أبوبكر بن أبي قحافة

اشارة

أبو بكر بن أبي قحافة - علي الخليلي
الكتاب: أبو بكر بن أبي قحافة
المؤلف: علي الخليلي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:
المصدر:

الإهداء

الإهداء
صفحه(٥)
بسم الله الرحمن الرحيم أخي الفاضل البحاثة الأستاذ جواد جعفر الخليلي المحترم سلام واحترام وبعد فقد قضيت سويعات ممتعة في قراءة كتابك القيم (أبو بكر) والذي آمل ان يري النور قريبا ويكون في متناول أيدي القراء وطلاب الحقيقة وكان بودي أن لا اتركه حتي آتي علي آخره، لما وجدت فيه من جهود مبذولة وتحقيق في مواضعه أخرجها منصف باحث عن الحقيقة تواق إليها، وكم تمنيت ان تطول بي الساعات لأصل آخره وان يسعفني الوقت لقراءته كله فاستزيد منه معرفة بحقائق وأمور كنت جاهلها وغير مطلع عليها فبارك الله فيك وجزاك أحسن الجزاء وأعانك علي أن تتحف المكتبة التاريخية بكتب تصحح ما زوره وزيفه المؤرخون بأمر من الحكام كما تقتضي مصالحهم ومآربهم وأرجو لك التوفيق فيما انتهجت من طرق البحث والله ولي التوفيق ومن وراء القصد والسلام.
المخلص علي الخليلي
(٧)
صفحهمفاتيح البحث: الجود (1)

المقدمة: الشكوي

المقدمة: الشكوي
(٩)
صفحهمفاتيح البحث: الشكوي (1)
ربما كانت هذه السلسلة من الكتب ذات طابع جديد لكشف كثير من الحقائق التي صدرت من افراد وجماعات من البشر تجاه افراد وجماعات آخرين، وما أصاب هؤلاء من ظلم وإجحاف، فانتهي ذلك الظلم والتعدي بموت الشاكي أو المدعي، والمشتكي عليه أو المدعي عليه، أو بقيت تلك المظالم فترة علي الافراد والجماعات والشعوب والأمم، وانتهت أو لا زالت تتري إلي اليوم.
وكم قاسي البشر من نفسه وعلي نفسه وجني علي غيره من الويلات، والمصائب، والظلم لغرائز شتي أراد اشباعها، ومطامع أراد تحقيقها، وأغراض أراد تنفيذها. فمنها كما مر كانت مؤقتة، ومنها دامت لأمد، ومنها ظلت تجر الويلات والمصائب علي أبناء البشر باسم الدين، وباسم العقيدة، وبأسماء وطرق لا تعد ولا تحصي.
وإذا شئت فاستعرض العقائد الاجتماعية الدينية، والتربوية الفلسفية في شتي الأمور الاجتماعية، من أخلاقية وإنسانية واقتصادية وسياسية. واستعرض الماضي منذ فجر التاريخ لتري في كل شعب وأمة كبيرة وصغيرة من تشتت الأفكار والنظريات والمسالك في الشرق والغرب والشمال والجنوب، آخذا من أقدمها إلي أحدثها من مصريين وبابليين، وصينيين، وهنود، ويونان، ورومان،
صفحه(١١)
وأكاسرة. ومن عهد الأنبياء من آدم ونوح، وموسي، وإبراهيم، وعيسي، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وما خلقته من مشاحنات ومجازر، ومن تعاليم عقائدية وتشريعية، من بوذية وكونفوشيوسية، ومزدكية وآراء حكيمة وفلسفية يونانية وغير يونانية، حتي يومنا هذا عصر الذرة، أو كما يسمونه عصر القوة النووية، وما حدثت من حروب طاحنة باسم الديمقراطية، والفاشية، والشيوعية، وتشعب كل منها، والمجازر العظيمة التي قام بها هتلر، وما تركته القنبلة الذرية في اليابان، والحروب الطاحنة والهجمات الجوية علي ارض كوريا وفيتنام، والاعتداء الصريح في الشرق الأوسط علي البلاد العربية وفي إفريقيا وباكستان والهند علي الافراد والجماعات وما خلفته المذابح الدينية والمذهبية في آسيا وأوربا وما فعلته البابوية باسم الدين من مجازر واعتداءات، وما تقاسيه الشعوب السود اليوم، والتطاحن بين البيض، وغيرها. وقس علي هذا. ولكم جاء مصلح بفكرة انسانية قضت عليها النعرات التنابزية فذهبت هباء وخلفت وراءها مذاهب ما أنزل الله بها من سلطان، كما حصل في جميع التعاليم البوذية والكونفوشيوسية، والأديان من موسوية وعيسوية ومحمدية، وإذا سأل سائل، ماذا بعد هذا؟
فالجواب: قبول شكوي الافراد، والجماعات امام محكمتنا هذه وعرض ما قاسوه من تعسف وتعد وظلم افراد وجماعات آخرين مبناه الدليل والبرهان والحكم علي المعتدي مهما كان بما يستحقه من الجزاء، وفضح ما خلقه من أباطيل وبدع وأكاذيب وتزوير علي خصمه المظلوم، وما نسبه لنفسه من المحاسن والفضائل. ورب سائل يقول:
وما هي الفائدة؟ طالما ان الافراد حتي عقلاءهم نشأوا وتربوا وتطبعوا كل علي عقيدته وطريقته ودينه، حتي أصبح عنده المستقبح عرفا والمستهجن والذميم عادة، والحسن والفضيلة مذموما. ورأوا برجال العنف والمعتدين ذوي
(١٢)
صفحهمفاتيح البحث: باكستان (1)، الهند (1)، الصّلاة (1)، الظلم (1)
النعرات الطائفية والنزعات القومية مفخرة، ونأكر المنكر والخسة متعديا، ومعتديا، والمنادي بحقه والمطالب بالعدل والمساواة مستهترا، والداعي إلي ولاة الحق وأهل الحجي والتقوي طائفيا وبليدا، ورذلا، والكذاب والمخادع والمكار داهية، ومصيبا ومرموقا.
فانظر أنت أيها القارئ وما أدري من أنت، امن أسودها أو أبيضها، عربها أو عجمها، جديدها أم قديمها؟ أي نزعة وفكرة تحمل، مهما كنت. انظر كيف انك تعتز بعقيدتك، وتدافع عنها، ولطالما جلست تحاسب نفسك وتنتقد ما فيها من نواقص، ولكن لشد ما تثيرك الانتقادات الموجهة لك مهما كانت منطقية.
نعم، تلك غريزة بشرية كسائر الغرائز، وهي غريزة حب الذات والقبيلة وحب الوطن، والاعتزاز بالعقيدة وحب الأولاد والآباء مهما بلغوا من الخسة، والرذيلة، والقبح والشراسة. فاللص يأبي في قرارة نفسه ان تخاطبه لصا، أو تنكر عليه عمله، وافراد القبيلة يأبون الطعن في سلوك قبيلتهم، افرادا وجماعات، مهما بلغوا فيها من الانحطاط، وافراد الوطن الواحد مهما بلغوا من التأخر الاجتماعي، يأبون توجيه النقد، وبيان الحقيقة. اما حاملو العقائد فيتقاتلون تجاه عقائدهم مهما بلغت الوخامة والانهيار الخلقي، والمنطقي، كما ليس بامكانك توجيه النقد المحض مهما كان حقيقة وواقعا في أولاد أو آباء أو ذوي الافراد، الا وشعر في ذلك بالتأثر في قرارة نفسه، وجهز نفسه للدفاع مهما بلغ، والانتقام عند سنوح أية فرصة!!! حتي إذا كان نفسه قالها، وانتقد نفسه أو ذويه، أو وطنه، أو عقيدته، فإنه يأبي ان تحط أنت من كرامتها. فلماذا؟
نعم تلك احدي الغرائز البشرية المستحكمة المستهجنة لا تتغلب عليها الا بالتسلط العقلي الشديد، والمقرون بالإرادة القوية أو بالايمان المنبعث عن عقيدة دينية اسلامية أصيلة خالية من شوائب وعقائد الجاهلية، كما في قوله تعالي:
(١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الطعن (1)، الجهل (1)
(ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق) (1).
نعم، ما أعظم الأولي، والثانية، وأعظم وأكرم بالثالثة، لقد بلغت غاية الخلق الانسانية المنطقية المثلي، ووضعت الحد الفاصل لتدهور الانسان إلي المنزلة الحيوانية الخسيسة، ورفعته لأرقي المثل العليا، ان حكم بذلك عقله وقرن بها ارادته وتغلب علي غرائزه تلك، وما أبدع قول الشاعر حين يقول:
تعيرنا أنا قليل عديدنا * فقلت لها ان الكرام قليل والواقع ان الكرام أقل من القليل، وما أجل الاسلام وأعظمه واجل نبيه الكريم، وأعظم بقرآنه العظيم، الذي بلغ أوج المثل العليا في الخلق السامي، والمنطق السليم، وكم رفع منزلة العقل والعقلاء، والمفكرين المتدبرين وأشاد بكرامتهم وعلو منزلتهم، أولئك المنفذين ارادتهم للامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجامحين غرائز النفس والرذيلة لإقامة العدل وقول الفصل، والحد من الاجحاف وتتبع السبل الواضحة المستقيمة علي حد قوله تعالي: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) (2).
وكرم القرآن أولي الألباب، فقال:
(فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (3) أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
(1) الحجرات، الآية الحادية عشرة وكذلك الآية الثانية عشرة: * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم) *.
والآية الثالثة عشرة: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) *.
(2) البقرة الآية: 269.
(3) الزمر الآية: 17 - 18.
(١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، القرآن الكريم (1)، النهي (1)، الكرم، الكرامة (2)، الظنّ (2)
وكم ذم الدنيا وحكامها وقصر مدتها، وأشاد بالآخرة وبين منزلتها ورتبها وفضيلة العاملين لها، بقوله تعالي:
(وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) (1) بالمقايسة لدرجات وتفضيل البشر في هذه الدنيا المؤقتة، كل ذلك يريد الله ان يذكر به عباده المخلصين المؤمنين كي لا يتغلب عليهم الهوي وتتحكم فيهم غرائز النفس الامارة بالسوء، من غريزة حب النفس وحب الطموح، وما فيها من الأنانية والكبرياء، وما تستلزمه لبلوغها من الظلم للفرد والجماعة، والتعدي علي نفوس الآخرين وحقوقهم، وأعراضهم، وسحق الحق، وما يستلزمه من كل الاعمال الدنيئة، من كذب، ونفاق، وخداع وشره وخسة ومكر، تحت لواء السياسة، والظهور بمظهر القدرة، والسطوة، يلقبهم بها من اتبعهم لبلوغ المأرب والغايات المؤقتة الفاسدة ويا ويل من اعترضهم وانتقدهم أو رد عليهم، ولم يعتبروا بالماضي، ولا يمنعهم ضمير حي ووجدان صادق، ودين مستحكم.
كل ذلك وهم يلبسون أعمالهم بعد ذلك برقعا مزركشا، وهل تخفي الحقائق؟
لا، أبدا وسيدركون يوم الحساب من شهادة أعضائهم وجوارحهم عليهم قوله تعالي: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) (2) بل هم في الدنيا لا يفارقهم الخزي والعار وان هي إلا أيام معدودات ثم مأواهم التراب وبعدها اللعن والقذف.
(1) الاسراء: 21.
(2) سورة النور الآية: 24.
(١٥)
صفحهمفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)، اللبس (1)، الشهادة (2)، سورة النور (1)

الدين والسياسة

الدين والسياسة
صفحه(١٧)
﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ (1) ومن الحكمة والعدل النظر بعين الانصاف وتركيز العدالة حتي علي النفس وأقرب الأقرباء لذا ادعو القارئ الكريم إلي أن ينظر بعين البصيرة والحق ويبعد عنه العصبية والنعرات مهما كانت نفسية أو قبلية عنصرية أو عقائدية، أو غيرها. ويصغي إلي لنتحدث بالمنطق السليم الذي يستمد آراءه من الحكمة وحسب، دون ان تشوبه شوائب فتغير من لونه وصفاته كما تؤثر المواد في الماء الرائق، فتغير لونه وطعمه وحجمه وكثافته، والحقيقة ان العقل السليم لا يختلف عند البشر ان أصغي بتأمل وأزال عنه كل ما يخالجه من عرف وعادة وأنانية بالعائلة والمحيط، والتربية، وما تدسه فيه الأهواء، من الغرائز النفسية المتناقضة ببعضها، وان علم النفس الحديث تشعب تشعبا كبيرا ومنه قراءة الأفكار ونقلها للآخرين وقراءتها من الآخرين، وتمركز الفكر دون ان يشاب بأفكار أخري نفسية أو غير نفسية. تلك التي تتوارد علي الخواطر باسم تداعي الخواطر، فما تكاد فكرة ترد المرء إلا وتواردت عليه بحكم تداعي الخواطر أفكار وخواطر قريبة وبعيدة، تتصل ببعضها بحلقات حتي لتكاد ان تضيع الفكرة الأولي. ولطالما نسي المرء فكرته الأصلية حينما تتزاحم الأفكار الواردة من كل صوب. وقد ثبتت للفكر قوانين كما هي للنور والمغناطيس وكما تستطيع ان
(١) البقرة: ٢٦٩.
(١٩)
صفحهمفاتيح البحث: النسيان (1)
تجمع نور الشمس في عدسة وتمررها إلي شئ وتحرقه، بقانون طبيعي خاص، فبامكاننا حصر الفكر في موضوع ما دون تشتت فنبعثه إلي أدمغة الآخرين فيكون له حكم الايحاء لهم أو تسلط الفكرة المتمركزة علي أدمغة الآخرين لقراءة ما فيها من أفكار، أو نريد صياغة عبارة في موضوع ما بحيث يكون خاليا من الأغلاط المنطقية والشوائب الخارجة عنه فذلك بالتمركز، ومن قوانين الفكر والعقل.
وما حكمة الحكماء وتنبؤ الأنبياء الا لما لهم من هذه القدرة النفسية ذاتا في الحكماء، وما أكسبهم الله بها في الأنبياء وما بلغوا اليه بالدراسة والعلم في العلماء وأخص منهم علماء النفس.
والعقل السليم لا يتغير، في مختلف البشر، وهو كالماء المقطر أو الذهب المصفي عنصرا ويمتاز كهذه أينما حل، وفي أي امرئ كان، بنفس الصفات سواء بسواء، فهل تريد أن تحمل ذلك فهو في متناولك إن شئت، علي شريطة أن لا تشوبها بشائبة أخري، وعلي شريطة ان تربي فيك قوة الإرادة، والتغلب علي النفس وأهوائها التي هي مقدمة لازمة لذلك.
ولننظر الأمور بحقائقها دون تمويه، كالناظر بمنظار للأجسام الدانية الدقيقة أو العالية البعيدة، إذا عسر عليه معرفتها بالنظرة المجردة، فالعقل كثيرا ما يحتاج إلي ما تحتاجه العين، للتوصل إلي الحقائق كأن يستفيد من أدوات أخري تساعده علي الوصول لرؤية الشئ، كما هو، كما يراه الآخرون دون تغيير في لونه وحجمه وشكله وباقي صفاته، فهل اقتنعت مني أيها القارئ الكريم فإذا اقتنعت فاتبعني في البحث عن الدين والسياسة وسأورد في المقدمة بعض التعاريف كمقياس للوصول إلي ما نريد.
(٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)

ما هو العقل؟

ما هو العقل؟
العقل هو ما يميز القبيح من الحسن، وقال علماء الدين في الاسلام، وهو ما عبد به الرحمن، وقصدهم واستنتاجهم، أن الرحمن دائما يأمرنا بالشئ الحسن وينهانا عن القبيح في كل شئ في القول، والعمل، تجاه النفس والغير، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله تعالي: (ما جعل الله عليكم في الدين من حرج) (1) والعقل ركن من الأركان الذي نتوصل به إلي الدين، وقد قال الشيعة به كأصل من الأصول فكلما حكم به العقل حكم به الشرع، وهذا امر لا شك فيه، فقد عرفنا الله عقلا، ولا زال القرآن يثني علي العقل والعقلاء وأيضا المتفكرين والمتدبرين وذوي الألباب، فكأنه في كل امر يستدل به يحكم به العقل والعقلاء ويخاطب فيه أولي الألباب، ويلقي اللوم علي من ترك المنطق والعقل وراءه ظهريا.
ولا نجد ذلك في أصول وعقائد الأشاعرة حيث يقولون: كلما حكم به الدين فهو حسن، وما نهي عنه فهو قبيح، وفي هذا تعد صريح علي الدين والعقل إذ الاجتهاد ركن بعد القرآن والسنة ولا يكون الا بالتمييز العقلي.
من هو العاقل؟
" من يضع الشئ في موضعه " كما قال الإمام علي (عليه السلام) ولا شك ان الجاهل هو عكس ذلك. وقد قيل: حدث المرء بما لا يليق فان صدق فلا عقل له، ومن المفهوم المخالف، حدث المرء بما يليق، فان كذب فلا عقل له. وإذا سألت وما اللياقة وما ميزانها، فقد مر شرحه في تفسير العقل، فاللياقة لا تختلف في الميزان
(1) سورة الحج الآية: 78.
(٢١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدرسة الأشاعرة (1)، القرآن الكريم (2)، الكذب، التكذيب (1)، التصديق (1)، سورة الحج (1)

من هو العاقل؟

ما هو العقل؟
العقل هو ما يميز القبيح من الحسن، وقال علماء الدين في الاسلام، وهو ما عبد به الرحمن، وقصدهم واستنتاجهم، أن الرحمن دائما يأمرنا بالشئ الحسن وينهانا عن القبيح في كل شئ في القول، والعمل، تجاه النفس والغير، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله تعالي: (ما جعل الله عليكم في الدين من حرج) (1) والعقل ركن من الأركان الذي نتوصل به إلي الدين، وقد قال الشيعة به كأصل من الأصول فكلما حكم به العقل حكم به الشرع، وهذا امر لا شك فيه، فقد عرفنا الله عقلا، ولا زال القرآن يثني علي العقل والعقلاء وأيضا المتفكرين والمتدبرين وذوي الألباب، فكأنه في كل امر يستدل به يحكم به العقل والعقلاء ويخاطب فيه أولي الألباب، ويلقي اللوم علي من ترك المنطق والعقل وراءه ظهريا.
ولا نجد ذلك في أصول وعقائد الأشاعرة حيث يقولون: كلما حكم به الدين فهو حسن، وما نهي عنه فهو قبيح، وفي هذا تعد صريح علي الدين والعقل إذ الاجتهاد ركن بعد القرآن والسنة ولا يكون الا بالتمييز العقلي.
من هو العاقل؟
" من يضع الشئ في موضعه " كما قال الإمام علي (عليه السلام) ولا شك ان الجاهل هو عكس ذلك. وقد قيل: حدث المرء بما لا يليق فان صدق فلا عقل له، ومن المفهوم المخالف، حدث المرء بما يليق، فان كذب فلا عقل له. وإذا سألت وما اللياقة وما ميزانها، فقد مر شرحه في تفسير العقل، فاللياقة لا تختلف في الميزان
(1) سورة الحج الآية: 78.
(٢١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدرسة الأشاعرة (1)، القرآن الكريم (2)، الكذب، التكذيب (1)، التصديق (1)، سورة الحج (1)

ما هو الدين؟

العقلي بين العقلاء، كما لا تختلف درجات الحرارة من الناحية الطبيعية لحاسة الجلد والطعم لحاسة الذوق والطعام انما وضع ميزانه واحدا في جميع الناس، طبق مقاييس لا تتغير كما وضعت درجة الحرارة بالنسبة لحاسة الناس، وكل سنة تنتخب الدول ملكة للجمال بمقاييس وحدود يرتضيها الناس وربما اعترض البعض وقال إني أحب تلك البيضاء، أو السمراء، أو السوداء أكثر من ملكة الجمال فالشاذ لا يقاس عليه، ولا يعتبر ميزانا، بل هو شذوذ والشذوذ لا يخلو منه البشر وعلي هذا قال الشاعر:
تعشقها سمراء باد عيوبها * وللناس فيما يعشقون مذاهب والشذوذ كما هو في النظر يكون في الذوق، والسمع وباقي الحواس.
ومع كل ذلك، فالمقياس الأصلي للحسن والقبيح لا يتغير وللعقل مقاييس لا تتغير.
ويجب أن لا يخفي علينا ان القوانين البشرية الموضوعة التي اختلفت منذ القدم، بين الطبقات وتختلف من حين لآخر، انما تعبر عن عدم لياقاتها، وأنها عقلا لم توضع في موضعها.
ما هو الدين؟
هو عقيدة تتملك المرء العاقل منشؤها الايمان النفسي العميق، مستحوذة علي سلوكه تجاه نفسه وغيره. ويمكن القول عن ذوي الأديان السماوية هو الايمان بقدرة خارقة حكيمة مبدعة مسيطرة دائمة علي كل شئ في كل زمان ومكان وما جاء به القرآن الكريم (إن الدين عند الله الاسلام) وما أنزله علي رسوله محمد خاتم النبيين (صلي الله عليه وآله وسلم).
(٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، القرآن الكريم (1)، الطعام (1)

من هو الكافر؟

من هو الكافر؟
هو المنكر للحقيقة. وفي الاسلام هو المنكر للأصول وهي: التوحيد، والنبوة والمعاد والإمامة والعدل ولا يقول بالأخيرتين أهل السنة كأصل.
من هو الفاسق؟
من أقر بالحقيقة لسانا، وخالفها قولا أو عملا.
ما هو الظلم؟
الظلم بنظر الاسلام هو الشرك بالله أو تجاوز أوامره أو نواهيه، ولغة هو التعدي قولا أو فعلا، نهيا أو امرا مادة أو معني، علي النفس أو الغير، فردا كان أو جماعة، ملحقا إياها ضررا ماديا أو معنويا. فمن أنكر قولا أو عملا لآية من سورة التوحيد فهو كافر وظالم، ومن خالف أوامر الله فيما أمر به أو نهي عنه فهو وإن أقر بالله كما في آية التوحيد، فاسق وظالم وإلا فهو كافر، وظالم من حرم علي نفسه ما أحل الله له عفوا، أو حبسها أو عذبها بحرمان نفسه مما لديه من نعم الله، أو عودها علي ما يضر بها من عادات مهما كانت، من قمار، مخدرات وأتعاب مضرة، وحتي من سكن محلا يضر بها وهو يطيق الهجرة كما جاء في الآية الكريمة (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) (1)، كما أن من لم ينه نفسه عن هواها حتي يتضرر فهو ظالم لها والاعتداء علي نفس ومال
(1) النساء الآية: 97.
(٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: القمار (اللعب بالقمار) (1)، الظلم (2)، الكرم، الكرامة (1)، العفو (1)، الوسعة (1)

من هو الفاسق؟

من هو الكافر؟
هو المنكر للحقيقة. وفي الاسلام هو المنكر للأصول وهي: التوحيد، والنبوة والمعاد والإمامة والعدل ولا يقول بالأخيرتين أهل السنة كأصل.
من هو الفاسق؟
من أقر بالحقيقة لسانا، وخالفها قولا أو عملا.
ما هو الظلم؟
الظلم بنظر الاسلام هو الشرك بالله أو تجاوز أوامره أو نواهيه، ولغة هو التعدي قولا أو فعلا، نهيا أو امرا مادة أو معني، علي النفس أو الغير، فردا كان أو جماعة، ملحقا إياها ضررا ماديا أو معنويا. فمن أنكر قولا أو عملا لآية من سورة التوحيد فهو كافر وظالم، ومن خالف أوامر الله فيما أمر به أو نهي عنه فهو وإن أقر بالله كما في آية التوحيد، فاسق وظالم وإلا فهو كافر، وظالم من حرم علي نفسه ما أحل الله له عفوا، أو حبسها أو عذبها بحرمان نفسه مما لديه من نعم الله، أو عودها علي ما يضر بها من عادات مهما كانت، من قمار، مخدرات وأتعاب مضرة، وحتي من سكن محلا يضر بها وهو يطيق الهجرة كما جاء في الآية الكريمة (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) (1)، كما أن من لم ينه نفسه عن هواها حتي يتضرر فهو ظالم لها والاعتداء علي نفس ومال
(1) النساء الآية: 97.
(٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: القمار (اللعب بالقمار) (1)، الظلم (2)، الكرم، الكرامة (1)، العفو (1)، الوسعة (1)

ما هو الظلم؟

من هو الكافر؟
هو المنكر للحقيقة. وفي الاسلام هو المنكر للأصول وهي: التوحيد، والنبوة والمعاد والإمامة والعدل ولا يقول بالأخيرتين أهل السنة كأصل.
من هو الفاسق؟
من أقر بالحقيقة لسانا، وخالفها قولا أو عملا.
ما هو الظلم؟
الظلم بنظر الاسلام هو الشرك بالله أو تجاوز أوامره أو نواهيه، ولغة هو التعدي قولا أو فعلا، نهيا أو امرا مادة أو معني، علي النفس أو الغير، فردا كان أو جماعة، ملحقا إياها ضررا ماديا أو معنويا. فمن أنكر قولا أو عملا لآية من سورة التوحيد فهو كافر وظالم، ومن خالف أوامر الله فيما أمر به أو نهي عنه فهو وإن أقر بالله كما في آية التوحيد، فاسق وظالم وإلا فهو كافر، وظالم من حرم علي نفسه ما أحل الله له عفوا، أو حبسها أو عذبها بحرمان نفسه مما لديه من نعم الله، أو عودها علي ما يضر بها من عادات مهما كانت، من قمار، مخدرات وأتعاب مضرة، وحتي من سكن محلا يضر بها وهو يطيق الهجرة كما جاء في الآية الكريمة (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) (1)، كما أن من لم ينه نفسه عن هواها حتي يتضرر فهو ظالم لها والاعتداء علي نفس ومال
(1) النساء الآية: 97.
(٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: القمار (اللعب بالقمار) (1)، الظلم (2)، الكرم، الكرامة (1)، العفو (1)، الوسعة (1)

الجزاء

وعرض الغير والاعتداء علي مشاعر الناس، وعقائدهم وسلوكهم وعاداتهم وكل ما هو في ضررهم، فهو ظلم. وقد يمتد الظلم من لحظات إلي ساعات إلي سنين وأحقاب جيلا بعد جيل كما نري مؤسسي العقائد والمسالك والمذاهب وذوي العادات السيئة مما يفسد أجسامهم أو يسمم عقولهم وأفكارهم ويبعدهم عن الحقيقة والواقع ويشتتهم ويمزقهم بالعداوة والبغضاء، ويحيد بهم عن الصراط السوي فهو ظالم وإذا كان في هذه الاعمال ما يخالف أوامر ونواهي الاسلام فهو ظالم وفاسق وإذا كان عمله علي أساس عدم عقيدته بالدين، فهو كافر وفاسق.
الجزاء وبعد كل هذا فالجزاء للظالم يختلف بالنسبة لنوع عمله وتعدد جرمه، ظلم نفسه ظلما خفيفا أو عظيما، أو ظلم غيره ظلما علي النفس أو المال أو العرض، لفرد أو جماعة، وهل هذا الظلم مؤقت فحسب، أو يوما، أو شهرا، أو سنة أو سنين أو جيلا فجيلا، يتوارثه الأبناء عن الآباء، نعم هذا الظلم يختلف من هذه الجهة كما يختلف من جهة نفس الظالم ودرجة فكرته وعقله وعقيدته واصراره قال تعالي:
(وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) (1) وقال أيضا: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) (2) وقال تعالي: (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (3).
(1) سورة الإسراء الآية: 21.
(2) سورة النور الآية: 24.
(3) سورة الزلزلة الآيات: 7 و 8.
(٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (6)، الشهادة (1)، سورة الإسراء (1)، سورة الزلزلة (1)، سورة النور (1)

السياسة

السياسة لغة هي المداراة، واصطلاحا هي الغاية التي تبرر الواسطة، والعمل لبلوغ الهدف، بأي واسطة كانت فكلما يوصل ويحقق الهدف مهما كان ذلك السلوك سواء أكان من طريق الصدق أو من الكذب أو من طريق الصراحة أو الخداع أو الغش والمراوغة أو من طريق القهر والغلبة، أو الصداقة والموافقة، أو من الظلم أو العدالة، أو من طريق الدين والايمان، أو من طريق النفاق والمكر، أو من طريق الفضيلة أو الرذيلة، فالسياسة هي تبرر الوسيلة والواسطة لبلوغ الهدف والغاية، والسياسة هذه لا تكون الا دنيوية ولا يقبلها الوجدان والضمير، ولا المنطق السليم، فلا يمكن ان يكون الرجل الرباني المخلص في ايمانه والمؤمن في دينه رجلا سياسيا من الطراز المذكور، لأن الدين ينهي عن المنكر ويأمر بالمعروف، ولا يستحل الرذيلة من مكر وخداع، وغش وظلم واعتداء وكذب وفسق وفجور، فمن قام بها فليس برجل دين. والسياسة لا تعترف بحدود ما أمر الله ورسوله ويجوز عندها أن تفسر ما تقوم به، بل ربما يجب عليها ان توجهه بما تستطيع أن تثبت كل رذائلها فضائل، وتبرر جميع أعمالها المفتريات، وتصم أعداءها من ذوي العدل والاخلاص الحكماء والأولياء وذوي المكارم، وأهل الفضائل، وأقطاب الدين، وأعلام المنطق وسراة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذابين عن الحق والحقيقة، والمجاهدين ضد الفساد والرذيلة، بما تشاء.
نعم، للسياسة أن تصمهم بأخس ما يعرفه البشر، ولها ان تقتل هؤلاء وأنصارهم، وتستبيح أموالهم واعراضهم، وتسبي أبناءهم ونساءهم، بل وتقطع دابر احيائهم، لتخفي كل ما قد يظهر من الحقيقة ومن جهة أخري، ان تنصر أعوانها وأنصارها، وتبيح لهم كل رذيلة باسم العدالة، باسم الفضيلة، باسم الانسانية، ولها ان تقدم جدولا من أرقي وأفضل ما يمكن ان ترتكز عليه المدينة الفاضلة
(٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)، الامر بالمعروف (1)، الكذب، التكذيب (1)، الظلم (1)، الصدق (1)، القتل (1)، الهدف (2)
والحكومة العادلة والمثل العليا، تلك التي يتمناها البشر فتجعله منهجها الفذ وسبيلها المستقيم لإقامة دولتها ودون ذلك الحقائق المموهة، والمجازر والاعتداءات، والمظالم، فهي تحاول تمويه ذلك علي العامة، وسحق العقلاء المخلصين. ولكن إلي متي؟ وهل يمكن أن تدوم تلك؟ وحتي متي يستطيع الانسان أن يغلب أخاه ويموه عليه؟ كلا، لا يمكن ذلك طويلا، وربما خفي علي الجهال، ولكن ماذا تقول بالعقلاء؟ فلنعد إلي التاريخ منذ القدم، الحكومات، الأديان، ذوي العقائد والغايات والمطامع من المستعمرين وذوي القدرة والسيطرة، باسم الفضيلة والعدالة وباسم الدين، كم وكم عم البشر من الشقاء والويلات، وأقرب من كل ذلك أمس عصر النور، واليوم عصر الذرة، الحرب العالمية الأولي، وبعدها الحرب العالمية الثانية، وما تخللها من مظالم باسم الديمقراطية والفاشية والشيوعية، في الشرق والغرب، اعتداء الأقوياء علي الضعفاء، أفرادا وجماعات، واستبداد الأقوياء بالضعفاء باسم الاصلاح لاخفاء معالم الحق والقضاء علي الداعي إلي الاصلاح والي الحقيقة ودفع الظلم، فالدول القوية تحتل الصغيرة وتستثمرها فان دافعت فجزاؤها الدمار، وافراد الشعوب الناطقون بالحقيقة مأواهم السجون، والقتل والتعذيب، وبعدها اشهارهم بالعصيان والعدوان، فانظروا المجازر في بلدان الشرق الأدني والأوسط والأقصي، وإفريقيا وأميركا اللاتينية، بل وداخل الدول نفسها واستبداد زعماء الدول وأنصارهم في الشرق الأقصي والأوسط وإفريقيا وأميركا اللاتينية بالأحرار ورجال الاصلاح.
ومن قبلهم خلفاء بني أمية وبني العباس، بمن خالفهم وقبلهم الآشوريون والأكاسرة والرومان واليونان، والمصريون، ومن دعا للاصلاح من الأحرار امام مظالم الكنيسة المسيحية، تلك هي السياسة وطالما سمي الساسة من هذا الطراز بذوي الرأي الصائب، والأقلية الفاضلة لا تقر ذلك ولن ترضاه، إذ يخالف الدين، يخالف العدالة، يخالف الوجدان والضمير الحي، يخالف ما أمر به الله ورسوله،
(٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: بنو عباس (1)، بنو أمية (1)، الظلم (1)، الحرب (1)
ويخالف رأي الصفوة المخلصة من البشر. وكيف يرضي العاقل الحكيم أن يستبد الجاهل المستهتر، القاسي العاتي، الذي لا يحسب للفضيلة حسابا، ولا يقيم لها وزنا، إلا ما يسد به جشعه ويرضي نفسه وغرائزه، وما السياسة هذه إلا مفسدة للبشر ومنبع للفساد والظلم، ومصدر للجهل الاجتماعي، ومبعث للغواية والفسوق والفجور، والقسوة والمظالم أينما حلت، أفسدت، وجرت معها الحرمان. لا ننسي كلمة الإمام علي (عليه السلام) حين طعنوا في رأيه ودولته فقال: " لولا التقي لكنت أدهي العرب ".
ومنه يظهر انهم كانوا ينددون بسياسته وهو رجل الحق والعدالة والدين، أول الناس ايمانا وأولهم اسلاما ووصي رسول الله خاتم النبيين الذي عين ولايته بأمر من الله، فكان منه بمنزلة هارون من موسي.
وهناك من الساسة من يغتصب حقا ومنصبا ليس له بحكم الدين بحكم النص المنزل، النص الإلهي أو النبوي، ويجلس مجلسا لا يحق له جلوسه. مجلسا لأعلم أهل زمانه وأعدلهم وأتقاهم، وأشجعهم وأبلاهم بلاء حسنا. وأبعدهم وأدقهم بصرا وبصيرة. وأرعاهم للرعية، وأصدقهم لله ولرسوله، مجلسا ومقاما، دعاه الله ورسوله إليه، فإذا عصبة تحتال علي الجماعة، بالمكر والخداع، والغش والتزوير لتنصب عونا من أعوانها ويتظاهر بالصلاح والفضيلة، وهو حريص علي الدنيا حرص الأول علي العقبي ولا يألو من الوصول إلي الهدف باسم العدالة والدين ان يسلط أعوانه علي المصلحين ذوي الحق وأتباعهم باسم الردة والخارجين عن الدين والمفسدين، لتسلب حقوقهم وتصم سمعتهم وتسحق من قد ينبس ببنت شفة من أتباعهم كل ذلك بالتمويه علي العامة والاغواء والاغراء للآخرين، وسد أفواه العارفين الصادقين بالقهر والغلبة والتخويف، والارهاب، والسحق والمحق عند اللزوم، وبعدها اقصاء آخر فرد من المعترضين عن أي منصب. وتضعيفهم لأقصي حد ممكن، في حين يتركون أعوانهم من ذوي الأهواء
(٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الجهل (1)، الهدف (1)، الجماعة (1)
والعصبية ومن سلك مسلكهم يفعلون ما يشيد حكمهم ويذللون رقاب الناس لهم، والسياسة باعتبارها صفة من بلوغ الغايات الدنيوية، فهي تحاول في الوقت نفسه بسط نفوذها في الحاضر وتوطيد ملكها في المستقبل، ولكن هيهات أن يدوم الظلم، وان دام دمر، وكما قيل: وما ظالم الا سيبلي بأظلم. وهاك مثلا جليا ما عمله معاوية بن أبي سفيان هذا الذي فتك بصحابة رسول الله وذرية النبي الأكرم، ابتدع سب أول رجل في الاسلام، هو وصي رسول الله وأخو رسوله من قد فرض الله ولايته علي المؤمنين، يحتم سبه بعد كل صلاة وكل عيد وبعدها قتل من ذكره بخير وقتل من أطري آل رسول الله وما ورد فيهم من كرامات، وتحريف الروايات الواردة في مدحهم وولايتهم وإطاعتهم إلي ذمهم قدر ما استطاع واختلاق الكرامات وكيل المدح لمعاديهم ممن كان تحت مراقبة رسول الله، وممن أقصاه وطرده، وممن لعنه. واستئجار واستخدام وشراء ضمائر جماعة ممن حضر عهد رسول الله بضعة أيام أمثال أبي هريرة لخلق عشرات آلاف الروايات في مدح أعوانهم (1) وقدح أندادهم وتلا معاوية وآله مروان وآله، فما أغني عنهم ملكهم،
(١) قال الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي صاحب قاموس اللغة في كتابه سفر السعادة أن ما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات التي يشهد بديهة العقل بكذبه. وجاء في الصواعق المحرقة صفحة ٣٣ اعتراف مروان بدفاع علي عن عثمان وقال العجلوني (إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني، الشافعي، الشهير بالجراحي (أبو الفداء) مؤرخ، محدث، مفسر ونحوي، ولد بعجلون ١٠٨٧ ه، ١٦٧٦ م، ونشأ بدمشق، وتوفي بها في المحرم عام ١١٦٢ ه ١٧٤٩ م - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة ٢ / ٢٩٢) في كتاب كشف الخفا ومزيل الالباس (صفحة ٤١٩ و ٤٢٤) فضائل أبي بكر الصديق (رض) أشهر المشهورات في الموضوعات كما كذب السيوطي فضائل أبي بكر في اللآلئ المصنوعة (ج ١ / ص ١٨٦ - ٣٠٢) وأيضا ما دسه وأمر بدسه معاوية وكتب لعماله في الآفاق أخرجه أبو الحسن المدائني في كتاب أحداثه. وتاريخ نفطويه ابن عرفه، ورواه ابن أبي الحديد في الشرح (راجع الغدير ٥ و 6 و 7) وفي اعمال أبي بكر راجع موسوعتنا المجلد الثالث (نفس الكتاب) أيضا راجع المجلد الرابع عشر صفحة 215 إلي 395 من شرح نهج البلاغة في المناظرة بين علي وأبي بكر، وسنذكرها مفصلا.
(٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، القتل (2)، الكرم، الكرامة (1)، الصّلاة (1)، الظلم (1)، السب (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب معجم المؤلفين لعمر كحالة (1)، يوم عرفة (1)، محمد بن عبد (1)، دمشق (1)، الكذب، التكذيب (1)، الصدق (1)، الشهادة (1)

الحرية

فباءوا بغضب من الله ورسوله وأبادهم العباسيون وهم الدعاة لآل بيت رسول الله فأبادوهم شر إبادة، وبعد تسنم الحكم أصبحوا ألد أعداء آل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وشردوهم وفتكوا بهم شر فتك، حذار المطالبة بالملك ونصبوا أنفسهم خلفاء لرسول الله، كما نصب معاوية ومروان قبلهم نفسيهما وذويهما خلفاء، ولم يألوا جهدا في مطاردة آل الرسول وطمس اعلامهم والحقائق المنسوبة إليهم، وقد كانت هذه كلها ويلات صبت علي الأمة الاسلامية وأضعفتها وفرقتها ومزقتها شر ممزق. وإذا تحريت أساس كل تلك المظالم والمجازر والمخالفات والضعف والتفرقة وتشتت كلمة الاسلام، فإنما تجدها تبدأ في سقيفة بني ساعدة عند وفاة الرسول الكريم، من مخالفة أوامر الله ونصوصه وعدم اتباع أوصياء رسول الله من بعده الذين نصبهم (صلي الله عليه وآله وسلم) بأمر الله بما ورد من الآيات والروايات المسندة فشحت عليها نفوس قوم فاغتصبوها وكانت تلك نتيجة سياستها التي سوف يأتي شرحها بالأدلة القاطعة فهل من يصغي إلي قول الله وبشارته (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) وما كان ذلك الا مثل قوم موسي حينما خلف عليهم هارون أخاه فخالفوه وكادوا يقتلونه، وارتدوا وكفروا وعبدوا العجل واتبعوا السامري.
الحرية ما أجملها من كلمة " الحرية " وأعظم رجل في التاريخ يدافع عن الحرية ويدعو إليها هو الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الذي قدم نفسه وذويه وأصحابه قربانا، وعياله للسبي، لإعادة الحرية الفردية والجماعية، واحياء دين جده الذي كاد يطمسه آل أمية فكان ما كان، وكلمته المشهورة لأهل الكوفة حينما خاطبهم قائلا:
(٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، مدينة الكوفة (1)، السقيفة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، الوفاة (1)
" يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم ".
فقد تأسر أنسانا بالمال والقوة وتخضعه لنفوذك وتلزمه اتباع أوامرك، أو تحبسه وتسجنه، فتحرمه طعم الحرية البدنية، وقد تأسره رأيا وعقيدة فتجعله أسيرا خاضعا لا يحيد عن اتباعهما وما أكثر هؤلاء بل قل كل البشر أسراء ذلك الا من وهبه الله الإرادة والعقل السليم والبصيرة للحقائق والمدركة للواقعيات. ومن الاسراء من استحوذت عليهم الخرافات والأديان والمذاهب التي وضعها البشر وما أكثرها في آسيا وأخص منها في الهند وإفريقيا وأوروبا وأميركا وغيرها، ومثلها المعتقدات السياسية التي اتخذها البعض مطية لبلوغ أهدافهم وما هي عليه اليوم في زماننا من عقائد شيوعية وديمقراطية وفاشية درجوا خواصها وساروا عليها اسما وحادوا عن حقائقها كما تشاهد ذلك في ما تعمله الدول الديمقراطية باسم الديمقراطية في الشرق والغرب من التعديات وتكالب الشيوعية فيما بينها وتفرق اتباعها فيما بينهم، وما فتكت الفاشية وعملته من مجازر ومذابح، وهناك العقائد الأخلاقية والفلسفية والمناقضة لها وما فتكت بأرقي أفراد البشر مثل سقراط وتلاميذه، وما استعبدته البابوية بالعلم والدين والعقيدة، و و و … الخ.
وهناك الحريات المسلوبة من جراء انتشار العادات المستهجنة كاستعمال بعض المواد المخدرة والمشروبات الكحولية واستهواء بعض الاعمال مثل القمار وحضور محلات اللهو والفجور، بحيث تصبح عادة فتنهك الجسم وتسلبه كل قرار وراحة، وتعود اضرارها علي الفرد والمجتمع.
ولا يجوز لنا القول باضرار جميع المعتقدات من دينية وغير دينية. كلا فهناك من بعث بدين قاصدا انقاذ البشرية من الأسر والبؤس والجهل والأخذ بيده إلي الحرية والسعادة، ونور العلم، ولعمري أي مثل أرقي من الدعوة الاسلامية
(٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: القمار (اللعب بالقمار) (1)، شيعة آل أبي سفيان (1)، الهند (1)، الجهل (1)، الشهادة (1)، الجواز (1)
الموجهة للعالم كله. كلمة التوحيد كلمة البر والاحسان والاصغاء للعقل، والتفكير في وقائع الأمور والتلذذ بملذات الحياة. قال تعالي: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا) (1).
تزكية النفس، عدم ظلم النفس، وعدم التعدي علي الغير، والخلق السامي، تجنب الظلم بأنواعه، وإقامة العدل حتي علي النفس وأقرب الأقرباء، وتساوي الحقوق البشرية علي الإطلاق، وعدم تفضيل أحد علي آخر الا بالتقوي. المؤمن كف ء المؤمن من أي عنصر كان ولون ومركز وغيره.
ويكفينا أن نري الحجاز والجزيرة العربية كيف كانت قبل الاسلام حتي بآلاف السنين، وكيف ارتفع شأنها بأقل من عشر سنوات للهجرة فتشكل إمبراطورية. كيف كانت سيرة رسول الله مع أصحابه المسلمين، والقرآن الكريم وما فيه من تعاليم وأخلاق وعقائد، يقصد بها سعادة البشر وخيره، وقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (2) وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (3) ولقد وضع رسول الله للحياة البشرية مناهج السعادة، وأنزل الله لهم كتابه الكريم، بما فيه من التعاليم، ولم يتركهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) سدي بعده فعين أوصياءه من بعده حيث قال: " إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (4) وهل يمكن ان يترك أمته دون أن يعين وصيه
(١) سورة الأعراف الآية: ٣٢.
(٢) سورة البقرة، الآية ١٨٥.
(٣) سورة الحج، الآية ٧٨.
(٤) معالم المدرستين للعسكري ١ / ٤٢٨ و ٤٢٩ نقلا عن ذخائر العقبي، لمحب الدين الطبري / ص 20، وفي رواية أخري: " ومن تخلف عنها هلك " كما في كنز العمال، ط 1 / ج 6 / 153 و 216. وغيره من المصادر.
(٣١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الثقلين (1)، جزيرة العرب (1)، القرآن الكريم (1)، الرزق (1)، الظلم (1)، الإقامة (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، سورة الأعراف (1)، سورة البقرة (1)، سورة الحج (1)، الهلاك (1)

النفاق واخفاء الحقيقة

من بعده، وهو حامل لواء الحكمة والمنطق والعقل الذي هدي هذه الأمة وهو خاتم النبيين.
وما تفرقهم الا لتركهم وصيته في الثقل الثاني واتباع من لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يدلهم علي طريق الرشاد، فكان ما كان، وان وصلوا هذا الحد الذي بلغوه فما هو الا بفضل القرآن والتعاليم الثابتة، وما كان قصد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الا ان يقود هذه الأمة أعلمهم واتقاهم وأزهدهم وأشجعهم وأثبتهم علي اتباع حدود الله ورسوله وأدراهم بتأويل آياته، وأبعدهم نظرا وأدقهم في حاضر الاسلام ومستقبله، ولكن اغتصبوها، والمسلمون في عهد لما يتأصل الدين في نفوسهم بعد، وأعداؤه من مشركين ومنافقين وأهل الكتاب المتربصين بالمرصاد في أي نزاع قد يقضي علي الاسلام من اصله وما كان من يطلب الاصلاح الا بالصبر ورعاية الاصلاح كما جاء في الخطبة الشقشقية. وكما جاء في خطبة الزهراء التي سندرجها في هذا الكتاب.
النفاق واخفاء الحقيقة ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وان خالها تخفي علي الناس تعلم (ومثلها: ما في الجنان يظهر علي صفحات اللسان). هذه وان عني بها الافراد في سلوكهم، فكثير من الافراد يحاولون اخفاء مكنوناتهم فيتظاهرون بصفات ويخبئون صفات ومزايا أخري والغالب يتظاهرون بالصفات الفاضلة والمزايا الجميلة، من كرم وشجاعة، ومعروف، وصدق واخلاص وتقوي وصلاح ويحرصون علي اخفاء ما يخبئونه من الرذائل، من بخل وجبن وكذب ونفاق وفسق وفجور وفساد، ولكن هيهات فهي تظهر في أقوالهم وأفعالهم وسلوكهم وأعمالهم، وهذا الخلق قد ينتقل من الفرد إلي الجماعة، وهم يدرجون منهجا
(٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أهل الكتاب (1)، القرآن الكريم (1)، الصدق (1)، الجماعة (1)
يسردون فيه غايات سامية وأمورا اصلاحية، وموارد تبعث الرغبة لاعتناق فكرتهم والانخراط في مذهبهم أو حزبهم، وإذا بهم عند بلوغ الهدف رجال سياسة يستسيغون كل منكر، ويستحلون كل قبيح، ويكرهون ويتجنبون كل فضيلة تناقض غاياتهم. ومع هذا فلا تجدهم يذعنون للواقع بل دائما وابدا يحاولون القاء جلباب الحق علي مجسمة الباطل وتشويه الحقائق وتزييفها، بما تستسيغه رغباتهم وغاياتهم، وبقدر ما يبلغون من مدارج القوة يزيد ظلمهم وقساوتهم وبقدرها تزيد دعايتهم لتمويه الحقائق وتغشية اعمالهم بالصفات الفاضلة والعادلة والمعقولة. واليوم كم تجد في رجال السلطة من يتملك كل وسائل الدعاية من مال وثروة لنشر كل ما يروق له في الصحف والمجلات الأجنبية بقوة المال، إضافة إلي امتلاك كافة وسائل الدعاية الداخلية من صحف وراديو وتلفزيون وغيرها وشراء ضمائر الافراد ونصبهم في المجالس العامة باسم نواب الشعب وأعيانه، وبث الجاسوسية لمن تحرضه نفسه للنقد والقاء القبض عليه لزجه في أعماق السجون أو قتله أو تعذيبه، هذا اليوم نجدها في كثير من الدول في الشرق الأدني والأوسط وكثير من البلاد الأخري، وهل لك ان تخاطب الغاصب غاصبا، والظالم ظالما، والسارق سارقا، والدنئ والرذيل دنيئا ورذيلا، وبيده القدرة والسلطة والمال وتسنده القوي المماثلة ذوات المطامع الكبيرة، كلا والف كلا، فما هو العلاج إذا؟
فمن هو المنافق؟ بلي هو المتظاهر بخلاف ما يبطن وهو بعرف الاسلام:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة * ويروغ عنك كما يروغ الثعلب اما ان يكون فاسقا مرائيا أو كافرا مرائيا، فالنفاق يولد أشد أنواع الكفر والفسق (1) بعرف الشرع، وطالما حذر القرآن المسلمين من المنافقين وأعمالهم، ويظهر ذلك في أعمالهم وأقوالهم وهم أشد خطرا علي الاسلام والمسلمين ومن
(1) ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
(٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (1)، النفاق (3)، الهدف (1)
ألد أعدائهم من أهل الكتاب ومن المشركين، وكم كان لهؤلاء الدور الخطير علي حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأعظم منه بعد وفاته حيث خالفوا أوامر الله ورسوله فيما نزل في كتابه وما أعلنه علي رؤوس الاشهاد مثل تعيين وصيه وخليفته من بعده عليا وآله من ذرية رسول الله فغصبوهم حقهم وطاردوهم في حياتهم، وأوصوا لألد أعداء الاسلام بالخلافة من بعدهم، نصا وتلميحا، ومزقوا بذلك الاسلام تمزيقا، وأضعفوه جيلا بعد جيل كما فعل أصحاب موسي مع هارون حين غيبته بيد أن ذلك كان أشد في الاسلام، إذ أن موسي عاد وأصلح ما أفسدوه، ولم يعد محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) بل كان الواجب علي وصيه المنصوب من الله وذريته الثقل الثاني المعادل للقرآن في حفظ كيان الاسلام ورعايته، وان غصب حقهم وأخذ علي أمرهم، فكان لا بد من الصبر وبذل الجهود قدر المستطاع لحفظ بيضة الاسلام، واصلاح ما فسد، وعلي أقل تقدير حفظ الأصول وابعاد البدع، مرة بجهودهم ومرة بدمائهم، فكم تحمل الإمام علي بعد رسول الله وما أصاب زوجته الطاهرة الزهراء وهم وشيعتهم يعانون ما يعانون لا من غصب حقهم وحسب بل وهم يشاهدون السفينة بيد غير ربانها فعليهم هدايته، فكم عدلوا ما اعوج من الاعمال، وأصلحوا من الفتاوي والاجتهاد الخاطئ علي هذه الأمة، وكم نصحوا في نصح أعدائهم الغاصبين في إدارة دفة الحكم وإدارة دفة الحروب ثانية مراقبين الأمور من كثب، حتي قتل علي المرتضي بضربة أشقي الأشقياء، وإذا به يقول:
" فزت ورب الكعبة " فانظر إلي حياته التي كان يقاسيها وهو خليفة، فيشعر بالفوز بالموت.
واما أبناؤه الأئمة فلم يكن جهادهم أقل منه، كيف انتهت بموت الحسن مسموما وقتل الحسين وأولاده وأخوته وصحبه شهداء وسبي نسائه وقاية لدين جدهم، وهكذا كان شأن أولادهم بين قتيل ومسموم ولم يألوا جهدا لحفظ الاسلام ونشر شريعته الحقة لذا إذا قايست ما أدلوه من الروايات وما أفتوه واجتهدوا به
(٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: حياة النبي (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أهل الكتاب (1)، الزوجة (1)، الشهادة (1)، القتل (2)، الغصب (2)، الصبر (1)، الإبداع، البدعة (1)، السفينة (1)

المسلم

تجد البون الشاسع بينهم وبين غيرهم من علماء المسلمين حتي أولئك الذين اخذوا منهم.
المسلم من اعترف بدين الاسلام وبالتوحيد والنبوة ويكفي الاعتراف لسانا وقوله تعالي: (ولا تقولوا لمن القي إليكم السلام لست مؤمنا تريدون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) (1).
المؤمن والايمان اعتقاد قلبي عميق، والمؤمن هو المعتقد، والايمان لا يخص مذهبا أو عقيدة أو فكرة، بل كل من اعتقد بشئ وأحبه وأيقن به، وعمل من أجله واثقا وثوقا قلبيا، كان مؤمنا به وفي الاسلام: من أخلص لله وآمن برسوله ووثق وأطاع أوامره وعمل بها ظاهرا وباطنا.
(1) سورة النساء، الآية 94.
(٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: سورة النساء (1)

المؤمن

تجد البون الشاسع بينهم وبين غيرهم من علماء المسلمين حتي أولئك الذين اخذوا منهم.
المسلم من اعترف بدين الاسلام وبالتوحيد والنبوة ويكفي الاعتراف لسانا وقوله تعالي: (ولا تقولوا لمن القي إليكم السلام لست مؤمنا تريدون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) (1).
المؤمن والايمان اعتقاد قلبي عميق، والمؤمن هو المعتقد، والايمان لا يخص مذهبا أو عقيدة أو فكرة، بل كل من اعتقد بشئ وأحبه وأيقن به، وعمل من أجله واثقا وثوقا قلبيا، كان مؤمنا به وفي الاسلام: من أخلص لله وآمن برسوله ووثق وأطاع أوامره وعمل بها ظاهرا وباطنا.
(1) سورة النساء، الآية 94.
(٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: سورة النساء (1)

العدالة في الجسم الانساني

العدالة في الجسم الانساني
صفحه(٣٧)
هي من أبرز العدالات التي يجب ان تجلب انتباه العاقل والمتعظ والمؤمن المخلص، وقد قيل " اعرف نفسك تعرف ربك ".
1 - فالعدالة واضحة في تقسيم الطعام والغذاء علي الأجهزة والحجيرات والخلايا من أعلاها إلي أدناها علي قدر ما هو موجود في البدن وبقدر الاحتياج دون ذخيرة خاصة لجهاز دون جهاز وحجيرة دون حجيرة.
2 - العدالة واضحة في توزيع الاعمال الاختصاصية في كل جهاز ولكل حجيرة، فليس للقلب ان يعمل عمل الكبد، ولا الطحال عمل الكلية، ولا المعدة عمل الرئتين، ولا واحدة منها عمل المخ أو المخيخ ولكل منها حجيراتها فلا تري قيام حجيرات المخ مقام حجيرات القلب، وحجيرات القلب مقام حجيرات الكبد، ولا حجيرات الكبد بمحل حجيرات الأمعاء، والعكس بالعكس، وإذا أراد طبيب ترميم قسم من البدن فلا بد له ان يرمم ذلك بما يساويه من تلك الحجيرات، وإذا أخطأ ورمم حجيرات المخ، بحجيرات أي جهاز آخر غير المخ، أو رمم حجيرات الكلية بحجيرات الطحال، فمعناه القضاء المبرم لا علي الجهاز فحسب، بل علي البدن كله. اذن لا يجوز في البدن الانساني وضع الشئ في غير موضعه أو ترميم مركز بمركز مخالف أبدا، إذ لكل ميزته. وإذا عمل ذلك بقدر ما كان التغيير قريبا أو بعيدا، ففساد وخراب، وذلك نفسه يجري في تشكيل المجتمع البشري. وما تري
(٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: الطعام (1)، الجواز (1)
فيه من المفاسد والمجازر والظلم والاستعباد كل ذلك لوضع الفرد في غير موضعه وإسناد المناصب لغير متخصصيها، وقد شاهدت بأم عيني رجلا حصل علي درجة الدكتوراه في الآثار القديمة من ألمانيا وهو لا يعرف سوي اللغة الألمانية، وعند استخدامه في العراق في عهد الاحتلال البريطاني عينوه مدرسا باللغة الانكليزية، وذلك في بلاد مستعمرة وكلما نادي أن ذلك يخالف تخصصه وانه لا يعرف اللغة الانكليزية لا يري من مجيب، وعلي هذا لا يستطيع ان يفيد ولا يستفيد. اما إذا كان المنصب حساسا كرئيس دولة أو وزير فعلي قدر حساسية المنصب تتوضح الإساءة للمجتمع، كما قيل إن في بلاد مستعمرة أخري زيفوا قنابل المدافع في مراكز الجيش وعندها تجد الجيوش المهاجمة مرتعا خصبا للهجوم أمام هذا الدفاع المزيف (1).
3 - ومن العدالة عدم التزييف والتحريف في وصول الانباء في البدن الانساني. فالأنباء والإيعازات والمطالبات والاخبار كلها تصل مراكزها صادقة حقيقية طبقا لواقع الطبيعة البشرية واحتياجها فيكون التدارك واقعيا أيضا والتلبية حقيقية.
اما اليوم فتجد في كثير من البلاد اختلاق الاخبار والانباء لإغراء واغواء افراد الشعب، وتري الكذب والتزلف والنفاق في الأمة الواحدة.
4 - قيام كل عضو بوظيفته دون تدخل في الأعضاء الأخري الا بالقدر المحدد له طبيعيا، وهذا ما لا تجده في أكثر المجتمعات البشرية حيث تري الطبيب والمحامي والموظف والتاجر والعامل و و و الخ، كل منهم يتجاوز اختصاصه مادا يده إلي اختصاصات غيره ومقصرا في وظيفته التي أنيطت اليه. فتري الظلم والتعدي نفيا واثباتا واضحا في المجتمعات البشرية.
(1) وهذا ما حصل بعد وفاة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فسبب انقسام الأمة وضعفها إلي اليوم.
(٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، الكذب، التكذيب (1)، النفاق (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الوفاة (1)
وفي جميع ما مر عند عدم وجود تشابه بين أجهزة البدن الواحد والسلطات في المجتمع يولد فساد وأدواء اجتماعية قريبة وبعيدة مثل تخصص الأطباء في البدن والحكماء وعلماء الاجتماع في المجتمعات الانسانية وفوق جميع العلماء والحكماء لمعرفة تلك الأدواء هم الأنبياء والرسل الذين جهزهم الله بأوامره وأرسلهم لهداية البشر، ذلك بعرف الدين الحنيف فإذا بحثنا في الدين فيجب أن لا نخلط السياسة به لأن الدين كما نعرف أبعد مدي وأدق في تعليم البشر لسعادته الدنيوية والأخروية وتعميم المساواة في جميع طبقاته دون قيد أو شرط في جنسه ولونه وعنصره وغير ذلك، فكلهم امام الله علي حد سواء.
وبعد ان هيأنا أنفسنا دينيا فعلينا عدم ادخال السياسة الدنيوية أبدا في الأمور الدينية. فالسياسة اقتضت في زمن بني أمية ان تسند المناصب الحكومية للعرب فحسب، وأن يكون العرب سادات العالم، وليس لغير العرب ذلك. وجاءت بعدها السياسة العباسية فأدخلت الفرس وثم أدخلت الترك واختلف الآراء والعقائد في الدين الواحد والأصل الواحد بمخالفة الآية (ان أكرمكم عند الله اتقاكم). فكان اسناد المناصب بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي غير أهلها وقيام غير الأخصائيين الدينيين الذين عناهم الله ورسوله مؤديا لقيام جميع تلك الفتن والفرق والضعف وجميع تلك المظالم والمفاسد. لذلك قدمنا حديثنا مشروحا عن المواضيع الماضية أخص فيما سلف عن الدين والسياسة وان الدين والسياسة شيئان مختلفان. والدين انما هو من الله وبأمره أوحاه إلي رسوله محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وأوجب اتباعه وقال عن نبيه (لا ينطق عن الهوي * إن هو إلا وحي يوحي) (1) كما قال الله أيضا في كتابه الكريم (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2).
(1) سورة النجم، الآيات 3 و 4.
(2) سورة الحشر، الآية 7.
(٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، بنو أمية (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، الطب، الطبابة (1)، سورة النجم (1)، سورة الحشر (1)
وكم وردت في سورة المائدة 44 و 45 و 47 (1) آيات في من يخالف أوامر الله ورسوله فقال: انهم الكافرون والظالمون والفاسقون. ولكم بين رسول الله وهو العقل الكلي لهذه الأمة الاسلامية وهو الذي عرفه الله وأوجب عليه ان يعرف وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأدلي له قولا وفعلا ورباه منذ الصغر وبرهن علي أنه اشجع واعلم واتقي اهل زمانه وأقربهم إلي الله ورسوله، لم يسجد لوثن ولم يدخل حربا الا كان رئيسا بعد رسول الله وفاتحا في كل حروبه، نصبه وزيرا ووصيا وهو بعد في الرابعة عشرة في يوم الدار حينما نزلت الآية (وانذر عشيرتك الأقربين) (2)، وهو الذي بات في فراش النبي ليلة الهجرة فاديا إياه بنفسه. آخاه قبل الهجرة وبعدها وقال فيه: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي الا انه لا نبي بعدي " (3)، وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين وهو الذي فيه وفي زوجته وابنيه الحسن والحسين نزلت آية التطهير (4) وهو الذي نزلت فيه آية الولاية (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (5) حينما تصدق في صلاته، وهو نفس الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في آية المباهلة (6) وهو الذي
(١) (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) (فأولئك هم الظالمون) (فأولئك هم الفاسقون).
(٢) سورة الشعراء، الآية ٢١٤.
(٣) سير اعلام النبلاء ٧ / ٣٦٢، ١٣ / ٣٤٢، ١٤ / ٢١٠ بطرق مختلفة، معالم المدرستين لمرتضي العسكري ١ / ٤٠٥ و ٤٠٧ و ٤٩٨ بألفاظ مختلفة نقلا عن: صحيح البخاري ٢ / ٢٠٠، باب: مناقب علي بن أبي طالب، صحيح مسلم ٧ / ١٢٠، باب: من فضائل علي بن أبي طالب، مسند الطيالسي ١ / ٢٨ و ٢٩ ح ٢٠٥ و ٢٠٩ و ٢١٣، مسند أحمد بن حنبل ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٩ وغيرها، مستدرك الحاكم ٢ / ٣٣٧، طبقات ابن سعد ٣ ق ١ / ١٤ و ١٥، مجمع الزوائد ٩ / 109 - 111، ومصادر أخري كثيرة غيرها.
(4) (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
(5) سورة المائدة، الآية 55.
(6) (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) وقصده (محمد وعلي).
(٤١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، آية التطهير (2)، يوم عرفة (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، سورة المائدة (2)، الزوجة (1)، الزكاة (1)، السجود (1)، الصّلاة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، علي بن أبي طالب (1)، سورة الشعراء (1)
قال فيه رسول الله يوم قتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق " ضربة علي تعادل عبادة الثقلين ". إذ لولا علي لقضي عمرو وحده علي الاسلام (1) - وهو الذي قال فيه يوم خيبر " لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار " وفتح خيبر بعد أن فر أبو بكر وعمر في اليومين السابقين، وهو الذي نزلت فيه ما يساوي ثلاثمائة آية من كرائم القرآن، وهو الذي ترك رسول الله - بأمر الله - باب داره مفتوحا علي المسجد وسد جميع أبواب المهاجرين، وأعظمها يوم غدير خم يوم نزلت الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (2).
وما انزل اليه سوي ذكر الوصاية والولاية من بعده فرقي أقتاب الإبل حتي رآه الجميع وبعد أن استشهدهم انه أدي وانه أخلص وانه بلغ وصدقوه، قال:
" من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "، ثم طلب ان يبلغ الحاضر الغائب وكان عددهم آنذاك بين 100 - 200 الف، وسلم عليه عمر وأبو بكر بامارة المسلمين وهنآه ثم نزلت الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (3) وهل يمكن لرسول الله أن يترك أمته بدون وصي يرجعون اليه وامام يأتمون به، وحتي لو ترك رسول الله الوصية - والعياذ بالله - كان علي هو الأحق بالوصاية إذ عليه وبه قام هذا الدين ولولاه لخذل المسلمون واندحروا في الغزوات. وبعد ذلك خذ آراءه في الدين والمنطق في زمن رسول الله وبعده، وحتي في زمن أبي بكر وعمر وعثمان كان هو الواقف بالمرصاد لتعديل ما اعوج وأداء المشورة حتي قال عمر كرارا (لولا علي لهلك عمر). ومن المعلوم انما تقدم
(1) قال (صلي الله عليه وآله وسلم) عند مبارزة علي لعمرو بن عبد ود " برز الاسلام كله للشرك كله ".
(2) سورة المائدة، الآية 67.
(3) سورة المائدة، الآية 3.
(٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: آية الإكمال (1)، خيبر (2)، القرآن الكريم (1)، القتل (1)، السجود (1)، الوصية (1)، سورة المائدة (2)

نتائج وآثار

المسلمون في زمن أبي بكر وعمر ليس بقدرتهما العقلية بل بالمنهج الذي وضعه رسول الله وآراء وأفكار علي بعد مشاورتهما له وتخطيطه لتلك الفتوح (1)، وانما دب الفساد والتفرقة والضعف نتيجة شغل منصب الخلافة بعد رسول الله من قبل غير أهله الذين أمر بهم الله، فكان كمن يضع الشئ في غير موضعه كما تكلمنا عن العدالة في جسم الانسان فدب الفساد عاجلا وآجلا ولا يصلح الا بأولها. والعود إلي البدء والتمسك بالثقلين الذين قال بهما رسول الله " كتاب الله وعترتي " وهو أعلم بذلك.
نتائج وآثار أعود لأذكر ان بحثنا ديني لا تشوبه السياسة ومساوئها، يدور حول ما أمر الله به في القرآن، وأوامر ونواهي رسوله الكريم، تلك التي يعتبر كل اعتراض عليها انما هو اعتراض علي الله، وكل مخالفة لها هي مخالفة لله، وان الله ورسول الله الذي يستمد علمه وكل شئ من الله ليسا بحاجة للتجربة والتمحيص والمداهنة واستخبار صحابة رسول الله وافراد المسلمين لمعرفة درجة إطاعتهم وايمانهم. كلا لا حاجة إلي ذلك، فلا يكون هناك شئ في ضمائر الافراد إلا ويعلمه الله ولا حاجة لأعمال يريد بها معرفة درجة ايمانهم وإطاعتهم. ولا شك في أن الصحابة المقربين أولئك الذين لازموا رسول الله واستمعوا له وأطاعوه ولم يخالفوا لا في كبيرة ولا في صغيرة من أوامره ونواهيه، في حياته وبعد مماته، لهم الدرجات العليا في مقام الايمان، وتختلف هذه الدرجات بالنسبة لسبقهم، ولوفور عقلهم، ودرجة اخلاصهم، وتلبيتهم لله ورسوله في أمره ونهيه، وهم أوفر حظا من باقي
(1) راجع ما كتبناه عن علي (عليه السلام) في جزأين من هذه الموسوعة أخص ما جاء في كتاب " رب القلم والسيف ".
(٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، القرآن الكريم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)
المؤمنين في غير عهد رسوله، لأن عليهم تركز الايمان، واستقر بناء صرح الاسلام، وقضي علي الشرك والمشركين. اما الذين داهنوا ونافقوا وأبطنوا خلاف ما أظهروا سواء ظهر ذلك في زمان رسول الله أو بعد وفاته، تلك النوايا التي ظهرت صريحة في مخالفة أوامره ونواهيه قولا أو عملا أو كلاهما، وعملوا علي مخالفة أوامر الله ورسوله وأعظمها هي مخالفة رسول الله في وصيه (أي عليا) وهو امامهم وأميرهم وقد قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية "، ونقض بيعته التي هنأوه بها يوم قالوا له " بخ بخ لك يا ابن أبي طالب لقد أصبحت مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة "، وخالفوا وصية رسول الله فيه كما خالفوها في بضعته حينما قال: " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله ". وقال الله تعالي: (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله …
الخ) وربما كانت حجتهم أنهم وإن خالفوا لكنهم أقاموا ما أمر الله به في قرآنه وسنته فالجواب: أهم أعلم من الله ورسوله بذلك؟ ثم إذا ظاهروا بإقامة الحدود والسنن في زمانهم في الظاهر فكم بدلوا نصوصا قرآنية جهرا سيأتي ذكرها ومنعوا تدوين السنة وغيروا سننا نبوية يأتي ذكرها، وقتلوا كثيرا من المسلمين وظلموهم وسلبوهم، وفتكوا بهم باسم الردة، والحقيقة انما كان ذلك لان أولئك انما اعترضوا عليهم بالوصية والولاية كابن نويرة وغيره وإذا صح ان المسلمين بايعوا أبا بكر، فلماذا جاهر عمر بأن بيعة أبي بكر فلتة وقي الله المسلمين شرها، وإذا كانت الخلافة يجب أن تكون باجماع المسلمين، فلماذا ينص أبو بكر علي عمر وحده ويخالف الصحابة المقربين من إجازة ذلك، أكان هو أدري من الله ورسوله. ايها القارئ الكريم، أنصف ولا تأخذك العصبية الجاهلية، لأننا نريد أن ننزه الاسلام ونعيده إلي قوته ونعرف بعد ألف وأربعمائة سنة العوامل التي أدت إلي ضعفه وتشتته والعوامل التي أدت إلي المذابح والمجازر بين المسلمين، ثم من أسند الخلافة إلي عثمان وبعده إلي بني أمية مقصودة غير مجهولة؟ أليس أبو بكر وعمر
(٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: معرفة الإمام (1)، بنو أمية (1)، الكرم، الكرامة (1)، الموت (2)، القتل (1)، الجهل (1)، الوصية (1)
وعمر بالذات الذي عين الشوري في ستة اشخاص علي تلك المشاكل في حين كان بلغ بآل أمية الدرجة القصوي من القوة والقدرة إذ أيد ملكهم بولاية الشام وقوي فيها أدهي افراد بني أمية سياسة، تلك السياسة التي ذكرناها آنفا ونشرحها فيما بعد، وهو يعرفه حق المعرفة كما صرح بذلك عمر عن معاوية، حيث قال: إنه كسري العرب، فما الذي دعاه إلي تقوية أعدي أعداء الاسلام (1) وأبعدهم عن الايمان وترك سيوفهم مسلطة علي رقاب المسلمين وقد تنبأ وتفرس باعمال عثمان هذا الذي كان كاتب سر أبي بكر وأمين سره وهو الذي كتب لابي بكر عهده لعمر قبل وفاته لماذا وهو يعترف، واعترف جهارا ومرارا انه لولا علي لهلك عمر، وهو يعلم كما قال " اما لو وليها الأصلع (أي عليا) لأقامكم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم " وهو يعلم بأن بيعة أبي بكر فلتة، وهو يعلم بأن رسول الله كلما بدت منه فرصة فضل عليا وبين فضله، ويعرفون أن عليا نزلت فيه وفي فاطمة والحسنين مع رسول الله آية التطهير، ويعلم ان عليا نفس رسول الله في آية المباهلة (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) (2) وهو يدري ان رسول الله حتي عند وفاته حين طلب القلم والقرطاس انما أراد أن يكتب عهدا لعلي فقال عمر: " إن الرجل ليهجر " وتأتي أسانيد ذلك في هذه الموسوعة، عزيزي القارئ! إني لا أزال أتكلم معك عن دين الاسلام، وأن رسول الله (لا ينطق عن الهوي * ان هو الا وحي يوحي) فمن يدري كل ذلك ويخالف الله ورسوله ويقدم غيره ونفسه للخلافة في حياة خليفة رسوله، ثم يخالف بضعته ويؤذيها حتي تموت وهي غضبي منهما. والذي سيأتي ذكره والذي ظهر نتيجة
(١) راجع ما جاء في أسد الغابة ج ٣ ص ٣٥، وما بعدها من وصية عمر لابنه عبد الله ان يعادي عليا ويحاربه ويلتحق بالفئة الباغية، أي معاوية ومواليه وقد ذكره الكاتب محمود أبو رية في كتابه " أبو هريرة " ص 191، ط 2.
(2) سورة آل عمران، الآية 61.
(٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: آية التطهير (1)، بنو أمية (1)، الشام (1)، الموت (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، أبو هريرة العجلي (1)، سورة آل عمران (1)، الوصية (1)

المكر في زمن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعده

اعماله كما سيأتي فيما بعد من تشتت الاسلام بسبب يوم السقيفة وغصب الخلافة ألا يصح هذا ان نقول إن خلفاء بني أمية اختلقوا الأحاديث لمدح من ولاهم وحرفوا الأحاديث لمن نصبهم الله ورسوله؟ أليست هذه المصائب في الاسلام تبدأ من يوم السقيفة؟ فما جزاء من أسس أساس الظلم والجور في الاسلام؟ وغصب حتي أوصياء رسول الله وخلفاءه، وخالف أوامره؟ (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) (1). (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (2). (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (3).
المكر في زمن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعده بعض الصحابة يمكرون للاسلام في زمن الرسول وبعده. وهم يعلمون وأخص منهم الخليفة الأول أبا بكر وهو يدري انه كان مأمورا وأحد الصحابة في جيش أسامة ومعه عمر وطلحة والزبير وغيرهم، وفي مرات عديده يأمرهم رسول الله بالخروج ولم يخرجوا حتي قال: " لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " وبعد عمل السقيفة وترك جنازة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعدها غصب حق ابنته فدك وهي ملكها وهبها لها رسول الله زمن حياته حتي أعادها لأهلها عمر بن عبد العزيز والمأمون مرة من بعده وبعدها غصب الخلافة والوصاية من علي كما مر ويأتي تفصيله، وبعدها إرغام الصحابة المقربين وبني هاشم علي البيعة ثم النكاية بهم، وأقصاؤهم عن أي تدخل وحبسهم في المدينة، وإدلاء كل حق لهم إلي خصومهم حتي بعد موتهم، ذلك مع سبق الإصرار والعلم والدراية بكل أوامر رسول الله
(1) سورة الإسراء، الآية 21.
(2) سورة الزلزلة، الآيتان 7 و 8.
(3) سورة الشعراء، الآية 327.
(٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، السقيفة (3)، الظلم (1)، الغصب (2)، سورة الإسراء (1)، سورة الشعراء (1)، سورة الزلزلة (1)
المشددة في وصاياه خصوصا في عترته كما سيأتي، حيث قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا "، وقد لعن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) معاوية ومروان بن الحكم في حياته وإذا بهما خليفتا رسول الله وغاصبا تراثه، وقاتلا عترته الثقل الذي أوصي به رسول الله بالاجماع، ولا تخفي مظالمهم وحروبهم في الاسلام، واعلان عدائهم لآل بيت الرسالة سرا وجهرا، ولا ننسي مجازر كربلاء وقتل الحسين وأولاده واخوته وأصحابه والمذابح التي أعقبتها للطلب بدمه وقبلها المجازر التي أقامها معاوية في الصحابة والموالين لأهل البيت والموالين لوصي رسول الله وأخيه علي بن أبي طالب.
وأوجب سبه بعد كل صلاة وفي كل عيد. فمن أسس هذا الأساس؟ ومن أقام هذه المجازر؟ ألم يؤسسها أصحاب السقيفة الذين غصبوا الخلافة عمدا وغصبا عالمين عامدين ومصرين أن لا تعود أبدا لأهلها ولم يجدوا من أعداء آل البيت من هو أشد خصومة من بني أمية وآل معيط فهيأوا لهم الأسباب وثبتوا اقدامهم. وإذا نسيت فلا تنسي ان الخليفة الثاني طالما شدد علي ولاته بعزلهم وتجريمهم سوي معاوية فقد كان يزيده ويقويه، ويهئ له كل وسائل الخلافة وبه كان يهدد خصومه، لماذا؟ ألأنه عادل؟ ألتقواه؟ ألعلمه في الاسلام واخلاصه له؟ ألسابقته في الاسلام؟ ألبلائه في تشييد الاسلام؟ ألوصية سبقت من الله ورسوله فيه؟ أي خصلة خولت لأبي بكر وعمر (وعمر بالخصوص) أن يجل بني أمية هذا الاجلال ويعطيهم زمام أمر المسلمين؟ لم يكن سوي خصومتهم لآل بيت رسول الله ولوصي رسول الله علي الذي سلم هو وصاحبه عليه " يوم غدير خم " سلام الامارة وهنآه بها، لم يكن إلا حقدا وحسدا لرسول الله ولم يهمهما شئ سوي الوصول لغايتهما وتشييد اسمهما ولم تكن قد زالت عندهما العصبية الجاهلية يوما من الأيام. وصاحبه عمر الذي قتل ابنه عبد الرحمن لإقامة الحد عليه ظلما وعدوانا وهو مريض وقد كان قد أقيم عليه الحد وشهد علي ذلك ولاته وجماعة
(٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مروان بن الحكم (1)، علي بن أبي طالب (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، أصحاب السقيفة (1)، بنو أمية (2)، غدير خم (1)، القتل (2)، الجهل (1)، الصّلاة (1)، الوصية (1)، الجماعة (1)
من المسلمين وهو الذي حبس الصحابة في المدينة ولم يجز لهم الخروج وهو الذي كان إذا عجز عن جواب من يسأله عن شئ من أمور الشريعة يهوي عليه بدرته حتي لا يجسر آخر، وهو الذي خالف النصوص القرآنية والسنن النبوية صراحة، ويعلم كما يأتي ذكر ذلك (1) وهو الذي اجتهد دون علم وكان الناس أصلح منه حتي النساء، وكلمته المشهورة: " كل الناس أفقه منك يا عمر " وهو الذي وقع في مشاكل كثيرة واضطر من أجل حلها لعلي، ولطالما قال: " لولا علي لهلك عمر "، وهو الذي اعترف بشدة عدل علي وحرصه علي الاسلام، حتي قال: " لو وليها الأصلع - أي لو ولي الخلافة علي - لأقامكم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم "، فما هذا التناقض؟ لماذا جلس مجلس الخلافة؟ ولو قلنا غريزة حب الذات هي التي دعته لذلك، لكان الجواب: إذا لماذا أدلي بها لآل معيط وآل أمية بعد وفاته؟ ولماذا حكمه يختلف في العرب والعجم؟ وكان يكن للعجم البغض حتي قال: ما حن عجمي علي عربي، ولم يكن هذا في الاسلام ولم يفرق الاسلام بين أحد وربما القي القرآن التبعة علي العرب أكثر من غيرهم فقال:
(الاعراب أشد كفرا ونفاقا) وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله علي رسوله، لان أكثرهم كانوا مشركين وجهلة، فيهم النعرات القومية والتعصبات الجاهلية علي رأسهم آل بني أمية ألد أعداء الاسلام قبل دخولهم الاسلام وبعده فيوليهم بها وواليه معاوية هو القائل مخاطبا لزوجته:
إذا مت يا أم الحميراء فانكحي * فليس لنا بعد الممات تلاقيا وقول يزيد ابنه الخليفة الأموي الثالث:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل
(1) راجع الجزء السادس من موسوعتنا هذه في عمر كتاب الخليفة الثاني.
(٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (1)، القرآن الكريم (1)، الموت (1)، الزوج، الزواج (1)، الجهل (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)
ما أعظمها رزية كلمة تخرج من فم رجل ينصبونه خليفة لرسول الله فيقتل ذرية رسول الله في سنة ويستبيح مدينة رسول الله قتلا وهتكا وتخريبا في سنة، ويقصف كعبة المسلمين في أخري! علي من تقع تبعة كل هذا؟ ومن أسند هذا المسند لهم؟ ومن هيأ لهم هذه المناصب؟ علي من تقع تبعة هذه الأوزار وما لحق بها من ذلك العهد إلي هذا العهد؟ ورب سائل يسأل: وما قولك ببني العباس وهم أولاد عم رسول الله وعلي، فأقول: هم الآخرون غلبت عليهم الدنيا، ورغم علمهم بأحقية آل علي فقد اثبتوا ما كان علي ما كان من ظلم أولاد عمهم حفظا لملكهم وهل يمكن ذلك من الاعتراف بأحقية آل الرسول وإعادة الملك والخلافة لهم ويدلك علي تلك المظالم التي أقاموها ضد آل الرسول وقد صورها الشاعر بقوله:
تالله ما فعلت علوج بني أمية * معشار ما فعلت بنو العباس ولقد اعترف الرشيد امام ابنه المأمون بأحقية آل علي للخلافة وحينما قال له المأمون: فلماذا لا تعيد الملك لهم؟ قال له: " يا بني الملك عقيم ولو خاصمتني أنت فيه لقلعت عينيك ". كما نصب المأمون عليا الرضا ولي عهد بعده. ولكنه سمه بعدها فكانت جريمة سياسية.
(٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: بنو عباس (2)، بنو أمية (1)، الظلم (1)

الخلفاء بين الدين والسياسة

الخلفاء بين الدين والسياسة
صفحه(٥١)

أبو بكر

أبو بكر كان أبو بكر في مقدمة الرجال الذين آمنوا برسول الله (1) وكان صاحبه في الهجرة وأبا زوجته عائشة، وكان رجلا بعيد النظر ذكيا نزلت الآية حين حزن مع رسول الله وهو في الغار عندما شعر بخطر قريش (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فانزل الله سكينته عليه إلي آخر الآية، والتي سنذكرها ونذكر تفسيرها عندما نبحث في الدين عن الخلفاء.
أهم الوقائع والحروب التي شهدها مع رسول الله هي بدر والخندق وخيبر، واهم سياساته تزويجه النبي ابنته عائشة وهي من دهاة النساء بعيدة النظر في السياسة، وشديدة الغيرة والحسد من باقي نساء الرسول وسيأتي ذكرها، وبزواج ابنته لرسول الله، تغلغل في صميم بيت الرسول ووقف علي اسراره وأعماله الداخلية والخارجية وكانت ابنته المساعد الأكبر له في الصغيرة والكبيرة وكلاهما ساعد الآخر لبلوغ أقصي ما يمكن ان يتوصلا اليه من الدنو من رسول الله والاطلاع علي خباياه والمخلصين من أصدقائه وأعدائه وليس هناك اعلم منهما بعد أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير وهي (انما يريد الله ليذهب عنكم
(1) قيل بعد خمسين شخصا سبقوه للاسلام. أتي ذكره في موسوعتنا بأسانيده.
(٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: آية التطهير (1)، الحزن (1)، الزوجة (1)
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وهم عبارة عن رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين هؤلاء الخمسة لا غير، وقد حاولت أم سلمة أم المؤمنين ان تدخل نفسها معهم ولكن أبي الله ورسوله ومنعت (1). كما نزلت في آل البيت المار ذكرهم آية المباهلة (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) وقد اجمع المفسرون علي أن " أبناءنا " هم الحسن والحسين " ونساءنا " فاطمة الزهراء ابنة رسول الله زوجة علي وأم الحسن والحسين وهي سيدة نساء العالمين، " وأنفسنا " محمد وعلي وهنا كان علي نفس محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم تدخل في النساء سوي فاطمة، فكانت هذه احدي منابع الحسد والغيرة لعائشة ومع هذا كان أبو بكر وعائشة يوازر الواحد منهما الآخر ولم يأل أبو بكر جهدا أن ينكب عائشة حتي ضربا عندما كانت تعاتب وتعترض علي رسول الله امام أبيها حتي تجاسرت مرة عليه امامه وقالت له: أقسط، أي إعدل فلطمها أبوها لطمة أدماها إذ قولها لرسول الله هذا القول يعني انكارها عليه العدالة، وانكارها عليه النبوة، وكل شئ، ولم تكن هي جاهلة بل غلب عليها الواقع المكنون والحسد فأباحت بمكنونات قلبها، فكانت ضربة أبي بكر ظاهرها انتصار لرسول الله وباطنها انتصار لها إذ ربما أدت إلي طلاقها وابعادها، ولم يكن أبو بكر من الشجاعة بحيث يبرز نفسه في المعارك ولكنه اشترك فيها ولطالما حاول ابراز نفسه وأحجم مخافة الخطر، وخسر المعركة فقد أعطاه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) راية فتح خيبر في اليوم الأول ففر امام الأعداء ورجع مغلوبا، كما أعطي الراية في اليوم الثاني لعمر فرجع مدحورا ومغلوبا وفي اليوم الثالث كان الفتح المبين طبق ما قال رسول الله: " لأعطين غدا الراية إلي رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار "، وكان علي أرمد فمسح عينيه بريقه فشفيتا وحمل الراية وانتصر
(1) سيأتي ذكرها في الجزء السادس من هذه الموسوعة.
(٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، آية المباهلة (1)، خيبر (1)، الجهل (1)، الزوج، الزواج (1)، الغلّ (1)
علي أعدائه وقتل أبطالهم وزحزح باب خيبر العظيمة من مكانها وفتح الحصن وقام علي يده الفتح والنصر المبين وكانت هذه احدي أمنيات أبي بكر وعمر عندما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، لأعطين الراية لرجل يحبه الله ورسوله، إلي آخرها، حتي قال أبو بكر: أنا؟ فقال له (صلي الله عليه وآله وسلم): لا، وقال عمر: أنا؟ فقال له (صلي الله عليه وآله وسلم): لا.
ومن سياسة أبي بكر مصاحبته لعمر ومؤاخاته له قبل الهجرة وتعرفه علي قسم من المهاجرين الذين كانوا يتحينون الفرص لمطامعهم لبلوغ مقاصدهم فوجد بهم غايته ووجدوا به ضالتهم مثل أبي عبيدة الجراح والمغيرة بن شعبة وعثمان بن عفان وأمثالهم ولكل من هؤلاء أهم الأثر لبلوغه الغاية القصوي من الجلوس علي مسند الخلافة واسناد ملكه بعد ذلك، وكان من سياسته الاتصال والتقريب لكل من كان يكن لآل بيت الرسالة وفي مقدمتهم علي بن أبي طالب العداء والحسد والغيرة، كآل أمية ومن مر ذكرهم كعمر وعثمان والمغيرة وخالد بن الوليد وأبي سفيان وولده، وبالعكس التظاهر بالصلة مع الحذر من كل من يخلص لآل البيت ويسند امرهم كبني هاشم وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وأبي أيوب الأنصاري وعدد كبير من الأنصار غيرهم.
ومن سياسته الدقيقة، الرقابة المحكمة علي وضع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبيته في صحته ومرضه، في حروبه وسلمه، وكان شديد الرغبة في أن يحصل منه علي سمة ما تضع له ميزة علي باقي الصحابة، فكانت الضربة القاصمة له عندما سد بابه علي المسجد، وكان ممن ظاهر علي رسول الله حتي اضطر ان يعلو المنبر ويخطب وأن يقول: لم يكن ذلك من نفسه وانما كان بامر الله، وما كان لمؤمن ان يعترض علي رسول الله وأعماله وأقواله ولم يكن تظاهره الا باسم غيره. وهذه كان لها اثر بليغ للحسد والغيرة ضد علي الذي بقي بابه مفتوحا. والضربة الأخري المخلة باعتباره اقدم الصحابة هو بعد اعطائه سورة البراءة لتلاوتها علي قريش يعود بأمر الله
(٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبوذر الغفاري (1)، سورة البراءة (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، أيوب الأنصاري (1)، علي بن أبي طالب (1)، المغيرة بن شعبة (1)، خالد بن الوليد (1)، خيبر (1)، عمار بن ياسر (1)، بنو هاشم (1)، القتل (1)
فيأخذها منه ويعطيها لعلي لتلاوتها، وهو وان أظهر الطاعة وهل يستطيع غير ذلك بيد أنها كانت ضربة لآماله وأمانيه التي كان يضمرها في طلب الخلافة والتي يتحين الفرص لها.
ومن سياسته وتظاهره هو تهنئته عليا كلما انتصر في واقعة مثل قتله عمرو بن عبد ود يوم الخندق وانتصاره يوم فتح خيبر وأعظمها وأبعدها اثرا هو تهنئته له هو وعمر يوم غدير خم حينما نصبه رسول الله وليا ومولي للمؤمنين ووصيا بعده ودعا علي أعدائه حيث قال أبو بكر جهارا: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة.
ومن أهم سياساته كما قلت: مصاحبته عمر واضرابه، وارسال الاعتراضات والاجتهادات علي لسانهم وكان رسول الله في كل مرة يردها وتنزل الآيات القرآنية موعدة وموبخة لمن يعترض علي رسول الله وسيأتي ذكر الراوين بصورة مسندة وبامكانك مطالعة الآيات القرآنية والصحاح لتجد الكثير منها.
(٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: خيبر (1)، غدير خم (1)، القتل (1)

سياسته الكبري المحققة لآماله

سياسته الكبري المحققة لآماله
صفحه(٥٧)
قام رسول الله قبل مرض موته بتجهيز حملة بامارة أسامة بن زيد بن حارثة وكان أسامة هذا شابا دون العشرين وجهز الجيش وفيه أهم الصحابة من المهاجرين والأنصار بينهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة والزبير وغيرهم فعز عليهم ان يؤمروا بقيادة شاب في هذا السن فكانت ولولة ولم يجسر أحد علي التحدث في هذا مع رسول الله علي أن الجميع قل من كان منهم قائدا لفرقة أو أميرا لجيش وفي هذا الحين كان علي بن أبي طالب معه في المدينة ولم يكن في الجيش إذ لم يتفق ولا مرة ان كان علي مأمورا تحت سلطة غير رسول الله نفسه، بل كان في أي حملة ليس فيها رسول الله، هو فيها، هو قائدها، نعم وفي هذه المرة أدلي أبو بكر برأي الصحابة واعتراضهم كباقي المرات دون أن يبدي رأيه فأغاظ ذلك رسول الله ورقي المنبر بعد أن دعاهم وجمعهم وخطب عليهم وقال:
" لقد اعترضتم علي في مواقع أخري ظهر فيها غلطكم وسوء اعتراضكم وما كان لكم حق الاعتراض علي الله ورسوله وفي هذه المرة أيضا فالحق ما أمرت به وهو اصلح للأمة الاسلامية ولا يجوز تغيير ذلك "، وظهرت نتيجة قوله وصحة نظرته حينما قاد أسامة الحملة وعاد ظافرا مؤيدا، نعم رغم ما أدلي به رسول الله فقد تخلف بضعة افراد من الصحابة والذين هم علي نفس الرأي منهم: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وخصوصا حينما وجدوا رسول الله مريضا وعسي ان يكون هذا مرض موته الذي أخبر عنه بأنه دعي ويجيب، وكيف يتركون المدينة علي هذا
(٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، علي بن أبي طالب (1)، أسامة بن زيد (1)، الموت (2)، المرض (2)، الجواز (1)
الحال عندئذ خيبة الآمال في منصب الخلافة.
وربما اعتقدوا أن رسول الله انما أراد اخراجهم ليخلي الجو لوصيه وخليفته وابن عمه الذي آخاه كي لا يكون له منازع ورادع، ولذا في كل يوم ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يسأل عن جيش أسامة وقد حرضه من قبل بالاسراع قبل وصول الخبر للأعداء واتخاذ الحيطة ولكن هيهات وقد اتخذوا من مرض رسول الله ذريعة لبطئهم وحرضوا نفس قائدهم أسامة بهذه الذريعة حتي جاء وتكلم مع رسول الله فأمره بالخروج والاسراع ولعن من تخلف عن جيش أسامة. ولكن هيهات فالشباك منصوبة وبيت رسول الله تحت رقابة شديدة من عائشة وحفصة من أمهات المؤمنين ومن والاهن وهما تجدان ان مرض رسول الله يشتد ساعة بعد ساعة فتوعزان إلي أبويهما بالإبطاء والتأخر وعدم السير حتي تحقق لرسول الله عدم سفرهم ولعن المتخلفين وهم مجموعون عنده دعا بقلم وقرطاس بعد أن تأكد من نواياهم طلب ذلك وهو في هذه المرة يهم ان يضرب ضربته القاصمة علي آمالهم بيد أنه سرعان ما نطق عمر بأعظم كلمة يمكن ان يصم بها رسول الله وهو حي وأعظم كلمة أعلنت نيتهم بما يخفون ويكنون ألا وهي " إن الرجل ليهجر " (1) وعندنا كتاب الله.
الله أكبر وهل يهجر رسول الله ونسوا جميع الآيات القرآنية النازلة فيه أنه لا ينطق عن الهوي ان هو إلا وحي يوحي. ونسوا الآيات الأخري التي تأمرهم بأخذ ما آتاهم الرسول والانتهاء عما نهاهم عنه. ونسوا انه (صلي الله عليه وآله وسلم) لا يتكلم ولا يأمر إلا بما أراد الله وهم يعلمون أنه انما يريد أن يدلي بعهده كتابة إلي علي (كما ابان ذلك عمر صراحة لابن عباس زمن خلافته وقال: لم تشأ قريش ان تكون فيكم النبوة والامارة).
(1) أسانيد اعتراف عمر بمنعه القلم والقرطاس تجدها في موسوعتنا الجزء الثالث والرابع والخامس وأخص السادس كتاب عمر.
(٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، الضرب (1)، المرض (2)
فمن هي قريش؟ وهل أرادت قريش التوحيد والنبوة والإسلام؟ وهل هديت اليه إلا قسرا، لقد كان عمله عمل السامري في قوم موسي، وقد أراد ما أرادت قريش في جاهليتها وعمل بذلك وأعادها لخصوم الاسلام بل والد خصومهم آل أمية.
وهل كان عمر إلا لسان حال جماعة من الصحابة الذين علي رأسهم أبو بكر من الرجال وعائشة من النساء وكل قصدهم سلب الامارة مهما كلف الامر حتي لو وقعت الفتنة وحتي لو أعادوها جاهلية. ولم يخف علي رسول الله ذلك خصوصا عندما تكلمت النساء من وراء الحجاب وقلن الم تسمعوا رسول الله يطلب قلما وقرطاسا؟ فأجابهن عمر لسان حال الجماعة: انكن صويحبات يوسف تؤذين رسول الله في حياته وتذرفن الدموع عند مماته فأجاب رسول الله انهن خير منكم (1).
انظر إلي معني هذه الكلمة في موسوعتنا وما تحويه من معان وماذا عني بها وماذا دلت وهل دلت إلا علي عقل سليم ورأي صائب طعن بمن خالفه. الظاهر عمر وأصحابه والباطن أبو بكر وزمرته التي يقودها فقال كلمته الأخيرة:
" اتركوني "، وطردهم من مجلسه. فخرجوا وقد حالوا دون كتابة العهد وقد كان بامكانه كتابته بعد ذهابهم ولكن الذي يجسر امام رسول الله أحري به ان يكذب العهد أو يطعن برسول الله وأقواله، حتي تقوم فتنة جاهلية تهدم ما بناه الاسلام.
ولم يكن أبو بكر ساكتا. وسعيد من اكتفي بغيره فعمر وأبو عبيدة وغيرهما من الرجال، وعائشة وحفصة من النساء يدبرون الامر وليلة الوفاة تلقي عائشة الخصام بين الأوس والخزرج بقولها للخزرج: ان الأوس يجهزون لانتخاب خليفة منهم. وللأوس نفس الشئ فتتركهم ضد بعضهم وتترك العيون عليهم وفي الصباح
(1) تجدها بأسانيدها في الموسوعة.
(٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: الجهل (2)، الجماعة (1)
الباكر يتوعد عمر كل من يقول: رسول الله قد مات فإنه ذهب إلي ربه كذهاب موسي وسوف يعود.
كل ذلك حتي تتهيأ الفرصة السانحة للأنصار واجتماعهم ومن وراء ذلك المغيرة بن شعبة من المناصرين والهادين والمراقبين، ولما علموا باجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وقد ألقيت بين الأوس والخزرج العصبية القبلية، داهمهم عمر وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وهم يريدون انتخاب سعد وما أعطاهم فرصة الحوار والجدل إلا ومد يده بعد هنيهة لأبي بكر وبايعه بالخلافة وبعده أبو عبيدة بن الجراح ومن الداخل يؤيدهم أكثر الأوس الذين تابعوا عمر وأبا عبيدة وقسم من الخزرج ومن الخارج كانت عائشة ترسل بمن بقي من أنصار أبيها لتأييدهم وكاد سعد وهو مريض ان يسحق تحت الأرجل حينما أراد جماعة التقرب بالبيعة لابي بكر حينما وجدوا انقضاء الامر، يتنفس أبو بكر الصعداء ويصعد منبر رسول الله ويخطب ويقول: من كان يعبد محمدا فأن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت، وبعدها يمجد بالمهاجرين بأنهم اقدم من الأنصار وأهل وأقارب رسول الله فهم الأمراء والأنصار الذين تابعوهم، الوزراء، وقد نسي - إذا صح ذلك، كما قال علي بن أبي طالب حينما بلغه أمر الخطبة - انه ذكر الشجرة ونسي الثمرة، أي إذا كان تقربه من رسول الله هو الذي يستحق به الامارة فما قوله بأهل بيت رسول الله ووصيه وأخيه وابن عمه وبني هاشم. ولم يحضروا السقيفة وكان بامكان علي ان ينهض ببني هاشم ومن يناصرهم ولكن هل يعمل ذلك والدين لما يكتمل والإسلام لما يتقوم والشرك والمنافقون بالمرصاد لمحو آخر آثار الاسلام، ولكنه أرادها باللين واستمالة الطامحين واتباعهم فجاءت الزهراء بنت رسول الله وبضعته التي قال فيها " رضاء فاطمة رضاي من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله "، فاطمة المعصومة التي طهرها القرآن وزوجها وأباها وابنيها الحسن والحسين في آية التطهير، ومن شك فليراجع
(٦١)
صفحهمفاتيح البحث: آية التطهير (1)، علي بن أبي طالب (1)، المغيرة بن شعبة (1)، بنو هاشم (2)، القرآن الكريم (1)، السقيفة (2)، النهوض (1)، الموت (2)، الطهارة (1)، النسيان (1)
التفاسير، فاطمة التي عناها القرآن المثال الأوحد لنساء رسول الله في آية المباهلة، فاطمة هذه تعترض، فاطمة هذه تهاجم دارها مهبط الوحي!، ولماذا؟
لاجبار زوجها الوصي وأخي رسول الله وأمير المؤمنين الذي نصبه الله ورسوله مولي للمسلمين يوم غدير خم وهنأه بها عمر وأبو بكر نفساهما يجبرانه علي البيعة وأن يصلي وراء أبي بكر ويهددونه بإحراق داره وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب فيقال له ان في الدار فاطمة فيقول: " وأن ".
وفاطمة هذه عندما يبلغ بها الأسي والألم أقصاه ترفع رأسها للسماء وتتوجه إلي قبر أبيها باكية متضرعة ويتبعها علي وهو الآخر يقول: " يا بن أم - يخاطب رسول الله - إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " وهي كلمة قالها هارون لموسي حينما أغواهم السامري، ولم يكن خافيا علي القوم قوة بطش علي وبني هاشم وأنصارهم ربما كانوا أقوي سهم بيد أنهم يعلمون ان قيامهم خطر علي الاسلام، وأن قيام علي ضدهم يولد خطرا داهما ربما أدي إلي محو الاسلام، يعلمون كل ذلك ويدرون أن عليا أحرص الناس بعد رسول الله علي بقاء كلمة الاسلام، وانهم سوف لا يناهضهم بالقوة لهذا وهم يعلمون من وراء ذلك وصية رسول الله له بالتحفظ وعدم إثارة معارضة وخصام يؤدي إلي انشقاق المسلمين مهما أدي ذلك لظلمه وظلم ابنته وأولاده وبني هاشم، مهما كان ذلك ومهما جاروا عليه فكلمة الاسلام لا تمحي بتاتا، فكانت هذه الوصية وذلك العلم منه قد أديا لصبره ومن جهة ثانية علم أبي بكر بذلك وعمر أعطاهما كل السعة لاجراء مقاصدهما حتي استعادا ملك فدك الذي وهبه رسول الله لابنته فاطمة في زمن حياته. استعاده أبو بكر وقال وهو المدعي وهو الحاكم والشاهد: إني سمعت رسول الله يقول: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "، ولم يقبل شهودها وأدلتها القاطعة، ولم يؤثر علي القوم خطبتها البليغة المصقعة التي أظهرت فيها بلاغة أبيها وقوة حجتها عليهم، وبعد ظهيرة يوم من الأيام حينما أعياها الامر توجهت
(٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، بنو هاشم (2)، القرآن الكريم (1)، غدير خم (1)، القبر (1)، الوسعة (1)، الزوج، الزواج (1)، الوصية (2)
إلي زوجها معاتبة له وهي تقول: " اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين..، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي "، والي آخر ما قالت حتي قام ولبس لباس حربه وإذا بالمؤذن يؤذن، فقال لها: " ان كنت تحرصين علي بقاء هذا الأذان بما فيه من الشهادات بالتوحيد والنبوة فما عليك وعلي سوي الصبر وإلا فغير ضعيف ولا خائف، وانا علي الذي برهنت علي قدرتي ولياقتي في جميع الحروب "، فسكتت وقالت: " لا، لا أرضي " وعادت ونهنهت عن زوجها، ومن هي؟ وهي تعلم من زوجها الذي لم يخلص للاسلام مثله، وإذا أراد الخلافة فإنما أرادها لا تظاهرا بقدرتها وأمارتها كلا والف كلا، وإنما خدمة للاسلام، فصبر كما قال في خطبته الشقشقية: " فصبرت وفي العين قذي وفي الحلق شجي " وهو يري ما يري ويتحمل ما يتحمل.
هكذا تري أبا بكر من الناحية السياسية علمه بخبايا البيت النبوي، وعلمه بحرص علي علي أن لا تقوم مخاصمة أو منازعة بين الفرق الاسلامية، وأنه سوف يصبر كما أمره رسول الله مهما غصب حقه واعتدوا علي تراثه، وبعد ذلك فماذا يمنعه وما كان منه وبعد ان اخذ البيعة الأولي الا ويرسل الرسل في الداخل والخارج لكل من يجدونه لأخذ البيعة وتوطيد الامر لتقوية نفسه من جهة ولتضعيف بني هاشم وعلي من جهة أخري، وما كان بني عبد مناف ومنهم بنو أمية (1) يهون عليهم خروج الامارة من قبيلتهم إلي عتيق، ومن عتيق؟ وكان أبو سفيان قد أرسل لجمع ما يصيب المسلمين من المال من مكة وأطرافها وقد عاد فوجد الامر علي هذه الشاكلة فوجد الفرصة السانحة لاعادتها جاهلية والانتقام!
وهل هناك الا بالقاء الفتنة بين بني هاشم وأبي بكر وجماعته، فجاء عليا وهو يتوعد ويتهدد من نازعه واغتصب حقه، ويحرضه علي النهوض وأخذ حقه
(1) كذا في الأصل.
(٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (2)، الزوج، الزواج (3)، الشهادة (1)، الحلق (1)، الخوف (1)، الغصب (1)، الصبر (1)، الجهل (1)
بالقوة، وانه سيعمل ما يعمل، فلقيه علي بإيمانه وبما يعتقد ما يضمره رجل الشر هذا وقال له صراحة: انه لا يخفي عليه عدم حرصه علي الاسلام، وانما يريد الوقيعة به، ومن جهة ثانية، فان عيون أبي بكر تابعته وأرسلوا عليه وأعطوه ما يريد منها ما جلبه معه وانهم (سيتقاسمونها) بينهم وسوف يكون له ولأولاده السهم الأوفي. وهكذا انحاز هو الآخر معهم ولم يكن في ذلك لتأثير عثمان وهو شريكهم إلا الأثر الأكبر. وهكذا تري سياسة أبي بكر في هذا الأمر أيضا نجحت وبقي عنده القضاء علي الجماعات التي كانت تناوؤه وهي تعلم أن الخلافة لعلي، وعليه أن يحاربهم باسم الردة وقد قسا عليهم ونكل بهم في البدء نكاية وقساوة كانت عبرة للباقين. وهكذا نجده يرسل خالدا وجماعته لابن نويرة الذي عطل دفع الزكاة للمسلمين وهو يدري الخلاف وهو واحد من رؤساء القبائل، حضر حجة الوداع ويوم غدير خم، وحضر خطبة رسول الله واعلام الوصاية والولاية لعلي وهو يعلم لمن يعطي المال الم يجب عليه اعطاؤه لوصي رسول الله الذي عين خلافته من بعده والذي قال كرارا: " انه مني بمنزلة هارون من موسي "، بيد ان سياسة أبي بكر تقضي الضرب علي يد كل معترض مهما كان اسلامه ولا يمكن لرجل سياسي أن يقبل مثل هذا الذي يعلن مخالفته لرسول الله ويعلن تسنمه منبر الخلافة إلا قهرا وغصبا، وما هي الحربة التي يحارب بها إلا بحربته هو وهو باسم الدين وانه ارتد وانه يجب قتله. فهل هذا يعني ارتداد بقية رجاله ونسائه وجميع عشيرته؟ وهلا يجب استدعاؤه وإلقاء الحجة عليه واستطلاع امره؟
لا، أبدا لا يجوز لرجل السياسة ذلك إذ أن ذلك فضيحة له ويخلق له ألف مشكلة، وليس له إلا الطاعة المحصنة بدون ان ينبس ببنت شفة، ولقد ذهب ذلك الزمان الذي كان علي عهد رسول الله زمن المنطق والوحي والرأفة والمحبة ولهذا يرسل له خالدا ويخوله ما يعمل بلا قيد وشرط. وماذا يعمل خالد!؟
(٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: حجة الوداع (1)، غدير خم (1)، القتل (1)، الجواز (1)
فيتخذ خالد المكر معه وينزل عنده كضيف يريد استعلامه عن الامر وقد أعطي الايعاز إلي جماعته بالوثبة عند الإشارة، وقد أحرز خالد أن زوجة ابن نويرة من الجمال الذي لا يمكن لمثله الإغضاء عنها، فيثب بعد الإشارة وهو شاهر سلاحه ويوثق ابن نويرة وأصحابه، ويعترض عليه الرجل بأنه لم يرتد وان المال حاضر وطلب منه حمله وأصحابه إلي أبي بكر فأبي، فقال الرجل: أني اقتل ظلما وعدوانا وان لهذه، وأشار لزوجته علة في قتلي، أي ان جمالها أغري خالدا ولم يستطع الوصول إليها سوي عن طريق القتل، وهكذا ينفذ حكم القتل به وبجماعته ويسلب أمواله ويدخل بنفس الليلة بزوجته، فانظر إلي هذه الجريمة النكراء، والفاحشة التي لا يمكن توجيهها. أقبل بخيله ورجاله إلي المدينة ودخل علي أبي بكر ويطلع أبو بكر وعمر علي واقع الامر فيثب عمر متأثرا لتلك العملية التي لا تلائم أسس الاسلام فحسب بل لا يقبلها كل خائن وكل فاسد وكل فاسق ومنافق ومشرك، وإذا أبيح لك قتله فكيف تدخل علي زوجته وهي في العدة وهي فضيحة للآمر والمأمور، نعم يثب عمر ويطلب من أبي بكر إقامة الحد علي خالد بيد ان أبا بكر أبعد نظرا، وكيف يعمل ذلك ويهتك أعوانه وأنصاره وهو أحوج ما يكون إليهم مهما ارتكبت أيديهم ومهما اعتدوا علي ابن نويرة وزوجته، ومهما عمل خالد، أليس ذلك مما يؤيد ملكه، ويشد إصره؟!
وكأن خالدا لم يعمل ما يستوجب حتي توبيخه أو تأنيبه ليستفيد منه ومن أغراضه كما طلب منه بعد ذلك قتل علي بعد تشهد الصلاة، فأطاع وتحضر، غير أن أبا بكر وهو يصلي فكر ان ذلك لا يصح وربما سبب امرا يعود عليه بالضرر وقبل أن ينهي صلاته وقبل التشهد صاح بأعلي صوته: لا يفعلن خالد ما أمرته به، ثم أجري التشهد فكانت تلك بدعة جارية لبعض علماء التابعين انه طالما تكلم خليفة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل التشهد فذلك جائز لهم، وقد بقي عمر متأثرا من خالد الذي بدا غير مكترث بوعيد عمر طالما جلب رضا أبي بكر بيد أنه لا يستطيع
(٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الزوجة (1)، القتل (4)، الزوج، الزواج (2)، الشهادة (4)، الصّلاة (1)
العمل والامر بيد أبي بكر، حتي إذا حانت خلافته طرد خالدا شر طردة ونحاه عن حكمه.
ومن سياسة أبي بكر انه جرد بني هاشم من كل صفاتهم ولم يترك بيدهم ولا امارة، وعزلهم عن أي سلطة وحكم في الدولة، وهكذا عمل مع كل من أوحت له نفسه يوما معاونتهم أو القول بوصاية علي، ومن جهة أخري قوي ألد أعدائهم وخصومهم مثل خالد وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وبني أمية وأمثالهم خصوم رسول الله والذين كانوا تحت رقابته التامة. والقي الرقابة التامة علي علي وأولاده وبني هاشم وأنصارهم وأتباعهم من الأنصار والمهاجرين ومن استطاع جره إلي حضيرته والباقين القي عليهم النسيان والاهمال وقرب أولئك الذين أقعدوه علي منصة الحكم وفي مقدمتهم عمر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن عفان فكان عمر وزيره الأول ومستشاره، وأبو عبيدة قائده الأعظم ومثله خالد بن الوليد وعثمان، كاتبه وامين سره، وابنته عائشة ذات السلطة والسيادة والمشورة في ملكه وهي ألد خصوم علي وفاطمة والحسن والحسين وبني هاشم. وهي التي أقامت حرب الجمل ضد علي رغم ما سمعت من رسول الله حين قال لها وهو يخاطب نساءه من التي تقاتل إمام زمانها وتنبحها كلاب الحوأب ثم توجه إليها وقال أرجو أن لا تكوني أنت يا حميراء. ولكن هكذا كان فقد نبحتها كلاب الحوأب وعرفتها عائشة ومع ذلك سارت وحاربت وسببت تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها طلحة والزبير وخيرة الصحابة وما يقارب أربعين الف قتيل. وهي التي قالت حينما سمعت بقتل عثمان وهي التي البت علي قتله بقولها: اقتلوا نعثلا قتله الله، نعم عندما سمعت بقتل عثمان وتولية علي الخلافة من بعده وهي أعلم الناس بفضله ووصايته وعلمه وتقواه وحب رسول الله له. ما أن سمعت ذلك إلا وقالت بدون أن تدرك أثر ذلك عليها: " ليت السماء انطبقت علي الأرض " ثم أردفت ان عثمان قتل مظلوما. ولم يكن علي رجل مداهنة وخداع
(٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عثمان بن عفان (1)، مروان بن الحكم (1)، المغيرة بن شعبة (1)، خالد بن الوليد (1)، عمرو بن العاص (1)، بنو هاشم (3)، القتل (4)، الظلم (1)، الحرب (1)، الإقامة (1)
وحرص علي الامارة، فالدنيا لا تساوي عنده - كما قال - نعله البالية، وكل ما يريده هو السهر علي الاسلام وإقامة الشعائر الاسلامية وارشاد من ضل سواء أكان أبا بكر أو عمر أو أي واحد من المسلمين، فلم يظهر بعدها منافسة علي تسلم الامارة بل حرص علي إبداء ارشاداته لأبي بكر وعمر وعثمان كلما أعياهم الامر وضلوا، ولطالما خالفوه عندما خالف ذلك سياستهم الدنيوية.
تلك بعض صفات أبي بكر في سياسته وآخر سياساته هي ادلاء العهد بعده لأخلص أصدقائه الذي آخاه في مكة قبل الهجرة والذي كان من مؤيديه، بل الذي أقعده علي كرسي الخلافة وداراه قبل وبعد الهجرة فنصره في حياته مهما بلغ من الغلظة وهو عمر بن الخطاب ذلك الذي لم يأل جهدا في زمن رسول الله وبعد وفاته لتوطيد الخلافة لابي بكر، وهو الحافظ لأسراره من بعده، وهو الذي سيتم ما بدأ به فيشيد اسمه ويقوي أعوانه ويشد أزرهم، والذي سيسير علي سيرته في إبعاد خصومه من بني هاشم مهما أوصي بهم رسول الله. وهنا رغم علم أبي بكر بوصية رسول الله بعلي وعترته فقد خالف في ذلك لأن ذلك كان في حياة أبي بكر أكبر حجر عثرة لتسلمه الحكم والخلافة وهي بعد مماته تظهر معايبه وتظهر الحقائق، وهل يجوز لرجل السياسة ان يفضح نفسه بنفسه وقد دل ذلك علي أنه رجل سياسة محنك وليس رجل دين ولا من جهة واحدة حتي ما ظهر منه من السير في كثير من الأحيان علي القرآن والسنة ما دامت لا تخالف سياسته حتي تؤيده من الناحية الدينية.
فقد كسب الدنيا فماذا يضره أن يؤيد نفسه بهذه الظاهرة الاسلامية التي هي أعظم نفوذا في النفوس من الأولي، لذا لم يأل جهدا في أن يتظاهر بأعظم مظهر ديني كخليفة لرسول الله إلا فيما يخالف سياسته، ومن سياسته المظهر الديني لو أقام بأكبر ما يمكن ان يحول بينه وبين ذلك فمنع تدوين السنة والروايات في زمنه باعتبار ان ذلك يشغل المسلمين المشغولين والمنهمكين في الحروب لنشر الدين
(٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، إقامة وتعظيم الشعائر (1)، بنو هاشم (1)، القرآن الكريم (1)، الكسب (1)، الضرر (1)، الجواز (1)، الوصية (1)
الاسلامي هذا هو ظاهر الامر واما الحقيقة فان الفترة القصيرة بين وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وتسنمه الخلافة قصيرة جدا والأحاديث والروايات تغير النظر بالنسبة لأحقيته بالخلافة بعد أن أكد رسول الله في كل مجلس حان له وفي كل واقعة، ما لعلي من الفضل لإمامة الأمة في هذه الفترة القصيرة ووجود الصحابة من أنصار ومهاجرين لا يمكن أبدا تحريف وتبديل ينتهي بتحويل الامر له واخذه من علي وعترة آل محمد، فما هي السياسة؟
سرعان ما يمر زمن فيه يبتعد من ابتعد من الصحابة ومن حضر رسول الله، ويهاجر من هاجر لمصر والعراق والشام واليمن وغيرها ومن قتل منهم حتي إذا مر زمان طويل والامر بيده أو بيد أنصاره أمكن ما يمكن وضعه وجمعه بحيث لا ينافي مقتضيات سياسته كما عمل بعده عمر نفس العمل وأوقف جمع الأحاديث، وضايق صحابة رسول الله من الخروج والتحدث ومن كان يجرؤ أن يتحدث شيئا يخالف سياسة عمر وهو المعروف بالصرامة والغلظة ولا يهمه ان يفتك لتثبيت سياسته بأي كان. الم يقتل ابنه عبد الرحمن بتجديده الحد (1) عليه وهو مريض يتوسل اليه " أبتي! لقد أقيم علي الحد! " ولكن هيهات فهذه من أقوي ما يسدد به سياسته ويزيد هيبته ويخوف اصدقاءه وخصومه ولكن من جهة أخري يبسط بساط الرحمة لآل أمية ويدنيهم ويهيئ لهم ولذويهم بساط الخلافة والسلطة.
فعثمان في المدينة، ومعاوية في الشام وغيرهما في الأكناف والأطراف أحرار يذهبون ويؤوبون بينما تري بني هاشم وآل الرسول تحفهم المراقبة الشديدة. وهل صح تنبؤ أبي بكر وقوله: إن الأمة مشغولة مع الأعداء فلا داعي لجمع الحديث؟ هل يقبل ذلك العقلاء؟ ألم يكن جمع القراءة وأحاديث رسول الله وسننه هي شريعة الاسلام؟ فلماذا أوقفها؟ لو جمعت الأحاديث والروايات
(1) تجد تفصيله بأسانيده في الكتاب الثالث (كتاب عمر) من هذه الموسوعة.
(٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: دولة العراق (1)، بنو هاشم (1)، الشام (2)، القتل (2)، الوفاة (1)
والسنن بوقتها صحيحة حقيقية هل كان لابي هريرة وغيره الذي لم يصاحب رسول الله إلا بضعة أيام أن يضعوا مئات الآلاف من الأحاديث تحت سمع وبصر معاوية. وهل بقي اختلاف في الروايات يفعل بها ذوو الأهواء والآراء كيفما يشاءون حسب رغباتهم من أهل المطامع من آل بني سفيان وآل مروان وغيرهم الذين لا يهمهم الاسلام بقدر ما تهمهم مناصبهم وصروحهم ومن جاء بعدهم؟
وهل فرقت الأحاديث الصحيحة والروايات التي تقوم عليها سنن الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ وهل لأعداء رسول الله وأعداء آله ان يسندوا لهم أي فضيلة وحسنة إلا ما يؤيد ملكهم ويحسن سمعتهم؟ ومن سياسته القوية انه رغم أنه كان من المعارضين لحملة أسامة بقيادة أسامة ولكنه لما خلا له الجو بالخلافة خالف البقية معلنا أن رسول الله أراد ذلك فلا بد من ابرام ما أراد رسول الله علي نفس الشاكلة وبنفس القيادة ولا شك في أن هذه السياسة دلت علي حكمته وحنكته السياسية إذ لم تكن فيها من الناحية السياسة أي اثر سيئ علي امارته وخلافته رغم مخالفة البعض بل أحكمت خلافته من الناحية الدينية علي أنه انما أراد ذلك اتباعا لأوامر رسول الله باعتباره خليفته وكان من المخالفين عمر ولكن أقنعه علي ذلك وكان أبو بكر دائما متفقا مع عمر من الناحية السياسية إذ لهما نفس الغاية والسياسة. وعمر هو الذي كان يحمل سيفه صباح توفي رسول الله وهو يمشي في المدينة ويهدد كل من قال إن رسول الله قد مات بل قال انما ذهب لربه كما ذهب موسي وسيعود، وما ان حضر أبو بكر ورقي المنبر وقال: من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فالله حي لا يموت. هنا سكت عمر إذ بلغ المراد الذي من اجله أسكت الناس حتي لا يعود بعد اعتقادهم بموت نبيهم التحري عن خليفته، ولما يتهيأ الامر لأبي بكر وأنصاره لإعلان الخلافة وأخذ البيعة. ولا شك أن التمهيدات لاخذ البيعة كما مر كانت مدبرة من وراء الستار فقسم كان علي عاتق أبي بكر وأنصاره وقسم كان علي عاتق عائشة وأنصارها. وهي التي أهابت ببني هاشم يوم وفاته:
(٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، بنو هاشم (1)، الموت (3)، السكوت (1)
بأنكم آل الله وآل رسوله وأحري بتجهيزه وتغسيله وتكفينه ودفنه وعلي رأسهم علي بن أبي طالب وصي رسول الله، وهي التي كانت تجافيه وتظهر خصومته من قبل، فأبانت له ذلك اليوم منتهي الكرم والأدب، وأظهرت أنه رئيس بني هاشم وأقرب الناس لرسول الله وهو أحري به دون جميع الصحابة للقيام بهذا، وهي تقصد إشغالهم برسول الله وترك أبيها وأنصاره يحوكون ما أرادوا ولم تكن وحدها التي عملت ذلك فقد كانت لها اللياقة السياسية ودهاء النساء الذكيات، وأبوها هو معلمها الأول وهي عضده الأيسر لربما كانت هي الأيمن وعمر الأيسر وقد نجحت سياستهم نجاحا باهرا وتغلبوا علي ما أرادوا وسلبوا حقا واضحا وصريحا وخلافة نص عليها رسول الله نصا صريحا لعلي، وفي كل فرصة حصلت لرسول الله البيان بها للخاصة والعامة فضل علي من الناحية العلمية والعملية، والقرابة والسبقة للاسلام والاخلاص للدين، وأكد قول رسول الله الآيات الكثيرة التي تربو علي ثلاثمائة آية كلها نزلت في مدح علي وتمجيده مع أهل البيت.
فانظر إلي السياسة العظيمة التي سلكها أبو بكر فتغلب بها علي علي وعلي بني هاشم وآل عبد مناف بما فيهم، وهو من قبيلة عتيق لا ذكر لها قبل الاسلام وكانت سياسته بعد تسنم الامر لا تقل عن تدبيره قبلها، إذ لو أهمل الامر ونجحت هاشم فلا بد ان تكشف الحقائق، لذا أسندها لعمر ولآل بني أمية وعلي رأسهم عثمان كاتب سره، وعميدهم أبو سفيان الذي مات وهو كافر مشرك لا يعتقد إلا وأنها ملكية، وهو الذي أوصي أولاده بتلاقف الخلافة وأنه لا جنة ولا نار.
(٧٠)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي طالب (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، الموت (1)، الكرم، الكرامة (1)، التكفين (1)، الوصية (1)

القول في اسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما

القول في اسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما
صفحه(٧١)
القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما (1) وينبغي أن نذكر في هذا الموضع ملخص ما ذكره الشيخ أبو عثمان الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب " العثمانية " في تفضيل اسلام أبي بكر علي اسلام علي (عليه السلام)، لان هذا الموضع يقتضيه، لقوله (عليه السلام) حكاية عن قريش لما صدق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): وهل يصدقك في امرك إلا مثل هذا! لأنهم استصغروا سنه، فاستحقروا امر محمد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حيث لم يصدقه في دعواه الا غلام صغير السن، وشبهة العثمانية التي قررها الجاحظ من هذه الشبهة نشأت، ومن هذه الكلمة تفرعت، لأن خلاصتها أن أبا بكر أسلم وهو ابن أربعين سنة، وعلي أسلم ولم يبلغ الحلم، فكان إسلام أبي بكر أفضل.
ثم نذكر ما اعترض به شيخنا أبو جعفر الإسكافي علي الجاحظ في كتابه المعروف ب " نقض العثمانية " ويتشعب الكلام بينهما حتي يخرج عن البحث في الاسلاميين إلي البحث في أفضلية الرجلين وخصائصهما، فان ذلك لا يخلو عن فائدة جليلة، ونكتة لطيفة، لا يليق ان يخلو كتابنا هذا عنها، ولان كلامهما بالرسائل والخطابة أشبه، وفي الكتابة أقصد وأدخل، وكتابنا هذا موضوع لذكر ذلك وأمثاله.
قال أبو عثمان: قالت العثمانية: أفضل الأمة وأولاها بالإمامة أبو بكر بن أبي قحافة لإسلامه علي الوجه الذي لم يسلم عليه أحد في عصره وذلك أن الناس
(١) ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٣ / 215.
(٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، التصديق (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)
اختلفوا في أول الناس اسلاما، فقال قوم: أبو بكر، وقال قوم: زيد بن حارثة، وقال قوم: خباب بن الأرت. وإذا تفقدنا اخبارهم، وأحصينا أحاديثهم، وعددنا رجالهم ونظرنا في صحة أسانيدهم، كان الخبر في تقدم اسلام أبي بكر أعم ورجاله أكثر، وأسانيده أصح، وهو بذاك أشهر، واللفظ فيه أظهر، مع الاشعار الصحيحة، والاخبار المستفيضة في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، وليس بين الاشعار والاخبار فرق إذا امتنع في مجيئها، وأصل مخرجها التباعد والاتفاق والتواطؤ، ولكن ندع هذا المذهب جانبا، ونضرب عنه صفحا، اقتدارا علي الحجة، ووثوقا بالفلج والقوة، ونقتصر علي أدني نازل في أبي بكر، وننزل علي حكم الخصم.
فنقول: انا وجدنا من يزعم أنه أسلم قبل زيد وخباب ووجدنا من يزعم أنهما أسلما قبله، وأوسط الأمور أعدلها، وأقربها من محبة الجميع، ورضا المخالف، أن نجعل اسلامهم كان معا، إذ الاخبار متكافئة والآثار متساوية علي ما تزعمون، وليست احدي القضيتين أولي في صحة العقل من الأخري، ثم نستدل علي امامة أبي بكر بما ورد فيه من الحديث وبما أبانه به الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) من غيره.
قالوا: فمما روي من تقدم اسلامه ما حدث به أبو داود وابن مهدي عن شعبة، وابن عيينة، عن الجريري، عن أبي هريرة، قال أبو بكر: أنا أحقكم بهذا الامر - يعني الخلافة - ألست أول من صلي.
روي عباد بن صهيب، عن يحيي بن عمير، عن محمد بن المنكدر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " ان الله بعثني بالهدي ودين الحق إلي الناس كافة، فقالوا: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت ".
وروي يعلي بن عبيد، قال: جاء رجل إلي ابن عباس، فسأله: من كان أول الناس اسلاما؟ فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت:
(٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: حياة النبي (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (1)، خباب بن الأرت (1)، حسان بن ثابت (1)، زيد بن حارثة (1)، عباد بن صهيب (1)، محمد بن المنكدر (1)، الخصومة (1)، الكذب، التكذيب (1)
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر اخاك أبا بكر بما فعلا (1) الثاني التالي المحمود مشهده * وأول الناس منهم صدق الرسلا (2) وقال أبو محجن:
سبقت إلي الاسلام والله شاهد * وكنت حبيبا بالعريش المشهر (3) وقال كعب بن مالك:
سبقت أخا تيم إلي دين احمد * وكنت لدي الغيران في الكهف صاحبا (4) وروي ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن إدريس ووكيع، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: قال النخعي: أبو بكر أول من أسلم.
وروي هيثم عن يعلي بن عطاء عن عمرو بن عنبسة، قال: أتيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو بعكاظ، فقلت: من بايعك علي هذا الأمر؟ فقال: بايعني حر وعبد فلقد رأيتني يومئذ وأنا رابع الاسلام.
قال بعض أصحاب الحديث: يعني بالحر أبا بكر وبالعبد بلالا.
وروي الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر عن أبي امامة، قال: حدثني عمرو بن عنبسة، انه سأل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو بعكاظ، فقال له: من تبعك؟ قال: تبعني حر وعبد، أبو بكر وبلال.
(١) ديوانه / ٢٩٩، والعثمانية / ١١١.
(٢) بعده في الديوان والعثمانية:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العداة به إذ صعد الجبلا خير البرية اتقاها وأظهرها * الا النبي وأوفاها بما حملا (٣) في الأصول: " المشهرا "، واثبت ما في العثمانية، من أبيات ثلاثة أوردها علي قافية الراء المكسورة.
(٤) العثمانية / 111.
(٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عبد الله بن إدريس (1)، معاوية بن صالح (1)، عمرو بن عنبسة (2)، كعب بن مالك (1)، التصديق (1)، الشهادة (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)
وروي عمرو بن إبراهيم الهاشمي، عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان، صاحب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: لما قبض أبو بكر جاء علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: رحمك الله أبا بكر! كنت أول الناس اسلاما.
وروي عباد عن الحسن بن دينار، عن بشر بن أبي زينب، عن عكرمة مولي ابن عباس، قال: إذا لقيت الهاشميين قالوا: علي بن أبي طالب أول من أسلم، وإذا لقيت الذين يعلمون، قالوا: أبو بكر أول من أسلم.
قال أبو عثمان الجاحظ: قالت العثمانية: فان قال قائل: فما بالكم لم تذكروا علي بن أبي طالب في هذه الطبقة، وقد تعلمون كثرة مقدميه والرواية فيه؟
قلنا: قد علمنا الرواية الصحيحة، والشهادة القائمة، انه أسلم وهو حدث غرير، وطفل صغير، فلم نكذب الناقلين، ولم نستطع ان نلحق اسلامه بإسلام البالغين، لأن المقلل زعم أنه أسلم وهو ابن خمس سنين. والمكثر زعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنين، فالقياس ان يؤخذ بالأوسط بين الروايتين، وبالأمر بين الأمرين، وانما يعرف حق ذلك من باطله، بأن نحصي سنيه التي ولي فيها الخلافة، وسني عمر، وسني عثمان، وسني أبي بكر، ومقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالمدينة ومقامه بمكة عند إظهار الدعوة، فإذا فعلنا ذلك صح أنه أسلم وهو ابن سبع سنين، فالتاريخ المجمع عليه أنه قتل (عليه السلام) في شهر رمضان سنة أربعين.
قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي (1): لولا ما غلب علي الناس من الجهل وحب التقليد، لم تحتج إلي نقض ما احتجت به العثمانية فقد علم الناس كافة، ان الدولة والسلطان لأرباب مقالتهم، وعرف كل أحد علو اقدار شيوخهم وعلمائهم
(١) هو محمد بن عبد الله أبو جعفر المعروف بالإسكافي، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ٥:
٤١٦، وقال عنه: أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، وله تصانيف مسروقة … وبلغني انه مات في سنة أربعين ومائتين.
(٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، شهر رمضان المبارك (1)، إبراهيم الهاشمي (1)، علي بن أبي طالب (2)، عبد الملك بن عمير (1)، الشهادة (1)، القتل (1)، الغلّ (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، مدرسة المعتزلة (1)، محمد بن عبد الله (1)
وأمرائهم، وظهور كلمتهم، وقهر سلطانهم وارتفاع التقية عنهم والكرامة، والجائزة لمن روي الاخبار والأحاديث في فضل أبي بكر، وما كان من تأكيد بني أمية لذلك، وما ولده المحدثون من الأحاديث طلبا لما في أيديهم، فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا ان يحطوا ذكر علي (عليه السلام) وولده، ويطفئوا نورهم، ويكتموا فضائلهم ومناقبهم وسوابقهم، ويحملوا علي شتمهم وسبهم ولعنهم علي المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم، فكانوا بين قتيل وأسير، وشريد وهارب، ومستخف ذليل، وخائف مترقب، حتي أن الفقيه والمحدث والقاضي والمتكلم ليتقدم إليه ويتوعد بغاية الايعاد وأشد العقوبة، أن لا يذكروا شيئا من فضائلهم، ولا يرخصوا لأحد أن يطيف بهم، وحتي بلغ من تقية المحدث انه إذا ذكر حديثا عن علي (عليه السلام) كني عن ذكره فقال: قال رجل من قريش وفعل رجل من قريش، ولا يذكر عليا (عليه السلام) ولا يتفوه باسمه.
ثم رأينا جميع المختلفين قد حاولوا نقض فضائله، ووجهوا الحيل والتأويلات نحوها، من خارجي مارق، وناصبي حنق، وثابت مستبهم، وناشئ معاند ومنافق مكذب، وعثماني حسود، يعترض فيها ويطعن، ومعتزلي قد نقض في الكلام، وأبصر علم الاختلاف، وعرف الشبه ومواضع الطعن وضروب التأويل قد التمس الحيل في ابطال مناقبه، وتأول مشهور فضائله، فمرة يتأولها بما لا يحتمل، ومرة يقصد ان يضع من قدرها بقياس منتقض، ولا يزداد مع ذلك إلا قوة ورفعة، ووضوحا واستنارة، وقد علمت ان معاوية ويزيد ومن كان بعدهما من بني مروان أيام ملكهم - وذلك نحو ثمانين سنة - لم يدعوا جهدا في حمل الناس علي شتمه ولعنه وإخفاء فضائله وستر مناقبه وسوابقه.
روي خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم قال: لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء
(٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، خالد بن عبد الله (1)، المغيرة بن شعبة (1)، بنو أمية (1)، الطعن (1)، الظلم (1)، التقية (1)، الهلال (1)
يلعنون عليا (عليه السلام)، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ألا ترون إلي هذا الرجل الظالم يأمر بلعن رجل من أهل الجنة.
روي سليمان بن داود، عن شعبة، عن الحر بن الصباح، قال: سمعت عبد الرحمن بن الأخنس، يقول: شهدت المغيرة بن شعبة خطب فذكر عليا (عليه السلام)، فنال منه.
روي أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا صدقة بن المثني النخعي عن رياح بن الحارث، قال: بينما المغيرة بن شعبة بالمسجد الأكبر، وعنده ناس إذ جاءه رجل يقال له، قيس بن علقمة، فاستقبل المغيرة، فسب عليا (عليه السلام).
روي محمد بن سعيد الأصفهاني، عن شريك، عن محمد بن إسحاق، عم عمرو بن علي بن الحسين، عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: قال لي مروان: ما كان في القوم ادفع عن صاحبنا من صاحبكم.
قلت: فما بالكم تسبونه علي المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الامر إلا بذلك.
روي مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، عن ابن أبي سيف قال: خطب مروان والحسن (عليه السلام) جالس فنال من علي (عليه السلام)، فقال الحسن: ويلك يا مروان! أهذا الذي تشتم شر الناس! قال: لا، ولكنه خير الناس.
وروي أبو غسان أيضا، قال: قال عمر بن عبد العزيز: كان أبي يخطب فلا يزال مستمرا في خطبته، حتي إذا صار إلي ذكر علي وسبه تقطع لسانه، واصفر وجهه، وتغيرت حاله، فقلت له في ذلك، فقال: أوقد فطنت لذلك؟ إن هؤلاء لو يعلمون من علي ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل.
وروي أبو عثمان، قال: حدثنا أبو اليقظان، قال: قام رجل من ولد عثمان إلي هشام بن عبد الملك يوم عرفة، فقال: إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه
(٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، يوم عرفة (1)، أبو غسان النهدي (1)، هشام بن عبد الملك (1)، مالك بن إسماعيل (1)، المغيرة بن شعبة (2)، سليمان بن داود (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، أبو اليقظان (1)، علي بن الحسين (1)، محمد بن إسحاق (1)، سعيد بن زيد (1)، محمد بن سعيد (1)، الإستحباب (1)، الشراكة، المشاركة (1)، السجود (1)، التصدّق (1)
لعن أبي تراب.
وروي عمرو بن القناد، عن محمد بن فضيل، عن أشعث بن سوار قال: سب عدي بن أرطأة عليا (عليه السلام) علي المنبر، فبكي الحسن البصري، وقال: لقد سب هذا اليوم رجل إنه لأخو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة.
وروي عدي بن ثابت عن إسماعيل بن إبراهيم، قال: كنت أنا وإبراهيم بن يزيد جالسين في الجمعة مما يلي أبواب كندة فخرج المغيرة فخطب، فحمد الله، ثم ذكر ما شاء ان يذكر، ثم وقع في علي (عليه السلام) فضرب إبراهيم علي فخذي أو ركبتي، ثم قال: اقبل علي، فحدثني فإنا لسنا في جمعة، ألا تسمع ما يقول هذا؟
وروي عبد الله بن عثمان الثقفي، قال: حدثنا ابن أبي سيف قال: قال ابن عامر بن عبد الله بن الزبير لولده: لا تذكر يا بني عليا إلا بخير، فان بني أمية لعنوه علي منابرهم ثمانين سنة فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، إن الدنيا لم تبن شيئا قط إلا رجعت علي ما بنت فهدمته، وان الدين لم يبن شيئا قط وهدمه.
وروي عثمان بن سعيد، قال: حدثنا مطلب بن زياد، عن أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني، قال: كان دعي لبني أمية يقال له خالد بن عبد الله، لا يزال يشتم عليا (عليه السلام)، فلما كان يوم جمعة، وهو يخطب الناس، قال: والله ان كان رسول الله ليستعمله، وانه ليعلم ما هو، ولكنه كان ختنه، وقد نعس سعيد بن المسيب ففتح عينيه ثم قال: ويحكم، ما قال هذا الخبيث؟! رأيت القبر انصدع ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: كذبت يا عدو الله.
وروي القناد، قال: حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن السدي، قال: بينما انا بالمدينة عند أحجار الزيت، إذ اقبل راكب علي بعير فوقف فسب عليا (عليه السلام) فخف به الناس ينظرون إليه، فبينا هو كذلك إذ اقبل سعد بن أبي وقاص، فقال: اللهم ان
(٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، سعيد بن المسيب (1)، أسباط بن نصر الهمداني (1)، إسماعيل بن إبراهيم (1)، عبد الله بن الزبير (1)، عبد الله بن عثمان (1)، خالد بن عبد الله (1)، بنو أمية (2)، بكر بن عبد الله (1)، أشعث بن سوار (1)، عثمان بن سعيد (1)، الحسن البصري (1)، مطلب بن زياد (1)، الكذب، التكذيب (1)، القبر (1)، السب (1)
كان سب عبدا لك صالحا فأر المسلمين خزيه، فما لبث ان نفر به بعيره فسقط، فاندقت عنقه.
وروي عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الله بن موسي، عن فطر بن خليفة عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت علي أم سلمة رحمها الله فقالت: أيسب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيكم وأنتم أحياء؟ قلت: وأني يكون هذا؟ قالت: أليس يسب علي (عليه السلام) ومن يحبه!
وروي العباس بن بكار الضبي، قال: حدثني أبو بكر الهذلي عن الزهري، قال: قال ابن عباس لمعاوية: ألا تكف عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لأفعل حتي يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير. فلما ولي عمر بن عبد العزيز كف عن شتمه، فقال الناس: ترك السنة.
قال: وقد روي عن ابن مسعود اما موقوفا عليه أو مرفوعا، كيف أنتم إذا شملتم فتنة يربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري عليها الناس فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: غيرت السنة.
قال أبو جعفر: وقد تعلمون ان بعض الملوك ربما أحدثوا قولا، أو دينا لهوي فيحملون الناس علي ذلك، حتي لا يعرفوا غيره كنحو ما اخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان، وترك قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب، وتوعد علي ذلك بدون ما صنع هو وجبابرة بني أمية وطغاة بني مروان بولد علي (عليه السلام)، وشيعته، وانما كان سلطانه نحو عشرين سنة، فما مات الحجاج حتي اجتمع أهل العراق علي قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها، لإمساك الآباء عنها، وكف المعلمون عن تعليمها، حتي لو قرأت عليهم قراءة عبد الله وأبي ما عرفوها، ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان، لألفة العادة وطول الجهالة لأنه إذا استولت علي الرعية الغلبة، وطالت عليهم أيام التسلط وشاعت فيهم المخافة، وشملتهم التقية،
(٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، عبد الله بن عباس (1)، دولة العراق (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، عثمان بن أبي شيبة (1)، عبد الله بن موسي (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، بنو أمية (1)، العباس بن بكار (1)، فطر بن خليفة (1)، أبي بن كعب (1)، الخوف (1)، الموت (1)، التقية (1)، السب (1)
اتفقوا علي التخاذل والتساكت فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم، وتنقص من ضمائرهم وتنقض من مرائرهم، حتي تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها، ولقد كان الحجاج ومن ولاه، كعبد الملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أمية علي إخفاء محاسن علي (عليه السلام) وفضائل ولده وشيعته، وإسقاط أقدارهم أحرص منهم علي اسقاط قراءة عبد الله وأبي، لأن تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم، وفساد امرهم، وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي (عليه السلام) وولده واظهار محاسنهم بوارهم، وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في اخفاء فضائله، وحملوا الناس علي كتمانها وسترها، وأبي الله ان يزيد امره وأمر ولده الا استنارة واشراقا، وحبهم الا شغفا وشدة، وذكرهم الا انتشارا وكثرة، وحجتهم إلا وضوحا وقوة، وفضلهم إلا ظهورا، وشأنهم إلا علوا وأقدارهم إلا اعظاما، حتي أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء، وبإماتتهم ذكرهم احياء، وما أرادوا به وبهم من الشر تحول خيرا، فانتهي الينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه ما لم يتقدمه السابقون ولا ساواه فيه القاصدون، ولا يلحقه الطالبون، ولولا انها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة، وكالسنن المحفوظة في الكثرة، لم يصل الينا منها في دهرنا حرف واحد، ان كان الامر كما وصفناه.
قال: فاما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبي بكر، بكونه أول الناس اسلاما، فلو كان هذا احتجاجا صحيحا، لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة، وما رأيناه صنع ذلك لأنه اخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح، وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئم، ولو كان هذا احتجاجا صحيحا لما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها، ولو كان احتجاجا صحيحا لادعي واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلي الاسلام، وما عرفنا أحدا ادعي له ذلك، علي أن جمهور المحدثين لم يذكروا أن أبا بكر
(٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، بنو أمية (1)، السقيفة (1)، الإبداع، البدعة (1)
أسلم إلا بعد عدة من الرجال، منهم علي بن أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبو ذر الغفاري وعمرو بن عنبسة السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص، وخباب بن الأرت وإذا تأملنا الروايات الصحيحة، والأسانيد القوية الوثيقة، وجدناها كلها ناطقة بان عليا (عليه السلام) أول من أسلم.
فأما الرواية عن ابن عباس ان ابا بكر أولهم اسلاما فقد روي عن ابن عباس خلاف ذلك، بأكثر مما رووا وأشهر، فمن ذلك ما رواه يحيي بن حماد، عن أبي عوانة وسعيد بن عيسي، عن أبي داود الطيالسي، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، أنه قال: أول من صلي من الرجال علي (عليه السلام).
وروي الحسن البصري، قال: حدثنا عيسي بن راشد، عن أبي بصير، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: فرض الله تعالي الاستغفار لعلي (عليه السلام) في القرآن علي كل مسلم، بقوله تعالي: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، فكل من أسلم بعد علي فهو يستغفر لعلي (عليه السلام).
وروي سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: السباق ثلاثة، سبق يوشع بن نون إلي موسي، وسبق صاحب " يس " إلي عيسي، وسبق علي بن أبي طالب إلي محمد عليه وعليهم السلام.
فهذا قول ابن عباس في سبق علي (عليه السلام) إلي الاسلام، وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر، علي أنه قد روي عن الشعبي خلاف ذلك من حديث أبي بكر الهذلي وداود بن أبي هند عن الشعبي، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): هذا أول من آمن بي وصدقني وصلي معي.
قال: فأما الأخبار الواردة بسبقه إلي الاسلام المذكورة في الكتب الصحاح والأسانيد الموثوق بها، فمنها ما روي شريك بن عبد الله عن سليمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أول شئ علمته من امر رسول
(٨١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (5)، يوشع بن نون عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبوذر الغفاري (1)، عبد الله بن عباس (5)، أبو داود الطيالسي (1)، أبو بصير (1)، خالد بن سعيد بن العاص (1)، داود بن أبي هند (1)، علي بن أبي طالب (2)، سفيان بن عيينة (1)، عبد الله بن مسعود (1)، شريك بن عبد الله (1)، خباب بن الأرت (1)، يحيي بن حماد (1)، عيسي بن راشد (1)، عمرو بن ميمون (1)، الحسن البصري (1)، زيد بن وهب (1)، عمرو بن عنبسة (1)، القرآن الكريم (1)، الأكل (1)، الصّلاة (1)
الله (صلي الله عليه وآله وسلم) اني قدمت مكة مع عمومة لي وناس من قومي، وكان من أنفسنا شراء عطر، فأرشدنا (1) إلي العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه، وهو جالس إلي زمزم فبينا نحن عنده جلوسا، إذ أقبل رجل من باب الصفا، وعليه ثوبان أبيضان، وله وفرة إلي انصاف أذنيه، جعدة، أشم أقني أدعج العينين، كث اللحية، براق الثنايا، ابيض تعلوه حمرة كأنه القمر ليلة البدر، وعلي يمينه غلام مراهق أو محتلم، حسن الوجه تقفوهما امرأة، قد سترت محاسنها، حتي قصدوا نحو الحجر، فاستلمه واستلمه الغلام، ثم استلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعا والغلام والمرأة يطوفان معه، ثم استقبل الحجر، فقام ورفع يديه وكبر، وقام الغلام إلي جانبه، وقامت المرأة خلفهما، فرفعت يديها، وكبرت فأطال القنوت، ثم ركع وركع الغلام والمرأة، ثم رفع رأسه فأطال ورفع الغلام والمرأة معه يصنعان مثل ما يصنع، فلما رأينا شيئا ننكره، لا نعرفه بمكة، أقبلنا علي العباس، فقلنا: يا أبا الفضل ان هذا الدين ما كنا نعرفه فيكم، قال: أجل والله، قلنا: فمن هذا؟ قال: هذا ابن أخي، هذا محمد بن عبد الله، هذا الغلام ابن أخي أيضا، هذا علي بن أبي طالب وهذه المرأة زوجة محمد، هذه خديجة بنت خويلد، والله ما علي وجه الأرض أحد يدين بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
ومن حديث موسي بن داود، عن خالد بن نافع، عن عفيف بن قيس الكندي، وقد رواه عن عفيف أيضا، مالك بن إسماعيل النهدي والحسن بن عنبسة الوراق وإبراهيم بن محمد بن ميمونة، قالوا جميعا: حدثنا سعيد بن جشم، عن أسد بن عبد الله البجلي، عن يحيي بن عفيف بن قيس، عن أبيه، قال: كنت في الجاهلية عطارا، فقدمت مكة، فنزلت علي العباس بن عبد المطلب، فبينا أنا جالس عنده، أنظر إلي الكعبة، وقد تحلقت الشمس في السماء أقبل شاب كأن في وجهه القمر،
(1) د: " فأرشدونا ".
(٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، العباس بن عبد المطلب (2)، علي بن أبي طالب (1)، مالك بن إسماعيل (1)، إبراهيم بن محمد (1)، الحسن بن عنبسة (1)، خالد بن نافع (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، القنوت (1)
حتي رمي ببصره إلي السماء فنظر إلي الشمس ساعة، ثم أقبل حتي دنا من الكعبة، فصف قدميه يصلي، فخرج علي أثره فتي كأن وجهه صفيحة يمانية، فقام عن يمينه، فجاءت امرأة متلفقة في ثيابها، فقامت خلفهما، فأهوي الشاب راكعا، فركعا معه، ثم أهوي إلي الأرض ساجدا، فسجدا معه، فقلت للعباس: يا أبا الفضل، أمر عظيم! فقال: أمر والله عظيم! أتدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، قال هذا ابن أخي، هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أتدري من هذا الفتي؟ قلت: لا، قال هذا ابن أخي علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، أتدري من المرأة؟ قلت: لا، قال: هذه ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزي، هذه خديجة زوج محمد هذا (1) وأن محمدا هذا يذكر أن إلهه إله السماء والأرض، وأمره بهذا الدين فهو عليه كما تري، ويزعم أنه نبي، وقد صدقه علي قوله علي بن عمه هذا الفتي، وزوجته خديجة، هذه المرأة، والله ما أعلم علي وجه الأرض كلها أحدا علي هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة: قال عفيف:
فقلت له: فما تقولون أنتم؟ قال: ننتظر الشيخ ما يصنع! يعني أبا طالب أخاه.
وروي عبيد الله بن موسي، والفضل بن دكين، والحسن بن عطية قالوا:
حدثنا خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار قال: كنت أوصي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال لي: هل لك أن تعود فاطمة؟ قلت: نعم يا رسول الله، فقام يمشي متوكئا علي، وقال: أما أنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون اجرها لك قال: فوالله كأنه لم يكن علي من ثقل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) شئ، فدخلنا علي فاطمة (عليها السلام)، فقال لها (صلي الله عليه وآله وسلم):
كيف تجدينك؟ قالت: لقد طال أسفي، واشتد حزني، وقال لي النساء: زوجك أبوك فقيرا لا مال له! فقال لها: أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأفضلهم حلما! قالت: بلي رضيت يا رسول الله.
وقد روي هذا الخبر يحيي بن عبد الحميد، وعبد السلام بن صالح عن قيس
(1) ا: " زوج هذا ".
(٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يحيي بن عبد الحميد (1)، عبيد الله بن موسي (1)، عبد السلام بن صالح (1)، علي بن أبي طالب (1)، محمد بن عبد الله (1)، خالد بن طهمان (1)، الحسن بن عطية (1)، الفضل بن دكين (1)، معقل بن يسار (1)، الزوج، الزواج (3)
بن الربيع، عن أبي أيوب الأنصاري، بألفاظه أو نحوها.
وروي عبد السلام بن صالح، عن إسحاق الأزرق، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لما زوج فاطمة، دخل النساء عليها، فقلن: يا بنت رسول الله، خطبك فلان وفلان فردهم عنك، وزوجك فقيرا لا مال له، فلما دخل عليها أبوها (صلي الله عليه وآله وسلم) رأي ذلك في وجهها، فسألها فذكرت له ذلك، فقال: يا فاطمة، ان الله أمرني فأنكحتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما وأعظمهم حلما، وما زوجتك إلا بأمر من السماء، أما علمت أنه أخي في الدنيا والآخرة!.
وروي عثمان بن سعيد عن الحكم بن ظهير، عن السدي، أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة (عليها السلام)، فردهما رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: لم أومر بذلك، فخطبها علي (عليه السلام)، فزوجه إياها، وقال لها: زوجتك أقدم الأمة اسلاما.. وذكر تمام الحديث. قال: وقد روي هذا الخبر جماعة من الصحابة، منهم أسماء بنت عميس وأم أيمن وابن عباس وجابر بن عبد الله.
قال: وقد روي محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه عن جده أبي رافع، قال: أتيت أبا ذر بالربذة أودعه فلما أردت الانصراف، قال لي ولأناس معي:
ستكون فتنة فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب، فاتبعوه فإني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول له: " أنت أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، وأنت أخي ووزيري، وخير من أترك بعدي، تقضي ديني وتنجز موعدي ".
قال: وقد روي ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن نمير، عن العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها غيري إلا كذاب،
(٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو أيوب الأنصاري (1)، يوم القيامة (1)، عبد السلام بن صالح (1)، علي بن أبي طالب (2)، جابر بن عبد الله (1)، عبد الله بن نمير (1)، أسماء بنت عميس (1)، محمد بن عبد الله (1)، الحكم بن ظهير (1)، عثمان بن سعيد (1)، جعفر بن محمد (1)، الصدق (2)، الزوج، الزواج (3)، الباطل، الإبطال (1)
ولقد صليت قبل الناس سبع سنين.
وروت معاذة بنت عبد الله العدوية، قالت: سمعت عليا (عليه السلام)، يخطب علي منبر البصرة، ويقول: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
وروي حبة بن جوين العرني أنه سمع عليا (عليه السلام) يقول: انا أول رجل أسلم مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن حبة بن جوين.
وروي عثمان بن سعيد الخراز (1)، عن علي بن حرار عن علي بن عامر، عن أبي الحجاف، عن حكيم مولي زاذان، قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: صليت قبل الناس سبع سنين وكنا نسجد ولا نركع، وأول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر، فقلت:
يا رسول الله، ما هذا؟ قال: أمرت به.
وروي إسماعيل بن عمرو، عن قيس بن الربيع، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: صلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين، وصلي علي يوم الثلاثاء بعده. وفي الرواية الأخري، عن أنس بن مالك، استنبئ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء بعده.
وروي أبو رافع أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صلي أول صلاة صلاها غداة الاثنين، وصلت خديجة آخر نهار يومها ذلك، وصلي علي (عليه السلام) يوم الثلاثاء غدا ذلك اليوم.
قال وقد روي بروايات مختلفة كثيرة متعددة، عن زيد بن أرقم وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، أن عليا (عليه السلام) أول من أسلم، وذكر الروايات والرجال بأسمائهم.
(1) سأذكر ذلك في مناظرات المأمون مع أئمة السنة.
(٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو داود الطيالسي (1)، جابر بن عبد الله (2)، عبد الله بن محمد (1)، سفيان الثوري (1)، مدينة البصرة (1)، قيس بن الربيع (1)، عثمان بن سعيد (1)، أنس بن مالك (2)، زيد بن أرقم (1)، علي بن عامر (1)، الصدق (1)، الصّلاة (5)، العصر (بعد الظهر) (1)
وروي سلمة بن كهيل، عن رجاله الذين ذكرهم أبو جعفر في الكتاب، ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " أولكم ورودا علي الحوض، أولكم اسلاما، علي بن أبي طالب ".
وروي ياسين بن محمد بن أيمن، عن أبي حازم، مولي ابن عباس عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: كفوا عن علي بن أبي طالب، فإني سمعت من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول (1) فيه خصالا، لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب، كان أحب لي مما طلعت عليه الشمس، كنت ذات يوم وأبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة مع نفر من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نطلبه، فانتهينا إلي باب أم سلمة، فوجدنا عليا متكئا علي نجاف (2) الباب، فقلنا: أردنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: هو في البيت، رويدكم! فخرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسرنا حوله، فاتكأ علي علي (عليه السلام) وضرب بيده علي منكبه، فقال: أبشر يا علي بن أبي طالب إنك مخاصم، وانك تخصم (3) الناس بسبع لا يجاريك أحد في واحدة منهن، أنت أول الناس إسلاما، وأعلمهم بأيام الله … وذكر الحديث.
قال: وقد روي أبو سعيد الخدري، عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مثل هذا الحديث.
قال: روي أبو أيوب الأنصاري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " لقد صلت الملائكة علي وعلي علي (عليه السلام) سبع سنين "، وذلك أنه لم يصل معي رجل فيها غيره.
قال أبو جعفر: فاما ما رواه الجاحظ من قوله: " انما تبعني حر وعبد ". فإنه لم يسم في هذا الحديث أبا بكر وبلالا وكيف وأبو بكر لم يشتر بلالا إلا بعد ظهور الاسلام بمكة، فلما أظهر بلال اسلامه عذبه أمية بن خلف! ولم يكن ذلك حال
(1) ساقطة من: أ.
(2) النجاف: هو ما بني ناتئا فوق الباب.
(3) تخصم الناس: تغلبهم في الخصومة.
(٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، عبد الله بن عباس (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، أبو أيوب الأنصاري (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو سعيد الخدري (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، علي بن أبي طالب (2)، سلمة بن كهيل (1)
إخفاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الدعوة، ولا في ابتداء أمر الاسلام، وقد قيل: إنه (صلي الله عليه وآله وسلم) انما عني بالحر علي بن أبي طالب، وبالعبد زيد بن حارثة.
وروي ذلك محمد بن إسحاق، قال: وقد روي إسماعيل بن نصر الصفار، عن محمد بن ذكوان، عن الشعبي، قال: قال الحجاج للحسن، وعنده جماعة من التابعين وذكر علي بن أبي طالب: ما تقول أنت يا حسن؟ فقال: ما أقول! هو أول من صلي إلي القبلة، وأجاب دعوة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وان لعلي منزلة من ربه وقرابة من رسوله، وقد سبقت له سوابق لا يستطيع ردها أحد. فغضب الحجاج غضبا شديدا وقام عن سريره، فدخل بعض البيوت وأمر بصرفنا.
قال الشعبي: وكنا جماعة ما منا إلا من نال من علي (عليه السلام) مقاربة للحجاج، غير الحسن بن أبي الحسن (رحمه الله).
وروي محرز بن هشام، عن إبراهيم بن سلمة، عن محمد بن عبيد الله، قال:
قال رجل للحسن: ما لنا لا نراك تثني علي علي وتقرظه؟ قال: كيف وسيف الحجاج يقطر دما! أنه لأول من أسلم، وحسبكم بذلك!
قال: فهذه الأخبار.
واما الاشعار المروية فمعروفة كثيرة منتشرة، فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيبا للوليد بن عقبة بن أبي معيط:
وان ولي الامر بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه وصي رسول الله حقا وصنوه * وأول من صلي ومن لان جانبه وقال خزيمة بن ثابت في هذا:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه مذ كان في سالف الزمن وأول من صلي من الناس كلهم * سوي خيرة النسوان والله ذو منن وقال أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، حين بويع أبو بكر:
(٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الحسن بن أبي الحسن (1)، علي بن أبي طالب (2)، إبراهيم بن سلمة (1)، محمد بن عبيد الله (1)، خزيمة بن ثابت (1)، زيد بن حارثة (1)، محمد بن إسحاق (1)، الحرب (1)
ما كنت أحسب ان الامر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلي لقبلتهم * وأعلم الناس بالأحكام والسنن وقال أبو الأسود الدؤلي يهدد طلحة والزبير:
وان عليا لكم مصحر * يماثله الأسد الأسود أما إنه أول العابدين * بمكة والله لا يعبد!
وقال سعيد بن قيس الهمداني يرتجز بصفين:
هذا علي وابن عم المصطفي * أول من أجابه فيما روي هو الامام لا يبالي من غوي وقال زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي:
فحوطوا عليا وانصروه فإنه * وصي وفي الاسلام أول أول وان تخذلوه والحوادث جمة * فليس لكم عن أرضكم متحول قال: والاشعار كالاخبار، إذا امتنع في مجئ القبيلين التواطؤ والاتفاق، كان ورودهما حجة.
فأما قول الجاحظ، فأوسط الأمور ان نجعل اسلامهما معا، فقد أبطل بهذا ما احتج به لامامة أبي بكر، لأنه احتج بالسبق وقد عدل الآن عنه.
قال أبو جعفر: ويقال لهم: لسنا نحتاج من ذكر سبق علي (عليه السلام) إلا مجامعتكم إيانا علي أنه أسلم قبل الناس، ودعواكم انه أسلم وهو طفل دعوي غير مقبولة إلا بحجة.
فإن قلتم: ودعوتكم انه أسلم وهو بالغ دعوي غير مقبولة إلا بحجة!
قلنا: قد ثبت اسلامه بحكم اقراركم، ولو كان طفلا لكان في الحقيقة غير مسلم، لان اسم الايمان والإسلام والكفر الطاعة والمعصية انما يقع علي البالغين
(٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو الأسود الدؤلي (1)، سعيد بن قيس (1)، الحج (2)
دون الأطفال والمجانين، وإذا أطلقتم عليه اسم الاسلام، فالأصل في الاطلاق الحقيقة، كيف وقد قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): " أنت أول من آمن بي، وأنت أول من صدقني "، وقال لفاطمة: " زوجتك أقدمهم سلما - أو قال: اسلاما - " فإن قالوا إنما دعاه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الاسلام علي جهة العرض لا التكليف.
قلنا: قد وافقتمونا علي الدعاء، وحكم الدعاء حكم الامر والتكليف ثم ادعيتم ان ذلك كان علي وجه العرض، وليس لكم ان تقبلوا معني الدعاء (عن وجهه - = 1 = -) إلا لحجة.
فان قالوا: لعله كان علي وجه التأديب والتعليم كما يعتمد مثل ذلك مع الأطفال.
قلنا: إن ذلك انما يكون إذا تمكن الاسلام باهله، أو عند النشوء عليه والولادة فيه، فأما في دار الشرك فلا يقع مثل ذلك لا سيما إذا كان الاسلام غير معروف ولا معتاد بينهم، علي أنه ليس من سنة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دعاء أطفال المشركين إلي الاسلام والتفريق بينهم وبين آبائهم، قبل أن يبلغوا الحلم.
وأيضا فمن شأن الطفل اتباع اهله، وتقليد أبيه، والمضي علي منشئه ومولده، وقد كانت منزلة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حينئذ منزلة ضيق وشدة ووحدة، وهذه منازل لا ينتقل إليها الا من ثبت الاسلام عنده بحجة، ودخل اليقين قلبه بعلم ومعرفة. فان قالوا: ان عليا (عليه السلام) كان يألف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فوافقه علي طريق المساعدة له.
قلنا: انه وان كان يألفه أكثر من أبويه وإخوته وعمومته وأهل بيته، ولم يكن الألف ليخرجه عما نشأ عليه، ولم يكن الاسلام مما غذي (1) به وكرر علي سمعه لان الاسلام هو خلع الأنداد والبراءة ممن أشرك بالله، وهذا لا يجتمع في اعتقاد طفل.
(1) ب: " عدي " تصحيف، واثبت ما في أ.
(٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، الحج (1)، الزوج، الزواج (1)
ومن العجب قول العباس لعفيف بن قيس: ننتظر الشيخ وما يصنع فإذا كان العباس وحمزة ينتظران أبا طالب، ويصدران عن رأيه فكيف يخالفه ابنه، ويؤثر القلة علي الكثرة، ويفارق المحبوب إلي المكروه، والعز إلي الذل، والأمن إلي الخوف، عن غير معرفة ولا علم بما فيه!
فأما قوله: ان المقل يزعم أنه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر يزعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنين، فأول ما يقال في ذلك: ان الاخبار جاءت في سنه (عليه السلام) يوم أسلم علي خمسة أقسام فجعلناه في قسمين:
القسم الأول: الذين قالوا: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة. حدثنا بذلك أحمد بن سعيد الأسدي، عن إسحاق بن بشر القرشي عن الأوزاعي، عن زمرة بن حبيب، عن شداد بن أوس، قال: سألت خباب بن الأرت عن اسلام علي، فقال:
أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، ولقد رأيته يصلي قبل الناس مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يومئذ بالغ مستحكم البلوغ.. وروي عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن ان أول من أسلم علي بن أبي طالب، وهو ابن خمس عشرة سنة.
القسم الثاني: الذين قالوا انه أسلم وهو ابن أربع عشرة سنة رواه أبو قتادة الحراني، عن أبي حازم الأعرج، عن حذيفة بن اليمان، قال: كنا نعبد الحجارة، ونشرب الخمر وعلي من أبناء أربع عشرة سنة قائم يصلي مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ليلا ونهارا وقريش يومئذ تسافه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ما يذب عنه إلا علي (عليه السلام)، وروي ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد، قال: أسلم علي وهو ابن أربع عشرة سنة.
القسم الثالث: الذين قالوا: أسلم وهو ابن احدي عشرة سنة رواه إسماعيل بن عبد الله الرقي، عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن سمعان، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه عن محمد بن علي (عليه السلام)، قال: أول من آمن بالله علي بن أبي
(٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، علي بن أبي طالب (1)، حذيفة بن اليمان (1)، جرير بن عبد الحميد (1)، خباب بن الأرت (1)، شداد بن أوس (1)، أحمد بن سعيد (1)، محمد بن عمر (1)، الكراهية، المكروه (1)
طالب، وهو ابن احدي عشرة سنة، وهاجر إلي المدينة وهو ابن أربعة (1) وعشرين سنة.
القسم الرابع: الذين قالوا انه أسلم وهو ابن عشر سنين رواه نوح بن دراج، عن محمد بن إسحاق، قال: أول ذكر آمن وصدق النبوة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو ابن عشر سنين ثم أسلم زيد بن حارثة، ثم أسلم أبو بكر وهو ابن ست وثلاثين سنة فيما بلغنا.
القسم الخامس: الذين قالوا انه أسلم وهو ابن تسع سنين رواه الحسن بن عنبسة الوراق عن سليم مولي الشعبي، عن الشعبي قال: أول من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب وهو ابن تسع سنين، وكان له يوم قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تسع وعشرون سنة.
قال شيخنا أبو جعفر: فهذه الأخبار كما تراها، فاما ان يكون الجاحظ جهلها أو قصد العناد.
فاما قوله " فالقياس أن نأخذ بأوسط الأمرين من الروايتين " فنقول أنه أسلم وهو ابن سبع سنين، فان هذا تحكم منه، ويلزمه مثله في رجل ادعي قبل رجل عشرة دراهم، فأنكر ذلك وقال: انما يستحق قبلي أربعة دراهم، فينبغي ان نأخذ الامر المتوسط ويلزمه سبعة دراهم، ويلزمه في أبي بكر حيث قال قوم: كان كافرا، وقال قوم: كان اماما عادلا ان نقول: أعدل الأقاويل وسطها وهو منزلة (2) بين المنزلتين، فنقول: كان فاسقا ظالما، وكذلك في جميع الأمور المختلف فيها.
فاما قوله: انما يعرف حق ذلك من باطله، بأن نحصي سني ولاية عثمان وعمر وأبي بكر وسني الهجرة، ومقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بمكة بعد الرسالة إلي أن هاجر،
(1) كذا في النهج وهو خطأ والصحيح: أربع وعشرين. (المصحح).
(2) أ: " أن ننزله ".
(٩١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، علي بن أبي طالب (1)، زيد بن حارثة (1)، عنبسة الوراق (1)، محمد بن إسحاق (1)، نوح بن دراج (1)، الصدق (1)
فيقال له: لو كانت الروايات باطلة متفقة علي هذه التأريخات، لكان لهذا القول مساغ، لكن الناس قد اختلفوا في ذلك، فقيل: ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أقام بمكة بعد الرسالة خمس عشرة سنة، رواه ابن عباس، وقيل ثلاث عشرة سنة، وروي عن ابن عباس أيضا، وأكثر الناس يرونه.، وقيل عشر سنين رواه عروة بن الزبير، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن المسيب، واختلفوا في سن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال قوم: كان ابن خمس وستين وقيل: كان ابن ثلاث وستين وقيل: كان ابن ستين. واختلفوا في سن علي (عليه السلام)، فقيل: كان ابن سبع وستين، وقيل: كان ابن خمس وستين وقيل ابن ثلاث وستين، وقيل: كان ابن ستين، وقيل ابن تسع وخمسين.
فكيف يمكن مع هذه الاختلافات تحقيق هذه الحال! وانما الواجب ان يرجع إلي اطلاق قولهم: أسلم علي، فان هذا الاسم لا يكون مطلقا إلا علي البالغ، كما لا يطلق اسم الكافر إلا علي البالغ، علي أن ابن احدي عشرة سنة يكون بالغا ويولد له الأولاد، فقد روت الرواة ان عمرو بن العاص لم يكن أسن من ابنه عبد الله إلا باثنتي عشرة سنة، وهذا يوجب انه احتلم وبلغ في أقل من احدي عشرة سنة.
وروي أيضا ان محمد [بن علي] (1) بن عبد الله بن العباس، كان أصغر من أبيه علي بن عبد الله بن العباس باحدي عشرة سنة، فيلزم الجاحظ ان يكون عبد الله بن العباس حين مات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) غير مسلم علي الحقيقة، ولا مثاب ولا مطيع بالاسلام، لأنه كان يومئذ ابن عشر سنين. رواه هشيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال توفي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وانا ابن عشر سنين.
(1) ما بين العضادتين غير موجود في شرح النهج لابن أبي الحديد ولكنا نقلناه من كتاب " وفيات الأعيان " لابن خلكان 4 / 274 - 278. في ترجمة علي بن عبد الله بن العباس، و 3 / 181 - 188 ترجمة محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
(٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عبد الله بن عباس (7)، مدينة مكة المكرمة (1)، سعيد بن المسيب (1)، سعيد بن جبير (1)، عمرو بن العاص (1)، الحسن البصري (1)، محمد بن علي (2)، الموت (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)
قال الجاحظ: فان قالوا: فلعله وهو ابن سبع سنين (1) أو ثماني سنين (2)، قد بلغ من فطنته وذكائه وصحة لبه وصدق حدسه (3) وانكشاف العواقب له وإن لم يكن جرب الأمور، ولا فاتح الرجال، ولا نازع الخصوم، ما يعرف به جميع ما يجب علي البالغ معرفته والاقرار به!
قيل (4) لهم انما نتكلم علي ظواهر الأحوال، وما شاهدنا عليه طبائع الأطفال، فانا وجدنا حكم ابن سبع سنين أو ثمان - ما لم يعلم باطن امره وخاصة طبعه - حكم الأطفال، وليس لنا ان نزيل ظاهر حكمه والذي نعرف من حال أبناء جنسه بلعل وعسي، لأنا وان كنا لا ندري، لعله قد كان ذا فضيلة في الفطنة، فلعله قد كان ذا نقص فيها!
هذا علي تجويز ان يكون علي (عليه السلام) في الغيب (5) قد أسلم وهو ابن سبع أو ثمان اسلام البالغ، غير أن الحكم علي مجري أمثاله واشكاله الذين أسلموا وهم في مثل سنه إذا كان اسلام هؤلاء عن تربية الحاضن، وتلقين القيم، ورياضة السائس.
فاما عند التحقيق، فإنه لا تجويز لمثل ذلك، لأنه لو كان أسلم، وهو ابن سبع أو ثمان وعرف فضل ما بين الأنبياء والكهنة، وفرق ما بين الرسل والسحرة، وفرق ما بين خبر النبي والمنجم، وحتي عرف كيد الأريب (6) وموضع الحجة (7) وبعد غور المتنبي (8) كيف يلبس علي العقلاء، وتستمال عقول الدهماء، وعرف الممكن في
(١) و (٢) ساقط من: أ.
(٣) العثمانية: " حسه ".
(٤) العثمانية: " قيل ".
(٥) العثمانية: " المغيب ".
(٦) العثمانية " المريب ".
(٧) في الأصول " وفقد التمييز " واثبت ما في العثمانية.
(8) المصدر السابق.
(٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الصدق (1)، اللبس (1)
الطبع من الممتنع، وما يحدث بالاتفاق مما يحدث بالأسباب، وعرف قدر القوي وغاية الحيلة ومنتهي التمويه والخديعة، وما لا يحتمل ان يحدثه الا الخالق سبحانه، وما يجوز علي الله في حكمته مما لا يجوز وكيف التحفظ من الهوي والاحتراس من الخداع، لكان كونه علي هذه الحال وهذه مع فرط الصبا والحداثة وقلة التجارب والممارسة خروجا من العادة، ومن المعروف مما عليه تركيب هذه الخلقة، وليس يصل أحد إلي معرفة نبي وكذب متنبئ، حتي تجتمع فيه هذه المعارف التي ذكرناها، والأسباب التي وصفناها وفصلناها، ولو كان علي (عليه السلام) علي هذه الصفة ومعه هذه الخاصية لكان حجة علي العامة وآية تدل علي النبوة، ولم يكن الله عز وجل ليخصه بمثل هذه الأعجوبة إلا وهو يريد أن يحتج بها، ويجعلها قاطعة لعذر المشاهد وحجة علي الغائب. ولولا ان الله أخبر عن يحيي بن زكريا أنه آتاه الحكم صبيا، وانه أنطق عيسي في المهد ما كانا في الحكم (ولا في المغيب) (1)، الا كسائر الرسل، وما عليه جميع البشر. فإذا لم ينطق لعلي (عليه السلام) بذلك قرآن، ولا جاء الخبر به مجئ الحجة القاطعة والمشاهدة القائمة، فالمعلوم عندنا في الحكم ان طباعه كطباع عميه حمزة والعباس، وهما أمس بمعدن جماع الخير منه، أو كطباع جعفر وعقيل من رجال قومه وسادة رهطه. ولو أن انسانا ادعي مثل ذلك لأخيه جعفر أو لعميه حمزة والعباس، ما كان عندنا في أمره الا مثل ما عندنا فيه (2).
أجاب شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)، فقال: هذا كله مبني علي أنه أسلم وهو ابن سبع أو ثمان، ونحن قد بينا انه أسلم بالغا ابن خمس عشرة سنة أو ابن أربع عشرة سنة، علي انا لو نزلنا علي حكم الخصوم، وقلنا ما هو الأشهر والأكثر من الرواية، وهو
(١) من العثمانية.
(٢) العثمانية 6 - 8.
(٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، يحيي بن زكريا (1)، الحج (2)، الشهادة (1)، الجواز (2)
انه أسلم وهو ابن عشر لم يلزم ما قاله الجاحظ، لان ابن عشر قد يستجمع عقله، ويعلم من مبادئ المعارف ما يستخرج به كثيرا من الأمور المعقولة، ومتي كان الصبي عاقلا مميزا كان مكلفا بالعقليات، وان كان تكليفه بالشرعيات موقوفا علي حد آخر وغاية أخري، فليس بمنكر ان يكون علي (عليه السلام) وهو ابن عشر قد عقل المعجزة، فلزمه الاقرار بالنبوة، وأسلم اسلام عالم عارف، لا اسلام مقلد تابع، وان كان ما نسقه الجاحظ وعدده من معرفة السحر والنجوم والفصل بينهما وبين النبوة، ومعرفة ما يجوز في الحكمة مما لا يجوز، وما لا يحدثه إلا الخالق، والفرق بينه وبين ما يقدر عليه القادرون بالقدرة، ومعرفة التمويه والخديعة والتلبيس والمماكرة، شرطا في صحة الاسلام لما صح اسلام أبي بكر ولا عمر ولا غيرهما من العرب، وانما التكليف لهؤلاء بالجمل ومبادئ المعارف لا بدقائقها والغامض منها، وليس يفتقر الاسلام إلي أن يكون المسلم قد فاتح الرجال وجرب الأمور ونازع الخصوم، وانما يفتقر إلي صحة الغريزة وكمال العقل وسلامة الفطرة، ألا تري ان طفلا لو نشأ في دار لم يعاشر الناس بها، ولا فاتح الرجال ولا نازع الخصوم، ثم كمل عقله وحصلت العلوم البديهية عنده، لكان مكلفا بالعقليات!
فاما توهمه ان عليا (عليه السلام) أسلم عن تربية الحاضن، وتلقين القيم، ورياضة السائس، فلعمري ان محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) كان حاضنه وقيمه وسائسه، ولكن لم يكن منقطعا عن أبيه أبي طالب، ولا عن اخوته طالب وعقيل وجعفر، ولا عن عمومته وأهل بيته، وما زال مخالطا لهم، ممتزجا بهم، مع خدمته لمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فما باله لم يمل إلي الشرك وعبادة الأصنام لمخالطته اخوته وأباه وعمومته وأهله، وهم كثير، ومحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) واحد!
وأنت تعلم ان الصبي إذا كان له أهل ذوو كثرة، وفيهم واحد يذهب إلي رأي مفرد، لا يوافقه عليه غيره منهم، فإنه إلي ذوي الكثرة أميل، وعن ذي الرأي الشاذ
(٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الجواز (2)
المنفرد أبعد، وعلي ان عليا (عليه السلام) لم يولد في دار الاسلام، وانما ولد في دار الشرك، وربي بين المشركين، وشاهد الأصنام، وعاين بعينه أهله ورهطه يعبدونها، فلو كان في دار الاسلام لكان في القول مجال، ولقيل انه ولد بين المسلمين، فاسلامه عن تلقين الظئر وعن سماع كلمة الاسلام ومشاهدة شعاره لأنه لم يسمع غيره ولا خطر بباله سواه، فلما لم يكن ولد كذلك، ثبت ان اسلامه اسلام المميز العارف، بما دخل عليه. ولولا انه كذلك لما مدحه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك، ولا أرضي ابنته فاطمة لما وجدت من تزويجه بقوله لها: زوجتك أقدمهم اسلاما ولا قرن إلي قوله " وأكثرهم علما وأعظمهم حلما "، والحلم: العقل، وهذان الأمران غاية الفضل، فلولا انه أسلم اسلام عارف عالم مميز لما ضم اسلامه إلي العلم والحلم اللذين وصفه بهما! وكيف يجوز ان يمدحه بامر لم يكن مثابا عليه، ولا معاقبا به لو تركه، ولو كان اسلامه عن تلقين وتربية لما افتخر هو (عليه السلام) (به) (1) علي رؤوس الاشهاد، ولا خطب علي المنبر، وهو بين عدو ومحارب، وخاذل ومنافق فقال: انا عبد الله وأخو رسوله، وانا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم، صليت قبل الناس سبع سنين، وأسلمت قبل اسلام أبي بكر وآمنت قبل ايمانه! فهل بلغكم ان أحدا من أهل ذلك العصر أنكر ذلك أو عابه أو ادعاه لغيره، أو قال له: انما كنت طفلا أسلمت علي (2) تربية محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك، وتلقينه إياك، كما يعلم الطفل الفارسية والتركية منذ يكون رضيعا، فلا فخر له في تعلم ذلك، وخصوصا في عصر قد حارب فيه أهل البصرة والشام والنهروان، وقد اعتورته الأعداء وهجته الشعراء، فقال فيه النعمان بن بشير:
لقد طلب الخلافة من بعيد * وسارع في الضلال أبو تراب
(1) تكملة من: أ.
(2) " عن ".
(٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة البصرة (1)، الشام (1)، الزوج، الزواج (1)، الضلال (1)، العصر (بعد الظهر) (1)
معاوية الامام وأنت منها * علي وتح بمنقطع السراب (1) وقال فيه أيضا بعض الخوارج:
دسسنا له تحت الظلام ابن ملجم * جزاء إذا ما جاء نفسا كتابها ابا حسن خذها علي الرأس ضربة * بكف كريم، بعد موت ثوابها وقال عمران بن حطان يمدح قاتله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفي البرية عند الله ميزانا فلو وجد هؤلاء سبيلا إلي دحض حجة فيما كان يفخر به من تقدم اسلامه لبدأوا بذلك، وتركوا ما لا معني له.
وقد أوردنا ما مدحه الشعراء به من سبقه إلي الاسلام، فكيف لم يرد علي هؤلاء الذين مدحوه بالسبق شاعر واحد من أهل حربه. ولقد قال في أمهات الأولاد قولا خالف فيه عمر، فذكروه بذلك وعابوه، فكيف تركوا أن يعيبوه بما كان يفتخر به مما لا فخر فيه عندهم، وعابوه بقوله في أمهات الأولاد.
ثم يقال له: خبرنا عن عبد الله بن عمر، وقد أجازه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق، ولم يجزه يوم أحد، هل كان يميز ما ذكرته؟ وهل كان يعلم فرق ما بين النبي والمتنبي، ويفصل بين السحر والمعجزة إلي غيره مما عددت وفصلت!
فان قال: نعم، وتجاسر علي ذلك، قيل له: فعلي (عليه السلام) بذلك أولي من ابن عمر، لأنه أذكي وأفطن بلا خلاف بين العقلاء وأني يشك في ذلك، وقد رميتم انه لم يميز بين الميزان والعود بعد طول السن، وكثرة التجارب، ولم يميز أيضا بين امام الرشد وامام الغي، فإنه امتنع عن بيعة علي (عليه السلام) وطرق علي الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد
(1) الوتح: القليل.
(٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، ابن ملجم المرادي لعنه الله (1)، عبد الله بن عمر (1)، الخوارج (1)، الحج (1)، القتل (1)، الكرم، الكرامة (1)
الملك، كي لا يبيت تلك الليلة بلا امام، (كما) زعم، لأنه روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " من مات ولا امام له مات ميتة جاهلية "، وحتي بلغ من احتقار الحجاج له واسترذاله حاله، ان اخرج رجله من الفراش فقال: إصفق بيدك عليها، فذلك تمييزه بين الميزان والعود وهذا اختياره في الأئمة، وحال علي (عليه السلام) في ذكائه وفطنته وتوقد حسه، وصدق حدسه، معلومة مشهورة، فإذا جاز ان يصح اسلام ابن عمر، ويقال عنه إنه عرف تلك الأمور التي سردها الجاحظ ونسقها، وأظهر فصاحته وتشدقه فيها، فعلي بمعرفة ذلك أحق، وبصحة اسلامه أولي.
وان قال: لم يكن ابن عمر يعلم ويعرف ذلك، فقد أبطل اسلامه، وطعن في رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حيث حكم بصحة اسلامه واجازه يوم الخندق، لأنه (عليه السلام) كان قال:
لا أجيز الا البالغ العاقل، ولذلك لم يجزه يوم أحد.
ثم يقال له: ان ما نقوله في بلوغ علي (عليه السلام) الحد الذي يحسن فيه التكليف العقلي بل يجب - وهو ابن عشر سنين - ليس بأعجب من مجئ الولد لستة أشهر، وقد صحح ذلك أهل العلم، واستنبطوه من الكتاب، وان كان خارجا من التعارف والتجارب والعادة. وكذلك مجئ الولد لسنتين خارج أيضا عن التعارف والعادة، وقد صححه الفقهاء والناس.
ويروي ان معاذا لما نهي عمر عن رجم الحامل تركها حتي ولدت غلاما قد نبتت ثنيتاه، فقال أبوه: ابني ورب الكعبة! فثبت ذلك سنة يعمل بها الفقهاء، وقد وجدنا العادة تقضي بأن الجارية تحيض لاثنتي عشرة سنة، وانه أقل سن تحيض فيه المرأة، وقد يكون في الأقل نساء يحضن لعشر ولتسع، وقد ذكر ذلك الفقهاء، وقد قال الشافعي في اللعان: لو جاءت المرأة بحمل وزوجها صبي له دون عشر سنين لم يكن ولدا له، لأن من لم يبلغ عشر سنين من الصبيان لا يولد له، وان كان له عشر سنين جاز ان يكون الولد له، وكان بينهما لعان إذا لم يقر به.
(٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الموت (3)، الصدق (1)، الجهل (1)
وقال الفقهاء أيضا، ان نساء تهامة يحضن لتسع سنين، لشدة الحر في بلادهن.
قال الجاحظ: ولو لم يعرف باطل هذه الدعوي من أثر التقوي، وتحفظ من الهوي، الا بترك علي (عليه السلام) ذكر ذلك لنفسه والاحتجاج به علي خصمه، وقد نازع الرجال وناوي الاكفاء وجامع أهل الشوري، لكان كافيا، ومتي لم تصح لعلي عليه السلام هذه الدعوي في أيامه، ولم يذكرها أهل عصره، فهي عن ولده أعجز، ومنهم أضعف!
ولم ينقل ان عليا (عليه السلام) احتج بذلك في موقف، ولا ذكره في مجلس، ولا قام به خطيبا، ولا أدلي به واثقا، لا سيما وقد رضيه الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عندكم مفزعا ومعلما، وجعله للناس اماما.
ولا ادعي له أحد ذلك في عصره، كما لم يدعه لنفسه، حتي يقول انسان واحد: الدليل علي إمامته ان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دعاه إلي الاسلام أو كلفه التصديق قبل بلوغه، ليكون ذلك آية للناس في عصره، وحجة له ولولده من بعده، فهذا كان أشد علي طلحة والزبير وعائشة من كل ما ادعاه من فضائله وسوابقه وذكر قرابته (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): ان مثل الجاحظ مع فضله وعلمه، لا يخفي عليه كذب هذه الدعوي وفسادها، ولكنه يقول ما يقول تعصبا وعنادا، وقد روي الناس كافة، افتخار علي (عليه السلام) بالسبق إلي الاسلام، وان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) استنبئ يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء، وانه كان يقول: صليت قبل الناس سبع سنين، وانه ما زال يقول: أنا أول من أسلم ويفتخر بذلك، ويفتخر له به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته. والامر في ذلك أشهر من كل شهير، وقد قدمنا منه طرفا، وما
(١) العثمانية 9 - 12، مع تصرف واختصار.
(٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الحج (1)
علمنا أحدا من الناس فيما خلا استخف بإسلام علي (عليه السلام)، ولا تهاون به، ولا زعم أنه أسلم إسلام حدث غرير، وطفل صغير. ومن العجب ان يكون مثل العباس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله، ليصدرا عن رأيه، ثم يخالفه علي ابنه لغير رغبة ولا رهبة، يؤثر القلة علي الكثرة والذل علي العزة من غير علم ولا معرفة بالعاقبة.
وكيف ينكر الجاحظ والعثمانية ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دعاه إلي الاسلام وكلفه التصديق!
وقد روي في الخبر الصحيح انه كلفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الاسلام وانتشارها بمكة أن يصنع له طعاما، وان يدعو له بني عبد المطلب، فصنع له الطعام، ودعاهم له فخرجوا ذلك اليوم، ولم ينذرهم (صلي الله عليه وآله وسلم) لكلمة قالها عمه أبو لهب، فكلفه في اليوم الثاني ان يصنع مثل ذلك الطعام وان يدعوهم ثانية، فصنعه، ودعاهم فأكلوا، ثم كلمهم (صلي الله عليه وآله وسلم) فدعاهم إلي الدين، ودعاه معهم لأنه من بني عبد المطلب ثم ضمن لمن يؤازره منهم وينصره علي قوله، ان يجعله أخاه في الدين، ووصيه بعد موته، وخليفته من بعده، فأمسكوا كلهم وأجابه هو وحده، وقال: أنا أنصرك علي ما جئت به، وأؤازرك وأبايعك، فقال لهم لما رأي منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الإباء ومنه الإجابة: " هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي " فقاموا يسخرون ويضحكون، ويقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمره عليك، فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير مميز وغر غير عاقل؟ وهل يؤتمن علي سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع؟! وهل يدعي في جملة الشيوخ والكهول إلا عاقل لبيب؟! وهل يضع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يده في يده ويعطيه صفقة يمينه، بالاخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك، بالغ حد التكليف، محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه؟! وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم
(١٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، الطعام (3)، الموت (1)
بعد اسلامه، وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته!
وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته، فيقال: دعاه داعي الصبا وخاطر من خواطر الدنيا (هنا يرد علي عمر حين قال لولا أن به دعابة) وحملته الغرة والحداثة علي حضور لهوهم والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلا ماضيا علي اسلامه، مصمما في أمره محققا لقوله بفعله، قد صدق اسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا علي ذلك نفسه، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة، وقد ذكر هو (عليه السلام) في كلامه وخطبه بدء حاله، وافتتاح امره حيث أسلم لما دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الشجرة، فأقبلت تخد الأرض، فقالت قريش:
ساحر خفيف السحر!. فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله، أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به، وانا اشهد ان الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله، تصديقا لنبوتك، وبرهانا علي صحة دعوتك، فهل يكون ايمان قط أصح من هذا الايمان وأوثق عقدة، واحكم مرة! ولكن حنق العثمانية وغيظهم، وعصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه. ثم لينظر المنصف وليدع الهوي جانبا، ليعلم نعمة الله علي علي (عليه السلام) بالإسلام حيث أسلم علي الوضع الذي أسلم عليه، فإنه لولا الألطاف التي خص بها، والهداية التي منحها، لما كان إلا كبعض أقارب محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فقد كان ممازجا له كممازجته، ومخالطا له كمخالطة كثير من أهله ورهطه، ولم يستجب منهم أحد له إلا بعد حين.
ومنهم من لم يستجب له أصلا، فان جعفرا (عليه السلام) كان ملتصقا به ولم يسلم حينئذ وكان عتبة بن أبي لهب ابن عمه وصهره وزوج ابنته لم يصدقه، بل كان شديدا عليه وكان لخديجة بنون من غيره ولم يسلموا حينئذ وهم ربائبه (1) ومعه
(1) الربائب: أولاد الزوج.
(١٠١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، التصديق (1)، الزوج، الزواج (1)
في دار واحدة وكان أبو طالب أباه في الحقيقة وكافله وناصره، والمحامي عنه ومن لولاه لم تقم له قائمة، ومع ذلك لم يسلم في أغلب الروايات وكان العباس عمه وصنو أبيه وكالقرين له في الولادة والمنشأ والتربية ولم يستجب له الا بعد حين طويل، وكان أبو لهب عمه وكدمه ولحمه ولم يسلم، وكان شديدا عليه، فكيف ينسب اسلام علي (عليه السلام) إلي الألف والتربية والقرابة واللحمة والتلقين والحضانة والدار الجامعة، وطول العشرة والانس والخلوة! وقد كان كل ذلك حاصلا لهؤلاء أو لكثير منهم، ولم يهتد أحد منهم إذ ذاك بل كانوا بين (من) (1) جحد وكفر ومات علي كفره، ومن أبطأ وتأخر، وسبق بالاسلام وجاء سكيتا (2) وقد فاز بالمنزلة غيره.
وهل يدل تأمل حال علي (عليه السلام) مع الانصاف إلا علي أنه أسلم لأنه شاهد الاعلام، ورأي المعجزات، وشم ريح النبوة ورأي نور الرسالة، وثبت اليقين في قلبه بمعرفة وعلم ونظر صحيح، لا بتقليد ولا حمية ولا رغبة ولا رهبة، الا فيما يتعلق بأمور الآخرة.
قال الجاحظ: فلو أن عليا (عليه السلام) كان بالغا حيث أسلم، لكان اسلام أبي بكر وزيد بن حارثة وخباب بن الأرت أفضل من اسلامه لان اسلام المقتضب (3) الذي لم يعتد به ولم يعوده، ولم يمرن عليه، أفضل من اسلام الناشئ، الذي ربي فيه، ونشأ وحبب إليه، وذلك لان صاحب التربية يبلغ حيث يبلغ وقد اسقط الفه عنه مؤونة الروية والخاطر وكفاه علاج القلب واضطراب النفس، وزيد وخباب وأبو بكر يعانون من وكلفة النظر ومؤونة التأمل ومشقة الانتقال من الدين الذي قد طال
(1) من: أ.
(2) السكيت: الفرس يجئ آخر الحلبة.
(3) المقتضب: غير المستعد للشئ.
(١٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، خباب بن الأرت (1)، زيد بن حارثة (1)
إلفهم له ما هو غير خاف. ولو كان علي حيث أسلم بالغا مقتضبا كغيره ممن عددنا، كان اسلامهم أفضل من اسلامه، لأن من أسلم وهو يعلم ان له ظهرا كأبي طالب، وردءا كبني هاشم، وموضعا في بني عبد المطلب، ليس كالحليف والمولي، والتابع والعسيف (1) وكالرجل من عرض قريش (2)، أولست تعلم ان قريشا خاصة وأهل مكة عامة لم يقدروا علي أذي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ما كان أبو طالب حيا! أيضا فان أولئك اجتمع عليهم مع فراق الإلف مشقة الخواطر، وعلي (عليه السلام) كان بحضرة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) يشاهد الاعلام في كل وقت، ويحضر منزل الوحي، فالبراهين له أشد انكشافا، والخواطر علي قلبه أقل اعتلاجا، وعلي قدر الكلفة والمشقة يعظم الفضل ويكثر الأجر (3).
قال أبو جعفر (رحمه الله): ينبغي ان ينظر أهل الانصاف هذا الفضل، ويقفوا علي قول الجاحظ والأصم في نصرة العثمانية واجتهادهم في القصد إلي فضائل هذا الرجل، وتهجينها، فمرة يبطلان معناها، ومرة يتوصلان إلي حط قدرها، فلينظر في كل باب اعترضا فيه، أين بلغت حياتهما، وما صنعا في احتيالهما في قصصهما وسجعهما! أليس إذا تأملتها علمت انها ألفاظ ملفقة بلا معني، وانها عليها شجي وبلاء! وإلا فما عسي ان تبلغ حيلة الحاسد ويغني كيد الكائد الشانئ (4) لمن قد جل قدره عن النقص، وأضاءت فضائله إضاءة الشمس! وأين قول الجاحظ من دلائل السماء، وبراهين الأنبياء وقد علم الصغير والكبير، والعالم والجاهل ممن بلغه ذكر علي (عليه السلام)، وعلم مبعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ان عليا (عليه السلام) لم يولد في دار الاسلام، ولا غذي في حجر الايمان، وانما أضافه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي نفسه سنة القحط والمجاعة،
(١) العسيف: الأجير.
(٢) من عرض قريش: أي من دهمائهم.
(٣) العثمانية 22 - 34، مع تصرف واختصار كبير.
(4) ب " الثاني " تحريف وصوابه من أ.
(١٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: مبعث النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (1)، الجهل (1)، الخوف (1)
وعمره يومئذ ثماني سنين، فمكث معه سبع سنين حتي اتاه جبرائيل بالرسالة فدعاه - وهو بالغ كامل العقل - إلي الاسلام، فأسلم بعد مشاهدة المعجزة، وبعد اعمال النظر الفكرة، وان كان قد ورد في كلامه أنه صلي سبع سنين قبل الناس كلهم، فإنما يعني ما بين الثماني والخمس عشرة، ولم يكن حينئذ دعوة ولا رسالة، ولا ادعاء نبوة، وانما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يتعبد علي ملة إبراهيم ودين الحنيفية، ويتحنك ويجانب الناس، ويعتزل ويطلب الخلوة، وينقطع في جبل حراء، وكان علي (عليه السلام) معه كالتابع والتلميذ، فلما بلغ الحلم، وجاءت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الملائكة وبشرته بالرسالة، دعاه فأجابه عن نظر ومعرفة بالاعلام المعجزة، فكيف يقول الجاحظ ان اسلامه لم يكن مقتضبا!
وان كان اسلامه ينقص عن اسلام غيره في الفضيلة لما كان يمرن عليه من التعبد مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمثاله من المعصومين، لان العصمة عند أهل العدل لطف يمنع من اختص به من ارتكاب القبيح، فمن اختص بذلك اللطف كانت الطاعة عليه أسهل، فوجب ان يكون ثوابه انقص من ثواب من أطاع مع تلك الاطلاف!
وكيف يقول الجاحظ ان اسلامه ناقص عن اسلام غيره، وقد جاء في الخبر انه أسلم يوم الثلاثاء، واستنبئ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين فمن هذه حاله لم تكثر حجج الرسالة علي سمعه، ولا تواترت اعلام النبوة علي مشاهدته، ولا تطاول الوقت عليه لتخف محنته، ويسقط ثقل تكليفه، بل بان فضله، وظهر حسن اختياره لنفسه إذ أسلم في حال بلوغه، عاني نوازع طبعه، ولم يؤخر ذلك بعد سماعه.
وقد غمر الجاحظ في كتابه هذا ان ابا بكر كان قبل اسلامه مذكورا، ورئيسا معروفا يجتمع اليه كثير من اهل مكة فينشدون الاشعار، ويتذاكرون الاخبار، ويشربون الخمر، وقد كان سمع دلائل النبوة، وحجج الرسل، وسافر إلي البلدان، ووصلت اليه الاخبار، وعرف دعوي الكهنة وحيل السحرة، ومن كان كذلك
(١٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، مدينة مكة المكرمة (1)، الإخفاء (1)، الخمس (1)
انكشاف الأمور له أظهر والإسلام عليه أسهل والخواطر علي قلبه أقل اعتلاجا، وكل ذلك عون لابي بكر علي الاسلام، ومسهل اليه سبيله، ولذلك لما قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): " اتيت بيت المقدس " سأله أبو بكر عن المسجد ومواضعه، فصدقه وبان له امره، وخفت مؤونته لما تقدم من معرفته بالبيت، فخرج إذا اسلام أبي بكر علي قول الجاحظ من معني المقتضب، وفي ذلك رويتم عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " ما دعوت أحدا إلي الاسلام إلا وكان له تردد ونبوة، إلا ما كان من أبي بكر، فإنه لم يتلعثم حتي هجم به اليقين إلي المعرفة والإسلام، فأين هذا واسلام من خلي وعقله وألجئ إلي نظره، مع صغر سنه، واعتلاج الخواطر علي قلبه ونشأته في ضد ما دخل فيه، والغالب علي أمثاله واقرانه حب اللعب واللهو فلجأ إلي ما ظهر له من دلائل الدعوة، ولم يتأخر اسلامه فيلزمه التقصير بالمعصية، فقهر شهوته وغالب خواطره، وخرج من عادته وما كان غذي به لصحة نظره، ولطافة فكره، وغامض فهمه، فعظم استنباطه، ورجح فضله وشرف قدر اسلامه، ولم يأخذ من الدنيا بنصيب، ولا تنعم فيها بنعيم حدثا ولا كبيرا، وحمي نفسه عن الهوي، وكسر شرة حداثته بالتقوي، واشتغل بهم الدين عن نعيم الدنيا واشغل هم الآخرة قلبه ووجه اليه رغبته! فاسلامه هو السبيل الذي لم يسلم عليه أحد غيره، وما سبيله في ذلك الا كسبيل الأنبياء، ليعلم ان منزلته من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كمنزلة هارون من موسي، وانه وإن لم يكن نبيا فقد كان في سبيل الأنبياء سالكا ولمنهاجهم متبعا، وكانت حاله كحال إبراهيم (عليه السلام). فان اهل العلم ذكروا انه لما كان صغيرا جعلته أمه في سرب لم يطلع عليه أحد، فلما نشأ ودرج وعقل قال لامه: من ربي؟ قالت: أبوك، قال: فمن رب أبي؟ فزبرته ونهرته، إلي أن طلع من شق السرب، فرأي كوكبا، فقال: هذا ربي فلما أفل قال: لا أحب الآفلين، فلما رأي القمر بازغا قال: هذا ربي هذا أكبر، فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأي الشمس بازغة
(١٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، السجود (1)، الإخفاء (1)، القصر، التقصير (1)
قال: هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال: يا قوم إني برئ مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما انا من المشركين، وفي ذلك يقول الله جل ثناؤه: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) (1) وعلي هذا كان اسلام الصديق الأكبر (عليه السلام) لسنا نقول إنه كان مساويا له في الفضيلة، ولكن كان مقتديا بطريقة علي ما قال الله تعالي: (ان أولي أناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذي آمنوا والله ولي المؤمنين) (2) واما اعتلال الجاحظ بان له ظهرا كأبي طالب وردءا كبني هاشم، فإنه يوجب عليه ان تكون محنة أبي بكر وبلال وثوابهما وفضل اسلامهما أعظم مما لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لان أبا طالب ظهره. وبني هاشم ردؤه. وحسبك جهلا من معاند لم يستطع حط قدر علي (عليه السلام) إلا بحطه من قدر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)! ولم يكن أحد أشد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من قراباته، الأدني منهم فالأدني، كأبي لهب عمه وامرأة أبي لهب وهي أم جميل بنت حرب بن أمية واحدي أولاد عبد مناف، ثم ما كان من عقبة بن أبي معيط، وهو ابن عمه، وما كان من النضر بن الحارث، وهو من بني عبد الدار بن قصي، وهو ابن عمه أيضا وغير هؤلاء ممن يطول تعدادهم، وكلهم كان يطرح الأذي في طريقه.
وينقل اخباره ويرميه بالحجارة ويرمي الكرش والفرث عليه، وكانوا يؤذون عليا (عليه السلام) كأذاه، ويجتهدون في غمه ويستهزئون به، وما كان لابي بكر قرابة تؤذيه كقرابة علي، ولما كان بين علي والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من الاتحاد والألف والاتفاق أحجم المنافقون بالمدينة عن اذي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خوفا من سيفه، ولأنه صاحب الدار والجيش، وأمره مطاع وقوله نافذ، فخافوا علي دمائهم منه، فاتقوه، وامسكوا
(1) الانعام / 75.
(2) آل عمران / 68.
(١٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، بنو هاشم (2)، الصدق (1)، الجهل (1)، الحرب (1)، النفاق (1)
عن إظهار بغضه، وأظهروا بغض علي (عليه السلام) وشنآنه، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حقه في الخبر الذي روي في جميع الصحاح " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " وقال كثير من أعلام الصحابة، كما روي في الخبر المشهور بين المحدثين " ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب ". وأين كان ظهر أبي طالب عن جعفر، وقد أزعجه الأذي عن وطنه وحتي هاجر إلي بلاد الحبشة وركب البحر، أيتوهم الجاحظ ان أبا طالب نصر عليا وخذل جعفرا!
قال الجاحظ: ولأبي بكر فضيلة في اسلامه انه كان قبل اسلامه كثير الصديق، عريض الجاه، ذا يسار وغني، يعظم لماله، ويستفاد من رأيه، فخرج من عز الغني وكثرة الصديق إلي ذل الفاقة وعجز الوحدة، وهذا غير اسلام من لا حراك به ولا عز له، تابع غير متبوع، لأن من أشد ما يبتلي الكريم به السب بعد التحية والضرب بعد الهيبة، والعسر بعد اليسر. ثم كان أبو بكر داعية من دعاة الرسول، وكان يتلوه في جميع أحواله، فكان الخوف اليه أشد، والمكروه نحوه أسرع، وكان ممن تحسن مطالبته، ولا يستحيي من أدراك الثأر عنده، لنباهته، وبعد ذكره، والحدث الصغير يزدري ويحتقر لصغر سنة وخمول ذكره (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): اما ما ذكر من كثرة المال والصديق، واستفاضة الذكر وبعد الصيت وكبر السن، فكله عليه لا له وذلك لأنه قد علم أن من سيرة العرب وأخلاقها حفظ الصديق والوفاء بالذمام والتهيب لذي الثروة واحترام ذي السن العالية، وفي كل هذا ظهر شديد، وسند وثقة يعتمد عليها عند المحن، ولذلك كان المرء منهم إذا تمكن من صديقه أبقي عليه، واستحيي منه، وكان ذلك سببا لنجاته والعفو عنه، علي أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) إن لم يكن شهره سنه، فقد شهره نسبه وموضعه من بني هاشم، وإن لم يستفض ذكره بلقاء الرجال، وكثرة الاسفار
(١) العثمانية 25، 26 مع تصرف واختصار.
(١٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الغني (1)، الصدق (2)، النفاق (1)، الخوف (1)، السب (1)
استفاض بأبي طالب، فأنتم تعلمون انه ليس تيم في بعد الصيت كهاشم، ولا أبو قحافة كأبي طالب، وعلي حسب ذلك يعلو ذكر الفتي علي ذي السن، ويبعد صيت الحدث علي الشيخ، ومعلوم أيضا أن عليا علي أعناق المشركين أثقل إذ كان هاشميا، وان كان أبوه حامي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، والمانع لحوزته، وعلي هو الذي فتح علي العرب باب الخلاف، واستهان بهم، بما أظهر من الاسلام والصلاة، وخالف رهطه وعشيرته، وأطاع ابن عمه فيما لم يعرف من قبل، ولا عهد له نظير، كما قال تعالي: ﴿لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون﴾ (1).
ثم كان بعد صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومشتكي حزنه، وأنيسه في خلوته وجليسه وأليفه في أيامه كلها، وكل هذا يوجب التحريض عليه ومعاداة العرب له، ثم أنتم معاشر العثمانية، تثبتون لابي بكر فضيلة بصحبة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) من مكة إلي يثرب، ودخوله معه في الغار فقلتم: مرتبة شريفة وحالة جليلة، إذا كان شريكه في الهجرة وأنيسه في الوحشة، فأين هذه من صحبة علي (عليه السلام) له في خلوته وحيث لا يجد أنيسا غيره، ليله ونهاره، أيام مقامه بمكة يعبد الله معه سرا، ويتكلف له الحاجة جهرا، ويخدمه كالعبد يخدم مولاه ويشفق عليه ويحوطه، وكالولد يبر والده، ويعطف عليه، ولما سئلت عائشة: من كان أحب الناس إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، قالت:
اما من الرجال فعلي، واما من النساء ففاطمة.
قال الجاحظ: وكان أبو بكر من المفتونين المعذبين بمكة قبل الهجرة، فضربه نوفل بن خويلد المعروف بابن العدوية مرتين حتي أدماه وشده مع طلحة بن عبيد الله في قرن، وجعلهما في الهاجرة عمير بن عثمان بن مرة بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ولذلك كانا يدعيان القرينين، ولو لم يكن له غير ذلك لكان لحاقه عسيرا، وبلوغ منزلته شديدا، ولو كان يوما واحدا لكان عظيما، وعلي بن أبي
(١) سورة يس: ٦.
(١٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (3)، المدينة المنورة (1)، الصّلاة (1)، الغفلة (1)، سورة يس (1)
طالب رافه وادع، ليس بمطلوب ولا طالب، وليس انه لم يكن في طبعه الشهامة والنجدة، وفي غريزته البسالة في الشجاعة لكنه لم يكن قد تمت أداته، ولا استكملت آلته، ورجال الطلب وأصحاب الثأر يغمصون ذا الحداثة ويزدرون بذي الصبا والغرارة إلي أن يلحق بالرجال، ويخرج من طبع الأطفال (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): اما القول فممكن والدعوي سهلة، سيما علي مثل الجاحظ، فإنه ليس علي لسانه من دينه وعقله رقيب، وهو من دعوي الباطل غير بعيد، فمعناه نزر، وقوله لغو، ومطلبه سجع وكلامه لعب ولهو، يقول الشئ وخلافه، ويحسن القول وضده، ليس له من نفسه واعظ، ولا لدعواه حد قائم، وإلا فكيف تجاسر علي القول بأن عليا حينئذ لم يكن مطلوبا ولا طالبا، وقد بينا بالاخبار الصحيحة والحديث المرفوع المسند انه كان يوم أسلم بالغا كاملا منابذا بلسانه وقلبه لمشركي قريش، ثقيلا علي قلوبهم وهو المخصوص دون أبي بكر بالحصار في الشعب وصاحب الخلوات برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في تلك الظلمات، المتجرع لغصص المرار من أبي لهب وأبي جهل وغيرهما، والمصطلي لكل مكروه والشريك لنبيه في كل أذي، قد نهض بالحمل الثقيل، وبان بالأمر الجليل، ومن الذي كان يخرج ليلا من الشعب علي هيئة السارق ويخفي نفسه، ويضائل شخصه، حتي يأتي إلي من يبعثه اليه أبو طالب من كبراء قريش، كمطعم بن عدي وغيره، فيحمل لبني هاشم علي ظهره أعدال الدقيق والقمح، وهو علي أشد خوف من أعدائهم، كأبي جهل وغيره، لو ظفروا به لأراقوا دمه، أعلي كان يفعل ذلك أيام الحصار في الشعب، أم أبو بكر؟ وقد ذكر هو (عليه السلام) حاله يومئذ، فقال في خطبة له مشهورة: فتعاقدوا ألا يعاملونا ولا يناكحونا، وأوقدت الحرب علينا نيرانها، واضطرونا إلي جبل وعر، مؤمننا يرجو الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل، ولقد
(١) العثمانية 27، 38.
(١٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، بنو هاشم (1)، الباطل، الإبطال (1)، الجهل (2)، الموت (1)، الخوف (1)، الحرب (1)، السرقة (1)
كانت القبائل كلها اجتمعت عليهم وقطعوا عنهم المارة والميرة، فكانوا يتوقعون الموت جوعا، صباحا ومساء، لا يرون وجها ولا فرجا، قد اضمحل عزمهم، وانقطع رجاؤهم، فمن الذي خلص اليه مكروه تلك المحن بعد محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا علي (عليه السلام) وحده! وما عسي أن يقول الواصف والمطنب في هذه الفضيلة من تقصي معانيها، وبلوغ غاية كنهها وفضيلة الصابر عندها! ودامت هذه المحنة عليهم ثلاث سنين، حتي انفرجت عنهم بقصة الصحيفة، والقصة مشهورة.
وكيف يستحسن الجاحظ نفسه أن يقول في علي (عليه السلام) انه قبل الهجرة كان وادعا رافها، لم يكن مطلوبا ولا طالبا، وهو صاحب الفراش الذي فدي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بنفسه ووقاه بمهجته، واحتمل السيوف ورضخ الحجارة دونه، وهل ينتهي الواصف وان أطنب والمادح وان أسهب إلي الإبانة عن مقدار هذه الفضيلة، والايضاح بمزية هذه الخصيصة!
فأما قوله: ان ابا بكر عذب بمكة، فانا لا نعلم ان العذاب كان واقعا إلا بعبد أو عسيف (1)، أو لمن لا عشيرة له تمنعه، فأنتم في أبي بكر بين امرين: فتارة تجعلونه دخيلا ساقطا، وهجينا رذيلا، وتارة تجعلونه رئيسا متبعا، وكبيرا مطاعا، فاعتمدوا علي أحد القولين لنكلمكم بحسب ما تختارونه لأنفسكم. ولو كان الفضل في الفتنة والعذاب، لكان عمار وخباب وبلال وكل معذب بمكة أفضل من أبي بكر، لأنهم كانوا من العذاب في أكثر مما كان فيه ونزل فيهم من القرآن ما لم ينزل فيه، كقوله تعالي (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا) (2)، قالوا: نزلت في خباب وبلال، ونزل في عمار قوله (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) (3).
(1) العسيف: الأجير.
(2) سورة النحل، الآية 41.
(3) سورة النحل، الآية 106.
(١١٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، القرآن الكريم (1)، الفرج (1)، الموت (1)، العذاب، العذب (2)، سورة النحل (2)
وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يمر علي عمار وابيه وأمه، وهم يعذبون، يعذبهم بنو مخزوم لأنهم كانوا حلفاءهم فيقول: " صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة " وكان بلال يقلب علي الرمضاء، وهو يقول: أحد أحد! وما سمعنا لأبي بكر في شئ من ذلك يذكر، ولقد كان لعلي (عليه السلام) عنده يد غراء ان صح ما رويتموه في تعذيبه، لأنه قتل نوفل بن خويلد وعمير بن عثمان يوم بدر، ضرب نوفلا فقطع ساقه، فقال: قد قطع الله كل رحم وصهر إلا من كان تابعا لمحمد، ثم ضربه أخري ففاضت نفسه، وصعد لعمير بن عثمان التميمي، فوجده يروم الهرب، وقد ارتج عليه المسلك، فضربه علي شراسيف صدره، فصار نصفه الأعلي بين رجليه، وليس ان ابا بكر لم يطلب بثأره منهما ويجتهد، لكنه لم يقدر علي أن يفعل فعل علي (عليه السلام) فبان علي (عليه السلام) بفعله دونه.
قال الجاحظ: ولأبي بكر مراتب لا يشركه فيها علي ولا غيره وذلك قبل الهجرة، فقد علم الناس ان عليا (عليه السلام) انما ظهر فضله، وانتشر صيته، وامتحن ولقي المشاق منذ يوم بدر، وانه انما قاتل في الزمان الذي استوفي فيه أهل الاسلام، وأهل الشرك، وطمعوا في أن يكون الحرب بينهم سجالا، وأعلمهم الله تعالي ان العاقبة للمتقين، وأبو بكر كان قبل الهجرة معذبا ومطرودا مشردا، في الزمان الذي ليس بالإسلام وأهله نهوض ولا حركة ولذلك قال أبو بكر في خلافته: طوبي لمن مات في فأفأة الاسلام! يقول: في ضعفه (1).
قال أبو جعفر (رحمه الله): لا أشك ان الباطل خان ابا عثمان والخطأ أقعده والخذلان أصاره إلي الحيرة، فما علم وعرف حتي قال ما قال، فزعم أن عليا (عليه السلام) قبل الهجرة لم يمتحن ولم يكابد المشاق، وانه انما قاسي مشاق التكليف ومحن الابتلاء منذ يوم بدر، ونسي الحصار في الشعب، وما مني به منه وأبو بكر وادع رافه، يأكل
(١) العثمانية: ٣٩، 40 مع تصرف واختصار.
(١١١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الباطل، الإبطال (1)، الضرب (2)، الأكل (1)، القتل (1)، الحرب (1)
ما يريد، ويجلس مع من يحب، مخلي سر به طيبة نفسه، ساكنا قلبه، وعلي يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال ويجوع ويظمأ ويتوقع القتل صباحا ومساء، لأنه كان هو المتوصل المحتال في احضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سرا، ليقيم به رمق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبني هاشم، وهم في الحصار، ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالقتل، كأبي جهل بن هشام وعقبة بن أبي معيط، والوليد بن مغيرة، وعتبة بن ربيعة وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها، ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشئ من أخبارهم وأحوالهم، إلا علي سبيل الاجمال دون التفصيل ثلاث سنين محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج والتصرف في أنفسهم، فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة، ونسي هذه الخصيصة، ولا نظير لها، ولكن لا يبالي الجاحظ بعد أن يسوغ له لفظه، وتنسق له خطابته، ما ضيع من المعني، ورجع عليه من الخطأ!
فأما قوله: واعلموا ان العاقبة للمتقين، ففيه إشارة إلي معني غامض قصده الجاحظ - يعني أن لا فضيلة لعلي (عليه السلام) في الجهاد، لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان اعلمه انه منصور وان العاقبة له - وهذا من دسائس الجاحظ وهمزاته ولمزاته، وليس بحق ما قاله لان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) اعلم أصحابه جملة ان العاقبة لهم، ولم يعلم واحدا منهم بعينه انه لا يناله الضرب الشديد، وعلي ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد اعلم أصحابه قبل يوم بدر - وهو يومئذ في مكة - ان العاقبة لهم كما اعلم أصحابه بعد الهجرة ذلك، فلا فضيلة لأبي بكر وغيره في احتمال المشاق قبل الهجرة: لاعلامه إياهم بذلك، فقد جاء في الخبر أنه وعد أبا بكر قبل الهجرة بالنصر، وانه قال له:
(١١٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (1)، القتل (2)، الجهل (1)، المرض (1)
أرسلت لهؤلاء بالذبح، وان الله تعالي سيغنمنا أموالهم، ويملكنا ديارهم، فالقول في الموضعين متساو ومتفق.
قال الجاحظ: وان بين المحنة في الدهر الذي صار فيه أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مقرنين لأهل مكة ومشركي قريش، ومعهم أهل يثرب أصحاب النخيل، والآطام والشجاعة والصبر والمواساة والايثار والمحاماة والعدد الدثر، والفعل الجزل، وبين الدهر الذي كانوا فيه بمكة يفتنون ويشتمون ويضربون، ويشردون، ويجوعون ويعطشون مقهورين لا حراك بهم، وأذلاء، لا عز لهم، وفقراء لا مال عندهم، ومستخفين لا يمكنهم إظهار دعوتهم لفرقا واضحا، ولقد كانوا في حال أحوجت لوطا وهو نبي إلي أن قال: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلي ركن شديد) (1)، وقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): " عجبت من أخي لوط، كيف قال: أو آوي إلي ركن شديد، وهو يأوي إلي الله تعالي " ثم لم يكن ذلك يوما ولا يومين ولا شهرا ولا شهرين، ولا عاما ولا عامين، ولكن السنين بعد السنين. وكان أغلظ القوم وأشدهم محنة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبو بكر، لأنه أقام بمكة ما أقام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة، وهو أوسط ما قالوا في مقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) (2) قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): ما نري الجاحظ احتج لكون أبي بكر أغلظهم وأشدهم محنة، إلا بقوله: لأنه أقام بمكة مدة مقام الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) بها، وهذه الحجة لا تخص أبا بكر وحده لأن عليا (عليه السلام) أقام معه هذه المدة، وكذلك طلحة وزيد، وعبد الرحمن وبلال وخباب وغيرهم وقد كان الواجب عليه ان يخص أبا بكر وحده بحجة تدل علي أنه كان أغلظ الجماعة وأشدهم محنة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فالاحتجاج في نفسه فاسد.
ثم يقال له: ما بالك اهملت امر مبيت علي (عليه السلام) علي الفراش بمكة ليلة
(١) سورة هود، الآية ٨٠.
(٢) العثمانية: ٤١.
(١١٣)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، مدينة مكة المكرمة (5)، المدينة المنورة (1)، الحج (1)، الصبر (1)، سورة هود (1)
الهجرة! هل نسيته أم تناسيته! فإنها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة التي متي امتحنها الناظر، وأجال فكره فيها، رأي تحتها فضائل متفرقة ومناقب متغايرة، وذلك أنه لما استقر الخبر عند المشركين ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مجمع علي الخروج من بينهم للهجرة إلي غيرهم قصدوا إلي معالجته، وتعاقدوا علي أن يبيتوه في فراشه، وان يضربوه بأسياف كثيرة، بيد كل صاحب قبيلة من قريش سيف منها، ليضيع دمه بين الشعوب، ويتفرق بين القبائل ولا يطلب بنو هاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش وتحالفوا علي تلك الليلة واجتمعوا عليها، فلما علم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك من امرهم، دعا أوثق الناس عنده، وأمثلهم في نفسه وأبذلهم في ذات الإله لمهجته، وأسرعهم إجابة إلي طاعته فقال له: ان قريشا قد تحالفت علي أن تبيتني هذه الليلة فامض إلي فراشي، ونم في مضجعي، والتف في بردي الحضرمي ليروا أني لم أخرج، واني خارج: إن شاء الله، فمنعه أولا من التحرز واعمال الحيلة، وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم، وألجأه إلي أن يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من أيدي أرباب الحنق والغيظة فأجاب إلي ذلك سامعا مطيعا طيبة بها نفسه، ونام علي فراشه صابرا محتسبا، واقيا له بمهجته، ينتظر القتل، ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر، ولا يبلغها طالب، " والجود بالنفس أقصي غاية الجود "، ولولا ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علم أنه أهل لذلك، لما أهله، ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمه، واختير لذلك لكان من اختاره (صلي الله عليه وآله وسلم) منقوضا في رأيه، مضرا في اختياره، ولا يجوز أن يقول هذا أحد من أهل الاسلام، وكلهم مجمعون علي أن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عمل الصواب وأحسن في الاختيار.
ثم في ذلك - إذا تأمله المتأمل - وجوه من الفضل:
(١١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، بنو هاشم (1)، الجود (2)، القتل (1)، الجواز (1)
منها انه وان كان عنده في موضع الثقة فإنه غير مأمون عليه إلا بضبط السر فيفسد التدبير بإفشائه تلك الليلة إلي من يلقيه إلي الأعداء.
ومنها انه كان ضابطا للسر وثقة عند من اختاره، فغير مأمون عليه الجبن عند مفاجأة المكروه، ومباشرة الأهوال، فيفر من الفراش فيفطن لموضع الحيلة، ويطلب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فيظفر به.
ومنها انه وان كان ثقة ضابطا للسر، شجاعا نجدا، فلعله غير محتمل للمبيت علي الفراش، لان هذا امر خارج عن الشجاعة ان كان قد قامه مقام المكتوف الممنوع، بل هو أشد مشقة من المكتوف الممنوع، لان المكتوف الممنوع، يعلم من نفسه انه لا سبيل له إلي الهرب، وهذا يجد السبيل إلي الهرب وإلي الدفع عن نفسه، ولا يهرب ولا يدافع.
ومنها انه وان كان ثقة عنده، ضابطا للسر شجاعا محتملا للمبيت علي الفراش، فإنه غير مأمون ان يذهب صبره عند العقوبة الواقعة، والعذاب النازل بساحته، حتي يبوح بما عنده، ويصير إلي الاقرار بما يعلمه، وهو انه اخذ طريق كذا فيطلب فيؤخذ فلهذا قال علماء المسلمين: ان فضيلة علي (عليه السلام) تلك الليلة لا نعلم أحدا من البشر قال مثلها، إلا ما كان من إسماعيل وإبراهيم عند استسلامه للذبح، ولولا ان الأنبياء لا يفضلهم غيرهم لقلنا: ان محنة علي أعظم، لأنه قد روي ان إسماعيل قد تلكأ لما امره ان يضطجع، وبكي علي نفسه، وقد كان أبوه يعلم ان عنده في ذلك وقفة، ولذلك قال له: (فانظر ماذا تري) (1).
وحال علي (عليه السلام) بخلاف ذلك، لأنه ما تلكأ ولا تتعتع ولا تغير لونه ولا اضطربت أعضاؤه، ولقد ان أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يشيرون عليه بالرأي المخالف لما
(1) سورة الصافات: الآية 102.
(١١٥)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الكراهية، المكروه (1)، المنع (2)، الصبر (1)، سورة الصافات (1)
كان امر به، وتقدم فيه فيتركه ويعمل بما شاروا به، كما جري يوم الخندق في مصانعته الأحزاب بثلث تمر المدينة، فإنهم أشاروا عليه بترك ذلك، فتركه وهذه كانت قاعدته معهم، وعادته بينهم، وقد كان لعلي (عليه السلام) ان يعتل بعلة، وان يقف ويقول: يا رسول الله، أكون معك أحميك من العدو، وأذب بسيفي عنك، فلست مستغنيا في خروجك عن مثلي، ونجعل عبدا من عبيدنا في فراشك، قائما مقامك يتوهم القوم - برؤيته نائما في بردك - انك لم تخرج، ولم تفارق مركزك، فلم يقل ذلك، ولا تحبس ولا توقف، ولا تلعثم، وذلك لعلم كل واحد منهما عليهما الصلاة والسلام ان أحدا لا يصبر علي ثقل هذه المحنة، ولا يتورط هذه الهلكة، إلا من خصه الله تعالي بالصبر علي مشقتها، والفوز بفضيلتها، وله من جنس ذلك أفعال كثيرة، كيوم دعا عمرو بن عبد ود المسلمين إلي المبارزة، فأحجم الناس كلهم عنه، لما علموا من بأسه وشدته، ثم كرر النداء، فقام علي (عليه السلام)، فقال: انا أبرز إليه، فلما خرج قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " برز الإيمان كله إلي الشرك كله "، وكيوم أحد حيث حمي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من أبطال قريش وهم يقصدون قتله، فقتلهم دونه حتي قال جبرئيل (عليه السلام):
" يا محمد ان هذه هي المواساة " فقال: " إنه مني وأنا منه " فقال جبرئيل: " وانا منكما ".
ولو عددنا أيامه ومقاماته التي شري فيها نفسه لله تعالي لأطلنا وأسهبنا.
قال الجاحظ: فان احتج محتج علي علي (عليه السلام) بالمبيت علي الفراش، فبين الغار والفراش، فرق واضح لان الغار وصحبة أبي بكر للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد نطق به القرآن فصار كالصلاة والزكاة وغيرهما، مما نطق به الكتاب، وأمر علي (عليه السلام) ونومه علي الفراش، وان كان ثابتا صحيحا، إلا أنه لم يذكر في القرآن، وانما جاء مجئ الروايات والسير وهذا لا يوازن هذا ولا يكايله (1).
(١) العثمانية: ٤٤.
(١١٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، القرآن الكريم (2)، القتل (1)، الصبر (1)، الهلاك (1)
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): هذا فرق غير مؤثر، لأنه قد ثبت بالتواتر حديث الفراش، فلا فرق بينه وبين ما ذكر في نص الكتاب، ولا يجحده إلا مجنون أو غير مخالط لأهل الملة، أرأيت كون الصلوات خمسا، وكون زكاة الذهب ربع العشر، وكون خروج الريح ناقضا للطهارة، وأمثال ذلك مما هو معلوم بالتواتر حكمه؟ هل هو مخالف لما نص في الكتاب عليه من الاحكام! هذا مما لا يقوله رشيد ولا عاقل، علي أن الله تعالي لم يذكر اسم أبي بكر في الكتاب، وانما قال: (إذ يقول لصاحبه) (1)، وانما علمنا أنه أبو بكر بالخبر وما ورد في السيرة، وقد قال أهل التفسير: ان قوله تعالي: (ويمكر الله والله خير الماكرين) (2) كناية عن علي (عليه السلام)، لأنه مكر بهم، وأول الآية: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) أنزلت في ليلة الهجرة ومكرهم كان توزيع السيوف علي بطون قريش، ومكر الله تعالي هو منام علي (عليه السلام) علي الفراش، فلا فرق بين الموقفين في أنهما مذكوران كناية لا تصريحا. وقد روي المفسرون كلهم ان قول الله تعالي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) (3)، أنزلت في علي (عليه السلام) ليلة المبيت علي الفراش، فهذه مثل قوله تعالي: (إذ يقول لصاحبه)، لا فرق بينهما.
قال الجاحظ: وفرق آخر، وهو انه لو كان مبيت علي (عليه السلام) علي الفراش، جاء مجئ كون أبي بكر في الغار لم يكن له في ذلك كبير طاعة، لان الناقلين نقلوا انه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال له: " نم، فلن يخلص إليك شئ تكرهه " ولم ينقل ناقل أنه قال لأبي بكر في صحبته إياه وكونه معه في الغار مثل ذلك، ولا قال له: أنفق وأعتق، فإنك لن تفتقر ولن يصل إليك مكروه (4).
(١) سورة التوبة، الآية ٤٠.
(٢) سورة الأنفال، الآية ٣٠.
(٣) سورة البقرة، الآية ٢٠٧.
(٤) العثمانية: ٤٥.
(١١٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الزكاة (1)، الصّلاة (1)، سورة الأنفال (1)، سورة البراءة (1)، سورة البقرة (1)
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)، هذا هو الكذب الصراح والتحريف والادخال في الرواية ما ليس منها، والمعروف المنقول انه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال له: اذهب فاضطجع في مضجعي، وتغش ببردي الحضرمي، فان القوم سيفقدونني، ولا يشهدون مضجعي فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك حتي يصبحوا، فإذا أصبحت فاغد في أداء أمانتي، ولم ينقل ما ذكره الجاحظ، وانما ولده أبو بكر الأصم، وأخذه الجاحظ، ولا أصل له، ولو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقع الاتفاق علي أنه ضرب ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتي تضور، وانهم قالوا له: رأينا تضورك، فانا كنا نرمي محمدا لا يتضور، ولأن لفظة المكروه ان كان قالها إنما يراد بها القتل، فهب أنه أمن القتل، كيف يأمن من الضرب والهوان، ومن أن ينقطع بعض أعضائه، وبأن سلمت نفسه! أليس الله تعالي قال لنبيه (بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (1).
ومع ذلك فقد كسرت رباعيته وشج وجهه، وأدميت ساقه، وذلك لأنها عصمة من القتل خاصة، وكذلك المكروه الذي أومن علي (عليه السلام) منه - ان كان صح ذلك في الحديث - انما هو مكروه القتل.
ثم يقال له: أبو بكر لا فضيلة له أيضا في كونه في الغار لأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال له: " لا تحزن ان الله معنا " ومن يكن الله معه فهو آمن لا محالة من كل سوء، فكيف قلت: ولم ينقل ناقل أنه قال لأبي بكر في الغار مثل ذلك! فكل ما يجيب به عن هذا فهو جوابنا عما أورده، فنقول له: هذا ينقلب عليك في النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأن الله تعالي وعده بظهور دينه وعاقبته أمره، فيجب علي قولك ألا يكون مثابا عند الله. علي ما يحتمله من المكروه ولا ما يصيبه من الأذي، إذ كان قد أيقن بالسلامة والفتح في عدته.
(1) سورة المائدة، الآية 67.
(١١٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الكذب، التكذيب (1)، الكراهية، المكروه (3)، القتل (4)، الأكل (1)، سورة المائدة (1)
قال الجاحظ: ومن جحد كون أبي بكر صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقد كفر، لأنه جحد نص الكتاب، ثم انظر إلي قوله تعالي: (ان الله معنا) (1) من الفضيلة لأبي بكر، لأنه شريك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في كون الله تعالي معه وانزال السكينة، قال كثير من الناس: انه في الآية مخصوص بأبي بكر، لأنه كان محتاجا إلي السكينة لما تداخله من رقة الطبع البشري، والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان غير محتاج إليها لأنه يعلم انه محروس من الله تعالي، فلا معني لنزول السكينة عليه، وهذه فضيلة ثالثة لأبي بكر.
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): ان ابا عثمان يجر علي نفسه ما لا طاقة له به من مطاعن الشيعة، ولقد كان في غنية عن التعلق بما تعلق به، لان الشيعة تزعم ان هذه الآية، بان تكون طعنا وعيبا علي أبي بكر، أولي من أن تكون فضيلة ومنقبة له، لأنه لما قال له: " لا تحزن "، دل علي أنه قد كان حزن وقنط واشفق علي نفسه، وليس هذا من صفات المؤمنين الصابرين، ولا يجوز ان يكون حزنه طاعة، لان الله تعالي لا ينهي عن الطاعة، فلو لم يكن ذنبا لم ينه عنه، وقوله " ان الله معنا "، أي إن الله عالم بحالنا وما نضمره من اليقين أو الشك، كما يقول الرجل لصاحبه لا تضمرن سوءا ولا تنوين قبيحا، فان الله تعالي يعلم ما نسره وما نعلنه.
وهذا مثل قوله تعالي: (ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) (2) أي هو عالم بهم، واما السكينة فكيف يقول: انها ليست راجعة إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعدها قوله: (وأيده بجنود لم تروها) أتري المؤيد بالجنود كان أبا بكر أم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).
وقوله: انه مستغن عنها، ليس بصحيح ولا يستغني أحد عن الطاف الله وتوفيقه وتأييده وتثبيت قلبه وقد قال الله تعالي في قصة حنين (وضاقت عليكم
(1) سورة التوبة، الآية 40.
(2) سورة المجادلة، الآية 7.
(١١٩)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الحزن (1)، الشراكة، المشاركة (1)، الجواز (1)، سورة البراءة (1)، سورة المجادلة (1)
الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم انزل الله سكينته علي رسوله) (1).
واما الصحبة فلا تدل إلا علي المرافقة والاصطحاب لا غير، وقد يكون حيث لا ايمان، كما قال تعالي: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك) ونحن وان كنا نعتقد اخلاص أبي بكر وايمانه الصحيح السليم وفضيلته التامة، إلا انا لا نحتج له بمثل ما احتج به الجاحظ من الحجج الواهية، ولا نتعلق بما يجر علينا دواهي الشيعة ومطاعنها.
قال الجاحظ: وان كان المبيت علي الفراش فضيلة، فأين هي من فضائل أبي بكر أيام مكة، من عتق المعذبين وانفاق المال وكثرة المستجيبين، مع فرق ما بين الطاعتين، لأن طاعة الشاب الغرير والحدث الصغير الذي في عز صاحبه عزه، ليس كطاعة الحليم الكبير الذي لا يرجع تسويد صاحبه إلي رهطه وعشيرته.
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): أما كثرة المستجيبين، فالفضل فيها راجع إلي المجيب لا إلي المجاب، علي انا قد علمنا ان من استجاب لموسي (عليه السلام) أكثر ممن استجاب لنوح (عليه السلام)، وثواب نوح أكثر، لصبره علي الأعداء، ومقاساة خلافهم وعنتهم، واما انفاق المال، فأين محنة الغني من محنة الفقير وأين يعتدل اسلام من أسلم وهو غني ان جاع أكل وان أعيي ركب وان عري لبس، قد وثق بيساره واستغني بماله، واستعان علي نوائب الدنيا بثروته، ممن لا يجد قوت يومه، وان وجد لم يستأثر به، فكان الفقر شعاره، وفي ذلك قيل: " الفقر شعار المؤمن "، وقال الله تعالي لموسي " يا موسي إذا رأيت الفقر مقبلا، فقل مرحبا بشعار الصالحين "، وفي الحديث: " ان الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام "، وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: " اللهم احشرني في زمرة الفقراء " ولذلك أرسل الله محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) فقيرا، وكان بالفقر سعيدا فقاسي محنة الفقر ومكابدة الجوع حتي شد الحجر علي
(1) سورة التوبة، الآيتان 25، 26.
(١٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، النبي نوح عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الأكل (1)، العتق (1)، سورة البراءة (1)
بطنه، وحسبك بالفقر فضيلة في دين الله لمن صبر عليه، فإنك لا تجد صاحب الدنيا يتمناه لأنه مناف لحال الدنيا وأهلها، وانما هو شعار أهل الآخرة.
واما طاعة علي (عليه السلام) وكون الجاحظ زعم أنها كانت لأن في عز محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) عزه وعز رهطه بخلاف طاعة أبي بكر، فهذا يفتح عليه ان يكون جهاد حمزة كذلك، وجهاد عبيدة بن الحارث، وهجرة جعفر إلي الحبشة، بل لعل محاماة المهاجرين من قريش علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كانت لان في دولته دولتهم، وفي نصرته استجداد ملك لهم وهذا يجر إلي الالحاد، ويفتح باب الزندقة، ويفضي إلي الطعن في الاسلام والنبوة.
قال الجاحظ: وعلي انا لو نزلنا إلي ما يريدونه، جعلنا الفراش كالغار، وخلصت فضائل أبي بكر في غير ذلك عن معارض.
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): قد بينا فضيلة المبيت علي الفراش علي فضيلة الصحبة في الغار، بما هو واضح لمن أنصف، ونزيدها هنا تأكيدا بما لم نذكره فيما تقدم فنقول: إن فضيلة المبيت علي الفراش علي الصحبة في الغار لوجهين:
أحدهما: ان عليا (عليه السلام) قد كان انس بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وحصل له بمصاحبته قديما انس عظيم والف شديد، فلما فارقه عدم ذلك الانس وحصل به أبو بكر، فكان ما يجده علي (عليه السلام) من الوحشة وألم الفرقة موجبا زيادة ثوابه، لان الثواب علي قدر المشقة.
وثانيهما: ان ابا بكر كان يؤثر الخروج من مكة، وقد كان خرج من قبل فردا فازداد كراهية للمقام، فلما خرج مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وافق ذلك هوي قلبه ومحبوب نفسه، فلم يكن له من الفضيلة ما يوازي فضيلة من احتمل المشقة العظيمة، وعرض نفسه لوقع السيوف، ورأسه لرضخ الحجارة، لأنه علي قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب.
(١٢١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، مدينة مكة المكرمة (1)، عبيدة بن الحارث (1)، الصبر (1)
قال الجاحظ: ثم الذي لقي أبو بكر في مسجده الذي بناه علي بابه في بني جمح فقد كان بني مسجدا يصلي فيه، ويدعو الناس إلي الاسلام، وكان له صوت رقيق، ووجه عتيق، وكان إذا قرأ بكي فيقف عليه المارة من الرجال والنساء والصبيان والعبيد، فلما أوذي في الله، ومنع من ذلك المسجد، استأذن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الهجرة، فأذن له، فاقبل يريد المدينة، فتلقاه الكناني (1)، فعقد له جوارا، وقال: والله لا ادع مثلك يخرج من مكة فرجع إليها وعاد لصنيعه في المسجد، فمشت قريش إلي جاره الكناني وأجلبوا عليه فقال له: دع المسجد وادخل بيتك واصنع فيه ما بدا لك (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): كيف كانت بنو جمح تؤذي عثمان بن مضعون وتضربه، وهو فيهم ذو سطوة وقدرة، وتترك أبا بكر يبني مسجدا يفعل فيه ما ذكرتم، وأنتم الذين رويتم عن ابن مسعود أنه قال " ما صلينا ظاهرين حتي أسلم عمر بن الخطاب " والذي تذكرونه من بناء المسجد: كان قبل اسلام عمر، فكيف هذا؟!
واما ما ذكرتم من رقة صوته وعتاق وجهه فكيف يكون ذلك وقد روي الواقدي وغيره ان عائشة رأت رجلا من العرب خفيف العارضين، معروق الخدين، غائر العينين، اجناء (3)، لا يمسك إزاره، فقالت: ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا؟ فلا نراها دلت علي شئ من الجمال في صفته!
قال الجاحظ: وحيث رد أبو بكر جوار الكناني، وقال: لا أريد جارا سوي الله، لقي من الأذي والذل والاستخفاف والضرب ما بلغكم، وهذا موجود في جميع
(١) الكناني: هو مالك بن الدغنة، أحد بني الحارث بن بكر بن عبد مناة.
(٢) العثمانية 28، 29 مع تصرف واختصار.
(3) الاجناء، من الجنأ وهو ميل الظهر.
(١٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الصحابي عثمان بن مضعون (1)، السجود (5)
السير، وكان آخر ما لقي هو وأهله في امر الغار، وقد طلبته قريش وجعلت فيه مائة بعير، كما جعلت في النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلقي أبو جهل أسماء بنت أبي بكر، فسألها فكتمته فلطمها حتي رمت قرطا كان في اذنها (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): هذا الكلام وهجر السكران سواء في تقارب المخرج واضطراب المعني، وذلك أن قريشا لم تقدر علي اذي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأبو طالب حي يمنعه، فلما مات طلبته لتقتله فخرج تارة إلي بني عامر، وتارة إلي ثقيف، وتارة إلي بني شيبان ولم يكن يتجاسر علي المقام بمكة إلا مستترا، حتي أجاره مطعم بن عدي، ثم خرج إلي المدينة، فبذلت فيه مائة بعير لشدة حنقها عليه حين فاتها، فلم تقدر عليه، فما بالها بذلت في أبي بكر مائة بعير أخري، وقد كان رد الجوار، وبقي بينهم فردا لا ناصر له ولا دافع عنده، يصنعون به ما يريدون! اما ان يكون أجهل البرية كلها أو يكون العثمانية أكذب جيل في الأرض وأوقحه وجها! فهذا مما لم يذكر في سيرة ولا روي في أثر، ولا سمع به بشر، ولا سبق الجاحظ به أحد!
قال الجاحظ: ثم الذي كان من دعائه إلي الاسلام وحسن احتجاجه، حتي أسلم علي يديه طلحة والزبير وسعد وعثمان وعبد الرحمن، لأنه ساعة أسلم دعا إلي الله ورسوله (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): ما أعجب هذا القول، إذ تدعي العثمانية لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج وقد أسلم ومعه في منزله ابنه عبد الرحمن، فما قدر ان يدخله في الاسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه، ولا كرها بقطع النفقة عنه وادخال المكروه عليه، ولا كان لأبي بكر عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما يطيعه
(١) العثمانية ٢٩، مع تصرف واختصار.
(٢) العثمانية: ٣١ مع تصرف واختصار.
(١٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، أسماء بنت أبي بكر (1)، الكذب، التكذيب (1)، الكراهية، المكروه (1)، الموت (1)، الجهل (1)
فيما يأمره به، ويدعوه إليه، كما روي ان ابا طالب فقد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوما، وكان يخاف عليه من قريش ان يغتالوه، فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فوجده قائما في بعض شعاب مكة يصلي، وعلي (عليه السلام) عن يمينه، فلما رآهما أبو طالب، قال لجعفر: تقدم وصل جناح ابن عمك، فقام جعفر عن يسار محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وتأخر الاخوان، فبكي أبو طالب وقال:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الخطوب والنوب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي والله لا اخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب فتذكر الرواة ان جعفرا أسلم منذ ذلك اليوم، لان أباه امره بذلك وأطاع امره، وأبو بكر لم يقدر علي ادخال ابنه عبد الرحمن في الاسلام، حتي أقام بمكة علي كفره ثلاث عشرة سنة وخرج يوم أحد في عسكر المشركين ينادي: انا عبد الرحمن بن عتيق، هل من مبارز؟ ثم مكث بعد ذلك علي كفره، حتي أسلم عام الفتح، وهو اليوم الذي دخلت فيه قريش في الاسلام طوعا وكرها، ولم يجد أحد منها إلي ترك ذلك سبيلا! وأين كان رفق أبي بكر وحسن احتجاجه عند أبيه أبي قحافة وهما في دار واحدة! هلا رفق به ودعاه إلي الاسلام فأسلم! وقد علمتم انه بقي علي الكفر إلي يوم الفتح، فاحضره ابنه عند النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة (1)، فنفر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) منه، وقال: غيروا هذا، فخضبوه، ثم جاءوا به مرة أخري، فأسلم. وكان أبو قحافة فقيرا مدقعا، سئ الحال، وأبو بكر عندهم كان مثريا فائض المال، فلم يمكنه استمالته إلي الاسلام بالنفقة والاحسان، وقد كانت امرأة أبي بكر أم عبد الله ابنه - واسمها تملة بنت عبد العزي بن أسعد بن عبد ود العامرية - لم تسلم، وأقامت علي شركها بمكة وهاجر أبو بكر وهي كافرة. فلما
(1) الثغامة: كسحاب: ضرب من النبات أبيض.
(١٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، مدينة مكة المكرمة (3)، الضرب (1)
نزل قوله تعالي (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (1)، فطلقها أبو بكر، فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز، ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج، ولا خوفا من قطع النفقة عنهم، وادخال المكروه عليهم فغيرهم أقل قبولا منه، وأكثر خلافا عليه!
قال الجاحظ: وقالت أسماء بنت أبي بكر: ما عرفت أبي إلا وهو يدين بالدين، ولقد رجع إلينا يوم أسلم، فدعانا إلي الاسلام فما رمنا حتي أسلمنا، وأسلم أكثر جلسائه، ولذلك قالوا: من أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممن أسلم بالسيف، ولم يذهبوا في ذلك إلي العدد بل عنوا الكثرة في القدر، لأنه أسلم علي يديه خمسة من أهل الشوري، كلهم يصلح للخلافة، وهم اكفاء علي (عليه السلام) ومنازعوه الرياسة والإمامة فهؤلاء أكثر من جميع الناس (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): أخبرونا من هذا الذي أسلم ذلك اليوم من أهل بيت أبي بكر؟ إذا كانت امرأته لم تسلم، وابنه عبد الرحمن لم يسلم، وأبو قحافة لم يسلم، وأمته أم فروة لم تسلم وعائشة لم تكن قد ولدت في ذلك الوقت، لأنها ولدت بعد مبعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بخمس سنين، ومحمد بن أبي بكر ولد بعد مبعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بثلاث وعشرين سنة، لأنه ولد في حجة الوداع وأسماء بنت أبي بكر التي قد روي الجاحظ هذا الخبر عنها يوم بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بنت أربع سنين - وفي رواية من يقول: بنت سنتين - فمن الذي أسلم من أهل بيته يوم أسلم!
نعوذ بالله من الجهل والكذب والمكابرة! وكيف أسلم سعد والزبير وعبد الرحمن بدعاء أبي بكر وليسوا من رهطه ولا من أترابه ولا من جلسائه، ولا كانت بينهم قبل ذلك صداقة متقدمة، ولا انس وكيد! وكيف ترك أبو بكر عتبة بن ربيعة، وشيبة
(١) سورة الممتحنة، الآية ١٠.
(٢) العثمانية 31 - 32، مع تصرف واختصار.
(١٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: مبعث النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يوم عرفة (1)، أسماء بنت أبي بكر (1)، محمد بن أبي بكر (1)، حجة الوداع (1)، الكراهية، المكروه (1)، الجهل (1)، سورة الممتحنة (1)
بن ربيعة لم يدخلهما في الاسلام برفقه وحسن دعائه، وقد زعمتم انهما كانا يجلسان إليه لعلمه وطريف حديثه! وما باله لم يدخل جبير بن مطعم في الاسلام، وقد ذكرتم انه أدبه وخرجه، ومنه اخذ جبير العلم بأنساب قريش ومآثرها! فكيف عجز عن هؤلاء الذين عددناهم، وهم منه بالحال التي وصفنا، ودعا من لم يكن بينه وبينه انس ولا معرفة، إلا معرفة عيان! وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطاب، وقد كان شكله، وأقرب الناس شبها به في أغلب أخلاقه! ولئن رجعتهم إلي الانصاف لتعلمن ان هؤلاء لم يكن اسلامهم إلا بدعاء الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لهم، وعلي يديه أسلموا، ولو فكرتم في حسن التأتي في الدعاء، ليصبحن لأبي طالب في ذلك علي شركه اضعاف ما ذكرتموه لأبي بكر، لأنكم رويتم أن أبا طالب قال لعلي (عليه السلام):
يا بني ألزمه، فإنه لن يدعوك إلا إلي خير، وقال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فأسلم بقوله، ولأجله أصفق بنو عبد مناف علي نصرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بمكة من بني مخزوم وبني سهم وبني جمح، ولأجله صبر بنو هاشم علي الحصار في الشعب، وبدعائه وإقباله علي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) أسلمت امرأته فاطمة بنت أسد، فهو أحسن رفقا، وأيمن نقيبة من أبي بكر وغيره، وإنما منعه عن الاسلام ان ثبت انه لم يسلم إلا تقية، وأبو بكر لم يكن له إلا ابن واحد، وهو عبد الرحمن، فلم يمكنه أن يدخله في الاسلام، ولا أمكنه إذ لم يقبل منه الاسلام أن يجعله كبعض مشركي قريش في قلة الأذي لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وفيه أنزل (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني ان اخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن ان وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) (1)، وانما يعرف حسن رفق الرجل وتأتيه بان يصلح أولا امر بيته وأهله ثم يدعو الأقرب فالأقرب فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لما بعث كان أول من دعا زوجته خديجة ثم مكفوله وابن عمه عليا (عليه السلام) ثم مولاه زيدا، ثم أم
(1) سورة الأحقاف، الآية 17.
(١٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، السيدة فاطمه بنت أسد أم أمير المؤمنين عليهما السلام (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (1)، جبير بن مطعم (1)، الزوجة (1)، الصّلاة (1)، الصبر (1)، سورة الأحقاف (1)
أيمن خادمته فهل رأيتم أحدا ممن كان يأوي إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يسارع! وهل التأث عليه أحد من هؤلاء! فهكذا يكون حسن التأتي والرفق في الدعاء! هذا ورسول الله مقل، وهو من جملة عيال خديجة حين بعثه الله تعالي، وأبو بكر عندكم كان موسرا، وكان أبوه فقيرا، وانما حسن التأتي والرفق في الدعاء ما صنعه مصعب بن عمير لسعد بن معاذ لما دعاه، وما صنع سعد بن معاذ ببني عبد الأشهل لما دعاهم وما صنع بريدة بن الحصيب بأسلم لما دعاهم، قالوا: أسلم بدعائه ثمانون بيتا من قومه، وأسلم بنو عبد الأشهل بدعاء سعد في يوم واحد واما من لم يسلم ابنه ولا امرأته ولا أبوه ولا أخته بدعائه فهيهات ان يوصف ويذكر بالرفق في الدعاء وحسن التأتي والأناة!
قال الجاحظ: ثم أعتق أبو بكر بعد ذلك جماعة من المعذبين في الله، وهم ست رقاب منهم بلال، وعامر بن فهيرة، وزبيرة النهدية، وابنتها، ومر بجارية يعذبها عمر بن الخطاب فابتاعها منه، واعتقها، واعتق ابا عيسي فانزل الله فيه: (فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري … ) (1)، إلي آخر السورة.
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله) أما بلال وعامر بن فهيرة فإنما اعتقهما رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وروي ذلك الواقدي وابن إسحاق وغيرهما، واما باقي مواليهم الأربعة فان سامحناكم في دعواكم لم يبلغ ثمنهم في تلك الحال لشدة بغض مواليهم لهم إلا مائة درهم أو نحوها فأي فخر في هذا! واما الآية فان ابن عباس قال في تفسيرها:
(فاما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري) أي لان يعود.
وقال غيره: نزلت في مصعب بن عمير.
قال الجاحظ: وقد علمتم ما صنع أبو بكر في ماله، وكان ماله أربعين الف
(1) سورة الليل، الآية 5.
(١٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، عامر بن فهيرة (2)، سعد بن معاذ (2)، البعث، الإنبعاث (1)، الصدق (2)، العتق (1)، سورة الليل (1)
درهم فأنفقه في نوائب الاسلام وحقوقه، ولم يكن خفيف الظهر، قليل العيال والنسل، فيكون فاقد جميع اليسارين بل كان ذا بنين وبنات وزوجة وخدم وحشم، ويعول والديه وما ولدا، ولم يكن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك عنده مشهورا، فيخاف العار في ترك مواساته، فكان انفاقه علي الوجه الذي لا يجد في غاية الفضل مثله ولقد قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): " ما نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر ".
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): أخبرونا علي أي نوائب الاسلام أنفق هذا المال، وفي أي وجه وضعه؟ فإنه ليس بجائز ان يخفي ذلك ويدرس حتي يفوت حفظه، وينسي ذكره، وأنتم فلم تقفوا علي شئ أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم. وكيف يدعي له الانفاق الجليل، وقد باع من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعيرين عند خروجه إلي يثرب. وأخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروي ذلك جميع المحدثين، وقد رويتم أيضا انه كان حيث كان بالمدينة غنيا موسرا، ورويتم عن عائشة انها قالت: هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم إن الله تعالي انزل فيه (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ان يؤتوا أولي القربي) (1)، قلتم: هي في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم انه أنفق حتي تخلل بالعباءة! ورويتم ان لله تعالي في سمائه ملائكة قد تخللوا بالعباءة. وان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) رآهم ليلة الاسراء، فسأل جبرائيل عنهم فقال: هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنه سينفق عليك ماله، حتي يخلل عباءة في عنقه، وأنتم أيضا رويتم ان الله تعالي لما انزل آية النجوي، فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم) (2) الآية لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب وحده، مع اقراركم بفقره وقلة
(1) سورة النور، الآية 22.
(2) سورة المجادلة، الآية 12.
(١٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، المدينة المنورة (1)، علي بن أبي طالب (1)، مسطح بن أثاثة (1)، الوسعة (1)، الزوج، الزواج (1)، التصدّق (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، سورة المجادلة (1)، سورة النور (1)
ذات يده وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة امسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك، فقال (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم)، فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه وهو امساكهم عن تقديم الصدقة فكيف سخت نفسه بانفاق أربعين ألفا، وامسك عن مناجاة الرسول، وانما كان يحتاج فيها إلي اخراج درهمين!
واما ما ذكر من كثرة عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل علي تفضيله لان نفقته علي عياله واجبة، مع أن أرباب السيرة ذكروا انه لم يكن ينفق علي أبيه شيئا وأنه كان أجيرا لابن جدعان علي مائدته يطرد عنها الذبان.
قال الجاحظ: وقد تعلمون، ما كان يلقي أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ببطن مكة من المشركين، وحسن صنيع كثير منهم، كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه ففلق هامته، وأبو جهل يومئذ سيد البطحاء ورئيس الكفر، وامنع أهل مكة، وقد عرفتم ان الزبير سل سيفه واستقبل به المشركين لما أرجف ان محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) قد قتل، وان عمر بن الخطاب قال حين أسلم " لا يعبد الله سرا بعد اليوم "، وان سعدا ضرب بعض المشركين بلحي جمل، فأراق دمه، فكل هذه الفضائل لم يكن لعلي بن أبي طالب فيها ناقة ولا جمل وقد قال الله تعالي (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا) (1)، فإذا كان الله تعالي قد فضل من أنفق قبل الفتح، لأنه لا هجرة بعد الفتح علي من أنفق بعد الفتح، فما ظنكم بمن أنفق من قبل الهجرة ومن لدن مبعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الهجرة وإلي بعد الهجرة (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): اننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم، ولسنا
(١) سورة الحديد الآية ١٠.
(٢) العثمانية 37، مع تصرف واختصار.
(١٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، مبعث النبي صلي الله عليه وآله (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، القتل (1)، الوسعة (1)، الضرب (1)، الأكل (1)، الجهل (2)، سورة الحديد (1)
كالامامية الذين يحملهم الهوي علي جحد الأمور المعلومة، ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة علي علي بن أبي طالب، ولسنا ننكر غير ذلك، تعصب الجاحظ للعثمانية، وقصده إلي فضائل هذا الرجل ومناقبه بالرد والابطال. واما حمزة فهو عندنا ذو فضل عظيم، ومقام جليل، وهو سيد الشهداء الذين استشهدوا علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) واما فضل عمر فغير منكر وكذلك الزبير وسعد، وليس فيما ذكر ما يقتضي كون علي (عليه السلام) مفضولا لهم أو لغيرهم، إلا قوله " وكل هذه الفضائل لم يكن لعلي (عليه السلام) فيها ناقة ولا جمل ". فان هذا من التعصب البارد، والحيف الفاحش وقد قدمنا من آثار علي (عليه السلام) قبل الهجرة وماله إذ ذاك من المناقب والخصائص، ما هو أفضل وأعظم وأشرف من جميع ما ذكر لهؤلاء، علي أن أرباب السيرة يقولون: ان الشجة التي شجها سعد وان السيف الذي سله الزبير، هو الذي جلب الحصار في الشعب علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبني هاشم وهو الذي سير جعفر وأصحابه إلي الحبشة وسل السيف في الوقت الذي لم يؤمر المسلمون فيه بسل السيف غير جائز، قال تعالي (ألم تر إلي الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله) (1)، فتبين ان التكليف له أوقات، فمنها وقت لا يصلح فيه سل السيف، ومنها وقت يصلح فيه وجب، فاما قوله تعالي: (لا يستوي منكم من أنفق) فقد ذكرنا ما عندنا من دعواهم لأبي بكر انفاق المال.
وأيضا فان الله تعالي لم يذكر انفاق المال، وانما قرن به القتال ولم يكن أبو بكر صاحب قتال وحرب، فلا تشمله الآية، وكان علي (عليه السلام) صاحب قتال وانفاق قبل الفتح. أما قتاله فمعلوم بالضرورة، واما انفاقه فقد كان علي حسب حاله وفقره، وهو الذي أطعم الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وأنزلت فيه وفي
(1) سورة النساء، الآية 77.
(١٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، الطعام (1)، الزكاة (1)، القتل (5)، الشهادة (1)، الصّلاة (1)، سورة النساء (1)
زوجته وابنيه سورة (1) كاملة من القرآن وهو الذي ملك أربعة دراهم فاخرج منها درهما سرا ودرهما علانية ليلا ثم اخرج منها في النهار درهما سرا ودرهما علانية، فانزل فيه قوله تعالي (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) (2)، وهو الذي قدم بين يدي نجواه صدقة دون المسلمين كافة، وهو الذي تصدق بخاتمه وهو راكع، فانزل الله فيه (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (3).
قال الجاحظ: والحجة العظمي للقائلين بتفضيل علي (عليه السلام) قتله الاقران، وخوضه الحرب، وليس له في ذلك كبير فضيلة، لان كثرة القتل، والمشي بالسيف إلي الاقران، لو كان من أشد المحن وأعظم الفضائل، وكان دليلا علي الرياسة والتقدم لوجوب ان يكون للزبير وأبي دجانة ومحمد بن مسلمة وابن عفراء، والبراء بن مالك من الفضل ما ليس لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه لم يقتل بيده إلا رجلا واحدا ولم يحضر الحرب يوم بدر، ولا خالط الصفوف، وانما كان معتزلا عنهم في العريش ومعه أبو بكر، وأنت تري الرجل الشجاع قد يقتل الاقران، ويجندل الابطال، وفوقه من العسكر من لا يقتل ولا يبارز، وهو الرئيس أو ذو الرأي، والمستشير في الحرب، لان للرؤساء من الاكتراث والاهتمام وشغل البال والعناية والتفقد ما ليس لغيرهم، ولان الرئيس هو المخصوص بالمطالبة، وعليه مدار الأمور وبه يستبصر المقاتل، ويستنصر، وباسمه ينهزم العدو، ولو لم يكن له الا ان الجيش لو ثبت وفر هو لم يغن ثبوت الجيش كله، وكانت الدبرة عليه ولو ضيع القوم جميعا وحفظ هو لانتصر وكانت الدولة له، ولهذا لا يضاف النصر والهزيمة إلا
(١) زعم بعض غلاة الشيعة انه أنزلت فيهم سور مختلفة، وانظر فصل الخطاب لحسين بن محمد الطبرسي ١٥٦ وحواشي ملحق العثمانية 319.
(2) سورة البقرة، الآية 247.
(3) سورة المائدة، الآية 55.
(١٣١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، البراء بن مالك (1)، محمد بن مسلمة (1)، القرآن الكريم (1)، الزوجة (1)، الزكاة (1)، القتل (5)، الصّلاة (1)، الحرب (3)، التصدّق (1)، كتاب فصل الخطاب لسليمان أخ محمد بن عبد الوهاب (1)، سورة المائدة (1)، سورة البقرة (1)
إليه، ففضل أبي بكر بمقامه في العريش مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم بدر أعظم من جهاد علي (عليه السلام) ذلك اليوم، وقتله ابطال قريش.
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): لقد أعطي أبو عثمان مقولا وحرم معقولا، ان كان يقول هذا علي اعتقاد وجد، ولم يذهب به مذهب اللعب والهزل، أو علي طريق التفاصح، والتشادق واظهار القوة والسلاطة وذلاقة اللسان وحدة الخاطر والقوة علي جدال الخصوم، الم يعلم أبو عثمان ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان اشجع البشر، وانه خاض الحروب، وثبت في المواقف التي طاشت فيها الألباب، وبلغت القلوب الحناجر، فمنها يوم أحد ووقوفه بعد أن فر المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه إلا أربعة، علي والزبير وطلحة، وأبو دجانة، فقاتل ورمي بالنبل حتي فنيت نبله، وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره، فأمر عكاشة بن محصن ان يوترها، فقال: يا رسول الله! لا يبلغ الوتر فقال: أوتر ما بلغ. قال عكاشة فوالذي بعثه بالحق لقد أوترت حتي بلغ وطويت منه شبرا علي سية القوس، ثم اخذها فما زال يرميهم حتي نظرت إلي قوسه قد تحطمت. وبارز أبي بن خلف، فقال له أصحابه: إن شئت عطف عليه بعضنا! فأبي، وتناول الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتفض بأصحابه، كما ينتفض البعير، قالوا: فتطايرنا عنه تطاير الشعارير (1) فطعنه بالحربة، فجعل يخور كما يخور الثور، ولو لم يدل علي ثباته حين انهزم أصحابه وتركوه إلا قوله تعالي: (إذ تصعدون ولا تلوون علي أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) (2) فكونه (عليه السلام) في اخراهم وهم يصعدون ولا يلوون، هاربين، دليل علي أنه ثبت ولم يفر، وثبت يوم حنين في تسعة من اهله ورهطه الأدنين وقد فر المسلمون كلهم والنفر التسعة محدقون به: العباس آخذ بحكمة بغلته، وعلي بين يديه مصلت سيفه
(1) الشعارير ما يجتمع علي دبرة البعير من الذبان فان أهيجت تطايرت عنها.
(2) سورة آل عمران، الآية 153.
(١٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، القتل (2)، البعث، الإنبعاث (1)، سورة آل عمران (1)
والباقون حول بغلة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يمنة ويسرة، وقد انهزم المهاجرون والأنصار، وكلما فروا تقدم هو (صلي الله عليه وآله وسلم) وصمم مستقدما، يلقي السيوف والنبال بنحره وصدره، ثم اخذ كفا من البطحاء، وحصب المشركين وقال: شاهت الوجوه! والخبر المشهور عن علي (عليه السلام)، وهو أشجع البشر، كنا ان اشتد البأس، وحمي الوطيس اتقينا برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولذنا به، فكيف يقول الجاحظ: انه ما خاض الحرب ولا خالط الصفوف! وأي فرية أعظم من فرية من نسب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الاحجام واعتزال الحرب! ثم أي مناسبة بين أبي بكر ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في هذا المعني ليقيسه وينسبه إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صاحب الجيش والدعوة، ورئيس الاسلام والملة، والملحوظ بين أصحابه وأعدائه بالسيادة، وإليه الايماء والإشارة، وهو الذي أحنق قريشا والعرب ووري أكبادهم بالبراءة من آلهتهم، وعيب دينهم وتضليل اسلافهم، ثم وترهم فيما بعد بقتل رؤسائهم وأكابرهم! وحق لمثله إذا تنحي عن الحرب واعتزلها ان يتنحي ويعتزل، لان ذلك شأن الملوك والرؤساء، إذا كان الجيش منوطا بهم وببقائهم، فمتي هلك الملك هلك الجيش، ومتي سلم الملك أمكن ان يبقي عليه ملكه، وان عطب جيشه فإنه سيجد جيشا آخر، ولذلك نهي الحكماء ان يباشر الملك الحرب بنفسه، وخطأوا الإسكندر لما بارز قوسرا ملك الهند، ونسبوه إلي مجانبة الحكمة ومفارقة الصواب والحزم، فليقل لنا الجاحظ: أي مدخل لابي بكر في هذا المعني؟ ومن الذي كان يعرفه من أعداء الاسلام ليقصده بالقتل؟ وهل هو إلا واحد من عرض المهاجرين حكمه حكم عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وغيرهما! بل كان عثمان أكثر منه صيتا، وأشرف منه مركبا، والعيون اليه أطمح والعدو إليه أحنق وأكلب، ولو قتل أبو بكر في بعض تلك المعارك هل كان يؤثر قتله في الاسلام ضعفا، أو يحدث فيه وهنا! أو يخاف علي الملة لو قتل أبو بكر في بعض تلك الحروب ان تندرس وتعفي آثارها وينطمس منارها! ليقول الجاحظ: إن أبا بكر كان حكمه حكم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مجانبة
(١٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، المهاجرون والأنصار (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، الهند (1)، القتل (4)، الخوف (1)، الهلاك (2)، الحرب (4)
الحروب واعتزالها؟! نعوذ بالله من الخذلان! وقد علم العقلاء كلهم ممن له بالسير معرفة، وبالآثار والاخبار ممارسة حال حروب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كيف كانت وحاله (عليه السلام) فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب، وجلوسه في العريش يوم جلس، وان وقوفه (صلي الله عليه وآله وسلم) وقوف رياسة وتدبير ووقوف ظهر وسند يتعرف أمور أصحابه، ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم وتخلفه من التقدم في أوائلهم، لأنهم متي علموا انه في آخرهم اطمأنت قلوبهم، ولم تتعلق بأمره نفوسهم، فيشتغلوا بالاهتمام به عن عدوهم، ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها، وظهر يرجعون إليه ويعلمون انه متي كان خلفهم تفقد أمورهم، وعلم مواقفهم وآوي كل انسان مكانه في الحماية والنكاية وعند المنازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف اصلح لأمرهم وأحمي وأحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بينهم إذ هو مدبر أمورهم ووالي جماعتهم، ألا ترون ان موقف صاحب اللواء موقف شريف وان صلاح الحرب في وقوفه، وان فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته، فللرئيس حالات:
الأولي - حالة يتخلف ويقف آخرا ليكون سندا وقوة وردءا وعدة وليتولي تدبير الحرب ويعرف مواضع الخلل.
والحالة الثانية - يتقدم فيها في وسط الصف ليقوي الضعيف ويشجع الناكص (1).
وحالة ثالثة: وهي إذا اصطدم الفيلقان وتكافح السيفان اعتمد ما تقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح، أو من مباشرة الحرب بنفسه، فإنها آخر المنازل، وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموه.
(1) ب: الناكس.
(١٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحرب (3)
فأين مقام الرئاسة العظمي لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأين منزلة أبي بكر ليسوي بين المنزلتين، ويناسب بين الحالتين!
ولو كان أبو بكر شريكا لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الرسالة، وممنوحا من الله بفضيلة النبوة، وكانت قريش والعرب تطلبه كما تطلب محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) وكان يدبر من أمر الاسلام وتسريب العساكر وتجهيز السرايا وقتل الأعداء، ما يدبره محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) لكان للجاحظ أن يقول ذلك، فأما وحاله حاله، وهو أضعف المسلمين جنانا، وأقلهم عند العرب ترة، لم يرم قط بسهم، ولا سل سيفا، ولا أراق دما، وهو أحد الاتباع، غير مشهور ولا معروف ولا طالب ولا مطلوب، فكيف يجوز ان يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومنزلته! ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر، فقام مغيظا عليه، فسل من السيف مقدار إصبع يريد البروز إليه فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) " يا أبا بكر شم سيفك (1) وأمتعنا بنفسك "، ولم يقل له " وأمتعنا بنفسك " إلا لعلمه بأنه ليس اهلا للحرب وملاقاة الرجال، وانه لو بارز لقتل.
وكيف يقول الجاحظ: لا فضيلة لمباشرة الحرب، ولقاء الاقران، وقتل ابطال الشرك! هل قامت عمد الاسلام إلا علي ذلك! وهل ثبت الدين واستقر إلا بذلك!
أتراه لم يسمع قول الله تعالي (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (2)، والمحبة من الله تعالي هي إرادة الثواب، فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف وأعظم قتالا، كان أحب إلي الله، ومعني الأفضل هو الأكثر ثوابا فعلي (عليه السلام) إذا هو أحب المسلمين إلي الله، لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص، لم يفر قط بإجماع الأمة، ولا بارزه قرن إلا قتله.
(1) شم سيفك، أي أغمده، وهو من الأضداد.
(2) سورة الصف، الآية 4.
(١٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، القتل (4)، الأكل (1)، الحرب (1)، الجواز (1)، سورة الصف (1)
أتراه لم يسمع قول الله تعالي (وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما) (1)، وقوله (ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن) (2).
ثم قال سبحانه مؤكدا لهذا البيع والشراء (ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (3)، وقال الله تعالي (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) (4).
فمواقف الناس في الجهاد علي أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض، فمن دلف إلي الاقران، واستقبل السيوف والأسنة، كان أثقل علي أكتاف الأعداء، لشدة نكايته فيهم، ممن وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة، وأعان ولم يقدم، إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل أعظم عناء، وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك، ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرياسة بقلة بسط الكف وترك الحرب، وأن ذلك يشاكل فعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لكان أوفر الناس حظا في الرياسة، وأشدهم استحقاقا حسان بن ثابت، وان بطل فضل علي (عليه السلام) في الجهاد، لأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان أقلهم قتالا، كما زعم الجاحظ ليبطلن علي هذا القياس فضل أبي بكر في الانفاق، لان رسول الله كان أقلهم مالا!
وأنت إذا تأملت امر العرب وقريش، ونظرت السير، وقرأت الاخبار عرفت
(1) سورة النساء، الآية 95.
(2) سورة التوبة، الآية 111.
(3) سورة التوبة، الآية 111.
(4) سورة التوبة، الآية 120.
(١٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يوم عرفة (1)، حسان بن ثابت (1)، سبيل الله (2)، القرآن الكريم (1)، الباطل، الإبطال (1)، البيع (1)، الحرب (1)، سورة البراءة (3)، سورة النساء (1)
انها كانت تطلب محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) وتقصد قصده، وتروم قتله فان أعجزها وفاتها طلبت عليا (عليه السلام)، وأرادت قتله، لأنه كان أشبههم بالرسول حالا، وأقربهم منه قربا، وأشدهم عنه دفعا وانهم متي قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا امر محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وكسروا شوكته، إذ كان أعلي من ينصره في البأس والقوة والشجاعة والنجدة والاقدام والبسالة، ألا تري إلي قول عتبة بن ربيعة يوم بدر، وقد خرج هو وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، فاخرج إليه الرسول، نفرا من الأنصار، فاستنسبوهم فانتسبوا لهم، فقالوا: ارجعوا إلي قومكم ثم نادوا: يا محمد! اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأهله الأدنين: قوموا يا بني هاشم، فانصروا حقكم الذي آتاكم الله علي باطل هؤلاء، قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة.
ألا تري ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله يوم أحد، لأنه اشترك هو وحمزة في قتل أبيها يوم بدر؟ ألم تسمع قول هند ترثي أهلها:
ما كان عن عتبة لي من صبر * أبي وعمي وشقيق صدري أخي الذي كان كضوء البدر * بهم كسرت يا علي ظهري وذلك لأنه قتل اخاها الوليد بن عتبة، وشارك في قتل أبيها عتبة، واما عمها شيبة، فان حمزة تفرد بقتله.
وقال جبير بن مطعم لوحشي مولاه يوم أحد، ان قتلت محمدا فأنت حر، وان قتلت عليا فأنت حر، وان قتلت حمزة فأنت حر، فقال أما محمد فسيمنعه أصحابه، واما علي فرجل حذر كثير الالتفات في الحرب، ولكني سأقتل حمزة فقعد له ورزقه بالحربة فقتله.
ولما قلنا من مقاربة حال علي (عليه السلام)، في هذا الباب لحال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومناسبتها إياها ما وجدناه في السير والاخبار، من إشفاق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وحذره
(١٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، بنو هاشم (1)، جبير بن مطعم (1)، القتل (7)، الصبر (1)، الحرب (1)
عليه، ودعائه له بالحفظ بالسلامة قال (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق، وقد برز علي إلي عمرو، ورفع يديه إلي السماء بمحضر من أصحابه " اللهم إنك أخذت مني حمزة يوم أحد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم علي عليا (عليه السلام) (رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) (1) "، ولذلك ضن به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلي نفسه مرارا، في كلها يحجمون ويقدم علي، فيسأل الاذن له في البراز حتي قال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): " إنه عمرو " فقال: " وانا علي " فأدناه وقبله وعممه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودع له، القلق لحاله، المنتظر لما يكون منه، ثم لم يزل (صلي الله عليه وآله وسلم) رافعا يديه إلي السماء، مستقبلا لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله كأنما علي رؤوسهم الطير، حتي ثارت الغبرة، وسمعوا التكبير من تحتها فعلموا ان عليا قتل عمرا، فكبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وكبر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين، ولذلك قال حذيفة بين اليمان: لو قسمت فضيلة علي (عليه السلام) بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم. وقال ابن عباس في قوله تعالي (وكفي الله المؤمنين القتال) قال: بعلي بن أبي طالب (2) قال الجاحظ: علي أن مشي الشجاع بالسيف إلي الأقران، ليس علي ما توهمه من لا يعلم باطن الأمر، لان في حال مشيه إلي الاقران بالسيف أمورا أخري لا يبصرها الناس، وانما يقضون علي ظاهر ما يرون من اقدامه وشجاعته، فربما كان سبب ذلك الهوج، وربما كان الغرارة والحداثة، وربما كان الاحراج والحمية، وربما كان لمحبة النفخ والأحدوثة، وربما كان طباعا كطباع القاسي والرحيم والسخي والبخيل (3).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): فيقال للجاحظ: فعلي أيها كان مشي علي بن أبي
(١) سورة الأنبياء، الآية ٨٩.
(٢) سورة الأحزاب، الآية ٢٥.
(٣) العثمانية: ٤٧، مع تصرف واختصار.
(١٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، علي بن أبي طالب (1)، القتل (1)، التكبير (1)، سورة الأنبياء (1)، سورة الأحزاب (1)
طالب إلي الاقران بالسيف؟ فأيما قلت من ذلك بانت عداوتك لله تعالي ولرسوله، وان كان مشيه ليس علي وجه مما ذكرت، وانما كان علي وجه النصرة والقصد إلي المسابقة إلي ثواب الآخرة والجهاد في سبيل الله، واعزاز الدين، كنت بجميع ما قلت معاندا وعن سبيل الانصاف خارجا، وفي امام المسلمين طاعنا، وان تطرق مثل هذا الوهم علي علي (عليه السلام) ليتطرقن مثله علي أعيان المهاجرين والأنصار أرباب الجهاد والقتال، الذين نصروا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأنفسهم ووقوه بمهجهم وفدوه بأبنائهم وآبائهم، فلعل ذلك كان لعلة من العلل المذكورة، وفي ذلك الطعن في الدين وفي جماعة المسلمين.
ولو جاز أن يتوهم هذا في علي (عليه السلام) وفي غيره لما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حكاية عن الله تعالي لأهل بدر " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "، ولا قال لعلي (عليه السلام) " برز الإيمان كله إلي الشرك كله " ولا قال: " أوجب طلحة " (1) وقد علمنا ضرورة من دين الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) تعظيمه لعلي (عليه السلام) تعظيما دينيا، لأجل جهاده ونصرته، فالطاعن فيه طاعن في رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، إذ زعم أنه قد يمكن ان يكون جهاده لا لوجه الله تعالي، بل لأمر آخر من الأمور التي عددها، وبعثه علي التفوه بها إغواء الشيطان وكيده والافراط في عداوة من أمر الله بمحبته، ونهي عن بغضه وعداوته.
أتري رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خفي عليه من امر علي (عليه السلام) ما لاح للجاحظ والعثمانية، فمدحه وهو غير مستحق للمدح!
قال الجاحظ: فصاحب النفس المختارة المعتدلة يكون قتاله طاعة وفراره معصية، لان نفسه معتدلة، كالميزان في استقامة لسانه وكفتيه فإذا لم يكن كذلك
(1) أوجب طلحة، أي عمل عملا يدخله الجنة.
(١٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، المهاجرون والأنصار (1)، سبيل الله (1)، القتل (2)
كان اقدامه طباعا وفراره طباعا (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): فيقال له: فلعل انفاق أبي بكر علي ما تزعم أربعين الف درهم لا ثواب له، لان نفسه ربما تكون غير معتدلة لأنه يكون مطبوعا علي الجود والسخاء، ولعل خروجه مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الهجرة إلي الغار لا ثواب له فيه، لان أسبابه كانت له مهيجة ودواعيه غالبة، محبة الخروج، وبغض المقام، ولعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في دعائه إلي الاسلام، واكبابه علي الصلوات الخمس في جوف الليل، وتدبيره امر الأمة لا ثواب له فيه، لأنه قد تكون نفسه غير معتدلة، بل يكون في طباعه الرياسة وحبها، والعبادة والالتذاذ بها، ولقد كنا نعجب من مذهب أبي عثمان ان المعارف ضرورة، وانها تقع طباعا وفي قوله بالتولد وحركة الحجر بالطبع، حتي رأينا من قوله ما هو أعجب منه، فزعم أنه ربما يكون جهاد علي (عليه السلام) وقتله المشركين لا ثواب له فيه، لأنه فعله طبعا، وهذا اطرف من قوله في المعرفة وفي التولد.
قال الجاحظ: ووجه آخر ان عليا لو كان كما يزعم شيعته ما كان له بقتل الأقران كبير فضيلة، ولا عظيم طاعة، لأنه قد روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال له:
" ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين "، فإذا كان قد وعده بالبقاء بعده فقد وثق بالسلامة من الاقران، وعلم أنه منصور عليهم وقاتلهم، فعلي هذا يكون جهاد طلحة والزبير أعظم طاعة منه (2).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): هذا راجع علي الجاحظ في النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لان الله تعالي قال له (والله يعصمك من الناس) (3)، فلم يكن له في جهاده كبير طاعة،
(١) انظر العثمانية، ٤٧٠، ٤٨.
(٢) انظر العثمانية: ٤٩ و 50.
(3) سورة المائدة، الآية 67.
(١٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: قتل قتال المشركين (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، الصّلاة (1)، الخمس (1)، سورة المائدة (1)
وكثير طاعة، وكثير من الناس يروي عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر "، فوجب ان يبطل جهادهما، وقد قال للزبير " ستقاتل عليا، وأنت ظالم له " فأشعره بذلك انه لا يموت في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال في الكتاب العزيز لطلحة: (وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا أزواجه من بعده) قالوا:
نزلت في طلحة، فأعلمه بذلك انه يبقي بعده، فوجب ألا يكون لهما كبير ثواب في الجهاد، والذي صح عندنا من الخبر هو قوله " ستقاتل بعدي الناكثين "، انه قاله لما وضعت الحرب أوزارها، ودخل الناس في دين الله أفواجا، ووضعت الجزية، ودانت العرب قاطبة.
قال الجاحظ: ثم قصد الناصرون لعلي (عليه السلام) والقائلون بتفضيله إلي الاقران الذين قتلهم فأظهروهم وغلوا فيهم، وليسوا هناك! فمنهم عمرو بن عبد ود تركتموه اشجع من عامر بن الطفيل وعتبة بن الحارث، وبسطام بن قيس وقد سمعنا بأحاديث حروب الفجار وما كان بين قريش ودوس وحلف الفضول فما سمعت لعمرو بن عبد ود ذكرا في ذلك (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): امر عمرو بن عبد ود أشهر وأكثر من أن يحتج له، فلتلمح كتب المغازي والسير، ولينظر ما رثته به شعراء قريش لما قتل، فمن ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في مغازيه، قال: وقال مسافع بن عبد مناف بن زهرة بن حذافة بن جمح يبكي عمرو بن عبد الله بن عبد ود حين قتله علي بن أبي طالب (عليه السلام) مبارزة لما جزع المذاد (2) أي قطع الخندق:
(١) انظر العثمانية، 49، 50.
(2) المذاد، بالذال المعجمة: موضع بالمدينة حيث حفر الخندق، وفي ط " المزار " تصحيف وجزع: أي قطع.
(١٤١)
صفحهمفاتيح البحث: حياة النبي (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، عمرو بن عبد الله (1)، محمد بن إسحاق (1)، القتل (3)، الموت (1)، الباطل، الإبطال (1)، الحرب (1)، الظلم (1)
عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس مليل (1) سمح الخلائق ما جد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل (2) ولقد علمتم حين ولوا عنكم * ان ابن عبد منهم لم يعجل (3) حتي تكنفه الكماة وكلهم * يبغي القتال له وليس بمؤتل (4) ولقد تكنفت الفوارس فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل (5) سأل النزال هناك فارس غالب * بجنوب سلع ليته لم ينزل فاذهب علي ما ظفرت بمثلها * فخرا ولو لاقيت مثل المعضل (6) نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقي حمام الموت لم يتحلحل (7) أعني الذي جزع المذاد ولم يكن * فشلا وليس لدي الحروب بزمل (8) وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي، يعتذر من فراره عن علي بن أبي طالب، وتركه عمرا يوم الخندق ويبكيه:
لعمرك ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل (9) ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن وقفت ولا نبلي وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزير إلي شبل (10)
(1) مليل، واد ببدر.
(2) المرة: القوة، والشكة: السلاح.
(3) ابن هشام، فيهم.
(4) تكنفه الكماة: أحاطوا به والتفوا حوله.
(5) سلع: جبل بالمدينة والنكس. الدنئ من الرجال، والأميل الذي لا رمح له.
(6) المعضل الامر الشديد.
(7) لم يتحلحل: لم يبرح مكانه.
(8) الزمل الضعيف الجبان.
(9) سيرة ابن هشام، ج 3، ص 301، 302.
(10) مقدما، أي لم أجد من يقدمني. وصدرت: رجعت، والضرغام: الأسد، الهزير: الشديد، والشبل: ابن الأسد.
(١٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (1)، القتل (3)
ثني عطفه عن قرنه حين لم يجد * مجالا (1) وكان الحزم والرأي من فعلي فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد مت محمود الثنا ماجد الفعل (2) ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد كنت في حرب العدا مرهف النصل فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللبذل يوما عند قرقرة البزل (3) هنالك لو كان ابن عمرو لزارها * وفرجها عنهم فتي غير ما وغل كفتك علي لن تري مثل موقف * وقفت علي شلو المقدم كالفحل (4) فما ظفرت كفاك يوما بمثلها * أمنت بها ما عشت من زلة النعل وقال هبيرة بن أبي وهب أيضا، يرثي عمرا ويبكيه:
لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب (5) وفارسها عمرو إذا ما يسوقه * علي، وان الموت لا شك طالب (6) عشية يدعوه علي وإنه * لفارسها إذ خام عنه الكتائب (7) فيا لهف نفس ان عمرا لكائن * بيثرب، لا زالت هناك المصائب لقد أحرز العليا علي بقتله * وللخير يوما لا محالة جالب وقال حسان بن ثابت الأنصاري يذكر عمرا:
(1) ابن هشام " لم يجد مكرا ".
(2) الثنا: الذكر الطيب، والماجد: الشريف.
(3) تقدع: تكف، والقرقرة: أصوات فحول الإبل. والبزل: جمع بازل، وهو في الأصل البعير الذي فطر نابه، وذلك زمان اكتمال قوته.
(4) ابن هشام " فعنك علي ".
(5) إذا ناب نائب: إذا عرض امر مكروه.
(6) ابن هشام: " لفارسها عمرو إذا ما يسومه ".
(7) خام " جبن ورجع هيبة وخوفا ".
(١٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: حسان بن ثابت (1)، الموت (1)، الحرب (1)، القتل (1)
أمسي الفتي عمرو بن عبد ناظرا * كيف العبور وليته لم ينظر (1) ولقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر (2) ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر أصبحت لا تدعي ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم امر منكر (3) وقال حسان أيضا:
لقد شقيت بنو جمح بن عمرو * ومخزوم وتيم ما نقيل وعمرو كالحسام فتي قريش * كأن جبينه سيف صقيل فتي من نسل عامر أريحي * تطاوله الأسنة والنصول دعاه الفارس المقدام لما * تكشفت المقانب والخيول أبو حسن فقنعه حساما * جرازا لا أفل ولا نكول فغادره مكبا مساحبا * علي عفراء، لا بعد القتيل فهذه الاشعار فيه بل بعض ما قيل فيه (4):
وأما الآثار والاخبار، فموجودة في كتب السير وأيام الفرسان ووقائعهم وليس أحد من أرباب هذا العلم يذكر عمرا إلا قال: كان فارس قريش وشجاعها، وانما قال له حسان:
ولقد لقيت غداة بدر عصبة لأنه شهد مع المشركين بدرا، وقتل قوما من المسلمين. ثم فر مع من فر،
(1) رواية البيت في ابن هشام:
أمسي الفتي عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأرة لم ينظر (2) مشهورة أي قد شهرها أصحابها. ولم تقصر: لم تكف وتحبس عن التجوال.
(3) قال ابن هشام: " وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان ".
(4) سيرة ابن هشام: ج 3 ص 298 - 304 (نشرة المكتبة التجارية).
(١٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)، الضرب (1)، القتل (1)، المدينة المنورة (1)
ولحق بمكة، وهو الذي كان قال وعاهد الله عند الكعبة ألا يدعوه أحد إلي واحدة من ثلاث إلا أجابه. وآثاره في أيام الفجار مشهورة تنطق بها كتب الأيام والوقائع، ولكنه لم يذكر مع الفرسان الثلاثة وهم: عتبة وبسطام وعامر، لأنهم كانوا أصحاب غارات ونهب، وأهل بادية، وقريش أهل مدينة وساكنو مدر وحجر، لا يرون الغارات، ولا ينهبون غيرهم من العرب: وهم مقتصرون علي المقام ببلدتهم وحماية حرمهم، فلذلك لم يشتهر اسمه كاشتهار هؤلاء.
ويقال له: إذا كان عمرو كما تذكر ليس هناك، فما باله لما جزع الخندق في ستة فرسان هو أحدهم، فصار مع أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي ارض واحدة وهم ثلاثة آلاف ودعاهم إلي البراز مرارا لم ينتدب أحد منهم للخروج اليه، ولا سمح منهم أحد بنفسه، حتي وبخهم وقرعهم، وناداهم: ألستم تزعمون انه من قتل منا فإلي النار، ومن قتل منكم فإلي الجنة! أفلا يشتاق أحدكم إلي أن يذهب إلي الجنة، أو يقدم عدوه إلي النار! فجبنوا كلهم ونكلوا وملكهم الرعب والوهل، فاما ان يكون هذا اشجع الناس كما قد قيل عنه، أو يكون المسلمون كلهم أجبن العرب وأذلهم وأفشلهم! وقد روي الناس كلهم الشعر الذي انشده لما نكل القوم بجمعهم عنه، وانه جال بفرسه واستدار وذهب يمنة، ثم ذهب يسرة، ثم وقف تجاه القوم فقال:
ولقد بححت من الندا * ء بجمعهم: هل من مبارز!
ووقفت إذ جبن المشيع * وقفة القرن المناجز وكذاك أني لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز ان الشجاعة في الفتي * والجود من خير الغرائز فما برز اليه علي أجابه، فقال له:
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز
(١٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الجود (1)، القتل (2)
دونية وبصيرة * يرجو الغداة نجاة فائز إني لأرجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز من ضربة تفني ويبقي * ذكرها عند الهزائز ولعمري لقد سبق الجاحظ بما قاله بعض جهال الأنصار، لما رجع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من بدر، وقال فتي من الأنصار شهد معه بدرا: إن قتلنا إلا عجائز صلعا!
فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) " لا تقل ذلك يا بن أخ أولئك الملأ! ".
قال الجاحظ: وقد أكثروا في الوليد بن عتبة بن ربيعة قتيله يوم بدر، وما علمنا الوليد حضر حربا قط قبلها، ولا ذكر فيها (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله): كل من دون اخبار قريش وآثار رجالها، وصف الوليد بالشجاعة والبسالة، وكان من شجاعته انه يصارع الفتيان فيصرعهم، وليس لأنه لم يشهد حربا قبلها ما يجب ان يكون بطلا شجاعا، فان عليا (عليه السلام) لم يشهد قبل بدر حربا، وقد رأي الناس آثاره فيها.
قال الجاحظ: وقد ثبت أبو بكر مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم أحد كما ثبت علي (عليه السلام)، فلا فخر لأحدهما علي صاحبه في ذلك اليوم (2).
قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله: اما ثباته يوم أحد، فأكثر المؤرخين وأرباب السير ينكرونه وجمهورهم يروي انه لم يبق مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا علي وطلحة والزبير وأبو دجانة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: ولهم خامس وهو عبد الله بن مسعود، ومنهم من أثبت سادسا، وهو المقداد بن عمرو، وروي يحيي بن سلمة بن كهيل قال: قلت لأبي: كم ثبت مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم أحد؟ فقال: اثنان، قلت: من هما، قال: علي وأبو دجانة.
(١) العثمانية: ٥٩.
(٢) العثمانية: ٦٢.
(١٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عبد الله بن عباس (1)، الشهادة (3)
وهب أن أبا بكر ثبت يوم أحد كما يدعيه الجاحظ، أيجوز له أن يقول ثبت:
كما ثبت علي فلا فخر لأحدهما علي الآخر، وهو يعلم آثار علي (عليه السلام) ذلك اليوم، وأنه قتل أصحاب الألوية من بني عبد الدار، منهم طلحة بن أبي طلحة، الذي رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في منامه انه مردف كبشا، فأوله وقال: كبش الكتيبة نقتله. فلما قتله علي (عليه السلام) مبارزة - وهو أول قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم - كبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقال " هذا كبش الكتيبة ".
وما كان منه من المحاماة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقد فر الناس وأسلموه، فتصمد له كتيبة من قريش، فيقول " يا علي! إكفني هذه " فيحمل عليها فيهزمها، ويقتل عميدها، حتي سمع المسلمون والمشركون صوتا من قبل السماء:
لا سيف إلا ذو الفقا * ر ولا فتي إلا علي وحتي قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن جبرائيل ما قال.
أتكون هذه آثاره وأفعاله، ثم يقول الجاحظ: لا فخر لأحدهما علي صاحبه!
(ربنا افتح بينا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (1).
قال الجاحظ: ولأبي بكر في ذلك اليوم مقام مشهور، خرج ابنه عبد الرحمن فارسا مكفرا (2)، يسأل المبارزة، ويقول أنا عبد الرحمن بن عتيق! فنهض اليه أبو بكر يسعي بسيفه، فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) " شم سيفك وارجع إلي مكانك ومتعنا بنفسك " (3).
(١) سورة الأعراف، الآية ٨٩.
(٢) أي: مستترا.
(٣) العثمانية، 62.
(١٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، القتل (2)، سورة الأعراف (1)
قال شيخنا أبو أبو جعفر (رحمه الله): ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لابي بكر، فإنه لو تسمعه الامامية لأضافته إلي ما عندها من المثالب، لأن قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) " ارجع "، دليل علي أنه لا يحتمل مبارزة أحد، لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه، وأنت تعلم حنو الابن علي الأب وتبجيله له، واشفاقه عليه وكفه عنه، لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي.
وقوله له: " ومتعنا بنفسك "، إيذان له بأنه كان يقتل لو خرج، ورسول الله كان أعرف به من الجاحظ، فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلي الحرب، ومشي إلي السيف بالسيف فقتل السادة والقادة والفرسان والرجالة!
قال الجاحظ: علي أن أبا بكر، - وإن لم تكن آثاره في الحرب كآثار غيره - فقد بذل الجهد، وفعل ما يستطيع وتبلغه قوته وإذا بذل المجهود فلا حال أشرف من حاله (1).
قال شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)، اما قوله انه بذل الجهد، فقد صدق، وأما قوله: " لا حال أشرف من حاله "، فخطأ، لان حال من بلغت قوته فأعملها في قتل المشركين أشرف من حال من نقصت قوته عن بلوغ الغاية، ألا تري ان حال الرجل أشرف في الجهاد من حال المرأة، وحال البالغ الأيد (2) أشرف من حال الصبي الضعيف!
فهذه جملة ما ذكره الشيخ أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي (رحمه الله) في نقض العثمانية اقتصرنا عليها هاهنا، وسنعود فيما بعد إلي ذكر جملة أخري من كلامه، إذا اقتضت الحال ذكره (3).
(١) العثمانية، ٦٢.
(٢) الأيد: القوي، من قولهم: أيد أيدا: أي قوي واشتد (المعجم الوسيط، مادة آد).
(٣) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني ١ / ٦٧ - ٦٨ ط: ١، مطبعة السعادة بمصر عام ١٩٣٢ م، ١٣٥١ ه.
قام الأستاذ عبد السلام هارون بطبع كتاب العثمانية طبعة علمية محققة، وألحق بها من نقضها للإسكافي، وطبعت في دار الكتاب العربي سنة 1955 م.
(١٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: قتل قتال المشركين (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، محمد بن عبد الله (1)، القتل (2)، التصديق (1)، الحرب (2)، الصّلاة (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)

أبو بكر من الناحية الدينية

أبو بكر من الناحية الدينية
صفحه(١٤٩)
تحدثنا عن أبي بكر من الناحية السياسية، والآن نبحث عنه من الناحية الدينية وتعمق أيمانه واخلاصه لله ولرسوله وإطاعة أوامرهما، ولا بد للتوصل إلي هذه الحقيقة من البحث في عدة أمور:
1 - سابقته في الاسلام وقبلها في الجاهلية.
2 - ايمانه وتقواه.
3 - علمه.
4 - قدرة اجتهاده.
5 - منطقه وفصاحته.
6 - سلوكه الاجتماعي.
7 - شجاعته وبلاؤه في الحروب.
8 - درجة ثقة الرسول به.
9 - ما نزلت فيه من الآيات ومقدار ما أشاد به رسول الله.
10 - اتباعه سنن الله ورسوله في حياته وبعد مماته، وأعماله الدالة علي نواياه الحقيقية.
(١٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: الجهل (1)

سابقته في الجاهلية والاسلام

سابقته في الجاهلية والإسلام
(١٥١)
صفحهمفاتيح البحث: الجهل (1)
مات أبو بكر شيخا ولم تمتد مدة خلافته سوي سنتين فقد كان شيخا في زمن رسول الله، وقد مات رسول الله عن عمر يناهز الثالثة والستين، وقد قام رسول الله بالدعوة للإسلام وبدأ نزول الوحي عليه وهو في سن الأربعين، وأول من آمن به من النساء زوجته المخلصة خديجة بنت خويلد وربيبه علي بن أبي طالب الساكن معه في داره وهو في سن الثالثة عشرة وهذا يدل علي أنه كان كامل العقل والذكاء والاخلاص لرسول الله يوم نزلت الآية (وانذر عشيرتك الأقربين)، فاضطر رسول الله انصياعا وطاعة لأمر الله أن يجمع عشيرته بدعوته إياهم لوليمة غداء وقد حضر منهم حوالي أربعين شخصا، وتلا عليهم الآية، بعد تناولهم الغذاء وقال: " ما أظن شابا من العرب أتي قومه بأفضل ما جئتكم به وهو الدين الحنيف، وشهادة أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، فمن منكم يؤازرني علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي؟ " وكررها ثلاثا والقوم صامتون، وفي كل مرة يقوم بها علي ويقول: " أنا يا رسول الله "، فيقعده، وفي الثالثة قال: " إن هذا علي أخي ووصيي وخليفتي عليكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا ". فضحك بعض القوم وقالوا لأبي طالب: عليك أن تطيع ابنك بعد هذا؟ ويظهر من هذا عدة أشياء: أن القرآن وأوامره انما نزلت أولا بإنذار عشيرته وان عليا سبق الرجال والصبيان أو بعبارة أخري أسبق الذكور تلبية لدعوة الاسلام وهو لم يبلغ الحلم مضافا إلي ذلك أن (عليا) (عليه السلام) آنذاك رغم كونه لم يبلغ الحلم فرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يثق بعقله
(١٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، حديث الدار (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، القرآن الكريم (1)، الزوجة (1)، الموت (2)
وذكائه ومنطقه حينما قبل منه قوله ونصبه أخاه ووصيه وخليفته، وان هذا كان قبل أن يؤمن أحد من عشيرته وهم الذين أنذرهم قبل كل فرد.
وتمر سبع سنوات علي إيمان علي، وبعد ايمان ما يقارب نحوا من خمسين صحابيا، يؤمن أبو بكر (1) وهو آنذاك يقل عن رسول الله سنتين وعمره 45 سنة، وقبلها كان كباقي قريش يعبد الأوثان، وهنا نعرف ان أبا بكر سابقته في الجاهلية وتأصله في الشرك كان أطول منهما في الاسلام، ولكن بعدها قبل دين الاسلام واحكم هذه الصلة بالاسلام ورسول الله بتزويجه عائشة من رسول الله بعد وفاة زوجته الحنون المخلصة خديجة الكبري، وصلة الزواج لها اثر عميق في الصلة، والنساء كما قيل يقربن البعيد ويبعدن القريب، وهكذا كانت عائشة بدخولها لبيت رسول الله قربت أباها أكثر فأكثر حتي زاد رهق قريش للمسلمين فاضطر رسول الله بعد هجرة أغلبية أصحابه الذين آمنوا، إلي أن يهاجر هو نفسه وقد بلغ حنق قريش أقصاه، وأجمعوا علي قتله، فصمم نفسه علي الهجرة وقد هاجر أصحابه المخلصون من المسلمين للمدينة ودعوه إليهم، وكان آنذاك أبو بكر في مكة وإذا علمت قريش فسوف تحول دون سفره بعد أن صمموا علي قتله فلا بد له من السفر ولا بد له من اغفالهم وان يترك شخصا ينام محله ويلتحف بغطائه خلال المدة التي يكون قد خرج من مكة إلي محل آمن ولا شك ان الذي يقوم بهذه التضحية بالنوم مكان رسول الله قد عرض نفسه للقتل، إذ أن قريشا بعد تصميمهم علي قتله ربما جردوا سيوفهم وهووا بها عليه وهو مغطي دون التحقق من انه هو أم لا وحتي لو عرفوه فسوف يقتلونه لما أداه من الاخلاص لألد أعدائهم، ومن هذا الذي يقي رسول الله بنفسه، ويعرض نفسه للإهانة والنكاية إلا من عم الايمان كل جذور قلبه وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) والذي قدم نفسه قربانا لابن عمه بل أخيه وأبي زوجته،
(1) تري تفصيله في الموسوعة هذه.
(١٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، الزوجة (1)، القتل (4)، الزوج، الزواج (1)
والذي نصبه أخا ووصيا وخليفة له من قبل وهكذا نام في محله وعند الصباح لاقي ما لاقي من الإهانة والضرب من قريش، ولكنه لم يقتل، ونزلت فيه الآية الكريمة، بينما نري رسول الله يصادف أبا بكر في الطريق فيستصحبه معه (1).
وفيما يخص سابقة أبي بكر ما رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد قال: بعث إلي يحيي بن أكثم وإلي عدة من أصحابي هو يومئذ قاضي القضاة فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسموا من تظنونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين فسمينا له عدة، وذكر هو عدة حتي تم العدد الذي أراد وكتب تسمية القوم وأمر بالبكور في السحر وبعث إلي من لم يحضر فأمره بذلك فغدونا عليه قبل طلوع الفجر إلي أن قال: قال اسحق يا أمير المؤمنين!
ان فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي، وقد دعا للمناظرة. فقال: يا إسحاق! إختر، إن شئت سألتك لسألتك، وإن شئت أن تسأل فقل، فقال اسحق:
فاغتنمتها منه فقلت: بل أسألك يا أمير المؤمنين، قال: سل، قلت: من أين؟ قال أمير المؤمنين: إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله، وأحقهم بالخلافة بعده؟ قال: يا اسحق خبرني عن الناس: بم يتفاضلون حتي يقال فلان أفضل من فلان؟ قلت: بالاعمال الصالحة قال: صدقت، قال: فأخبرني عمن فضل صاحبه علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثم إن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل علي عهد رسول الله، أيلحق به؟ قال: فأطرقت فقال لي: يا اسحق، لا تقل نعم، فإن قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهادا وحجا وصياما وصلاة وصدقة. فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، لا يلحق المفضول علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الفاضل أبدا. إلي أن قال: قال، يا اسحق! فانظر ما رواه لك
(1) سأذكر ذلك في مناظرات المأمون مع أئمة السنة.
(١٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبراهيم بن إسماعيل (1)، علي بن أبي طالب (1)، يحيي بن أكثم (1)، حماد بن زيد (1)، القتل (1)، النوم (1)، الوفاة (1)
أصحابك ومن اخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك من فضائل علي بن أبي طالب، فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فان رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل علي، فقل إنه أفضل منه، لا والله ولكن فقس إلي فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل انهما أفضل منه. لا والله ولكن قس إلي فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإن وجدتها مثل فضائل علي فقل انهم أفضل منه، لا والله ولكن قس فضائله بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة فان وجدتها تشاكل فضائله، فقل إنهم أفضل منه.
ثم قال: يا إسحاق! أي الاعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت:
الاخلاص بالشهادة. قال: أليس السبق إلي الاسلام؟ قلت: نعم. قال: إقرأ ذلك في كتاب الله تعالي يقول: (والسابقون السابقون أولئك المقربون) انما عني من سبق إلي الاسلام، فهل علمت أحدا سبق عليا إلي الاسلام؟ قلت: يا أمير المؤمنين! ان عليا أسلم وهو حدث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم. قال: أخبرني أيهما أسلم قبل، ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال؟ قلت: علي أسلم قبل أبي بكر علي هذه الشريطة. فقال: نعم، أخبرني عن اسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دعاه إلي الاسلام أو يكون الهاما من الله تعالي؟ قال: فأطرقت. فقال لي: يا إسحاق! لا تقل إلهاما فتقدمه علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لان رسول الله لم يعرف الاسلام حتي اتاه جبرئيل من الله تعالي، قلت: أجل. بل دعاه رسول الله للإسلام، قال: يا إسحاق! فهل يخلو رسول الله حين دعاه إلي الاسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت. فقال: يا اسحق! لا تنسب رسول الله إلي التكلف، فان الله تعالي يقول: (وما أنا من المتكلفين) قلت: أجل يا أمير المؤمنين بل دعاه بأمر الله
(١٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، علي بن أبي طالب (1)، الشهادة (2)، الجواز (1)
تعالي، قال: هل من صفة الجبار جل ثناؤه ان يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت: أعوذ بالله! فقال: افتراه في قياس قولك يا إسحاق: " ان عليا (عليه السلام) أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم " قد كلف رسول الله من دعاء الصبيان ما لا يطيقون فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شئ ولا يجوز عليهم حكم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ أتري هذا جائز عندك ان تنسبه إلي الله عز وجل؟ قلت: أعوذ بالله. قال: يا إسحاق! فأراك انما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا علي هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ولو كان الله تبارك وتعالي امره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟ قلت: بلي. قال: فهل بلغك ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته - لئلا تقول ان عليا ابن عمه -؟ قلت: لا أدري، فعل أم لم يفعل. قال: يا اسحق! أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟ قلت: لا. قال: فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك، قال: ثم أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلي الاسلام؟ قلت: الجهاد في سبيل الله (وسيأتي ذكر الباقي في الموارد الاخر منها في موضوع الجهاد). والإسلام وان جب ما قبله من الاعمال والرذائل وما لحقت بصاحبه من الموبقات بيد ان غرائز الشخص وطرز أعماله وهوايته وعاداته وما جبل عليه غريزيا واكتسبه بالتربية والمحيط ونشأ عليه لا تكاد تلازمه، علي الأخص إذا بلغ الأربعين وتمكنت منه كما قال الشاعر:
ان الغصون إذا قويتها اعتدلت * ولا تلين إذا كانت من الخشب فهناك بون شاسع بين طفل نشأ في أحضان الفضيلة والايمان الأصيل مثل علي (عليه السلام) ربيب رسول الله والذي انتخبه دون البرية من الأقرباء والمهاجرين والأنصار وصيا وخليفة وأخا وصهرا وأبا لولده ونزهه القرآن من الأرجاس، وأبي بكر الذي قضي ثلاثة أرباع عمره في أحضان الشرك، وسايرهم بالأخلاق
(١٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، سبيل الله (1)، القرآن الكريم (1)، الجواز (2)
والصفات والاعمال. راجع كشف الغمة ج 2 ص 154 للامام الشعراني عن عكرمة، كان أبو بكر يقامر أبي بن خلف وغيره من المشركين وذلك قبل أن يحرم القمار.
وروي الإمام أبو بكر الجصاص الرازي الحنفي المتوفي في 370 في احكام القرآن ص 388 الأخلاق بين اهل العلم في تحريم القمار وإن المخاطرة من القمار.
قال ابن عباس: ان المخاطرة قمار، وان اهل الجاهلية كان يخاطرون علي المال والزوجة وقد كان ذلك مباحا إلي أن ورد تحريمه، وقد خاطر أبو بكر الصديق المشركين حين نزلت (آلم غلبت الروم) كما ذكر ذلك عن أبي بكر الإسكافي في الرد علي رسالة العثمانية للجاحظ ص 34 وشرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 234 من الاجتماع عند أبي بكر لشرب الخمر.
وأيد ذلك وأخرجه الفاكهي في كتاب أخبار مكة بإسناده عن أبي القموص قال: شرب أبو بكر الخمر [في الجاهلية] (1) وأنشد الأبيات:
تحيي أم بكر بالسلام * وهل لي بعد قومك من سلام؟
فبلغ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقام يجر إزاره حتي دخل فتلقاه عمر وكان مع أبي بكر فلما نظر إلي وجهه محمرا قال: نعوذ بالله من غضب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). والله لا يلج لنا رأسا أبدا فكان أول من حرمها علي نفسه.
وفي زمن اسلامه رثي قتلي المشركين في بدر، وقد مر ذلك مفصلا والمجلس الذي اجتمعوا به حتي في زمن اسلامه هو وعمر وأبو عبيدة حتي بلغوا أكثر من عشرة وكان ساقيهم انس بن مالك، وقد غضب رسول الله لذلك حتي قال
(1) قال الأميني رحمه الله تعالي في كتابه " الغدير " 7 / 95: هذه الكلمة دخيلة في الرواية، وذيل الرواية يكذبها أيضا.
(١٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: قتل قتال المشركين (1)، شرب الخمر (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، القمار (اللعب بالقمار) (4)، أنس بن مالك (1)، القرآن الكريم (1)، الزوج، الزواج (1)، الجهل (2)، الوفاة (1)
عمر وهو معهم وقد نظر لوجه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) محمرا فقال: نعوذ بالله من غضب رسول الله. (1)
(١) ذكر ذلك الترمذي في نوادر الأصول ص ٦٦ وأضاف مما تنكره القلوب وذكره ابن حجر في الإصابة، والطبراني ج ٢ ص ٢٠٣ في طبعة ٢١١ عن ابن بشار مسلسلا إلي أبي الغموض، كما اخرج ذلك البزار عن انس بن مالك أنه قال كنت ساقي القوم. أخرج ذلك ابن حجر في فتح الباري ج ١ ص ٣٠ وعمدة القارئ للعيني ج ٢٠ ص ٨٤ كما جاء في تهذيب التهذيب، وجاء في عمدة القارئ ج ١٠ ص ٨٤ وفتح الباري ج ١٠ ص ٣٠ ان المشاركين كانوا أحد عشر رجلا في نادي الخمر في عام الفتح وهي سنة ثمان للهجرة في دار أبي طلحة زيد بن سهل وكانت السقاية لأنس بن مالك في صحيح البخاري في تفسير آية الخمر ومثله صحيح مسلم في التفسير كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ٣٢١ والامام احمد في مسنده ج ٣ ص ١٨١ و ٢٢٧ والطبري في تفسيره ج ٧ ص ٢٤ والبيهقي في السنن الكبري ج ٨ ص ٢٨٦ و ٢٩٠، وابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ٩٣ و ٩٤ وفي فتح الباري ذكر رجال الندوة بأسمائهم فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وأخرجه ابن أبي الحديد في تفسيره ج ٧ ص ٢٤ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٥٢ والعيني في عمدة القارئ ج ٨ ص ٥٨٩ والسيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ٣٢١ والنووي في شرح مسلم هامش ارشاد القسطلاني ج ٢ ص ٢٣٢ والآلوسي ج ٢ ص ١٢٥ وإذا رأينا التفاسير حول تحريم الخمرة نجدها نزلت أوائل الهجرة بينما كانت الندوة وما مر في العام الثامن للهجرة. راجع تفسير القرطبي ١: ١٣٢ وتفسير ابن كثير ص 35 وتفسير الخازن ج 1 والقرطبي أيضا ج 3 ص 60 والرازي في تفسيره ج 2 ص 329 وأخرج: حرمت بعد أحد في 3 هجرية.
(١٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب فتح الباري (3)، الطبراني (1)، أنس بن مالك (2)، عام الفتح (1)

ايمانه ودينه

ايمانه ودينه
صفحه(١٥٩)
اما رسول الله فقد خرج من مكة يصحبه أبو بكر حتي إذا بلغوا الغار واختفوا فيه، وعقبت اثرهم قريش حتي وصلوا باب الغار فخاف أبو بكر وحزن حزنا شديدا فنزلت الآية لذلك (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه) إلي آخرها. فما بال أبي بكر يحزن وهو خائف ويدري انه مع رسول الله، فإن كان مؤمنا بالله ورسوله فهل هناك شهادة أعظم من هذه وكما ذكرنا آنفا ان المؤمن هو الذي يقدم نفسه وماله في سبيل الله مسرورا أملا بما عند الله له من ثواب الدنيا والآخرة فعلام هذا الحزن الشديد الذي يتراءي لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي يقول له: لا تحزن ان الله معنا؟ وكيف بمن يقدم نفسه للقتل في ساحات القتال، بل كيف عرض نفسه لذلك الخطر العظيم علنا ونام محل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دون خوف بل بكل رحابة صدر واخلاص حتي نزلت في مدحه الآية الشريفة (راجع ما جاء في العقد الفريد لتفسير الآية عن المأمون) (1). وفي المدينة انما برز أبو بكر بالنسبة لبعض الصحابة انما كان لزواج ابنته لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولطالما كادت هذه الصلة ان تنهدم، بسبب عائشة نفسها وأعمالها في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وتألب زوجاته عليه، وان لقارئ القرآن ان يدرك ذلك، ولكم حاولت عائشة ان تقدم أباها وتظهره بمظهر يفوق غيره من بعض النواحي ليأتم به المسلمون في صلاتهم مثلا في مرض رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وغيبته، ولكن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حضر ونحاه ولقد حضر أبو بكر
(1) الآية 207 من سورة البقرة (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد).
(١٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، مدينة مكة المكرمة (1)، سبيل الله (1)، القرآن الكريم (1)، الحزن (2)، الخوف (1)، الشهادة (1)، القتل (2)، البول (1)، سورة البقرة (1)
بيت عائشة ورأي تطاولها علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديثه عدة مرات ومنها حينما كان يتحدث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عنها فأجابته (أقسط) أي انك معتد وغير عادل حتي اضطر أبو بكر لصفعها وهو مظهر ديني وسياسي أخمد به فتنة ربما أدت إلي ما لا تحمد عقباه. ولطالما تطاولت عائشة بحديثها علي رسول الله حتي قالت مرة انه متي أراد الزواج بامرأة انزل آية وقال: أمره الله بها وهذا من دلائل الكفر بالله ورسوله، وهل من يشهد برسالته ينكر عليه هذا الانكار ويصمه بالخداع والكذب والتحايل علي الله. وكان أبو بكر دائما يظهر امام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بذكائه وفطنته، بمظهر الصديق فيصلح هذه المفاسد الحاصلة من ابنته، وفي الوقت نفسه سيطر علي أكبر زاوية يثبت بها مقاصده، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يشعر بذلك ويشعر بحبه للتقرب وظهوره امام غيره، وكان أحيانا يعطيه ذلك المجال كما في واقعة خيبر. إلا أنه يعود مندحرا! وكما أرسله مع سورة البراءة لالقائها علي قريش واستعادها منه، اما بامر الله أو علما بأنه ربما أساء الاستفادة أو هناك امر آخر يعلمه الله ورسوله، واسترجع منه ذلك وأعطاها لعلي (عليه السلام) فأبرز ان منزلة علي فوق كل ذلك، وكما نقل عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) ان ذلك أمر الله ولا يقتضي إلا لوصيه القيام به.
ومما يذكر ان ابا بكر، كما جاء في كامل المبرد راويا عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) انه نظر إلي رجل ساجدا فقال: ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعه وانتضي السيف واتجه نحوه ثم عاد للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: أأقتل رجلا يقول لا إله إلا الله! فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): ألا رجل يفعل؟ فقال عمر مثل ذلك فلما كان في الثالثة قصد له علي بن أبي طالب فلم يره فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): كانت أول فتنة وآخرها. وقيل إن الرجل هو ذو الخويصرة التميمي رئيس الخوارج. وقد أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بقتله لعلمه عن الله به وأنه أي ذا الخويصرة، قال له (صلي الله عليه وآله وسلم): لما قسم غنائم خيبر ما عدلت، فغضب (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال ويحك! فمن يعدل ان انا لم أعدل؟ (راجع الفيروزآبادي
(١٦١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (9)، سورة البراءة (1)، خيبر (2)، الخوارج (1)، الصدق (1)، القتل (2)، الزوج، الزواج (1)، الشهادة (1)
صاحب قاموس اللغة في كتابه سفر السعادة).
ان شبهة أبي بكر وامتناعه عن قتل الرجل أول شبهة وقعت في الاسلام ثم ثني بامتناع عمر عن امر رسول الله ثم ثلث بتخلف أبي بكر وعمر عن جيش أسامة ثم ربع بإنكار عمر موت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). والحق للفيروزآبادي في ذلك فقد رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صلاة الرجل ومع هذا امر بقتله. وهل يأمر رسول الله بقتل أحد جزافا؟ وكيف لرجل صحابي يدعي الاسلام والإيمان بالله ورسوله ويدري أنه لا ينطق عن الهوي ان هو إلا وحي يوحي ويشك بدعوة وأمر رسول الله ويغلب عليه الشك لدرجة انه يمتنع عن أمره ويترك الرجل، ويعمل نفس الشئ عمر صاحبه، فكيف صدقا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وآمنا به وبعده يخالفانه في مثل هذه الصراحة، وهل كان أكثر عطفا ورأفة علي البشرية من رسول الله؟ وكيف بعد هذا فرقا بين الحق والباطل.
(١٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، القتل (2)، الصّلاة (1)، الباطل، الإبطال (1)

علمه

علمه
صفحه(١٦٣)
أخرج أبو عبيد في الأموال ص 131 وتاريخ الطبري ج 3 ص 430 ط. دار التراث بيروت والإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 ص 18 ومروج الذهب للمسعودي 2 ص 301 ط. منشورات دار الهجرة في قم - إيران. والعقد الفريد لابن عبد ربه 2 ص 254 وأسانيدهم صحيحة أربعة منهم من رجال الصحاح وروي المبرد عن ابن عوف يوم دخل علي أبي بكر في مرض موته في حديث مسهب منه أنه قال أبو بكر: إني لا آسي إلا علي ثلاث فعلتهن ووددت إن لم أفعلها، وثلاث لم أفعلها ووددت أني فعلتها وثلاث وددت أني سألت عنها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). فوددت لو أني لم اكشف عن بيت فاطمة وتركته ولو أعلن علي حرب، وودت أني إذ أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وقتلته بالحديد أو أطلقته إلي أن قال:، واما الثلاث التي وددت أني كنت سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عنهن، فوددت سألته فيمن هذا فكنا لا نتنازعه أهله، وودت سألته عن ميراث العمة وابنة الأخت فان في نفسي منهما حاجة. ورواه صاحب الخصال عن طريق أهل السنة والجماعة وعن رجالهم وودت اني سألته في ميراث الأخ والعمة، ورواه ابن قتيبة وذكر بنت الأخ والعمة، وقال في الخصال ان الأنصار قالت للصديقة فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد محاججتها معهم لو سمعنا كلامك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي (عليه السلام) فقالت:
وهل ترك يوم الغدير لأحد عذرا!!. وهل غفل أبو بكر عن فضائل علي (عليه السلام).
(١٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، دولة ايران (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، مدينة بيروت (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الموت (1)، الحرب (1)، المرض (1)، الوراثة، التراث، الإرث (2)
فلم يعرف عن أبي بكر وعمر قدرة علمية لرد الأجوبة عن الأسئلة الموجهة إليهما من فقه وأصول وتفسير ومواجهة الخارجين من علماء اليهود والنصاري وغيرهم، وكلما حصلت لهم مشكلة أمثال تلك، وجهوها إلي علي (عليه السلام) لحلها لهم خصوصا مع الخارجين من دين الاسلام، ولا ينسي ما لعلي من الفصاحة والبلاغة كما تجد ذلك في كلامه في نهج البلاغة وعهد مالك وآرائه التي كان يدليها لأبي بكر وعمر وعثمان عندما يعيهم الامر ناصحا محتسبا. وقد مر ذكر ذلك عند الحديث عن علي (عليه السلام) ثم أخص منها كلمته التي طالما كررها: " سلوني قبل أن تفقدوني " ولا تذكر له ولا مرة انه تحرج في سؤال سائل، أما أبو بكر فرغم جهله بآيات القرآن وتعاليمها فإنه كان يجهل ابسط اللغات الموجودة في القرآن. فالآية من سورة عبس (فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا عليها وفاكهة وأبا) فهو عندما سئل عن معني الأب.
رغم ان القرينة وحدها تعطيه المعني حينما يتلوه: متاعا لكم ولأنعامكم بان الفاكهة لكم، والأب لأنعامكم، ولأنه اعتذر كما اخرج ذلك أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي عندما سئل عن معني كلمة أب، قال: أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم. ونقل نفس المعني القرطبي (1).
راجع تفسير القرطبي ا ص 29 وابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30 والزمخشري في الكشاف 3 ص 53 وابن كثير في تفسيره 1 ص 5 واعلام الموقعين لابن القيم ص 29 وتفسير الخازن 4 ص 374 وتفسير النسفي هامش الرازي ج 8 ص 385. والسيوطي في الدر المنثور 6 ص 317، وفتح الباري لابن حجر 13 ص 230 وتفسير ابن جزري الكلبي 4 ص 180، كما جهل الخليفة
(1) في هذا الجزء نفسه.
(١٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، كتاب فتح الباري (1)، الزمخشري (1)، ابن تيمية (1)، سورة عبس (1)، القرآن الكريم (2)، الجهل (2)
الإجابة عن معني الكلالة الآتية في آخر سورة النساء (1). يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نص ما ترك. راجع بذلك الدارمي في سننه 2 ص 365 وتفسير الطبري 6 ص 30 وسنن البيهقي الكبري 6 ص 223 ويظهر أن أبا بكر كان خوفه من الله ان يجتهد علي خلاف معناها. وكم افتي واجتهد باسم الردة (2).
وقد أخرج السيوطي في الاتقان ج 2 ص 328 ان الذي اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة أقلهم أبو بكر وأكثرهم علي من الخلفاء. وروي عن معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألون عن شئ إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا اعلم أبليل نزلت أم بنهار، أفي سهل أم في جبل. واخرج أبو نعيم في حليته عن ابن مسعود قال: إن القرآن أنزل علي سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن عليا بن أبي طالب عنده الظاهر والباطن (3)، كما اخرج عن طريق أبي بكر بن عياش عن نصير عن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي، قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت، وأين أنزلت. إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا.
والسيوطي يري أبا بكر من المفسرين، ولكنه لم يتجاوز تفسيره عن العشرة وإني اترك النظر في ذلك للقارئ الكريم، وأين هذا الذي يعجز عن جواب كلمات اللغات دون التفاسير عن ذلك الذي يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كل شئ، وأين منه صاحبه عمر الذي كان أعجز منه، وكم قال الأول أقيلوني فلست
(١) سورة النساء، الآية ١٧٦.
(٢) راجع بذلك كلامنا في مالك بن نويرة وخالد بن الوليد والفجاءة وغصب فدك ومنع الخمس وايذاء علي وفاطمة وعترة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمثالها أكل ذلك أقل من تفسير كلمة أب أو الكلالة؟
(3) حلية الأولياء 1 / 65.
(١٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: الحافظ أبو نعيم (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب تفسير الطبري (1)، وهب بن عبد الله (1)، سورة النساء (2)، القرآن الكريم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الهلاك (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، خالد بن الوليد (1)، الأكل (1)
بخيركم! وكم قال الثاني وكرر قوله: لولا علي لهلك عمر أو ما في معناها! كما جهل أبو بكر ميراث الجدة واستعان بالمغيرة بن شعبة أزني ثقيف وأكذب الأمة، وحوله صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الأخيار، ودونه أهل بيته ووارث علم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وباب مدينة علمه علي بن أبي طالب (1) وكذلك جهله في توريث الجدتين من الأم والأب، واخذه برأي أحد الأنصار (2). واعتبر أبو بكر الجد حاجبا للاخوة كالأب، وهو خلاف السنة (3).
وجاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 75 انه روي اللالكائي في السنة عن عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلي أبي بكر فقال: أرأيت الزني بقدر؟ قال: نعم.
قال: فان الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال: نعم يا ابن اللخناء! أما والله لو كان عندي انسان أمرت ان يجأ أنفك.
وهذا يدلك علي عجزه عن اقناع السائل منطقيا وشرعيا وفي القرآن نفسه ان عقيدته تلك بالقدر انما هي فاسخة. فإذا أحب المرء ذلك فإنه قد أباح لنفسه كافة الموبقات والتعديات وخالف الأوامر والنواهي بأن ذلك هو قدر. وخالف بذلك آيات القرآن الكريم بقوله: وهديناه النجدين. وانا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا.
فالله سبحانه أودع في الانسان عقلا مميزا للخير والشر وأمره باتباع الخير
(١) راجع بذلك موطأ مالك ج ١ ص ٣٣٥، وسنن الدارمي ص ٣٥٩ وسنن أبي داود ٢ ص ١٧، وسنن أبن ماجة ٣ ص ١٦٣، ومسند أحمد ٤ ص ٢٢٤ وسنن البيهقي ٦ ص ٢٣٤ وبداية المجتهد ٢ ص ٣٤٤ ومصابيح السنة ٢ ص ٢٢.
(٢) راجع بذلك موطأ مالك ١ ص ٣٣٥ وسنن البيهقي ١ ص ٢٣٥ وبداية المجتهد ٢ ص ٣٤٤ والاستيعاب ٢ ص ٤٠٠ والإصابة ٢ ص ٤٠٢ وكنز العمال ٦ ص ٦.
(٣) راجع صحيح البخاري / باب ميراث الجد، وسنن الدارمي ٢ ص ٣٥٢، واحكام القرآن للجصاص 1 ص 94، وسنن البيهقي 6 ص 246 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 65.
(١٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، القرآن الكريم (3)، علي بن أبي طالب (1)، المغيرة بن شعبة (1)، عبد الله بن عمر (1)، الجهل (1)، الزنا (1)، الوراثة، التراث، الإرث (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب صحيح البخاري (1)
وترك الشر، وجعل له في ذلك الاختيار والآراء، وجعل له جزاء لأعمال الخير والشر حيث قال له: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). فكان علي الخليفة ان يفهم هذا السائل دون نهره. ولو عدنا إلي أقوال علي (عليه السلام) تجاه سائليه: وكيف كان يقنعهم منطقيا، لعلمت ان الخليفة انما هو ولي الأمة الأكبر وهاديهم إلي الصواب، وان القوة والعنف إلي مؤدبه تجبره إلي الانحراف حسب قول الشاعر:
دع عنك لومي فان اللوم اغراء * وداوني بالتي كانت هي الداء ولا ننسي آراء وافعل أبي بكر في مخالفيه من المسلمين باسم الردة، مثل مالك بن نويرة وقومه، وسوف نفصلها بما يلزم، وأوامره في بني سليم، كما جاء في الرياض النضرة 1 ص 100، وسنن أبي داود 2 ص 219، ومصابيح السنة 2 ص 59 ومشكاة المصابيح ص 300.
ومنها إحراق الخليفة الفجاءة الذي قدم عليه كما جاء في تاريخ الطبري 3 ص 234 وتاريخ ابن كثير 6 ص 319 وكامل ابن الأثير 2 ص 146، وقد تاب الفجاءة وأحرقه بعدها.
وقال ابن قتيبة: قالوا لفاطمة: لو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، وقال علي: أفكنت ادع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في بيته لم أدفنه واخرج وأنازع الناس سلطانه؟! ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
والواقع الغريب أن الآيات الروايات والتي تبدأ من يوم الدار حتي يوم غدير خم حتي طلبه (صلي الله عليه وآله وسلم) قلما وقرطاسا في زمن مرضه كل ذلك يتجاهله أبو بكر!
فكيف يتمني لو سأل رسول الله: من بعده لهذا الامر؟ وقد أراد التصريح به فمنعه
(١٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، المرض (1)
عمر. وقد ذكر ابن أبي الحديد عن ابن عباس قال: خرجت مع عمر إلي الشام في احدي خرجاته، فانفرد يوما يسير علي بعيره فاتبعته فقال لي: يا ابن عباس!
أشكو إليك ابن عمك، سألته ان يخرج فلم يفعل ولا أزال أجده واجدا ففيم تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة.
قلت: هو ذاك انه يزعم أن رسول الله أراد الأمر له. فقال: يا ابن عباس! وأراد رسول الله الامر له، فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالي ذلك، إلي أن قال وقد روي معني الخبر بغير هذا اللفظ وهو قوله: ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أراد أن يذكره للأمر في مرضه فصددته عنه خوفا من الفتنة وانتشار امر الاسلام فعلم رسول الله ما في نفسي.
وأمسك، وأبي الله إلا امضاء ما حتم. فانظر إلي هذه المغالطة من عمر فرسول الله لا يداهن ولم ينطق إلا بإرادة الله وأمره، فقد اعترف بالواقع وغالط، فأبو بكر يعرف وصي رسول الله، وإنما أراد مثل صاحبه المغالطة. واما إحراقه للفجاءة، وندمه علي ذلك فقد جاء بكامل الجزري أنه اياس بن عبد يا ليل السلمي جاء ابا بكر فقال: أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة، فأعطاه سلاحا وأمره فخان المسلمين، فبعث أبو بكر طريفة بن حاجز فأسره ثم بعث به إليه فأمر أن يوقد له نار في مصلي المدينة ثم رمي به فيها مقموطا.
ونقل عن الفضل بن شاذان عن رواية زياد البطالي وهو من أئمة العامة عن صالح بن كيسان عن إياس بن قبيعة الأسدي الذي شهد فتح القادسية قال: سمعت أبا بكر يقول: ندمت إلا أكون سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن ثلاث. وفيه وإلا أكون سألته عن ذبائح أهل الكتاب كما قال ووددت أني لم أتخلف عن جيش أسامة.
وغير ذلك، وكان يعلم أبو بكر في الواقع وهو مريض وهو شيخ كيف خالف أمر الله وأمر رسوله في أعظم وأهول ما امر الله به الأمة الاسلامية، وأية مصيبة أعظم من امر الخلافة والوصاية والموالاة وهو الذي سمع بأذنيه ما خطب رسول الله ودعا
(١٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (3)، الفضل بن شاذان (1)، أهل الكتاب (1)، صالح بن كيسان (1)، الشام (1)، الشهادة (1)
إليه المسلمين وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، طبعا بعد أن قال: ألست أولي بالمسلمين من أنفسهم وهذه أقصي حدود الولاية، فلما قالوا: نعم، قال: فاسمعوا وليخبر الشاهد الغائب: من كنت مولاه فعلي مولاه، وكيف لا يكون علي كذلك وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الدخول فعليه ان يدخلها من بابها، وقال: ان عليا مني بمنزلة هارون من موسي وقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وهذه جميعها متواترة وفي الصحاح الستة، كما ندم أبو بكر علي دخول بيت فاطمة واغضابها وانها ماتت وهي غضبي منه ومن عمر بعد أن قال رسول الله: ان فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله. وهذا الحديث المتواتر عند السنة والشيعة والآية القرآنية (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله)، والي آخر الآية كما له الحق ان يتأثر من التخلف عن جيش أسامة بعد أن سمع رسول الله وهو يقول: " لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " وهذه لم تكن إلا نزرا مما عمله مع علي وفاطمة وآل البيت الذين نزلت فيهم الآيات الجمة منها آية التطهير ومنها آية المباهلة وجميع اعمال أبي بكر سلسلة واحدة تتصل بأمر الخلافة والوصاية وهو ظلم حمله الأمة الاسلامية بغصبه مقعد الخلافة غصبا. والظلم ليس ناتجا عن الامارة التي اغتصبها من آل الرسول كلا، بل الظلم انما هو المحرومية التي أصابت الأمة الاسلامية من العلم والعدل والتقوي، والاخلاص الذي أوصي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا ولهذا تري السنن المتضاربة، والمذاهب المختلفة والروايات المتناقضة في مسألة واحدة وتري عجز الخليفة الأول والثاني والثالث عن أجوبة الأسئلة الملقاة عليهم وتري عجز عمر الذي بقي مدة أطول علي الخلافة كلما داهمته مسألة عويصة، طلب تفسيرها من علي، وكم مرة قال:
لولا علي لهلك عمر. ولم يكن أبو بكر خيرا منه لا في التأويل ولا في الاجتهاد،
(١٧٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، حديث الثقلين (1)، حديث مدينة العلم (1)، آية التطهير (1)، آية المباهلة (1)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، الوصية (1)
ولم يكونوا حريصين علي اتباع السنن إلا بقدر ما يوثق مركزهم وسياستهم لذا تري في كثير من المواقع يجتهدون في مورد النص الذي لا يحق لهم، وكثيرا ما خالفوا النصوص القرآنية. وسنورد بعد هذا كثيرا من تلك الموارد. وإذا أعلن أبو بكر أسفه علي بضعة أمور عملها وبضعة لم يسألها انما أعلنه تمويها لحق الخلافة والإمامة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وإذا كان صادقا في ما قاله فكيف يدلي بها لعمر بعده دون ان يستشير أحدا. ولا ننسي عمر، وكلمته: ان بيعته كانت فلتة وقي الله المسلمين شرها (يعني بيعة أبي بكر).
(١٧١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)

جواب معاوية علي رسالة محمد بن أبي بكر

جواب معاوية علي رسالة محمد بن أبي بكر
(١٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن أبي بكر (1)
واليك عن المسعودي وكثير من أهل السير والتاريخ ان معاوية أجاب محمد بن أبي بكر الذي لامه علي اعماله المنكرة ضد علي خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ووصيه قائلا:
اما بعد، فقد اتاني كتابك … حتي وصل إلي قوله: ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله ونصرته له ومواساته إياه في كل هول وخوف، إلي أن قال: " فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته وأفلح حجته، وقبضه الله اليه، كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه علي امره، علي ذلك اتفقا واتسقا ثم انهما دعواه إلي بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم ثم إنه بايعهما وسلم لهما وأقاما لا يشركانه في امرهما ولا يطلعانه علي سرهما حتي قبضهما الله. إلي أن قال: فان يكن ما نحن فيه صواب فأبوك اوله وان يكن جورا، فأبوك رأسه ونحن شركاؤه، بهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا اليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله فعب أباك بما بدا لك أو دع ". فاقرأ وتأمل واعتبر.
هكذا تري معاوية كيف فضح نفسه وغيره وقال الحقيقة بالنسبة لغيره، وان
(١٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، محمد بن أبي بكر (1)
أبا بكر وعمر وغيرهما كانوا يعرفون أن خليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ووصيه ووزيره نظرا لسوابقه للإسلام وقرابته من رسول الله ونصرته له ومواساته إياه في كل هول وخوف انما كان علي بن أبي طالب وحده وقد كان أبو بكر وعمر وآل أمية وجميع الصحابة، كلهم يعرفون حق علي لازما عليهم، وفضله مبرزا فيهم، غير أن أبا بكر وعمر ومن تابعهما بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رغم علمهم ودرايتهم بكل ذلك وما نزل في علي من الآيات وما امر به رسول الله المسلمين بعده بأنه مولاهم بعده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ودعا الله قائلا: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ولكنهم فضلوا معاداة الله ومخالفة نبيه فكانوا أول من ابتزه حقه وخالفوه علي امره ولقد كانا علي ذلك اتفقا واتسقا ولم يكتفيا بذلك وهما اللذان هنآه يوم غدير خم بعد خطبة رسول الله حيث قالا له: بخ بخ لك يا بن أبي طالب لقد أصبحت مولي كل مؤمن ومؤمنة، وهما يعلمان حق العلم أن آية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) إنما نزلت بعدما أبلغوا بولايته ووصايته واتباعه بعد رسول الله، بيد انهما منذ الساعة التي هنآه بها وهما ومن تبعهما من المنافقين وقريش من الذين لما يدخل الاسلام والايمان في قلوبهم من آل أمية وغيرهم جميعا لم يكتفوا بغصب حقه وتراثه بل التعدي بذلك عليه وأجبراه علي بيعتهما وهما يهددانه بالقتل، وقد أبطأ عنهما، وهما حين يهددانه بالقتل يقول: " اذن تقتلون أخا رسول الله ووصيه من بعده وحافظ سره " وتوجه إلي قبر رسول الله وهو يخاطبه كما خاطب هارون موسي " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " فهما به الهموم وأرادا به العظيم ثم إنه بايعهما وسلم لهما وأقاما لا يشركانه في امرهما ولا يطلعانه علي سرهما حتي قبضهما الله. وقد اعترف معاوية بكل ذلك في رسالته جهرا، وبين مظالمهما وانهما هما اللذان مهدا له ولأمثاله من أعداء آل محمد الطريق حيث قال: فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك اوله، وإن يكن جورا فأبوك رأسه ونحن شركاؤه، بهديه اخذنا وبفعله
(١٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، علي بن أبي طالب (1)، غدير خم (1)، القتل (2)، القبر (1)، النفاق (1)، الوفاة (1)
اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ولسلمنا إليه ولكن رأينا أباك فعل ذلك به قبلنا فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله.
انظر إلي هذه الصراحة وإلي هذه اللجاجة في الكفر والعناد ومخالفة أوامر الله ورسوله، واعتراف بالواقع، وكيف هدموا من أول يوم مات رسول الله كيان الاسلام وزحزحوا به إلي ما تخشي عقباه إلي ما نحن فيه في هذا العصر وقبله نحن المسلمين من التفرقة والعناد ولو أنهم كما قال عمر بن الخطاب مرارا: أما لو وليها الأصلع - يعني عليا - لأقامكم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم. فاسأله بالله عليك أنت وشريكك قبلك تعلمان ذلك وغرتكما الدنيا ومطامعها واغتصبتماها منه وأنتما تعلمان انه الوصي حقا وأنه أليق منكما وأحق واعلم واتقي لإدارة ذلك، فلماذا بعد أن قضيتما وطركما قدمتماها سائغة لآل أمية مع ما يضمرون من عدائهم لآل محمد.
وهنا اسمع الخطبة الشقشقية لعلي بن أبي طالب وكم تحمل من القوم من مصائب وهو يري بأم عينيه ماذا يلعبان ويتخبطان بالأمة الاسلامية حيث قال " لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير ".
نعم والحقيقة تلك التي اعترف بها معاوية أن أبا بكر كان يعلم انه يجلس دون حق علي مسند الخلافة، وأن لعلي بما أمر الله به وأمر رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبما أوتي من علم وحكمة وسابقة وما ابلي من بلاء في الاسلام هو أحق بها، ولكن وا أسفاه علي الاسلام، وا أسفا علي البؤساء الذين ذهبوا منذ اليوم الأول ضحية ذلك الغصب والعناد. وهاك نبذة عن جهاد أبي بكر لنقيسه بجهاد علي الذي له الكأس المعلي في كل واقعة، بل يمكن القول إنه في جميع الوقائع لولا علي لخذل الاسلام. فاسمع ما يقوله ابن عبد ربه ويرويه عن محاججة المأمون.
(١٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، علي بن أبي طالب (1)، الموت (1)، الوصية (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

جهاد أبي بكر

جهاد أبي بكر
صفحه(١٧٧)
ولنعرف نبذة من أعظم المناظرات التي أقامها الخليفة العباسي في أفضل رجل بعد النبي مبينا في ذلك عدة أمور بها يمكن تعيين صلاحية الرجل الأول للخلافة بعد رسول الله، وبعد أن بين كما مر في فضل سابقة أبي بكر وأشرنا إلي القسم الأول من محاجة المأمون مع الأربعين فقيها. قال المأمون مخاطبا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمادي بن زيد:
(ثم أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلي الاسلام؟ قلت: الجهاد في سبيل الله. قال: " صدقت ". فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله ما تجد لعلي (عليه السلام) في الجهاد؟ قلت: في أي وقت؟ قال: في أي الأوقات شئت! قلت: بدر، قال: لا أريد غيرها، فهل تجد لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر؟ أخبرني كم قتلي بدر؟ قلت:
نيف وستون رجلا من المشركين. قال: فكم قتل علي وحده؟ قلت: لا أدري قال:
ثلاثة وعشرين أو اثنين وعشرين والأربعون لسائر الناس. قلت: يا أمير المؤمنين قد كان أبو بكر مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في عريشه. قال: يصنع ماذا؟ قلت: يدبر. قال:
ويحك! يدبر دون رسول الله أو معه شريكا، أو افتقارا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي رأيه؟ أي الثلاث أحب إليك؟ قلت: أعوذ بالله ان يكون أبو بكر يدبر دون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أو يكون معه شريكا، أو أن يكون برسول الله افتقار إلي رأيه، قال: فما الفضيلة بالعريش إذا كان الامر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله
(١٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبراهيم بن إسماعيل (1)، القتل (2)، الضرب (1)
أفضل ممن هو جالس؟ قلت: يا أمير المؤمنين! كل الجيش كان مجاهدا، قال:
صدقت، كل مجاهد، ولكن الضارب بالسيف، المحامي عن رسول الله وعن الجالس، أفضل من الجالس. أما قرأت كتاب الله: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم علي القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسني وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما) (1) قلت: وكان أبو بكر وعمر مجاهدين، قال: فهل كان لأبي بكر وعمر فضل علي من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت، نعم قال:
فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر، قلت: أجل. قال: يا إسحاق! هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: إقرأ علي (هل أتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) (2). فقرأت منها حتي بلغت (ان الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) (3) إلي قوله تعالي (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (4) قال: علي رسلك فيمن أنزلت هذه الآيات؟ قلت: في علي. قال: فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال: إنما نطعمكم لوجه الله؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا؟ قلت: لا، قال: صدقت، لان الله جل ثناؤه عرف سيرته.
يا إسحاق! الست تشهد ان العشرة في الجنة؟ قلت: بلي يا أمير المؤمنين!
قال: أرأيت لو أن رجلا قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله، أكان عندك كافرا؟ قلت: أعوذ بالله! قال: أرأيت لو أنه قال ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا، كان كافرا قلت: نعم قال:
يا إسحاق! أري بينهما فرقا. يا إسحاق! أتروي الحديث؟ قلت نعم. قال: أتروي
(1) سورة النساء، الآية 95.
(2) سورة الانسان، الآية 1.
(3) سورة الانسان، الآية 5.
(4) سورة الانسان، الآية 8.
(١٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: سبيل الله (1)، القرآن الكريم (1)، الطعام (1)، الضرر (1)، الشهادة (3)، الضرب (1)، سورة الإنسان (الدهر) (3)، سورة النساء (1)
حديث الطير؟ قلت: نعم، قال: فحدثني به. قال: فحدثته الحديث. قال: يا إسحاق!
إني كنت أكلمك وانا أظنك غير معاند للحق، فأما الآن فقد بان لي عنادك، انك توقن ان هذا الحديث صحيح؟ قلت: نعم، رواه من لا يمكنني رده. قال: أفرأيت ان من أيقن أن هذا الحديث صحيح، ثم زعم أن أحدا أفضل من علي لا يخلو من أحد ثلاثة [أوجه]. من أن تكون دعوة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عنده مردودة عليه، لو أن يقول: عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه، أو أن يقول: إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول: فأي الثلاثة أحب إليك أن تقول؟ فأطرقت، ثم قال: يا إسحاق! لا تقل منها شيئا. فإنك إن قلت منها شيئا استنبتك (1). وان كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله. قلت: لا أعلم، وإن لأبي بكر فضلا، قال: أجل! لولا أن له فضلا لما قيل: إن عليا أفضل منه، فما فضله الذي قصدت إليه الساعة؟ قلت: قول الله عز وجل!
(ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فنسبه إلي صحبته. قال: يا إسحاق! اما اني لا أحملك علي الوعر من طريقك. اني وجدت الله تعالي نسب إلي صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا - وهو قوله تعالي: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا * لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) (2) قلت: إن ذلك صاحب كان كافرا وأبو بكر مؤمن. قال: فإذا جاز ان ينسب إلي صحبة من رضيه كافرا جاز ان ينسب إلي صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين، ولا الثاني ولا الثالث، فقلت: يا أمير المؤمنين ان قدر الآية عظيم، ان الله يقول: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) (3).
قال يا إسحاق: تأبي الآن إلا أن أخرج إلي الاستقصاء عليك: أخبرني عن
(1) استنبتك: أقمتك مقامي.
(2) سورة الكهف، الآيتان 37 و 38.
(3) سورة التوبة، الآية 40.
(١٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الطير (1)، سورة البراءة (1)، سورة الكهف (1)
حزن أبي بكر أكان رضا أم سخطا؟ قلت: إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خوفا عليه وغما أن يصل إلي رسول الله شئ من المكروه. قال: ليس هذا جوابي إنما كان جوابي أن تقول: رضا أم سخط؟ قلت: بل كان رضا لله، قال: فكان الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهي عن رضا الله عز وجل وعن طاعته! قلت: أعوذ بالله! قال: أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله؟ قلت: بلي، قال: أولم تجد أن القرآن يشهد ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال " لا تحزن " نهيا له عن الحزن؟ قلت: أعوذ بالله!، قال: يا اسحق! ان مذهبي الرفق بك لعل الله يردك إلي الحق، ويعدل بك عن الباطل لكثرة ما تستعيذ به، وحدثني عن قول الله تعالي: (فأنزل الله سكينته عليه) (1) من عني بذلك؟ رسول الله أم أبا بكر؟ قلت: بل رسول الله، قال: صدقت.
قال حدثني عن قول الله عز وجل: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) (2) إلي قوله تعالي (ثم أنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين) (3) أتعلم من المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضوع؟ قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين! قال: الناس جميعا انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول الله إلا سبعة نفر من بني هاشم: علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القوم شئ، حتي أعطي الله لرسوله الظفر.
فالمؤمنون في هذا الموضع، علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم، قال: فمن أفضل من كان مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في ذلك الوقت، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت: بل من أنزلت عليه السكينة.
قال: يا إسحاق! من أفضل؟ من كان معه في الغار أم من نام علي فراشه ووقاه بنفسه، حتي تم لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ما أراد من الهجرة؟ ان الله تبارك وتعالي أمر رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يأمر عليا بالنوم علي فراشه، وأن يقي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بنفسه،
(1) سورة التوبة، الآية 40.
(2) سورة التوبة، الآية 25.
(3) سورة التوبة، الآية 26.
(١٨١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، بنو هاشم (2)، القرآن الكريم (1)، الكراهية، المكروه (1)، الحزن (4)، الشهادة (1)، النوم (1)، سورة البراءة (3)
فأمره رسول الله بذلك، فبكي علي فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك يا علي؟!
أجزعا من الموت؟! قال: لا، والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ولكن خوفا عليك، أفتسلم يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: سمعا وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله. ثم أتي مضجعه واضطجع وتسجي بثوبه، وجاء المشركون من قريش فحفوا به لا يشكون انه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقد اجمعوا ان يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه، وعلي يسمع ما القوم فيه من إتلاف نفسه ولم يدعه ذلك إلي الجزع كما جزع صاحبه في الغار، ولم يزل علي صابرا محتسبا، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتي أصبح، فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمد؟ قال وما علمي بمحمد أين هو؟ قالوا: فلا نراك إلا مغررا بنفسك منذ ليلتنا، فلم يزل علي أفضل ما بدأ به، يزيد ولا ينقص حتي قبضه الله إليه.
يا إسحاق! هل تروي حديث الولاية، قلت: نعم، يا أمير المؤمنين قال:
اروه. ففعلت. قال: يا إسحاق! أرأيت هذا الحديث هل أوجب علي أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت: إن الناس ذكروا ان الحديث انما كان بسبب زيد بن حارثة لشئ جري بينه وبين علي وأنكر ولاء علي، فقال رسول الله: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال: في أي موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه في حجة الوداع؟ قلت: أجل قال: فإن قتل زيد بن حارثة كان قبل الغدير، كيف رضيت لنفسك بهذا؟ أخبرني لو رأيت ابنا لك قد اتت عليه خمس عشرة سنة يقول: مولاي مولي ابن عمي: أيها الناس فاعلموا ذلك، أكنت منكرا ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت: اللهم نعم. قال: يا إسحاق أفتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله؟ ويحكم! لا تجعلوا فقهاءكم أربابكم (1). ان الله جل ذكره قال في كتابه (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من
(1) الأرباب: جمع رب، وهو الإله أو الصاحب.
(١٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، حديث الولاية (1)، زيد بن حارثة (1)، حجة الوداع (1)، القتل (1)، الموت (1)
دون الله) (1) ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا انهم أرباب ولكن أمروهم فأطاعوا امرهم.
يا إسحاق! أتروي حديث " أنت مني بمنزلة هارون من موسي "؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين، قد سمعته وسمعت من صححه وجحده قال: فمن أوثق عندك، من سمعت منه فصححه، أو من جحده؟ قلت: من صححه. قال: فهل يمكن ان يكون الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) مزح بهذا القول؟ قلت: أعوذ بالله!، قال: فقال قولا لا معني له فلا يوقف عليه؟ قلت: أعوذ بالله! قال: أفما تعلم ان هارون كان أخا موسي لأبيه وأمه؟ قلت: بلي، قال: فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه؟ قلت: لا، قال: أوليس هارون كان نبيا وعلي غير نبي؟ قلت: بلي. قال فهذان الحالان معدومان في علي وقد كانا في هارون، فما معني قوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي "؟ قلت له: انما أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون: إنه خلفه استثقالا له.
قال: فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معني له؟ فأطرقت. قال: يا إسحاق! له معني في كتاب الله بين. قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عز وجل حكاية عن موسي أنه قال لأخيه هارون (أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (2) قلت: يا أمير المؤمنين: ان موسي خلف هارون في قومه وهو حي ومضي إلي ربه، وان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خلف عليا كذلك حين خرج إلي غزاته. قال:
كلا، ليس كما قلت، أخبرني عن موسي حين خلف هارون هل كان معه حين ذهب إلي ربه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا قال: أوليس استخلفه علي جماعتهم؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حين خرج إلي غزاته هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان فأني يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل علي استخلافه إياه لا يقدر أحد ان يحتج به، ولا أعلم أحدا احتج به، وأرجو أن يكون توقيعا من الله. قلت: وما هو يا أمير
(1) سورة التوبة، الآية 31.
(2) سورة الأعراف، الآية 142.
(١٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، النفاق (1)، سورة البراءة (1)، سورة الأعراف (1)
المؤمنين؟ قال: قوله عز وجل حين حكي عن موسي قوله: (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا) (1).
" فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسي: وزيري من أهلي وأخي شد الله به أزري وأشركه في أمري كي نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا " فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئا غير هذا ولم يكن ليبطل قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأن يكون لا معني له؟ قال: فطال المجلس وارتفع النهار فقال يحيي بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين! قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير - وأثبت ما لا يقدر أحد ان يدفعه. قال إسحاق: فاقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا: كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزه الله، فقال: والله لولا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: اقبلوا القول من الناس، ما كنت لأقبل منكم القول - اللهم قد نصحت لهم القول، اللهم إني قد أخرجت القول من عنقي، اللهم إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته). (2) هذا ما كان من المناظرة التي قام بها الخليفة العباسي ذلك الخليفة الذي ازدهرت في عصره العلوم وشجعها، وقرب العلماء، وعرف بحبه للعم وفكرته الوقادة، وقامت في عهده المناظرات والمباحثات والمجالس العلمية والأدبية. ثم نعود نكرر في الجهاد وما أبلاه كل من الخلفاء ونقارن بينها باعتبار الجهاد أعظم ركن من ابراز الايمان والمؤمن وتضحيته في إشادة صرح الاسلام واقامته في الأسس المتينة القويمة بالجود ببذل النفس والنفيس في ذلك وقد رأينا عليا كمظهر أعلي للجهاد وبذل النفس، كيف يقوم بأكبر مخاطرة للمبيت في محل رسول الله وهو يعلم ويري ويسمع كيف ان رجال قريش الأشداء يحيطون به وان سوفهم خلفا العفة جميعا من أول الليل في أية لحظة يمكن ان تهوي عليه وتقتله باعتباره الرجل الأول
(1) سورة طه، الآية 35.
(2) العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي: 5 / 349 - 359 ط. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولي عام 1404 ه - 1983 م.
(١٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يحيي بن أكثم (1)، دولة لبنان (1)، مدينة بيروت (1)، سورة طه (1)
والرسول الأعظم للوحدانية والإسلام. ورغم كل ذلك فهو يتلقي تلك المحنة بصبر وجلد عظيمين صابرا محتسبا غير خائف ولا حزين في وجه الله وانصياعا لامر نبيه وحبيبه وأخيه ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك الذي انتخبه وزيرا ووصيا له في يوم الدار وأوجب اطاعته علي جميع من كان حاضرا. فأنظر لهذا الايمان والتقوي والاخلاص الراسخين في قلبه ثم انظر إلي أي فرد في الاسلام منذ بدأ فهل تجد له نظيرا. كلا والله، ثم تصفح حروبه الواحدة تلو الأخري التي جاهد فيها ولتجدن شجاعته وايمانه واخلاصه في الذب عن الاسلام وعن رسول الله لا يوجد له نظير:
1 - ففي أول مقابلة بين المشركين والمسلمين تلك الواقعة العظيمة التي بدأت بأول بناء لهذا الصرح كيف أبلي فيها علي البلاء الحسن بين جميع المجاهدين كما ذكر أعلاه فكان له القدح الأعلي فله من جميع القتلي الذين هم نيف وستون، لوحده نيف وعشرون مقتول من اشجع من قدم للقتال في اللحظة التي كان فيها أبو بكر وعمر في العريش.
2 - ثم تعال معي في حرب أحد وانظر كيف وحده ذب عن رسول الله عندما اندحر المسلمون، ولولاه لقتل رسول الله حتي ولي المشركون وانتهت الحرب فكانت في علي نحو تسعين جراحة. فأين كان أبو بكر وعمر وغيرهما؟
نعم كانوا قد تركوا رسول الله وهربوا فارين.
3 - أما حرب الخندق التي آلي فيها المشركون القضاء المبرم علي الاسلام ونبيه وفيهم عشرة آلاف مقاتل بينهم من اشجع أبطالهم مثل عمرو بن عبد ود العامري الذي كان وحده يعد بألف فارس وكان لوحده بامكانه القضاء علي المسلمين لولا علي بن أبي طالب، وتراه كيف يحمل لوحده علي الخندق ويعبره ويقف امام المسلمين ويهتف لمن يبارزه فلا تجد سوي علي بن أبي طالب وهو يقوم ويقعده النبي ثلاثا حتي إذا وجد المسلمين جميعهم واجمين ولم يحضر أحد للقيام والدفاع حتي من خلقوا له المعجزات بعد وفاة رسول الله. نعم في المرة الثالثة يقوم علي وهو راجل ويقف امام ذلك الفارس الصنديد بعد أن قال رسول
(١٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، علي بن أبي طالب (2)، القتل (4)، الخوف (1)، الحرب (2)، الوفاة (1)
الله: لقد برز الايمان كله إلي الشرك كله، وبعد تبادل بعض الكلمات بين عمرو وعلي وإذا بعلي يهوي عليه بضربة تلقيه صريعا مضرجا بدمائه، ومع ذلك فقد جلس علي صدره وطلب منه الاسلام كي لا يقتله، فوجده مصرا علي شركه فقتله.
فقال رسول الله: لقد كانت ضربة علي لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين. لقد صدق رسول الله في الأول والآخر حينما قال أولها: برز الايمان كله إلي الشرك كله. كانت كلمة جمعت فيها كل الحقائق إذ بقتل عمرو بن عبد ود العامري، وبقتله وحده، تضعضعت كل قوي الشرك. وضعفت ولم تمض سوي مدة وجيزة حتي ويطوون راجعين من حيث أتوا، وقد تركوا العار والخزي وقتل أعظم شجعانهم بيد المسلمين. فمن كان يقتل عمرا لو لم يقتله علي؟! وما كان مصير المسلمين فيها بعد ذلك وهم واجمون امام أحد فرسان المشركين؟! وإذا فتك رجل واحد بالمسلمين ماذا كانت عاقبة الاسلام وماذا كان للمشركين من النصر؟ لقد كان النصر للمسلمين بضربة أخي رسول الله ووصيه ومولي المؤمنين ذلك هو علي بن أبي طالب، وحقا كانت ضربته تعدل عبادة الثقلين وهل هناك مقتول يساوي عمرا وقاتل يساوي عليا ألم يستحق ان يكون جزاؤه عبادة الثقلين ومن ينكر عليه ذلك الجزاء العظيم. وتعال معي لنراه في الوقائع الأخري. فأخبرني أين كان ذلك اليوم أبو بكر وصاحبه عمر؟ بالله عليك أيها السامع الكريم أنصف.
4 - فتح خيبر تلك الواقعة المشهورة التي لا يمكن ابدا نسيانها ونسيان اعلامها ومعالمها وآثارها التي فتح الله بها للإسلام الفتح العظيم علي اليهود في قتل أعظم شجعانها مثل مرحب واخوته، وفتح أكبر حصونهم بعد قلع باب الحصن الكبير. وقد أعطي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الراية في اليوم الأول إلي أبي بكر. نعم إلي أبي بكر وطلب منه فتح خيبر فعاد آخرها مندحرا مغلوبا فارا ظاهر العجز. وفي اليوم الثاني أعطي الراية إلي عمر فلم تكن نتيجته بأحسن من صاحبه ففر وعاد مندحرا مكسورا وكاد المسلمون أن يستولي عليهم اليأس إذ كان علي آنذاك أرمد فقال
(١٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، خيبر (2)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (5)، اليأس (1)
رسول الله بعد إرسال أبي بكر وعمر: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار فاطلع المسلمون وترقبوا بفارغ الصبر من يكون هذا البطل العظيم الذي وصفه رسول الله بهذا الوصف الباهر العظيم، وكل منهم يتمني لو يكون هو حتي أبو بكر وعمر كما صرحا بعد ذلك أنهما كانا يتمنيان لو كانا هما الفاتحين، وانقضي ذلك اليوم وصار الصباح وقد نفد صبر المنتظرين وكل شئ ربما يخالجهم سوي ان يكون في هذه المرة أيضا بطلها المرموق هو نفسه علي، فصاح رسول الله: أين أخي ووزيري علي بن أبي طالب، فقالوا: انه أرمد، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) علي به، وهم يتطلعون وإذا برسول الله يشفي عينيه بريقه، ويعطيه الراية ويأمره بفتح خيبر، وإذا به كعادته في كل مرة يهجم علي القوم ويقتل شجعانهم وفي مقدمتهم مرحب واخوته فيفرون إلي القلعة المحصنة العظيمة ببابها الهائلة الكبيرة التي ينوء بفتحها الرجال، وإذا به يقتلعها ويهجم بجيشه داخل الحصن ويفتح الله علي يديه ذلك الحصن وأهم قلاع اليهود. وبهذا يقضون عليهم القضاء المبرم. وبعدها تعال معي مرة لتري مقدرة أبي بكر في الجهاد وبلاءه، ومثله صاحبه لنقيس سوابقه التي ذكرناها وبعدها تري جهاده وتقارنه هو وصاحبه بجهاد علي وبلائه في الحروب.
5 - والذي يتتبع حربه الأخري في الحجاز واليمن وحده أو مع رسول الله يجد عظمته وتفاديه العديم النظير.
6 - يوم حنين وقد مر ذكره في محاجة المأمون بصورة مقتضبة وفيها أيضا نجد عظمة علي وكيف كان له القدح المعلي في الذب عن رسول الله دون جميع الصحابة خصوصا أبا بكر وعمر اللذين كانا من جملة الهاربين، وعلي وحده الذي كان يذب عن رسول الله ويحميه، أيها القارئ أنصف وقارن وانظر واحتسب فالله عليك رقيب، وقل الحق فيمن غصبه حقه وظلم الأمة الاسلامية إذ حرمها من عدله وإخلاصه وعلمه، ولم يكتف بالغصب حتي ولاها بعده ألد أعداء الاسلام من
(١٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي طالب (1)، خيبر (1)، الصبر (2)، الباطل، الإبطال (1)
الطلقاء متعمدا بعد أن نحي أنصار آل محمد وقوي أعداءهم ولقد صرح رسول الله بفرار أبي بكر يوم خيبر حينما أعرب في المرة الثالثة بقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله علي يديه ليس بفرار وبلفظ آخر كرارا غير فرار. وقد قال ذلك رسول الله بعد فرار أبي بكر وعمر وبعد ان كانا قد عاهدا الله أن لا يوليا الادبار. فهل يعلم ما أراد الله بكلمته سوي ان عليا غير أولئك بالصفات المارة الذكر. فهذا يحب الله ورسوله فيضحي بنفسه ولا يهرب كما عاهد الله ورسوله عليه ونتيجة ذلك حب الله ورسوله له، واما اللذين فرا فقد خالفا أوامر الله وأخلفا عهد الله وميثاقه أن لا يوليا الادبار كما جاء في الآية (1).
(١) راجع صحيح البخاري ج ٦ ص ١٩١، ومسلم ج ٢ ص ٣٢٤، وطبقات ابن سعد ص ٦١٨ و ٦٣٠ ط مصر، ومسند أحمد ج ١ ص ٢٨٤، ٢٨٥ و ٣٥٣، ٣٥٨. وخصائص النسائي ص ٤ - ٨، وسيرة ابن هشام ج ٣ ص ٣٨٦، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٩، وحلية الأولياء ج ٢ ص ٦٢، وأسد الغابة ٤ ص ٢١، والاقناع للحويزي ص ٣١٤، وتاريخ ابن كثير ج ٤ ص ١٨٥ و ١٨٧، وتيسير الوصول ج ٣ ص ٢٢٧ والرياض النضرة ج ٢ ص ١٨٤ - ١٨٨ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤، وكما أقر ذلك القاضي عضد الإيجي في المواقف، وأقره شراحه كما في شرح ج 3 ص 276، والبيضاوي في طوالع الأنوار كما في الطالع ص 483، والقصيدة الآتية لابن أبي الحديد:
وما انس لا أنسي اللذين تقدما * وفرهما والفرقد علما حوب وللراية العظمي وقد ذهبا بها * ملابس ذل فوقها وجلابيب يشلهما من آل موسي شمردل * طويل نجاد السيف أجيد يعبوب يمنح منونا سيفه وسنانه * ويلهب نارا غمده والأنابيب احضرهما أم حضر اخرج خاضب * ودان هما أم ناعم الخد مخضوب عذرتكما ان الحمام لمبغض * وان بقاء النفس للنفس محبوب ليكره طعم الموت والموت طالب * فكيف يلذ الموت والموت مطلوب فهل تري ابن حزم وابن تيمية عرفا ذلك وقالا ما قالا؟ وقد قيل: حدث المرء بما لا يليق فان صدق فلا عقل له. فحسبكما عقلا وحقدا!
والآية أعلاه في سورة الأنفال، الآية 16 قوله تعالي: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
(١٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: خيبر (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، سورة الأنفال (1)، ابن تيمية (1)، التصديق (1)، الموت (2)، الإستحمام، الحمام (1)

رد اللائحة الأولي من الجاحظ

رد اللائحة الأولي من الجاحظ كما جاء في رسائل الجاحظ ص 54 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 275 وج 13 ص 277 - 284، وما ذكره الخطيب في تاريخه ج 8 ص 21، وابن الجوزي في المنتظم ج 6 ص 327، وفي خلاصة كتاب العثمانية، ص 1 وج 13 - راجعها في الحاشية من هذا الكتاب.
اللائحة الثانية واليك جواب أبي جعفر الإسكافي المعتزلي البغدادي المتوفي 240 ه في اللائحة الثانية ردا علي الجاحظ (أبو عثمان) في رد اللائحة الأولي. قال الإسكافي:
لقد أعطي أبو عثمان مقولا وحرم معقولا. ان كان يقول هذا علي اعتقاد وجد ولم يذهب به مذهب اللعب واللهو، أو علي طريق التفاصح والتشادق واظهار القوة والسلاطة وزلافة اللسان وحدة الخاطر والقوة علي جدال الخصوم. الم يعلم أبو عثمان ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان اشجع البشر وانه خاض الحروب وثبت في المواقف التي طاشت فيها الألباب وبلغت القلوب الحناجر فمنها يوم أحد ووقوفه بعد أن فر المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه إلا أربعة: علي والزبير وطلحة وأبو دجانة فقاتل ورمي بالنبل حتي فنيت نبله وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره، فأمر عكاشة بن محسن أن يوترها فقال:، يا رسول الله! لا يبلغ الوتر فقال: أوتر ما بلغ، قال عكاشة فوالذي بعثه بالحق لقد أوترت حتي بلغ، وطويت منه شبرا علي سية القوس، ثم أخذها فما زال يرميهم حتي نظرت إلي قوسه قد تحطمت، وبارز أبي بن خلف فقال له أصحابه: إن شئت عطف عليه بعضنا، فأبي وتناول الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتقض بأصحابه كما ينتقض البعير، قالوا: فتطايرنا عنه تطاير
(١٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، القتل (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الوفاة (1)

اللائحة الثانية

رد اللائحة الأولي من الجاحظ كما جاء في رسائل الجاحظ ص 54 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 275 وج 13 ص 277 - 284، وما ذكره الخطيب في تاريخه ج 8 ص 21، وابن الجوزي في المنتظم ج 6 ص 327، وفي خلاصة كتاب العثمانية، ص 1 وج 13 - راجعها في الحاشية من هذا الكتاب.
اللائحة الثانية واليك جواب أبي جعفر الإسكافي المعتزلي البغدادي المتوفي 240 ه في اللائحة الثانية ردا علي الجاحظ (أبو عثمان) في رد اللائحة الأولي. قال الإسكافي:
لقد أعطي أبو عثمان مقولا وحرم معقولا. ان كان يقول هذا علي اعتقاد وجد ولم يذهب به مذهب اللعب واللهو، أو علي طريق التفاصح والتشادق واظهار القوة والسلاطة وزلافة اللسان وحدة الخاطر والقوة علي جدال الخصوم. الم يعلم أبو عثمان ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان اشجع البشر وانه خاض الحروب وثبت في المواقف التي طاشت فيها الألباب وبلغت القلوب الحناجر فمنها يوم أحد ووقوفه بعد أن فر المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه إلا أربعة: علي والزبير وطلحة وأبو دجانة فقاتل ورمي بالنبل حتي فنيت نبله وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره، فأمر عكاشة بن محسن أن يوترها فقال:، يا رسول الله! لا يبلغ الوتر فقال: أوتر ما بلغ، قال عكاشة فوالذي بعثه بالحق لقد أوترت حتي بلغ، وطويت منه شبرا علي سية القوس، ثم أخذها فما زال يرميهم حتي نظرت إلي قوسه قد تحطمت، وبارز أبي بن خلف فقال له أصحابه: إن شئت عطف عليه بعضنا، فأبي وتناول الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتقض بأصحابه كما ينتقض البعير، قالوا: فتطايرنا عنه تطاير
(١٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، القتل (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الوفاة (1)
الشعارير فطعنه بالحربة فجعل يخور كما يخور الثور ولو لم يدل علي ثباته حين انهزم أصحابه وتركوه إلا قوله تعالي (إذ تصعدون ولا تلوون علي أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) فكونه (صلي الله عليه وآله وسلم) في أخراهم وهم يصعدون ولا يلوون هاربين دليل علي أنه ثبت ولم يفر. وثبت يوم حنين في تسعة من اهله ورهطه الأدنين وقد فر المسلمون كلهم والنفر التسعة يحدقون به: العباس آخذ بحكمة بغلته، وعلي بين يديه مصلت سيفه، والباقون حول بغلته يمنة ويسرة وقد انهزم المهاجرون والأنصار وكلما فروا اقدم هو (صلي الله عليه وآله وسلم) وصمم مستقدما يلقي السيوف والنبال بنحره وصدره، ثم أخذ كفا من البطحاء وحصب المشركين وقال: شاهت الوجوه والخبر المشهور عن علي وهو أشجع البشر: " كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولذنا به ". فكيف يقول الجاحظ إنه ما خاض الحروب ولا خالط الصفوف؟! وأي فرية أعظم من فرية من نسب رسول الله إلي الاحجام أو اعتزال الحرب! ثم أي مناسبة بين أبي بكر ورسول الله في هذا المعني! ليقيسه وينسبه إلي رسول الله صاحب الجيش والدعوة ورئيس الاسلام والملة، والملحوظ بين أصحابه وأعدائه بالسيادة، وإليه الاتجاه والإشارة وهو الذي أحنق قريشا والعرب ووري أكبادهم بالبراءة من آلهتهم وعيب دينهم وتضليل اسلافهم، ثم وترهم فيما بعد بقتل رؤسائهم وأكابرهم وحق لمثله إذا تنحي عن الحرب واعتزلها، ان يتنحي ويعتزل، لأن ذلك شأن الملوك والرؤساء إذا كان الجيش منوطا بهم وببقائهم فمتي هلك الملك هلك الجيش، ومتي سلم الملك أمكن أن يبقي عليه ملكه، وان عطب جيشه يجند جيشا آخر، ولذلك نهي الحكماء أن يباشر الملك الحرب بنفسه وخطأوا الإسكندر لما بارز قوسرا ملك الهند ونسبوه إلي مجانبة الحكمة ومفارقة الصواب والحزم، فليقل لنا الجاحظ: أي مدخل لأبي بكر في هذا المعني؟ ومن الذي كان يعرفه من أعداء الاسلام ليقصده بالقتل؟ وهل هو الا واحد من عرض المهاجرين، حكمه حكم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن
(١٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، الهند (1)، القتل (2)، الهلاك (2)، الحرب (1)
عفان وغيرهما؟ بل كان عثمان أكثر منه صيتا وأشرف منه مركبا والعيون اليه أطمح والعدو عليه أحنق وأكلب. ولو قتل أبو بكر في بعض تلك المعارك هل كان يؤثر قتله في الاسلام ضعفا؟ أو يحدث وهنا؟ أو يخاف علي الملة لو قتل أبو بكر في بعض تلك الحروب ان تندرس وتعفي آثارها وينطمس منارها! ليقول الجاحظ:
إن أبا بكر كان حكمه حكم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مجانبة الحروب واعتزالها، نعوذ بالله من الخذلان وقد علم العقلاء كلهم ممن له بالسير معرفة وبالآثار والاخبار ممارسة حال حروب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كيف كانت، وحاله عليه الصلاة والسلام فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب وجلوسه في العريش يوم جلس، وإن وقوفه (صلي الله عليه وآله وسلم) وقوف رئاسة وتدبير، ووقوف ظهر وسند يتعرف أمور أصحابه ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم وتخلفه عن التقدم في أوائلهم لأنهم متي علموا انه في اخرهم اطمأنت قلوبهم ولم تتعلق بامره نفوسهم فيشتغلون بالاهتمام به عن عدوهم ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها وظهر يرجعون إليه، ويعلمون انه متي كان خلفهم تفقد أمورهم وعلم مواقفهم وآوي كل انسان مكانه في الحماية والنكاية وعند النازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف أصلح لأمرهم. وأحمي وأحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بيتهم، إذ هو مدبر أمورهم ووالي جماعتهم، الا ترون ان موقف صاحب اللواء موقف شريف، وان صلاح الحرب في وقوفه، وان فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته، فللرئيس حالات: الأولي حالة يتخلف ويقف آخر ليكون سندا وقوة وردءا وعدة، وليتولي تدبير الحرب ويعرف مواضع الخلل، والحالة الثانية يتقدم فيها في وسط الصف ليقوي الضعيف ويشجع الناكس، وحالة ثالثة وهي إذا اصطدم الفيلقان وتكافح السيفان اعتمد ما تقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح أو من مباشرة الحرب بنفسه فإنها آخر المنازل وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموه، فأين مقام الرئاسة العظمي لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأين منزلة أبي بكر ليسوي
(١٩١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، القتل (2)، الخوف (1)، الصّلاة (1)، الحرب (2)
بين المنزلتين ويناسب بين الحالتين، ولو كان أبو بكر شريكا لرسول الله في الرسالة وممنوحا من الله بفضيلة النبوة وكانت قريش والعرب تطلبه كما تطلب محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم)، لكان للجاحظ أن يقول ذلك، فأما وحاله حاله وهو أضعف المسلمين جنانا وأقلهم عند العرب ترة، لم يرم قط بسهم، ولا سل سيفا، ولا أراق دما، وهو أحد الاتباع، غير مشهور ولا معروف، ولا طالب ولا مطلوب، فكيف يجوز ان يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله ومنزلته؟ ولقد خرج عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر فقام مغيظا عليه فسل من السيف مقدار إصبع يروم البروز إليه، فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يا أبا بكر! شم سيفك، وأمتعنا بنفسك، ولم يقل له (وأمتعنا بنفسك) إلا لعلمه بأنه ليس أهلا للحرب وملاقاة الرجال، وانه لو بارز لقتل.
وكيف يقول الجاحظ: لا فضيلة لمباشرة الحروب ولقاء الاقران وقتل ابطال الشرك؟ وهل قامت عمد الاسلام إلا علي ذلك؟ وهل ثبت الدين واستقر إلا بذلك؟
أتراه لم يسمع قول الله تعالي (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (1) والمحبة من الله تعالي هي إرادة الثواب، فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف وأعظم قتالا، كان أحب إلي الله، ومعني الأفضل هو الأكثر ثوابا، فعلي إذا هو أحب المسلمين إلي الله لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص، ولم يفر قط بإجماع الأمة، ولا بارزه قرن إلا قتله، أو تراه لم يسمع قول الله تعالي: (وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما) (2) وقوله: (ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن) (3). ثم قال سبحانه مؤكدا لهذا البيع والشراء (ومن
(1) سورة الصف، الآية 4.
(2) سورة النساء، الآية 95.
(3) سورة التوبة، الآية 111.
(١٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، سبيل الله (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (3)، الأكل (1)، البيع (1)، سورة البراءة (1)، سورة النساء (1)، سورة الصف (1)
أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (1)، وقال الله تعالي: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) (2).
فمواقف الناس في الجهاد علي أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض. فمن دلف إلي الأقران واستقبل السيوف والأسنة كان أثقل علي أكتاف الأعداء لشدة نكايته فيهم ممن وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة وأعان ولم يقدم إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل أعظم عناء وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك. ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرئاسة بقلة بسط الكف وترك الحرب وان ذلك يشاكل فعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لكان أوفر الناس حظا في الرئاسة وأشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت، وان بطل فضل علي (عليه السلام) في الجهاد، لأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان أقلهم قتالا - كما زعم الجاحظ - ليبطلن علي هذا القياس فضل أبي بكر في الانفاق لأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان أقلهم مالا.
وأنت إذا تأملت امر العرب وقريش، ونظرت السير وقرأت الاخبار عرفت انها تطلب محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) وتقصد قصده وتروم قتله فان أعجزها وفاتها طلبت عليا وأرادت قتله، لأنه كان أشبههم بالرسول حالا وأقربهم منه قربا، وأشدهم عنه وقعا، وانهم متي قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا امر محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وكسروا شوكته، إذ كان [علي] أعلي من ينصره في البأس والقوة والشجاعة والنجدة والاقدام والبسالة، ألا تري إلي قول عتبة بن ربيعة يوم بدر وقد خرج هو واخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة فاخرج إليهم الرسول نفرا من الأنصار فاستنسبوهم فانتسبوا لهم فقالوا:
ارجعوا إلي قومكم ثم نادوا: يا محمد! اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال
(1) سورة التوبة، الآية 111.
(2) سورة التوبة، الآية 120.
(١٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، يوم عرفة (1)، حسان بن ثابت (1)، سبيل الله (1)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (2)، الحرب (1)، سورة البراءة (2)
النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأهله الأدنين: قوموا يا بني هاشم! فانظروا حقكم الذي آتاكم الله علي باطل هؤلاء، قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة، ألا تري ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله يوم أحد لأنه اشترك هو وحمزة في قتل أبيها يوم بدر؟ ألم تسمع قول هند ترثي أهلها؟
ما كان عن عتبة لي من صبر * أبي وعمي وشقيق صدري أخي الذي كان كضوء البدر * بهم كسرت يا علي ظهري وذلك أنه قتل أخاها الوليد بن عتبة وشرك في قتل أبيها عتبة واما عمها شيبة فان حمزة تفرد في قتله، وقال جبير بن مطعم لوحشي مولاه يوم أحد: ان قتلت محمدا فأنت حر، وان قتلت عليا فأنت حر، وان قتلت حمزة فأنت حر فقال: " أما محمد فسيمنعه أصحابه، وأما علي فرجل حذر كثير الالتفات في الحرب، ولكني سأقتل حمزة " فقعد له وزرقه بالحربة فقتله.
ولما قلنا من مقاربة حال علي في هذا الباب لحال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومناسبتها إياه ما وجدناه في السيرة والاخبار من اشفاق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وحذره عليه ودعائه له بالحفظ والسلامة. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في يوم الخندق وقد برز علي إلي عمرو ورفع يديه إلي السماء بمحضر من أصحابه: اللهم انك أخذت مني حمزة يوم أحد، وعبيدة يوم بدر فاحفظ اليوم علي عليا. (رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) (1)، ولذلك ضن به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلي نفسه مرارا في كلها يحجمون ويقدم علي فيسأل الاذن له في البراز حتي قال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): انه عمرو! قال: وانا علي. فأدناه وقبله وعممه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودع له، القلق لحاله المنتظر لما يكون منه، ثم لم يزل (صلي الله عليه وآله وسلم) رافعا يديه إلي السماء، مستقبلا لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله، كأنما علي
(1) سورة الأنبياء، الآية 89.
(١٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، بنو هاشم (1)، جبير بن مطعم (1)، القتل (5)، الصبر (1)، الحرب (1)، سورة الأنبياء (1)
رؤوسهم الطير، حتي ثارت الغبرة، وسمعوا التكبير من تحتها، فعلموا أن عليا قتل عمرا، فكبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وكبر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين، ولذلك قال حذيفة بن اليمان: لو قسمت فضيلة علي (عليه السلام) بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم. وقال ابن عباس في قوله تعالي (وكفي الله المؤمنين القتال) (1)، قال: يعني بعلي بن أبي طالب.
ومنها اخذ نحلة فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) باعتبارها إرثا وبينما هو القاضي إذا به يكون مدعيا للزهراء ويقول اني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول:
" نحن معاشر الأنبياء لا نورث " ويخالف بذلك آيات القرآن في الإرث التي لا يجوز ردها بسنة نبوية مختلقة، كما لا يجوز ان يكون هو الخصم وهو الشاهد والحاكم. ثم إن قوله هذا ترده الآيات القرآنية الكثيرة في امتلاك ورثة الأنبياء غير آية الإرث العامة في إرث البنين، ومنها قوله تعالي: (وورث سليمان داود) ومنها قول زكريا حينما يدعو ربه يقول: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)، وفي هذه جميعها لا يوجد دليل علي استثناء وراثة الملك فإذن الوراثة عامة لا فرق بين الناس عامة والأنبياء خاصة فمن أين اجتهد وكيف حل له مخالفة الله ورسوله في نصوص الإرث علي فرض أن يكون إرثا، فكيف وهي نحلة وملكها رسول الله إياها، فانظر الظلم والتعدي والاجتهاد غير المبتني علي المنطق، وأنا أري لو أخذها غصبا كان خيرا له من أن يأخذها بهذه الشاكلة من الغصب، والحقيقة انها ثبتت انها اخذت غصبا وظلما ولذا تري عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي المعروف بالصلاح كيف ردها إلي أهلها، وأخيرا كان عليه البينة لأنه كان المدعي والزهراء كانت المتصرفة ولكنه يطلب منها البينة، أليس أنه تحقق لديه عدم صحة اخذها بدليل أو أنها مأخوذة من فاطمة غصبا؟
(1) سورة الأحزاب، الآية 25.
(١٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عبد الله بن عباس (1)، علي بن أبي طالب (1)، حذيفة بن اليمان (1)، عبد العزيز (1)، القرآن الكريم (1)، الخصومة (1)، الظلم (1)، القتل (1)، الجواز (1)، التكبير (1)، سورة الأحزاب (1)
وهل كان له ان يكذب فاطمة وعليا والحسن والحسين وغيرهم من الشهود، هؤلاء كلهم ورد ذكرهم في آية التطهير والذين زكاهم الله من الدنس وطهرهم تطهيرا وهم الذين وردت أسماؤهم في آية المباهلة فكانوا خيرة من اختارهم الله للمباهلة مع النصاري، وهم الذين وردت بهم آيات القرآن الأخري وهم الثقل الذي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): " إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ". أليست فاطمة وابناها هم عترة رسول الله فهل جاز لأبي بكر وعمر من بعده وعثمان التنكيل بهم وغصب جميع حقوقهم كأنهم ليسوا مسلمين وكأنهم من أعداء الاسلام، أيها القارئ المطالع المتتبع المنصف! إعدل وأقسط، وقل الحق. هل كان يجوز لمثل هذا ان يجلس مجلس رسول الله ويغتصب حق عترته وحق وصيه ويسلط عليهم ألد أعدائهم فلم يرقب إلا ولا ذمة لمطاردتهم وتشريدهم وقتلهم وظلمهم وسبهم علي المنابر ورؤوس الاشهاد وقتل وهتك وسلب ومطاردة صحابة رسول الله ومحبي آل محمد؟ من أسس أساس هذا الظلم العاتي؟ ومن غير وبدل الروايات والسنن واجتهد وفسر آيات الله وسننه بين الناس وحرف ما حرف؟ علي من تقع اللائمة؟
(١٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الثقلين (1)، آية التطهير (1)، آية المباهلة (1)، القرآن الكريم (1)، الظلم (1)، القتل (1)

درجة ثقة رسول الله بأبي بكر

درجة ثقة رسول الله بأبي بكر
صفحه(١٩٧)
تتجلي في الغار عند الهجرة، وفي حملة خيبر ويوم حنين واستعادة سورة البراءة. وأمره بقتل المارق وفي جيش أسامة، يوم لعن من تخلف عن جيش أسامة وغيرها.
لا شك ان كل فرد يجرب أصحابه في المعاملات والسفر، وفي المكاره والحروب، والمشكلات، وكان رسول الله من الطراز الأول لهذا الانتخاب، فقد عرف كيف ينتخب، وكيف يصنف، وكيف يعتمد علي كل فرد، وكيف يبرهن علي درجة اعتماده وثقته بهم، وعرف كيف يبرهن لهم عمليا عن درجة لياقة كل واحد منهم في تحمل الشدائد، ويبرهن لهم درجة إخلاصهم في دينهم والذب عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والتضحية في سبيل الاسلام. وأما أبو بكر الذي كان من أوائل المسلمين وأبا عائشة أم المؤمنين، وأولي زوجاته بعد زوجته المخلصة المؤمنة الزكية خديجة الكبري، فقد كان كما قلنا رغم انه من أوائل من أسلم بيد ان رسول الله عندما آخي قبل الهجرة بين المسلمين نجده رغم كون أبي بكر يناسبه سنا وفي مقدمة المسلمين السابقين لم يؤاخه بل يؤاخي عليا ذلك الذي له في السن البون الشاسع بينهما، ثم نجده ينتخب عليا لصحبته ما دام في مكة المكرمة قبل الهجرة، حتي إذا اجتمعت زعماء قريش وقرروا الاشتراك جميعا في قتله ولم يكن له مناص سوي الهجرة وترك علي في فراشه فيتقبل هذه التضحية العظمي بنفسه
(١٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، خيبر (1)، الزوجة (1)، القتل (2)
وبالامكان بأي لحظة من هذه الليلة المظلمة وهم يعلمون ويوقنون أن محمدا نائم ان يهووا بسيوفهم عليه دون شك ولا ريب، ومن يضحي بنفسه يبيت في محله مثل علي يدري كيف يظهر لهم الطمأنينة، ويغفلهم حتي آخر لحظة ممكنة كي يسلم رسول الله في هجرته من أذاهم وقتلهم وهكذا نام في فراشه محتسبا صابرا، شجاعا لا يبدوا عليه أي حزن أو خوف لسلامة رسول الله وحفظه من المشركين.
اما أبو كبر فرغم كونه في الغار وعلي الغار قد عششت الحمام وخيوط العنكبوت قد أحاطت فم الغار نجد ان الخوف والحزن يستولي علي أبي بكر حتي تنزل الآية: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فهذا النهي من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر أن لا يحزن وتذكيره بالله انه معهم علي ماذا يدل سوي ان ابا بكر ظهر عليه الحزن لدرجة ظهر علي محياه وحديثه، والحزن في المواقع ألا يدل علي الشك وقلة الإيمان بالله وبالرسالة والرسول حتي ينهاه عن الحزن؟ وقد مر ذلك في مجادلة المأمون مع إسحاق. فهذه كانت من التجارب الأولي والتمحيص لأبي بكر في سلوكه وايمانه.
أما في حملة خيبر وقد أعطي رسول الله في اليوم الأول لأبي بكر الراية والامارة للحملة بيد أنه رجع مندحرا مخذولا ولم ينجح في مهمته، وفي اليوم الثاني فالراية قد أعطاها لعمر وأمره بالحملة علي اليهود وفتح خيبر، فلم يكن حظه أسعد من أخيه وصاحبه أبي بكر وعاد في آخرها مندحرا مغلوبا. فقال بعد ذلك كلمته المأثورة العظيمة: " لأعطين الراية غدا إلي رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار " فاشرأبت الأنظار إلي هذا الذي سيحمل هذا الوسام العظيم من رسول الله، وهذا الرجل الذي نعته رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وخاتم النبيين بهذه الصفات الممتازة، وتطاولت الأعناق وتساءل القوم: من هو هذا البطل المرموق والمؤمن المخلص والمجاهد العظيم والشجاع والقائد المحنك؟ ولم يطق
(١٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، خيبر (2)، الحزن (3)، القتل (1)، النهي (1)، الخوف (2)، النوم (1)، الإستحمام، الحمام (1)
أبو بكر صبرا فقال: أنا يا رسول الله؟ ونسي أنه الرجل الذي اندحر في أولها، فقال له: لا، وقال عمر: أنا يا رسول الله؟ ونسي هو الثاني اندحاره اليوم، فأجابه: لا.
فمن هو؟ وفي الصباح الباكر والكل ينتظر رجل الحملة الذي يفتح الله علي يده خيبر، ويقتل شجعانها المعروفين مثل مرحب وغيره، ويقهر حصونها ويفتح أبوابها ويقلعها، فمن هو يا تري؟ وإذا برسول الله يقول: ائتوني بأخي علي (عليه السلام)، وهنا تنفس المناوئون له، إذ يعلمون أنه أرمد ولا يطيق ذلك، حسدا ونكاية، وسرعان ما أجابوه: إنه أرمد، فقال: ائتوني به وإذا به يمسح عينيه بريقه فيشفيان ويقلده الراية ويأمره بالحملة فيحمل البطل الكرار فيقتل أكبر شجعانها ويهزمهم شر هزيمة فيتحصنون وراء الحصون والقلاع، ودونها باب خيبر العظيمة التي لا يزحزحها الرجال، وإذا بعلي يقتلع تلك الباب العظيمة ويدخلون الحصن فاتحين.
أيها القارئ الكريم! ألم تكن هذه أعظم تجربة في قيادة وزعامة الرجال وقدرتهم الروحية والبدنية؟ وتلك شهادة رسول الله له وتلك تجربته التي أجراها علي كل منهم حتي فتحت برجلها المغوار المحنك، الذاب عن رسول الله وناصر الاسلام بنفسه وسيفه واخلاصه.
ويوم حنين ويا له من يوم عظيم، ويا لها من تجربة عظيمة يوم انهزم القوم جميعا فارين تاركين نبيهم وحده، ولم يبق معه سوي سبعة من بني هاشم: العباس آخذ بزمام بغلة النبي، وخمسة يحيطون به للدفاع عنه، وعلي وحده يذب ويدافع ويهاجم دونه، ويقتل كل عدو يريد الاقتراب من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، والعباس يصرخ بأعلي صوته: يا أهل بيعة الشجرة، ينادي المسلمين للعودة وعدم الفرار، حتي عاد القوم وكتب الله النصر للمسلمين. وقد كان من الفارين أبو بكر وعمر.
ومن شاء فليطالع التاريخ والسير، وما نقله ابن عبد ربه في محاجة المأمون مع الأربعين فقيها في المحاجة والمناظرة واثبت لهم ذلك، فاعترفوا بالواقع فكأنه
(٢٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، خيبر (2)، بنو هاشم (1)، بيعة الشجرة (1)، القتل (2)، الكرم، الكرامة (1)، الباطل، الإبطال (1)، الشهادة (1)
يريد إظهار الواقع للقوم كواجب عليه، وبعد اقتناعهم عاد وقال: " اللهم قد أخرجت القول من عنقي، اللهم إني أديتك بالتقرب إليك بحب علي وولايته ".
وفي يوم أرسل سورة البراءة بيد أبي بكر ليتلوها علي قريش وقد عد أبو بكر له الفخر والشرف العظيمين بهذه الثقة ولكن سرعان ما طلب رسول الله عودة أبي بكر واخذ منه السورة وأعطاها لعلي لتلاوتها علي قريش. ومهما كان ذلك سواء كان بامر الله أو بامر رسوله فإنه يدل علي مدي ثقة الله ورسوله بكل منهما.
ومنها زواج البتول فاطمة الزهراء ابنته التي قال: " فاطمة بضعة مني من أحبها فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضها فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ". فاطمة التي طهرها الله وزكاها من الدنس في آية التطهير (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). والتي اختارها الله ورسوله للمباهلة في آية المباهلة في قوله تعالي: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) والأبناء هما الحسن والحسين، والنساء فاطمة الزهراء فقط، وأنفسنا هما رسول الله وعلي ومن شاء فليراجع التفاسير والسير جميعا.
هذه فاطمة يخطبها كثيرون ومنهم أبو بكر وعمر فيأبي الله ورسوله، فكانت زوجة علي وصي رسول الله وأخيه ووزيره الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي، وهنا أيضا راجع الصحاح وما ورد من اخبار العامة. وكانت ذرية رسول الله هم ذريتها من ولديها الحسن والحسين من علي (عليه السلام).
ومنها سد أبواب جميع المسلمين المفتوحة علي المسجد عدا باب علي بامر الله ورسوله.
ولا ننسي جيش أسامة، وان رسول الله يجعل أمير الجيش أسامة وهو لما يبلغ العشرين وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة والزبير وكبار الصحابة
(٢٠١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، آية التطهير (1)، سورة البراءة (1)، آية المباهلة (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، البغض (1)، الطهارة (1)، الزوج، الزواج (1)، السجود (1)
من المهاجرين والأنصار كسائر الناس تحت قيادته لماذا لم يؤمر فيها أبا بكر أو عمر إن كانا بدرجة يعتمد عليهما رغم اعتراضهما وتأخرهما حتي لعن من تخلف عن جيش أسامة، وكان مما أسف عليه أبو بكر في مرض موته هو تأخره عن جيش أسامة وقد شهد علي نفسه بالتخلف.
بينما نجد عليا اختص به رسول الله لنفسه وبقربه. ولم يحدث ولا مرة أن أمر أحدا علي علي في جميع غزواته سوي تلك التي كانت الامارة تحت نظره مباشرة، وأخيرا حينما أرسلت عائشة لأبيها في مرض موت رسول الله ليصلي بالمسلمين سرعان ما نجد رسول الله وهو مريض يحضر ويصلي بهم ولا يترك ابا بكر اماما يأتمون به. هذه التي مر ذكرها وخصوصا أيام مرض رسول الله وتخلف أبي بكر وعمر عن الالتحاق بجيش أسامة ومخالفة عمر في كتابة العهد حينما طلب رسول الله قلما وقرطاسا يكتب فيه كي لا يضل القوم بعده فمنع عمر ذلك وبعلم من أبي بكر إذ كانا دوما متفقين وفي سياسة واحدة ولو كان أبو بكر منع عمر لانتهي عن عمله ولكنهما اتفقا وقررا مخالفة رسول الله في وصيته كما جاء في كتاب معاوية لمحمد بن أبي بكر في جواب كتابه سابق الذكر.
إذن كان رسول الله يعرف كل ذلك ولكنه أخبر من الله ان القوم سوف ينقضون الوصية والإمامة والخلافة والسلطة بعده كما جاء تلميحا في حديث عبد الله بن عمر للحسين بن علي حينما أراد مغادرة الحجاز للعراق بدعوة أهل العراق في زمن يزيد حيث قال له: أحدثك بحديث لأردك فيه، إنكم من الله لكم الآخرة، والدنيا لغيركم، فاترك ما أنت فيه من السفر والذهاب إلي الكوفة.
(٢٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، دولة العراق (2)، مدينة الكوفة (1)، عبد الله بن عمر (1)، محمد بن أبي بكر (1)، الشهادة (1)، المنع (1)، الضلال (1)، الموت (1)، المرض (3)، الوصية (1)، الصّلاة (1)

فضائله وما نزلت في أبي بكر من الآيات وما نعته به رسول الله

فضائله وما نزلت في أبي بكر من الآيات وما نعته به رسول الله
صفحه(٢٠٣)
ذكرنا الآية التي نزلت عليه في الغار (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) وقد مر تفسير الآية بنظر الخليفة المأمون في مناظرته مع الأربعين فقيها كما جاء عن ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد. وما كان يدل علي مدح سوي ان ابا بكر حزن ورسول الله نهاه عن الحزن وقال له يذكره: ان الله معنا فلا داعي للخوف والحزن، وهل يليق بمن آمن بالله ورسوله وصاحب رسول الله، وهو معه، ان يتداخله الحزن لهذه الدرجة التي نهاه الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عنه ويذكره بالله وانه معهم!؟ وما أكثر الروايات المختلقة في أبي بكر وعمر وعثمان وآل أمية في زمن بني أمية أخصهم معاوية الذي أعلن في رسالته لعماله أن يختلقوا الروايات في آل أمية وأخص منهم عثمان وبعدهم عمر وأبا بكر وينسبوا لهم الفضائل التي نسبت لعلي وآله، ويبدلوا ما روي في علي وآله من المدح ذما، وان يكثروا الهدايا والمنح لكل من يفعل ذلك، وبالعكس: القتل والتعذيب والسلب والهدم والتحقير لكل من روي عن أبي تراب وآله، وتعليم الصبيان في المكاتب وبث الخطب في الجوامع، وإباحة سب أبي تراب وآله حتي جعلها سنة في الصلاة والأعياد، فما تراه من الروايات في أبي بكر أكثرها يناقض الواقع، وتناقضها آيات قرآنية وسنن وروايات نبوية مسلمة في الصحاح، وكذبها أكابر علماء السنة كما مر.
(٢٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، بنو أمية (1)، الحزن (3)، القتل (1)، السب (1)

هل اتبع أبو بكر احكام الله وسنن وأوامر رسول الله في حياته وبعد مماته

هل اتبع أبو بكر احكام الله وسنن وأوامر رسول الله في حياته وبعد مماته
صفحه(٢٠٥)
أبو بكر وعمر يتخلفان عن جيش أسامة. ويغيبان عن جنازة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ويحضران سقيفة بني ساعدة ويكتمان وصية رسول الله في علي (عليه السلام).
كلمة طلحة قبيل وفاة أبي بكر يلومه علي عهده لعمر. نبذة من خطبة الزهراء فاطمة. وأهمها إظهار سخطها عليهم بعد إقرارهما ان سخطها سخط رسول الله.
وإليك أيها القارئ نبذا من هذه الروايات.
قال الشهرستاني: أول تنازع في مرضه (أي رسول الله) (صلي الله عليه وآله وسلم) ما رواه محمد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس، قال: لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه قال: " ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي " فقال عمر: ان رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط فقال النبي:
" قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع ". قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله.
وقال الشهرستاني بعدما تقدم: الخلاف الثاني في مرضه أنه قال " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " فقال قوم يجب علينا امتثال أمره وأسامة قد برز من المدينة، وقال قوم قد اشتد مرض النبي فلا تسع قلوبنا مفارقته والحال هذه فنصبر حتي نبصر أي شئ يكون من امره. قال الشهرستاني:
وانما أوردت هذين التنازعين لأن المخالفين ربما عدوا ذلك من المخالفات
(٢٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (2)، السقيفة (1)، المرض (3)، الموت (1)، الوصية (1)، الوفاة (1)
المؤثرة في امر الدين وهو كذلك، وان كان الغرض كله إقامة مراسم الشرع في حال تزلزل القلوب وتسكين ثائرة الفتنة المؤثرة عند تقلب الأمور.
أقول: مما لا شك فيه أن عمر وأبا بكر باعترافهما فيما مر ويأتي أنهما خالفا رسول الله الأول في تخلفهما عن جيش أسامة كما اعترف أبو بكر وانه قال في مرض موته: إنه يأسف لتخلفه عن جيش أسامة. والثاني أي عمر كما يرد انه اعترف أمام ابن عباس انه صد القوم عن إتيان القلم والقرطاس للنبي لأن عمر كان يدري أن النبي يريد كتابة العهد لعلي. فإذا كان غلب عليه المرض علي حد قوله أو أن النبي يهجر، كيف قبلتم عهد أبي بكر في عمر والذي أكمله عثمان، وأبو بكر في حالة الغيبوبة؟ ومن خول أبا بكر ان يعطي أمر الأمة إلي عمر دون أخذ رأي الأمة ان كان احتج ببيعته في السقيفة من قبل الأمة.
نقل عن ابن أبي الحديد في عنوان جواب علي لما خاطبه العباس وأبو سفيان ان يبايعا له. قال البراء بن عازب لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله خفت ان تتمالأ قريش علي اخراج هذا الامر عنهم فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة وإذا قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر، فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر وقد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها علي يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبي، فأنكرت عقلي وخرجت اشتد حتي انتهيت إلي بني هاشم والباب مغلق، فطرقت عليهم الباب طرقا عنيفا وقلت: قد بايع الناس أبا بكر بن أبي قحافة، فقال العباس " تربت أيديكم إلي آخر الدهر " اما اني امرتكم فعصيتموني فمكثت أكابد ما في نفسي ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان
(٢٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (1)، عبادة بن الصامت (1)، أصحاب السقيفة (1)، البراء بن عازب (1)، بنو هاشم (2)، السقيفة (2)، البيعة (1)، المرض (1)، الخوف (1)، الموت (1)، الحزن (1)، الغلّ (1)، الجماعة (1)
وحذيفة وعمارا وهم يريدون ان يعيدوا الامر شوري بين المهاجرين وبلغ ذلك أبا بكر وعمر فأرسلا إلي أبي عبيدة وإلي المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة: الرأي ان تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الامر نصيبا لتقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب، إلي أن قال، فقال العباس لأبي بكر في جملة ما قال: وما أبعد قولك إنهم طعنوا من قولك انهم مالوا إليك. إلي أن قال: واما قولك يا عمر: إنك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذلك وقال النظام وهو من مشايخ المعتزلة وأستاذ الجاحظ: وقد نص النبي علي علي كرم الله وجهه في مواضع، وأظهره إظهارا لم يشتبه علي الجماعة إلا أن عمر كتم ذلك وهو الذي تولي بيعة أبي بكر يوم السقيفة.
وروي ابن عبد ربه أن عثمان لما أراد أن يقرأ عهد أبي بكر قال له طلحة:
اقرأه وان كان فيه عمر، فقال له عمر: وبم علمت ذلك، فقال وليته أمس وولاك اليوم. وقال ابن أبي الحديد: وعمر هو الذي شيد بيعة أبي بكر بدفع المخالفين فكسر سيف الزبير لما جرده ودفع في صدر المقداد ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة وقال: اقتلوا سعدا قتل الله سعدا، وحطم انف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة أنا جديلها المحنك وعذيقها المرجب، وتوعد من لجأ إلي دار فاطمة من الهاشميين وأخرجهم منها، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة.
نقل ابن أبي الحديد عن كتاب أبي بكر للجوهري في السقيفة عن يعقوب بن شيبة عن يحيي بن حماد عن أبي عوانة عن سليمان الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن رافع بن أبي رافع قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) جيشا فأمر عليه عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر وعمر وأمرهم ان يستنفروا من مروا به فمروا علينا فاستنفرونا فنفرنا في غزاة ذات السلاسل وهي التي تفخر بها أهل الشام يقولون: استعمل رسول الله عمرو بن العاص علي جيش فيه أبو بكر
(٢٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، مدرسة المعتزلة (1)، علي بن أبي طالب (1)، المغيرة بن شعبة (1)، يحيي بن حماد (1)، سليمان الأعمش (1)، عمرو بن العاص (2)، طارق بن شهاب (1)، الشام (1)، السقيفة (4)، القتل (1)، الوطئ (1)، الجماعة (1)
وعمر فقلت: والله لأختارن في هذه الغزاة لنفسي رجلا من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) استهديه فاني لست أستطيع إتيان المدينة فاخترت ابا بكر ولم آل، وكان له كساء فدكي يحله عنه إذا ركب ويلبسه إذا نزل وهو الذي عيرته به هوازن بعد النبي وقالوا: لا نبايع ذا الحلال، فلما قضينا غزاتنا قلت له: يا أبا بكر! أني قد صحبتك وان لي عليك حقا فعلمني شيئا انتفع به، فقال: قد كنت أريد ذلك لو لم تقل لي: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتحج البيت، وتصوم شهر رمضان، ولا تتأمر علي رجلين، فقلت: اما العبادات فقد عرفتها، أرأيت نهيك لي عن الامارة وهل يصيب الناس الخير والشر إلا بالامارة؟ فقال إنك مستجهد في فجهدت لك، إن الناس دخلوا في الاسلام طوعا وكرها وأجارهم الله من الظلم جيران الله وعواذ الله وفي ذمة الله فمن يظلم منكم إنما يحقر ربه، والله ان أحدكم ليأخذ شويهة جاره أو بعيره، فيظل عمله بأسا بجاره، والله من وراء جاره. قال: فلم يلبث إلا قليلا حتي اتتنا وفاة رسول الله فسألت: من استخلف بعده؟ قيل: أبو بكر، قلت: أصاحبي الذي كان ينهاني عن الامارة؟ (قالوا: نعم) (1)، فشددت علي راحلتي فأتيت المدينة فجعلت اطلب خلوته حتي قدرت عليها، فقلت: أتعرفني؟ أنا فلان بن فلان، أتعرف وصية أوصيتني بها؟ قال: نعم. إن رسول الله قبض والناس حديثو عهد بالجاهلية، فخشيت أن يفتتنوا وان أصحابي حملونيها. فما زال يعتذر إلي حتي عذرته وصار من أمري بعد أن صرت عريفا (2). وأقول: لماذا اعتذر؟ وهو الذي عمل ما نهي عنه أمس وأرادها فتنة وارجاع الجاهلية لولا علي وتريضه وعدم مطالبته بحقه بالسيف وهو اشجع العرب وتشهد له العرب بذلك والكل يعلم بأنه وصي رسول الله، وهو عديل القرآن في وصية رسول الله " أوصيكم بالثقلين كتاب الله وعترتي
(١) ما بين القوسين ليس في كتاب: السقيفة وفدك. لأبي بكر الجوهري، ص ٦٦.
(٢) السقيفة وفدك، لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، ص 65 - 66.
(٢٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: شهر رمضان المبارك (1)، القرآن الكريم (1)، الظلم (1)، الزكاة (1)، الجهل (1)، الصّلاة (1)، الوصية (1)، الوفاة (1)، أحمد بن عبد العزيز الجوهري (1)، السقيفة (2)
أهل بيتي " وهو القائل في خطبته الشقشقية: اما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير.. إلي آخر ما قال. وهل يقبل الله عذره (يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من اخباركم) (1).
وقد روي الجوهري أيضا بعد ذلك الخبر باخبار عن حبيب بن ثعلبة قال " سمعت عليا يقول: أما ورب السماء والأرض ثلاثا أنه لعهد النبي الأمي إلي لتغدرن بك الأمة من بعدي " (2).
وروي أبو بكر الجوهري في كتاب سقيفته كما نقله ابن أبي الحديد في آخر شرحه لقوله (عليه السلام) في معني الأنصار ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مرض موته امر أسامة بن زيد بن حارثة علي جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأمره ان يغير علي مؤتة حيث قتل أبوه زيد، وان يغزو وادي فلسطين فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثقاله وجعل رسول الله يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث حتي قال له أسامة: بأبي أنت وأمي أتأذن لي ان امكث أياما حتي يشفيك الله تعالي؟ فقال:
اخرج وسر علي بركة الله! فقال: " ان خرجت وأنت علي هذا الحال، خرجت وفي قلبي قرحة منك "، فقال: " سر علي النصر والعافية " فقال: " إني أكره أن سأل عنك الركبان "، فقال: " انفذ ما امرتك به ". ثم أغمي علي رسول الله وقام أسامة فجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله سأل عن أسامة والبعث فأخبر انهم متجهزون، فجعل يقول: " أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عنه " ويكرر ذلك، فخرج أسامة واللواء علي رأسه والصحابة بين يديه حتي إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ومن الأنصار أسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهم من
(١) سورة التوبة، الآية ٩٤ والخطبة هي المعروفة بالشقشقية.
(٢) السقيفة للجوهري، ص 69.
(٢١٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، المهاجرون والأنصار (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، زيد بن حارثة (1)، بشير بن سعد (1)، البعث، الإنبعاث (1)، القتل (1)، الموت (1)، المرض (1)، النفاذ، التنفيذ (1)، كتاب السقيفة للجوهري (1)، سورة البراءة (1)
الوجوه فجاءهم رسول أم أيمن يقول له: ادخل فإن رسول الله يموت، فقام من فوره ودخل المدينة واللواء معه فجاء به حتي ركزه بباب رسول الله ورسول الله قد مات في تلك الساعة قال: فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلي أن ماتا إلا بالأمير.
وان من راجع السقيفة تبين له ان أصل الفتنة وفرعها هو المهاجرون سوي الزبير سيما ابا عبيدة، فان أبا بكر كان يفوض إلي عمر وأبي عبيدة وهما يفوضان إليه وأما الأنصار فإن بشر بن سعد الأنصاري أول من بايع أبا بكر حسدا لابن عمه سعد بن عبادة ان ينالها، وأسيد بن حضير هو الذي ساعد عمر علي كشف بيت فاطمة (عليها السلام).
مر بنا ان أبا بكر وعمر طلبا مقابلة وزيارة فاطمة لترضيتها فلم تقبل فوسطا عليا (عليه السلام) علي ذلك فقبلت، وسلما فلم تجب وبعدها أقسمت انهما سمعا رسول الله يقول إن رضا فاطمة رضاه فشهدا فتوجهت لله وقالت اشهد الله أنكما أغضبتماني ولم ترضياني، وسوف ادعو عليكما بعد كل صلاة. وأجاب ابن أبي الحديد في هذه المسألة بما لم يكن أدون من ذلك فقال: والصحيح عندي ان فاطمة ماتت وهي واجدة علي أبي بكر وعمر، وأنها أوصت أن لا يصليا عليها وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما وكان الأولي بهما اكرامها واحترام منزلتها لكنهما خافا الفرقة وأشفقا من الفتنة ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما، وكانا من الدين وقوة اليقين بمكان مكين فان الشكل الأول بديهي الانتاج لا يشكك فيه إلا السفسطائية (1) الذين يشككون في الضروريات.
وإليك نص ابن قتيبة: فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلي فاطمة فانا قد
(١) جاء في صحيح البخاري ج ٢ ص ١٨٥ و ١٨٩ وج ٣ ص ١٦٤ قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاطمة بضعة مني فمن اذاها آذاني ومن آذاني آذي الله. وجاء في صحيح البخاري ج ٢ ص ١١٥ وج 3 ص 35 ان فاطمة ماتت وهي غضبي علي أبي بكر وعمر.
(٢١١)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، سعد بن عبادة (1)، السقيفة (1)، الموت (1)، الصّلاة (1)، الزيارة (1)، كتاب صحيح البخاري (2)
أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا علي فاطمة فلم تأذن لهما فاتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلي الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام إلي أن قال: فقالت فاطمة أرأيتكما ان حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: " نشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله يقول رضا فاطمة رضاي، وسخط فاطمة سخطي؟ " قالا: " نعم " سمعناه من رسول الله، قالت: " فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ". إلي أن قال: " وهي تقول لأبي بكر: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ".
هنا كما مر في الروايات المتقنة يتجلي للقارئ الكريم ان ابا بكر وعمر كلاهما خالفا أوامر الله وأوامر رسوله في جميع وصاياه في علي بن أبي طالب وعترته كما مر في جميع الموارد التي نزلت في علي (عليه السلام) انه كان أخا ووزيرا ووصيا لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمر بنصرته واتباعه، وانه مولي جميع المؤمنين والمسلمين مثل رسول الله، ولم تظهر مخالفة أبي بكر صريحة إلا في تخلفه عن جيش أسامة والتي لعن رسول الله كل متخلف واتباع أبي بكر عمر في عدم تقديم قلم وقرطاس لرسول الله ومخالفة أوامره صراحة وأعظمها التباني علي اغتصاب الخلافة علي خلاف ما امر رسول الله وحضور السقيفة والتآمر علي ذلك وهم عصبة لا يتجاوزون العشرة، وبعدها ارغام البعض بالبعض الآخر والتهديد والقهر والقتل والهتك، ولا ننسي قتل ابن نويرة وليلة قتله النزو علي زوجته المحصنة قهرا وعمر يهدد خالدا علي عمله بالحد وإذا بأبي بكر وهو يعلم ذلك ويعفيه ويقلده وسام الفخر، ويسميه سيف الله. وعمل كلما يؤيد حكمه من ضرب أخلص المؤمنين والصحابة المقربين المتبعين لأوامر الله ورسوله لأدني اعتراض عليه، واعطاء الولاية والحكم لكل من والاه مهما بلغ من الخصومة لرسول الله، وابعاد علي وآل الرسول من أي منصب، وتهيئة الملك لآل أمية.
(٢١٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، علي بن أبي طالب (1)، السقيفة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الزوجة (1)، القتل (2)، الضرب (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (1)
وسوف يمر في موضوع فدك الشرح الوافي في غصب فدك من بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومنع الخمس عن أهل البيت وهم محرومون من الزكاة راجع بذلك صحيح البخاري في باب فرض الخمس 5 ص 5. وكيف ان فاطمة غضبت علي أبي كر وعمر كما أخرجه في الغزوات باب غزوة خيبر ج 6 ص 196 وكلا الروايتين عن عائشة، كما أخرجه مسلم في صحيحه 2 ص 72، وجاء في مسند الإمام أحمد ج 1 ص 6 و 9 وتاريخ الطبري ج 3 ص 202، ومشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص 48، وسنن البيهقي ج 6 ص 300 و 301 وكفاية الطالب ص 226، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 285، وقال في ج 6 ص 333: لم تزل فاطمة تبغضه مدة حياتها، وذكره بلفظ الصحيحين الديار بكري في تاريخ الخميس ج 2 ص 193.
وقد دفنت ليلا طبق وصيتها لموجدتها علي أبي بكر كي لا يصلي عليها وصلي عليها علي وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس. راجع بذلك طبقات ابن سعد ورسائل الجاحظ ص 300، ووصية الأولياء ج 2 ص 43، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 163، وطرح التثريب ج 1 ص 15 وأسد الغابة ج 5 ص 254، والاستيعاب ج 2 ص 751، ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 83، وارشاد الساري للقسطلاني ج 6 ص 362، والإصابة ج 4 ص 378 و 380، وتاريخ الخميس ج 1 ص 313.
وروي البخاري عن عائشة ان فاطمة لما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلي عليها، وفاطمة بضعة رسول الله وحبيبته والتي عصمها الله وأباها وزوجها وبنيها في آية التطهير. راجع بذلك التفاسير، كما راجع عما ورد عنها في تفسير آية المباهلة. لتراها ليست كغيرها من نساء العالمين وان الله طهرها وزكاها من الرجس.
وإذا ما راجعت الصحاح الستة والمؤرخين والمفسرين والمحدثين لوجدت متواترا ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال:
(٢١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، آية التطهير (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، معركة خيبر (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، آية المباهلة (1)، أسماء بنت عميس (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الخوارزمي (1)، الزكاة (1)، الزوج، الزواج (1)، الغسل (1)، الغصب (1)، الصّلاة (1)، الخمس (2)
" فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " وقوله: " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويغضبني من أغضبها " وقد جاء ذلك بألفاظ متعددة ونفس المعني، راجع بذلك صحيح البخاري في المناقب ج 5 ص 274، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 216 وسنن أبي داود السجستاني ج 1 ص 324 والحافظ أبا عيسي الترمذي في جامعه ج 2 ص 316، وابن ماجة وأبا داود، وفي نوادر الأصول للحكيم أبي عبد الله الترمذي ص 308 وخصائص النساء ص 35 وصحيح مسلم 2 ص 261 وابن أبي مليكة وابن عيينة والامام احمد في مسنده ج 4 ص 322 و 328 واليربوعي والطيالسي والهذلي وابن سعيد الثقفي وابن حماد المعري وأغاني الأصفهاني ج 8 ص 156 ومستدرك الحاكم ج 2 ص 154 وحلية أبي نعيم ج 2 ص 40 وسنن البيهقي الكبري ج 7 ص 307 ومشكاة الخطيب ومقتل الخوارزمي، وتاريخ ابن عساكر ص 298 وشفاء القاضي عياض، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 458 وصفوة الصفوة لابن الجوزي في أسد الغابة ج 5 ص 521، وابن طلحة في مطالب السؤول وتذكرة السبط الحنفي ص 175 وكفاية الكنجي، وذخائر العقبي ص 37 وشرح مختصر الأندلسي وتلخيص الذهبي ومواقف الإيجي، ودرر الزرندي، ومرآة الجنان وطرح التثريب ومجمع الزوائد، وتهذيب التهذيب والجامع الصغير والكبير، والمواهب اللدنية وفي خميس القاضي المالكي وفي الصواعق ص 112 و 114 وخلاصة الخزرجي، وكنوز دقائق المناوي. وفتح المثقال للمغربي المالكي، ووسيلة المآل لأبي كثير المكي وشرح المواهب للزرقاني المالكي، وتاج العروس، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ومرقاة الوصول للدمشقي، ونثر اللآلئ للآلوسي وغيرهم. وقد جاء في شرح الجامع الصغير ج 4 ص 421 المستدل به السهيل علي أن من سبها كفر لأنه يغضب النبي وانها أفضل من الشيخين، وقال الشيخ السمهوري: ومعلوم ان أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه. قال ابن حجر: وفيه تحريم أذي من يتأذي
(٢١٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن ماجة (1)، الخوارزمي (1)
المصطفي (صلي الله عليه وآله وسلم) بتأذيه، فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فالنبي يتأذي به بشهادة هذا الخبر، ولا شئ أعظم من ادخال الأذي عليها من قبل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطي ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
سب فاطمة كفر هكذا قال أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفي سنة 1122 في شرح المواهب ج 3 ص 205:
استدل بها السهيلي ان من سبها كفر وتوجيهه انها تغضب ممن سبها وقد سوي بين غضبها وغضبه ومن أغضبه كفر. وجاء في الفصول المهمة ص 150 ونزهة المجالس ج 6 ص 228، ونور الابصار ص 45 وهو آخذ بيد فاطمة: " من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي بضعة مني، هي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ". وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها ". أو قوله لها: " ان الله يغضب لغضبك ويرضي لرضاك ".
راجع هذا في معجم الطبراني، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 154 وصححه، ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 52 وتذكرة السبط ص 175، وكفاية الكنجي ص 219، وذخائر العقبي للطبري ص 31، ومجمع الزوائد ج 9 ص 203، وميزان الاعتدال، وتهذيب التهذيب ج 12 ص 443، وكنز العمال ج 7 ص 111، واخبار الدول هامش الكامل ج 1 ص 185، وكنوز دقائق المناوي، وشرح مواهب الزرقاني، والاسعاف ص 171. وينابيع المودة 173 - 174، الآية (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله) و … الخ، فمن آذاها شملته الآية في اللعن والعذاب.
(٢١٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (1)، أبو عبد الله (1)، الخوارزمي (1)، الغضب (2)، الأكل (1)، الوفاة (1)

سرية اسامة

سرية أسامة
صفحه(٢١٧)
سنة 11 للهجرة لأربع بقين من صفر عبأ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) آخر سرية بنفسه واهتم بالسرية هذه اهتماما عظيما، وأمر أصحابه بالتهيؤ لها وحضهم حضا عظيما عليها ولم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم إلا عبأه بالجيش، وذلك ما أجمع عليه أهل السير والاخبار، كطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، وابن الأثير، والسيرة الحلبية، والسيرة الدحلانية، وغيرها. وفي النوادر مما أورده الحلبي عند ذكر هذه السرية ج 3 من سيرته قال: إن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأي إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل في الذكاء وهو صبي ووراءه أربع مئة من العلماء وأصحاب الطيالسة، فقال المهدي: أف لهذه العثانين " أي اللحي " أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم التفت إليه المهدي وقال: كم سنك يا فتي؟ فقال: سني ما أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) جيشا فيه أبو بكر وعمر. فقال: " تقدم بارك الله فيك، قال الحلبي وكان سنه 17 سنة " فلما كان من الغد دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أسامة فقال له: سر إلي موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغد صباحا علي أهل ابني وحرض عليهم وأسرع السير لتسبق الاخبار، فان أظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون والطلائع معك. بيد أن اليوم 28 صفرا بدأ مرض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فحم وفي
(٢١٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، المهاجرون والأنصار (1)، إبن الأثير (1)، إياس بن معاوية (1)، أسامة بن زيد (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، مدينة البصرة (1)، القتل (1)، المرض (1)
صباح اليوم التاسع والعشرين حين وجدهم متثاقلين خرج إليهم وحضهم علي السير، وعقد اللواء لأسامة بيده الشريفة. وقال: أغز بسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلي بريدة وعسكر بالجرف (كان عمر زمان خلافته يقول لأسامة: مات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنت علي أمير - نقل ذلك المؤرخون منهم الحلي) ثم تثاقلا هناك فلم يبرحا بالرغم من نص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي إسراعهم قبل وصول الاخبار، وطعنهم بتأمير أسامة حتي غضب (صلي الله عليه وآله وسلم) غضبا شديدا، فخرج (صلي الله عليه وآله وسلم) معصب الرأس محموما مدثرا بقطيفة وكان يوم السبت يوم العاشر من ربيع ويومين قبل وفاته وصعد المنبر وقال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وأيم الله انه كان لخليقا بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها، وحضهم علي المبادرة إلي السير فجعلوا يودعونه ويخرجون إلي العسكر بالجرف وهو يحضهم علي التعجيل ثم ثقل مرضه فجعل يقول " جهزوا جيش أسامة جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة " يكرر ذلك وهم متثاقلون حتي اليوم الثاني عشر من ربيع الأول (يوم الاثنين) دخل أسامة من معسكره علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فأمره بالسير قائلا: اغد علي بركة الله تعالي، فوعده وخرج إلي المعسكر، ثم رجع ومعه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه، فتوفي في نفس اليوم. فرجع الجيش إلي المدينة وكادوا يعزلون أسامة لولا اصرار أبي بكر، فذهب أسامة وانتصر وعاد منصورا، فكان نص رسول الله صائبا، ومن خالفوه ومنهم عمر الذي جاء أبا بكر علي عزل أسامة فلم يرض، وكانوا يطلبون من أبي بكر إلغاء البعث، فوثب أبو بكر واخذ بلحية عمر فقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وتأمرني أن انزعه. ذلك ما نقله الحلبي والدحلاني في سيرتيهما، وابن جرير في تاريخه وغيرهم.
(٢١٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، شهر ربيع الأول (1)، سبيل الله (1)، البعث، الإنبعاث (1)، المرض (1)، الموت (1)، الجود (1)
وقد أورد الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه " فمن هو الذي تأخر؟ أليس الذين اغتنموها فرصة وكسبوا الخلافة رغم النصوص ولم يردعهم الامر واللعن، وحتي ما نعوا من الإتيان بالقلم والقرطاس لرسول الله ليكتب لهم ما لا يضلون بعده فقالوا: حسبنا كتاب الله، كأن رسول الله لا يعرف ذلك، وفاتهم ان رسول الله لما نص علي مجملات القرآن من صلاة وزكاة وغيرهما كانت سنته وكتابه ملزمان معا. تخلفوا وخالفوا وهم واثقون من مرض موته، وانه بعدما بينه في حجة الوداع، وأدلي لهم انه دعي ويجيب، جميع القرائن والشواهد دلت علي أنهم كانوا قد تهيأوا لها ودبروها رغم النصوص والأوامر، وهم يعلمون أولا وآخرا من هو أحق بالخلافة.
سبقه للإسلام، وقربا لرسول الله، وعلما وتقوي وشجاعة، وبلاء في الحروب والوقائع، وتضحية عن حياض الاسلام والرسالة وأخيرا الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي أرادوا محوها فأبي الله ذلك. بيد أنهم أوجدوا فرقة ومحنة في الاسلام (الذي يجب ان يعم العالم) فتسببوا في تصدعه وتفرقته وضعفه بما بدأوا به وبما ختموا به اعمالهم في ايداع الخلافة إلي أشقي افراد اندمجوا بالإسلام والإسلام برئ منهم.
(٢٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: حجة الوداع (1)، القرآن الكريم (1)، الموت (1)، المرض (1)، الصّلاة (1)

تخلف أبي بكر عن امر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومثله عمر

تخلف أبي بكر عن امر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومثله عمر
(٢٢١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)
اخرج جماعة من الاعلام منهم الإمام أحمد بن حنبل ص 15 ج 3 من مسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: إن ابا بكر جاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله: إني مررت بوادي كذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي فقال له النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) اذهب إليه فاقتله، قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه علي تلك الحال كره ان يقتله، فرجع إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لعمر اذهب فاقتله. فذهب عمر فرآه علي تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها قال: فكره ان يقتله. فأمر عليا بقتله فذهب ولم يره فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتي يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية. كما اخرج أبو يعلي في مسنده.
وهكذا جاء في إصابة ابن حجر في ترجمة ذي الثدية، عن انس ان رجلا في عهد رسول الله كان يعجبنا تعبده واجتهاده ذكرناه لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) باسمه فلم يعرفه فوصفناه بصفته فلم يعرفه فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا هو هذا، قال إنكم لتخبروني عن رجل ان في وجهه لعفة من الشيطان فأقبل حتي وقف عليهم ولم يسلم فقال له (صلي الله عليه وآله وسلم) أنشدك الله هل قلت حين وقفت علي المجلس ما في القوم أحد أفضل مني. قال اللهم نعم، ثم دخل يصلي فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): من يقتل الرجل، كما مر أعلاه. امتنع أبو بكر وعمر عن قتله ولم يدركه علي. وورد في العقد الفريد أن هذا لأول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان. إن بني إسرائيل افترقت
(٢٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، أبو سعيد الخدري (1)، أحمد بن حنبل (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (4)
اثنتين وسبعين فرقة وان هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة (وفي حساب أبجد فرقة وشيعة متساويان وهي 385).
قيل إن الرجل الذي أمر (صلي الله عليه وآله وسلم) بقتله، انما هو ذو الخويصرة التميمي رئيس الخوارج وهو الذي اعترض علي رسول الله لما قسم غنائم خيبر وقال: ما عدلت.
فغضب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: ويحك! فمن يعدل إن لم أعدل؟ وقد عدها الشهرستاني في ملله أول شبهة وقعت في الأمة الاسلامية، ثم ثني بمنع عمر عن وصيته (صلي الله عليه وآله وسلم)، ثم ثلث بتخلفه وتخلف صاحبيه عن جيش أسامة، ثم ربع بإنكار عمر موته. وقد كان لابي بكر وعمر السهم الأعظم في الركن الأول لامتناعهما عن قتله وتركاه ليقوم بالتفرقة بين المسلمين ومروقهم عن الاسلام. وإذا قال الرجل لرسول الله ما عدلت في الأموال، فعملهم لرسول الله بعدم قتل الرجل إنما هو قولهم له ما عدلت في قتله، لأن الخطأ في الدماء أعظم من الخطأ في الأموال.
(٢٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، خيبر (1)، الخوارج (1)، القتل (3)، الموت (1)

أعمال أبي بكر الدالة علي نواياه الحقيقية

أعمال أبي بكر الدالة علي نواياه الحقيقية
صفحه(٢٢٥)
لقد برهن أبو بكر انه رجل سياسة لا رجل دين بكلما تقتضيه وانه بغية وصوله لأهدافه لا يمتنع عن اتيان كل شئ. وبعدها كيف يصبغها بالصبغة الدينية، ولو خالفت الكتاب والسنة وطالما بيده السلطة العليا الدينية والدنيوية فمن يجرؤ ان ينبس ببنت شفة ويعرض نفسه لا شد العقوبات الدنيوية والمخازي التي تسند له باسم الدين ومقاومة خليفة رسول الله مهما كان له من القدرة والجاه؟! وبعد فهو يعرف كيف يضرب ضربته القاصمة علي من يناوئه باسم الدين وباسم الاسلام وهو في الوقت الذي يقوي ويشيد بأنصاره وأعوانه ويجمع حوله الأعوان بالتهديد والتطميع كما ستري، تراه كيف يفتك الفتك الذريع بمن يخشاهم، ومن تحدثهم أنفسهم بابراز الحقيقة والواقع والاعتراف مهما كان وأني كان وأيا كان، فهو يرسل لجلب وارغام أخي رسول الله ووصيه ووزيره علي بن أبي طالب واحراق بيته بمن فيه من أهل بيت الرسالة ممن نزلت فيهم الآيات وأيدت طهارتهم وتزكيتهم من آية المباهلة وآية التطهير وآية الولاية و و و … الخ ما يزيد علي ثلاثمائة آية، ومن أوصي بهم رسول الله وقال فيهم: " اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي "، وقوله: " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله "، وقوله: " رضاء فاطمة رضاي وغضبها غضبي ". وجميع الصحابة علي الأخص أبو بكر وعمر يعلمون ذلك علم اليقين، وقد مر أن أبا بكر وعمر بعد أن فعلا ما فعلا ذهبا ليسترضياها ووسطا عليا فأذنت لهما فسلما فلم
(٢٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، آية التطهير (1)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، علي بن أبي طالب (1)، الضرب (1)، الوصية (1)
تجبهما ثم أنشدتهما بالله بما مر أعلاه وان أباها قال ذلك فيها فشهدا، فرفعت طرفها إلي السماء وقالت: " اللهم اشهد بأنهما أغضباني ولم يرضياني "، وانها تشكوهما عند الله وتدعو عليهما بعد كل صلاة.
والجميع يعلمون النصوص الواردة في ولاية ووصاية وامارة واخوة علي لرسول الله، وانه امرهم بإطاعته في كل محفل ومجلس وواقعة وحرب، ولا ننسي يوم الدار وغزوة بدر واحد والخندق وخيبر ويوم غدير خم وحديث الثقلين وحديث الطائر المشوي وسد الأبواب وغيرها وغيرها مما يرد ذكره وما مر ذكره.
وهما يعرفان معني الآيات، والنصوص وهما يعلمان ما ورد في الحسن والحسين قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ". وقوله: " الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا وانهما ريحانتا رسول الله "، وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " ان الحسن والحسين ولداي وان عترتي منهما ". هم يعلمون كل ذلك وبعده ماذا يعمل أبو بكر:
1 - اتباع رأي المغيرة بن شعبة بنقض امر رسول الله في بيعة علي بالولاية (1).
2 - أبو بكر يأمر خالدا بقتل علي في الصلاة (2).
(1) عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن سقيفة الجوهري في خبر عن أبي زيد قال:
مر المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان علي باب النبي حين قبض فقال: ما يقعدكما؟ قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه، يعنيان عليا، فقال: تريدون ان تنتظروا خيل الحلبة من أهل هذا البيت؟ وسعوها في قريش. فقاما إلي سقيفة بني ساعدة. وكان يري لهما الرأي فلما أراد المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وجمع آخر من الشيعة الإخلال في أمر أبي بكر أرسلا إليه يسألانه عن الرأي فقال لهما المغيرة: الرأي ان تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الامر نصيبا لتقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب كما تقدم. والمغيرة هو الذي يدفع عمر الرجم عنه لأنه أول من خاطبه بأمير المؤمنين وكان أبو بكر لم يجترئ ان يتلقب بذلك.
فانظر كيف اغتصبوا الخلافة وانظر الأعوان والمساعدين.
(2) عن الفضل بن شاذان عن سفيان بن عيينة والحسن بن صالح بن حي وأبي بكر بن عياش وشريك بن عبد الله وجماعة من فقهاء العامة ان ابا بكر أمر خالد بن الوليد فقال: إذا فرغت من صلاة الفجر وسلمت فاضرب عنق علي. فلما صلي بالناس في آخر صلاته ندم علي ما كان فيه، فجلس في صلاته متفكرا حتي كادت الشمس أن تطلع ثم قال: يا خالد لا تفعل ما امرتك ثلاثا ثم سلم. وكان علي يصلي إلي جنب خالد يومئذ. فالتفت علي إلي خالد فإذا هو مشتمل علي السيف تحت ثيابه فقال: يا خالد! أوكنت فاعلا فقال إي والله إذن لو ضعته في أكثرك شعرا، فقال علي: كذبت، ولأنت أضيق حلقة من ذلك، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا ما سبق القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا. فانظر إلي هذه الشنيعة وقد جعلوا هذا الحديث حجة في كتاب الصلاة في باب من أحدث قبل أن يسلم وقد قضي التشهد أن صلاته تامة.
(٢٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، معركة بدر (1)، المغيرة بن شعبة (2)، غدير خم (1)، الطيران، الطير (1)، القتل (1)، الصّلاة (3)، صلاة الفجر (الصبح) (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب السقيفة للجوهري (1)، الحسن بن صالح بن حي (1)، علي بن أبي طالب (1)، سفيان بن عيينة (1)، شريك بن عبد الله (1)، خالد بن الوليد (1)، الفضل بن شاذان (1)، السقيفة (1)، الكذب، التكذيب (1)، الحج (1)، الرجم (1)، الجنابة (1)، الجماعة (1)
3 - يأمر عمر بأن يهاجم بيت فاطمة ويضرم النار فيه ويسبب اسقاط جنينها محسن (1).
4 - أبو بكر يبدل حد القتل والزنا في خالد بن الوليد باعطائه وسام سيف الله (2).
(١) تقدم في كتاب معاوية جوابا علي كتاب محمد بن أبي بكر: انه لما قبض الله نبيه إليه كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه علي امره، علي ذلك اتفقا واتسقا، ثم انهما دعواه إلي بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم، وقد أراد عمر إحراق دار علي وأراد أبو بكر قتله كما مر.
قال ابن قتيبة فدعا عمر بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقتها علي من فيها. وقيل له: يا أبا حفص: إن فيها فاطمة، فقال: وإن. فخرجوا وبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا اخرج ولا أضع ثوبي علي عاتقي حتي اجمع القرآن. إلي أن قال: ثم قام عمر فمشي معه جماعة حتي اتوا فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلي صوتها: يا أبة يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! ولما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تنفطر وبقي عمر ومعه قوم فاخرجوا عليا فمشوا به إلي أبي بكر فقالوا له: بايع، فقال: ان انا لم افعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو تضرب عنقك. قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله إلي أن قال فألقي علي نفسه علي قبر رسول الله وهو يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أم! ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
(2) قال الفضل روي جرير بن عبد الحميد الضبي عن الأعمش عن خيثمة قال: ذكر عند عمر بن الخطاب قتل مالك بن نويرة فقال: " قتله والله مسلما ولقد نصبت في ذلك ونازلت ابا بكر فيه كل المنازلة. وفي قتال من منع الزكاة فأبي إلا قتالهم وسبيهم فلما رأيته قد لج به شيطانه في خطأ ما عزم عليه أمسكت عجزا عنه وخوفا منه، ولقد ألححت عليه في ذلك يوما حتي غضب فقال لي: يا ابن الخطاب! انك لحدب علي اهل الكفر بالله والردة عن الاسلام فأمسكت عنه وقلت له: ولمبيح دمائهم كان أحدب علي أهل الكفر مني " الايضاح. للفضل بن شاذان ص 133 - 134، ط 5 منشورات جامعة طهران عام 1363 ه. ش، 1984 م تحقيق وتقديم جلال الدين الأرموي المحدث.
أقول فمن يسأل عمر: وأنت تعرف ذلك فيه كيف بايعته وسلطته علي المسلمين وأخرت من قلت فيه: اما والله لو وليها لأقامكم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم؟ وإذا كانت غريزة حب الطموح ألجأتك لنفسك فلماذا شيدت بعدك ملك بني أمية وأنت الذي تفرست في عثمان وآل بني أمية وأعمالهم.
وكيفما كان ومع ان عمر وأبا بكر كنفس واحدة فقد شهد بتعطيله حد الزنا والقتل في خالد، وسخر منه بتلقيبه بسيف الله، وهذا نص الجزري فقال عمر لأبي بكر: ان سيف خالد فيه رهق، وأكثر عليه في ذلك فقال: يا عمر: تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فاني لا أشيم سيفا صبه الله علي الكافرين. وودي مالكا وكتب إلي خالد ان يقدم عليه ففعل ودخل المسجد وعليه قباء، وقد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له: قتلت امرئ مسلما ثم نزوت علي امرأته!
والله لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يتكلم يظن ان رأي أبي بكر مثله، ودخل علي أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره.
(٢٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: خالد بن الوليد (1)، القتل (7)، مدينة طهران (1)، جرير بن عبد الحميد (1)، بنو أمية (2)، محمد بن أبي بكر (1)، جلال الدين (1)، القرآن الكريم (1)، البكاء (1)، القبر (1)، الشهادة (1)، الزنا (1)، الزكاة (1)، المنع (1)، الظنّ (1)
5 - تهديد علي بالقتل وأذاه حتي يذهب عند رسول الله فيبكي ويقول: ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (1).
(١) وما قيل في علي انه سئل عارف عن فضائل علي فقال: ما أقول في شخص أخفي أعداؤه فضائله حسدا له، وأخفي أولياؤه فضائله خوفا وحذرا علي أنفسهم وظهر فيما بين هذين فضائل طبقت الشرق والغرب.
وقد روي أبو الحسن المدائني في كتاب أحداثه، وابن عرفة المعروف بنفطويه في تاريخه، وكلاهما من الاعلام كما روي ابن أبي الحديد أن معاوية كتب إلي عماله في جميع الآفاق:
انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أمه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتي أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والجباء والقطايع، ويفيضه في العرب منه والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجزي مردود من الناس عاملا عن عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا ثم كتب إلي عماله: ان الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا أحب إلي وأقر لعيني وادحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه علي الناس فرويت اخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتي ساروا بذكر ذلك علي المنابر، والقي إلي معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم في ذلك الكثير الواسع حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتي علموه شبابهم ونساءهم وحشمهم الخ،،، فاعتبر ايها القارئ.
(٢٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: القتل (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، يوم عرفة (1)، أبو الحسن المدائني (1)، القرآن الكريم (1)، الوسعة (1)، الإخفاء (1)
6 - سلب فدك من فاطمة (1).
7 - ماتت فاطمة وهي غضبي علي أبي بكر وعمر (2).
(1) قال البلاذري في فتوحه: ان المأمون لما رد فدكا سنة 210 كتب إلي عامله علي المدينة بردها ونقل في كتابه ومنه: وقد كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أعطي فاطمة بنت رسول الله فدكا وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لا اختلاف فيه بين آل الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، إلي أن قال: فلئن كان ينادي في كل موسم بعد أن قبض الله نبيه ان يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة فيقبل قوله وتنفذ عدته فإن فاطمة لأولي بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لها.
(2) ابن قتيبة، قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلي فاطمة فانا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا علي فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلي الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام إلي أن قال: فقالت فاطمة: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟، قالا: نعم فقالت: ناشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله يقول: " رضاء فاطمة رضاي وسخط فاطمة من سخطي " قالا: نعم، سمعناه من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قالت فاني اشهد الله وملائكته انكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه. إلي أن قال: وهي تقول لأبي بكر: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها.
وقد قال الله في محكم كتابه: (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله واعد لهم عذابا مهينا) (الأحزاب الآية 57).
(٢٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، التصدّق (1)
8 - أبو بكر وعمر يرعيان ويؤثران المغيرة لمعونته الفكرية لهما وعدائه لعلي وآله قال ابن قتيبة في عيونه: قال محمد بن سيرين: كان الرجل يقول: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين علي المغيرة، عزله عن البصرة واستعمله علي الكوفة (1) وذلك في زمن عمر وخلافته. ولم يكن رعاية المغيرة مختصة بعمر، فقد كان أبو بكر أيضا يرعاه ويوليه اهتمامه. قال الفضل بن شاذان، روي عن عيسي بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: " عرض علي أبي بكر فرس فقال: هلا فارس أحمله عليه؟ فقال فتي من الأنصار: احملني عليه يا خليفة رسول الله قال: لا والله، لأن احمل عليه رجلا قد ركب الخيل علي غزلته أحب إلي من أن أحملك عليه. فقال: لم؟ فوالله لأنا أفرس منك أبا وأما. فقام إليه المغيرة بن شعبة فركله برجله فدق أنفه، فسالت الدماء كأنها عز إلي السماء فقالت الأنصار: السلاح السلاح، لنقتله أو ليقيدنا منه. فبلغ ذلك ابا بكر فخطبهم وقال: ما بال أقوام يزعمون أني أقيدهم من المغيرة! والله لأن أجليهم من ديارهم هو أقرب إلي من أن أقيدهم منه " (2).
9 - كلمة طلحة ابن عم أبي بكر في استخلاف عمر.
10 - عثمان كاتب أبي بكر يكتب عهد أبي بكر لعمر.
11 - منع الخمس عن آل بيت رسول الله.
9 و 10 - مما أورد الجاحظ في كتاب العثمانية عن الشوري وما خاطب به عمر افراد الشوري وكيف بدأ أولا ان رسول الله مات وهو راض عنهم ثم فند قوله
(1) عيون الاخبار لابن قتيبة: 1 / 216 - 217.
(2) الايضاح، الفضل بن شاذان، ص 361 - 363. ط 1 منشورات جامعة طهران.
(٢٣١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة الكوفة (1)، إسماعيل بن أبي خالد (1)، يونس بن أبي إسحاق (1)، المغيرة بن شعبة (1)، الفضل بن شاذان (2)، مدينة البصرة (1)، الموت (1)، المنع (1)، البول (1)، الخمس (1)، مدينة طهران (1)
فيهم أخص بعضهم انه مات وهو غير راض وأراد منهم طلحة وطعنه بما كان عثمان شريكا معه ولم يذكر عثمان بذلك لان عثمان هو الذي كتب العهد له وادخل اسمه، وأبو بكر مغمي عليه بينما كان طلحة يخالف أبا بكر في تعيين عمر، وقال طلحة لأبي بكر علمت مواقفه ولم يكن خليفة، فكيف إذا كان خليفة؟ وعثمان كان كاتب أبي بكر، ولما أراد أن يكتب عهده غشي علي أبي بكر فكتب عثمان من نفسه استخلافه لعمر، فلما أفاق أبو بكر أمضاه فشكر ذلك له عمر ولذا دبر له رجوع الخلافة إليه والدليل علي ذلك، ما رواه السدي في تفسيره للآية: (وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا أزواجه من بعده ابدا ان ذلك كان عند الله عظيما) وطلحة ابن عم أبي بكر. وأراد عمر بالآية طلحة.
فانظر إلي هذه الفتنة الكبري بعد أن خاطب عمر وأبو بكر عليا يوم غدير خم بالولاية وقالا له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب لقد أصبحت ولي كل مؤمن ومؤمنة وهما يعلمان بمكان ومقام علي من رسول الله ويعلمان كل شئ رواه رسول الله فيه. فهو أخو رسول الله ووزيره ووصيه وهو أبو عترته وأول الثقل الأصغر الواجب اتباعهم وهما قد سمعا الآيات القرآنية الواردة في علي وآله في يوم الدار ويوم نام علي فراش رسول الله وانه في كل حرب لو لم يكن علي لما ربح المسلمون الحرب، والآيات النازلة فيه في كل حرب من بدر وأحد وخندق وخيبر وغيرها وكيف أوصي رسول الله بعلي وأبان مقامه في كل مرة وهما يعلمان ان كل تلك الوصايا وذلك المقام انما هو من الله إذ لا ينطق رسول الله إلا بأمر الله ولا يجري إلا ما يوحي له وكيف لا يعلمان ذلك وهما أي أبو بكر وعمر كانا مع رسول الله وأبوا أزواجه فهما يعرفان ما في مجلسه في الخارج وما بين أزواجه في الداخل ويعلمان ان من خالف رسول الله انما خالف الله ويدريان آية المودة (قل لا أسألكم عليه من اجر إلا المودة في القربي) ومن هم القربي فقد ثبت بالتواتر انهم علي وفاطمة والحسن والحسين وإذا بهما يريدان قتل علي بعد أخذ مقام الخلافة
(٢٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: آية المودة (1)، المودة في القربي (1)، القتل (1)، الموت (1)، الحرب (3)، النوم (1)، الوصية (1)
منه ويريدان إحراق بيت فاطمة وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين وجمع من الصحابة ويسلبان منهم فدكا التي منحها رسول الله لهم والآية صريحة ان الأبناء يرثون الآباء ولم تنقض الآية فينقضها أبو بكر برواية منه مختلقة، وهل تنفي الرواية الآية. وهل يجوز ان يكون الخصم هو الحاكم وهو المنفذ وهل تجوز البينة علي المدعي عليه.
ومما لا شك فيه أن أبا بكر وعمر كانا تحت امارة أسامة بن زيد بن حارثة كباقي الجنود المحاربة وعلي وحده الذي يرعي رسول الله، وقد شهد عمر بوصاية وعهد رسول الله لعلي يوم طلب القلم والقرطاس، وشهد انه منع ذلك، ويشهد أبو بكر ويظهر ندمه لأنه أسخط فاطمة.
أيها القارئ الكريم! ماذا تستنبط من هؤلاء وأنت تعرف الآن ان السياسة كما مر وذكرناها، والدين كما مر وذكرناه؟ ألا تشهد انهم رجال سياسة لا دين (فيا للدين المضاع) نعم هما السبب في ايجاد ما اعوج وتفرق وتشتت وضعف من الدين، وما وجدته من توسعة رقعة الاسلام وفتوحاته فهو بسبب القوة القاهرة التي بدأ بها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لإدارة الآلة فسحقت ما سحقت حتي إذا اصطدمت بالحواجز والعوائق توقفت عاجزة منهوكة. وهل يحق للتتر والصليبيين التبجح بالفتوحات.
(٢٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أسامة بن زيد (1)، الخصومة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (2)، المنع (1)، السب (1)، الجواز (2)

الراوون في أبي بكر

الراوون في أبي بكر
صفحه(٢٣٥)
من الأمور الواضحة التي لا مراء فيها ان ابا بكر وصاحبه عمر لم تظهر لهما مع رسول الله في أي غزوة من غزواته شجاعة تميز أيا منهما وتظهره بالمظهر الذي يمكن ان يبرز كمحنك شجاع ومدبر في الحرب، ولم يبديا آراء حكيمة تسجل لهما ما يجعلهما رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مصاف المبرزين في الرأي، بل لهما ميزة واحدة هي انهما أبوا زوجتي رسول الله. كما لم يكن لهما سابقة كغيرهما من رجال الجاهلية المبرزين في عهد الجاهلية، والدليل الذي نستشهد به هو الحروب التي بدأت ببدر فكان مجموع الذين قتلوا كما جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه في المحاورة والمناظرة لعلي الكاس المعلي، وانه وحده قتل من صناديد قريش أكثر من الثلث، ويوم حنين هم سبعة من بني هاشم بقوا مع رسول الله: علي يذب عنه المهاجمين، والعباس لازم بزمام فرسه، وخمسة آخرون يحيطون به للدفاع عنه. واما أبو بكر وغيره ففي عداد الهاربين، ويوم الخندق كان الفتح بقتل عمرو بن عبد ود بيد علي، وكلما سأل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) المهاجرين والأنصار هل من يبارز الرجل رجعوا حتي قام علي (عليه السلام) ومضي وقتل عدو الله. ولا ننسي يوم خيبر حيث اخذ أبو بكر الراية في اليوم الأول فعاد منهزما وأخذها عمر في الثاني وعاد منهزما وذلك امام اليهود، ولم يفتح علي يديه وينتصر إلا من قال فيه رسول الله:
(والله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه) وماذا عني رسول الله بقوله: كرارا غير فرار، ويحبه
(٢٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، المهاجرون والأنصار (1)، خيبر (1)، بنو هاشم (1)، القتل (4)، الجهل (2)، الحرب (1)
الله ورسوله؟ هل كان هذا الحديث المتواتر إلا ضربة قاصمة لأبي بكر وعمر؟ وإلا لما قال وأقسم أنه يعطيها لرجل يحبه الله ورسوله، وما هو المفهوم المخالف سوي انه قد أعطي الراية بالأمس وقبلها لرجل خلاف هذا، ألا يدل في الوقت الذي يثبت ايمان علي وشجاعته ومراسه وتقدمه وحبه لله ورسوله وحب الله ورسول الله له هل يدل علي أن ابا بكر وعمر كانا خلاف ذلك؟ وإلا لما قال ذلك رسول الله، وعند قوله تطاولت الأعناق وبات الرجال ينتظرون بفارغ الصبر من هو هذا الذي نال منتهي الفخر وميز الجميع عند الله ورسوله بالايمان والتقوي والشجاعة والإقدام من هو هذا؟ ولم تتبادر الأذهان لعلي والكل يعلم انه أرمد ولا يستطيع ذلك.
وإني لأود أن نتصفح حقائق تبرهن لنا مواقف يستحق فيها أبو بكر وعمر أن يكونا خليفتي رسول الله وما هي الميزة التي يمتازان بها. أهي سد بابيهما وترك باب علي مفتوحة؟ أم انهما خطبا الزهراء البتول ووافق رسول الله علي خطبتهما.
أم أبديا رأيا ارتضاه رسول الله وكانت فيه بادرة فتح، ورب قائل يقول في أبي بكر: إنه صاحب رسول الله في الغار وتلك آية الغار، فإني أرجو قائلها ان يراجع العقد الفريد ومحاجة المأمون مع الأربعين فقيها وعندها يعرف أن أبا بكر عمل علي خلاف ما يرضي الله حتي طلب منه أن لا يحزن، واما السكينة فنزلت علي رسول الله. وأيهما أفضل: حزنه في الغار أم مبيت علي علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يعلم أنه في أي لحظة سيهوي القوم بسيوفهم عليه ليقتلوه وهو يفدي ابن عمه واخاه وينصر دينه، وإذا سأل أحد هل كان يقام الدين الاسلامي ويشاد بغير علي؟
وهل يستطيع أن ينكر قائل أن عمرو بن عبد ود وحده كان يقضي علي المسلمين لولا علي في حرب الأحزاب (الخندق). ولنعد إلي أقرب وقت وعهد برسول الله وهو جيش أسامة، ذلك الجيش الذي كان فيه أبو بكر وعمر جنديين تحت قيادة أسامة الشاب، ولم يحصل لا أبو بكر ولا عمر علي شرف البقاء إلي جنب رسول
(٢٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحزن (1)، الحرب (1)، القتل (1)، الجنابة (1)
الله ولا إمارة الجيش بل بالعكس.
وهذه الروايات الأكيدة المتواترة تشهد أنهما تخلفا عن جيش أسامة، وأن رسول الله لعن كل من تخلف عن جيش أسامة. وبعدها ماذا؟ مخالفة رسول الله في طلب قلم وقرطاس ومنعه من كتابة العهد من قبل عمر وبمرأي من أبي بكر وعلمه ورسول الله صاح لم يغم عليه بالدرجة التي أغمي علي أبي بكر ساعة أراد أن يكتب عهده إلي عمر ولم يكتبه هو انما كتبه عثمان.
أيها القارئ الكريم بعد أن استعرضت ما مر تعال معي لتري اعمال أبي بكر وعمر في من احتج علي خلافته مثل مالك بن نويرة فيقتل باسم الردة وزوجته ينزو عليها خالد بعلم من أبي بكر ولا يقيم عليه الحد، وهذا ما يشهد به عمر نفسه بل يقدم له وساما (انه سيف الله) وبعد غصب فدك من بضعة رسول الله وسخطها، وقد ثبت ان سخطها سخط رسول الله وسخط الله، وبعده الهجوم علي دارها وإحراقها واخذ بعلها سيد الوصيين لإرغامه علي أن يبايع أبا بكر واقصاء أي هاشمي من الحكم وتحكيم دولة بني أمية وقد ثبتت مقولة عمر، إن انتخاب أبي بكر فلتة. وان أبا بكر رغم معارضة المهاجرين والأنصار وأصحاب رسول الله قد عهد بالخلافة لعمر، وعمر أسندها لبني أمية استبدادا، ولم يشأ ان يجعلها نصا وجعلها شوري بزعمه كانت أشد من النص المكتوب لعثمان وقد خلق أندادا لعلي ما كانوا بالحسبان. وبتقوية واليه معاوية وإسنادها بعد ذلك باسم الشوري إلي عثمان والكل يدري أن عبد الرحمن بن عوف صهر عثمان وسعد بن أبي وقاص صهر عبد الرحمن وهذا ما يعلمه عمر، لذا قال: فإن تساووا فالامر لمن كان معه عبد الرحمن بن عوف والكل يعرفون مقام علي في الاسلام وبلاءه فيه، وكم قال عمر: لولا علي لهلك عمر وسوف يأتيك آراء علي في زمن عمر وأن الفتوحات جرت علي رأي علي وبعده يأتي معاوية فيروي عماله كما مر الروايات الكاذبة
(٢٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن سعد لعنه الله (1)، المهاجرون والأنصار (1)، عبد الرحمن بن عوف (2)، بنو أمية (2)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (2)، الغصب (1)
في بني أمية وعثمان ثم أبي بكر وعمر وتحريفه ما جاء في آل البيت بضررهم ونفع معاوية كما يلي:
1 - وقد مر ما روي عن المدائني في كتاب احداثه، وابن عرفة المعروف بنفطويه في تاريخه، وكلاهما من الاعلام وما روي عن ابن أبي الحديد ما عمله معاوية من ترويج الجعل والكذب في الخلفاء الثلاثة وبني أمية وتحريف مناقب علي ونسبتها لأعدائه، ومن الروايات المنقولة التي لا تتناسب وسوابق أبي بكر وعمر كما مر.
قال ابن أبي الحديد لما قتل المشركون يوم بدر أسر منهم سبعون أسيرا، فاستشار رسول الله فيهم أبا بكر وعمر، فقال أبو بكر: هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان وأري ان نأخذ منهم فدية فيكون ما اخذنا منهم قوة لنا علي المشركين وعسي الله ان يهديهم بعد اليوم فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله: ما تقول أنت يا عمر؟ قال: أري أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من أخيه فيضرب عنقه حتي يعلم الله انه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، اقتلهم يا رسول الله، فإنهم صناديدهم وقادتهم. فلم يهو رسول الله ما قاله عمر وهوي ما قاله أبو بكر فأخذ منهم الفدية وخلي سبيلهم فانزل عليه ما انزل. قال عمر: فجئت إلي رسول الله فوجدته قاعدا وأبو بكر يبكيان فقلت: ما يبكيكما؟ حدثاني فان وجدت بكائي بكيت وإلا تباكيت؟ فقال رسول الله: أبكي لأخذ الفداء لقد عرض علي عذابكم أدني من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه، قال عبد الله بن عمر فكان رسول الله يقول كدنا ان يصيبنا شر في مخالفة عمر.
انظر إلي هذه الرواية كيف تترك رسول الله لا رأي له ولأصحابه سوي أبي بكر وعمر ليستشيرهم، ثم تراه يمدح عمر وهو الذي قد أخطأ وأبو بكر
(٢٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، يوم عرفة (1)، عبد الله بن عمر (1)، بنو أمية (2)، القتل (1)
وعندها يقول قد عرض علي عذابكم وهو الذي أمر وعمل، وما هو القصد من هذه الرواية علي سخافتها سوي إبداء رأي أبي بكر، وبعدها عظمة اجتهاد عمر، وبعدها لا يبالي مهما أصاب رسول الله من سخافة الرأي وقلة الابصار. بل وأبان ظلم الله لإنزال العذاب علي من لم يقترف جرما.
2 - وروي ابن أبي الحديد في غزوة بدر عن الواقدي أنه قال:
لما جئ بالأسري كره ذلك سعد بن معاذ فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): كأنه شق عليك أن يؤسروا! قال: نعم يا رسول الله، كانت أول وقعة التقينا فيها والمشركين فأحببت ان يذلهم الله وان يثخن فيهم القتل. إلي أن قال ابن أبي الحديد: واما الحديث الذي فيه " لو نزل عذاب الله لما نجا منه إلا عمر " فالواقدي وغيره من المحدثين اتفقوا علي أن سعد بن معاذ كان يقول مثل ما قاله عمر بل هو المبتدئ بذلك الرأي ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد في العريش وقد مر ما ذكرنا عن الوضع في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان.
3 - واليك رواية أبعد عن المنطق، قال ابن أبي الحديد: ثمة حديث في المعني أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) لما اختلف أبو بكر وعمر قال " مثل أبي بكر في الملائكة كميكائيل ينزل برضاء الله. وعفوه علي عباده والأنبياء كإبراهيم إذ قال: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، وكعيسي إذ يقول: إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم … الخ، ومثل عمر في الأنبياء كنوح إذ قال: " رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا " وكموسي إذ قال: " ربنا اطمس علي أموالهم " وهكذا تري ان هذه الروايات من التي وضعت في زمن معاوية.
وما ذكر من فك الأسري والفداء فقد جري كل شئ حسب الآيات النازلة وما أوحي به الله علي نبيه. وكأنما إذ ينقلون ذلك عن عمر وأبي بكر واتباع آرائهم ان ليس هناك وحي ولا نبوة، أوليس هناك من المهاجرين والأنصار ممن يعتد
(٢٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (3)، المهاجرون والأنصار (1)، معركة بدر (1)، سعد بن معاذ (2)، القتل (1)، العذاب، العذب (1)
برأيه سوي أبي بكر وعمر مع ما مر من أنهم قيدوا جميعا تحت امرة أسامة بن زيد وهو دون العشرين ولم تجد معارضتهم، وعندما تأخروا قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لعن الله من تخلف عن جيش أسامة فكان أبو بكر يذكر ذلك ويقول: ليتني لم أتأخر عن جيش أسامة، ولم أسخط فاطمة بضعة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). واما من الآيات النازلة في الحرب والأسري: (ما كان لنبي أن يكون له أسري حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) (1) فأطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم. وكلما عارض هذا فهو مدسوس وتحريف وجعل ويخالف العقل. ثم تعال معي إلي ما رواه الحميدي في الجمع بين رجال الصحيحين في سند عمر عنه قال رسول الله: رأيتني دخلت الجنة فإذا انا بالرميضاء امرأة طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا بلال.
ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب فأردت أن ادخله فانظر إليه فذكرت غيرتك فوليت مدبرا (2)، فبكي عمر وقال:
عليك أغار يا رسول الله!، وهو من أحاديث مسلم والبخاري في صحيحيهما فانظر كيف لا يبالي ان يخلق من النبي من لا يتحاشي من الله ويتحاشي من عمر، وان عمر رغم انه عظمه وجعل له قصرا في الجنة جعله من الافراد السيئي الظن وذلك بالنبي. وبعد كل هذا أيكون مثل هذا في الجنة التي لا لغو فيها ولا تأثيم؟!
(١) سورة الأنفال، الآية ٦٧ - ٦٩.
(٢) صحيح البخاري ٢ / 195 ط مطبعة الحلبي بمصر باب 7، فضائل أصحاب النبي والحديث هنا ملفق من حديثين. فتأمل.
(٢٤١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، أسامة بن زيد (1)، الظنّ (1)، الحرب (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، سورة الأنفال (1)

معارضة عمر أول عصيان في وجه النبي

معارضة عمر أول عصيان في وجه النبي
صفحه(٢٤٣)
ما قال أبو الهيثم بن التيهان، وهو صحابي، شعرا:
ان الوصي امامنا وولينا * برح الخفاء وباحت الأسرار وعن ذي الشهادتين:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه إن قيل هل من مبارز؟
هكذا تجد أن الوصية تتلو النبوة في المقام من الناحية الإلاهية فهل هناك من يخرج عنها الخلافة وينصب نفسه خليفة لرسول الله وإذا شئتم سبر اخبار أكثر في الوصية لمولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فدونكم مسند الامام احمد ج 4 ص 164 وسنن ودلائل البيهقي والاستيعاب وابن عبد ربه، وكبير الطبراني، وتاريخ ابن مردويه، وطبقات ابن سعد ج 2 ص 61 و 62 و 63 وكنز العمال ج 4 ص 54 وج 6 ص 155 و 393 و 403 للكنز، وما حرره الكتاب، والحفاظ والمؤرخون.
ولقد ثبت ان رسول الله كرر وصيته وخلافته لعلي كما أعلن امارته وإمامته وولايته علي المؤمنين حتي في مرض موته باقرار عمر حين أراد كتابة العهد لعلي فمنعه عمر وقال: إن الرجل ليهجر.
اخرج البخاري ص 118 - ج 2 في صحيحه، ومسلم في آخر كتاب الوصية
(٢٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، الطبراني (1)، أبو الهيثم بن التيهان (1)، الإخفاء (1)، الموت (1)، المرض (1)، الوصية (4)
والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والامام احمد (ص 222) من أول المسند، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 2 ص 563، والكرماني في شرح صحيح البخاري، والنووي في شرح صحيح مسلم، وابن حجر في الصواعق، والقاضي أمير علي، والقاضي روزبهاني، والقاضي عياض، والامام الغزالي، وقطب الدين الشافعي، والشهرستاني، وابن الأثير، وأبو نعيم، وسبط ابن الجوزي، نقلوا أن النبي بعد حجة الوداع مرض وعاده الصحابة فطلب قائلا " ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي " كما ورد نفس المعني بألفاظ مختلفة فقال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر! حسبنا كتاب الله!! فثار النزاع بين الصحابة، فمنهم من أسند عمر ومنهم من ناقضه، وأراد إجراء طلب رسول الله فقال (لعمر): " قوموا عني فلا ينبغي عندي التنازع " وهكذا يقوم عمر في أحرج ساعات رسول الله بمعارضته بل معارضة ألله وهو يدري كما صرح فيما بعد لابن عباس: انما أراد رسول الله ان يعهد الخلافة لعلي وانا ناقضته. ويظهر من معارضة البعض لعمر انهم كانوا علي قرار وتدبير سابق لمثل هذا المخالفة ولم يكن ليخفي علي رسول الله ذلك. وقد قال عمر فيما بعد إني منعته واستدل، وان الله قدر ما أردت فانظر إلي هذا المنطق وتناسي الآية: (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا).
وغربت عنه آيات الله، ان رسول الله (وما ينطق عن الهوي * ان هو إلا وحي يوحي) والآية: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وهل كان هو أدري من الله ورسوله؟! وكيف جاز له ان يصم رسول الله بالهجر في مرض موته وهو يتكلم منهم ولا يصم أبا بكر حينما أراد أن يكتب العهد وأغمي عليه وبقوله الله فضل إرادة عمر علي إرادة رسول الله … !!! (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوي بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) (1) (إن الذين يؤذون الله
(1) سورة النساء، الآية 42.
(٢٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن الأثير (1)، السبط إبن الجوزي (1)، حجة الوداع (1)، المرض (2)، سورة النساء (1)
ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) من سورة الأحزاب 57 و (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) آل عمران آية 71.
(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) سورة النساء، الآية 115.
و: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا * يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوي بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) و (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) سورة التوبة، الآية 67. و (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).
اي تظاهر عمر انه أراد خيرا وانه جري علي ما أراد، وأن رسول الله أخطأ وهجر في قوله ويتظاهر بأنه انما يتبع كلام الله؟! ألم تكن كل تلك انما هي آيات الله وكلامه تمنع تشاققه مع رسول الله والله ورسوله أعلم؟ الآية (والنجم إذا هوي * ما ضل صاحبكم وما غوي * ان هو إلا وحي يوحي * علمه شديد القوي) أننسي قول الله (انه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم امين * وما صاحبكم بمجنون)؟
أليس عمر هذا هو الذي شك بنبوة رسول الله في صلح الحديبية وجادل رسول الله ثم كذبه بقوله: انك أوعدتنا بدخول مكة، فرده رسول الله بأننا سندخلها ونهاه أبو بكر عن هذه الشكوك والأقوال؟
أليس عمر هو الذي غير نصوص القرآن فيما مر وفيما سيأتي (راجع النص والاجتهاد للعلامة الامام السيد عبد الحسين شرف الدين)، أليس أبو بكر وعمر
(٢٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، السيد عبد الحسين شرف الدين (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، سورة البراءة (1)، سورة الأحزاب (1)، أهل الكتاب (1)، سورة النساء (1)، القرآن الكريم (1)، الباطل، الإبطال (1)، النفاق (1)، الكرم، الكرامة (1)
هما اللذين بايعا عليا وهنئاه يوم غدير خم كما مر ونقضا العهد؟ أليس هما اللذان نقضا عهد الله ورسوله في الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي)؟
أنسي أبو بكر وعمر آية الولاية في علي: (انما وليكم الله ورسوله … الخ)؟
ان عمر بكلمته تجاه طلب رسول الله لاحضار دواة وبياض كي لا يضلوا بعده، ومنعه رسول الله، قصد إلقاء الفتنة بين الصحابة.
(٢٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: آية الولاية (1)، المودة في القربي (1)، غدير خم (1)

أول عصيان في الإسلام

أول عصيان في الاسلام
صفحه(٢٤٩)
بين موافق ومخالف؟ ماذا أراد بها وهو يعلم ان رسول الله انما أراد كتابة عهد لعلي كما صرح بذلك؟! أهذا يدل ان رسول الله يهذي ويهجر. أم أن عمر كان أدري من رسول الله بما يريده؟ أكان رسول الله يهجر حينما تأثر وقال كلمته الأخري:، قوموا عني فلا ينبغي عندي تنازع؟ من أوقع وأوجد هذا التنازع؟ من أغاض وسبب غيض رسول الله؟ ما هو سبب هذه الممانعة من عمر؟ لماذا قبل كتابة رسول الله ادعي عمر انه (صلي الله عليه وآله وسلم) يهجر ولم يدعه ليكتب؟ أكان عمر يعلم الغيب عما يريده رسول الله؟ ألم يكن عمر قبلها اعترض علي رسول الله مرارا كما مر في صلح الحديبية وفي فتح مكة؟ وفي القسمة، وفي جميعها رده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وبعدها ثبت صحة نظر رسول الله وخطأه، أما هذه فلا يمكن ابدا مقايستها بأخواتها، خصوصا وأعقبها ما كان يكنه عمر من النوايا، وثبت انه كان قد دبر جماعته لنقض العهد وسلب مقام الخلافة والانتقاض علي الله وعلي رسوله، وتحدي الحدود والسنة، وما كان يخفي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقد تنبأ بها وأخبر الامام عليا بقيام أهل الحقد عليه، واضطهاده بعد موته، وأوصاه بالصبر والتجلد وعدم القيام. ومن يستطيع ان يثور علي علي وهو الذي قضي علي شجعان المشركين، ولكن الاسلام لما ينتشر والايمان لما يثبت في قلوب القوم.
والمشركون والمنافقون واليهود والنصاري بالمرصاد، ومن خالف حدود الله وسنن رسوله لا يهمه ان يصيب الاسلام بقدر ما يهم رسول الله ووصيه وأهل بيت
(٢٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، الموت (1)
رسول الله، فوجدوا أن لا سبيل لهم غير الصبر ومراعاة الأمور وتخفيف الشدة، فصبر علي كما قال في خطبته الشقشقية، صبر رغم ما تحسسه من مرارة وشعر به من هضم حقوقه وحقوق المسلمين، صبر وهو يري بعينيه تلاعب القوم وتنكرهم للإسلام وأهله.
أي تلاعب هذا بمقدسات أعظم أمة هي الأمة الاسلامية!؟ أي تعد هذا علي حدود الله ورسوله وتبديل وتغيير ما امر به وتخريب وتزييف أقواله وأفعاله؟! أي تجاوز هذا علي من نصبه الله مرارا علي لسان نبيه للخلافة والوصاية وأخي رسول الله ووزيره وزوج ابنته البتول الطاهرة وأبي ولديه الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعديل القرآن ونفس رسول الله والمنزه من الرجس، الصادق الطاهر الذي نصبه للقوم علما مرارا وأمر بإطاعته ونهي عن مخالفته، من لم يقم في حياته بمعصية، ولي الله علي الجميع نفس ولاية الله ورسوله. أهذا يسلب مقامه ويؤمر ويحرق بيته ويهجم علي داره وفيها زوجته الطاهرة، وولداه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ويساق حافي القدمين حاسر الرأس قهرا ليبايع أبا بكر، يبايع من بايعه قبل شهرين هو وجميع المسلمين هنأوه بالولاية والإمامة، ويهدد بالقتل إن لم يفعل، إذا ما هي المعصية؟ ما هي الردة؟ ما هو الغش؟ ما هو الكفر؟ ما هو النفاق؟ ما هي كلها؟ لنعد إلي الأحاديث النبوية تلك التي روتها الصحاح وأعلم علماء الجماعة، ألم يقل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله؟ ألم تر إلي الآية القرآنية (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله واعد لهم عذابا أليما)؟ ألم يرد الحديث في علي حتي علي لسان عمر نفسه أن عليا مولي كل مؤمن ومؤمنة؟، ألم يرد عنه وعن الصحابة ان عدو علي كافر وفاسق ومنافق، ألم يقل رسول الله: من أحب عليا مؤمن ومن أبغضه منافق، ألم يقل ما كرهك يا علي إلا ابن زنا أو كافر أو ولدت أمه به علي غير طهر. ألم ينه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن مخالفة علي وكرهه؟ ألم يأمر
(٢٥١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، القرآن الكريم (1)، الزوجة (1)، الطهارة (1)، القتل (1)، الصبر (3)، البغض (1)، الجماعة (1)
بإطاعته؟ ألم يقل عنه أنه يعسوب الدين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين ألم ترد فيه آية التطهير، والمباهلة والولاية وآيات يوم غدير خم؟ ألم يكن حبيب الله ورسوله في يوم خيبر؟ ألم تساو ضربة منه لعمرو بن عبد ود عبادة الثقلين؟ ألم يكن من رسول الله مقام نفسه ومقام هارون من موسي وباب مدينة علم رسول الله وما لا يعد ولا يحصي له من الفضائل؟ من مثله سابقة وعلما وتقوي وشجاعة وتضحية وحبا لله ولرسوله واخلاصا لدينه ومن أحبه الله ورسوله مثله؟ فما بال هؤلاء القوم لا يفقهون؟ وما بال الشيطان أغواهم؟ إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. ولكن ما تقول في رجل يخاطب رسول الله بهذا اللفظ (ان الرجل ليهجر)، من هو الرجل يا عمر؟ أتقول لرسول الله! الرجل يهجر!
والله يقول: لا ينطق عن الهوي ان هو إلا وحي يوحي، وفيه يقول ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وقال تعالي: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله … الخ)، انظر إلي هذا التحقير من عمر وإلي ذلك التعظيم من الله لرسوله.
لقد اعترف علماء العامة ان القائل بكلمة الهجر والهذيان لرسول الله كان يجهل مقام رسول الله الشامخ والرسالة العظمي، نذكر منهم العلامة القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفا، والكرماني في شرح صحيح البخاري، والنووي في شرح صحيح مسلم ان من تكلم بهذا الكلام كل من كان فقد كان تنقصه المعرفة ويحفه العجز بمقام صاحب الرسالة، إذ أن رسول الله يتلقي اعماله من قبل الله وهذا مما يجعله في حالة الصحة والمرض معتدلا، وكلامه عن عقل متخذ من الكمال المطلق لا يمكن أن يصمه أحد بوصمة إلا وكان الواصم ناقصا مطعونا فيه وان كان هذا عن نبي أو رسول مثل رسول الله فلا شك وان القائل ينقصه التيقن والايمان ويحيطه الشك والضلال عن الحق والحقيقة، وقد ذهبت لدي أرباب المذاهب طالما ان الرسل يستمدون معرفتهم عن المبدأ الأعلي عن الله فان أقوالهم سيان في حالة الصحة والمرض، لا يستطيع أحد الطعن فيها، ومن عمل ذلك فقد كان كافرا
(٢٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: آية التطهير (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، خيبر (1)، غدير خم (1)، الطعن (1)، البول (1)
بهذه الرسالة وصاحبها. هذا إذا كان كلامه جزافا، واما إذا كان مسبوقا بمثله وتتلوه اعمال تخالفه فهو الغش والنفاق والكفر وما قصد به إلا الفتنة والشقاق والخروج عن الصراط المستقيم والوفاق.
(٢٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، النفاق (1)

أول فتنة يبدأ بها في الإسلام

أول فتنة يبدأ بها في الاسلام
صفحه(٢٥٥)
وللتأكد من صحة ما أقول نراجع أجل علماء العامة من السنة والجماعة كالامام الثقة حسين مبيدي في شرح الديوان حيث يقول: ان أول فتنة وقعت في الاسلام كانت في محضر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في مرض موته إذ أراد أن يوصي ومانعه عمر وقام النزاع بين الفريقين واختلاف الكلمة بين المسلمين، وهكذا العلامة الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل حيث يقول: ان أول خلاف وقع بين المسلمين هو منذ ممانعة عمر من طلب رسول الله للدواة والبياض لكتابة الوصية كما أشار ابن أبي الحديد لهذا في ج 2 ص 653، ولماذا لا يكون ذلك، فرسول الله معصوم ولا تفارقه العصمة في أفعاله وأقواله حتي الموت، لا سيما كما نجد من طلبه انما كان دالا من فحواه علي الرشاد والهداية ومنع الضلال، وبهذا خالف عمر رسول الله وخالف الله واثبت هذه في اعماله التي تلت ذلك بعد موت رسول الله والتجري علي رسول الله في حياته أخص منها ساعة الموت فإنه قد وجه اضعاف ذلك إلي عترته ووصيه وخليفته بإقصائهم عن حقوقهم وتقديم حقوقهم إلي ألد أعدائهم من آل أمية وغيرهم، وكان المدبر لكل تلك الأعمال انما هو صاحبه أبو بكر ويشد أزره جماعة بدأها أبو عبيدة الجراح وسالم مولي أبي حذيفة. وحق لبني أمية أن يحيوا لعمر وأبي بكر آثارا ما أنزل الله بها من سلطان، وان يطمسوا حقائق من كتاب الله وسنة رسوله تلك التي تثبت مخازيهم ومنكراتهم، وقد خلقوا بذلك فضائل ودسوا مفاخر وكرامات هي أبعد عن أهلها
(٢٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، أبو عبيدة الجراح (1)، بنو أمية (1)، الموت (3)، المرض (1)، الضلال (1)
بعد السماء عن الأرض. وأخفوا وطمسوا معالم ما كانت لتخفي علي ذوي اللب إلا من أضله الشيطان وأعمي بصيرته وبات في سخط من الله.
من يقبل أن يقول إن أبا بكر وعمر اعلم وأخلص وأصلح من رسول الله علي مصالح الاسلام، وهما حتي قبيل فتح مكة كانا يدامنان الخمر وناديها وبينهما أبو عبيدة وانس بن مالك وغيره. ان كنا مسلمين فان ذلك كفر وفسق مبعثه الجهل والعصبية الجاهلية التي جاء الاسلام لزوالها. أيصح أن عمر يعرف مصالح المسلمين أحسن من الله ورسوله؟ أم هو يدري بحدود الله في القرآن وفهم آياته التي خالفها في نفس معارضته لرسول الله وقوله ان الرجل يهجر. ولقد قال رسول الله كرارا علي رؤوس الاشهاد: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض ان تمسكتم بهما فقد نجوتم ولن تضلوا أبدا " (أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة يرد إلي أشد العذاب) (1) ويري عمر ما دام ان القرآن موجود فلا حاجة لنا بهداية رسول الله وارشاده، ولو سألناكم من أحق ان يتبع: قول رسول الله. أم قول عمر؟ بل كلام الله أم كلام عمر؟ فإذا ما جواب هذه الآية: (ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (2)؟ تري كيف يحتاج القرآن إلي من يعلمهم من رسول أو أولي امر، وقوله (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) (3)، فمن أحق بالعلم؟ ومن هو حامل العلم؟ أرسول الله ووصيه أم عمر؟ فما جزاء من يشاقق الله ورسوله.
لهذا تري ان كلمة عمر منبع الفتنة والفرقة ومنشأ سخط رسول الله. اللهم غفرانك من عظم هذه الجرأة علي رسولك والأمة تري بعينها ان عمر انما قصد منع رسول الله
(1) سورة البقرة، الآية 85.
(2) سورة النساء، الآية 83.
(3) سورة العنكبوت، الآية 49.
(٢٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أنس بن مالك (1)، القرآن الكريم (3)، المنع (1)، الجهل (1)، العذاب، العذب (1)، سورة العنكبوت (1)، سورة النساء (1)، سورة البقرة (1)
من العهد والوصية الخطية امام رسول الله وقد كان أوعي وأصحي من حال أبي بكر في مرض موته يوم أغمي عليه وأكمله عثمان في كتابة عهده لعمر.
وهكذا تري النعرة الجاهلية لا تزال تتجه إلي الشرك والنفاق وتحيد عن الحق وتبدل أوامر الله ورسوله. سبحان الله حين يقول: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). وقول الشاعر: أريد حياته ويريد قتلي، أهذا جزاء رسول الله؟ أهذا جزاء عترته يوم قال: إني مخلف فيكم كتاب الله وعترتي. ويوم نزلت الآية الكريمة (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) يعني الهجوم علي دار أهل بيتي وجمع الحطب لإحراقه وارعاب سيدة نساء العالمين وسيدي شباب أهل الجنة وأخذ وصيه حاسر الرأس حافي القدمين إلي أحد مواليه الذين بايعه قبل شهرين لإرغامه علي أن يبايعه. فمن هم أضل سبيلا؟ أقوم موسي حينما خلف فيهم هارون واتبعوا السامري أم قوم محمد حينما قاموا بعد رسول الله وكانت هذه اعمالهم وتلك نتائجهم حتي اضطر إلي أن يذكرهم علي وهم يسحبونه: " أنا عبد الله وأخو رسوله "، ثم رمي بنفسه علي قبر رسول الله باكيا قائلا: " يا بن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " ماذا جناه علي وماذا جنته الزهراء وما جناه الحسن والحسين أهذا جزاء رسول الله أو هذا مبلغ ما أسداه عليكم من الرحمة والاحسان لبئس ما خلفتموه في أهله. أهكذا تنقضون عهد الله وعهد رسوله:
(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار).
(٢٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، المودة في القربي (1)، القبر (1)، الموت (1)، الجهل (1)، المرض (1)، النفاق (1)

السقيفة والشوري والقصيدة

السقيفة والشوري والقصيدة
(٢٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: السقيفة (1)
جاء عن الإمام علي (عليه السلام) في الجلد السادس من نهج البلاغة في كلماته القصار (181) انه حينما بلغه تسنم أبي بكر زمام الخلافة باسم الشوري احتج قائلا:
وا عجبا! أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة؟! ثم أنشد:
فان كنت بالشوري ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب وإن كنت بالقربي حججت خصيمهم * فغيرك أولي بالنبي وأقرب ولم نر أبا بكر يتمسك بغير الشوري من كرامة وأحاديث (1) وهو يعلم حق
(1) أحيل القارئ العزيز لمطالعة:
1 - ج 14 ص 215 - 295 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي.
2 - كتاب سفر السعادة للعلامة الشيخ الفيروز آبادي صاحب قاموس اللغة قوله: " ان ما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات التي شهد بديهة العقل بكذبه ".
3 - قال العجلوني في كتابه كشف الخفا ص 419 - 424 (فضائل أبي بكر الصديق (رحمه الله) أشهر المشهورات في الموضوعات).
4 - وكذب السيوطي فضائل أبي بكر في اللآلئ المصنوعة ج 1 ص 186 - 302.
5 - راجع الأسانيد في موسوعة الغدير للعلامة الأميني ج 5 وج 6 وج 7.
6 - راجع كتاب الاحداث للمؤرخ الشهير أبي الحسن المدائني.
7 - راجع تاريخ نفطويه ابن عرفه كما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج.
8 - راجع مناظرة المأمون مع الأربعين فقيها في العقد الفريد لابن عبد ربه.
(٢٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، يوم عرفة (1)، الشهادة (1)، الصدق (1)، العزّة (1)
العلم بأن الخلافة والوصاية لا تعدو عليا نصا في الكتاب والسنة، ومنطقا لما امتاز به علي (عليه السلام) في كل المجالات علي الاطلاق: تلك التي ذكرناها ونبذا منها في الجزأين المارين في أمير المؤمنين علي، التي اذكر بعضها علي سبيل الاجمال بل التلميح في الأبيات التالية التي جاريت بها البيتين المتقدمين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والذي كان نفس رسول الله وامتدادا لحياته (صلي الله عليه وآله وسلم) بما ورد نصا في الكتاب أخص آية المباهلة وآية الولاية وأحاديث رسول الله المسلمة:
أخصك فيها للامارة بينهم * وهذا ابن زيد للامارة يندب وما كنت إلا واحدا من جنوده * تخلفت حتي صرت باللعن تنكب امرك في العشرين كرها تطيعه * وأنت بها شيخ تذل وترهب فأمرك في كفي أسامة ماثل * ومولاكما في خم ذاك المجرب أتجهله أم قد تجاهلت أمره * وانكاره كفر وظلم وأرهب وان كان فضل السبق أعطاك حقها * فقد جئت في خمسينها تتقرب وان كان فضل السن ولاك دونهم * فكان أبوك الحي بالسن انسب ومن هو أحري من أبيك بسنه * مشايخ من خير الصحابة تحسب وإن كنت بالتقوي كرمت فلا تري * لتقواك فيها ما تميز وتغلب وفيها أمير المتقين وسيد ال * - وصيين أولي منك شأنا وأطيب أفقت الملا علما وباب مدينة * النبي علي للعلوم مصوب أأبليت فيها في الحروب مضحيا * كفي خيبر خزيا بها حين تهرب أكنت زكيا لم يدنسك رجسها * كأهل الكسا أم كنت للإثم تشرب اهل قد برزت القوم فيها عدالة * وبرا ولم تظلم بها حين تنصب وظلمك أهل البيت تمنع خمسهم * وعن فدك للغصب تروي فتكذب أكان حربا غصبهم وعداؤهم * واغضابهم ظلم له الله يغضب فقطعهم كفر وفسق ووصلهم * يقين وباب للسعادة يطلب
(٢٦١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، المدينة المنورة (1)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، خيبر (1)
فكيف برزت القوم فيها امارة * ودونك من قد كان للامر أوجب أخو المصطفي بل نفسه زوج فاطم * ولايته دين عليك ومذهب بخم لقد بايعته ورضيته * وليا فمن أوداك بالنكث تقلب أبو العترة الهادين من آل احمد * بفضلهم القرآن كم بات يطنب محبتهم تطهيرهم وولاؤهم * وطاعتهم فرض وللحق مكتب غصبت حقوق العالمين بغصبه * فعادت لعهد الجاهلية تخطب أعدتم بها من ذل فيها مهددا * عزيزا وفي عزته بالقسر ينكب ومزقتم الاسلام شر ممزق * بدعم ولاة قاسطين تغلبوا حرمتم شعوب الأرض من خير سيد * اماما يقيم العدل فيها وينصب أقمتم جهادا دونه لا لوصله * وسنته ألفت من القطع مجدب فقلتم كتاب الله قولا ودينه * جهارا ودون الجهر بالفعل تحجب ولاتكم من كان حربا لدينه * وخلفتم للامر ما هو أعجب وأقصيتم ركنا يلم بسرها * وسنته الغراء بالمنع تعطب وخضتم بلاد الله حربا لتنشروا * أباطيل يأباها الكتاب وتنبهوا فباتوا عبيدا حيث شاء يحرروا * وقد أرغموا بالجهل جهلا وسلبوا حضارتهم تمحي وتفني علومهم * ويحكمهم من كان للكفر ينسب وكيف تروم الحق من غير أهله * وترجو التقي والدين ممن تقلبوا توليتها قهرا خداعا وغيلة * وقد غلبتك النفس والنفس تغلب ومثلك لا يخفي لك الحق أهله * وكان حربا فيك والسن أشيب تعيد لأهل الحق حقا غصبته * وان تتقي ذنبا ولله مهرب فعدت بها أنكي وأدهي تقاتها * وصيرتها في حوزة هي انكب زرعت بذور الشر ثم سقيتها * بأيد تكن الكفر والثأر تطلب فبثت كما شاءت فسادا وأقبلت * بمعولها ما شيد هدما تخرب
(٢٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: الجهر والإخفات (1)، القرآن الكريم (1)، الجهل (2)، العزّة (1)، الزوج، الزواج (1)
نفاقا وكفرا كيف تأتي نتاجها * مع الظلم غير البغي والاثم تجلب فسبقك في الاصرار عمدا وعارفا * لنفسك ثم العطف للغير يغصب كأنك ما آمنت إلا مخادعا * وبالوصل رمت القطع فيها وتسلب نفاقا وكيدا بعد طول مودة * وصدا واجحافا تزيد وتسهب لك الويل يوم الحشر ان جاء شاهدا * وخصما لك المختار ما كنت تعرب؟
(٢٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (1)، الشهادة (1)

السقيفة الفتنة الكبري (أم الفتن)

السقيفة الفتنة الكبري (أم الفتن)
(٢٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: السقيفة (1)
بعد ثلاثة وعشرين عاما مرت علي ذلك الجهاد المرير الذي قام به رسول الله واخوه وخليفته ووريثه علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ العهد الجاهلي المغمور في الظلمات، ظلمات الجهل والفقر والفاقة والانحطاط الاجتماعي والصحي والخلقي. بعد ذلك العهد الذي كانت الجزيرة العربية طعمة مبتذلة لجيرانها من الفرس والرومان وحتي الأحباش وأقلها في الحجاز. وأخص منها مكة البلاد التي حرمتها حتي الطبيعة من الماء والهواء العذب لدرجة لا يطمع فيها الغازي والفاتح لا بثراء ولا بجمال ولا كمال، منذ ذلك العصر وإذا بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلك الذي بعد انقضاء دور الطفولة والشباب وهو يتدبر القيام بمهمة بما أوتي من موهبة روحية وفكرية لم يسبق لها مثيل في عالم البشرية، وقد شاء الله عز وجل ان يكون ظهوره معجزة المثال البشري علي وجه هذه البسيطة بما أوتي من عقل وتدبير وحكمة وكفاح وجهاد وتحمل لأشد الصدمات والأهوال من افراد وجماعات تفانت في العصبية الجاهلية والذود عن الشرك والعادات والاخلاق المستهترة، سارحة في بحبوحة من التعاسة والنعرات القومية، يستحل فيها القوي الضعيف لأقصي ما يتصوره الفكر، وينزل فيها الفرد لأقصي درجات الخسة، امام الشهوات والغرائز الجنسية، تتحكم فيهم العادات والطبائع التي نأت عن الصفات الانسانية، وابتعدت عن المنطق السليم. يعبدون أحجارا نحتوها بأيديهم، ويعتقدون بسخافات وأوهام يأباها من له ذرة من العقل السليم، ويستحلون لفقرهم وفاقتهم وجهلهم وقساوتهم
(٢٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، جزيرة العرب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الشهوة، الإشتهاء (1)، الجهل (2)، العصر (بعد الظهر) (1)
وأد بناتهم حيات ولا يمنعهم عن الرذيلة - مهما بلغت - إباء أو شمم غير طمع أو فزع. وكانت العصور المتمادية والأصقاع القريبة والنائية بعد طول العسر وشدة القسر قد جمعت ما فيها من فضائل وحسن وكمال وجمال في هذه الموهبة العظمي، وشاء الله سبحانه عز وجل ان تبزغ شمس الحكمة ويتفجر ينبوع السعادة علي العالم أجمع في هذه الديار، وإذا بها تتلبس في عالم جسماني يودع في عبد المطلب لينشطر إلي قسمين ليعود بعد بضع سنوات لاتحاده الروحي فيكون منه محمد ويكمله بعلي جسمين في روح واحد يشد الواحد أزر الآخر مادة ومعني، فيشد الواحد عضد الآخر شدا لا ينفصم فيكون الأول نبيا والثاني وصيا ووزيرا، وعلي أكتافهما تقام أرقي حضارة عرفها البشر من الحضارات الانسانية الواقعية، واجل دين وعقيدة كان لها ان تبعث بالبشرية لأقصي ما ترجوه من السعادة، قائمة علي المنطق السليم والمنهج القويم، تلك التي كان يحلم بها ويتمناها أعظم فلاسفة العالم وحاروا في الوصول إليها كسقراط وإفلاطون وأرسطو ومن سبقهم وتلاهم.
وفي خلال تلك الفترة القصيرة من الزمن وإذا به يصدع بأمر من الله سبحانه ليؤسس في القوم المستضعفين إمبراطورية قوامها الايمان بالله ومستنده إلي العقل والمنطق السليم، تؤيدها الإرادة والاخلاص، وضع مناهجها وأسسها وأكملها وأتمها بعترته أهل بيته وفي طليعتهم ابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفته من بعده وشقيق نفسه وشريك علمه وحكمته وتدبيره، فقال وقد دعي إلي الله: " اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي " وأوضح لهم السبيل، وأقام لهم الدليل، وبين لهم النهج فكان علي وصيه واخاه ووزيره وباب علمه وسفينة نجاة أمته، والميزان الفارق بين المؤمنين والمنافقين، ويعسوب الدين، وامام الغر المحجلين، وقدوة المتقين، ووزيره وحبيبه وحبيب اله العالمين، ومولي كل مؤمن ومؤمنة، ثم دعاهم في غدير خم
(٢٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، غدير خم (1)
وأخذ البيعة العامة له هناك، وهنأه الرجال والنساء آنذاك، وأخص منهم أبا بكر وعمر بن الخطاب، وأخذ جبرائيل العهد علي عمر كيلا ينقضه حتي قريب وفاته (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأوفدهم مع أسامة ولعن من تخلف، وقد تخلفوا، ثم دعا بمحضرهم بدواة وقرطاس، ليضع العهد كتابة وقد رأينا كل ذلك وكيف كانت بمخالفة عمر أول فتنة في الاسلام، حتي إذا قرب الأجل وتمت الوصية، وبدأ علي (عليه السلام) باجراء وصية رسول الله لتغسيله وتكفينه ودفنه، اغتنم عمر فرصة اجتماع الأنصار في السقيفة فأتي إلي دار رسول الله وفيها بنو هاشم وأجل الصحابة يستدعي أبا بكر وحده من بيتهم، وكان قبلها قد خلف وراءه هو وأبو بكر جيش أسامة خارج المدينة بما في الجيش من أجل المهاجرين والأنصار وبادرا إلي السقيفة، وفي الطريق يصحبهما أبو عبيدة بن الجراح ويدخلون السقيفة وإذا بالأوس والخزرج قد اجتمعوا لانتخاب أمير بينهم وكانوا قبلها بليلة قد ألقوا التفرقة بينهما (أي بين الأوس والخزرج) واغتنموا الفرصة للخلاف بينهما فتقدم أبو بكر ليبايع أحد الرجلين عمر أو أبا عبيدة ودون علم من بني هاشم، ودون علم من الصحابة الحاضرين في تغسيل رسول الله، ودون علم من الباقين الذين هم خارج السقيفة، ودون علم من جميع الأقطار والمدن والقري القريبة أو البعيدة، سواء كان في المدينة أو حولها، أو مكة أو حولها أو اليمن وما فيه، أو الجزيرة بما فيها من مسلمين. هكذا كانت بيعة أبي بكر وقد سبق الدخول في السقيفة تهديد عمر لكل من يقول إن رسول الله قد مات، لأن أبا بكر كان غائبا حتي إذا حضر السقيفة وبويع، انتهت مهمته وبعدها خروجه وسحب كل من شوهد في الطريق لمبايعة أبي بكر.
هذه صورة مختصرة عن الجهود التي بذلها محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي كون تلك الإمبراطورية، وبعدها الدسيسة والفتنة الكبري للانتقاض، ونقض أبو بكر وعمر عهدهما للخلافة الاسلامية التي زعما ان الأمة أجمعت علي انتخاب الخليفة، ونحن بعد أن أدرجنا مختصرا من الواقعة نعود لتفصيلها باحثين عن الامر لأنواع
(٢٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، المهاجرون والأنصار (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (2)، السقيفة (6)، الموت (1)، التكفين (1)، الوصية (1)
الانتخابات التي جرت وتجري في العالم من القديم إلي اليوم وبعد سرد نظرية أفلاطون لأنواع الحكومات في جمهوريته ونظرة لأصلح الحكومات لجمهوريته، ونظرة في علم النفس وعلم الاجتماع والتربية والوراثة والمحيط، وبعدها نسرد نظرة الاسلام مع ما يتبعها من آيات قرآنية وروايات نبوية حول الموضوع، ونظرتنا بعد كل ذلك ولو تحقق ما اراده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).
(٢٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)

الحكومات وأنواعها في العالم

الحكومات وأنواعها في العالم
صفحه(٢٧١)

كيف بدأت الحكومات؟

كيف بدأت الحكومات؟
لا شك في أن هذه الدراسة بحاجة إلي تأليف لشرح أنواع الحكومات منذ أبعد العصور البدائية إلي اليوم، مستعرضين فيها ما قامت فيها من الشرق إلي الغرب، ومن الشمال إلي الجنوب، وتدرجها وتطورها منذ تشكيل العائلة فالقبيلة فالقصبات فالمدن، فالحكومات الصغيرة فالكبيرة، وتفشي الحضارات والثقافات وتأثيرها علي الافراد والجماعات، ووضع النظم والقوانين وحدود لحقوق الفرد والجماعة حتي يومنا هذا.
وبصورة مجملة لا شك في أن المجتمعات تدرجت من صغيرة إلي كبيرة فأكبر وأكبر حتي بلغت الإمبراطوريات الواسعة، ومن جاهلة إلي أقل جهلا وتدرجت بالعلم والثروة إلي ما هي عليه اليوم، ولقد كانت لأدمغة المفكرين والنوابغ واحتكاك الافراد ببعضهم، والفقر والثراء ومتطلبات الراحة والرفاه، وظهور الأنبياء والرسل والدعاة إلي الانسانية لتهذيب النفس بالنسبة للفرد والافراد بالنسبة لبعضهم، والدعوة الانسانية من حين لآخر بسبب ما يرتكبه الانسان من المظالم فيشقي بذلك نفسه وغيره، وما يعكسه هذا من رد فعل خلق فيهم وعيا ودعوة لإقامة أسس للحكم والعدالة الانسانية، والابتعاد عن المظالم، ووضع قوانين مستمدة من المنطق والعدالة والعرف والعادة في كل قبيلة ودويلة
(٢٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: الجهل (1)، الوسعة (1)، الظلم (2)

أنواع الحكومات

فدولة، وتأثير الواحدة علي الأخري، وتبادل الآراء وانتقال الحضارات والثقافات من إحداها للأخري.
أنواع الحكومات وقد كانت في البدء العائلة أساس الجماعة حتي إذا توسعت وتكاثرت وضمت العائلة بعد توالدها عوائل كانت قبيلة فقبائل متجاورة انضمت إلي بعضها بناء علي الغريزة الانسانية لحب الظهور والتسلط، ولنفس السبب ظهرت الحكومات البدائية والدويلات المتجاورة فالأكبر يضم الكبيرة والصغري طبق القانون الطبيعي، حتي تشكلت الدول، والدول الكبري، وفي كل شعوب متمايزة بحضاراتها وتمدنها، وفيها ظهر تبادل الآراء في مختلف العلوم، منها الفلسفية والحكمية وسائر العلوم الاجتماعية والطبية والسياسية وغيرها، وكانت ولا شك بحكم الغلبة والحروب أكثرها حكومات استبدادية مطلقة تحت نفوذ سلطة مطلقة تستمد نفوذها من رئيس الدولة، وهو الملك أو قل ملك الملوك، وخلال ذلك تري في الشرق والغرب السلطات القانونية المتنفذة، فمن الناحية الروحية والنفسية من الكهنة ورجال الدين أولئك الذين كانوا علي الأغلب بأيديهم وتحت نفوذهم أهم العلوم الاجتماعية والتقنية والطبيعية وما وراء الطبيعة وبعض السلطات التي كان لها تأثيرها علي السلطات العليا نفسيا! كما تري ذلك في بلاد مصر وبابل العائدة لتأثير المعابد، وبعدها اليونان وبلاد فارس خصوصا حينما نهض فيها العلماء والمدرسون من طبيعيين وما وراء الطبيعة، وتوسعت الأفكار، ووضعت حدود وموازين لاستبداد الملوك ورجال الدين، وقامت الرسل والأنبياء لاستفزاز الناس والإهابة بهم لصد المظالم وردع المفاسد، عندها تحددت السلطات العليا في بعض الدول، وتشكلت عوض السلطات المطلقة من فرد واحد إلي عدة سلطات
(٢٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: بابل (1)، الظلم (1)، السب (1)، الجماعة (1)
تقوم بهذه المهمة لإدارة دفة الحكومة، كما نري ذلك في اليونان من تشكيل القناصل، والرومان، ونزع بعض السلطات واعطائها للمراكز الدينية، وظهور الفكرة الديمقراطية البدائية، والارستقراطية الأفلاطونية التي سنورد شرحها فيما يلي، حتي دخلت أنظمة الكنائس في أوربا وظهرت قدرتان متنافستان في أوربا منذ اعتناق الدين المسيحي فيها، وتسلط هذه بمعتقداتها حتي علي السلطات والحكومات فيها، وظهور حكم استبدادي جديد في الغرب، وانهيار اجتماعي في الشرق، يفاجأ العالم بالعقيدة الاسلامية الفذة، تلك العقيدة التي بلغت بالإنسان وما يحمله من المزايا وما يجب ان يتمتع به من خصال لبلوغ سعادته، حدودا من الكمال لو انصاع إلي رسولها الانساني الكريم، وما خطه له من الخطط العظمي، لساد السلام والرحمة والسعادة بين كل فرد وجماعة، ولأصبح افراد البشر بما فيهم من أسود وأحمر وأصفر وأسمر وأبيض في الشرق والغرب والشمال والجنوب علي اختلاف لغاتهم وطباعهم وعناصرهم وأذواقهم متساوين في الحقوق والواجبات تجاه الآخرين، ولسادت المحبة مكان الضغينة وما تجرأ ان يعتدي من زاغت نفسه أو طغي هواه علي الغير تحت تربية عالية متينة ذات أصل متين واحد بحكم العدالة والبر والاحسان والتعاون والمحبة المتبادلة، إخوانا صدقت نياتهم مع اعمالهم.
ولكنهم ما ان اغمض هاديهم ومرشدهم ورسولهم الأعظم عينيه بعد أن أوضح لهم الطريق وأنار السبل وأدلي بالحجج، وأنذرهم الله الفرقة والمخالفة والخروج عما أوصاهم فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي … ) (1) نعم من انقلب، فقد أضر نفسه وقومه، وقد خط لهم الخطط ووضع لهم الأسس وأرشدهم بقوله: " إني تارك
(1) سورة آل عمران، الآية 144.
(٢٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)، الجماعة (1)، سورة آل عمران (1)
فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا " وقال لعلي (عليه السلام) وصيه وخليفته وهو يدري لما قال وأوصي أنه سيلقي منهم اضطهادا فأوصاه بالصبر والتجلد وقد رتب ما يلزم للفتح وتعميم الدين. وما ان اغمض عينيه حتي نقضوا واختلفوا واغتصبوا مكان الثقل الثاني مكان عترته، تلك العترة التي لا تسير دفة الأمور إلا علي عواتقهم فهم المفسرون لمجمل كتاب الله، وهم الحاملون لعلم نبيهم كما قال رسول الله لعلي: " إنك لتقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل ".
نعم، قاتل رسول الله علي تنزيل القرآن، وبات تأويل القرآن بعده لباب علمه وهم علي وعترته الثقل الثاني فماذا كانت النتيجة إذا أبدلوا أوامر الله ونقضوا الأخري فسار الدولاب الذي وضعه رسول الله لأمد، ثم وقف وإذا به ليس بيد اهله فعاد الضعف بعد القوة، والتفرقة بعد الجماعة، والخذلان بعد الألفة.
ثم نعود لنري أوربا المسيحية التي تأثرت بالحضارة الاسلامية الباقية تستثير علماءها وجهالها وتنهض بعد طول الرقاد، وتهيب بالناس لحقهم المسلوب ونبذ الظلم والاستبداد، فتقوم الثورات الدينية علي الكنيسة وبعدها الثورات علي ملوكهم، فتحطم الأولي تمثال الكنيسة وتفسخه، وتهدم الثانية صرح الملكية الشامخ وتنزله فتقوم بعده حكومات سموها ديمقراطية تحت سلطة الشعوب مع حفظ حق الفرد، وأخري شيوعية تحت سلطة الجماعة مع حق الجماعة، وقامت ثالثة فاشية لتساوي بينهما وتعيد الحكم المطلق بأسماء أخري، وقامت بينها الحروب، ولا زال السجال والحرب بينهما قائمة حتي اليوم.
تلك صورة مجملة من حكومات العالم منذ بدء التاريخ إلي اليوم وكل منها من مطلقة وأرستقراطية وديمقراطية وشيوعية ما وفت بالحق لا للفرد ولا للجماعة وكلها لا زالت وبالا علينا وسخطا علي أنفسها، ساقت للبشرية باسم الانسانية
(٢٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، القرآن الكريم (2)، الظلم (1)، القتل (1)، الجماعة (2)، الوصية (1)
أعظم المجازر والويلات، وجنت علي نفسها أمر مما يجنيه علي نفسه الجاهل والمجنون وما يفعله العدو بعدوه.
فالحكومات اليوم علي عدة أنواع: مطلقة، كالملكيات القديمة: بيد الملك جميع السلطات الدستورية كاليوم ومنها ملكية ديمقراطية وذات سلطات ثلاث:
1 - السلطة التشريعية ذات مجلسين مجلس النواب ومجلس الأعيان فيهما تسن أو تعدل أو تبدل القوانين، وترسل لتنفيذها إلي السلطات الأخري بعد توقيعها من الملك.
2 - السلطة القضائية وهي مركز العدالة والمحاكمات في البلاد بما فيها من درجات وشعب، وهي مراكز التظلم وإحقاق الحق وشكاية الشكاة وملاحقة المجرمين واصدار الحكم لتنفيذه.
3 - السلطة التنفيذية وهي الحكومة بما فيها من الوزارات والإدارات الرسمية وغير الرسمية.
والملكية هذه تختلف من حيث نفوذ الملك في السلطات الثلاث فمنهم من يرشح ما يلزم اجراؤه من السلطات وهي جميعا ذات صيغة ظاهرية لا تقوم بأي عمل صغير أو كبير إلا بإرادته، وما لها أي قدرة علي العمل إلا إذا شاء فهي حكومة دكتاتورية مطلقة في الحقيقة.
وأخري ليس لها أي صفة مما مر أعلاه سوي ذلك الترشيح والمظهر القديم لتوحيد السلطات وليس لها أي مداخلة غير الترشيح، وثالثة يختلف ملكها في حق المداخلة في أمور السلطات وهي قائمة علي نظام حقوق الفرد ومصالحه في الاجتماع.
وجمهورية ديمقراطية يتمتع رئيس الجمهورية بنفس ما يتمتع به الملك من
صفحه(٢٧٦)

أ - الحكومة الشيوعية

السلطات. ومن رؤساء الجمهوريات من فرض نفسه فرضا علي الشعب وان شكل تلك السلطات الثلاث وسمي رئيسا فهو في الواقع دكتاتور مطلق، وأحيانا قد يتقيد بافراد باسم هيئة القيادة أو الشعب، بيد أنه لا يجرؤ أحدهم علي مخالفته في كثير من الأحيان. فهو إما دكتاتور مطلق أو شبه دكتاتور.
أ - الحكومة الشيوعية:
وتختلف عن الأولي من حيث النظام الاقتصادي الجمعي وان كل شئ في الدولة مشاع للجميع، ولخدمة جمعية وليس الفرد كالديمقراطية بل هو مصهور في الجماعة ليس له إلا ما للكل، والسلطة التشريعية بيد القيادة الكبري للجمعية وبيدها كل مقادير الدولة في الداخل والخارج، وليس للفرد أي سلطة واسعة كالديمقراطية في كل شئ، أخص منها الملكية وحرية اقتناء النقد والمال.
ب - الفاشية:
وهي التي تحاول ان تجمع بين النظام الديمقراطي والنظام الشيوعي فتحفظ للفرد ماله من الحقوق في الحكومة الديمقراطية علي أن تحدده من بعض الجهات كالملكيات الواسعة والمرافق العامة، وبهذا التحديد تحافظ علي حقوق المجتمع من الناحية الاقتصادية وبنفس الوقت تراعي حق الجماعة من الناحية العامة.
وكانت تمثل الحكومات الديمقراطية وتتزعمها من الملكيات: الدولة البريطانية.
وتتزعم الجمهوريات: الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الفرنسية وكانت تتزعم الحكومات الفاشية: ألمانيا الهتلرية، وإيطاليا الموسولينية، وتتزعم الدول الشيوعية: روسيا، وجمهورية الصين الشعبية.
(٢٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: الوسعة (1)، الجماعة (1)

ب - الفاشية

السلطات. ومن رؤساء الجمهوريات من فرض نفسه فرضا علي الشعب وان شكل تلك السلطات الثلاث وسمي رئيسا فهو في الواقع دكتاتور مطلق، وأحيانا قد يتقيد بافراد باسم هيئة القيادة أو الشعب، بيد أنه لا يجرؤ أحدهم علي مخالفته في كثير من الأحيان. فهو إما دكتاتور مطلق أو شبه دكتاتور.
أ - الحكومة الشيوعية:
وتختلف عن الأولي من حيث النظام الاقتصادي الجمعي وان كل شئ في الدولة مشاع للجميع، ولخدمة جمعية وليس الفرد كالديمقراطية بل هو مصهور في الجماعة ليس له إلا ما للكل، والسلطة التشريعية بيد القيادة الكبري للجمعية وبيدها كل مقادير الدولة في الداخل والخارج، وليس للفرد أي سلطة واسعة كالديمقراطية في كل شئ، أخص منها الملكية وحرية اقتناء النقد والمال.
ب - الفاشية:
وهي التي تحاول ان تجمع بين النظام الديمقراطي والنظام الشيوعي فتحفظ للفرد ماله من الحقوق في الحكومة الديمقراطية علي أن تحدده من بعض الجهات كالملكيات الواسعة والمرافق العامة، وبهذا التحديد تحافظ علي حقوق المجتمع من الناحية الاقتصادية وبنفس الوقت تراعي حق الجماعة من الناحية العامة.
وكانت تمثل الحكومات الديمقراطية وتتزعمها من الملكيات: الدولة البريطانية.
وتتزعم الجمهوريات: الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الفرنسية وكانت تتزعم الحكومات الفاشية: ألمانيا الهتلرية، وإيطاليا الموسولينية، وتتزعم الدول الشيوعية: روسيا، وجمهورية الصين الشعبية.
(٢٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: الوسعة (1)، الجماعة (1)
أما الاسلام فقد جاء بنظام جامع لم يسبقه من قبله ولا لحقه من بعده.
جاء بنظام يمثل الديمقراطية الواقعية بصورة تشمل الشيوعية، فهو يخدم الفرد لأقصي ما يمكن ان يتصوره العقل، ويخدم الجماعة ووضع حقوق البشر لغاية ما يمكن ان يتوخاه الواصفون، فهو في فترته القصيرة وضع أسسا اجتماعية واقتصادية وأخلاقية في غاية المتانة، كما حدد القوانين الحقوقية والجزائية وأصول المعاملات والأحوال الشخصية لولا ما شابه المغرضون، وأزال كل ما يورث التفرقة والشقاق والنفاق، كما أمر بالبر والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لولا من خالف تلك الشريعة السمحاء وشوهها وغير حدود الله بأوامره ونواهيه، وسن أساس الظلم والجور والإجحاف، وبدل وغير كما رأينا وما سنري.
(٢٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، الظلم (1)، النفاق (1)، الجماعة (1)

جمهورية أفلاطون

جمهورية أفلاطون
صفحه(٢٧٩)
طالما تغلب العقل البشري السليم وحكم بالصواب صارخا بالناس، مبشرا ومنذرا، علي لسان الحكماء والفلاسفة والأنبياء والرسل، وقادة البشر ذوي المنطق الصائب والإرادة المحكمة، متأثرين بما شاهدوه من الانحطاط العقلي والانجراف إلي الرذيلة والظلم والاستهتار، وتدهور الفكر الانساني إلي هوات الجهل والتعاسة فخطبوا الجماهير وأوضحوا لهم سبل الحياة، وجاهدوا وضحوا في سبيل العدالة واستعادة الفرد وعيه وصوابه، فخلفوا تراثا من النظم المقدسة وسمو العقل البشري، خلد ذكراهم: كسقراط وإفلاطون والفارابي وابن سينا ويوحنا وكونفوشيوس: حكماء من الإغريق والإسلام والهند والصين، ومن الأنبياء كإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد (صلي الله عليه وآله وسلم).
وشرح سقراط الفضيلة والدولة المثلي، ووضع أفلاطون جمهوريته، وكان مثارهما هو انحطاط الدولة وتغلب الرعاع باسم الديمقراطية، تسيرها شهواتهم، بعثت بهذه الأفكار لإيجاد دولة مثلي يسعد فيها هذا البشر المتسافل إلي الهوات السحيقة وإلي المفاسد، شريعة ومنهجا له يقوده إلي السعادة، واعتقد سقراط ان اجتماع الجماهير من الرعاع يزيدهم تدهورا وفسادا ويتفاقم ذلك بلاء إذا استثار أحدهم بقدرته الخطابية هياج الجماهير ومثله بالطبل الفارغ، وحدد المستبد مشبها إياه بقوله: من كان يعمل في يقظته كل ما يعمله بوحي غرائزه في نومه،
(٢٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الهند (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، النوم (1)، الشهادة (1)، الشهوة، الإشتهاء (1)

أفلاطون

ذلك نظر سقراط الذي حكمت الدولة حنقا عليه بالموت فأوحت لتلميذه أفلاطون هذه النوازع والمثارات إلي وضع جمهوريته التي بحث فيها ما وراء الطبيعة والآداب والفلسفة، كما بحث عن أنواع الدول، فتكلم عن الأرستقراطية، واعتبرها أرقاها، كما بحث عن الديمقراطية والدكتاتورية وعن الشيوعية ومبادئ الاشتراكية، والشيوعية وعلم النفس.
أفلاطون ولد عام 427 قبل الميلاد من أبوين أرستقراطيين، لهذا نجده رغم تأثره بالمحيط، ورغم كونه متأثرا بمجتمعه وتربيته وتعليمه، فجمهوريته جمهورية أرستقراطية، ورغم انه ينتقد الشعر والكهنوت والأساطير، فهو شاعر. وقد اضطر لحفظ جمهوريته من الانقلابات إلي أن يستحل درج الأساطير التي تحفظ العامة من الشقاق والانتفاضة علي حكومته الجمهورية الأرستقراطية. ونعثر في جمهوريته علي الشيوعية والاشتراكية والتعلم الحر والتحليل النفسي وما قاله روسو بالعودة إلي الطبيعة، وما أورده نيتشه وبعض الكتاب في الآداب والارستقراطية وبرغيسن في التعليم الحر، والدافع الحيوي وغيرهم حتي قال أمرسن: أفلاطون هو الفلسفة والفلسفة هي أفلاطون، فأحرقوا المكاتب. فكلها من هذا الكتاب وتتألف جمهوريته من عشرة كتب في خمسة أقسام:
1 - يبحث في الأولي عن العدالة.
2 - في الكتاب الثاني والثالث والرابع يبحث عن أركان الدولة وتعليم طبقة الحكام وبه يحدد المقصود من العدالة في الدولة تجاه الأفراد.
3 - القسم الثالث: ويشمل الكتاب الخامس والسادس والسابع البحث عن
(٢٨١)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (1)
الشيوعية والحكام وأصول تعليمهم ومدارجهم.
4 - ويشتمل الكتاب الثامن والتاسع علي تدهور الحكومة وأدوارها حتي ينتهي لأعنفهما وهو الاستبداد الكامل وهذا ضد العدالة.
5 - ويشتمل الكتاب العاشر النتيجة وخلود النفس وجزاء الفضيلة ويوم الدينونة.
وقد بدأ أفلاطون بالعدالة وحددها بقوله: انها " قيام كل فرد بالعمل الذي يحسنه والخاص به " وان الدولة المثلي بنظره هي الدولة الأرستقراطية التي تحكمها طبقة حكام تعلموا تعليما عاليا راقيا بعد مرورهم باختبارات طويلة استطاعوا وبرهنوا علي إدراكهم مبادئ الدولة، وعلي رأس الجميع رئيس الكل المبرز عليهم في العلم والإدارة والشجاعة والقدرة الفكرية وكل شئ.
وقسم أفلاطون الدولة كالنفس إلي ثلاث طبقات، لأن الجسم الانساني ينقسم إلي ثلاثة أقسام:
1 - القسم العقلي.
2 - القسم الحماسي.
3 - القسم الشهوي.
فمثله للدولة، فالعقلي يقابل القسم الأعلي من الدولة منبع الحكم والمنطق والرأي الصائب، وهم الحكام وعلي رأسهم أقدرهم علما وإرادة واجتهادا وشجاعة وغيرها. والحماسي يقابله رجل الحرب والشجاعة وهو الجيش وما يتبعه، والشهوي هو باقي الطبقات عدا الأولين من تجار ومهندسين وأطباء وفنيين وعمال وغيرهم. وجمهوريته تقوم علي أساس الاختصاص وقيام كل بعمله، وعدم مداخلة أحدهم في عمل الآخر، علي أن يكون العنصر العقلي هو المسيطر الأعلي علي الجميع، وأقدرهم هو الزعيم الأعلي وأن يكون الزعيم الأعلي هو
(٢٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: الحرب (1)
الحكيم الأقدر، والفيلسوف الأعلي، وأكثرهم علما وأوسعهم فكرا. وبهذا فقط تسير الأمور علي فطرتها، ويقوم كل واحد حق قيام بما أسند له بكفاءة ومقدرة.
وقد وضع لذلك حلولا عملية وأولها التعليم والتهذيب العام بالاستيلاء علي الأطفال دون العاشرة لهذا الغرض وضبط الكبار عن المفاسد. ويهتم منذ البدء بنشاط الجسم والفكر بالرياضة والموسيقي والتعويد علي الحرية الفكرية والنفسية، لذا فهو يمنع التعليم الاجباري للابتعاد عن الشعور بالحقارة، فهو يري ذلك بالتشويق والتحبيب، وهنا يري أفلاطون وجوب مد القوانين الأدبية بسلطة كامنة عن طريق الدين والايمان بالله بالرجاء والعطف والتضحية، وبعد السادسة عشرة امتحانهم في أمور نظرية وعمومية فمن سقط كان من الطبقة الأولي، وهم الكتاب والصناع والفلاحون ثم تعليم لعشر سنين أخري يليه امتحان أصعب، ومن رسب فهو من الطبقة الثانية وهم مساعدو الحكام وضباط الجيش، ولإقصائهم عن الطبقة الأولي كي لا يتحدوا ويشكلوا خطرا علي الدولة، باعتبارهم الأكثرية للانتفاضة علي الدولة، يجب اقناعهم نفسيا ودينيا ان ذلك من الله ولن يتغير، وأجاز ذلك التلقين ولو عن طريق أساطير وقصص خرافية، ومن نجح دخل في الفلسفة وتعلم علوم ما وراء الطبيعة والحكمة في الحكم لخمس سنوات، وبعدها يتعلمون تمييز الحقائق وراء الصور، وبعد الخمس سنوات يتعلمون تطبيق هذا المذهب علي شؤون الناس فيكون مجموع السنين 30 سنة يكونون فلاسفة نظريا وقد أبصروا شمس الحقيقة، وبعدها عليهم التوغل في الظلمات إلي تلك الظلمات التي يعيش فيها سواد الناس والأشياء لتطبيق النظريات علي الحقائق، وخوض معمعة الحياة العملية والمناقشات الموجودة بين مختلف طبقات التجار والصناع وغيرهم وما يرونه من منافسات ومصادمات وحيلة ومكر، وامتزاجهم بهم بالكسب والجهد، ومدة دراستهم فيها خمس عشرة سنة، وهي آخر محك، وفيها يعرف الفائز من الراسب بعد بلوغ الخمسين، وقد أتقن الحكمة نظريا وعمليا
(٢٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: المنع (1)، الخمس (1)، الوجوب (1)
وهؤلاء عنده غايته المنشودة من حكام الدولة المثلي. ولنبذ الانتخابات المزيفة يصبح هؤلاء الرجال حكام الدولة يتقلدون زمام الحكم دون ان يكون لإخوانهم من طبقات الشعب الآخرين رأي في ذلك، باعتبار جهلهم لانتخاب الأصلح لإدارة الدولة لعدم درايتهم عن حقيقة الشخص المنتخب والمزايا اللازمة له، وعدم اندفاعهم تحت تأثير الخطب وهياج وحماس مصطنع من المجتمع. هكذا يريد أفلاطون ان يكون التهذيب والعلم والحكمة والتجربة الواقعية هي المسيطرة.
ومتي بلغ الحكام من التهذيب منهم لا يتقيدون بقانون مدون حسب مقتضيات الحال وهم يختصون بإدارة الدولة بما فيها دون الدخالة فيما لا يخصهم من مهنة وصنعة، فهم مشرعون والحكام المنفذون.
وقد أشار أفلاطون إلي الأصالة والوراثة:
1 - فهو لم يسمح بالتعاقب والتوالد إلا من أبوين سالمين، سلامة جسمية وروحية.
2 - يدعو إلي حياة الفطرة والبساطة.
3 - مراعاة السلامة الجسمية والعقلية والنفسية.
4 - وأن يكون القسم العقلي سواء في الفرد أو الدولة هو المسيطر علي الباقين، ويعتبر ان العدالة وليست القوة المجردة بل هي القوة المنظمة وليست حتي الأقوي بل هو الاتساق والتعادل بين القوي لحق المجموع، ويقسم الحكومات إلي خمسة أقسام:
1 - الأرستقراطية ويمثلها الرجل الأرستقراطي، وهو الفرد المثالي الأعلي في سداد الرأي والعلم والحكمة، والعدالة والقيادة.
2 - التيموكراسية وتكون عند تفوق العنصر الحماسي واخضاعه بقية العناصر وهي الحكومة العسكرية ويقابل الفرد الحماسي أو الغاضب.
صفحه(٢٨٤)
3 - الاوليفاركية وهي وليدة التيموكراسية حين يطغي حب الثروة حتي يصبح أساس الجدارة.
4 - الديمقراطية، وهي حكومة الرعاع الفقراء الثائرين علي أصحاب الثروة باسم المساواة في الحقوق، وتتسم بالاستباحة والفوضي حيث يطغي فيه الرعاع حتي علي العلماء والأدباء والمعلمين والمربين، والصغار علي كبار السن فلم يقيموا لهم وزنا باسم المساواة ولا يفرقون بين الوطنيين والدخلاء، وسحق المقدسات والازدراء بالشرائع والنظم.
5 - الاستبدادية: بيد الانتهازيين عند الغلبة علي الرعاع من غير الطبقة الأولي، والانتهازي هو بطل الجماهير المختار في الأحزاب يعارض من انتهازيين آخرين مثله، وإذا ما غلب علي امره ولو لأمد وعاد ثانية بسب ما، بعد نفيه، عاد أقوي مما مضي، وأحاط نفسه بحراس خوف الأعداء، ويبدأ القضاء علي منافسيه كفرد مستبد عنيد. وخلالها ينشغل عن أصدقائه فيرون قلة اكتراثه وهم الذين أيدوه فيخلق بينهم ما تتخلله الريبة فيحاول التخلص من الأصدقاء، أي يقضي علي الفاسد والمصلح ويتحول للعامة ويجردهم من السلاح، ولقب أفلاطون هذا المستبد بأنه أردأ رجل، وهو من كانت حالته في اليقظة مطابقة مثله الأعلي عند النوم، ولأنه أشد شرا فهو أشد شقاء، يتساوي في نظره الصديق والعدو، فهو بؤرة الدولة الاستبدادية والتي يحكمها هي أشقي المدن، وعلي نقيضه الرجل الأرستقراطي ودولته أسعد الدول.
وقد حسب أفلاطون ان المرأة والثروة هي أسباب الاختلاف لذا تراه جعل النساء مشاعة بين الحكام ومنعهم من جمع الثروة وتمتعهم بما يريدون.
كما رأي أن سبب الحروب هي كثرة السكان فقال بتحديد النسل، وأسباب اقتصادية، فقال بالاحتراز من التجارة الخارجية وما تثيره من منازعات، ويتحقق
(٢٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)، الشقاء (1)، الغلّ (1)، الخوف (1)، النوم (1)

المقارنة بين جمهورية أفلاطون والاسلام

هذا اليوم في المنازعات الدولية الاقتصادية.
المقارنة بين جمهورية أفلاطون والإسلام فنري أفلاطون نص علي بضعة أمور تكاد تكون أساس جمهوريته. وأهمها:
1 - العدالة وقال: " إن العدالة إنما هي قيام كل فرد بما أودع له والذي يحسنه " وقال إن العدالة ليست القوة المجردة بل هي القوة المنظمة وليست حق الأقوي بل هي الاتساق والتعادل بين القوي لحق المجموع.
2 - وحينما قسم الجسم البشري وقسم جسم الدولة إلي ثلاث قوي العقلي والحماسي والشهوي. جعل القسم العقلي هو القسم الأعلي الذي يحكم جميع الأقسام، وهو الذي يقابل أرقي الأقسام في الدولة، مقر العلم والحكمة والمنطق والرأي الصائب، والذي فحص وجرب الأمور وان علي الجميع ان يستمدوا منه الرأي، وهو المشرع والحاكم والمنفذ، وبهذا يسود السلام والعدالة، وتسير الأمور علي فطرتها سعيدة مرضية، كما يسعد الجسم بسمو العقل وحكمه وبدونه تختل الموازين كما تراه في الجسم الذي تلعب به الشهوات ويستثيره الغضب والحماقة.
3 - اعتبر الأصالة والسلامة والاستقامة في الافراد شرطا للتوالد.
4 - كما اعتبر جمهوريته يجب أن تتمتع بالحياة الفطرية والبساطة.
5 - واعتبر سلامة الجسم والعقل أهم الشروط في جمهوريته.
6 - وكما عد الحكمة والعلم والفلسفة في القمة للحكم. اعتبر الاستبداد وحكومة العوام الرعاع الجهال باسم الديمقراطية أتعس الحكومات، وقد كان يحاول الابتعاد عن الانتخابات المزيفة.
(٢٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: الشهوة، الإشتهاء (1)، الغضب (1)

السقيفة - الفتنة الكبري - حكومة الطبيعة

السقيفة - الفتنة الكبري - حكومة الطبيعة
(٢٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: السقيفة (1)

الانسان (أبدع حكومة عالمية في جسم الانسان)

" اعرف نفسك تعرف ربك " أو " من عرف نفسه فقد عرف ربه " تري أفلاطون يدعو إلي الحياة الفطرية البسيطة، وتري الاسلام يدعو إلي حياة الفطرة والبساطة، وسمعنا الجمل أعلاه تترد في الأفواه ونسبوها إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) أو إلي حكيم أو امام ومهما كان، فإن هناك حقيقة لا يمكن انكارها. ان للطبيعة قوانين تعرف بعضها وسميناها بالقوانين الطبيعية من كيميائية وفيزيائية، كما أن هناك قوانين تشمل الحيوان والنبات والجماد، ونجهل أكثرها، وان هناك قوانين تخص كل جسم حي في حياته الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. وهناك قوانين تشد أخري تعاضدها أو تناقضها، وان في كل جسم حي حكومة خاصة به كما والمثل:
من عرف نفسه فقد عرف ربه. كانت تلك حقيقة ثابتة لذا نبحث فيها لنري بعض الاسرار في ذلك، وقد بحثته في كتابي: الحكومة العالمية المثلي بحثا مسهبا في هذا المورد، واني الآن وبغية الوصول إلي ما أتوخاه من تقريب الحقيقة لفكر القارئ الكريم أبحث بصورة موجزة في ذلك فأقول.
الانسان (أبدع حكومة عالمية في جسم الانسان) فالبدن الانساني كحكومة عالمية قائمة بذاتها. افرادها الحجيرات وجماعاتها في الأنسجة والعضلات وأعضاء البدن، ومنظماتها ذات تخصص كل
(٢٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الكرم، الكرامة (1)
من فئة لها مميزاتها وخواصها وأعمالها ومراكزها الثابتة، وكل منها يقوم بخدمة المجموع، والمجموع لخدمة الافراد تشدها رابطة مشتركة وصلة وثيقة وسير فطري طبيعي يدور في عالمها الجسمي ذات قوي بدنية ومعنوية يشد بعضها بعضا لا ينقصها في حياتها شئ، فهي كاملة بديعة الاتقان بمنظماتها وصلاتها وأعمالها ودفاعها وهجومها، وتدابيرها الوقائية وسعيها الدائب في إدامة الحياة الفردية والحياة الجماعية، والحجيرات في البدن الانساني تشابه الافراد في المجتمع البشري، وكما ان كل حجيرة لها أهميتها بالنسبة للجهاز الذي تعمل به فكذلك المرء له أهميته بالنسبة للمكانة التي يعمل بها. فحجيرة المخ والمخيخ، وحجيرة القلب والكبد والكلية تختلف أهمية عن بعضها، كما تقل عنها أهمية حجيرات أعضاء الحركة في الأطراف، وهكذا حجيرات أجهزة البصر والسمع والذوق، تقابلها حجيرات أقل أهمية، تلك التي في حجيرات البشرة والأنسجة الواقية في الجانب الوحشي من البدن الانمائي، ورب مجموعة من حجيرات المخ أو المخيخ أو عضلة القلب والتنفس تبلغ من الأهمية بمكان تتوقف عليها إدامة الحياة في حين لا يمكن ذلك في الأطراف والزوائد، ومثل هذا نجده في المجتمع البشري بالنسبة لمكانتهم وقد أحاطت الطبيعة كل عضو وما يحتويه من الحجيرات المهمة علي قدر أهميتها بمناعة وحصون واقية لمكانتها ومركزها المهم في المجتمع القائم بها، لذا تري كيف صانت الطبيعة المخ بطبقات الشحوم والأغشية والعظم ومثله المخيخ ويليه القلب والغدد الصماء حتي بامكاننا ان نقدر أهمية كل عضو وما يحويه من حجيرات بدرجة الاهتمام والحفاوة والصيانة والوقاية التي أحاطت به الطبيعة هذا القسم، وتركت له الفرص الكاملة للقيام بأعماله بعيدا عن المخاطر والمزعجات. كما تري في النسوج الواقعة في الجانب الوحشي للبدن أخص منها العضلات فالبشرة بما تشمل من حجيرات أقل أهمية من الأولي، وفي تلك عبرة ضرورية رعايتها منا في المتشابهات من المجتمع الإنساني. ثم تخصص كل
صفحه(٢٨٩)
حجيرة من العضو وكل عضو مكانه وأهميته وتخصصه لما يقوم به من الأعمال بالنسبة له ولعضوه من جهة أخري والرابطة المشتركة بينه وبين بقية الأعضاء الأخري ودرجة مساعدة الواحدة للأخري، وأي اختلال بسيط كيف تهتم به المراكز الحساسة بدرجة فائقة بحيث تحدث تغييرا عاما يعم الجسم لتلافي النقص مكبدة كلا منها علي قدرها من هذه المعونة من جهة والعناء والمشورة من جهة أخري.
هذا وليس ما تراه في الحجيرات في البدن الانساني إلا وتجد له التطبيق في المجتمع البشري.
فأفراد المجتمع البشري ينقسمون من حيث الأهمية إلي مجموعات كبيرة وصغيرة، عالمة وجاهلة، وفيها مختلف الطبقات والزمر والتخصص لكل منها مقام ودرجة في المجتمع الانساني، ولكل مكانه كما وجدنا ذلك في الحجيرات. وكما ان حجيرات أنسجة الدماغ لا يمكن تعويضها بحجيرات أنسجة عضلات الكبد، وهذه مع أنسجة المثانة وتلك بأنسجة الجهاز العصبي كذلك لا يمكن ذلك في المجتمع البشري. فان تعويض قسم من عضو علي اثر صدمة لا بد ان يسد هذه الخلة بأنسجة مشابهة، وبغير ذلك يرفضه العضو. وربما علا عليه بالفساد، وربما كان الأصلح بقاؤه وفيه بعض النقص وكان خيرا له من أن نعوضه بما يعود عليه وعلي بقية العضو بالفساد، فما للرأس يسد به الرأس، وما للأطراف يسد ويجبر به الأطراف، وإذا حصل غير ذلك فمعناه ارتباك خاص وعام وربما تدهور وخراب قد لا يمكن بعد ترميمه. وهذه عينها في المجتمع البشري فإنه يكفي وضع فرد في غير محله لايجاد علة تختلف في درجة هذا الاختلاف من بسيط إلي عظيم قد يكون فاحشا علي المجتمع ويدمره. ولقد دلت التجارب الطبية والعمليات الجراحية علي صدق هذا القول، كما دلت الأوضاع الاجتماعية والعلمية علي قيمة
(٢٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: التصديق (1)، الشراكة، المشاركة (1)

أهمية أجهزة البدن

ذلك. الأول في العالم الجسمي والثاني في العالم الاجتماعي، وما أكثر الشواهد الطبية والاجتماعية والعلمية حتي لتجد تدهور بل قل موت جسم لوضع فاسد في أحد أعضائه، ومثله من الناحية الاجتماعية تدهور مجتمع وانهياره علي اثر وضع عضو في غير محله، وهذا الفساد والتدهور يعود لدرجة أهمية مركز هذا العضو في الجسمين سيان الانساني أو المجتمع البشري.
أليست هذه مقارنة صحيحة ومستدلة؟ ألسنا نعترف بها؟ وحيث إن الإصلاح في الجسم الانساني إذا ترك للطبيعة عنيت باصلاحه بشتي الطرق فما يجب دراسته واكتساب درس طبيعي للمجتمع الانساني درسا قويا متينا عمليا لا يمكننا إلا الاعتراف بسداده وضرورة تطبيقه.
أهمية أجهزة البدن ربما إذا فقدت كلية في البدن عشنا بكلية واحدة أو عين واحدة وتحملنا هذا الفقدان. ولكن فقدان القلب سيقضي علي الحياة وأعظم منه المخ والمخيخ أو مراكز خاصة منها. فما هي المراكز المشابهة للقلب والمخ والمخيخ في جسم المجتمع البشري؟ ليس هناك قضاء بالشكل الأكمل في جسم المجتمع البشري كما هو في البدن الانساني إلا إذا اعتبرنا القوي المعنوية، والاجتماعية، أو تدهور الدولة واضمحلالها، أو القضاء علي العلوم والفنون في الدولة بما فيها العلماء والحكماء والأدباء وأمثال ذلك.
وان القضاء علي أي طبقة معناه القضاء علي طبقة مشابهة في الجسم الانساني. فالقضاء علي القلب في الجسم الانساني يناسبه القضاء علي مجموعة من أجهزة المجتمع الانساني وضرورياته كمراكز المواصلات والمؤن ومصادر
صفحه(٢٩١)
الدفاع والمقاومة والتغذية والتهوية والمياه وما شاكل، وفي كل هذا نجد ان الجسم البشري لا يقضي عليه تماما مثل الجسم الانساني إلا بالقضاء علي تمام آحاده، إلا إذا اعتبرنا الموت في كليهما انما هو موت معنوي وليس موتا ماديا فحسب.
نتساءل هل بالامكان الاستفادة من أنسجة غير مشابهة في غير محلها.
وعدم التشابه هذا يختلف بعدا، فقد يتقارب وقد يتباعد فأنسجة المخ بالنسبة لأنسجة القلب، وهذه بالنسبة لعضلات الحركة، وأنسجة العضلات لأنسجة الأعصاب، وهذه بالنسبة لأنسجة الغدد الصماء. فان ترميم قسم لعضلة مشابهة لها ممكن، ولكن هل يمكننا وضع قسم من عضلة القلب لترميم عضلة الساعد أو الشفة، أو وضع قسم من عضلة الكلية لترميم قسم من الكبد. واما إذا ابتعدنا أكثر وقلنا: هل يمكننا الاستغناء عن عضلات الجسم مهما بلغت لترميم قسم من المخ أو المخيخ؟ ان هناك ما لا يمكن القول أبدا في الحال الحاضر في القبول بمبادلة هذه الأعضاء وكما قلنا فإن التغيير في اصلاح العضو قد يؤدي إلي افساده ودماره.
ومثل هذه تماما هي في المجتمعات البشرية المطلوب اصلاحها. فجعل الشئ في غير موضعه معناه إفساده، وحتي أحيانا بحكم الاضرار وضع عضلة شيخ مشابهة في عملية جراحية لترميم عضلة شاب، وان تشابهت من حيث النوع فلا تخلو من عيوب لأن عضلة الشيخ أقل عمرا واضعف طاقة من عضلة الشاب، وربما كان العكس أجدي، يعني وضع عضلة شاب محل عضلة شيخ أو قلب شاب محل قلب شيخ خير منه لقوة مقاومة عضلة الشاب وقابليته لحياة أطول.
وان مراعاة ذلك وتطبيقه في المقارنة بين الفرد البشري والمجموع البشري له آثاره القيمة وشأوه البالغ وهو درس بليغ في شتي نواحي الحياة يمكن الاستفادة منه لدرجات قصوي وبعيدة، وربما أدي إلي ابتكارات مهمة وعميقة.
انظر إلي حكمة الله في الطبيعة، ومثل هذا نجده في البشر طبيعة وغريزة في
(٢٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (1)
بعض الموارد. فأي نقص في عضو ولو تناهي في الصغر، وأي اختلال فيه يترك اهتماما وكدرا في كافة حجيرات وأعضاء الجسم لا تنفك حتي ترميمه وإعادة اصلاحه. وإذا أردنا اصلاح عضو ما في البدن فإنما نريد ان نعيد القرار والسعادة إلي جميع البدن المضطرب مما يجده في عضوه ويشاركه في آلامه، وهكذا نظرتنا للجماعة البشرية المشتركة بالحس والشعور.
ان البدن كله بما فيه علي أهبة واستعداد وعلم بأدني ألم وسرور يصيب أي جزء منه حتي القسم المعنوي، وعندئذ يثور لاصلاحه، وهذا الشعور حقيقة واقعية يلزم تطبيقها في المجتمع البشري.
وقد يصيب البدن داء أو عاهة أو شئ يفقده جانبا منه فتراه في حالة متهيجة لإعادته فإن كان نقصا لا بد لإكمال سعادته إعادة النقص إليه أو كان دخل فيه شئ فلا بد من إزالة الشئ منه حتي يعود لاعتداله، وقد يوجد كلاهما: أي دخول شئ محل نسيج، أو ازاحته من محله، لذا تري البدن يدوم اضطرابه حتي إعادة الشئ إلي محله ومثله الفسخ والرض الحاصل في المفصل، لذا تراه متورما متألما لا يقر له قرار وتري الجسم كله في اضطراب والم حتي إعادته لمحله. ولا ننسي ما يصيب ذلك من ضعف واعياء وانهاك لجميع البدن. وهذه عينها تحدث للمجتمع البشري في الحوادث المشابهة، وقد تطول هذه العلة علي المرء حتي تراه وتشاهده وهو بائس منهك وليس فيه سوي إعادة الشئ لمحله أو إزالة الجسم الغريب عنه أو كلاهما ولكن لاضطراب شعب من اقصاه إلي أدناه وضع رجل في غير مركزه أو ادخال رجل في مركز غير مركزه وكلما كان هذا المركز مهما كانت الصدمة أعظم وأقسي.
وقد يسبب ذلك النقص أو الزيادة في الجسم عيوبا في جهات أخري من البدن علي مرور الزمان تحتاج إلي الاصلاح حتي إذا اصلح العيب الأول وله
(٢٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: الشراكة، المشاركة (1)
مشابهات في جسم المجتمع البشري، فإذا وفقنا في ارجاع الشئ إلي اصله أو اخراج الشئ الغريب منه كان من الضروري اصلاح الاختلالات الحاصلة علي اثر الصدمة الواردة.
وهناك أمر بالغ الأهمية وهو تشخيص الداء أو الدواء وتشخيص العواقب والآثار التي شملته علي مرور الأيام والسنين، ومهم جدا نوع العلاج في كل منها بعد التشخيص، وهو عينه في المجتمع البشري وكلما طال الأمد صعب العلاج للآثار السيئة التي خلفتها المدة والانحرافات التي خلفتها.
ربما اعتاد البشر خلال المدد الماضية علي عقارات مخدرة كالمورفين لرفع ألمه وهذه نفسها تخلق فيه عاهات كأداء حتي بعد زوال أو اصلاح الداء الأصلي كإعادة العضو المنفسخ إلي محله وزوال الالم، بيد انه بعد ذاك يضل معتادا علي تناول المورفين المخدر وهذا ربما كان لا يقل شدة بل وأشد عند الترك من نفس الصدمة الأصلية وتلك نفسها في المجتمع البشري.
ان البشر في مجتمعه لم يتوصل لدرجة صغيرة من الكمال المخلوق في انسان، لا ولا حتي في أدني الحيوانات والحشرات وبحاجة للبحث المستمر والجد للسلوك الطبيعي وللاستفادة من مكنوناته ومدخراته وكنوزه الثمينة التي يحملها كل انسان لتطبيقها تطبيقا حسنا. ومنها نشر الحقائق واتباع الحقائق والجد للوصول إلي الحقيقة حتي إذا شعر المجتمع بالألم جد في اصلاحه ووضع الدواء الطبيعي له، وان يعلم ان سروره الحقيقي وشقاءه الواقعي انما يتوقف علي سعادة وشقاء مجموعه، كما في البدن الانساني، وأن يكون كالبدن الانساني ليس فيه كذب ولا رياء ولا خداع بل كلها حقيقة وكلها سرعة فائقة وأسرع من لمح البصر، هذا فيما يخص العلم بوقوع الحادث وفيما يخص علاجه. فأنت إذا قربت أدني حرارة أو آلة واخزة إلي أدني حيوان انتقل حالا وأحس بالشئ ووصلت الانباء
(٢٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: الوقوف (1)، الضلال (1)، الدواء، التداوي (1)
إلي مراكز الحس حقيقة صادقة عن الحرارة والوخزة، أو البرودة وعاد الانعكاس (رد الفعل) حالا للم الطرف ثم الشروع حالا بترميم ما خرب، هكذا يجب في المجتمع. هذه مقارنة تعرفنا حكمة الطبيعة واتقانها ومدي جهلنا، وأي جهل أعظم من أن نطلب السعادة عن طريق الشقاء.
وتمتاز الحجيرة عن بعضها بالنسبة للمركز الذي تشغله للمجتمع ولأهمية الوظيفة التي تؤديها، ويحافظ عليها وتصان بتلك النسبة. فحجيرات المخ تحاط - لأهمية وظيفتها - بقشرة شحمية وتليها أغشية وعظام وتختلف من حيث غذاؤها ومدة حياتها بالنسبة لحجيرات البشرة من حيث تلك الجهات وبقدر ما تسديه للجسم من خدمة يكون مقامها وشأنها وغذاؤها والمحافظة عليها أجل ومدة حياتها أطول ويقدم لها غذاء علي قدر مجهودها.
هكذا تجد لمن يجب ان يناط به المركز الأعلي لقيادة الأمة، وكيف يجب ان يحافظ علي مركزه بنظر أفلاطون: اعلم الأمة، والذي تتمركز فيه أصالة السلامة، ومن تكون تربيته أرفع، ومن يكون قد مارس الإدارة واعتمدت عليه النخبة العالمية من الأمة لا الرعاع.
وهل تجد غير علي (عليه السلام) فهو - رغم صغره - الأسبق للايمان والأتقي والأعلم والأشجع والأحلم والأعدل، والأحب لله ولرسوله، والأقرب لرسول الله و … الخ.
وإذا أعدنا لحكومة الطبيعة في الجسم الانساني. وهي حقيقة ناصعة كوننا متي فقدنا عضوا فعلينا وضع عضو يحاكيه في محله ومن جنسه ويحمل نفسه صفاته، فمن هو أقرب من علي ليشغل محل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ وقد أثبتت آية المباهلة انه نفس محمد، وآية الولاية له نفس صفة محمد، ومثلها الأحاديث. وقد صدق الجميع انه باب علم رسول الله، وأعلم وأتقي الأمة، وقد أوصي به رسول الله في
(٢٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، الصدق (1)، الجهل (1)، الوصية (1)
حديث الثقلين وحديث المنزلة والأحاديث الجمة الغفيرة التي قال فيها " علي مني وانا منه ". لحمه لحمي ودمه دمي، وكم كرر قوله بلزوم اتباعه ان شئتم أن لا تضلوا؟ وكم قال إنه أخي ووزيري؟ فهل هناك انسب من علي ليحل محل رسول الله مادة ومعني؟ الم تنزل فيه كما نزلت في رسول الله آية الطهارة وآية المباهلة وآية الولاية؟ فقد كان رسول الله الوحيد بين قومه الذي تتزعزع بموته الأمة وهذا ما نطقت به الآية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم … ) وتفاديا لهذا الانقلاب والانهيار إلي الضلال فقد دلهم رسول الله وعين لهم السبيل: الذي إن تمسكوا به فلن يضلوا أبدا وهو التمسك بالثقلين، واتباع أخيه في حديث الثقلين وحديث المنزلة ويوم الدار وغيرها. فهل تعجب بعدها إذا وجدت أمة محمد مضطربة، مشتتة، مستضعفة لا تستقر علي حال؟ وهل ترجو فيها خيرا وقد بدأت بغصب منصب خليفته وآله الذين وجبت طاعتهم والصلاة عليهم تسع مرات في اليوم أي في كل تشهد؟ أو هل تعجب من انخذالها ونفس رسول الله واخوه ووصيه وخليفته يقتل مظلوما ويسب علي المنابر بعد كل صلاة وعيد؟ وهل تعجب وذرية رسول الله يقتلون ويقطعون ويسلبون ويسبون ويسمون؟ وهل نستغرب، ويقتلون صحابة رسول الله بعد تعذيبهم؟ وهل نستغرب وتستباح مدينة رسول الله وتضرب كعبة المسلمين بالمنجنيق ويقتل فيها الآمنون؟ وهل نستغرب بعد أن تخرج لمحاربة خليفة رسول الله أم المؤمنين وتستبيح قتل مئات بل آلاف الصحابة حتي قبل شروع القتال؟ ألا تعجب ان يجلس مجلس رسول الله ويسمي نفسه خليفة من يستبيح حرامه ويحرم حلاله؟ وما لا يحصي ولا يعد من المنكرات؟ ألا تعجب إذا رأيت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفسه منكرا؟ ألا تعجب وأنت تري وتسمع كيف تنسب فضائل علي وذرية رسول الله لأعدائه وتزيف وتحرف الحقائق وتنسب لأعدائهم فضائلهم وكراماتهم علي رؤوس الاشهاد؟ ألا تعجب وتري مال الله
(٢٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الامر بالمعروف (1)، النهي عن المنكر (1)، حديث المنزلة (2)، حديث الثقلين (2)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، القتل (5)، الموت (1)، الصّلاة (2)، الظلم (1)، الشهادة (1)، الضلال (1)، السب (1)، الطهارة (1)

في علم التربية

ورسوله والمسلمين يبذل في غير سبيل الله بل في سبيل المنكرات والموبقات؟
أتريد بعد هذا خيرا لامة، والمظالم تتري علي محبيه ومحبي ذراريه وهم أهل السنة والكتاب؟ وأحق من الجميع بهذا الاسم وقد سموهم بالروافض لأنهم رفضوا أعداء الله وأعداء رسوله وسموا شيعة لأنهم شيعة محمد وآله؟ لا والله لن تدرك العز ولن تبلغ السلام إلا باتباع سنة محمد وآله واتباعهم واتباع محبيهم وصحابته المخلصين، أولئك الذين اتبعوا أوامر ونواهي الله ورسوله. وبالتالي رفض كل من غير وبدل نصوص القرآن وسنن رسول الله ومناهجه، وسحق ومحق ما تركوه من مخلفاتهم المنكرة وبدعهم الضالة وسننهم الباطلة وعاداتهم المستهجنة. وقد أوضحت كل شئ لمن أعطي المنطق الصائب والرأي الثاقب لمن هو طيات قلبه الايمان واليقين بحكمة رسول الله الأعظم ودين الاسلام المبين وقرآنه المجيد، وأخلص لله ولرسوله ولم تأخذه فيهما لومة لائم، ولم تغلب عليه العصبية الجاهلية والنفس الامارة بالسوء والعادات المزرية التي خلفتها السنين والأحقاب علي يد أعداء الرسول وآل الرسول من آل أمية وآل مروان ومن أسند لهم ذلك الملك ومن سار علي هداهم وهدي أئمة السوء والمنحرفين عن الصراط المستقيم.
في علم التربية يهتم علماء التربية اليوم بانتخاب الافراد وهؤلاء الافراد يتمايزون في نواح ثلاث بالنسبة لبقية الافراد.
1 - علم الوراثة، وقد اعتقدوا ان الصفات الخلقية والخلقية تنتقل للأبناء من الآباء والأمهات بالتوارث كما تنتقل للأبناء الصفات المكتسبة من الأجداد والآباء إلي أبنائهم، ومما ينتقل أيضا: الأمراض الاجتماعية وكثير من الطباع والاخلاق فتري علي الأكثر في العوائل ان الصفات في الأخلاق الحميدة والفضائل
(٢٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، سبيل الله (1)، القرآن الكريم (1)، الرفض (1)
والمحاسن تنتقل إلي الأبناء، كما تنتقل لهم التقاطيع والملامح الشكلية، وكثيرا ما نعرف الأبناء بملامحهم وننسبهم إلي العائلة وطالما عرف الأبناء بسلوكهم وسيماهم بالنسبة لآبائهم القريبين أو البعيدين، وكما تنتقل بعض المزايا الحسنة من حب الخير والبر والاحسان، تنتقل بعض المزايا السيئة كالشراسة والتعدي والاجحاف، كما تري في بعض انتقال العقول السليمة والأذواق الحميدة وكذلك انتقال الشذوذ الخلقية والأخلاقية كالسفه والجنون، لذا تري في كثير من العائلات التي تبغي الزواج سواء لأولادهم أو لبناتهم يطلبون أقرانا سالمين من الشذوذ الموروث من آبائهم وأجدادهم وفي الغالب يبحثون عن سلامة العائلة ودرجة الافراد من حيث مستوي الفكر وعدم وجود عاهة نفسية أو روحية أو عقلية في افراد العائلة الخاطبة إذا كانت مخطوبة أو المخطوبة إذا كانت خاطبة، حذار انتقال تلك إلي أبنائهم.
2 - التربية، وتشمل هذه التربية البيتية والتعاليم المدرسية من الأم والأب والأجداد والاخوة والأقارب الذين يعيشون معهم، والتعليم من المعلمين وآرائهم ودرجة تأثير هؤلاء المربين والمعلمين علي هؤلاء الناشئة في سلوكهم البيتي والاجتماعي، والصفات الأخلاقية والعادات الاجتماعية من حسنات وسيئات منتقلة للمتعلمين.
3 - المحيط: وهو البيئة التي يقضي فيها هؤلاء الأطفال والصبيان والشباب بقية فراغهم في مختلف الجماعات كالأصدقاء ومحلات النزهة واللعب والاستمتاع، والمجالس والتجارة والاكتساب، والجيران والأماكن التي يمرون فيها في الذهاب والأيام، والأصدقاء الذين يسرحون ويمرحون معهم، وأصدقاء آبائهم وبقية العائلة.
ونستطيع أخيرا ان نعرف الاشخاص بعد مرورهم في هذه الأدوار من طراز
(٢٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: الزوج، الزواج (1)
سلوكهم وآرائهم وأعمالهم وبيعهم وشرائهم ودرجة ثقافتهم ونوعها. وأعظم من ذلك نستطيع ان نقرر من نوع الوراثة والتربية والمحيط حياة الناشئة وسلوكها الأدبي والأخلاقي والاجتماعي.
وشتان بين من نشأ في أحضان النزاهة والفضيلة وكرم الأخلاق، وتربي علي يد مربي البشر وأسماهم خلقا وأرفعهم مثلا ذلك الصادق الأمين محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومن أبوين موحدين كريمين مثل علي بن أبي طالب ذلك الذي امتاز بايمانه وأجداده ومكانته البيئية ومحيطه الجليل وتربيته الفذة علي يد أرقي البشر وأصدقهم وأحكمهم وأرفعهم نفسا وأعظمهم خلقا، مدينة العلم والحكمة الذي اختار له من أقرب الناس وأشجعهم وأطوعهم وأحبهم له ناصرا ومعينا وأخا ووزيرا ووصيا وخليفة فجعله باب علمه وحكمته، وجعل ذريته من ذريته وذرية صفيته الزكية الطاهرة، بل جعله نفسه وأمين سره، ودربه علي شؤون الخلافة في حياته في الحملات، فكان القائد المبرز، وفي السلم خليفته عند تركه المدينة، وسفيره في تلاوة سورة براءة علي أهل مكة وواليه علي أهل اليمن وهاديهم ومعلمهم ومرشدهم الوحيد الذي كان مفخرة وعزا للمسلمين، أينما وجهه فتح الله علي يده، ناصر الله ورسوله وحصن المسلمين وركن الايمان، وقاهر الجبابرة، وقاتل الفجرة ومذل المشركين، يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين، وحبيب الله ورسوله، الذي جعله نفس رسوله، وطهره وزوجته وبنيه من الرجس، وانزل فيه الآيات البينات، وكرم وجهه من أي رذيلة وخسة، وعصمه من أي ذلة وخطيئة، فحطم الأصنام، وذاد عن دينه ورسوله بالحسام. من مثله وقد نصبه علما منذ صباه ولم يبلغ الحلم؟! من مثله في وراثته من آبائه وأجداده؟! ومن مثله في تربيته وقيامه وقعوده وتعليمه منذ الطفولة والصبا مع رسول الله خاتم النبيين الذي كان عونه ومدركه وفاديه بنفسه فهو حبيبه ومدربه!؟ من مثله يافعا وشابا وكهلا. فهو أحكم الحكماء الذي نص عليه أفلاطون ليتزعم جمهوريته، إذ هو نخبة النخبة بين
(٢٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، علي بن أبي طالب (1)، الصدق (1)
الأعوان والأنصار والأقرباء الأطهار، وأبو السلالة الأطهار الأبرار؟
وهو في حكومة الطبيعة والفطرة البشرية والجسم الانساني نفس رسول الله من لحمه ودمه ونفسه وروحه وعلمه وحكمته وخصاله وصفاته. ووارثه ووصيه بما نزل به الوحي من الله ونطق به كتابه المجيد في سوره وآياته، وبما أبداه النبي الأكرم عنه فقال: " هو مني بمنزلة هارون من موسي " وذريته ذريته، وهو نفسه وأخوه وحبيبه وعيبة علمه وأبو ذريته، وهو الذي قال عنه: " ستقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل " وهو الذي قال: " سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله " وهو من حيث التربية والوراثة والمحيط نفس رسول الله ونفس منزلته، نفس الاباء ونفس الخلق والصفات والمكارم والأمجاد، فقد امتدحه الله في كتابه كما مدح رسوله، وأشاد به وطهره من الرجس كرسول الله، وعبر عنه في آية المباهلة بنفس رسول الله، وجعل له الولاية كرسول الله في آية الولاية، وجعله كرسول الله في غدير خم مولي كل مؤمن ومؤمنة، من أحبه أحبه الله ورسوله، ومن أبغضه أبغضه الله ورسوله وعاداه، ومن نصره نصره الله ورسوله، وهو أحب خلق الله لله في حديث الطير، وأخيرا هو صاحب المكرمات وأبو الفضائل، من لا يجاريه بعد رسول الله أحد قط.
ومن يستطيع أن يرمم مكان رسول الله ويسدد الثلم الذي أحدثه موت رسول الله إلا هو وحده طبق حكم الحكماء ورأي العلماء والحقائق الصادقة والتجارب الناطقة، ليس سواه، فهل يجوز لمن نشأ علي الشرك طفلا وصبيا ويافعا وشابا وكهلا وأتي ما أتاه القوم من المنكرات من الظلم والتعدي ووأد البنات ولعب القمار وشرب المسكرات وعبادة الأوثان، وتخلق بأخلاق القوم واختلط بلحمه ودمه وجسمه وروحه، ومازج صفاته واخلاقه وهو لا يزال يميل للقوم المشركين وكان يشربها حتي فتح مكة، ويرثي قتلي بدر من المشركين ويقرب
(٣٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الطير (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، القمار (اللعب بالقمار) (1)، آية المباهلة (1)، غدير خم (1)، الظلم (1)، البغض (2)، القتل (1)، الجواز (1)
الصلاة سكران، أيجوز له ان يكون خليفة لمحمد خاتم النبيين وسيد المرسلين، ودونه علي وعترته وهو لا يأبه بأوامر الله وسنن نبيه فيرغم وصي رسول الله علي بيعته ويجلبه حاسر الرأس حافي القدمين مهددا بالقتل ليبايعه قهرا وقسرا، وهو لا ينازعه خوف الفتنة، ولا يخاصمه حذر الشقاق سوي قوله أنا عبد الله وأخو رسول الله ليذكرهم بالحقائق عساهم يرعوون. ولكن هيهات وهم الذين يعرفون عصمة آل البيت وقد جمعوا الحطب لإحراق داره وفيها البتول بضعة رسول الله الصديقة الطاهرة وولدا رسول الله الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ولا يكتفون بذلك حتي يعصروها بين الباب والحائط ويسببوا اسقاط جنينها ويضربوها وبعدها يسلبوها نحلة أبيها فدكا علي خلاف حدود الله ورسوله ويقصون عترة رسول الله وكل هاشمي من ولاية كل شئ ويأتون بأولاد الطلقاء والمشركين لولاية المسلمين. من يقبل بذلك والجميع يعلمون ذلك وبعدها يرجون أن يسلم جسم الأمة والدين، ويسود الأمن والطمأنينة أركان الدولة.. كيف يكون ذلك وقد اختل الجسم ورمم المخ والمخيخ والقلب وأعظم أجهزة بدن أمة محمد بما يخالف ذلك الترميم ويناقض ذلك العضو. لهذا تري جسم الأمة مضطربا تعمه الآلام وتسوده الأمراض، منهك القوي، مفكك العري لا يقر له قرار ولم يذق طعم السعادة، وكيف يكون ذلك وقد انتهجت الأمة غير النهج وسلكت غير السبيل التي خطها لها رسول الله الأكرم وقائدها الأعظم.
قال ابن أبي الحديد " إن عليا (عليه السلام) كان أولي بالأمر وأحق لا علي وجه النصرة، بل علي وجه الأفضلية، فإنه أفضل البشر بعد رسول الله وأحق بالخلافة من جميع المسلمين " (ص 46 ج 1 من شرح نهج البلاغة).
كان اخرج الشيخ سليمان الحنفي في الباب الأربعين من ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب الثاني من كفاية
(٣٠١)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، محمد بن يوسف (1)، الخوارزمي (1)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)، الخوف (1)، الصّلاة (1)

لائحة

الطالب، وكلاهما مسندان عن محمد بن منصور عن طريق الإمام أحمد بن حنبل:
" ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل مثل ما جاء لعلي بن أبي طالب ".
لائحة ان أبا بكر شغل محل رسول الله وكان شغله له شغلا يطابق الموازين الشرعية وكانت له الأهلية لأسباب التالية:
1 - ان الأمة أجمعت علي خلافة أبي بكر وبايعته وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) " لا تجتمع أمتي علي ضلال أو علي خطأ ".
2 - ان ابا بكر شيخ وعلي رغم توفر الشروط فيه فهو شاب.
3 - لا تجتمع النبوة والملك في أهل بيت واحد كما قاله الخليفة الثاني عمر.
4 - إن عليا والهاشميين وجميع الصحابة بايعوه طوعا، ولو كان غير محق فلماذا بايعوه؟
(٣٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، خلافة أبي بكر بن أبي قحافة (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، أحمد بن حنبل (1)، محمد بن منصور (1)، الضلال (1)

السقيفة - اللائحة الثانية

السقيفة - اللائحة الثانية
(٣٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: السقيفة (1)

الجواب

الجواب:
1 - الاجماع علي خلافة أبي بكر هل صح الاجماع؟ (1) وهل يصح الاجماع بعد النصوص الأكيدة علي خلافة علي من الله ورسوله؟
من انتخب عمر؟ لماذا لم يترك أبو بكر ذلك لإجماع الأمة؟ ومن انتخب عثمان؟ وكيف ساغ لعمر ان يعطي زمام الأمة إلي نظر ستة افراد؟ وكيف ساغ له الامر بقتل المخالفين؟.
ونبدأ بالسؤال الأول. فنقول: هل صح الاجماع علي انتخاب أبي بكر؟
ونتسأل أولا كيف بدأ الانتخاب؟ وكيف وقع الاختيار علي أبي بكر دون غيره؟
وهل ان جميع الأمة علمت بهذا الانتخاب فحضرت وشاركت فيه؟ أم ان صحابة رسول الله من المهاجرين والأنصار والهاشميين كانوا حاضرين وانتخبوا أبا بكر؟
(1) لم يحصل إجماع وأقره الجميع راجع ص 457 ج 2 من تاريخ الطبري، وتصفح صحاح مسلم والبخاري والفخر الرازي وقد حاج أبا بكر كبار الصحابة في ذلك مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي وخالد بن سعيد بن العاص وأبي الهيثم وحذيفة بن ثابت والأنصاري وأبي بن كعب وسهل بن حنيف وأخيه عثمان وبعدها كل من أبي ربيعة من المهاجرين والأنصار سموهم بالروافض لأنهم رفضوا ابا بكر لأنه لا يحق له ذلك والحق لعلي. راجع تاريخ البلاذري، وابن حجر العسقلاني.
(٣٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (2)، خلافة أبي بكر بن أبي قحافة (1)، القتل (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، خالد بن سعيد بن العاص (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، أبي بن كعب (1)، سهل بن حنيف (1)

1 - الاجماع علي خلافة أبي بكر

الجواب:
1 - الاجماع علي خلافة أبي بكر هل صح الاجماع؟ (1) وهل يصح الاجماع بعد النصوص الأكيدة علي خلافة علي من الله ورسوله؟
من انتخب عمر؟ لماذا لم يترك أبو بكر ذلك لإجماع الأمة؟ ومن انتخب عثمان؟ وكيف ساغ لعمر ان يعطي زمام الأمة إلي نظر ستة افراد؟ وكيف ساغ له الامر بقتل المخالفين؟.
ونبدأ بالسؤال الأول. فنقول: هل صح الاجماع علي انتخاب أبي بكر؟
ونتسأل أولا كيف بدأ الانتخاب؟ وكيف وقع الاختيار علي أبي بكر دون غيره؟
وهل ان جميع الأمة علمت بهذا الانتخاب فحضرت وشاركت فيه؟ أم ان صحابة رسول الله من المهاجرين والأنصار والهاشميين كانوا حاضرين وانتخبوا أبا بكر؟
(1) لم يحصل إجماع وأقره الجميع راجع ص 457 ج 2 من تاريخ الطبري، وتصفح صحاح مسلم والبخاري والفخر الرازي وقد حاج أبا بكر كبار الصحابة في ذلك مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي وخالد بن سعيد بن العاص وأبي الهيثم وحذيفة بن ثابت والأنصاري وأبي بن كعب وسهل بن حنيف وأخيه عثمان وبعدها كل من أبي ربيعة من المهاجرين والأنصار سموهم بالروافض لأنهم رفضوا ابا بكر لأنه لا يحق له ذلك والحق لعلي. راجع تاريخ البلاذري، وابن حجر العسقلاني.
(٣٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (2)، خلافة أبي بكر بن أبي قحافة (1)، القتل (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، خالد بن سعيد بن العاص (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، أبي بن كعب (1)، سهل بن حنيف (1)
ومن أين أتي أبو بكر وهو جندي محارب تحت إمرة شاب لم يبلغ العشرين من سنه هو أسامة بن زيد المرسل علي رأس جيش المسلمين للحرب؟ ونتسأل أكثر لنوضح الامر، ألم يجهز رسول الله جيش أسامة بنفسه وحثه علي السير حثيثا قبل وصول خبره للأعداء؟ فلماذا تأخر الجيش حتي اضطر رسول الله إلي أن يلعن من تخلف عن جيش أسامة قائلا: " اللهم العن من تخلف عن جيش أسامة "؟ ومن كان يضم الجيش من المهاجرين والأنصار؟ الم يضم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح والنخبة الباقية من المهاجرين والأنصار؟ ولا بد لنا من الجواب المثبت. ان المتخلفين كيف تحملوا هذا اللعن وكيف تخلفوا رغم امر رسول الله في الاسراع للحملة؟ ما كانت غايتهم من هذا التأخير؟ أحقا انما تأخروا له هو تشوشهم علي مرض رسول الله أم بسبب ان أميرهم شاب وهم يأنفون من هذه القيادة؟ وهل يسوغ لهم الاعتراض علي رسول الله وقد جاء وخطبهم وأبان لهم انه لا ينطق عن الهوي ان هو إلا وحي يوحي؟ وهو بعد في حال الصحة ورغم ذلك تخلفوا وخلقوا الأعاذير حتي لعن رسول الله المتخلفين. ومما لا شك فيه أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح كانوا تحت إمرة أسامة وقد شملهم اللعن لتخلفهم، فكيف يسوغ لمن لعنه رسول الله بل الله ان يتقلد زمام أمور المسلمين؟ وأعظم من ذاك ما اعترض عليه أسامة نفسه يوم سمع ان أبا بكر نصبه عمر وأبو عبيدة خليفة، جاء واعترض قائلا: إنكم تحت إمرتي بأمر رسول الله فكيف نصبتم من هو تحت إمرتي بأمر رسول الله أميرا علي؟ ولنترك ذلك ونعود لنري كيف انتخب أبو بكر وقد كان خارج المدينة وقد دخل المدينة وذهب مع بني هاشم والصحابة المشغولين بتغسيل رسول الله وتجهيزه مع علي فأين هو والحضور في السقيفة، وإذا أجبنا علي هذا ان عمر الذي كان يعلم بموت رسول الله ويعلم بغياب أبي بكر لماذا كان يتحدي كل من يقول: مات رسول الله، ويهدده بالقتل بأن رسول الله لم
(٣٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (2)، أسامة بن زيد (1)، بنو هاشم (1)، السقيفة (1)، الموت (1)، القتل (1)
يمت، وأنه كموسي حينما ذهب إلي ربه وسيعود؟ فما حداه ان يأتي دار رسول الله وبلغت نظر أبي بكر وحده (1)؟ دون أي واحد آخر بان الأنصار اجتمعوا لانتخاب أمير منهم، وفي الطريق يستصحبون معهم أبا عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة. أكان ذلك أمرا مدبرا؟ لقد ظهر من النتائج التي أعقبت ذلك في زمن أبي بكر وعمر ان الامر كان مدبرا بين الأربعة تدبيرا أكيدا وبعيدا يوم قال عمر وهو يريد أن يحوك أمر الشوري حيث قال: لو كان أحد الاثنين حاضرا لما أودعها للشوري يريد بذلك ابا عبيدة أو سالما مولي أبي حذيفة ذينك اللذين اتفقا علي اغتصاب الخلافة ودبرا المكيدة وجاءا بالفتنة الكبري لقلبها ملوكية. وهكذا تري المكيدة والتدبير ومن قبلها المناصب العالية لأبي عبيدة وسالم مولي أبي حذيفة.
كما ظهر من التدابير المشتركة من أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة ومن عاضدهم ان عائشة ألقت ليلتها الفتنة بين الأوس والخزرج بقولها للأوس إن:
الخزرج يحوكون ويدبرون الامر لانتخاب خليفة منهم، وقالت للخزرج مثلها فجعلتهم يتنافسون ويبادرون في الصباح رغم مرض زعيم الخزرج إلي سقيفة بني ساعدة لانتخاب أمير، وفي نفس الليلة تحرض بني هاشم لتجهيز وتغسيل وتكفين ودفن رسول الله وهي تدري ان الصحابة الموالين لآل بيت رسول الله سوف لا يفارقونهم. وهكذا دبروا الامر بليل فشغلوا الهاشميين والصحابة الخصوصيين المعارضين لهم برسول الله، وأوقعوا النزاع بين الأوس والخزرج وجاؤوا علي تدبير ومكيدة في وقت بلغ الحسد والحقد أعلاه بين الأنصار، وأماط أبو بكر اللثام عن أول فتنة في الاسلام مشيدا بالمهاجرين، واتهم الأمراء والأنصار وهم الوزراء، ومد يده ليبايع أبا عبيدة أو عمر فبادر الاثنان لبيعته وأعقبها قلة من الأوس حقدا علي الخزرج وتلاها بقية الأوس، وخشية أن يحصل الأوس علي
(1) تاريخ الطبري ص 56 ج 2.
(٣٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: سالم مولي أبي حذيفة (1)، بنو هاشم (1)، السقيفة (1)، المرض (1)، الشراكة، المشاركة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)
الحظوة بادر قسم من الخزرج لمثل ذلك وكاد ان يقع الخصام بين الخزرج وعمر لولا مداخلة أبي بكر وسياسته، ثم مبادرتهم للخروج بعد الاطمئنان من عملهم، يستجلبون كل من يجدونه في الطريق وجلب من يعرفونه. وبعدها إرسال الرسل لمن يعرفون تارة بالاستعطاف وأخري بالتطميع وأخري بالتخويف والتهديد، وما يهمهم استعمال القوة والقسوة والظلم لكل من خالفهم أو ظنوا انه سوف يخالفهم، وهكذا نري الفتك بمالك بن نويرة وقتله وافراد عشيرته ونهبهم وسلبهم والتعدي علي اعراضهم، وقد ثبت لعمر ذلك وأراد إقامة الحد علي خالد فنري معارضة أبي بكر له، وعوض إقامة الحد عليه، وقد ثبت له ذلك، يسمي خالدا سيف الله، وقد قال له عمر: إنه قتل مسلما، ونزا علي زوجته. وقال في أبي بكر، إنه لج فيه شيطانه، وقد أثبتنا ذلك في هذا الكتاب، وأعظم من ذلك إحاطة بيت فاطمة بضعة رسول الله والتي قال رسول الله فيها: إنها بضعة مني، من آذاها آذاني ومن آذاني آذي الله تعالي، وان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مبينا.
نعم رغم كل ذلك فهم أغضبوها وأرهبوها وأمرضوها وأسقطوا جنينها حتي ماتت وهي غضبي عليهم، وسلبوا نحلتها من أبيها التي ثبت غصبها منها بيد أبي بكر الذي رد كل دعاويها، وزيف لها حديثا ثبت كذبه. وأعظم من ذلك جلب بعلها حاسر الرأس حافي القدمين قسرا إلي أبي بكر وهو يقول: انا عبد الله وأخو رسول الله، مهددين إياه بالقتل أو يبايع، حتي القي نفسه علي قبر رسول الله باكيا قائلا " يا ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " وهم الذين بايعوه قبل شهرين وهنأوه بالإمامة والخلافة.
وأهل انتهوا إلي هذا الامر وحسب، لا ابدا. لقد أرادوا قتله مرة أخري يوم أوصي أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل عليا حينما يتشهد أبو بكر في صلاته بيد أن
(٣٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: خالد بن الوليد (1)، القبر (1)، الزوجة (1)، الظنّ (1)، القتل (5)
أبا بكر ندم وهو في الصلاة وتراه يتكلم قبل التشهد قائلا ثلاث مرات: (لا يفعلن خالد ما امرته به) ثم ينهي صلاته فأصبحت تلك سنة لجواز التكلم في الصلاة لان خليفة رسول الله عمل ذلك، فانظر إلي المنكرات المتتالية، وبعدها ماذا؟ نعم اقصاء علي وآل بيت رسول الله عن توليه حتي شبرا واحدا، وتوليه ألد أعدائهم من الطلقاء ومن أولئك الذين وترهم علي في حربهم يوم كانوا مشركين ولا زالوا باطنا علي شركهم وبغضهم لآل رسول الله والمؤمنين. ولم يكتفوا بهذا بل مهدوا لهم سبيل الملك والظلم، ويقص التاريخ لنا ما جنوا علي آل بيت رسول الله من القتل والسبي والنهب لشيعتهم ومواليهم وصحابة رسول الله ومدينته وكعبته فتبا لهم، ولمن أسس أساس الظلم لآل بيت رسول الله، وأسقم الاسلام ودس فيه النفاق والشقاق والتفرقة والبغضاء والعداء، حتي أصبح الاسلام علي ما هو عليه اليوم. إذ لو تصفحنا الانتخابات في العالم حتي الزائفة منها لم نجد مثل هذا الانتخاب قط ابدا بين ثلاثة أو أربعة والأمة الاسلامية بما فيهم من الصحابة المقربين وآل بيت الرسالة والجيش الذي هو علي أبوب المدينة بما يجمعه من المهاجرين والأنصار، الجميع في غفلة عنه رغم قربهم منه. وعمر هو الذي جاء دار رسول الله وجميع بني هاشم ونخبة الصحابة مجتمعون فيه فلم يخبر أحدا منهم ولم يخبر باقي أهل المدينة وبعدها التظاهر في الطرق والأسواق لجلب العامة وغيرهم لمبايعة أبي بكر. وهل كانت المدينة سوي مدينة من مدن الحجاز واليمن والجزيرة العربية والجميع في غفلة عن هذا، النظر إلي هذا التحدي وكيف استنكر الجميع ذلك، الجيش وأميره أسامة والزبير وطلحة وباقي الصحابة. وبنو هاشم الذين كانوا قائمين بتجهيز رسول الله، واستغراب أبي سفيان العائد بالأموال التي جلبها من مكة وحواليها، وكيف حرض بني هاشم للقيام حتي أعطيت له تلك الأموال رشوة، كما وأعطيت له الوعود بحصة من الملك وذلك ما كان، أي انتخاب هذا الذي أجمعت عليه الأمة بالقهر والخديعة والرشوة والمكر والفتك. وان صح الاجتماع
(٣٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، جزيرة العرب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (2)، الظلم (1)، الصّلاة (2)، الشهادة (1)

2 - أبو بكر أكبر سنا

وهم يطلبون رجاء الأمة، فلماذا عهد أبو بكر لعمر وهو في مرض موته لدرجة الاغماء دون ان يستشير أي أحد في ذلك؟ هذا رغم معارضة صريحة من بعضهم وذلك كاعتراض طلحة يوم خاطب أبا بكر قائلا " ماذا تقول لربك إذا سألك وأنت تولي علي أمة محمد فظا غليظا " واما الشوري ففيها الفضيحة والاعتداء الفاضح الذي سيأتي في محله.
وقد أحلوا حرام الله وحرموا حلاله وجعلوها سنة. كما عطلوا سنن رسول الله وأحاديثه حتي نسيت بحجة ان عندنا القرآن. كلمة حق يراد بها باطل. وكيف يتركون سنن الله ورسوله وأحاديث رسول الله تثبت وتسجل وكلها تخالف امارتهم وتناقض اعمالهم؟ فلا بد من منعها حتي نسيانها وموت المحدثين والحفاظ كي يمكن تزييف وتعديل وتغيير ما يشاءون وتهيئة الوسائل لأعداء آل بيت رسول الله لذلك، وهكذا كان حيث تري اعمالهم المنكرة تصبح منهجا وسننا كأنها من الله ومن رسوله، وتنسب لهم من الكرامات ما تتبرأ منهم بل أبعد عنهم بعد السماء عن الأرض.
2 - أبو بكر أكبر سنا أما الثانية وهي ان أبا بكر أكبر سنا، فلماذا أمر عليه أسامة الذي هو أصغر من علي ولم يبلغ العشرين؟ ولماذا لم نجده ولا مرة واحدة يؤمر علي جيش أو علي مدينة رسول الله بينما يترك عليا محل رسول الله في المدينة ويقول له رسول الله: لا ينبغي أن نتركها إلا وأنا أو أنت فيها (1) ولا ننسي إرساله لليمن ونصبه عليا وصيا وخليفة يوم الدار ويوم غدير خم، وهل تجد مثل تلك لأبي بكر وغيره؟
(1) في غزوة تبوك امر عليا عليها خليفة بعده لان المنافقين أرادوا القيام قائلا " أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي ".
(٣٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، غدير خم (1)، الحج (1)، الموت (1)، الكرم، الكرامة (1)، المرض (1)، معركة تبوك (1)، النفاق (1)
وإذا كان السن هو المناط فإن ابا قحافة أكبر من ابنه سنا وهناك كثير في المسلمين وفي الصحابة من هو أكبر سنا من أبي بكر، سيأتي ذكرهم فيما يلي، هذا إذا قلت إن العلم والحنكة والسابقة والحسب والتقوي والشجاعة والتضحية والخلق السامي والبر والاحسان كلها لا تساوي السن.
فقد بعث النبي وعمر أبي بكر 38 سنة، وأسلم وعمره 45 سنة، في حين ان عليا منذ البعثة وهو صبي صلي مع رسول الله سبع سنين قبل أن يسلم أبو بكر ومدة اسلام أبي بكر هي ثماني عشرة سنة لم يذكر خلالها له كرامة غير السن كي يحتج بها، حتي أنه لم يذكر انه أبدي شجاعة أو أصاب أحدا في احدي الحروب، ولهذا تري البعض يحتجون بهذه المنقصة فيجعلونها له فضيلة بأن عليا وتر أكثر القوم وأبو بكر لم يتر أحدا، ولهذا رضيه القوم. فانظر إلي هذا المنطق المفلوج وتكرر أن أبا بكر مرت عليه 45 سنة وهو مشرك يسرح فيما يتخبط فيه غيره من مشركي قريش، ورغم انه أسلم بعد هذا فقد كانت تكتنفه عادات الجاهلية الظاهرية والباطنية فنراه يحضر نوادي الخمرة والقمار، ورغم ان القرآن صرح بأن الخمرة إثم فكان أبو بكر وعمر يشربانها ويسكران حتي نزلت الآية الثانية من عدم الصلاة في حالة السكر حتي يعلموا ما يقولون، وكان أبو بكر وعمر يحضران ناديهم للشرب وهم جماعة مر ذكرهم، ويعودان منها وفي الآية الأخيرة التي حرم بها الخمر كانوا قد شربوها وسكروا حتي دخل عليهم الصحابي ونهاهم وقال: انها حرمت، فأجاب عمر انتهينا انتهينا، وكان أبو بكر هو الذي اغضب رسول الله حينما شربها ورثي قتلي قريش في معركة بدر حتي اغضب رسول الله، ويوم قال عمر: انتهينا انتهينا كانت بعد فتح مكة وفيها يظهر ان القوم استمروا علي شربها ولم يتركها عمر، واستعمل النبيذ حتي زمن خلافته وكان مدمنا عليها ورغم انه كان يقيم الحد علي غيره فهو يجيزها لنفسه باعتبارها لا تسكره لأنه اعتادها، وأحيانا
(٣١٠)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، معركة بدر (1)، القمار (اللعب بالقمار) (1)، القرآن الكريم (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الصّلاة (1)، القتل (1)
يخففها بالماء فانظر التناقض في اعمالهم من إقامة الحد علي غيرهم واستباحتها لأنفسهم، وتري التظاهر وحب الذات يبلغ اقصاه حينما يجدد أبو بكر الحد علي ابنه عبد الرحمن وهو الذي شهد عمرو بن العاص وإليه أنه أقام الحد عليه فيطلب إرساله علي قنب من مصر إلي المدينة وهو مريض ويجدد الحد عليه فيموت فيه.
راجع شكاية عبد الرحمن في موسوعتنا في الجزء الخاص بعمر.
واما سن أبي بكر فقد كان عند وفاته 63 سنة وأبوه حي ومن حيث السن أحق منه، وهناك جماعة كبيرة من المسلمين هم أكبر منه سنا وأشرف حسبا منهم العباس عم النبي، ونوفل عم النبي، وهو أكبر من العباس، وأمانات بن قيس بن شيبان الكندي. ويقال: إنه عاش ثلاثمئة وعشرين سنة، وأحد بن أبد الخوض كما جاء في ج 1 ص 63 من الإصابة، وانس بن مدرك، أبو سفيان الخثعمي، الإصابة ج 2 ص 73، وجود بن قيس المرادي ج 1 ص 235 الإصابة، وحسان بن ثابت الأنصاري ص 326 منه، وحكيم بن حرام الأسدي ابن أخي خديجة زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) 345 منه وحنيفة بن صبير بن بكر التجمل 358 منه، وحويطب بن عبد العزي العامري ص 364 منه، وحيدر بن معاوية العامري (ص 365) منه، وجنابة بن كعب العب ء ص 463 منه، وخويلد بن قرة المدني ص 465 منه، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان أسن من ابن عمه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ص 506 منه، وسعيد بن يربوع القرش المخزومي ج 2 ص 52 الإصابة، وسلمة اللمي وأبو عبد الله سلمان الفارسي ج 2 ص 62 الإصابة، وأبو سفيان الأموي ج 2 ص 275 منه، وحرمة بن انس أبو قيس الأوس ص 183 منه، وحرمة بن مالك الأنصاري ص 183 منه، وطارق بن المرقع الكناني ص 221 منه، والطفيل بن زيد الحارثي ص 224 منه، وعاصم بن عدي العجلاني ص 246، والعباس بن عبد المطلب عم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ص 271 منه، وعبد الله بن الحارث بن أمية ص 291، وعدي بن هاشم
(٣١١)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، عبد الله بن الحارث (1)، العباس بن عبد المطلب (1)، أبو عبد الله (1)، عمرو بن العاص (1)، حسان بن ثابت (1)، الشهادة (1)

3 - واما كلمة عمر بأن النبوة والملك لا يجتمعان

الطائي ص 468 منه وعدي بن وداع الدوس ص 472 منه، وعمر بن المسبح ج 3 ص 16 الإصابة، ومفتالة بن زيد العدواني ص 214، وقبات بن أثيم ص 221، ومردة بن نفاثة السلولي ص 231 منه، ولبيد بن ربيعة بن عامر الطلابي الجعفري ص 326 منه، واللجاج الغطفاني ص 328 منه، والمشوغر بن ربيع بن كعب ص 492، ومعاوية بن ثور البكاني ج 1 ص 156 الإصابة، ومنقذ بن عمرو الأنصاري، أسد الغابة، والنابغة الجودي ج 3 ص 538 الإصابة، ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وغيرهم. كما تجد تراجمهم في المعارف لابن قتيبة ومعجم شعراء المرزباني، واستيعاب أبي عمر، وأسد الغابة لابن الأثير، وتاريخ ابن كثير، وإصابة ابن حجر، ومرآة جنان اليافعي وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي.
فهل تري بعد هذا فضلا لسن أبي بكر لتسنمه الخلافة وحجته هو وغيره بالأفضلية لأنه أسن.
3 - واما كلمة عمر بأن النبوة والملك لا يجتمعان في أهل بيت واحد فما هو إلا حسدا وحقد، ومن أين جاء بها، وقد قال الله في الآية 57 من سورة النساء (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) فنجد بموجب هذه الآية ان استدلال عمر باطل وحسد ومكر، ثم أليست الخلافة جزءا من النبوة ومن مستلزماتها منطقا؟ وكيف أجمعت عليه الأمة بعد عثمان؟ وكيف ناقض عمر قوله وأدخل عليا في الشوري؟ وما قولهم في حديث الثقلين، وغدير خم وآية الولاية، والأحاديث الجمة المسندة، وحديث سفينة نوح وحديث المنزلة؟
وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) " ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي
(٣١٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، حديث المنزلة (1)، حديث الثقلين (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (2)، آية الولاية (1)، سورة النساء (1)، غدير خم (1)، السفينة (1)
بن أبي طالب انه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء العليا، وهو الفاروق بين الحق والباطل " رواه البلخي الحنفي باب 16 من ينابيع المودة وأبو حيدر أحمد بن عبد الله الشافعي امام الحرم الشريف عن فردوس الديلمي، والحمداني الشافعي في المودة السادسة من مودة القربي، والحافظ في الأمالي، والكنجي في الباب 44 من كفاية الطالب، وثلاثة أحاديث متشابهة المعني مع اختلاف اللفظ عن ابن عباس وأبي ليلي الغفاري وأبو ذر الغفاري.
وأشار رسول الله لعلي قائلا: " هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل ".
أخرجه محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، والطبري، والبيهقي في السنن، ونور الدين المالكي في الفصول المهمة، والحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخه، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والطبراني في الأوسط، ومحب الدين في الرياض، والحمويني في الفرائد، والسيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس وسلمان وأبي ذر وحذيفة.
كما نقل الكنجي في الباب 49 في كفاية الطالب الحديث هكذا: " وهو يعسوب المؤمنين وهو بابي الذي منه أؤتي منه وهو خليفتي من بعدي ".
وقال (صلي الله عليه وآله وسلم): " يا معشر الأنصار ألا أدلكم علي ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا؟ قالوا بلي يا رسول الله، فقال: هذا علي فأحبوه بحبي، فأكرموه بكرامتي فان جبرائيل امرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل " أخرجه الحافظ أبو نعيم ج 1 ص 63 بإسناده عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).
وهاك حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعمار بن ياسر قائلا: " يا عمار! إذا سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس، يا عمار!
(٣١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (2)، كتاب أمالي الصدوق (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، يوم القيامة (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، الطبراني (1)، إبن عساكر (1)، المودة في القربي (1)، أحمد بن عبد الله (1)، عمار بن ياسر (1)، محمد بن طلحة (1)، الصدق (1)، الباطل، الإبطال (2)
علي لا يردك عن الهدي ولا يدلك علي ردي. يا عمار! طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله ". أخرجه الحافظ أبو نعيم في الحلية، وابن طلحة في مطالب السؤول، والبلاذري في تاريخه، والبلخي الحنفي في ينابيع المودة باب 43، وعن الحمويني ومير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الخامسة من مودة القربي، والديلمي في الفردوس نقلا عن أبي أيوب الأنصاري حينما اعترضوا عليه لماذا تركت أبا بكر واخذت جانب علي.
ونعود لنورد أن عليا الذي بايعه بالولاية في غدير خم وجمع غفير من أجل الصحابة مثل الزبير وطلحة وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر وخالد بن سعيد بن العاص، وبريدة بن الأسلمي وأبي بن كعب، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي الهيثم ابن التيهان، وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد، وعبد الله بن عباس، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب هؤلاء وطائفة الخزرج وسموا بالروافض ذكرهم ابن حجر العسقلاني، والبلاذري في تاريخه، ومحمد في روضة الصفا وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهم، كما امتنع علي وبنو هاشم عن البيعة وأجبروهم علي البيعة وهددوهم بالقتل، وقد ثبت ان بيعة علي وثم تهديده جري بعد وفاة الصديقة الطاهرة بضعة رسول الله كما ذكر ذلك البخاري ص 37 ج 3 من حججه في باب غزوة خيبر، ومسلم بن الحجاج القشيري ص 154 ج 5 من حججه أيضا في باب قول النبي: لا نورث. كما نقل عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ص 14 عن الإمامة والسياسة قوله: " فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتي ماتت فاطمة رضي الله عنها " غير أن بعضا قال في وفاة فاطمة (عليها السلام) إما ماتت بعد 75 يوما من وفاة أبيها ومنهم ابن قتيبة والأغلب قالوا إنها توفيت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها حيث بايع علي وبنو هاشم، وهكذا قال المسعودي في مروج الذهب ج 1 ص 414 (ولم
(٣١٤)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، أبوذر الغفاري (1)، عبد الله بن عباس (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، أبو أيوب الأنصاري (2)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، معركة خيبر (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، خالد بن سعيد بن العاص (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، حذيفة بن اليمان (1)، المودة في القربي (1)، جابر بن عبد الله (1)، خزيمة بن ثابت (1)، البراء بن عازب (1)، عمار بن ياسر (1)، بنو هاشم (2)، مسلم بن الحجاج (1)، عثمان بن حنيف (1)، سعد بن عبادة (1)، أبي بن كعب (1)، قيس بن سعد (1)، غدير خم (1)، القتل (1)، الوفاة (4)
يبايعه أحد من بني هاشم حتي ماتت فاطمة) وممن روي بيعة علي بعد ستة أشهر من الثقات إبراهيم بن معد الثقفي، كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، كما نقل ابن أبي الحديد ص 18 ج 2 لشرح النهج عن الزهري عن عائشة قولها: " فلم يبايعه علي ستة أشهر ولا أحد من بني هاشم حتي بايعه علي " وأيد ذلك أحمد بن أعثم الكوفي الشافعي في الفتوح، والحميدي في الجمع بين الصحيحين عن نافع عن الزهري. ولم يبايع علي إلا قسرا وبعد ان هددوه مرارا ومعها هجومهم علي داره وفي الدار فاطمة والحسن والحسين والزبير وجمع من الصحابة، وقد امر أبو بكر عمر وخالد بن الوليد وجماعة بجلبهم للبيعة فجمع الحطب علي باب الدار وهددهم بالإحراق ومنهم من قال: إنه أشعل النار، وثبت انه ضغط الزهراء بين الباب والجدار حتي أسقطت محسنا. أما الذين رووا الأولي وهو جمع الحطب وتهديدهم بالاحراق واخذ علي حاسر الرأس حافي القدمين ومن معه إلي أبي بكر فهم: البلاذري أحمد بن يحيي بن جابر البغدادي المتوفي سنة 279 هجري في تاريخه، وعز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي، ومحمد بن جرير الطبري، وابن خرابة في " الغرر " عن زيد بن أسلم، وابن عبد ربه ص 63 ج 3 في العقد الفريد، وابن أبي الحديد المعتزلي ص 134 ج 11 شرح نهج البلاغة طبع مصر عن كتاب السقيفة للجوهري حول سقيفة بني ساعدة وقد شرحها شرحا مسهبا وفيها محاجة علي وفاطمة حول أحقيتهما بالأمر ومطالبتهما لمبايعة علي، وأن عليا رغم التهديد لم يبايع وعاد ولازم الدار، كما أخرج ذلك محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة بن عمر الباهلي الدينوري ص 13 ج 1 في كتابه: تاريخ الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية المعروف بالإمامة والسياسة طبع مصر. وقد أسهب في بحثه ومما قال: " ان ابا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها علي من فيها. فقيل له:
(٣١٥)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (4)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب السقيفة للجوهري (1)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، أحمد بن أعثم الكوفي (1)، خالد بن الوليد (1)، محمد بن عبد الله (1)، بنو أمية (1)، أحمد بن يحيي (1)، بنو هاشم (2)، زيد بن أسلم (1)، السقيفة (1)، الجماعة (1)
يا أبا حفص! إن فيها فاطمة، فقال: وان فخرجوا فبايعوا إلا " عليا ". وقيل: إن فاطمة خرجت وصرخت يا أبة يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة وهي باكية وعندما سمع القوم صوتها وبكاءها عادوا سوي عمر ومعه جماعة وأخذوا عليا قهرا إلي أبي بكر وطلبوا منه البيعة فقال: وإن لم أبايع! فقالوا:
إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. وكل ذلك بمرأي من أبي بكر وهو ساكت لا يتكلم. فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فأجاب ما دامت فاطمة في الوجود فإني لا أكرهه فعاد علي إلي قبر رسول الله باكيا والقي نفسه علي القبر وقال: " يا ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " وكانت فاطمة تدعو عليهما في كل صلاة حتي ماتت وهي غضبي عليهما " واما أشبه ذلك اليوم بهذه الأيام حينما تجتمع جماعة من الانتهازيين لسلب حرية دولة واخذ زمام الأمور بيدهم ويرغمون الناس بعد التسلط علي الحكم للخضوع ويقتلون بالشبهة والظن.
كما اخرج ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري وهو ثقة في كتاب السقيفة ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 1 ص 19 طبع مصر وخلاصة قولهم تأييد ما مر وان اجتماع الصحابة في دار علي كان احتجاجا علي أبي بكر وعمر، وان البيعة كانت بدون مشورة الصحابة، وأخرجه الجوهري عن سلمة بن عبد الرحمن، وروي ذلك أبو وليد محب الدين محمد بن محمد بن الشحنة الحنفي في كتاب " روضة المناظرة في أخبار الأوائل والأواخر " في شرح السقيفة. كما أخرجه الطبري ص 433 ج 3 في تاريخه، والمؤرخ المعروف ابن شحنة ص 112 ج 11 حاشية كامل ابن الأثير حول قصة السقيفة.
واما ما يعود لهجوم عمر واضرامه النار واجهاضه فاطمة (عليها السلام) فقد أورده جماعة من أجلة العلماء المعترف بهم من السنة والشيعة كأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب في كتابه: اثبات الوصية ومما قال:
(٣١٦)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب إثبات الوصية للمسعودي (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، أحمد بن عبد العزيز الجوهري (1)، محمد بن محمد (1)، السقيفة (3)، القبر (2)
" فهجموا عليه وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها وضغطوا سيدة النساء بالباب حتي أسقطت محسنا ". كما اخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ص 312 ج 3 عندما نقلت لأستاذي أبي جعفر النقيب شيخ المعتزلة عندما أخبروا رسول الله أن هبار بن اسود حمل علي هودج زينب بنت رسول الله وان زينب أسقطت جنينها خوفا، أهدر رسول الله دمه لهذا. قال أبو جعفر: " لو كان رسول الله حيا لأباح دم من روع فاطمة حتي ألقت ذا بطنها " وكانت زينب بنت رسول الله زوجة ابن خالتها أبي العاص بن الربيع بن عبد العزي حيث أسر في معركة بدر وافتدته، ومما افتدته به قلادتها وطلب منه رسول الله بعد أن سمح له بالعودة أن يرسل زينب إليه لأنها لا تحل له فأرسلها مع زيد بن حارثة الذي عينه رسول الله، فتصدي لها أبو سفيان وجماعة معه وهجم عليها هبار وروعها برمحه حتي أسقطت. فإذا كان تأثر رسول الله من أجل زينب لهذه الدرجة فماذا كان يعمل من أجل سيدة النساء حبيبته فاطمة التي قال عنها: انها بضعة مني من أحبها فقد أحبني ومن أبغضها فقد أبغضني. كما نقل صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في الوافي بالوفيات ضمن حرف الألف كلمات وعقائد إبراهيم بن سيار بن هاني البصري المعروف بالنظام المعتزلي إلي أن قال النظام: " إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتي ألقت المحسن من بطنها "، وهكذا تجد مما أخرجه البلاذري والطبري وابن خزاية وابن عبد ربه والجوهري والمسعودي والنظام وابن أبي الحديد وابن قتيبة وابن شحنة والحافظ إبراهيم وغيرهم تثبت ان عليا وبني هاشم وأخص الصحابة انما بايعوا بعد التهديد وبعد اجبارهم قسرا، وأن أبا بكر وعمر بالغا بالظلم والقسر لأخذ البيعة.
رد اللائحة: لقد حاول البعض تبرئة الصحابة المخالفين لحدود الله ورسوله فأوردوا خبرا أسندوه إلي رسول الله وهو:
(٣١٧)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، معركة بدر (1)، مدرسة المعتزلة (1)، بنو هاشم (1)، زيد بن حارثة (1)، الضرب (1)، الظلم (1)، الزوج، الزواج (1)، الجماعة (1)
رد الرد: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد رأينا مخالفة سعد بن عبادة وجماعة من الخزرج لأبي بكر وعمر. ومثله علي والهاشميون وجماعة من الصحابة، ولا ننسي بيعة طلحة والزبير لعلي ثم نكثهما البيعة ومحاربتهما إياه في حرب الجمل وقتلهما الألوف بل عشرات الألوف ظلما وعدوانا، ولا ننسي قيام معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة علي علي وإثارة حروب صفين وغيرها.
(٣١٨)
صفحهمفاتيح البحث: حديث أصحابي كالنجوم (1)، المغيرة بن شعبة (1)، عمرو بن العاص (1)، الحرب (1)، الجماعة (1)

في الصحابة ظالم ومظلوم وصالح وطالح

في الصحابة ظالم ومظلوم وصالح وطالح
(٣١٩)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (1)

أبو بكر وعمر في نادي الخمرة

أبو بكر وعمر في نادي الخمرة ولا ننسي فتك معاوية بن أبي سفيان بصحابة رسول الله وقتلهم، هؤلاء جميعا وهم نجوم إذا بمن نقتدي؟ وهل يجوز لنا إلا الانضمام إلي جهة واحدة وقتال الآخرين؟ وهل يجوز ان نقول إن الفريقين الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول علي حق؟ هذا ما لا يقوله من أعطي شمة من المنطق وذرة من العقل، ثم نعود إلي من روي الحديث هذا فنري القاضي عياض ص 91 ج 2 من شرح الشفاء الذي نقل هذا الحديث يقول: أورده الدارقطني في الفضائل، وابن عبد البر عن طريقه وقال: انه لا عبرة باسناد هذا الحديث. كما نقل عن عبد الحميد في مسنده عن عبد الله بن عمر أن البزاز ينكر هذا الحديث وكما قال البيهقي: رغم شهرة الخبر فإن اسناده ضعيفة إذ أن في اسناده الحارث بن غضبين مجهول الحال، وحمزة بن أبي حمزة النصيري كذاب. كما قال ابن حزم إنه حديث موضوع وباطل وكذب.
نعم اننا نقبل الحديث من الصحابة المتقين الذي ساروا طبق حدود الله ورسوله، ولا نقبل الصحابة علي علاتهم، ونشاهد المنكرات والموبقات من كثير منهم ونجعلهم قدوة لنا دون رعاية اعمالهم ان ذلك ما لا يقبله العقل السليم ألا تري ان جماعة الصحابة رغم نزول الآيات في ذم الخمر شربوها في نواديهم، راجع ص 30 ج 10 من فتح الباري لابن حجر حيث روي ان أبا طلحة زيد بن
(٣٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، كتاب فتح الباري (1)، عبد الله بن عمر (1)، عبد الحميد (1)، القتل (1)، الظلم (1)، الجهل (1)، الجواز (2)
سهل أحدث ناديا للشرب في داره ودعا عشرة من الصحابة لمجلسه هذا والجميع عاقروها وشربوها، ورثي أبو بكر مشركي قريش المقتولين في معركة بدر وكان هذا المجلس يضم:
1 - أبا بكر بن أبي قحافة.
2 - عمر بن الخطاب.
3 - أبا عبيدة بن الجراح.
4 - أبي بن كعب.
5 - سهل بن بيضاء.
6 - أبا أيوب الأنصاري.
7 - أبا طلحة (وهو صاحب الدعوة وصاحب الدار).
8 - أبا دجانة (سماك بن خرته).
9 - أبا بكر بن شغوب.
10 - أنس بن مالك وكان الساقي وعمره 18 سنة.
كما نقل عن البيهقي ص 29 ج 8. في سننه عن انس نفسه أنه قال: إني كنت أصغر الجميع سنا وكنت الساقي. وقد نقل هذا الخبر أهم رجال الصحاح وهم:
1 - محمد بن إسماعيل البخاري في تفسيره آية الخمر في سورة المائدة في صحيحه.
2 - ومسلم بن حجاج في كتاب الأشربة باب تحريم الخمر في صحيحه.
3 - والإمام أحمد بن حنبل ص 181 - 227 ج 3 من مسنده.
4 - ابن كثير ص 93 و 94 ج 2 في تفسيره.
5 - جلال الدين السيوطي ص 321 في الدر المنثور.
6 - الطبري ص 24 ج 7 في تفسيره.
(٣٢١)
صفحهمفاتيح البحث: أبو أيوب الأنصاري (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، معركة بدر (1)، سورة المائدة (1)، محمد بن إسماعيل (1)، أنس بن مالك (1)، أبي بن كعب (1)، أحمد بن حنبل (1)

ينقضون العهد ويولون الدبر

7 - ابن حجر العسقلاني ص 220 ج 4 في الإصابة وص 30 ج 1 فتح الباري.
8 - بدر الدين الحنفي ص 84 ج 10 عمدة القاري، والبيهقي ص 286 و 290 في سننه.
وقد روي البزاز وابن حجر وابن مردويه أن أبا بكر شرب الخمر ورثي قتلي بدر وغضب رسول الله وأراد ضربه بما في يده فقال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله. وأقسم أن لا يشربها، وعندها نزلت آخر آية التحريم وهي الآية 90 من سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
ينقضون العهد ويولون الدبر ولقد ثبت أن أبا بكر وعمر نقضا البيعة والعهد الذي أخذه عليهما الله ورسوله كرارا وخالفا الآيات الواردة فيه:
(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) الآية 91 من سورة النحل. كما جاءت الآية 25 من سورة الرعد وهي: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) فيظهر أن نقض العهد من كبائر الذنوب خصوصا من صحابي لرسول الله.
ذلك النقض للبيعة التي أخذت منهما في غدير خم وقد مر تفصيله في شرح موضوع الإمام علي (عليه السلام) وفيها بايعوا عليا وهنأوه واشهد عليهم رسول الله الله عز وجل وشهد علي عمر جبرئيل حين قال له لا ينقضها إلا منافق وسنري مثلها ما عاهدوا عليه الله ان يجاهدوا الكفار ولا يولون الادبار وكل منهم ولي دبره في خيبر وأحد وحنين ويتوقون الدخول في المعركة أخص منهم أبا بكر وعمر
(٣٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، شرب الخمر (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، كتاب فتح الباري (1)، سورة المائدة (1)، خيبر (1)، سورة الرعد (1)، سورة النحل (1)، غدير خم (1)، الضرب (1)
وطلحة وقد اتخذ أبو بكر من سنه وأمور أخر تخلصا من الحرب للدخول في عريش رسول الله (1) تخلصا من القتال في بدر ناسيا ان مقام الرسالة لا يساويه مقام آخر، وان بقاء رسول الله انما هو احياء الاسلام ولا اثر في قتله أو قتل صحابي آخر غيره ونسوا حين انهزموا في المعارك المارة أعلاه في خيبر واحد وحنين ما أنزلت من آياته البينات ومنها:
(ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) (2). ولم يذكر لنا التاريخ أي تضحية بذلوها في أية حرب أو رأي صائب قدموه كما أشار الصحابي سلمان الفارسي في حرب الخندق من حفر الخندق وقد برهن عمر رغم عدم مساعداته في الرأي والعمل انه كان كثيرا من الأحيان يثير غضب رسول الله لشكوكه المتوالية، كما اعترض علي رسول الله في صلح الحديبية، وكان مبعث ذلك الاعتراض انما هي شكوكه في النبوة كما جاهر بها، وكما اعترض علي رسول الله بقوله: انك وعدتنا بفتح مكة ولم نفتحها فأجابه: هل عينت وقتا؟ فقال: لا، فقال: سوف نفتحها.
ونسي هو وصاحبه ان أفعال وأقوال رسول الله انما هي من وحي الله وان رسول الله ما قال شيئا إلا وصدق بقوله كما نزلت الآية 119 من سورة التوبة:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وقد صرح المفسرون ان الصادقين انما هو رسول الله وعلي، ومن المفسرين والحفاظ من قال انما الصادقون هم رسول الله وعلي والأئمة وعترتهم. هكذا قال الامام التغلبي، وجلال الدين السيوطي، في المسند والحافظ أبو نعيم فيما نزل من القرآن في علي، والخطيب الخوارزمي في المناقب والشيخ سليمان البلخي الحنفي في الباب 39
(١) راجع عيون الأثر ج ١ ص ٢٠٨.
(2) سورة الأنفال، الآية 16.
(٣٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: الحافظ أبو نعيم (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، سورة البراءة (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، خيبر (1)، الخوارزمي (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (3)، البعث، الإنبعاث (1)، الحرب (2)، الصدق (1)، النسيان (1)، كتاب عيون الأثر لابن سيد الناس (1)، سورة الأنفال (1)

اثبات الغدير ونقضهم له

من ينابيع المودة والحمويني ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 6 من كفاية الطالب كما نقل الجميع من تاريخ محدث الشام.
اثبات الغدير ونقضهم له ونعود لاثبات نقضهم في حديث الغدير مسندا إلي النصوص بالإضافة إلي ما مر والذي اتفق عليه الشيعة والسنة انه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة عند العودة من مكة في غدير خم حيث دعي المغادرون وأوقف الباقون بأمر رسول الله فكان الجمع بين 100 - 200 الف نفر كما رواه الامام التغلبي في تفسيره، وسبط ابن الجوزي في التذكرة وغيرهما فصعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي أقتاب الإبل، وخطب خطبة طويلة وأسهب فيها في مدح علي، وسرد كثيرا من الآيات الواردة فيه معرفا إياهم مقامه السامي عند الله ثم قال:
معاشر الناس! الست أولي بكم من أنفسكم إشارة للآية (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) قالوا: بلي. قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. وعندئذ رفع يديه ودعي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم أمر ان تنصب لعلي خيمة وأمر عليا (عليه السلام) ان يجلس فيها، وأمر الجمع كلهم أن يأتوا ويبايعوا عليا، وأخبرهم انما انا مأمور من الله أن آخذ البيعة لعلي. فأول من بايع ذلك اليوم عليا عمر ثم أبو بكر ثم عثمان ثم طلحة ثم الزبير وكانوا يبايعون ثلاثة أيام متوالية وقد اخرج واثبت ذلك أجل علماء العامة من السنة والجماعة منهم:
1 - الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي في الخصائص العلوية والسنن.
(٣٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، السبط إبن الجوزي (1)، أحمد بن علي (1)، حديث الغدير (1)، محمد بن يوسف (1)، غدير خم (1)، الشام (1)
2 - شهاب الدين أحمد بن حجر المكي في الصواعق المحرقة، وكتاب المنح الملكية علي الخصوص ص 25 الباب الأول من الصواعق وقد قال: إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جدا.
3 - الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيشابوري في المستدرك.
4 - محمد بن يزيد الحافظ ابن ماجة القزويني في السنن.
5 - الامام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.
6 - الامام التغلبي في تفسير كشف البيان.
7 - النيشابوري في أسباب النزول.
8 - محمد بن جرير الطبري في التفسير الكبير.
9 - أبو نعيم فيما نزل من القرآن في علي في حلية الأولياء.
10 - محمد بن إسماعيل البخاري ص 375 ج 1 في أول تاريخه.
11 - مسلم بن الحجاج النيشابوري ص 325 ج 2 في صحيحه.
12 - أبو داود السجستاني في السنن.
13 - محمد بن عيسي الترمذي في السنن.
14 - ابن عقدة في كتاب الولاية.
15 - ابن كثير في تاريخه.
16 - الإمام أحمد بن حنبل ص 281 و 371 ج 4 من مسنده.
17 - أبو حامد محمد بن محمد الغزالي في سر العالمين.
18 - ابن عبد البر في الاستيعاب.
19 - ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول.
20 - المغازلي في المناقب.
21 - الصباغ في الفصول المهمة ص 24.
(٣٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، محمد بن جرير الطبري (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب مفاتيح الغيب للرازي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الحاكم النيسابوري (1)، محمد بن عبد الله (1)، أبو عبد الله (1)، محمد بن إسماعيل (1)، مسلم بن الحجاج (1)، محمد بن عيسي (1)، محمد بن يزيد (1)، إبن ماجة (1)، أحمد بن حنبل (1)، محمد بن محمد (1)، القرآن الكريم (1)
22 - حسين بن سعود البغوي في مصابيح السنة.
23 - أخطب خوارزم في المناقب.
24 - مجد الدين بن الأثير في جامع الأصول.
25 - البلخي الحنفي في ينابيع المودة باب 4.
26 - الطبراني في الأوسط.
27 - الجزري ابن الأثير في جامع الأصول.
28 - سبط ابن الجوزي ص 17 من التذكرة.
29 - ابن عبد ربه في العقد الفريد.
30 - العلامة السمهوري في جواهر العقدين.
31 - ابن تيمية في منهاج السنة.
32 - ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وتهذيب التهذيب.
33 - جار الله الزمخشري في ربيع الأبرار.
34 - السجستاني في كتاب الدراية.
35 - الحسكاني في دعاة الهدي.
36 - رزين بن معاوية العبدري في الجمع بين الصحاح الستة.
37 - الامام الفخر الرازي في كتاب الأربعين وقد قال: أجمعت الأمة علي هذا الحديث.
38 - المقبلي في الأحاديث المتواترة.
39 - السيوطي في تاريخ الخلفاء.
40 - الهمداني في مودة القربي.
41 - أبو الفتح النفطوي في الخصائص العلوية.
42 - الخواجة بارشا في فصل الخطاب.
43 - نظام الدين النيشابوري في تفسير غرائب القرآن.
(٣٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب فصل الخطاب لسليمان أخ محمد بن عبد الوهاب (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، كتاب فتح الباري (1)، الطبراني (1)، الزمخشري (1)، إبن الأثير (1)، المودة في القربي (1)، السبط إبن الجوزي (1)، ابن تيمية (1)، القرآن الكريم (1)
44 - السيد شريف الحنفي الجرجاني في شرح المواقف.
45 - أبو الخير الدمشقي في أسني المطالب.
46 - عبد الرؤوف المناوي في فيض القدير.
47 - النووي في تهذيب الأسماء واللغات.
48 - الحمويني في الفرائد.
49 - روزبهان في ابطال الباطل.
50 - الشريف في السراج المنير.
51 - الشهرستاني في الملل والنحل.
52 - الخطيب البغدادي في تاريخه.
53 - ابن عساكر في التاريخ الكبير.
54 - ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.
55 - السمناني، علاء الدولة في العروة لأهل الخلوة والجلوة.
56 - المتقي الهندي في كنز العمال.
57 - ابن خلدون في مقدمة تاريخه.
وإذا ما راجعت ما ذكرناه في الغدير تجد أكثر مما ذكرناه مفصلا كما مر في كتابنا الأول في الإمام علي من الموسوعة هذه.
وقد وضع الطبري كتابا مستقلا في الغدير باسم كتاب الولاية وروي عن 75 طريقا، ولابن عقدة أيضا كتاب الولاية أخرجه عن طريق 125 صحابيا مع تحقيقات وافية، كما لابن الحداد الحافظ أبي القاسم الحسكاني كتاب الولاية شرح الغدير مفصلا مع نزول الآيات.
وأظهر الصحابي عمر بن الخطاب أكثر الصحابة اهتماما وفرحا وأخذ بيد علي وقال له: " بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة " وهذا
(٣٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، إبن عساكر (1)، المتقي الهندي (1)، الخطيب البغدادي (1)، الباطل، الإبطال (1)

كلمة حجة الاسلام الغزالي

حديث مسلم ومتواتر عند الفريقين أخص منهم المير سيد علي الهمداني الشافعي ذكره في المودة الخامسة من كتابه مودة القربي، ونقل جماعة من الصحابة عن عمر أنه قال: نصب رسول الله عليا علما. وعرفه بعدها مولي وقال (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد الدعاء: " اللهم أنت شهيدي عليهم ".
كلمة حجة الاسلام الغزالي وبالوقت نفسه كان شاب جميل صبيح الوجه تفوح منه نكهة طيبة قال لي:
" لقد عقد رسول الله عقدا لا يحله إلا منافق فاحذر ان تحله فأخبرت رسول الله عن الشاب وعن صديقه فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): انه ليس من ولد آدم، لكنه جبرئيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي (عليه السلام) " بعد هذا كله، أيسوغ لأحد - أخص أبا بكر وعمر - ان ينقض هذا العهد ولم يمض عليه سوي شهرين، وبعدها صب المصائب علي علي وآل البيت. وهاك كلمة حجة الاسلام الغزالي أبي حامد محمد بن محمد، ونص ما أورده في كتابه " سر العالمين " قال:
" لكن أسفرت الحجة وجهها، واجمع الجماهير علي متن الحديث عن خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة - فهذا تسليم ورضا وتحكيم - ثم بعد هذا غلب الهوي لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوي في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوي فعادوا إلي الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " (1) ولما مات رسول الله قال قبل وفاته:
(1) الغدير، حجة الاسلام الأميني، 1 / 392 ط. دار الكتاب العربي. لبنان نقلا عن كتاب " سر العالمين " للغزالي، ص 9.
(٣٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، يوم عرفة (1)، المودة في القربي (1)، محمد بن محمد (1)، غدير خم (1)، الموت (1)، الحج (3)، الغلّ (1)، دولة لبنان (1)
ائتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم اشكال الامر وأذكر لكم من المستحق لها بعدي قال عمر: " دعوا الرجل فإنه ليهجر وقيل يهذي فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص فقد تم إلي الاجماع وهذا منقوض أيضا فان العباس وأولاده وعليا وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة، وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي ثم حالفهم الأنصار ".
ولقد كانت كلمة الحجة الغزالي ثقيلة جدا علي بعض المتعصبين والنواصب فحاولوا بشتي الوسائل محوها، ومنها ان كتاب سر العالمين ليس للغزالي ولكنه ثبت ثبوتا أكيدا وأيده أبرز علماء ومحدثي العامة منهم يوسف سبط ابن الجوزي البحاثة المدقق في نقل الرواية والأحاديث والأسانيد وفي غاية الاحتياط في الكتابة، وفي الوقت نفسه متعصب في أمر الجماعة ومع هذا تراه في ص 36 من كتابه تذكرة خواص الأمة استشهد بكتاب سر العالمين ونقل نفس العبارات التي ذكرناها أعلاه وصدقها دون إبداء شئ.
ولقد ثبت ان كثيرا من علماء العامة يعرفون كثيرا من الحقائق بيد أنهم يخشون بيانها خوف المعترضين بتحريك العوام ولقد سبق مثل ذلك أن بعض العلماء الاعلام المنصفين من أهل السنة أظهروا بعض الحقائق فلاقوا الامرين من المتعصبين علي يد القوم فكانت عاقبة أمرهم القتل والهتك والتشريد نذكر منهم الحافظ ابن عقدة أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني. وقد وثقه الذهبي واليافعي وقالوا: انه يحفظ ثلاثمائة الف حديث مع أسانيدها وكان ثقة وصادقا.
بيد أنه كان ينطق عن حقائق عن الشيخين في القرن الثالث والدولة سياستها تناقض ذلك والعامة مأخوذون علي امرهم. ورغم كونه من أبرز علماء العامة فقد اتهموه بالرافضية وقد قال عنه الذهبي والرافعي وابن كثير ان هذا الشيخ كان يجلس في جامع براثا ويحدث الناس بمثالب الشيخين ولذا تركت رواياته وإلا
(٣٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، أحمد بن محمد بن سعيد (1)، أصحاب السقيفة (1)، السبط إبن الجوزي (1)، الباطل، الإبطال (1)، البيعة (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، الخوف (1)، الجماعة (1)
فلا كلام لاحد في صدقه وثقته. كما امتدحه الخطيب البغدادي في تاريخه بيد انه بعد مدحه قال إنه كان خرج مثالب الشيخين وكان رافضيا. وهكذا تري كيف يتصدي العامة حتي لعلمائهم الأكابر مثل حجة الاسلام الغزالي وابن عقدة والنسائي ويصمونهم بالرافضية لمحض انهم يريدون بيان الحقائق ويقولون الحق ومن هؤلاء العلماء الاعلام المؤرخ المعروف الطبري في القرن الثالث وهو في الحقيقة مفخرة العلم والأدب ولما مات في سن الثمانين دفنوه ليلا في داره لمنع دلوع خطر، ومثله قتل النسائي في الشام وهو أحد أئمة الصحاح لأنه ما إن سمع سب وشتم أمير المؤمنين علي علي المنابر حتي انبري لتوضيح بعض الحقائق فصعد المنبر وأبان بعض فضائل علي وأظهر بعض الحقائق، فهجموا عليه وأوجعوه ضربا وبعدها مات علي اثر صدماته.
واما نقض الصحابة للعهد وأخص منهم أبا بكر وعمر في خيبر واحد والحديبية وحنين وقد نزلت الآيات بوجوب عدم الفرار واخذ رسول الله العهود والمواثيق عليهم أخص عمر في الحديبية التي اعترض فيها علي الصلح فحاربوا وهربوا ولم يقف دون فرارهم (1) وصد المشركين سوي علي وعادوا واعتذروا في كل مرة وكرروها والآية تقول:
(ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
ولتوضيح ذلك يستطيع القارئ الكريم ان يراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 454 و 462 ومنه جواب الزبيري علي اعتراض أبي المعالي الجويني فيما يخص الصحابة الذي نقله أبو جعفر النقيب ليري كيف ان الصحابة تكفر وتفسق وتلعن وتسب بعضها بعضا وما نقله ابن أبي الحديد حول صلح
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 389 و 390.
(٣٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، صلح (يوم) الحديبية (2)، خيبر (1)، الخطيب البغدادي (1)، الجويني (1)، الشام (1)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (2)، الموت (2)، الحج (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)

احتجاج فاطمة (عليها السلام)

الحديبية وآثاره السيئة علي الصحابة الذين فروا، وأخص منهم عمر وكيف ان المنقذ الوحيد لهم من يد المشركين كان عليا.
وقد ثبت ان السقيفة كانت فتنة كبري ومظالم تلتها مظالم إلي اليوم وانها لم يكن فيها لا صفة إجماعية ولا بعض اجماعية، بل قامت علي أكتاف أفراد رجلا ونساء لا يجاوزون العشرة من مكر وخداع وتلاها قتل وجور وسلب ونهب وسبي وكلما يتصوره المرء من اتباع المظالم يتلوها الغصب، الغصب المتكرر في العصور والأحقاب.
احتجاج فاطمة (عليها السلام) ويلي القسر قسر متكرر بدأ باجبار علي وبني هاشم والصحابة المقربين علي البيعة وغصب نحلة الزهراء الطاهرة فدك وما تلا ذلك من الاعتراضات من علي وفاطمة وابنيها وصحابتهم. وها انا اقدم نبذة من خطبة الزهراء (عليها السلام) التي خطبتها علي أثر غصبهم منصب الخلافة وحقها وبعدها اعمالهم القسر والظلم وهي تذكرهم بأعمال بعلها المجيدة وأعمالهم وما كانوا عليه قبل الاسلام حيث تقول " نبذة من خطبتها ":
" وكنتم علي شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الاقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالي بمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي وبعد ان مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب. كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتي يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهيبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، ومجتهدا في أمر الله، قربيا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، سيد أولياء الله مشمرا
(٣٣١)
صفحهمفاتيح البحث: خطبة الزهراء (عليها السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، أهل الكتاب (1)، بنو هاشم (1)، السقيفة (1)، القتل (1)، الظلم (1)
ناصحا، مجدا كادحا، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون، فاكهون آمنون " (تعني الهيئة الحاكمة) فانظر إلي هذه المناظرة الحقيقية الناصعة وهيهات ان تجد مثل هذه المناظرة بل مثل هذه الحقيقة الناصعة من السابقة والاخلاص، والتقوي والقرابة، والثقة من رسول الله، والقدرة والقوة، والتضحية المتناهية التي وجدتها عند علي (عليه السلام) وعلي نقيضها عندهم، فمن أحق منه بالخلافة؟ ومن أحق منه بالإمامة؟
وثم خطابها للسلطة الحاكمة: " تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الاخبار ".
وهي تعني تآمرهم علي آل البيت، وقد مر بنا التدابير التي اتخذوها قبل وبعد بعثة أسامة ولعن رسول الله المتخلفين، وموقف عمر من طلب رسول الله القلم والقرطاس، وبعدها ليلة ويوم السقيفة. ثم تراها تسترسل في خطبتها لائمة إياهم علي تحديهم ونقضهم العهد وأثر نقضهم، ومنذرة لهم عاقبة فعلهم:
" فوسعتم غير إبلكم، وأوردتم غير مشربكم هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا، وان جهنم لمحيطة بالكافرين. أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا مل ء القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا هناك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم نفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا، وابشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيدا وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم " وهكذا تعلن الزهراء (عليها السلام) وتفضح خططهم وتفند دعواهم، أن ما عملوه خوف الفتنة إنما هو الفتنة بعينها، ثم تعلن ارتدادهم بقولها: " إن جهنم لمحيطة بالكافرين " وتعلن استبدادهم وبعده خسرانهم ومتقلبهم، وقد أقامت الحجة وأثبتت غصبهم لحقوق آل البيت غاياتهم الوضيعة ونتائجهم المريعة، وما سيلقونه يوم الجزاء من مركز العدالة الإلهية والقضاء.
(٣٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، السقيفة (1)، الخوف (2)، الإقامة (1)

المقايسة بين عهد رسول الله وعهدهم

المقايسة بين عهد رسول الله وعهدهم
صفحه(٣٣٣)
عهد رسول الله، عهد القرآن ونزوله، عهد الدعوة إلي المنطق السليم والفكرة الحرة الطليقة، والعهد الذي ضرب فيه الضربة القاصمة علي أيدي المشركين والظالمين والتعصبات القومية والجهر بالسوء والفسق، والعهد الذي قال فيه القرآن كلمته العظمي وأقام فيه المقياس لرفع قيمة الاشخاص امام الله امام الجامعة البشرية حيث قال جل وعلا: (ان أكرمكم عند الله اتقاكم).
هناك تساوي فيه الخلائق أجمعين ومحا فيه الاسلام كل الآثار الجاهلية من بغض وحقد وحسد وسلطة وعبودية وخضوع لأي سلطة وفرد سوي الله ومن نصبه الله، وكانت القيم للانسان علي قدر تقواه، تلك التقوي التي وضعها الله في قرآنه المجيد. ومن جهة أخري كان للسابقين للدعوة الاسلامية القربي والمقام الأجل حين قال: (والسابقون السابقون أولئك المقربون) وبعدها علي قدر عمل الخير والمعروف (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
وانتقلت المقاييس من الصفات المادية إلي المعنويات فلا تري قيمة للغني علي الفقير امام القضاء، ولا تجد قيمة لزعماء الجاهلية علي المستضعفين منهم في العهد الجاهلي ولا تجد فضلا لأبيض علي أسود، ولا لعربي علي عجمي، ولا لقريب علي بعيد ولا لرجل علي امرأة ولا ولاء الجميع متساوون امام العدالة ولهم الحق في الدفاع عن أنفسهم وأموالهم، والكل متي قالوا كلمة الشهادة: الشهادة
(٣٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: الجهر والإخفات (1)، القرآن الكريم (2)، الشهادة (2)، الضرب (1)، الجهل (1)
بالوحدانية والنبوة، فهم في أمان الله. نعم قضي الاسلام علي جميع العادات والاخلاق والمنازعات والتعصبات والفروق الجاهلية، كما قضي علي جميع الأنظمة والقواعد والأحقاد والمشاحنات والمطالبات المالية والدموية والعرقية وكلما كان من عرف ونواميس الجاهلية، وأقام مقاييس إنسانية معنوية منطقية فطرية، وحدودا إلهية جاء بها القرآن الكريم، وسنها النبي العظيم، تقوم جميعها علي الدليل والبرهان، فلا ظلم ولا اعتداء، ولا هتك ولا تعد لمقاصد شخصية وفوارق ذاتية وأنانية، فلا حد إلا بنص، ولا تغريم إلا بجرم خالف فيه الفرد شرع الله وشرع رسوله، ولا اجتهاد امام النص، ولا اجتهاد في كلمة إلا من بالغ عاقل عالم عادل مؤمن مذكر طاهر المولد هو رسول الله أو من نص عليه.
فيه رفع الله قيمة النفس الانسانية فقال: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) ذلك العهد الذي جعل فيه لمكارم الاخلاق والبر والاحسان المقام الجليل في كل شئ فقال: (واما اليتيم فلا تقهر * واما السائل فلا تنهر * واما بنعمة ربك فحدث). ومن هو السائل؟ نعم كل سائل سواء أكان عن مال أو طريق أو حديث أو أي طلب آخر، وفيه امتدح اكرام المسكين واليتيم والأسير فقال: (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) وفيه مئات وألوف من القواعد والأصول الانسانية في جميع المجالات الاجتماعية والأخلاقية العامة والخاصة، وفيه رفع شأن العلم فقال: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)؟ وقد حذر فيه من التعدي علي حدود الله ورسوله حين قال (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) وفيه تهذيب الاخلاق وتهذيب النفس والاصغاء إلي وحي العقل السليم (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) (1). وقوله في
(1) سورة الزمر، الآية 17 - 18.
(٣٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، الطعام (1)، القتل (2)، الطهارة (1)، الجهل (2)، اليتم (1)، سورة الزمر (1)
صفات المؤمنين في تهذيب النفس والأصول الأخلاقية الرفيعة: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) (1) (وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (2)، وهل أستطيع ان أدرج ما جاء به القرآن والرسول الأكرم حتي بصورة مجملة في هذه الوريقات وهو الهادي، والقدوة والبشير والنذير، ولا يساويه في سلوكه لإتمام دينه إلا من هو نفسه في آية المباهلة، ومن زكاه الله معه في آية الطهارة حينما قال في الأولي (وأنفسنا وأنفسكم) فكان بذلك يقصد نفسه الطاهرة الزكية ونفس علي، وحقا انه نفسه، ولطالما قال وقد مر في فصله ان رسول الله طالما عبر عن ذلك، وقال عن علي:
" لحمه لحمي ودمه دمي، من أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني، ومن أطاعه أطاعني " أحب خلق الله لله ورسوله وأحبهم لله ورسوله والذي قرنت ولايته في آية الولاية بولاية الله ورسوله: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (3). فكان عليا، وهو الذي نزلت فيه آية الابلاغ (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (4) وفيه نزلت آية اكمال الدين (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (5) وكلتاهما نزلتا يوم الغدير يوم نصبه علما، وفي فضله وعلو منزلته وجلال قدره نزلت الآيات البالغات وفيه وفي آله نزلت: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) (6) وهم أولو الامر الذين
(1) سورة الفرقان، الآية 72.
(2) سورة الفرقان، الآية 63.
(3) سورة المائدة، الآية 55.
(4) سورة المائدة، الآية 67.
(5) سورة المائدة، الآية 3.
(6) سورة الشوري، الآية 23.
(٣٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: آية الإكمال (1)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، المودة في القربي (1)، القرآن الكريم (1)، الزكاة (1)، الكرم، الكرامة (1)، البغض (2)، الطهارة (1)، سورة المائدة (3)، سورة الشوري (1)، سورة الفرقان (2)
فرض الله طاعتهم في الآية (أطيعوا الله ورسوله وأولي الامر منكم … ).
ذلك هو العصر الذهبي للانسانية الذي وضعت فيه مجمل الأصول والنصوص الانسانية والاجتماعية، ونزل فيه القرآن والسنن النبوية والعصر الذي قال فيه لعلي: " إني قاتلت علي تنزيل القرآن كما تقاتل علي تأويله "، وفيه قال " أنا مدينة العلم وعلي بابها "، وفيه نصب عليا منذ صباه علما، وطلب اطاعته يوم الدار، واستمرت هذه الوصية والخلافة في كل مناسبة كان يبلغ بها فقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي " كما قال للصحابة: " إن عليا مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي "، وقال عنه وعن ذريته: " ان مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق "، وفي غدير خم نصبه علما وفي خيبر أشاد به وبحبه لله وبحب الله له. ومثله في الطائر المشوي. ولطالما وصي الصحابة فرادي وجماعات علي اتباعه، وقال: " مبغض علي منافق وفاسق وكافر " في روايات عديدة ومن طرق عديدة وفيه قال " انه يعسوب الدين وولي المؤمنين وقائد الغر المحجلين " و … و … الخ وفيه وفي ذريته قال: " اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " وهكذا تري ان رسول الله في حياته أقام وأشاد في القرآن والسنن وهداهم بعده وأوضح السبيل باتباع علي وذريته، وقد حذرهم التفرقة والارتداد، وصرح بأن هناك من يرتد بعد موته، وصرح انهم يظلمون عليا وأهل بيته، وحذر من ذلك وأوصي باتباع علي، وقد أيد وأكد ذلك مرارا وكرارا بألفاظ متعددة وبالمعني نفسه.
وبعد هذا كله فماذا أراد الله ورسوله بهذه التوصيات؟ بهذه الأوامر والنواهي؟ وقد ذكرنا شيئا في عهد الرسول الأكرم، والجميع يعلم كيف كان القوم قبل الاسلام أذلاء ضعفاء، وكيف عزوا وبرزوا في عهده، ويكفينا ان نستعيد خطبة سيدة النساء فاطمة الزهراء علي المهاجرين والأنصار وعلي نساء الصحابة بعد
(٣٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، المهاجرون والأنصار (1)، حديث مدينة العلم (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، خيبر (1)، القرآن الكريم (3)، غدير خم (1)، الطيران، الطير (1)، الكرم، الكرامة (1)، الموت (1)، الوصية (2)، العصر (بعد الظهر) (1)
موت أبيها حيث ذكرتهم بما كانوا عليه من الخسة والاذلال، وكيف أصبحوا بفضل أبيها وابن عمها، وأعادت علي مسامعهم اعماله الجبارة التي لولاها لما قامت للاسلام قائمة، وذكرتهم بتوصياته وذكرتهم بما يلحقهم في الخسران إن تمادوا في غيهم وانقلابهم. ولكن هيهات هيهات (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا).
والطينة السوداء من لؤمها * هيهات تبيض سجاياها وقد قعد لهم الشيطان وأغواهم وأزلهم عن الصراط المستقيم، واتبعوا غير سبيل المؤمنين، وقالوا: إنهم عملوا ذلك خوف الفتنة، فأجابتهم ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين. وقد حذرتهم عاقبة الامر في الدنيا وفي الآخرة، وإذا كان القوم قد غرتهم ظواهر الامر وكانوا مأخوذين علي امرهم لجهلهم ولضعفهم فقد ظهرت النتائج وتحققت الأسباب، وجاهروا وصرحوا بكل ما خالفوا فيه رسول الله بل خالفوا الله. وها أني أسرد ثانية ما بدأوا فيه وما إليه انتهوا، وبعدها أقول آه وألف آه لو سارت الأمور علي عهد رسول الله ولو أصغوا إلي أوامر ونواهي رسول الله، لعمت السعادة البشر، ولأكلوا من فوق رؤوسهم الطير ومن تحت أرجلهم علي حد قول الزهراء الطاهرة وزوجها الكريم وأبيها العظيم.
وهذه نتيجة اعمالهم منذ مرض سيد المرسلين وخاتمهم وهو الذي أخبرهم بمرض موته في حجة الوداع وانه قد دعي فأجاب وأنها آخر حجة حجها وتلك خطبته العصماء في غدير خم وإقامة علي علما لهم، ومنذ بدء الدعوة الاسلامية وعلي ظله، وهو في كل فرصة ومناسبة يجاهر بخلافته من بعده وانه وصيه وأخوه وخليفته وحبيبه ومقر علمه، وامامهم وأميرهم وهاديهم من بعده، وكم حذرهم من التخلف عنه بالضلال، وانه مقياس المؤمن والمنافق والمسلم والكافر، وإذا بهم عصبة من الرجال يتقدمهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم مولي أبي حذيفة، ومن النساء عائشة وحفصة يترقبون الفرص ويتحينون الظروف في داخل بيت رسول
(٣٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، سالم مولي أبي حذيفة (1)، حجة الوداع (1)، غدير خم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الحج (2)، الموت (1)، المرض (1)، الخوف (1)، الإقامة (1)
الله وفي الخارج وقد برهن رسول الله كرارا ومرارا علي تخلفهم وفرارهم في أشد الوقائع والحروب، انهم لا خير في شجاعتهم ولكنهم في السلم ذوو ألسنة حداد، الا تكفينا بدر وأحد والأحزاب والحديبية وخيبر وحنين، فرارهم ولواذهم مرة بالعريش وأخري برؤوس الجبال وثالثة سبب اندحار جميع الجيش في خيبر وفي كل مرة كان علي هو العاصم والمنقذ حتي تراهم في صلح الحديبية قد قام عمر وقد أزبدت شدقاه انهم يريدون الحرب وان المصالحة ذلة لهم وقد بدأ يعترض علي رسول الله ويشكك في رسالته فأذن لهم بالحرب بعد أن بين لهم ضعفهم، فإذا بهم جميعا أدبروا والأعداء وراءهم يتعقبونهم ورسول الله يشاهد ذلك فيقول لعلي: رد القوم فسل حسامه فما أبصر المشركون عليا إلا وعادوا، ويوم الخندق وقد برز إليهم عمرو بن عبد ود العامري بعد أن عبر الخندق وكان وحده يكفي ليقضي عليهم لولا أبو الحسن، وقد رد علي القوم بضربته التي قضت علي الحرب واندحر به الشرك فكانت ضربته تساوي عبادة الثقلين، ويوم حنين إذ بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون كان علي وحده الذاب وعمه العباس اللازم بزمام فرس النبي وثلاثة أو خمسة آخرون من بني هاشم يحيطون برسول الله حتي شاء الله ان ينصرهم ويبرهن علي ضعفهم، وفي كل مرة يبرهن رسول الله علي ضعفهم ويبرهنون بالاعتراف علي جهلهم، وتراهم في آخر جولة يؤمر عليهم شابا لم يبلغ العشرين من العمر وهو أسامة ليبرهن علي قلة حنكتهم وتدبيرهم، واعترضوا وأصروا، فخطبهم ولعن من تأخر عن جيش أسامة، وقد ظهر فيما بعد انها كانت مدبرة من حزب من الرجال والنساء النساء تراقب بيت رسول الله وحاله وتتجسس للرجال وتدس لهم الاخبار بين الفينة والفينة، ورغم لعن رسول الله لمن تأخر فقد تأخروا ورسول الله لا تخفي عليه نواياهم ومكائدهم ويدري بانقلابهم فأراد أن يبرهن علي سوء نواياهم حينما أراد دواة وبياضا ليكتب لهم عهدا لن يضلوا بعده ابدا، هنا كشر الشيطان عن وجهه المملوء بالحقد
(٣٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: صلح (يوم) الحديبية (1)، خيبر (1)، بنو هاشم (1)، الظنّ (1)، الحرب (2)
والحسد والمكيدة والخيانة وأطلق كلمة أراد بها باطلا علي لسان أحد تلك العصبة المتآمرة كلمته التي القي بها الفتنة وكان هو وبضعة افراد علي أهبة الاستعداد لتنفيذ مؤامرتهم فقال إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله وما كاد يقولها حتي تلقفها أعوانه وأحدثوا ضوضاء باحوا بها عن أغراضهم كما صرح بعدها عمر في زمن خلافته لابن عباس قائلا: انما أراد رسول الله ان يكتب عهدا كتابة إلي علي فمنعته. لقد كان رسول الله الذي لا ينطق عن الهوي، لا يفرق عليه القول في حال الصحة والمرض لأنه انما ينطق عن الله وانما خالفوا الله في أوامره ونواهيه وقد ضلوا طريق الهداية والصراط المستقيم. فهل هجر رسول الله عندما أراد أن لا يضلوا أم هجر أبو بكر حينما أراد كتابة العهد فأغمي عليه حتي أتم العهد عثمان لعمر فكان جزاؤه ان كتب عمر له العهد باسم الشوري وقدمها لقمة سائغة لبني أمية حينما ثبت اقدامهم منذ عهد أبي بكر بتولية أبي بكر لأبناء أبي سفيان في ارض الشام، ولابن النابغة في مصر ولأزني ثقيف، المغيرة بن شعبة واضرابهم، في حين قد منع الحديث بقوله: عندنا كتاب الله.
نعم أراد بها ترك الحديث بل ترك سنن رسول الله وفضائل ذريته والأحاديث النازلة فيهم وما جاء في علي من الوصايا والفضائل وما يمكن ان يفضح خططهم، لأن رسول الله قد أوضح كل شئ بعده وعمر هو الذي اعترض علي خالد في قتله مالك بن نويرة وافراد عشيرته المسلمين ونزوه علي زوجته وثبت له ذلك وطلب حده فكانت النتيجة أن يعطي أبو بكر خالدا وساما: انه أسد الله، وفي الوقت نفسه ثبت له ان مالكا وجماعته كانوا مسلمين وعلي هذا الأساس أراد اعطاء الدية لأخيه، وهكذا يلعبون بمقدرات الاسلام وهو الذي باعتراف عمر ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المسلمين شرها فأثبت بطلان خلافة أبي بكر وجميع اعماله، وهو الذي قال عن رسول الله: انه يهجر بيد انه يثبت بعدها خلافته
(٣٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، خلافة أبي بكر بن أبي قحافة (1)، المغيرة بن شعبة (1)، بنو أمية (1)، الشام (1)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (1)
بعهد أبي بكر الذي هو نفسه فند بيعته (1) وقال: فلتة وقي الله المسلمين شرها، ولا ننسي ان ابا بكر هو الذي اعترف بقصوره فقال: أقيلوني بيعتكم فلست بخيركم، وهو يعترف أن هناك من هو أفضل منه، وهو الذي اعترض عليه الصحابة علي لسان الصحابي والذي هو علي حد قولهم من الصحابة والمقربين (2) ومن العشرة المبشرة فيقول لأبي بكر: ماذا تقول لربك إذا لقيته وأنت تخلف عليهم فظا غليظا؟
وأبو بكر وعمر اللذين يعجزان عن حل المشاكل وأسئلة اليهود والنصاري فيحلها لهم علي ويعترفان بفضله ومكانته ومع هذا يغتصبان مجلسه في الخلافة، أليس عمر الذي قال مرارا وفي عدة طرق وبألفاظ مختلفة: لولا علي لهلك عمر، و:
عقمت النساء أن يلدن مثل أبي الحسن و: لا أبقاني الله بعد علي، وقد مر ذكر ذلك، وهو الذي اعترف بأن عليا مولاه، يقصد به يوم الغدير وقد مر ذكر ذلك بأسانيده، وهو الذي اعترف بحديث: ان مبغض علي منافق، وقد مر ذكر ذلك بأسانيده وهو الذي اعترف بأنه لو وليها أبو الحسن لأقامهم علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم، وبألفاظ مختلفة ونفس المعني حتي قال له ابنه عبد الله: ما يمنعك ان تستخلفه؟ فيجيبه عمر: لا أريد أن أتحملها حيا وميتا. فكيف أعطاها لعثمان وهو الذي قال له. إنه سيوليها بني أمية وانهم سيتصرفون في رقاب الناس وأموالهم حتي يثوروا عليه ويقتلوه، بيد أنه مطمئن من مكانة معاوية فقد قال: إنه كسري العرب وقد هدد به رجال الشوري عندما قال: لا تتنازعوا فان معاوية وعمر بن العاص لكم بالمرصاد، وكيف حق له تعيين الشوري، وهو الذي تنبأ بكل ذلك وهو يعرف ان بني أمية أولاد الطلقاء ولم يعطهم حقا من الولاية حينما قال: إن الحق للبدريين وبعدهم للأحديين وبعدهم من يليهم، فكيف لم يعط عليا وآل بيت رسول الله وهم السابقون؟ وعلي (الذي له أعظم القتلي ما لجيش المسلمين في
(1) وما بني علي الباطل باطل.
(2) يعني طلحة بن عبد الله ابن عم أبي بكر.
(٣٤١)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (2)، القتل (1)، المنع (1)، طلحة بن عبد الله (1)، الباطل، الإبطال (1)
الجهود من بدر وأحد وله كل السهم في حرب الخندق بقتله عمرو بن عبد ود، وله الكل في خيبر، وله النصيب الأوفي في حنين وغيرها) ليس له أي نصيب رغم جهوده العظمي في زمن رسول الله وأبي بكر وزمن عمر حتي قال: لولا علي لهلك عمر هذا يحرم وهو الذي قال: لو وليها الأصلع لأقامكم علي المحجة البيضاء.
كيف ساغ له ان يحرمه حتي من حقه في فدك والخمس وإذا به يقدمها عمدا ومع سبق الاصرار لبني أمية وقد تنبأ بأعمالهم، وإذا بعثمان يتصرف في بيت المال ورقاب المسلمين كما يأتي ذكره، ويولي عليهم من يصلي بالمسلمين سكران ويثبت جرمه، وإذا بالمسلمين يهرعون إليه ويفزعون من كل حدب وصوب، وإذا به لا يرضي ويجبر ويخون ويقتل، وإذا بمعاوية وعمرو بن العاص تصدق فيه نبوءات عمر وحروبه مع خليفة رسول الله بالنص وأمير المؤمنين بالانتخاب الجمعي الحقيقي وإذا بمعاوية يستولي علي الحكم، وإذا به يفعل ما يشاء بأموال المسلمين ورقاب المسلمين بما فيهم قتل الصحابة وعترة رسول الله، وإذا به يبتدع سب خليفة رسول الله (نصا وانتخابا بالإجماع) بعد كل صلاة وفي كل عيد، وإذا به وبخلفائه من بعده يسخرون من احكام الله وحدوده وسنن رسوله، وإذا الظلم والتعدي والجور والقتل والغارة والهدم واستباحة مدينة رسول الله وبيت الله الحرام، وأعراض المسلمين مستباحة لهم، وإذا بهم يبدلون الحقائق ويزيفون ويغيرون ويضعون مئات الألوف من الأحاديث والروايات الكاذبة عن رسول الله لآل أمية وشيعتهم، ولأبي بكر وعمر وعثمان، وينسبون لهم الفضائل والكرامات، وفيها يبدلون ما جاء لرسول الله وذريته وأخيه وخليفته بما يشوه سمعتهم وفضائلهم، وقد ثبت رغم ذلك التحريف والتزييف، ولكن لا زال التعصب الأعمي والجهل المطبق يعم القوم والعلماء والكتاب يعرفون ذلك ورغم علمهم غلبت عليهم الشهوة وأعمت بصيرتهم، وتغلب عليهم الباطل واتبعوا كل شيطان مريد ولو أصغوا لنداء الحق واستغاثة المظلومين ولو أنهم استمعوا القول فاتبعوا أحسنه،
(٣٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: بنو أمية (1)، خيبر (1)، عمرو بن العاص (1)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (3)، الظلم (1)، الحرب (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصّلاة (1)، الخمس (1)
لهداهم الله إلي الصراط المستقيم. وعجبا منهم وهم يدعون الاسلام ويعلمون ان رسولهم خير الرسل وذريته خير الذراري، ووصيه عليا خير الأوصياء ذلك الذي قام الاسلام بسيفه ذلك الفاتح المنصور في كل واقعة. مفخرة الاسلام، ومعجزته في الحرب والسلم الذي نزلت فيه الآيات البينات، وفاضت فضائله وكراماته، ذلك الذي علي حد قول أفلاطون لأصالته، لحكمته، لعلمه، لسابقته، لتجاربه، لتضحياته، لاخلاصه، لتقواه، لبره واحسانه، وللنصوص الإلهية والنبوية النازلة علي ولايته وإمامته كان علي الأمة اتباعه، ذلك الذي ما دنسته الجاهلية والشرك، ذلك الذي حطم الأوثان. ويلكم كيف تحكمون.. أهذا يقارن بمن أمضي حياته أكثرها في الجاهلية والشرك والدنس وكاد للإسلام والمسلمين ولله ولرسوله؟ وان خفي علي من كان في صدر الاسلام فلا يخفي علينا وعلي جميع الحاضرين وكل العالمين. واني لأعود العقل والتجربة والمقاييس العقلية والأدبية حينما يقول.
الكلام صفة المتكلم. والعمل صفة العامل، وأوضاع الدولة صفة المسيطر، والنتائج الحاصلة هي نتيجة البذور، فمن زرع لا يحصد إلا ما زرع، وعلي قدر ما سقي وحرث وتعب. وهيهات ان يجني السكر من الحنظل، فمن ولي آل أمية وابن النابغة (عمرو بن العاص) والمغيرة بن شعبة الفاجر الزاني، وقرب خالدا قاتل المسلمين الزاني بالمحصنة وسماه سيف الاسلام؟ ومن قرب الكفرة والمنافقين والطلقاء والفاسقين، وأبعد خيرة آل البيت والصحابة المقربين، ومن بدأ يتحدي حدود الله وسنن نبيه، وكانت نتيجة أعماله التفرقة والشقاق والضعف؟
ايها القارئ الكريم من هيأ الملك لآل أمية وآل مروان؟ ومن جاء به؟
أليست مكيدة؟ وقد علمنا ان ليس هناك انتخاب إلا انتخاب مصطنع أم كان أبو بكر وعمر وعثمان تقدموا علي علي لعلمهم وحكمتهم وقدرتهم الإدارية وتجاربهم وأصالتهم وسابقيتهم علي حد قول أفلاطون؟ أم تقدموا علي علي
(٣٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، المغيرة بن شعبة (1)، عمرو بن العاص (1)، الكرم، الكرامة (1)، الجهل (2)، الوصية (1)، الحرب (1)، الزنا (2)
باعتبار القانون الطبيعي لمماثلته ومجانسته جسما وروحا لرسول الله كما يرمم القلب بالقلب والكلية بالكلية أو عضلة مماثلة مكان عضلة فمن كان أحق بالأمر؟
أعلي أم هؤلاء؟ الم نعرف من القرآن من سورة المباهلة ان عليا نفس رسول الله؟
ومن سورة الطهارة قوله تعالي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) أنهما كليهما طاهران قد اذهب الله عنهما الرجس، وكلاهما أحب خلق الله إلي الله، وكلاهما حسب آية الولاية لهم حق الولاية؟ ألم يقل رسول الله في الأحاديث المتواترة: إن عليا له مقام هارون من موسي، ألم يكن علي وعترته سفن النجاة؟ ألم يكن علي باب مدينة علم رسول الله؟ ألم يقل رسول الله: ان لحمه لحمي ودمه دمي؟ ألم يأت بحديث الثقلين حيث قال: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي "؟ ألم يقل ان تبع عليا اهتدي ومن ابتعد عنه هوي؟
فأي حدود الله وسنن رسوله وأوامره ونواهيه في علي وأهل بيته رغم وصاياه الكثيرة اتبعوا؟، ألم يقل: عدو علي ومبغضه كافر؟ وفي رواية أخري منافق، وفي أخري فاسق، وهذه الروايات مسندة وأكيدة فإذا جعلنا ذلك مقياسا وقاعدة وقد قاموا بخلاف ذلك فماذا نحكم عليهم بعد هذا وقد وجدنا نتيجة اعمالهم حتي اليوم وما فيه وعليه الاسلام بسبب تلك الفتنة الكبري؟، واني لأتساءل: إذا لم تقم تلك الفتنة الكبري ويغصب حق علي وذرية رسول الله هل تولي عثمان وآل معيط وآل أمية وآل مروان بن الحكم؟ أكانت تقوم حرب الجمل؟ أكانت تقوم حرب صفين والنهروان والحروب الطواحن الأخري داخل الأمة الاسلامية، والمجازر في زمن معاوية، واستئصال شأفة آل رسول الله وشيعته، وقتل الصحابة المقربين، وسب علي وآل البيت؟ إذا لم يغتصب حق علي وآل البيت أكان فتك يزيد بآل بيت رسول الله في كربلاء؟ وقتل عترة آل رسول
(٣٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، آية التطهير (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مروان بن الحكم (1)، آية الولاية (1)، القرآن الكريم (1)، الحرب (1)، القتل (2)، السب (1)، الطهارة (1)
الله والصحابة البررة وإحراق خيامه وسلب ذراريه وأرامله وتسييرهم، سبايا من كربلاء إلي الكوفة ثم إلي الشام كأنهم هم المعتدون والمشركون؟ لو لم يغتصبوا الحكم هل كان بإمكان يزيد ان يقوم بإباحة مدينة رسول الله أياما واستحلال قتل الناس وهتك اعراض المدينة وهدمها وسلبها؟ أضربت مكة المكرمة وهي كعبتهم وقبلتهم؟ وبعدها اعمال مروان بن الحكم طريد رسول الله يجلس علي منبر رسول الله ويصبح خليفته، وبعده عبد الملك ابنه وعماله كالحجاج وغيرهم وقتلهم المؤمنين ومحبي آل رسول الله، وبعده أولاده كالوليد ذلك الفاجر الذي مزق القرآن؟ ألم يكن قيام بني العباس والفتك بآل أمية وبعدهم بالعلويين نتيجة لذلك الغصب الأول من قبل أبي بكر وعمر وعثمان؟ الم تكن هذه التفرقات والمشاكسات والمخالفات وقيام المذاهب المتعددة والفرق المختلفة في الاسلام إلا بسبب سوء إدارة الدولة بعد ذلك الغصب والفتنة الكبري؟، حقا ان (الذي خبث لا يخرج إلا نكدا)، وحقا ان أول ظلم في الاسلام كان ذلك الذي بذر بذرة الظلم فأعطي نتيجتها علي مر الأحقاب الشقاق والنفاق والظلم والفساد.
(٣٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، مروان بن الحكم (1)، بنو عباس (1)، القرآن الكريم (1)، الشام (1)، النفاق (1)

لو دام العهد النبوي

لو دام العهد النبوي
صفحه(٣٤٧)
ونعود لنقول: لو سار القوم علي عهد رسول الله، وساروا طبق أوامر الله ورسوله، واتبعوا حدود الله وآياته النازلة في علي، واتبعوا نفس رسول الله، واتبعوا من طهره الله من الرجس هو وزوجته وأولاده وجدهم علي حد سواء، واتبعوا من له حق الولاية بعد رسول الله بحكم القرآن في آية الولاية، واتبعوا أولي الأمر وهم محمد وعلي وآل محمد واتبعوا سنن رسول الله في علي وعترته كما جاء في حديث المنزلة وحديث الثقلين وحديث السفينة ويوم الدار وحديث يوم الغدير، والآيات النازلات فيه في حق علي، ولو أنهم لم ينقضوا ولايته وبيعته في ذلك اليوم العصيب الذي اشهد به رسول الله عليهم الله فقال: أنت شهيدي عليهم، وقال: اللهم أشهد أني أبلغت، وشهد جبرئيل علي بيعة عمر وحذره من المخالفة وقال له: لا ينقضها إلا منافق، ولو أنهم لم يتخلفوا عن جيش أسامة، ولو أن عمر وجماعته لم يكيدوا للإسلام، ولم يعارض عمر يوم طلب رسول الله الدواة والبياض فقال أن الرجل (يعني رسول الله) ليهجر، ولو أنهم لم يتدبروا الفتنة ولم يقوموا بها في سقيفة بني ساعدة، ولو أنهم وهم يعرفون الحق اتبعوه وأيدوا عليا واستمروا علي بيعته ولم يعادوه ولم يغتصبوا فدك من الزهراء بعد غصبهم مقام الخلافة، ولو أنهم لم يصروا علي المخالفة والعداوة وبصورة مستمرة، ولو أنهم لم يبعدوا الصالحين عن الولايات ويرسلوا الظالمين من أعداء رسول الله أمثال بني أمية وخالد وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، نعم لو أنهم اتبعوا من كان يقيمهم
(٣٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: حديث المنزلة (1)، حديث الثقلين (1)، حديث السفينة (1)، آية الولاية (1)، المغيرة بن شعبة (1)، عمرو بن العاص (1)، القرآن الكريم (1)، السقيفة (1)، الظلم (1)، الشهادة (1)
علي المحجة البيضاء والصراط المستقيم، لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم، ولو أنهم اتبعوا كتاب الله وسنة نبيه ولم يمنعوا نشر أحاديث رسول الله وسننه الصحيحة منذ البدء، لما عمت الأكاذيب والموضوعات المزيفات تلك التي وضعها شيعتهم والتي هيؤوها لهم بعد منع الحديث، ولو أنهم قصدوا بالفتح تعميم العدالة والحكمة والعلم والمساواة، لما فتكوا بأهل العلم من الصحابة وأبعدوهم ولما امر عمر ولاته بإحراق كتب العلم والآداب والفلسفة والفنون نتائج أدمغة المفكرين من العلماء والأدباء والفنانين والكتاب خلال آلاف السنين في الإسكندرية وبلاد الروم وبلاد الفرس، لجهل الخليفة بمقام العلم وجهل عماله، لأن الناس علي دين ملوكهم. وماذا يعمل علي ولا أمر لمن لا يطاع: هذا وهم يعلمون مقامه العلمي وفضله، ولكن الأنانية والحسد والحقد والغيرة كل هذه تمنعهم من مشورته في أكثر الأوقات، ولطالما شاوروه في أمور أعيتهم الحيلة عندما وجه لهم اليهود والمسيحيون أسئلة، وأعيتهم الحيلة أو اضطروا لمشورته أو حضر مجلسهم وعدل المعوج من اعمالهم ويشهد علي صحة ذلك ما قاله عمر كرارا ومرارا: (لولا علي لهلك عمر) وهل عرفوا له حقه ومقامه العلمي؟ وهل آن لهم ان يسألوه وهو يعلن لهم: سلوني قبل أن تفقدوني. ويقول: هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله؟ وهو يوضح لهم أنه أعلم بالسماء من الأرض، وأنه يعلم تأويل القرآن وكل آية وفيما نزلت ويعلم متشابهه ومحكمه، وقد وجدوا من علمه انه لم يرد سائلا إلا أعلمه علي قدر إدراكه. وقد برهنت أقواله وأعماله علي الحقائق وقدرته العظيمة. وهذا نهج البلاغة وما فيه شاهد علي مقامه العلمي والأدبي، كما شهدت أعماله، وأين منه من يسأل عن القدر ويعجز من جوابه (1) فيتحامل علي السائل ويهدده حتي لا يتجرأ غيره علي السؤال وهو يدري فحوي
(1) راجع كتاب أبي بكر هنا في موسوعتنا وكيف هدد السائل عن القدر.
(٣٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب نهج البلاغة (1)، القرآن الكريم (1)، الجهل (1)، الشهادة (1)، المنع (1)
الآية (وأما السائل فلا تنهر)، ذلك هو أبو بكر، واما عمر (1) فكان عندما يعييه الجواب يهوي علي السائل بالسب والضرب، وحتي حبس سائلا عن آية قرآنية بعد أن أوجعه ضربا وهو من اشراف قومه، ثم كان يخرجه كل يوم ويأمر بضربه ثم نفاه إلي عامله وأمره بضربه وعدم قبول شهادته حتي مات، وسيأتي تفصيل ذلك في اعمال عمر وقد عجز أبو بكر عن تفسير الكلالة ولم يعرف معني الأب في الآية (وفاكهة وأبا) وهو القائل: أقيلوني فلست بخيركم.
وكلاهما عجزا عن تفسير أكثر ما سئلا عنه وقد كان عمر يعجز عن الإجابة عن أكثر الأشياء، وكانت أكثر اعماله واحكامه تخالف الشريعة، وكان يضطر في أكثر الأحيان للاعتراف بعجزه حتي امام النساء حتي قال: (حتي النساء أفقه منك يا عمر).
فمن كانت سابقته تلك أكثرها مشركا وفي الحروب ليس له أثره وفي العلم كذلك، وأعماله متناقضة، أيساوي من أجمعت علي أفضليته الأمة، ونص عليه الله ورسوله، ولم يسبق زمن رسول الله وبعده ان يطعن فيه حتي عمر الذي قال فيه مرارا: لولا علي لهلك عمر. وقال فيه: لو وليها الأصلع لسلك بكم السبيل، ونراه في نهج البلاغة كيف ينتخب ولاته وكيف يدربهم وكيف يوصيهم وكيف يكون قدوة لغيره حتي اعترف به ألد أعدائه. وسيأتيك ما صرح به معاوية وعمرو بن العاص، وقد رأينا كيف امتدحه القرآن ورسول الله وعمر، وكيف كانت سيرته في جميع حياته، وقد قلنا: إن الناس علي دين ملوكهم. وقد رأيناه كيف امتنع من تعيين معاوية بل من ابقائه واليا علي الشام عندما أشار عليه ابن عمه عبد الله بن عباس فأبي ان يبقي مثل معاوية ولو يوما واحدا من قبله، وكيف يرضي علي أن يولي فاجرا فاسقا منافقا أمثال معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة واضرابهم؟
(١) راجع كتاب عمر من موسوعتنا لتري كيف قابل السائل عن متشابه القرآن.
(٣٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، المغيرة بن شعبة (1)، عمرو بن العاص (2)، القرآن الكريم (2)، الشام (1)، الموت (1)، الشهادة (1)
وقد رأيتم كيف اجتمع أقطاب الغش والفجور ضده. وقد رأيناه كيف تغلب في حرب الجمل وكاد يتغلب علي معاوية لولا أن ضربه أشقي الأشقياء ابن ملجم، وقد رأيناه من قبل كيف قام الاسلام بسيفه ورأيه وكيف كان عضدا وساعدا لرسول الله وذابا عنه ولم نجد له نكسة طول مدة حياته زمن رسول الله سيان منها عندما كان معه في الحروب أو تلك التي سيرها وحده، منها يوم استخلفه في المدينة، ومنها يوم تركه في مكة ليؤدي دينه ويرد الأمانات ويقضي أوامره، ومنها تسييره إلي اليمن في حين قد خاب غيره، ومنها نصبه أمير لواء في خيبر، نعم وفي جميعها كان النصر معه، واما بعد وفاة رسول الله وقد كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أعلمه بوقوع الفتن، وأمره (صلي الله عليه وآله وسلم) بعدم القيام المسلح، وأمره (صلي الله عليه وآله وسلم) بالصبر والتجلد مهما جاروا عليه ومهما تجاوزوا الحد في الفتنة والجور والتعدي، وكأنهم علموا بتلك الوصية فقالوا لبعضهم: إن الرجل موصي، وإلا فمن كان يجسر علي التعدي علي حريمه وهو أبي الضيم فيحرق باب بيته، ويكسر ضلع عقيلته الزهراء سيدة نساء العالمين، ويسقط جنينها؟ ومن كان يستطيع ان يقوده جبرا من داره إلي أبي بكر حاسر الرأس حافي القدمين وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، ويجبره علي البيعة لابي بكر وهو أميره الذي بايعه هو وعمر وغيرهما وهنأوه بالخلافة من قبل؟ ومن كان يستطيع بدون دليل ان يغصب نحلة فاطمة (عليها السلام)؟
ولو لم تستمر العجلة العظيمة التي حركها رسول الله للفتح وبعث في نفوس العرب القدرة الروحية والايمان بالفتوح وما انزل الله من الآيات وبشر فيها الصابرين وهدد فيها المتخلفين والفارين، ورأي العرب بأم أعينهم الفتوح المستمرة في زمن رسول الله بما يبدونه من تضحية لما سارت تلك العجلة بتلك السرعة في الشرق والغرب ففتحوا بلاد كسري وقيصر، واستولوا علي حضاراتهم الواسعة. فما كانت نتيجتهم وماذا استفادوا وأفادوا. ونحن نعلم ان هذه البلاد المفتوحة كانت مليئة بالحضارات القديمة والعلوم والفنون والحكمة، وفيها
(٣٥١)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، ابن ملجم المرادي لعنه الله (1)، خيبر (1)، الضرب (1)، الوفاة (1)
الحضارة والمدنية، وفيها المكتبات المليئة بالكتب، وعندها الأنظمة والدوائر المنظمة، وعندها أصول الحياة الاجتماعية والصناعات والفنون، وعندهم المؤسسات التعليمية والمنشآت الفنية والإسلام جاءهم بقوة الايمان والوحدانية وتوحيد الكلمة والمساواة، والعدالة والأخلاق السامية، والمباني الانسانية وحقوق الانسان التي جمعها بآية واحدة أسندتها آيات أخري للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبث الفضائل والبر والاحسان والرأفة والاخوة والاصلاح، واتباع أصول المنطق الصحيح والعقل السليم في مسالكهم ومناهجهم، وأن يكون الخلفاء والقادة قدوة صالحة للرعايا، وبغيتهم الخدمة العامة للفرد والمجتمع، وخلق روح الوئام وبث روح الاصلاح والسلام، وتربية الصغار والكبار علي مكارم الاخلاق والدين الحنيف، والابتعاد عن الأغراض الشخصية والأحقاد النفسية والاعتداء علي الأنفس والأموال إلا في حدود كتاب الله وسنة رسوله، ترغيب اهل العلم والايمان وذوي المنطق السليم والعقل الصائب وأهل البر والاحسان واستقطابهم، وابعاد أهل النفاق والفسق والفجور وشل أيديهم عن بث الفساد، وترويج المعرفة والعلم والحكمة والعمل الصالح المثمر، والقول الفصل العدل، وتقريب الصلحاء وابعاد الطلحاء، وتولية القضاة الذين امر بحكمهم الشرع الاسلامي المستكملين العقل والعلم والايمان والعدالة وأصالة الأعراق، وان لا نبتعد لحظة من مشورة العقل والعقلاء.
فهل تجد بعد رسول الله أي دولة اتبعت ذلك إلا في عهد علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين اعلم العلماء، وأعدل القضاة وأحكم الحكماء، وأقضي الفقهاء، واتقي الناس بعد رسول الله، وأزكاهم وأسبقهم ايمانا، وأشجعهم في جنب الله، وأنصفهم وأبرهم وأكثرهم اخلاصا ورأفة علي الضعفاء، وهو بعد رسول الله لم يزل - مع ما يحمله من القوة الجسمية والروحية والعلمية - شابا لو ولي الخلافة كيف كان ينصب القضاة، والولاة، وكيف كان يبث العدالة والمساواة الحقيقية وكيف كان
(٣٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، النهي عن المنكر (1)، الجنابة (1)
يحفظ مقام العلم والعلماء، والحكمة والحكماء، والايمان والمؤمنين، وكيف كان يقوم طوال حياته المديدة الطويلة بما يجلب للانسانية من السعادة ويشملها بالخيرات الروحية والجسمية، وكيف كان يبث العلم والعمل، وإن شئت فعد إلي نهج البلاغة لتري آراءه الاجتماعية وقضاءه وسياسته، وعد إلي عهد مالك ورسائله إلي عماله وبنيه، وخطبه العظيمة، ثم عد إلي عمله لتراه عاملا ومزارعا وقاضيا وواليا ومحاربا ومجاهدا يواسي الفقير واليتيم والأسير لوجه الله فهو يريد أن يعيش كعيشة أقل افراد حكومته ليتحسس بأذواقهم واحساسهم، ويوصي بذلك عماله، ويتساوي عنده القوي والضعيف، والفقير والغني، والأبيض والأسود، ولا يفرق بين الافراد ساعة العدالة من أية ملة ومذهب ودين ولون وجنس، ولا يصرف بيت المال إلا بالعدل والانصاف وإلي أقصي ما امر به الله ورسوله، وهكذا كان ولاته فمن مثله؟ وكيف كانت في عهده المديد لو ساعد الحظ الأمة وتولي الأمر؟ وكيف كان يسود السلام والوئام والخير الكرة الأرضية؟ وكيف كان يعم الوفاق العالم؟ وكيف لا يعم ونحن نري تأخر الاسلام انما كان بسبب عدم اتباع الشرع وحدود الله فنري اختلاف امراء بني أمية في الغرب يوقف تقدمهم في أوربا، واختلافات بني العباس والتفرقة وعدم تمسكهم بالأصول تؤخرهم في الشرق، هذا من جهة، ومن جهة أخري تجد في زمن عمر كيف يحكم الخليفة بإحراق الكتب في الإسكندرية وبلاد فارس فيعيد البشر آلاف السنين القهقري، إذ قد أحرق نتائج أفكار فحول العلماء والحكماء والأدباء والفنيين من جهة، ومن جهة أخري أوقف المعارف الاسلامية بوقف الحديث ومنعه، ثم الدرس بيد أبناء الطلقاء والمنافقين أولئك الذين لما يدخل الايمان في نفوسهم، وكيف يستطيع غير ذلك وقد قضي أكثر حياته مشركا ولم تكن له اثرة في العلم والحكمة والشجاعة والتقوي والسابقة والأصالة البيتية، وفاقد الشئ كيف يعطيه!، فكيف تريد أن يعم العلم والعدل والحق والمعرفة والتقوي والأصالة إلا ممن يحملها ويعيرها وزنا،
(٣٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب نهج البلاغة (1)، بنو عباس (1)، بنو أمية (1)
فهل يرجي من أمثال أولئك الأمراء بعد السقيفة خير؟ هل يرجي غير هذه النتائج السائدة إلي اليوم؟ واننا لا نستطيع ابدا ان نقبل النتائج الحاصلة للمسلمين إلا لتخلفهم منذ يوم السقيفة واغتصاب الحكم من أهله.
اننا جميعا نقدر اعمال الرسول، ونعرف حق المعرفة بما أوصي به ونعير أهمية لعلي وأهل بيت رسول الله، بيد أن الموضوعات والأكاذيب والمزيفات التي وضعت في زمن بني أمية لا زالت تخالجنا رغم انها تنافي الواقع، وتريد بعد هذا ان نوفق بين علي وأبي بكر وعمر وعثمان، وتريد ان نقول: ان الزهراء حين طالبت بفدك قالت حقا وفي عين الوقت نقول إن أبا بكر قال حقا واجتهد صدقا، وتريد أيضا أن نوفق بين قول عمر في خالد: إنه قتل مسلما ونزا علي زوجته، وقول أبي بكر: انه اجتهد وأخطأ وأعطاه وسام سيف الله، وتريد أن نوفق بين حكمة عمر يوم قام بفتنته الأولي حين طلب رسول الله وهو مريض الدواة والبياض ليكتب للأمة عهدا لن يضلوا من بعده فقال إن الرجل ليهجر، وعهد أبي بكر في مرض موته إلي عمر. ونراكم تتناسون غدير خم وقد ورد فيه من التواتر أكثر مما ورد في القرآن، ونراكم تتجاهلون فضائل علي وكراماته وأوامر الله ورسوله في ولايته علي المؤمنين وتخبطون خبط عشواء للربط بينهما وبين اعمال الخلفاء الراشدين المزيفة الموضوعة في زمن بني أمية، وتراكم تتجاهلون حديث المنزلة وحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وأحاديث الغدير، وتتجاهلون آيات المباهلة والطهارة والولاية ومئات الآيات الأخري في علي وولايته وتريدون سد ما يمليه عليكم العقل لاتباع علي وآل محمد فيعود عليكم الشيطان والنفس الامارة وتحرفكم عن الصراط المستقيم، الم يقل الله في كتابه (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) و (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) و (أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع امن لا يهدي إلا أن يهدي)؟ وهل يستوي السابقون مع المتأخرين؟ هل يستوي المجاهدون والمكافحون
(٣٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، بنو أمية (2)، القرآن الكريم (1)، غدير خم (1)، السقيفة (2)، الزوجة (1)، القتل (1)، الموت (1)، المرض (1)، الوصية (1)، السفينة (1)
والثابتون والذابون والفائزون مع الهاربين والمدبرين؟ هل يستوي أحباء الله مع أعدائه؟ هل يستوي من أطاع الله ورسوله وأقام حدوده وسننه هو ومن أوقف حدوده وبدل نصوصه؟! مالكم كيف تحكمون! هل يستوي من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويوقر العلماء والحكماء والمؤمنين، ويبعد أعداء الله والمنافقين مع من يعمل العكس والضد؟! وان أنكرت فالتاريخ أعظم شاهد علي ما نقول.
وبعد! لو كانت الخلافة بعد رسول الله بيد أهلها لسادت السعادة ولكان العالم اليوم وحدة اسلامية سعيدة وكانت الأرض جنانا وأمانا.
لقد شاهدتم سيرة علي زمن رسول الله وزمن الخلفاء الراشدين فوجدتموه حقا الصديق العادل التقي المخلص لله ولرسوله، ووجدتم سيرته زمن خلافته ورأيتم عماله كيف كانوا من خيرة القوم ونخبة النخبة، ورأيتم أقواله المقرونة بأفعاله، ويقظته، ووصاياه المأثورة. وها أني اقدم نبذة منها أدناه دالة علي عدالته وانصافه وبره وألطافه حيث قال لولاته " فأنصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا بحوائجهم، فإنكم خزان الرعية، ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة، ولا تحشموا أحدا عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها، ولا عبدا، ولا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم " (1) وتجده أدناه كيف يدبر ويدير ويربي ولاته وعماله ويراعيهم ويراقبهم حيث يقول لولاته: " ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثره فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام المتقدمة فإنهم أكثر أخلاقا، وأصح أعراضا، وأقل في المطامع إشراقا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا، ثم أسبغ عليهم الارزاق فان ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم، وغني لهم عن تناول ما تحت أيديهم،
(1) نهج البلاغة: الكتاب رقم 51 / تنظيم صبحي الصالح / 425.
(٣٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، الصدق (1)، الشهادة (1)، كتاب نهج البلاغة (1)
وحجة عليهم ان خالفوا امرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد اعمالهم وابعث العيون من اهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم علي استعمال الأمانة والرفق بالرعية " (1).
وقد أوصي بالناس خيرا بعدم كشف معايبهم بل القيام باصلاحها وسترها حيث بلغ بوصيته إياهم قوله: " وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فان في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر منها " تري كيف يحرص علي أدق المعاني والاخلاق السامية التي جاء بها الاسلام، ويربي ولاته وعماله عليها، ويقدم لهم أدق النصائح والآراء الحكيمة، ويقودهم إلي النهج القويم من الابتعاد عن مواقع الضعف والخيانة ومصادر الشرور والفجور فيقول: " ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فان البخل والجبن والحرص غرائز شتي يجمعها سوء الظن بالله ". ونراه يوصي بالابتعاد عن الأشرار الآثمين والظلمة وعدم الاستعانة بهم علي إدارة الأمور. " ان شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الآثام، فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة، وإخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم وآثامهم " واما زهده فحدث عنه ولا حرج.
ولابد لنا قبل أن نبحث في الغصب ان نعرف المغصوب ونثبت ملكيته ودلائل الملكية، ونوع التعدي وعلته، وعدم مشروعية الغاصب ودلائل الغصب، والآثار المترتبة علي هذا الغصب.
فما هي فدك؟ وبعد تصفح ص 343 ج 6 من معجم البلدان لياقوت الحموي
(1) نهج البلاغة: الكتاب رقم 53 / صبحي الصالح / 435.
(٣٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب معجم البلدان (1)، ياقوت الحموي (1)، الحج (1)، الصدق (1)، الأمانة، الإئتمان (1)، الوصية (1)، كتاب نهج البلاغة (1)
وتاريخ أحمد بن يحيي البلاذري البغدادي المتوفي سنة 279، وابن أبي الحديد المعتزلي ج 4 ص 78 في شرح نهج البلاغة طبع مصر نقلا عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري، ومحمد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير، وغيرهم من مؤرخي ومحدثي أهل السنة والعامة، نجد ما خلاصته انه بعد فتح قلاع خيبر جاء أكابر رجالات ومالكي فدك والعوالي (وهي سبع قري تحد بعضها بعضا تقع في سفوح جبال المدينة حتي سيف البحر وهي مشهورة بكثرة النخيل والغلة، وسيعة ممتدة يمكن معرفة سعتها من حدودها حيث يقع أحد حدودها بجبل أحد قرب المدينة المنورة، والحد الثاني بالعريش والثالث بسيف البحر والرابع بحومة دومة الجندل) جاءوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأقروا مع عقد صلح علي أن يكون نصف فدك لرسول الله ونصفه الآخر لهم. وبعد عودته (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي المدينة المنورة نزل جبرئيل عن الله بالآية 28 من سورة بني إسرائيل وهي (وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) ففكر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في من هم ذوو القربي، وما هو حقهم فجاء جبرئيل ثانية وقال: ان الله عز وجل يأمرك أن ادفع فدكا إلي فاطمة.
فأرسل إلي فاطمة وقال " ان الله امرني ان ادفع إليك فدكا ". لذا قدمها لها في تلك الجلسة وأيد المفسرون ذلك أمثال الإمام أحمد الثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في تفسيره الجلد الثاني عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسي المفسر المعروف المتوفي سنة 352 عن أبي سعيد الخدري، والحاكم أبي القاسم الحسكاني وابن كثير عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي الفقيه الشافعي في التاريخ، والشيخ سليمان البلخي الحنفي في الباب 39 من ينابيع المودة عن تفسير الثعلبي، وجمع الفوائد وعيون الاخبار بقولهم: لما نزلت:
" (وآت ذا القربي حقه) دعا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فاطمة فأعطاها فدكا الكبير " فكانت فدك في تصرفها في زمان حياة رسول الله وكانت تؤجرها هي نفسها في زمن حياته (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكانوا يقدمون لها مال الإجارة في ثلاثة أقساط، وكانت (عليها السلام) تأخذ
(٣٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، محمد بن جرير الطبري (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، أبو سعيد الخدري (1)، كتاب تفسير الثعلبي للثعلبي (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، المدينة المنورة (1)، أحمد بن عبد العزيز (1)، أحمد بن يحيي (1)، إسماعيل بن عمر (1)، خيبر (1)، الثعلبي (1)، الوفاة (2)
منه ما يكفيها وولديها الحسنين لليلة واحدة وتقسم الباقي بين فقراء بني هاشم، وما زاد تقسمه علي سائر الفقراء والمساكين برا واحسانا منها، وبمجرد أن مات (صلي الله عليه وآله وسلم) ذهب عمال الخليفة واغتصبوا الملك من فاطمة الزهراء ومنعوها من التصرف وتملكوه. وقد ذكرت أعلاه من ذكر الآية المارة وأمر الله الرسول لاعطاء فدك إلي ابنته الحبيبة ولم يكن هؤلاء وحدهم من أيد تلك الآية وأمر الله في ذلك، بل إن ذلك خرج من حد التواتر، وأيد ذلك الحافظ ابن مردويه والواقدي، والحاكم في تفاسيرهم وفي تواريخهم، وجلال الدين السيوطي ص 177 ج 4 في الدر المنثور، والمولي علي المتقي الحنفي في كنز العمال، وما كتبه في الحاشية المختصرة من مسند الإمام أحمد بن حنبل في مسألة صلة الرحم عن كتاب الاخلاق، وابن أبي الحديد في الجلد 4 من نهج البلاغة من طرق مختلفة غير طريق أبي سعيد الخدري، كلهم نقلوا انه عندما نزلت الآية الشريفة، أعطي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فدكا إلي فاطمة بضعته وأم العترة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وقد غصبها أبو بكر وعمر بعد غصبهما الخلافة تأييدا لغصبهما الأول وتقوية لهما دون دليل واثبات سوي ما جاء به أبو بكر (رضي الله عنه) من حديث اختلقه وافتراه ولم يقم عليه (البينة)، وهو الغاصب والحاكم والمدعي، وقد أثبتت الزهراء والحوادث التي تلتها ظلمه وغصبه لها ولعترتها.
فماذا افتري واختلق تأييدا لغصبه هذا؟ وهل تخفي الحقائق وأي حقيقة أوضح من هذه؟ ولمن؟ ومتي؟ أيستطيع أبو بكر مهما أوتي من قدرة وسلطة ان يثبت أمرا اختلقه وما انزل الله به من سلطان امام بضعة رسول الله التي حاكت أباها نزاهة وفصاحة وشجاعة. إذ تخاطبه بخطبتها العصماء وكلماتها المستدلة الرنانة امام المهاجرين والأنصار فتطالبه وتسأله بأي حد من حدود الله وأية سنة من سنن نبيه قام بذلك الغصب المنكر والعداوة الواضحة، فيقول لها: " اني سمعت
(٣٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، المهاجرون والأنصار (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، أبو سعيد الخدري (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، صلة الرحم (1)، بنو هاشم (1)، أحمد بن حنبل (1)
رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ". ولو دري ان كلمته هذه سينكشف زيفها وانها مجعولة لما قالها ابدا، ولاختلق بعض ما يبرر ساحته التي يحاول ان يبرقعها ببرقع من القدسية، ولقال علي أقل تقدير: انا لا أورث ولم يقل نحن معاشر الأنبياء، وهنا برهن علي قلة علمه بالقرآن الذي فيه الآيات البينات علي توريث الأنبياء أولادهم وذويهم. وقد نقل خطبة الزهراء واستدلالها العظيم المحدث المتبحر أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري الموثق من أكثر علماء السنة مثل ابن أبي الحديد ص 78 ج 4 أسانيد خطبة الزهراء، بنهج البلاغة بأنه متق ورع محدث أخرجه في كتاب السقيفة، وابن الأثير في النهاية، والمسعودي في اخبار الزمان والأوسط، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 78 عن الجوهري، كما وفي كتاب السقيفة وفدك من طرق وأسانيد مختلفة عن آل البيت. وفي ص 63 عن عائشة أم المؤمنين، وص 94 عن محمد بن عمران المرزباني عن آل البيت وغيرهم عن علماء السنة والجماعة يذكر فيها محاجة الزهراء مع أبي بكر في المسجد امام المسلمين ومنهم المهاجرون والأنصار بدرجة أفحمتهم جميعا حتي اضطروا للضوضاء. ومما استدلت به من الآيات القرآنية قوله تعالي:
1 - (وورث سليمان داود) (1).
2 - (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) (2).
3 - (وزكريا إذ نادي ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيي) (3).
(1) سورة النحل، الآية 16.
(2) سورة مريم، الآية 5.
(3) سورة الأنبياء، الآيتان 89 - 90.
(٣٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، المهاجرون والأنصار (1)، كتاب أخبار الزمان للمسعودي (1)، إبن الأثير (1)، أحمد بن عبد العزيز الجوهري (1)، محمد بن عمران (1)، القرآن الكريم (1)، السقيفة (2)، السجود (1)، التصدّق (1)، سورة الأنبياء (1)، سورة النحل (1)، سورة مريم (1)
وآنذاك قالت (عليها السلام): " يا ابن قحافة! أفي كتاب الله ان ترث أباك ولا ارث أبي!
لقد جئت شيئا فريا! أفعلي عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ " 4 - ألم يقل الله في قرآنه المجيد: (وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض) (1).
5 - قوله تعالي: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (2).
6 - قوله تعالي: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خير الوصية للوالدين والأقربين حقا علي المتقين) (3).
حتي قالت: " أفخصكم بآية اخرج أبي منها؟ أم أنتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي (4)؟ " وهل استطاع أبو بكر وعمر واتباعهما امام هذه الأدلة والبراهين القوية القطعية الداحضة علي حقها وتعديهم علي حدود الله وسنن نبيه أن ينبسوا ببنت شفة؟ أو يدلوا بدليل سوي انحراف إلي انحرافهم؟ والتمسك الأعمي بباطلهم، فأي دليل يدحض الآيات القرآنية؟ وهل تستطيع رواية افتضح جعلها ووضعها يريد بها ذو القوة سلب حق جاءت به النصوص القرآنية دون نص أو سنة أو علم أهل بيت رسوله وصحابته المقربين، وإذ رأتهم تمادوا في طغيانهم وأصروا علي عنادهم تأثرت شاكية وقالت: " كسرتم قلبي وسلبتم حقي واني لأحاكمنكم يوم القيامة في محكمة العدل الإلهية والله واسع قدير علي اخذ حقي - قائلة - فنعم الحكم الله، والزعيم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، وعند الساعة
(1) سورة الأنفال، الآية 76.
(2) سورة النساء، الآية 12.
(3) سورة البقرة، الآية 176.
(4) واني لأعجب من هذه الرواية المختلقة كيف أسرها النبي لأبي بكر وحده ولم يذكرها لوصيه وأخيه وخليفته وحبيبه وبضعته الطاهرة وصحابته وزوجاته وهو لا يخفي عليه كيف تنقلب بعده الأوضاع. ان القارئ الكريم لا أشك انه معي سوف ينقم من هذا التعرض الشائن لرسول الله وعترته.
(٣٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم القيامة (1)، القرآن الكريم (1)، الموت (1)، الوسعة (1)، سورة الأنفال (1)، سورة النساء (1)، سورة البقرة (1)، الكرم، الكرامة (1)
يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ".
لقد قاموا تجاه بضعة رسول الله وعترته ووصيه وخليفته بما يستنكره العقل السليم والوجدان الحي، وحقيق ان يستنكر، وحقيق ان يكون ذلك في حكم المستحيل بعد أن علم الكل ان رسول الله يقول: " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله "، وبعد ان قرأ الآية المباركة (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا) وكيف يقبل أي مسلم ان أمثال أبي بكر وعمر ومن تبعهما أولئك الذين هم أقرب صحابة رسول الله وأولئك الذين سمعوا من رسول الله كرارا يقول " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا " وقد ثبت بالتواتر ذلك كما مر.
وهم الذين حضروا يوم غدير خم وبايعوا عليا بالولاية والإمامة، وهم الذين سمعوا آية الولاية في علي، وسمعوا آية التطهير في علي وبنيه وزوجته الطاهرة، وهم الذين يعرفون آية المباهلة فيهم فكيف يقبل ذو وجدان ان يخالفوا كل ذلك ويسلبوا حقوقهم ويعتدوا علي حدود الله وسنن نبيه؟ وهل يعمل ذلك إلا كافر أو مرتد أو منافق أو فاسق؟ (1) نعم لقد ثبت بصورة متواترة رغم كل ذلك أن أبا بكر وعمر ومن تبعهما عملوا كل ذلك، وبما كان لديهم من حول وطول أرادوا ان يبرهنوا خلاف ذلك ويحرفوا الحقيقة عن مجاريها ويقيموا الأباطيل مكانها ولم يقصروا ابدا في ذلك هم ومن تولاهم بإرادتهم بعدهم، ورغم كل المحاولات فقد جاءت دون خلاف
(١) تري كيف ناقض أبو بكر قوله حينما كتب كتابه لفاطمة علي رد فدك فمزقه عمر، اخرج ذلك سبط ابن الجوزي في السيرة الحلبية ٣ / 391، وكيف جاز للخليفة رد فك إن كان واثقا من صحة خبره.
(٣٦١)
صفحهمفاتيح البحث: حديث الثقلين (1)، آية التطهير (1)، آية الولاية (1)، آية المباهلة (1)، غدير خم (1)، السبط إبن الجوزي (1)
اعمالهم المنكرة المخالفة للنصوص، فبماذا تحكم عليهم، ولا أستطيع القول لمن أراد تبرئتهم إلا وقد شمله ما شملهم من العقاب لأنهم ساروا نفس مسير الظلم الذي سار عليه من أسس أساسه. أليس أبو بكر وعمر هما اللذان خالفا نص الوصاية وصاية رسول الله في علي كما مر في موارد متواترة وغصبا منصب الخلافة وغصبا فدكا، وامام الحجج الداحضة يصعد أبو بكر منبر رسول الله ويسب وصي رسول الله وبضعته الطاهرة بقوله: (ثعلب يستشهد بذيله) يقصد عليا وفاطمة وسيرد ذلك مفصلا. وللاختصار أرجو من القارئ الكريم ان يرجع لما كتبه ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي ص 8 ج 4 في شرح نهج البلاغة في تلك العبارات المهينة التي وجهها أبو بكر علي منبر رسول الله لعلي وفاطمة ليقابل بها بقوته قوة استدلالهم لأنه عجز امام المنطق فعاد للقوة والقسر.
لقد قام علي (عليه السلام) بعد أن نزلت فاطمة، وبعد خطبتها العصماء وخاطب أبا بكر قائلا: " لماذا سلبت حق فاطمة من ميراث أبيها بالرغم من أنهما كانت مالكة لذلك في حياة أبيها " وعوض أن يجيب علي سؤاله حور ذلك تحويرا أخرجه عن حقيقته وقال: ان فدكا هي للمسلمين فإن كان لها شاهد فلتقدمه فإن كان ملكها فأعطيها إياها وإلا أحرمها. فقال علي (عليه السلام) " أتحكم فينا بغير ما تحكم في المسلمين؟ الم يقل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر " أي ان المدعي هو أبو بكر وعليه ان يقيم البينة لا فاطمة التي هي المتصرفة، فاطمة الطاهرة المنزهة في آية التطهير: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقال علي (عليه السلام): لو أن شاهدين شهدا علي فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا بها، قال أقيم عليها الحد كسائر النساء. قال علي (عليه السلام) كنت إذا عند الله من الكافرين لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة حيث قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). ألم تنزل فينا هذه الآية؟ فأجاب: بلي،
(٣٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، آية التطهير (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (3)، الوراثة، التراث، الإرث (1)
فقال: ان الله يشهد بطهارتها وبعد هذا تدعي بمال بيدها وتردها وتقبل شهادة أعرابي بوال علي عقبيه؟! قال علي ذلك وعاد إلي بيته، فقامت ضجة في الناس يصدقون فيها عليا وفاطمة.
(٣٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)

أبو بكر يهجو عليا وفاطمة

أبو بكر يهجو عليا وفاطمة
صفحه(٣٦٥)
عندما وجد أبو بكر الضجة والانتقاد بعد ذهاب علي قام وصعد المنبر وقال متحمسا: " أيها الناس! ما هذه الضوضاء وهذا الصخب؟ انما قام علي كما رأيتم لأنا رددنا شهادته. ثم حمل علي علي خليفة رسول الله والذي قال عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) انه الفاروق والصديق الأعظم، وإنه إمام الغر المحجلين وقدوة المتقين وذلك الذي أشاد بذكره القرآن في آياته ورسول الله في أحاديثه، ولي المسلمين بعد رسول الله، ذلك الذي قام بحد سيفه الاسلام في كل واقعة قامت بين المشركين والمسلمين. كان علي هو الفيصل الأوحد لفوز المسلمين واندحار المشركين، ولم يكن لأبي بكر وعمر أثر يذكر بل العكس، كانا في مقدمة الهاربين في خيبر وبدر واحد والخندق وحنين وغيرها ولم تذكر لهم آراء أو اعمال علمية أو قضائية ولطالما كانا مثار تأثر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحديبية وبعثة أسامة وفي مرض موته وغيرها، واليوم ينقضان البيعة التي اخذها رسول الله بأمر الله منهما لعلي ويسلبانه حقه وحق بضعة رسول الله ذينك الطاهرين من الأرجاس، نعم بعد هذا تري أبا بكر يصعد منبر رسول الله ويهاجم الرجل الأول في الاسلام وبضعة رسول الله الصادقة المصدقة الطاهرة ويقول:
" إنما هو ثعالة شد ذنبه، مرب لكل فتنة " هو الذي يقول: كروها جذعة بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها
(٣٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، خيبر (1)، القرآن الكريم (1)، الشهادة (1)، المرض (1)، الطهارة (1)
البغي (1) يعني ان فاطمة ثعلبة شاهدها علي. وبالتالي يتهم عليا بأنه طالب فتنة ويريك الفتنة الكبيرة صغيرة ويرغب الناس ويحرضهم علي الفتن والفساد. يطلب المعونة من الضعفاء والنساء كأم طحال. وأم طحال امرأة زانية في الجاهلية وكانت ترغب ان يزني أقرباؤها. في هذا راجع ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.
لقد رأيت ما ورد في فضائل وكرامات علي علي لسان القرآن ورسول الله وأعماله الجبارة في الاسلام وشجاعته وعلمه وبره واحسانه هذا علي يصمه أبو بكر بهذا عوض ان يرد دلائله وبراهينه التي عجز عنها. من المؤسف يا أبا بكر ليتك تفوهت بكلمة امام رسول الله في علي لرأيته أخرجك من صف الصحابة ولقد خرجت علي الله ورسوله ان كنت خرجت علي علي، علي ذلك الفاروق بين المؤمن والمنافق، يعسوب الدين، نفس رسول الله وأخيه ووزيره ووصيه وزوج بضعته وأبي عترته، قرين القرآن.
أنت يا أبا بكر تغصب منصب الخلافة وتسلب حق العترة الطاهرة وحري بك أن تقول ما تشاء: ألست الذي أودعت الخلافة إلي ألد أعداء الاسلام من أمثال الأمويين أولئك الذين مزقوا الاسلام طوائف وفرقا وأوقعوه في الشقاق والنفاق؟
وبعد هذا يحرفون الكلمة ويشوهون الحقائق ولا عتب علي الجهال بل العتب علي من يدعي العلم والحكمة والعقل والسداد أن لا يفرق بين الحق والباطل، ويماطل، وحتي متي؟ وهل أن علينا أن نترك الحقائق التاريخية دون ان نمحصها، ونترك الباطل يغلب الحق والحق مغلوب الباطل، ونري بأم أعيننا أن المسلمين ما يزالون مخدوعين ويتفشي بينهم الإفك والأباطيل. ويرضون بغير ما امر الله ونهي عنه! أهذا صاحب رسول الله حقا يقوم بعده بما قام ويبدل احكامه
(1) شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة 16 / 215، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي بقم، ط 2، 1387 ه 1967 م، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.
(٣٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، الدولة الأموية (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، القرآن الكريم (2)، الباطل، الإبطال (2)، الزنا (1)، الجهل (1)، النفاق (1)، كتاب نهج البلاغة (1)
ويصم من قام علي عاتقه الاسلام بما يخجل منه جبين الانسانية؟! أبو بكر هذا الذي صاحب رسول الله ويعرف عليا ويعرف أن مبغضه منافق ومحبه مؤمن بل يعرف أن عدو علي كافر أكان يؤمن بالله ورسوله ثم يسدد كلامه ذلك إلي علي وعترته ويلح في العداء حتي يموت. أنشدكم بالله لولا أبو بكر وعمر أكانت الويلات علي آل رسول الله؟ وهل قام بنوا أمية بمظالمهم؟ وهل تفرق الاسلام شذر مذر؟ وهل خلقت المذاهب في جسم الأمة؟ أنشدكم بالله لو أنهم ساندوا عليا كما أراد الله ورسوله، وكما بايعوه يوم غدير خم، كيف سار بالاسلام والمسلمين؟
الم تكن راياته اليوم تخفق علي العالم أجمع؟ الم يسد الاسلام كدين واحد وعمت المساواة طبقات البشر؟ اننا لم نكن ذلك الزمان وقد مضي عليه الف وأربعمائة سنة ولكن لنعد إلي صدر الاسلام ونري اعمالهم هو وولاته ونقيسها مع أوامر الله ورسوله فالناس علي دين ملوكهم وهذه نتيجة طبيعية وامامنا النتائج الحاصلة فلندرسها ونغير ونتبع من جديد ما أمر به الله ورسوله، ونتبع احكام الله وسنن رسوله، ونميز الخبيث من الطيب فنتبع الطيب ونرمي بالخبيث عرض الحائط، ولا تغلب علينا الوقائع المزيفة ان نترك الحق ونتبع الباطل ونتبع قول الله (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب).
وعندنا الميزان العقلي والإرادة، ونحن أحرار في أفكارنا وأعمالنا واختيارنا فلنتبع الأحسن ونترك الخبيث، نعرفه من اتباعه حدود الله وأعماله ونتائجها ولنترك ما اعتدنا عليه من تلك التي شبنا عليها دون رعاية منطقية، واعتدنا عليه دون بصيرة كمن اعتاد علي مواد وأخلاق أردته في الهوة، ويعز عليه تركها، فيخلق لنفسه معاذير ما أنزل الله بها من سلطان، اذن ما الفرق بين ذي اللب ذي الإرادة والبصيرة وغيره؟ وأين الحكمة وطريق الرشاد؟ وقد هدانا الله بالعقل والسداد. فعلينا تعديل المعوج والصبر والثبات حتي ندرك الحقيقة والواقع والحق
(٣٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: غدير خم (1)، الباطل، الإبطال (1)، الموت (1)، الصبر (1)
والانصاف سواء ما كان منها في الماضي والحاضر، وان لا نقبل ظلما مضي ولا قسرا يأتي سواء علي الغير أو النفس، علي القريب أو البعيد، وان تكون الحرية الفكرية والجسمية أقصي مرامنا، وكما نهواها لأنفسنا نريدها لبني جارتنا. ولا تتغلب علينا روح الاجتماع وصخب الخطباء وولولة المتكلمين فنحيد عن الطريق السوي، وان نسير في الطريق المستقيم. نعم ولطالما تغلبت العاطفة وشوهت الحقائق امام المطامع وامام غريزة التفوق، وإني أقول لك: ان الذين جاءوا بعد رسول الله كانوا رجال سياسة، ولكي يبلغوا ويتفوقوا - والملك عقيم - ما كان لهم إلا تحطيم ما يعيقهم، وحيث انهم جاءوا علي خلاف ما أراد الله ورسوله، فأول حجر عثرة امامهم هم العترة وعلي رأسهم علي فكان عليهم تحطيمهم إلي الأبد، فبذلوا قصاري جهودهم المادية والمعنوية كي يحرفوا الناس عن سيرهم، واني لا استشهد بما كتبه علماء الشيعة والامامية وحسب بل المنصفون من علماء السنة والجماعة أمثال ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي في شرح نهج البلاغة ج 4 ص 80 حيث يقول: " لقد تعجبت من كلام أبي بكر فسألت أستاذي أبا يحيي النقيب جعفر بن يحيي بن أبي زيد البصري، قلت له: هل عني وكني الخليفة في كلامه هذا؟ فقال: لم تكن كناية وتعريض بل هي الصراحة في الكلام. قلت: إذا كانت صراحة ما كنت أسأل. فضحك، وقال: لعلي بن أبي طالب. قلت: هذا الكلام كله؟ قال: نعم. انه الملك يا بني " فاعتبروا يا أولي الابصار.
أصحيح أن هذه التهم وهذه الكلمات البذيئة والوقيحة لعلي المرتضي وفاطمة الزهراء؟ أصحيح أنها صدرت من أبي بكر؟ أعلي ثعالة والزهراء ذنبه وعلي أم طحال الزانية؟
فالجواب نعم، وصدر أعظم من ذلك وأعظم يوم أمر خالدا بقتله وبدل فكرته في الصلاة، وقبل التشهد قال " لا يفعلن خالد ما أمرته به "، ويوم أبعد بني
(٣٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، علي بن أبي طالب (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، جعفر بن يحيي (1)، القتل (1)، الصّلاة (1)، الشهادة (1)
هاشم عن الملك، ويوم قرب بني أمية، ويوم عهد إلي عمر بالخلافة، وقبلها عهد إلي أولاد أبي سفيان بولاية الشام، وأقر ملكهم بتقريب عثمان وولاية بني أمية علي الشام، لم يكن ذلك عداء لله ولرسوله وللإسلام وهو وخليفته عمر والجميع يثبتون أن لو وليها علي لأقامهم علي الصراط المستقيم.
فإذن ان أبا بكر وعمر انما طلبا ملكا لا دينا ووثقاه بما يدوم لهما ملكا لا ليدوم الدين وتبقي السنة وتحفظ الشريعة. واني لأبرهن علي ذلك، ألم يقل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار، وأبو بكر يوجه لعلي الفتن. ألم يقل رسول الله في علي وفاطمة (1): " من آذاهما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله "، وقال: " من آذي عليا فقد آذاني "، وأعظم من هذا ما ورد بصورة متواترة في كتب السنة والجماعة قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ". اخرج محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في أول الباب العاشر من كفاية الطالب حديثا مفصلا عن ابن عباس مسندا نقله امام جمع من أهل الشام الذين كانوا يلعنون ويسبون عليا قال: " سمعت من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله علي منخريه في النار "، وقد نقل الكنجي في عنوان الباب العاشر هكذا: " الباب العاشر في كفر من سب عليا " وأول من سب عليا وفاطمة انما كان أبو بكر كما مر ذكره، كما أخرج الحاكم في المستدرك ج 3 ص 121 وقد مر ذكر فضائل علي في هذا الكتاب.
ورغم ما مر فقد رأي أبو بكر ان حجته داحضة، وانه أفلج امام الأدلة القاطعة التي أوردتها فاطمة الزهراء وبعلها علي، ورأي كيف ان المسلمين وأخص منهم الصحابة وجهوا له النقد والتعرض، ولم يفده ما وجه لعلي وفاطمة من السب والقدح فأراد أن يعيد فدكا وبهذا برهن علي صحة أقوال علي وفاطمة وأعماله
(1) راجع جزأي الإمام علي لموسوعتنا.
(٣٧٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، بنو أمية (2)، محمد بن يوسف (1)، الشام (3)، السب (6)
المخالفة، بيد ان عمر اخذ الكتاب الذي كتبه أبو بكر لرد فدك ومزقه وقد تظاهر أبو بكر انه بكي وتأثر كما جاء في السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الشافعي في ص 391 ج 3، وما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. واني أري ان في هذا تلاعبا ومراءات أعظم من الأول فمن هو الخليفة؟ أهو أبو بكر أم عمر؟ وكيف يفعل ذلك عمر مع الخليفة ويمزق الكتاب؟ أحسب أبو بكر ان فدكا حق واعترف بنحلته أم لا يزال مصرا بيد أنه أراد أن يسكت المسلمين ويلقيها علي عاتق عمر؟
لعمري انها للعبة لم تكن لتستند إلا علي القوة والمكيدة والخداع، وماذا يفعل علي وهو الموصي بالصبر؟ وتري عمر في زمن خلافته يعيد فدكا لعلي والعباس. وهنا علينا ان نتساءل ان كان أبو بكر قد اعتبر فدكا فيئا للمسلمين، فما الذي دعا عمر لردها؟ أليس هذا تناقضا بين الخليفتين وان عمر بعمله كذب أبا بكر في روايته وكان عليه ان يعيد ما سلب من منافعها - خلال المدة التي سلبت - إلي أصحابها (1).
تواريخ رد فدك: ولقد اخرج العلامة السمهوري المؤرخ والمحدث المعروف في المدينة المنورة المتوفي 911 هجرية فيما كتبه عن تاريخ المدينة، وكذا ياقوت الحموي الرومي ابن عبد الله في معجم البلدان ما مر أعلاه وان فدكا استعيدت بعد ذلك في زمن الأمويين، أعادها الخليفة عمر بن عبد العزيز كما ذكره السمهوري وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ص 81 ج 4 عن أبي بكر الجوهري ونقل هذه العبارة: " كانت أول ظلامة ردها " وبعده استعادها يزيد بن عبد الملك وبقيت بيد الأمويين حتي خلافة العباسيين حيث أعادها الخليفة العباسي الأول - الملقب بالسفاح - لبني فاطمة، واستعادها أبو جعفر المنصور منهم، وأعادها لهم الخليفة المهدي العباسي، واسترجعها موسي الهادي العباسي، وأعادها الخليفة العباسي المأمون حيث كتب إلي قثم بن جعفر عامله في المدينة
(1) ثم نراها في خلافة عثمان تهدي لمروان بن الحكم.
(٣٧١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، الدولة الأموية (2)، كتاب تاريخ المدينة لابن شبة النميري (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب معجم البلدان (1)، المدينة المنورة (1)، ياقوت الحموي (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، الكذب، التكذيب (1)، الوفاة (1)، الوصية (1)، مروان بن الحكم (1)
المنورة ما يلي: " انه كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أعطي ابنته فاطمة رضي الله عنها فدكا وتصدق عليها بها وان ذلك كان امرا ظاهرا معروفا عند آله عليه الصلوات والسلام " ولقد انشد الشاعر المعروف دعبل الخزاعي قصيدة آنذاك أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشم فدكا وقد كانت فدك نحلة لفاطمة وفي تصرفها وسلبت منها وخلافا للشرع طلب منها شهودا لذا طالبته باعتبارها إرثا وبرهنت واستدلت علي ذلك.
ولقد ثبت ان فاطمة (عليها السلام) طالبت برد فدك باعتبارها نحلة وانها متصرفة فيها فلما عارضها التجأت للمطالبة بها باعتبارها إرثا. واخرج ذلك أكابر علماء السنة والجماعة منهم علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي في ص 39 من كتابه السيرة الحلبية كما أخرج ذلك الامام فخر الرازي في تفسيره الكبير ضمن ادعاء فاطمة (عليها السلام)، وكذا ياقوت الحموي في معجم البلدان، وابن أبي الحديد في ص 80 ج 4 لنهج البلاغة عن أبي بكر الجوهري، وابن حجر في النهاية صفحة 21 من الصواعق المحرقة عند كلامه في الشبهة السابعة من شبهات رفضه حيث قال: إنها ادعت انها نحلة وقدمت شهودا، ردها أبو بكر فغضبت وقالت: سوف لا أكلمك بعدها. وهكذا كان فقد ماتت وهي غضبي علي أبي بكر وعمر، كما أوصت أن لا يصلي أحد منهما عليها ولا يحضر جنازتها، فصلي عليها عمها العباس ودفنت ليلا، وحسب قول الإمامية صلي عليها علي (عليه السلام).
(٣٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب معجم البلدان (1)، الشاعر دعبل الخزاعي (1)، ياقوت الحموي (1)، الصّلاة (1)

رد اللائحة الأولي

رد اللائحة الأولي
صفحه(٣٧٣)

اللائحة الثانية

لا شك في أن فاطمة الزهراء كانت متأثرة، بيد أننا لا نستطيع ان نعتبر ان أبا بكر مقصر في عمله، وذلك أنه طلب علي ادعائها نحلة شهودا (رجلين أو رجلا وامرأتين أو أربع نسوة) فلم تأت بهم ولذا رد طلبها.
اللائحة الثانية طلب الشهود من بضعة رسول الله وأم العترة الطاهرة التي زكاها الله من الدنس وأباها وبعلها وبنيها كان كقاعدة عامة تخالف القواعد القانونية والشرعية، فقد كان ثابتا للجميع تصرفها، وكان هو المدعي للخلاف فكان عليه وهو المدعي إقامة البينة والشهود. وهنا ظهر الغرض المقرون بالجهل.
ثم إن قضية الشهادة العامة لا ينكرها أحد وهي باقية علي عموميتها والقاعدة المسلمة انه ما من عام إلا وقد خص هنا من الممكن الاستثناء والرجوع للتخصص.
(٣٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الشهادة (1)
فالقاعدة العامة توجب تقديم شاهدين في الدعوي بيد انه ثبت في الصحاح المعتبرة خبر أن خزيمة بن ثابت حينما شهد لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مقابل رجل عربي في قضية بيع فرس كان ادعي علي رسول الله فقبلت شهادته كشاهدين عادلين، وسماه رسول الله ذو الشهادتين. فإذا قبلنا شهادة صحابي مثل خزيمة قامت مقام شهادتين لشاهدين عادلين، كيف لا نقبل شهادة من زكاه الله في قرآنه المجيد وطهره من الدنس، ولقبه خاتم الأنبياء بالصديق الأعظم والفاروق، وقال فيه: " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار " وغير ذلك من الأحاديث التي تدل علي أنه نفس رسول الله في كل شئ وفيه نزلت ثلاث مئة آية وقد نزلت غير ذلك في محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام): (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (1). وقد قدمت فاطمة الزهراء وهي الطاهرة المصدقة شهودا وهم علي وأم أيمن والحسن والحسين فرفضهم أبو بكر مع ثبوت تصرفها قبل هذا، ومع ثبوت ان البينة علي المدعي وهو أبو بكر فانظر التخلفات عن حدود الشرع المتكررة، وقد ثبت ان عليا وعترته من الصديقين حسب ما فسر الآية أعلاه أشهر مفسري علماء السنة والجماعة أمثال الامام التغلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور، عن ابن عباس حبر الأمة، والحافظ أبي سعيد عبد الملك بن محمد الخركوشي في كتاب شرف المصطفي عن الأصمعي والحافظ أبي نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء روي: " ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال عن الآية هو محمد وعلي (عليه السلام) " وقال الشيخ سليمان الحنفي في الباب 39 من ينابيع المودة ص 119 طبع اسطنبول عن الموفق بن أحمد الخوارزمي، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني الحمويني عن ابن عباس رووا ان الصادقين في هذه الآية محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (وهم علي وفاطمة والحسن والحسين) كما روي شيخ الاسلام إبراهيم
(1) سورة التوبة، الآية 120.
(٣٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، عبد الله بن عباس (2)، الحافظ أبو نعيم (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، ذو الشهادتين (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، خزيمة بن ثابت (1)، عبد الملك بن محمد (1)، الخوارزمي (1)، اسطنبول (1)، الشهادة (4)، البيع (1)، سورة البراءة (1)
بن محمد الحمويني وهو من أجلة علماء السنة في فرائد السمطين، والإمام محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 62 من كفاية الطالب. ومحدث الشام في تاريخه باسناد صحيح ان (مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب) والآية 34 من سورة الزمر وهي (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) فالذي جاء بالصدق هو محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) والذي صدق به علي (عليه السلام). راجع الدر المنثور لجلال الدين السيوطي، ومناقب الحافظ ابن مردويه، وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم وكفاية الطالب باب 62 لمحمد بن يوسف الكنجي الشافعي، وتاريخ ابن عساكر نقلوا عن أهل التفسير عن ابن عباس ومجاهد ان (الذي جاء بالصدق محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) والذي صدق به هو علي (عليه السلام)).
والآية 19 من سورة الحديد (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم اجرهم ونورهم) نزلت في شأن علي (عليه السلام) كما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل وما من القرآن في علي عن الحافظ أبي نعيم الأصفهاني: أن عليا من الصديقين.
الآية 69 من سورة النساء (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) القصد من الصديقين عليا (عليه السلام) عن أكابر علماء أهل السنة منهم الامام فخر الرازي في تفسيره الكبير، والامام التغلبي في كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والإمام أحمد في المسند، وابن شيرويه في الفردوس، وابن أبي الحديد (ص 452) ج 2 لشرح نهج البلاغة، وابن المغازلي الشافعي في المناقب، وابن حجر المكي في الحديث الثلاثين من الأربعين حديثا التي نقلها في الصواعق المحرقة في فضائل علي عن البخاري عن ابن عباس باستثناء جملة في آخر الرواية ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار
(٣٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (2)، الحافظ أبو نعيم (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب فرائد السمطين (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، إبن المغازلي (1)، إبن عساكر (1)، علي بن أبي طالب (1)، سورة النساء (1)، سورة الحديد (1)، جلال الدين (1)، محمد بن يوسف (1)، أحمد بن حنبل (1)، سورة الزمر (1)، آل فرعون (1)، القرآن الكريم (1)، الشام (1)، التصديق (1)، الشهادة (1)، الصدق (1)
صاحب يشي وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ".
كما روي ذلك بلفظ مقارب البلخي الحنفي في الباب 42 من ينابيع المودة، وجاء في مسند أحمد وذكر أبو نعيم وابن المغازلي وأخطب خوارزم في مناقبه وابن حجر المكي في الصواعق الحديث 31، والكنجي في كفاية الطالب الباب 24، ومحدث الشام. هنا تجد عادة التعصب، كيف يستولي علي العلم والوجدان وبعد ان تعرفوا عليا ومقامه وكيف غصبوا منصبه ونقضوا بيعته وغصبوا آل بيته وخالفوا الله ورسوله، اليوم يطلبون منه ومن زوجته البينة فيما يجب فيه عليهم البينة ويحرمونها ثم يصرون في الخصام والعداء ولا يهمهم ابدا ما يظهر من تناقضهم في الاخذ والاعطاء والاعتراف العملي. وبعد كل هذا تري عقلاء القوم رغم شهادتهم بأعمال هؤلاء يريدون خلق المعاذير لهم واعطاءهم عذرا ينقذهم وكأنهم وكلاء الدفاع عن الظالمين من وكلاء اليوم لا يراعون في ذلك إلا ولا ذمة ولا يريدون إلا ما دلت عليه التجارب وبرهن علي خلافهم التاريخ ووقائعه، كأنهم نسوا لابل يتناسون علي مع الحق والقرآن والحق مع علي يدور معه حيث دار! إن نسيت فتصفح ج 4 ص 321 تاريخ الخطيب البغدادي، ومناقب ابن مردويه، وفردوس الديلمي ومجمع الزوائد للهيثمي ص 236 ج 7، والإمامة والسياسة ج 1 ص 68 لابن قتيبة، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 124، ومسند أحمد، وأوسط الطبراني، ومناقب الخطيب الخوارزمي، وتفسير فخر الرازي ج 1 ص 111، وجامع الصغير ج 2 ص 74 و 75 و 140 لابن حجر المكي، والفصل الثاني من الباب التاسع للحديث 21 من الصواعق المحرقة لابن حجر في فضائل علي، والباب 20 لينابيع المودة، وفرائد الحمويني، وربيع الأبرار للزمخشري، والباب 65 ص 185 من ينابيع المودة، وص 116 لتاريخ الخلفاء، وص 358 ج 4 لفيض القدير، والفردوس مناقب السبطين، الحديث 44، وص 283 باب 56 الفصل
(٣٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (3)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (1)، إبن المغازلي (1)، الزمخشري (1)، علي بن أبي طالب (1)، الخطيب البغدادي (1)، الخوارزمي (1)، القرآن الكريم (1)، الشام (1)، الظلم (1)، الزوجة (1)
الثاني للصواعق عن أم سلمة والكنجي في كفاية الطالب عن أم سلمة وعائشة ومحمد بن أبي بكر عن رسول الله انهم رووا أنه قال: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض " ومنهم من نقل هذه العبارة: " الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا "، وعن ابن حجر ص 77 في الصواعق آخر الفصل الثاني من الباب التاسع نقل ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال في مرض موته: " اني مخلف فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي "، ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال: " هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض فأسألهما ما خلفت فيهما " كما نقل الجميع: " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار ".
والآن تعال معي لأتلو عليك حديث سبط ابن الجوزي ص 20 في تذكرة خواص الأمة ضمن حديث الغدير نقل ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال " وأدر الحق معه حيثما دار وكيفما دار ". وآنذاك ابدي رأيه وقال: فيه دليل علي أنه ما جري خلاف بين علي (عليه السلام) وأحد من الصحابة إلا والحق مع علي (عليه السلام). ألا تعجب بعد هذا إلي قول أبي بكر حينما شبه عليا وزوجته الطاهرة بالثعلب وذيله، وحينما شبه عليا بأم طحال الزانية! فأنصف بالله عليك وأنت تري هذه الأسانيد ألم تحقق الآية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا) وما هو الانقلاب أهو غير هذا؟ ومن انقلب؟
أليس من اتهم نفس رسول الله (عليا) وعترته وخالفهم وظلمهم وغصب حقهم؟
تلك شواهد منكم وعليكم فماذا بعد الحق إلا الضلال.؟؟
عزيزي القارئ الكريم! ان كنت بعد لم تقتنع فإني أريد ان تقتنع مضافا إلي ما مر ومن نفس المصادر السابقة وغيرها من كتب السنة والجماعة وبروايات مختلفة ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: من أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد
(٣٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، السبط إبن الجوزي (1)، محمد بن أبي بكر (1)، حديث الغدير (1)، القرآن الكريم (4)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)، الموت (2)، الضلال (1)

عبارة مستظرفة ومستدلة

أطاع الله، ومن أنكر عليا فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله. ونقل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال " لقد كان علي علي الحق في جميع أقواله يدور الحق معه حيث دار ".
أيها القارئ الكريم، بعد مطالعة هذه الأخبار في كتبكم المعتبرة أليس الرد والانكار وتوجيه الإهانة إلا علي الله ورسوله؟ ألم تكن هي التخلف عن الحق والحقيقة. أليس أن المؤيد الموقف ابن احمد الخوارزمي في المناقب، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة رووا عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال وصرح " من أكرم عليا فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم الله ومن أهان عليا فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الله " بعد هذا تعالوا نحكم طبق الشرع والقانون والوجدان، ونتخذ حديث رسول الله مقياسا وميزانا لحديثنا، ذلك الحديث الذي نقله اعلم علماء السنة وكل الفرق الاسلامية وعندها نعرف من انقلب علي عقبيه وخالف الله ورسوله، وأهان الله ورسوله واغضب الله ورسوله، وما جزاء من يعمل ذلك ومن علم بذلك ولم ينكره، واتبع سبيل الظالمين، أعوذ بالله من غضب الله ورسوله وممن لعنه الله ورسوله وأعد له عذابا أليما.
عبارة مستظرفة ومستدلة واليك عبارة مستظرفة نقلها ابن أبي الحديد في ج 4 ص 105 في شرح نهج البلاغة نقلها عن علي بن الفاروق أحد أساتذة ذلك العصر في غربي بغداد حيث سأله حول موضوع فدك " أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم. فقلت إذا كان ذلك فلماذا لم يعطها الخليفة فدكا؟ فتبسم (مع أنه لم يكن من أهل المزاح) وأجاب جوابا ظريفا ومستحسنا خلاصته قوله: انه إذا أعطاها فدكا لمجرد ادعائها كانت تعود له بعد يوم مطالبة إياه بالخلافة التي اغتصبها من زوجها، وعندها كان عليه
(٣٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، محمد بن عبد الكريم (1)، مدينة بغداد (1)، الخوارزمي (1)، الكرم، الكرامة (2)، الظلم (1)، الزوج، الزواج (1)، الصدق (1)، المزاح (1)، العصر (بعد الظهر) (1)
لزاما ان يسلم الحق إلي أهله لأنه قد صدقها " انتهي (1).
فالحقيقة واضحة وإن الحق مع فاطمة، وإنهم غصبوها، وسبقها غصب منصب الخلافة، وتتابعت المظالم إلي هذا اليوم علي اثر ذلك الظلم ألا تري ان أبا بكر كان يتصرف بمال المسلمين تصرف المالك بدون شاهد ودليل وبينة.
ومنها ان جابرا ادعي أن رسول الله وعده أن يعطيه من مال البحرين فأعطاه ألفا وخمسماية دينار من بيت المال دون ان يطلب منه بينة علي ذلك. فقد اخرج سيف الاسلام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح صحيح البخاري في باب من يكفل عن ميت دينا فقال: " ان هذا الخبر فيه دلالة علي قبول خبر العدل من الصحابة ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا علي صحة دعواه ".
وقد نقل نفس الخبر البخاري في صحيحه بصورة مبسوطة في باب من يكفل عن ميت دينا، في كتاب الخمس في باب ما قطع النبي من البحرين. قال لما ورد مال البحرين أقام أبو بكر مناديا يقول: كل من وعده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أوله طلب منه يأتي ويأخذه فأتي جابر وقال إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعدني أن يعطيني من مال البحرين عندما تفتح البحرين وتصبح بيد المسلمين فأعطاه بدون طلب بينة وشاهد ألفا وخمسمائة دينار كما أخرج ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء. واني أسأل القارئ الكريم ان يجيبني جوابا منطقيا وشرعيا ووجدانيا كيف جاز له ان يعطي ذلك بدون بينة ويمتنع عن اعطاء الزهراء بضعة رسول الله التي نزلت فيها وفي بعلها آية الطهارة إذ يطلب البينة، والبينة عليه، ثم يمتنع ويردها وبعلها؟ الم يكن في عمله ذلك مبغضا الم يكن مغرضا؟ ما هي العلة؟ من العجب أن يطلب البينة علي شئ مسلم في تصرفها فيه ويعطي شيئا من مال المسلمين بدون بينة لا
(1) تجد القصة كاملة في احتجاج الطبرسي (رحمه الله) 1 / 91، الهامش.
(٣٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب فتح الباري (1)، أحمد بن علي (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (2)، الشهادة (2)، الخمس (1)، الطهارة (1)، كتاب الإحتجاج للطبرسي (1)
يراعي الله ورسوله ومن صدقه الله ورسوله، ومن كان غضبه غضب الله ورسوله، ومن كانت بضعة من رسول الله وكان نفس رسول الله يسلب حقه ويطلب منه البينة ثم يتصرف بمال المسلمين وأرواحهم تصرف المالك بدون دليل وبرهان.
وإذا راجعنا صحيح البخاري وأجلة علماء السنة وفقهائهم وجدناهم يقبلون خبر الصحابي العدل ولو جر نفعا لنفسه سوي علي وفاطمة وكأنهما وما تقدم فيهما من الفضائل والكرامات لا يساويان كلاهما صحابيا واحدا! الم يكن في ذلك نكاية وغرض خاص. أيعمل ذلك مسلم سمع كلام الله فيهم وأحاديث رسول الله عنهم وعن منزلتهم الرفيعة بالذات دون جميع الصحابة؟
طبعا لا يمكن الجواب بالايجاب هذا والمصاب قريب، والجرح لما يندمل، وآل بيت رسول الله أهل الحق لا زالوا في أشد الأسي علي فقدهم خاتم الأنبياء، فما جزاء من يحادد الله ورسوله وأهل بيته الذين أوصي بهم في القرآن: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي)، وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا " لبئسما عملوا ولبئسما يلقون عند الله من أشد الجزاء بما حادوا الله ورسوله وانقلبوا بعد اسلامهم. ولقد كذب أبو بكر نفسه حينما أراد رد فدك ولقد كذبه بعده عمر، وعمر بن عبد العزيز، والسفاح والمهدي والمأمون، خلفاء بني العباس وقد قال رسول الله " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".
وان كان جابر من الصحابة الصادقين المقربين لذا لم يكذبه أبو بكر فهلا كان أحري به ان يصدق عليا ذلك الصديق! هذا وان فاطمة (عليها السلام) هي المتصرفة وهو المدعي الذي عليه البينة.
اخرج الشيخان البخاري ومسلم في ترجمة الزهراء عن الإصابة وغيرها عن المسور قال: " سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول علي المنبر: فاطمة بضعة مني
(٣٨١)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الثقلين (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، بنو عباس (1)، المودة في القربي (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، القرآن الكريم (1)، الصدق (1)، الكرم، الكرامة (1)، الوصية (1)

فاطمة سيدة نساء العالمين

يؤذيني من آذاها ويريبني ما رابها ". وجاء في كتاب الشرف المؤبد للشيخ يوسف النبهاني في الزهراء عن البخاري بسنده عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها " وقال النبهاني في رواية: " فمن أغضبها أغضبني " كما جاء في الجامع الصغير: فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها ويبسطني ما يبسطها. واخرج ابن قتيبة في أوائل كتابه الإمامة والسياسة، وغيره من أهل السير والاخبار أن الزهراء ناشدت أبا بكر وعمر قائلة: " نشدتكما الله تعالي ألم تسمعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضي ابنتي فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني قالا: نعم، سمعناه من رسول الله " (1).
وأخرج أئمة الحديث منهم الامام احمد عن أبي هريرة ص 442 ج 2 من مسنده. نظر النبي إلي علي والحسن والحسين وفاطمة فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " كما جاء المعني نفسه في مستدرك الحاكم وكبير الطبراني والترمذي وجاء في مسند الإمام أحمد ج 1 ص 101 مناقب أخري ومنها ما نقلها الكاتب الشهير عباس محمود العقاد باسناده في كتابه عبقرية محمد تحت عنوان " النبي والامام والصحابة " وقد ورد في الزهراء (عليها السلام) وفي شأنها القدسي أنها تعدل مريم.
فاطمة سيدة نساء العالمين كما ورد في نصوص صريحة نشير إلي بعضها منها ما جاء في الاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة الزهراء (عليها السلام) انها سيدة نساء العالمين وذلك ما حدثه رسول الله إياها. بل هي أفضل كما ذكر ذلك جماعة من محققي أهل السنة
(1) الإمامة والسياسة، لابن قتيبة الدينوري 1 / 31، منشورات الشريف الرضي / قم.
(٣٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الطبراني (1)، عباس محمود العقاد (1)، الحرب (1)، الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين (1)

أسانيد آية التطهير

والجماعة كالنقي السبكي، وجلال الدين السيوطي، وبدر الدين الزركشي، وتقي الدين المقريزي، وابن أبي داود، والمناوي، مما نقله عنهم العلامة النبهاني في فضائل الزهراء ص 59 من كتابه " الشرف المؤبد ". وقد صرح بذلك السيد أحمد دحلان مفتي الشافعية في سيرته النبوية حول تزويج فاطمة من علي (عليه السلام)، كما أخرجه الإمام أحمد ج 1 ص 293 من مسنده ورواه أبو داود في ترجمة خديجة.
وما أخرجه البخاري في ج 4 من صحيحه ص 64 ومسلم ج 2 في باب فضائل فاطمة من صحيحه. وجاء في صحيح الترمذي، وصاحب الجمع بين الصحيحين، وصاحب الجمع بين الصحاح الستة، والإمام أحمد ص 282 ج 6 من مسنده، وطبقات ابن سعد ج 2، والبخاري في ج 4 من آخر ورقة من كتاب الاستئذان عن عائشة انها سيدة نساء العالمين، بشرها بذلك رسول الله.
وهل يخفي علي أبي بكر وبعده عمر مقام الزهراء وقد نزل فيها وفي أبيها وبعلها وبنيها ربع القرآن والآيات البينات فمن شك فليراجع التفاسير وأخص منها آية المباهلة وآية التطهير وسورة الدهر وآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي). وغيرها وبعد هذا كله يسلبها حقها ويغصب حق زوجها وبنيها ويمنعهم حقهم علي خلاف كتاب الله وسنة رسوله. وكيف يقبل دعواها ودعوي زوجها وأم أيمن وهو يعرف حق اليقين انما غصب ما هو أعظم من ذلك وهي الخلافة. ومنصب علي نفس رسول الله وأخي رسول الله ووصيه وبابه ووزيره.
أسانيد آية التطهير عد إلي كتاب الله وقول رسوله في علي ومثله فاطمة الطاهرة من الدنس في آية التطهير والمباهلة وما روي عن عائشة أم المؤمنين حيث قالت: " ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها " أخرجه الحافظ أبو نعيم في ص 42 من كتابه
(٣٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، آية التطهير (3)، كتاب صحيح الترمذي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب حق اليقين للسيد الشبر (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، سورة الإنسان (الدهر) (1)، آية المباهلة (1)، ابن أبي داود (1)، القرآن الكريم (1)، الزوج، الزواج (2)، الغصب (1)
حلية الأولياء. آية التطهير (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). فقد أثبتت الروايات ولحن الخطاب بالتذكير الذي يخص بها محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين. وقد حاول بعض النواصب والمغرضين ان ينسبوا ذلك لزوجات النبي ونسبوا ان صيغة المخاطب مذكر وليست بمؤنث وان فاطمة جاءت مع أبيها وزوجها وبنيها لذا غلب علي الآية صيغة المذكر وممن روي ذلك ابن حجر المكي المتعصب ضد أهل البيت ومع ذلك فقد قال في تفسير هذه الآية في الصواعق المحرقة: إن أكثر المفسرين يعتقدون ان هذه الآية نزلت في شأن علي وفاطمة والحسن والحسين. ومن المسلم به أن الآية لا تشمل زوجات النبي. وقد ورد في صحيح مسلم وجامع الأصول ان الحصين بن سمرة سأل زيد بن أرقم: هل ان نساء النبي من أهل البيت فقال زيد: لا والله، فالمرأة تكون مع زوجها وعندما يطلقها تعود لبيت أبيها وتلتحق بقومها وتنفصل بتاتا عن زوجها، والحقيقة هي أن أهل بيته إنما هم أرحامه أولئك الذين تحرم عليهم الصدقة وأينما ذهبوا فهم لا ينفصلون عنه. وقد أجمعت الأحاديث علي أن الآية تخص عليا وفاطمة والحسن والحسين فقط. وقد أيد ذلك الامام الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان، والامام فخر الرازي ص 783 ج 6 في تفسيره الكبير، وجلال الدين السيوطي ص 199 ج 5 من الدر المنثور وص 264 ج 2 الخصائص الكبري والنيشابوري ج 3 في تفسيره، والامام عبد الرزاق الرسعني في تفسير رموز الكنوز، وابن حجر العسقلاني ص 207 ج 4 من الإصابة، وابن عساكر ص 204 و 206 ج 4 من تاريخه، والإمام أحمد بن حنبل ص 331 ج 1 من مسنده. كما جاء في الرياض النضرة ص 188 لمحب الدين الطبري، وصحيح مسلم بن حجاج ص 331 ج 2 وص 130 ج 7، وكتاب الشرف المؤبد (ص 10) للنبهاني، وكفاية الطالب باب 100 لمحمد بن يوسف الكنجي الشافعي، ونقل ستة أخبار مسندة،
(٣٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، آية التطهير (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب صحيح مسلم (2)، إبن عساكر (1)، محب الدين الطبري (1)، جلال الدين (1)، محمد بن يوسف (1)، أحمد بن حنبل (1)، الثعلبي (1)، الزوج، الزواج (1)، الغلّ (1)، التصدّق (1)
وينابيع المودة باب 33 للشيخ سليمان البلخي الحنفي عن صحيح مسلم، وشواهد الحاكم عن عائشة أم المؤمنين، وعشرة اخبار عن الترمذي والحاكم علاء الدولة السمناني والبيهقي والطبراني وأحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة وابن منذر، وابن سعد، والحافظ الزرندي، والحافظ ابن مردويه عن أم المؤمنين أم سلمة وعمر بن أبي سلمة " ربيب النبي "، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، ووائلة بن الأسقع، وأبو سعيد الخدري، كلهم نقلوا أن هذه الآية جاءت في شأن الخمسة أهل الكساء (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين) وأيد ذلك ابن حجر المكي المتعصب في ص 85 و 86 في الصواعق المحرقة من طرق سبعة، وأيد واعترف بأنه انما نزلت الآية في حق هؤلاء الخمسة فقط، ومثله ما ذكره المحقق المحجة السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي ص 14 إلي 19 من كتاب " رشفة الصادي من بحر فضائل النبي الهادي " طبع مصر سنة 1303 في الباب الأول عن الترمذي والإمام أحمد ومسلم بن حجاج وابن جرير وابن منذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي وابن أبي حاتم والطبراني وابن أبي شيبة والعلامة السمهوري يؤيد انما نزلت فقط في الخمسة أهل الكساء أعلاه ويزيد ويستدل ان جميع عترة الرسالة التي تحرم عليهم الصدقة إلي يوم القيامة تشملهم هذه الآية. وبالتالي أيدت تلك الجمع بين الصحاح الستة عن الموطأ لمالك بن أنس الأصبحي وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود السجستاني والترمذي وجامع الأصول وغيرهم سوي افراد أغواهم الشيطان، وحادوا عن الصراط السوي، وحملوا بغض العترة فحاولوا خلق ووضع من يضعف ذلك بالتزييف والتحريف، وحتي مر ذكر من ذكر تفسير ذلك بصورة مختصرة، ومنهم بصورة مبسوطة مع اختلاف في الألفاظ.
(٣٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (2)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، أهل الكساء (2)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، أبو سعيد الخدري (1)، يوم القيامة (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (2)، كتاب صحيح مسلم (1)، أنس بن مالك (1)، مالك بن أنس (1)، أحمد بن حنبل (1)، التصدّق (1)

حديث الكساء

حديث الكساء فقد نقل عن أم المؤمنين أم سلمة أنها قالت، إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان في بيتي فأتت فاطمة بضعته له بظرف فيه حريرة وكان جالسا في صفة وهو مقر نومه وإلي قدميه وكنت أنا أصلي في الحجرة فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) لفاطمة اذهبي وائتيني بزوجك وأولادك معك، وما هي إلا هنيهة حتي جاءت مع علي والحسنين (عليهما السلام) وبدأوا يأكلون الحريرة. في تلك الحال نزل جبرائيل وقرأ هذه الآية عليه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) آنذاك جر رسول الله الكساء عليهم جميعا وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قالت أم سلمة فأدخلت رأسي داخل الكساء وقلت أنا معكم يا رسول الله؟
فقال: إنك علي خير وقصد أنها مع كونها ليست من أهل البيت فهي علي خير.
ولقد أراد أبو بكر بغصبه فدكا أن يبعد عنهم كل صديق وحميم ومن كانوا يتصدقون عليهم من خيرات فدك ويلهيهم بفقرهم وفاقتهم عن الدخول في المطالبة بحقهم المغصوب ولم يكن عمله هذا فحسب، بل قام بأعمال لا تعد ولا تحصي من الجور والظلم وسلب حقهم الذي فرضه الله لهم، ومن ذلك منعه الخمس عن العترة الطاهرة الذي جعله الله فرضا من فروض الدين لهم.
منعه الخمس عن آل البيت وجاء بعد غصب منصب الخلافة وسلب فدك من عترة رسول الله ومضايقتهم أن سلبوهم حقهم الشرعي الذي فرضه لهم القرآن بعد أن حرم عليهم الزكاة والصدقات، وقد أقر ذلك وتأكد بإجماع جمهور الأمة كما جاء في الآية 42 من سورة الأنفال (واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي
(٣٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الكساء (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، سورة الأنفال (1)، القرآن الكريم (1)، النوم (1)، الصدق (1)، الغصب (1)، الخمس (1)

منعه الخمس عن آل البيت

حديث الكساء فقد نقل عن أم المؤمنين أم سلمة أنها قالت، إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان في بيتي فأتت فاطمة بضعته له بظرف فيه حريرة وكان جالسا في صفة وهو مقر نومه وإلي قدميه وكنت أنا أصلي في الحجرة فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) لفاطمة اذهبي وائتيني بزوجك وأولادك معك، وما هي إلا هنيهة حتي جاءت مع علي والحسنين (عليهما السلام) وبدأوا يأكلون الحريرة. في تلك الحال نزل جبرائيل وقرأ هذه الآية عليه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) آنذاك جر رسول الله الكساء عليهم جميعا وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قالت أم سلمة فأدخلت رأسي داخل الكساء وقلت أنا معكم يا رسول الله؟
فقال: إنك علي خير وقصد أنها مع كونها ليست من أهل البيت فهي علي خير.
ولقد أراد أبو بكر بغصبه فدكا أن يبعد عنهم كل صديق وحميم ومن كانوا يتصدقون عليهم من خيرات فدك ويلهيهم بفقرهم وفاقتهم عن الدخول في المطالبة بحقهم المغصوب ولم يكن عمله هذا فحسب، بل قام بأعمال لا تعد ولا تحصي من الجور والظلم وسلب حقهم الذي فرضه الله لهم، ومن ذلك منعه الخمس عن العترة الطاهرة الذي جعله الله فرضا من فروض الدين لهم.
منعه الخمس عن آل البيت وجاء بعد غصب منصب الخلافة وسلب فدك من عترة رسول الله ومضايقتهم أن سلبوهم حقهم الشرعي الذي فرضه لهم القرآن بعد أن حرم عليهم الزكاة والصدقات، وقد أقر ذلك وتأكد بإجماع جمهور الأمة كما جاء في الآية 42 من سورة الأنفال (واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي
(٣٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الكساء (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، سورة الأنفال (1)، القرآن الكريم (1)، النوم (1)، الصدق (1)، الغصب (1)، الخمس (1)

تقسيم الخمس

القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل) وقد أراد الله بعد تحريم الصدقات علي عترة الرسول أن يحل لهم جانبا آخر يمتازون به لتبقي عترة محمد في رفاه من الناحية الاقتصادية إلي يوم القيامة، ولكن ومع الأسف الشديد ان أبا بكر وعمر ومن تبعهما وأعقبهما حرموهم من الخمس، وحيث إنهم مع هذا التحريم لا تحل عليهم الصدقات فقد حرموا منها نهائيا فأصبحوا دون غيرهم في أشد الضيق والعسرة ووجهوا ذلك بقولهم إن الخمس يجب أن يصرف في وجوه أخري ففي البدء قالوا: يجب أن يصرف الخمس في التجهيزات الحربية وشراء الأسلحة ولوازم الحرب وبهذه الصورة حرموهم من الخمس حتي يومنا هذا.
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي في ص 66 في كتاب الأم: " واما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضا عن الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا قل أو كثر لا يحل لهم أن يأخذوها ولا يجزي عمن يعطيهموها إذا عرفهم. إلي أن قال: وليس منعهم حقهم في الخمس يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة ".
تقسيم الخمس وقد نزلت آية الخمس وباتفاق جمهور المفسرين كان نزولها لمساعدة ذراري وأقارب رسول الله وتنفق لاحتياجاتهم، فينظر الفقهاء الامامية اليوم تقسيمه إلي ستة أقسام ثلاث سهام لله وللرسول ولذي القربي فهي تعطي للامام، وبعده يعطي لنائب الامام وهو أعلم علماء الفقه والأصول الجامع لشروط العلم والعدالة والتقوي والذكورة والبلوغ، ليصرفه في مصالح المسلمين حسب رأيه وصلاحه، وأما الأسهم الثلاثة الباقية فهي تخص الأيتام والمحتاجين وأبناء السبيل من الهاشميين من عترة الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) بيد أنه ومع شديد الأسف
(٣٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم القيامة (1)، محمد بن ادريس الشافعي (1)، المنع (1)، الحرب (1)، الخمس (7)، التصدّق (1)
نري جماعة السنة والجماعة سلبوا هذا الحق من العترة الطاهرة وقد اعترف بذلك أكابر علماء السنة والجماعة وفقهائهم كجلال الدين السيوطي في ج 3 من الدر المنثور، والطبري والامام الثعالبي في تفسير الكشف والبيان، وجار الله الزمخشري في الكشاف، والكوشجي في شرح التجريد، والنسائي في كتاب الفئ وغيرهم يقرون ويعترفون بأن ما تعمله الامامية اليوم كان جاريا في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بيد أن أبا بكر وعمر ومن تبعهم استفادوا منها بعده لمقاصدهم وأغراضهم الخاصة. ولقد كان هذا نصا إلهيا اتبعه رسول الله عملا وسار عليه، وما كان لكائن من كان ان يخالف النص باجتهاده ورأيه أبدا مهما بلغ الأمر، وإذا صح الاضطرار يوما ما، فما هو المسوغ لاتباعه ومنعه عن العترة الطاهرة؟ وعلي من تقع هذه اللائمة لمخالفة نص القرآن؟ وما جزاء من عمل ويعمل ذلك؟ أكان يصح لأبي بكر وعمر مع ما نعلم أن زمانهما من ناحية الرفاه الاقتصادي كان أحسن من زمن رسول الله ان يحرما مستحقي العترة من أي معونة ولا يعتبراهم حتي كغيرهم من افراد المسلمين؟! كيف توجه ذلك أيها القارئ الكريم إذا حكمت عقلك ودينك ووجدانك؟ أليس ذلك نكاية وبغضا لعترة رسول الله في كل زمان ومكان؟ لا يمكن توجيه غير ذلك. فما جزاء من ابتدع ذلك وأمر به ومن سار عليه واتبعه؟
(٣٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، الزمخشري (1)، القرآن الكريم (1)، الكرم، الكرامة (1)

أولاد علي من فاطمة (عليها السلام) أولاد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعترته

أولاد علي من فاطمة (عليها السلام) أولاد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعترته
(٣٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)
إن أولاد علي من فاطمة (عليها السلام) هم أولاد رسول الله وقد ثبت ذلك بآيات قرآنية وروايات ثابتة عن رسول الله منها الآية 84 والآية 85 من سورة الأنعام:
(ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيي وعيسي وإلياس كل من الصالحين) وقوله عيسي، وعيسي ليس له أب وقد أصبح من ذرية إبراهيم من أمه مريم بنت عمران، وقد استشهد الإمام فخر الرازي ص 124 ج 4 في تفسيره الكبير مشيرا إلي الآية أعلاه قائلا: إنها تدل علي أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله، لأن الله في هذه الآية أثبت أن عيسي من ذرية إبراهيم (ولم يكن لعيسي أب) وهذا الانتساب جاء من طرف الأم.
وأقوي دليل علي ذلك هي آية المباهلة وهي الآية 61 من سورة آل عمران قوله تعالي: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) وقد أثبتنا فيما مر بإجماع علماء الإمامية وأعلم علماء أهل السنة والجماعة أن المراد من هذه الآية إنما هم الخمسة أهل الكساء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. فأبناؤنا هما الحسن والحسين أبناء محمد وعلي، ويؤيد ذلك أنفسنا هم محمد وعلي فعلي نفس محمد ومحمد نفس علي، ولطالما
(٣٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: مريم بنت عمران عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، أهل الكساء (1)، آية المباهلة (1)، سورة آل عمران (1)، سورة الأنعام (1)
صرح رسول الله كما مر: " علي مني وأنا من علي " وقال: " لحمه لحمي ولحمي لحمه " وقد استدل بذلك أجلة علماء السنة والجماعة مثل ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي في شرح نهج البلاغة، والامام أبي بكر الرازي في تفسيره بأن الحسن والحسين أولاد رسول الله، كما ذكر أن عيسي طبق الآية المارة من ذرية إبراهيم وقد أصبح من ذريته من أمه مريم العذراء.
وقد أخرج الإمام محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، وابن حجر المكي ص 74 و 43 في الصواعق المحرقة عن الطبراني عن جابر بن عبد الله الأنصاري، والخطيب الخوارزمي في مناقبه عن ابن عباس وكلاهما عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " ان الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ".
كما أخرج الخطيب الخوارزمي في مناقبه، والمير السيد علي الهمداني في كتابه مودة القربي، والإمام أحمد بن حنبل امام المذهب الحنبلي في مسنده، والشيخ سليمان الحنفي البلخي في ينابيع المودة وهم من فحول علماء السنة ومع مختصر وتغيير في الألفاظ. ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " ابناي هذان ريحانتان من الدنيا ابناي هذان امامان قاما أو قعدا " وهو يشير بذلك للحسن والحسين. ولدي علي من فاطمة أولاد رسول الله وعترته.
ولقد أورد الشيخ سليمان الحنفي في الباب 57 من كتابه ينابيع المودة حول هذا الموضوع أحاديث كثيرة من طرق مختلفة من أعاظم علماء السنة والجماعة كالطبراني، والحافظ عبد العزيز، وابن أبي شيبة، والخطيب البغدادي، والحاكم، والبيهقي، والطبري، بألفاظ وعبارات مختلفة أن الحسن والحسين أبناء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).
وأيد أولئك المتعصبين والمناوئين لأهل البيت، ما أخرجه في آخر هذا
(٣٩١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، المذهب الحنبلي (1)، الطبراني (2)، علي بن أبي طالب (1)، المودة في القربي (1)، جابر بن عبد الله (1)، الخطيب البغدادي (1)، محمد بن يوسف (1)، أحمد بن حنبل (1)، عبد العزيز (1)، الخوارزمي (2)، الصّلب (1)
الباب عن أبي صالح، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر، وأبي نعيم والطبري، وابن حجر المكي ص 112 في الصواعق المحرقة، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في نهاية الفصل الأول بعد المئة باب من: كفاية الطالب والطبري في ترجمة أحوال الإمام الحسن بن علي نقلوا عن عمر بن الخطاب قوله:
" إني سمعت رسول الله يقول: كل حسب ونسب فمنقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي، وكل بني أنثي عصبتهم لأبيهم ما خلا بني فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم "، كما نقل هذا الحديث الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي في كتاب " الاتحاف بحب الاشراف " نقل هذا الحديث عن البيهقي، والدارقطني، عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب حين تزوج أم كلثوم، كما نقله جلال الدين السيوطي في كتاب إحياء الميت بفضائل أهل البيت عن الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب والسيد أبو بكر ابن سيد شهاب الدين العلوي في ص 39 باب 3 إلي ص 42 من " رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي " طبع إعلامية مصر سنة 1203 حيث نقل واثبت أن أولاد فاطمة (عليها السلام) أولاد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).
وهناك من يستدل بشعر شاعر جاهلي قيل في الجاهلية وهو:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد قاله الشاعر في زمان كان العرب يئدون بناتهم حيات وهذا القول كفر ومخالف لما مر من الآيات والروايات ومجهول الحال، وهو من العصبيات الجاهلية التي قضي عليها الاسلام ومحاها. وقد رد ذلك وأثبت خلافه الإمام محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الفصل الأول بعد المئة من كتابه كفاية الطالب.
(٣٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: تزويج أم كلثوم من عمر (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (3)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، يوم القيامة (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (1)، عبد الله بن محمد (1)، عبد الله بن عمر (1)، الحسن بن علي (1)، محمد بن يوسف (1)، عبد العزيز (1)، الجهل (1)، الموت (1)

منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث
(٣٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: المنع (1)
لماذا منع تدوين الحديث؟ من منعه؟ أليست السنة هي التي تفصل المجمل من القرآن كما جاء في أكثر النصوص الواجبة من صلاة وصوم وخمس وزكاة وحج وجهاد وكافة ما ورد في الفقه عن الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ومواريث … الخ، والحدود وما يتبعها وتوضيح المنهج وغيرها؟
أليست السنة هي الأصول والقواعد التي أمر بها ونهي عنها رسول الله وعمل بها وكتب منها إلي من أرسله إلي المدن والأقطار النائية، والوصايا الإدارية والأخلاقية التي حث عليها أو التي طلب الانتهاء من إتيانها؟ أليست أقرب العهود إلي رسول الله هي أصدقها وخصوصا وأن الصحابة أحياء؟، ألم تنزل آية التبليغ وإكمال الدين في غدير خم ونصب رسول الله عليا للولاية بعده وأمر بتهنئته رجلا ونساء وطلب من الحضور كما مر وهم بين مئة ألف إلي أكثر من 200 ألف أن يبلغ الحاضر الغائب؟ ألم تنزل أكثر من ثلاثمائة آية في علي ولكل منها حديث كآية الولاية وآية التطهير (الكساء) وآية التبليغ وآية إكمال الدين في يوم الغدير وكثير من الآيات الأخري لكل منها حديث يلزم تدوينه؟ كم حديث لرسول الله في علي وفي أهل بيته تلك التي ذكرنا بعضها بأسانيدها وكم هناك من الأحاديث كل منها له صلة بآيات قرآنية، ولكل آية قرآنية رواية وحديث صحيح يلزم معرفته لمعرفة فيم نزلت ليدرك منها المسلمون الحقائق التاريخية والهدف الذي جاءت من أجله.
(٣٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: آية التبليغ (2)، آية الإكمال (1)، آية التطهير (1)، القرآن الكريم (1)، غدير خم (1)، المنع (1)، الزوج، الزواج (1)، الصّلاة (1)
أليس الواقع أن رسول الله إنما منع الكذب والتحريف في الحديث ومنع الدس والالحاق والوضع وهذا هو المعقول والمقبول منطقيا فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " لأن الكذب علي رسول الله إنما هو الكذب علي الله، ولا يعمل ذلك إلا كافر لا يؤمن بالله ورسوله، وحتي لو لم يسمع ذلك من رسول الله فإنما سمع الآيات. إن الله عز وجل قال عن رسوله: (وما ينطق عن الهوي * إن هو إلا وحي يوحي) (1)، وقال تعالي: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2).
أي امرئ له ذرة من العقل ويرضي أن رسول الله يأمر وينهي ويحدث بما يهدي فيه الأمة ثم ينهي عن تسجيل حقيقة ذلك ويمنعه؟! أليس منع التدوين في زمن الشيخين أبي بكر وعمر وزمن عثمان هو الذي سبب فيما بعد ضياع الحقائق؟
فعلي من يقع وبال ضياع الحقائق؟ وأشرار الدس والتمويه والوضع والكذب علي الله ورسوله!؟؟ والوضع والأكاذيب والدس من المنافقين وأعداء الاسلام من الأديان في المذاهب الأخري؟، ألم يجدر بأبي بكر وبعده عمر أن يجمعا الصحابة المؤمنين وهما يعرفانهم حق المعرفة ويضبطون الروايات والأحاديث النبوية؟
ليت شعري هل يخطر علي بال ذي لب بأن رسول الله منع تسجيل الحديث وقد علمنا أن أبا بكر حسب رواية عائشة كان قد جمع خمسمئة حديث، وعمر أراد تدوين الحديث واستشار الصحابة وأيدوه علي ذلك ثم عدل عن ذلك فما هي حجته؟ وسار علي سيرتهم في المنع عثمان وفتحوا الطريق بذلك لآل أبي سفيان وآل مروان والخوارج والنواصب وأعداء الاسلام لوضع ودس وتحريف ما شاءوا فعلي من تلقي تبعة هذه الجرائم؟ كيف يمنع أبو بكر وعمر تدوين الحديث وهما
(1) سورة النجم، الآية 3 - 4.
(2) سورة الحشر، الآية 7.
(٣٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: الخوارج (1)، الكذب، التكذيب (3)، المنع (4)، النفاق (1)، البول (1)، سورة النجم (1)، سورة الحشر (1)
بحاجة لتفسير القرآن وأصول الاحكام والفقه وتفصيل المجمل ولا يمكن ذلك إلا بتدوين الحديث. كيف كانوا لا يقبلون الحديث الواحد أحيانا ويقبلونه أخري؟
وكيف أجاز لنفسه أبو بكر أن يروي عن رسول الله الحديث في قضية فدك وهو المدعي علي ذلك يأتي برواية يريد أن ينقض بها نصا قرآنيا في الإرث فيظهر له ولغيره خلاف ذلك بدليل إعادة فدك في زمن عمر ثم في زمن عمر بن عبد العزيز وفي أزمنة متعددة تكرر فيه الغصب والإعادة وكيف كان يفسر الآيات القرآنية في المواريث في الجدة وغيرها وبجنبه وصي رسول الله ووليه وأعلم الأمة وباب مدينة علم رسول الله فلم يستفته علي من تقع تبعة هذا التضارب في الروايات وهذا الوضع والدس والتلاعب؟ ألم يكن من يومه مقصودا حتي تخفي الحقيقة الواقعية من غصب الخلافة والروايات الواردة فيها في علي وعترته من بعده وما أنزل في فضائلهم من الآيات؟ ولو ثبتت لثبت تحديهم حدود الله ورسوله وقد كان ذلك، وتري في هذا أن أصح الروايات والأحاديث والأصول إنما هي عند الشيعة التي امتازت عن المذاهب الأخري بالروايات عن رسول الله وعلي وعترته الطاهرة الذين طهرهم الله من الدنس والرجس بشهادة كلام الله المجيد، ونقلوا الأحاديث والروايات نسلا عن نسل حتي أدلوا بها إلي المؤمنين ذوي العلم والتقوي فسجلوها واضحة جلية، ولقد حق لمخالفيهم أن يطعنوا بها لأنها تهدم كيانهم من القواعد، وتفضح أباطيلهم، ولقد عرف بعض كتاب أهل السنة والجماعة أكثر حقيقتها فمالوا بكلهم وبعضهم فنالوا ما نالوا من جماعتهم من التنكيل والقسوة حتي القتل، وأما الذين دخلوا في التشيع واندمجوا فيه فقد كفروهم وخلقوا لهم العيوب والذنوب التي لا تكفر. وإذا ما راجعت حافظ المغرب ابن عبد الله والبيهقي في المدخل عرفت أن عمر أراد أن يكتب السنن فاستفتي أصحاب رسول الله في ذلك - ورواية البيهقي فاستشار فأشاروا عليه أن يكتبها - أخرج ذلك محمود أبو رية في كتابه " أضواء علي السنة المحمدية " ص 43 الطبعة
(٣٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: الأحكام الشرعية (1)، كتاب أضواء علي السنة المحمدية لمحمود أبو رية (1)، يوم عرفة (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (1)، الغصب (1)
الثانية، ثم عدل عمر بقوله: إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا. وإذا كان حقا يريد أن لا يشيب كتاب الله لكان عليه أن يكتب تلك التي لها صلة بالكتاب وتفسيره حتي لا يبقي هو ومن بعده في ضلال يضربون أخماسا بأسداس في تفاسيرهم؟ وكيف يكتب ذلك في تفسير القرآن وفيه ما فيه من الحجج الداحضة عن ولاية علي وحقوقه المضاعة المغتصبة وحقوق أهل بيته، وفيها فضائله وفضائلهم تلك التي ليس لهم فيها حصة ما، بل سوف تعود عليهم بالويل والثبور، والخزي، ثم هذه الرواية تنفي من روي أن رسول الله منع من تدوين الحديث والسنة. وعن العلامة محمود أبو رية في كتابه " أضواء علي السنة المحمدية " عن يحيي بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ثم كتب في الأمصار من كان عنده شئ فليمحه. نعم لأنه رأي ذلك مما لا يتفق والخلافة والمجلس الذي سلبه من آل بيت رسول الله، ولم يكتف بذلك بل حرج علي أتقي وأعدل واعلم الصحابة ومنعهم من الخروج من المدينة كي لا يرووا شيئا، وهددهم وخوفهم قسرا، وقد نسبوا إلي علي منع تدوين الحديث وهذا ينطبق عليه نفس الذي طبقناه علي ما رووا عن رسول الله بمنع الحديث. نعم إنما منعوا الكذب والأحاديث الموضوعة، وعلي أعلم الأمة بالأحاديث وصحتها، وكان يعلم ما يريده القوم فأراد بتر ذلك الدس وتلك الأكاذيب.
وقول ابن عباس هنا يؤيد ما قلناه، فقد قال: " كنا نكتب العلم ولا نكتبه. أي لا نأذن لأحد أن يكتبه عنا ". عن محمود أبو رية ص 45 من كتابه " أضواء علي السنة المحمدية " الطبعة الثانية كما قال في ص 46 وقد ذكروا ان نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن كتابة حديثه إنما كان لخوفه من اختلاط الحديث بالقرآن، وهو سبب لا يقتنع به عاقل عالم، ولا يقبله محقق دارس اللهم إلا إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة، وأن أسلوبها من الاعجاز كأسلوبه، وهذا ما لا يقره أحد حتي
(٣٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب أضواء علي السنة المحمدية لمحمود أبو رية (1)، كتاب تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، الأحاديث الموضوعة (1)، القرآن الكريم (2)، المنع (2)، الضلال (1)، النهي (1)
ولا الذين جاءوا بهذا الرأي؟ إذ معناه ابطال معجزة القرآن وهدم أصوله من القواعد. هذا علي أن الأحاديث لو كانت قد كتبت فإنما ذلك علي أنها أحاديث للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبين الحديث والقرآن ولا ريب فروق كثيرة يعرفها كل من له بصيرة بالبلاغة وذوق في البيان. ومن ثم كانت تؤثر علي هذه الصفة وإذا كتبها الصحابة بعد انتقاله إلي الرفيق الأعلي ووزعوا منها نسخا علي الأنصار كما فعلوا بالقرآن فيكون ذلك علي أنها أحاديث يتلقاها المسلمون علي أنها كلام النبي ويظل أمرها علي ذلك جيلا بعد جيل فلا يدخلها الشوب ولا يعتريها التغيير، ولا ينالها الوضع علي أن هذا السبب الذي يتشبثون به قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبي بكر علي ما رووه، وبعد أن كتب مرة أخري في عهد عثمان ووزعت منه نسخ علي الأمصار وأصبح من العسير بل من المستحيل أن يزيدوا علي القرآن حرفا واحدا.
وما لهم يذهبون إلي اختراع الأسباب وابتداع العلل وعنه أيضا أنه روي الدارمي وأبو داود وابن ماجة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ألا وأني أوتيت الكتاب ومثله معه، وفي رواية أخري: الا أني أوتيت القرآن ومثله معه.
وهنا يجب أن نعجب من قول عمر عندما طلب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يحتضر أن يكتب للناس كتابا لن يضلوا بعده فقال عمر: حسبنا كتاب الله. وهل صح ذلك من عمر وقد بدل كثيرا من نصوص القرآن ولتستطيع أن تلم بذلك راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الامام السيد عبد الحسين شرف الدين. وروي الذهبي في تذكرة الحفاظ عن شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: " قد أكثرتم الحديث عن رسول الله، وكان قد حبسهم في المدينة ثم أطلقهم عثمان ". جاء ذلك في ص 7 ج 1 وص 123 من " تاريخ التشريع الاسلامي " وص 161 كتاب " تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية ".
(٣٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي (1)، السيد عبد الحسين شرف الدين (1)، إبن ماجة (1)، القرآن الكريم (7)، السب (1)
وانظر أبا بكر وهو يجهل قضية بسيطة ويأبي أن يسأل أعلم الأمة عنها فتراه يجتهد وبعدها يفتي علي رأي المغيرة الزاني والمعروف بالغش وإلي جانبه الصحابة الثقات وعلي رأسهم ابن عباس ودونه وصي رسول الله وباب مدينة علمه علي بن أبي طالب، ويبقي في تردده في كثير من المسائل حتي الموت ومنها ما أخرجه ص 54 العلامة محمود أبو رية في كتابه أضواء علي السنة المحمدية وقال:
روي ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت أبا بكر ملتمسة أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: كان رسول الله يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه بها أبو بكر. فأين هذا ممن يسأل الناس قائلا:
" أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني " ويطلب منهم أن يسألوه عن القرآن وعما في الأرض والسماء وهو يشير إلي صدره قائلا: هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله كما مر ذكر ذلك.
(٣٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، كتاب أضواء علي السنة المحمدية لمحمود أبو رية (1)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، علي بن أبي طالب (1)، محمد بن مسلمة (1)، القرآن الكريم (1)، الموت (1)، الجهل (1)، الزنا (1)

ان رسول الله يمنع الكذب عليه

ان رسول الله يمنع الكذب عليه
(٤٠١)
صفحهمفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)، المنع (1)
روي مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، والدارقطني والحاكم في المدخل، والبخاري عن ربعي بن خراش قال سمعت عليا يقول: قال النبي: " لا تكذبوا علي فإن من كذب علي فليلج النار " وقال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث يؤيده رواية مسلم عن طريق غندر عن شعبة بلفظ " ليلج النار ". وروي أحمد والدارمي وابن ماجة وآخرون من حديث أبي قتادة عن النبي أنه قال:
" إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال عني فلا يقولن إلا حقا وصدقا، فمن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ".
أخرج العلامة محمود أبو رية في كتابه " أضواء علي السنة المحمدية " ص 63 و 64 وقال: " قال السمعاني: من كذب في خبر واحد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وجب اسقاط ما تقدم من حديثه " (عن ج 1 ص 14 تقريب النووي).
وقال أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي وأبو بكر الصيرفي: " لا تقبل رواية من كذب في أحاديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن تاب عن الكذب بعد ذلك " وقد جاء ذلك في ص 111 في اختصار علوم الحديث. وقال ابن حجر العسقلاني: اتفق العلماء علي تغليظ الكذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه من الكبائر حتي بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فحكم بكفر من وقع منه ذلك. وكلام القاضي أبي بكر بن العربي يميل إليه وجهل من قال من الكرامية وبعض المتزهدة " إن الكذب علي النبي
(٤٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب أضواء علي السنة المحمدية لمحمود أبو رية (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، ربعي بن خراش (1)، إبن ماجة (2)، أحمد بن حنبل (1)، الجويني (1)، الكذب، التكذيب (6)
يجوز فيما يتعلق بتقوية أمر الدين وطريقة أهل السنة والترغيب والترهيب، وأعلنوا الوعيد في حق من كذب عليه لا في الكذب له، وهو اعتلال باطل لأن المراد بالوعيد من نقل عنه الكذب سواء كان له أو عليه والدين بحمد الله كامل غير محتاج إلي تقويته بالكذب حقا " (جاء ذلك في ص 389 من فتح الباري).
فتري عقلا ومنطقا وما جاء في الاخبار إنما منع رسول الله الكذب والتحريف ولم يمنع الأحاديث والسنن الصحيحة لأنه إنما قالها لتروي عنه وتبقي بعده وعند علماء الشيعة رغم ما كانوا فيه من جور السلطة في زمن الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين ومنعوهم من تدوين الحقيقة فقد ثبت أن أخبارهم جاءت مستندة مؤيدة متسلسلة عن رسول الله وعلي وعترته نسلا بعد نسل، وعندهم أن أول من دون الحديث إنما هو أبو رافع مولي رسول الله واسمه أسلم. كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو الذي عمل منبر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من أثل الغابة، وكانت سلمي مولاة رسول الله عند أبي رافع فولدت له عبد الله بن أبي رافع كاتب علي (عليه السلام) وقيل: إن لأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا وإنه أقدم كتاب في ترتيب الحديث حيث جمعه في الأبواب جاء ذلك في ص 27 و 28 من كتاب " الشيعة وفنون الاسلام " لمؤلفه السيد حسن الصدر، طبع مطبعة العرفان بصيدا سنة 1331 هجرية. وجاء في المطالعات والمراجعات والردود للعلامة الحجة محمد حسين آل كاشف الغطاء: إن أول من دون الحديث ابن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وخازنه علي بيت المال وقال: " بل الحق أن أول من دونه هو نفس أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كما يدل عليه خبر الصحيفة في الصحيحين ".
ومن مجموع ما مر فإن تدوين الحديث كان يلي في الأهمية والضرورة تدوين القرآن الكريم، وكما ان القرآن بتدوينه والاهتمام به خلص من التشتت
(٤٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، العلامة الشيخ كاشف الغطاء (1)، كتاب فتح الباري (1)، القرآن الكريم (2)، الكذب، التكذيب (3)، المنع (2)، الجواز (1)
والتفرقة والاختلاف والتحريف والأكاذيب والوضع، هكذا كان الاهتمام بالحديث له نفس الميزة في ضبطه لو ضبط وعدم ادخال أو اخراج أو وضع شئ فيه. وغير منطقي أبدا القول بمنع ذلك عن رسول الله طالما هو كان في أكثر الموارد وأهمها كالغدير يطلب أن يكون الحاضر شاهدا وراويا للغائب، والعذر بأن القرآن يكفينا، أو أن الأحاديث تلهينا عن القرآن، أو أي شئ آخر فإنما هي اعذار، والقصد من ورائها منع ظهور الحقيقة، وهي أقوال وأوامر الله علي لسان رسوله، وأحاديث الرسول ونواهيه في اتباع ما أراده، وخالفوه فيه لمقاصدهم السياسية من تولية علي وعترته والصالحين من الصحابة، وإبعاد أولئك المنافقين والطلقاء ومن يكن عداء وحقدا وحسدا لمحمد وآله من الولاية والامارة والإمامة التي حث عليها رسول الله، وأكدها مرارا في فضل عليه ومنصبه للوصاية والخلافة والولاية والإمامة بعده، وما ورد في هذا، وفضائل ذريته أولئك الذين طهرهم الله وبرأهم من الرجس في آية التطهير، وعلي الذي نصبه الله وأعلن اسمه بعد اسمه واسم نبيه في آية الولاية، وامتدحه وذريته في آيات كثيرة من القرآن، وكان الحديث ضرورة لا يمكن الاستغناء عنه أبدا لتفصيل الموجز من آيات القرآن ومغازيه وتأويله، والوقائع والحوادث المهمة التي نزلت، وفي جميع الواجبات التي فرضها الله والحدود التي أقرها، والنواهي التي أجملها الله في كتابه العزيز وإني لا أري فرقا بين من وضع وكذب في الحديث، ومن منع وأرهب من أراد تدوين ذلك. ولا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وكفي بالله حسيبا.
(٤٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: آية التطهير (1)، آية الولاية (1)، القرآن الكريم (4)، المنع (2)، النفاق (1)، الشهادة (1)

النصوص القرآنية والسنة بوجوب الحديث

النصوص القرآنية والسنة بوجوب الحديث
صفحه(٤٠٥)
وبعد كل ما مر سأسرد لقارئي الكريم ما ورد عن الله ورسوله في الحديث والسنة:
- قال تعالي: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي … ) قال الجصاص: إن الحديث عن رسول الله من البينات والهدي الذي أنزله تعالي. وإليك الأحاديث الواردة في مسند الإمام أحمد إمام الحنابلة، ومسند الطيالسي، والترغيب والترهيب للمنذري، وكنز العمال كتاب العلم، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي، وإحياء العلوم للغزالي، وكتاب العلم لابي عمر لتري فيها ما جاء عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم):
- " اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس " هذا ما أخرجه الطيالسي والرامهرمزي والخطيب ابن النجار.
آخر - " رحم الله امرأ سمع مني حديثا فحفظه حتي يبلغه غيره "، أخرجه ابن حبان.
آخر - " رحم الله امرأ سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه من هو أوعي منه ".
أخرجه ابن عساكر.
آخر - قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " رحمة الله علي خلفائي، قيل من خلفاؤك يا رسول الله؟
قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس ". أخرجه أبو نصر في الإبانة، وابن
(٤٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، المذهب الحنبلي (1)، إبن عساكر (1)، الكرم، الكرامة (1)
عساكر والمنذري في الترغيب.
آخر - قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه غيره ". أخرجه المنذري.
آخر - وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر مرفوعا عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): " علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه " كما أخرج القضاعي مثله عن ابن مسعود مرفوعا.
آخر - أخرجه المنذري والطيالسي والطبراني عن أبي هريرة مرفوعا:
" مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه ".
آخر - أخرجه الطبراني وابن عدي عن ابن مسعود مرفوعا عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) قوله: " أيما رجل آتاه الله علما فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ".
وأي علم أحسن من أحاديث النبي وسننه. ومثله رواه أبو هريرة وأخرجه ابن ماجة.
آخر - أخرجه ابن النظيف وابن الجزري عن أبي هريرة مرفوعا عنه (صلي الله عليه وآله وسلم):
" ما أتي الله تعالي عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه ".
آخر - أخرجه ابن ماجة والمنذري عن أبي سعيد مرفوعا عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): " من كتم علما مما ينفع به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ".
كما أخرج نفس المعني بألفاظ متفاوتة كل من أبي خيثمة في العلم وأبي نصر في الإبانة، وابن الجوزي في الملل، وابن حبان والحاكم والمنذري والطبراني في الكبير، وابن عدي في الكامل والسجزي والخطيب وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في تفسير الشوكاني ج 1 ص 375.
تلك جميعها نبذة عن وصايا وأوامر رسول الله في نشر السنة والحديث فتري أيها القارئ الكريم وأنت تقيس برأيك الصائب ومنطقك السليم كيف جر
(٤٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، يوم القيامة (2)، الطبراني (3)، إبن عساكر (1)، إبن ماجة (2)، ابن المنذر (1)، الكرم، الكرامة (1)
منع تدوين الحديث والسنة الوبال علي المسلمين، فتري آل أمية وآل مروان يدسون ما شاءوا ويدونون ما طاب لهم وهم لا يهمهم من أمر الدين ما يهمهم من امر دنياهم، وهؤلاء ما جاء بهم سوي الخليفة الأول والثاني وهؤلاء ما نصبهم سوي الخلفاء الثلاثة، وتري من فحوي أعمالهم وأقوالهم أنها كلها كانت عمدا وقصدا لاطراء ذكرهم ولاخماد ذكر آل محمد وعلي وما جر ذلك من الوبال علي المسلمين من اخفاء الحقائق من جهة، وبث الكذب والنفاق علي الأمة من جهة أخري فحسبهم الله علي نواياهم وأفعالهم.
(٤٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، الكذب، التكذيب (1)، المنع (1)، النفاق (1)

صبر علي علي غصب الغاصبين لمنصب الخلافة

صبر علي علي غصب الغاصبين لمنصب الخلافة
(٤٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: الصبر (1)، الغصب (1)
مهما بلغ علي من الشجاعة والتدبير والحزم والحكمة والايمان والاخلاص فهو بشر لا يخرج عن طاقته البشرية من جهة، وهو مقيد بأوامر الله ورسوله ونواهيهم من جهة أخري، ولقد تحمل صبرا وتحمل فوق ما يستطيع أن يتحمله بشر من الصدمات الروحية تلك التي أفصح عنها بمرور الزمان وأخص منها في عهد خلافته، وأخص منها في خطبته الشقشقية الشهيرة التي ستأتي نبذ منها فيما بعد. ولقد حاول أبو بكر وعمر طمس الحقائق التي نزلت في ولاية علي ووصايته وما نزل فيه، بما لديهم من حول وقوة وبيدهم القدرة والسطوة فقربوا أعوانهم، والناس علي دين ملوكهم، وأعطوهم المناصب والقدرة، وأبعدوا أولياء الله من آل البيت وبني هاشم، والنخبة من الصحابة الموالين لآل البيت وحجروا عليهم حتي الحديث والرواية وابداء الرأي مما يخالف آراءهم وأفكارهم ومنعوهم من الخروج إلي خارج المدينة كما منعوا أعوانهم من التحدث واعلان الرواية وكلما مر الزمان ازدادوا ثباتا وضعف آل البيت وأعوانهم، وقتل الصحابة وتفرقوا، وكثرت الحوادث الجديدة، وزادت الفتوح والوقائع، وتباعدت العهود، وبدأ النسيان يستولي علي الماضي ودخل في الاسلام عناصر جديدة من المنافقين وأعداء الاسلام من الطلقاء، ومن أولئك الذين لعنهم رسول الله وأهدر دماءهم من بني أمية وآل معيط وابن العاص والمغيرة بن شعبة وأشباههم، وهم يتحينون الفرص للوقيعة أكثر فأكثر، والطيور علي أمثالها تقع، فقد جاء أبو بكر بعمر
(٤١٠)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، المغيرة بن شعبة (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، القتل (1)
وآل أمية وجاء عمر بآل أمية وابن العاص والمغيرة وأمثالهم، وجاء عثمان بآل أمية وآل معيط وكل من طرده رسول الله وأقصاه وحذر منه.
مات رسول الله بعد أن هيأ بعث أسامة وأمره بالإسراع إلي الحرب، فامتنع جماعة وحرضوا البقية علي الامتناع عن السير حتي اضطر رسول الله إلي أن يلعن من تأخر وكان في الجيش تحت إمرة أسامة الصحابة من المهاجرين والأنصار بينهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة أولئك الذين تغلبوا علي أمر السقيفة وأوقعوا أول فتنة في الاسلام، والثلاثة بدأوا بالانتخاب الذي لا مثيل له في العالم وأرغموا الأمة علي قبوله ولم يكن آنذاك من له القدرة مثل علي علي القضاء عليه بحد سيفه وشجاعته واتجاه الانظار إليه، بيد أن وصية سبقت من رسول الله له بالصبر وعدم القتال إذا من غلبت عليهم الشهوة في السلطة، وما حداه لذلك إلا دافع الايمان وحفظ بيضة الاسلام كما ظهر بعد ذلك من أقوالهم وأفعالهم، وما كان يخفي ذلك علي رسول الله ووصيه، ومن طرف آخر ما أوقعوه من الفتنة بين الأوس والخزرج، وهناك المنافقون في المدينة وخارجها بالمرصاد، والطلقاء ممن لم يدخل الايمان في نفوسهم يظهرون الاسلام ويبطنون الشرك حواليهم يترقبون ويتحينون الفرص للوقيعة، ومن كل جهة باقي المشركين الذين لما يسلموا من الاعراب، ويتخلل ذلك اليهود والنصاري ألد أعداء الاسلام، وفي الأطراف أفراد ممن ادعوا النبوة والتف حولهم جماعات من أعوانهم، والمدينة تغلي في الداخل والعالم الاسلامي الذي لما يتلقي التعليمات الكافية، ورغم ذلك فألد أعداء الاسلام بل وقل جماعات من المهاجرين والأنصار الحاملين للحسد الشديد علي علي لما آتاه الله من المعجزات، وعداء قريش له لما وترهم وأرغم أنوفهم في وقائعه وحروبه، وقتل رجالاتهم وأبطالهم بحد سيفه، والحسد والحقد كل تلك هيأت الظروف وجرتها العصبية التي قامت في السقيفة وتجرأت علي منصب الخلافة وهي عالمة من الناحية السياسية بكل ذلك فهي كما حرضت هؤلاء علي
(٤١١)
صفحهمفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (2)، كتاب الكافئة للشيخ المفيد (1)، السقيفة (2)، القتل (1)، النفاق (1)، الحرب (1)، الوصية (1)
الاصرار والعناد في غوايتهم نفسها حذرت عليا نفسه أن يمتنع من الدخول بحرب أهلية، وأن يسايرهم ويصبر ويتحمل كل تصرفاتهم. ولا شك في أن قلة العدة المؤمنة والمخلصين له وللإسلام أدي إلي تركه القيام محافظة وحرصا علي الاسلام أن لا يدخل في حرب، وهو أبو الحروب وما كان هذا بدعا من الأولياء وحتي الأنبياء الذين كانوا يخافون قومهم ويسألون الله العون. فهذا شيخ الرسل نوح وقد أعياه قومه فتوجه إلي الله قائلا وداعيا الآية 10 سورة 54 (القمر) (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) والآية 48 من سورة مريم قول خليل الله إبراهيم لأبيه آزر عندما يئس من عونه: (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي … ) وقد فسرها الإمام الرازي هنا ص 809 ج 5 من تفسيره الكبير بأن الاعتزال هنا إنما هو التباعد عنهم والمراد: أني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم.
والآية 21 من سورة القصص قصة فرار موسي من آل فرعون وقوله تعالي:
(فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين). والآية 150 من سورة الأعراف عندما ترك موسي قومه وخلف فيهم أخاه هارون وطلب منهم أن يطيعوه في غيابه، فأغواهم السامري فاتبعوه واتخذوا العجل يعبدونه حتي إذا عاد موسي ورأي ما رأي والآية: (وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) وقد شبه رسول الله عليا بهارون إذ قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ".
وتري عليا بعد تغلب القوم يوم هجموا علي داره (وفيها فاطمة بضعة رسول الله وأولاده الحسن والحسين ريحانتا رسول الله وسيدا شباب أهل الجنة أولئك الذين خصهم الله بالطهارة من الرجس في القرآن وأحداث ضغط الزهراء بين الحائط والباب حتي أسقطت محسنا وقد مر ذكره بسنده) وأخذوا عليا حاسر الرأس حافي القدمين وهو يقول: " أنا عبد الله وأخو رسوله " وهددوه بالقتل كي
(٤١٢)
صفحهمفاتيح البحث: سورة الأعراف (1)، سورة القصص (1)، سورة مريم (1)، آل فرعون (1)، القرآن الكريم (1)، الظلم (1)، القتل (1)، الحرب (1)
يبايع فجاءت الزهراء باكية معولة وخلصته فذهب إلي قبر رسول الله ووقع عليه باكيا قائلا: " أخي إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " وفي رواية " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " وقد مر ذلك بأسانيده.
ولا ننسي كيف أن رسول الله تحمل وصبر عندما كان في مكة أمام المشركين وقدرتهم، وغايته بهذا الصبر والتحمل الوصول إلي أهدافه، وما أوصي به رسول الله عليا (1) بالصبر والتحمل، وما صرح به علي حينما رأي سيدة النساء وقد رأت القوم يجورون عليهم ويعملون ما مر وعلي صابر لا يقابلهم وهو ذلك الضيغم المعهود، فوجهت له خطابها وقالت:
" اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني … إلي أن قالت: لقد أجهر في خصامي وألفيته ألد في كلامي … الخ " وهو خطاب طويل.
فسكت حتي أتمت خطبتها فأجابها بكلمة بليغة قصيرة (وخير الكلام ما قل ودل) قال لها: تعلمين أني لم آل جهدا لإقامة هذا الدين، فهل تريدين إبقاء هذا الدين المبين قائما واسم أبيك يذكر في كل أذان؟ فأجابت: منتهي أمنيتي ذلك، فأجابها:
إذا لا بد لك من الصبر فقد أوصاني بذلك أبوك خاتم المرسلين (صلي الله عليه وآله وسلم). إني لأعلم أن الصبر أولي وإلا فبامكاني سحق الأعداء واخذ حقي لكن اعلمي أنه لا يبقي بعد ذلك ذكر للاسلام لذا فاصبري علي هضم حقك ولك في الآخرة أجر الصابرين.
وقد صبروا ولكم أظهر تلك الحقائق كلما سنحت له الظروف. وهاك نبذة من خطبته التي خطبها حينما علم أن طلحة والزبير نكثا بيعته وذهبا إلي البصرة: " فان
(1) " يا علي إنك تبتلي بعدي فلا تقاتلن " جاء في كنوز الدقائق للمناوي ص 188 كما أبلغ رسول الله عليا أن الأمة تغدر به راجع مستدرك الحاكم ج 3 ص 140 و 142، وراجع تفصيله في كتابنا في علي في الفصل: (علي وصي رسول الله).
(٤١٣)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة البصرة (1)، القبر (1)، الظنّ (1)، الصبر (3)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)
الله تبارك وتعالي لما قبض نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وعترته وأولياؤه وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه فبينما نحن كذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا وولوه غيرنا فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور وأيم الله لولا مخافة الفرقة في المسلمين أن يعودوا إلي الكفر ويعود الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا وقد ولي ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم ورد الله الأمر إلي وقد بايعاني (1) وقد نهضا إلي البصرة ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم بينكم " أخرج ذلك إبراهيم بن محمد الثقفي، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وعلي بن محمد الهمداني وكلهم من ثقات وعلماء السنة والجماعة المبرزين، وخطب علي (عليه السلام) علي الناس حين ذهابه إلي البصرة ومما قال: " ان الله تعالي لما قبض نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس فرأيت أن الصبر علي ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديثو عهد بالإسلام والدين " أخرجه علماء مبرزون من أهل السنة والجماعة في مقدمتهم الكلبي وابن أبي الحديد، فنري في الأولي وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم، وهو الذي يميل معه الحق أينما مال، كيف يحمل علي من سلب منصب الخلافة منه ومن عترة رسول الله بقوله: " إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا " وأبان فيه أن حرصه علي الاسلام من التفرقة والانهيار هو الذي سبب صبره، وأبان تأثره وتأثر آل رسول الله، وما قعد إلا حفظا للدين واخلاصا له وهنا يظهر لك قول الأفاكين: إنه بايع أبا بكر وعمر طوعا ورضاء ولم يجبروه. كيف لم يجبروه وهو يقسم بالله: " فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا وخشنت والله الصدور ".
وذكر ابن أبي الحديد ج 4 ص 164 في شرح نهج البلاغة رسالة أرسلها
(1) يعني طلحة والزبير.
(٤١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2)، إبراهيم بن محمد الثقفي (1)، مدينة البصرة (2)، محمد الهمداني (1)، الصدق (1)، النفاق (1)، الصبر (2)
علي (عليه السلام) مع مالك الأشتر إلي أهل مصر حيث قال فيها: " فان الله سبحانه بعث محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) نذيرا للعالمين، ومهيمنا علي المرسلين فلما مضي (صلي الله عليه وآله وسلم) تنازع المسلمون الأمر من بعده فوالله ما كان يلقي في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلي الله عليه وآله وسلم) عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس علي فلان يبايعونه، فأمسكت بيدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلي محق دين محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أري فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي انما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، وكما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الاحداث حتي زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه ". واليك نبذة من خطبة علي حينما فتحت مصر بيد الأعداء وقتل فيها محمد بن أبي بكر وفيها يشير أمير المؤمنين إلي من يوجه لعلي (عليه السلام) الحرص علي الخلافة فيجيبه، وفي ذلك يفند مزاعمهم وتعدياتهم علي حقوق الأمة وحقوقه التي وضعها الله ورسوله عليها حيث يقول المتجرئ عليه: " إنك علي هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص، فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه. فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين، هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به! ". ومن يقصد بالقوم الظالمين؟ ألم يقصد من بدأ وتجرأ علي منصب الخلافة والولاية منذ توفي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن تابعهم وساعدهم علي ذلك حتي تفرق المسلمون وتناحروا وتقاتلوا وجاهر الطلقاء وطريدو رسول الله للاعتداء علي المؤمنين والصحابة واستباحة حدود الله. ذلك ما أخرجه ابن أبي الحديد ص 35 ج 2 في شرح نهج البلاغة، ولقد أثبت علي أمير المؤمنين منذ وفاة رسول الله عدم رضاه عن غصب الخلافة، وارغامه علي البيعة هو وبني هاشم، وما قاساه هو وزوجته الكريمة بضعة رسول الله حتي ماتت وهي غضبي علي أبي بكر وعمر،
(٤١٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، محمد بن أبي بكر (1)، بنو هاشم (1)، مالك الأشتر (1)، الباطل، الإبطال (1)، الظلم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الغصب (1)، الوفاة (1)
وبرهن كلما سنحت له الفرصة علي غصبهم مقام الخلافة والولاية، وأعظمها اعتراضا علي الغاصبين والهاضمين لحقه هي خطبته الشقشقية التي فضح بها جميع أعمالهم بصراحة، فلم يجدوا مناصا من تكذيبه وهو الصديق الأعظم والفاروق الأكبر بشهادة رسول الله، وهو الطاهر المبرأ من أي دنس في آية التطهير. هنا وجم الخصوم ولم يستطيعوا سوي نفي هذه الخطبة وتكذيب أنها صدرت من مقام الوصاية ومن الإمام علي، ونسبوها لغيره، فلم يجد المؤرخون والرادون إلي اثبات أسانيدها الصحيحة غير الاعتراف امام الحق فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير. واليك نبذة من الخطبة العصماء الشقشقية:
" أما والله لقد تقمصها فلان (ابن أبي قحافة) وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل ولا يرقي إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين ان أصول بيد جذاء أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه.
فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذي وفي الحلق شجي.
أري تراثي نهبا حتي مضي الأول (أبو بكر) لسبيله فأدلي بها إلي فلان بعده … الخ " وقد كان القوم يريدون التظاهر بأن عليا كان راضيا بعمل الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هيهات وتراه في الكلمة الأولي التي ألقاها يعبر عن الذين اغتصبوا الخلافة منه بالمنافقين وبعدها بالظالمين ويصرح بهذا الغصب الفظيع وما قاساه من البدء إلي النهاية ويفضح فيما ابان سوء نياتهم ورداءة اعمالهم وتعدياتهم علي حدود الله وحدود رسوله. ومن الغريب أن أناسا تمادوا في الظلم واتباع الظالمين وقد بان لهم الحق واطلعوا علي الواقع، وان القوم منذ مات رسول الله - كما جاهر سيد الأوصياء علي (عليه السلام) - بعد غصبهم منصب الخلافة لم يألوا جهدا لتثبيت أقدامهم وتظاهرهم في أعمالهم وصبغتها بصبغة الدين، وهم في كل يوم وكل لحظة انما يتلقون اللعنات المتتالية فيما أتوه من ظلم وقتل ونهب واحراق وسبي وهتك
(٤١٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، آية التطهير (1)، الظلم (1)، الصدق (1)، الموت (1)، الحلق (1)، القتل (1)، الوصية (1)، الصبر (1)
وحجر علي أهل الحق وحبس المؤمنين، واطلاق أيدي الظلمة والخونة من الطلقاء ومن المنافقين ومنهم آل أمية وأشياعهم وأتباعهم.
وحينما وجدوا أن كلمات وخطب الإمام علي (عليه السلام) قد فضحتهم بدأوا بالدفاع ونسبتها لغيره فنسبوها للسيد الرضي وهذا ما زادهم فضيحة أكثر إذ أن الأسانيد التي درجت فيه والكتب التي دونت فيها كانت قبل ولادة السيد الرضي وولادة أبيه كما شرح ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج. ونقله عن الشيخ أبي عبد الله بن أحمد المعروف بابن خشاب الذي وجد هذه الخطبة في كتب دونت قبل ولادة السيد الرضي بمئتي عام.
كما حدث العالم المحقق والفيلسوف المتبحر في شرح نهج البلاغة أنه شاهد هذه الخطبة الشقشقية في محلين أحدهما بكتابة الوزير ابن فرات وتاريخها ستين سنة قبل ولادة السيد الرضي، والأخري في كتاب الانصاف لأبي جعفر بن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة المتوفي قبل ولادة السيد الرضي.
ويكفي للاستدلال علي كذب من أراد ابطالها ما ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ص 561 ج 2 ويذكر فيها الخطبة مفصلة يبرهن بها الامام أمير المؤمنين ويستدل علي حقه منذ اليوم الأول، ووصايته وكيف غصبوا ذلك، مع ذكر الغاصبين.
(٤١٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2)، مدرسة المعتزلة (1)، عبد الله بن أحمد (1)، الكذب، التكذيب (1)، النفاق (1)، الوفاة (1)

أولو الأمر

أولو الأمر
صفحه(٤١٩)
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) وقوله: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
خلق الانسان حرا ببدنه وأفكاره وأمواله ومسلكه وسيرته حرية مطلقة لا يقيده إلا بقدر أن لا يتعدي علي حقوق الآخرين.
والانسان خلق حرا لا يخضع خضوع العبودية لبشر مثله ولأي فرد مهما عظم، ولا يجوز له أن يقيد حريته هذه التي أعطاه الله إياها بالقيود والعبودية لفرد أو عادة أو خلق إلا تلك التي حددها له الله ومن أمره الله عليه وأوجب عليه طاعته مع الاعتقاد بأن الله لا يريد في أمره ونهيه للبشر إلا الخير للبشر وربطهم برابطة المحبة والمودة والإخاء وذلك ما تعنيه الآيتان الشريفتان المارتان في آية الإطاعة وآية الولاية ولا يقصد بها الخنوع والخضوع لكل سلطان قاهر جبار.
والإطاعة المفروضة لله ولرسوله ولأولي الأمر ليست مجرد الإطاعة الظاهرية وحسب وانما هي الإطاعة الظاهرية والباطنية، واتباع أوامر ونواهي أولي الامر سرا وعلانية فهي حسب العقيدة الدينية عند ذوي الايمان انما هي شريعة وفرض علي افراد البشر لله العالم الحي القيوم الواقف علي السرائر وصاحب يوم الجزاء
(٤٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب السرائر لابن إدريس الحلي (1)، آية الولاية (1)، الزكاة (1)، الجواز (1)
الذي يعاقب الغاصبين، ويثيب المطيعين والمحسنين، أولئك الذين أطاعوا الله بما أرسله لهم علي لسان رسله وأولي الأمر منهم كما جاء في آية الولاية.
تلك عقيدة المسلمين الحقيقيين أن يطيعوا الله ويطيعوا رسوله ويطيعوا أولي الامر الذين نصبهم الله ورسوله فحسب، وأن تكون الإطاعة إطاعة ظاهرية وباطنية مقرونة بالايمان الباطني.
وأما أهل السنة والجماعة فيختلفون عن الفرقة الاسلامية الحقة في تفسير أولي الأمر، فهم يعتبرون كل سلطة تقلدت زمام الأمور سواء كانت عادلة أو جائرة أو مسلمة حقا أو غير ذلك فهي يطلق عليها أولي الامر ويجب إطاعة أوامرها مهما جاهرت بالفسق والفجور والظلم والعدوان، ويكفي أن يكون لهم السلطان والقوة الظاهرية باعتبار أنهم أولو الأمر فيجب اطاعتهم. ونحن نعلم حق العلم ان السلاطين والأمراء والملوك سواء منهم من تغلب بالقوة والدسيسة علي الملك أو أولئك الذين جاءوا بحكم الانتخاب ونري بأم أعيننا الانتخابات المزيفة القائمة واغراء أكثرية الشعب بالمكر والحيلة والاكراه لاستعبادهم، هذا ما نجده في أكثر الأمم والشعوب المتحضرة. فكيف بالشعوب المتأخرة والجاهلة، وهذا يدلنا علي أن الاجماع لم تتحقق فيه الغاية أبدا، وكثيرا ما نري الناخبين الذين وضعوا ثقتهم في فرد خانهم ذلك الرجاء، وعرفوا أن المنتخب إنما أظهر لهم غير ما كان يبطن، وتري أن الأنبياء وحدهم هم نخبة البشر الصادقون لأن الله انتخبهم وجندوا كل قواهم الظاهرية والباطنية لخدمة أمتهم، ولذا فالله وحده الواقف علي البواطن وحقائق الأمور، وهو وحده كما أرسل الرسل فسوف يعين بعدهم من يتولي زمام الأمور في الأمة ولا يترك عباده سدي بعد إرسال رسله وأخص منهم خاتم الأنبياء، فلا بد أن يكون قد أمر رسوله أن يعين بعده وصيا وخليفة، وإن هذا الخليفة مأمور من الله ورسوله بتطبيق أحكام كتابه وسنة نبيه، وتفسير وتأويل
(٤٢١)
صفحهمفاتيح البحث: آية الولاية (1)
آيات الكتاب لهم عند الضرورة، وقد وجدنا الخلفاء من أبي بكر وعمر كيف حاروا في التفسير وكيف أن عليا كرر عليهم قوله: " سلوني قبل أن تفقدوني "، وكيف كانوا دائما يخطئون في الحكم وكثير ما صوبها لهم علي عندما استشاروه، وكم قال عمر: لولا علي لهلك عمر، وكرر ذلك بألفاظ مختلفة، ولا نجد تفسيرا واحدا لعلي أخطأ فيه، بل كان محورا لاصلاح أخطاء الجميع. هذا الذي نزلت فيه الآيات وأخص منها آية الولاية والطهارة وإكمال الدين وغيرها. وهذا ما تقول به الشيعة ولا ترضي بسواه.
هذا وإن ولي الأمر في كل زمان انما هو واحد لا يتعدد في حين أن السلاطين يختلفون في الشعوب ويختلفون في الأمر والنهي والاحكام حسب رغبتهم وشهواتهم ومقتضيات مقاصدهم وأغراضهم، ولا يرضي بذلك الاسلام ولا نبي الاسلام ومن أنزل الاسلام، فالله واحد وخاتم الأنبياء واحد ودينه لا يتغير، وهو وحده، والبشر تتلاعب بهم الأهواء فلا يتركهم سدي لذا قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا "، وقال: " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح "، وقال (صلي الله عليه وآله وسلم): " علي مني بمنزلة هارون من موسي " (1) وقال وفي كل مناسبة أوصي بعلي وعترته: أولئك الصديقين العالمين المتقين المنزهين الطاهرين من الرجس دون سواهم والناس بحاجة إلي من يهديهم ويقودهم إلي الصراط المستقيم (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)؟ ويلكم كيف تحكمون؟
كم وجدنا بين الخلفاء والأمراء والسلاطين المسلمين فجار ظالمين سفاكين ساروا علي غير حدود الله ورسوله، وقتلوا ونهبوا وظلموا دون بينة ودون رعاية أحكام الله وسنن نبيه، وبدلوا أوامر الله ورسوله، وقتلوا العلماء والصحابة
(1) راجع مصادر الحديث في ص 41 من هذا الكتاب.
(٤٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (1)، آية الولاية (1)، النهي (1)، القتل (2)، الطهارة (1)، الوصية (1)، السفينة (1)
والمثقفين من المؤمنين وهتكوا حرمتهم، كيف يوجب الله إطاعة هؤلاء، وأعمالهم كلها تخالف الدين الاسلامي؟! فهل يسوغ لنا أن نقبل عقلا ومنطقا أولي الأمر من بين الظالمين الفاسقين الجائرين والمنافقين؟ لا أحسب مسلما عرف الدين الاسلامي وحقيقته يرضي بذلك ويستسيغه.
فأولو الأمر يجب أن يكونوا ذوي كفاءة وعدالة وهداة وعدولا وأئمة مرشدين يستنار برأيهم وهداهم، رحمة للبشر لا نقمة عليه، ادلاء علي البر والاحسان منزهين ذلك ما يؤمن به المسلمون الحقيقيون، وذلك ما يقول به شيعة محمد وعترته الذين عناهم رسول الله وقال: انهم معه في الجنة، وإن أولي الأمر هم الذين يحملون خلق النبوة ونزاهتها وطهرها. وقد أيد القرآن ذلك في آيات كثيرة أخري منها الآية 6 من سورة الأحزاب قوله تعالي: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين). وقوله تعالي في الآية 119 من سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). وقوله تعالي في الآية 7 من سورة الرعد: (انما أنت منذر ولكل قوم هاد) وقوله تعالي في الآية 153 من سورة الأنعام: (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقوله تعالي في الآية 181 من سورة الأعراف: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، وقوله تعالي في الآية 103 من سورة آل عمران: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله تعالي في الآية 33 من سورة الأحزاب: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وقوله تعالي الآيتين 33 و 34 من السورة 3 (آل عمران): (ان الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).
والآية 32 من سورة فاطر (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)،
(٤٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: سورة البراءة (1)، سورة آل عمران (1)، سورة الأنعام (1)، سورة الأعراف (1)، سورة الأحزاب (2)، سورة فاطر (1)، القرآن الكريم (1)، الظلم (1)
والآية 35 من سورة النور (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء) وهناك آيات كثيرة أخري نزلت في علي وآل بيت رسول الله. تجد ذلك واضحا في تفاسير المفسرين كالطبري والنيشابوري والواحدي، وجلال الدين السيوطي والزمخشري والامام الثعلبي، وتفسير الإمام الرازي وفي الكتب الصحاح: البخاري وسلم، وسنن أبي داود والجمع بين الصحيحين للحميدي، وفرائد السمطين للحمويني ومسند أحمد بن حنبل وصواعق ابن حجر، وشرف المصطفي للخركوشي، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وحلية أبي نعيم وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني أبي القاسم، واستيعاب ابن عبد البر، وسقيفة الجوهري، وينابيع المودة للخواجة كلان الحنفي، ومودة القربي للهمداني، وما نزل من القرآن في علي للأصفهاني، ومطالب السؤول لابن طلحة، ونهاية ابن الأثير، وكفاية الكنجي، ونزول القرآن في أمير المؤمنين لأبي بكر الشيرازي، ورشفة الصادي للسيد أبي بكر بن شهاب الدين العلوي، وأخص منهم الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، والخطيب الخوارزمي في مناقبه، والحافظ أبا نعيم فيما نزل من القرآن في علي، رووا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " نزل ربع القرآن فينا أهل البيت "، كما نقل الحافظ أبو نعيم فيما نزل من القرآن في علي، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده والواحدي في أسباب النزول ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول وابن عساكر، ومحدث الشام في تاريخه، والحافظ أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 62 من كفاية الطالب، والخواجة كلان سليمان البلخي الحنفي في الباب 42 من ينابيع المودة عن الطبراني عن ابن عباس حبر الأمة أنه قال: نزلت في علي أكثر من ثلاثمئة آية في مدحه. وقد ثبت نقلا وعقلا أن إطاعة الأمر مقرونة بإطاعة الله ورسوله. وعليه
(٤٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، عبد الله بن عباس (1)، الحافظ أبو نعيم (3)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب فرائد السمطين (1)، الطبراني (1)، الزمخشري (1)، إبن الأثير (1)، المودة في القربي (1)، سورة النور (1)، محمد بن يوسف (1)، أحمد بن حنبل (1)، محمد بن طلحة (1)، الخوارزمي (1)، القرآن الكريم (6)، الشام (1)، السقيفة (1)، الثعلبي (1)
يجب أن يكونوا معصومين كما أدلي بذلك الامام الفخر الرازي في تفسيره: " إن قيل إن أولي الأمر ليسوا معصومين فهو جمع بين النقيضين وعليه اذن يشترط في أولي الأمر النصر من الله ورسوله وأن يكونوا مطهرين من الرجس، وأن يكونوا إلي جنب ذلك أعلم وأتقي وأفضل وأورع وأكمل من في الأرض كي تجتمع فيهم عدا صفة الرسالة جميع صفات الرسول الأعظم لهداية وارشاد الأمة. وقد ورد كل ذلك في علي والأئمة الاثني عشر من بنيه، ونص علي ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ".
روي الشيخ سليمان البلخي الحنفي في ص 445 من ينابيع المودة ضمن الباب 77، وشيخ الاسلام الحسيني في فرائد السمطين عن ابن عباس أنه قال:
" سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول:
" أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون "، وعن سلمان الفارسي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وضع يده علي كتف الحسين (عليه السلام) وقال: " إنه الإمام ابن الإمام وأخو الامام وتسعة من صلبه أئمة أبرار وأمناء معصومون "، وعن زيد بن ثابت نقل عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): " إنه يخرج من صلب الحسين أئمة أبرار أمناء معصومون قوامون بالقسط ".
وعن عمران بن حصين أنه روي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): " أنت وارث علمي، وأنت الإمام والخليفة بعدي، تعلم الناس ما لا يعلمون، وأنت أبو سبطي وزوج ابنتي، ومن ذريتكم العترة الأئمة المعصومون " وقد نقلنا ما جاء في علي وعترته من الأحاديث الكثيرة كأحاديث الثقلين وأحاديث المنزلة وأحاديث السقيفة، وعن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وفي كتاب سير الصحابة عن حذيفة بن أسيد، أن رسول الله بعد أن خطب خطبة مفصلة بعد الحمد والثناء لله قال:
" اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي إن تمسكتم بهما فقد نجوتم ".
(٤٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، حديث الثقلين (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب فرائد السمطين (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، حذيفة بن أسيد (1)، زيد بن ثابت (1)، عمران بن حصين (1)، السقيفة (1)، الجنابة (1)
وأضاف الطبراني قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ".
وقد أثبت أجلة علماء السنة والجماعة في كتبهم وأسانيدهم عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن المقصود من أولي الأمر المقرونة طاعتهم بطاعتي ومعصيتهم بمعصيتي هم علي وبنوه المعصومون بعد رسول الله. روي ذلك شيخ الاسلام أبو اسحق الحمويني إبراهيم بن محمد في فرائد السمطين وعيسي بن يوسف الهمداني ومحمد بن مؤمن الشيرازي في رسالة الاعتقادات، والخواجة كلان الشيخ سليمان البلخي الحنفي في الباب 38 من ينابيع المودة التي خصها بهذه الآية قال: إن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين خلفه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالمدينة. وقال له (صلي الله عليه وآله وسلم): " أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي ".
(٤٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب فرائد السمطين (1)، الطبراني (1)، إبراهيم بن محمد (1)، محمد بن مؤمن (1)، الهلاك (1)

شكوي مالك بن نويرة وقبيلته

شكوي مالك بن نويرة وقبيلته
صفحه(٤٢٧)
سهم أصاب وراميه بذي سلم * من في العراق لقد أبعدت مرماك وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لقد ثبت أن مالك بن نويرة وافراد قبيلته كانوا مسلمين يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة، ويقيمون حدود الله حسب كتاب الله وسنة رسوله، وثبت أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ائتمنه في الجباية وجمع المال، وقربه إليه كما سيأتي ذكر ذلك، ولم يكن هناك سوي أمر واحد هو العلم السائد بين قبائل العرب والذي عم الجزيرة العربية علي الخصوص بعد غدير خم، ذلك اليوم المشهود الذي أعلن فيه رسول الله قبيل وفاته بشهرين أنه دعي ويجيب، وأقام عليا بعده خليفة (1) واماما ووصيا كما امر الله في آية التبليغ: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فأخذ بيد علي وصعد علي أقتاب الإبل حتي بان بياض إبطيهما وقال ما قال كما مر، واستشهدهم من هو أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: الله ورسوله، وبعد خطبته المعروفة قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ". وبعدها أقام له خيمة خاصة وطلب من القوم رجالا ونساء أن يهنئوه بولايته وإمامته، وممن هنأه أبو بكر وعمر، كما طلب من الحفل العظيم أن يبلغ
(1) راجع موسوعتنا الغدير في الجزء الأول والثاني من علي " يوم غدير خم بأسانيده ".
(٤٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، آية التبليغ (1)، دولة العراق (1)، جزيرة العرب (1)، غدير خم (2)، الزكاة (1)
الحاضر منهم الغائب وهكذا كان. لذا تري المسلمين بعد انتشارهم وبث ما وقع ثبت لديهم أن الخليفة بعد رسول الله إنما هو علي وعترته من بعده كما سمعوا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حديث الثقلين: " اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ". وإذا بهم بعد هذا تنتشر الأخبار بحادثة السقيفة وانتخاب أبي بكر خليفة، ذلك الذي لم تكن له في حياة رسول الله أية سابقة تذكر من هذا الوجه، ولم يكن له فضل علي بقية الصحابة من المهاجرين والأنصار، ولم تكن له ميزة تؤهله لتسنم هذا المنصب الذي قد أيقنوا أنه أسند إلي ابن عمه وزوج بضعته وأبي عترته، صاحب الفضائل والكرامات عند الله وعند رسوله، ولم يكن ابن نويرة بالبعيد عن هذه الحوادث أو الذي يجهلها وهو سيد من سادات العرب الذي وثق به رسول الله وقربه وأتمنه علي الأموال، وهو بعد ذلك سيد من سادات قومه وهذا ما دعاه كما دعا غيره للتأمل والحيطة فيمن قد خلف رسول الله، ومن هو الذي ستقر له العرب بهذه الإمامة، ولم يكن مالك بن نويرة - الذي خالجه هذا الفكر وانتظر - ليعرف إلي من تحمل الأموال والزكاة، وهذه لم ترق للهيئة والحزب الذي سيطر علي الحكم بتلك الكيفية التي ذكرها في الفتنة الكبري (السقيفة) فهم الذين اغتصبوا أكبر مسند في العالم من صاحبه، وجاؤوا لإحراق بيته وفيه بضعة الرسول وعترته، وفيه علي أخو رسول الله وخليفته الذي نص عليه ووصيه وقائد الغر المحجلين، وأضرموا النار وعصروا الزهراء الطاهرة بين الحائط والباب حتي أسقطت محسنا، وأخذوا عليا حاسر الرأس حافي القدمين قهرا وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وكادوا أن يقتلوه لولا الزهراء التي جاءت بثلة من نساء القوم وأنقذته من القتل. هذا مالك يأبي دفع الزكاة إلي الحزب المجتري علي صاحب الخلافة الحقة، وهؤلاء اليوم بيدهم الحل والعقد بعد أن رأوا عليا صابرا محتسبا لم يجرد في وجوههم السيف ولم يقاتلهم وهم يعلمون أن علة سكوته هي أنه لا يريد ذلك إلا حرصا منه علي بيضة الاسلام من التضعضع
(٤٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث الثقلين (2)، السقيفة (2)، الزكاة (1)، القتل (2)، الكرم، الكرامة (1)
في هذا الوقت العصيب الدقيق وعلمهم بوصية رسول الله له بعدم المقاتلة واستعمال القوة وقد أخبره بقيام هذه الفتنة. فإذا كان فعلهم ذلك مع علي وفاطمة والحسن والحسين فماذا ترجو ان يقابلوا به مالكا، ولم يخف عليهم الامر بحقيقته بان في مثل هذا الموارد لا يسمح لهم سوي استمرار القوة وعدم السماح للأقوال والاعتراض وإلا فشا ضعفهم وأشهر كيدهم وحقدهم ومطامعهم متمثلين قول الشاعر:
اضرب حديدا حاميا * لا خير فيه إن برد وهكذا تراهم يولون الأمر لبث الأمر إلي أقسي أفرادهم وأنصارهم قسرا من أمثال خالد بن الوليد وضرار بن الأزور زميل خالد بن الوليد فيقوم كل واحد منهما بفجائع تقشعر منها جلود من لهم ذرة من الدين والوجدان، وقاما بأعمال ضد المسلمين العزل مما تشمئز النفوس ويأباه ذوو العقول.
وأي شئ في الدنيا تجزع منه النفوس. وتدمي منه القلوب؟ هل هناك طامة أعظم من التعرض للاعراض، ورزية أهول من القتل، وفادحة أفدح من النهب والسلب، وكارثة أشر من السبي، ومصيبة أفدح من البهتان بعد كل ذلك؟ فكيف إذا اجتمعت جميعها في مسلمين ومؤمنين بالله يقتلون وينهبون ويسبون وتهتك أعراضهم وتيتم أطفالهم ويعتدي علي أعراضهم وتشتت أفرادهم؟! وأخري أشد وأفجع يحرقون أحياء وهم مسلمون.
وها أني أسوق بعض ما جري علي أثر الفتنة الكبري بعد السقيفة بأمر أبي بكر وبعلمه واصراره وبصورة مكررة تخالف الشرع من كتاب الله وسنة نبيه، والوجدان والعدالة الانسانية، وسوف نسوق نبذا منها وبعدها نضعها علي طاولة الشرح وتري فيها الجاني من الآمر والمأمور والمعتدي والمعتدي عليه ودرجة هذه الجناية.
(٤٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: خالد بن الوليد (2)، السقيفة (1)، القتل (2)، السب (1)، الوصية (1)
أخرج الطبري أن أبا بكر قال في عهده إلي جيوشه أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتي تسألوهم: ما الذي نقموا؟ وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة واقتلوا وأحرقوا … وكان ممن شهد لمالك بالاسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي، وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها، وكان يحدث أنه لما غشوا القوم راعوهم تحت جنح الليل فاخذ القوم السلاح. قال: فقلنا إنا المسلمون فقالوا ونحن المسلمون. قلنا: فما بال السلاح معكم؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم؟ قلنا: فان كنتم كما تقولون، فضعوا السلاح. قال: فوضعوه. ثم صلينا وصلوا وكان خالد يعتذر في قتله. أنه قال وهو يراجعه ما إخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا. قال: أو ما تعده لك صاحبا؟! ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه.
فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال: " عدو الله عدا علي امرئ مسلم فقتله ثم نزا علي امرأته " وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتي دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام اليه عمر وانتزع الأسهم عن رأسه فحطمها ثم قال: ارئاء؟! قتلت امرأ مسلما ثم نزوت علي امرأته. والله لأرجمنك بأحجارك وخالد بن الوليد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر علي مثل رأي عمر فيه، حتي دخل علي أبي بكر، فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وصفح عنه ما كان في حربه تلك. قال: فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر، وعمر جالس في المسجد فقال خالد: هلم إلي يا ابن أم شملة. قال فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه ودخل بيته.
وقال سويد: كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعرا وإن أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور فما منهم رأس إلا ووصلت النار إلي بشرته ما خلا مالكا فان
(٤٣١)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، خالد بن الوليد (2)، الحارث بن ربعي (1)، الشهادة (2)، القتل (2)، السجود (3)، الصّلاة (1)، الظنّ (1)، البول (1)
القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره، وقي الشعر البشرة حرها أن يبلغ منها ذلك. وقال ابن شهاب: " إن مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب أثفية لقدر فنضج ما فيها قبل أن تخلص النار إلي شؤون رأسه ".
وجاء في تاريخ أبي الفداء كان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين مع خالد في حملته، فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما، فقال مالك: يا خالد! ابعثنا إلي أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتك، وتقدم إلي ضرار بن الأزور بضرب عنقه.
فقال عمر لأبي بكر: ان سيف خالد فيه رهق، وأكثر عليه في ذلك، فقال: يا عمر! تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فاني لا أشيم سيفا سله الله علي الكافرين …
وفي الطبري: وقال عروة: قدم أخو مالك متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم، فكتب له برد السبي، وألح عليه عمر في خالد أن يعزله وقال: إن في سيفه رهقا، فقال: لا يا عمر! لم أكن لأشيم سيفا سله الله علي الكافرين. وروي ثابت ان خالدا رأي امرأة مالك وكانت فائقة في الجمال فقال مالك بعد ذلك لامرأته قتلتني. يعني سأقتل من أجلك. أخرجه الطبري 3 ص 241 وابن الأثير في تاريخه 3 ص 149، وأسد الغابة 4 ص 295، وابن عساكر في تاريخه 5 ص 105 - 112، وخزانة الأدب 1 ص 237، وفي تاريخ ابن كثير 6 ص 221، وتاريخ الخميس 2 ص 233، والإصابة 1 ص 414 وج 3 ص 357.
وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفداء الزبيدي: ان مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن الوليد: أقتلتني، أي عرضتني بحسن وجهك للقتل لوجوب الدفع عنك، وكان جميلة حسناء فدخل بها خالد بعد قتله مالكا فأنكر ذلك عبد الله بن عمر وقيل فيه:
(٤٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، الزمخشري (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (2)، أبو قتادة الأنصاري (1)، خالد بن الوليد (1)، عبد الله بن عمر (2)، القتل (3)
أفي الحق أنا لم تجف دماؤنا * وهذا عروسا باليمامة خالد أخرج الأخير الفائق 2 ص 154، والنهاية 3 ص 257، وتاريخ أبي الفداء ص 158، وتاريخ الخميس 8 ص 75.
وفي تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل 7 ص 165: أمر خالد ضرارا بضرب عنق مالك فالتفت إلي زوجته وقال لخالد: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي:
ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك * تطاول هذا الليل من بعد مالك قضي خالد بغيا عليه لعرسه * وكان له فيها هوي قبل ذلك فأمضي هواه خالد غير عاطف * عنان الهوي عنها ولا متمالك وأصبح ذا أهل وأصبح مالك * إلي غير أهل هالكا في الهوالك (1) فلما بلغ ذلك أبا بكر وعمر قال عمر لأبي بكر: ان خالدا قد زني فأجلده.
قال أبو بكر: لا. لأنه تأول فأخطأ. قال: فإنه قتل مسلما فاقتله. قال: لا. إنه تأول فأخطأ. ثم قال: يا عمر! ما كنت لأغمد سيفا سله الله عليهم ورثي مالكا أخوه متمم بقصائد عديدة وهذا التفصيل ذكره أبو الفداء أيضا في تاريخه 1 ص 158، لذا جاء في المعني في تاريخ الخميس 2 ص 234، كما جاء نفس المعني في شرح المواقف وأضاف قول عمر لخالد " لئن وليت الأمر لأقيدنك به ".
وفي تاريخ ابن عساكر 5 / 112 قال عمر: اني ما عتبت علي خالد إلا في تقدمه وما كان يصنع في المال، وكان خالد إذا صار إليه شئ قسمه في أهل الغني
(١) معالم المدرستين: للسيد مرتضي العسكري ٢ / ٨٣ نقلا عن: وفيات الأعيان لابن خلكان:
٥ / ٦٧، فوات الوفيات: ٢ / ٦٢٦ - ٦٢٧، تاريخ أبي الفداء ص ١٨٥، وتاريخ ابن شحنة:
١١ / ١١٤ بهامش ابن الأثير. وفي معالم المدرستين ٢ / 83: أن قائل الأبيات أبو زهير السعدي.
(٤٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: إبن عساكر (1)، الزوجة (1)، الغني (1)، القتل (1)، إبن الأثير (1)
ولم يرفع إلي أبي بكر حسابه، وكان فيه تقدم علي أبي بكر، يفعل الأشياء التي لا يراها أبو بكر، وأقدم علي مثل مالك بن نويرة ونكح امرأته، وصالح أهل اليمامة ونكح ابنة مجاعة بن مرارة، فكره ذلك أبو بكر وعرض الدية علي متمم بن نويرة وأمر خالدا بطلاق امرأة مالك ولم ير أن يعزله. وكان عمر ينكر هذا أو شبهه في خالد، ومن أعمال خالد ما جاء في الاستيعاب 1 / 153 وهو في صحيح الأثر علي حد قول أبي عمر.
قال حدثني أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال ابن إسحاق: بعث رسول الله فيما حول مكة السرايا تدعو إلي الله عز وجل ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد وأمره ان يسير بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب فوطئوا بني جذيمة بن عامر فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا.
قال، حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال: لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له حجدم (في الإصابة جحدم في 1 ص 227، وجذيم بن الحارث في 1 ص 218 والصحيح هو الأول): ويلكم يا بني جذيمة! انه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار، وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا. قال: فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا حجدم أتريد أن تسفك دماءنا؟ إن الناس قد أسلموا ووضعوا السلاح ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس فلم يزالوا به حتي نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد، فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم علي السيف فقتل من قتل منهم، فلما انتهي الخبر إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رفع يديه إلي السماء ثم قال: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ".
قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: ثم دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب
(٤٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، علي بن أبي طالب (1)، خالد بن الوليد (2)، القتل (2)
رضوان الله عليه، فقال: يا علي أخرج إلي هؤلاء القوم فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتي جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فودي لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتي أنه ليدي لهم ميلغة الكلب (الميلغة خشبة تحفر ليلغ فيها الكلب) وإذ لم يبق شئ من دم ولا مال إلا وداه وبقيت معه بقية من المال، قال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يؤد لكم؟ قالوا: " لا ". قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل ثم رجع إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر. فقال: أصبت وأحسنت. قال: ثم قام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاستقبل القبلة فاتحا شاهرا يديه حتي أنه ليري ما تحت منكبيه يقول:
" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ". قالها ثلاث مرات. ودفاعا عن خالد وضعوا له ما يلي:
ومما ذكر عن مالك وبني يربوع وفعل خالد فيهم انه كان مع خالد عبد الله بن عمر وأبو قتادة وكانا شهدا أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا فيهم أمر بهم خالد فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ وجعلت تزداد بردا فامر خالد مناديا فنادي: أدفئوا أسراكم. وكانت في لغة كنانة: القتل، فظن القوم انه أراد القتل ولم يرد إلا الدف ء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الداعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك، فقال أبو قتادة " هذا عملك "؟ فزبره خالد فغضب ومضي، وفي تاريخ أبي الفداء، كان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما. فقال مالك: يا خالد! ابعثنا إلي أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا. فقال خالد: " لا أقالني الله إن أقلتك، ويتقدم إلي ضرار بن الأزور بضرب عنقه ".
(٤٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو قتادة الأنصاري (1)، خالد بن الوليد (1)، عبد الله بن عمر (1)، القتل (3)، الجهل (1)

شهادة أبي بكر علي خالد

شهادة أبي بكر علي خالد
(٤٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)
وإذا ما راجعت تاريخ الطبري 3 ص 254 وتاريخ الخميس 3 ص 343 ظهرت لك حقيقة حاول كثير من الجناة المفرطين اخفاءها، وهي كتاب أبي بكر إلي خالد وفيه قوله:
" لعمري يا ابن أم خالد: انك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومئتي رجل من المسلمين لم يجف بعد " كتب إليه لما قال خالد لمجاعة: زوجني ابنتك، فقال له مجاعة: مهلا! إنك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك قال: أيها الرجل زوجني فزوجه، فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه كتابا فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: " هذا عمل الأعيسر " يعني عمر بن الخطاب.
وقبل ان أحاكم: القوم علي فعلهم، أقدم للقارئ الكريم المناقشة والمحاكمة علي هذه وهي احدي الكوارث بل هي إحدي ألوف الكوارث والمظالم التي جرت وضاعت علي يد الغاصبين. أولئك الذين أسسوا الظلم والجور خلافا لحكم الله ورسوله فاني أقدم من كلام الله من أوامره ونواهيه في مثل هذه الموارد من الآيات الكريمة ومن سننه نبذا.
فقد جاء في القتل في سورة المائدة الآية 32 (ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وفي سورة النساء الآية 93 قال تعالي:
(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له
(٤٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، سورة المائدة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، سورة النساء (1)، الكرم، الكرامة (2)، الظلم (1)، القتل (4)
عذابا عظيما).
وقال تعالي في كتابه الكريم (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق … ).
وقد قلت إن مالكا مسلم مؤمن عاشر النبي الأعظم وأحسن صحبته واستعمله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي صدقات قومه، وقد عد من أشراف الجاهلية والإسلام ومن أرداف الملوك. فقد أقام الصلاة وآتي الزكاة وصدق رسول الله وأطاعه وأذن وأقام الصلاة هو وقومه وأعلنوا اسلامهم، وشهد علي ذلك كما مر عبد الله بن عمر وأبو قتادة، وهما اللذان منعا خالدا، كما ثبت ذلك عند عمر وأبي بكر أنه مسلم قتل مظلوما وكيدا وعمدا تجد ذلك في فحوي المحاورات وأحاديث عمر وأجوبة أبي بكر وخالد نفسه. وبعد ذلك القتل الفظيع الذي يؤكد قصد خالد بأنه نزا علي امرأته في الليلة نفسها وذلك لا يجوز حتي لو كان ارتد إذ لا بد من إلزام العدة فعمله هذا مضافا للقتل زنا وبهتان وقد قال الله سبحانه وتعالي:
(ولا تقربوا الزني إنه كان فاحشة وساء سبيلا) سورة 17 الآية 32.
وقال عز من قائل: (ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهان) (سورة الفرقان الآية 68 - 69) وقوله تعالي في السورة 7 الأعراف الآية 33 فيما يخص البغي: (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق).
لهذا نري أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب طلب حد خالد من أبي بكر بالزنا طبقا للآية الكريمة (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة … ) السورة 24 النور، الآية 2 كما طلب فيه القصاص بالقتل بعد عزله من منصبه. وقد تعدي وتجاوز القتل إلي إحراق الرؤوس وسبي النساء والأطفال قال الله تعالي: (الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) سورة الأحزاب الآية 58. وكيف جاز له ارتكاب تلك
(٤٣٩)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، يوم القيامة (1)، عبد الله بن عمر (1)، سورة الأحزاب (1)، سورة الفرقان (1)، الكرم، الكرامة (2)، الزنا (2)، الزكاة (1)، القصاص (1)، القتل (4)، الجهل (1)، الصّلاة (2)، الصدق (1)، الجواز (1)
الجرائم وقد أذنوا وصلوا ووضعوا السلاح وأسلموا وقد قال الله عز وجل (ولا تقولوا لمن القي إليكم السلام لست مؤمنا). وقال سبحانه: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) السورة 26 الآية 227، وهل هناك ظلم وبغي وأذي أفضح مما قاموا به؟، ماذا يجيب خالد علي كل هذه الأسئلة وحسبه أنه يقول إنهم كفروا ولكنهم ألم يؤذنوا ويصلوا وآمنوا وقالوا إننا مسلمون. علي أنهم باعتراف الجميع وأخص منهم عمر وأبا بكر أنهم لم يرتدوا ولكن لنفرض أنهم ارتدوا وعادوا وإني لأذكر الآيتين التاليتين وتري أين فرض الله عليهم القتل والإحراق والسبي والتعرض لأعراضهم (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم … ) (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم) السورة الثالثة، الآيتان 86 و 89 وقوله تعالي (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) السورة 4 الآية 110.
ألم يحذر الله المسلمين ألا يعملوا شيئا قبل أن يتحققوا من حقيقة الأمر وذلك في جميع الأمور والتعرضات فكيف في أشدها. قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) الآية 6 من السورة 49.
فويل لمن اجترح الآثام والكبائر ثم رمي عن نفسه تلك تخلصا فقد جاء بإثم عظيم قال تعالي (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) السورة 4 والآية 112. كيف يستطيع الأفراد الذين امروا بعمل المنكر ومن عمله ومن رضي به ومن أباحه ومن هيأه وأعان عليه شركاء الاثم والجناية كلهم. إن استطاعوا أن يتخلصوا به أمام الناس كيف بهم يوم الحساب، (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) الآية 24 من السورة 24 ولا شك وأن الناس علي دين ملوكهم وكما جاء في الآية الكريمة: (وإن الظالمين
(٤٤٠)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (1)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)
بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) الآية 19 من السورة 45.
فتري القوم بين غاصب مسند الخلافة ظلما ويقيم سلطته فرضا وظلما، ويسند أوامره إلي من يطيعه ويعينه علي هذا التعدي قسرا وظلما، ويفتك بالأحرار ويكيل لهم البهتان بالردة والخروج عن الدين وعمل المنكرات ظلما وكذبا وجورا فيقتلهم ويتعرض لأعراضهم وأموالهم وأنفسهم عدوانا، فهو ومن أرسله وأمره وأعانه وأباح له ذلك وامتدحه بعد معرفة كل ذلك شركاء في الإثم والخيانة والفسق. (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله) (الآية 50 من السورة 28) وقد قال الله سبحانه وتعالي (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور). الآية 10 من السورة 35 فتري القوم من غصب إلي قتل إلي إحراق إلي سبي إلي هتك واعتداء علي أعراض المسلمين ثم كيلهم البهتان والكذب لهم ووصمهم بالكفر والفسق والفجور. (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) (الآية 45 من السورة 16). وبالتالي (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) و ( … الفاسقون) و (الكافرون) (في ثلاث آيات) ويلهم من غاصبين آمرين بالمنكر فاتكين بالمسلمين زورا وبهتانا وظلما وعدوانا، ويل لمن أجاز لهم كل هذه الأعمال، وويل لمن أمرهم وبعدها شجعهم وأثني عليهم فأعاد الكرة بعد الكرة علي المسلمين المؤمنين قتلا واحراقا، وقد وعي الآيات القرآنية. هاك ما قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) " لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله إلا بإحدي ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
صحيح البخاري 10 ص 63، كتاب المحاربين، باب قول الله تعالي: النفس بالنفس، وصحيح مسلم 2 ص 37، والديات لابن أبي عاصم الضحاك ص 10، وسنن أبي داود 2 ص 219، وسنن ابن ماجة 2 ص 110 ومصباح السنة 2 ص 50،
(٤٤١)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، القتل (1)، الغصب (1)، الشهادة (1)، الزنا (1)، العذاب، العذب (1)
ومشكاة المصابيح ص 291، وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدي ثلاث: رجل كفر بعد اسلامه، أو زني بعد احصانه، أو قتل نفسا بغير نفس ". جاء في الديات لابن أبي عاصم الضحاك ص 9، وسنن ابن ماجة 2 ص 110، وسنن البيهقي 8 ص 89، وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم علي الله " صحيح مسلم 1 ص 30، والديات لابن أبي عاصم الضحاك ص 17 و 18، وسنن ابن ماجة 2 ص 457، وخصائص النسائي ص 7، وسنن البيهقي 8 ص 19 و 196.
فمن أين جاءوا بهذه الشريعة الفظيعة أن من توقف عن امتناع الزكاة حكم عليه بأشد العقوبات المفروضة علي الكفرة الفجرة الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا فسادا في الأرض من قتل واحراق ودعارة وسبي وهتك وأسر، بل وأشد من ذلك الإحراق وهتك الاعراض والاعتداء الفظيع علي النواميس، من أمر بذلك؟ وكيف حق له ذلك؟ ومن باشر؟ من هو المقصر الحقيقي ومن هو الجاني؟
بعد أن ثبت أن كل ذلك جزءا وكلا مخالف للشريعة الاسلامية وتعد علي حدود الله في كتابه الكريم كما مر في الآيات والسور وتعد علي سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كما ذكرنا ذلك أعلاه، ونحن نعلم أن الشريعة الاسلامية هي أسهل وأرأف وأعمق وأحكم الشرائع السماوية وغير السماوية وقد راعت حقوق الفرد والجماعة كما جاء في الكتاب والسنة. في قوله تعالي: (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم) السورة 8، الآية 61، وقوله تعالي: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها وهم لا يظلمون) (الانعام الآية 160).
فتري في الآية الأولي كيف أوصي الله بالسلم والابتعاد عن الحرب رفقا ورحمة منه، وفي الآية الثانية كيف عرف البر والاحسان فأعطي من جاء بالحسنة
(٤٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب سنن إبن ماجة (2)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الزكاة (1)، القتل (2)، الحرب (1)، الوصية (1)
عشرة أمثالها. وقد امتدح الله نبيه بالرفق والتساهل والرحمة حيث قال تعالي:
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) الآية 159 من السورة 3، ولا ننسي كيف غضب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي خالد حينما قتل جماعة دون مشورته وتبرأ إلي الله من فعله مرارا، وانظر كيف يبشر الله الذين يدرؤون بالحسنة السيئة بمضاعفة الحسنة بقوله عز وجل: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة) سورة الرعد الآية 22، وقوله تعالي (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) الآية 219 من السورة 2، فكيف بمن يسعي فسادا في الأرض ويشيع بين المؤمنين الفساد ويبادر بكبائر الاثم والعدوان: (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) الآية 19 و 24 من السورة 24.
ألم يكن المسلمون جميعا إخوة ولا يجوز التعرض لمؤمن إلا بقدر إساءته؟
وان حصل سوء تفاهم أو ما أشبه ذلك فيجب قبل كل شئ اصلاح ذلك، فقد قال تعالي: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون). الآية 10 من السورة 49 كما جاءت الآية 32 من السورة الخامسة.
(من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) فماذا عمل مالك بن نويرة وصحبه؟ أقتلوا نفسا أم قاموا بفساد في الأرض؟ وهم وعلي رأسهم مالك صاحب رسول الله؟ ما هو ذنبه؟ ما هي جريمته؟ أية سيئة تستحق هذا النكال وهذه الكارثة الفظيعة والله تعالي يقول: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره علي الله إنه لا يحب الظالمين).
ولكن يا قارئي الكريم علينا ان نتمثل بقول الشاعر:
(٤٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، سورة الرعد (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، القتل (2)، الشهادة (1)، الصبر (1)، الجواز (1)
إلي الماء يسعي من يغص بلقمة * إلي أين يسعي من يغص بماء فممن هي الشكوي والاعتداء؟ يبدأ بغصب منصب الولاية ووصي رسول الله وغصبه بضعة رسول الله وعترته. الم تقع الجناية منذ الساعة الأولي علي أعز خلق الله الطاهرين المنزهين من الرجس؟ فهذا الغاصب اليوم بيده الحل والعقد والأمر والنهي كان ذلك عمله بامام المسلمين بل إمامه وأميره. نعم، هكذا انقلب الامر وأصبحت الأمور بيد غير أهلها وطبق المثل:
يقولون ان الملح يصلح فاسدا * فما حيلتي يا قوم إن فسد الملح فإذا كان ذلك فعل من تقمص رداء الخلافة غصبا ونصب نفسه علما فلا بدع أن تري أنصاره وشيعته هذه فعالهم والناس علي دين ملوكهم، نعم إذا رأيت الحطب والنار تضطرم علي باب رسول الله لإحراق بيت علي وفاطمة والحسنين وهم فيها، ويساق أبو الحسن حاسر الرأس حافي القدمين مهددا بالقتل إلا أن يبايع وبعدها بايع ويطلب قتله فلا عجب أن تري مالك بن نويرة وصحبه قتلي وتضرم النار رؤوسهم، ونساؤهم وأطفالهم سبايا، وأموالهم تسلب وينزو خالد علي زوجته.
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا * فشيمة أهل البيت كلهم الرقص فلمن الشكوي؟ وبمن الرجاء وبمن يعتصم المستضعفون؟
(ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله) الآية 50 من السورة 28، ولكن الله بالمرصاد (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) الآية 52 من السورة 10، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الآية 227 من السورة 26.
هل تشك بعد هذا بكفر من لم يحكم بما أمر الله وآياته وقد نص عليه الله؟
(٤٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: النهي (1)، الزوجة (1)، القتل (2)، الشكوي (2)، الطهارة (1)
وأي كفر أعظم من أن تري الكفر ظاهرا في مخالفة أحكام الله وسنن نبيه بعد أن سمع وقرأ كتاب الله وهو يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ومن ينكر أن الظالم لا يولي غير الظالم، والغاصب لا يولي غير الغاصب إذ بعضهم أولياء بعض، وكيفما تكونوا يول عليكم وقد قال الله: (وان الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) الآية 19 من السورة 45.
(٤٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (3)

المسؤولية الجنائية

المسؤولية الجنائية
صفحه(٤٤٧)
علي عاتق من تقع مسؤولية هذه المظالم وقد ثبتت كما مرت بأسانيدها واعترف بها السيد والمسود. إني الآن بعدما ذكرت الأسانيد كاملة حول قضية وقعت بعد وفاة خاتم الأنبياء علي جماعات من المسلمين فيهم من صحابة رسول الله الذين ائتمنهم علي صدقات قومهم وفي مقدمتهم مالك بن نويرة وهو من اشراف الجاهلية ومن أشراف الاسلام ثبت أنه وقومه كانوا مسلمين: أذنوا وصلوا واعترفوا أنهم مسلمون ولم يظهر منهم خلاف سوي تأخير في أداة الزكاة، وما كان ذلك إلا وهو باعتبارهم من المسلمين الذين حضروا محضر رسول الله وعرفوا كباقي المسلمين وصايا رسول الله وسننه التي كان يكررها في علي وعترته وأخص منها يوم غدير خم ذلك المشهد الكبير الذي حضره بصورة متوسطة نحو من مائة وخمسين ألفا جعلهم جميعا شهودا علي ذلك، وطلب من الحاضر أن يخبر الغائب بولاية علي وإمامته وخلافته من بعده، وقد ثبت كل ذلك بالتواتر الذي لا يمكن انكاره. هؤلاء القوم وغيرهم حق لهم وهم بصفتهم مسلمين ومؤمنين وعلي رأسهم الصحابي الأمين مالك بن نويرة وهو يعلم ما أمر الله به يوم غدير خم في آية التبليغ وآية الاكمال بنصب علي خليفة بعد رسول الله الكريم، ورأي بأم عينيه تهنئة الرجال والنساء المهاجرين والأنصار، البعيد منهم والقريب لعلي بالولاية، وعرفوا ممن هنأه أبا بكر وعمر، وهم يعلمون أن عليا كان له المقام الأول دائما في زمن رسول الله حتي إذا غاب رسول الله فإنما يكون بعده علي، ولا بد أنه سمع كما
(٤٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: آية التبليغ (1)، آية الإكمال (1)، المهاجرون والأنصار (1)، غدير خم (2)، الكرم، الكرامة (1)، الزكاة (1)، الجهل (1)، الشهادة (1)، الظلم (1)، الوفاة (1)
سمع باقي الصحابة والمسلمين بآية الولاية والطهارة وأحاديث المنزلة والثقلين والسفينة وغيرها المار ذكرها، ووصايا رسول الله في علي وفضائله، كل ذلك مما لم يكن لغيره من الصحابة، وما أبو بكر وعمر إلا كباقي المسلمين حتي في أقرب وقت من وفاة رسول الله إلا كباقي الجنود في جيش رسول الله في بعثة موته التي أمر علي الجيش أسامة بن زيد ولم يذكر أن عليا ولي عليه في واقعة واحدة وما كان فيها بعد رسول الله إلا أميرا. وكل مسلم محارب وغير محارب ومنهم مالك وقبيلته سمعوا وعرفوا منزلة علي في الوقائع وشجاعته وتضحيته، وحب رسول الله له وكل منهم يعرف أنه أعلم الصحابة، وطالما كرر رسول الله بألفاظ مختلفة " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ويعرفون سبقته للاسلام وانه ربيب رسول الله وزوج بضعته وأبو عترته، كل هذا لا يخفي علي مالك وأمثاله، وبعد هذا كله يداهم بوفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وإذا به يسمع أن جماعة علي رأسهم أبو بكر يعلن الخلافة ويعرف أن عليا صاحب الحق المغتصب مقهور، كل هذه وهو ذو عقيدة راسخة رغم كونه حديث الاسلام أو غير حديثه.
أيها القارئ العزيز لو كنت أنت في محله ماذا كنت تعمل؟ هل كان يجب عليك أن تقدم الزكاة لكل من يأتي وأنت تعرف خليفة رسول الله الذي نصبه بأمر الله. لا أحسبك إذا كنت مؤمنا حقا ومخلصا للاسلام إلا واتبعت نفس عمل مالك بن نويرة، تتريث حتي تري الأمر وتتجلي الحوادث عمن يتولي هذا الامر وهكذا عمل مالك بن نويرة وصحبه وقبيلته، وماذا عمل مالك سوي أنه أخر الزكاة علي حد قولهم، وما هو جزاء من لم يجمع الزكاة وقد ثبت أنه أعاد الزكاة لقومه حتي ينجلي الموقف فهو لم يستول عليها ويختلسها حتي يقال له مختلس، هذا عمل ابن نويرة، وهذا خالد ليس وحده بل معه عبد الله بن عمر وأبو قتادة وهما شاهدان علي عمله. ويا له من عمل ما أفضعه! يقتل المسلمين وعلي رأسهم الصحابي المؤمن ليعتدي علي عرضه وناموسه ثم يجعل رأسه أثفية المواقد ويزني بنفس
(٤٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، آية الولاية (1)، أسامة بن زيد (1)، عبد الله بن عمر (1)، الزكاة (4)، العزّة (1)، الموت (1)، القتل (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الوفاة (1)
الليلة بزوجته قسرا بعلم من عبد الله بن عمر وأبي قتادة اللذين منعاه ونهرهما، ولا يكتفي بقتل مالك بعد مكره إياه. بل يقتل رجاله بغيا وهم جميعا مسلمون، ويسلب أموالهم ويسبي نساءهم وذراريهم، وجميع هذا ثبت عليه عند الخليفة الثاني عمر ثبوتا تاما، كما اعترف هو نفسه عندما قال له عمر بذلك فلم ينكر ولم يدافع عن نفسه، كما ثبت ذلك عند أبي بكر بشهادة عمر وأبي قتادة وعبد الله بن عمر وغيرهم حتي أمر برد السبايا ودفع الدية، وقد عرف أن خالد بن الوليد عمل ذلك غدرا فقتل مالكا والمسلمين من أصحابه وثبت أنه زني فأمره بطلاق زوجة مالك، وثبت أنه سبي النساء والأطفال ظلما ولهذا أعادهم، وثبت لهم أن الرجال المقتولين كانوا مؤمنين ومسلمين فدفع ديتهم. كل هذا ثبت له علي خالد وقبل ذلك كان يعلم أن خالدا غدر في زمن رسول الله، وأن رسول الله تبرأ إلي الله من عمله، علي أن ذلك العمل الذي عمله خالد كان مع غير مسلمين وكيف أن رسول الله غضب عليه ونهره ودفع الدية عن جميع المقتولين بيد علي (عليه السلام) كما مر، فكيف وكل ذلك بعلم أبي بكر! والدليل علي أن أبا بكر يعلم تمام العلم بأعمال خالد وتعدياته عمدا بالقتل والزني ما ذكرناه عن الكتاب المار الذكر بأسانيده الذي أرسله أبو بكر إلي خالد وأثبت فيه أنه قتل ألفا ومئتي مسلم وعمل ما عمل ورغم كل ذلك لم يظهر له أدني تأثر وامتعاض، بل أعطاه وساما ولقبا ظل يتابع خالدا بقوله سيف الله فإذا كان أبو بكر يرسل خالدا متعمدا ليفعل ذلك دون رحمة ولا شفقة علي شرط أن يعمل ذلك مع مخالفيه من موالي علي وعترته وأنصاره، ولم يجزع إلا عندما تجاوز ذلك إلي شيعته هو فرد عليه بتلك الرسالة واعترف بعلمه ودرايته بجرائمه بقوله: " يا ابن أم خالد! إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومئتي رجل من المسلمين لم يجف بعد " كتبه إليه لما قال خالد لمجاعة " زوجني ابنتك. فقال له مجاعة: مهلا إنك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك. قال: أيها الرجل! زوجني فزوجه فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه الكتاب فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: هذا
(٤٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، خالد بن الوليد (1)، عبد الله بن عمر (2)، القتل (3)، الزوج، الزواج (1)
عمل الأعيسر يعني عمر بن الخطاب ". أخرجه الطبري في تاريخه 3 ص 254، كما جاء في تاريخ الخميس 3 - 343، ولم يكن خالد وحده الذي كان يقوم بهذه المنكرات فإذا راجعنا تاريخ ابن عساكر 7 ص 31، وخزانة الأدب 2 ص 8، والإصابة 2 ص 9 نري أن ضرار بن الأزور زميل خالد بن الوليد ومن علي شاكلته وشريكه في الجرائم يشن الغارة بأمر أبي بكر علي حي من بني أسد فيأخذ امرأة جميلة فيطؤها بهبة من أصحابه ثم يذكر ذلك لخالد فيقول له " قد طيبتها لك ".
فنحن الآن امام مجموعة من الجرائم ابتداء بعلم وأمر من الخليفة الأول أبي بكر إلي عماله هي كما مر بهتان وقتل وغارة وسلب وسبي وزنا ضد مسلمين وصحابيين مع سبق الاصرار والعمد من الخليفة أبي بكر بشهادة عمر بن الخطاب وقوله في أبي بكر عندما يمتنع عن إقامة الحد علي الفاعلين: " إن أبا بكر لج فيه شيطانه " وقد مر ذلك بأسانيده. ويزيد أبو بكر بأن يعطي خالدا وسام الفخر ويلقبه بسيف الله وهو يعلم أنه قتل 1200 مسلم عمدا كما مر ذكره.
خالد بن الوليد يتعمد قتل مالك وصحبه للوقيعة به ظلما والنزو علي زوجته بنفس الليلة، جرمان كل منهما يستحق فيه الحد ثم القتل في الدنيا، وفي الآخرة عذاب الخلد.
ونحن إذا تصفحنا التاريخ وسير الأمراء والملوك والفاتحين نراهم علي قسمين: منهم من انتصروا في حياتهم ودام الانتصار لخلفائهم وخلفاء خلفائهم لزمان بعيد لم يجسر المؤرخون علي ذكر جرائمهم إلا ما ندر وبصورة مصغرة، وأغلبها اندثرت مع الزمن أو جاءت مشوهة مقرونة بأعذار ومصحوبة بما يصبغ أعمالهم المنكرة بصبغة من القدسية والإجلال، وكل أمر مخالف يخلقون له عللا تبرئ ساحتهم من سيئاتهم، وبالعكس صبغتها بصبغة محقة لهم ومنكرة علي خصومهم، هذا في قبائح أعمالهم، وأما في محاسنها فتبالغ في تمجيدها حتي
(٤٥١)
صفحهمفاتيح البحث: الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (2)، الخليفة عمر بن الخطاب (2)، إبن عساكر (1)، خالد بن الوليد (2)، بنو أسد (1)، القتل (4)
تصل بها مدارج المعاجز وخوارق العادة فتصنع من النقطة غديرا، ومن القبة جملا لا سيما إذا جاء من بعدهم من اعتنق نفس المبدأ وحمل ذات العقيدة أو كان يهمه الامر كأبيه أو شريكه في السلوك والهدف.
وأما إذا انخذل واندحر ووقع الأمر بيد خصومه وأعدائه فلا تجد كرامة أو فضيلة له إلا وأصبحت شعوذة ورذيلة، وكل حسنة أصبحت سيئة، وما كانت غلطة صغيرة، خلقت منها جرائم ومساوئ عظيمة ووصم بما تشمئز منه النفوس وتذعر منه العقول.
وأقربها إلينا الحرب العالمية الثانية، وكيف برز فيها رجلها هتلر وبلغ مصاف الدهاة وخلقت له في حياته الأساطير في شجاعته وتقدمه وسطوته وحكمته هو وأعوانه وشعبه، فكانوا مطمح العالم وسادته وقادته، تلهج بذكرهم الألسن وتطنب بأعمالهم، وخلقت منهم أبطالا عجزت عن وصفها الأقلام، وذهلت لسطوتها الأعلام، وبالغت في تعظيم صغائرها وتمجيد معايبها.
حتي إذا نكبت وغلبت وثقلت خصومها، واندحرت بعد الانتصار، وتخاذلت بعد الافتخار، وتقهقرت بعد تقدمها أفل نجمها الساطع، وانطمست اعلامها الزاهية، عادت أمجادها ذميمة، ومحاسنها رميمة، حيث ساد الند واندحر الود. وهكذا التاريخ أكثره علي هذه الشاكلة كثيرا ما تطمس فيه الحقائق، وتشوه الوقائع، ويعاب المظلوم إذا اندحر، ويرفع الظالم إذا ظهر، إلا إذا فحصناها بعين البصيرة، ودققناها بحسن سريرة، وأزلنا ما يخامرها من شوائب وينوبها من نوائب. هكذا كانت وقائع صدر الاسلام بعد وفاة رسول الله سيد الرسل (صلي الله عليه وآله وسلم)، سلب منصب الخلافة، والناس رغم أنهم جديدو العهد بالإسلام عرفوا كثيرا عن وصايا رسول الله في علي وعترته. ومن لم يهمه أن يسلب ذلك الحق البارز، والمنصب السامي، ويخالف حدود الله وسنن رسوله يهون عليه كل شئ بعد هذا،
(٤٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (2)، الحرب (1)، الوفاة (1)
ولا يهمه إلا بلوغ هدفه مهما كثرت المجازر، واستحلت المنكرات، والظالمون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. ويعدلون عن الصراط المستقيم إلي الضلالة والجهالة واننا إذا فحصنا تقدم الاسلام في زمن رسوله وتقدمه بعده وانخذاله فيما بعد، ووضعنا الأمور والقضايا التاريخية علي طاولة التشريح، وفحصناها فحصا دقيقا، واعدنا مركباتها إلي موادها الأولية وحقائقها الأصلية، لوجدنا ان القوم حادوا بعد رسول الله عن الصراط المستقيم السوي، وأصروا علي هذا الانحراف حتي أصبح عادة ومنهاجا للقوم إلا النخبة القليلة الذين استقاموا.
تعيرنا أنا قليل عديدنا * فقلت لها إن الكرام قليل ولقد ثبت لنا ونحن نبحث في المسؤولية الجنائية أن المسؤول عن القتل الفجيع لمالك بن نويرة وصحبه والأعمال المنكرة من النهب والسلب وسبي ذويه والنزو علي زوجته انما هو الغاصب الأول. الغاصب لمصدر الخلافة من صاحبها الأصلي، والانحراف عن الصراط المستقيم الذي أمر باتباعه الله ورسوله، وإن جميع تلك المظالم بدأت يوم السقيفة ولم يكن بد بعد هذا الغصب إلا الظلم والقسر والجور علي ذويه وشيعتهم ومواليهم، وقمع كل من تحدثه نفسه علي القول والفعل بالعودة للحق، أو الاعتراض في هذا، والأمر جلي واضح لكل ذي عينين إن حقق ودقق، وهيهات أن تخفي الحقيقة، وهل يجوز لمن قام بتلك المظالم أن يقول ويعترف بظلمه؟ هيهات فلا بد وأن يقول: إنما قمنا بذلك باسم الردة ولكن:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفي علي الناس تعلم والحق يعلو ولا يعلي عليه، والعاقبة للمتقين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
(٤٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (2)، السقيفة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الزوجة (1)، الظلم (3)، النهي (1)، الجواز (1)

وهذه شكوي مالك بن نويرة في يوم الجزاء

وهذه شكوي مالك بن نويرة في يوم الجزاء
صفحه(٤٥٥)
مالك - إلهي! يا من لا تخفي عليك خافية في الأرض ولا في السماء! يا غياث كل مظلوم ونكال كل ظالم! لقد هديتنا بمحمد الصادق الأمين فوجدناك أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، ولقد بلغتنا علي لسان رسولك وعرفتنا في مواقف عديدة وكثيرة، وصي رسولك وأخاه وخليفته من بعده وعترته الطاهرة، فقد عرفت عليا لنا في آياتك المحكمات في آية الولاية أنه وليك بعد رسول الله وذلك يوم تصدق بخاتمه وهو راكع، فقلت:
(انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)، وطهرت عليا مع رسولك وزوجته فاطمة بضعة رسولك وولديه الحسن والحسين سبطي رسول الله وريحانتيه من الرجس والدنس في آية التطهير فقلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وأمرت رسولك يوم غدير خم في آية التبليغ في ذلك اليوم المشهود والحر المحرق الذي بلغ فيه المسلمون ما ينوف علي المئة والخمسين ألفا يعلن خلافة علي وإمامته وإطاعته بعده، وأن يخبر الشاهد الغائب، وتشهد أنه بلغ وأعلن وقال بعد خطبة كبيرة أشهد عليها القوم حيث قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " ثم نصبت له خيمة وأم القوم رجالا ونساء لتهنئته، ثم أنزلت آية الإكمال بعد أن كنت أنزلت آية التبليغ وهما
(٤٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: آية التبليغ (2)، آية الإكمال (1)، آية التطهير (2)، يوم عرفة (1)، آية الولاية (1)، غدير خم (1)، الصدق (1)، الشراكة، المشاركة (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (1)، الظلم (1)
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
والأخري بعد التبليغ:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) ولقد أنزلت في علي ما ينوف علي ثلاث مئة آية في مدحه وفضله، وفي رسول الله وعترته أنزلت ربع القرآن (ومرت أسانيدها جميعا). ونشهد أن رسول الله نصب عليا وعترته أعلاما للهدي في غير موقف واحد، فقد نصبه خليفة وهو لما يبلغ الحلم في يوم الدار وقال فيه: " علي مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ". وقال فيه: " إنه امام المتقين وقائد الغر المحجلين " وقال فيه: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وقال فيه وفي عترته: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وقال فيه وفي عترته: " ان مثل عترتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها غرق ". وقال في علي وعترته وأتباعه في كل محفل ومناسبة ما نصبه علما وخليفة بحيث لا يستطيع كل قريب وبعيد أن يلتمس عذرا بأنه غير عالم، فكيف بالصحابة القريبين. ولقد سمعنا بنصرة علي للاسلام في الحروب وفي الوقائع الأخري، وكل صغيرة وكبيرة ومعضلة ما كانت تحل إلا علي يد علي ونحن جميعا سمعنا ورأينا تلك الكرامات والفضائل لعلي دون سواه، فعلي وحده بعد رسول الله الخليفة والامام والهادي لهذه الأمة الجامع لجميع الصفات المؤهلة عقلا ونقلا، ومما قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم: إنه دعي وإنه سيجيب قريبا وهو سبب نزول آية التبليغ والاكمال. وإني لأشهد أن أبا بكر وعمر حضرا يوم غدير خم وسلما علي علي وهنآه علي الخلافة والموالاة، كل يقول: " بخ بخ لك يا علي لقد أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة " وقد كنا نترقب في القريب العاجل بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن تعود إلي علي الخلافة ونطيعه فهو
(٤٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، آية التبليغ (1)، آية الإكمال (1)، حديث الثقلين (1)، القرآن الكريم (1)، غدير خم (2)، الكرم، الكرامة (1)، السفينة (1)
الخليفة والامام المطاع بدون منازع.
ولكن مع أشد الأسف ما كاد الناعي ينعي رسول الله حتي سمعنا خبرا أقض مضاجعنا، وهز قلوبنا ترحا، أن أفرادا اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة من المهاجرين لا يتجاوز عددهم الخمسة، وتنازعوا مع الأنصار وألقوا بينهم الفتنة، وانتخبوا أبا بكر خليفة، هذا ولم يكن من المهاجرين وكثير من الأنصار وباقي المسلمين في المدينة وأقربهم إلي رسول الله ولا جيش أسامة القريب من المدينة ولا بني هاشم وقلة قليلة من الصحابة المشغولين بغسل رسول الله، حاضرين في السقيفة ومشاركين في هذا الانتخاب، بل كانوا كلهم غائبين عن السقيفة فكيف جري هذا الانتخاب وجميع المسلمين في البقاع والأصقاع والمدن الأخري لا علم لهم به، وبعدها سمعنا أن جماعات كبيرة أكرهوا علي البيعة أو أغفلوا، ونحن نعرف حق اليقين أن عليا هو الخليفة، وأنه في نزاع مع الغاصبين، نزاع لا بحد السيف بل هو الاعتراض علي هذا العمل المنكر وبالمنطق السليم، هذا ونحن في دهشة وحيرة وكنت قد جمعت مقدارا من أموال الصدقات التي أمرني رسول الله بجمعها، وحرصا علي حقوق المسلمين أعدتها لهم حتي نعرف لمن تنتهي عاقبة الأمور، وإذا بخالد ورجاله وفيهم عبد الله بن عمر وأبو قتادة ورجالهم مدججون بالسلاح، وكنا نحن أيضا مسلمين فقالوا نحن مسلمون فقلنا ونحن مسلمون فأذنوا فأذنا، وصلوا وصلينا معهم، فطلبوا منا وضع السلاح فوضعناه ونحن علي أمان، وإذا بخالد يأمر رجاله بشد أكتافنا، وإذا بخالد يتعرض لنسائنا وبالأخص إلي زوجتي وقد وجدته وأنا زوجها ينظرها بنظرات أنبأتني عن سوء الطوية وقد هددني بالقتل فعلمت أنه فاعل ذلك معي ومع صحبي، وكل بغيته أن يتعرض لعرضي وزوجتي، فأشرت له بذلك وقلت لها إنها قتلتني بجمالها، فنهاه أبو قتادة وعبد الله بن عمر فنهرهما، فقتلني ظلما وكيدا، وقتل أصحابي، وأنت أعلم بما
(٤٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب حق اليقين للسيد الشبر (1)، عبد الله بن عمر (2)، بنو هاشم (1)، السقيفة (3)، الزوج، الزواج (2)، القتل (2)
صنعه بعدي مع النساء والأطفال، وبما استباح من المحرمات في أنفسنا وأموالنا وأعراضنا. إلهي وربي إني أشكو إليك منه وممن سلطه علينا ظلما وعدوانا. إلهي إني أشكو إليك ما قاسيناه منه ومن رجاله من الأذي والتعذيب والتحقير والإهانة دون ذنب أذنبناه، إلهي وربي أشكو إليك مما دهاني من هذا الظالم ومن سلطه علي من الجزع والهول والنكاية، وأنا أري تهديده لي بالقتل، وزوجتي وما أصابها من الرعب، ونساء قبيلتي من الهول، وأطفالي من الصدمة في حياتي وبعد قتلي، إلهي أنت تعلم أني أخلصت لك بالتوحيد ولرسولك بالنبوة ولوليك ووصي رسولك بالتصديق وهؤلاء الغاصبون أعرف أنهم جاءوا وحادوا عن جادة الحق وخالفوا أوامرك وتعدوا حدودك وضلوا بخصامهم وكيدهم لأوليائك علي وعترته عن جادة الصواب ورضيت بما أصابني يا إلهي صبرا علي قضاك وطلبا لرضاك ورعاية لدينك وحفاظا علي سنتك، إلهي فعذبهم عذابا أليما وخذ بحقي وحق من ظلموه وعذبوه وغصبوه وتعرضوا له، بحق المؤمنين من المسلمين القتلي، وبحق النساء الثكلي، والسبايا المنهوبين المشردين، والأطفال المروعين، اللهم يا نكال الظالمين ومهلك الغاصبين ومبيد الجبابرة المعاندين، اللهم إني استشهد برسولك رسول الهدي محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وبعلي المرتضي الصديق الأعظم والفاروق الأكبر خليفة رسولك ووصيه وأخيه بأني شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن عليا وليك وخليفة رسولك، وأني تبرأت من عدوك وعدوهم، وأن ما أصابني اخلاصا لدينك وولاية لأوليائك واعراضا عن أعدائك وخصوم أحبائك، وستشهد علي أعمالهم المنكرة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم يا رب العالمين، اللهم فاحشرهم مع أعدائك واحشرني مع أحبائك وأوصيائك محمد وآله الطيبين الطاهرين يا أرحم الراحمين.
(٤٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن عبد الله (1)، الصدق (2)، الظلم (1)، القتل (2)، الشهادة (1)، الطهارة (1)، الزوج، الزواج (1)

شكوي المؤلفة قلوبهم من أبي بكر وعمر

شكوي المؤلفة قلوبهم من أبي بكر وعمر
صفحه(٤٦١)
قال الله عز من قائل (إنما الصدقات للفقراء والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (الآية 60 من سورة التوبة).
فنري أن الصدقات إنما هي ثمانية أقسام طبق نص الآية القرآنية وقد نصت الآية هذه علي المؤلفة قلوبهم وجعلتهم في الرديف الرابع بعد الفقراء والمساكين والعاملين عليها وهذا نص لم ينسخ أبدا لا بنص ولا بغيره، وقد سار عليه رسول الله في حياته ولم يشر إليه بإشارة ليضعفه أو يقع فيه ما يمكن ان يحدث شكا فيه بعده للخلفاء، وهذا السهم كان يعطي منه لأشراف العرب الذين لم يسلموا بعد ليقربهم فيسلموا. أو كان يعطي منه لمن أسلموا ولكن لما يدخل الايمان في قلوبهم فهو يريد بذلك أن يؤلف قلوبهم بالعطاء كأبي سفيان وابنه معاوية وعباس بن مرداس وعتيبة بن حصن والأقرع بن حابس وأمثالهم، ومن المؤلفة قلوبهم من يترقب باعطائهم اسلام نظرائهم من رجال العرب وبهذا يرجو اسلامهم وعلي أقل تقدير يأمن شرهم وشر تحريضهم، ويأمل انضمامهم إليه ضد الكفار.
هؤلاء المؤلفة قلوبهم جاءوا أبا بكر يطالبونه بحقهم فأمضي لهم ذلك بيد أن عمر صدهم ومنعهم، ووافقه علي ذلك أبو بكر، ودعوي عمر أن الله أعز الاسلام ولا حاجة لنصرتكم فكأن الله ورسوله قد غاب عنهما ما عرفه عمر، وأنه يفرض
(٤٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، سورة البراءة (1)، الأقرع بن حابس (1)، سبيل الله (1)، العزّة (1)
علي الأمة نصوصا وأحكاما دونها نصوص القرآن، فهل كان لعمر ولأبي بكر أو غيرهما مخالفة نص قرآني صريح. وإنك لتجد ذلك لفظا ومعني في كتاب الجوهرة النيرة علي مختصر القدوري في الفقه الحنفي ص 164 ج 2 كما ورد في غير ذلك حول مناقب الخليفتين ولفظه كما يلي: لما ولي أبو بكر جاء (المؤلفة قلوبهم) لاستيفاء سهمهم هذا جريا علي عادتهم مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فوافق أبو بكر وكتب لهم كتابا إلي عمر، وعندما قدموا له كتاب أبي بكر مزقه وقال: " لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الاسلام وأغني عنكم، فان أسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم "، فرجعوا إلي أبي بكر فقالوا له: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله. وأمضي ما فعله عمر. وقد أول بعض الكتاب المعاصرين كالدواليبي في كتابه " أصول الفقه " أن أبا بكر وعمر وجدا مصلحة المسلمين تقتضي ذلك. ولكننا نتساءل: هل يجوز لنا الاجتهاد في موارد النص الصريح ودون أن يكون في ذلك أية إشارة إلي مثل تلك المصالح، فقد رأينا أن صوم شهر رمضان في القرآن فرض علي كل مسلم، بيد أن الله عز وجل أشار في كتابه الكريم بقوله (فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر)، كما أوجب القصر للصلاة وأشار (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا … ) فكان الله في أمثال تلك أبعد الحرج، وفتح لنا بابا نتقي به الحرج فهل أشار مثل ذلك في الزكاة في حين أنه عز وجل قال في محكم كتابه المجيد في ثلاث آيات في إحداها (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وفي أخري هم الفاسقون وفي أخري هم الظالمون.
فكيف جاز لهما أن يغيرا حكم الله الصريح بدعوي المصلحة في حين أننا نري اليوم ومنذ القديم كانت الدول ولا تزال تصرف قسما من ميزانيتها في سبيل الدعاية السياسية والاقتصادية بين الافراد والجماعات وحتي الدول القريبة والبعيدة بغية تثبيت مصالحها، وهل كان حقا أن الاسلام كان في غني عن ذلك،
(٤٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، شهر رمضان المبارك (1)، أصول الفقه (1)، القرآن الكريم (2)، العزّة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الزكاة (1)، الصّلاة (1)، الغني (1)، الصيام، الصوم (1)، الجواز (1)
وكم كان لذلك الصرف وتلك السهام من الآثار العظيمة لو بقيت تصرف في سبيل ذلك، وربما أشاد من أراد الاطناب بحكمة الخليفتين ونسب لهما بذلك العظمة بأن الاسلام أصبح عزيزا وانها كلمة تقال بيد أنها أضرت بالاسلام، وكم وقع مثل ذلك التباني بين الخليفتين، وكم أول ويؤول من الكتاب والشعراء مساوئهم حسنات دون المقارنة وتمحيص الحقائق، وقد نقل ابن أبي الحديد في الجزء الثاني عشر لشرح النهج ص 10 من المجلد الثالث، كما نقل العسقلاني في اصابته ما يلي:
" جاء عتيبة بن حصن والأقرع بن حابس إلي أبي بكر فقالا له:
ان عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة وإن رأيت أن تقطعناها لعل الله ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر لمن حوله: ما تقولون؟ فقالوا لا بأس فكتب لهما كتابا فانطلقا إلي عمر ليشهد لهما فيه فأخذه منهما ثم تفل فيه فمحاه، وتذمرا وقالا له مقالة سيئة ثم ذهبا إلي أبي بكر متذمرين، وقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟! فقال: بل هو.
وجاء عمر حتي وقف علي أبي بكر وهو مغضب، فقال أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أهي لك خاصة أم بين المسلمين؟! فقال: بل بين المسلمين. فقال: ما حملك علي أن تخص بها هذين؟ قال: استشرت الذين حولي فقال: أوكل المسلمين وسعتهم مشورة ورضي؟ فقال أبو بكر: فقد كنت قلت لك انك أقوي علي هذا الامر مني لكنك غلبتني ".
فانظر إلي هذا الحوار وتعال معي إلي حوار قبله حول ما عمله خالد مع مالك بن نويرة وقد ثبت أنه قتل مسلما وأنه نزا علي زوجته، كيف قابلها بها أبو بكر عمر ورده رغم ثبوته، ثم نتسائل عن مشورة المسلمين وهل صح أن يستشير أبو بكر المسلمين جميعا في مسائله الكبيرة والصغيرة وأخص منها هذه التافهة التي ثبت نفعها للمسلمين فهي سبخة لا تنتج، وباقطاعه إياهما فقد أنتج شيئا، وقبله
(٤٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، الأقرع بن حابس (1)، الزوجة (1)، القتل (1)
استشار عمر برأيه فما منعه في موافقة عمر فهل انه حقا وجد أن رضاء المسلمين جميعا واجب عليه حتي يقدم علي ذلك، وعندها نتساءل ايها أعظم عند الله والمسلمين هذه الأرض السبخة أم منصب الخلافة التي لم يحضرها سوي بضعة أنفار هم من حزبه ومن تآمر معهم ليلا من الأوس ضد الخزرج، وقد كان حتي في السقيفة الأكثرية من المخالفين، ورأينا كيف أرغم بني هاشم وأنصارهم علي البيعة، فأين كان عمر وأبو بكر عن جلب رضا المسلمين في أعظم مشاكلهم؟ هذا إذا أغضينا عن أوامر الله ورسوله في ولاية الامر، والنصوص الماضية المحكمة في علي وذرية رسول الله. وما أكثر ما خالفا نصوص القرآن اجتهادا منهما في مصالح مرسلة لم يقم علي ذلك دليل أو برهان، وخالفته جميع المذاهب الاسلامية من المذاهب السنية والشيعية علي الاطلاق (1).
ورغم ذلك يحاول من غلبت عليهم العصبية والحب والبغض توجيه السيئة إلي حسنة، ولكنهم انما يبرهنون بذلك علي حد القول الأدبي والفقهي " حدث المرء بما لا يليق فان صدق فلا عقل له " وما أكثر ما استدل بها الكتاب والشعراء علي مساوئ عملت فعدوها في مصاف المناقب، كما بعث شاعر النيل بقصيدته العصماء التي برهنت علي جهله وتعصبه الأعمي ومناوأته للإسلام ونبيه وآل بيته حيث قال:
وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها ماذا أراد أن يستدل بها الشاعر؟! أبمقام علي وهو الذي قال فيه الله في كتابه الكريم في آية الطهارة فطهره من الرجس، وآية الولاية وخصه الله دون
(1) راجع النص والاجتهاد، والفصول المهمة للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين.
(٤٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: آية الولاية (1)، بنو هاشم (1)، القرآن الكريم (1)، السقيفة (1)، الجهل (1)، التصديق (1)، الكرم، الكرامة (2)، الطهارة (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، السيد عبد الحسين شرف الدين (1)
غيره بالولاية بقوله تعالي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)؟.
أم ما جاء فيه في سورة هل أتي؟ أم آية الإبلاغ وإكمال الدين يوم غدير خم وغيرها؟. أم قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار " (1).
قال (صلي الله عليه وآله وسلم): " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " أم لما بلغ فيه بالولاية والوصاية وكل مناسبة. أم قوله: " لا يبغض علي إلا منافق " وفي أخري " إلا كافر ". وفي بضعته الزهراء: " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله "، وقول الله تعالي: (والذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله وأعد لهم عذابا مهينا). راجع بذلك ما جاء في علي وآل محمد كتابنا الأول والثاني في علي (عليه السلام).
أم أراد الشاعر أن يعظم عمر بعد أن أثبت بغضه وعدوانه وتعديه علي امامه ووصي رسول الله، واحراق بيت الزهراء وفيها بضعته والحسنان سيدا شباب أهل الجنة؟ أم أراد أن يثبت هو نفسه علمه وخصومته لأهل البيت وتعصبه الجاهلي.
أعوذ بالله ممن أعمي الله بصيرته وأضله عن السبيل.
قال تعالي: (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فان له نار جنهم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم) سورة 9 آية 63 (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون) سورة 9 الآية 9.
(1) راجع الكتاب الرابع من موسوعتنا في عمر.
(٤٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، حديث الثقلين (1)، البغض (1)، الزكاة (1)

سورة النازعات

سورة النازعات
(٤٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: سورة النازعات (1)
(وإذا جاءت الطامة الكبري (34) يوم يتذكر الانسان ما سعي (35) وبرزت الجحيم لمن يري (36) فاما من طغي (37) وآثر الحياة الدنيا (38) فان الجحيم هو المأوي (39) واما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي (40) فان الجنة هي المأوي (41).
أم أراد أن يبرهن علي جهله أنه بعمله ذلك انما حاد الله ورسوله وخالفهما في نصوص القرآن وسنن النبي كما جاء في الآيات المحكمة: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وقوله تعالي: (من يحادد الله ورسوله … ) وقوله تعالي سورة المائدة 44 (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). سورة المائدة 45 (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). سورة المائدة 47 (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). وهل بعد الحق إلا الضلال؟ مالكم كيف تحكمون؟
(٤٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: سورة المائدة (3)، القرآن الكريم (1)، الجهل (1)، الخوف (1)، الضلال (1)

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.