئة الأولي ".
(١٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، القتل (2)، الحزن (1)، العذاب، العذب (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)، الخوارزمي (1)
فإن هذا الامتناع بمثابة إعلان حرب وهو من جرائم الخيانة العظمي التي يعاقب مرتكبها بالموت، كائنا من كان، ومن الطبيعي أن الخليفة وأركان دولته قد سمعوا بامتناع الإمام الحسين عن البيعة، وأنهم بوقت يطول أو يقصر سيرسلون قواتهم المسلحة لتجر الإمام الحسين وأهل بيته بالقوة، وتجبرهم علي البيعة وهم صاغرون، أو تقتلهم أشنع قتلة، ولن تأخذ الخليفة ولا أركان دولته بهم رحمة أبدا، ولن يرعوا فيهم إلا ولا ذمة، فالحسين موقن أنه أمام فرعون وجنوده، ولكن فرعون المسلمين مسلح بالدين، فهو يلبس قفازات بيض، ويتظاهر بالإسلام والطهارة والبراءة، ويده ملطخة بدماء الجريمة، والحسين بشر مزود فسيولوجيا بالطاقة علي الهروب مما يؤذيه وعلي البحث عما يأويه ويحميه، فالحسين يريد فئة من الناس تحميه وتحمي أهل النبوة، وتنصرهم وتمنعهم من فرعون وجنوده، إذا ما جاءوا يوما وهم قادمون لا محالة - لجر الحسين وأهل بيت النبوة إلي البيعة وهم صاغرون أو قتلهم، هذا بالضبط ما يريده الإمام الحسين.
إصلاح الأمة:
خلال فترة امتناع الحسين عن البيعة، وخلال فترة المطاردة سيسمع كل المسلمين بواقعة امتناع الحسين عن المبايعة وبواقعة مطاردة الفرعون وجنوده وسيسمعون بالأسباب التي دعت الإمام الحسين للامتناع عن البيعة، فالحسين ليس رجلا من عامة الناس، فالمسلمون يعرفونه علي أنه عميد آل محمد الذين يصلون عليهم في صلاتهم، وعميد أهل بيت النبوة الذين طهرهم الله، وعميد ذوي القربي الذين افترض الله مودتهم علي العباد، لذلك فمن المعروف بالضرورة أن المسلمين سيتابعون مآل امتناع الإمام عن البيعة وعاقبة هذا الامتناع، ويتابعون أيضا أنباء المطاردة، ويتابعون بالضرورة تصريحات الإمام الحسين خلال فترة المطاردة، وهذا بالضبط ما أراده الإمام الحسين وسيعرف المسلمون في النتيجة أن خليفتهم ليس هو خليفة رسول الله كما يدعي، إنما هو رجل غاصب للسلطة، استولي عليها بالقوة وفرض نفسه علي المسلمين بالقهر، وحكمهم بالطريقة التي يحكم بها أئمة الكفر رعاياهم، خاصة وأن المسلمين جميعا يعرفون
(١٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: القتل (3)، الموت (1)، الحرب (1)، اللبس (1)
السيرة الشخصية النتنة لهذا الرجل الذي يزعم أنه خليفة رسول الله، ولقد ركز الإمام الحسين علي هذه الناحية تركيزا خاصا خلال فترة المطاردة، فبين للمسلمين، حقيقة هذه الأمور.
ففي كتابه لأهل البصرة ذكر الناس برسول الله وما فعل، ثم قال: " … ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به، وكنا أهله وأولياؤه وأوصياء ورثته وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه.. ".
ثم قال: " وقد بعث إليكم رسولي بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنة رسوله، فإن السنة قد أحييت، وأن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد " (1).
ومثل ذلك كتابه إلي أهل الكوفة: فقد جاء فيه: " فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه، فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحق، ولا يهدي ولا يهتدي " (2) فالإمام الحسين يحثهم علي المقارنة، ويبين لهم الحقيقة الشرعية، وييئسهم من صلاح يزيد بن معاوية.
ومثل قوله في خطبة له أمام جند الحر الذي جاء ليستطلع أمر الإمام الحسين وليحبسه ريثما يكتمل جند الخليفة: " … يا أيها الناس أنا ابن بنت رسول الله، ونحن أولي بولاية هذه الأمور عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالظلم والعدوان، فإن تتقوا بالله، وتعرفوا الحق لأهله فيكون ذلك لله رضي، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم علي خلاف ما
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٨٠، ومثير الأحزان ص ٢٧، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٤ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٠، ووقعة الطف ص 107 والموسوعة ص 315 - 316.
(2) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 35، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 195.
(١٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، مدينة البصرة (1)، الظلم (1)، الإبداع، البدعة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
جاء في كتبكم، وقدمت به رسلكم انصرفت عنكم " (1).
ثم انظر إلي مناجاته لأصحابه ذات مرة حيث خطب فيها فقال: " … وإن الدنيا قد تغيرت، وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون إلي الحق لا يعمل به، وإلي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا، فإني لا أري الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما " (2).
وانظر إلي قوله: " … ما أهون الموت علي سبيل نيل البر وإحياء الحق، ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه … إن نفسي لأكبر، وهمتي لأعلي من أحمل الضيم خوفا من الموت … مرحبا بالقتل في سبيل الله … وهل تقدرون علي أكثر من قتلي!! … ولكنكم لا تقدرون علي هدم مجدي ومحو عزي وشرفي " (3).
ثم انظر إلي وصية الإمام الحسين التي كتبها إلي أخيه محمد بن الحنفية، فابن الحنفية هو الوحيد من إخوان الإمام الحسين الذي لم يخرج معه، وبالضرورة ستأتي رسل الفرعون وتسأل محمد بن الحنفية عن أخبار الحسين، وأقواله، وبالضرورة سيأتي أهل المدينة ويسألونه أيضا، وبالضرورة سيسأله كل المشفقين علي مصير الحسين، لذلك اختاره الإمام الحسين وكتب له وصية، بين فيها أسباب خروجه، فقال بعد أن ركز علي فكرة الحق تركيزا خاصا: " … وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولي بالحق ومن رد علي هذا
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٨٧، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٢، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢٧ والموسوعة ص ٣٥٧.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٧، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص ٢١٤ ومثير الأحزان ص ٤٤٠، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨١ و ٧٨ و ١١٦ وينابيع المودة ص ٤٠٦ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٧.
(٣) راجع أعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨١، والموسوعة ص ٣٥٩ - ٣٦٠، وإحقاق الحق ج 11 ص 601.
(١٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: القتل، القتال في سبيل الله (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، علي بن أبي طالب (1)، العزّة (1)، الباطل، الإبطال (1)، الظلم (1)، الموت (4)، الوصية (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، الخوارزمي (2)
أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين … " (1).
فالوصية مصاغة ومعدة لتكون بمثابة رسالة خاصة لكل واحد من أبناء الأمة تبين له وبمنتهي الإيجاز الغاية من خروج الإمام الحسين وهي بمثابة سؤال موجه لكل فرد من أفراد الأمة مفاده: هل تقبل هذا الحق، أو ترده علي صاحبه، وهي بمثابة دعوة لكل من بلغ لينصر هذا الحق.
وهذه الوصية التي سمعت بها الأمة بالضرورة هي بمثابة الحجة التي يقيمها الإمام الحسين علي الأمة، ولم يتوقف الإمام الحسين عند الوصية بل كشف للأمة حقيقة الخليفة ونظامه، فأعلن أمام الأمة " إن الخليفة ومن والاه قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين " (2).
وصعد الإمام هجومه علي النظام إمعانا بكشف زيفه وإظهاره علي حقيقته فقال في خطبة له: … " فبعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة، وبقية الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومطفئ السنن، ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، وعصاة الإمام وملحقي العهرة بالنسب ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون … " (3).
ثم كشف ابن النبي حال الخليفة وأركان دولته، فقال أمام فرقة من فرقهم … : " لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم ولما تريدون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعدا للقوم الظالمين.. " (4).
وطلب الإمام من الأمة أن ترجع إلي نفسها أبجديات الفهم فقال: "..
(١) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٩، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٨٩ والعوالم ج ١٧ ص ١٧٩، وأشار إلي بعض الوصية ابن أعثم الكوفي بالفتوح ج ٥ ص ٢٣ وراجع الموسوعة ص ٣٦١.
(٢) راجع تذكرة الخواص ص ٢١٧ والموسوعة ص ٣٢٦.
(٣) الاحتجاج ص ٣٣٦ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١١ مختصرا وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨٣.
(٤) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٥١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٠٠ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٥ والعوالم ج 17 ص 249.
(١٦١)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، الوقوف (1)، الوصية (3)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، ابن شهرآشوب (3)
فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب، والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحق ولا يهدي ولا يهتدي " (1) لقد استغل الإمام فترة مطاردة دولة الخلافة له أحسن استغلال وكل ليلة قضاها الإمام الحسين مطاردا، وكل تصريح أدلي به ما هو إلا صرخة مدوية لتستفيق الأمة من غفوتها وترهلها ونومها العميق، ولونا من ألوان الحجة البالغة التي أمر الإمام الحسين علي إقامتها كاملة علي الأمة.
مضمون وصية الإمام الحسين التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية قد عرف من العامة والخاصة علي السواء، وعرفته دولة الخلافة، وعرفته رعايا دولة الخلافة بالضرورة فهو يبرر امتناع الإمام الحسين عن البيعة، ويبرر أسباب خروجه من جوار جده، وكل فرد من أفراد الأمة عرف بالضرورة أن الخليفة وأركان دولته يطاردون الإمام الحسين وأهل بيته ليقبضوا عليهم، ويكرهونهم علي البيعة أو يقتلونهم، وكل فرد من أفراد الأمة كان يعلم علم اليقين إن الإمام الحسين يبحث عمن ينصره، ويحميه ويحمي أهل بيته، ويحمي دعوة الحق التي ينادي بها، وكل فرد من أفراد الأمة سمع بكل التصريحات التي أدلي بها الإمام الحسين، وهي تصريحات واضحة لا تحتاج إلي توضيح، وهي تفيض بأنبل مشاعر الإخلاص للإسلام وقضيته، وتضع بين يدي أفراد الأمة قراءة موضوعية لواقع دولة الخلافة المناقض تماما للشرع الحنيف. وكل الأمة كانت تعرف بأن الإمام الحسين لن يتراجع عن موقفه لنصرة الحق وأنه بانتظار المخلصين من الأمة ليشاركوه نصرة الحق، وانتظر الإمام الحسين، أولئك المخلصين مدة طويلة، وصمد من شهر رجب حتي العاشر من محرم بوجه مطاردة دولة عظمي في زمانها، وطال انتظاره ولم يأت المخلصون، واخترقت نداءاته القدسية طبلة أذن كل فرد من أفراد الأمة وتجاهلت الأمة نداءات الإمام، وخذلته الأمة بالفعل، كان الإمام سلفا يعلم بأن الأمة ستخذله، وستضيعه، ولن تحفظه بدليل شكواه أمام قبر جده رسول الله قبل خروجه من المدينة حيث قال:
" السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن
(1) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 35 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 195.
(١٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، شهر رجب المرجب (1)، القبر (1)، الوصية (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)
فرختك، وسبطك في الخلف الذي خلفت علي أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم خذلوني، وضيعوني، وأنهم لم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتي ألقاك " (1).
فقبل أن يخرج الإمام الحسين من المدينة كان يعلم علم اليقين أن الأمة ستخذله، وستضيعه، ولن تحفظه، وستتفرج علي الفرعون وجنوده وهم يطاردون آل محمد وأهل بيته وذوي قرباه، وستشترك بالمطاردة ولكن الإمام يريد أن يقيم الحجة عمليا عليها، يريدها أن تكتشف ذات يوم بأنه قد ضحي بروحه الطاهرة، وبأرواح آل البيت وأهل البيت وذوي القربي ليخرج من هذه المذبحة دوي هائل، يجبر الأمة علي الصحوة من نومها. أراد الإمام الحسين أن يكون دمه ودم أهل البيت زيتا يضئ الدرب أمام الأمة ذات يوم عندما تكتشف كم فرطت في جنب الله يوم خذلت الإمام وأهل بيته.
ونجح الإمام الحسين بالفعل بإقامة الحجة علي الأمة، فاتبعه أقل من مائة رجل، وخذلته البقية الباقية منها مع سبق الترصد والإصرار.
لقد جرت العادة علي أن يقاتل أبناء الأمم والشعوب الأقل أهمية أمام السادات الأكثرية أهمية، دفاعا عنهم وعن قيم وشرف تلك الشعوب والأمم التي يمثلها أولئك السادات.
وجاء الإمام الحسين، وكان من المفترض أن يتقدم أبناء الأمة ويقاتلوا بين يديه دفاعا عن ابن النبي، وآل النبي، وأهل بيت النبي وذوي قرباه، كان المفترض أن يموت الآلاف المؤلفة من أبناء الأمة قبل أن يضطروا الإمام الحسين وأهل بيته للقتال، لكن أبناء الأمة لم يفعلوا ذلك، فقد أجبروا الإمام وأهل بيته علي القتال بين يدي الأمة دفاعا عن الإسلام ورموزه الخالدة وطالما أن أبناء الأمة لم يقاتلوا بين يدي الإمام الحسين وأهل بيت النبوة رموز الإسلام الخالدة، ليتهم لم يقاتلوهم علي الأقل، ليتهم وقفوا يتفرجون، لكان ذلك أقل عارا وأخف غبارا.
(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 19 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 186 والعوالم ج 17 ص 177 والموسوعة ص 286.
(١٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: القتل (1)، الموت (1)، الخلود (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)
وباختصار لقد نالت الأمة من الحسين وأهل بيت النبوة ونالوا منها، وما أشبه هذا القول بقول الإمام علي: " فويل لهم منكم، وويل لكم منهم " (1).
لقد قامت الحجة علي الأمة بالفعل، ولم تنصر الإمام الحسين وأهل بيت النبوة إنما خذلتهم مع سبق الإصرار وبعد قيام الحجة، واكتشف الإمام الحسين أن أفراد أمة جده والأكثرية الساحقة جدا منهم كاره للموت وقيمه بالحياة حتي أنهم ليكادون أن يموتوا من الرعب حذر الموت، لذلك صمم وبكل قواه أن يكسر حاجز الخوف، وأن يعطي الأمة دروسا من الموت وعن الموت ليشفيها من مرضها القاتل " الرعب من الموت " فسار الإمام الحسين أمام أفراد الأمة كلها في رحلة الموت، ثم خاض بحار الموت شرقا ومغربا علي حد تعبيره وطارد الموت مطاردة ساخنة حثيثة، وكلما مر منه الموت لاحقه، حتي ليخال الناظر - وهو مصيب - بأن الآية قد انقلبت، وأن الموت صار يخشي الإمام وأهل بيته ومن والاهم بدلا من أن يخشونه، وبدلا الإمام رحلة الموت ومطاردة الموت أمام الأمة، وبخطوات واثقة متزنة كأنها بالتصوير الفني البطئ ليحررههم من عقدة الخوف من الموت، فالإمام مصر إصرار بالغا علي أن يكشف حقيقة نظام يزيد للعالم، فهو بالظاهر والادعاء خليفة رسول الله، وفي الحقيقة والممارسة هو الفرعون وجنوده، وكما أن الإمام مصر علي إقامة الحجة علي الأمة، هو مصر أيضا علي تحريرها من عقدة الخوف، ومصر علي إجبارها علي معرفة الواقع، ومقارنته بالشرعية الإلهية لتعرف البون الشاسع بين النقيضين، لقد توصل الإمام الحسين إلي نتيجة مفادها أن أهل المدينة لن ينصروه، ولن يحموه، بل سيسلمونه للفرعون وجنوده، وأن الأمة ستخذله لذلك كله قرر أن يكشف هذا الغيب للأمة، وأن يترجمه إلي وقائع، وأن يبدأ رحلة الموت والشهادة بمغادرة المدينة وترك جوار جده كارها.
إلي أين يا ابن رسول الله!!!:
فأقاليم دولة الخلافة المترامية الأطراف هي عبارة عن ضيعات كبيرة يملكها
(1) أوردنا النص كاملا ووثقناه وبينا معناه في الفصول السابقة.
(١٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (13)، الشهادة (1)، القتل (1)، الخوف (2)
الخليفة، ويتصرف بها كما يتصرف الإقطاعي بممتلكاته الخاصة،! وسكان تلك الأقاليم ليسوا أكثر من أقنان أو عبيد للخليفة يعملون لديه في ضيعاته مقابل جعل أو عطاء شهري، وأمراء تلك الأقاليم ليسوا أكثر من موظفين وكبراء عمال يتقاضون رواتبهم شهريا مقابل الطاعة والإشراف علي تنفيذ رغبات الخليفة وأوامره والجيوش المجندة تحت تصرف الخليفة يتقاضي أفرادها وقادتها رواتبهم الشهرية من الخليفة مقابل الولاء له، وحفظ الأمن في أرجاء الأقاليم وتنفيذ أوامر الخليفة بالقوة، أو تحقيق أمجاد الخليفة الشخصية إن رغب بالفتوحات، فأنت يا مولاي تسير في مملكة الفرعون وعلي مرأي من فرعون وجنوده فإلي أين عساك أن تذهب يا ابن رسول الله إن خرجت من المدينة؟ وتركت جوار جدك العظيم؟
ولكن ما هو البديل؟ هل يجلس الحسين وأهل بيت النبوة في بيوتهم وينتظرون فرعون وجنوده حتي يأتوا فيذبحونه كما تذبح الأضاحي، أو يجبرونه علي البيعة، كأقنان " لأمير المؤمنين " يزيد!!! مثل الحسين ومثل أهل بيت النبوة لن يقبلوا هذا الخيار المر، ولا نواميس الكون تقر مثل هذا التوجه، فعلي الإمام الحسين أن يتحرك سريعا وأن يخرج من المدينة فارا بدينه وموقفه وأهله من فرعون وجنوده، ولكن إلي أين؟ هذا هو السؤال الكبير!!!
(١٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: النفاذ، التنفيذ (1)

الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين

الفصل الثاني اقتراحات المشفقين علي الإمام الحسين الاقتراح الأول:
لما شعر محمد بن الحنفية أن الحسين مصمم علي الخروج من المدينة اقترح عليه " تخرج إلي مكة، فإن اطمأنت بك الدار فذاك، وإن تكن الأخري، خرجت إلي بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدك وأبيك، وهم أرأف الناس، وأرقهم قلوبا، فإن اطمأنت بك الدار، وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وجزت من بلد إلي بلد حتي تنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين، فقال الحسين: يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكي فبكي معه الحسين ساعة … ثم قال الحسين: أنا عازم علي الخروج إلي مكة " (1).
الاقتراح الثاني:
لما سار الحسين إلي مكة لقيه عبد الله بن مطيع العدوي وقال له: " …
غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني، فقال له الحسين: وما هي يا ابن مطيع؟
فقال: … إلزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا، فوالله لئن هلكت، ليهلكن أهل بيتك " (2)، فقال له الحسين: " أما الآن فمكة، وأما بعد فإني استخير الله " (3).
(١) راجع الفتوح، ج ٥ ص ٢٣، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٨، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٩، والعوالم ج ١٧ ص ١٧٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨ والموسوعة ص ٢٨٩.
(٢) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٢٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٩، وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١٥٥.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٥٣٣، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨ ووقعة الطف ص 87، والموسوعة ص 302.
(١٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، مدينة مكة المكرمة (4)، عبد الله بن مطيع العدوي (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الاقتراح الثالث:
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: " … وارجع إلي المدينة، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك رسول الله (ص)، ولا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاف لهم علي نفسك حجة وسبيلا " (1).
الاقتراح الرابع:
قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: " … يا ابن عم لا أدري كيف أنا عندك بالنصيحة،؟ فقال الحسين: يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولا يتهم فقل.. فقال: " قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره … " (2).
وقال له ابن عياش: " أتخرج إلي قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك " (3).
الجهة التي قرر الإمام التوجه إليها:
إني أميل إلي القناعة التامة أنه لم تكن في ذهن الإمام الحسين جهة معينة عندما خرج من المدينة، إنه يشعر بأنه مطارد مطاردة تامة من الخليفة وأركان دولته وبوقت يطول أو يقصر، وأن بني أمية يلاحقونه، ويريدون قتله. فغاية ما يطلبه الإمام الحسين مكان آمن يأويه وأهل بيت النبوة ومن خرج معهم، وجماعة من الناس تنصرهم، وتحميهم من بني أمية، وليس مهما أين يكون هذا المكان، ولا من هي تلك الجماعة التي ستتولي نصره وأهله ومن معه وحمايتهم!! لقد كان شعور الإمام الحسين حقيقيا وعميقا بأن فرعون " المسلمين " وجنوده يطلبونه حثيثا، وأنه يتنقل داخل مملكة الأمويين، وكان عنده بصيص من الأمل في قلة من قوم فرعون تكتم إيمانها، ولكنه لا يدري أين هي تلك القلة، والدليل علي ذلك
(١) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٦ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٩ ومثير الأحزان ص ٤١ والموسوعة ص ٣٠٩.
(٢) راجع تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢٠٢.
(٣) راجع تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص ٢٠٠ والموسوعة ص 304.
(١٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (1)، دولة العراق (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، بنو أمية (2)، القتل (2)، الحج (1)، القناعة (1)، الجماعة (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (2)
هو تمثله بما تمثل به موسي عند خروجه من المدينة إذ تلا قوله تعالي: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (1) فالقوم الظالمون الذين عناهم موسي هم فرعون وجنوده ومن أطاعهم، والقوم الظالمون الذين عناهم الإمام الحسين هم الخليفة وجنوده ومن أطاعهم، وهذا معلوم بالضرورة، وكلاهما كان مطاردا، وكلاهما يريد النجاة وكلاهما يمثل الشرعية الإلهية، في مجتمعين أدارا ظهرهما بالكامل لهذه الشرعية. فعندما خرج موسي فرارا بدينه وبحياته لم يكن يعلم أين سيتجه، فهو طالب للمأوي والمأمن، والمنعة من فرعون وجنوده، أينما وجد المأوي، وأينما وجد المنعة، كذلك فإني أجزم بأن الحسين لم يكن يعلم إلي أين سيتجه ولا بأي جهة سيجد المأوي والأمن والمنعة له ولأهل البيت ومن معهم!! بدليل قول الإمام الحسين لابن مطيع: " أما في وقتي هذا أريد مكة، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك " (2).
وقد أكمل الإمام الحسين رسم الصورة كاملة فلما وصل إلي مكة، أخذ يتلو قوله تعالي: * (ولما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) * [القصص / 22] (3) فالحسين موقن أن مكة له بمثابة مدين بالنسبة لموسي، وكما أدرك موسي الهدي الرباني، فإن الله سيهدي حسينا إلي الجهة التي ينبغي المسير إليها، فأقام في مكة باقي شعبان، ورمضان، وشوال وذي القعدة خلال هذه المدة هداه ربه إلي السبيل الواجب اتباعه، والجهة التي ينبغي الذهاب إليها.
(١) راجع وقعة الطف ص ٨٥، والإرشاد للمفيد ص ٢٠٢، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٢ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١، والعوالم ج ١٧ ص ١٨١، وينابيع المودة ص ٤٠٢، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨.
(٢) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٢٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٩، وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١٥٥.
(٣) راجع الإرشاد للمفيد ص ٢٠٢ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٢، والعوالم ج ١٧ ص ١٨١، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٢ والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٢٥، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨، ووقعة الطف ص 86.
(١٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: شهر ذي القعدة (1)، مدينة مكة المكرمة (4)، شهر رمضان المبارك (1)، شهر شعبان المعظم (1)، شهر شوال المكرم (1)، المنع (1)، الظلم (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (2)، يوم عاشوراء (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
الجهة التي صمم الإمام الحسين علي الذهاب إليها:
قلنا إن الإمام الحسين، يريد مكانا يأويه، وأهل بيته ومن معهم، ويريد جماعة من الناس تلتزم بحمايته ونصرته، ولا فرق عنده أين يقع هذا المكان، وأين تكون تلك الجماعة، فهو لا يريد أن يبقي مكشوفا من دون أمن ولا حماية حتي لا يكره علي ما لا يريد، وحتي لا يذبح هو وأهل بيته في مكانهم، دون أن يأخذ بالأسباب. بهذا الوقت بالذات كتب له جماعة من أهل الكوفة كتابا جاء فيه:
" الحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد " يعنون موت معاوية " الذي انتزي علي هذه الأمة، فابتزها وغصبها فيأها، وتأمر عليها بغير رضي منها، ثم قتل خيارها، واستبقي شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود..
وقالوا: إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا، وبينوا أنهم لا يجتمعون مع واليهم النعمان بن بشير لا في جمعة ولا في عيد، وأكدوا له أنه إن بلغهم أنه سيأتي إليهم فسيخرجون الوالي من الكوفة.
وجاءت رسالة أخري من بعض شخصيات الكوفة جاء فيها: أما بعد " فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل والسلام ".
وجاءته رسالة ثالثة، أما بعد: " فقد اخضر الجنان، وأينعت الثمار، وطم الجمام، فإذا شئت فأقدم علي جند لك مجندة "، ولما وصلت هذه الرسائل وأمثالها كتب الإمام الحسين رسالة جاء فيها: " إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين، أما بعد فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملتكم وذوي الفضل والحجي منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله " (1).
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٨، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 524، وبحار الأنوار باب " ما جري علي الحسين بعد بيعة الناس ليزيد: ج 44 ص 334، والعوالم ج 17 ص 183.
(١٧٠)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، مدينة الكوفة (3)، النعمان بن بشير (1)، الذبح (1)، القتل (1)، الكراهية، المكروه (1)، الجماعة (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وقال ابن أعثم الكوفي: إن الإمام كتب لهم " فإن كنتم علي ما قدمت به رسلكم وقرأت كتبكم فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه … " (1).
ثم طوي الكتاب وقال لمسلم إني موجهك إلي أهل الكوفة وهذه كتبهم … وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض علي بركة الله.. " (2).
وهكذا عثر الإمام الحسين علي المكان الذي يأوي إليه، والجماعة التي ستنصره وتحميه وتمنعه، فقد بايع أهل الكوفة مسلم بن عقيل، حتي أحصي ديوانه ثمانية عشر ألفا (3) وقيل: خمسا وعشرين ألفا (4) وقيل: أربعين ألفا (5) فكتب مسلم بن عقيل إلي الحسين مع عابس بن شبيب الشاكري يخبره باجتماع أهل الكوفة علي طاعته، وانتظارهم لقدومه، وجاء في كتاب مسلم: " الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فعجل الإقبال حين يأتيك كتابي " (6).
تقويم الاقتراحات والمكان الذي اختاره الإمام:
عرفنا أربعة نماذج من اقتراحات المشفقين علي الحسين للبحث عن المأوي والحماية، فبعضهم نصح الإمام بالبقاء بالمدينة، وبعضهم نصحه بالبقاء في مكة، وبعضهم الآخر نصحه بالذهاب إلي اليمن، وبعضهم حذره من الذهاب إلي العراق، وقد أصغي الإمام لأصحاب المقترحات الأربعة وشكرهم دون الإفصاح عن رأيه بتلك المقترحات وقد رأينا بالدليل القاطع أن البقاء في المدينة بمثل ظروفها كارثة، فإن أهل المدينة لن يحموا الحسين.
(١) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٣٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٩٥.
(٢) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٣٦، ومقتل الحسين ج ١ ص ١٩٦.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١١، وتذكرة الخواص ص ١٣٨.
(٤) راجع المناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٤٠.
(٥) راجع ابن نما ص ١١.
(٦) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٠ ومقتل الحسين للمقرم ص 468.
(١٧١)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (4)، عابس بن شبيب (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
وأما البقاء في مكة فغير معقول أيضا فالحسين ليس أعظم من النبي، ومع هذا أخرجته مكة، وحاربه سكانها 23 عاما، فمكة ليست المأوي ولا المقام الآمن لسيد شباب أهل الجنة.
كذلك فإن فكرة الذهاب إلي اليمن فكرة غير معقولة، ولا تصلح أن تكون المأوي والمقام الآمن، وما فعله بسر بن أرطأة خير دليل.
معقولية قرار الإمام الحسين:
لقد سمعت جماعات الأمة الإسلامية كلها بامتناع الإمام الحسين عن البيعة وبخروجه من المدينة، وباستقراره مؤقتا في مكة، وعرفت كذلك أن الإمام الحسين يبحث عن مأوي ومكان آمن، وجماعة تحميه وتحمي أهل بيت النبوة من الأمويين وأذنابهم، فأغمضت كل تلك الجماعات عيونها، وأغلقت آذانها، وتجاهلت بالكامل محنة الإمام الحسين وأهل بيت النبوة، وأهل الكوفة هم وحدهم الذين كتبوا للإمام الحسين، وأرسلوا له رسلا ودعوه لا ليحموه فحسب بل دعوه ليكون إماما وقائدا لهم، وليس في ذلك غرابة، فالكوفة كانت عاصمة دولة الخلافة في زمن الإمام علي، والأكثرية الساحقة من أهل الكوفة عرفوا فضل علي خاصة وأهل بيت النبوة، وقارنوا بين حكم الإمام علي وسيرته وبين حكم الجبابرة وسيرهم، وادركوا البون الشاسع بين هذين الخطين من الحكم، فليس عجيبا بعد أن هلك معاوية أن يدركوا أن الفرصة مؤاتية لإعادة الحق إلي أهله خاصة بعد أن سمعوا بامتناع الإمام الحسين عن البيعة وخروجه من المدينة وبحثه عن المأوي الآمن له ولأهل بيته. فالمعقول أن يصدقهم الناس، والمعقول أيضا أن يصدقهم الإمام الحسين، ثم إنه ليس أمام الحسين أي خيار آخر فإلي أين عساه أن يلجأ، وممن سيطلب الحماية والمنعة، والأهم أن ثمانية عشر ألفا من أهل الكوفة قد بايعوه فإن كانوا صادقين بالفعل، فإن قائدا مثل الإمام الحسين له القدرة علي أن يفتح بهم العالم كله!!.
وفكرة المؤامرة بإرسال الرسل والكتب، وفكرة الإختراق الأموي لعملية إرسال الرسل والكتب، لم تكن ببال عاقل!!.
(١٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، مدينة مكة المكرمة (4)، مدينة الكوفة (4)، يوم عرفة (1)، الهلاك (1)، الإختيار، الخيار (1)، الجماعة (1)
إذا فإن اختيار الإمام الحسين للكوفة كان اختيارا معقولا في مثل ظروف الحسين، وخياراته المحدودة.
الحسين وتصديق أهل الكوفة:
لقد رأينا من كتاب مسلم بن عقيل أن ثمانية عشر ألفا من أهل الكوفة قد بايعوه، ومسلم بن عقيل صادق في ما قال: وهذا يعادل 181 ضعفا للعدد الذي بايع الرسول في العقبة، وبناء علي تلك البيعة هاجر الرسول من مكة إلي المدينة، لقد تعهد الذين بايعوا رسول الله في العقبة حماية الرسول وأهله كما يحمون إزرهم، فلم يطلب رسول الله غير ذلك، ولم يطلب ضمانات، لأن فكرة طلب الضمانات في مثل هذه الحالات غير معقولة، ثم ما نوع تلك الضمانات، قد يقال: إن أهل المدينة ليسوا كأهل العراق، أو كأهل الكوفة. لكن هذا القول ليس علميا، فقد شرع الخلفاء بإحراق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه وفيه الحسن والحسين طفلان، وعلي وفاطمة، أمام سمع أهل المدينة وبصرهم كما وثقنا، ولم يرو لنا مؤرخ قط بأن أحدا من أهل المدينة استنكر ذلك، أو نهي عنه بل كان أهل المدينة يتفرجون وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أنهم بايعوا رسول الله علي أن يحمونه ويحمون أهل بيته كما يحمون أنفسهم وذراريهم، فتصديق الحسين لأهل الكوفة وتعامله مع ظاهر الأمور هو المتفق مع المنطق والمعقول والمنقول.
الحسين وحمل أطفاله وأهل بيته:
قال أبو الفرج الأصفهاني: " بعد خروج الحسين أمر عمرو بن سعيد بن العاص صاحب شرطته علي المدينة، أن يهدم دور بني هاشم، وبلغ منهم كل مبلغ " (1) لقد وصلنا هذا الخبر المختصر، بالرغم من سيطرة دولة الخلافة علي وسائل الإعلام وكتابة التاريخ، وحرصها علي أن لا يسمع الناس إلا بما تعتز به، ولا يظهر عن جرائمها أي دليل. وعملية هدم دور بني هاشم، والبلوغ منهم كل مبلغ عمل خطير جدا ومن غير المعقول أن يتولي أمير المدينة القيام به علي
(1) راجع الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج 4 ص 155.
(١٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، دولة العراق (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (5)، فاطمة بنت محمد (1)، بنو هاشم (2)، عمرو بن سعيد (1)، الإختيار، الخيار (1)
مسؤوليته، مما يجعلنا نقطع بأن أمير المدينة قد تلقي أمرا مباشرا من يزيد في دمشق.
فإذا كان الخليفة وأركان دولته يهدمون دول الهاشميين الذين بقوا في المدينة، فماذا عسي يزيد وجنوده أن يفعلوا بأخوة الحسين وأبناء الحسين، وبنات الرسول لو ظفروا بهم!!! فمن المؤكد أنه سيذبح الرجال والأبناء ويستحي النساء!!! ويزيد وأبوه اخترعا هدم الدور كفن من فنون التنكيل بخصومهم، وقد رأينا أن معاوية أصدر أمرا لكل ولاة أقاليم مملكته جاء فيه وبالحرف: " من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم - يعني أهل بيت النبوة - فنكلوا به واهدموا داره " (1).
بمعني أن الحسين إن ترك ذريته وأطفاله خلفه، فإن كل الاحتمالات الرهيبة واردة، ثم إن الشخص من عامة الناس لا يقبل أن ينجوا بنفسه وأن يترك أولاده من خلفه تحت رحمة عدوه، فكيف بالإمام الحسين الذي يحمل أكبر القلوب وأنبل العواطف كيف يتركهم تحت رحمة الأمويين وأتباعهم.
وما الذي يمنعهم من أن يهدموا دار الحسين، ودور إخوته علي رؤوس من فيها وهم أحياء!!.
وما الذي يمنع يزيد من أن يعلن بأنه سيقتل كل يوم واحدا من أبناء الحسين أو إخوته أو أبناء إخوته ما لم يأت الحسين صاغرا ويسلم نفسه!! وما الذي يمنعه من أن يسبي بنات الرسول!!!، فكل شنيع، وكل قبيح، وكل رذيل من الأعمال محتمل جدا من الطاغية وجنوده، فيزيد، مدمن بالعنف، وبالرعب، تربي في بيئة الإدمان علي العنف والرعب!!! إنك لا تستطيع أن تتصور أن أكلة لحوم البشر يمكن أن يفعلوا كما فعلت هند جدته بمعني أنهم رضعوا الإدمان علي العنف والقتل والرعب فصار هذا الإدمان مظهرا عاديا من مظاهر حياتهم.
ثم أي عار في الدنيا يمكن أن يلحق بمن يتخلي عن فلذات كبده وأحب الناس إلي قلبه لينجو بنفسه!!! وكيف يتقول الناس عندما يعلمون أن ابن بنت
(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595 - 596 نقلا عن كتاب الأحداث للمدائني.
(١٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، دمشق (1)، المنع (1)، الأكل (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مدرسة المعتزلة (1)
رسول الله، والإمام الشرعي الذي اختاره الله، وابن علي، وحفيد أبي طالب قد ترك إخوته وأبناءه، وأبناء إخوته تحت رحمة عدوه وعدوهم، ونجا بنفسه!!! إن نفسه القدسية الشريفة، وعواطفه العميقة النبيلة، تترفع عن مجرد تصور هذا!!!.
ثم إنه ليس في الدنيا كلها عاقل واحد يمكن أن يترك ذرية خلفه تحت رحمة خصمه، وفي ظروف كظروف الحسين، وخيارات محدودة لخياراته!!
فكان قراره بإخراج ذريته معه قرار حكيما ومنطقيا، وفطريا ومنسجما مع طبيعة تركيبة النفس البشرية، ومع الفطرة النقية السليمة التي لم تمسها تعقيدات الحياة، ولم يدنسها مرض المكر والالتواء والأنانية.
ثم إن ذريته الطيبة كنفسه التي بين جنبيه، يصونها ويحميها بكل وسائل الحماية التي ألهمه الله إياها، فأينما حلت تلك النفس الزكية تحل تلك الذرية الطاهرة، وأينما رحلت ترحل، يغدق عليها أقدس عواطفه، ويحبوها بعظيم رعايته، ومن ساواك بنفسه ما ظلمك.
عندما خرج الإمام الحسين من المدينة إلي مكة ومعه إخوته وذراريهم، وأبناء عمومته وذراريهم، قال له أهل بيته: " لو سلكت الطريق الأقرع لكان أصلح، فقال لهم الإمام الحسين: " أتخافون الطلب؟ قالوا: أجل ".
قال الإمام الحسين: لن أحد الطريق حذر الموت، وأنشأ يقول:
إذا المرء لا يحمي بنيه وعرضه * وعترته كان اللئيم المسببا (1) هذه طبيعة الرجل الذي خرج، وأخرج ذريته معه، وأخال أخوته، وأبناء عمومته، قد حللوا الموقف كما حلله الإمام الحسين، وتوصلوا إلي ذات النتائج التي توصل إليها الإمام الحسين، وأخال النسيج النفسي لكل واحد منهم يتشابه مع النسيج النفسي لذات الإمام الحسين!! ولم لا!! فهم أحفاد شيخ البطاح أبي طالب، وأبناء فارس الإسلام وسيد العرب والعجم، والمسلمين عامة علي (ع) (2).
(١) راجع مقتل الحسين لأبي مخنف ص ٢٥ وينابيع المودة ٤٠٢ والموسوعة ص ٣٠٠.
(٢) راجع تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام علي ج ٢ ص ٢٥٧ ح ٧٧٢، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢٣٤ وكنز العمال ج ٥ ص ١٥٧ ح ٤٤٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٧٠ وأسد الغابة ج ١ ص ١٩ و ج ٣ ص ١١٦، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٧، وكنز العمال ج ١٥ ص ١٢٦.
(١٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الموت (1)، المرض (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، إبن عساكر (1)، دمشق (1)
ثم من جهة أخري فإن الرسول نفسه عاش هذه المحنة، فليلة هجرته تآمرت بطون قريش ال 23 علي قتله، وشرعت بتنفيذ المؤامرة وكان النبي يعرف أنها ستطارده إن نجا من الموت، ومن هذا فإن النبي أمر علي بن أبي طالب، بأن يحمل ذريته ويلتحق به في اليوم التالي لهجرته.
ثم إن الإمام الحسين يريد من الأمة أن تستفيق من غفوتها القاتلة، وأن تصحو، ويريد أن يقيم الحجة عليها، وخروج الإمام بأهل بيته وذريته كلها أبلغ بالحجة، وأعمق تأثيرا، فعندما تسمع الأمة وتعلم بأن عميد أهل بيت النبوة، وأهل البيت، وآل محمد قد أخرجوا، كبيرا وصغيرا ذكرا وأنثي، وأن الخليفة قد خيرهم بين الموت أو البيعة، وأنه وجنوده في أثرهم يطاردونهم، وأن أهل بيت النبوة يبحثون عمن ينصرهم ويحميهم، فلن يبقي أمامها إلا أن تستجيب، أو تغلق أسماعها، وتغمض عيونها، وتتابع سباتها المذل، وتتجاهل نداء إمامها الشرعي، وتعيش بذل تحت حكم يزيد الظالم وتفعل ذلك مع سبق الترصد والإصرار، وبعد إقامة الحجة القاطعة عليها.
لماذا لم ينسحب الإمام الحسين؟:
من المؤكد أن الإمام الحسين قد تلقي رسالة من ابن عمه مسلم بن عقيل أخبره فيها أن ثمانية عشر ألفا من أهل الكوفة قد بايعوه (1) ومن المؤكد أن مئات الكتب والرسائل قد وصلته من أهل الكوفة تدعوه للقدوم، وتعد بالنصرة والحماية والمنعة (2) ومن المجمع عليه أن العديد من الرسل جاؤوه وطلبوا منه القدوم إلي الكوفة (3) ولا خلاف بأن الإمام الحسين قد وعدهم بالقدوم عليهم وعلي هذا
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١١٦ وتذكرة الخواص ص ١٣٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٤٠.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٠ ومقتل الخوارزمي ص ٤٦٨.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٨ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٢٤ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٤ والعوالم ج 17 ص 183.
(١٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، مدينة الكوفة (3)، علي بن أبي طالب (1)، القتل (1)، الموت (2)، الظلم (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)، ابن شهرآشوب (1)، الخوارزمي (1)
الأساس أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليأخذ له البيعة عليهم، وعلي هذا الأساس توجه الإمام الحسين إلي العراق لأنه يقدم علي جند مجندة له كما وصف أحدهم في رسالته (1) ونسف كل هذه الأمور المجمع علي صحتها، وتجاهل وقوعها أمر غير معقول، فلم يثبت للإمام الحسين أن الثمانية عشر ألفا الذين بايعوا مسلم بن عقيل قد نكثوا ببيعتهم إلا يوم المذبحة، عندما اكتشف أنه لا ناصر له منهم ولا معين، ولو أنه تراجع قبل تأكده من ذلك لكان ملوما، وعلي هذا الأساس رفض الإمام الحسين عرض الطرماح بن عدي عندما قال له: " فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتي تري من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع، فسر حتي أنزلك مناع جبلنا الذي يدعي أجأ، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر، والله ما إن دخل علينا ذل قط، فأسير معك حتي أنزلك القرية ثم نبعث إلي الرجال ممن بأجأ وسلمي من طئ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتي تأتيك طئ رجالا وركبانا، ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجمك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي، يضربون بين يديك بأسيافهم …، فقال له الحسين: جزاك الله خيرا، إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه علي الانصراف، ولا ندري علي ما تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة " (2).
ثم إن الطرماح بن عدي، ليس أكثر من رجل واحد، ومن المحال أن تكون له القدرة علي جمع عشرين ألفا بعشرة أيام، ومن جهة أخري فإن قومه قد علموا بخروج الإمام الحسين من المدينة، وبامتناعه عن البيعة منذ أكثر من شهرين، فما الذي منعهم خلال هذه المدة من الالتحاق بالحسين ومن نصره وحمايته،!! فلو وقف من عشرين ألف الطرماح ألفين مع الإمام الحسين لكان بإمكان الحسين أن
(١) وقعة الطف ص ٨٩ والموسوعة ص ٣١٢.
(٢) راجع مصادر لقاء الإمام الحسين مع الحر في تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧، وابن الأثير ج ٤ ص ٩ - ٢١ وابن كثير ج ٨ ص ١٧٢ - ١٧٤ - والأخبار الطوال للدينوري ص ٣٤٨ - ٢٥٣، وأنساب الأشراف ص ١٦٩ - 176، وإرشاد المفيد ص 305 - 310.
(١٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، دولة العراق (1)، الطرماح بن عدي (2)، المنع (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
يهزم جيش الفرعون وأن يغير موازين القوي وحركة التاريخ، وهذا ما يؤكد لنا بأن أقوال الطرماح ليست أكثر من تصورات شاعر، وما كان ينبغي للإمام الحسين أو لأي عاقل مقامه أن يترك ما بينه وبين القوم ويتبع تلك التصورات النظرية دون أن يعرف عاقبة أو مآل ما تم عليه الاتفاق بينه وبين أهل الكوفة! ومع هذا فإن الإمام الحسين لم يتجاهل هذه الناحية بل كانت محور حجته، فقد خطب الإمام بجيش الخليفة الذي كان يقوده الحر قائلا: " إنها معذرة إلي الله وإلي من حضر من المسلمين إني لم أقدم علي هذا البلد حتي أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم أن أقدم إلينا فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما يثق به قلبي من عهودكم ومن مواثيقكم دخلت معكم إلي مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي انصرفت إلي المكان الذي أقبلت منه عليكم " (1) ومثل قول الإمام الحسين مخاطبا بعض القتلة … فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضي لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد، أولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا، وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم " (2).
ومن الواضح أيضا أن الإمام الحسين قد قال لعمر بن سعد بن أبي وقاص قائد جيش الفرعون نفس الذي قاله للحر وجيشه، بدليل أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قد كتب إلي عبيد الله بن زياد ما نصه: " بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد:
فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أمامه، وماذا يطلب ويسأل؟ فقال: " كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذ كرهوني، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم ".
فلما قرأ الكتاب علي ابن زياد قال:
(١) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ٨٥، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣١ والإرشاد للمفيد ص ٢٢٤، وانظر النص في الطبعة المحققة من تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٠٦ ط. دار المعارف - مصر. وانظر: مقتل الحسين للمقرم، ص ١٨٧.
(٢) راجع الإرشاد للمفيد ص ٢٢٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٧، ووقعة الطف ص 170 والموسوعة 350.
(١٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، الجهل (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (2)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص وكتب عبيد الله بن زياد إلي عمر بن سعد: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإن فعل ذلك رأينا رأينا والسلام " (1) أنت تلاحظ أن عبيد الله بن زياد قد أجاب عمر بن سعد بغير ما صمم عليه وأنه كلف عمر بأخذ البيعة من الإمام الحسين ومن معه، ثم يري رأيه في الحسين فلو كان الحسين يريد بيعة يزيد لبايعه في المدينة، ولكان في غني عن رحلته المليئة بالمكاره والمتاعب، ولو أراد أن ينزل علي حكم لنزل علي حكم الفرعون نفسه يزيد بن معاوية بدلا من النزول علي حكم عبد تافه من عبيده كابن زياد، مثلما نلاحظ بأن الإمام الحسين لو اقتنع بالعاقبة المفجعة بينه وبين القوم وأراد الانسحاب والرجوع، لما وجد إلي ذلك سبيلا، فجيش الفرعون لن يسمح له بذلك، إنه مصمم علي ارتكاب المذبحة، أنظر إلي قول عبيد الله بن زياد: " يرجو النجاة ولات حين مناص ". ويؤكد ذلك ما رواه الطبري، عن أبي مخنف أن عبيد الله بن زياد بعث برسالة إلي عمر بن سعد بن أبي وقاص جاء فيها: " أما بعد فإني لم أبعثك إلي حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شفيعا، أنظر فإن نزل حسين وأصحابه علي الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتي تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره … وإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن، وبين العسكر فإنا قد أمرنا بأمرنا والسلام " (2).
والخلاصة أنه لما قامت البينة الشرعية علي نكث القوم وغدرهم صار انسحاب الحسين ورجوعه من أعظم المستحيلات، لأن يزيد وجنوده قد خططوا للمذبحة، وخططوا لتنفيذها، ولم تعد بيعة الإمام الحسين مهمة، بل الأهم منها
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٥ وما بعدها.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ وما بعد.
(١٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (3)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (3)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، القتل (2)، الغني (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
هو القتل، والمذبحة لإبادة أهل بيت النبوة ومن تجرأ علي إعلان ولايته لهم ووضع حد لخطرهم علي دولة الخلافة.
الموت هو الخيار الوحيد للإمام الحسين:
عندما أمر يزيد واليه علي المدينة أن " يأخذ بيعة الإمام الحسين وإن أبي يضرب عنقه " (1)، وعندما أعلن الإمام الحسين أنه لن يبايع ليزيد أبدا (2) انحصرت كل الخيارات أمام الإمام الحسين بخيار واحد هو الموت!!! بمعني أن علي الإمام الحسين أن يستعد للموت، فالمواجهة مع يزيد وجنوده آتية لا ريب فيها وبما أنه لا طاقة له بمواجهة جيش الخلافة لذلك فإنهم سيقتلونه، أما متي يموت، وكيف يموت، فهذا الذي لا يعرفه أحد!!!
إن الإمام الحسين بذل جهده لحماية نفسه وإخوته وذراريهم، وحماية موقفه واغتنم الفسحة المتبقية فأقام الحجة البالغة علي الأمة التي تدعي الإسلام، وناداها لتفيق من غفلتها ولتنفض عن هامات رجالها غبار الذل والهوان وتستعيد إنسانيتها وكرامتها المهدورة!!!! لقد اختار الإمام الحسين وصمم علي الموت بعز وكبرياء، فهو يقول لأهل بيته:
ومن دون ما ينعي يزيد بنا غدا * نخوض بحار الموت شرقا ومغربا ونضرب ضربا كالحريق مقدما * إذا ما رآه ضيغم فر مهربا فالإمام الحسين لن تكون ميتته إلا بشرف، وبرونق خاص يليق بمقام النبوة والإمام، فقبل أن يموت علي يد يزيد غدا، فإنه يريد أن يخوض بحار الموت شرقا، ومغربا، ويضرب أولا ضربا كأنه الحريق إذا ما رأته العمالقة الأبطال فرت هاربة.
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٠ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٠ - ١٨٥ ومثير الأحزان ص ١٤ - ١٥، واللهوف ص ٩ - ١٠.
(٢) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ٥ ص ١٤ وص ٢٣ ومقتل الإمام الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٤، ومثير الأحزان ص ٢٤، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٥ والموسوعة ص ٢٨٣، ومقتل الحسين ج ١ ص ١٨٨ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٩ والعوالم ج ١٧ ص ١٧٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨.
(١٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (6)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (2)
حتمية مقتل الحسين:
كان الإمام الحسين قبل امتناعه عن البيعة بعشرات السنين علي علم يقيني بكافة أخبار السماء عن مذبحة كربلاء، وقد تلقي هذه الأخبار من أبيه علي عن جده رسول الله، وتلقاها من أخيه الحسن عن جده رسول الله، وتلقاها من رسول الله مباشرة، وكان يعلم أنه سيموت بالعراق، وعلي شط الفرات، وفي مكان يقال له كربلاء، أو كرب وبلاء، وكان يعلم أنه سيقتل في زمن خليفة مترف، مستهتر، يقال له: يزيد، وبإشراف عمر بن سعد بن أبي وقاص، وبالاشتراك الفعلي من رجل أبقع " أبرص " عرفه في ما بعد بأنه شمر بن ذي الجوشن، وكان يعلم أن الأمة المحسوبة علي جده هي التي ستقتله، فهي بين مشارك بالقتل، أو مؤيد له، أو خاذل ومتفرج عليه، كان يعلم كل ذلك بالرواية الصادقة اليقينية الموثوقة، وهو كان يسعي إلي قتل مشرف ينال به أعلي درجات الشهادة، ضمن إطار المعقول المنقول من نظرية الابتلاء الإلهية * (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * [الملك / 2] * (إنا جعلنا ما علي الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) * [الكهف / 7].
قال الإمام الحسين لأخيه محمد بن الحنفية: " يا أخي لو كنت في بطن صخرة لاستخرجوني منها فيقتلونني " (1) وقال: " والله لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منها حتي يقتلونني " (2).
وقالت له أم سلمة قبل خروجه من المدينة: إني سمعت جدك يقول: " يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء، فقال لها الإمام: يا أماه وأنا والله أعلم ذلك وإني مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بد، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها،
(١) ينابيع المودة ٤٠٢ - ٤٠٤.
(٢) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٩٩.
(١٨١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، دولة العراق (2)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، نهر الفرات (1)، يوم عرفة (1)، القتل (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)
وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي " (1).
قالت له عمته أم هانئ: " سيدي أنا متطيرة عليك من هذا المسير لهاتف سمعته البارحة يقول:
وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت لم يندهش الإمام من رؤي عمته، بل اقترح عليها أن تعدل عجز البيت الأول فتقول: " أذل رقاب المسلمين فذلت "، ثم قال الإمام بعد هذا الاقتراح:
وما هم بقوم يغلبون ابن غالب * ولكن بعلم الغيب قد قدر الأمر (2) ثم انظر إلي كتاب الإمام لبني هاشم عندما خرج من المدينة، وهذا الكتاب يفيض باليقين وهذا نصه: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلي بني هاشم أما بعد، فإن من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح، والسلام " (3).
وعندما اقترح عليه بعض أهله أن يسلك طريقا جانبيا خوفا من جلاوزة بني أمية قال الإمام بيقين الواثق: " لا سبيل لهم علي، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلي بقعتي " (4).
وعندما اقترح عليه عبد الله بن عمر بن الخطاب العودة إلي المدينة قال له الإمام: " هيهات يا ابن عمر إن القوم لا يتركوني إن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتي أبايع ويقتلونني.. " (5).
(١) راجع بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣١، والعوالم ج ١٧ ص ١٨٠، وينابيع المودة ٤٠٥ والموسوعة ص ٣٩٢.
(٢) معالي السبطين ج ١ ص ٢٤١، والموسوعة ص ٢٩٦.
(٣) بصائر الدرجات ص ٤٨١ حديث ٥، واللهوف ص ٢٨، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٧٦ ومثير الأحزان ص ٣٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٠ و ج ٤٥ ص ٨٤ و ج ٤٢ ص ٨١ والعوالم ج ١٧ ص ١٣٩.
(٤) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٠، والعوالم ج 17 ص 180.
(5) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 196.
(١٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، الحسين بن علي (1)، بنو هاشم (2)، القتل (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب بحار الأنوار (2)، ابن شهرآشوب (1)
وبالثقة واليقين نفسها قال لابن عباس عندما ألح عليه وحاول منعه من الذهاب إلي العراق: " يا ابن عباس أما علمت إن منعتني من هنالك، فإن مصارع أصحابي هناك!! فقال له ابن عباس: أني لك ذلك؟ فقال الإمام: بسر سر لي، وعلم أعطيته " (1).
وعندما اقترح عليه ابن عباس أن يدخل في صلح القوم، قال له الإمام:
" هيهات هيهات يا ابن عباس، إن القوم لن يتركوني، وإنهم يطلبونني أين كنت حتي أبايعهم كرها ويقتلونني … إلي أن قال: وإني ماض في أمر رسول الله حيث أمرني وإنا لله وإنا إليه راجعون " (2).
وقال الإمام الحسين يوما للواقدي، وزرارة وقبل خروجه إلي العراق بثلاثة أيام، وبعد أن أراهما آية كبري: " لولا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء " الملائكة " ولكني أعلم يقينا أن هناك مصرعي، ومصرع أصحابي، ولا ينجو منهم إلا ولدي علي " (3).
ولما عزم الإمام علي الخروج إلي العراق قام في أصحابه خطيبا وقال:
… خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات … إلي أن قال: " ولا محيص عن يوم خط بالقلم ".
وأثناء اجتماع الإمام مع وفود الجن المؤمن، وعندما قالت له الجن: " يا سيدنا نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك "!!!.
فجزاهم الإمام الحسين خيرا وقال لهم: " أوما قرأتم كتاب الله المنزل علي جدي " ص " * (أينما تكونا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) *
(١) راجع دلائل الإمامة ص ٧٤ والموسوعة ص ٣٢١.
(٢) راجع معالي السبطين ج ١ ص ٢٤٦ والموسوعة ص ٣٢١.
(٣) دلائل الإمامة ص ٧٤، ومثير الأحزان ص ٣٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٤ والعوالم ج 17 ص 213.
(١٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (5)، دولة العراق (3)، صلح (يوم) الحديبية (1)، القتل (1)، الموت (2)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (1)
[النساء / 78] وقال سبحانه وتعالي: * (لبرز الذين كتب عليهم القتل إلي مضاجعهم) * [آل عمران / 154]، وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ وبماذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي، وقد اختارها الله تعالي، يوم دحا الأرض، وجعلها معقلا لشيعتنا، ويكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة، ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل، ولا يبقي بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي، ويسار برأسي إلي يزيد لعنه الله " (1).
فقالت الجن: " نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك!! فقال الإمام لهم: نحن والله أقدر عليكم منكم ولكن * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة) * (2) [الأنفال / 42].
ثم انظر إلي قول الإمام لأبي هرة: " يا أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسهم الله ذلا شاملا … " (3) ويحدد الإمام الأمور بدقة متناهية فيقول: " هذه كتب أهل الكوفة إلي ولا أراهم إلا قاتلي، فإن فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمه إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من فرم الأمة " (4).
وانظر إلي قول الإمام لأحد محدثيه: " يا عبد الله ليس يخفي علي الرأي، ولكن الله تعالي لا يغلب علي أمره، والله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العلقة
(١) راجع النص حوار الإمام مع وفود الجن في بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٠، والعوالم ج ١٧ ص ١٧٩، واللهوف ص ٧٨.
(٢) المصدر السابق.
(٣) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٧٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦ ومثير الأحزان ص ٤٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٥.
(٤) تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص ٢١١.
(١٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، مدينة الكوفة (1)، بنو أمية (1)، القتل (1)، الهلاك (1)، الجواز (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (1)، كتاب بحار الأنوار (1)
من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل فرق الأمم " (1).
فالإمام الحسين يتكلم عن حتمية مقتله بيقين النبيين والصديقين والشهداء ويتعامل مع وقائع لم تخرج بعد إلي حيز الوجود وكأنها حقائق ثابتة، وينظر نظرة شمولية، ويتكلم عن الوقائع التي ستحصل وهي في عالم الغيب وملفات القضاء الإلهي، في سياق صميم نواميس الكون ومقتضيات الابتلاء الإلهي، كلام العارف البصير بكنهها ومداخلها ومخارجها ومنابعها الخفية!! أنظر إلي قول الإمام أمام وفود الجن، فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس، وبماذا يختبرون!! ومن ذا يكون ساكن حفرتي؟
إن الإمام بهذه التساؤلات يبرز بيسر وسهولة أخطر وأجل قوانين الحياة، وتلك لغة النبيين والصديقين والشهداء، ويقين الإمام الحسين عين يقينهم، ويزيد وجنوده يجهلون تلك اللغة، ولا يفهمون هذا اليقين!!
(١) راجع الإرشاد للشيخ المفيد ص ٢٢٣، والكامل لابن الأثير إلي قوله: " لا يغلب علي أمره " وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٥، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٥.
(١٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)، القتل (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)

الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة

الفصل الثالث الإمام الحسين يشخص أمراض الأمة المزمنة تحديد أمراض الأمة:
من تتبع تصريحات الإمام الحسين، والوقوف علي حقيقة تلك التصريحات، يتبين أن الإمام الحسين شخص أخطر الأمراض التي ابتليت بها الأمة وحصرها في ثلاثة:
1 - الخروج علي الشرعية الإلهية.
2 - نظام الخلافة بصورته الراهنة.
3 - الإدمان علي حب الحياة وكراهية الموت.
وقدر الإمام أن يقينه المميز وشهادته الفريدة ستشفي الأمة من أمراضها، أو علي الأقل ستعطيها مناخ الشفاء، أو تصدمها صدمة عنيفة تستفيق من نومها المذل العميق.
1 - الخروج من الشرعية الإلهية:
لقد قدر الإمام أن أول مرض أنشب أظافره في الأمة هو الخروج علي الشرعية الإلهية، والشرعية الإلهية، تتكون من ثقلين أحدهما كتاب الله المنزل وثانيهما نبي الله المرسل، وهما متكاملان لا يغني أحدهما عن الآخر فلو قال أحدهم إنه يؤمن بالقرآن الكريم، ولكنه لا يؤمن برسوله الكريم، ولا بولايته، أو ادعي أنه القرآن وحده يكفي المسلمين، فهو ليس مؤمنا، ولا متمسكا بالشرعية الإلهية، إنما هو خارج منها من أوسع الأبواب، وداخل التيه تماما. فهذا الثنائي القرآن والنبي هما عصمة الشرعية الإلهية وملاذها خلال عهد النبوة، ولأن النبي بشر، وآخر الرسل وخاتم النبيين، ولأن دينه هو الدين الذي ارتضاه الله نهائيا
(١٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (3)، الكرم، الكرامة (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، المرض (1)، الوقوف (1)
لعباده، فقد أمر الله تعالي نبيه أن يعلن للناس، أن نظام الثقلين مستمر إلي يوم الدين، فخلال حياة النبوة يشكل القرآن ثقلا ويشكل النبي الثقل الآخر، وبعد موت النبي يبقي القرآن هو الثقل الأكبر، ويكلف أهل بيت النبوة بأن يكونوا الثقل الأصغر القائم مقام النبي، بالولاية والقيادة والمرجعية إلي يوم الدين، وقد بين الرسول أن الله تعالي هو الذي اختار الثقلين وحددهما، وما رسول الله إلا عبد يؤمر فيطيع، ويوحي إليه فيتبع، وأنه سبحانه وتعالي كما أهل النبي وأعده، أهل أهل بيت النبوة وأعدهم، فهم الأمناء علي سنة الرسول بفروعها الثلاثة، وهم الذين يعرفون النص الشرعي في كل مسألة من المسائل معرفة قائمة علي الجزم واليقين، وهم الأعلم والأفهم والأصلح في كل زمان، وحديث الثقلين من أصح الآثار وقد وثقناه في الفصول السابقة، ويبدو واضحا بالضرورة أن المقصود بأهل بيت النبوة كثقل هو عميدهم وإمامهم المؤهل إلهيا بدليل قول الرسول لعلي: أنت الولي من بعدي، وأنت أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم (1).
والخلاصة: إن النبي الكريم قد أكد بأن الشرعية الإلهية لا تتحقق في حياته إلا بالتمسك بالثقلين: القرآن والنبي معا، وبعد حياته لن تتحقق إلا بالتمسك بالثقلين، بالقرآن وبأهل بيت النبوة، وجزم بأن الهدي لا يدرك إلا بالاثنين معا، والضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالاثنين معا فمن تمسك بالقرآن، وترك أهل بيت النبوة، أو ادعي أنه متمسك بأهل بيت النبوة وترك القرآن، أو تمسك بالقرآن ورفض ولاية وقيادة أهل بيت النبوة وفضل عليها ولاية أو قيادة أخري فهو خارج من إطار الشرعية الإلهية. والنصوص الشرعية التي وصلت إلينا بالرغم من محلات التبديل والتعديل والتحريف والتجهيل كافية للجزم بالإحكام الشرعي لهذه الناحية، وأبرز النصوص: آية التطهير، وآية المودة في القربي، وآية المباهلة، والأمر بالصلاة علي النبي بالصيغة التي بينها النبي، بالإضافة إلي حديث الثقلين الذي لا يختلف عليه وبه عاقلان مسلمان.
(1) راجع كتابنا الوجيز في الإمامة والولاية تجد فيه تغطية كاملة لهذا الموضوع.
(١٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: الأحكام الشرعية (1)، حديث الثقلين (2)، آية المودة (1)، آية التطهير (1)، يوم القيامة (1)، آية المباهلة (1)، القرآن الكريم (7)، الكرم، الكرامة (1)
ومع سبق الترصد والإصرار خرجت الأكثرية الساحقة من الأمة الإسلامية من الشرعية الإلهية بمفهومها الآنف حتي والرسول علي قيد الحياة، فعندما أراد الرسول أثناء مرضه أن يكتب توجيهاته النهائية ليجنب الأمة العاصفة التي تنتظر موته، قالت زعامة بطون قريش للنبي وجها لوجه، وفي منزله أنت تهجر، ما باله إنه هجر، استفهموه إنه يهجر، ولسنا بحاجة لكتابك ولا لتوجيهاتك النهائية، لأن القرآن عندنا وهو يكفينا!!! (1) هذا الكلام الخطير أخرج زعامة بطون قريش ال 23 من إطار الشرعية والمشروعية الإلهية تماما وأدخلها في التيه، وبعد ساعة واحدة من وفاة النبي تمكنت زعامة بطون قريش التي واجهت النبي وقالت له ما قالت من الاستيلاء علي منصب الخلافة بالقهر والغلبة وكثرة الأتباع، وكانت أول مشاريع تلك الزعامة منصبة علي تحجيم أهل بيت النبوة وإذلالهم وإجبارهم علي الاعتراف سياسيا بالأمر الواقع المناقض تماما للشرعية الإلهية، ففي اليوم الذي مات فيه النبي جهزت زعامة البطون التي استولت علي منصب الخلافة بالقوة حملة عسكرية مهمتها إجبار أهل بيت النبوة علي الخروج والمبايعة والاعتراف بالأمر الواقع وإن أبوا ذلك فعلي قادة الحملة وعناصرها أن يحرقوا بيت أهل بيت محمد علي من فيه، وفيه فاطمة بنت النبي، وعلي الولي الشرعي وابن عم النبي وطفلاه الحسن والحسين حفيدا النبي!!! وشرعت الحملة العسكرية بالفعل بإحراق البيت علي من فيه (2)، إذ خلال أسبوع واحد من وفاة الرسول حرموا أهل بيت النبوة من ميراث الرسول وتركته (3)، وصادروا المنح التي أعطاها الرسول
(١) هذه واقعة ثابتة رواها البخاري ومسلم وابن حنبل وقد ذكرنا المراجع ووثقناها، وحللناها في كتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٨٧ وما بعد وفي كتابنا المواجهة، فارجع إليهما.
(٢) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣٤ ص ٦٤، وأبو الفداء ج ١ ص ١٥٦، وأنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٦، وكنز العمال ج ٣ ص ١٤٠، والرياض النضرة ص ١٦٧ وكتاب السقيفة برواية ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٢ و ج ٦ ص ٢، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٧٨ وتاريخ ابن شحنة ص ١١٣ بهامش الكامل، ومروج الذهب ج ٢ ص ١٠٠ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٥.
(٣) راجع صحيح الترمذي ج ٧ ص ١١١ باب " ما جاء في تركة الرسول " ومسند أحمد ج ١ ص ١٠ ح ٦٠ وسنن الترمذي ج ٧ ص ١٠٩ وطبقات ابن سعد ج ٥ ص ٧٧ وتاريخ ابن الأثير ج ٥ ص ٢٨٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٥ والطبقات ج 2 ص 315.
(١٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، المرض (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، الوفاة (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، إبن الأثير (1)، السقيفة (1)
لأهل بيته خلال حياته (1) وحرموا ذوي قربي النبي من السهم المخصص لهم بآية محكمة (2) وهكذا تمكنت دولة البطون من تحطيم أحد ركني الشرعية الإلهية تحطيما كاملا، وزيادة في الاحتياط وحتي لا يحتج أهل بيت النبوة بأحاديث الرسول، وحتي لا تكتشف الأجيال اللاحقة جريمة زعامة البطون، ومسؤوليتها عن تدمير الشرعية الإلهية، منعت هذه الزعامة كتابة ورواية أحاديث الرسول (3) وأحرقت المكتوب منها (4) وشككت بكل ما تعارض مع مصالحها من أحاديث الرسول (5) وكيف تعجز عن فعل هذا وهي التي واجهت النبي شخصيا وقالت له:
أنت تهجر وحسبنا كتاب الله (6) بهذه الأحداث والوقائع الأليمة تحطمت الشرعية الإلهية تحطما كاملا، ولم يعد لها عمليا إلا ثقل واحد ولم يبق للشرعية غير الاسم والذين حطموها هم الذين قبضوا علي مقاليد الأمور، وسخروا موارد الدولة وكل إمكانياتها لإثبات صحة ما ذهبوا إليه، وما عملوه، ولإقناع الناس بأنه لا توجد شرعية إلا شرعية ما فعلوه.
2 - نظام الخلافة أو الخليفة الحاكم بأمره:
عمليا كان الخليفة من غلب أو عهد إليه الخليفة الغالب. تلك حقيقة لا
(١) راجع فتوح البلدان للبلاذري ج ٢ ص ٣٤ - ٣٥.
(٢) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٤٧ وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٧ وشرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٨١ نقلا عن الجوهري.
(٣) راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٢ - ٣.
(٤) راجع طبقات ابن سعد ج ٥ ص ١٤٠ بترجمة محمد بن أبي بكر.
(٥) راجع سنن أبي داود ج ٢ ص ١٢٦، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٦٢ و ٢٠٧ و ٢١٦، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ١ ص ١٠٥ و ١٠٦ وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ١ ص ٨٥.
(٦) راجع صحيح البخاري ج ٧ ص ٩، و ج ٤ ص ٣١، و ج ١ ص ٣٧، و ج ٥ ص ١٣٧، و ج ٢ ص ١٣٢، و ج ٤ ص ٦٥ - ٦٦، وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٦ و ج ٥ ص ٧٥ و ج ١١ ص ٩٤ - ٩٥ بشرح النووي ومسند أحمد ج ١ ص ٩٥٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٣ وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٦٢ وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص ٢١ لتعرف من هم زعامة بطون قريش وراجع كتابنا المواجهة ص ٢٦٠ وما بعدها وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٢٨٧ وما بعدها.
(١٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: الغلّ (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، التاريخ الإسلامي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، محمد بن أبي بكر (1)
يجادل بها إلا جاهل. هذا الخليفة الغالب أو الذي عهد إليه غالب، صار يتمتع بكافة الصلاحيات الهائلة بوصفه اسميا علي الأقل (خليفة رسول الله) ولما رست أجرانه في الأرض، وانقادت إليه الرعية، صارت كل أموال الدولة تحت تصرفه ومفاتيحها بيديه وبيد أوليائه، ينفقون منها ما يشاؤون لمن يشاؤون ويدخرون منها ما يشاؤون بلا حسيب ولا رقيب فهي بمثابة مال خاص للخليفة ولا رقابة عليه إلا من ضميره!! وكل نفوذ الدولة وجاهها بقبضة يديه، وكل القوة العسكرية تحت تصرفه، وكل أقاليم الدولة عمليا ملكه الخاص، هذه الإمكانيات والطاقات الهائلة والصلاحيات الفضفاضة جعلت من الخليفة وأركان دولته الذين يوالونه ويشاطرونه أطره وقناعاته أو يتظاهرون بذلك قوة رهيبة ليس مثلها علي وجه الأرض قوة، ولأن الخليفة اسميا هو (خليفة رسول الله) فقد تسلحت تلك القوة بالدين ولبست لبوسه، وسخرت تلك القوة الرهيبة كامل إمكانيات دولة الخلافة للمحافظة علي تفردها بمنصب الخلافة، وعلي نظام الخلافة نفسه.
فصار الولاء للخليفة ونظامه وأعوانه، أو التظاهر بهذا الولاء، وصار تمجيد أفعال الخليفة والقبول بها أو التظاهر بذلك هو الأساس لعز الفرد، وهو الطريق لمكانة الفرد في المجتمع، وهو الأسلوب الأنجع ليحصل الفرد علي نصيب من مال الخليفة أو نفوذه، أو جاهه وليتجنب كارثة الاصطدام بقوته الرهيبة.
فالخليفة يقدم عطاء شهريا لأفراد الرعية، ويستعمل عمالا لأقاليمه وكوره، وقادة لجيشه، وموظفين لإدارته، وجنودا لأمنه وفتوحاته والدخول بهذه المجالات متاح لكل الذين يوالونه ويوالون نظامه، ويقبلون بما يفعل، أو يتظاهرون بذلك والخليفة يكتفي بالتظاهر فإذا ثبت للخليفة أو لأركان دولته أن هذا أو ذاك لا يواليه، ولا يوالي نظامه ولا يقبل بأفعاله، فالعقوبة الآلية هي الحرمان من العطاء والرزق الشهري وإغلاق مؤسسات الدولة بوجهه فلا مكان له لا بالجيش ولا بالإدارة، ووضعه في قائمة أعداء الخليفة أو قائمة من يحب ويوالي أعداء الخليفة!! وتلك جريمة من جرائم الخيانة العظمي وعقوبتها الموت في قوانين دولة الخلافة!! ولكنها مسربلة بغطاء ديني فيقتله الخليفة باعتباره شاقا لعصا الطاعة، أو خارجا علي الجماعة، أو مفرقا لوحدة الأمة بعد الاجتماع، كما فعل
(١٩١)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (1)، الجهل (1)، القتل (1)، الجماعة (1)
معاوية مع حجر بن عدي ورفاقه، فقد قتلهم معاوية صبرا بتهمة عدم موالاتهم له، وموالاته لعدو أمير المؤمنين معاوية وعدو الإسلام أبي تراب علي بن أبي طالب (1)!!! وقد أوجد الخليفة له بطانة من علماء السوء مهمتهم أن يبرروا أفعال الخليفة وتصرفاته، وأن يختلقوا علي رسول الله الأحاديث التي تبرر طاعة الخليفة، وتنفر الرعية من معصية الخليفة أو عدم القبول بأفعاله المرذولة، وتعدد مزاعمهم بهذا المجال، فقالوا: إن رسول الله قد قال: " سيكون بعدي أئمة خلفاء لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس " وعندما سأل الراوي، كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ فقال له الرسول: " تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع " (2). وسخرت دولة الخلافة كل مواردها الضخمة وإعلامها العجيب لتعميم مثل هذه الأحاديث علي الرعية، وإقناع الرعية بصحة صدورها عن رسول الله، وأدخلتها دولة الخلافة في مناهجها التربوية والتعليمية، وأشربتها لكل أفراد الرعية فصارت بحكم العادة والتكرار وتبني دولة الخلافة، تيارا غلابا، وقناعة مطلقة ترثها جموع الأكثرية كما ترث المتاع، وترسلها إرسال المسلمات التي لا تحتاج لإعادة نظر.
قال النووي في شرحه علي صحيح مسلم باب " لزوم طاعة الأمراء في غير معصية " قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: " لا ينعزل الخليفة بالفسق، والظلم، وتعطيل الحدود، وتضييع الحقوق، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه … ثم قال: أما الخروج عليهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين " (3).
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٥٧ والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٢٠٩ وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ١٣٠ ومحاضرات الراغب ج ٢ ص ٢١٤.
(٢) راجع صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٠ - 22 باب " الأمر بلزوم الجماعة "، وأنت تلاحظ أن هذا الحديث مفصل، ليتسع لجرائم رجال قلوبهم قلوب الشياطين … كمسلم بن عقبة، وبسر بن أرطأة، وابن زياد، والحجاج وأمثالهم من جنود الفرعون.
(3) راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 229 وسنن البيهقي ج 8 ص 158 - 159.
(١٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب صحيح مسلم (3)، حجر بن عدي الكندي (1)، القتل (1)، الضرب (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الجماعة (1)
قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ما ملخصه: " قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام (الخليفة) بفسقه، وظلمه بغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجوز الخروج عليه " (1) هذا نموذج من القناعات الخاطئة التي رسخها إعلام دولة الخلافة، وأرساها المنهج التربوي والتعليمي الذي فرضته دولة الخلافة بالنفوذ والقوة علي رعاياها … لقد نجحت وسائل إعلام دولة الخلافة بإقناع الأكثرية الساحقة من المسلمين علي أن محبة الخليفة وطاعته عبادة بل من أفضل العبادات والقربات التي يتقرب بها المسلم إلي الله، وأنه في سبيل هذه الطاعة يحل كل جرم مهما كانت بشاعته. كان شمر بن ذي الجوشن يقعد حتي يصبح ثم يصلي الصبح، ويقول في دعائه: اللهم اغفر لي!! فقيل له: كيف يغفر لك وقد خرجت إلي ابن بنت الرسول فأعنت علي قتله؟، فقال: ويحك فكيف نصنع أن أمراءنا هؤلاء أمرونا فلن نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر؟!!!
وكان كعب بن جابر ممن حضر قتال الإمام الحسين في كربلاء يقول في مناجاته: " يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن غدر " (2).
فشمر الذي أعان علي قتل الإمام الحسين، وكعب بن جابر الذي قاتل الإمام الحسين يعتقدان أن طاعة الخليفة واجب مفروض حتي لو أمر بقتل ابن النبي وأهل بيته!! ودنا عمر بن الحجاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين ونادي: " يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام " (3)، فمن خالف الخليفة فهو مجرم كائنا من كان، وقتله واجب علي الرعية قبل أن يكون واجبا علي الخليفة،!!!
لقد حاولت وسائل إعلام الدولة أن تجعل من الخليفة خليفة لله، وليس
(1) راجع كتاب التمهيد لأبي بكر الباقلاني باب " ما يوجب خلع الإمام " طبعة القاهرة 1366 ه.
(2) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 18 - 19 وكتابنا الخطط السياسية ص 119.
(3) المرجع السابق.
(١٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، القتل (5)، الجواز (1)، التاريخ الإسلامي (1)
خليفة لرسوله، لأن خلافة الله أليق بجناب الخليفة من خلافة الرسول!! فقد كتب مروان بن محمد وكان واليا علي أرمينيا إلي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المشهور بفسقه، والذي هم بأن يمارس اللواط مع أخيه، والذي هم بأن يشرب الخمر علي ظهر الكعبة؛ كتب له مروان يبارك له بخلافة الله علي العباد (1) ولما قيل عنه في مجلس الخليفة العباسي المهدي إنه كان زنديقا، قال الخليفة العباسي: " خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق " (2) وخطب الحجاج يوما بالحج فقال:
" اسمعوا وأطيعوا لخليفة الله وصفيه عبد الملك بن مروان " (3).
واشتط إعلام دولة الخلافة شططا آخر، فحاول أن يقنع المسلمين بأن الخليفة أعظم من النبي!! قال الحجاج في خطبة له: " رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه، أم خليفته علي أهله؟! " (4).
وروي أنه كتب لعبد الملك يعظم أمر الخلافة، فزعم أن السماوات والأرض ما قامتا إلا بالخلافة، وأن الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين!!.. الخ (5).
وكان يعتبر من يتبع الخليفة مؤمنا، ومن يعارض الخليفة كافرا!! (6) فنحن أمام حملة منظمة تدعمها دولة الخلافة بكل طاقاتها ومواردها لقلب كل الحقائق وتزويدها، لإظهار عدو الله بصورة ولي الله، وإظهار ولي الله بصورة الشيطان الرجيم!! إنها حملة منظمة لتزوير وتحريف كل شئ في الإسلام يقوون علي تحريفه!! وكان لهذه الحملة المجنونة ضحاياها من الغافلين السذج.
(1) راجع تاريخ ابن كثير ج 10 ص 4.
(2) راجع تاريخ ابن كثير ج 10 ص 7 و 8.
(3) راجع سنن أبي داود ج 4 ص 210 الحديث 4645 باب " في الخلفاء ".
(4) راجع سنن أبي داود ج 4 ص 209 الحديث 4642، والمسعودي في مروجه ج 3 ص 147 والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 5 ص 52.
(5) راجع العقد الفريد ج 5 ص 51.
(6) راجع سنن أبي داود ج 4 ص 209 والعقد الفريد ج 5 ص 51 وكتابنا الخطط السياسية ص 121.
(١٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن عبد الملك (1)، الحج (1)، اللواط (1)، كتاب سنن أبي داود (3)
3 - الإدمان علي حب الحياة مع الذل وكراهية الموت:
لم يغتصب الخليفة منصب الخلافة بالقوة والقهر فحسب، إنما اغتصب أيضا كافة موارد الدولة وأموالها واعتبرها بمثابة خزانة مالية خاصة به، واغتصب أيضا إمكانات الدولة وامتيازاتها وطاقاتها الهائلة، وسخر كل ذلك لتثبيت ملكه وتوطيد سلطانه. فالخليفة المتغلب يستعمل عمالا لأقاليم دولته وكورها، وقادة وجنودا لجيشه المخصص عمليا لحفظ الأمن الداخلي لدولته وتحقيق المجد الشخصي له من فتوحاته، ويستعمل موظفين لإدارته، وبالوقت نفسه يقدم عطاء ورزقا شهريا لأفراد رعيته، ورواتب لمستخدميه. وهي صلاحيات كانت تقوم بها دولة الرسول الأعظم، تحت رقابة النبي المعصوم عن الوقوع في الزلل أو الانحراف وراء هوي، فكان المواطن المسلم أو المتظاهر بالإسلام يأخذ عطاءه ورزقه من دون منة ولا شروط، وكان الرسول يضع الرجل المناسب بالمكان المناسب عندما يستعمله ومن دون خلفيات أو أفكار مسبقة، فمعايير النبي بالتعيين في الوظائف العامة مبنية علي القوة والأمانة، فحيث ما وجد صاحب القوة والأمانة استعمله، بمعني أن النبي كان يعطي الناس بالسوية من مال الله (مال الدولة) لتشابه الحاجات الأساسية عند بني البشر، وكان يستعمل القوي الأمين القادر علي تحقيق الغاية الشرعية من استعماله، وفي التوزيع والاستعمال كان النبي يستند علي معايير موضوعية وشرعية، وكان الناس سعداء زمن دولة الرسول. فالإمام الرسول (رئيس الدولة) يعيش هو وأفراد أسرته بتواضع، وكأي فرد في المجتمع، وعلي الرغم من قلة موارد بلاد العرب التي كانت تحكم دولة الرسول إلا أن هذه الموارد موزعة بصورة عادلة، فالشعور بالرضا والسعادة كان يغمر غالبية رعايا دولة النبي، فكثير من الأجلاف من العرب، بل ومن قدماء الصحابة كان يحرج النبي، وينتقد بعض أعمال النبي علنا ويجهر بعدم موافقته عليها، أو يتخذ موقفا مناقضا لموقف النبي، ولكن لم يصدق علي الإطلاق أن قطع النبي عن هذا المواطن أو ذاك رزقه أو عطاءه الشهري، لأن هذا الرزق أو العطاء منحة إلهية، وحق ثابت للمسلم، وليس من صلاحية النبي أن يصادر هذا
(١٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرزق (1)، الموت (1)
الحق، كذلك فإن استعمال القوي الأمين للوظائف العامة ترتيب إلهي، لا يملك الرسول حق إلغائه أو تبديله أو تعديله. لقد كانت دولة الرسول دولة شرعية تتصرف وفق قواعد شرعية، لا يملك رئيس الدولة بحكم الشرع أن يخضعها لميوله أو توجهاته أو هواه الشخصي.
وجاء الخليفة ليحل بالقوة والتغلب والقهر محل رسول الله، وليقوم مقامه، ويمارس صلاحياته واختصاصاته، والمؤهل الوحيد لهذا القاهر المتغلب هو الغلبة، والغاية الوحيدة لهذا المتغلب هي المحافظة علي الملك الذي غصبه وتسخير موارد الدولة وإمكاناتها الضخمة لدوام هذا الملك خالصا لشخصه وأسرته أو مواليه وخاصته، واستدعي هذا أن يخترع الخليفة معايير وموازين لم ينزل بها الله سلطانا.
فصار العطاء أو الرزق الشهري، وصار الدخل بالجيش والوظائف العامة مرهونا بالولاء المطلق للخليفة، والقبول بأفعاله مهما كانت، وطاعته حتي علي الكبائر، وعدم الخروج علي طاعته مهما كانت الأسباب!! وتوضيحا لموقف الأكثرية، لنفترض أن الخليفة رأي أن من مصلحة دولته إحراق بيت أهل بيت النبوة علي أهله وهم أحياء!! هذا الفعل جريمة وفق كل الشرائع الإلهية والوضعية، فإذا قال أحد المسلمين للخليفة: يا أمير المؤمنين هذه جريمة، ولا يحل لك فعل هذا، فاتق الله!! فأول ما يفعله الخليفة هو قطع العطاء والرزق الشهري الذي كان يتقاضاه ذلك الذي وصف فعل الخليفة ب (أنه جريمة)، وثاني ما يفعله الخليفة هو حرمانه من وظائف الدولة، وثالث ما يفعله الخليفة هو وضعه في قائمة المشبوهين، الذين لا يوالون دولة الخلافة، ويوالون أعداءها. هذه القرارات الثلاثة لا تشمل الرجل وحده بل تشمل زوجته وأولاده وقد تؤثر علي بطنه وعشيرته، فتحرق حاضر الجميع ومستقبلهم!! وقد يستبد الغضب بالخليفة أو بعامله، فيقتل هذا المعترض علي فعله، ويهدم داره، ففي مثل هذه الأحوال من يجرؤ علي الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر؟! ومن يجرؤ علي قول كلمة " لا "؟! فحياة كل فرد، وحياة كل أسرة، وحياة كل بطن، وكل عشيرة عمليا بيد الخليفة وأركان دولته، فقد تزهق روح الفرد قبل أن يرتد إليه طرفه. ورزق
(١٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، النهي عن المنكر (1)، الأحكام الشرعية (1)، الرزق (1)، الزوجة (1)، الغضب (1)
الجميع، مجتمعين ومنفردين بيد الخليفة وأركان دولته وقد يكون الرزق أو العطاء الشهري هو الدخل الوحيد للأكثرية الساحقة من أفراد رعايا دولة الخلافة، صحيح أن هنالك حفنة من الناس لا يتجاوز عددهم المائة، يملك كل واحد منهم الملايين بل المليارات من الدنانير الذهبية كعبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزبير.. ولكن بقية أفراد الأمة يحصلون علي رغيفهم المجبول بالذل والهوان يوما بيوم بعد أن يدفعوا أعلي الضرائب: دينهم، وشرفهم، وكرامتهم، ثمنا لهذا الرغيف، ومن الطبيعي بأن تكون علي كل واحد منهم التزاماته الخاصة لمحبيه، وأطفاله الذين يحبهم، ورغبته الجامحة بأن يبقي إلي جانبهم ليحميهم ويطعمهم.
في هذا المناخ ذلت رقاب المسلمين ذلا لم تذق أمة من أمم الأرض مر ذل كذل المسلمين، ومات عندهم الشعور العام، وتخدرت كافة أحاسيسهم فاستمرأوا الذل، واستمرأوا الحياة مع الذل، وأدمنوا بحبها، وارتاحوا إلي القول بأن هذا قضاء الله وقدره، وأن الصبر نصف الإيمان، وأن طاعة الخليفة واجبة كطاعة الرسول!!!.
من يتتبع تاريخ دولة الخلافة يجد أن أكبر الكبائر، بل وكل الكبائر كانت قد ارتكبت في مجتمع دولة الخلافة من قبل الخليفة وأركان دولته وبأعصاب باردة ودون أن يحسبوا أي حساب لأحد، ونادرا ما تجد رجلا واحدا قد أنكر هذه الكبيرة أو تلك!! لماذا؟ لأن كل فرد مقيد اقتصاديا بغل لا مثيل له، ومقيد اجتماعيا، وسياسيا، فهو قن وعبد مملوك بذاته وحاضره ومستقبله، يتصرف الخليفة تصرف المالك بعبيده!!
قد يندهش بعض القراء ويري أن في كلامنا شيئا من المبالغة!! لكن ما قلناه هو الحقيقة بعينها، فقد يأمر الخليفة ولاته بأن يأخذوا البيعة له من المسلمين علي إنهم أقنان وعبيد له بالفعل، يتصرف بهم تصرف المالك بأقنانه وعبيده، فقد أخذ مسلم بن عقبة البيعة من أهل المدينة، علي أنهم فئ لأمير المؤمنين يفعل في أموالهم وذراريهم ما يشاء (1) فإذا قال أحد من المسلمين: بل أبايعك علي كتاب
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٧ ص ١١ - 20.
(١٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الرحمن بن عوف (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، الرزق (1)، الصبر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الله وسنة رسوله، يعتبرها الخليفة غلطة كبري ويضرب عنقه (1).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: " لما خفت بسر بن أرطأة، تواريت عنه فقال لقومي: " لا أمان لكم عندي حتي يحضر جابر فأتوني وقالوا: ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت، فحقنت دماءنا ودماء قومك، فإنك إن لن تفعل، قتلت مقاتلينا، وسبيت ذرارينا، فاستنظرتهم الليل، فلما أمسيت دخلت علي أم سلمة (إحدي زوجات الرسول) فأخبرتها الخبر، فقالت: " يا بني انطلق، أحقن دمك ودم قومك، فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع وإني لأعلم أنها بيعة ضلالة " (2) هذه الواقعة تدلك بوضوح علي طبيعة تعامل الخليفة وأركان دولته مع المسلمين، وعلي استهتاره بحياتهم ووجودهم وكرامتهم الإنسانية، فإن تغيب فرد من أفراد العشيرة أو الجماعة عن تنفيذ أمر الخليفة، فليس ما يمنع الخليفة، من أن يقتل المقاتلة ويسبي الذرية، فأنت أمام حالة من الإرهاب والقمع، لا مثيل لها في التاريخ، لقد ضاعت الأقلية المؤمنة وذلت، وشلت حركتها شللا كاملا، وخرج كل فرد من أفرادها باجتهاد مفادة أن الصبر أولي، والحياة خير من الموت، وطارت الأكثرية خلف مصالحها الدنيوية كل مطار، وضحت من أجل تلك المصالح بنعمة الحرية التي كانت تتمتع بها حتي في الجاهلية، وضحت بالكرامة، وبالكثير من القيم الإنسانية التي كانت تفخر بها حتي في الجاهلية مثل: النخوة، والشهامة، والإباء، وإغاثة الملهوف.
لقد اختلطت الأوراق اختلاطا عجيبا، فالأمة كلها تقف مع الخليفة الغالب أو تتظاهر بالوقوف معه، والأمة كلها تخشي الخليفة وأركان دولته خشية الموت، لقد مات إحساسها ولا فرق عندها أأصاب الخليفة أم أخطأ، أكان علي الحق أو علي الباطل، تماما كقوم فرعون، وما يميز قوم فرعون عن رعية الخليفة أنه كان في قوم فرعون رجال يكتمون إيمانهم، وينصحون فرعون وقومه علنا، ويخوفون
(1) المصدر السابق.
(2) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 157.
(١٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، جابر بن عبد الله (1)، الكرم، الكرامة (1)، الباطل، الإبطال (1)، الضلال (1)، الموت (3)، الخلط (1)، الخوف (1)، المنع (1)، الجهل (2)، القتل (1)، الصبر (1)، النفاذ، التنفيذ (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)
من عاقبة السوء، أما رعايا دولة الخلافة، فلا تكاد تحس أن فيهم رجلا واحدا يكتم إيمانه، وإن وجد مثل هذا الرجل، فهو مصاب بالخرس فلا ينطق، وأعمي فلا يري، ويداه مقطوعتان فلا يقوي حتي علي الإشارة كما يفعل!!!.
لقد نجح الخلفاء بإذلال المسلمين إذلالا تاما، وفي مناخ الذل أدمن المسلمون بالحياة مع الذل، وتعودوا عليها فيمكن للخليفة أن يهدم الكعبة وقد هدمها بالفعل مرتين، ويمكن أن يدوس أقدس المقدسات، وأن يقتل حتي أهل بيت النبوة ولا يجرؤ أحد من الناس أن يقول له كلمة " أف "، لأنه لا عطاء ولا رزق ولا مكان في دولة الخلافة لمن يقول للخليفة أو لأركان دولته: لا!!! لقد سيطرت دولة الخلافة علي وسائل الإعلام، ووضعت مناهج التربية والتعليم التي تخدم غاياتها، وفرضت تلك المناهج علي الرعية، وشكلت الفهم العام عن الإسلام، ثم فرضت كل ذلك علي المسلمين بقوتها ونفوذها وعبر إعلامها ومناهجها التربوية والتعليمية، وبتعبير أدق فإن الغاية عند دولة الخلافة تبرر الوسيلة، فأي وسيلة تخدم الخليفة ودولته وتساعده علي الاحتفاظ بملكه وما في يديه مباحة بغض النظر عن شرعيتها أو عدم شرعيتها!! ولقد عمل الخليفة جاهدا علي تجهيل رعيته بالاسلام الحقيقي، وحرص كل الحرص علي أن لا يفهموا من الإسلام الحنيف إلا قشوره، وقدمت وسائل إعلام دولة الخلافة الرجال الذين وقفوا مع النبي وأقاموا الدولة والأمة علي أكتافهم بصورة أعداء الله، وقدمت تلك الوسائل أولئك الأشرار الذين حاربوا النبي، وجمعوا عليه الجموع وألبوا العرب عليه بصورة الملائكة الأخيار!!
لقد قلبت دولة الخلافة الدين والتاريخ والجغرافيا رأسا علي عقب مع سبق الترصد والإصرار، وجهلت الرعية تجهيلا كاملا، وسخرت كل موارد الدولة وطاقاتها وإعلامها لفرض مفاهيمها المعكوسة عن الإسلام، وجعل تلك المفاهيم مقدسة، ومن المسلمات، التي لا داعي لإعمال العقل فيها!!.
قدر لا مفر منه:
قاد الخلفاء الدين والأمة والدولة إلي نفق مظلم، إذا أخرجت يدك منه لم
(١٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: القتل (1)
تكد تراها، لقد خلط خلفاء البطون كل الأوراق خلطا عجيبا، فخلطوا الإسلام مع الشرك، والإمامة الشرعية مع الملك، والظلم مع العدل، والحق مع الباطل، والذل مع العز، والطاعة مع المعصية، وفرضوا علي المسلمين بالقهر والقوة، أن يتناولوا هذه المتناقضات معا، وخيروهم بين تناولها والحياة، أو بين رفضها والموت، فاختار المسلمون الحياة مع تناول هذه المتناقضات، لقد غير الخلفاء مكان كل شئ ووضعوه في غير موقعه، لقد استدعت الضرورة إلي انتفاضة أو ثورة من نوع خاص لتنقذ ما تبقي من الإسلام، ولتوقظ المسلمين من سباتهم العميق، وترفع الخلط الذي أوجده الخلفاء، وتفتح أمام الأمة أبواب التحرر، والأمل، والخلاص من الذل.
الدواعي الملحة لانتفاضة الإمام الحسين وثورته:
رأينا أن بطون قريش ال 23 التي قاومت النبي وحاربته 23 عاما بقيادة أبي سفيان وولديه: يزيد ومعاوية حتي اضطرها الرسول للاستسلام وأعلنت يوم استسلامها إسلامها مكرهة، رأيناها قد تمكنت من إلغاء الترتيبات الإلهية المتعلقة بمنصب الإمامة أو الخلافة من بعد النبي، وأنها قد تمكنت من الاستيلاء علي هذا المنصب بالقوة والقهر، فصارت الخلافة الشرعية ملكا لمن غلب، أو لمن يعهد إليه ذلك الغالب وعموما فإن الخليفة الغالب، كان غير مؤهل للقيادة، فهو طليق أو ابن طليق أو ألعوبة بيد الطلقاء، الذين لا يعرفون من الدين إلا اسمه أو قشوره.
وباستيلاء بطون قريش ال 23 علي منصب الخلافة استولت تبعيا علي موارد الدولة وسلطاتها وطاقاتها ونفوذها، وحازت كل شئ حيازة تامة، وسخرت كل موارد الدولة للمحافظة علي هذا الملك الذي غصبته، وتوسيع رقعته، وحرمان أهل بيت النبوة ومن والاهم من الصحابة المخلصين من هذا الملك ومن منافعه، أو من المشاركة بحجة أن النبي من بني هاشم وقد أخذ الهاشميون النبوة وهي تكفيهم فتكون الخلافة حقا خالصا للبطون وتشترك مع أوليائها في منافع الدولة وامتيازاتها علي سبيل التفرد والاختصاص!! وفي البداية أعلنت دولة الخلافة ضمنيا، إنها لن تعطي لأي مسلم أي حق من حقوقه ولن تستعمله لعملها
(٢٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: بنو هاشم (1)، العزّة (1)، الباطل، الإبطال (1)، الحج (1)، الغلّ (1)
ولأي وظيفة من وظائفها إلا إذا كان مواليا للخليفة وأركان دولته، ومعاديا لأعداء الخليفة وأعداء دولته، ومع أن عصر الخلفاء الثلاثة الأول عصر ذهبي وراشد إذا ما قيس بعصور الخلفاء الذين جاءوا من بعد الأربعة، ومع هذا لم يصدف أن استعمل أي خليفة منهم رجلا واحدا مواليا لأهل بيت النبوة أو كارها للخلفاء الثلاثة إلا شخصا واحدا استعملاه للدعاية!! ولما آلت مقاليد الحكم والخلافة إلي معاوية أعلن وبكل صراحة وخطيا بسلسلة من مراسيمه الملكية بأنه لا عطاء ولا مكان بدولته لأي إنسان لا يواليه ولا يطيعه، ولا عطاء ولا مكان بدولته لأي إنسان يحب علي بن أبي طالب وأهل البيت ومن ثبتت موالاته لعلي وأهل بيت النبوة فيتوجب علي ولاة معاوية أن ينكلوا به ويهدموا داره (1) وإذا جهر مواطن من رعايا دولة الخلافة بهذا الحب، وامتنع عن مسبة علي بن أبي طالب، فإن عقوبته حسب قوانين دولة خلافة البطون هي الموت صبرا، وما فعله معاوية بالصحابي الجليل حجر بن عدي وأصحابه المخبتين الصالحين دليل قاطع علي ذلك، فقد قتلهم صبرا بتهمة رفضهم الشتم ولعن عدو الخليفة علي بن أبي طالب، ولا مانع لدي الخليفة من نهب أموال الذين لا يوالونه، وقتل أطفالهم كما فعل بسر بن أرطأة، ولم تكتف دولة الخلافة بذلك بل فرضت علي رعاياه أن يعلنوا رضاهم بكل ما يفعله الخليفة وأركان دولته وأن يعرفوا بأنه لا حق لهم بالاعتراض علي فعل من أفعال الخليفة، وجاءت وسائل إعلام هذه الدولة، ومن سار في ركابها من علماء السوء فألقوا بروع الناس أن محبة الخليفة وطاعته، وعدم معصيته، وعدم الخروج عليه، والقبول بأعماله كلها واجبات دينية مفروضة علي كل ذكر وأنثي من رعايا دولة الخلافة!!! وأن الخليفة ليس مسؤولا أمام أحد، فبإمكانه أن يظلم، وأن يعطل الحدود، ويضيع الحقوق، ويغصب الأموال، ويضرب الأبشار، ومع هذا تبقي طاعته فرضا مقضيا علي كل فرد من أفراد الرعية، ولا يجوز الخروج عليه، والخروج عليه حرام بإجماع علماء دولة الخلافة (2)، ثم إنه لا علاقة لأحد من
(١) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد نقلا عن المدائني في كتابه الأحداث ج ٣ ص ٥٩٥ تحقيق حسن تميم.
(٢) راجع صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٠ - 22 باب " الأمر بلزوم الجماعة " و ج 12 ص 229 بشرح النووي وسنن البيهقي ج 8 ص 158 - 159، وكتاب التمهيد لأبي بكر الباقلاني باب " ما يوجب خلع الإمام " طبعة القاهرة 1366.
(٢٠١)
صفحهمفاتيح البحث: حجر بن عدي الكندي (1)، علي بن أبي طالب (3)، الموت (1)، القتل (1)، الجواز (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، الجماعة (1)
الرعية بالمسلك الشخصي للخليفة، فإن كان الخليفة فاسقا فتجب طاعته، ولا علاقة لأحد بفسقه (1). لقد خلق الخليفة الغالب ليطاع، وليحكم، وخلقت الرعية لتطيعه وتقبل بحكمه إن أرادت السلامة في الدنيا والجنة في الآخرة!! وإذا رفض فرد من أفراد الرعية ذلك، فلا عطاء له ولا رزق، ولا مكان له في دولة الخلافة ولا في المجتمع " الإسلامي " ويتولي الخليفة وأركان دولته قتله بتهمة شق عصا الطاعة ومفارقة الجماعة، ويوم القيامة يدخل النار جزاء وفاقا لمعصيته لخليفة البطون. وأمام هذه الآلية المحكمة من إرهاب الدولة اقتصر دور الرعية علي الطاعة والقبول بأفعال الخليفة مهما كانت، نحن أمام نظام يرفع شعار الدين، ويقوم بعمل المجرمين، نحن أمام نظام الفراعنة، ولكنه يلبس لباس الدين، نظام يديره أولئك الذين حاربوا رسول الله ودينه بكل وسائل الحرب، حتي أحيط بهم، فاستسلموا وتظاهروا بالإسلام، وبعد موت النبي استولوا علي منصب الخلافة بالقوة والغصب، وحكموا الأمة باسم الإسلام الذي لا يعرفونه، وهم كانوا بالأمس من أشد أعدائه، فكمموا الأفواه، وصادروا الحريات، وغصبوا الحقوق والأموال، وقتلوا النفوس المحرمة، وأذلوا عباد الله، وزيفوا الدين، وحرفوه، وسخروه مطية لمطامعهم وأهوائهم، وعاثوا في الأرض فسادا علي سنة من آل فرعون، فذلت الأمة واستذلت أكثريتها، واختارت الحياة مع الذل والعافية علي الموت، وكانت الأمم الكافرة تتفرج عليها وهي تتآكل من الداخل، وتتعجب كيف تمكن الخلفاء من قلب كل شئ هذا الانقلاب المريع؟!.
لقد أدرك الإمام الحسين بوصفه الإمام الشرعي، وبوصفه الوارث الوحيد للنبي أن الأمة تعيش أخطر مراحل حياتها، وأنه لا بد للإسلام من منقذ ولا غني للأمة عمن يوقظها من سباتها العميق، وإن تركت الأمة علي ما هي عليه، فقد تعتقد الأمم الأخري أن الإسلام في حقيقته ما هو إلا الإسلام الذي تمارسه دولة الخلافة، والنظم التي تتبناها دولة الخلافة وإن كانت إسلامية في ظاهرها، لكن لا
(1) راجع المراجع السابقة.
(٢٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، اللبس (2)، القتل (2)، الحرب (1)، الجماعة (1)
علاقة للإسلام بجوهرها ومحتواها، ثم ترك الأمر وشأنه فقد تنجح دولة الخلافة بفرض مفهومها السطحي والسقيم للإسلام، وإجبار الأمة علي تبنيه، ومع العادة والتكرار وضغط وسائل إعلام دولة البطون، يصبح إسلام الخليفة وأركان دولته هو الإسلام ولا إسلام غيره، بعد أن تنجح دولة الخلافة بتحريف الكلم عن مواضعه وتبديل مضامين دين الله الحنيف، وتحريفه بعد ما اعتدل، لكل هذه الأسباب كان الإمام الحسين موقنا أنه لا بد من انتفاضة، وثورة من نوع خاص، تعيد الإسلام لمساره الصحيح، وتقدمه للعالم بوجهه المشرق، وتنقذ الأمة من ذلها وتفضح خزعبلات وألاعيب دولة الخلافة ومتاجرتها بالدين ولكن الإمام الحسين موقن أيضا بأن الأمر ليس بهذه السهولة، فدولة النبي حكمت الجزيرة وأهلها سنتين، ودولة الخلفاء حكمت بضعا وخمسين سنة وخلال مدة حكمها الطويل أوجدت سننا، ورسختها أكثر من سنن رسول الله نفسه!!
من يجرؤ علي الانتفاضة؟:
الكلمة العليا في المجتمع الإسلامي كله كانت للخليفة وأركان دولته، فالخليفة وأركان دولته هم وحدهم من الناحية الرسمية والفعلية الأعداء الصحيحة يقولون ويفعلون، وما عداهم كسور، فالقلة المؤمنة اختفت نهائيا عن مسرح التأثير علي الحياة، وقررت أن تكتم إيمانها كما فعل المؤمنون في المجتمعات الكافرة للأمم السابقة، والأكثرية الساحقة من الأمة سلمت، ويئست من المقاومة بعد أن أدركت أن الخليفة لا يقهر، وأن أمة ألقت وسائل إعلامه بروع الناس أن رضي الله من رضي الخليفة، وبعد أن اكتشفت أن مفاتيح كل شئ بيد الخليفة، فلا شئ يمنعه من أن يقتل أيا كان، أو أن يترك أيا كان، إنه الطاغية، القاهر فوق الرعية، فمن يخطر بباله مثل هذه الظروف أن ينتفض، أو أن يثور!!، ومن يجرؤ علي قيادة الثورة، ومن يجرؤ علي تأييد الثورة أو الالتحاق في صفوفها!! ثم لنفترض أن أحدهم قد ثار، فإن الخليفة وأركان دولته سيخمدون الثورة قبل أن يسمع بها أحد، وسيصورون الثائر إعلاميا بصورة الكافر الشاق لعصا الطاعة، المفارق للجماعة، العاصي والخارج علي " أمير المؤمنين وخليفة رسول رب
(٢٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: القتل (1)
العالمين " ثم يقوم الخليفة بتقطيع الثائر إربا إربا أمام الأمة وستتفرج الأمة عليه وهو يقطع أوصال ضحيته، دون أن تقوي علي أن تقول " لا "، لأن كلمة لا حذفت عمليا من قواميس اللغة.
إن الإمام الحسين هو المؤهل الوحيد للقيام بانتفاضة وقيادة ثورة!!! فهو في قاموس الشرعية الإلهية الإمام الشرعي من بعد أبيه وأخيه، ثم إنه الوحيد من ذرية النبي، فليس في بلاد الإسلام من هو أقرب للنبي منه، فهو ابنه، وهو حفيده وحبيبه، وسيد شباب أهل الجنة، وكل المسلمين، وعلي رأسهم الخليفة يعلمون ذلك علم اليقين، ولنترك المجال للإمام الحسين ليعرف نفسه بالمزايا التي تفرد بها واختص بها عن غيره، قال الإمام الحسين مخاطبا القتلة من جيش الخليفة:
" أما بعد: فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلي أنفسكم فعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي!! ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه؟! وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟!
أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟! أو ليس جعفر الطيار ذو الجناحين عمي؟!
أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله قال لي ولأخي: " هذان سيدا شباب أهل الجنة " فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق فوالله ما تعمدت كذبا … وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، إما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!. فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة … " (1).
وقال الإمام الحسين لرجل من أهل الكوفة: " والله لو لقيتك بالمدينة
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٨ والإرشاد للمفيد ص ٢٣٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦١ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٦ والعوالم ج ١٧ ص ٢٥٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠١ ووقعة الطف ص 206 والموسوعة ص 419 - 421.
(٢٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: أبو سعيد الخدري (1)، مدينة الكوفة (1)، جابر بن عبد الله (1)، أنس بن مالك (1)، زيد بن أرقم (1)، سهل بن سعد (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
لأريتك أثر جبريل من دارنا، ونزوله علي جدي بالوحي، يا أخا الكوفة، مستسعي العلم من عندنا، أفعلموا وجهلنا؟ هذا لا يكون " (1) فعلم الحلال والحرام والصواب والخطأ، والفيصل بين الشرع والهوي هو قول الإمام الحسين لأنه الإمام المؤهل لقيادة الأمة، ووارث علم النبوة والكتاب.
ثم إن العرب كلها تعرف الإمام الحسين، فهو العالم الفذ الذي لا يدانيه عالم، والشخص الفريد من نوعه الذي واجه جيشا وبرباطة جأش، وببأس لا مثيل له، وهو الرجل الشامخ المقام الذي واجه محنة تهد الراسيات بأعصاب فولاذية ولم يهن ولم يستسلم، وهو الذي أقدم بمحض اختياره علي تقديم روحه دفاعا عن الحق، فالإمام الحسين كان أوحد زمانه لإنه الإمام الشرعي، فهو الأعلم وهو الأتقي وهو الأفضل، كان متألقا كالشمس الطالعة في النهار، وكالبدر في ظلمات الليل. فكان هو الوحيد المؤهل ليبعث انتفاضة، وليقود ثورة من نوع خاص. فلن يقوي الخليفة، وإعلام دولته علي التشكيك بدين الإمام، أو النيل من مكانته، أو إقناع المسلمين بخزعبلات ودعايات إعلام دولة الخلافة التي يسمون بها عادة أعداء الخليفة ودولته.
من هم المنتفضون والثوار؟
لقد قرر الإمام الحسين أن يستجيب لنداء الواجب ولدوره التاريخي، لقد قرر أن ينتفض وأن يكون أول ثائر، وعزم علي تحمل مسؤولية قيادة الانتفاضة المباركة وقيادة الثورة.
ولكن في ذلك المناخ الذليل من يجرؤ علي الانتفاضة، ومن يجرؤ علي الثورة، ومن يجرؤ علي تأييد قائد الثورة الإمام الحسين، ومن يجرؤ علي الالتفاف حوله والسير معه إلي نهاية الشوط؟ بل ومن يستطيع أن يصافح الإمام الحسين؟ أو يجتمع معه؟ فعم الذل والإرهاب في ذلك المجتمع، وأماتا فيه، كل قيم الإسلام، وقيم النخوة والإباء!!! يبدو أن الإمام الحسين قد أراد المنتفضين
(١) بصائر الدرجات ١١ ح ١ والكافي ج ١ ص ٣٩٨ ح ٣ وبحار الأنوار ج ٦ ص ١٥٧ و ج 45 ص 93 والموسوعة ص 347.
(٢٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)
والثوار من نوعية خاصة ليتمكنوا من القيام بانتفاضة وثورة من نوع خاص، فمنذ اليوم الأول لإعلان موقف الإمام الحسين:
1 - نهض آل محمد، وأهل بيت النبوة، وذوو القربي وأعلنوا إنضواءهم تحت راية الإمام الحسين وتأييدهم له ومباركتهم لخطواته واستعدادهم للمضي معه قدما حتي الشهادة في سبيل الله، وتبعا لهم انضمت نساؤهم، وذراريهم، وهكذا تكونت الخلية الأولي من خلايا الانتفاضة والثورة، وهذه الخلية عبارة عن آل البيت، وأهل البيت، وذوي القربي مع نسائهم وأطفالهم. إن هذه الخلية الأولي تتكون من أولاد الرسول وأحفاده وبناته، ومن أبناء عمومة الرسول وأحفادهم!! وهذه فئة يعرفها كل المسلمين بما فيهم الخليفة وأركان دولته، ولا يخفي شرفها ومكانتها علي أحد من الناس، إنهم عائلة الرسول، وحرمة الرسول!!! فهم أحد الثقلين الذي أمر رسول الله بالتمسك بهما، وهم آل محمد الذين لا تجوز صلاة عبد إن لم يصل عليهم، وهم أهل المودة في القربي الذين افترض الله مودتهم علي كل مسلم ومسلمة، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فماذا عسي الخليفة أن يقول عنهم، وبماذا يمكن لوسائل إعلام دولته أن تصفهم؟ فقول الخليفة وأركان دولته مقابل قول الله ورسوله. فهل في الدنيا كلها عاقل واحد يمكنه أن يكذب الله ورسوله ويصدق الخليفة وأركان دولته؟! ثم إن هذه الفئة المباركة هي سنام القدسية في المجتمع الإسلامي، فهل يعقل أن يدوس الخليفة علي قدسية هذه الفئة أمام كل المسلمين!!! وإن داس عليها علنا فما الذي يبرر وجوده وشرعية هذا الوجود كحاكم للمسلمين إذا داس علي أقدس مقدساتهم وهم آل محمد وأهل بيته وذوو قرباه!!! صحيح أن الخليفة وأركان دولته يمكنهم أن يهدموا الكعبة المشرفة إذا اقتضت مصلحتهم ذلك، وقد هدموها بالفعل، ولكن هل يعقل أن يقتلوا ابن النبي الوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، وأحفاد النبي، وبني عمومته وأن يسبوا بنات النبي وبنات أبناء عمومته!!! إن فرعون مصر وهامانه، ونمرود ووزراءه أسمي وأجل من أن يفكروا بذلك! فهل أن يفعل (خليفة المسلمين) ما يخجل فرعون ونمرود عن فعله!!! وهل يعقل أن يفعل أركان دولة الخليفة ما يستحيي هامان
(٢٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: المودة في القربي (1)، سبيل الله (1)، الشهادة (1)، الطهارة (1)، الصّلاة (1)، الجواز (1)
ووزراء نمرود عن فعله،!! فإن فعل الخليفة وأركان دولته ذلك فما هم إلا كفرة، ملحدون، يتسترون بلفظ الشهادتين ومظاهر الإسلام وقشوره ليحكموا مجتمعا يدين أفراده بدين الإسلام!! ثم إن فعل الخليفة وأركان دولته ذلك فما هو المتبقي من التبريرات لسكوت الأمة وخنوعها وهي تشاهد الخليفة وأركان دولته وهم يدوسون علي آخر من تبقي لهم من مقدسات!!! خاصة وأن انتفاضاتهم سلمية وثورتهم قائمة علي الدين والمنطق والحوار، ولا يطلبون إلا الحق فما الذي يمنع الخليفة من إعطائهم هذا الحق، ومن رفع ظلامتهم والاستماع لمطالبهم في ملأ من الناس!!!
2 - وأيد انتفاضة الإمام الحسين وثورته أيضا بالإضافة لآل محمد مجموعة من نخبة الأمة الإسلامية، وهم أهل البصائر، وأهل النخوة، والإيمان، والتضحية طمعا برضوان الله وجنته، وقد وصفهم أحد القادة الموالين للخليفة بقوله لجنوده:
" … أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين … " (1) هذه شهادة عدوهم بهم، صحيح أن هذا العدو لا خلاق له ولا دين، ولا يمكن الاعتداد بشهادته لفساد دينه وخلقه وتردي إنسانيته، لكن الظروف التي جرت فيها الشهادة، والأسباب الدافعة لتلك الشهادة، وسماع المئات لها دون أن ينفي صحتها أحد منهم، مع أنه يثاب علي النفي ولا يعاقب كل هذا يجعلنا نجزم بصحة هذه الشهادة، فالذين وقفوا مع الحسين من أبناء الأمة الإسلامية وأيدوه هم نخبة في قمة الإباء والرجولة، فهم فرسان، وفي قمة الوعي، لأنهم أهل بصائر، ومن الملحدين بثقافة الهوان والذل، لأنهم طلاب موت لا طلاب حياة، وأن شرفهم وتفوقهم وتميزهم مستمد من أعمالهم وأصيل في نفوسهم. وقد أثبتت مجاري الأحداث طبيعة تلك النخبة التي اختارها الله تعالي لتقف مع الإمام الحسين، ومع آل محمد وأهل بيت النبوة وذوي القربي، فقد تحملوا مشاق رحلة الشهادة، فلم يهنوا ولم يحزنوا، وليلة المذبحة طلب منهم الإمام الحسين أن ينسحبوا في جنح الليل وستره وأن يتركوه وحده ليواجه
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٣٥.
(٢٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (7)، كتاب تاريخ الطبري (1)
مصيره لأن القوم إنما يطلبونه، فإن ظفروا به (ذهلوا عن غيره)، وبين لهم الإمام بأنه ليس له في أعناقهم بيعة ولا عليهم ذمة، وأنه راض منهم، لكن أهل بيت النبوة، والنخبة التي التحقت به من أبناء الأمة الإسلامية رفضت ذلك رفضا قاطعا، ورأت أن ذلك عار الدنيا وشنارها إذا تركت إمامها وحيدا للوحوش الكاسرة، وفي صبيحة المذبحة، أراد شباب أهل بيت النبوة أن يتقدموا للقتال، فأبت تلك النخبة المباركة، وأصرت علي أن تقاتل بين يدي الإمام وأهل بيت النبوة حتي تفديهم وتموت دونهم.
أولئك هم أصحاب الحسين، وأولئك هم الرجال الذين اختارهم الله من أمة كاملة ليموتوا بين يدي الإمام الحسين، وأهل بيت النبوة، ولينالوا شرف الشهادة دفاعا عن الحق وأهله، وهم قلة لا يتجاوز عددهم التسعين رجلا!! ومن المدهش حقا، أن فيهم عربا وموالي، وفيهم من عرب الشمال وعرب الجنوب، وفيهم الشباب وفيهم الشيوخ.
الناجون الراشدون:
قال الإمام الحسين: " وإنما أدعوكم إلي سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين " (1) فالذين اتبعوا الإمام الحسين كانوا من الناجين الراشدين، والذين لم يتبعوه كانوا من الهالكين، لأن الإمام الحسين كان كما كان جده وأبوه المعيار الموضوعي بين الحق والباطل، وبين النجاة والهلاك.
حزب الله وحزب الشيطان:
قال الإمام الحسين لأصحابه: " أصحابي إن القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، وأنشد يقول:
تعديتم يا شر قوم ببغيكم * وخالفتم فينا النبي محمدا
(١) راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٦ وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص ٢٠٦ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨ والعوالم ج 17 ص 251 والموسوعة ص 424.
(٢٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: حزب الله (1)، القتل (1)، الباطل، الإبطال (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، إبن عساكر (1)
أما كان خير الرسل أوصاكم بنا * أما كان جدي خيرة الله أحمدا أما كانت الزهراء أمي ووالدي * علي أخا خير الأنام المسددا (1) والثابت أن حزب أهل بيت النبوة هو حزب الله، وأن من يخالفهم من حزب إبليس (2) والخلاصة أن الذين وقفوا مع الإمام الحسين هم حزب الله، وهم صفوة الله من خلقه في زمانهم، وهم الفئة المؤمنة حقا، وهم أحباب الرسول، أما الذين خذلوا حسينا وأهل بيت النبوة، ولم ينصروهم، بل وقفوا مع عدوهم وقاتلوهم فهم حزب الشيطان حقا، وهم الخاسرون، وهم الفئة الباغية (3)، لأن رسول الله قد أخبر الأمة، بأن الفئة الباغية هي التي تقتل الإمام الحسين، ثم إذا لم يكن قتلة الإمام الحسين ومبيدو آل محمد وأهل بيته والفئة الباغية فمن تكون هذه الفئة إذا!!! وإذا لم يك قتلة الإمام الحسين وأعداء الحسين هم حزب الشيطان، فمن يكون حزب الشيطان إذا!!! وإذا لم يكن الذين أيدوا الإمام الحسين ووقفوا معه ودافعوا عنه وماتوا دفاعا عنه وعن آل محمد هم حزب الله في زمانهم فمن يكن حزب الله؟!
(١) معالي السبطين ج ١ ص ٣٤٨، بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤١ والعوالم / ١٧ ص ٢٨٣ والموسوعة ص ٤٢٦ - ٤٢٧.
(٢) راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩١ و ١٤٠ وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٩٣ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٩٨.
(٣) راجع مقتل الإمام الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٨٧ - ٨٨ وذخائر العقبي للطبري ص ١١٩ أنظر إلي وصف الإمام الحسن لهم بالفئة الباغية، الفتوح ج ٥ ص ٧٩ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٦ ومثير الأحزان ص ٤٦ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٥.
(٢٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: حزب الله (4)، القتل (3)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، الموت (1)

الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله

الفصل الرابع رحلة الإمام الحسين للشهادة في سبيل الله الطريق إلي الموت:
يوم امتنع الإمام الحسين عن مبايعة يزيد، كان موقنا أنه قد سلك الطريق إلي الموت، وأن يزيد وجنوده سيقتلونه، وسيقتلون أهل بيت النبوة إن عاجلا أم آجلا، وأن مسألة قتلهم مسألة وقت ليس إلا، وقد خصصنا بحثا في الفصول السابقة بعنوان " يقين الإمام الحسين " أثبتنا فيه أن الإمام كان يعرف أين يقتل، وكيف يقتل، ومن يقتل معه، ومتي يقتل، ومن هم القتلة،!! كان موقنا أن المنايا يرصدنه ليبقي دائما علي طريق الموت لا يحيد عنها قيد أنملة، وكان الإمام دقيقا إلي درجة التصوير الفني عندما تمثل بقول يزيد بن المفرغ الحميري وهو يدخل لوداع جده العظيم:
يوم أعطي مخافة الموت ضيما * والمنايا ترصدنني أن أحيدا (1) ومع يقين الإمام أنه يسلك هو وأهل بيته الطاهرين، وأصحابه الصادقين الطريق إلي الموت، وأن الفرعون وجنوده سيطاردونهم حتي يظفروا بهم، وأنهم سيقتلونهم أشنع قتلة، إلا أن الإمام قد صمم بأن يكون موته، وموت أهل بيته، وأصحابه الصادقين، (موتا من نوع خاص) يليق بعظمة الإمام وطهر أهل بيت النبوة، وجلال وشموخ الصادقين من أصحابه، موتا ينالون به أعظم درجات الشهادة عند الله تعالي، هكذا وصاه الجد العظيم يوم جاء الحسين لوداعه (2)،
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧١، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٦، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ١٩٥، ووقعة الطف ص ٨٣ والموسوعة ص ٢٨٦.
(٢) راجع الفتوح ج ٥ ص ٢٠ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٦ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٨ والعوالم ج 17 ص 177 والموسوعة ص 287.
(٢١١)
صفحهمفاتيح البحث: سبيل الله (1)، القتل (7)، البيعة (1)، الموت (6)، الطهارة (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
يريده الإمام موتا بحجم عظمة المهمة والأهداف التي خرج لتحقيقها، موتا يكشف حقيقة الفرعون وجنوده.
استغلال فترة المطاردة:
مثلما صمم الإمام الحسين علي أن يكون موته وأهل بيته وأصحابه من نوع خاص كذلك صمم الإمام علي استغلال فترة مطاردة الأمويين له، وما تبقي له من حياة أحسن استغلال، لتسمع الأمة كلها بخروجه، ولإقامة الحجة عليها، وليكشف الأمويين علي حقيقتهم البشعة، وليفضح يزيد ونظامه، وليعلن باسم الله ورسوله وباسم الإسلام الذي يمثله، بطلان الخلافة، وعدم شرعيتها، وبطلان كافة الفتاوي الفارغة التي كانت تضفي هالة من القداسة الزائفة علي الخليفة الجبار المتغلب، وتحرم معصيته، والخروج عليه، وليظهر الخليفة المتغلب بصورته الحقيقية، كغاصب ما ليس له، وجالس بالقهر بالمكان الذي خصصه الله لغيره (1) وكمدع لما ليس له (2) وكمطيع للشيطان وتارك للرحمن، ومبطل للحدود، وشارب للخمور، ومستأثر بأموال المسلمين (3) وكمفسد كبير في ثوب مصلح، وكقائد لحزب الشيطان (4)، وكإمام فاسق يحكم بالجور والعدوان (5).
والإمام يريد من الأمة ومن العالم كله أن يتساءل: كيف يمكن التوفيق بأن ادعاء الخليفة " أنه خليفة رسول رب العالمين " وبين أعماله الإجرامية المنبثقة عن سلوكه الشخصي القذر، ومسيرته الإرهابية كحاكم مستهتر بالأموال والأرواح،
(١) راجع الفتوح ج ٥ ص ١١، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٢ وانظر إلي قول الإمام برسالته لأشراف البصرة " وكنا أهله وأولياءه وأوصياؤه وورثته وأحق الناس بمقامه.. ". في تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٨٠ ومثير الأحزان ص ٢٧ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٤٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٠ ووقعة الطف ص ١٠٧.
(٢) الإرشاد للمفيد ٢٢٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢ واللهوف ص ٢٤ وأعيان الشيعة ٥٩٦ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٧.
(٣) راجع تذكرة الخواص ص ٢١٧ والموسوعة ص ٣٢٦.
(٤) معالي السبطين ج ١ ص ٣٤٨، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤١ والعوالم ج 17 ص 283.
(5) الفتوح ج 5 ص 35 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 195 والموسوعة 313 وراجع المراجع في البند الثاني لتر تركيز الإمام علي جورهم وعدوانهم.
(٢١٢)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (2)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، مدينة البصرة (1)
وبأحكام الدين، وطويته الفاسدة التي تضمر الحقد والبغض للبقية من آل الرسول (1).
والإمام يريد من الأمة أن تستفيق من غفلتها ومن نومها العميق ومن تطرفها وحبها للحياة مع الذل، فالعيش كالمرعي الوبيل، هو خسة، فالحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهي عنه، والموت للخلاص من هذه الحياة ما هو إلا شهادة، والحياة مع الظالمين ليست إلا برما (2).
ويريد الإمام الحسين من الأمة أن ترجع لدينها وتعرف من هم الذين اختارهم الله ولاة لأمرها، فتلتف حولهم، وتتخلي عن طاعة بني أمية، فإنها إن فعلت ذلك فإن يزيد سيسقط تلقائيا، لقد تمكن الإمام خلال فترة المطاردة، وبوسائل محدودة، ومن خلال تصريحاته، وخطبه ومقابلاته التي كانت تفيض بالصدق واليقين، وأنبل المشاعر نحو الدين والأمة، من أن يوصل ما أراد إيصاله للأمة، ومن إقامة الحجة عليها وعلي الأمويين معا، وتمكن خلال الفترة المتبقية له من الحياة من أن يضرب المثل الأعلي، بالشجاعة والتضحية والإقدام، والإقبال علي الموت بنفس مطمئنة، راضية في سبيل نصرة الحق، ولا يخفي ما لذلك من أثر في بعث الحياة بأمة أذلها الأمويون فذلت، وما لذلك من أثر في تحجيم بني أمية وجنوده كعصاة وكأعداء لله ولرسوله، وكقتلة مجرمين لا هم لهم إلا مصالحهم الأنانية الضيقة، والأهم أنه مزق وبمنتهي القوة كافة البراقع والمظاهر الزائفة التي كانوا يتسترون بها، وعراهم وكشفهم للأمة وللعالم كله حقيقتهم البشعة.
الحوار بين لغة الدين والمنطق ولغة المخالب والأنياب:
لقد ترك الإمام الحسين جوار جده العظيم وهو كاره، وخرج وهو كاره وتمني لو أتيحت له الفرصة ليبقي في المدينة، ويتنقل في بلاد الإسلام، ويدخل
(١) راجع الفتوح ج ٥ ص ١١، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٢.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٧ وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص ٢١٤ ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 237 علي سبيل المثال.
(٢١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (2)، بنو أمية (1)، الظلم (1)، الضرب (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (1)
مع يزيد وجنوده في حوار بلغة الدين والمنطق، ويقنعهم أنه الأولي بسلطان النبي وميراثه، والأحق، وأنه الإمام الشرعي المؤهل إلهيا لهذا المنصب، وأنه الأولي بمبايعتهم لهم، وأن يزيد الذي يصر علي أخذ البيعة من الإمام الحسين أو أن يضرب عنقه ليس مؤهلا للخلافة والقيادة لا في سلوكه، ولا في سيرته، ولا في علمه، ولا في تاريخ أبيه وجده الدموي المتميز بعداوة صارخة لله ولرسوله، فصدور يزيد وجنوده أضيق من أن تتسع بذلك، وأسماعهم أضعف من أن تطيق سماع ذلك، لقد اتسع فرعون مصر علي جبروته بموسي وهارون، وأتاح لهما الفرصة ليدليا بما عندهما، وسمع منهما حجتهما كاملة، بل وأتاح لهما الفرصة ليثبتا صحة هذه الحجة علي مرأي ومسمع من الشعب المصري كله، وكان موسي آمنا خلال فترة طرحه لما جاء به، ولم يتعرض له فرعون بسوء!! وعندما التقي موسي بالسحرة علي مشهد من الناس، ليثبت صحة ما جاء به، كان موسي آمنا، لم يتعرض له فرعون ولا جنوده بالسوء، وعندما نجح موسي بهزيمة السحرة أمام الناس لم يتعرض له، ولم يقتله بل اتهمه والسحرة بالمكر وتركهم أحياء، وتركهم طلقاء!!.
ليت فرعون - يزيد - المسلمين قد تخلق بأخلاق فرعون مصر، وأتاح للإمام الحسين ما أتاحه فرعون مصر لموسي!! ليته منح الإمام الحسين الفرصة والحرية التي منحها فرعون مصر لموسي!!!.
ليته سمع حجة الإمام الحسين كاملة، وأتاح له الفرصة ليثبت صحة ما جاء به، وما عنده، وأعطاه الحرية والأمن إلي حين علي الأقل لما كان هنالك داع للخروج، ولما كانت هنالك ضرورة لنثر شمل أهل بيت النبوة، وتشتيتهم في البلاد، ومطاردتهم بهذه الهمجية والوحشية التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا!!!.
إن فرعون مصر لم يطلب من موسي أن يبايعه، ولم يطلب منه أن يعترف بشرعية حكمه، لأنه يدرك بأن طلبه غير معقول وغير منطقي. إن فرعون مصر لم يخير موسي بين الاعتراف بشرعية حكمه أو بالموت كما فعل يزيد عندما أمر واليه
(٢١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)، الحج (1)، الموت (1)، القتل (1)، الوسعة (1)
علي المدينة " أن يأخذ البيعة من الحسين وإن أبي أن يضرب عنقه " (1) أو أن يأخذه أخذا شديدا ليست فيه رحمة حتي يبايع (2)، فيزيد ابن معاوية يسوم الإمام الحسين عمدا وبغضا، ويعامله معاملة السوقة ويتصرف بالمغصوب تصرف المالك، ويريد من صاحب الحق أن ينسي حقه، وأن يبارك للغاصب ما غصب!! يريد من ابن النبي وأهل بيت الطهارة أن يصفقوا للماجن علي مجونه، وللخليع علي خلاعته، وللفاسق علي فسقه!!! وإن لم يفعلوا ذلك، فلا داعي لأن يسمع الخليفة كلامهم، فيزيد أقل وأذل من أن يرتقي إلي مستوي فرعون مصر، ليعطي الإمام الحسين وأهل بيته من الفرص والأمان ما أعطاه فرعون لموسي، فالطاغية لا يجيد ولا يعرف أصلا لغة الحوار بالدين والمنطق. إنه وجنوده يعرفون ويجيدون لغة المخالب والأنياب، والإرهاب والبطش والقسوة، فلو ظفر وجنوده بالإمام الحسين وأهل بيت النبوة لقطعوهم إربا إربا وبمنتهي الوحشية والهمجية، ولما سمع بمقالتهم وحجتهم أحد، ولأشاعت وسائل إعلام دولة الخلافة أن الإمام وأهل بيت النبوة قد انتحروا، أو أكلوا طعاما مسموما فماتوا، وليس من المستبعد أن يتظاهر الأمويون بالحزن علي الإمام الحسين وأهل بيته وأن يتظاهروا بالبراءة ويلبسون القفازات البيض وأيديهم ملطخة بدماء الجريمة، وكل هذا يفرض علي الإمام الحسين وأهل بيت النبوة أن يخرجوا في جنح من الليل، وأن لا يمكنوا جيش الطاغية من القاء القبض عليهم.
طبيعة رحلة الشهادة:
عندما امتنع الإمام الحسين عن بيعة يزيد بن معاوية، كان موقنا أن المواجهة قد بدأت بينه وبين يزيد، تماما كما بدأت المواجهة بين موسي وفرعون مصر، وعندما خرج الإمام الحسين من المدينة المنورة كان لديه الإحساس العميق بأنه يفر من يزيد وجنوده تماما كما فر موسي من فرعون مصر وجنوده، كان الإمام
(١) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١٠ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٠ - ١٨٥، واللهوف ص ٩ - ١٠ ومثير الأحزان ص ١٤ - ١٥.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٨ باب " بيعة يزيد بن معاوية ".
(٢١٥)
صفحهمفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، المدينة المنورة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الضرب (1)، الشهادة (1)، الغصب (1)، الطهارة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الحسين موقنا أنه وأهل بيته وأصحابه غرباء تماما، يسيرون في مملكة بني أمية بلا ناصر، ولا معين، بين قوم قلوبهم غلف، لا يعون ولا يرحمون وقد أثبتت الوقائع بالفعل في ما بعد أن فرعون مصر وجنوده كانوا بمنتهي الرحمة والخلق إذا ما قيست أفعالهم بأفعال جيش الأمويين، فعندما غادر الإمام المدينة المنورة تلا قوله تعالي: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (1) وهو عين ما قاله موسي عندما فر من فرعون مصر وجنوده.
والإمام الحسين الذي اختاره الله إماما، وأعده وأهله، لا يلقي الكلام علي عواهنه، إنما يبرز بكلامه ومقارناته أدق المخفيات بصيغة يفهمها المكلفون فهما كاملا، لتقوم الحجة عليهم وفق موازين الحق ومعاييره، ولما وصل الإمام الحسين إلي مكة، تلا قوله تعالي: * (ولما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) * [القصص / 22] (2) وهو عين ما قاله موسي عندما ابتعد نسبيا عن الخطر وعندما أشرف علي مدين!! فالتمثل بقول موسي في مكانين مختلفين، وفي فترتين زمنيتين متباعدتين يعكس بوضوح وحدة المحنة بين النبي موسي (ع) والإمام الحسين، ووحدة الجو النفسي بينهما، والتشابه بالحالتين، والتطابق في طبيعة الخصمين، ووحدة المعاناة، وإبرازا لهذا فإن الإمام الحسين يستعين بإعجاز القرآن ليضع الأمة معه في موقفه وطبيعة معاناته، وليستصرخ لا شعورها لنصرته.
الخارطة الجغرافية والإعلامية لرحلة الشهادة:
من المدينة إلي مكة قبل أن يخرج الإمام الحسين من المدينة إلي مكة بادئا رحلة الشهادة كتب الرسالة التي وجهها إلي بني هاشم، والتي تحدثت عن أمور غيبية لم تحدث بيقين
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٢ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١ والإرشاد ص ٢٠٢ ووقعة الطف ص ٨٥ والعوالم ج ١٧ ص ١٨١، وينابيع المودة ص ٤٠٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨ والموسوعة ص ٢٩٩..
(٢) راجع الإرشاد للمفيد ٢٠٢، بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٢ والعوالم ج ١٧ ص ١٨١ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٢ والفتوح ج ٥ ص ٢٥، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨٨ ووقعة الطف ص 586 والموسوعة ص 305.
(٢١٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، المدينة المنورة (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، القرآن الكريم (1)، الظلم (1)، الشهادة (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
قاطع أثارت فضول أهل المدينة، وعرفوا مضمونها وجاء فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلي بني هاشم، أما بعد: فإن من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح والسلام " (1) ثم إن الإمام الحسين قد اجتمع مع نساء بني هاشم عندما اجتمعن للنياحة والبكاء لما سمعن بعزم الإمام علي الخروج، وتكلمت النسوة مع عمته أم هاني، واجتمع معها الإمام الحسين، ومن خلال المعلومات التي وصلت إلينا يبدو واضحا أن الإمام الحسين قد استشرف أمامهن رحلة الشهادة وأحاطهن علما بمآل هذه الرحلة، وأم هاني التي روت للإمام الحسين تفاصيل الهاتف الذي سمعته (2) ومن الطبيعي أن يكون حديث الإمام الحسين مع الهاشميات قد انتشر بين نساء المدينة خلال يومين أو ثلاثة من اجتماع الإمام بهن، ثم هل يعقل أن تجتمع الهاشميات للنياح والبكاء، وينحن ويبكين، ولا تسأل نساء المدينة عن السبب!!.
وقد أفضي الإمام الحسين بتصريحات أمام ابن الزبير (3)، والمسور بن مخرمة (4) وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (5) وعبد الله العدوي (6) ثم إن الإمام الحسين كتب كتابا لأخيه محمد بن الحنفية سماه " الوصية " بين فيه الغاية من خروجه جاء فيه: " وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي، وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق،
(١) بصائر الدرجات ٤٨١ ح ٥ واللهوف ٢٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٧٦ ومثير الأحزان ص ٣٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٣٠ و ج ٤٢ ص ٨١ والعوالم ج ١٧ ص ١٧٩.
(٢) راجع بحار الأنوار ج ٥٥ ص ٨٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٨٨٨ ومقتل الحسين للمقرم ص ١٥٢ ومعالي السبطين ج ١ ص ٢١٤ والموسوعة ص ٢٩٥ - ٢٩٦.
(٣) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١١ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٢، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٠ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣٠ ووقعة الطف ص ٨٠.
(٤) راجع تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢٠٢ والموسوعة ص ٢٨٨.
(٥) راجع تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢٠٢ والموسوعة ص ٢٨٩.
(٦) أنساب الأشراف ج 3 ص 155 والفتوح لابن أعثم ج 5 ص 25 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 189.
(٢١٧)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، علي بن أبي طالب (2)، بنو هاشم (2)، الشهادة (2)، السب (1)، الوصية (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (1)، إبن عساكر (2)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، ابن شهرآشوب (1)
فالله أولي بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين … " (1).
ثم إن الإمام الحسين قد أجري حوارا موسعا مع أخيه محمد بن الحنفية، وأذن له بالبقاء في المدينة، وشاع بين سكان أهل المدينة أن الإمام قد كتب وصيته وسلمها لمحمد بن الحنفية، فمن الطبيعي أن يسأل أهل المدينة ابن الحنفية عما جري وعن مضمون الوصية، بل ومن الطبيعي أن يسأله أمير المدينة وأركان إمارته أن يبعثوا ليزيد بن معاوية بكل ما سمعوه من أخبار الإمام الحسين. ولم يخرج الإمام الحسين من المدينة إلا بعد ما أقام الحجة كاملة علي أهلها، وبعد ما يئس من نصرتهم له، ولو كان عند الإمام الحسين أي أمل بنصرة أهل المدينة وحمايتهم له ولأهل بيته لما خرج منها، ولقد عبر الإمام عن شعوره بالمرارة وخيبة الأمل فيهم، وعن غضبه منهم بأكثر من مناسبة، فقد شكا أمام قبر جده قائلا: " أنا فرخك وابن فرختك، وسبطك في الخلف الذي خلفت علي أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيعوني، وأنهم لم يحفظوني، وهذا شكواي إليك حتي ألقاك " (2) ومثل قول الإمام: " … وقد سمعت رسول الله يقول الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان وعلي الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية علي منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة علي منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد زاده الله في النار عذابا " (3).
ومثل قوم الإمام مناجيا رسول الله أمام قبره الشريف: " لقد خرجت من جوارك كرها، وفرق بيني وبينك حيث إني لم أبايع ليزيد بن معاوية، شارب الخمور، وراكب الفجور، وها أنا خارج من جوارك علي الكراهة فعليك مني السلام " (4). وغاية الإمام الحسين من الخروج منصبة علي البحث عن مأوي آمن
(١) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٢٢٩، والمناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 89 والعوالم ج 17 ص 179.
(2) راجع الفتوح ج 5 ص 19 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 186 والعوالم ج 17 ص 177.
(3) الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 17 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 184 والموسوعة ص 285.
(4) المنتخب للطريحي ص 410 وناسخ التواريخ ج 2 ص 14، وينابيع المودة ص 401 والموسوعة ص 288.
(٢١٨)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، القبر (2)، الوصية (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، ابن شهرآشوب (1)
يأوي إليه وأهل بيته، فلو كان الإمام واثقا أن المدينة هي المأوي الآمن، وأن أهلها سيمنعونه ويحمونه لما كانت هنالك ضرورة لرحلة الشهادة، فأهل المدينة أعرف بالإمام وبمكانته من غيرهم ويعرفون أنه المظلوم وصاحب الحق الشرعي، مثلما يعرفون تاريخ يزيد ومعاوية وأبي سفيان وهو تاريخ أسود، ومع هذا ومع سبق الترصد والإصرار خذل أهل المدينة الإمام الحسين خذلانا تاما، وتجاهلوا خروج الإمام، وتجاهلوا العهد والموثق الذي قطعوه علي أنفسهم أمام رسول الله " بأن يحموه ويحموا أهله كما يحمون أنفسهم وذراريهم ".
والخلاصة، أن الإمام الحسين لم يغادر المدينة، إلا بعد ما كان موقنا بأن أهلها خاذلوه، لا محالة، ومع هذا لم يغادر المدينة إلا بعد ما أسمع حجته لرجالها ونسائها، ولشيوخها وشبابها، وبعد ما أقام الحجة كاملة عليهم، وعلي أركان دولة الخلافة في المدينة المنورة، ولما تيقن الإمام أنه قد فعل ذلك كله غادر المدينة متوجها إلي مكة وكان ذلك في ليلة الأحد، ليومين بقيا من رجب من سنة ستين للهجرة، خرج الإمام الحسين ببنيه وأخوته وجل أهل بيت النبوة إلا محمد بن الحنفية (1) من المدينة المنورة نهائيا إلي مكة المكرمة وهو يتلو قوله تعالي:
* (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (2).
وفي رواية ثانية أن الإمام قد خرج من المدينة يريد مكة بجميع أهله وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان في سنة ستين للهجرة وهو يتلو الآية … (3) وأثناء مسيرته إلي مكة لزم الطريق الأعظم، وأبي أن يحيد عنها، وقال لمسلم بن عقيل الذي أشار عليه بالعدول عن الطريق: " والله يا ابن عمي لا فارقت هذا الطريق أبدا أو أنظر إلي أبيات مكة أو يقضي الله في ذلك ما يحب ويرضي " (4)
(١) الموسوعة ص ٢٩٩.
(٢) تلاوته للآية في تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١ والعوالم ج ١٧ ص ١٨١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٨٨٨.
(٣) اللهوف ص ١٣ والفتوح لابن أعثم ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨١.
(٤) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٩ وينابيع المودة ص ٤٠٢ والموسوعة ص ٢٩٩ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٦.
(٢١٩)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (5)، شهر رجب المرجب (1)، شهر شعبان المعظم (1)، المدينة المنورة (2)، الظلم (2)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
فالإمام الحسين لا يخفي خروجه علي أحد، فهو يسلك الطريق العام علنا بل هو يجهد نفسه ليعلم كل المسلمين بخروجه، ولتكون أسباب الخروج معروفة عند كل مسلم ومسلمة بمن فيهم يزيد وأركان دولته، لأن الإمام لا يطلب ملكا كابن الزبير، ولا يتلبد لملك كابن عمر، إنما هو صاحب حق، وصاحب رسالة معني من كل الوجوه بإبلاغ مضامين تلك الرسالة إلي كافة المكلفين من حاكمين ومحكومين علي السواء.
في مكة المكرمة:
لو أخذنا بالرواية الأولي التي تقول إن الإمام الحسين قد خرج من المدينة المنورة متوجها إلي مكة المكرمة في اليوم الثالث من شهر شعبان لقدرنا أن الإمام قد وصل إلي مكة المكرمة في منتصف شهر شعبان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإمام أدي العمرة، وخرج من مكة قبل إتمام الحج كراهية منه أن تستباح به حرمة البيت الحرام (1) فمعني هذا أن الإمام الحسين قد بقي في مكة قرابة أربعة أشهر تزيد قليلا أو تنقص قليلا، هذه المدة الكافية أتاحت له فرصة للاجتماع مع أهل مكة، ومع وفود الحجيج التي جاءت من مختلف البلاد الإسلامية ومن الطبيعي أن يطلعهم الإمام علي خروجه وعلي أسباب هذا الخروج، وأن يبين لهم حاجته إلي مأوي آمن يأوي إليه، وإلي قوم يمنعونه وأهل بيته بطريقة مهذبة لا تخدش كبرياء الحق الذي يمثله، ومن الطبيعي أن يتوافد المسلمون عليه للسلام، وتقديم الاحترام لابن النبي الوحيد المتبقي علي وجه الأرض، وطمعا بالبركة، وتقربا للنبي، ومن المؤكد أنهم أصغوا إليه وأنه قد ملكهم بحديثه المميز، فقد أسر حديثه حتي خصومه، وأخالهم قد استمعوا إليه بشغف بالغ، وعز عليهم ما يعانيه الإمام وأهل بيت النبوة في محنتهم تلك، وأخالهم قد ودعوه وقبلوا يده، وعيونهم تفيض بالدمع وألسنتهم ترجوه الدعاء لهم ثم اختفوا ليمارسوا عادات العبادات، وهكذا أقام الإمام عليهم الحجة كاملة غير منقوصة، وشهدوا علي أنفسهم من حيث لا يشعرون بأن ابن النبي وأهل بيت النبوة قد استنصروا فلم ينصروا وطلبوا
(١) ابن نما ص ٨٩ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٧٧ ومقتل الحسين للمقرم.
(٢٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (6)، كتاب الكافئة للشيخ المفيد (1)، شهر شعبان المعظم (2)، الحج (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الدعم فلم يدعموا، واستحموا فلم يحمهم أحد، وبينوا الحق وطلبوا من المسلمين اتباعه، فأعرض المسلمون عنهم وهذا قمة ما هو مطلوب من الإمام، فالإمام ملزم ببذل عناية لا بتحقيق غاية، مكلف بأن يبين الحق ويقيم الحجة علي الناس، لكنه ليس مكلفا بأن يجبر الناس إجبارا علي اتباع الحق.
ويبدو مؤكدا أن الإمام الحسين قد اجتمع في مكة مع عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب (1) وقد حببا إليه البقاء والعودة معهما إلي المدينة، وخوفاه من سيف يزيد بن معاوية وجنده، وقال له ابن عمر: " ارجع إلي المدينة وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبدا " فقال له الإمام الحسين: " هيهات يا ابن عمر إن القوم لا يتركوني إن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتي أبايع وأنا كاره أو يقتلونني ". وقال له الإمام الحسين أيضا: " إتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ".
ثم أقبل الإمام الحسين علي عبد الله بن العباس فقال: " يا ابن عباس! إنك ابن عم والدي … فإني مستوطن بهذا الحرم ومقيم فيه أبدا ما رأيت أهله يحبوني وينصروني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم … واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل، فبكي ابن عمر وابن عباس بكاء شديدا والحسين يبكي معهما ساعة ثم ودعهما وعاد ابن عمر وابن عباس إلي المدينة " (2).
ويبدو واضحا أن الإمام قد قابل عبد الله بن الزبير، ويبدو واضحا أن ابن الزبير قد شجع الإمام علي الخروج من مكة إلي الكوفة، ومن المؤكد أن الإمام يعرف ابن الزبير ومطامعه بدليل قول الإمام: "ها إن هذا ليس شيئا يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلي العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر
(١) راجع تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٥ و ٦٤٦ وتهذيبه ج ٤ ص ٣٢٩ وأنساب الأشراف ح ٢١ ص ١٦٣ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٩٢ - ١٩٣ والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٤٢ - ٤٣ ومثير الأحزان ص ٢٩ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٦.
(٢) راجع الفتوح ج ٥ ص ٢٦ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٩ ومثير الأحزان ص ٤١ والموسوعة ص 206 - 209.
(٢٢١)
صفحهمفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، عبد الله بن عباس (5)، دولة العراق (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، مدينة الكوفة (1)، عبد الله بن الزبير (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، البكاء (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب مثير الأحزان (2)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
معي شئ، وأن الناس لا يعدلوه بي، فود أني خرجت منها لتخلو له " (1). هذه نماذج من مقابلة الإمام لبعض ملأ القوم في مكة.
ويبدو واضحا أن عبد الله بن عباس مشفق وناصح، وصادق العاطفة نحو الإمام الحسين، ولكن شيخوخته وطعنه في السن إلي جانب مرضه وفقدانه لبصره قد منعاه من الخروج معه.
أما عبد الله بن عمر فهو يطمع بالخلافة ذات يوم، ولم لا؟ فهو ابن عمر الذي قاد بطون قريش ال 23، وواجه النبي نفسه، وعين الخليفة الذي أراد، ثم ورث دولة مستقرة بعد موت الخليفة الأول، وبقدرة قادر صار حبيب الجماهير وفاتنها، لقد ورث ابن عمر تاريخا، لكنه لا يريد أن يخرج كما خرج الإمام الحسين، فلو خرج مع الإمام الحسين لكان خروجه لمصلحة غيره!! ولدخل في مقامرة قد تنجح ويأخذ ثمرتها غيره، أو لا تنجح فيدفع ضريبة هو في غني عنها، والأفضل له أن يصافح الخليفة وأركان دولته، وأن يجاملهم بل ويساعدهم ويشجع الناس علي بيعتهم تحت شعار الدخول في الصلح ووحدة المسلمين!!!
فيتجنب شر الخليفة وأركان دولته وينال نصيبا وافرا مما في أيديهم، فيبقي هو العلم بوصفه ابن الخليفة، وهو الرقم الصحيح من رعية كلها أصفار أو كسور، لذلك اختار ابن عمر أن يكون دائما مع أو الغالب وهو صاحب النظرية الشهيرة التي صارت في ما بعد مبدءا دستوريا من مبادئ دولة الخلافة " نحن مع من غلب " (2) ومع هذا فإن ابن عمر لم يقطع صلته بالمعارضة فهو يبكي أمام الإمام الحسين، ويوحي له بأنه متعاطف معه ومشفق عليه، ويري ما لم يره الإمام، ويتمني علي الإمام أن يدخل في صلح يزيد وأن يبايع يزيد، وأن يعود إلي المدينة ليصبح مطيعا كرعية يزيد، من الطبيعي أن يزيد وأركان دولته سيسمعون بكل ما قاله عبد الله بن عمر وسيرتاحون لموقفه، ويغدقون عليه الصلات والعطايا باعتباره حكيما من حكماء دولة الخلافة، وهكذا يقنع عبد الله بن عمر نفسه بأنه مع
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٩٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٤٦ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٧٢، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٣، ووقعة الطف ص 148 والموسوعة ص 319.
(2) راجع الأحكام السلطانية لقاضي القضاة أبي يعلي المتوفي سنة 458 ه ص 7 - 8 وص 20 - 23.
(٢٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، صلح (يوم) الحديبية (2)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، عبد الله بن عمر (3)، المرض (1)، الغني (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الوفاة (1)
الجميع، وأنه حبيب الجميع، وليس من المستبعد أن يعهد له أحد الخلفاء في ما بعد بالخلافة وحتي تأتي تلك اللحظات السعيدة يعيش ابن عمر آمنا مرفها ونجما متألقا وعالما مشهورا من علماء دولة الخلافة، يفتي بضرورة البيعة، ويفتي بالصلاة خلف كل بر وفاجر، وتقديم الطاعة لمن غلب كائنا من كان … الخ.
أما عبد الله بن الزبير، فقد صدق عمر بن الخطاب عندما وضع الزبير بوزن الإمام علي، ووضع أبناء أصحاب الشوري بوزن أبناء الرسول، فهو في قرارة نفسه يعتقد أن أباه أولي بالخلافة من علي، وأنه أولي بالخلافة من أولاد علي ولكن حجمه ووزنه يقصران به عن منافسة الإمام، لكنه يتمني كبقية أبناء الخمسة الذين اختارهم عمر لمنافسة الإمام علي، واختار أبناءهم لمنافسة أبناء الإمام علي، نعم، يتمني أن تبتلع الأرض ذرية الرسول ليحلو له وجه الخلافة، وليتألق في غيابهم كما يحلو له.
فلو أن الثلاثة وقفوا مع الإمام الحسين ونصروه، لخلقوا تيارا هائلا من التأييد للإمام الحسين في المدينة، ولوقف من تبقي من الصحابة، وأبناء الصحابة وقفة واحدة خلف الإمام الحسين ولكان عسيرا علي يزيد وأركان دولته أن يفعلوا ما فعلوا بعباد الله، لكن لكل واحد من الثلاثة ملف خاص، وحسابه الخاص به.
قصة الأمان والرغبة بإدانة الإمام الحسين:
تتحدث بعض الروايات أن عبد الله بن جعفر قد كتب إلي الإمام الحسين كتابا جاء فيه: " أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك … وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين … " وأنه قد طلب من عمرو بن سعيد بن العاص عامل يزيد علي مكة أن يكتب أمانا للحسين، وأن يمنيه البر والصلة ويبعثه إليه … وبالفعل كتب عمرو بن سعيد بن العاص الأمان للحسين إلا أن الإمام الحسين قد رفض هذا الأمان (1) ونصحه الحكماء كعبد الله بن
(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٥٣، وتقريب التهذيب ج ٢ ص ٦٠١، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٩ وكامل ابن الأثير ج ٤ ص ١٧، والبداية والنهاية لابن الأثير ج 2 ص 163.
(٢٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، عمرو بن سعيد بن العاص (1)، عبد الله بن الزبير (1)، عمرو بن سعيد (1)، التصديق (1)، الغلّ (1)، الرفض (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
عمر (1) وعبد الله بن العباس (2) وعبد الله العدوي (3) والواقدي وزرارة (4) وحتي الحكيمات المسلمات كعمرة بنت عبد الرحمن كتبن إليه يعظمن ما يريد الإمام أن يصنعه، ويأمرنه بالطاعة ولزوم الجماعة، ويخبرنه أنه يساق إلي مصرعه (5)!!
ويروي الرواة أن ابن عمر كان يقول: " غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأي في أبيه وأخيه عبرة، ورأي من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير " (6).
ويروي بعض المؤرخين أن عبد الله بن عمر قال للإمام الحسين: " لا تخرج فإن رسول الله خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، فلا تعاطها يعني الدنيا … فاعتنقه وودعه … " (7) وحتي مروان بن الحكم بن العاص الملعون ابن الملعون علي لسان رسول الله ينصح الإمام الحسين قائلا: " يا أبا عبد الله إني ناصح، فأطعني ترشد وتسدد، فقال له الإمام الحسين: وما ذلك قل حتي أسمع، فيقول له مروان: " إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنه خير لك في دينك ودنياك " (8) ويذهب بعض من المؤرخين إلي أن الإمام الحسين قد خرج من المدينة متوجها إلي العراق …
فطاعة الخليفة وفق هذه الثقافة فرض علي كل مسلم ومسلمة، لأنه قد خلق ليطاع!! والقبول بأفعال الخليفة، واجب علي كل مسلم ومسلمة، ومعصية الخليفة جرم بحق الله وبحق رسوله، قبل أن يكون جرما بحق الخليفة، والخارج علي الخليفة هو شاق لعصا الطاعة، وخارج علي الجماعة، قبل أن يكون خارجا
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٤٩ والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٧٢.
(٢) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٢٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٩.
(٣) أنساب الأشراف ج ٣ ص ١٥٥.
(٤) دلائل الإمامة ص ٧٤، ومثير الأحزان ص ٣٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٤.
(٥) تاريخ ابن عساكر، ح ٦٥٣ وما بعده وتقريب التهذيب ج ٢ ص ٦٠٧.
(٦) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٥٣١ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٥٨.
(٧) تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢٠٠.
(8) راجع الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 17، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 184.
(٢٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، دولة العراق (1)، مروان بن الحكم (1)، عبد الله بن عمر (1)، الجماعة (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (3)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
علي الخليفة، وبالتالي فإن الخروج علي الخليفة حرام (بإجماع المسلمين) وجريمة من جرائم الخيانة العظمي بغض النظر عن شخصية الخارج. لأن الخروج علي الخليفة مهما كان دينه أو خلقه أو أفعاله حرام بإجماع أهل القبلة، تلك هي الثقافة الفاسدة لدولة الخلافة، فالإمام الحسين بالنسبة لقواميس هذه الثقافة خارج علي الطاعة، مفارق للجماعة، ومتول لغير ما تولي المؤمنون!! ولكن نظرا لمكانة الإمام الحسين، وقربه من رسول الله يتمايل إعلام دولة الخلافة، وعلماء الخلفاء ويسلكون الطرق الملتوية لإفهام العامة بذلك وبطرق غير مباشرة!!! هم لا يقولون بصراحة ذلك عن الإمام الحسين، ولكنهم يصرحون بذلك عبر أساليب ملتوية وبطرق غير مباشرة، قال يزيد بن معاوية لعلي ابن الحسين بعد مذبحة كربلاء:
" أبوك - يعني الإمام الحسين - الذي قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت "، كما قال الطبري ذلك في تاريخه، فيزيد موقن وفق ثقافة دولة الخلافة أن الإمام الحسين قد جهل حق يزيد بالطاعة ونازعه سلطانه الذي أعطاه الله له، وبالتالي فإن العقوبة من جنس العمل وحجمه، فالمؤرخون يتبنون النظرية الرسمية لدولة الخلافة والفتاوي الرسمية لعلماء دولة الخلافة المتعلقة بقضية الخروج، ولكنهم يتمايلون لإيصال مضامين هذه النظرية بطرق غير مباشرة، ومن وسائلهم الاختلاق وخلط الأوراق، وخلط المتناقضات، خلطا يتعذر معه الوقوف علي الحقائق الموضوعية المجردة!!.
ثم كيف يبرر علماء دولة الخلافة ومؤرخوها خذلان " حكماء القوم " ومن تبقي من المهاجرين والأنصار للإمام الحسين، وسماحهم بحدوث المذبحة وبالصورة البشعة التي حدثت بها!! بل وكيف تتفق واقعة المذبحة مع تفاصيل نظرية عدالة كل الصحابة التي اخترعها معاوية وأركان دولة الخلافة. لقد رأوا أنه من الأنسب تخطئة الإمام الحسين وأهل بيت النبوة علي تخطئة حكماء القوم وأبناء المهاجرين والأنصار!! وليضفوا علي أنفسهم رداء الحياد والموضوعية، أطالوا الطريق، والتفوا حول الحقائق طمعا بطمسها وتزويرها أو التشكيك بها.
ثم هل يعقل أن تسمح دولة الخلافة للمؤرخين والعلماء بتأريخ أبو بفتاوي تدينها،!! فالدولة في كل عصر هي الرقيب الصارم علي المطبوعات، والنشر،
(٢٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الجهل (1)
والفتاوي، وصاحبة السيطرة الكاملة علي وسائل الإعلام. ثم كيف تبرر دولة الخلافة وأشياعها عملا ببشاعة مذبحة كربلاء أمام الأمم الأخري، ومعتنقي الرسالات الأخري؟ فرأت أن التضحية بالإمام الحسين وبأهل بيت النبوة أولي من التضحية بالخليفة وأركان دولته وطواقم مؤيديه، لهذا كله دسوا من الروايات ما اعتقدوا بأنها تدين الإمام وتشوه نهضته المباركة.
ولست أدري بأي منطق صارت نصائح " حكماء القوم " وفتاوي علماء دولة الخلافة، وخزعبلات أعلامها صوابا، وصارت تصريحات الإمام الحسين، وفتاويه خطأ؟! ومن الذي شهد لهم بذلك، فلماذا لا يكون الإمام مصيبا، وهم مخطئون مثلا؟!! ثم من هو الأولي بالاتباع الإمام الحسين، أم حكماء القوم وعلماء دولة الخلافة؟!!.
فهل حكماء القوم، وعلماء دولة الخلافة هم الثقل الأصغر!! وهل هم أهل بيت النبوة المشهود لهم بالطهارة!! وهل هم آل محمد، أو ذوو القربي!!! بل هل هم الأعلم!! فكل علم يدعونه ينتهي إلي الرسول، فأيهما أولي بعلم الرسول وصوابه: ابنه المقيم وإياه تحت سقف واحد والمعد للإمامة إلهيا، أم أولئك الذين لم يرو رسول الله إلا لماما؟!!.
فهل يعقل أن يعلم " حكماء القوم وعلماء دولة الخلافة " ويجهل إمام أهل بيت النبوة، هذا أمر لا يكون بالفعل!!!.
وهل المطلوب حتي يكون الإمام مصيبا أن يسلم عنقه ليزيد حتي يبايع أو يقتل!!! إن أوامره واضحة: " خذ البيعة من الحسين وإن أبي فاضرب عنقه (1)، أو خذه أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايع " (2) فإذا كنا لا نري استهجانا في حكماء القوم، وعلماء دولة الخلافة ليزيد بن معاوية أو لغيره من أئمة الجور ومن فراعنة الأمة، فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن رجلا بعظمة الإمام الحسين وبيقينه
(١) مثير الأحزان ص ١٤ - ١٥، واللهوف ص ٩ - ١٠، والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١٠ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٨٠ - ١٨٥.
(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٨ باب " خلافة يزيد بن معاوية ".
(٢٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الشهادة (1)، الأكل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (1)
من ربه، وفئة بعظمة أهل بيت النبوة يمكنها أن تبايع رجلا منحرفا فاسدا كيزيد بن معاوية، فلا أنا ولا أنت ولا أي إنسان لديه إحساس بالكرامة وبالانتماء لدين الإسلام يقبل ذلك!!!.
وقد جرت العادة في عالم الإجرام أن يتنصل المجرمون من جرائمهم فيحملون الضحية وزر الجريمة، أو يطمسون الأدلة التي تثبت الجريمة، أو يقلبون الحقائق أو يزورونها في غياب الضحية، لكن القتلة الذين نفذوا فصول الجريمة فصلا فصلا يعرفون وقائعها، ويعيشون حياتهم ملاحقين بالأشباح، غارقين بالدموية.
أمان عمرو بن سعيد بن العاص:
قال الواقدي في مغازيه: إن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص: " إني لأراك معرضا تظن أني قتلت أباك،، والله ما قتلته " (1) فعمر بن الخطاب بهذه الطريقة الذكية يريد أن يذكر سعيد بن العاص بأن علي بن أبي طالب هو قاتل أبيه، وعمرو هذا هو ابن سعيد، ومعني ذلك أن والد الإمام الحسين قد قتل جد عمرو ابن سعيد، وقتل أعمام عمرو!!! فكيف ينسي عمرو قاتل جده وأعمامه، وكيف يتجاهل ذلك وهو الموتور ابن الموتور!! وكيف يتحول من حاقد علي علي بن أبي طالب وذريته إلي محب ومشفق عليهم، يتبرع بإعطاء صكوك الأمان لهم!!!
عندما قتل الحسين أرسل ابن زياد عبد الملك بن الحارث السلمي، فقال له:
انطلق حتي تقدم المدينة علي عمرو بن سعيد بن العاص فبشره بمقتل الحسين، وأن عمر هذا أمير المدينة يومئذ، قال عبد الملك: فدخلت علي عمرو بن سعيد، فقال: ما وراءك؟ فقلت: ما سر الأمير، قتل الحسين بن علي، فقال: ناد بقتله فناديت، فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن علي الحسين، فقال عمرو بن سعيد ضاحكا:
عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
(1) راجع مغازي الواقدي ج 1 ص 92 وكتابنا المواجهة ص 169 - 171.
(٢٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (2)، عمرو بن سعيد بن العاص (2)، علي بن أبي طالب (1)، الحسين بن علي (1)، بنو هاشم (1)، عمرو بن سعيد (2)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (8)
ثم قال: هذا واعية بواعية عثمان بن عفان، هذا ما رواه الطبري في تاريخه عن عوانة بن الحكم.
وقال أبو الفرج الأصفهاني في " الأغاني ": " بعد خروج الحسين أمر عمرو بن سعيد بن العاص صاحب شرطته علي المدينة، أن يهدم دور بني هاشم، ففعل وبلغ منهم كل مبلغ " (1).
لست أدري كيف نوفق بين أفعال عمرو بن سعيد وحقده وبين إشاعة إعطائه الأمان للإمام الحسين، ورفض الإمام لهذا الأمان؟!! إلا إذا اعتبرنا أن عمرو بن سعيد قد أعطي كتاب الأمان كخدعة ليلقي القبض علي الإمام الحسين، وعمرو هذا مؤهل لذلك، والإمام الحسين أهل لأن يكشف مثل هذه الخدع!! ثم إن يزيد بن معاوية وهو رأس الدولة وفرعونها يأمر واليه علي المدينة بأن يأخذ البيعة من الإمام الحسين وإن أبي أن يضرب عنقه!! فهل يملك عمرو بن سعيد أن يتجاهل أوامر الذي عينه أميرا وأن يعطي الأمان للحسين!! يبدو أن أركان الخلافة لا يتقنون الكذب، ثم إن أولاد عبد الله بن جعفر خرجوا مع الإمام الحسين بمحض اختيارهم ومباركة أبيهم وعلمه واستشهدوا معه، ويروي الطبري في تاريخه أنه لما بلغ عبد الله بن جعفر مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه، فقال: " هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين " فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: " يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا، والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتي أقتل معه، والله إنه لما يسخي بنفسي عنهما، ويهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرين معه "، ثم أقبل علي جلسائه فقال: " الحمد لله عز علي بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسينا يدي فقد أساه ولدي ".
هذه طبيعة عبد الله بن جعفر، وطبيعة محبته للإمام!! فهل يمكن لمثل هذا الرجل أن يقع في ألاعيب عمرو بن سعيد بن العاص وأن يغفل عن مكر يزيد وبني أمية ثانية. نقول يبدو أن أركان دولة الخلافة لا يتقنون حتي صنع الكذب
(1) الأغاني ج 4 ص 155.
(٢٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (3)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، عمرو بن سعيد بن العاص (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو هاشم (1)، عمرو بن سعيد (2)، الكذب، التكذيب (2)، الضرب (1)، الشهادة (1)، القتل (1)
وإحكامه، فغايتهم إدانة الضحية، ووضع أكاليل الغار علي المجرم، وتتويجه بالزور والبهتان فاتحا مع الماجدين!!!.
الإمام الحسين في مكة والعراق في مخاض:
لأن العراق كان مركز الخلافة في عهد الإمام علي، فقد صار محطة لمن هب ودب من الناس، كان أهل العراق مع الإمام علي، وكان أهل الشام مع معاوية، وانتهت الحرب عمليا بهزيمة معسكر الإمام وانتصار معسكر معاوية، ومع أن أهل العراق قد عجلوا بهزيمة معسكرهم، وساعدوا معاوية طمعا بأمواله إلا أن معاوية عاملهم معاملة المهزومين، وتصرف معهم تصرف الفاتح، فقتل أخيارهم، وأبقي شرارهم، وهدم دورهم، وأذلهم أيما إذلال، وقارنوا بين حكم الإمام وحكم معاوية ونظام الإمام ونظام معاوية وولاة الإمام وولاة معاوية، وعرفوا الفروق النوعية بين الرجلين وبين النظامين، فندموا ولات حين مندم، وكان معاوية قد ملكهم بالفعل وملك أموالهم وذرياتهم وحكمهم حكما جبريا، وأدركوا أنه لا يقوي أحد علي معاوية إلا الله، وأنه لا خلاص منه إلا بانتهاء أجله!! فلما مات معاوية رقصت قلوب العراقيين فرحا، ولكن علي استحياء وبخفية لأن معاوية ألقي الرعب في قلوبهم، فهم يخافونه بحياته، وبموته يخافون صورته، ويخافون شبحه، ومع هذا لما هلك معاوية غالب العراقيون خوفهم وكتبوا إلي الإمام الحسين مجموعة من الكتب.
كتب الشيعة:
اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فخطبهم قائلا: " إن معاوية قد هلك، وإن حسينا قد تقبض علي القوم ببيعته وقد خرج إلي مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهل والفشل فلا تضروا الرجل من نفسه، فقالوا: لا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه، قال: فاكتبوا إليه، فكتبوا إليه الرسالة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من سليمان بن صرد، والمسيب
(٢٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (4)، مدينة مكة المكرمة (2)، سليمان بن صرد الخزاعي (2)، الشام (1)، الموت (1)، الخوف (1)، الهلاك (2)، الحرب (1)
ابن نجبة ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة سلام عليك … أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزي علي هذه الأمة فابتزها وغصبها فيأها، وتأمر عليها بغير رضي منها، ثم قتل خيارها، واستبقي شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود، إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق … وأرسلوا الكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني، وعبد الله بن وأل التميمي، وبالفعل سلما للإمام الحسين في العاشر من شهر رمضان، وبعد يومين أرسلوا قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي، وعمارة بن عبيدة السلولي فحملوا معهم قرابة 150 صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة وبعد يومين آخرين، أرسلوا هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبوا " أما بعد فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث بن يزيد، وعزرة بن قيس، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر التميمي، أما بعد:
" فقد اخضر الجنان، وأينعت الثمار، وطم الجمام، فإذا شئت فأقدم علي جند لك مجندة " (1).
فجمع الحسين رسل أهل الكوفة، وقال لهم: " إن رسول الله أمرني بأمر وأنا ماض له … " (2).
وكتب رسالة إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين.. إلي أن قال: " وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إلي بحالكم … فإن كنتم علي ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه … " (3).
(١) وقعة الطف ص ٨٩.
(٢) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٣٣ ومثير الأحزان ص ٢٦ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٨٨١.
(٣) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٣٥ ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ٩٩٥، وراجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٨.
(٢٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، قيس بن مسهر الصيداوي سفير الحسين (ع) (1)، مدينة الكوفة (2)، عمرو بن حجاج الزبيدي (1)، شهر رمضان المبارك (1)، حجار بن أبجر (1)، هاني بن هاني السبيعي (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، عبد الله بن وال (1)، رفاعة بن شداد (1)، محمد بن عمر (1)، القتل (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (1)
وكتب الإمام الحسين إلي رؤوس الأخماس بالبصرة، وإلي أشرافها: مالك ابن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد الله بن معمر كتابا جاء فيه:
" أما بعد فإن الله اصطفي محمدا علي خلقه وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته ثم قبضه إليه … وكنا أهله وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحق الناس بمقامه، فاستأثر علينا قومنا بذلك … ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه … وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه، فإن السنة قد أميتت، وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد " (1).
النتائج:
أقبلت الشيعة علي مسلم بن عقيل يبايعونه حتي أحصي ديوانه 18 ألفا (2) وقيل: 25 ألفا وكتب مسلم بن عقيل إلي الإمام: " أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله 1 - وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فعجل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوي، والسلام " (3).
2 - جمع يزيد بن مسعود بني تميم، وبني حنظلة وبني سعد وقال لهم:
" إن معاوية مات، فأهون به والله هالكا ومفقودا، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم.. ". إلي أن قال: " وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور، ورأس الفجور يدعي الخلافة علي المسلمين، ويتأمر عليهم بغير رضي منهم، قصر حلم، وقلة علم، ولا يعرف من الحق موطئ قدمه، فأقسم بالله
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٨٠ ومثير الأحزان ص ٢٧، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٤٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٠ ووقعة الطف ص ١٠٧ والموسوعة.
(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٩ و ج ٦ ص ٢١١ و ج ٦ ص ٢٢٤ وبحار الأنوار ج ١٠ ص ١٨٥.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٢.
(٢٣١)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، مدينة الكوفة (1)، عمرو بن عبيد الله (1)، الأحنف بن قيس (1)، الظلم (1)، الموت (1)، الإبداع، البدعة (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)
قسما مبرورا لجهاده علي الدين أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولي بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته، يعطف علي الصغير، ويحنو علي الكبير، فأكرم به راعي رعية، وإمام قومه، وجبت لله به الحجة، وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق، ولا تسكعوا في وهدة الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلي ابن بنت رسول الله ونصرته، وكتب إلي الإمام الحسين كتابا جاء فيه:
" بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد وصل إلي كتابك، وفهمت ما ندبتني إليه، ودعوتني له من الأخذ بخطي من طاعتك، والفوز بنصيبي من نصرتك وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل علي سبيل نجاة، وأنتم حجة الله علي خلقه، ووديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها، وقد ذلت لك رقاب بني سعد، وغسلت درن صدورهم، بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع " (1).
فما قرأ الإمام الحسين الكتاب سر سرورا عظيما وقال: " آمنك الله يوم الخوف، وأعزك وأرواك يوم العطش ".
إما المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب وبالرسول إلي عبيد الله بن زياد لأن المنذر خشي أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله.
تصميم الإمام الحسين علي الخروج إلي العراق:
لما وصلت كتب أهل الكوفة مع رسلهم وكتاب يزيد بن مسعود من البصرة، أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل لأخذ البيعة من القوم، فلما جاءه كتاب مسلم صمم الإمام علي المسير إلي العراق، لأنه كان قد وعد أهل العراق بالقدوم
(١) مثير الأحزان ص ١٣، واللهوف ص ٢١.
(٢٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، دولة العراق (3)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، مدينة البصرة (1)، الحسين بن علي (1)، الحج (1)، كتاب مثير الأحزان (1)
إليهم إن هم بايعوا رسوله مسلم بن عقيل، وما الذي يمنع من مسيرته طالما أن أهل الكوفة قد أعطوه البيعة، وطالما أن له طائفة كبيرة من الأنصار والمؤيدين في البصرة، فالكوفة والبصرة عمليا هما العراق في تلك الأيام.
من مكة إلي العراق:
مكث الإمام الحسين في مكة أربعة أشهر استطاع خلالها أن يبسط قضيته العادلة أمام الخاصة والعامة من سكان مكة ومن حولها، وأن يقيم الحجة عليهم، وشهد أهل مكة ومن حولها علي أنفسهم من حيث لا يشعرون، وخلال هذه الفترة إلتقي الإمام الحسين مع زوار بيت الله الحرام من معتمرين وحجاج، فأحاطهم علما بواقعة وطموحاته الشرعية وحاجته منهم.
واستجاب الإمام لمنطق الأمور، فطاف وسعي، وأحل إحرامه وجعل حجة عمرة، لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه (1) وبعد ذلك جمع الإمام أهل بيته وأصحابه وخطب فيهم قائلا: " الحمد لله ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، ما أولهني إلي أسلافي، اشتياق يعقوب إلي يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات … لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، ويوفينا أجر الصابرين … " (2).
وبعد ذلك أمر أهله وأصحابه بالاستعداد للمسير إلي العراق حسب القراءة الموضوعية فإن الإمام سيقدم علي جند مجندة له، وإن أكثرية أهل العراق معه، وحسب هذا الظاهر فما كان ينبغي للإمام أن يكون بهذه الحالة من التشاؤم، فهو يركز تركيزا عجيبا علي فكرة الموت، وحتمية الموت، وأنه قدر خط بالقلم، ويبدي آلام حنينه وأشواقه إلي لقاء الخالدين من أسلافه، بل وأبعد من ذلك فإنه
(١) مثير الأحزان ص ٣٨.
(٢) مثير الأحزان ص ٤١، اللهوف ص ٢٦، كشف الغمة ج ٢ ص ٢٩، بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٦ والعوالم ج ١٧ ص ٢١٦، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٣ والموسوعة ص 328.
(٢٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، دولة العراق (4)، مدينة مكة المكرمة (4)، مدينة الكوفة (2)، مدينة البصرة (1)، الحج (1)، الموت (3)، المنع (1)، الصّلاة (1)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (2)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، كتاب بحار الأنوار (1)
يضع لقطة فنية أمام مستمعيه فيصور نفسه مقتولا، ويتصور الذئاب تتسابق إلي جثمانه الطاهر فتقطعه لتطعم صغارها والجياع من عائلتها، ويتبرم الإمام من الحياة ويخرج بقناعة ويقين، إن الموت خير من الحياة،!! فالإمام يتعامل مع خطين:
خط الظاهر الذي يعرفه الناس كلهم، ففي هذا الخط خطة من العناية والسعي، وكأنه الخط الوحيد، وخط الحقيقة والباطن ويمثل مآلات الأمور، ومنتهيات حركات المخلوقات، إنه يري بعين البصر، والبصيرة، وينبئ بوقوع الحوادث قبل وقوعها، فتأتي الحادثات في ما بعد بالصورة والكيفية التي أخبر بها الإمام!!!
إنه يتحدث عن أمور لم تقع أو ستقع بعد سنين بالثقة واليقين الذي يتحدث به عن أمور وقعت قبل دقيقة!!! إنه بفضل الله ومنته سابق لحركة الموجودات، ومحيط بمآلاتها تماما!! فبالوقت الذي كان فيه أصحابه سعداء برسل الكوفة وكتبها وبأخبار بني تميم وبني سعد وبني مرة في البصرة، أثار مسألة الموت، وصور أدق أمورها أمام سامعيه، ثم عرض لقطة خاصة به، وهو مقتول، وجثته متروكة بالعراء، وذئاب البرية تحوم حولها لتسد سغبها!!.
وما يعنينا بالدرجة الأولي هنا أن الإمام أصدر أوامره بالتأهب للمسير إلي العراق، فتأهب أهل بيته وأصحابه، وهموا بالمسير إلي العراق وكان ذلك يوم الثلاثاء، الثامن من ذي الحجة، فاعترضته رسل الوالي وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط، وامتنع الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عنهم امتناعا قويا، ومضي وأصحابه سائرين إلي العراق وتقول روايات دولة الخلافة إن رسل الوالي نادوه: " يا حسين ألا تتقي الله، تخرج من الجماعة، وتفرق بين هذه الأمة "!!!
وتقول هذه الروايات نفسها: إن حسينا تأول قوله تعالي: * (لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) * (1) [يونس / 41]، فالرواية تصف جماعة الوالي بأنهم رسول، بالوقت الذي تؤكد فيه تدافع الفريقين وتضاربهم بالسياط، وتؤكد امتناع الإمام الحسين وأصحابه امتناعا قويا، ولكن الرواية لا تبين لي عدد أولئك الرسل!!! وهل من صلاحية الرسل أن يمنعوا بالقوة تحرك من
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٧ - ٢١٨ وتاريخ ابن الأثير ج ٨ ص ١٦٦، وأنساب الأشراف ص ١٦٤.
(٢٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (3)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة الكوفة (1)، مدينة البصرة (1)، الموت (2)، الجماعة (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
أرسلوا إليه!!! ثم أظهرت الرواية الرسل بصورة (الحكماء) المشفقين علي الجماعة والأمة، وبالوقت نفسه الذي أظهرت فيه الإمام بصورة الخارج علي الجماعة، والمفرق للأمة!!
الخروج من مكة إلي العراق:
يبدو واضحا أن دولة الخلافة كانت تتابع بكل اهتمام كامل اجتماعات، وتحركات وتصريحات الإمام الحسين، ويبدو واضحا أن تلك الدولة قد ضاقت ذرعا بالحسين واجتماعاته وتصريحاته، وأنها قد صممت نهائيا علي الفتك به فتكا يجعله عبرة لمن يعتبر، ولكنها تريده فتكا، بأقل التكاليف الممكنة، ودون أن يكون له تأثير يذكر علي أمنها، وانقياد رعيتها، ويبدو واضحا بأن أنباء تحركات وتصريحات الإمام واجتماعاته كانت تنقل إلي يزيد بن معاوية بصورة مستمرة، وبالتالي فإن قرار الفتك بالإمام الحسين لا ينبغي عقلا أن يصدر إلا من أعلي مرجع في الدولة وهو الخليفة، فالإمام الحسين ليس من عامة الناس، إنما هو العالم في زمانه، فهو معروف أكثر من الخليفة يزيد، وأكثر من معاوية والد يزيد، ثم إن آل معاوية ليسوا مجرد جماعة من الناس بل هم جزء بارز من الدين، ومعلوم بالضرورة لكل مسلم ومسلمة، وليس من المستبعد أن يزيد قد فكر بردة فعل هائلة من المسلمين في حالة الفتك بالإمام الحسين وأهل بيته، لذلك ركزت وسائل إعلام الدولة لإظهار الإمام الحسين وأهل بيته بمظهر الخارجين علي الجماعة والشاقين لعصا الطاعة، والمفرقين لوحدة الأمة كما رأينا قبل قليل، مثلما ركزت وسائل الإعلام علي سعة صدر الخليفة وأركان دولته وتحملهم لعدوانية الحسين وأهل بيته، وبذلهم كلما وسعهم من حلم ونصيحة ولكن الحسين ماض قدما بأعماله التي تشكل جرائم بحق الأمة وبحق الدين قبل أن تشكل جريمة بحق الخليفة الذي يمثل الأمة والدين معا!!! ويبدو واضحا أن الجماهير الغارقة بالهوان والذل، وقعت ضحية لهذا الإعلام المضلل الفاسد، وأن الخليفة قد أمن ردة فعل المسلمين في ما لو أراد قتل الإمام الحسين، وإبادة أهل بيت النبوة إبادة كاملة، ومن هنا وبعد أن أصدر يزيد مرسوما ملكيا عين بموجبه قريبه الموتور عمرو بن
(٢٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الوسعة (1)، القتل (1)
سعيد بن العاص أميرا علي الحاج، وولاه أمر موسم الحج، وأمره بأن يفتك بالإمام الحسين أينما وجد (1) ولأن الإمام الحسين يكره كراهية مطلقة أن تستباح به حرمة البيت (2) فقد طاف وسعي وأحل من إحرامه وجعل حجه عمرة، لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه، وأن يضطر لمواجهة يزيد وأتباعه وقتالهم بمنطقة الحرم، ثم إن كتاب مسلم بن عقيل قد وصل إليه يدعوه للقدوم، وهو مكلف حسب تسلسل الأحداث ومنطق الظاهر أن يذهب إلي العراق، ومن هنا أصدر أوامره بالتأهب للرحيل، وخطب في أهل بيته وأصحابه قبل بدء المسير، ثم نجح بالتخلص من عسكر عمرو بن سعيد بن العاص كما أسلفنا (3).
من مكة إلي كربلاء:
في الثامن من ذي الحجة عام 60 للهجرة تحرك ركب الإمام من مكة متوجها إلي العراق فوصل إلي كربلاء باليوم الثاني من شهر محرم، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن طلائع جيش بني أمية كانت تتربص به في منطقة شراف، وأنها أعاقت حركته خلال مسيرته من شراف إلي كربلاء، وإذا أخذنا بعين الاعتبار وسائل النقل، ووجود نساء وأطفال في ركب الحسين، فإن المدة التي استغرقتها رحلة الشهادة من مكة إلي كربلاء تكاد أن تكون فريدة، خاصة وأن الإمام الحسين قد حرص علي إقامة الحجة، وتوضيح أهدافه لكل من وجده في طريقه إلي العراق.
(١) المنتخب ص ٣ و ٤، ومقتل المقرم.
(٢) مثير الأحزان ص ٢٨.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٧ - ٢١٨ وتاريخ ابن الأثير ج ٨ ص ١٦٦ وأنساب الأشراف ص ١٦٤.
(٢٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، دولة العراق (3)، مدينة كربلاء المقدسة (4)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، شهر محرم الحرام (1)، عمرو بن سعيد بن العاص (1)، بنو أمية (1)، الحج (4)، الشهادة (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، الكراهية، المكروه (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلي كربلاء

الفصل الخامس محطات رحلة الشهادة من مكة إلي كربلاء خرج الإمام الحسين من مكة قاصدا العراق، والكوفة بالذات، إلا أنه لم يتمكن من دخول الكوفة إنما وصل إلي كربلاء، وحصر فيها حتي تمت المذبحة، وخلال رحلة الشهادة من مكة إلي كربلاء توقف الإمام الحسين في عدة أماكن " محطات " إما للراحة، أو للتزود بالماء، أو للقيام بواجب إقامة الحجة، أو لاستقطاب الأعوان، وقد توقف الإمام في ثلاث عشرة محطة، كان خلالها حر الحركة والتوقف لا يخشي إلا الدرك من خلفه، وفي المحطة الثالثة عشر وجد بانتظاره طليعة الجيش الأموي، فسايرته تلك الطليعة، وما زالت تماشيه حتي لا يحيد حتي حصرته في منطقة كربلاء، حيث حطت رحاله، وسفكت دماؤه، وسنستعرض سريعا المحطات التي توقف عندها ركب الإمام، ونبرز التصريحات التي أدلي بها الإمام، وبعد ذلك سنستعرض المحطات التي توقف عندها الإمام أثناء مسايرة طليعة جيش الفرعون له.
المحطات الستة عشر:
الأولي: التنعيم عندما خرج الإمام الحسين من مكة مر بمنطقة التنعيم (1) وفي تلك المنطقة وجد الإمام بالصدفة عيرا تحمل حللا مرسلة من والي اليمن إلي يزيد بن معاوية، فقال الإمام لأصحاب الإبل: " من أحب منكم أن ينصرف معنا إلي العراق وفيناه كراءه، وأحسنا صحبته، ومن أحب المفارقة أعطيناه من الكراء علي ما قطع من
(١) منطقة تقع علي بعد فرسخين من مكة، راجع معجم البلدان ج ٢ ص ٤٤٦ وسميت بالتنعيم لوجود جبل علي يمينها يسمي نعيم، وآخر من شماله اسمه ناعم، ومرور وادي بقربها يسمي نعمان.
(٢٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (2)، مدينة كربلاء المقدسة (4)، مدينة مكة المكرمة (5)، مدينة الكوفة (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الشهادة (2)، الموت (1)، كتاب معجم البلدان (1)
الأرض، ففارقه بعضهم ومضي معه من أحب صحبته " (1).
الثانية: الصفاح وسار الإمام من منطقة التنعيم حتي انتهي إلي منطقة الصفاح (2) وفي هذه المنطقة لقي الإمام الحسين الفرزدق الشاعر المعروف، فسأله عن خبر الناس، فقال الفرزدق: " قلوبهم معك، والسيوف مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، فقال الإمام: صدقت، لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله علي نعمائه، وهو المستعان علي أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجال فلم يعتد من كان الحق نيته، والتقوي سريرته، وسأله الفرزدق عن نذور ومناسك، وافترقا " (3).
الثالثة: ذات عرق اندفع الإمام من الصفاح ولم يتوقف إلا عند ذات عرق (4) فلقي فيها بشر بن غالب الأسدي، وسأله الإمام عن أهل الكوفة، فقال له بشر: " السيوف مع بني أمية والقلوب معك، فقال الإمام: صدقت " (5).
وسئل الإمام: " ما أنزلك في هذه الأرض القفراء والتي ليس فيها ريف ولا متعة؟ فأجاب الإمام: إن هؤلاء أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة، وهم قاتلي، فإن فعلوا ذلك ولم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه بعث الله إليهم من يقتلهم حتي يكونوا أذل من فرام الأمة ".
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٨ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٠ والبداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ١٦٦، ومثير الأحزان ص ٢١، والإرشاد للشيخ المفيد، وراجع مقتل الحسين للمقرم ص ٢٠٢.
(٢) الصفاح في معجم البلدان: مكان بين حنين، وأنصاب الحرم علي يسار الداخل إلي مكة.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٨، وابن الأثير ج ٤ ص ١٦، والإرشاد للمفيد ص ٢٠١ وابن كثير ج ٨ ص ١٦٨، وأنساب الأشراف ص ١٦٥ - ١٦٦، وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٣٣٨ إن الإمام التقي الفرزدق في ذات عرق.
(٤) بين ذات عرق ومكة مرحلتان وذات عرق هي ميقيات أهل المشرق، البحر الرائق لابن نجيم ج ٢ ص ٣١٧.
(٥) البداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 169 ومقتل الحسين للمقرم ص 205.
(٢٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (2)، الشاعر الفرزدق (4)، بنو أمية (1)، الشكر (1)، الوقوف (1)، العرق، التعرق (4)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، كتاب البداية والنهاية (2)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معجم البلدان (1)، إبن الأثير (2)، كتاب تاريخ الطبري (2)
وقال الأسدي: يا ابن رسول الله أخبرني عن قوله تعالي: * (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) * [الإسراء / 71]، فقال الإمام الحسن: يا أخا بني أسد هم إمامان، إمام هدي دعا إلي الهدي، وإمام ضلالة دعا إلي ضلالة، فهدي من أجابه إلي الجنة، ومن أجابه إلي الضلالة دخل النار " (1).
وفي رواية الصدوق بإسناده إلي أبي عبد الله قال: " وإمام دعا إلي هدي فأجابوه إليه، وإمام دعا إلي ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار وهو قوله عز وجل * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * [الشوري / 7] (2).
الرابعة: الحاجز سار الإمام من ذات عرق حتي وصل إلي الحاجز (3)، وفي الحاجز كتب الإمام رسالة إلي أهل الكوفة موجهة من الحسين إلي إخوانه من المؤمنين والمسلمين في الكوفة جوابا علي كتاب مسلم بن عقيل وجاء فيه: " أما بعد فقد ورد كتاب مسلم بن عقيل يخبرني باجتماعكم علي نصرنا والطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع، ويثيبكم علي ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي، فاكمشوا أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه " (4) ثم طوي الكتاب وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي وفي الطريق لقيه الحصين بن تميم فأرسله إلي عبيد الله بن زياد، فقال له عبيد الله: إصعد إلي القصر، وسب الكذاب ابن الكذاب، يعني الإمام الحسين، فصعد رسول الحسين ثم قال: " أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله، ابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجز، فأجيبوه، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعلي بن
(١) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٧٧، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢١، ومثير الأحزان ص ٤٢، واللهوف ص ٣٠، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٧، والعوالم ج ١٧ ص ٢١٧.
(٢) راجع أمالي الصدوق ص ١٣١ والموسوعة ص ٣٣٨.
(٣) مكان علي طريق أهل العراق لمكة، وهو منزل لأهل البصرة إن أرادوا المدينة وفيه يجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة، راجع معجم البلدان ج ٤ ص ٢٩٠ و ج ٢ ص ٢٦٩ وتاج العروس.
(٤) الأخبار الطوال للدينوري ص 245.
(٢٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، قيس بن مسهر الصيداوي سفير الحسين (ع) (1)، مدينة الكوفة (3)، حصين بن تميم (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، الشيخ الصدوق (1)، الحسين بن علي (1)، بنو أسد (1)، الضلال (3)، السب (1)، العرق، التعرق (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، دولة العراق (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معجم البلدان (1)، مدينة البصرة (2)
أبي طالب، فأمر عبيد الله أن يرمي به من فوق القصر، ورمي بالفعل وتقطع ومات (1) ولكن بعد أن بلغ رسالة الحسين، وأقام الحجة علي الناس هنالك.
الخامسة: ماء من مياه العرب تحرك الإمام الحسين من الحاجز متابعا سيره نحو الكوفة، وانتهي به المسير إلي ماء من مياه العرب، وتتحدث الروايات بأن عبد الله بن مطيع كان هناك، وأنه قد فوجئ برؤية الإمام الحسين، فقام إليه وقال له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك؟ واحتمله فأنزله، فقال له الإمام: " كان من موت معاوية ما بلغك، وكتب إلي أهل العراق يدعونني إلي أنفسهم، فيقول ابن مطيع: أذكرك الله يا ابن رسول الله، وحرمة الإسلام أن تنتهك، أنشدك الله في حرمة قريش، أنشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلونك، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا، والله إنها لحرمة الإسلام تنتهك، وحرمة قريش، وحرمة العرب، فلا تفعل ولا تأت الكوفة، ولا تعرض نفسك لبني أمية، وتنتهي الرواية بالجملة التقليدية التي اعتاد الطبري وابن الأثير علي ترديدها: " فأبي الحسين إلا أن يمضي " (2).
أنظر بربك إلي حوار بشير بن غالب الأسدي مع الإمام، وانظر إلي العدوي كيف يعتبر الإمام الحسين حرمة الإسلام، وحرمة قريش، وحرمة العرب، ومع إنه موقن بأن هذه الحرمات ستنتهك، ومع هذا يكتفي بوعظ الإمام الحسين وإرشاده!!! وعلي الإمام الحسين أن يسمع توجيهاته!!!.
روي الفرزدق أنه بعد ما تحدث مع الإمام الحسين قال: " ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيبته حسنة فأتيته فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠١، والإرشاد للمفيد ص ٢٢٠، ومثير الأحزان ص ٤٢ والبداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ١٨١، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٩، والعوالم ج ١٧ ص ٢١٩، وينابيع المودة ص ٤٠٩، ووقعة الطف ص ١٥٩، والأخبار الطوال ص ١٤٥.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠١، والإرشاد للمفيد ص ٢٢١، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٠، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢١، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٤، ووقعة الطف ص ١٦٠، والأخبار الطوال ص ٢٤٦.
(٢٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة الكوفة (2)، إبن الأثير (2)، الشاعر الفرزدق (1)، بشير بن غالب الأسدي (1)، عبد الله بن عمرو (1)، بنو أمية (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (2)، يوم عاشوراء (2)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
العاص، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي، فقال لي: ويلك فهلا اتبعته، فوالله سيملكن ولا تجوز السلاح فيه ولا في أصحابه، قال: فهممت والله أن ألحق به، ووقع في قلبي مقاله، ثم ذكرت الأنبياء، وقتلهم فصدني ذلك عن اللحاق بهم " (1).
أنت تلاحظ أن الثلاثة قد أقاموا الحجة علي أنفسهم، وشهدوا عليها من حيث لا يشعرون!! وعبد الله بن مطيع العدوي كان في ما بعد رأس قريش يوم الحرة وأمره الزبير علي الكوفة، ثم قتل معه سنة 73، وقد روي أحاديث أخرجها البخاري ومسلم (2) لست أدري كيف كان خروج ابن الزبير صحيحا ومناسبا وخروج الإمام الحسين غير مناسب!! ولا كيف نصر الأول وخذل الثاني، مع أن الإمام أولي بالنصر!! أنت تلاحظ أن خاصة القوم وعامتهم يعرفون الحق، ويعرفون أن الإمام علي حق، ومع هذا يخذلونه مع سبق الإصرار ويشهدون علي أنفسهم بهذا الخذلان، مكتفين بإلقاء المواعظ علي الإمام.
السادسة: الخزيمية سار الإمام الحسين حتي وصل إلي الخزيمية (3) فأقام فيها يوما وليلة وفي صباح تلك الليلة جاءته أخته زينب وقالت له: سمعت البارحة هاتفا يقول:
ألا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي علي الشهداء بعدي علي قوم تسوقهم المنايا * بمقدار إلي إنجاز وعدي فقال لها الإمام: " يا أختاه المقضي هو كائن " وفي بعض المراجع: " كل الذي قضي فهو كائن " (4).
السابعة: زرود مشي الإمام الحسين من الخزيمية قاصدا الثعلبية، فمر في طريقه
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٨ - ٢١٩.
(٢) راجع تقريب التهذيب ج ١ ص ٤٥٢.
(٣) نسبة إلي خزيمة بن خازم تقع بعد زرود للذاهب من الكوفة إلي مكة.
(٤) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٨٧، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٥ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٢.
(٢٤١)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (2)، عبد الله بن مطيع العدوي (1)، الحسين بن علي (1)، القتل (2)، الشهادة (1)، الجواز (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب تقريب التهذيب لابن حجر (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
" بزرود " (1) فنظر الإمام إلي فسطاط مضروب، فسأل عنه فقيل هو لزهير بن القين، ولما قابل زهير الإمام اقتنع به، فلحق بالإمام وصار أحد رجاله، وبهذا المكان جاء رجل من أهل الكوفة أسدي، فأخبر اثنان من عشيرته أنه لم يخرج من الكوفة حتي قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، وقال: إنه رآهما يجران بالأسواق من أرجلهما.
الثامنة: الثعلبية ترك الإمام زرود وتوجه إلي الثعلبية (2)، فجاءه الأسديان الذان عرفا بمقتل مسلم وهاني فسلما عليه وقالا له: يرحمك الله إن عندنا خبرا، فإن شئت حدثناك علانية، وإن شئت سرا، فنظر الإمام إلي أصحابه وقال: " ما دون هؤلاء سر " (3) فأخبراه بما سمعاه من الأسدي عن مقتل مسلم وهاني، فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمة الله عليهما، وردد ذلك مرارا، عندئذ ناشده الأسديان الانصراف لأنه ليس له بالكوفة ناصر ولا شيعة " (4) قال الأسديان: فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب وقالوا: لا والله لا نبرح حتي ندرك ثأرنا، أو نذوق ما ذاق أخونا، قالا: فنظر إلينا الحسين فقال: " لا خير في العيش بعد هؤلاء "، قال: وفي السحر أمر فتيانه وغلمانه بأن يتزودوا من الماء فاستقوا وأكثروا (5).
وفي الثعلبية وضع الإمام الحسين رأسه، فأغفي ثم انتبه من نومه باكيا، فقال له ابنه علي بن الحسين: ما لك تبكي يا أبت لا أبكي الله لك عينا، فقال الحسين: " يا بني إنها ساعة لا تكذب فيها الرؤيا، فأعلمك أني خففت برأسي خفقة، فرأيت فارسا علي فرس وقف علي فقال: يا حسين إنكم تسرعون المسير، والمنايا بكم تسرع إلي الجنة، فعلمت أن أنفسنا نعيت إلينا فقال له ابنه علي: يا
(١) محطة مشهورة في طريق حاج بغداد بين الثعلبية والخزيمية، راجع معجم البلدان ج ٤ ص ٣٢٧.
(٢) الثعلبية: من منازل طريق مكة - الكوفة، بين الثعلبية والخزيمية ثلاثة وعشرون ميلا.
(٣) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٢ والإرشاد للمفيد ص ٢٢٢ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٨ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٤٩، واللهوف ص ٣٠، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٢ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٣، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٥، ووقعة الطف ص 164.
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه.
(٢٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، زهير بن القين البجلّي (1)، مدينة الكوفة (4)، هاني بن عروة (1)، عقيل بن أبي طالب عليه السلام (1)، علي بن الحسين (1)، النوم (1)، القتل (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب معجم البلدان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، مدينة بغداد (1)
أبت أفلسنا علي الحق؟ فقال الإمام: بلي يا بني والذي إليه مرجع العباد، فقال ابنه علي: إذا لا نبالي الموت. فقال الحسين: جزاك الله عني يا بني خير ما جزي به ولد عن والد " (1).
ولما أصبح الإمام الحسين وإذا برجل من الكوفة يكني أبا هرة الأزدي، فسلم علي الإمام ثم قال: " يا ابن بنت رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد " ص "؟ فقال الإمام: يا أبا هرة، إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسهم الله ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من قوم سبأ، إذ ملكتهم امرأة منهم، فحكمت في أموالهم وفي دمائهم " (2).
وسأله أحدهم: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟! فقال: " هذه كتب أهل الكوفة إلي، ولا أراهم إلا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها فيسلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من فرم الأمة " (3).
التاسعة: بطان رحل الإمام الحسين من الثعلبية، وتابع سيره حتي وصل إلي بطان (4).
العاشرة: الشقوق وتابع الإمام الحسين المسير حتي وصل إلي الشقوق (5).
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦، والفتوح ج ٥ ص ٧٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٧ و ج ٦١ ص ١٨١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٥.
(٢) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٧٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦، ومثير الأحزان ص ٥٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٦٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٥ والموسوعة ص ٣٤٥.
(٣) تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢١١.
(4) بطان: منزل بطريق الكوفة يبعد عن الثعلبية تسعة وعشرين ميلا.
(5) منزل بطريق الكوفة وبين الشقوق وبطان اثنان وعشرون ميلا.
(٢٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة الكوفة (4)، بنو أمية (1)، الموت (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (1)
الحادية عشر: زبالة وتابع الإمام الحركة دون توقف حتي وصل إلي زبالة (1) وفي زبالة وصله خبر مقتل أخيه في الرضاعة عبد الله بن يقطر، فأخرج للناس كتابا ونادي: " بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فقد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف، فلينصرف ليس عليه منا ذمام " (2) فتفرق الناس عنه ولم يبق معه إلا الذين جاءوا من المدينة (3).
وقال القندوزي: إن الإمام الحسين قال في زبالة: " أيها الناس فمن كان منكم يصبر علي حد السيف، وطعن الأسنة فليقم معنا، وإلا فلينصرف عنا " (4) وتواترت أنباء مقتل مسلم وهانئ وعبد الله، ووصلته رسالة محمد بن الأشعث بهذا الخصوص، فقال الإمام: " كل ما حم نازل، وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا " (5) ويبدو أن هلال بن نافع لقي الإمام الحسين أيضا، فأكد له أنباء مقتل الثلاثة، وقال له: " إن قلوب الأغنياء مع ابن زياد وأما باقي قلوب الناس فإليك، فقال الإمام " اللهم اجعل الجنة لنا ولأشياعنا منزلا كريما، إنك علي كل شئ قدير " (6).
ويرسل الرواة لقاء الإمام الحسين مع الفرزدق إرسال المسلمات، وقول الفرزدق للإمام: يا ابن رسول الله كيف تركن إلي أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته، وكذلك قول الإمام: رحم الله مسلما فلقد صار إلي
(١) منزل معروفة بطريق الكوفة إلي مكة ومن زبالة إلي الشقوق واحد وعشرون ميلا.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٣، والإرشاد ص ٢٢٣، واللهوف ص ٣٢، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٢، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٤، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢٥ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٠، ووقعة الطف ص ١٦٦.
(٣) المصدر السابق.
(٤) ينابيع المودة ص ٤٠٦.
(٥) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٤.
(6) ينابيع المودة ص 405.
(٢٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، مدينة الكوفة (2)، الشاعر الفرزدق (2)، هاني بن عروة (1)، عبد الله بن يقطر (2)، محمد بن الأشعث (1)، القتل (4)، الرضاع (1)، الصبر (1)، الهلال (1)، يوم عاشوراء (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
روح الله وريحانه وجنته ورضوانه، ألا إنه قد قضي ما عليه وبقي ما علينا، ثم أنشأ يقول:
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلي وأنبل وإن تكن الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في الرزق أجمل وإن تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به الحر يبخل (1) وقال لابنة مسلم: يا ابنتي أنا أبوك وبناتي أخواتك (2).
الثانية عشر: القاع ثم سار الإمام الحسين إلي القاع (3).
الثالثة عشر: العقبة ومن القاع سار الإمام إلي العقبة (4) وفي القاع لقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمرو بن لوذان، فسأل الإمام: أين تريد؟ فقال الإمام: " الكوفة فقال له الشيخ: أنشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم إلا علي الأسنة، وحد السيوف، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال، ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأيا، فأما علي هذه الحال التي تذكر فإني لا أري لك أن تفعل.
فقال الإمام: " يا عبد الله ليس يخفي علي الرأي، ولكن الله تعالي لا يغلب علي أمره، ثم قال: " والله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل فرق الأمم " (5).
(١) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٤ وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ١٦٣ ومثير الأحزان ص ٤٥، واللهوف ص ٣٢، والعوالم ج ١٧ ص ٢١٤، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٥.
(٢) مثير الأحزان ص ٤٥.
(٣) القاع: منزل بطريق مكة يبعد عن زبالة ثمانية عشر ميلا.
(٤) العقبة منزل في طريق مكة.
(٥) الإرشاد ص ٢٢٣، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٤٩ إلي قوله " علي أمره " وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٥، والعوالم ج 17 ص 225، وأعيان الشيعة ص 598.
(٢٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، الرزق (1)، الموت (1)، القتل (2)، البول (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب مثير الأحزان (2)، إبن عساكر (1)، كتاب بحار الأنوار (1)
ولما صعد الإمام الحسين عقبة البطن قال لأصحابه: " ما أراني إلا مقتولا " قالوا: وما ذلك يا أبا عبد الله، قال: رؤي رأيتها في المنام، قالوا: وما هي، قال:
رأيت كلابا تنهشني أشدها علي كلب أبقع " (1).
الرابعة عشر: واقصة - القرعاء وسار الإمام من العقبة قاصدا واقصة (2)، وسار من واقصة حتي انتهي إلي القرعاء (3)، ثم سار إلي مغيثة (4) ولم ينزلها، وتابع سيره حتي وصل إلي شراف.
الخامسة عشر: شراف لما وصل الإمام الحسين إلي شراف نزل فيها، وأمر فتيانه وغلمانه أن يستقوا من الماء، فاستقوا وأكثروا ثم ساروا حي انتصف النهار، فقال رجل: " الله أكبر، فقال الحسين: " الله أكبر مما كبرت " قال: رأيت النخل، فقال الأسديان عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل: إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط!!
فقال الحسين: فما تريانه رأي؟ فقالا: نراه رأي هوادي الخيل أي رؤوسها، فقال الإمام " وأنا والله أري ذلك ".
ثم قال الإمام: " ما لنا من ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقال الأسديان: بلي هذا ذو حسم إلي جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت إليه فهو كما تريد، فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه، فما كان أسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل، فتبيناها فعدلنا، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا " (5).
(١) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨٧ ح ٢٤.
(٢) منزل دون زبالة بمرحلتين.
(٣) منزل علي الطريق بين القرعاء وواقصة ثمانية فراسخ.
(٤) منزل في طريق مكة بعد العذيب وبينها وبين القادسية أربعة وعشرون ميلا.
(٥) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٥، والإرشاد ص ٢٢٣، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٩ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥١، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٦٨، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٥، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢٥، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٧ ووقعة الطف ص 167.
(٢٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن سليم (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، يوم عاشوراء (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، إبن الأثير (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
السادسة عشر: ذو حسم، وطليعة جيش بني أمية لما وصل الإمام الحسين إلي ذي حسم (1) وأمر بأبنيته فضربت خيمة، وجاء القوم وهم قرابة ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد التميمي حتي وقف وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة، فقال الإمام الحسين لفتيانه: اسقوا القوم، وأرووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا (2)، وهكذا كان، ثم سألهم الإمام الحسين قائلا: أيها القوم من أنتم: قالوا: نحن أصحاب الأمير عبيد الله بن زياد، فقال الحسين: ومن قائدكم، قالوا: الحر بن يزيد الرياحي، فناداه الحسين: ويحك يا ابن يزيد ألنا أم علينا؟ فقال الحر: بل عليك يا أبا عبد الله، فقال الحسين: " لا حول ولا قوة إلا بالله " (3).
ويبدو أن مهمة طليعة هذا الجيش تنحصر في مراقبة تحركات الإمام والحيلولة بينه وبين الوصول إلي الكوفة، أو بينه وبين الرجوع إلي المدينة.
نهاية المرحلة الأولي من رحلة الشهادة:
عندما التقت طليعة الجيش الأموي مع الإمام وصحبه في شراف وبالتحديد بمنطقة جبل ذي حسم انتهت المرحلة المرحلة الأولي من رحلة الشهادة وبدأت المرحلة الثانية من تلك الرحلة الخالدة.
وخلال المحطات التي توقف بها الإمام، أو مر منها، كان الناس يتبعونه عند كل محطة، تحت شعار التعاطف مع قضية الإمام العادل، وتحت شعار نصرة ابن النبي وسلامة وإسلامية موقفه، ويمكنك القول بكل ارتياح إن عددا كبيرا من الناس قد اتبع الإمام، وسارت معه تلك الجموع حتي وصلت إلي زبالة، وعندما توقف الإمام في زبالة وتيقن من قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله ابن يقطر، أذاع الإمام هذا النبأ وأطلع الجموع التي التحقت به عند كل محطة علي
(١) موضع في طريق مكة بينه وبين الهجانات ثلاث وثلاثون ميلا.
(٢) الأخبار الطوال ص ٢٤٨.
(٣) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٨٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٠، واللهوف ص ٣٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٨.
(٢٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، الحر بن يزيد الرياحي (2)، مدينة الكوفة (1)، هاني بن عروة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، القتل (1)، الشهادة (2)، الخلود (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، مدينة مكة المكرمة (1)
حقيقة الموقف، لأن أهل بيت النبوة لا يخدعون، ولا يطلبون النصر بأي وسيلة، إنما يلزمون أنفسهم بالوضوح وبالوسائل الشرعية، وأحاط الإمام الجموع التي التحقت به علما بأنهم مقبلون علي ضرب السيوف، وحد الأسنة، فلما عرفت تلك الجموع بأن الكفة راجحة مع بني أمية، وأنه لا أمل لها بالمغانم، انفضت من حول الإمام وتفرقت عنه ذات اليمين وذات الشمال، وبقيت معه الفئة التي خرجت معه من المدينة، وكانت خطوة الإمام بتوضيح الأمور أمرا في غاية النبل والشرف، ومن جهة ثانية فإنه يريد أن يصحبه فقط أولئك الذين يريدون مواساته والموت معه (1)، وخلصهم الإمام من أي شعور محتمل بالحرج عندما قال لهم:
" فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام " (2). ثم إن القوم قد اتبعوه أصلا طمعا بالغنائم والمغانم المرتقبة، وعلي تقدير أن الإمام سيكون هو الغالب، وستكون أموال المغلوبين غنيمة لمن سارعوا بالانضمام للإمام، وفكرة نصرة الحق، ومحاربة الباطل ما هي إلا تغطية لأهداف المرتزقة، والمرتزقة علي استعداد أن ينقضوا علي من يقع ويأكلونه وينهبونه، فليس للمرتزقة دين ولا أخلاق ولا مبادئ، ألم تر أن جيش الخليفة قد استباح مدينة الرسول، ونهب أموالها، وهتك أعراضها، وأخذ البيعة ممن تبقي من سكان المدينة علي أنهم أقنان وعبيد لأمير المؤمنين يتصرف بهم تصرف المالك بعبيده، إنها أخلاق المرتزقة نفسهم الذين انضموا للإمام الحسين عند مروره أو توقفه عند محطات رحلة الشهادة، حتي إذا قدر المرتزقة أن الإمام لن يغلب انفضوا من حوله، وتركوه وحيدا!!!، وهكذا عندما عرفوا حاجته للعون والنصرة وشاهدوا بأم أعينهم ابن النبي وآل النبي وأهل بيته وذوي قرباه قاب قوسين أو أدني من الموت، تركوهم للموت وخذلوهم مع سبق الإصرار.
ويلاحظ أيضا أن الإمام الحسين قد أبتلي بطائفة من الوعاظ الذين لا يجيدون إلا الوعظ، ولو أن أولئك الوعاظ قد التحقوا بالإمام الحسين وواسوه
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٣، والإرشاد للمفيد ص ٢٢٣، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٢، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٤.
(2) راجع المراجع السابقة نفسها.
(٢٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، بنو أمية (1)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (2)، الشهادة (1)، الضرب (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
لكان من الممكن أن تتغير نتيجة المعركة.
ويلاحظ أيضا أن بعض الذين انضموا للإمام الحسين في محطات رحلات الشهادة، قد انضموا من باب (الوجاهة)، حتي يقولوا في ما بعد إنهم رافقوا الحسين، وإنهم كانوا موضع ثقته، ومن خلص مستشاريه، وليس من المستعبد أنهم قد أقاموا اتصالات مع أولياء عبيد الله بن زياد، وهكذا أظهروا أنفسهم بمظاهر البطولة، والمغامرة، وهم لا يدرون أنهم أقاموا الحجة عليها، وشهدوا علي أنفسهم من حيث لا يشعرون، وتخلقوا بأخلاق المنافقين فقالوا للإمام: إنا معك، أو أوحوا بذلك، وقالوا لجنود الطاغية: إنا معكم أو أوحوا لهم بذلك، فلما خلوا إلي شياطينهم * (قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) * [البقرة / 14].
ويلاحظ أيضا أن بعض الوعاظ الذين تثاقلوا عن نصرة الإمام وأهل بيت النبوة، وخذلوهم وهم بأمس الحاجة إليهم، صاروا في ما بعد ثوارا ونصروا ابن الزبير، وقاتلوا الجيش الأموي في المدينة، كما فعل ابن مطيع العدوي، فقد ترأس قريش يوم الحرة، وانضم إلي ابن الزبير، وقاتل معه، وتولي له الكوفة.
المرحلة الثانية من رحلة الشهادة بدأت هذه المرحلة من اللحظة التي اكتشف فيها الإمام وجود طليعة لجيش بني أمية تسايره، وتراقب حركاته وسكناته، وبالتحديد بجبل ذي حسم يوم تقابل الإمام وصحبه مع طليعة هذا الجيش، فلم يعد الإمام حرا بحركته، إنما عليه أن يدرس رد فعل طليعة هذا الجيش علي هذه الحركة، أنظر إلي قول الإمام لأصحابه: " احملوا النساء ليركبوا حتي ننظر ما الذي يصنعه هذا وأصحابه ". قيل:
فركب أصحاب الحسين، وساقوا النساء بين أيديهم، فقدمت خيل الكوفة حتي حالت بينهم وبين المسير، فضرب الحسين يده إلي سيفه ثم صاح بالحر: " ثكلتك أمك ما الذي تريد أن تصنع؟ فقال الحر: لا بد أن أنطلق بك إلي عبيد الله بن زياد، فقال له الحسين: إذا والله لا أتبعك أو تذهب نفسي، فقال الحر: إذا والله لا أفارقك أو تذهب نفسي وأنفس أصحابي ".
(٢٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، القتل (1)، النفاق (1)، الحاجة، الإحتياج (1)
ترتيبات المسير:
قال الحر: " أبا عبد الله إني لم أؤمر بقتالك، وإنما أمرت أن لا أفارقك، أو أقدم بك علي ابن زياد، وأنا والله كاره، … ولكن يا أبا عبد الله لست أقدر الرجوع إلي الكوفة في وقتي هذا، ولكن خذ عني هذا الطريق، وامض حيث شئت حتي أكتب إلي ابن زياد، إن هذا خالفني في الطريق فلم أقدر، وأنا أنشدك الله في نفسك، فقال الحسين: كأنك تخبرني أني مقتول، فقال الحر: أبا عبد الله نعم ما أشك في ذلك إلا أن ترجع من حيث جئت، فقال الحسين: لا أدري ما أقول، ولكني أقول كما قال أخو الأوس:
سأمضي وما بالموت عار علي الفتي * إذا ما نوي خيرا وجاهد مسلما وواسي الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مذموما وخالف مجرما أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقي خميسا في الوغاء عرمرما فإن عشت لم ألم وإن مت لم أذم * كفي بك ذلا أن تعيش مرغما (1) وعلي أي حال وبعد عدة اجتماعات بين الإمام وبين قائد طليعة هذا الجيش، حدث نوع من الاتفاق غير المعلن، فقد تابع الإمام سيره بهذه الظروف، وقام الحر وأصحابه بمسايرة الإمام ومراقبته، وما زالوا كذلك قد استقر الإمام نهائيا في كربلاء أو أن الحر قال: خذ طريقا لا يدخلك الكوفة، ولا تردك إلي المدينة تكون بيني وبينك نفقا حتي أكتب للأمير.
وقائع ما حدث في ذي حم:
قلنا إن الإمام قد عرف أن الحر وأصحابه الذين يبلغون ألف فارس هم طليعة جيش بني أمية، وأن مهمتهم منحصرة في مراقبة الإمام ومسايرته، ومنعه من العودة إلي المدينة، ومنعه من دخول الكوفة، وليس هنالك ما يمنع تلك الطليعة من أن تقتاد الإمام إلي عبيد الله بن زياد إن استطاعت إلي ذلك سبيلا، فإن
(١) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٨٧، ومقتل الحسين للخوارزمي في ج ١ ص ٢٣٢، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٣٨.
(٢٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (3)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، القتل (1)، الموت (1)، المنع (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)
لم تستطع تبقي مهمتها منحصرة بالمراقبة والمسايرة، والحيلولة بين الرجوع إلي المدينة أو الدخول إلي الكوفة.
صلاة الظهر:
أمر الحسين الحجاج بن مسروق بالأذان قائلا: " أذن رحمك الله وأقم الصلاة حتي نصلي "، فأذن الحجاج، فلما فرغ من أذانه، قال الحسين: " يا ابن يزيد أتريد أن تصلي بأصحابك وأصلي بأصحابي، فقال الحر: بل تصلي بأصحابك ونصلي بصلاتك، وبالفعل صلي الإمام بالمعسكرين، فلما فرغ من صلاته، وثب قائما، فاتكأ علي سيفه، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: " أيها الناس إنها معذرة إلي الله وإلي من حضر من المسلمين، إني لم أقدم علي هذا البلد، حتي أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم أن أقدم إلينا، إنه ليس علينا إمام، فلعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي، فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما يثق بي قلبي من عهودكم ومواثيقكم دخلت معكم إلي مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي عليكم انصرفت إلي المكان الذي أقبلت منه إليكم "، فسكت القوم ولم يجيبوا بشئ (1).
ويبدو أن الإمام قد خطب بأصحابه خاصة قبل أن يخطب بالجميع بعد الصلاة، فقال في خطبته أمام أصحابه:
" إنه قد نزل من الأمر ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت، وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت جدا، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون إلي الحق لا يعمل به، وإلي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا، فإني لا أري الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما " (2) وقال المجلسي إن الإمام أضاف إلي ما سبق: " إن الناس
(١) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٨٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣١، وقريب منه في الإرشاد للمفيد، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٦، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٦.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٧، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢١٤ ومثير الأحزان ص ٤٤ واللهوف ص ٧٩، وينابيع المودة ص 406.
(٢٥١)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، العلامة المجلسي (1)، الحجاج بن مسروق (1)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
عبيد الدنيا، والدين لعق علي ألسنتهم، يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون " (1).
ومن الطبيعي أن يسمع الحر وأصحابه ما قاله الإمام الحسين، فهم يراقبونه مراقبة دقيقة، ويتابعون أوامره لأصحابه، ومن الطبيعي جدا أن يكتبوا لعبيد الله بن زياد أو أن ينقلوا له كل ما قاله الإمام أو صرح به، لأن هذا من صميم مهامهم.
التهيؤ للرحيل:
أمر الحسين أن يتهيأوا للرحيل ففعلوا، ثم أمر مناديه فنادي بالعصر وأقام، فصلوا جميعا خلفه وبعد الصلاة انصرف بوجهه إليهم ثم قال:
" أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله، وتعرفوا الحق لأهله تكن أرضي لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد، وأولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أبيتم إلا الكراهية لنا، والجهل بحقنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم " (2).
فقال الرجل: أبا عبد الله لسنا من القوم الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إن لقيناك، ألا نفارقك حتي نأتي بك علي الأمير (3). فتبسم الحسين ثم قال: " الموت أدني إليك من ذلك " (4).
قال الحر: " يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ".
إن نظام التخويف جزء من الخطط العسكرية العربية، وقد مارسها العرب، فاستأجروا طوال التاريخ أصحاب الألسن لتخويف أعدائهم، ويبدو أن أكثرية
(١) بحار الأنوار للمجلسي ج ٧٨ ص ١١٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٧.
(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٢٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢، واللهوف ص ٣٤، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٧، ووقعة الطف ص ١٧٠.
(٣) الفتوح ج ٥ ص ٨٧، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٢، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٣٨.
(4) المصدر السابق.
(٢٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)، الصّلاة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب بحار الأنوار (1)
الناصحين الذين خوفوا الإمام الحسين جزء من قوة تعمل لصالح دولة الخلافة، وأمام تركيز الحر علي هذه الناحية، طمعا بتحطيم روح المقاومة لدي الإمام الحسين لعله ينجح بجر الحسين معه إلي ابن زياد فتكون مفخرة له ولرجاله.
وكانت فرصة أمام الإمام الحسين ليعرفهم بطبيعته المحصنة أمام هكذا حملات، فقال الحسين: " أفبالموت تخوفني، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ". وردد الإمام الشعر الذي أوردناه قبل قليل (1).
وفي رواية أنه قال " ليس شأني من يخاف الموت، فما أهون الموت علي سبيل نيل البر وإحياء الحق، ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أفبالموت تخوفني، هيهات طاش سهمك وخاب ظنك، لست أخاف الموت، إن نفسي لأكبر، وهمتي لأعلي من أن أحمل الضيم خوفا من الموت، وهل تقدرون علي أكثر من قتلي، مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون علي هدم مجدي، ومحو عزي وشرفي، فإذا لا أبالي بالقتل " (2) ثم أقبل الإمام نحو أصحابه وقال: هل فيكم أحد يخبر الطريق علي غير الجادة؟ فقال الطرماح بن عدي: يا ابن رسول الله أنا أخبر الطريق، فقال الحسين: سر بين أيدينا، وسار فاتبعه الإمام الحسين وأصحابه.
إقامة الحجة علي طليعة جيش الخلافة:
كل ما ينبغي أن يقال قاله الإمام لطليعة الجيش الأموي، لقد أقام عليهم الحجة، وعرفوا أنه علي الحق، وأن الواجب الديني يدعوهم لنصرته وحمايته وأهل بيته، ولكنهم خذلوه مع سبق الإصرار، وأخلصوا لطاغيتهم كما أخلص المؤمنون الصادقون لله، أو خوفا منه. إن قلوبهم غلف تماما، ويبدو أن قائدهم هو الرجل الوحيد الذي تأثر بما قاله الإمام الحسين، ولكن بعد فوات الأوان، ولو أن وعي الحر قد كان مبكرا، ولو أنه تعاون مع الإمام الحسين ربما كان بالإمكان
(١) الإرشاد للمفيد ص ٢٢٥ وتاريخ الطبري ص ٦٣، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢٨.
(٢) أعيان الشيعة ج ١ ص ٥٨١، وإحقاق الحق ج 11 ص 601.
(٢٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: الطرماح بن عدي (1)، سبيل الله (1)، العزّة (1)، الموت (6)، القتل (1)، الخوف (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
إقناع الأكثرية الساحقة من رجال الطليعة، ولو تم ذلك لربما تغير مجري التاريخ، ولكن وحسب تعبير الإمام: " لقد حال القضاء دون الرجاء ".
وما يعنينا أن الإمام الحسين قد أسمع صوت الحق لقائد طليعة جيش بني أمية ولمنتسبي تلك الطليعة، وأقام الحجة كاملة عليهم، وشهدوا بذلك علي أنفسهم من حيث لا يشعرون، فعصوه وهم يعلمون أن طاعته هي الأولي، وخذلوه وهم يعلمون أن الله تعالي فرض عليهم نصرته، فجاء عصيانهم وخذلانهم بعد إقامة الحجة، ومع سبق الترصد والإصرار، ولم ييأس الإمام الحسين، إنما تابع جهده لكسب هذه الطليعة وللتضييق عليها إمعانا بإقامة الحجة أثناء مسيرته.
البيضة:
سار الحسين بأصحابه في ناحية، وسار الحر بطليعة جيش الفرعون بناحية أخري حتي وافوا البيضة (1) وفي البيضة عاود الإمام الحسين المحاولة، فخطب في أصحابه وأصحاب الحر قائلا: " أيها الناس إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: " من رأي منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا علي الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير، قد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم. إنكم لا تسلموني، ولا تخذلوني فإن تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم * (فمن نكث فإنما
(١) البيضة: موضع بين العذيب وواقصة من ديار بني يربوع، معجم البلدان ج ١ ص ٥٣٢.
(٢٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحسين بن علي (1)، كتاب معجم البلدان (1)
ينكث علي نفسه) * [الفتح / 10] وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " (1).
ولما فرغ الإمام من خطبته قال إليه أصحابه وتكلموا وأجمعوا لنصرته، فجزاهم الإمام خيرا، وخرج ولد الحسين وإخوته وأهل بيته حين سمعوا الكلام فنظر إليهم وجمعهم عنده وبكي، ثم قال: " اللهم إنا عترة نبيك محمد صلواتك عليه، قد أخرجنا وأزعجنا وطردنا عن حرم جدنا، وتعدت بنو أمية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا علي القوم الظالمين " (2).
أما الحر، وطليعة جيش الفرعون فقد سمعوا كل ما قاله الإمام، وشاهدوه وهو يبكي، فلم تتأثر نفوسهم، لا من قريب ولا من بعيد، وأخالهم قد كتبوا لابن زياد كل ما سمعوه، ولم يفرحوا بكلمة مما قاله الإمام، وكأني بهم وقد أخذوا يتندرون ببعض ما قاله الإمام!!! إنهم قوم فقدوا دينهم وشرفهم، ونخوتهم.
عذيب الهجانات:
رحل الإمام الحسين من موضعه المسمي بالبيضة إلي العذيب (3)، والحر يسايره، وبينما هم يسيرون إذ أقبل أربعة نفر من الكوفة، فلما انتهوا إلي الإمام الحسين أنشدوه هذه الأبيات:
يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمري قبل طلوع الفجر بخير ركبان وخير سفر * حتي تحلي بكريم النجر الماجد الحر رحيب الصدر * أتي به الله لخير أمر ثمة أبقاه بقاء الدهر فقال الحسين: " أما والله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا ". ولما رآهم الحر جاء إلي الإمام الحسين وقال له: " إن هؤلاء النفر الذين
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٦ وابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢ ووقعة الطف ص ١٧٢.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٦ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٣ يوم عاشوراء.
(3) العذيب: ماء ما بين القادسية والمغيشة، ويبعد عن القادسية أربعة أميال وعن المغيشة اثنان وثلاثون ميلا.
(٢٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، بنو أمية (1)، الظلم (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، يوم عاشوراء (2)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم ".
فقال له الحسين: " لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشئ حتي يأتيك كتاب من ابن زياد "، فقال الحر: أجل ولكن لم يأتوا معك، فقال الحسين: " هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك، فكف عنهم الحر " (1).
فقال الإمام الحسين للأربعة: أخبروني خبر الناس وراءكم؟.
فقال مجمع بن عبد الله العائذي: " أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستحال ودهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك، وأما سائر الناس بعد فإن أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ".
قال الإمام: أخبروني فهل لكم برسولي إليكم؟ قالوا: من هو؟ قال الإمام قيس بن مسهر الصيداوي، قالوا: نعم، أخذه الحصين بن تميم، فبعث به إلي ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلي عليك وعلي أبيك ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إلي نصرتك وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقي به طمار القصر. فترقرقت عينا الحسين ولم يملك دمعه، ثم قال: * (فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) * [الأحزاب / 23] اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك، ورغائب من مذخور ثوابك " (2).
ودنا الطرماح بن عدي من الحسين فقال له: " إني والله لأنظر فما أري معك أحدا ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفي بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة اليوم وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٧ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢ والبداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ١٧٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٧ والموسوعة ص ٣٦٢ ووقعة الطف ص ١٧٣.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٨ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٣ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٧، ووقعة الطف ص 174.
(٢٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: قيس بن مسهر الصيداوي سفير الحسين (ع) (1)، مدينة الكوفة (2)، حصين بن تميم (1)، مجمع بن عبد الله (1)، الطرماح بن عدي (1)، الصّلاة (1)، يوم عاشوراء (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (2)، كتاب البداية والنهاية (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
جمعا أكثر منه، فسألنا عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلي الحسين، فأنشدك إن قدرت أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت، وإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك فسر حتي أنزلك مناع جبلنا الذي يدعي أجأ ".
فقال له الإمام الحسين: " جزاك الله وقومك خيرا، إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه علي الانصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة (1). فودعه الطرماح لإرسال الميرة إلي أهله، وإعطائهم نفقة، ووعده بأن يعود بعد ذلك ليكون من أنصاره فقال الإمام: " فإن كنت فاعلا فعجل يرحمك الله ".
وقال ابن نما: إن الإمام الحسين قال للطرماح عندما اقترح عليه أن يذهب إلي جبل " أجأ ": إن بيني وبين القوم موعدا أكره أن أخلفهم، فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا، وإن يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة إن شاء الله. قال الطرماح: ثم حملت الميرة ورجعت، فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت " (2).
أقساس مالك، والرهيمة:
ثم سار الإمام إلي أقساس مالك (3) ومنها إلي الرهيمة (4) والحر وطليعة جيش الفرعون يسيرون إلي جانبه.
قصر مقاتل:
رأي الإمام الحسين فسطاطا مضروبا في قصر مقاتل (5) فسأل الحسين: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي، فأرسل الحسين له
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٨ والكامل لابن الأثير ج ١ ص ٥٥٤، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٧، ووقعة الطف.
(٢) مثير الأحزان ص ٣٩.
(٣) أقساس مالك: قرية بالكوفة.
(٤) الرهيمة وهي ضيعة قرب الكوفة.
(٥) قصر مقاتل قرب القطفطانة وهو منسوب إلي مقاتل بن حسان، معجم البلدان ج ٤ ص ٣٦٤.
(٢٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: عبيد الله بن الحر (1)، القتل (4)، الشهادة (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، مدينة الكوفة (2)، كتاب معجم البلدان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الضياع (1)
الحجاج بن مسروق ولما دخل الحجاج الفسطاط سلم، فرد السلام، وقال له: ما وراءك؟ فقال الحجاج: والله ورائي يا ابن الحر والله قد أهدي الله إليك كرامة إن قبلتها، قال: وما ذاك؟ فقال: الحسين بن علي يدعوك إلي نصرته فإن قاتلت بين يديه أجرت، وإن مت فإنك استشهدت، فقال عبيد الله: والله ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين وأنا فيها فلا أنصره، لأنه ليس له في الكوفة شيعة ولا أنصار، إلا وقد مالوا إلي الدنيا إلا من عصم الله منهم، فارجع إليه وخبره بذلك.
فأخبر الحجاج الإمام الحسين بما جري، فقام الحسين ثم صار إليه في جماعة من إخوانه، فلما دخل وسلم وثب عبيد الله بن الحر من صدر المجلس، وجلس الإمام الحسين، فحمد الله، وأثني عليه ثم قال: " أما بعد يا ابن الحر فإن مصركم هذه كتبوا إلي وخبروني أنهم مجتمعون علي نصرتي وأن يقوموا دوني، ويقاتلوا عدوي، وإنهم سألوني القدوم عليهم فقدمت، ولست أدري القوم علي ما زعموا لأنهم قد أعانوا علي قتل ابن عمي مسلم بن عقيل رحمه الله وشيعته، وأجمعوا علي ابن مرجانة عبيد الله بن زياد يبايعني ليزيد بن معاوية، وأنت يا ابن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية وأنا أدعوك في وقتي هذا إلي توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلي نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله علي ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني علي طلب الحق ".
فقال عبيد الله بن الحر: " والله يا ابن رسول الله لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدهم علي عدوك، ولكني رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفا من بني أمية ومن سيوفهم، وهذه فرسي ملجمة والله ما طلبت عليها شيئا إلا أذقته حياض الموت، ولا طلبت وأنا عليها فلحقت، وخذ سيفي هذا، فقال الإمام: يا ابن الحر ما جئنا لفرسك وسيفك إنما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شئ من مالك، ولم أكن بالذي اتخذ المضلين عضدا، لأني سمعت رسول الله يقول: " من سمع داعية
(٢٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، مدينة الكوفة (4)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، عبيد الله بن الحر (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو أمية (1)، الحجاج بن مسروق (1)، الحسين بن علي (1)، ابن مرجانة لعنه الله (1)، القتل (1)، الموت (1)، الظلم (1)
أهل بيتي ولم ينصرهم علي حقهم إلا أكبه الله علي وجهه في النار، ثم سار الحسين من عنده ورجع إلي رحله " (1).
وفي قصر مقاتل التقي الإمام مع عمرو بن قيس المشرفي وابن عمه فقال لهما الإمام: " جئتما لنصرتي؟ فقال عمرو: إني رجل كبير السن، كثير الدين، كثير العيال، وفي يدي بضائع للناس، ولا أدري ما يكون، وأكره أن أضيع أمانتي، وقال له ابن عمه مثل ذلك. فقال الإمام لهما: فانطلقا فلا تسمعا لي واعية، ولا تريا لي سوادا، فإنه من سمع واعيتنا، أو رأي سوادنا، فلم يجبنا ولم يغثنا كان حقا علي الله عز وجل أن يكبه علي منخريه في النار " (2).
وروي عن علي بن الحسين قال: خرجنا مع الحسين، فما نزل منزلا، ولا ارتحل منه إلا ذكر يحيي بن زكريا وقتله، وقال يوما: " ومن هوان الدنيا علي الله أن رأس يحيي بن زكريا أهدي إلي بغي من بغايا بني إسرائيل " (3).
وقال علي بن الحسين إن الإمام قد قال له: " يا ولدي والله لا يسكن دمي حتي يبعث الله المهدي، فيقتل علي دمي من المنافقين الكفرة، والفسقة سبعين ألفا " (4) وهو العدد الذي قتل حتي سكن دم يحيي بن زكريا.
وتساير الحر بن يزيد مع ركب الحسين حتي وصلوا إلي نينوي (5) فإذا راكب علي نجيب له مقبلا فوقفوا جميعا ينتظرونه، فلما انتهي إليهم سلم علي الحر وأصحابه ولم يسلم علي الحسين وأصحابه، ودفع إلي الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه: " أما بعد: فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي هذا، ويقدم
(١) الفتوح ج ٥ ص ٨٣، وكنز الدقائق ج ٦ ص ٦٩.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٠٩ والإرشاد للمفيد ص ٢٢٦، والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٤، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٩، والعوالم ج ١٧ ص ٢٢٩، ووقعة الطف ص ١٧٦.
(٣) الإرشاد ص ٢٥١، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٨٥، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨٩، وكنز الدقائق ج ٦ ص ١٦٢ والموسوعة ص ٣٧٠.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٨٥، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٩٩ والعوالم ج ١٧ ص ٦٠٨.
(٥) نينوي: قرية يونس بن متي بالموصل ناحية بسواد الكوفة يقال لها: نينوي ومنها كربلاء، راجع معجم البلدان ج ٥ ص ٣٣٩ والموسوعة ص 372.
(٢٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: الحر بن يزيد الرياحي (1)، عمرو بن قيس (1)، يحيي بن زكريا (3)، علي بن الحسين (2)، نينوي (3)، القتل (3)، النفاق (1)، البعث، الإنبعاث (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، ابن شهرآشوب (2)
عليك رسولي، ولا تنزله إلا بالعراء، في غير خضر، ولا علي غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتي يأتيني بإنفاذك أمري والسلام ".
فلما قرأ الكتاب، قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتي أنفذ أمره فيكم، فنظر يزيد بن مهاجر الكندي إلي رسول ابن زياد فعرفه، فقال له: ثكلتك أمك ماذا جئت فيه؟ فقال: أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي!! فقال له ابن مهاجر: بك عصيت ربك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال تعالي: * (وجعلناهم أئمة يدعون إلي النار ويوم القيامة لا ينصرون) * [القصص / 41]، فإمامك منهم.
وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان علي غير ماء، ولا في قرية، فقال له الحسين: دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه - يعني نينوي والغاضرية -، أو هذه يعني شفيه، فقال الحر: لا والله لا أستطيع ذلك، هذا رجل قد بعث لي عينا علي، فقال له زهير بن القين: إني والله لا أري أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة، أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به.
فقال الإمام الحسين: ما كنت لا بدأهم بالقتال، ثم نزل الإمام الحسين وكان ذلك اليوم هو يوم الخميس الثاني من محرم سنة إحدي وستين (1).
وأقبل الإمام الحسين علي أصحابه فقال: " الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون، ثم قال: أهذه كربلاء، قالوا: نعم يا ابن الرسول، فقال: هذا موضع كرب وبلاء ههنا مناخ ركبنا، ومحط رحالنا، ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا ". فنزل القوم، وأقبل
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٩، والإرشاد للمفيد ص ٢٢٦، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٩٦ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٠ والعوالم ١٧ ص ٢٣٠، والأخبار الطوال 252 وينابيع المودة ج 2 ص 407 والموسوعة ص 373.
(٢٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، زهير بن القين البجلّي (1)، يوم عرفة (1)، نينوي (1)، القتل (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، ابن شهرآشوب (1)
الحر حتي نزل حذاء الحسين في ألف فارس، ثم كتب إلي ابن زياد بنزول الحسين في كربلاء (1).
وفي رواية " قال زهير: سر بنا إلي هذه القرية حتي ننزلها فإنها حصينة وهي علي شاطئ الفرات … فقال الإمام: وما هي؟ قالوا: هي العقر، فقال: اللهم إني أعوذ بك من العقر " (2).
وتذكر الإمام الحسين، فقال: " ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره إلي صفين وأنا معه فوقف فسأل عنه، فأخبر باسمه، فقال:ها هنا محط ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل محمد ينزلون‌ها هنا، وقبض قبضة منها فشمها، وقال: هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبريل رسول الله أنني أقتل فيها.
وقال الإمام لأصحابه: " أرض كرب وبلاء، ثم قال: قفوا ولا ترحلوا منها، فها هنا والله مناخ ركابنا، وها هنا والله سفك دمائنا، وها هنا والله هلك حريمنا وها هنا والله قتل رجالنا، وها هنا والله ذبح أطفالنا، وها هنا والله تزار قبورنا وبهذه التربة وعدني جدي رسول الله ولا خلف لقوله " (3).
كتاب ابن زياد إلي الإمام الحسين:
كتب ابن زياد إلي الإمام الحسين كتابا قد جاء فيه: " أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير، ولا أشبع من الخمير، أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلي حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام ". فلما ورد الكتاب علي الإمام الحسين وقرأه رماه من يده ثم قال: " لا يفلح قوم آثروا مرضاة أنفسهم علي مرضاة الخالق ".
فقال الرسول: جواب الكتاب أبا عبد الله، فقال الإمام: " ما له عندي
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٤، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٣ والعوالم ج ١٧ ص ٢٢٤.
(٢) الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢ ووقعة الطف ص ١٧٩، والأخبار الطوال 252.
(3) الدمعة الساكبة ج 4 ص 256، وناسخ التواريخ ج 2 ص 168، وذريعة النجاة ص 67 وراجع ينابيع المودة ص 406، وإثبات الهداة ج 5 ص 202.
(٢٦١)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (2)، نهر الفرات (1)، القتل (1)، الهلاك (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)
جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب "، فرجع الرسول إليه، فأخبره بذلك، فغضب أشد الغضب (1).
المحطة الأخيرة من رحلة الشهادة:
عندما وصل الإمام الحسين إلي كربلاء، انتهت رحلة الشهادة تماما وكانت كربلاء هي المحطة الأخيرة من محطات رحلة الشهادة، لذلك لزمها الإمام، واستقر بها ولم تعد له الرغبة بالتنقل والرحيل، لقد كانت نهاية رحلة الشهادة، وآخر محطة من محطات تلك الرحلة الطويلة المضنية، لقد حطت الرحال نهائيا في كربلاء، كأن الرواحل قد أقعدت، فالكرة الأرضية علي رحابتها بقعتان: البقعة التي ولد فيها الإمام، والبقعة التي تجشم الرحلة للوصول إليها لتكون مستقره النهائي، ومضجعه، لما نزل الإمام في كربلاء كتب إلي أخيه محمد بن الحنفية وجماعة من بني هاشم: " أما بعد فكأن الدنيا لم تكن، وكأن الآخرة لم تزل " (2).
لقد تمت كلمة ربك علي الوجه الذي أراد، فخرج الإمام وأهل بيت النبوة والصحب الصادقون من بيوتهم، وقطعوا كامل محطات رحلة الشهادة، وبرزوا إلي مضاجعهم!! إن القضاء يخرج من عالم الغيب إلي عالم الشهادة، ويتشكل أو يأخذ شكله في عالم الشهادة، ولكن بالتصوير الفني البطئ.
(١) الفتوح ج ٥ ص ٨٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٩، وبحار الأنوار ج ٤٦ ص ٣٨٢ والعوالم ج ١٧ ص ٢٣٤.
(٢) كامل الزيارات لابن قولويه ص 75 باب 23 وراجع الأغاني ج 8 ص 105.
(٢٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (4)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، بنو هاشم (1)، الشهادة (7)، الموت (1)، الغضب (1)، العذاب، العذب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (1)، ابن قولويه (1)

الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام

اشارة

الباب الرابع استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام * الفصل الأول: المواجهة * الفصل الثاني: خطط الخليفة لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) * الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة علي جيش الخلافة * الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا * الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية * الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)
(٢٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، القتل (1)

الفصل الأول: المواجهة

الفصل الأول المواجهة يقين الخليفة وأركان دولته:
كان الخليفة يزيد بن معاوية موقنا بأن الإمام الحسين هو أخطر خصومه علي الإطلاق، فالطليعة المؤمنة موقنة بأن رسول الله قد عهد إليه بالإمامة من بعد أخيه الحسن، وكل المسلمين يعلمون علم اليقين أن الحسين هو ابن علي، وابن فاطمة الزهراء، وحفيد النبي وحبيبه، وكل المسلمين يعلمون علم اليقين، أن الإمام الحسين هو عميد آل محمد، وأهل بيته، وذوي قرباه، فهو السنام الذي لا يعلو عليه أحد، فهو نسب، وشرف، ودين وسجل حافل بالأمجاد لا يدانيه بهذه الأمجاد مسلم قط، وهو المؤهل الوحيد في زمانه لإمامة المسلمين، وخلافة النبي الشرعية، وابن معاوية يعلم علم اليقين، أن أمجاده وأمجاد أبيه معاوية، وجده أبي سفيان مرتبطة بتاريخ الشرك، ومستمدة من الدفاع عن الشرك، ومن قيادتهم لجبهة الشرك، ومن شهرتهم بعداوتهم لرسول الله ولدينه طوال 23 عاما، وهي أفعال لم تعد أمجادا في العرف الإسلامي، بل فضائح ومخاز يتستر منها أصحابها ويفرون من ذكرها، وابن معاوية يعلم علم اليقين أن مؤهله الوحيد، ومؤهل والده من قبله للخلافة هو القوة، والقهر والغلبة، وهي مؤهلات لا تصلح للدخول في حوار منطقي وشرعي مع الخصوم، واليقين الوحيد الذي استقر في قلب يزيد بن معاوية هو أن أباه معاوية، قد نجح بهزيمة الشرعية، وبهزيمة جوهر الإسلام، ونجح في قهر الأمة، ونجح في التآمر عليها دون رضاها، ونجح بإقامة ملك أموي، وبعد موت معاوية صار ابنه يزيد هو الوارث الوحيد لهذا الملك العريض الذي أسسه وبناه والده معاوية!!!.
إمكانيات الخليفة وأركان دولته:
قبل أن يهلك معاوية، سلم ابنه يزيد مفاتيح خزائن أموال الدولة، ليتصرف بها كأنها أمواله الخاصة، وليستعين بها علي تثبيت ملكه، وتأليف قلوب الرعية
(٢٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الهلاك (1)
من حوله، وليجعلها أحد الأسلحة التي يحارب بها خصومه!! وقبل أن يهلك معاوية أيضا سلم ابنه قيادة جيوش مدربة علي طاعته وتتقاضي رواتبها من خزانته، وأوصاها معاوية أن طاعة ابنه كطاعته، فبالطاعة تدوم الرواتب والمعايش والمنافع، وإن انعدمت الطاعة تزول النعم كلها، وفوق ذلك يتعرض العاصي للقتل.
وقبل أن يهلك معاوية أيضا أخذ البيعة لابنه من كافة عماله علي أقاليم مملكته بعد أن اختارهم من خاصته ومن الموالين للعرش الأموي وقبل أن يهلك معاوية استقرت القوانين التي أوجدها، وهي أن العطاء والرزق الشهري سيصل باستمرار لكل رعايا الدولة المخلصين للخليفة، والمطيعين له، والقابلين بأعماله، والمعادين لأعدائه، فإذا ثبت ولو بالظن أن أحد أفراد الرعية غير مخلص للخليفة، أو غير مطيع له، أو غير قابل بأعماله، أو موال لأعدائه، فلا رزق له ولا عطاء، ولا مكان له في أعمال الدولة أو إداراتها، أو جيشها، وبالتالي فهو عضو فاسد في المجتمع يجب أن يقتل وأن تهدم داره حتي لا ينشر عدوي العصيان، فهو مريض معد (1).
وقبل أن يهلك معاوية، عرف ابنه علي أقطاب إعلام دولته الذين اصطفاهم لنفسه، وخرجهم من مدرسته، فصارت لهم القدرة علي جعل الحق يبدو بصورة الباطل وجعل الباطل يبدو بصورة الحق، مثلما مهروا بتحريف الكلم عن مواضعه، والمهارة علي قلب الألوان وتبديلها، فلهم القدرة علي جعل الأبيض أسود، وتحويل الأسود إلي أبيض.
والخلاصة إن يزيد بن معاوية ورث دولة مستقرة، وأمة ذليلة خاضعة، ودينا سياسيا لا يحمل من الإسلام إلا اسمه وقشوره، وورث إمكانيات وطاقات دولة عظمي، بل من أعظم دول العصر في زمانها من حيث إمكانياتها وطاقاتها
(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم، واقرأ نص المراسيم الملكية التي أصدرها معاوية وعممها علي كافة عمال أقاليمه ليعملوا بها وليعتبروها قانونا يعلو فوق أي قانون.
(٢٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الهلاك (2)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مدرسة المعتزلة (1)
وورث الآلية أو المكنة التي تساعده وبكل يسر علي تسخير كل موارد الدولة وطاقاتها لتثبيت دعائم عرشه ودوام ملكه، وسحق خصومه، سحقا لا رحمة فيه، بهذا المناخ المملوء بالرهبة والرعب والإرهاب والذل، امتنع الإمام الحسين عن البيعة، وخرج، وتوالت خطبه وتصريحاته المملوءة بأنقي الأفكار الدينية وأنبل المشاعر الإسلامية، وأعلن الإمام عدم شرعية خلافة يزيد، وبطلانها، وبطلان كافة الفتاوي الصادرة عن علماء دولة الخلافة، وفساد إعلام تلك الدولة، وتهدم الأساس الذي قامت عليه، وعدم شرعيته كما أسلفنا، واستمع المسلمون إلي كل ما صدر عن الإمام من خطب وتصريحات وهم بين مصدق ومن يكذب!! وفركوا أعينهم، وتأكدوا أنها مفتوحة، وأنهم ليسوا بحلم!! لقد جن جنونهم بالفعل!!
فمن يجرؤ علي علي انتقاد الخليفة!! ومن يجرؤ علي عصيانه أو الامتناع عن طاعته!!
ومن يجرؤ علي المخاطرة برزقه وعطائه الشهري!!! ومن يجرؤ علي انتهاك هيبة الخليفة وجلاله!!! بل ومن يجرؤ علي المغامرة بمستقبله وحياته، وحياة من يحبهم!! ومن يجرؤ علي مواجهة الخليفة وأركان دولته!! إن هذا لأمر عجاب!!
لقد تصور المسلمون لطول الذل وعمقه أن الخليفة قد خلق ليطاع، ووجدت أعماله ليقبل الناس بها، بل لقد وجد الناس أنفسهم خصيصا لطاعته!! وهاهو ابن النبي الإمام الحسين يخرج فجأة ليعلن بطلان كل شئ، وفساد كل الاعتقادات السابقة!!! ويدعو إلي مراجعة ذاتية شاملة!!!.
والمثير حقا أن يشارك الإمام الحسين بكل هذا أهل بيت النبوة، وآل محمد وذوي قرباه، فهل يعقل أن يكون الخليفة مخطئا!!! وكيف يكون مخطئا وعنده مفاتيح ملك دولة الخلافة!!! وتحت أمرته كل رعايا الدولة يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه!!! الخليفة الذي قدمته وسائل إعلام دولته كقديس!!! وكخليفة لرسول الله!! بل وكخليفة لله تعالي نفسه!!! إن هذا أمر لا يصدق!!!.
ومن جهة فهل يعقل أن يخطأ الإمام الحسين!! فالصفوة الباقية من الصحابة تؤكد أن رسول الله قد عهد إليه بالإمامة من بعد أخيه الحسين، وكل الناس يعرفون أنه ابن فاطمة الزهراء ابنة النبي، وأنه حفيد النبي، وعميد الآل، والأهل، وذوي القربي، كيف يخطأ من جعله الله ثقلا ملازما للقرآن!! وإن أخطأ فهل يعقل أن
(٢٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الباطل، الإبطال (1)
يخطأ آل محمد، والناس يذكرونهم في الصلاة، وهل يعقل أن يخطأ أهل البيت الذين شهد الله لهم بالطهارة، وهم أهل المباهلة، وهل يعقل أن يجمع علي الخطأ أيضا ذوو القربي الذين أوجب الله علي كل مسلم مودتهم!!!.
إن الشرعية الإلهية ورموزها تتواجه إعلاميا مع واقعية دولة الخلافة ورموزها!!
الشرعية الإلهية ورموزها لا يملكون إلا الحجة، والواقعية لا تلك الحجة ولكنها تملك القوة والنفوذ والسلطان والإعلام!!!.
فمن يغلب من؟!! كيف يفعل الخليفة وأركان دولته يا ابن النبي وآل النبي وأهل بيت النبي!! وذوي قرباه!!! وهل لابن النبي وآله الطاقة والقدرة علي مواجهة الخليفة وأركان دولته،!! تلك نماذج لفيض الأسئلة التي طرحتها انتفاضة الإمام وأهل بيت النبوة!!!.
الجموع الذليلة تنتظر رد فعل الخليفة، وتتوقع المواجهة وهي بشوق بالغ لتتفرج علي هذه المواجهة، ولتري من هو الفائز بهذه المواجهة غير المتكافئة!!
وليس مهما عندها علي من تدور الدائرة!! فالجماهير مهيأة نفسيا لتصفق للغالب، كائنا من كان!! ولتنهب المغلوب وتأكله كائنا ممن كان، وهي بتربيتها الذليلة مؤهلة لإجراء حساباتها، ولترشيح الخليفة وأركان دولته للغلبة.
إن الجماهير الذليلة ليست في عجلة من أمرها لتتفرج أولا علي المواجهة، فالإمام الحسين يخطب ودها ولكن بالحجة،!!! ومن المحزن حقا أنه لا يدفع لها مالا ولا يعدها إلا بالجنة ورضوان الله ورسوله وهذه مكافآت لا تشبع البطون ولا الفروج، ولا تملأ الجيوب!!! والخليفة يطلب ودها أيضا ويدفع بلا حساب، فيشبع بطونها ويملأ جيوبها من " أمواله " الطائلة التي " لا تنفذ " وحبيب الجماهير من ينفعها في الدنيا!!! والسؤال الكبير الذي بقي مطروحا بإلحاح هو: ما هو رد فعل الخليفة علي امتناع الحسين عن البيعة، وعلي خروجه، وعلي تصريحات الملتهبة التي هتكت هيبة دولة الخلافة، وشكلت سابقة خطيرة من رعاياها؟!
(٢٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)، الصّلاة (1)
قرار الخليفة بقتل الإمام وإبادة أهل بيت النبوة:
عندما تيقن ابن معاوية من امتناع الحسين عن البيعة، وبخروجه بأهل بيته ومن والاه، قرر الخليفة قرارا نهائيا لا رجعة فيه بأن يقتل الإمام الحسين وأن يبيد أهل بيت النبوة إبادة كاملة، وأن يبطش بهم بطشة كبري لا تقوم لهم قائمة من بعدها.
ما هو دليلنا علي هذا القرار؟:
1 - كتاب عبيد الله بن زياد للإمام الحسين، وجاء فيه: " أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك في كربلاء، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الأثير، ولا أشبع من الخمير، أو ألحقك باللطيف الخبير، أو ترجع إلي حكمي وحكم يزيد بن معاوية، والسلام " (1).
2 - كتاب عبيد الله بن زياد إلي عمر بن سعد بن أبي وقاص وجاء فيه: " أما بعد، فإني لم أبعثك إلي حسين لتكف عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شفيعا، أنظر فإن نزل حسين وأصحابه علي الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتي تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين، فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق، مشاق، قاطع، ظلوم … " (2).
3 - كتاب عبيد الله بن زياد للحر قائد طليعة جيش الخليفة، إذ جاء فيه:
" أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلا بالعراء وعلي غير ماء … " (3).
(١) الفتوح ج ٥ ص ٩٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٩، وبحار الأنوار ج ١٠ ص ١٨٩ والعوالم ص ٧٦، ومقتل المقرم ص ٢٣٦ والموسوعة ص ٢٧٦.
(٢) راجع تاريخ ابن الأثير ج ٢ ص ٢٣، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٦ ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٨٩ كما نقلها عن الطبري ج ٦ ص ٢٢٥ وابن الأثير ج ٤ ص ٢٧ والدينوري ص ٢٤٧ باختصار وابن كثير ج ٨ ص ١٦٨ وما بعد.
(٣) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٩، والإرشاد ص ٢٢٦، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٩٦ وباختصار في الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨ ج ١٧ ص ٢٣٠ والأخبار الطوال ص ٢٥٢، وينابيع المودة للقندوزي ج 2 ص 407 والموسوعة ص 372 وما بعدها ومقتل الحسين للمقرم ص 228.
(٢٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (3)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، القتل (4)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، إبن الأثير (2)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
4 - كتاب عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد الذي يأمره فيه بما يلي: " أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة … " (1).
فهل يتجرأ عبدا تافه سليل عبيد علي مثل هذه الأفعال والتصريحات ما لم يكن مفوضا بالفعل تفويضا كاملا من سيده يزيد بن معاوية،!! لقد أطلق يزيد يد عبيد الله بن زياد في العراق وجعل منه طاغوتا مستكبرا، يحكم حكما مطلقا ويسخر كل موارد العراق وطاقاته وإمكاناته لغاية قتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة!! وهذا أمر من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلي إثبات.
5 - ثم انظر إلي كتاب يزيد بن معاوية إلي واليه علي المدينة فيه وبالحرف:
بأخذ البيعة علي أهل المدينة عامة وخاصة علي الحسين. ويقول في الكتاب:
" فإن أبي عليك فاضرب عنقه " (2) لقد صدر المرسوم الملكي قبل أن يمتنع الإمام الحسين عن البيعة وقبل أن يخرج، وقبل أن يدلي بتصريحاته التي فضحت الخليفة ونظامه، وقال الطبري إن يزيد قد كتب إلي واليه علي المدينة: " أما بعد فخذ حسينا و … أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايعوا والسلام " (3) فإذا كان يزيد بن معاوية يأمر بقتل الحسين إن امتنع عن البيعة، وقبل أن يمتنع. فمن باب أولي أن يأمر بقتله إذا امتنع بالفعل، وخرج عليه بالفعل، وخرج بما صرح به بالفعل!!! وإذا أمر بقتل الإمام الحسين وهو عميد أهل بيت النبوة وآل محمد وذوي قرباه، فأهون عليه الأمر بقتل من سواه ممن هم دونه.
6 - وبعد أن تمت المذبحة بالصورة المأساوية البشعة، لم يوجه الخليفة
(١) برواية الطبري عن حميد بن مسلم، راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ٨٤، تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١١ والإرشاد ص ٢٢٨، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٢، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٩ والعوالم ج ١٧ ص ٢٤٠.
(٢) مثير الأحزان لابن نما ص ١٤ - ١٥، واللهوف في قتلي الطفوف ص ٩ - 10 والفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 10، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 180 - 185.
(3) تاريخ الطبري باب " خلافة يزيد بن معاوية " ج 6 ص 188.
(٢٧٠)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، دولة العراق (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (4)، القتل (6)، الموت (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، حميد بن مسلم (1)
كلمة لوم واحدة لعبيد الله بن زياد، بل عبر له عن كل شكره ومننه، وسلمه ولاية كل العراق، وكافأه بألف ألف درهم، فبني عبيد الله لنفسه قصرين بهذه الأموال يشتي بأحدهما، ويصيف بالآخر، وعلا أمر هذا العبد وانتشر ذكره، ومدحه الشعراء طمعا برضاه!! (1).
7 - بل وأبعد من ذلك فإن عبيد الله بن زياد صار صاحب السر والأمانة عند يزيد وصار نديمه، وأعلن أمام أركان دولته قائلا لعبيد الله: " لقد وجبت محبتكم يا بني زياد علي آل أبي سفيان " وترجم هذه المشاعر الحميمة شعرا عندما كان يشرب الخمر مع ابن العبيد عبيد الله بن زياد فقال:
اسقني شربة تروي عظامي * ثم مل فاسق مثلها ابن زياد صاحب السر والأمانة عندي * ولتسديد مغنمي وجهادي ثم أمر مغنيه فغنوا به (2).
قال السبط ابن الجوزي: " استدعي يزيد ابن زياد واليه وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة، وقرب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله علي نسائه، وسكر ليله وقال للمغني: غن ثم قال يزيد علي البداهة: اسقني شربة تروي (3).
8 - وبعد أن انتهت المذبحة بالصورة الرهيبة التي نفذت بها، وبعد أن قطع رأس الحسين ورؤوس الشهداء، ووضعت بين يدي يزيد كانت مشاعره بالزهو والسعادة والانتصار واضحة.
قال الطبري: لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه، قال يزيد:
نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال يحيي بن الحكم أخو مروان:
لهام بجنب الطف أدني قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
(1) راجع الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 252.
(2) راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 67.
(3) تذكرة خواص الأمة للسبط ابن الجوزي ص 164.
(٢٧١)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، دولة العراق (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (3)، السبط إبن الجوزي (1)، رؤوس الشهداء (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)
سمية أمسي نسلها عدد الحصي * وليس لآل المصطفي اليوم من نسل فضرب يزيد في صدر يحيي وقال: اسكت.
وفي تاريخ الطبري قال يزيد لعلي بن الحسين: " أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت " (1).
ولما جاءت رؤوس الشهداء كان يزيد في منظره علي ربي جيرون، فأنشد لنفسه:
لما بدت تلك الحمول وأشرقت * تلك الشموس علي ربا جيرون نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح * فلقد قضيت من الغريم ديوني (2) 9 - ثم إن عاصمة دولة الخلافة قد تزينت وأظهرت مظاهر العيد والانتصار يوم علمت بمقتل الإمام الحسين وأهل بيت النبوة، ويوم قدمت رؤوس الشهداء من العراق إلي الشام، كل ذلك بأوامر وتعليمات من الخليفة يزيد.
(١) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ١٥٨ وتذكرة الخواص ص ١٤٩ واللهوف ص ٧٩ ومثير الأحزان ص ٧٨.
(2) تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ج 2 ص 148.
(٢٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، دولة العراق (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، رؤوس الشهداء (2)، علي بن الحسين (1)، الشام (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، كتاب مثير الأحزان (1)

الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام

الفصل الثاني خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة لما تأكد الخليفة وعبيد الله بن زياد أن الإمام الحسين وأهل بيت النبوة والقلة التي والتهم ساروا من مكة في طريقهم إلي العراق، وضع الخليفة بالتشاور مع عبيد الله بن زياد مجموعة من الخطط العسكرية المتكاملة والتي قدروا أنها بالنتيجة ستؤدي إلي مقتل الحسين وإبادة أهل بيت النبوة والقلة التي والتهم، وتعذيبهم قبل القتل، والتمثيل بهم بعد القتل.
الخطة الأولي:
1 - قرر عبيد الله بن زياد إرسال ألف فارس من المعروفين بموالاتهم المطلقة للنظام الأموي، ويبدو أنهم بأكثريتهم من جيش الشام الذي دربه معاوية علي الطاعة العمياء، وجهله جهلا مطبقا بأمور الدين وأسند قيادة هذه القوة إلي فارس شهير وهو الحر بن يزيد الرياحي (1) ومهمة هذه القوة العسكرية أن تتحرك وأن تلاقي الإمام الحسين قبل أن يصل إلي العراق، وتراقب حركاته وسكناته، وأن تمنعه من دخول الكوفة وتمنعه من الرجوع إلي المدينة (2)، وبالفعل تحركت هذه القوة ووجدها الإمام الحسين في منطقة بانتظاره، وأينما تحرك الإمام كانت تسايره وتتحرك قبالته في الجانب الآخر من الطريق، ورافقت هذه القوة الإمام من
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٢٩، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٨٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٥، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٧، ووقعة الطف ص ١٦٧، والأخبار الطوال ص ٢٤٨، والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٨٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٠، واللهوف ص ٣٣.
(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٢٥، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٦، والعوالم ج 17 ص 228، والموسوعة ص 359.
(٢٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، دولة العراق (2)، الحر بن يزيد الرياحي (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (4)، الشام (1)، الجهل (1)، القتل (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
منطقة شراف حتي أوصلته إلي كربلاء، وأجبرته علي النزول فيها ومن مهمات هذه القوة أن تمنع أي واحد من أهل العراق من الانضمام إلي الحسين، بحيث يبقي الإمام وحده مع الذين جاءوا من الحجاز (1).
وبقيت هذه القوة قبالة الإمام الحسين وأهله وأصحابه كطليعة لجيش الفرعون، حتي إذا تلاحقت فيالق الجيش " الإسلامي " واجتمعت علي صعيد واحد، اشتركت هذه القوة مع بقية الجيش الإسلامي بقتال الإمام وأهل بيت النبوة.
الخطة الثانية:
وكانت خطة يزيد وعبيد الله بن زياد أن يعذبوا الإمام الحسين وأهل بيت النبوة ومن والاهم قبل أن يقتلوهم، وأعظم عذاب هو أن يحرموهم من الماء، وأن يمنعوه عنهم وعن أطفالهم ونسائهم حتي يشرفوا علي الموت من العطش، عندئذ يسهل علي جيش بني أمية أن يبطش بطشة الكبري بابن النبي وأهل بيت النبوة، وبالفعل كتب عبيد الله بن زياد كتابا إلي عمر بن سعد: " أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة.. " وعلي الفور أرسل عمر بن سعد بن أبي وقاص قوة عسكرية قوامها خمسمائة فارس، فنزلوا علي الشريعة وحالوا بين الإمام الحسين وأهل بيت النبوة وأطفالهم ونسائهم وبين الماء وكانت تلك القوة بقيادة بطل " إسلامي " اسمه عمرو بن الحجاج، وقد استماتت تلك القوة بالفعل للحيلولة بين الإمام وصحبه وبين الماء، ونفذت بمنتهي الدقة أمر القيادة العليا (2)، ولقد خاض العباس بن علي ملحمة حقيقية حتي ملأ بعض
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٧ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٣، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٨٧، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٧ مع اختلاف واختصار في الثلاثة الأخيرة، ووقعة الطف ص ١٧٣ والموسوعة ص ٣٦٢.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١١، والإرشاد ص ٢٢٨، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٦ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٩ والعوالم ج ١٧ ص ٢٤٠، ودلائل الإمامة ص ٧٨ والدمعة الساكبة ج ٤ ص ٣٤٤، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٣، واللهوف ص ٣٨ والعوالم ج ١٧ ص ٢٣٩، والأخبار الطوال ص ٢٥٥، ووقعة الطف ص 191.
(٢٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، بنو أمية (1)، القتل (1)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (1)، يوم عاشوراء (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (2)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)
القرب. ولقد ركز عبيد الله بن زياد تركيزا خاصا علي هذه الناحية.
الخطة الثالثة:
خصص عبيد الله بن زياد خمسمائة فارس، وأعطي قيادتهم لزجر بن قيس الجعفي ومهمة هذه القوة أن تقيم بجسر الصراة، لمنع من يخرج من أهل الكوفة يريد الحسين، فمر ابن عامر بن أبي سلامة بن عبد الله بن عرار الدالاتي، فقال له زجر: قد عرفت حيث تريد فارجع، فحمل عليه وعلي أصحابه فهزمهم ومضي وليس أحد منهم يطمع في الدنو منه حتي وصل إلي كربلاء وانضم إلي الحسين وقاتل معه حتي قتل بين يديه (1).
الخطة الرابعة:
جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة، فقال: " إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه، حسن السيرة، محمود الطريقة، محسنا إلي الرعية، يعطي العطاء في حقه، … يكرم العباد، ويغنيهم بالأموال وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، وأمرني أن أوفرها عليكم، وأخرجكم إلي حرب عدوه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا "، ونزل ووفر العطاء بالفعل، وهكذا دخل سلاح المال المعركة، وهو سلاح أجاد معاوية استعماله، وورث هذه الإجادة يزيد ابنه. لقد عرف معاوية وابنه نقطة الضعف عند بعض النفوس الضعيفة، فهذا يزيد يعطي عشرة آلاف، فماذا يعطي الحسين!!! فلو أن الحسين أعطاهم عشرة آلاف ونصف درهم لباعوا يزيد، وباعوا عبيد الله بن زياد بنصف الدرهم!! ولكن الإمام الحسين لا يتعامل مع المرتزقة، ولا يتخذهم عضدا له، ومن جهة أخري فإنه لا يملك المال ولو ملك المال بالفعل لشعر أن هذه الأموال للمسلمين وفيها حق الفقراء والمساكين وابن السبيل، وأنه ليس من حقه أن يخرج هذه الأموال عن مصارفها الشرعية، وأن يخصصها لتثبيت ملك!!!
ولترفع الإمام عن فعل ذلك. لكن الأمويين لا يعرفون هذه اللغة، فكافة أموال
(1) الإكليل للهمداني ج 10 ص 87 و 101 ومقتل الحسين للمقرم ص 240.
(٢٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: مسجد، جامع الكوفة (1)، الدولة الأموية (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (1)، يوم عرفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (3)، القتل (1)، الحرب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)
الدولة عندهم هي ملك للخليفة، ومفاتيح خزائنها في يده، ينفق منها ما يشاء لمن يشاء بغير حسيب ولا رقيب، وهكذا فعل الفراعنة والجبابرة في الأرض طوال التاريخ البشري.
الخطة الخامسة:
بعد ما وفر عبيد الله بن زياد العطاء وزاد مائة مائة أمر أهل الكوفة قائلا: " لا يبقين رجل من العرفاء والمناكب، والتجار والسكان إلا خرج، فعسكر معي، وأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة " (1)، فقدم النخيلة في جميع من معه، وبدأت الرعايا الذليلة بالالتحاق في معسكر الهوان، وطافت الخيل بالكوفة لتتأكد من خروج أهلها فوجد رجلا من همدان فقتلوه (2)، ولم يبق بالكوفة محتلم إلا خرج إلي المعسكر بالنخيلة.
الخطة السادسة:
دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي، ومحمد بن الأشعث بن قيس، والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمن المنقري، وأسماء بن خارج الفزاري وقال لهم: " طوفوا في الناس، فمروهم بالطاعة والاستقامة وخوفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية، وحثوهم علي العسكرة، فخرجوا وداروا بالكوفة، وبعد ذلك لحقوا به إلا كثير بن شهاب، فإنه كان مبالغا يدور بالكوفة ويأمر الناس " بالجماعة " ويحذرهم الفتنة، ويخذل عن الحسين، قال البلاذري في " أنساب الأشراف ":
" وضع ابن زياد المناظر علي الكوفة لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق بالحسين، ورتب المسالح حولها وجعل علي حرس الكوفة زجر بن قيس الجعفي " (3).
(١) راجع أنساب الأشراف للبلاذري ح ٣٣، ترجمة الإمام الحسين ومعالم المدرستين للعسكري ج ٣ ص ٨١ - ٨٢.
(٢) راجع المرجع السابق.
(٣) راجع معالم المدرستين للعسكري ج ٣ ص ٨١ - ٨٣ نقلا عن أنساب الأشراف " المناظر جمع؟؟؟
القوم يصعدون إلي أعلي الأماكن ينظرون ويراقبون، والمسالح جمع مسلحة: قوم ذوو السلاح يحرسون ويراقبون ".
(٢٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب انساب الأشراف للبلاذري (3)، مدينة الكوفة (7)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، كثير بن شهاب (2)، محمد بن الأشعث (1)، الجواز (1)
الخطة السابعة:
كان عمر بن سعد قد تأمر علي أربعة آلاف في مهمة تتعلق بخروج الديلم، فلما كان من أمر الحسين ما كان، طلب منه عبيد الله بن زياد أن يتوجه إلي الحسين:
1 - بجيشه لأن قتال الإمام الحسين أولي من قتال أهل الديلم الخارجين علي الخليفة.
2 - وسرح ابن زياد أيضا حصين بن تميم في أربعة آلاف، وأمره أن يلحق بعمر بن سعد.
3 - ووجه حجار بن أبجر العجلي في ألف.
4 - ووجه شبث بن ربعي في ألف أيضا.
5 - ووجه يزيد بن يزيد بن رويم في ألف أو أقل (1).
6 - ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف (2).
7 - ونصر بن حرشة في ألفين وتكامل عند ابن سعد لست خلون من المحرم عشرون ألفا، ولم يزل ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والخمسين غدوة وضحوة ونصف النهار وعشية من النخيلة يمد بهم عمر بن سعد حتي تكامل عنده ثلاثون ألفا.
وروي الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق أن الحسين دخل علي أخيه الحسن في مرضه الذي استشهد فيه فلما رأي ما به بكي، فقال له الإمام
(١) راجع معالم المدرستين للعسكري ج ٣ ص ٨١ - ٨٢ كما نقلها عن الطبري وراجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٣ - ٢٧٠ وتاريخ ابن الأثير ص ١٩ - ٣٨ وابن كثير ج ٨ ص ١٧٢ - ١٩٨ والأخبار الطوال للدينوري ص ٢٥٣ - ٢٦١ وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ - ٢٢٧ والإرشاد للمفيد ص ٢١٠ - ٢٣٦ وإعلام الوري ص ٢٣١ وما بعدها.
(٢) اللهوف ومقتل الحسين للمقرم ص 242.
(٢٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (3)، حصين بن تميم (1)، حجار بن أبجر (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، أبو عبد الله (1)، جعفر بن محمد (1)، الصدق (1)، المرض (1)، القتل (2)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الحسن: " ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقال: أبكي لما صنع بك، فقال الحسن: إن الذي أوتي إلي سم أقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفا يدعون أنهم من أمة جدنا محمد، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون علي قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء دما، ويبكي عليك كل شئ حتي الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار " (1).
وكتب عبيد الله بن زياد إلي عمر بن سعد: " إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال، فانظر لا تمس ولا تصبح إلا وخبرك عندي غدوة وعشية " وكان يستحثه علي الحرب لست خلون من شهر محرم.
الإمام الحسين وجها لوجه مع جيش دولة عظمي!!:
كانت دولة الخلافة دولة عظمي بالفعل، فقد هزمت الدولتين العظيمتين في زمانها: فارس في الشرق وروما في الغرب، وحلت محلهما، واستولت علي كافة مكتسباتهما وكان مجتمع الخلافة مجتمعا عسكريا، بمعني أن الالتحاق بجيش الخلافة هو المهنة المألوفة لغالبية رعايا دولة الخلافة، وهي مصدر رزق هذه الغالبية.
ومن المفارقات أن أهل العراق كانوا يمثلون الشرعية الإلهية ويدافعون عنها، وفي سبيل الدفاع عن هذه الشرعية دخلوا مع أهل الشام بحرب دموية مريرة، وانتهت هذه الحرب بهزيمة الشرعية وبهزيمة أهل العراق وبانتصار القوة والواقع وبتتويج معاوية ملكا علي المسلمين كثمرة طبيعية لانتصار القوة وهزيمة الشرعية، وعلي الرغم من الهزيمة الساحقة التي حلت بأهل العراق وقلبت كامل المعادلة، إلا أن هذا البلد كان مصدر إزعاج دائم للخليفة الأموي، مما اضطره أن يختار عامل العراق دائما من المجرمين العتاة، كابن زياد، وعبيد الله، والحجاج.. ومما فرض علي العراق وضع فرقة مسلحة كبيرة من جيش الشام
(1) أمالي الصدوق ص 71 مجلس 30، وفي هامش تذكرة الخواص: إنهم مائة ألف، راجع مقتل الحسين للمقرم ص 242 - 243.
(٢٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، دولة العراق (5)، شهر محرم الحرام (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، الشام (2)، البكاء (1)، الحرب (2)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)
تحت أمرة ذلك العامل الطاغية ليضمن السيطرة علي بلاد العراق، وليؤمن طاعة أهل العراق له، وخضوعهم لحكمه، وجيش الشام دربه معاوية علي الطاعة العمياء وجهله بأمور الدين تجهيلا كاملا، فصار جيشه لا يعرف من الدين إلا الخليفة وطاعة الخليفة!! فطاعة الخليفة هي طاعة الله وطاعة الرسول والتزام بأحكام الدين، ومعصية الخليفة هي معصية لله ومعصية للرسول وخروج عن أحكام الدين!!! وانتشرت هذه العقيدة العسكرية الغريبة في مجتمع دولة الخلافة وترسخت بانتصار معاوية وبانتصار جيش الشام.
ركب الإمام في كربلاء:
كان في العراق فرقة كبيرة من جيش الشام وهذا معلوم بالضرورة، وكانت العقيدة العسكرية التي رسخها معاوية هي المسيطرة، وبلوغها كان هدفا لعشاق العسكرية، ومنتسبي جيش الخلافة. واستطاع عبيد الله بن زياد بدعم الخليفة وتأييده أن يضع كافة طاقات وإمكانات دولة الخلافة تحت تصرفه لإنجاز المهمة الخطيرة الموكولة والمتمثلة بقتل الإمام وإبادة أهل بيت النبوة إبادة تامة للقضاء علي خطرهم الدائم الذي يحدق بالملك الأموي. وفي هذا السياق، استطاع عبيد الله أن يجند كل القادرين علي حمل السلاح من العراقين وأن يحشرهم مع فرقة جيش الشام الموجودة في العراق فجمع جيشا قوامه ثلاثون ألف مقاتل تدعمه طاقات وإمكانات وموارد دولة الخلافة، ومشرب بكل علوم وفنون وعقائد عسكرية الخلافة ومهمة هذا الجيش محصورة بنقطة واحدة " قتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة "، وليجعل الخليفة وأركان دولته لهذا الجيش مصلحة في تلك الحرب القذرة أعطي كل فرد من أفراد هذا الجيش مائة مائة!!! وهذا مبلغ ضخم في المقاييس الاقتصادية لذلك العصر، ومقابل هذا المبلغ لا يجد أي عنصر من عناصر ذلك الجيش غضاضة ولا حرج لو قتل النبي نفسه!!! ثم إن هنالك فوائد مؤكدة، أخري حيث ستتاح الفرصة لهذا الجيش بنهب رحل الإمام الحسين وأهل بيته!! وذلك الجيش قد تعود أن ينهب المهزوم، وأن يأكل المغلوب كائنا من كان ولو كان النبي نفسه، ووفق المعتقدات التي غرسها معاوية
(٢٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (5)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، الشام (4)، القتل (4)، الحرب (1)، العصر (بعد الظهر) (1)
في ذلك الجيش فلا مانع لدي أي فرد من أفراده بأن يقدم علي جثة أي قتيل فينزع عنه ثوبه الملطخ بالدم ويحمله كغنيمة ليغسله في ما بعد ويلبسه أو يبيعه فينتفع بثمنه!!! وقد حدث هذا بالفعل وقد يهبط الجندي إلي أدني المستويات فيأخذ " حذاء المقتول " " نعله "، قال أبو مخنف: " وسلب الحسين ما كان عليه، فأخذ سراويله بحر بن كعب، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الأسود، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم "، وقال أبو مختف:
" وجاء الناس علي الورس والحلل والإبل فانتهبوها " (1).
جاء أحد عسكر الخليفة إلي فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي! فقالت له: مالك؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله؟ قالت له: دعني! قال الجندي: أخاف أن يأخذه غيري!! (2).
هذه طبيعة دين فرعون المسلمين وجنوده، وتلك هي عقيدتهم العسكرية، وهذه هي أخلاق " الجيش الإسلامي " الذي واجه الإمام الحسين وحاربه في كربلاء.
… ولأجل قتل الإمام الحسين، وإبادة أهل بيت النبوة، جمع عبيد الله ثلاثين ألف مقاتل وسيرهم إلي كربلاء، بعد أن عين عمر بن سعد بن أبي وقاص قائدا لهذا الجيش، وعين شمر بن ذي الجوشن مساعدا له، ووصل " الجيش الإسلامي " إلي كربلاء، وعلي رمالها ألقي عصاه!! واتخذ مواضعه القتالية، ورفعوا درجة استعداداتهم إلي الدرجة القصوي، وانتظروا بفارغ الصبر أوامر دولة الخلافة ليبدأوا القتال، وينفذوا المهمة القذرة.
(١) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ١٣٦، وراجع الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٥٢ " انتهبوا ما في الخيام " وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٦٠، ومثير الأحزان ص ٤٠.
(2) راجع سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 204.
(٢٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (3)، فاطمة بنت الحسين (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، قيس بن الأشعث (1)، القتل (3)، الصبر (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة علي جيش الخلافة

الفصل الثالث الإمام يقيم الحجة علي جيش الخلافة الإحاطة التامة:
أحاط " الجيش الإسلامي " بمعسكر الإمام الحسين إحاطة تامة، وأشرفوا عليه إشرافا كاملا، فما من حركة يتحركها الإمام أو أحد في معسكره إلا ويشاهدها جيش الخلافة كله بوضوح تام، وما من كلمة يتلفظ بها الإمام أو أحد من معسكره إلا ويسمعها جيش الخلافة!!! إنها حالة من الإحاطة التامة!! وكمثال علي ذلك نسوق بعض ما رواه الطبري في تاريخه:
أقبل زحر بن قيس أحد قادة جيش الخليفة البارزين في كربلاء حتي دخل علي يزيد بن معاوية، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك وما عندك؟ فقال زحر:
" أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فأحطنا بهم من كل ناحية حتي أتينا علي آخرهم … " (1).
وما يعنينا من هذه الرواية هو شهادة هذا القائد أمام الخليفة بأن جيش الخلافة قد أحاط بمعسكر الإمام الحسين من كل ناحية، ويؤيد هذه الشهادة أن الإمام الحسين قد قال لأصحابه: " قوموا فاحفروا لنا حفرة حول عسكرنا هذا، شبه الخندق، وأججوا فيه النار حتي يكون قتال القوم من وجه واحد ". (2) وأسر الحسين لأهل بيته ولأصحابه بأن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٤٥٩ - 460.
(2) راجع الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 107 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 248 والموسوعة ص 393.
(٢٨١)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الحسين بن علي (1)، الشهادة (2)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم … " (1).
الوضع الأمثل لإقامة الحجة قبل بدء القتال:
إنه وإن كان ذلك الوضع من الناحية العسكرية كارثة محققة علي الإمام الحسين وأهل بيت النبوة ومن والاهم وأقام في معسكرهم، إلا أنه من ناحية ثانية هو الوضع الأمثل لإقامة الحجة علي القوم قبل القتال، فإذا تكلم الإمام الحسين بذلك الوضع، فإن بإمكان جيش الخلافة كله أن يسمع كلامه، فالجيش يحيط به من كل جانب، ولا يبعدون عنه إلا بضع عشرات من الأمتار، فكأن الله سبحانه وتعالي قد جمعهم علي هذه الصورة ليمكن الإمام الحسين من إقامة الحجة عليهم تمهيدا لإنزال العذاب بهم.
فلو لم يخرج الإمام الحسين ويصل إلي كربلاء، لحلف الذين أجرموا من أهل العراق لله وبالله أنه لو جاءهم الإمام الحسين لنصروه، فالله سبحانه وتعالي يعلم إنهم لكاذبون، ولكن وفق مقتضيات العدل الإلهي يجب أن يقع الفعل ويجب أن تقوم الحجة حتي تحق كلمة العذاب علي الذين أجرموا.
وها هو يزيد، وعبيد الله بن زياد، وأركان دولة الخلافة يحشرون جيش العراق، وأهل الكوفة عن بكرة أبيهم وفيلقا من فيالق جيش الشام ودون أن يدروا ليتمكن الإمام الحسين من إقامة الحجة عليهم وليشهدوا علي أنفسهم من حيث لا يشعرون!!!.
إقامة الحجة علي أهل الكوفة خاصة:
لأن أهل الكوفة هم الذين كتبوا له، وأرسلوا له الرسل، وبايع مسلم بن عقيل منهم ثمانية عشر ألفا، ولأنه بناء علي هذا كله توجه الإمام الحسين إلي العراق، فقد ركز الإمام تركيزا خاصا علي إقامة الحجة كاملة علي أهل الكوفة، فهم يعرفون الإمام ويعرفون كراماته، وقربه من النبي، وعظيم مكانته، ويعرفون
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢١٧، والإرشاد ص 232 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 560، والعوالم ج 17 ص 246، ووقعة الطف ص 201.
(٢٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (3)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (4)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، الشام (1)، القتل (2)، العذاب، العذب (2)، يوم عاشوراء (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
أن الإمام الحسين علي حق، وأنه الممثل الشرعي لهذا الحق، ويعرفون والده الإمام علي، ومكانته العالية، وعدله، وصبره، ورحمته بالعباد، والتزامه الصارم بالشرعية الإلهية، وهم يعرفون أيضا بني أمية، وتاريخهم الدموي الأسود، وظلمهم الذي جاوز المدي، وبشاعة حكمهم، ومعاداتهم الصارمة للشرعية الإلهية، وجهلهم بها، وتجاهلهم لها ويبدو أن الإمام لم يقطع الرجاء بنصرة أهل الكوفة له حتي بعد أن وصل إلي كربلاء، فهل يعقل أن يبايعه ثمانية عشر ألفا، ولا يفي له منهم بهذه البيعة مائة!!! كان بإمكان الإمام أن يرجع من الطريق قبل أن يلقاه الحر ومعه طليعة جيش الخلافة، لكنه رأي أنه ملزم أخلاقيا ودينيا بالقدوم إلي الكوفة من أجل الذين كتبوا له، وأرسلوا له الرسل، ومن أجل الثمانية عشر ألفا الذين بايعوا ابن عمه مسلم بن عقيل!! فهل يعقل أن يتخلي عنه أهل الكوفة بهذه السهولة وأن يتركوه وحيدا!! ثم ما الذي أجبرهم علي كتابة كتب الدعوة، وإرسال الرسل!!! تلك أمور لا تصدق بالفعل!! وهل قضية الكتب والرسل مؤامرة من معاوية وابنه كما أسلفنا ووثقنا!! فإذا كانت الكتب والرسل أجزاء من مؤامرة وفصول فيها، فما هو موضوع بيعة الثمانية عشر ألفا الذين شهد مسلم بن عقيل بأنهم قد بايعوه!! وهل يعقل أن تكون فصلا من المؤامرة!! وأنها نوع من الإختراق، أو تغلغل مخابرات دولة الخلافة!!.
وما يعنينا هو أن الإمام الحسين قد ركز تركيزا خاصا علي إقامة الحجة علي أهل الكوفة من خلال رسائله التي أشرنا إلي بعضها وسنشير إلي بعض آخر منها، ومن خلال تصريحاته، ومن خلال خطبه التي انتهت كلها إلي أسماع أهل الكوفة وإلي أسماع جيش الخلافة.
تقريع الإمام لأهل الكوفة:
عبأ عمر بن سعد جيش دولة الخلافة لمحاربة الإمام الحسين، ورتبهم في مراتبهم، وأقام السرايا في مواضعها، وعبأ الإمام الحسين أصحابه في الميمنة والميسرة فأحاطوا بالحسين من كل جانب حتي جعلوه في مثل الحلقة، فخرج الحسين من أصحابه حتي أتي الناس فقال لهم: " ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي، فتسمعوا قولي، وإنما أدعوكم إلي سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من الراشدين،
(٢٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (6)، بنو أمية (1)، الشهادة (1)
ومن عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لأمري غير مستمع لقولي، قد انخزلت أعطياتكم من الحرام، وملئت بطونكم من الحرام، فطبع علي قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد وقالوا: انصتوا له، ربما تصوروا أن الإمام سيعلن استسلامه.
فقال الإمام الحسين: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا، أفحين استصرختمونا ولهين متحيرين، فأصرخناكم مؤدين مستعدين، سللتم علينا سيفا في رقابنا، وحششتم علينا نار الفتنة التي جناها عدوكم وعدونا، فأصبحتم إلبا علي أوليائكم، ويدا عليهم لأعدائكم، بغير عدل أفشوه بكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه، من غير حدث كان منا، ولا رأي تفيل لنا. فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا، تجهزتموها والسيف لم يشهر، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدبا، وتداعيتم إليها كتداعي الفراش، فقبحا لكم فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب، ومطفئ السنن، وقتلة أولاد الأنبياء ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون، وإيانا تخذلون، أجل والله، الخذل فيكم معروف، وشجت عليكم عروقكم، وتوارثته أصولكم وفروعكم ونبتت عليه قلوبكم، وغشيت صدوركم، فكنتم أخبث شئ سنخا للناصب، وأكله للغاصب، ألا لعنة الله علي الناكثين، الذين نقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله هم. ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القلة والذلة، وهيهات ما آخذ الدنية، أبي الله ذلك ورسوله، وجدود طابت.
وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام. ألا قد أعذرت وأنذرت، ألا إني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العتاد، وخذلة الأصحاب، ثم أنشد يقول:
فإن نهزم فهزامون قدما * وإن نهزم فغير مهزمينا وما أن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
(٢٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، القرآن الكريم (1)، الحرب (1)، الوصية (1)، الجماعة (1)، الطهارة (1)
أما إنه لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس، حتي تدور بكم دور الرحي، عهد عهده إلي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم وشركاءكم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، إني توكلت علي الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي علي صراط مستقيم، اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلط عليهم غلام ثقيف، يسقيهم كأسا مصبرة، فلا يدع فيهم أحدا، قتلة بقتلة، وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي ولأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا، وأنت ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا وإليك المصير " ثم قال: " أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر "، فدعي له، وكان كارها لا يحب أن يأتيه، فقال: " يا عمر، أنت تقتلني تزعم أن يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان، والله لا تتهنأ بذلك أبدا، عهدا معهودا، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأني برأسك علي قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان، ويتخذونه غرضا بينهم " (1).
الإمام يقيم الحجة علي جيش الخليفة وقيادته:
بعث عمر بن سعد بن أبي وقاص قرة بين قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به؟ وماذا يريد، وجاء قرة وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه فقال الحسين: " كتب إلي أهل مصركم أن أقدم، فأما إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم " (2).
وروي الخوارزمي أن الإمام قال: " يا هذا أبلغ صاحبك عني أني لم أرد هذا البلد، ولكن كتب إلي أهل مصركم هذا أن آتيهم فيبايعونني، ويمنعونني، وينصروني ولا يخذلوني، فإن كرهوني انصرفت عنهم من حيث جئت " (3).
(١) راجع مقتل الإمام الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٦، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين ص ٢١٦، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨ والعوالم ج ١٧ ص ٢٥١ والموسوعة ص ٤٢٢ - ٤٢٤.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٠ والإرشاد ص ٢٢٧، والفتوح ج ٥ ص ٩٧ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٤، والعوالم ج ١٧ ص ٢٣٥ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٩، ووقعة الطف ص 184 والموسوعة ص 383.
(3) راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 241.
(٢٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (3)، مدينة الكوفة (1)، الخوارزمي (1)، الإنتقام،النقمة (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وروي الدينوري أن الإمام الحسين قال: " أبلغه عني أن أهل هذا المصر كتبوا إلي يذكرون أن لا إمام لهم، ويسألونني القدوم عليهم، فوثقت بهم، فغدروا بي بعد أن بايعني منهم ثمانية عشر ألف رجل، فلما دنوت علمت غرور ما كتبوا به إلي أردت الانصراف إلي حيث أقبلت، فمنعني الحر بن يزيد حتي جعجع بي في هذا المكان، ولي بك قرابة قريبة، ورحم ماسة فأطلقني حتي انصرف " (1).
وأحاط رسول ابن سعد بن أبي وقاص بكل كلمة قالها الإمام الحسين، وتولي ابن سعد نقل كل ما قاله الإمام الحسين إلي عبيد الله بن زياد، فأجابه ابن زياد، أعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإن فعل ذلك رأينا فيه رأينا، فأرسل عمر بن سعد كتاب ابن زياد إلي الحسين، فقال الإمام الحسين للرسول: " لا أجيب ابن زياد بذلك، فهل هو إلا الموت فمرحبا به " (2) ومن الطبيعي أن يسمع الجيش المتمركز في كربلاء بكل ما قاله الإمام، وكل ما قاله عمر بن سعد، وكل ما قاله عبيد الله بن زياد، فالجيش مشدود كالوتر، ويترقب الأمر ببدء القتال ثانية بثانية.
وأرسل الإمام إلي عمر بن سعد: " إني أريد أن أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك "، والتقي الاثنان، فقال له الإمام الحسين: " ويلك يا ابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك، أتقاتلني، وإنا ابن من علمت، ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلي الله تعالي، فقال ابن سعد: أخاف أن تهدم داري! فقال الحسين: أنا أبنيها لك، فقال ابن سعد: أخاف أن تؤخذ ضيعتي. فقال الإمام الحسين: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز، فقال ابن سعد: أنا لي عيال وأخاف عليهم، ثم سكت، فانصرف عنه الإمام الحسين وهو يقول: مالك، ذبحك الله علي فراشك، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إني لا أرجو أن لا تأكل
(١) الأخبار الطوال للدينوري ص ٢٥٢.
(٢) الأخبار الطوال ص ٢٥٣ والموسوعة ص 382.
(٢٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (4)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، الحر بن يزيد الرياحي (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الموت (1)، القتل (1)، السكوت (1)
من بر العراق إلا يسيرا، فقال ابن سعد مستهزئا من قول الإمام: في الشعير كفاية عن البر " (1).
وعندما نزل الإمام الحسين في كربلاء كتب له عبيد الله بن زياد كتابا مليئا بالغرور والغطرسة طلب منه في نهايته أن ينزل علي حكمه وحكم يزيد بن معاوية وأرسل عبيد الله بن زياد هذا الكتاب مع رسول من خواصه، فلما قرأه الإمام الحسين رماه أمام الرسول فطلب منه الرسول جوابا علي كتاب عبيد الله بن زياد فقال الإمام الحسين: " ماله عندي جواب، لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب ".
فعاد الرسول وأخبر عبيد الله بن زياد بما قاله الإمام فجن جنونه من الغضب (2).
وتقدم الإمام حتي وقف بإزاء القوم، ونظر إلي ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة، فقال الإمام:
" الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء، وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنكم هذه الدنيا، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم علي أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحل بكم نقمته، وجنبكم رحمته، فنعم الرب ربنا، وبئس العبد أنتم. أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمد " ص " ثم إنكم زحفتم إلي ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم ولما تريدون، إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين ".
فقال عمر بن سعد: " ويلكم كلموه "، فتقدم شمر بن ذي الجوشن فقال:
" يا حسين ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتي نفهم ".
(١) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١٠٢، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٤٥، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٨٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٨، والعوالم ج ١٧ ص ٢٣٩ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٩.
(٢) راجع الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٩٥، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٣٩ وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٣ والعوالم ج 17 ص 234 والموسوعة 377.
(٢٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (4)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، القتل (1)، الغضب (1)، الإنتقام،النقمة (1)، العذاب، العذب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)
فقال الإمام الحسين: " اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني، فإنه لا يحل لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإني ابن بنت نبيكم، وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد بلغكم قول نبيكم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (1).
ودنا الجيش " الإسلامي " من معسكر الإمام، فدعا الإمام براحلته فركبها، ونادي بأعلي صوته: " أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتي أعظكم بما لحق لكم علي وحتي اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي، وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم علي سبيل، وإن لم تقبلوا عذري، ولم تعطوا النصف من أنفسكم * (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) * [يونس / 71] * (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولي الصالحين) * [الأعراف / 196].
لما سمعت أخواته، وبناته كلام الإمام صحن، وبكين، وارتفعت أصواتهن وسمع الجيش " الإسلامي " نحيب بنات الرسول وبكاءهن فأرسل الإمام أخاه العباس بن علي، وعليا ابنه وقال لهما: " اسكتاهن، فلعمري ليكثرن بكاؤهن ".
وبعد ذلك حمد الله الإمام ربه وشكره وصلي علي نبيه وآله ثم قال: " أما بعد: فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي، وانتهاك حرمتي؟!! ألست ابن بنت نبيكم صلي الله عليه وآله وسلم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟.
أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول، وهو الحق، فوالله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، ويضر به من اختلقه، وإن كذبتموني، فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك،
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٥٢، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٠٠ وذكر بعض الخطبة، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٥ والعوالم ج 17 ص 249 والموسوعة ص 416 / 417.
(٢٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: إبن بنت رسول الله صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، جابر بن عبد الله (1)، أنس بن مالك (1)، زيد بن أرقم (1)، سهل بن سعد (1)، الشهادة (2)، الزوج، الزواج (1)، الصّلاة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، ابن شهرآشوب (1)
يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لي ولأخي، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ ".
فقال شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله علي حرف إن كان يدري ما يقول!!! وتابع الإمام قوله: " فإن كنتم في شك من هذا القول، أفتشكون أثرا ما أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة. أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال استهلكته أو بقصاص من جراحة "؟.
ونادي الإمام: يا شبث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث يا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي " أن قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وطمت الجمام، وإنما تقدم علي جند مجندة فأقبل؟ ".
فقالوا له: لم نفعل.
فقال الإمام: سبحان الله بلي والله لقد فعلتم.
ثم قال: أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلي مأمني من الأرض، فقال له قيس بن الأشعث: أو لا تنزل علي حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه!.
فقال له الحسين: " أنت أخ أخيك " محمد بن الأشعث " أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، عباد الله * (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) * [الدخان / 20] * (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) * [غافر / 27].
ولما وصل الإمام إلي هذا الحد أناخ راحلته، وأمر عقبة بن سمعان بعقلها وأقبل الجيش " الإسلامي " يزحف نحوه (1).
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٨، والإرشاد للمفيد ٢٣٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦١، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٦، والعوالم ج ١٧ ص ٢٥٠، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٢، ووقعة الطف ص 206، مع اختلاف ببعض الألفاظ.
(٢٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حجار بن أبجر (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، قيس بن الأشعث (2)، محمد بن الأشعث (1)، عقبة بن سمعان (1)، القتل (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
أصحاب الإمام يساعدونه بإقامة الحجة:
تقدم الإمام الحسين نحو القوم وبين يديه برير بن خضير فقال له الإمام:
كلم القوم، فتقدم برير فقال: " يا قوم اتقوا الله، فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته، وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيري رأيه فيهم، فقال لهم برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلي المكان الذي جاءوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها، وأشهدتم الله عليها!!.
يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتي إذا أتوكم أسلمتموهم إلي ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات، بئسما خلفتم نبيكم في ذريته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم!.
فقال له نفر منهم: يا هذا ما تدري ما تقول؟
فقال برير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللهم الق بأسهم بينهم، حتي يلقوك وأنت غضبان، فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلي ورائه " (1).
وبلغ العطش من الحسين وأصحابه فدخل عليه أحد رجاله " يزيد بن الحصين الهمداني "، فقال يا ابن رسول الله أتأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم؟
فأذن له فخرج إليهم، فقال: يا معشر الناس إن الله عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه.
فقالوا يا يزيد: فقد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله، فقال الحسين: اقعد يا يزيد.
فلما سمع الحسين التفت إلي أصحابه وقال: " أصحابي إن القوم قد
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٥٢، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٠٠ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٥ والعوالم ج 17 ص 249 والموسوعة ص 415 - 416.
(٢٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، مدينة الكوفة (1)، نهر الفرات (2)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، ابن شهرآشوب (1)
استحوذ عليهم الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون وأنشد يقول:
تعديتم يا شر قوم ببغيكم * وخالفتم فينا النبي محمد أما كان خير الرسل أوصاكم بنا * أما نحن من نجل النبي المسدد أما كانت الزهراء أمي ووالدي * علي أخا خير الأنام المسدد (1) خطب زهير بن القين، ودعا القوم إلي نصرة ابن بنت رسول الله، فسبوه، وأثنوا علي عبيد الله بن زياد، فقال زهير: إن ولد فاطمة سلام الله عليها أحق بالود والنصر، فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال له: اسكت، ثم أقبل زهير علي الناس، وقال: عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه. فناداه رجل فقال له: إن أبا عبد الله يقول لك أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء، وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ (2).
الحر بن يزيد يساعد الإمام بإقامة الحجة:
توبة الحر رأينا أن الحر بن يزيد كان هو قائد طليعة جيش بني أمية، تلك الطليعة المكلفة بمنع الإمام من العودة إلي المدينة أو الدخول إلي الكوفة، والمكلفة بمسايرة الإمام ومرافقته ومراقبته، وإنزاله وصحبه بمكان عراء ليس فيه خضرة ولا ماء ولا ملجأ، وقد التقي الحر وقواته مع الإمام في منطقة شراف وبالتحديد في جبل ذي حسم كما أسلفنا، وقام الحر وقواته بالمهمة الموكولة لهم علي الوجه الذي أراده عبيد الله بن زياد.
روي الطبري أنه لما زحف عمر بن سعد، قال له الحر: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ فقال عمر: إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. فقال
(١) معالي السبطين ج ١ ص ٣٤٨، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤١ والعوالم ج ١٧ ص ٢٨٣ والموسوعة ص ٤٢٧.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٠، ووقعة الطف ص ٢١٣، واللهوف ص ٣٧، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٩٩، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣١٨ والموسوعة ص 429.
(٢٩١)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، زهير بن القين البجلّي (1)، الحر بن يزيد الرياحي (2)، مدينة الكوفة (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، آل فرعون (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
له الحر: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضي؟ قال عمر بن سعد: أما والله لو كان الأمر بيدي لفعلت، ولكن أميرك قد أبي ذلك. عندئذ صمم الحر أن ينضم إلي الإمام الحسين، فوقف أمام الناس وادعي أنه يريد أن يسقي فرسه، وانطلق حتي أتي الإمام فقال له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا أبالي أن أطيع القوم ببعض أمرهم، ولا يرون أني خرجت من طاعتهم، وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك، ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائبا مما كان مني إلي ربي، ومواسيا لك بنفسي حتي أموت بين يديك أفتري ذلك لي توبة؟ قال الإمام: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك، ما اسمك؟ قال: أنا الحر بن يزيد، قال الإمام: أنت الحر كما سمتك أمك، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة، انزل، قال الحر: أنا لك فارسا خير مني راجلا، أقاتلهم علي فرسي ساعة وإلي النزول ما يصير آخر أمري، قال الإمام:
فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.
موعظة الحر لأهل الكوفة سكان الكوفة كانوا يشكلون نسبة عالية من جيش الطاغية، وها هو بعض السر في تركيز الإمام عليهم، والحر كواحد من أبرز قادة هذا الجيش الفرعون كان يعرف هذه الحقيقة، فلما تاب وهداه الله، أراد أن يعلن ذلك، فعندما يعلم جيش الدولة أن أبرز قادته وأذكاهم، قد تركهم والتحق بالإمام، فإن ذلك سيكون له أثر عظيم، واستهل الحر بسؤال وجيه ومنطقي وجهه إلي هذا الجيش فقال: " أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من الخصال التي عرض عليكم، فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قال الجيش: هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه، فكلمه الحر بمثل ما كلمه به من قبل.
قال عمر بن سعد: قد صرحت لو وجدت إلي ذلك سبيلا فعلت.
(٢٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، الحر بن يزيد الرياحي (1)، مدينة الكوفة (2)، الفدية، الفداء (1)
فقال الحر: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر إذ دعوتموه، حتي إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة، حتي يأمن ويأمن أهل بيته وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا، وحلأتموه ونساءه وأحبته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا، وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعته هذه، فحملت عليه رجالة الجيش ترميه بالنبل، فأقبل حتي وقف أمام الإمام الحسين " (1).
(١) معالم المدرستين ج ٣ ص ٩٩ - 100 نقلا عن الطبري.
(٢٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، نهر الفرات (1)، القتل (1)

الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا

الفصل الرابع الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا تيقن الإمام من أن بني أمية سيهجمون عليه بين لحظة وأخري، وأن الحرب واقعة لا مفر منها، وهي حرب غير متكافئة من جميع الوجوه، وأن مصيره ومصير من يبقي معه سيكون القتل لا محالة، ورأي الإمام أن واجبه أن يرفع الحرج عن نفسه، وأن يعطي أصحابه الفرصة لإعادة النظر في مواقفهم النبيلة قبل أن يبدأ القتال، وفي مساء اليوم السابق ليوم عاشوراء جمع الإمام أصحابه وخطب فيهم الخطبة التالية:
" أثني علي الله أحسن الثناء، وأحمده علي السراء والضراء، اللهم إني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين، أما بعد:
فإني لا أعلم أصحابا أوفي ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا، ألا وإني لأظن يوما لنا من هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم حرج مني ولا ذمام، هذا الليل غشيكم فاتخذوه جملا " (1).
وقال ابن أعثم الكوفي إن الإمام قد قال: " إني لا أعلم أصحابا أصح منكم ولا أعدل، ولا أفضل أهل بيت، فجزاكم الله عني خيرا، فهذا الليل قد أقبل فقوموا فاتخذوه جملا، وليأخذ كل واحد منكم بيد صاحبه أو رجل من أخوتي وتفرقوا في سواد الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يطلبون غيري، ولو
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٥، والإرشاد للمفيد ص ٢٣١، والكامل في التاريخ ج ١ ص ٥٥٦، والعوالم ج ١٧ ص ٢٤٣، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٠، ووقعة الطف ص 197.
(٢٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (2)، بنو أمية (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (1)، الحرب (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
أصابوني وقدروا علي قتلي لما طلبوكم " (1).
وقال المجلسي: إن الإمام قد قال: " اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكي ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما ترون، وأنتم في حل من بيعتي، ليست في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم، فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري " (2).
وفي رواية عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين أن الإمام الحسين قد قال: " إن هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاة النجاة، وأنتم في حل، فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم " (3).
وفي رواية أخري: " عرض الإمام الحسين علي أهله ومن معه أن يتفرقوا عنه ويجعلوا الليل جملا وقال: إن القوم يطلبونني وقد وجدوني، وما كانت كتب من كتب إلي إلا مكيدة لي، وتقربا إلي ابن معاوية بي " (4).
وفي رواية أن الإمام قد قال: اعلموا أنكم خرجتم معي لعلمكم أني أقدم علي قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنهم قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، والآن ليس يكن لهم مقصد إلا قتلي وقتل من يجاهد بين يدي، وسبي حريمي بعد سلبهم، وأخشي أنكم لا تعلمون أو تعلمون وتستحيون، والخداع عندنا أهل البيت محرم، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فالليل ستير، والسبيل غير خطير، والوقت ليس بهجير، ومن واسانا بنفسه كان معنا غدا في الجنان، نجيا من غضب الرحمن، وقد قال جدي: ولدي حسين يقتل بطف كربلاء غريبا وحيدا، عطشانا فريدا، من نصره فقد نصرني، ونصر ولده القائم، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.
(١) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١٠٥، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٥، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٥٩، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٠ ووقعة الطف ص ١٩٧.
(٢) راجع بحار الأنوار للمجلسي ح ٤٤ ص ٣١٥.
(٣) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٨٩.
(٤) أنساب الأشراف ج 3 ص 185.
(٢٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، يوم القيامة (1)، العلامة المجلسي (1)، القتل (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب بحار الأنوار (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
قالت سكينة، فوالله ما أتم كلامه إلا وتفرق القوم من عشرة، وعشرين فلم يبق معه إلا واحد وسبعون رجلا، فنظرت إلي أبي منكسا رأسه فخنقتني العبرة فخشيت أن يسمعني، ورفعت طرفي إلي السماء وقلت: اللهم إنهم خذلونا فأخذلهم، … فرأتني عمتي أم كلثوم وقالت: ماذا دهاك يا بنتاه فأخبرتها الخبر، فصاحت وا جداه، وا علياه، وا حسناه، وا حسيناه، وا قلة ناصراه، أين الخلاص من الأعداء؟ ليتهم يقنعون بالفداء.. فسمع أبي ذلك، فأتي إلينا يعثر في أذياله، ودموعه تجري وقال: ما هذا البكاء؟
فقالت: يا أخي ردنا إلي حرم جدنا.
فقال الإمام: يا أختاه ليس إلي ذلك سبيل.
قالت: أجل ذكرهم محل جدك وأبيك وأخيك.
فقال الإمام: ذكرتهم فلم يذكروا، ووعظتهم فلم يتعظوا، ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيلا، ولا بد أن تروني علي الثري جديلا، لكن أوصيكن بتقوي الله رب البرية، والصبر علي البلية، وكظم نزول الرزية وبهذا وعد جدكم، ولا خلف لما وعد، ودعتكم إلهي الفرد الصمد (1).
وروي البحراني أن الإمام قد قال: " يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملا لكم، وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكروا فيكم، فانجوا رحمكم الله وأنتم في حل وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني " (2).
وقال الإمام الحسين: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم.
(1) الدمعة الساكبة ج 4 ص 271، وأسرار الشهادة ص 268، وناسخ التواريخ ج 2 ص 160 والموسوعة ص 399 - 400.
(2) الموسوعة ص 401.
(٢٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: البكاء (1)، الصبر (1)، القتل (1)، الشهادة (1)
جواب الأهل:
قال العباس بن علي: لم نفعل ذلك، ألنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا.
وبمثل هذا أجابه أخوته، وأبناؤه، وبنو أخيه الحسن، وابنا عبد الله بن جعفر محمد وعبد الله.
وقال بنو عقيل: فما يقول الناس؟ يقولون: إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل، ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا، ونقاتل معك، حتي نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
جواب الأصحاب (1):
قام مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: " أنحن نخلي عنك، ولما نعذر إلي الله في أداء حقك، أما والله حتي أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتي أموت معك، وتكلم زهير بن القين وبقية الأصحاب بكلام مشابه " (2).
الإمام يطلعهم علي النتائج:
قال الإمام: " إنكم تقتلون غدا لا يفلت منكم رجل " (3) فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا ينصرك، وشرفنا بالقتل معك.
فقال الإمام: جزاكم الله خيرا، ودعا لهم بخير، فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعون كما قال، وهكذا جعل الإمام أهل بيته وأصحابه علي بينة من الأمر،
(١) الإرشاد للمفيد، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٥، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٥٥٩ والعوالم ج ١٧ ص ٢٤٤، ووقعة الطف ص ١٩٨.
(٢) الإرشاد ص ٢٣١، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٥، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٥٥٩ والعوالم ج ١٧ ص ٢٤٤ ووقعة الطف ص ١٩٨.
(٣) بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٢٩٨.
(٢٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، زهير بن القين البجلّي (1)، مسلم بن عوسجة (1)، القتل (4)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (2)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
ووضع الأمور بنصابها الصحيح، فأماط الحرج عن نفسه، وأتاح الفرصة أمام الإيمان العجيب لأهله وأصحابه ليتألق ببهاء.
ودخل الإمام خيمة أخته زينب، فقالت له: حتي استعلمت من أصحابك نياتهم، فإني أخشي أن يسلموك عند الوثبة، فقال الإمام: والله لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلي محالب أمه (1).
(1) الدمعة الساكبة ص 325.
صفحه(٢٩٩)

الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية

الفصل الخامس الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية جيش الفرعون:
برز الجيش الأموي واتخذ مواقعه القتالية، وهو مؤلف من ثلاثين ألف مقاتل ومقسم إلي أربع فرق: 1 - فرقة أهل المدينة ويقودها عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي، 2 - فرقة مذحج وأسد ويقودها عبد الله بن سبرة الحنفي، 3 - وفرقة ربيعة وكندة ويقودها قيس بن الأشعث، 4 - فرقة تميم وهمدان ويقودها الحر بن يزيد الرياحي، الذي تركها قبل القتال والتحق بالحسين، والقائد الميداني العام لهذا الجيش هو عمر بن سعد بن أبي وقاص، حيث كان همزة الوصل بين الجيش وبين عبيد الله بن زياد، وبين يزيد بن معاوية.
جعل عمر بن سعد علي ميمنة جيشه عمرو بن الحجاج الزبيدي، وسلم قيادة الميسرة لشمر بن ذي الجوشن العامري، وعلي الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلي الرجالة شبث بن ربعي، وأعطي الراية لمولاه ذويد (1) واتخذت الفرق والتشكيلات العسكرية مواقعها الميدانية القتالية وهي تنتظر علي أحر من الجمر الأمر بالقتال لتنقض علي عدوها اللدود ابن رسول الله وآل محمد وأهل بيت النبوة وذوي القربي!!!.
الحسين وأهل البيت وأصحابهم:
لما أيقن الإمام الحسين أن القتال قرد لا مفر منه، وأنه صار قاب قوسين أو أدني رتب أصحابه، وصفهم للحرب، وكانوا مائة أقل بقليل أو أكثر بقليل، فجعل علي ميمنة رجاله زهير بن القين، وسلم قيادة الميسرة لحبيب بن مظاهر، وثبت هو وأهل بيته في القلب، وأعطي الراية لقمر بني هاشم، العباس بن علي بن
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤١.
(٣٠١)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، زهير بن القين البجلّي (1)، الحر بن يزيد الرياحي (1)، عمرو بن حجاج الزبيدي (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، قيس بن الأشعث (1)، بنو هاشم (1)، القتل (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
أبي طالب، أخيه، وكان الإمام الحسين قد أمر أصحابه بحفر حفرة علي هيئة خندق، وأمر أن تشعل فيها النيران (1)، " مثلما أمر أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت حتي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم " (2) والعلة في ذلك تكمن في أن جيش بني أمية يحيط بمعسكر الإمام إحاطة السوار بالمعصم، فلو لم يفعل الإمام ذلك لما استطاع وصحبه أن يصمدوا لأكثر من دقيقتين ولتمكن جيش الخلافة من اجتياح معسكر الإمام بسهولة!!، إذ لم يصدف في التاريخ العسكري كله أن تجمع جيش بهذه الكثرة والضخامة ليحارب فئة محدودة بهذه القلة!!
وما يعنينا هنا أن أصحاب الإمام الحسين أصروا علي أن يقاتلوا بين يدي الإمام وأهل بيت النبوة، حتي يموتوا جميعا عن بكرة أبيهم، وبعد ذلك لا لوم عليهم إن اضطر أهل بيت النبوة للقتال!!!.
والخلاصة أن الإمام وأهل بيته وأصحابه أخذوا مواقعهم الدفاعية وهم ينتظرون بين لحظة وأخري، وقوع العدوان، هم علي أهبة الاستعداد للتصدي للمعتدين، والقتال حتي الموت، وهذا أقصي ما يمكن لهم أن يفعلوه، وتفصيل ذلك أن الإمام جمع أخوته وبني إخوته وبني عمومته وخطب فيهم ثم سألهم في النهاية إذا كان الصباح فما تقولون، فقالوا بلسان واحد: الأمر إليك ونحن لا نتعدي لك قولك.
فقال العباس: إن هؤلاء يعني الأصحاب، قوم غرباء، والحمل الثقيل لا يقوم به إلا أهله، فإذا كان الصباح فأول من يبرز للقتال أنتم، نحن نقدمهم للموت! لئلا يقول الناس: قدموا أصحابهم، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة.
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٤٥٩ - ٤٦٠، والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١٠٧ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٤٨ والموسوعة ص ٣٩٣.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢١٧، والإرشاد ص 232 والعوالم ج 17 ص 246 ووقعة الطف ص 201، وراجع ما كتبناه تحت عنوان " الإمام يقيم الحجة علي الفرعون وجنوده ".
(٣٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (1)، القتل (4)، الموت (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، الخوارزمي (1)
فقامت بنو هاشم وسلوا سيوفهم في وجه العباس، وقالوا: نحن علي ما أنت عليه.
وفي خيمة أخري اجتمع الأصحاب فقال لهم حبيب بن مظاهر: يا أصحابي لم جئتم إلي هذا المكان، أوضحوا كلامكم رحمكم الله؟، فقالوا بلسان واحد:
أتينا لننصر غريب فاطمة!! فقال لهم: لم طلقتم حلائلكم؟ فقالوا لذلك، قال حبيب: فإذا كان الصباح فما أنتم قائلون؟ فقالوا: الرأي رأيك، ولا نتعدي قولا لك. قال حبيب: فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلي القتال أنتم، نحن نقدمهم القتال، ولا نري هاشميا مضرجا بدمه، وفينا عرق يضرب لئلا يقول الناس: قدموا ساداتهم للقتال، وبخلوا عليهم بأنفسهم، فهزوا سيوفهم علي وجهه وقالوا: نحن علي ما أنت عليه، قالت الرواية زينب عليها السلام، " فلقيت الحسين بعد ذلك فسكنت نفسي وتبسمت في وجهه فقال: " أخيه " قلت لبيك يا أخي، فقال: يا أختاه منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك مبتسمة، أخبريني ما سبب تبسمك؟ قالت:
فقلت له: رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا … فقال الإمام: يا أختاه اعلمي أن هؤلاء أصحابي من عالم الذر، وبهم وعدني رسول الله، هل تحبين أن تنظري إلي ثبات أقدامهم قالت نعم، قال: عليك بظهر الخيمة، ثم ناداهم وعرض عليهم أن ينصرفوا في سواد الليل، فأبوا " (1).
دعاء الإمام الحسين:
عندما رأي الإمام الحسين جمع جيش الخلافة كأنه السيل، ورأي الخيل تتأهب للانطلاق نحوه، رفع الإمام يديه وقال: " اللهم أنت ثقتي في كل كرب وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته عني وكشفته، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهي كل رغبة " (2).
(١) راجع الموسوعة ص ٤٠٨ - ٤١٠.
(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٣٣، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٨، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص ٢١٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦١، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤، والعوالم ج 17 ص 248، ووقعة الطف ص 205، والموسوعة 414.
(٣٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، بنو هاشم (2)، عالم الذر (1)، الضرب (1)، الصدق (1)، القتل (2)، العرق، التعرق (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
تجاوز حد التصور والتصديق:
عندما تستعرض بذهنك صور كثرة جيش الخلافة، وصور عدته واستعداداته وإمكانيات وطاقات الدولة التي تدعمه، ومكانتها في العالم السياسي المعاصر لها كدولة عظمي، وتستعرض صورة الجمع الآخر الذي كان يضم الإمام الحسين وآل محمد وذوي قرباه، والقلة القليلة التي أيدتهم ووقفت معهم، فإنك لا تستطيع أن تصدق أن مواجهة عسكرية يمكن أن تحدث بين هذين الجمعين!!! وأن احتمال حدوث مواجهة عسكرية أمر يفوق حد التصور والتصديق، فجيش الخلافة بغني عن هذه المواجهة، لأنه ليست له علي الإطلاق ضرورة عسكرية وليست هنالك ضرورة لتعذيب الإمام الحسين وأهل بيت النبي وذوي قرباه وصحبه وأطفالهم ونسائهم وهم أحياء، والحيلولة بينهم وبين ماء الفرات الجاري، ومنعهم من الماء، حتي يموتوا عطشا في صيف الصحراء الملتهب!!! ثم إن جيش الخلافة لو حاصرهم يومين آخرين فقط لماتوا من العطش من دون قتال، ولما كانت هنالك ضرورة لتلك المواجهة العسكرية المخجلة!!! إن أي إنسان يعرف طبيعة الإمام الحسين، وطبيعة آل محمد، وذوي قرباه يخرج بيقين كامل بأنهم أكبر وأعظم من أن يعطوا الدنية مخافة الموت، لأن الموت بمفاهيمهم العلوية الخالدة أمنية، وخروج من الشقاء إلي السعادة المطلقة!! ثم لو أن جد الإمام الحسين كان رجل دين لأي ملة من الملل لوجد الجيش - أي جيش - حتي جيوش المشركين حرجا كبيرا لمجرد التفكير في قتله!!! ولكان وضعه الديني حاجزا لذلك الجيش عن سفك دمه!! فكيف بابن بنت رسول الله محمد، وبإمام كالإمام الحسين!!! ثم إن قتل الرجل وأولاده وأهل بيته دفعة واحدة يثير بالإنسان أي إنسان!! حتي إنسان العصور الحجرية شعورا بالاشمئزاز والاستياء، لأنه عمل يعارض الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، فكيف برجل كالإمام وبأهل بيت كأهل بيت النبوة!!!
ويظهر لنا أن تصرفات الخليفة وأعماله، وأعمال أركان دولته، ما هي في الحقيقة
(٣٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: نهر الفرات (1)، القتل (2)، الموت (2)، الخلود (1)
إلا انعكاس لقلوب مملوءة بالحقد علي النبي، وعلي آل محمد ومسكونة بشبح الوتر والثأر كما بينا، وسيظهر بهذا التحليل أن الذين وقفوا علي أهبة الاستعداد لقتال الإمام الحسين وقتله، وإبادة أهل بيت النبوة لم يكونوا بشرا، إنما كانوا وحوشا مفترسة ضارية ولكن علي هيئة البشر!!! لم يعرف التاريخ البشري جيشا بهذا الخلق والانحطاط، ولا حاكما بتلك الجلافة، والفساد، والحقد، إنها نفوس مريضة نتنة، وتغطي علي مرضها ونتنها بالادعاء الزائف بالإسلام، والإسلام برئ منهم، فلقد دخلوه مكرهين، وخرجوا منه طائعين، ألا بعدا لهم كما بعدت ثمود، وما يعنينا هنا أن الجمعين بحالة التأهب القصوي، وأن كلمة سوء واحدة تخرج من فم عمر بن سعد ستشعل نار الحرب بعد أن صلي عمر بن سعد بن أبي وقاص بالجيش الإسلامي صلاة العصر وصلوا جميعا علي محمد وآل محمد، نادي عمر بن سعد بأعلي صوته قائلا: " يا خيل الله اركبي وابشري "، ثم زحف نحو الحسين وأصحابه، وجاء العباس بن علي، وقال للإمام: " يا أخي أتاك القوم "، فنهض الإمام الحسين وقال: " يا عباس اركب، بنفسي أنت يا أخي حتي تلقاهم فتقول لهم: ما لكم؟ وما بدا لكم، وتسألهم عما جاء بهم "؟.
فاستقبلهم العباس في عشرين فارسا فيهم زهير بن القين، وحبيب بن مظاهر فقال لهم العباس: ما بدا لكم، وما تريدون؟ قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه أو ننازلكم. قال العباس: فلا تعجلوا حتي أرجع إلي أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم. فوافقوا، ووقف أصحاب العباس يخاطبون القوم بالوقت الذي انطلق فيه العباس ليخبر الإمام، وأخبره العباس بما سمع.
فقال الإمام الحسين: " ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلي غدوة وترفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار " (1) وأقبل العباس بن علي
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٤، والإرشاد للمفيد ص ٢٣٠، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٤٩ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٩٠، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٩١ والعوالم ج 17 ص 242 ووقعة الطف ص 193.
(٣٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (3)، زهير بن القين البجلّي (1)، القتل (1)، الصّلاة (2)، الحرب (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
يركض علي فرسه حتي انتهي إليهم فقال: يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتي ينظر في الأمر، فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه، أو كرهنا فرددناه. وهدفه أن يردهم تلك العشية.
فقال عمر بن سعد: يا شمر ما تري؟ قال شمر: أنت الأمير والرأي رأيك، وأقبل عمر بن سعد علي الناس فقال: ما ترون؟ قال عمرو بن الحجاج الزبيدي:
سبحان الله والله لو كانوا من أهل الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها، فأجابهم عمر بن سعد، وروي الطبري عن الضحاك بن عبد الله المشرفي قال: فلما أمسي حسين وأصحابه، قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون، ويدعون ويتضرعون، وتمر بنا خيل لهم تحرسهم، وإن حسينا ليقرأ * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين وما كان الله ليدر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب) * [آل عمران / 178 - 179]، فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال: " نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم … " (1) وكانت تلك الليلة هي ليلة العاشر من محرم.
القتال الضاري في كربلاء من الذي بدأ القتال؟:
القتال بطبيعته كره، وشر علي الغالب، ومن يبدأ القتال، يلج ما تكرهه النفس، ويفتح أبواب الشر المغلقة، وطوال عهد النبوة الزاهر لم يصدف علي الإطلاق أن بدأ النبي القتال مع أعدائه، فكان المشركون هم الذين يبدأوا بالقتال ولم يصدف أن أمر أحد رجاله أو أولياءه بالخروج للمبازرة بدءا، وكان أعداؤه هم الذين يخرجون أولا بعض رجالهم للمبارزة وبعد ذلك ينتدب النبي من أوليائه من يبارزهم!! كان يتجنب دائما يبدأ خصومه بالقتال فإذا بدأ خصمه بالقتال عندئذ
(١) راجع معالم المدرستين ج ١ ص ٩٢ نقلا عن الطبري من ج 6 ص 232 - 270.
(٣٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، عمر بن سعد لعنه الله (3)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عمرو بن حجاج الزبيدي (1)، القتل (3)
كان النبي يقاتل القوم بعد أن يبلغهم الحجة. وكذلك فعل الإمام علي فطوال عهده الرائد لم يبدأ أعداءه بالقتال، وكان أعداؤه هم الذين يبدؤون.
والإمام الحسين هو الإمام الشرعي، وهو الوارث لعلم الشرعية الإلهية وأخلاقياتها وهم الملتزم بسنة جده ومسلك أبيه، سواء في ما يتعلق ببدء القتال أو بأخلاقيات هذا القتال، فعندما أجبرتهم طليعة جيش بني أمية أن ينزلوا في كربلاء بعراء وبغير خضرة ولا ماء، وقبل أن يحضر الجيش قال له زهير بن القين:
" إني والله لا أري أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون، يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به، فقال الإمام الحسين: " ما كنت لأبدأهم بالقتال " (1)، ويوم المذبحة نادي شمر بن ذي الجوشن بأعلي صوته: " يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة! فقال الإمام الحسين: من هذا كأن شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم أصلحك الله هو هو، فقال الإمام: يا ابن راعية المعزي أنت أولي بها صليا. فقال له مسلم بن عوسجة: يا ابن رسول الله جعلت فداك ألا أرميه بسهم، فإنه قد أمكنني، وليس سقط سهم مني، فالفاسق من أعظم الجبارين، فقال الإمام الحسين: " لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم " (2)، ولم يفكر الإمام بقتالهم إلا بعد إعذارهم وإقامة الحجة عليهم، وقتال الإمام دفاعي من جميع الوجوه.
كيف بدأ القتال؟:
أصبح الإمام يوم عاشوراء، وصلي الصبح بأصحابه ثم وقف بينهم فحمد الله وأثني عليه ثم قال: " أذن الله تعالي بقتلي وقتلكم في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال "، ثم صفهم للحرب الدفاعية، فجعل زهير بن القين في الميمنة
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٩، والإرشاد ص ٢٣٦، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٩٦، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٨٠، والعوالم ج ١٧ ص ٢٣٠ والأخبار الطول ص ٤٥٢ والموسوعة ص ٣٧٣.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٨، والإرشاد للمفيد ص ٢٣٣ والكامل لابن الأثير اختصارا ج ٢ ص ٥٦١ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٥ والعوالم ج 17 ص 248 ووقعة الطف ص 204 والموسوعة ص 415.
(٣٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، زهير بن القين البجلّي (2)، يوم القيامة (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، مسلم بن عوسجة (1)، القتل (7)، الفدية، الفداء (1)، الإقامة (1)، الصّلاة (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وثبت وأهل بيته في القلب وأعطي رايته لأخيه العباس بن علي، واتخذوا مواقعهم أمام بيوتهم وانتظروا.
بهذا الوقت بالذات وفي صبيحة العاشر من محرم صلي عمر بن سعد بن أبي وقاص صلاة الصبح، وصلي بصلاته جيش بني أمية البالغ ثلاثين ألف مقاتل، ولم ينس سعد، ولا أي فرد من أفراد جيشه الصلاة الإبراهيمية، لقد صلوا علي محمد وآل محمد!! بالوقت الذي صمموا فيه علي قتل ابن بنت النبي وإبادة آل محمد!!!.
بهذا الوقت بالذات تقدم عمر بن سعد بن أبي وقاص علي فرسه، وأشرف علي الجيش كله وعلي معسكر الحسين، ثم نادي بأعلي صوته: " اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمي " فرمي سهما، وتبعا له رمي جيش الخلافة (1) وسقطت السهام معسكر الإمام الحسين مثل زخات المطر!! فلم يبق من أصحاب الإمام الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم (2)، ولا عجب من ذلك فإن جيش الخلافة جيش دولة عظمي وهم مسلح تسليحا كاملا والسهم من الأسلحة الضرورية، فلك أن تتصور ثلاثين ألفا أو عشرين ألفا وهم يطلقون معا سهامهم بوقت واحد ومن مكان واحد!!.
قال الإمام حسين لأصحابه: " قوموا رحمكم الله إلي الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم ".
المبارزة:
جرت العادات الحربية علي أن تستهل الحرب بمبارزة، وهو ما تم في بدر، وما تم في أحد والخندق. وفي كربلاء برز من جيش الخلافة يسار مولي زياد " ابن أبي سفيان " وسالم مولي عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير، فقال لهما الإمام الحسين:
(١) الخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٢٨٧.
(٢) اللهوف ص ٥٦.
(٣٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، عمر بن سعد لعنه الله (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، الصّلاة (4)، القتل (2)، الموت (1)، النسيان (1)، الحرب (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)
اجلسا، فقال عبد الله بن عمير الكلبي: أبا عبد الله ائذن لي لأخرج إليهما، فرآه الإمام الحسين رجلا طويلا، شديد الساعدين، ما بين المنكبين، فقال الإمام:
" إني لأحسبه للأقران قتالا، اخرج إن شئت فخرج إليهما. فقالا له: من أنت، فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير!!!.
فقال الكلبي ليسار: يا ابن الزانية، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس، وما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك، ثم شد الكلبي عليه فضربه بسيفه، فبينما هو منشغل به يضربه بسيفه شهر عليه سالم مولي عبيد الله، فصاح به أصحاب الحسين: قد رهقك العبد فلم يأبه له حتي غشيه، فبدره الضربة فاتقاه الكلبي بيده اليسري، فأطاح أصابع كفه اليسري، ثم مال عليه الكلبي فضربه حتي قتله، فأقبل الكلبي وقد قتل الاثنين، فأخذت امرأته أم وهب عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد! ورجته أن تقاتل إلي جانبه لتموت معه، وتعلقت بأثوابه، فناداها الإمام الحسين قائلا: " جزيتم من أهل بيت خيرا، ارجعي يرحمك الله إلي النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس علي النساء قتال ". فانصرفت إليهن (1).
أخذ أصحاب الإمام الحسين يبرزون، اثنين اثنين وأربعة أربعة، فيبرز لهم من جيش الخلافة، أعداد مماثلة، وفي كل مرة كان أصحاب الحسين يقتلون أندادهم من جيش الخلافة، ويفتكون بمن يجدوه في طريقهم من ذلك الجيش فتكا ذريعا، واكتشف قادة جيش الخلافة خطورة المبارزة علي الجيش، فصاح عمر بن الحجاج بأصحابه: " أتدرون من تقاتلون، إنكم تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر، وقوما مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه علي قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم، فقال عمر بن سعد: " صدقت الرأي ما رأيت أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم، ولو خرجتم
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢١، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦٤، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٧، والعوالم ج ١٧ ص ٢٦٠، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٣ ووقعة الطف ص 217، والطبري ج 6 ص 245 وابن الأثير ج 4 ص 37.
(٣٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، زهير بن القين البجلّي (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، القتل (3)، الفدية، الفداء (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
إليهم وحدانا لأتوا عليكم " (1) لقد كان عمر بن سعد دقيقا بتكييفه للواقع العسكري، فجيشه كثرة، وأصحاب الإمام الحسين نوعية، ولو أعطيت النوعية الفرصة كاملة لتمكنت من هزيمة الكثرة.
كان قبل الواحد من أصحاب الإمام يبين فيهم بوضوح لقلتهم، بينما قتل المئات من جيش الخلافة لا يظهر لكثرتهم.
الهجوم الشامل:
أمام تلك المعطيات التي نجمت عن المبارزة، ولأن عمر بن سعد مهزوز، ولا يثق بنفسه ولا بجيشه، ولا بعواقب الأمور، وبعد التشاور من أركان حربه منع أي واحد من جيشه من الخروج لمبارزة أي واحد من أصحاب الحسين كما أسلفنا، وبالوقت نفسه أصدر أوامره لتنفيذ الهجوم الشامل علي معسكر الإمام الحسين، فزحفت ميمنة جيش الخلافة بقيادة عمرو بن الحجاج علي ميمنة أصحاب الإمام، فلما دنت تلك الميمنة من معسكر الحسين جثا أصحاب الإمام علي الركب، وأشرعوا الرماح، فلم تقدم خيلهم علي الرماح، فذهبت الخيل لترجع، فرشقتهم ميمنة الحسين بالنبل فقتلوا فريقا وجرحوا فريقا، وانسحب فريق ثالث، ثم حملت خيل الحسين " 32 فارسا " حملات موفقة، فما حملت علي جانب من خيل أهل الكوفة إلا وكشفته، فلما رأي عزرة بن قيس أن خيله تنكشف من كل جانب نتيجة حملات خيل الحسين بعث عبد الرحمن بن حصن إلي عمر ابن سعد ليصف له ما لاقت خيله من خيل الحسين، وليبعث له رماة ليعقروا خيل الحسين!!.
فقال عمر بن سعد لشبث بن ربعي: ألا تقدم إليهم؟ فقال: سبحان الله تعمد إلي شيخ مصر وأهل المصر عامة تبعثه في الرماة!! لم تجد من تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟ فدعا عمر بن سعد الحصين بن تميم فبعث معه المجففة وخمسمئة من الرماة، فأقبلوا حتي دنوا من الإمام الحسين وأصحابه ورشقوهم
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٩ و ج 5 ص 435.
(٣١٠)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (4)، مدينة الكوفة (1)، حصين بن تميم (1)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا كل خيولهم فصاروا رجالة، ولما قتل مسلم بن عوسجة قال شبث بن ربعي لمن حوله: " ثكلتكم أمهاتكم أبقتل مثل مسلم تفرحون!! رأيته يوم أذربيجان وقد قتل ستة من المشركين قبل أن تنام خيول المسلمين "! قال أبو زهير العبسي لقد سمعته يقول: " لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا، ولا يسددهم لرشد، ألا تعجبون أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثم عدونا علي ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية، ضلال يا لك من ضلال "!!.
وقال عمر بن الحجاج لأصحابه: " قاتلوا من مرق عن الدين!! وفارق الجماعة " فصاح به الإمام الحسين: " ويحك يا حجاج أعلي تحرض الناس، أنحن مرقنا من الدين!! وأنتم تقيمون عليه ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولي بها صليا " (1) وحمل عمرو بن الحجاج، واقتتل الفريقان، وقتل مسلم بن عوسجة، فمشي إليه الإمام الحسين ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الإمام " رحمك الله يا مسلم " * (فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) * [الأحزاب / 23] (2) وقال له حبيب بن مظاهر: عز علي مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة، فقال بصوت خافت: بشرك الله بخير، قال حبيب: لو لم أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بما أهمك، فقال مسلم: أوصيك بهذا، وأشار إلي الحسين أن تموت دونه، فقال زهير: أفعل ورب الكعبة، ثم فاضت روحه الطاهرة.
وبالوقت الذي هجمت فيه ميمنة جيش الخلافة علي ميمنة أصحاب الإمام الحسين، هجمت فيه ميسرة ذلك الجيش بقيادة شمر بن ذي الجوشن علي ميسرة أصحاب الإمام، وثبتت ميسرة الإمام الحسين ثباتا بطوليا خارقا وقاتل عبد الله بن عمير الكلبي قتالا رهيبا فقتل تسعة عشر فارسا، واثني عشر راجلا، فشد عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمني، وقطع بكر بن حي ساقه، فأخذه
(١) البداية والنهاية لابن الأثير ج ٨ ص ١٨٢.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٤ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ١٥، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٩، والعوالم ج 17 ص 263.
(٣١١)
صفحهمفاتيح البحث: حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (2)، شبث بن ربعي اليربوعي (1)، آذربيجان (1)، علي بن أبي طالب (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، القتل (5)، الضلال (2)، الموت (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الجيش أسيرا، فمشت إليه زوجته حتي جلست عند رأسه تمسح عنه التراب، وتقول له: هنيئا لك الجنة، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام له يقال له رستم:
اضرب رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت في مكانها (1)، فكانت أول امرأة قتلت من أصحاب الحسين.
.. " وبعد أن قتلوا امرأة الكلبي جاءوا إلي زوجها الجريح ويمناه مقطوعة وساقه مبتورة، فذبحوه، وقطعوا رأسه ورموه إلي جهة معسكر الإمام الحسين فأخذت أمه الرأس، ومسحت الدم عنه، ثم أخذت عمود خيمة وبرزت للأعداء فردها الإمام الحسين، وقال لها: ارجعي فقد وضع عنك، فرجعت وهي تقول:
اللهم لا تقطع رجائي، فقال لها الإمام: لا يقطع الله رجاك " (2).
وحمل الشمر حتي طعن فسطاط الحسين بالرمح، وقال: علي بالنار لأحرقه علي أهله، فتصايحت النساء، وخرجن من الفسطاط وناداه الحسين: يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي، أحرقك الله بالنار (3) وقال له شبث بن ربعي: أمرعبا للنساء صرت، ما رأيت مقالا أسوأ من مقالك، وموقفا أقبح من موقفك، فاستحي التافه وانصرف، وحمل علي جماعته زهير بن القين في عشرة من أصحاب الإمام حتي كشفوهم عن البيوت (4).
أبو الشعثاء أعظم الرماة:
كان يزيد بن زياد المعروف بأبي الشعثاء مع ابن سعد، فلما ردوا علي الإمام شروطه، انضم له، وجثا علي ركبتيه بين يدي الإمام، ورمي بمائة سهم والحسين يقول: اللهم سدد رميته، واجعل ثوابه الجنة، فلما نفذت سهامه قام وهو يقول: لقد تبين لي أني قتلت منهم خمسة (5)،
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥١.
(٢) تظلم الزهراء ص ١٠٣ ومقتل الحسين للمقرم.
(٣) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٤ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦٥ ووقعة الطف ص ٢٢٣.
(٤) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥١.
(٥) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٥، مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 25 والكامل لابن الأثير ج 2 ص 569 ووقعة الطف 237.
(٣١٢)
صفحهمفاتيح البحث: شبث بن ربعي اليربوعي (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، يزيد بن زياد (1)، الزوجة (1)، الزوج، الزواج (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (2)، كتاب تاريخ الطبري (4)
ثم حمل علي القوم فقتل منهم تسعة وقتل (1).
مقتل الحر بن يزيد الرياحي:
لما لحق الحر بن يزيد بالإمام الحسين قال يزيد بن سفيان من بني شفرة وهم من بني الحارث أحد بطون تميم: " أما والله لو أني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لأتبعنه السنان، وبينما الناس يتجاولون ويقتتلون والحر يحمل علي القوم متمثلا بقول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره * ولبانه حتي تسربل بالدم فقال الحصين بن تميم، وكان علي شرطة عبيد الله ليزيد بن سفيان: هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمني، فخرج إليه وقال له: هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟ قال: نعم قد شئت، فبرز له، وبعد قليل قتله الحر، ورموا سهما فعقروا فرس الحر فوثب عنه وجعل يقاتل راجلا حتي قتل نيفا وأربعين، ثم شدت عليه الرجالة فقتلته، وحمله أصحاب الحسين ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه (2) ووضعوه بين يدي الحسين وبه رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول: " أنت الحر كما سمتك أمك، وأنت الحر في الدنيا وأنت الحر في الآخرة " (3).
أربعة من أصحاب الإمام قتلوا معا:
قال الطبري: وبرز عمر بن خالد، وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولي عمر بن خالد، ومجمع بن عبد الله الصائدي، فانقضوا علي جيش الخلافة وتوغلوا بالصفوف، فأحاط بهم جيش الخلافة، وقطعوهم عن أصحابهم، فحمل العباس بن علي فاستنفذهم، وهم جرحي، فلما دنا منهم الجيش شدوا بأسيافهم
(١) أمالي الصدوق ص ٧ مجلس ٣٠.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٢ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٣ و ج ٦ ص ٢٤٨ و ٢٥٠ من تاريخ الطبري.
(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ١١ واللهوف ص ١٠٤ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٤ والعوالم ج 17 ص 257 والموسوعة ص 440.
(٣١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الحر بن يزيد الرياحي (5)، حصين بن تميم (1)، مجمع بن عبد الله (1)، عمر بن خالد (2)، القتل (6)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وقاتلوا معا حتي قتلوا معا في مكان واحد (1).
مقتل برير بن خضير:
روي الطبري عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس قال: " خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة فقال: يا برير بن خضير كيف تري الله صنع بك؟
قال: صنع الله والله بي خيرا، وصنع الله بك شرا، قال: كذبت وقبل اليوم كنت كذابا هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول: إن عثمان كان علي نفسه مسرفا، وإن معاوية بن أبي سفيان ضال مضل، وأن إمام الهدي والحق علي بن أبي طالب؟ قال برير: أشهد أن هذا رأيي وقولي، فقال له يزيد بن معقل: فإني أشهد أنك من الضالين، فقال له برير بن خضير: فهلا باهلتك ولندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ثم أخرج فلأبارزك، فخرجا فرفعا أيديهما إلي الله يدعوان أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل، فضربه برير بن خضير ضربة قدت المغفر وبلغت الدماء وبعد أن قتل برير يزيد بن معقل حمل عليه رضي بن منقذ العبدي، فاعتركا ساعة ثم إن برير قعد علي صدر العبدي، فاستغاث العبدي جيش الخلافة فسمعه كعب بن جابر بن عمرو الأزدي وركض نحوه، فقال: إن هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد، ثم رفع رمحه ووضعه في ظهره ولما أحس برير بوقع الرمح برك علي يزيد، فعض وجهه وقطع طرف أنفه، فطعنه كعب وما زال به حتي ألقاه، ثم أخذ يضربه بالسيف حتي قتله.
فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أو أخته: أعنت علي ابن فاطمة، وقتلت سيد القراء، لقد أتيت عظيما من الأمر والله لا أكلمك أبدا وقال شعرا جاء منه:
فأبلغ عبيد الله إما لقيته * بأني مطيع للخليفة سامع قتلت بريرا ثم حملت نعمة * أبا منقذ لما دعا من يماصع فرد عليه رضي بن منقذ بشعر جاء فيه:
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة * تعيره الأبناء بعد المعاشر
(١) معالم المدرستين ج ٣ ص ١٠٢ نقلا عن الطبري. وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٨.
(٣١٤)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، القرآن الكريم (1)، الكذب، التكذيب (1)، الباطل، الإبطال (2)، القتل (6)، السجود (1)، الشهادة (1)، الضلال (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
فياليت أني كنت من قبل قتله * ويوم حسين كنت في رمس قابر " (1) مقتل عمرو بن قرظة الأنصاري:
كان بقرب الإمام الحسين لا يأتي الحسين سهم إلا اتقاه بيده، ولا سيف إلا تلقاه بمهجته، ولما اشتد الوطيس استأذن الإمام الحسين فأذن له، فقاتل قتالا خارقا حتي قتل خلقا كثيرا وأثخن بالجراح، فالتفت إلي الإمام الحسين وقال له:
يا ابن رسول الله أوفيت؟ قال له الإمام: نعم أنت في الجنة، فاقرأ رسول الله " ص " مني السلام وأعلمه أني في الأثر (2)، وفاضت روح عمرو المباركة في عالم الملكوت.
مقتل نافع بن هلال:
كانت لنافع خطيبة، ولما رأت أن نافعا قد برز، تعلقت بأذياله وبكت بكاء شديدا، وقالت: إن تمض، فعلي من أعتمد بعدك؟ فسمع الحسين بذلك فقال:
" يا نافع إن أهلك لا يطيب لها فراقك، فلو رأيت أن تختار سرورها علي البراز "، فقال نافع: يا ابن رسول الله لو لم أنصرك اليوم فبماذا أجيب رسول الله غدا، وبرز فقاتل قتالا شديدا (3) وكان يرتجز ويقول:
أنا الغلام اليمني الجملي * ديني علي دين حسين وعلي إن أقتل اليوم فهذا أملي * وذاك رأيي وألاقي عملي ولم يزل يقاتل حتي قتل ثلاثة عشر رجلا من جيش الخلافة (4) وفنيت نباله فجرد سيفه وأخذ يضربهم به، فأحاطوا به، ورموه بالحجارة والنصال حتي كسروا عضديه، وأخذوه أسيرا (5) فقال لهم: لقد قتلت منكم اثني عشر سوي من جرحت
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٨.
(٢) اللهوف، ص ٤٦، ومثير الأحزان ص ٦١، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٢، والعوالم ج ١٧ ص ٢٦٥، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٥.
(3) أدب الحسين ص 210، ومعالي السبطين ج 1 ص 384، وناسخ التواريخ ج 2 ص 277.
(4) مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 20 - 21.
(5) مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 21.
(٣١٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، نافع بن هلال (1)، عمرو بن قرظة (1)، القتل (5)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وما ألوم نفسي علي الجهد، ولو بقيت لي عضدي ما أسرتموني (1)، وجرد شمر بن ذي الجوشن سيفه، فقال له نافع: والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقي الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا علي يدي شرار خلقه، ثم قدمه شمر وضرب عنقه صبرا (2).
ميمنة وميسرة وقلب جيش الخلافة البالغ ثلاثين ألفا يهجمون هجوما واحدا مركزا علي معسكر الحسين الذي فيه أهله وقرابة مائة من أهل بيته وأنصاره، واستعمل جيش الخلافة كامل عدته وعتاده أثناء هجومه المركز علي ثلاثة محاور، ومع هذا صمد الإمام الحسين وأهل بيته وأنصاره وهم لا يتجاوزون المائة وقاتلوا قتالا يفوق حد الوصف والتصور من بعيد صلاة الفجر حتي منتصف النهار، ووصف الطبري قتالهم " بأنه أشد قتال خلقه الله "، وفشل جيش الخلافة باختراق معسكر الحسين أو الوصول إلي خيامه، بعد أن خسر ذلك الجيش المئات إن لم يكن الآلاف من أفراده القذرين الذين لا خلاق لهم، ولم يقدر هذا الجيش علي قتال الإمام الحسين وأهله وأصحابه إلا من جهة وذلك لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض كما وصف ذلك الطبري في تاريخه.
صلاة الظهر:
أخذ أصحاب الإمام يتساقطون كالفراقد، واحدا واحدا واثنين اثنين وأربعة أربعة، وضيق جيش الخلافة الخناق علي الإمام، واقتربوا منه، فقال أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي: يا أبا عبد الله نفسي لك الفداء، إني لأري هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتي أقتل دونك وأحب أن ألقي ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها، فرفع الإمام رأسه ثم قال: " ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها "، ثم قال: " سلوهم أن يكفوا عنا حتي نصلي، فنادي منادي أصحاب الحسين بذلك، فقال الحصين بن تميم: إنها لا تقبل!! فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت أن الصلاة من آل رسول الله لا تقبل
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٣.
(2) العوالم ص 91، وأبصار العين.
(٣١٦)
صفحهمفاتيح البحث: صلاة الفجر (الصبح) (1)، حصين بن تميم (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، عمرو بن عبد الله (1)، القتل (3)، الخسران (1)، الصّلاة (3)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وتقبل منك يا حمار (1) وفي رواية للطبري، قال أبو مخنف: فأذن الحسين بنفسه، فلما فرغ من الأذان نادي: " يا ويلك يا عمر بن سعد أنسيت شرائع الإسلام، ألا تقف عن الحرب حتي نصلي وتصلون ونعود إلي الحرب؟ " فلم يجبه، فنادي الحسين: " استحوذ عليهم الشيطان " (2).
وأمام رفض جيش الخلافة التوقف عن القتال ولأداء الصلاة قيل: " إنه صلي فيهم صلاة الخوف " (3).
ولما فرغ الإمام من الصلاة حرض أصحابه علي القتال فقال: " يا أصحابي إن هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وزينت قصورها، وتألقت ولدانها، وحورها وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا معه أبي وأمي يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، وهم مشتاقون إليكم، فحاموا عن دين الله، وذبوا عن حرم رسول الله.
وصاح الإمام بأهله ونسائه، فخرجن مهتكات الجيوب، وصحن: يا معشر المسلمين، يا عصبة المؤمنين الله، الله، حاموا عن دين الله، وذبوا عن حرم رسول الله، وعن إمامكم، وابن بنت نبيكم، فقد امتحنكم الله بنا، فأنتم جيراننا في جوار جدنا، والكرام علينا، والله فرض مودتنا، فدافعوا بارك الله فيكم عنا.
وصاح الحسين: يا أمة القرآن هذه الجنة فاطلبوها، وهذه النار فاهربوا منها، وسمع الجميع صياح النساء، ولم يرمش لأحد من جيش الخلافة رمش، لأن قلوبهم غلف بل علي العكس استبشروا " بالنصر " علي ابن بنت محمد، وآل محمد، وأما أصحاب الإمام فأجابوا: لبيك يا حسين، لبيك يا ابن رسول الله، وضجوا بالبكاء والنحيب (4).
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ١٧ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢١، والعوالم ج ١٧ ص ٢٦٧، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٦ ووقعة الطف ص ٢٢٩.
(٢) أسرار الشهادة ص ٢٩٤ ومعالي السبطين ج ١ ص ٣٦١.
(٣) الدمعة الساكبة ج ٤ ص ٣٠١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٦، والخلاف ج ١ ص ٢٣١.
(4) معالي السبطين ج 1 ص 361، والدمعة الساكبة ج 4 ص 302، وناسخ التواريخ ج 2 ص 287، وأسرار الشهادة ص 295 والموسوعة ص 446.
(٣١٧)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، صلاة الخوف (1)، القرآن الكريم (1)، الشهادة (3)، القتل (3)، الصّلاة (2)، الحرب (2)، الأذان (1)، الرفض (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، كتاب معالي السبطين (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)
شهامة عمر بن سعد وجيش الخلافة:
لأن عمر بن سعد هو القائد الميداني لجيش الخليفة، وهو رمز أخلاقيات وعقائد ذلك الجيش، فقد تأثر عندما سمع بكاء بنات النبي واستغاثتهن وعندما شاهدهن واقفات باكيات أمام أبنية الحسين وخيمه، ولما شاهد أن جيشه الجرار البطل لا يقوي علي قتال الإمام وأصحابه إلا من جهة واحدة لأن هذه الأبنية والخيام متماسكة ومتداخل بعضها في بعض وتعيق حركة جيش الخلافة، ولأن عمر بن سعد يريد أن يحسم الحرب سريعا لصالحه، لكل هذه الأسباب أرسل عمر بن سعد رجالا وكلفهم بتقويض تلك الأبنية والخيام، وتشجيعا لرجاله الأشاوس أباح لهم أن ينهبوا ما في تلك الأبنية والخيام، ووصل رجال جيش الخليفة المكلفين بمهمة تقويض الأبنية والخيام، واكتشف الإمام وأصحابه ذلك، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الإمام الحسين يتخللون البيوت كما قال الطبري فيشدون علي الرجل وهو يقوض وينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب، وهكذا أفشلوا إحدي المشاريع الإجرامية لعمر بن سعد بن أبي وقاص.
لما اكتشف عمر بن سعد بن أبي وقاص ما حل برجاله الذين أرسلهم لتقويض خيام الإمام وأبنيته جن جنونه، وفقد صوابه فقال: " أحرقوا بالنار ولا تدخلوا بيتا ولا تقوضوه، فجاءوا بالنار، وأخذوا يحرقون الخيام والأبنية، فقال الإمام لأصحابه: دعوهم فليحرقوها فإنهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوها إليكم.
وحمل شمر بن ذي الجوشن حتي طعن فسطاط الحسين برمحه ونادي:
علي بالنار حتي أحرق هذا البيت علي أهله، فصاحت النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح الحسين: يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي، حرقك الله بالنار.
وروي الطبري، عن حميد بن مسلم، قال قلت لشمر بن ذي الجوشن:
" سبحان الله هذا لا يصلح لك، أتريد أن تجمع علي نفسك خصلتين تعذب بعذاب
(٣١٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (6)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (2)، حميد بن مسلم (1)، البكاء (1)، الشهادة (1)، القتل (1)، الحرب (1)
الله وتقتل الولدان والنساء، والله إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك، قال حميد فقال: من أنت؟ قال قلت: لا أخبرك من أنا، وخشيت والله لو عرفني أن يضرني عند السلطان!! وجاءه رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي فقال: " ما رأيت مقالا أسوأ من مقالك، ولا موقفا أقبح من موقفك أمرعبا للنساء صرت "، قال حميد: فاستحيا شمر، فذهب وانصرف، وبهذا الوقت حمل عليه زهير بن القين فكشفه وأصحابه وانصرفوا، ونجت الخيام من الحريق إلي حين.
مقتل أبي ثمامة الساعدي:
قاتل أبو ثمامة شأنه شأن كل واحد من أصحاب الإمام دون الإمام قتالا عجيبا، وأخيرا قال للإمام: إني قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا فقال له الإمام الحسين: تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم أبو ثمامة وقاتل حتي قتل (1).
تقويم الموقف والاستعجال بطلب الموت والشهادة استذكار خطة الإمام وأصحابه:
بينا أن الإمام الحسين، عندما قدر أن المواجهة بينه وبين الفرعون وجنوده لا مفر منها، وأن القتال سيحدث لا محالة، أعد للأمر عدته واستثمر إمكانياته المحدودة أحسن استثمار:
1 - فقد أمر بحفر خندق حول معسكره من ثلاث جهات: اليمين واليسار والخلف، وأمر بأن يملأ بالحطب حتي إذا ما بدأ القتال أشعلوا النار فيه.
2 - أمر أصحابه وأهل بيته بأن يقربوا بيوتهم بعضها من بعض وأن يدخلوا بعضها في بعض بحيث يتعذر علي جيش الفرعون أن يتخللها أو يجوس خلالها.
3 - إن الخندق بمثابة سور يحول بين جيش الخلافة وبين الوصول إلي داخل المعسكر، وكان تداخل الأبنية والخيام ببعضها سورا آخر.
(1) الموسوعة ص 428، ويوم الطف ص 91.
(٣١٩)
صفحهمفاتيح البحث: شبث بن ربعي اليربوعي (1)، القتل (3)، الموت (1)، يوم عاشوراء (1)
4 - حققت هذه الترتيبات حماية منيعة لمعسكر الإمام وللإمام وأهل بيته وصحبه بحيث حمتهم من أيمانهم وشمائلهم ومن خلفهم وحمت الذرية.
5 - فرضت هذه الترتيبات علي جيش الخلافة فرضا بأن يواجهوا الإمام وأهل بيته وأصحابه من جهة واحدة، وفوتت علي الجيش الفائدة التي توخاها من توزيع قواته علي شكل دائرة أو حلقة محيطة بالإمام وعسكره، واضطر هذا الجيش أن يعيد تجميع قواته لتهاجم الإمام وأهله وصحبه من جهة واحدة.
6 - وبالوقت نفسه قسم الإمام أهل بيته وأصحابه إلي ثلاثة أقسام: ميمنة وميسرة وثبت هو وأهل بيته في القلب.
7 - عندما بدأ هجوم جيش الخلافة الشامل علي ثلاثة محاور ميمنة وميسرة وقلب، تلقت ميمنة وميسرة وقلب جيش الإمام جيش الطاغية - يزيد -.
8 - وبالرغم من التفوق العددي الهائل لجيش الخلافة، ومن التفوق بالعدة والعتاد إلا أن الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه قد نجحوا نجاحا ساحقا بالصمود، وبالتصدي، والأهم من ذلك أنهم قد أفشلوا الموجة الأولي من الهجوم، واضطروا قادة وجيش الخلافة للتراجع وتنظيم صفوفهم وإعادة خططهم.
9 - خلال فترة التراجع أخذ فرسان الحسين من الميمنة والميسرة والقلب يشنون هجمات ساحقة علي ميمنة وميسرة وقلب جيش الخلافة، وأمعنوا قتلا وجرحا بكل من طالت أيديهم. إنه وإن لم تتوفر لدينا إحصائيات إلا أن منطق الأشياء ونوعية الرجال الذين كانوا حول الإمام تؤكد أن جيش الخلافة قد خسر المئات إن لم يكن الآلات خلال المواجهة الأولي من الهجوم وخلال الهجمات الساحقة التي قام بها أصحاب الإمام.
10 - هذه النتائج المذهلة التي حققها الإمام وجماعته هزت قيادة جيش الخلافة هزة عنيفة، فاستعملت تلك القيادة كامل قواتها لعقر خيول الإمام، وبذلت جهودها لتقويض أبنية وخيم الإمام، وأصدرت أمرا بحرق معسكر الإمام
صفحه(٣٢٠)
وخيمه بالفعل ولو استطاعت تنفيذ هذا الأمر لنفذته، لأنه لا قيادة جيش الخلافة ولا جيشه لديهم أي ذرة من الدين أو الخلق ليرعوا في مؤمن إلا ولا ذمة.
11 - لقيادة جيش الخلافة هدف محدد وواضح وهو قتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة، وهذه القيادة علي استعداد لقتل كل من يحول بينها وبين تحقيق هذا الهدف، فقادة الجيش وأفراده مندفعون نحو هدفهم كالوحوش الكاسرة، وقد طلقوا دينهم وأخلاقهم، وإنسانيتهم طلاقا بائنا لا رجعة فيه، وهم مصممون علي تحقيق هدفهم فكلما ردوا عادوا.
12 - وهدف الإمام وأهل بيت النبوة وأصحاب الإمام منحصر بالدفاع عن دينهم، وعن حرمات الإسلام، وعن أنفسهم ونيل رضوان الله بجهاد أعدائه، الذين يحكمون باسم الإسلام، ويتاجرون به وهم أعداؤه، وأغلي ما يملكه الإمام وأهل بيته وأصحابه الحياة وقد صمموا علي تركها وعلي لقاء الله، لأن الحياة تحت حكم الظالمين ذل وشقاء، والموت في سبيل الله سعادة مطلقة، ولكن قبل أن يموت الإمام وأهل بيته وأصحابه يتوجب عليهم أن يذيقوا الذين أجرموا وبال أمرهم، وأن يرغموا أنوفهم، ويمرغوا كبرياءهم القذر، ويجاهدوا في الله حق جهاده، وكان عليهم أن يخوضوا بحار الموت شرقا ومغربا كما وعد الإمام، وأن يضربوا ضربات كالحريق، تولي الضياغم من هولها مدبرة.
13 - خلال الكر والفر، والهجمات المتكررة من الجانبين، قتل أكثر أصحاب الإمام الحسين، فمن بعيد الفجر إلي صلاة العصر وأقل من مائة يتصدون لجيش دولة عظمي قوامه ثلاثون ألف مقاتل!!!، وحسب المقاييس والموازين الموضوعية كان من المفترض أن يتمكن الجيش من سحق الإمام وأهل بيته وأصحابه خلال ربع ساعة من الزمن، ومن دون خسائر تذكر في صفوفه!!! لقد بدأ القتال بعيد صلاة الفجر، وجاءت صلاة الظهر، وجاء العصر، والوطيس في أوجه، فأي قائد أنت يا مولاي وأي رجال رجالك!!.
قتل من تبقي من الأصحاب:
لا نعرف علي وجه التحديد عدد الأصحاب، ولا الكثير من سيرهم
(٣٢١)
صفحهمفاتيح البحث: صلاة الفجر (الصبح) (1)، سبيل الله (1)، القتل (5)، الظلم (1)، الموت (2)، الهدف (3)، الشقاء (1)، الصّلاة (2)، النفاذ، التنفيذ (1)، العصر (بعد الظهر) (2)
الشخصية، لأن السجلات الرسمية كانت بيد دولة الخلافة، وهذه الدولة تعتبر الإمام وأهل بيت النبوة وآل محمد وذوي قرباه ومن والاهم " فئة مجرمة " - حاشاهم -، لذلك تعمدت طمس أخبارهم والتعتيم عليهم، ومنعت أولياءها من ذكرهم، وحاولت أن تشوه قدسية عدالة قضيتهم. لكن الباحث تكاد تتوفر لديه القناعة المطلقة ليجزم بأن أهل البيت وأصحاب الإمام الذين خاضوا غمار الحرب في كربلاء كانوا مائة رجل ينقصون قليلا أو يزيدون قليلا، فكل مراجع دولة الخلافة رسميا تتطابق علي أن العدد أقل من المائة ومراجع أهل بيت النبوة تجزم بأنه ربما كان أقل من المائة قليلا أو أكثر قليلا، فإذا أخرجنا من العدد ثمانية عشر مقاتلا " الحسين وأهل بيته فإن عدد أصحاب الحسين سيكون 82 رجلا ينقصون قليلا أو يزيدون قليلا، فإذا عرفت إصرار أولئك الأصحاب علي أن يفدوا الإمام بمهجهم وأرواحهم، وأن يحولوا بين جيش الخلافة وبين الإقتراب من الإمام وإذا أخذنا بعين الاعتبار عدد جيش الفرعون وعدته، وفساد عقيدة قادته وأفراده وانعدام الخلق عندهم، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المعركة مستمرة من بعيد الفجر وحتي العصر وكانت ما زالت مستمرة وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أصحاب الإمام الحسين كانوا كما وصفهم عدوهم " فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين … " فإننا نكاد نجزم أنه لم يقترب وقت العصر ومن أصحاب الإمام علي قيد الحياة إلا عدد لا يتجاوز العشرة كانوا متحلقين حول الإمام وأهل بيت النبوة يدافعون عنهم دفاع المستقتل المستميت، وكان دورهم دفاعيا، مقتصرا علي البقاء في مكان واحد والذب عن الإمام الحسين وأهل بيته بالوقت الذي كانت تتدفق فيه نحو مكان الإمام الآلاف من جيش الخلافة، ولا غاية لتلك الآلاف إلا قتل الإمام وإبادة أهل بيت محمد وذوي قرباه!!.
طريقة للاستعجال بالشهادة / الخروج:
جيش الخلافة يقترب من الإمام وأهل بيت النبوة، وما تبقي من الأصحاب عاجز عن مواجهة الجموع المتدفقة نحو موقع الإمام وأهل بيت النبوة ولا بد من خروج عناصر لتعترض سبيل جند الخلافة، فتعيق حركته إن لم تستطع أن تغير
(٣٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، يوم عرفة (1)، الأكل (1)، الشهادة (1)، العصر (بعد الظهر) (1)
مجراه، ما تبقي من الأصحاب يجالد بين يدي الإمام وأهل بيت النبوة.
زهير بن القين وابن عمه:
قال سلمان بن مضارب البجلي ابن عم زهير بن القين: ائذن لي بالخروج يا ابن رسول الله، فأذن له الإمام فقاتل الجموع الزاحفة نحو الإمام حتي قتل واستأذن بعده زهير بن القين ووضع يده علي منكب الإمام وقال مستأذنا:
أقدم هديت هاديا مهديا * فاليوم ألقي جدك النبيا وحسنا والمرتضي عليا * وذا الجناحين الفتي الكميا وأسد الله الشهيد الحيا فقال الحسين: وأنا ألقاهما علي أثرك، فحمل زهير علي القوم وقتل منهم مائة وعشرين وكان يقول في حملاته:
أنا زهير وأنا ابن القين * أذودكم بالسيف عن حسين وتربص به كثير بن عبد الله الصمي والمهاجر بن أوس فقتلاه، فوقف الحسين وقال: " لا يبعدنك الله يا زهير، ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير " (1).
حبيب بن مظاهر:
واستأذن حبيب بن مظاهر، وقاتل قتال الأبطال، وتربص به رجل من بني تميم يقال له: بديل بن صريم فطعنه فوقع، وحاول حبيب أن ينهض فضربه الحصين بن تميم علي رأسه بالسيف فوقع نهائيا ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه، قال أبو مخنف: لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك حسينا وقال: " أحتسب نفسي وحماة أصحابي " (2).
(١) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٦ والعوالم ج ١٧ ص ٢٦٩، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٦، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٣، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٠.
(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٧، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ١٩ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦٧ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٦ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٩٨، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٧ والعوالم ج 17 ص 270.
(٣٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: زهير بن القين البجلّي (3)، سلمان بن مضارب البجلي (1)، حصين بن تميم (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (3)، كثير بن عبد الله (1)، القتل (4)، النهوض (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (2)، إبن الأثير (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
عبد الله وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريان:
جاءا إلي الإمام الحسين فقالا يا أبا عبد الله عليك السلام، حازنا العدو إليك، فأحببنا أن نقتل بين يديك نمنعك وندافع عنك، قال الإمام: " مرحبا بكما ادنوا مني فدنوا منه وقاتلا بين يديه قتالا شديدا حتي قتلا " (1).
وورد أنهما بكيا، ولما سألهما الإمام قالا: " والله ما نبكي علي أنفسنا ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر علي أن ننفعك … " (2).
أبناء العم الجابريان:
جاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عم وأخوان لأم إلي الإمام الحسين وهما يبكيان فقال لهما الإمام: " أي ابني أخي ما يبكيكما؟ فوالله أنا لأرجو أن تكونا قريري العين بعد ساعة، قالا: لا، جعلنا فداك، لا والله ما علي أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر علي أن ننفعك، فقال الإمام: فجزاكم الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك، ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين، والتفت الجابريان إلي الإمام الحسين فقالا: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال الإمام:
وعليكما السلام ورحمة الله، وقاتلا حتي قتلا " (3).
حنظلة بن أسعد الشبامي:
قام بين يدي الإمام ونادي بأعلي صوته * (يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٨، ووقعة الطف ٢٣٤ والبداية والنهاية ج ٨ ص ٢٠٠.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٣، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٦٨ والبحار ج ٤٥ ص ٢٩ والعوالم ج ١٧ ص ٢٧٣.
(٣) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٨، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٧٠١، ووقعة الطف ص ٢٣٤ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٤، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٣١ والعوالم ج 17 ص 274.
(٣٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: سيف بن الحارث (1)، حنظلة بن أسعد (1)، مالك بن عبد (1)، الفدية، الفداء (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، الخوارزمي (1)
للعباد * يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) * [غافر / 30 - 33] يا قوم لا تقتلوا حسينا، * (فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افتري) * [طه / 61] فقال الإمام الحسين: يا ابن سعد رحمك الله، إنهم قد استوجبوا العذاب حيث ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين.
قال: صدقت جعلت فداك، أنت أفقه مني وأحق بذلك، أفلا نروح إلي الآخرة ونلحق بإخواننا.
فقال الإمام: " رح إلي خير من الدنيا وما فيها، وإلي ملك لا يبلي ".
فقال: السلام عليك أبا عبد الله، صلي الله عليك وعلي أهل بيتك، وعرف بيننا وبينك في جنته، فقال الإمام: آمين، آمين، فتقدم حنظلة وقاتل حتي قتل " (1).
عمرو بن خالد الصيداوي:
قال عمرو بن خالد الصيداوي: يا أبا عبد الله جعلت فداك، قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا، فقال له الحسين: " تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم فقاتل حتي قتل " (2).
أسلم بن عمرو مولي الإمام الحسين:
غلام تركي، كان قارئا للقرآن، ومجيدا للغة العربية، خرج فصال وجال
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٤، والكامل لابن الأثير ذكر إلي قوله " الصالحين " ج ٢ ص ٥٦٨ واللهوف ص ٤٧ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٣ والعوالم ج ١٧ ص ٢٦٧، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٥ ووقعة الطف ص ٢٣٥.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٤ واللهوف ص ٤٧، ومثير الأحزان ص ٦٤ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٣، والعوالم ج 17 ص 266.
(٣٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: عمرو بن خالد الصيداوي (2)، القتل (4)، الفدية، الفداء (2)، العذاب، العذب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
وتحاشاه القوم، فتربصوا به وقتلوه، فجاء الحسين ووضع خده علي خده ففتح عينه ورآه فتبسم، وفارق الحياة (1).
شهد بدر وحنين وصفين واستشهد في كربلاء:
عروة الغفاري صحابي جليل، وشيخ كبير، شهد بدرا وحنين وقاتل مع الإمام علي في صفين، استأذن الإمام في الخروج فقال له الإمام: " شكر الله أفعالك يا شيخ " (2) وأذن له، فقاتل الشيخ بين يدي الإمام حتي قتل.
معرفة أصحاب الإمام من غير أهله والذين قتلوا معه في كربلاء:
في الدراسة العلمية القيمة التي قام بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين بعنوان " أنصار الحسين " تم تحديد وتعيين كافة أصحاب الإمام الحسين من غير أهله، الذين قتلوا معه في كربلاء، ومن خلال مجموعة من الجداول مستقاة من كافة المراجع، بين الشيخ في دراسته أسماءهم، وساق كافة المعلومات التي وردت عنهم، فمن أراد الوقوف علي أسماء كل أولئك الأبطال فعليه بذلك الكتاب، وقد أوردنا من أسماء الشهداء ومواقفهم في هذه الدراسة ما رأينا أنه يفي بالغرض الذي توخيناه.
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٤، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٣٠ والعوالم ج ١٧ ص ٢٧٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٧.
(2) ينابيع المودة ص 412، وأدب الحسين ص 214، والموسوعة ص 458.
(٣٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (3)، القتل (5)، الشهادة (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)

الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام

الفصل السادس مصرع الحسين عليه السلام وأهل بيته تمكن جيش بني أمية من قتل وإبادة أصحاب الإمام الحسين إبادة تامة كما رأينا، ومن قطعت يده أو رجله منهم وسقط بينهم ووقع أسيرا بأيديهم ذبحوه صبرا كما تذبح الأضاحي وجزوا رأسه، وجزوا رأسه، والجرم الذي ارتكبه أصحاب الإمام أنهم بذلوا كل جهودهم للحيلولة بين جيش بني أمية، وبين هدفه الرامي إلي قتل الإمام الحسين بن فاطمة بنت محمد رسول الله، وإلي إبادة آل محمد وأهل بيته وذوي قرباه.
أما وقد قتل أصحاب الإمام الحسين عن بكرة أبيهم فإن الجيش الأموي وجد نفسه وجها لوجه أمام الإمام الحسين وأهل بيته الذين صمموا تصميما نهائيا علي أن يخوضوا لحجج المنايا، جهادا في سبيل الله وإعلاء لكلمته وطمعا برضوانه.
علي الأكبر الأول البارزين للقتال:
كان أول البارزين للقتال من أهل بيت الحسين عليه السلام بعد مقتل أصحابه ابنه الأكبر علي، وكان له من العمر يومئذ سبع وعشرون سنة، وكان من أكثر أهل البيت شبها برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكان شجاعا، مهابا، وجوادا معدودا في أسخياء العرب، وكانت داره موئلا للضيوف وأصحاب الحاجات.
يقول الشاعر في مدحه:
لم تر عين نظرت مثله * من محتف يمشي ومن ناعل
(٣٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، بنو أمية (2)، فاطمة بنت محمد (1)، سبيل الله (1)، القتل (5)
يغلي بنئ اللحم حتي إذا * أنضج لم يغل علي الآكل كان إذا شبت له ناره * أوقدها بالشرف القابل كيما يراها بائس مرمل * أو فرد حي ليس بالآهل لا يؤثر الدنيا علي دينه * ولا يبيع الحق بالباطل أعني " ابن ليلي " ذا الندي والسدي * أعني ابن بنت الحسب الفاضل وبعد أن أذن له الإمام بالخروج تقدم صوب العدو وهو يرتجز قائلا:
أنا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولي بالنبي والله لا يحكم فينا ابن الدعي * أضرب بالسيف أحامي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي ولما رآه الإمام الحسين رفع شيبته نحو السماء وقال: " اللهم اشهد علي هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا برسولك محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وكنا إذا اشتقنا إلي نبيك نظرنا إلي وجهه، اللهم أمنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلوننا " وصاح الإمام الحسين بأعلي صوته: " يا عمر بن سعد مالك؟! قطع الله رحمك، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلط عليك من يذبحك بعدي علي فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله، ولمح الإمام ابنه علي وهو يصول ويجول فرفع الحسين صوته بقوله تعالي: * (إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * [آل عمران / 33 - 34].
ورجع علي بن الحسين إلي أبيه فقال: " يا أبت العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلي شربة من ماء سبيل أتقوي بها علي الأعداء، فبكي الإمام الحسين، ثم قال: يا بني يعز علي محمد، وعلي علي، وعلي أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك، يا بني هات لسانك فأخذ بلسانه فمصه، ودفع إليه خاتمه وقال: " خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلي قتال
(٣٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، علي بن الحسين بن علي (1)، علي بن الحسين (1)، البيع (1)، القتل (1)، العزّة (1)
عدوك، فإني أرجو أنك لا تمسي حتي يسقيك جدك بكأسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبدا " (1).
قال أبو الفرج الأصفهاني: " إن أول قتيل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي ". وقال: لما برز علي بن الحسين إليهم أرخي الحسين عينيه وبكي، وقال:
" اللهم أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله، فجعل يشهد عليهم ثم يرجع إلي أبيه فيقول: يا أبه العطش! فيقول له الحسين: اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتي يسقيك رسول الله بكأسه، وجعل يكر كرة بعد كرة حتي رمي بسهم في حلقه فمزقها، وأقبل يتقلب في دمه، ثم نادي، يا أبتاه:
عليك السلام هذا جدي رسول الله يقرئك السلام ويقول: عجل القدوم علينا، ثم شهق ومات " (2).
قال الطبري " قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلي امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور وتقول: وا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه، فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت علي وجاءت وانكبت عليه، فجاء الحسين وأخذها بيدها إلي الفسطاط وأقبل علي فتيانه وقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتي وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه " (3).
قال أبو مخنف: ثم إنه وضع ولده في حجره وجعل يمسح الدم عن ثناياه وجعل يلثمه ويقول: " أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وشدائدها،
(١) راجع الفتوح ج ٥ ص ١٣، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٣٠، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٧ وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤٢، والعوالم ج ١٧ ص ٢٨٥ ومثير الأحزان ص ٦٩، واللهوف ص ٤٩، والفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ١٣١ والموسوعة ص ٤٦٠ - ٤٦١.
(٢) مقاتل الطالبيين ص ١١٥ لأبي الفرج الأصفهاني وبحار الأنوار ج ٥ ص ٤٥ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٩٠٧ والموسوعة ص ٤٦٢.
(٣) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٣١، والإرشاد ص ٢٣٩، وذريعة النجاة ص ١٢٨، ومقتل الحسين لأبي مخنف، ص ١٢٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٣١، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤٣، والعوالم ج ١٧، ص ٢٨٥، ووقعة الطف ص ٢٤١، والبداية والنهاية ج ٨ ص ٢٠١، ومثير الأحزان ص ٦٩ واللهوف ص ٤٩، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٧.
(٣٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (2)، علي بن الحسين (1)، حميد بن مسلم (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (3)، كتاب مثير الأحزان (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (1)
وصرت إلي روح وريحان، وبقي أبوك، وما أسرع اللحوق بك " (1).
قال القندوزي: إن الإمام قال: " لعن الله قوما: قتلوك يا ولدي، ما أشد جرأتهم علي الله، وعلي انتهاك حرم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وأهملت عيناه بالدموع وصرخت النساء فسكتهن الإمام " (2) وقال: " اسكتن فإن البكاء أمامكن وفي رواية أخري أن الإمام لما رأي ولده الشهيد قال: " يا ثمرة فؤاداه يا قرة عيناه " (3).
القاسم بن الحسن:
وخرج من بعد علي الأكبر ابن الحسين القاسم بن الحسن، وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم، فلما نظر إليه الإمام الحسين، اعتنقه وجعلا يبكيان حتي غشي عليهما، فاستأذن الغلام، فأبي الحسين أن يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتي أذن له، فخرج الغلام ودموعه تسيل علي خديه وهو يقول:
إن تنكروني فأنا ابن الحسن * سبط النبي المصطفي والمؤتمن هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أناس لا سقوا صوب المزن وكان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالا شديدا وقتل خمسة وثلاثين رجلا.
قال حميد بن مسلم: " كنت في عسكر ابن سعد فكنت أنظر إلي هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسي أنه اليسري، فقال عمرو بن سعد الأزدي: والله لأشدن عليه، فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك، والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي، يكفيه هؤلاء الذين احتوشوه. فقال: والله لأفعلن، فشد عليه وضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه ونادي: يا عماه!
فجاء الحسين كالصقر المنقض، فتخلل الصفوف، وشد شدة الليث وضرب عمرا قاتله بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها من المرفق، وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين، فاستقبلته بصدورها، وجرحته بحوافرها، ووطأته حتي مات، فانجلت الغبرة وإذا بالحسين قائم علي رأس الغلام وهو يفحص برجليه فقال
(1) الدمعة الساكبة ج 4 ص 331.
(2) ينابيع المودة ص 415.
(3) ناسخ التواريخ ج 2 ص 355 والموسوعة ص 461 - 463.
(٣٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، مدينة الكوفة (1)، القاسم بن الحسن (2)، حميد بن مسلم (1)، عمرو بن سعد (1)، القتل (2)، البكاء (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب ينابيع المودة (1)
الحسين: عز والله علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك، بعدا لقوم قتلوك ". (1) ثم احتمله حتي ألقاه بين القتلي من أهل بيته.
ثم رفع الإمام يده إلي السماء وقال: " اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، ولا تغفر لهم أبدا، صبرا يا بني عمومتي لا رأيتم بعد هذا اليوم أبدا " (2).
مقتل آل عقيل بن أبي طالب:
1 - استأذن عبد الله بن مسلم بن عقيل الإمام ليخرج للقتال، فقال له الإمام: " أنت في حل من بيعتي، حسبك قتل أبيك مسلم، خذ بيد أمك، واخرج من هذه المعركة " (3) فقال عبد الله: لست ممن يؤثر دنياه علي آخرته، وما زال بالإمام حتي أذن له، فخرج وقاتل حتي قتل، فلما نظر إليه الإمام قال: اللهم اقتل قاتل آل عقيل ". ثم قال: " احملوا عليهم بارك الله فيكم وبادروا إلي الجنة التي هي دار الإيمان " (4).
2 - وبرز جعفر بن عقيل بن أبي طالب فاتل حتي قتل (5).
3 - وبرز عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتي قتل (6).
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٧، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٣٥، والعوالم ج ١٧ ص ٢٧٨ والدمعة الساكبة ج ٤ ص ٣١٧.
(٢) مقاتل الطالبيين ص ٨٨ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٣١ والإرشاد ص ٢٣٩ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٧٠ والبداية والنهاية ج ٨ ص ٢٠٢ واللهوف ص ٥٠ مثير الأحزان ص ٦٩ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٦٠٨.
(3) معالي السبطين ج 1 ص 402، وناسخ التواريخ ج 2 ص 317 والموسوعة ص 469.
(4) ينابيع المودة ص 412 ومعالي السبطين ج 1 ص 403 والموسوعة ص 469.
(5) ذكره الطبري في تاريخه، والمفيد في الإرشاد، والأصفهاني في المقاتل، والخوارزمي في مقتل الحسين. (أنظر كتاب: أنصار الحسين ص 133).
(6) ذكرهم الطبري، والمقيد، والأصبهاني، والخوارزمي، والمسعودي (أنظر: أنصار الحسين:
ص 130).
(٣٣١)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، عقيل بن أبي طالب عليه السلام (3)، القتل (7)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، كتاب معالي السبطين (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (2)
4 - وبرز عبد الله بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتي قتل (1).
5 - وبرز محمد بن سعيد بن عقيل بن أبي طالب (2) فقاتل حتي قتل.
مقتل آل جعفر بن أبي طالب:
1 - وبرز محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقاتل حتي قتل (3).
2 - وبرز عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقاتل حتي قتل (4).
مقتل أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب:
1 - برز أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقاتل حتي قتله عبد الله ابن عقبة الغنوي أو عقبة الغنوي (5).
2 - وبرز القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقاتل حتي قتله عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي (6).
3 - وبرز عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقاتل حتي قتل، وكان عمره إحدي عشرة سنة، قتله حرملة بن كاهل الأسدي (7).
مصرح العباس بن علي وسائر إخوة الحسين عليه السلام:
استشهد في كربلاء خمسة من أخوة الحسين عليه السلام، وهم: العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، ومحمد الأصغر.
وكان العباس أكبر هؤلاء الإخوة الأبرار الذين ضربوا أروع الأمثال في
(1) المصدر نفسه.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه.
(7) المصدر نفسه.
(٣٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، جعفر بن أبي طالب عليهما السلام (3)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبد الله بن عقيل بن أبي طالب (1)، الحسن بن علي بن أبي طالب (3)، عقيل بن أبي طالب عليه السلام (1)، علي بن أبي طالب (1)، عون بن عبد الله (1)، محمد بن عبد الله (1)، محمد الأصغر (1)، محمد بن سعيد (1)، القتل (15)
التضحية والفداء، لا من منطق صلة الرحم والقرابة القريبة التي تربطهم بأخيهم فحسب، بل من منطق نصرة الحق ومقاومة الطغيان والباطل في المقام الأول، وقد كان للعباس يومئذ من العمر أربعة وثلاثون سنة، وكان - كما يقول صاحب مقاتل الطالبين - رجلا وسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم. وكان لواء الحسين معه يوم قتل، وكان آخر من قتل من إخوته لأمه وأبيه (1).
وقد ضم ديوان بطولات العباس ومواقفه الكريمة الشجاعة في واقعة كربلاء صفحات كثيرة مضيئة لكن أكثرها إضاءة وشهرة مواساته لأخيه الحسين بنفسه. إذ أبي أن يذوق الماء، وقد كان واقفا في لجته وكبده تتلظي من العطش، لأن الحسين وعياله عطاشي لم يذوقوا قطرة منه منذ أيام.
وقد شهد له بهذه المواساة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حينما وقف علي قبره وقال: " أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك فنعم الأخ المواسي ".
كما شهد له بها الإمام محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالي فرجه في الزيارة المعرفة عنه بزيارة الناحية: " السلام علي أبي الفضل العباس المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الواقي له، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه ".
وقد روي أصحاب المقاتل في كيفية مصرعه: أنه لم يستطيع صبرا علي البقاء بعد استشهاد صحبه وأهل بيته، وطلب الإذن من الحسين عليه السلام، فأمره الحسين عليه السلام أن يطلب الماء للأطفال، فذهب إلي القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع، ثم رجع إلي أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فلم تتطامن نفسه علي هذه الحال، وثارت به الحمية الهاشمية وركب جواده وأخذ القربة، فأحاط به أربعة آلاف مقاتل ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطردهم، ونزل إلي الفرات مطمئنا، ولما اغترف من الماء
(1) المصدر السابق ص 84.
(٣٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: أبو الفضل العباس بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام (1)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، واقعة الطف (1)، نهر الفرات (1)، صلة الرحم (1)، الشهادة (4)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (2)، القبر (1)، الباطل، الإبطال (1)
ليشرب تذكر عطش الحسين ومن معه فرمي الماء وأبي أن يشرب مواساة لأخيه الحسين عليه السلام.
ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجه نحو المخيم، فقطع عليه الطريق وجعل يضرب حتي أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق، فكمن له عدو من الأعداء من وراء نخلة فضربه علي يمينه فبراها، فقال عندئذ:
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همه إيصال الماء إلي أطفال الحسين وعياله، لكن حكيم بن الطفيل كمن له من وراء نخلة، فلما مر به ضربه علي شماله فقطعها وتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وضربه رجل بالعمود علي رأسه ففلق هامته وسقط علي الأرض ينادي: " عليك مني السلام أبا عبد الله "، فأتاه الحسين عليه السلام وقال عند مصرعه: " الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي ".
1 - برز عبد الله بن علي بن أبي طالب فقاتل حتي قتله هاني بن الحضرمي (1).
2 - وبرز جعفر بن علي بن أبي طالب فقاتل حتي قتل وعمره 19 سنة وقتله نفس قاتل أخيه عبد الله (2).
3 - وبرز عثمان بن علي بن أبي طالب وكان عمره 21 عاما فقاتل حتي رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه ثم شد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله (3).
(1) ذكره الطبري، والمفيد، والأصفهاني، والخوارزمي. (أنظر: أنصار الحسين ص 13).
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(٣٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، خولي بن يزيد الأصبحي (1)، علي بن أبي طالب (3)، القتل (7)، الضرب (1)، الخوارزمي (1)
4 - وبرز محمد " الأصغر " بن علي بن أبي طالب وقاتل حتي قتله رجل من تميم من بني أبان بن دارم (1).
5 - العباس بن علي بن أبي طالب وهو حامل اللواء، وأكبر إخوة الإمام وسنفرد له بحثا (2).
نداء مؤثر ومصرع طفل الحسين الرضيع!!!:
ولما فجع الإمام الحسين بأهل بيته وولده، ولم يبق غيره وغير النساء والأطفال وغير ولده المريض، أشرف علي جيش بني أمية ونادي بأعلي صوته:
" هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله، هل من موحد يخاف الله فينا، هل من مغيث يرجوا الله في إغاثتنا، هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا ". سمع جيش الفرعون كله هذه الاستغاثات وعلي أثرها ارتفعت أصوات الأطفال بالعويل، وكان جيش الخلافة يسمع ويري كل شئ!!.
ثم بعد ذلك دعا ابنه عبد الله (الرضيع)، فجعل يقبله وهو يقول: " ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفي خصمهم "، وكان الصبي في حجر أبيه الحسين، وكان جيش الخلافة وقادته يتفرجون، فأراد أحدهم أن يثبت للجيش دقته بالرماية وهو حرملة بن كاهل الأسدي فسدد سهما إلي رقبة الصبي فذبحه وهو في حجر أبيه الحسين، فتلقي الحسين دمه حتي امتلأت كفه ثم رمي به إلي السماء، ثم قال: هون علي ما نزل بي أنه بعين الله، قال الإمام محمد الباقر: " فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الأرض ".
قالوا ثم قال: " لا يكون أهون عليك من فصيل، اللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا " (3).
وقالوا إنه قال: " فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء
(١) المصدر نفسه.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤٦، والعوالم ج ١٧ ص ٢٨٨، واللهوف ص ١١٦.
(٣٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي طالب (2)، بنو أمية (1)، محمد الأصغر (1)، القتل (1)، المرض (1)، الخوف (1)، كتاب بحار الأنوار (1)
الظالمين (1)، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل، اللهم أنت الشاهد علي قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلي الله عليه وآله وسلم " (2).
مصرع طفل مذعور ونموذج من أخلاق جيش بني أمية:
روي الطبري في تاريخه عن هانئ بن ثبيت الحضرمي، قال: " كنت ممن شهد قتل الحسين، قال: فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا علي فرس وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا فكأني أنظر إلي درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتي إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف، قال الراوي هاني بن ثبيت: هذا هو الذي قطع الغلام بالسيف فلما عتب عليه كني عن نفسه! ".
مقتل الإمام الحسين تقدم الإمام الحسين نحو القوم مصلتا سيفه، آيسا من الحياة، ودعا جيش الخلافة إلي المبارزة، فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتي قتل جمعا كثيرا، (3) ثم حمل الإمام علي ميمنة القوم وهو يقول:
الموت أولي من ركوب العار * والعار أولي من دخول النار (4) ثم حمل علي الميسرة وهو يقول:
أنا الحسين بن علي * آليت ألا أنثني أحمي عيالات أبي * أمضي علي دين النبي (5) قال عبد الله بن عمار بن يغوث: " ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده، وأهل
(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٣١، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٧٠، ووقعة الطف ص ٢٤٥ والإرشاد للمفيد ص ٢٤٠، ومثير الأحزان ص ٧٠.
(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ٣٤٣، وحياة الحسين ج ٣ ص ٢٧٦ والموسوعة ص ٤٧٦.
(٣) العوالم ص ٩٧ ومثير الأحزان ص ٣٧.
(٤) في البيان والتبيين للجاحظ ج ٣ ص ١٧١ طبع تحت عنوان " كلام في الأدب ".
(٥) المناقب لابن شهرآشوب ج 2 ص 223.
(٣٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، عبد الله بن عمار (1)، بنو أمية (1)، الحسين بن علي (1)، الظلم (1)، القتل (5)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب مثير الأحزان (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)، ابن شهرآشوب (1)
بيته وصحبه أربط جأشا منه، ولا أمضي جنانا، ولا أجرأ مقدما، ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد " (1).
صاح عمر بن سعد بن أبي وقاص بجيشه قائلا: " هذا " يعني الحسين " ابن الأنزع البطين " يعني عليا " هذا ابن قتال العرب، احملوا عليه من كل جانب فأتته أربعة آلاف نبلة " (2)، وحال الرجال بينه وبين رحله.
صيحة الحسين:
فصاح الإمام الحسين بجيش الخلافة قائلا: يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم، وارجعوا إلي أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون!
فناداه شمر بن ذي الجوشن: ما تقول يا ابن فاطمة؟، فأجابه الإمام: أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا. فقال شمر بن ذي الجوشن: لك ذلك!.
استمرار القتال ومحاولة لشرب الماء!:
وقصد جيش الخلافة الإمام، واشتد القتال، الجيش " الإسلامي " كله يواجه رجلا واحدا وهو ابن بنت الرسول!! وقاتل الإمام بقدرة خارقة واشتد به العطش، لأن جيش الفرعون منع عنه وعن أهل بيته وأصحابه الماء منذ قرابة أسبوع، فحمل الإمام من نحو نهر الفرات علي عمرو بن الحجاج وكان في أربعة آلاف فكشفهم عن الماء، ولغ الفرس ليشرب، قال الإمام: أنت عطشان وأنا عطشان، فلا أشرب حتي تشرب أنت، فرفع الفرس رأسه كأنه قد فهم كلام الإمام، ولما مد الإمام يده ليشرب، قال له رجل: أتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك؟. فرمي الماء ولم يشرب (3) وقصد الخيمة.
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٩.
(2) مناقب ابن شهرآشوب ج 2 ص 223.
(3) البحار ج 10 ص 104 ومقتل العوالم ص 98 ونفس المهموم ص 188، والخصائص الحسينية ص 46 باب " خصائص الحيوانات "، ومقتل المقرم ص 347.
(٣٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، نهر الفرات (1)، شيعة آل أبي سفيان (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (2)، المنع (1)، القتل (3)، كتاب تاريخ الطبري (1)، ابن شهرآشوب (1)
الإمام يودع أهله ثانية:
ودع الإمام عياله ثانية، وأمر بالصبر، وطلب منهم أن يستعدوا للبلاء، وقال: اعلموا أن الله تعالي حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلي خير، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من أقداركم ".
عمر بن سعد يصدر أمرا عسكريا جديدا ودعاء للإمام:
قال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم، فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتي تخالفت السهام بين أطناب الخيم، فحمل عليهم الإمام كالليث الغضبان فلا يلحق أحدا إلا بعجه بسيفه، فقتله، والسهام تأخذ من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره، ثم رجع إلي مركزه وأكثر من قول: " لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم " وطلب في هذه الحال ماء، فقال شمر بن ذي الجوشن: لا تذوقه حتي ترد النار!!
وناداه رجل: يا حسين ألا تري الفرات كأنه بطون الحيات، فلا تشرب منه حتي تموت عطشا، فقال الحسين: " اللهم أمته عطشا، فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتي به حتي تخرج من فيه وما زال كذلك إلي أن مات عطشا " (1).
ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته، فنزعه وسالت الدماء علي وجهه، فقال الإمام: " اللهم إنك تري ما أنا فيه من عباد هؤلاء العصاة، اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تذر علي وجه الأرض منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا ".
وصاح الحسين بأعلي صوته: " يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته، أما إنكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من
(١) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص 47.
(٣٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، أبو الحتوف الجعفي (1)، نهر الفرات (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، القتل (2)، الإنتقام،النقمة (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)
حيث لا تشعرون. فقال الحصين: وبماذا ينتقم لك منا يا ابن فاطمة؟ قال الإمام:
يلقي بأسكم بينكم، ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب صبا " (1).
ووقف الإمام ليستريح:
وضعف الإمام عن القتال ووقف يستريح، فرماه رجل بحجر علي جبهته فسال دمه، فأخذ الثوب ليمسح دمه عن عينيه، وجاءه سهم له ثلاث شعب فوقع علي قلبه، فقال الإمام: " باسم الله وبالله علي ملة رسول الله، ورفع رأسه إلي السماء: إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس علي وجه الأرض ابن نبي غيره ".
وجاءه سهم في قفاه فأخرجه، وانبعث الدم كالميزاب (2) فوضع يده الشريفة تحت الجرح فلما امتلأت رمي بها نحو السماء وقال: " هون علي ما نزل بي أنه بعين الله فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الأرض " (3) ثم ملأ يده بالدم ولطخ به رأسه ووجهه ولحيته وقال: " هكذا أكون حتي ألقي الله وجدي رسول الله وأنا مخضب بدمي … " (4).
نداء الحسين للأصحاب:
نظر الإمام الحسين يمينا وشمالا فلم ير أحدا من أهله وأصحابه وأنصاره فنادي: يا مسلم بن عقيل، ويا هاني بن عروة، يا حبيب بن مظاهر، يا زهير بن القين، يا يزيد بن مظاهر … وسمي الكثير من أصحابه ثم قال: يا علي بن الحسين، يا أبطال الصفا، ويا فرسان الهيجاء، ما لي أناديكم فلا تجيبون وأدعوكم فلا تسمعون، أنتم نيام، أرجوكم تنتبهون، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه، فهذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهن النحول، فقوموا من نومتكم أيها الكرام، وادفعوا عن حرم رسول الله الطغاة اللئام … ثم أنشأ يقول:
قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس
(١) مقتل العوالم ص ٩٨، ونفس المهموم ص ١٨٩ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٤.
(٢) نفس المهموم ص ١٨٩ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٢٤ واللهوف ص ٦٨.
(٣) تهذيب ابن عساكر.
(٤) مقتل الحسين للخوارزمي ص ٣٤، واللهوف ص ٧٠.
(٣٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه (1)، هاني بن عروة (1)، الإنتقام،النقمة (1)، القتل (3)، العذاب، العذب (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، إبن عساكر (1)
لبسوا القلوب علي الدروع وأقبلوا * يتهافتون علي ذهاب الأنفس نصروا الحسين فيا لهم من فتية * عافوا الحياة وألبسوا من سندس (1) قبل أن يقتل الإمام:
قال أبو مخنف: إن حميد بن مسلم، قال: سمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل علي رجليه قتال الفارس الشجاع، يتقي الرمية، ويفترص العورة ويشد علي الخيل وهو يقول: أعلي قتلي تحاثون، أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله أسخط عليكم لقتله مني، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم.
أوامر قيادة جيش بني أمية:
صاح شمر بن ذي الجوشن بجيش بني أمية، ويحكم ماذا تنظرون بالرجل، اقتلوه، ثكلتكم أمهاتكم، فحمل عليه جيش الخلافة من كل جانب فضربت كفه اليسري ضربة ضربها شريك التميمي، وضرب علي عاتقه، ثم انصرفوا عنه، وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح حتي وقع، ونادت زينب بنت علي بن أبي طالب: " وا أخاه، وا سيداه، وأهل بيتاه، ليت السماء انطبقت علي الأرض، وليت الجبال تدكدكت علي السهل " (2) وانتهت نحو الحسين، وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه والحسين يجود بروحه الطاهرة فصاحت زينب: " أي عمر، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه، فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل علي لحيته " (3).
وقالت السيدة زينب: ويحكم، أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد (4).
(١) ناسخ التواريخ ج ٢ ص ٢٧٧، ومعالي السبطين ج ٢ ص ١٩، ومقتل الحسين لأبي مخنف ص ٢٢٣ والموسوعة ص ٤٨٣ - ٤٨٤.
(٢) اللهوف ص ٧٣.
(٣) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢.
(٤) الإرشاد للمفيد ص ٦ ومقتل العوالم ص ١٠ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٣٧ وراجع معالم المدرستين ج ٣ ص ١٣٢ وما فوق ومقتل الحسين للمقرم ص 350 وما فوق.
(٣٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، بنو أمية (2)، أبو عبد الله (1)، أنس بن عمرو (1)، حميد بن مسلم (1)، القتل (5)، الإنتقام،النقمة (1)، الشراكة، المشاركة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب معالي السبطين (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)
ثم صاح ابن سعد بجيش بني أمية، إنزلوا إليه وأريحوه، فبدر إليه شمر بن ذي الجوشن، وضربه بالسيف اثني عشرة ضربة، واحتز رأسه المقدس.
سلب الإمام بعد موته!!:
وأقبل جيش بني أمية ليسلبوا الإمام القتيل، فأخذ إسحاق بن حويه قميصه، وأخذ الأخنص بن مرثد بن علقمة الحضرمي عمامته وأخذ الأسود بن خالد نعليه، وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأوردي ويقال إن الذي أخذ السيف رجل من بني تميم اسمه الأسود بن حنظلة ورأي أحدهم الخاتم في إصبع الإمام والدماء عليه فقطع إصبعه، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته (1) وسمي لذلك بقيس قطيفة (2).
وحاول جيش الخلافة أن ينهب سروال الإمام ويتركوه عاريا ولكنهم فشلوا بمعجزة! (3).
قاتل الإمام يطلب الجائزة!!:
قال الناس لسنان بن أنس: قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله أعظم العرب خطرا، جاء إلي هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم، فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم، وإنهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا، فأقبل علي فرسه، وكان شجاعا وبه لوثة حتي وقف علي باب فسطاط عمر بن سعد ثم نادي بأعلي صوته:
أوقر ركابي فضة أو ذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا فقال عمر بن سعد: أشهد أنك لمجنون، ما صححت قط، ادخلوه علي،
(١) اللهوف ص ٧٣.
(2) مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 38، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 32.
(3) مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 102.
(٣٤١)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (2)، بنو أمية (2)، قيس بن الأشعث (1)، الحسين بن علي (1)، القتل (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)
فلما أدخل حذفه بالقضيب ثم قال: يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام! أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك (1).
لقد انصب اعتراض ابن سعد علي مدح القاتل للحسين!!!.
جيش بني أمية يسلب وينهب ذرية الرسول:
لما قتل الإمام الحسين مال الجيش علي ثقله ومتاعه وانتهبوا ما في الخيام (2) وأضرموا النار فيها، وتسابق القوم علي سلب حرائر الرسول، ففرت حرائر الزهراء حواسر، مسلبات، باكيات (3) وإن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها وخاتمها من إصبعها، وقرطها من أذنها، والخلخال من رجلها (4).
وساق رجال جيش بني أمية النساء بأكعاب رماحهم وهن يلذن بعضهن ببعض (5)، وأقبل ابن سعد، فبكت النساء، وكان القوم قد أخذوا كل ما معهن ولم يردوا عليهن شيئا (6).
الخيل توطئ صدر الإمام وظهره وهو ميت:
نادي ابن سعد: ألا من ينتدب إلي الحسين فيوطئ الخيل صدره وظهره؟!
فقام من الجيش عشرة (7) فداسوا بخيولهم جسد الإمام، وأقبل العشرة، علي ابن زياد يرتجزون:
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الأسر
(١) راجع معالم المدرستين ج ٣ ص ١٣٥ - ١٣٦ نقلا عن أبي مخنف.
(٢) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢.
(٣) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٦٠.
(٤) مثير الأحزان لابن نما ص ٤٠.
(٥) سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٢٠٤.
(٦) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢.
(٧) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٦١ والكامل لابن كثير ج ٤ ص ٣٣، ومروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٩١ والخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٨١ والبداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 189 وتاريخ الخميس ج 3 ص 333، ومناقب ابن شهرآشوب ج 2 ص 224.
(٣٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (2)، النّهب (1)، القتل (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (2)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، ابن شهرآشوب (1)
فأمر لهم بجائزة (1).
قطع رؤوس الشهداء واقتسام قبائل العرب لهذا الشرف!!!:
بعد ذلك أمر ابن سعد بقطع رأس الإمام الحسين ورؤوس الشهداء من أهل بيته وأصحابه (2)، وأخذت كل قبيلة من قبائل العرب رؤوس ضحاياها، قال أبو مخنف: فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا، وجاءت بنو أسد بستة رؤوس، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاء ساير الجيش بسبعة رؤوس (3).
وحمل جيش بني أمية المنتصر الرؤوس علي أطراف الرماح (4).
وساقوا حرم الرسول كما تساق الأساري:
قال ابن أعثم في الفتوح والخوارزمي في مقتل الحسين وغيرهما: وساق القوم حرم رسول الله كما تساق الأساري، حتي إذا بلغوا الكوفة، خرج الناس ينظرون إليهم وجعلوا يبكون ويتوجعون، وعلي بن الحسين مريض، مغلول، مكبل بالحديد، قد نهكته العلة فقال: ألا إن هؤلاء يبكون ويتوجعون من أجلنا فمن قتلنا إذا؟!.
خطبة السيدة زينب في أهل الكوفة:
لما وصلت ركب أسار آل محمد إلي الكوفة، خرج أهل الكوفة يتفرجون ويبكون فوقفت السيدة زينب وألقت كلمة جاء فيها:
" يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والخذل والغدر أتبكون!! … أتدرون أي
(١) اللهوف ص ٧٥ ومثير الأحزان ص ٤١ ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٣٩.
(٢) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٥ - ٤٥٦، ومثير الأحزان ص ٦٥، والأخبار الطوال ص ٢٥٩، والإرشاد للمفيد ص ٤٣، وبحار الأنوار ج ٤٥ ص ٦٢ واللهوف ص ٦٠.
(٣) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٦٧ - ٤٦٨.
(٤) الأخبار الطوال ص ٢٥٩.
(٣٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، مدينة الكوفة (5)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، بنو أمية (1)، رؤوس الشهداء (2)، قيس بن الأشعث (1)، علي بن الحسين (1)، بنو أسد (1)، الخوارزمي (2)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب مثير الأحزان (2)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)
كبد لرسول الله فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي حريم له أصبتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم شيئا إذا، تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق منه الأرض، وتخر الجبال هدا، أفعجبتم أن قطرت السماء دما، ولعذاب الآخرة أشد وأخزي وأنتم لا تنصرون … قال بشير: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حياري كأنهم كانوا سكاري، يبكون ويحزنون ويتفجعون، ويتأسفون، ونظرت إلي شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلي جانبي قد بكي قد اخضلت لحيته بدموعه وهو يقول: صدقت بأبي وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبانكم خير الشبان، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل " (1).
خطبة فاطمة بنت الحسين:
ثم وقفت فاطمة بنت الحسين وألقت كلمة في أهل الكوفة جاء فيها:
" فكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا، وأموالنا نهبا، كأنا أولاد ترك أو كابل، فلا تدعونكم أنفسكم إلي الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا فكأن العذاب قد حل بكم، ألا لعنة الله علي الظالمين " (2).
إرسال الأساري إلي خليفة المسلمين!! بغير وطاء:
روي الطبري: إن عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن، وأمر بعلي ابن الحسين، فغل بغل إلي عنقه، ثم سرح بهم.
وقال ابن أعثم: دعا ابن زياد زحر بن القيس الجعفي، فسلم إليه رأس الحسين بن علي، ورؤوس إخوته، ورأس علي بن الحسين، ورؤوس أهل بيت النبوة ورؤوس شيعة الإمام الحسين، ودعا علي بن الحسين فحمله وحمل إخوته وعماته وجميع نسائهم إلي يزيد بن معاوية، وسار القوم بحرم رسول الله من
(١) الفتوح لابن أعثم ج ٥ ص ٢٢١ - ٢٢٦ ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٤٠ - ٤١.
(٢) مثير الأحزان ص ٦٦ - 69.
(٣٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة الكوفة (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، فاطمة بنت الحسين (2)، الحسين بن علي (1)، علي بن الحسين (2)، الظلم (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، الخوارزمي (1)
الكوفة إلي بلاد الشام علي محامل بغير وطاء من بلد إلي بلد ومن منزل إلي منزل كما تساق أساري الترك والديلم (1).
ووضعت الرؤوس بين يدي أمير المؤمنين!!!:
ولما وضعت رؤوس الشهداء بين يدي " أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، جعل يتمثل بأبيات ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا … الخ (2).
وظهر يزيد بن معاوية علي حقيقته، وتجاهلت الجموع الذليلة عفوية يزيد بإظهار حقيقة مشاعره، وتابعت سيرها علي درب الطاعة لتضمن استمرار العطاء والرزق الشهري الذي يصلها من خزائن دولة الخلافة. واستجيبت دعوة الإمام، وسقط نظام الخلافة، وصارت الأمة أذل أمم الأرض.
(1) الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 236.
(2) تقدم ذكر هذه الأبيات في الفصل الخامس من الباب الثالث.
(٣٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، مدينة الكوفة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، رؤوس الشهداء (1)، الشام (1)، الشهادة (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.