سفرنامه ناصر خسرو

اشارة

زبان: فارسي نويسنده: ناصر خسرو قبادياني

صفحه 001

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١
سفر نامه ناصر خسرو
(١)

صفحه 002

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٣
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسرو القبادياني المروزي تاب الله عنه كانت صناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين في أموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوان وباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتي بين أقراني وفي ربيع الآخر سنة 437 أيام أبي سليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوق حاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوان ونزلت في بنج دية مرو الرود كان ذلك يوم قران الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالي وتقدس يستجيب فيه إلي ما يطلب الناس من حاجات فذهبت إلي زاوية وصليت ركعتين ودعوته تعالي وتبارك أن ييسر لي أمري فلما عدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشد شعرا فارسيا فجال بخاطري أبيات فكتبتها علي ورقة لأعطيه إياها حتي ينشدها فإذا به ينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقة فتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن الله تعالي وتبارك قد قضي حاجتي ثم ذهبت إلي جزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشرب الخمر
(٣٣)
مفاتيح البحث: شهر ربيع الثاني (1)، خراسان (1)، الركوع، الركعة (1)، الدية (1)

صفحه 003

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٤
قال النبي صلي الله عليه وسلم (قولوا الحق ولو علي أنفسكم) حتي إذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلا يقول لي إلي متي تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال خير لك أن تصحو فأجبت إن الحكماء لا يستطيعون شيئا غير هذا يقلل هموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لا تتأتي بفقد الشعور والعقل والحكيم لا يستطيع أن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هاديا للناس بل ينبغي عليه أن يبحث عما يزيد العقل والحكمة قلت وأني لي هذا قال من جد وجد ثم أشار إلي القبلة ولم يقل شيئا فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلت لنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي أن أصحو من نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكر فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي وفي يوم الخميس من جمادي الآخر سنة 437 (20 ديسمبر 1045) منتصف شهر دي من السنة الفارسية 410 من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلي الجامع فصليت ودعوت الله تبارك وتعالي أن يعينني علي أداء الواجب وعلي ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالي
(٣٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، النوم (1)

صفحه 004

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٥
ثم توجهت من هناك إلي شبورغان وفي المساء كنت في قرية بارياب ومنها سرت إلي مرو الرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغت مرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلت إني عازم علي الحج ثم أديت ما علي من حساب وتركت أموالي عدا القليل الضروري منها وفي الثالث والعشرين من شعبان (6 مارس 1046) عزمت علي السفر إلي نيشابور فسرت من مرو إلي سرخس وهي علي ثلاثين فرسخا منها ومن سرخس إلي نيشابور أربعون فرسخا وقد بلغتها يوم السبت الحادي عشر من شوال (22 ابريل 1046) ويوم الأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس وكان الحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيك وكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجين أمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأول مرة للاستيلاء علي ولاية أصفهان وفي الثاني من ذي القعدة (12 مايو 1046) غادرت نيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كان مؤدبا للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوان وزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس الله روحه وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة (18 مايو 1046) سرت إلي دامغان
(٣٥)
مفاتيح البحث: شهر ذي القعدة (2)، شهر شعبان المعظم (1)، مدينة إصفهان (1)، شهر شوال المكرم (1)، الحج (1)

صفحه 005

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٦
ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوري وجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة 437 (9 يونيو 1046) وقد مكثت هناك زمنا وتعرفت بأهل العلم وقد دلوني علي رجل اسمه علي النسائي وهو شاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كان شعر رأسه مرسلا وكان وهو يتكلم يقول إني قرأت كذا علي الأستاذ أبي علي سينا رحمه الله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذ ابن سينا ولما ناظرته قال إني قليل المعرفة بكل علم وأحب أن أقرأ معك قليلا في الحساب فخرجت متعجبا قلت ماذا يعلم الآخرين وهو لا يعلم شيئا وعدت من بلخ إلي الري ثلاثمائة وخمسين فرسخا ويقال إنه من الري إلي ساوه ثلاثون فرسخا ومن ساوه إلي همدان كذلك ومن الري إلي أصفهان خمسون فرسخا وإلي آمل ثلاثون وبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبة ويسمي لواسان ويقال إن بقمته بئرا يستخرج منه النوشادر ويقال والكبريت أيضا فيصعد عليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونها بالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبل لتعذر إيجاد طريق لنقلها وفي الخامس من محرم سنة 438 (13 يوليو 1046) الموافق العاشر من شهر مرداد سنة 415 من تاريخ الفرس توجهت ناحية قزوين فبلغت قرية قوهة وكان بها قحط حتي بيع المن من خبز الشعير بدرهمين وقد غادرتها في التاسع من محرم (17 يوليو) فبلغت قزوين وهي آهلة بالحدائق التي لا تحدها أسوار أو أشواك فلا يحول دون دخولها عائق رأيت قزوين مدينة عظيمة ذات حصن مكين عليه شرفات وبها أسواق جميلة إلا أن الماء بها قليل وهو يجري في قنوات تحت الأرض وكان حاكمها رجلا من العلويين ويشتغل معظم صناعها بصناعة الأحذية وفي الثاني عشر من محرم سنة 438 (20 يوليو 1046) غادرت قزوين عن طريق بيل وقبان وهما من ضواحيها وسرت إلي قرية تسمي خرزويل
(٣٦)
مفاتيح البحث: شهر ذي الحجة (1)، مدينة إصفهان (1)، البيع (1)

صفحه 006

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٧
كان معنا أنا وأخي وغلام هندي كان يصحبنا زاد قليل فذهب أخي للقرية ليشتري شيئا من البقال فقال له أحدهم ماذا تريد أنا البقال فقلت كل ما عندك يناسبنا فإنا غرباء وعابرو سبيل فقال ليس عندي شيء أبدا وبعد ذلك كنت أقول إنه بقال خرزويل عن كل شخص في أي مكان يقول كلاما من هذا النوع بعد مغادرة هذه القرية جزنا منحدرا صعبا وبعد مسيرة ثلاثة فراسخ بلغنا قرية تسمي الخير من أعمال طارم كان جوها حارا وبها شجر كثير من الرمان والتين ومعظمه بري ومن هناك اجتزنا نهرا يسمي شاه رود عليه قرية تسمي خندان تجبي فيها المكوس من قبل أمير الأمراء وهو من ملوك الديلم وحين يخرج النهر منها يلتقي بنهر آخر اسمه سبيدرود ثم يدخل النهران واديا شرقي جبال جيلان ويمر النهر بجيلان ثم يصب في بحر آبسكون بحر قزوين ويقال إن ألفا وأربعمائة نهر تصب في هذا البحر الذي يقال إن محيطه ألف ومائتا فرسخ وإن في وسطه جزائر آهلة بالسكان وقد سمعت هذا من كثرين والآن أعود إلي رحلتي وما كان فيها ومن خندان إلي شميران ثلاثة فراسخ من صحراء صخرية كلها وشميران قصبة ولاية طارم وعلي حافة المدينة قلعة مرتفعة مشيدة علي صخر صلد محاطة بثلاثة أسوار وقد حفرت في وسطها قناة تجري حتي شاطيء النهر ومنها يستخرجون الماء ويحملونه إلي القلعة ويقيم بها ألف رجل مختار من أبناء عظماء الولاية وذلك حتي لا يستطيع أحد أن يضل أو يثور ويقال إن لهذا الأمير قلاعا كثيرة في ولاية الديلم وإن العدل والأمن مستتبان بها فلا يستطيع أحد أن يغتصب شيئا من غيره بل إن الناس هناك يدخلون مسجد الجمعة ويتركون أحذيتهم خارجة فلا يأخذها أحد ويكتب هذا الأمير اسمه هكذا مرزبان الديلم جيل جيلان أبو صالح
(٣٧)
مفاتيح البحث: بحر قزوين (1)، الضلال (1)، السجود (1)

صفحه 007

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٨
مولي أمير المؤمنين واسمه جستان إبراهيم وقد رأيت في شميران رجلا طيبا من دربند اسمه أبو الفضل خليفة بن علي الفيلسوف كان رجلا فاضلا أضافنا وأكرمنا وقد تناظرنا معا واتصلت بيننا الصداقة سألني علام عزمت فقلت أني أنوي الحج قال أريد أن تمر بنا في عودتك حتي أراك وفي السادس والعشرين من محرم (3 أغسطس 1046) غادرت شميران وفي الرابع عشر من صفر (21 أغسطس) بلغت مدينة سراب وغادرتها في السادس عشر (23 أغسطس) ثم مررت بسعيد آباد وبلغت تبريز في عشرين صفر 438 (27 أغسطس 1046) وكان ذلك في الخامس من شهر يور الشهر القديم وتبريز قصبة ولاية آذربيجان وهي مدينة عامرة وقد قست طولها وعرضها فكان كل منهما ألفا وأربعمائة قدم وكان ملك ولاية آذربيجان يذكر هكذا في الخطبة الأمير الأجل سيف الدولة وشرف الملة أبو منصور وهسودان بن محمد مولي أمير المؤمنين وحكوا لي أنه في ليلة الخميس السابع عشر من ربيع الأول 434 (5 ديسمبر 1042) في الأيام المسترقة بعد العشاء زلزلت الأرض فخرب جزء من المدينة ولم يصب الجزء الآخر بسوء ويقال إنه هلك فيها حينئذ أربعون ألف نسمة ورأيت في تبريز شاعرا اسمه قطران يقول شعر
(٣٨)
مفاتيح البحث: آذربيجان (2)، شهر ربيع الأول (1)، أربعين الإمام الحسين عليه السلام (1)، الحج (1)، الهلاك (1)

صفحه 008

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٣٩
جميلا ولكنه لم يكن يجيد الفارسية وقد زارني ومعه ديواني منجيك والدقيقي وقرأ علي منهما وسألني عما أشكل عليه من المعاني فكنت أجيبه وهو يكتب ما أقول ثم تلي علي شيئا من أشعاره في الرابع عشر من ربيع الأول (19 سبتمبر) غادرت تبريز عن طريق مرند مع جماعة من جيش الأمير وهسودان فسرنا حتي بلغنا خوي ومن هناك سرنا إلي بر كري بصحبة رسول ومن خوي إلي بركزي ثلاثون فرسخا وقد بلغناها في الثاني عشر من جمادي الأولي (16 نوفمبر) ومن هناك ذهبنا إلي وان ثم إلي وسطان وكان لحم الخنزير يباع في سوقها كما يباع الضأن ويجلس نساؤها ورجالها أمام الحوانيت ويشربون بغير حياء ومن هناك بلغنا مدينة أخلاط في الثامن عشر من جمادي الأولي (22 نوفمبر) وهي علي الحدود ما بين بلاد المسلمين والأرمن وبينها
(٣٩)
مفاتيح البحث: شهر جمادي الأولي (2)، شهر ربيع الأول (1)

صفحه 009

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٠
وبين بركري تسعة عشر فرسخا وعليها أمير اسمه نصر الدولة نيف علي المائة وله أبناء كثيرون أعطي كلا منهم ولاية ويتكلمون بها ثلاث لغات العربية والفارسية والأرمنية وأظن أنها سميت أخلاط لهذا السبب والمعاملة هناك بالنقود النحاسية ورطلهم ثلاثمائة درهم في العشرين من جمادي الأول (24 نوفمبر) غادرنا أخلاط ونزلنا في رباط كروانسراي كانت السماء تمطر ثلجا والبرد قارسا وقد غرسوا في جزء من الطريق عمدا ليسير المسافرون علي هديها أيام الثلج والضباب ثم بلغنا مدينة بطليس وهي واقعة في واد وقد اشترينا منها عسلا المائة من بدينار حسب ما باعونا ويقال إن بها من يجني في السنة الواحدة ثلاثمائة وأربعمائة جرة عسل وخرجنا منها فرأينا قلعة تسمي قف انظر وتركناها إلي مكان به جامع يقال بناه أويس القرني قدس الله روحه ورأيت الناس عند حدوده يطوفون بالجبل ويقطعون أشجارا تشبه السرو فسألت ماذا تعملون بها فقالوا نضع طرفا من الشجرة في النار فيخرج هذا القطران من طرفها الآخر فنجمعه في البئر ثم نضعه في أوعية ونحمله إلي الأطراف وهذه الولايات التي ذكرت بعد أخلاط وقد اختصرنا ذكرها هنا
(٤٠)
مفاتيح البحث: أويس القرني (1)، السب (1)

صفحه 010

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤١
تابعة لميافارقين ثم سرنا إلي مدينة أرزن وهي مدينة عامرة وجميلة فيها أنهار جارية وبساتين وأشجار وأسواق جميلة ويبيع البرسيون هناك المائتا من عنبا بدينار واحد في شهر آذر نوفمبر وديسمبر ويسمون هذا العنب رز إرمانوش وانتقلنا إلي مدينة ميافارقين التي يفصلها عن أخلاط ثمانية وعشرون فرسخا ومن بلخ إليها عن الطريق الذي إجتزناه اثنان وخمسون وخمسمائة فرسخ وقد دخلناها يوم الجمعة السادس والعشرين من جمادي الأول 338 (23 نوفمبر 1036) وكانت أوراق الشجر حينئذ لا تزال خضراء وميافارقين محاطة بسور عظيم من الحجر الأبيض الذي يزن الحجر منه خمسمائة من وعلي بعد كل خمسين ذراعا من هذا السور برج عظيم من الحجر نفسه وفي أعلاه شرفات وهي من الدقة بحيث تقول أن يد بناء ماهر أكملتها اليوم ولهذه المدينة باب من ناحية الغرب له عتبة عليها طاق حجري وقد ركب عليها باب من حديد لا خشب فيه ويطول وصف مسجد الجمعة بها لو ذكرته ولو أن صاحب الكتاب شرح كل شيء أتم الشرح وقد قال إن للميضأة التي عملت بهذا المسجد أربعين مرحاضا تمر أمامها قناتان كبيرتان الأولي ظاهرة ليستعمل ماؤها والثانية وهي تحت الأرض لحمل الثفل وللصرف وخارج هذه المدينة في الربض أربطة كروانسراها وأسواق وحمامات ومسجد وجامع آخر يصلون فيه الجمعة أيضا وفي ناحية الشمال سواد آخر يسمي المحدثة به سوق ومسجد
(٤١)
مفاتيح البحث: السجود (4)

صفحه 011

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٢
جامع وحمامات وكل ما ينبغي لمدينة من مهمات ويذكر اسم سلطان الولاية في الخطبة هكذا الأمير الأعظم عز الإسلام سعد الدين نصر الدولة وشرف الملة أبو نصر أحمد وقد بلغ المائة من عمره ويقال إنه حي والرطل هناك أربعمائة وثمانون درهما وقد بني هذا الأمير مدينة علي مسافة أربعة فراسخ من ميافارقين سماها الناصرية ومن آمد إلي ميافارقين تسعة فراسخ في السادس من شهر دي القديم (22 ديسمبر 1036) بلغنا آمد التي شيدت علي صخرة واحدة طولها ألفا قدم وعرضها كذلك وهي محاطة بسور من الحجر الأسود كل حجر منه يزن ما بين مائة وألف من وأكثر هذه الحجارة ملتصق بعضه بالبعض من غير طين أو جص وارتفاع السور عشرون ذراعا وعرضه عشر أذرع وقد بني علي بعد كل مائة ذراع برج نصف دائرته ثمانون ذراعا وشرفاته من هذا الحجر بعينه وقد شيدت في عدة أماكن داخل المدينة سلالم من الحجر ليتيسر الصعود إلي السور وقد بنيت قلعة علي قمة كل برج ولهذه المدينة أربعة أبواب كلها من الحديد الذي لا خشب فيه يطل كل منها علي جهة من الجهات الأصلية ويسمي الباب الشرقي باب دجلة والغربي باب الروم والشمالي باب الأرمن والجنوبي باب التل وخارج هذا السور سور آخر من نفس الحجر ارتفاعه عشر أذرع ومن فوقه شرفات فيها ممر يتسع لحركة رجل كامل السلاح بحيث يستطيع ان يقف فيه ويحارب بسهولة ولهذا السور الخارجي أبواب من الحديد شيدت مخالفة لأبواب السور الداخلي بحيث لو اجتاز السائر أبواب السور الأول وجب عليه اجتياز مسافة لبلوغ أبواب السور الثاني وهذه المسافة تبلغ خمس عشرة ذراعا وفي وسط المدينة عين يتفجر ماؤها من الحجر الصلب وهذا الماء من الغزارة بحيث يكفي لإدارة خمس طواحين وهو غاية في العذوبة ولا يعرف أحد من أين ينبع وفي المدينة أشجار وبساتين تقي من هذا الماء وأمير المدينة وحاكمها هو ابن نصر
(٤٢)
مفاتيح البحث: الحجر الأسود (1)

صفحه 012

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٣
الدولة الذي مر ذكره وقد رأيت كثيرا من المدن والقلاع في أطراف العالم في بلاد العرب والعجم والهند والترك ولكني لم أر قط مثل مدينة آمد في أي مكان علي وجه الأرض ولا سمعت من أحد أنه رأي مكانا آخر مثلها ومسجدها الجامع من الحجر الأسود وليس مثله متانة وإحكاما وقد أقيم في وسطه مائتا عمود ونيف من الحجر كل عمود قطعة واحدة وفوق هذه الأعمدة عقود من الحجر وقد نصبت فوقها أعمدة أقصر من تلك وجميع أسقف المسجد علي هيئة الجملون وقد كملت نجارة ونقارة ونقشا ودهنا وفي ساحته صخرة كبيرة عليها حوض كبير مستدير من الحجر يبلغ ارتفاعه قامة رجل ومحيط دائرته ذراعان وفي وسط الحوض أنبوبة من النحاس يتفجر منها ماء صاف لا يظهر مدخله أو مخرجه وبالمسجد ميضأة عظيمة جميلة الصنع بحيث لا يوجد أحسن منها وقد بنيت عمارات آمد كلها من الحجر الأسود وأما ميافارقين فعماراتها من الحجر الأبيض وبالقرب من المسجد كنيسة عظيمة غنية بالزخارف مبنية كلها من الحجر وقد فرشت أرضها بالرخام المنقوش وقد رأيت فيها علي الطارم وهو مكان العبادة عند النصاري بابا من الحديد المشبك لم أر مثله في أي مكان ومن آمد إلي حران طريقان أحدهما لا عمران فيه وهو أربعون فرسخا والثاني به أماكن معمورة وقري كثيرة معظم أهلها من النصاري وهو ستون
(٤٣)
مفاتيح البحث: الحجر الأسود (2)، الهند (1)، السجود (2)

صفحه 013

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٤
فرسخا وقد سرنا مع القافلة في هذا الطريق وكانت الصحراء غاية في الاستواء إلا أن بها أحجارا كثيرة بحيث لا تستطيع الدواب أن تخطو خطوة واحدة من غير أن تعثر بحجر وقد بلغنا حران يوم الجمعة الخامس والعشرين من جمادي الآخر سنة 338 (28 ديسمبر 1046) الموافق اثنين وعشرين من شهر دي القديم وكان هواؤها في ذلك الوقت كهواء خراسان أيام النوروز وسرنا من هناك فبلغنا مدينة تسمي قرول حيث أضافنا رجل كريم في بيته وهناك دخل أعرابي في الستين من عمره فاقترب مني وقال حفظني القرآن فلقنته * (قل أعوذ برب الناس) * فكان يقرؤها معي فلما وصلت إلي آية * (من الجنة والناس) * قال أقول أيضا سورة أرأيت الناس فقلت هذه السورة ليست قبل تلك فقال ما سورة نقالة الحطب ولم يعرف أنه قيل في سورة * (تبت) * حمالة الحطب لا نقالة الحطب ولم يستطع هذا الأعرابي المشرف علي الستين في تلك الليلة أن يحفظ سورة * (قل أعوذ) * مع تكراري لها معه وفي يوم السبت الثاني من رجب سنة 338 (2 يناير 1047) بلغنا مدينة سروج واجتزنا الفرات في اليوم التالي ونزلنا في منبج وهي أول مدن الشام وكان هذا أول بهمن القديم يناير فبراير والطقس هناك معتدل جدا ولم يكن خارج المدينة عمارات قط وقد سرت منها إلي حلب ومن ميافارقين إليها إلي حلب مائة فرسخ ورأيت مدينة حلب فإذا هي جميلة بها سور عظيم قست ارتفاعه فكان خمسا وعشرين ذراعا وبها قلعة عظيمة مشيدة كلها من الصخر ويمكن مقارنة حلب ببلخ وهي مدينة عامرة أبنيتها متلاصقة وفيها تحصل المكوس عما يمر بها من بلاد الشام والروم وديار بكر ومصر والعراق
(٤٤)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، شهر رجب المرجب (1)، نهر الفرات (1)، القرآن الكريم (1)، خراسان (1)، الشام (2)، الكرم، الكرامة (1)

صفحه 014

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٥
ويذهب إليها التجار من جميع هذه البلاد ولها أربعة أبواب باب اليهود وباب الله وباب الجنان وباب أنطاكية والوزن في سوقها بالرطل الظاهري وهو أربعمائة وثمانون درهما وتقع حما جنوبي حلب بعشرين فرسخا ومن بعدها حمص ومن حلب إلي دمشق خمسون فرسخا وإلي أنطاكية اثنا عشر فرسخا وإلي طرابلس كذلك ويقال إن من حلب حتي القسطنطينية مائتي فرسخ وفي الحادي عشر من رجب سنة 438 (11 يناير 1047) خرجنا من حلب وعلي مسافة ثلاثة فراسخ منها قرية تسمي جند قنسرين وفي اليوم التالي سرنا ستة فراسخ وبلغنا مدينة سرمين التي لا سور لها وبعد مسيرة ستة فراسخ أخري بلغنا معرة النعمان وهي مدينة عامرة ولها سور مبني وقد رأيت علي بابها عمودا من الحجر عليه كتابة غير عربية فسألت ما هذا فقيل إنه طلسم العقرب حتي لا يكون في هذه المدينة عقرب أبدا ولا يأتي إليها وإذا أحضر من الخارج وأطلق بها فإنه يهرب ولا يدخلها وقد قست هذا العمود فكان ارتفاعه عشر أذرع ورأيت أسواق معرة النعمان وافرة العمران وقد بني مسجد الجمعة علي مرتفع وسط المدينة بحيث يصعدون اليه من أي جانب يريدون وذلك علي ثلاث عشرة درجة وزراعة السكان كلها قمح وهو كثير وفيها شجر وفير من التين والزيتون والفستق والعنب ومياه المدينة من المطر والآبار وكان بهذه المدينة رجل أعمي اسمه أبو العلاء المعري وهو حاكمها وكان واسع الثراء عنده كثير من العبيد وكان أهل البلد خدم له
(٤٥)
مفاتيح البحث: أبو علاء المعري (1)، شهر رجب المرجب (1)، دمشق (1)، الوسعة (1)، السجود (1)

صفحه 015

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٦
أما هو فقد تزهد فلبس الكلتم واعتكف في البيت وكان قوته نصف من من خبز الشعير لا يأكل غيره وقد سمعت أن باب سراية مفتوح دائما وأن نوابه وملازميه يدبرون أمر المدينة ولا يرجعون إليه إلا في الأمور الهامة وهو لا يمنع نعمته أحدا يصوم الدهر ويقوم الليل ولا يشغل نفسه مطلقا بأمر دنيوي وقد سما المعري في الشعر والأدب إلي حد أن أفاضل الشام والمغرب والعراق يقرون بأنه لم يكن من يدانيه في هذا العصر ولا يكون وقد وضع كتابا سماه الفضول والغايات ذكر به كلمات مرموزة وأمثالا في لفظ فصيح عجيب بحيث لا يقف الناس إلا علي قليل منه ولا يفهمه إلا من يقرأه عليه وقد اتهموه بأنك وضعت هذا الكتاب معارضة للقرآن يجلس حوله دائما أكثر من مائتي رجل يحضرون من الأطراف يقرءون عليه الأدب والشعر وسمعت أن له أكثر من مائة ألف بيت شعر سأله رجل لم تعط الناس ما أفاء الله تبارك وتعالي عليك من وافر النعم ولا تقوت نفسك فأجاب إني لا أملك أكثر مما يقيم أودي وكان هذا الرجل حيا وأنا هناك وفي الخامس عشر من رجب سنة 338 (15 يناير 1047) سرنا إلي كويمات ومنها إلي حما وهذه المدينة جميلة عامرة علي شاطيء نهر العاصي ويسمي هذا النهر بالعاصي لأنه يذهب إلي بلاد الروم فهو يخرج من بلاد الإسلام ليدخل بلاد الكفر وقد نصبوا عليه سواقي كثيرة ومن حما طريقان أحدهما بجانب الساحل غرب الشام والآخر في الجنوب وهو ينتهي إلي دمشق فسرنا عن طريق الساحل وقد رأينا في الجبل عينا قيل إن ماءها يتفجر في الثلاثة أيام التالية لنصف شعبان من كل سنة ثم ينضب فلا تخرج منه قطرة واحدة حتي السنة التالية ويذهب الكثيرون
(٤٦)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، النصف من شعبان (1)، شهر رجب المرجب (1)، الشام (2)، دمشق (1)، الصيام، الصوم (1)، المنع (1)، الأكل (1)، النضوب (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 016

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٧
لزيارة هذه العين تقربا إلي الله سبحانه وتعالي وقد بنيت هناك عمارات وأحواض ولما سرنا من هناك بلغنا سهلا كساه النرجس ثوبا أبيض وذهبنا بعد ذلك إلي مدينة تسمي عرقة وبعد مسيرة فرسخين منها بلغنا شاطيء البحر فتبعناه ناحية الجنوب حتي بلغنا مدينة طرابلس بعد مسيرة خمسة فراسخ ومن حلب إلي طرابلس أربعون فرسخا عن هذا الطريق وكان بلوغنا إياها يوم السبت الخامس من شعبان (6 فبراير) وحول المدينة المزارع والبساتين وكثير من قصب السكر وأشجار النارنج والترنج والموز والليمون والتمر وكان عسل السكر يجمع حينذاك ومدينة طرابلس مشيدة بحيث أن ثلاثة من جوانبها مطلة علي البحر فإذا ماج علت أمواجه السور أما الجانب المطل علي اليابس فبه خندق عظيم عليه باب حديدي محكم وفي الجانب الشرقي من المدينة قلعة من الحجر المصقول عليها شرفات ومقاتلات من الحجر نفسه وعلي قمتها عرادات لوقايتها من الروم فهم يخافون أن يغير هؤلاء عليها بالسفن ومساحة المدينة ألف ذراع مربع وأربطتها أربع أو خمس طبقات ومنها ما هو ست طبقات أيضا وشوارعها وأسواقها جميلة ونظيفة حتي لتظن أن كل سوق قصر مزين وقد رأيت بطرابلس ما رأيت في بلاد العجم من الأطعمة والفواكه بل أحسن منه
(٤٧)
مفاتيح البحث: شهر شعبان المعظم (1)، الطعام (1)

صفحه 017

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٨
مائة مرة وفي وسط المدينة جامع عظيم نظيف جميل النقش حصين وفي ساحته قبة كبيرة تحتها حوض من الرخام في وسطه فواره من النحاس الأصفر وفي السوق مشرعة ذات خمسة صنابير يخرج منها ماء كثير يأخذ منه الناس حاجتهم ويفيض باقيه علي الأرض ويصرف في البحر ويقال إن بها عشرين ألف رجل ويتبعها كثير من السواد والقري ويصنعون بها الورق الجميل مثل الورق السمرقندي بل أحسن منه وهي تابعة لسلطان مصر قيل وسبب ذلك أنه في زمن ما أغار عليها جيش الروم الكفار فحاربه جند سلطان مصر وقهروه فرفع السلطان الخراج عنها وأقام بها جيشا من قبله علي رأسه قائد لحمايتها من العدو وتحصل المكوس بهذه المدينة فتدفع السفن الآتية من بلاد الروم والفرنج والأندلس والمغرب العشر للسلطان فيدفع منه أرزاق الجند وللسلطان بها سفن تسافر إلي بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة وسكان طرابلس كلهم شيعة وقد شيد الشيعة مساجد جميلة في كل البلاد وهناك بيوت علي مثال الأربطة ولكن لا يسكنها أحد وتسمي مشاهد ولا يوجد خارج طرابلس بيوت أبدا عدا مشهدين أو ثلاثة من التي مر ذكرها وغادرت طرابلس وسرت علي شاطيء البحر ناحية الجنوب فرأيت علي مسافة فرسخ واحد قلعة تسمي قلمون في داخلها عين ماء وسرت من هناك إلي طرابزون ومن طرابلس إليها خمسة فراسخ ومنها بلغنا مدينة جبيل وهي مثلثة تطل زاوية منها علي البحر ويحيطها سور حصين شاهق الارتفاع وحولها النخيل غيره من أشجار المناطق الحارة وقد رأيت في يد غلام بها وردة حمراء وأخري بيضاء ناضرة وكان ذلك في اليوم الخامس من استدارمذ الشهر القديم (فبراير) سنة 315 من تاريخ العجم ومن هناك بلغنا بيروت فرأيت بها طاقا حجريا شق الطريق في وسطه وقد قدرت ارتفاعه بخمسين ذراعا وجانباه من الحجر الأبيض
(٤٨)
مفاتيح البحث: مدينة بيروت (1)، السجود (1)

صفحه 018

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٤٩
تزن كل قطعة منه أكثر من ألف من وعلي جانبيه بناء من الطوب النييء ارتفاعه عشرون ذراعا وقد نصبت علي قمته أعمدة من الرخام طول كل منها ثمانية أذرع وهي سميكة بحيث لا يستطيع رجلان أن يحيطاها بأذرعهما إلا بصعوبة وعلي رأس هذه العمد عقود علي الجانبين كلها من الحجر المنحوت الذي لا يفصله عن بعضه حص أو طين وفي الوسط تماما الطاق الكبير يعلوها بخمسين ذراعا وقد قست كل حجر منه فإذا به ثمانية أذرع طولا وأربعة عرضا وأظن الحجر الواحد يزن سبعة آلاف من وقد نقشت هذه الحجارة بدقة ومهارة بحيث يقل ما يشابهها مما ينقش علي الخشب ولم يبق هناك أبنية غير هذا الطاق وقد سألت أي مكان هذا فقيل لي سمعنا أنه باب حديقة فرعون وهو بالغ في القدم والوادي المجاور لهذه الناحية مملوء بأعمدة الرخام تيجانها وجذوعها وهي من الرخام المدور والمربع والمسدس والمثمن وهي من الصلابة بحيث لا يؤثر فيها الحديد وليس في هذه الجهة جبل حتي يقال إنهم جلبوها منه وهناك حجارة تبدو كأنها معجونة جرانيت وهي تفل الحديد وفي نواحي الشام أكثر من خمسمائة ألف من أعمدة وتيجان وجذوع ولا يعرف أحد ماذا كانت ولا من أين نقلت ثم بلغنا مدينة صيدا وهي علي شاطيء البحر أيضا يزرع بها قصب السكر بوفرة وبها قلعة حجرية محكمة ولها ثلاث بوابات وفيها مسجد جمعة جميل يبعث في النفس هيبة تامة وقد فرش كله بالحصير المنقوش وفي صيدا سوق جميل نظيف وقد ظننت حين رأيته أنه زين خاصة لمقدم السلطان أو لأن بشري سعيدة أذيعت فلما سألت قيل لي هكذا عادة هذه المدينة دائما وفيها حدائق وأشجار منسقة حتي لتقول إن سلطانا هاويا غرسها وفي كل من هذه الحدائق كشك وأغلب شجرها مثمر
(٤٩)
مفاتيح البحث: الشام (1)، الغلّ (1)، البعث، الإنبعاث (1)، السجود (1)

صفحه 019

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٠
وبعد مسيرة خمسة فراسخ علي شاطيء البحر بلغنا مدينة صور وهي ساحلية أيضا وقد بنيت علي صخرة امتدت في الماء بحيث أن الجزء الواقع علي اليابس من قلعتها لا يزيد علي مائة ذراع والباقي في ماء البحر والقلعة مبنية بالحجر المنحوت الذي سدت فجواته بالقار حتي لا يدخل الماء من خلله وقد قدرت المدينة بألف ذراع مربع وأربطتها من خمس أو ست طبقات وكلها متلاصقة وفي كثير منها نافورات وأسواقها جميلة كثيرة الخيرات وتعرف مدينة صور بين مدن ساحل الشام بالثراء ومعظم سكانها شيعة والقاضي هناك رجل سني اسمه ابن أبي عقيل وهو رجل طيب ثري وقد بني علي باب المدينة مشهد به كثير من السجاجيد والحصير والقناديل والثريات المذهبة والمفضضة وصور مشيدة علي مرتفع وتأتيها المياه من الجبل وقد شيد علي بابها عقود حجرية يمر من فوقها إلي المدينة وفي الجبل واد مقابل لها إذا سار السائر فيه ثمانية عشر فرسخا ناحية المشرق بلغ دمشق بعد أن سرنا سبعة فراسخ من صور بلغنا عكة وتكتب هناك مدينة عكة وهي مشيدة علي مرتفع بعضه من أرض وعرة وبعضه سهل ولم تشيد المدينة في الوادي المنخفض مخافة غلبة ماء البحر عليها وخشية أمواجه التي تعج علي الساحل ومسجد الجمعة في وسط المدينة وهو أعلي مبانيها وأعمدتها كلها من الرخام ويقع قبر صالح النبي عليه السلام خارجه علي يمين القبلة وساحته بعضها من الحجر وبعضها الآخر مزروع ويقال إن آدم عليه السلام كان يزرع هناك ومسحت المدينة فكان طولها ألفي ذراع وعرضها خمسمائة ولها قلعة غاية في الإحكام يطل جانباها الغربي والجنوبي علي البحر وعلي الأخير ميناء ومعظم مدن الساحل كذلك والميناء اسم يطلق علي الجهة التي بنيت للمحافظة علي السفن وهي تشبه الاسطبل وظهرها ناحية المدينة وحائطاها داخلان في البحر وعلي امتدادهما مدخل مفتوح طوله خمسون ذراعا وقد شدت السلاسل بين
(٥٠)
مفاتيح البحث: مدينة مشهد المقدسة (1)، النبي آدم عليه السلام (1)، ابن أبي عقيل (1)، الشام (1)، دمشق (1)، القبر (1)، السجود (1)

صفحه 020

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥١
الحائطين فإذا أريد إدخال سفينة إلي الميناء أرخيت السلسلة حتي تغوص في الماء فتمر السفينة فوقها ثم تشد حتي لا يستطيع عدو أن يقصدها بسوء وعند الباب الشرقي علي اليد اليسري عين يصلون إلي مائها بنزول ست وعشرين درجة وتسمي عين البقر ويقال آدم عليه السلام هو الذي كشفها وكان يسقي منها بقرته ولذا سميت عين البقر وحين يذهب المسافر من عكة ناحية المشرق يجد جبلا به مشاهد الأنبياء عليهم السلام وهذا الجبل واقع علي جانب الطريق المؤدي إلي الرملة وقد عزمت علي التبرك بزيارة هذه المشاهد والتقرب إلي الله تبارك وتعالي وقد قال سكان عكة إن في الطريق أشرارا يتعرضون لم يرون من الغرباء وينهبون ما معهم فأودعت نفقتي بمسجد عكة وخرجت من بابها الشرقي يوم السبت الثالث والعشرين من شعبان سنة 338 (5 مارس 1037) وقد زرت في اليوم الأول قبر عك باني المدينة وهو أحد الصالحين الأولياء وكنت حائرا إذا لم يكن معي دليل يرشدني وفجأة تعرفت في اليوم نفسه بفضل من الله تبارك وتعالي برجل من العجم أتي من آذربيجان للتبرك بزيارة المشاهد مرة أخري فشكرت لله تبارك وتعالي هبته وصليت ركعتين وسجدت له شكرا علي توفيقه إياي لأفي بعزمي ثم بلغت قرية تسمي بروة وزرت قبر عيش وشمعون عليهما السلام ومن هناك بلغت مغارك التي تسمي دامون فزرت المشهد المعروف بقبر ذي الكفل عليه السلام ثم واصلت السير إلي قرية أخري تسمي أعبلين وبها قبر هود عليه السلام فزرته وكان بحظيرته شجرة الخرتوت وكذلك زرت هناك قبر النبي عزير عليه السلام ثم يممت وجهي شطر الجنوب فبلغت قرية تسمي حظيرة
(٥١)
مفاتيح البحث: الأنبياء (ع) (1)، النبي آدم عليه السلام (1)، شهر شعبان المعظم (1)، آذربيجان (1)، السجود (1)، القبر (4)، الشهادة (3)، الركوع، الركعة (1)، التبرك (1)، السفينة (2)

صفحه 021

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٢
وفي الجانب الغربي منها واد به عين ماء عذب تخرج من الصخر وقد بني أمامها مسجد علي الصخر به بيتان صخريان فوقهما سقف من الحجر أيضا وعليهما باب صغير يستطيع الزائر دخوله بصعوبة وهناك قبران متجاوران أحدهما قبر شعيب عليه السلام والثاني قبر ابنته التي كانت زوج موسي عليه السلام ويعني أهل هذه القرية بهذا المسجد عناية فائقة من تنظيف وإنارة وغير ذلك ومن هناك بلغت قرية تسمي إربل وفي ناحية القبلة منها جبل في وسطه حظيرة بها أربعة قبور لأربعة من أبناء يعقوب إخوة يوسف عليهم السلام وذهبت من هناك فرأيت تلا من تحته غار فيه قبر أم موسي عليه السلام فزرته ثم خرجت فبدا لي واد في آخره بحر صغير تقع عليه طبرية طوله ستة فراسخ وعرضه ثلاثة وماؤه عذب لذيذ وتقع غربية المدينة وتصرف في هذا البحر كل مياه الحمامات وفضلات المدينة وكذلك يشرب منه سكانها وسكان الولاية التي علي شاطئه وسمعت أن أميرا دخل هذه المدينة ذات مرة فأمر بسد قنوات القاذورات والماء الملوث حتي لا تفضي إلي البحر فنتن ماؤه وأصبح لا يصلح للشرب فأمر ثانية بفتح هذه القنوات فعاد ماء البحر عذبا ولطبرية سور حصين يبدأ من شاطئ البحر ويمتد حول المدينة والطرف المحدود بالبحر لا حائط له وبها مبان كثيرة في وسط البحر فإن قاعه صخري وقد شيدت هناك مناظر علي رؤوس أعمدة رخامية أساسها في الماء وفي بحر طبرية سمك كثير ومسجد الجمعة في وسط المدينة وعند بابه عين ماء بني عند رأسها حمام ماؤه ساخن فلا يستطيع مستحم أن يصبه علي جسده من غير أن يمزجه بماء بارد ويقال إن الذي بناه هو سليمان بن داود عليه السلام وقد دخلته وفي الجانب الغربي من مدينة طبرية مسجد اسمه مسجد الياسمين وهو مسجد جميل في وسطه ساحة كبيرة بها محا ريب وحولها الياسمين الذي سمي به المسجد وفي رواق بالجانب الشرقي قبر يوشع بن نون وتحت هذه الساحة قبور سبعين نبيا عليهم السلام قتلهم بنو إسرائيل
(٥٢)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (2)، يوشع بن نون عليه السلام (1)، سليمان بن داود (1)، إربل (1)، القبر (6)، السجود (7)، القتل (1)، الزوج، الزواج (1)

صفحه 022

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٣
وجنوب طبرية بحر لوط وهو مالح المياه ويصب به ماء بحر طبرية وكانت مدينة لوط تقع علي شاطئه ولم يبقي منها أثر قط وسمعت من انسان أن في مياه بحر لوط المالحة شيئا كالحجارة السوداء غير صلب يشبه البقر يخرج من قاعه فيأخذه السكان ويقطعونه ويحملونه إلي المدن والولايات ويقال إنه إذا وضعت قطعة منه تحت شجرة يمتنع الدود عنها من غير أن يمس جذرها أذي منه فلا يتلف البستان مما تحت الأرض من دود وحشرات والعهدة علي الراوي وقيل كذلك إن العطارين يستخدمونه لأنه يبعد دودة تصيب البذور اسمها النقرة وفي طبرية يصنعون الحصير ومنه حصير الصلاة وتشتري الواحدة منها بخمسة جنيهات مغربية وفي الجانب الغربي من المدينة جبل فيه قطعة من حجر المرمر مكتوب عليها بخط عبري أن الثريا كانت علي رأس الحمل ساعة الكتابة ويقع قبر أبي هريرة خارج المدينة ناحية القبلة ولكن لا يستطيع أحد زيارته لأن السكان هناك شيعة فإذا ذهب أحد للزيارة تجمع عليه الأطفال وتحرشوا به وحملوا عليه وقذفوه بالحجارة ولهذا لم أستطع زيارته سرت بعد ذلك إلي قرية تسمي كفركنه بجانبها تل بنيت علي قمته صومعة جميلة بها قبر النبي يونس عليه السلام وعليها باب متين بقربه بئر ماؤها عذب وقد عدت إلي عكا بعد زيارة هذا المشهد وبينهما مسافة أربعة فراسخ فمكثت بها يوما واحدا ثم غادرتها إلي قرية تسمي حيفا وفي طريق به كثير من هذا الرمل الذي يستخدمه صياغ العجم والمسمي بالرمل المكي وحيفا مشيدة علي البحر وبها نخل وأشجار كثيرة وهناك عمال يصنعون السفن البحرية المسماة بالجودي وسرنا بعد ذلك فبلغنا بعد مسيرة فرسخ واحد قرية أخري تسمي كنيسة وعندها ينحرف الطريق عن البحر ويدخل الجبل ناحية المشرق حيث الصحروات والمحاجر التي تسمي وادي التماسيح ويعود لمحاذاة الشاطئ بعد مسيرة فرسخين وهناك رأينا عظام حيوانات بحرية كثيرة مختلطة بالتراب
(٥٣)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، القبر (2)، الزيارة (1)، الصّلاة (1)، الصّلب (1)، الشهادة (1)

صفحه 023

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٤
والطين وقد تحجرت من كثرة ما ثار عليها من الموج وقمنا من هناك وسرنا حتي بلغنا مدينة تسمي قيسارية بينها وبين عكا سبعة فراسخ وهي مدينة جميلة بها ماء جار ونخيل وأشجار النارنج والترنج ولها سور حصين له باب حديدي وبها عيون ماء جارية ومسجد الجامع جميل ويري المصلون البحر ويتمتعون به وهم جلوس في ساحته وهناك زير من الرخام يشبه الخزف الصيني وهو عميق بحيث يسع مائة من ماء في يوم السبت آخر شعبان (10 مارس) قمنا من هناك وسرنا مقدار فرسخ عن طريق الرمل المكي وقد رأيت في الطريق كله سهله وجبله كثيرا من شجر التين والزيتون وبعد بضعة فراسخ بلغنا مدينة تسمي كفرسابا أو كفر سلام ومنها حتي الرملة ثلاثة فراسخ في طريق كله شجر كالذي ذكرت وفي يوم الأحد غرة رمضان (11 مارس) بلغنا الرملة ومن قيسارية إليها ثمانية فراسخ وهي مدينة كبيرة بها سور حصين من الحجر والجص مرتفع ومتين وعليه أبواب من حديد ومن المدينة إلي الشاطئ البحر ثلاثة فراسخ والماء هناك من المطر ولذا فقد بني في كل منزل حوض لجميع مياه المطر فيبقي ذخيرة دائمة وفي وسط مسجد الجمعة أحواض تمتلي بالماء فيأخذ منه من يشاء ومساحة الجامع ثلاثمائة قدم في مائتين وقد كتب أمام الضفة إنه في الخامس عشر من شهر محرم سنة 425 (11 ديسمبر 1033) زلزلت الأرض بشدة هنا فخربت عمارات كثيرة ولم يصب أحد من السكان بسوء وفي هذه المدينة رخام كثير وقد زينت معظم السرايات والبيوت بالرخام المنقوش الكثير الزينة ويقطع الرخام بمنشار لا أسنان له وبالرمل المكي ويعملون المنشار علي أعمدة الرخام بالطول لا بالعرض فيخرجون منه ألواحا كألواح الخشب ورأيت هناك أنواعا وألوانا من
(٥٤)
مفاتيح البحث: شهر رمضان المبارك (1)، شهر شعبان المعظم (1)، شهر محرم الحرام (1)، السجود (2)

صفحه 024

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٥
الرخام من الملمع والأخضر والأحمر والأسود والأبيض ومن كل لون وفي الرملة صنف من التين ليس أحسن منه في أي مكان يصدر منها إلي جميع البلاد وتسمي مدينة الرملة في الشام والمغرب فلسطين وفي الثالث من رمضان غادرت الرملة فبلغت قرية تسمي خاتون وقد سرت منها إلي قرية أخري تسمي قرية العنب وقد رأينا في الطريق كثيرا من نبات السذاب الذي ينبت بريا علي الجبال وفي الصحراء وقد رأيت في هذه القرية عين ماء عذب تخرج من الصخر وقد بنيت هناك أحواض وعمارات وقد ذهبنا صاعدين وكنا نحسب أنا بعد صعود الجبل سنهبط إلي المدينة في الطرف الآخر ولكنا وجدنا أمامنا بعد أن صعدنا قليلا سهلا واسعا بعضه صخري وبعضه كثير التراب وعلي رأس جبل فيه تقع مدينة بيت المقدس ومن طرابلس التي هي علي الساحل إليها ستة وخمسون فرسخا ومن بلخ إليها ستة وسبعون وثمانمائة فرسخ وفي الخامس من رمضان سنة 438 (16 مارس 1047) بلغنا بيت المقدس وكان قد مضي علي خروجنا من بلدنا سنة شمسية وطوال رحلتنا لم نقر في مكان قط ولا وجدنا راحة كاملة وأهل الشام وأطرافها يسمون بيت المقدس القدس ويذهب إلي القدس في موسم الحج من لا يستطيع الذهاب إلي مكة من أهل هذه الولايات فيتوجه إلي الموقف ويضحي ضحية العيد كما هي العادة ويحضر هناك لتأدية السنة وفي بعض السنين أكثر من عشرين ألف شخص في أوائل ذي الحجة ومعهم أبناؤهم كذلك يأتي لزيارة بيت المقدس من ديار الروم كثير من النصاري واليهود وذلك لزيارة الكنيسة والكنيش هناك وهناك كنيسة عظيمة سيأتي وصفها في مكانه وسواد ورساتيق بيت المقدس جبلية كلها والزراعة وأشجار الزيتون والتين وغيرها تنبت كلها بغير ماء والخيرات بها كثيرة ورخيصة
(٥٥)
مفاتيح البحث: شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، شهر رمضان المبارك (2)، الشام (2)، الحج (1)

صفحه 025

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٦
وفيها أرباب عائلات يملك الواحد منهم خمسين ألف من من زيت الزيتون يحفظونها في الآبار والأحواض ويصدرونها إلي أطراف العالم ويقال إنه لا يحدث قحط في بلاد الشام وسمعت من ثقات أن وليا رأي النبي عليه السلام في المنام فقال له ساعدنا في معاشنا يا رسول الله فأجابه النبي عليه السلام علي خبز الشام وزيته والآن أصف مدينة بيت المقدس وصف بيت المقدس هي مدينة مشيدة علي قمة الجبل ليس بها ماء غير الأمطار ورساتيقها ذات عيون والمدينة محاطة بسور حصين من الحجر والجص وعليها بوابات حديدية وليس بقربها أشجار قط فإنها علي رأس صخر وهي مدينة كبير كان بها في ذلك الوقت عشرون ألف رجل وبها أسواق جميلة وأبنية عالية وكل أرضها مبلطة بالحجارة وقد سووا الجهات الجبلية والمرتفعات وجعلوها مسطحة بحيث تغسل الأرض كلها وتنظف حين تنزل الأمطار وفي المدينة صناع كثيرون لكل جماعة منهم سوق خاصة والجامع شرقي المدينة وسوره هو سورها الشرقي وبعد الجامع سهل كبير مستو يسمي الساهرة يقال أنه سيكون ساحة القيامة والحشر ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتي يموتوا فإذا جاء وعد الله كانوا بأرض الميعاد اللهم عفوك ورحمتك بعبيدك ذلك اليوم آمين يا رب العالمين وعلي حافة هذا السهل قرافة عظيمة ومقابر كثير من الصالحين يصلي بها الناس ويرفعون بالدعاء أيديهم فيقضي الله حاجاتهم اللهم تقبل حاجاتنا واغفر ذنوبنا وسيئاتنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة علي نسق أبنية الأقدمين ورأيت قبة من الحجر المنحوت مقامة علي بيت
(٥٦)
مفاتيح البحث: الشام (2)

صفحه 026

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٧
لم أر عجب منها حتي أن الناظر إليها ليسأل نفسه كيف رفعت في مكانها ويقول العامة إنها بيت فرعون واسم هذا الوادي وادي جهنم وقد سألت عمن أطلق هذا اللقب عليه فقيل أن عمر رضي الله عنه أنزل جيشه أيام خلافته في سهل الساهرة هذا فلما رأي الوادي قال هذا وادي جهنم ويقول العوام إن من يذهب إلي نهايته يسمع صياح أهل جهنم فإن الصدي يرتفع من هناك وقد ذهبت فلم أسمع شيئا وحين يسير السائر من المدينة جنوبا مسافة نصف فرسخ وينزل المنحدر يجد عين ماء تنبع من الصخر تسمي عين سلوان وقد أقيمت عندها عمارات كثيرة ويمر ماء هذا العين بقرية شيدوا فيها عمارات كثيرة وغرسوا بها البساتين ويقال إن من يستحم من ماء هذه العين يشفي مما ألم به من الأوصاب والأمراض المزمنة وقد وقفوا عليها مالا كثيرا وفي بيت المقدس مستشفي عظيم عليه أوقاف طائلة ويصرف لمرضاه العديدين العلاج والدواء وبه أطباء يأخذون مرتباتهم من الوقف المقرر لهذه المستشفي ومسجد الجمعة علي حافة المدينة من الناحية الشرقية وإحدي حوائط المسجد علي حافة وادي جهنم وحين ينظر السائر من خارج المسجد يري الحائط المطل علي هذا الوادي يرتفع مائة ذراع من الحجر الكبير الذي لا يفصله عن بعضه ملاط أو جص والحوائط داخل المسجد ذات ارتفاع مستو وقد بني المسجد في هذا المكان لوجود الصخرة به وهي الصخرة التي أمر الله عز وجل موسي عليه السلام أن يتخذها قبلة فلما قضي هذا الأمر واتخذها موسي قبلة له لم يعمر كثيرا بل عجلت به المنية حتي إذا كانت أيام سليمان عليه السلام وكانت الصخرة قبلة بني مسجدا حولها بحيث أصبحت في وسطه وظلت الصخرة قبلة حتي عهد نبينا المصطفي عليه الصلاة والسلام فكان المصلون يولون وجوههم شطرها إلي أن أمرهم الله تعالي أن يولوا وجوههم شطر الكعبة وسيأتي وصف ذلك في مكانه
(٥٧)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، النبي سليمان عليه السلام (1)، السجود (5)، الصّلاة (1)

صفحه 027

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٨
وقد أردت أن أقيس هذا المسجد ولكني آثرت أن أتقن معرفة هيأته ووضعه أولا ثم أقيسه فلبثت فيه زمنا أمعن النظر فرأيت عند الجانب الشمالي بجوار قبة يعقوب عليه السلام طاقا مكتوبا علي حجر منه ان طول هذا المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع وذلك بذراع الملك المسمي في خراسان كزشايكان وهو أقل قليلا من ذراع ونصف وأرض المسجد مغطاة بحجارة موثوقة إلي بعضها البعض بالرصاص والمسجد شرقي المدينة والسوق فإذا دخله السائر من السوق فإنه يتجه شرقا فيري رواقا عظيما جميلا ارتفاعه ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون وللرواق جناحان وواجهتاهما وإيوانه منقوشة كلها بالفسيفساء المثبتة بالجص علي الصورة التي يريدونها وهي من الدقة بحيث تبهر النظر ويري علي هذا الرواق كتابة منقوشة بالمينا وقد كتب هناك لقب سلطان مصر فحين تقع الشمس علي هذه النقوش يكون لها من الشعاع ما يحير الألباب وفوق الرواق قبة كبيرة من الحجر المصقول وله بابان مزخرفان وواجهتاهما من النحاس الدمشقي الذي يلمع حتي لتظن أنهما طليا بالذهب وقد طعما بالذهب وحليا بالنقوش الكثيرة وطول كل منهما خمس عشرة ذراعا وعرضه ثمان ويسميان باب داود عليه السلام وحين يجتاز السائر هذا الباب يجد علي اليمين رواقين كبيرين في كل منهما تسعة وعشرون عمودا من الرخام تيجانها وقواعدها مزينة بالرخام
(٥٨)
مفاتيح البحث: خراسان (1)، السجود (4)

صفحه 028

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٥٩
الملون ووصلاتها مثبتة بالرصاص وعلي تيجان الأعمدة طيقان حجرية وهي مقامة فوق بعضها بغير ملاط وجص لا يزيد عدد حجارة الطاق منها علي أربع أو خمس قطع وهذان الرواقان ممتدان إلي المقصورة ثم يجد علي اليسار وهو ناحية الشمال رواقا طويلا به أربعة وستون طاقا كلها علي تيجان أعمدة من رخام وعلي هذا الحائط نفسه باب آخر اسمه باب السقر وطول المسجد من الشمال إلي الجنوب وهو ساحة مربعة إذا اقتطعت المقصورة منه والقبلة في الجنوب وعلي الجانب الشمالي بابان آخران متجاوران عرض كل منهما سبع أذرع وارتفاعه اثنتي عشرة ذراعا ويسميان باب الأسباط فإذا اجتازه السائر وذهب مع عرض المسجد الذي هو جهة المشرق يجد رواقا أخرا عظيما كبيرا به ثلاثة أبواب متجاورة في حجم باب الأسباط وكلها مزينة بزخارف من الحديد والنحاس قل ما هو أجمل منها تسمي باب الأبواب لأن للمواضع الأخري بابين وله ثلاثة وبين هذين الرواقين الواقعين علي الجانب الشمالي في الرواق ذي الطيقان المحملة علي أعمدة الرخام قبة رفعت علي دعائم عالية وزينت بالقناديل والمسارج تسمي قبة يعقوب عليه السلام لأنه كان يصلي هناك وفي عرض المسجد رواق في حائطة باب خارجه صومعتان للصوفية وهناك مصليات ومحاريب جميلة يقيم بها جماعة منهم ويصلون ولا يذهبون للجامع الا يوم الجمعة لأنهم لا يسمعون التكبير حيث يقيمون وعند الركن الشمالي للمسجد رواق جميل وقبة جميلة لطيفة مكتوب عليها هذا محراب زكريا النبي عليه السلام ويقال انه كان يصلي هناك دائما وعند الحائط الشرقي وسط الجامع رواق عظيم الزخرف من الحجر المصقول حتي تظن انه نحت من قطعة واحدة ارتفاعه خمسون ذراعا
(٥٩)
مفاتيح البحث: السجود (4)، التكبير (1)

صفحه 029

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٠
وعرضه ثلاثون عليه نقوش ونقر وله بابان جميلان لا يفصلهما أكثر من قدم واحدة وعليهما زخارف كثيرة من الحديد والنحاس الدمشقي وقد دق عليهما الحلق والمسامير ويقال ان سليمان بن داود عليه السلام بني هذا الرواق لأبيه وحين يدخل السائر هذا الرواق متجها ناحية الشرق فالأيمن من هذين البابين هو باب الرحمة والأيسر باب التوبة ويقال ان هذا الباب هو الذي قبل الله تعالي عنده توبة داود عليه السلام وعلي هذا الرواق مسجد جميل كان في وقت ما دهليزا فصيروه جامعا وزينوه بأنواع السجاد وله خدم مخصصون ويذهب اليه كثير من الناس ويصلون فيه ويدعون الله تبارك وتعالي فإنه في هذا المكان قبل توبة داود وكل انسان هناك يأمل في التوبة والرجوع عن المعاصي ويقال ان داود عليه السلام لم يكد يطأ عتبة هذا المسجد حتي بشره الوحي بان الله سبحانه تعالي قد قبل توبته فاتخذ هذا المكان مقاما وانصرف إلي العبادة وقد صليت أنا ناصر في هذا المقام ودعوت الله تعالي أن يوفقني لطاعته وأن يغفر ذنبي الله سبحانه وتعالي يهدي عباده جميعا لما يرضاه ويغفر لهم ذنوبهم بحق محمد وآله الطاهرين وحين يمضي السائر بحذاء الجدار الشرقي إلي أن يبلغ الزاوية الجنوبية عند القبلة التي تقع علي الضلع الجنوبي يجد أمام الحائط الشمالي مسجدا بهيئة السرداب ينزل اليه بدرجات كثيرة مساحته عشرون ذراعا في خمس عشرة وسقفه من الحجر مرفوع علي أعمدة الرخام وبهذا السرداب مهد عيسي عليه السلام وهو من الحجر حجمه كبير بحيث يصلي عليه الناس وقد صليت هناك وقد أحكم وضعه في الأرض حتي لا يتحرك وهو المهد الذي أمضي فيه عيسي طفولته وكلم الناس منه وهو في المسجد مكان المحراب وفي الجانب الشرقي من هذا المسجد محراب مريم عليها السلام وبه محراب آخر
(٦٠)
مفاتيح البحث: النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، سليمان بن داود (1)، الحلق (1)، السجود (4)

صفحه 030

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦١
لزكريا عليه السلام وعلي هذين المحرابين آيات القرآن التي نزلت في حق زكريا ومريم ويقال ان عيسي عليه السلام ولد بهذا المسجد وعلي حجر من عمده نقش إصبعين كأن شخصا أمسكه ويقال ان مريم أمسكته باصبعيها وهي تلد ويعرف هذا المسجد بمهد عيسي عليه السلام وبه قناديل كثيرة من النحاس والفضة توقد كل مساء حين يخرج السائر من هذا المسجد متبعا الحائط الشرقي يجد عندما يبلغ زاوية المسجد الكبير مسجدا آخر عظيما جدا أكبر مرتين من مسجد مهد عيسي يسمي المسجد الأقصي وهو الذي أسري الله عز وجل بالمصطفي صلي الله عليه وسلم ليلة المعراج من مكة اليه ومنه صعد إلي السماء كما جاء في القرآن * (سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي) * وقد بنوا به أبنية غاية في الزخرف وفرش بالسجاد الفاخر ويقوم عليه خدم مخصصون يعملون به دواما وحين يعود السائر إلي الحائط الجنوبي علي مائتي ذراع من تلك الزاوية لا يجد سقفا وهناك ساحة المسجد وأما الجزء المسقوف من المسجد الكبير والذي به المقصورة فيقع عند الحائطين الجنوبي والغربي وطول هذا الجزء عشرون وأربعمائة ذراع وعرضه خمسون ومائة ذراع وبه ثمانون ومائتا عمود من الرخام علي تيجانها طيقان من الحجارة وقد نقشت تيجان الأعمدة وهياكلها وثبتت الوصلات فيها بالرصاص في منتهي الإحكام وبين كل عمودين ست أذرع مغطاة بالرخام الملون الملبس بشقاق الرصاص والمقصورة في وسط الحائط الجنوبي وهي كبيرة جدا تتسع لستة عشر عمودا وعليها
(٦١)
مفاتيح البحث: النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، المسجد الأقصي (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، مسجد الحرام (1)، القرآن الكريم (2)، التمسّك (1)، السجود (7)

صفحه 031

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٢
قبة عظيمة جدا منقوشة بالميناء علي نسق ما وصفت وهي مفروشة بالحصير المغربي وبها قناديل ومسارج معلقة بالسلاسل ومتباعد بعضها عن بعض وبها محراب كبير منقوش بالميناء وعلي جانبيه عمودان من الرخام لونهما كالعقيق الأحمر وإزار المقصورة كله من الرخام الملون وعلي يمينه محراب معاوية وعلي يساره محراب عمر رضي الله عنه وسقف هذا المسجد مغطي بالخشب المنقوش المحلي بالزخارف وعلي باب المقصورة وحائطها المطلان علي الساحة خمسة عشر رواقا عليها أبواب مزخرفة ارتفاع كل منها عشرة أذرع وعرضه ست عشرة من هذه الأبواب تفتح علي الجدار الذي طوله عشرون وأربعمائة ذراع وخمسة منها علي الجدار الذي طوله خمسون ومائة ذراع وقد زين باب منها غاية الزينة وهو من الحسن بحيث تظن أنه من ذهب وقد نقش بالفضة وكتب عليه اسم الخليفة المأمون ويقال انه هو الذي أرسله من بغداد وحين تفتح الأبواب كلها ينير المسجد حتي لتظن أنه ساحة مكشوفة أما حين تعصف الريح وتمطر السماء وتغلق الأبواب فان النور ينبعث للمسجد من الكوات وعلي الجوانب الأربعة من الحرم المسقوف صناديق من مدن الشام والعراق يجلس بجانبها المجاورون كما هو الحال في المسجد الحرام بمكة شرفها الله تعالي وخارج هذا الحرم عند الحائط الكبير الذي مر ذكره رواق به اثنان وأربعون طاقا وكل أعمدته من الرخام الملون وهذا الرواق متصل بالرواق المغربي وتحت الأرض في الحرم المسقوف حوض جعل بحيث يكون في مستوي
(٦٢)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة بغداد (1)، مسجد الحرام (1)، الشام (1)، البعث، الإنبعاث (1)، السجود (3)

صفحه 032

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٣
الأرض حين يغطي وقد بني لتجمع فيه مياه المطر وعلي الحائط الجنوبي باب يؤدي إلي ميضأة يذهب إليها من يحتاج إلي الوضوء فيجدده وذلك لأنه لا يلحق الصلاة إذا هو خرج من المسجد ليتوضأ إذ ان أكبر المسجد يفوت عليه الصلاة إذا اجتازه وكل الأسقف ملبسة بالرصاص وقد حفرت في ارض المسجد أحواض وصهاريج كثيرة فان المسجد مشيد كله علي صخرة فمهما يهطل من المطر لا يذهب خارج الأحواض ولا يضيع سدي بل ينصرف إلي الأحواض وينتفع به الناس وهناك ميازيب من الرصاص ينزل منها الماء إلي أحواض حجرية تحتها وقد ثقبت هذه الأحواض ليخرج منها الماء ويصب في الصهاريج بواسطة قنوات بينها غير ملوث أو عفن وقد رأيت علي ثلاثة فراسخ من المدينة صهريجا كبيرا تنحدر اليه المياه من الجبل وتتجمع فيه وقد أوصلوه بقناة إلي مسجد المدينة حيث يوجد أكبر مقدار من مياه المدينة وفي المنازل كلها أحواض لجمع ماء المطر إذ لا يوجد غيره هناك ويجمع كل انسان ما علي سطح بيته من مياه فان ماء المطر هو الذي يستعمل في الحمامات وغيرها والأحواض التي بالمسجد لا تحتاج إلي عمارة أبدا لأنها من الحجر الصلب فإذا حدث بها شق أو ثقب أحكم إصلاحه حتي لا تتخرب ويقال ان سليمان عليه السلام هو الذي عمل هذه الأحواض وقد جعل القسم الأعلي منها علي هيئة التنور وعلي رأس كل حوض غطاء من حجر حتي لا يسقط فيه شيء وماء هذه المدينة أعذب وأنقي من أي ماء آخر وتستمر الميازيب في قطر المياه يومين أو ثلاثة ولو كان المطر قليلا إلي أن يصفو الجو وتزول آثاره السيئة وحينئذ يبدأ المطر قلت إن مدينة بيت المقدس تقع علي قمة جبل وان أرضها غير مستوية أما المسجد فأرضه مستوية فخارج المسجد حيثما تكون الأرض منخفضة يرتفع حائطه إذ يكون أساسه في أرض واطئة وحيثما تكون الأرض مرتفعة
(٦٣)
مفاتيح البحث: النبي سليمان عليه السلام (1)، السجود (8)، الصّلاة (2)، الوضوء (1)

صفحه 033

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٤
يقصر الجدار وفي الجهات الواطئة من أحياء المدينة فتحوا في المسجد أبوابا كأنها نقب تؤدي لساحته ومن هذه الأبواب باب يسمي باب النبي عليه الصلاة والسلام وهو بجانب القبلة اي في الجنوب وقد عمل بحيث يكون عرضه عشرة أذرع وأما ارتفاعه فيتفاوت حسب المكان فهو في مكان خمس أذرع اي علو سقف هذا الممر وفي مكان آخر عشرون والجزء المسقوف من المسجد الأقصي مشيد فوق هذا الممر وهو محكم بحيث يحتمل أن يقام فوقه بناء بهذه العظمة من غير أن يؤثر فيه قط وقد استخدمت في بنائه حجارة لا يصدق العقل كيف استطاعت قوة البشر نقلها واستخدامها ويقال إن سليمان بن داود عليه السلام هو الذي بناه وقد دخل فيه نبينا عليه الصلوات والسلام إلي المسجد ليلة المعراج وهذا الباب علي جانب طريق مكة وعلي الحائط بقرب هذا الباب نقش دقيق لمجن كبير يقال إن حمزة بن عبد المطلب عم النبي عليه السلام كان جالسا هناك وعلي كتفه المجن وظهره مسند إلي الحائط وأن هذا نقش مجنه وعند بوابة المسجد حديث هذا الممر الذي عليه باب ذو مصراعين يبلغ ارتفاع الجدار من الخارج ما يقرب من خمسين ذراعا وقد قصد بهذا الباب أن يدخل منه سكان المحلة المجاورة لهذا الضلع من المسجد فلا يلجأون إلي الذهاب لمحلة أخري حين يريدون دخوله وعلي الحائط الذي يقع يمين الباب حجر ارتفاعه خمس عشرة ذراعا وعرضه أربع أذرع فليس في المسجد حجر أكبر منه وفي الحائط علي ارتفاع ثلاثين أو أربعين ذراعا من الأرض كثير من الحجارة التي تبلغ حجمها أربع أذرع أو خمس وفي عرض المسجد باب شرقي يسمي باب العين إذا خرجوا منه نزلوا منحدرا فيه عين سلوان وهناك أيضا باب تحت الأرض يسمي الحطة يقال إنه هو الباب الذي أمر الله عز وجل بني إسرائيل ان يدخلوا منه إلي المسجد قوله تعالي * (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) *
(٦٤)
مفاتيح البحث: حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه السلام (1)، المسجد الأقصي (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، سليمان بن داود (1)، السجود (7)، الصّلاة (2)

صفحه 034

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٥
وهناك باب آخر يسمونه باب السكينة في دهليزه مسجد به محاريب كثيرة باب أولها مغلق حتي لا يلجه أحد ويقال ان هناك تابوت السكينة الذي ذكره الله تبارك وتعالي في القرآن والذي حمله الملائكة وأبواب بيت المقدس ما تحت الأرض وما فوقها تسعة أبواب كما ذكرت وصف الدكة التي بوسط ساحة المسجد والصخرة التي كانت قبلة الإسلام أقيمت هذه الدكة في وسط المساحة لأنه لم يتيسر نقل الصخرة إلي الجزء المسقوف من المسجد لعلوها وهي تظل مساحة من الأرض مقدارها ثلاثون وثلاثمائة ذراع في ثلاثمائة وارتفاعها اثنتي عشرة ذراعا وصحنها مستو ومزخرف بالرخام الملبس بوصلات الرصاص وعلي جوانبها الأربعة ألواح الرخام كما يعمل في المقابر وهي مبينة بحيث لا يستطيع أحد الصعود عليها من غير المراقي المخصصة لهذا الأمر ويشرف من يصعد عليها علي سقف الجامع وقد حفر في أرضها في الوسط حوض يصب فيه مياه المطر بواسطة قنوات أعدت لذلك وماء هذا الحوض أنقي وأعذب من كل ماء في الجامع وعلي هذه الدكة أربع قباب أكبرها قبة الصخرة التي كانت القبلة وصف قبة الصخرة بني المسجد بحيث تكون الدكة في وسط الساحة وقبة الصخرة في وسط الدكة والصخرة وسط القبة وقبة الصخرة بيت مثمن منظم كل ضلع من
(٦٥)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، السجود (4)

صفحه 035

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٦
أضلاعه الثمانية ثلاث وثلاثون ذراعا وله أربعة أبواب علي الجهات الأربع الأصلية باب شرقي وآخر غربي وثالث شمالي ورابع جنوبي وبين كل بابين ضلع وجميع الحوائط من الحجر المنحوت وارتفاعها عشرون ذراعا ومحيط الصخرة مائة ذراع وهي غير منتظمة الشكل لا هي مدورة ولا مربعة ولكنها حجر غير منتظم كحجارة الجبل وقد بنوا علي جوانب الصخرة الأربعة أربعة دعائم مربعة بارتفاع حائط البيت المذكور وبين كل دعامتين علي الجوانب الأربعة عمودان اسطوانيان من الرخام بنفس الارتفاع وعلي قمة تلك الدعائم وهذه الأعمدة الاثني عشر بنوا القبة التي تحتها الصخرة والتي يبلغ محيطها مائة وعشرين ذراعا وبين حائط هذا البناء والدعائم والأعمدة أسمي المربعة المبنية ستون دعامة والمنحوتة المستديرة التي من حجر واحد أسطوانة عمودا ثمان دعائم أخري مبنية من الحجارة المنحوتة وبين كل اثنتين منهما ثلاثة أعمدة من الرخام الملون علي أبعاد متساوية بحيث يكون في الصف الأول عمودان بين كل دعامتين ويكون هنا ثلاثة أعمدة بين كل دعامتين وعلي تاج كل دعامة أربعة عقود علي كل عقد طاق وعلي كل عمود عقدان فوق كل منها طاق وهكذا يكون علي العمود متكأ لطاقين وعلي الدعامة متكأ لأربعة فكانت هذه القبة العظيمة في ذلك الوقت مرتكزة علي هذه الدعامات الاثنتي عشرة المحيطة بالصخرة فتراها علي بعد فرسخ كأنها قمة جبل لأنها من أساسها إلي قمتها ثلاثون ذراعا وهي تستند إلي أعمدة ودعامات ارتفاعها عشرون ذراعا وقبة الصخرة مشيدة علي بيت ارتفاعه اثنتا عشرة ذراعا وإذا فمن ساحة المسجد إلي رأس القبة اثنتان وستون ذراعا وسقوف هذه الدكة وقبابها مكسوة بالنجارة وكذلك الدعائم والعمد
(٦٦)
مفاتيح البحث: السجود (1)

صفحه 036

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٧
والحوائط وذلك بدقة قل نظيرها والصخرة أعلي من الأرض بمقدار قامة رجل وقد أحيطت بسياج من الرخام حتي لا تصل يد أليها والصخرة حجر أزرق لونه لم يطأها أحد برجله أبدا وفي ناحيتها المواجهة للقبلة انخفاض كأن أنسانا سار عليها فبدت آثار قدمه فيها كما تبدو علي الطين الطري فان آثار أصابع قدميه باقية عليها وقد بقيت عليها آثار سبع أقدام وسمعت أن إبراهيم عليه السلام كان هناك وكان إسماعيل طفلا فمشي عليها وهذه هي آثار قدمه ويقيم في بيت الصخرة هذا جماعة من المجاورين والعابدين وقد زينت أرضه بالسجاد الجميل من الحرير وغيره وفي وسطه قنديل من الفضة معلق بسلسلة فضية فوق الصخرة وهناك قناديل كثيرة من فضة كتب عليها وزنها أمر بصنعها سلطان مصر وقد قدرت ما هناك من الفضة بألف من ورأيت هناك أيضا شمعة كبيرة جدا طولها سبع أذرع وقطرها ثلاثة أشبار لونها كالكافور الزباجي وشمعها مخلوط بالعنبر ويقال ان سلطان مصر يرسل هناك كل سنة كثيرا من الشمع منه هذه الشمعة الكبيرة ويكتب عليها اسمه بالذهب وهذا المسجد هو ثالث بيوت الله سبحانه وتعالي والمعروف عند علماء الدين ان كل صلاة في بيت المقدس تساوي خمسة وعشرين ألف صلاة وكل صلاة في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام تعد بخمسين ألف صلاة وان صلاة مكة المعظمة شرفها الله تعالي تساوي مائة ألف صلاة وفق الله عز وجل عباده جميعا لهذا الثواب وقد قلت إن أسقف وظهور القباب ملبسة بالرصاص وعلي جوانب البيت الأربعة أبواب كبيرة مصاريعها من خشب الساج وهي مقفلة دائما وبعد قبة الصخرة قبة تسمي قبة السلسلة وهي السلسلة التي علقها داود عليه السلام والتي لا تصل إليها إلا يد صاحب الحق أما يد الظالم والغاصب فلا تبلغها وهذا المعني مشهور عند العلماء وهذه القبة محمولة علي رأس ثمانية أعمدة من الرخام وست دعائم من الحجر وهي مفتوحة من جميع الجوانب عدا جانب
(٦٧)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الظلم (1)، السجود (1)، الصّلاة (7)

صفحه 037

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٨
القبلة فهو مسدود حتي نهايته وقد نصب عليه محراب جميل وعلي هذه الدكة أيضا قبة أخري مقامة علي أربعة أعمدة من الرخام وهي مغلقة من ناحية القبلة أيضا حيث بني محراب جميل وتسمي هذه القبة قبة جبريل عليه السلام وليس فيها فرش بل إن أرضها من حجر سووه ويقال ان هناك أعد البراق ليركبه النبي عليه السلام ليلة المعراج وبعد قبة جبريل قبة أخري يقال لها قبة الرسول عليه الصلاة والسلام وبينهما عشرون ذراعا وهي مقامة علي أربع دعائم من الرخام أيضا ويقال ان الرسول عليه الصلاة والسلام صلي ليلة المعراج في قبة الصخرة أولا ثم وضع يده علي الصخرة فلما خرج وقفت لجلاله فوضع الرسول عليه الصلاة السلام يده عليها لتعود إلي مكانها وتستقر وهي بعد نصف معلقة وقد ذهب الرسول عليه السلام من هناك إلي القبة التي تنتسب إليه وركب البراق وهذا سبب تعظيمها وتحت الصخرة غار كبير يضاء دائما بالشمع ويقال انه حين قامت الصخرة خلا ما تحتها فلما استقرت بقي هذا الجزء كما كان وصف المراقي المؤدية إلي الدكة التي بساحة الجامع يسار إلي هذه الدكة من ستة مواضع لكل منها اسم فبجانب القبلة طريقان يصعد فيهما علي درجات فإذا وقفت في وسط ضلع الدكة وجدت أحدهما علي اليمين والثاني علي اليسار والذي علي اليمين يسمي مقام النبي عليه السلام والذي علي اليسار يسمي مقام الغوري وسمي الأول مقام النبي لأن النبي عليه الصلاة والسلام صعد علي درجاته إلي الدكة ليلة المعراج ودخل إلي قبة الصخرة ويقع طريق الحجاز علي هذا الجانب وعرض درجاته اليوم عشرون ذراعا وهي من الحجر المنحوت المنتظم وكل درجة قطعة أو
(٦٨)
مفاتيح البحث: الصّلاة (4)

صفحه 038

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٦٩
قطعتان من الحجر المربع وهي معدة بحيث يستطيع الزائر الصعود عليها راكبا وعلي قمة هذه الدرجات أربعة أعمدة من الرخام الأخضر الذي يشبه الزمرد لولا أن به نقطا كثيرة من كل لون ويبلغ ارتفاع كل عمود منها عشرة اذرع وقطره بقدر ما يحتضن رجلان وعلي رأس هذه الأعمدة الأربعة ثلاثة طيقان أحدها مقابل للباب والآخران علي جانبيه وسطح الطيقان أفقي من فوقه شرفات بحيث يبدو مربعا وهذه العمد والطيقان منقوشة كلها بالذهب وبالمينا ليس أجمل منها ودرابزين الدكة كله من الرخام الأخضر المنقط حتي لتقول ان عليه روضة ورد ناضر وقد أعد مقام الغوري بحيث تكون ثلاثة سلالم علي موضع واحد أحدها محاذ للدكة والآخران علي جانبيها حتي يستطاع الصعود من ثلاثة أماكن ومن فوق هذه السلالم الثلاثة أعمدة عليها طريقان وشرفة والدرجات بالوصف الذي ذكرت من الحجر المنحوت كل درجة قطعتان أو ثلاث من الحجر المستطيل وكتب بخط جميل بالذهب علي ظاهر الإيوان أمر به الأمير ليث الدولة نوشتكين الغوري ويقال انه كان تابعا لسلطان مصر وهو الذي أنشأ هذه الطرق والمراقي وعلي الجانب الغربي للدكة سلمان في ناحيتين منها وهناك طريق عظيم مشابه لما ذكرت وكذلك في الجانب الشرقي طريق عظيم مماثل عليه أعمدة فوقها طيقان وشرفة يسمي المقام الشرقي وعلي الجانب الشمالي طريق أكثر علوا وأكبر منها كلها به أعمدة فوقها طيقان يسمي المقام الشامي وأظن أنهم صرفوا علي هذه الطرق الستة مائة ألف دينار
(٦٩)

صفحه 039

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٠
وفي الجانب الشمالي لساحة المسجد لا علي الدكة بناء به كأنه مسجد صغير يشبه الحظيرة وهو من الحجر المنحوت يزيد ارتفاع حوائطه علي قامة رجل ويسمي محراب داود وبالقرب منه حجر غير مستو يبلغ قامة رجل وقمته تتيح وضع حصيرة صلاة صغيرة عليها ويقال انه كرسي سليمان عليه السلام الذي كان يجلس عليه أثناء بنا المسجد هذا ما رأيت في جامع بيت المقدس قد صورته وضممته إلي مذكراتي ومن النوادر التي رأيتها في بيت المقدس شجرة الحور بعد الفراغ من زيارة بيت المقدس عزمت علي زيارة مشهد إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام في يوم الأربعاء غرة ذي القعدة سنة 438 (20 ابريل سنة 1047) والمسافة بينهما ستة فراسخ عن طريق جنوبي به قري كثيرة وزرع وحدائق وشجر بري لا يحصي من عنب وتين وزيتون وسماق وعلي فرسخين من بيت المقدس أربع قري بها عين وحدائق وبساتين كثيرة تسمي الفراديس لجمال موقعها وعلي فرسخ واحد من بيت المقدس مكان للنصاري يعظمونه كثيرا يقيم بجانبه مجاورون دائما ويحج اليه كثيرون اسمه بيت اللحم وهناك يقدم النصاري القرابين ويقصده الحجاج من بلاد الروم وقد بلغته مساء اليوم الذي قمت فيه من بيت المقدس وصف قبر الخليل صلوات الله عليه يسمي أهل الشام وبيت المقدس هذا المشهد الخليل ولا يذكرون
(٧٠)
مفاتيح البحث: النبي سليمان عليه السلام (1)، شهر ذي القعدة (1)، الشام (1)، الشهادة (2)، القبر (1)، الصّلاة (3)، السجود (2)، الزيارة (2)، الحج (1)

صفحه 040

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧١
اسم القرية التي هو فيها قرية مطلون وهي موقوفة عليه مع قري كثيرة وفي هذه القرية عين ماء تخرج من الصخر يتفجر ماؤها رويدا رويدا وهو ينقل من مسافة بعيدة بواسطة قناة إلي خارج القرية حيث بني حوض مغطي يصب فيه الماء فلا يذهب هباء حتي يفي بحاجة أهل القرية وغيرهم من الزائرين والمشهد علي حافة القرية من ناحية الجنوب وهي في الجنوب الشرقي والمشهد يتكون من بناء ذي أربع حوائط من الحجر المصقول طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون وارتفاعه عشرون وثخانة حوائطه ذراعان وبه مقصورة ومحراب في عرض البناء وبالمقصورة محاريب جميلة بها قبران رأسهما للقبلة وكلاهما من الحجر المصقول بارتفاع قامة الرجل الأيمن قبر إسحاق بن إبراهيم والآخر قبر زوجه عليها السلام وبينهما عشرة أذرع وأرض هذا المشهد وجدرانه مزينة بالسجاجيد القيمة والحصر المغربية التي تفوق الديباج حسنا وقد رأيت هناك حصير صلاة قيل أرسلها أمير الجيوش وهو تابع لسلطان مصر وقد اشتريت من مصر بثلاثين دينارا من الذهب المغربي ولو كانت من الديباج الرومي لما بلغت هذا الثمن ولم ار مثلها في مكان قط
(٧١)
مفاتيح البحث: إسحاق بن إبراهيم (1)، القبر (2)، الشهادة (2)، الصّلاة (1)

صفحه 041

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٢
حين يخرج السائر من المقصورة إلي وسط ساحة المشهد يجد مشهدين أمام القبلة الأيمن به قبر إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وهو مشهد كبير ومن داخله مشهد آخر لا يستطاع الطواف حوله ولكن له أربع نوافذ يري منها فيراه الزائرون وهو يطوفون حول المشهد الكبير وقد كسيت أرضه وجدرانه ببسط من الديباج والقبر من الحجر ارتفاعه ثلاث أذرع وعلق به كثير من القناديل والمصابيح الفضية والمشهد الثاني الذي علي يسار القبلة به قبر سارة زوج إبراهيم عليه السلام وبين القبرين ممر عليه باباهما وهو كالدهليز وبه كثير من القناديل والمسارج وبعد هذين المشهدين قبران متجاوران الأيمن قبر النبي يعقوب عليه السلام والأيسر قبر زوجه وبعدهما المنازل التي اتخذها إبراهيم للضيافة وبها ستة قبور وخارج الجدران الأربعة منحدر به قبر يوسف بن يعقوب عليه السلام وهو من حجر وعليه قبة جميلة وعلي جانب الصحراء بين قبر يوسف
(٧٢)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (2)، يوسف بن يعقوب (1)، الشهادة (5)، القبر (6)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، الزوج، الزواج (1)

صفحه 042

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٣
ومشهد الخليل عليهما السلام قرافة كبيرة يدفن بها الموتي من جهات عديدة وعلي سطح المقصورة التي في المشهد حجرات للضيوف الوافدين وقد وقف عليها أوقاف كثيرة من القري ومستغلات بيت المقدس وأغلب الزراعة هناك الشعير والقمح قليل والزيتون كثير ويعطون الضيوف والمسافرين والزائرين الخبز والزيتون وهناك طواحين كثيرة تديرها البغال والثيران لطحن الدقيق وبالمضيفة خادمات يخبزن طول اليوم ويزن رغيفهم منا واحدا ويعطي من يصل هناك رغيفا مستديرا وطبقا من العدس المطبوخ بالزيت وزبيبا كل يوم وهذه عادة بقيت من أيام خليل الرحمن عليه السلام حتي الساعة وفي بعض الأيام يبلغ عدد المسافرين خمسمائة فتهيأ الضيافة لهم جميعا ويقال انه لم يكن لهذا المشهد باب وكان دخوله مستحيلا بل كان الناس يزورونه من الإيوان في الخارج فلما جلس المهدي علي عرش مصر
(٧٣)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الشهادة (3)، الدفن (1)

صفحه 043

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٤
أمر بفتح باب فيه وزينه وفرشه بالسجاجيد وأدخل علي عمارته اصلاحا كثيرا وباب المشهد وسط الحائط الشمالي علي ارتفاع أربع أذرع فوق الأرض وعلي جانبيه درجات من الحجر فيصعد اليه من جانب ويكون النزول من الجانب الثاني ووضع هناك باب صغير من الحديد ثم رجعت إلي بيت المقدس ومن هناك سرت ماشيا مع جماعة تقصد الحجاز وكان دليلنا رجلا اسمه أبو بكر الهمداني وهو رجل جلد يقدر علي المشي وجهه جميل غادرت بيت المقدس في منتصف ذي القعدة سنة 437 (أول مايو 1047) وبعد ثلاثة أيام بلغت جهة تسمي أعز القري بها ماء جار وأشجار ثم بلغنا منزلا آخر يسمي وادي القري ومن بعده نزلنا مكانا ثالثا ثم بلغنا مكة بعد عشرة أيام لم تحضر لمكة قافلة من اي بلد في هذه السنة وشح الطعام وقد نزلت في سكة العطارين أمام باب النبي عليه السلام وفي يوم الاثنين طلعت عرفات وكان الناس مملوئين رعبا من العرب ولما عدت من عرفات لبثت بمكة يومين ثم رجعت إلي بيت المقدس عن طريق الشام وبلغنا المقدس في الخامس من المحرم سنة 339 (7 يوليو 1037) ولا أذكر هنا وصف مكة والحج سأذكر ذلك عند الكلام علي الحجة الأخيرة كنيسة بيعة القيامة وللنصاري في بيت المقدس كنيسة يسمونها بيعة القمامة لها عندهم مكانة عظيمة ويحج إليها كل سنة كثير من بلاد الروم ويزورها ملك الروم متخفيا حتي لا يعرفه الناس وقد زارها أيام عزيز مصر الحاكم بأمر الله
(٧٤)
مفاتيح البحث: شهر ذي القعدة (1)، مدينة مكة المكرمة (4)، الشام (1)، العزّة (1)، الطعام (1)، الحج (2)، الشهادة (1)

صفحه 044

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٥
فبلغ ذلك الحاكم فأرسل اليه أحد حراسه بعد أن عرفه أن رجلا بهذه الحلية والصورة يجلس في كنيسة بيت المقدس وقال له اذهب عنده وقل له ان الحاكم أرسلني إليك ويقول لا تحسبني أجهل أمرك ولكن كن آمنا فلن أقصدك بسوء وقد أمر الحاكم هذا بالإغارة علي الكنيسة فهدمها وخربها وظلت خربة مدة من الزمان وبعد ذلك بعث القيصر اليه رسلا وقدم كثيرا من الهدايا والخدمات وطلب الصلح والشفاعة ليؤذن له بإصلاح الكنيسة فقبل الحاكم وأعيد تعميرها وهذه الكنيسة فسيحة تسع ثمانية آلاف رجل وهي عظيمة الزخرف من الرخام الملون والنقوش والصور وهي مزدانة من الداخل بالديباج الرومي والصور وزينت بطلاء من الذهب وفي أماكن كثيرة منها صورة عيسي عليه السلام راكبا حمارا وصور الأنبياء الآخرين مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب وأبنائهم عليهم السلام وهذه الصور مطلية بزيت السندروس وقد غطي سطح كل صورة بلوح من الزجاج الشفاف علي قدها بحيث لا يحجب منها شيء وذلك حتي لا يصل الغبار إليها وينظف الخدم هذا الزجاج كل يوم وهناك عدا ذلك عدة مواضع أخري كلها مزينة ولو وصفتها لطالت كتابتي وفي هذه الكنيسة لوحة مقسمة إلي قسمين وعملا لوصف الجنة والنار فنصف يصف الجنة وأهلها ونصف يصف النار وأهلها ومن
(٧٥)
مفاتيح البحث: النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، يوم عرفة (1)

صفحه 045

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٦
يبقي فيها وليس لهذه الكنيسة نظير في اي جهة من العالم ويقيم بها كثير من القس والرهبان يقرأون الإنجيل ويصلون ويشتغلون بالعبادة ليل نهار وصف مصر ثم عزمت لي ان أغادر بيت المقدس إلي مصر بطريق البحر ثم أغادرها إلي مكة ولكن كانت الريح معاكسة وتعذر السفر بالبحر فسرنا عن طريق البر ومررنا بالرملة ثم بلغنا مدينة عسقلان بها سوق وجامع جميل رأيت بها طاقا قديما قيل إنه كان مسجدا وهو طاق من الحجر الكبير ولو أرادوا هدمه للزمهم إنفاق مال كثير وخرجت من هناك فوجدت في الطريق قري كثيرة ومدنا يطول وصفها فحذفته اختصارا وبلغنا مكانا يسمي طينة وهو مرفأ للسفن يذهب منه إلي تنيس وقد ركبت السفينة إليها تنيس جزيرة ومدينة جميلة وهي بعيدة عن الساحل بحيث لا يري من أسطحها والمدينة مزدحمة وبها أسواق فخمة وجامعان وقد يبلغ عدد الدكاكين بها عشرة آلاف دكان منها مائة دكان عطار وهناك في فصل الصيف يبيعون الكشكاب فان الجو حار وتكثر الأمراض في المدينة
(٧٦)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، السفينة (1)

صفحه 046

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٧
وينسج بتنيس القصب الملون من عمامات ووقايات ومما يلبس النساء ولا ينسج مثل هذا القصب في جهة ما غير تنيس والأبيض منه ينسج في دمياط وما ينسج منه في مصانع السلطان لا يباع ولا يعطي لأحد وقد سمعت ان ملك فارس أرسل رسله إلي تنيس بعشرين ألف دينار ليشتري له بها حلة من كسوة السلطان وقد بقي رسله هناك عدة سنين ولم يستطيعوا شراءها وبتنيس صناع مختصون بنسيج ملابس السلطان وقد سمعت أن عاملا نسج عمامة السلطان فأمر به بخمسمائة دينار ذهب مغربي وقد رأيت هذه العمامة ويقال انها تساوي أربعة آلاف دينار مغربي وينسجون في مدينة تنيس هذه البوقلمون الذي لا ينسج في مكان آخر من جميع العالم وهو قماش ذهبي يتغير لونه بتغير ساعات النهار وتحمل أثوابه من تنيس إلي المشرق والمغرب وسمعت ان سلطان الروم كان قد أوفد رسولا ليعرض علي سلطان مصر أن يعطيه مائة مدينة علي أن يأخذ تنيس فلم يقبل السلطان وكان قصده من هذه المدينة القصب والبوقلمون
(٧٧)
مفاتيح البحث: اللبس (1)

صفحه 047

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٨
حينما يزيد ماء النيل يبعد الماء الملح من حول تنيس بحيث يصبح ماء البحر عذبا حتي عشرة فراسخ حولها وقد بنوا بجزيرة تنيس ومدينتها صهاريج عظيمة تحت الأرض وهي قوية البنيان وتسمي المصانع فحين يغلب ماء النيل ويطرد الماء الملح من هناك تملأ هذه الأحواض حين يفتحون له الطريق وماء هذه المدينة من تلك المصانع التي تمتلئ وقت زيادة النيل ويستعمل السكان هذا الماء حتي السنة التالية وكل من لديه ماء فوق حاجته يبيع الفائض لغيره وبتنيس مصانع كثيرة موقوفة يعطي ماؤها للغرباء وسكانها خمسون ألفا
(٧٨)
مفاتيح البحث: البيع (1)

صفحه 048

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٧٩
ويرابط حولها دائما ألف سفينة منها ما هو للتجار وكثير منها للسلطان ويجلب لهذه الجزيرة كل ما تحتاج اليه إذ ليس بها من خيرات الأرض شيء وتجري المعاملات فيها بالسفن لأنها جزيرة ويقيم بتنيس جيش كامل السلاح احتياطا حتي لا يستطيع أحد من الفرنج أو الروم أن يغير عليها وسمعت من الثقات أنه يصل منها لخزانة سلطان مصر يوميا ألف دينار مغربي ويصل ذلك المقدار مرة واحدة يحصله شخص واحد يسلمه أهل المدينة اليه في وقت معين وهو يسلم للخزانة فلا يتأخر منه شيء ولا يجبي شيء بالعنف من اي شخص وما ينسج للسلطان من القصب والبوقلمون يدفع ثمنه كاملا بحيث يعمل الصناع برضاهم للسلطان لا كما في البلاد الأخري حيث يفرض الديوان والسلطان السخرة علي الصناع وتصنع أستار هوداج الجمال ولبود سروج الخيل الخاصة بالسلطان من البوقلمون
(٧٩)
مفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، السفينة (1)

صفحه 049

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٠
ويؤتي بالفاكهة والأغذية لتنيس من قري مصر ويصنعون بها آلات الحديد كالمقراض والسكين وغيرهما وقد رأيت مقراضا في مصر صنع في تنيس ثمنه خمسة دنانير مغربية يفتح إذا رفع مسماره ويقص إذا انزل وتصيب النساء هناك أحيانا علة كالصرع فيصحن مرتين أو ثلاثا ثم يعدن بعد ذلك إلي صوابهن وكنت سمعت في خراسان عن جزيرة تموء فيها النساء كالقطط وذلك علي النحو الذي ذكرت وتذهب السفينة من تنيس إلي القسطنطينية في عشرين يوما وقد سرنا بجانب مصر وحين بلغنا شاطئ البحر سارت السفينة في النيل حين يقترب نهر النيل من البحر يصير فروعا تصب متفرقة فيه ويسمي الفرع الذي سرنا فيه فرع الروم سارت السفينة حتي بلغنا مدينة تسمي الصالحية وهي مدينة كثيرة النعم والخيرات وتصنع بها سفن كثيرة حمولة كل منهما مائتا خروار وهي تنقل البضاعة إلي مدينة مصر حتي أبواب دكاكين البقالين ولو لم تكن وسائل النقل كذلك لتعذر نقل المؤن فيها علي ظهور الدواب لكثرة الزحام الذي بها وقد نزلت من السفينة إلي الصالحية ثم بلغت قرب القاهرة تلك الليلة وفي يوم الأحد السابع من صفر سنة 439 (4 أغسطس 1047) وهو يوم هرمرذ من شهر يور القديم كنا في القاهرة وصف مصر وولايتها يخرج ماء النيل من بين الجنوب والغرب ويمر بمصر ثم يصب في بحر الروم ويبلغ نهر النيل في زيادته ضعف نهر جيحون عند ترمذ ويمر النيل بولاية النوبة ثم يجيء إلي مصر والنوبة ولاية جبلية وحين يصل النيل إلي الوادي فهناك ولاية مصر وأول مدينة يصل إليها علي الحدود تسمي أسوان
(٨٠)
مفاتيح البحث: خراسان (1)، السفينة (4)

صفحه 050

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨١
والمسافة من مصر إليها ثلاثمائة فرسخ وتقع المدن والولايات كلها علي شاطئ النيل وتسمي هذه الولاية أسوان بالصعيد الأعلي ولا تستطيع السفن عبور النيل حين تصل لأسوان لأن الماء يخرج هناك من شلالات فيندفع سريعا وولاية النوبة جنوبي أسوان ولها ملك خاص وسكانها سود البشرة ودينهم النصرانية ويذهب اليه التجار ويبيعون الخرز والأمشاط والمرجان ويجلبون منها الرقيق والرقيق في مصر إما نوبيون وإما روم وقد رأيت قمحا وذرة من النوبة كلاهما أسود ويقال ان حقيقة منابع النيل لم تعرف وسمعت ان سلطان مصر ارسل بعثة لتتبع شاطئ النيل سنة كاملة ودرسه ولكن أحدا لم يعرف حقيقة منبعه ويقال انه يأتي من جبل في الجنوب يسمي جبل القمر حين تبلغ الشمس مدار السرطان يزداد النيل فيرتفع عشرين ذراعا عما كان مستقرا عليه في الشتاء وهكذا يتزايد يوما بعد يوم وقد أعدوا له في مصر مقاييس وعلامات ورتبوا عاملا وظيفته ألف دينار للمحافظة عليها ولتسجيل الزيادة ومنذ أول يوم للفيضان يطوف منادون في المدينة منادين بأن الله تعالي قد زاد النيل كذا أصبعا ويذكرون مقدار زيادته كل يوم وحين تبلغ الزيادة ذراعا كاملا تضرب البشائر ويفرح الناس حتي تبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وهي الزيادة المعهودة يعني أنه كلما قلت الزيادة عن ذلك قيل إن النيل ناقص فتصدقوا ونذروا النذور وعلاهم الغم فإذا زاد عن هذا القدر فرحوا وأظهروا الغبطة وما لم يصل الارتفاع إلي ثمانية
(٨١)
مفاتيح البحث: الطواف، الطوف، الطائفة (1)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 051

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٢
عشر ذراعا لا يأخذ السلطان الخراج ويتفرع من النيل فروع كثيرة تسير في الأطراف كما يتفرغ منها ترع صغيرة وعليها تقع الولايات والقري وأقيمت بمصر سواق كثيرة يصعب حصرها أو قياسها وشيدت قري مصر كلها علي المرتفعات والتلول وذلك حتي لا تغرق فان الماء يغمر البلاد كلها وقت الفيضان وحينئذ يسيرون من قرية لأخري بالزوارق وقد أنشأوا علي الشاطئ من أول الولاية لأخرها جسرا من الطين ليسير عليه
(٨٢)

صفحه 052

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٣
الناس أي بجانب النيل وتصرف خزينة السلطان كل سنة للعامل المعتمد عشرة آلاف دينار مغربي لتجديد عمارته ويجهز أهل الولاية حاجاتهم الضرورية كلها لهذه الأشهر الأربعة التي تكون بلادهم أثناءها مغمورة بالماء ويخبز كل شخص في الريف ما يكفيه من الخبز هذه المدة ويقدده حتي لا يتعفن ونظام الفيضان هو الآتي يتزايد الماء أربعين يوما من بدء الفيضان إلي أن يبلغ ثمانية عشر ذراعا ويبقي علي هذا أربعين يوما لا يزيد ولا ينقص ثم يتدرج نحو النقصان مدة أربعين يوما أخري حتي يصل إلي الحد الذي كان عليه في الشتاء وحينما يبدأ الماء في التناقص يتبعه الزراع فكلما حفت بقعة زرعوها الزرع الذي يريدون وعلي هذا النحو زرعهم الصيفي والشتوي فلا يتطلب ماء آخر قط تقع مصر بين النيل والبحر والنيل يأتي من الجنوب ويتجه شمالا ويصب في البحر والمسافة من مصر إلي الإسكندرية ثلاثون فرسخا وتقع الإسكندرية علي شاطئ بحر الروم وشاطئ النيل وتصدر منهما بالسفن فاكهة كثيرة لمصر وفي الإسكندرية منارة رأيتها قائمة وأنا هناك وقد كان فوقها حراقة مرآة محرقة فكلما جاءت سفينة رومية من القسطنطينية أصابتها نار من هذه الحراقة فأحرقتها وقد بذل الروم كثيرا من الجد والجهد والحيلة فبعثوا شخصا فكسر المرآة وفي عهد الحاكم
(٨٣)
مفاتيح البحث: السفينة (1)

صفحه 053

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٤
سلطان مصر جاءه شخص وعرض عليه ان يعيدها كما كانت فقال الحاكم لا حاجة إلي ذلك فان الروم يرسلون الينا الآن الذهب والمال كل سنة وهم راضون بأن يذهب جيشنا إليهم ونحن معهم في سلام تام وماء الشرب في الإسكندرية من المطر وصحراؤها مملوء بهذه الأعمدة المبعثرة التي قدمت وصفها ويمتد بحر الإسكندرية حتي القيروان التي يفصلها عن مصر مسافة مائة
(٨٤)

صفحه 054

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٥
وخمسين فرسخا والقيروان ولاية مدينتها الكبري سجلماسة التي تقع علي بعد أربعة فراسخ من البحر وهي مدينة كبيرة في الصحراء وبها حصن محكم وبجانبها المهدية التي بناها المهدي أحد أبناء أمير المؤمين الحسين بن علي رضي الله تعالي عنهما بعد استيلائه علي المغرب والأندلس وهي في هذه الأيام تابعة لسلطان مصر ويسقط البرد في القيروان ولكنه لا يمكث علي أرضها ويتجه البحر شمالا ويسير ناحية اليمين إلي الأندلس وبين مصر والأندلس ألف فرسخ وسكانها جميعا مسلمون وهي ولاية كبيرة جبلية ينزل فيها البرد ويتجمد سكانها بيض وشعرهم أحمر وأكثرهم كالصقالبة عيونهم كعيون القطط وتقع الأندلس في نهاية بحر الروم فالبحر شرقي بالنسبة لأهلها وإذا ذهب السائر من الأندلس شمالا جهة اليمين متتبعا الشاطئ فإنه يبلغ بلاد الروم وكثيرا ما يغزون الروم من الأندلس ومن الممكن أن يركب المسافر البر إلي القسطنطينية إذا أراد ولكن لا بد من اجتياز خلجان كثيرة عرض كل منها مائتا فرسخ أو ثلاثمائة فرسخ لا يمكن اجتيازها الا بالسفن والمعابر وقد سمعت من ثقة أن محيط هذا البحر أربعة آلاف فرسخ وأن فرعا منه يدخل بلاد الظلمات كما يقال وأن نهاية هذا الفرع متجمدة دائما لأن الشمس لا تبلغه ومن جزائر هذا البحر صقلية وتبلغها السفينة من مصر في عشرين يوما وهناك جزر كثيرة غيرها ويقال ان صقلية ثمانون فرسخا في ثمانين وهي ملك سلطان مصر وتغادرها كل سنة سفينة تحمل المال إلي مصر ويجلبون منها كتانا رقيقا وثيابا منقوشة يساوي الثوب منها في مصر عشرة دنانير مغربية وإذا سار السائر من مصر شرقا يبلغ بحر القلزم والقلزم مدينة علي شاطئ البحر بينها وبين مصر ثلاثون فرسخا وهذا البحر فرع من محيط يتفرع
(٨٥)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، السفينة (2)

صفحه 055

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٦
عند عدن ويتجه نحو الشمال فإذا بلغ القلزم انقطع ويقال أن عرضه مائتا فرسخ ويفصله عن مصر جبال وصحراء لا ماء فيها ولا نبات ومن يريد الذهاب إلي مكة من مصر يلزمه الاتجاه نحو الشرق فإذا بلغ القلزم وجد طريقين أحدهما بري والآخر بحري وهو يبلغ مكة عن الطريق الأول في خمسة عشر يوما في صحراء طولها ثلاثمائة فرسخ وتذهب عن هذا الطريق معظم القوافل الآتية من مصر فإذا سار عن طريق البحر يبلغ الجار في عشرين يوما وهي مدينة صغيرة من الحجاز تقع علي شاطئ البحر ومنها إلي مدينة الرسول صلي الله عليه وسلم ثلاثة أيام ومن المدينة إلي مكة مائة فرسخ فإذا جاوز الجار وواصل السير في البحر بلغ ساحل اليمن ومن هناك إلي ساحل عدن فإذا جاوزه ينتهي إلي الهند وهكذا حتي الصين وإذا سار من عدن إلي الجنوب مائلا نحو الغرب فإنه يذهب إلي زنجبار والحبشة وسأشرح ذلك في مكانه وإذا سار من مصر إلي الجنوب وجاوز ولاية النوبة بلغ ولاية المصامدة وهي أرض ذات مراع واسعة وفيها دواب كثيرة وسكانها سود كبار العظام غلاظ أقوياء البنية ويكثر الجند منهم في مصر وهم قباح الصورة ضخام الجثة يسمون المصامدة يحاربون راجلين بالسيف والحربة ولا يستطيعون استعمال غيرها من الآلات وصف مدينة القاهرة أول مدينة يصل إليها المسافر من الشام إلي مصر هي القاهرة وتقع مدينة مصر جنوبها وتسمي القاهرة (المعزية) ويقال للمعسكر (الفسطاط) يروي أن أحد أبناء أمير المؤمنين الحسين بن علي صلوات الله عليهن أجمعين
(٨٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، الحسين بن علي (1)، الشام (1)، الهند (1)، الصّلاة (1)، الوسعة (1)

صفحه 056

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٧
وهو المعز لدين الله استولي علي بلاد المغرب حتي الأندلس ثم سير جيشا نحو مصر وكان لابد لهذا الجيش أن يعبر النيل وهذا أمر غير مستطاع أولا لأن النيل عظيم الاتساع وثانيا لأنه مملوء بالتماسيح التي تجذب إلي قاعه في الحال كل من يعبر ويقال إنه في الطريق قرب مدينة مصر طلسم يحمي الإنسان والدواب من هذا الشر ولكن أثره يبطل علي مسافة رمية سهم من المدينة فلا يجرؤ أحد أن يقترب من النيل قيل إن المعز أرسل جيشه فنزل حيث القاهرة اليوم وقد أمر جنوده قائلا حين تصلون إلي النيل ينزل الماء أمامكم كلب أسود فيعبر النهر فاتبعوه واعبروا آمنين قيل وقد بلغ هذا المكان ثلاثون ألف فارس كلهم خدم المعز وقد انطلق الكلب سابحا أمامهم وساروا علي أثره وعبروا من غير حادث ولم يقل أحد قط ان فارسا عبر نهر النيل راكبا وكانت هذه الحادثة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة 973 قد حضر السلطان إلي مصر عن طريق البحر فأفرغت السفن التي حضر بها قرب القاهرة وأخرجت من الماء وتركت كأنها أشياء لا غناء فيها وقد رأي راوي هذه القصة ناصر خسرو تلك السفن وهي سبع طول الواحدة مائة وخمسون ذراعا وعرضها سبعون وقد مضي عليها هناك ثمانون سنة وكان ذلك سنة إحدي وأربعين وأربعمائة 1046 حين بلغ الراوي هذا المكان
(٨٧)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)

صفحه 057

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٨
وحين دخل المعز لدين الله مصر تقدم له بالطاعة قائد الجيش الذي ولاه خليفة بغداد ونزل المعز بالجيش في هذا الموضع الذي هو القاهرة اليوم وقد سمي المعسكر بالقاهرة لأن ذلك الجيش كان قاهرا وقد أمر المعز بأن لا يتجول أحد من جيشه في المدينة أو يدخل بيت أحد ثم أمر أن تبني مصر في هذه الصحراء وأن يشيد كل من أفراد حاشيته بيتا وهكذا بنيت المدينة التي قل نظيرها وقدرت أن في القاهرة ما لا يقل عن عشرين ألف دكان كلها ملك للسلطان وكثير منها يؤجر بعشرة دنانير مغربية في الشهر وليس بينها ما تقل أجرته عن دينارين والأربطة والحمامات والأبنية الأخري كثيرة لا يحدها
(٨٨)
مفاتيح البحث: مدينة بغداد (1)

صفحه 058

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٨٩
الحصر وكلها ملك السلطان إذ ليس لأحد ان يملك عقارا أو بيتا غير المنازل وما يكون قد بناه الفرد لنفسه وسمعت أن للسلطان ثمانية ألف بيت في القاهرة ومصر وأنه يؤجرها ويحصل أجرتها كل شهر يؤجرونها للناس برغبتهم ثم يتقاضون الأجر فلا يجبر شخص علي شيء ويقع قصر السلطان في القاهرة وهو طلق من جميع الجهات ولا يتصل به أي بناء وقد مسحه المهندسون فوجدوه مساويا لمدينة ميافارقين وكل ما حوله فضاء ويحرسه كل ليلة ألف رجل خمسمائة فارس وخمسمائة رجل وهم ينفخون البوق ويدقون الطبل والكوس من وقت صلاة المغرب ويدورون حول القصر حتي الصباح ويبدو هذا القصر من خارج المدينة كأنه جبل لكثرة ما فيه من الأبنية المرتفعة وهو لا يري من داخل المدينة لارتفاع أسواره وقيل إن به اثني عشر ألف خادم مأجور ومن يعرف عدد من فيه من النساء والجواري إلا أنه يقال إن به ثلاثين ألف آدمي وهذا القصر يتكون من اثني عشر جوسقا وله عشرة أبواب فوق الأرض لكل منها اسم علي هذا التفصيل وذلك فضلا عن أبواب أخري تحت الأرض باب الذهب باب البحر باب السريج باب الزهومة باب السلام
(٨٩)
مفاتيح البحث: مواقيت الصلاة (1)

صفحه 059

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٠
باب الزبرجد باب العيد باب الفتوح باب الزلاقة باب السرية وتحت الأرض باب يخرج منه السلطان راكبا وهذا الباب علي سرداب يؤدي إلي قصر آخر خارج لمدينة ولهذا السرداب الذي يصل بين القصرين سقف محكم وجدران القصر من الحجر المنحوت بدقة تقول إنها قدت من صخر واحد وفوق القصر المناظر والإيوانات العالية وفي داخله دهليز به دكك وأركان الدولة والخدم من العبيد السود أو الروم والوزير رجل يمتاز عن الجميع بالزهد والورع والأمانة والصدق والعقل ولم يكن شرب الخمر مباحا أعني أيام الحاكم هذا وفي أيامه حرم علي النساء الخروج من بيوتهن وما كان أحد يجفف العنب في بيته لجواز عمل السيكي (نوع من الشراب) منه ولم يكن أحدهم يجرؤ علي شرب الخمر ولا كانوا يشربون الفقاع فقد قيل إنه مسكر فهو محرم وللقاهرة خمسة أبواب باب النصر وباب الفتوح وباب القنطرة وباب الزويلة وباب الخليج وليس للمدينة قلعة ولكن أبنيتها أقوي وأكثر ارتفاعا من القلعة وكل قصر حصن ومعظم العمارات تتألف من خمس أو ست طبقات ويجلب ماء الشرب من النيل ينقله السقاءون علي الجمال والآبار القريبة
(٩٠)
مفاتيح البحث: شرب الخمر (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (2)

صفحه 060

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩١
من النيل عذب ماؤها وأما البعيدة عنه فماؤها ملح ويقال إن في القاهرة ومصر اثنين وخمسين ألف جمل يحمل عليها السقاءون الروايا وهولأء عدا من يحمل الماء علي ظهره في الجرار النحاسية أو القرب وذلك في الحارات الضيقة التي لا تسير فيها الجمال وفي المدينة بساتين وأشجار بين القصور تسقي من ماء الآبار وفي قصر السلطان بساتين لا نظير لها وقد نصبت السواقي لريها وغرست الأشجار فوق الأسطح فصارت متنزهات وحين كنت هناك أجر منزل مساحته عشرون ذراعا في اثني عشر ذراعا بخمسة عشر دينارا مغربيا في الشهر وكان أربعة طوابق ثلاثة منها مسكونة والرابع خال وقد عرض علي صاحبه خمسة دنانير مغربية كأجرة شهرية فرفض معتذرا بأنه يلزمه أن يقيم به أحيانا ولو أنه لم يحضر مرتين في السنة التي أقمتها هناك وكانت البيوت من النظافة والبهاء بحيث تقول إنها بنيت من الجواهر لا من الجص والآجر والحجارة وهي بعيدة عن بعضها فلا تنمو أشجار بيت علي سور بيت آخر ويستطيع كل مالك أن يجعل ما ينبغي لبيته في كل وقت من هدم أو إصلاح دون أن يضايق جاره ويري السائر خارج المدينة ناحية الغرب ترعة كبيرة تسمي الخليج حفرها والد السلطان وله علي شاطئيها ثلاثمائة قرية ويبتدئ فم الخليج من مدينة مصر ويمر بالقاهرة ويدور بها مارا أمام قصر السلطان وقد شيد علي رأسه قصران أولهما قصر اللؤلؤة وثانيهما قصر
(٩١)

صفحه 061

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٢
الجوهرة وفي القاهرة أربعة مساجد جمعة الأزهر وجامع النور وجامع الحاكم وجامع المعز والأخير خارج القاهرة علي شاطئ النيل
(٩٢)
مفاتيح البحث: السجود (1)

صفحه 062

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٣
ويتوجه المصريون نحو مطلع الحمل حين يولون وجوههم شطر القبلة وبين مدينتي مصر والقاهرة أقل من ميل والأولي في الجنوب والثانية في الشمال ويمر النيل بهما وبساتينهما وبيوتهما متصلة أما البقية فتحت مستوي الماء وتغمر المياه الوادي بأجمعه في الصيف كأنه بحر عدا حديقة السلطان لأنها علي مرتفع أما البقية فتحت مستوي الماء وصف فتح الخليج حين يبلغ النيل الوفاء أي من العاشر شهر يور أغسطس وسبتمبر إلي العشرين من آبان (أكتوبر ونوفمبر) ويبلغ ارتفاع الماء ثمانية عشر ذراعا عن مستواه في الشتاء وتكون أفواه الترع والجداول مسدودة في البلاد كلها يحضر السلطان راكبا ليفتح النهر الذي يسمي الخليج والذي يبدأ قبل مدينة مصر ثم يمر بالقاهرة وهو ملك خاص للسلطان وفي ذلك اليوم يوم ركوب السلطان لفتح الخليج تفتح الخلجان والترع الأخري في الولايات كلها وهذا اليوم أعظم الأعياد في مصر ويسمي عيد ركوب فتح الخليج حينما يقترب ينصب للسلطان علي رأس الخليج سرادق عظيم التكاليف من الديباج الرومي وموشي كله بالذهب ومكلل بالجواهر ومعد أعظم إعداد بحيث يتسع ظله لمائة فارس وأمام هذا السرادق خيمة من البوقلمون وسرادق آخر كبير وقبل الاحتفال بثلاثة أيام يدقون الطبل وينفخون البوق ويضربون الكوس في الإصطبل لتألف الخيل هذه الأصوات وحين يركب السلطان يصطف عشرة آلاف فارس علي خيولهم سروج
(٩٣)

صفحه 063

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٤
مذهبة وأطواق وألجمة مرصعة وجميع لبد السروج من الديباج الرومي والبوقلمون نسجت لهذا الغرض خاصة فلم تفصل ولم تخط وطرزت حواشيها باسم سلطان مصر وعلي كل حصان درع أو جوشن وعلي قمة السرج خوذة وجميع أنواع الأسلحة الأخري وكذلك تسير جمال كثيرة عليها هوادج مزينة وبغال عمارياتها (هوادجها) كلها مرصعة بالذهب والجواهر وموشاة باللؤلؤ وإن الكلام ليطول إذا وصفت كل ما يكون يوم فتح الخليج وفي ذلك اليوم يخرج جيش السلطان كله فرقة فرقة وفوجا فوجا فرقة تسمي الكتاميين وهم من القيروان أتوا في خدمة المعز لدين الله وقيل إن عددهم عشرون ألف فارس وفرقة تسمي الباتليين وهو رجال من المغرب دخلوا مصر قبل مجيء السلطان إليها وقيل إن عددهم خمسة عشر ألف فارس وفرقة تسمي المصامدة وهو سود من بلاد المصامدة قيل أن عددهم عشرون ألف رجل وفرقة تسمي المشارقة وهم ترك وعجم وسبب هذه التسمية أن أصلهم ليس عربيا ولو أن أكثرهم ولد في مصر وقد اشتق اسمهم من الأصل قيل إنهم عشرة آلاف رجل وهم ضخام الجثة وفرقة تسمي عبيد الشراء وهم عبيد مشترون قيل أن عددهم ثلاثون ألف رجل وفرقة تسمي البدو وهم من أهل الحجاز يقال لهم الرماة وهم خمسون ألف فارس وفرقة تسمي الأستاذين كلهم خدم بيض وسود اشتروا للخدمة وهم ثلاثون ألف فارس وفرقة تسمي السرائيين وهم مشاة جاءوا من كل ولاية ولهم قائد خاص يتولي رعايتهم وكل منهم يستعمل سلاح ولايته وعددهم عشرة آلاف رجل
(٩٤)

صفحه 064

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٥
وفرقة تسمي الزنوج يحاربون بالسيف وحده وقيل أنهم ثلاثون ألف رجل ونفقة هذا الجيش كله من مال السلطان ولكل جندي منه مرتب شهري علي قدر درجته ولا يجبر علي دفع دينار منها أحد الرعايا أو العمال ولكن هؤلاء يسلمون للخزانة أموال ولايتهم سنة فسنة وتصرف أرزاق الجند من الخزانة في وقت معين بحيث لا يرهق وال أو واحد من الرعية بمطالبة الجند وهناك فرقة من أبناء الملوك والأمراء الذين جاءوا لمصر من أطراف العالم ولا يعدون من الجيش وهم من المغرب واليمن والروم وبلاد الصقالبة والنوبة وأولاد ملوك الكرج (جورجيا) وأبناء ملوك الديلم وأبناء خاقان تركستان وكذلك وجد في يوم فتح الخليج طبقات أخري من الرجال ذوي الفضل والأدباء والشعراء والفقهاء ولكل منهم أرزاق معينة ولا يقل رزق الواحد من أبناء الأمراء عن خمسمائة دينار وقد يبلغ الألفين وليس لهم عمل إلا أن يذهبوا ليسلموا علي الوزير حين يركب ثم يعودون والآن نعود إلي حديث فتح الخليج
(٩٥)

صفحه 065

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٦
في اليوم الذي ذهب السلطان في صباحه لفتح الخليج استأجروا عشر آلاف رجل أمسك كل واحد منهم إحدي الجنائب التي ذكرتها وساروا مائة مائة وأمامهم الموسيقيون ينفخون البوق ويضربون الطبل والمزمار وسار خلفهم فوج من الجيش مضي هؤلاء من قصر السلطان حتي رأس الخيول أتت الجمال وعليها المهود والمراقد ومن بعدها البغال وعليها العماريات وقد ابتعد السلطان عن الجيش والجنائب وهو شاب كامل الجسم طاهر الصورة من أبناء أمير المؤمنين حسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما كان حليق شعر الرأس يركب علي بغل ليس في سرجه أو لجامه حلية فليس عليه ذهب أو فضة وقد ارتدي قميصا أبيض عليه فوطة فضفاضة كالتي تلبس في بلاد المغرب والتي تسمي في بلاد العجم دراعة وقيل أن اسم هذا القميص الدبيقي وإنه يساوي عشر آلاف دينار وكان علي رأسه عمامة من لونه ويمسك بيده سوطا ثمينا وأمامه ثلاثمائة راجل ديلمي عليهم ثياب رومية مذهبة وقد حزموا خصورهم وأكمامهم واسعة كما يلبس رجال مصر ومعهم النشاب والسهام وقد عصبوا سيقانهم ويسير مع السلطان حامل المظلة راكبا حصانا وعلي رأسه عمامة مذهبة مرصعة وعليه حلة قيمتها عشرة آلف دينار ذهبي مغربي والمظلة التي بيده ثمينة جدا وهي مرصعة ومكللة وليس مع السلطان فارس غير حامل المظلة وقد سار أمامه الديالمة وعلي يمينه ويساره جماعة من الخدم
(٩٦)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الطهارة (1)، اللبس (1)، الوسعة (1)، القميص (1)

صفحه 066

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٧
يحملون المجامر ويحرقون العنبر والعود والعادة في مصر أن يسجد الرجال للسلطان وأن يدعوا له كلما قرب منهم وجاء بعد السلطان الوزير مع قاضي القضاة وفوج كبير من أهل العلم وأركان الدولة وقد ذهب السلطان إلي حيث ضرب الشراع علي رأس سد الخليج أي فم النهر وظل ممتطيا البغل تحت السرادق مدة ساعة وبعد ذلك سلموه مزراقا ليضرب به السد ثم عجل الرجال بهدمه بالمعاول والفؤوس والمخارف فانساب الماء وقد كان مرتفعا وجري دفعة واحدة في الخليج وفي هذا اليوم يخرج جميع سكان مصر والقاهرة للتفرج علي فتح الخليج وتجري فيه أنواع الألعاب العجيبة وكان في أول سفينة نزلت الخليج جماعة من الخرس يسمون بالفارسية كنكت ولآل لعلهم يتفاءلون بنزولهم ويجري السلطان عليهم صدقاته في هذا اليوم وكان للسلطان إحدي وعشرون سفينة وقد عمل لها حوض خاص قرب القصر في اتساع ميدانين أو ثلاثة وطول كل سفينة منها خمسون ذراعا وعرضها عشرون ذراعا وكلها مزينة بالذهب والفضة والجواهر والديباج ولو وصفتها لسطرت أوراقا كثيرة وهذه السفن كلها مربوطة في الحوض معظم الوقت كالبغال في الإصطبل
(٩٧)
مفاتيح البحث: السجود (1)، الضرب (1)، السفينة (3)

صفحه 067

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٨
وللسلطان حديقة تسمي حديقة عين شمس علي فرسخين من القاهرة وهناك عين ماء عذبة سمي البستان بها ويقال إن هذه الحديقة كانت لفرعون وقد رأيت قربها بناية قديمة بها أربع قطع من الحجارة الكبيرة كل قطعة مثل المنارة وطول كل منها ثلاثون ذراعا وكان الماء يقطر من رؤوسها ولا يدري أحد ما هي وفي الحديقة شجرة البلسان يقال إن آباء هذا
(٩٨)

صفحه 068

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ٩٩
السلطان أتوا ببذرتها من بلاد المغرب وزرعوها في الحديقة ولا يوجد غيرها في جميع الآفاق وهي غير معروفة في بلاد المغرب ومع أن لهذه الشجرة بذرا إلا أنه لا ينبت حيثما زرع وإذا نبت فلا يخرج الزيت منه وهذه الشجرة مثل شجرة الآس يشذبون غصونها بالنصل حينما تكبر ويربطون زجاجة عند موضع كل قطع فيخرج منه الدهن كالصمغ وحين ينفذ ما فيها من دهن تجف ويحمل البستانيون غصونها إلي المدينة ويبيعونها ولحاؤها ثخين وطعمه كاللوز حين يقشر وينبت في جزعها أغصان في السنة التالية فيعملون بها كما فعلوا في السنة الغابرة ولمدينة القاهرة عشر محلات وهم يسمون المحلة حارة وهي حارات برجوان وزويله والجودرية والأمراء والديالمة
(٩٩)

صفحه 069

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٠
والروم والباطلية وقصر الشوق وعبيد الشرا والمصامدة وصف مدينة مصر شيدت مصر علي ربوة وجانبها الشرقي جبلي يتكون من جبال حجرية غير عالية كالتلال وفي طرف المدينة جامع ابن طولون وهو مشيد علي ربوة وله جداران محكمان ولم أر أعظم منهما غير جدار آمد وميافارقين وقد بناه أمير من أمراء العباسين كان حاكما علي مصر وفي أيام الحاكم بأمر الله جد هذا السلطان المستنصر باعه أحفاد ابن طولون بثلاثين ألف دينار
(١٠٠)

صفحه 070

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠١
مغربي وبعد مدة شرعوا في هدم المئذنة بحجة أنها لم تبع فأرسل لهم الحاكم قائلا بقد بعتموني هذا المسجد فكيف تهدمونه فأجابوا نحن لم نبع المئذنة فأعطاهم خمسة آلاف دينار ثمنا لها وكان السلطان يصلي في هذا المسجد طوال شهر رمضان وأيام الجمع من بقية الشهور ومدينة مصر مشيدة علي ربوة خشية فيضان الماء عليها وهذه الربوة كانت مغطاة في وقت ما بأحجار كبيرة جدا فكسرت وسويت ويقال الآن للأماكن التي لم تسو عقبة وتبدو مصر كأنها جبل حين ينظر إليها من بعيد وبمصر بيوت مكونة من أربع عشرة طبقة وبيوت من سبع طبقات وسمعت من ثقات أن شخصا غرس حديقة علي سطح بيت من سبعة أدوار وحمل إليها عجلا رباه فيها حتي كبر ونصب فيها ساقية كان هذا الثور يديرها ويرفع الماء إلي الحديقة من البئر وزرع علي هذا السطح شجر النارنج والترنج والموز وغيرهما وقد أثمرت كلها كما زرع فيها الورد والريحان وأنواع الزهور الأخري وسمعت من تاجر ثقة أن بمصر دورا كثيرة فيها حجرات للاستغلال أي للإيجار ومساحتها ثلاثون ذراعا في ثلاثين وتسع ثلاثمائة وخمسين شخصا وهناك أسواق وشوارع تضاء فيها القناديل دائما لأن الضوء لا يصل إلي أرضها ويسير فيها الناس وفي مصر سبعة جوامع غير جوامع القاهرة والمدينتان متصلتان وفيهما معا خمسة عشر جامعا (مسجد جمعة) وذلك لتلقي خطبة الجمعة والصلاة
(١٠١)
مفاتيح البحث: شهر رمضان المبارك (1)، الحج (1)، الصّلاة (1)، السجود (3)

صفحه 071

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٢
في كل حي منهما وفي وسط سوق مصر جامع يسمي باب الجوامع شيده عمرو بن العاص أيام إمارته علي مصر من قبل عمر بن الخطاب وهذا المسجد قائم علي أربعمائة عمود في الرخام والجدار الذي عليه المحراب مغطي كله بألواح الرخام الأبيض التي كتب القرآن عليها بخط جميل ويحيط بالمسجد من جهاته الأربع الأسواق وعليها تفتح أبوابه ويقيم بهذا المسجد المدرسون والمقرئون وهو مكان اجتماع سكان المدينة الكبيرة ولا يقل من من فيه في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء والكتاب الذين يحررون الصكوك والعقود وغيرها وقد اشتري الحاكم بأمر الله هذا المسجد من أبناء عمرو بن العاص وكانوا قد ذهبوا اليه وقالوا نحن فقراء معوزون وقد بني جدنا هذا المسجد فإذا اذن السلطان نهدمه ونبيع أحجاره ولبناته فاشتراه الحاكم بمائة آلف دينار وأشهد علي ذلك كل أهل مصر ثم أدخل عليه عمارات كثيرة عظيمة منها ثريا فضية لها ستة عشر جانبا كل جانب منها ذراع ونصف فصارت دائرتها أربعا وعشرين ذراعا ويوقدون في ليالي المواسم أكثر من سبعماية قنديل ويقال ان وزن هذه الثريا خمسة وعشرون قنطارا فضة كل قنطار مائة رطل وكل رطل أربعة وأربعون ومائة درهم ويقال انه حين تم صنعها لم يتسع لها باب من أبواب المسجد لكبرها فخلعوا بابا وأدخلوها منه ثم أعادوا الباب مكانه ويفرش هذا المسجد بعشر طبقات من الحصير الجميل الملون بعضها فوق بعض ويضاء كل ليلة بأكثر من مائة قنديل وفي هذا المسجد مجلس قاضي القضاة
(١٠٢)
مفاتيح البحث: الخليفة عمر بن الخطاب (1)، عمرو بن العاص (2)، القرآن الكريم (1)، السجود (8)

صفحه 072

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٣
وعلي الجانب الشمالي للمسجد سوق يسمي سوق القناديل لا يعرف سوق مثله في أي بلد وفيه كل ما في العالم من طرائف ورأيت هناك الأدوات التي تصنع من الذبل كالأوعية والأمشاط ومقابض السكاكين وغيرها ورأيت كذلك معلمين مهرة ينحتون بلورا غاية في الجمال وهم يحضرونه من المغرب وقيل إنه ظهر حديثا عند بحر القلزم بلور ألطف وأكثر شفافية من بلور المغرب ورأيت أنياب الفيل أحضرت من زنجبار وكان وزن كثير منها يزيد علي مائتي من كما أحضر جلد البقر من الحبشة يشبه جلد النمر ويعملون منه النعال وقد جلبوا من الحبشة طائرا أليفا كبيرا به نقط بيضاء وعلي رأسه تاج مثل الطاووس وتنتج مصر عسلا وسكرا كثيرا وفي اليوم الثالث من شهر دي القديم (ديسمبر يناير) من السنة الفارسية ست عشرة وأربعمائة رأيت في يوم واحد هذه الفواكه والرياحين الورد الأحمر والنيلوفر والنرجس والترنج والنارنج والليمون والمركب والتفاح والياسمين والريحان الملكي والسفرجل والرمان والكمثري والبطيخ والعطر والموز والزيتون والبليج (الإهليلج) والرطب والعنب وقصب السكر والباذنجان والقرع واللفت والكرنب والفول الأخضر والخيار والقثاء والبصل والثوم والجزر والبنجر وكل من يفكر كيف تجتمع هذه الأشياء التي بعضها خريفي وبعضها ربيعي وبعضها صيفي وبعضها شتوي لا يصدق هذا ولكن ليس لي قصد فيما ذكرت ولم أكتب الا ما رأيت وأما ما سمعته ثم كتبته فليست عهدته علي فولاية مصر عظيمة الاتساع بها كل أنواع الجو من البارد والحار وتجلب كل الحاجيات لمدينة مصر من جميع البلاد ويباع بعضها في الأسواق ويصنعون بمصر الفخار من كل نوع وهو لطيف وشفاف بحيث إذا وضعت يدك عليه من الخارج ظهرت من الداخل وتصنع منه الكؤوس
(١٠٣)
مفاتيح البحث: يوم عاشوراء (1)، السجود (1)

صفحه 073

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٤
والأقداح والأطباق وغيرها وهم يلونونها بحيث تشبه البوقلمون فتظهر مختلف في كل جهة تكون بها ويصنعون بمصر قوارير كالزبرجد في الصفاء والرقة ويبيعونها بالوزن وسمعت من بزاز ثقة أن وزن الدرهم الواحد من الخيط يشتري بثلاثة دنانير مغربية وهي تساوي ثلاثة دنانير ونصف نيسابورية وقد سألت في نيسابور بكم يشترون أجود الخيط فقالوا إن الخيط الذي لا نظير له يشتري الدرهم منه بخمسة دراهم ومدينة مصر ممتدة علي شاطئ النيل الذي بنيت عليه القصور والمناظر الكثيرة بحيث إذا احتاجوا إلي الماء رفعوه بالحبال من النيل أما ماء المدينة فيحضره السقاءون من النيل أيضا يحمله بعضهم علي الإبل وبعضهم علي كتفه ورأيت قدورا من النحاس الدمشقي كل واحد منها يسع ثلاثين منا وكانت من الطلاوة بحيث تظنها من ذهب وقد حكوا لي أن امرأة تملك خمسة آلاف قدر وأنها تؤجر الواحد منها بدرهم في الشهر وينبغي أن يردها المستأجر سليمة وأمام مصر جزيرة وسط النيل كان عليها مدينة في وقت ما والجزيرة غربي المدينة وبها مسجد جمعة وحدائق وهي صخرة وسط النهر تقسمه قسمين كل منهما في اتساع جيحون ولكن أكثر هدوءا وبطأ في جريانه وثبت بين الجزيرة والمدينة جسر من ست وثلاثين سفينة ويقع جزء من مدينة مصر علي جانب النيل الآخر ويسمونه الجيزلا وبها مسجد لصلاة الجمعة ولكن ليس لها جسر ولذا يعبر الناس بالزوار أو بالمعابر وهي كثيرة في مصر أكثر مما في بغداد أو البصرة
(١٠٤)
مفاتيح البحث: صلاة الجمعة (1)، مدينة البصرة (1)، مدينة بغداد (1)، السجود (2)

صفحه 074

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٥
وتجار مصر يصدقون في كل ما يبيعونه وإذا كذب أحدهم علي مشتر فإنه يوضع علي جمل ويعطي جرسا بيده ويطوف به في المدينة وهو يدق الجرس وينادي قائلا قد كذبت وها أنا أعاقب وكل من يقول الكذب فجزاؤه العقاب ويعطي التجار في مصر من بقالين وعطارين وبائعي خردوات الأوعية اللازمة لما يبيعون من زجاج أو خزف أو ورق حتي لا يحتاج المشتري أن يحمل معه وعاء ويستخرجون من بذور الفجل واللفت زيتا للمصابيح يسمونه الزيت الحار والسمسم هناك قليل وزيته عزيز وزيت الزيتون رخيص والفستق أغلي من اللوز ولا تزيد العشرة أمنان من اللوز المقشور علي دينار واحد ويركب أهل السوق وأصحاب الدكاكين الحمر المسرجة في ذهابهم وإيابهم من البيوت إلي السوق وفي كل حي علي رأس الشوارع حمر كثيرة عليها برادع مزينة يركبها من يريد نظير أجر زهيد وقيل إنه يوجد خمسون ألف بهيمة مسرجة تزين كل يوم وتكري ولا يركب الخيل إلا الجند والعسكر فلا يركبها التجار أو القرويون أو أصحاب الحرف والعلماء ورأيت كثيرا من الحمر البلق كالخيل بل أجمل وكان أهل مدينة مصر في غني عظيم حين كنت هناك وفي سنة تسع وثلاثين وأربعمائة (1047) ولد للسلطان ولد فأمر الناس بإقامة الأفراح فزينت المدينة والأسواق زينة لو وصفتها لما اعتقد بعض الناس صحة ما أقول ولما صدقوني فقد كانت دكاكين البزازين والصرافين وغيرهم مملوءة بالذهب والجواهر والنقد والأمتعة المختلفة والملابس المذهبة والمقصبة بحيث لا يوجد فيها متسع لمن يريد أن يجلس وكان الناس جميعا يثقون بالسلطان فلا يخشون الجواسيس ولا الغمازين معتمدين علي أن السلطان لا يظلم أحد ولا يطمع في مال أحد ورأيت أموالا يملكها بعض المصرين لو ذكرتها أو وصفتها لما صدقني الناس في فارس فإني
(١٠٥)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (3)، الغني (1)

صفحه 075

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٦
لا أستطيع أن أحدد أموالهم أو أحصرها أما الأمن الذي رأيته هناك فإني لم أره في بلد من قبل وقد رأيت هناك نصرانيا من سراة مصر قيل إن سفنه وأمواله وأملاكه لا يمكن أن تعد وحدث في سنه ما أن كان النيل ناقصا وكانت الغلة عزيزة فأرسل الوزير إلي هذا النصراني وقال ليست السنة رخاء والسلطان مشفق علي الرعية فاعط ما استطعت من الغلة إما نقدا وإما قرضا قال النصراني أسعد الله السلطان والوزير إن لدي من الغلة ما يمكنني من إطعام أهل مصر الخبز ست سنوات ولا شك ان سكان مصر في ذلك الوقت كانوا كثرين فإن سكان نيسابور خمسهم مع الإسراف في التقدير وكل من يستطيع الحكم يدرك كم ينبغي أن يكون لهذا الثري لتبلغ غلته هذا المقدار وأي سلام كانت فيه الرعية وأي عدل كان للسلطان بحيث تكون أحوال الناس علي هذا الوضع وأموالهم بهذا القدر لم يكن السلطان يظلم أو يجور علي أحد ولا كان أحد من الرعية يخفي أو ينكر شيئا مما يملك ورأيت هناك خانا يسمي دار الوزير لا يباع فيه سوي القصب وفي الدور الأسفل منه يجلسن الخياطون وفي الأعلي الرفاءون وسألت القيم عن أجرة هذا الخان الكبير فقال كانت سنة عشرين ألف دينار مغربي ولكن جانبا منه قد تخرب وهو يعمر الآن فيحصل منه كل شهر ألف دينار يعني اثني عشر ألف دينار في السنة وقيل إن في هذه المدينة مائتي خان أكبر منه أو مثله وصف مائدة السلطان يقيم السلطان مأدبة في كل من العيدين ويأذن بالاستقبال في قصره
(١٠٦)
مفاتيح البحث: الطعام (1)، الإسراف (1)

صفحه 076

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٧
للخواص والعوام وتنصب مائدة الخواص في حضرته ومائدة العوام في سرايات أخري وقد سمعت كثيرا عن هذه المآدب فرغبت في رؤيتها رأي العين فذهبت عند أحد كتاب السلطان وكنت قد صاحبته فتوطدت الصداقة بيننا وقلت له رأيت مجالس ملوك وسلاطين العجم مثل السلطان محمود الغزنوي وابنه السلطان مسعود وقد كانا ملكين عظيمين ذوي نعمة وجلال وأريد أن أري مجالس أمير المؤمنين فنقل رغبتي إلي الموكل بالستار المسمي صاحب الستر وقد تفضل هذا فسمح لي بالذهاب في آخر رمضان سنة أربعين وأربعمائة (7 مارس 1049) وكان المجلس قد أعد لليوم الثاني وهو يوم العيد حيث يحضر السلطان بعد الصلاة فيجلس في صدر المائدة حين دخلت من باب السراي رأيت عمارات وصفف وإيوانات إن أصفها يطل الكتاب كان هناك اثنا عشر جناحا أبنيتها مربعة وكلها متصلة بعضها ببعض وكلما دخلت جناحا منها وجدته أحسن من سابقه ومساحة كل واحد منها مائة ذراع في مائة عدا واحدا منها كانت مساحته ستين ذراعا في ستين كان بهذا الأخير تخت يشغل عرضه بتمامه وعلوه أربع أذرع وهو مغطي بالذهب من جهاته الثلاث وعليه صور المصطاد والميدان وغيرهما كما أن عليه كتابة جميلة وكل ما في هذا الحرم من الفرش والطرح من الديباج الرومي والبوقلمون نسجت علي قدر كل موضع تشغله وحول التخت درابزين من الذهب المشبك يفوق حد الوصف ومن خلف التخت بجانب الحائط درجات من الفضة وبلغ هذا التخت من العظمة أني لو قصرت هذا الكتاب كله علي وصفه ما استوفيت الكلام وما كفي
(١٠٧)
مفاتيح البحث: شهر رمضان المبارك (1)، الصّلاة (1)

صفحه 077

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٨
وقيل إن راتب السكر في ذلك اليوم الذي تنصب فيه مائدة السلطان خمسون ألف من وقد رأيت علي المائدة شجرة أعدت للزينة تشبه شجرة الترنج كل غصونها وأوراقها وثمارها مصنوعة من السكر وعليها ألف صورة وتمثال مصنوعة كلها من السكر أيضا ومطبخ السلطان خارج القصر ويعمل فيه دائما خمسون غلاما ويصل القصر بالمطبخ طريق تحت الأرض وجرت العادة في مصر أن يحمل إلي دار الشراب السلطانية (شرابخانة) كل يوم أربعة عشر حملا من الثلج وكان لمعظم الأمراء والخواص راتب من هذا الثلج ويصرف منه لمن يطلبه من مرضي المدينة وكذلك كل من يطلب من أهلها مشروبا أو دواء من الحرم السلطاني فإنه يعطاه كما أن هناك زيوتا أخري كزيت البلسان وغيره كان للناس كافة أن يطلبوها فلا تمنع عنهم سيرة سلطان مصر بلغ أمن المصريين واطمئنانهم إلي حد أن البزازين وتجار الجواهر والصيارفة لا يغلقون أبواب دكاكينهم بل يسدلون عليها الستائر ولم يكن أحد يجرؤ علي مد يده إلي شيء منها يحكي أنه كان بمصر يهودي وافر الثراء يتجر بالجواهر وكان مقربا من السلطان الذي كان يعتمد عليه في شراء ما يريد من الجواهر الكريمة وذات يوم اعتدي عليه الجنود وقتلوه فلما ارتكبوا هذا الجرم خشوا بطش السلطان فركب عشرون ألف فارس منهم وخرجوا إلي الميدان وهكذا خرج الجيش إلي الصحراء وخاف أهل المدينة مغبة هذه المظاهرة إذ ظل الجيش في الصحراء حتي منتصف النهار فخرج إليهم خادم القصر ووقف بباب السراي وقال إن السلطان يسأل إذا كنتم مطيعين أم لا فصاحوا صيحة واحدة نحن عبيد مطيعون ولكننا أذنبنا فقال الخادم يأمركم السلطان بأن تعودوا فعادوا في الحال
(١٠٨)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)

صفحه 078

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٠٩
واسم هذا اليهودي المقتول أبو سعيد وكان له ابن وأخ وقيل إنه لا يعرف مدي غناه إلا الله فقد كان علي سقف داره ثلاثمائة جرة من الفضة زرع في كل منها شجرة كأنها حديقة وكلها أشجار مثمرة وقد كتب أخوه لما ملكه من الفزع رسالة للسلطان يقول فيها إني أقدم للخزانة مائتي ألف دينار مغربي حالا فأمر السلطان بعرض الرسالة علي الناس وتمزيقها علي الملأ وقال كونوا آمنين وعودوا إلي بيوتكم فليس لأحد شأن بكم ولسنا بحاجة لمال أحد واستمالهم إليه وكان لكل مسجد في جميع المدن والقري التي نزلت بها من الشام إلي القيروان نفقات يقدمها وكيل السلطان من زيت السرج والحصير والبوريا وسجاجيد الصلاة ورواتب القوام والفراشين والمؤذنين وغيرهم وكتب والي الشام في بعض السنين إلي السلطان بأن الزيت قليل ثم استأذن في أن يصرف للمساجد الزيت الحار المستخرج من بذور الفجل واللفت فأجيب إنك مأمور لا وزير وليس من الجائز أن تغير أو تبدل في شيء يتعلق ببيت الله ويتقاضي قاضي القضاة ألفي دينار مغربي في الشهر ومرتب كل قاض علي قدر مرتبته ذلك حتي لا يطمع القضاة في أموال الناس أو يظلمونهم والعادة في مصر أن يقرأ مرسوم السلطان في المساجد في منتصف رجب وهو يا معشر المسلمين حل موسم الحج وسيجهز ركب السلطان كالمعتاد وسيكون معه الجنود والخيل والجمال والزاد وينادي بذلك في شهر رمضان
(١٠٩)
مفاتيح البحث: شهر رجب المرجب (1)، شهر رمضان المبارك (1)، الشام (2)، الحج (1)، السجود (3)، الفزع (1)، الصّلاة (1)

صفحه 079

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٠
أيضا ويبدأ الناس في السفر ابتداء من أول ذي القعدة وينزلون في موضع معين ثم يسيرون في منتصف هذا الشهر ويبلغ خرج الجيش الذي يرافق السلطان ألف دينار مغربي في اليوم هذا عدا عشرين دينارا مرتبة لكل رجل فيه ويبلغون مكة في خمسة وعشرين يوما ويمكثون بها عشرة أيام ثم يعودون إلي مصر في خمسة وعشرين يوما ونفقاتهم في الشهرين ستون ألف دينار مغربي عدا التعهدات والصلات والمشاهرات وثمن الجمال التي تنفق في الطريق وقد قري علي الناس سنة تسع وثلاثين وأربعمائة المرسوم التالي من سجل السلطان يقول أمير المؤمنين أنه ليس من الخير أن يسافر الحجاج للحجاز هذا العام فإن به قحطا وضيقا وقد هلك به خلق كثيرون وأني أقول هذا شفقة بالمسلمين فلم يسافر الحجاج وكان السلطان يرسل الكسوة للكعبة كالمعتاد لأنه يرسلها مرتين كل سنة فلما سافرت الكسوة مع وفد السلطان عن طريق القلزم سافرت معهم فخرجت من مصر أول ذي القعدة وبلغت القلزم في الثامن منه ومن هناك أقلعت السفينة فبلغنا بعد خمسة عشر يوما مدينة تسمي الجار في الثاني والعشرين من ذي القعدة وقمنا من هناك فبلغنا مدينة الرسول صلي الله عليه وسلم بعد أربعة أيام المدينة والمدينة بلد علي حافة الصحراء أرضها رطبة وملحة يجري بها ماء قليل وهي كثيرة النخل والقبلة هناك ناحية الجنوب ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام قدر المسجد الحرام ومقامه عليه الصلاة والسلام بجانب المنبر يسار المصلين وهو متوجهون ناحية القبلة فحين يذكر الخطيب وهو فوق
(١١٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، شهر ذي القعدة (3)، مدينة مكة المكرمة (1)، مسجد الحرام (1)، السجود (1)، الإنفاق (1)، الهلاك (1)، الصّلاة (2)، السفينة (1)

صفحه 080

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١١
المنبر النبي عليه السلام ويصلي عليه يلتفت ناحية اليمين ويشير إلي المقام الشريف وهذا المقام مخمس ترتفع حوائطه من بين أعمدة المسجد ويحيط به خمسة أعمدة وكان في آخره حظيرة أحيطت بسياج حتي لا يدخلها أحد وأسدل علي الجزء المكشوف منها شبكة حتي لا تدخلها الطيور وبين قبر الرسول والمنبر مسافة من الرخام تشبه الساحة وتسمي الروضة ويقال إنها روضة من رياض الجنة كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ويقول الشيعة إن هناك قبر فاطمة الزهراء عليها السلام وللمسجد باب واحد وخارج المدينة ناحية الجنوب صحراء بها مقبرة فيها قبر (أمير المؤمنين) حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يسمونها قبور الشهداء وقد أقمنا يومين بالمدينة ثم غادرناها لضيق الوقت فسرنا شرقا وعلي منزلين منها جبل ومضيق يشبه الوادي يسمي الجحفة وهناك ميقات حجاج المغرب والشام ومصر والميقات هو الموضع الذي يحرم منه الحجاج ويقال إن الحجاج نزلوا هناك في سنة ما وكانوا كثيرين فنزل عليهم السيل فجأة فأهلكهم لذلك سمي هذا المكان الحجفة وبين مكة والمدينة مائة فرسخ من الصخر قطعناها في ثمانية أيام وقد بلغنا مكة في يوم الأحد السادس من ذي الحجة ونزلنا عند باب الصفا وكان بمكة قحط فكانت الأربعة أمنان من الخبز بدينار نيسابوري وقد هاجر منها المجاورون ولم يفد عليها حاج من أي بلد وقد أدينا فريضة الحج لله الحق سبحانه وتعالي يوم الأربعاء في عرفات ولبثنا بمكة يومين قد خرج من الحجاز خلق كثير مما أصابهم من الجوع والفقر وتفرقوا في البلاد
(١١١)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه السلام (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (4)، الشام (1)، الحج (1)، القبر (4)، السجود (1)، الصّلاة (2)

صفحه 081

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٢
ولا أذكر مناسك الحج ووصف مكة الآن سأذكر ذلك عند ذكر آخر نوبة للحج حين بقيت ستة أشهر بمكة مجاورا وسأشرح ما رأيت ثم توجهنا ناحية مصر فبلغناها بعد خمسة وسبعين يوما وقد هاجر إليها من الحجاز في هذا العام خمسة وثلاثون ألف آدمي فكساهم السلطان وأجري عليهم الرزق سنة كاملة وقد كانوا جميعا جائعين عرايا ولما أمطرت السماء في بلادهم وكثر فيها الطعام كساهم السلطان صغيرهم وكبيرهم وأغدق عليهم الصلات ثم رحلهم إلي الحجاز وفي شهر رجب سنة أربعين وأربعمائة (ديسمبر سنة 1048) قرأوا علي الناس مرة أخري مثالا للسلطان بأن في الحجاز قحطا وليس من الخير أن يسافر الحجاج فلينفقوا المال علي أنفسهم وليفعلوا ما أمر الله به وفي هذه السنة أيضا لم يسافر الحجاج ولكن السلطان لم يقصر البتة في إرسال ما كان يرسله كل سنة من الكسوة وأجور الخدم والحاشية وأمراء مكة والمدينة وصلة أمير مكة وقد كانت ثلاثة آلاف دينار في الشهر وكانت ترسل اليه الخيول والخلع مرتين في السنة وعهد بهذا في هذه السنة إلي رجل اسمه القاضي عبد الله من قضاة الشام وقد ذهبت معه من طريق القلزم وقد بلغت السفينة الجار في الخامس والعشرين من ذي القعدة وكان موعد الحج قد قرب كثيرا وكان الجمل يؤجر بخمسة دنانير فذهبنا مسرعين بلغت مكة في الثامن من ذي الحجة وأديت فريضة الحج بعون الله سبحانه وتعالي وقد حدث أن قافلة عظيمة أتت للحج من بلاد المغرب وفي أثناء عودة حجاجها عند باب المدينة المنورة طلب العرب الخفارة منهم فقامت الحرب بينهم وقتل من المغاربة أكثر من ألفي رجل ولم يعد كثير منهم إلي المغرب وفي هذه الحجة أيضا قام جماعة من أهل خراسان عن
(١١٢)
مفاتيح البحث: شهر ذي القعدة (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (5)، شهر رجب المرجب (1)، المدينة المنورة (1)، خراسان (1)، الشام (1)، الحج (5)، الرزق (1)، الطعام (1)، القتل (1)، الحرب (1)، السفينة (1)

صفحه 082

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٣
طريق الشام ومصر فبلغوا المدينة في سفينة وقد بقي عليهم أن يقطعوا مائة فرسخ وأربعة حتي عرفات وهم في السادس من ذي الحجة فقالوا إن كلا منا يدفع أربعين دينارا لمن يرحلنا إلي مكة في هذه الأيام الثلاثة الباقية لنلحق الحج فجاء الأعراب وأوصلوهم إلي عرفات في يومين ونصف يوم وأخذوا أجورهم ذهبا وكانوا قد شدوهم إلي جمال سريعة وأتوا بهم من المدينة إلي عرفات وقد هلك اثنان منهم وكانوا موثقين علي الجمال وكان أربعة منهم نصف أموات وقد بلغوا عرفات ونحن هناك ساعة صلاة العصر وكانوا لا يستطيعون الوقوف أو الكلام قالوا إنا توسلنا كثيرا في الطريق أن يأخذ هؤلاء الأعراب الذهب الذي اشترطنا وأن يتركونا فإنه لا طاقة لنا علي مواصلة السفر ولكنهم لم يسمعوا لنا وساقونا علي هذا النحو ومهما يكن فقد حج هؤلاء الأربعة وعادوا عن طريق الشام وبعد أن أكملت الحج توجهت نحو مصر فقد كانت لي بها كتب ولم يكن في نيتي أن أعود إليها وقد صحبت أمير مكة إلي مصر هذا العام فقد كان له رسم علي السلطان يعطاه كل سنة لقرابته من أبناء الحسين بن علي صلوات الله عليهما فركبت السفينة معه حتي مدينة القلزم ومن هناك سرنا إلي مصر في سنة إحدي وأربعين وأربعمائة (1049) وأنا بمصر جاء الخبر أن ملك حلب قد شق عصا الطاعة علي السلطان وكان تابعا له وكان آباؤه ملوكا علي حلب وكان للسلطان خادم اسمه عمدة الدولة هو أمير المطالبين وكان عظيم الجاه والمال ويسمي مطالبا من يبحث عن تلال مصر عن الكنوز والدفائن ويأتي لهذا الأمر رجال من المغرب وأديار مصر والشام ويتحمل
(١١٣)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، الشام (3)، الحج (3)، الهلاك (1)، الصّلاة (1)، السفينة (2)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 083

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٤
كل منهم المشاق وينفق المال الكثير في تلال مصر ومحاجرها وكثيرا ما لا يجدون الدفائن والكنوز وكثيرا ما ينفقون المال ولا يهتدون إلي شيء منها فإنهم يقولون إن أموال فرعون مدفونة في هذه المواضع ويأخذ السلطان خمس ما يكشفه المطالب والباقي له قصاري القول إن السلطان بعث هذا الخادم إلي حلب وأمده بقوة ليشد أزره وأعطاه كل ما ينبغي للملوك من الدهاليز والسرر فلما بلغ حلب وقاتل وقتل وكانت أمواله من الكثرة بحيث استغرق نقلها من خزائنه إلي خزائن السلطان شهرين وكان من جملتها ثلاثمائة جارية أكثرهن كالبدور وبعض سراريه وقد أمر السلطان بأن يكن مخيرات فمن رغبن في الزواج منهن زوجهن ومن لم يردن أعدن إلي بيوتهن وصرفت إليهن أموالهن كاملة فلم تجبر واحدة منهن علي شيء ولما قتل عمدة الدولة خاف ملك حلب أن يرسل له السلطان جيشا فبادر بإرسال ابنه وهو في السابعة من عمره مع زوجه ومعهما كثير من التحف والهدايا للسلطان وذلك ليعتذرا عما فعل فلما جاءا مكثا ما يقرب من شهرين خارج مصر ولم يؤذن لهما بالدخول ولم تقبل تحفهما إلي أن شفع لهما الأئمة والقضاة عند السلطان وتوسلوا اليه أن يقابلهما ففعل ثم رجعا بالتشريف والخلع ومن جملة ما رأيت في مصر أنه إذا أراد أحدهم غرس حديقة يستطيع ذلك في أي فصل من فصول السنة فإنه يحصل دائما علي الشجر الذي يريد
(١١٤)
مفاتيح البحث: القتل (2)، الخوف (1)، الزوج، الزواج (1)

صفحه 084

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٥
فيزرعه مثمرا أو بغير ثمر وهناك تجار لذلك يقدمون كل ما يطلب منهم فقد زرعوا الأشجار في أصص ووضعوها فوق الأسطح وكثير من سقوف بيوتهم حدائق أكثرها مثمر من النارنج والترنج والرمان والتفاح والسفرجل والورد والريحان والزهر فإذا اشتري أحدهم شجرا حمل الحمالون الأصص بالشجر بعد شدها علي لوح من خشب ونقلوها إلي حيث يشاء ثم يحفر الزراع الأرض لغرس الشجر إما بكسر الأصص أو بنزع الشجر منها من غير أن يضار الشجر بهذا ولم أر هذا النظام في أي مكان آخر كما أني لم أسمع به والحق أنه نظام جميل جدا العودة إلي خراسان عن طريق الصعيد الأعلي وبلاد العرب والعراق والآن أعود إلي وطني من مصر عن طريق مكة حرسها الله تعالي من الآفات أقول أديت صلاة العيد في القاهرة وغادرت مصر في سفينة يوم الثلاثاء الرابع عشر من ذي الحجة سنة إحدي وأربعين وأربعمائة (10 ابريل 1050) واتجهنا نحو الصعيد الأعلي وهو ولاية مصرية في الجنوب يأتي منها ماء النيل إلي مصر وأكثر رغدها منه وهناك علي ضفتي النيل كثير من المدن والقري يطول وصفها وقد بلغنا مدينة تسمي أسيوط يزرع فيها الأفيون وهو الخشخاش وحبه أسود حين تنمو الشجرة تكسر ويربط كيس في موضع الكسر فيخرج منه عصير يشبه اللبن فيجمعونه ويحفظونه وهو الأفيون وبذور هذا الخشخاش صغيرة مثل الكمون وينسجون في أسيوط عمائم من صوف
(١١٥)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، خراسان (1)، الصّلاة (1)، السفينة (1)

صفحه 085

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٦
الخراف لا مثيل لها في العالم والصوف الدقيق الذي يصدر إلي بلاد العجم والمسمي الصوف المصري كله من الصعيد الأعلي لأنهم لا ينتجون الصوف بمدينة مصر نفسها وقد رأيت في أسيوط فوطة من صوف الغنم لم أر مثلها في لهاور أو ملتان وهي من الرقة بحيث تحسبها حريرا ومن هناك بلغنا مدينة تسمي قوص رأيت فيها أبنية عظيمة من الحجارة تبعث علي العجب في نفس من يراها وهي مدينة قديمة محاطة بسور من الحجر وأكثر أبنيتها من الحجارة الكبيرة التي يزن الواحد منها عشرين أو ثلاثين ألف من والعجيب أنه ليس علي مسافة عشرة أو خمسة عشر فرسخا منها جبل أو محجر فمن أين وكيف نقلوا هذه الحجارة ومن قوص بلغت مدينة تسمي إخميم وهي مدينة واسعة عامرة رجالها أشداء لها سور حصين وبها نخل وبساتين كثيرة وقد أقمت بها عشرين يوما وفي هذه الجهة طريقان أحدهما صحراوي لا ماء فيه والثاني طريق النيل وقد ترددنا أي الطريقين نسلك وأخيرا سرنا في طريق النيل وبلغنا مدينة أسوان عند الجانب الجنوبي من أسوان جبل يخرج من وسطه النيل ويقال إن السفن لا تستطيع المضي في النيل وراء هذا الجبل لأن الماء هناك ينحدر من شلالات عظيمة وعلي مسافة أربعة فراسخ من هذه المدينة طريق ولاية النوبة وهي ولاية أهلها جميعا نصاري ويرسل ملوكها من قديم الهدايا لسلطان مصر وبين البلدين عهود ومواثيق فلا يذهب جيش السلطان هناك ولا يؤذي أهلها ومدينة أسوان محصنة جدا بحيث لا يستطيع أحد أن يقصدها من النوبة وبها جيش دائم للمحافظة عليها وعلي ولايتها ويقابل المدينة جزيرة وسط النيل كأنها حديقة فيها نخل وزيتون وأشجار أخري
(١١٦)
مفاتيح البحث: الوسعة (1)

صفحه 086

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٧
وزرع كثير ويروي زرعها بالسواقي وقد لبثت بها واحدا وعشرين يوما وكان أمامنا حتي شاطئ البحر صحراء فسيحة طولها أكثر من مائتي فرسخ وكان حينذاك الموسم الذي يعود فيه الحجاج علي الجمال فانتظرناهم لنستأجرها ونذهب بها وهي راجعة وكنت عرفت وأنا في أسوان رجلا تقيا صالحا يعرف شيئا من علم المنطق اسمه عبد الله محمد بن فليج وقد عاونني في اكتراء الجمل واختيار الرفيق وغير ذلك وقد استأجرت جملا بدينار ونصف دينار ورحلت عن هذا البلد في الخامس من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة (29 يوليو 1050) وكان الطريق يتجه نحو الجنوب بعد ثمانية فراسخ من رحلتنا بلغنا جهة تسمي ضيقة وهي واد في الصحراء علي جانبيه حائطان من الجبال وسعته مائة ذراع وقد حفر فيه بئر يخرج منه ماء كثير ولكنه ليس عذبا وبعد أن تركنا ضيقة سرنا خمسة أيام في صحراء لا ماء فيها وكان مع كل منا قربة ماء ثم بلغنا منزلا يسمي الحوض وهو جبل حجري فيه عينان يتفجر منهما ماء عذب يستقر في حفرة ولم يكن بد من أن يذهب رجل إلي حيث العينان ليحضر الماء لشرب الإبل التي مضي عليها سبعة أيام لم تشرب فيها ولم تأكل إذ أن علفها قد نفد كله وكانت تستريح مرة في الأربع وعشرين ساعة وذلك من الوقت الذي تشتد فيه حرارة الشمس حتي صلاة العصر وتسير بقية الوقت والمنازل التي ينزلون بها معلومة فليس ممكنا النزول في أي مكان لتعذر وجود ما توقد به النار أما في هذه المنازل فإنهم يجدون بعر الإبل فيتخذونه وقودا يطبخون عليه ما تيسر وكأن الإبل تعلم أنها إن أبطأت ماتت عطشا فهي تسير غير محتاجة لأن يسوقها أحد متجهة من تلقاء نفسها ناحية المشرق في هذه الصحاري حيث لا أثر أو علامة تدل علي الطريق وهناك أمكنة يقل فيها الماء مسافة خمسة عشر فرسخا ويكون ملحا وأمكنة لا يوجد فيها ماء قط مسافة ثلاثين أو أربعين فرسخا
(١١٧)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، شهر ربيع الأول (1)، الإختيار، الخيار (1)، الصّلاة (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 087

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٨
وفي العشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة أغسطس 1050 بلغنا مدينة عيذاب ومن أسوان حتي عيذاب التي بلغناها بعد خمسة عشر يوما مائتا فرسخ بالتحديد ومدينة عيذاب هذه تقع علي شاطئ البحر وبها مسجد جمعة وسكانها خمسمائة وهي تابعة لسلطان مصر وفيها تحصل المكوس علي ما في السفن الوافدة من الحبشة وزنجبار واليمن ومنها تنقل البضائع علي الإبل إلي أسوان في هذه الصحراء التي اجتزناها ومن هناك تنقل بالسفن إلي مصر في النيل وعلي يمين عيذاب ناحية القبلة جبل من خلفه صحراء عظيمة بها مراع واسعة وخلق كثيرون يسمون البجة وهم قوم لا دين لهم ولا ملة لا يؤمنون بنبي أو إمام وذلك لبعدهم عن العمران وهم يسكنون الصحراء طولها أكثر من ألف فرسخ وعرضها ثلاثمائة فرسخ وليس في هذه المسافة الشاسعة سوي مدينتين صغيرتين تسمي الأولي بحر النعام والثانية عيذاب وتمتد هذه الصحراء من مصر إلي الحبشة وذلك من الشمال إلي الجنوب وعرضها من بلاد النوبة حتي بحر القلزم وذلك من الغرب إلي الشرق ويقيم بها البجة وهم ليسوا أشرار فهم لا يسرقون ولا يغيرون بل يشتغلون بتربية ماشيتهم ويسرق المسلمون وغيرهم أبناءهم ويحملونهم إلي المدن الإسلامية ليبيعوهم فيها وبحر القلزم هذا خليج يتفرع من المحيط عند ولاية عدن ويسير شمالا حتي مدينة القلزم الصغيرة ويسمي هذا البحر بكل مدينة تقع عليه فمرة يسمي القلزم ومرة عيذاب ومرة بحر النعام وقيل إن به أكثر من ثلاثمائة جزيرة تأتي السفن منها محملة بالزيت والكشك وقيل إن هناك بقرا وخرافا كثيرة والناس هناك مسلمون بعضهم تابع لمصر وبعضهم لليمن وليس
(١١٨)
مفاتيح البحث: شهر ربيع الأول (1)، السجود (1)، الوسعة (1)

صفحه 088

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٩
في مدينة عيذاب الصغيرة غير ماء المطر فلا بئر فيها ولا عين فإذا لم تمطر السماء أحضر البجة الماء وباعوه وقد بقينا هناك ثلاثة أشهر وكنا نشتري قربة الماء بدرهم أو بدرهمين وسبب بقائنا هذه المدة أن السفينة لم تقلع إذ كانت الريح شمالية وكان ينبغي لرحلتنا ريح الجنوب وحينما رآني الناس طلبوا إلي أن أكون خطيبهم فلم أردهم وخطبت لهم تلك المدة حتي أتي الموسم ثم سارت السفينة شمالا إلي أن بلغنا جدة ويقال إن الجمال النجيبة لا توجد في مكان آخر غير هذه الصحراء وهي تنقل منها إلي مصر والحجاز وقد حكي لي رجل أعتمد علي قوله من مدينة عيذاب قال كنت في سفينة محملة بالجمال لأمير مكة فمات جمل منها فرموه في البحر فابتلعنه سمكة في الحال ولم يبق خارج فمها غير رجله فجاءت سمكة أخري وابتلعت هذه السمكة بالجمل ولم يظهر عليها أي أثر من ذلك ويسمي هذا السمك بالقرش ورأيت في هذه المدينة جلد سمك يسمونه في خراسان الشفق ويظنون انه نوع من الضب ولكني رأيت في عيذاب أنه سمك وله كل ما للسمك من زعانف حينما كنت في أسوان كان لي صديق ذكرت اسمه قبلا وهو أبو عبد الله محمد بن فليج فلما ذهبت من هناك إلي عيذاب كتب من إخلاصه لي لوكيله بها كتابا يقول فيه إعط ناصرا ما يريد وهو يعطيك صكا للحساب فلما بقيت بها ثلاثة أشهر وأنفقت ما معي اضطررت أن أعطي هذه الورقة للوكيل فأكرمني وقال إن له والله لدي أشياء كثيرة وإني معطيك ما تريد وأعطني صكا به فتعجبت من حسن صنع هذا الرجل محمد ابن فليج الذي أظهر كل هذه الطيبة بغير سابقة مني اليه ولو كنت رجلا دنيئا واستحللت لنفسي أن آخذ لأخذت بهذه الورقة أشياء كثيرة وقد أخذت
(١١٩)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، أبو عبد الله (1)، خراسان (1)، السفينة (3)

صفحه 089

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٠
منه مائة من من الدقيق وهو مقدار كبير هناك وأعطيته صكا به أرسله إلي أسوان وقبل رحيلي من عيذاب ورد خطاب من محمد فليج لوكيله يقول فيه أعط ناصرا كل ما يريد مهما تكن قيمته مما لي عندك وإذا أراد فأعطه من مالك وأنا أعطيك عوضا عنه فقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه المؤمن لا يكون محتشما ولا مغتنما وقد كتبت هذا الخبر حتي يعرف القارئ أن الرجل يعتمد علي الرجل وان الكرم في كل مكان وأن أهله كانوا وسيكونون دائما وصف بلاد العرب جدة وجدة مدينة كبيرة لها سور حصين تقع علي شاطئ البحر وبها خمسة آلاف رجل وهي شمال البحر (الأحمر) وفيها أسواق جميلة وقبلة مسجدها الجامع ناحية المشرق وليس بخارجها عمارات أبدا عدا المسجد المعروف بمسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولها بوابتان إحداهما شرقية تؤدي إلي مكة والثانية غربية تؤدي إلي البحر ويبلغ السائر من جدة جنوبا علي شاطئ البحر اليمن ومدينة صعدة والمسافة إلي هناك خمسون فرسخا وإذا سار شمالا بلغ الجار وهي تابعة للحجاز وليس في جدة شجر ولا زرع وكل ما يلزمها يحضرونه إليها من القري وبينها وبين مكة إثنا عشر فرسخا وأمير جدة تابع لأمير مكة تاج المعالي بن أبي الفتوح الذي هو أمير المدينة أيضا وقد ذهبت إلي أمير جدة فأكرم وفادتي وأعفاني مما كان يجب علي
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، السجود (3)، الكرم، الكرامة (1)

صفحه 090

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢١
من المكس ولم يطلبه وهكذا خرجت من البوابة في سلام وقد كتب إلي مكة يقول عني هذا رجل عالم فلا يجوز أن يؤخذ منه وفي يوم الجمعة بعد صلاة العصر قمت من جدة فبلغت باب مكة يوم الأحد سلخ جمادي الثاني وكان قد حضر إلي مكة للعمرة خلق كثيرون من نواحي الحجاز واليمن في أول رجب وهو موسم عظيم مثل عيد رمضان وهم يحضرون وقت الحج ولأن طريقهم قريب وسهل يأتون إلي مكة ثلاث مرات كل سنة وصف مكة تقع مكة بين جبال عالية ولا تري من بعيد من أي جانب يقصدها السائر وأقرب جبل منها هو جبل أبي قبيس وهو مستدير كالقبة لو رمي سهم من أسفله لبلغ قمته وهو شرقي مكة فتري الشمس من داخل المسجد الحرام وهي تشرق من فوقه في شهر دي (ديسمبر) وقد نصب علي قمته برج من الحجر يقال إن إبراهيم عليه السلام رفعه عليه وتشغل هذه المدينة الوادي الذي بين الجبال والذي لا تزيد مساحته عن رمية سهمين في مثلها والمسجد الحرام وسط هذا الوادي ومن حوله مكة والشوارع والأسواق وحيثما وجدت ثغرة بين الجبال سدت بسور قوي وضعت عليه بوابة وليس بمكة شجر أبدا إلا عند باب الغربي للمسجد الحرام المسمي باب إبراهيم حيث يوجد كثير من الشجر الكبير الذي يرتفع علي حافة البئر وعند الجانب الشرقي للمسجد سوق تمتد من الجنوب إلي الشمال وفي
(١٢١)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، شهر جمادي الثانية (1)، مدينة مكة المكرمة (9)، شهر رجب المرجب (1)، شهر رمضان المبارك (1)، مسجد الحرام (3)، الحج (1)، السجود (1)، الصّلاة (1)، الجواز (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 091

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٢
أولها ناحية الجنوب جبل أبي قبيس الذي تقع الصفا علي سفحه وتبدو علي هذا السفح درجات كبيرة من الحجارة المستوية التي يصعد الحجاج عليها ويدعون ربهم والمروة في نهاية السوق شمالي الجبل وهي أقل ارتفاعا في وسط مكة وقد شيدت عليها منازل كثيرة وما يسمي السعي بين الصفا والمروة هو المسعي في هذه السوق من أولها لآخرها ويجد من يرغب العمرة وهو آت من بعيد أبراجا ومساجد علي مسافة نصف فرسخ حول مكة فيحرم منها للعمرة والإحرام هو نزع الملابس المخيطة من علي الجسد وشد المحرم وسطه بإزار ولف جسده بإزار أو وشاح آخر وصياحه بصوت عال أن لبيك اللهم لبيك ثم يسير نحو مكة فإذا أراد حاج أن يعتمر وهو بمكة فإنه يذهب إلي تلك الأبراج ويرتدي ثوب الإحرام ويهتف لبيك ويدخل مكة بنية العمرة فحين يبلغ مكة يدخل المسجد الحرام ويسير نحو الكعبة ثم يطوف ناحية اليمين بحيث تكون هذه علي يساره ويتوجه إلي الركن الذي به الحجر الأسود فيقبله ثم يمضي ويستمر في الطواف حتي يعود إلي الحجر الأسود مرة أخري فيقبله وبهذا يكون قد أتم طوفة واحدة وعلي هذا النحو يطوف سبع مرات ثلاثا منها بسرعة وأربعا علي مهل وبعد إتمام الطواف يتوجه نحو مقام إبراهيم عليه السلام وهو أمام الكعبة فيقف خلفه بحيث يكون المقام بينه وبين الكعبة وهناك يصلي ركعتين هما صلاة الطواف ثم يذهب إلي حيث بئر زمزم فيشرب من مائها أو يمسح بها وجهه ثم يخرج من المسجد الحرام من باب الصفا الذي سمي كذلك لأن جبل الصفا يقع خارجه فيصعد علي عتبات الصفا موليا وجهه شطر مكة ويدعو بالدعاء المعلوم ثم ينزل ويتجه ناحية المروة مارا بالسوق التي يسير فيها من الجنوب إلي الشمال وعليه أن ينظر إلي أبواب الحرام حين يمر بها وأن يحث الخطي في المسافة التي سعاها الرسول عليه الصلاة والسلام مسرعا والتي أمر الناس باجتيازها مسرعين وهي خمسون خطوة وعلي طرفي هذا الموضع (الذي يسار فيه بسرعة) أربع منارات علي الجانبين فإذا بلغ الحاج الآتي من
(١٢٢)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، مدينة مكة المكرمة (7)، الحجر الأسود (2)، مسجد الحرام (2)، الطواف، الطوف، الطائفة (5)، الركوع، الركعة (1)، الصّلاة (2)، الحج (1)

صفحه 092

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٣
الصفا ما بين المنارتين الأوليين أسرع حتي يصل إلي ما بين المنارتين الثانيتين ثم يسير الهويني حتي يبلغ المروة فيصعد عتباتها ويدعو ذلك الدعاء المعلوم وهكذا يكرر هذا السعي في السوق بحيث يسعي من الصفا إلي المروة أربع مرات ومن المروة إلي الصفا ثلاث مرات فيكون قد سعي في هذه السوق سبع مرات وعندما ينزل الحاج من جبل المروة يجد سوقا فيها عشرون دكانا متقابلة يشغلها جميعا حجامون لحلق شعر الرأس وحين يتم الحاج شعائر العمرة ويخرج من المسجد الحرام يدخل السوق الكبيرة التي تقع ناحية الشرق والمسماة سوق العطارين وهي سوق جميلة البنايات وكلها عطارون وبمكة حمامان بلاطهما من الحجر الأخضر السنان وقدرت أن سكانها القاطنين بها لا يزيدون علي ألفين والباقي ويقربون من الخمسمائة من الغرباء والمجاورين وفي ذلك الوقت كان بمكة قحط فكان الستة عشر منا من القمح بدينار مغربي وقد هاجر منها كثيرون وقد كان لأهالي كل مدينة من خراسان وما وراء النهر والعراق وغيرها منازل بمكة ولكن أغلبها كان خرابا وقتذاك وقد بني بها خلفاء بغداد عمارات كثيرة وأبنية جميلة وكان بعضها وأنا هناك خربا والبعض الآخر اشتراه الناس (أصبح ملكا خاصا) وماء آبار مكة مالح ومر لا يساغ شربه ولكن بها كثيرا من الأحواض والمصانع الكبيرة بلغت تكاليف الواحد منها أكثر من عشرة آلاف دينار وهي تملأ من ماء الأمطار الذي يتدفق من الأودية وكانت فارغة ونحن هناك وقد أنشأ ابن أحد أمراء عدن مجري للماء تحت الأرض وأنفق عليه أموالا كثيرة يسقي منه ما علي حافتيه من شجر في عرفات وقد حبس هذا الماء هناك حيث غرست الحدائق فلا يصل (قرب) مكة منه إلا القليل لأن القناة لا تبلغها وهذا القليل يجمع في حوض خارج مكة فيأخذ منه
(١٢٣)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (5)، مدينة بغداد (1)، مسجد الحرام (1)، خراسان (1)، الحج (2)

صفحه 093

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٤
السقاءون ويذهبون به إليها ويبيعونه وعلي مسافة نصف فرسخ من طريق برقة بئر يسمي بئر الزاهد عنده مسجد جميل وماء هذا البئر عذب ويحمله السقاءون إلي مكة لبيعه وجو مكة حار جدا وفي آخر بهن القديم (يناير فبراير) رأيت بها الخيار والأترنج والباذنجان وكانت كلها طازجة هذه هي المرة الرابعة التي أزور بها مكة وقد مكثت بها مجاورا من غرة رجب 442 (10 نوفمبر 1050) إلي العشرين من ذي الحجة (3 مايو 1051) وقد أثمر بها العنب في الخامس عشر من فروردين (مارس أبريل) فأحضر من السواد إلي مكة وبيع في السوق وكان البطيخ كثيرا في أول اردبهشت (ابريل مايو) وكانت الفاكهة متوفرة طول الشتاء فلم تنقطع قط وصف بلاد العرب واليمن وحين يسير المسافر مرحلة واحدة جنوبي مكة يبلغ ولاية اليمن التي تمتد حتي شاطئ البحر والحجاز واليمن متجاوران ولغتهما العربية وفي الاصطلاح يقال لليمن حمير وللحجاز العرب ويحيط البحر البلدين من ثلاث جهات فهما شبه جزيرة يحدها شرقا بحر البصرة وغربا بحر القلزم الذي تقدم أنه خليج وجنوبا البحر المحيط وطول شبه الجزيرة هذه التي هي اليمن والحجاز من الكوفة إلي عدن أي من الشمال إلي الجنوب خمسمائة فرسخ
(١٢٤)
مفاتيح البحث: شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (5)، مدينة الكوفة (1)، شهر رجب المرجب (1)، مدينة البصرة (1)، السجود (1)

صفحه 094

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٥
وعرضها من عمان إلي الجار أي من الشرق إلي الغرب أربعمائة فرسخ وبلاد العرب من الكوفة إلي مكة وبلاد اليمن من مكة إلي عدن وبلاد العرب قليلة الخصب ويسكن أهلها الصحراء ويملكون الدواب والمواشي ويقيمون في الخيام وبلاد حمير (اليمن) ثلاثة أقسام قسم منها يسمي تهامة وهو يمتد علي ساحل القلزم الذي هو غربي تهامة وبه كثير من المدن والخصب مثل صعدة وزبيد وصنعاء وغيرها وهذه المدن مشيدة في الصحراء وأمير هذا القسم عبد حبشي من أبناء شاددل والقسم الثاني من حمير جبلي يسمي نجدا وبه أماكن مقفرة وأخري شديدة البرد كما أن به أودية ضيقة وقلاعا محكمة والقسم الثالث ناحية المشرق وبه مدن كثيرة منها نجران وعثر وبيشة وغيرها وبهذا القسم طوائف كثيرة لكل منها ملك أو رئيس فليس له حاكم واحد فإن سكانه عتاة وأغلبهم لصوص وسفاكو دماء وهم كثيرون ومن كل جنس ومساحة هذا القسم مائتا فرسخ في مائة وخمسين وفي اليمن قصر غمدان بمدينة اسمها صنعاء وقد بقي من أطلال
(١٢٥)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (2)، مدينة الكوفة (1)

صفحه 095

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٦
كالتل في وسطها ويقال هناك إن رب هذا القصر كان ملكا علي العالم كله كما يقال إن بهذا التل كنوزا ودفائن كثيرة ولكن أحدا لا يجرؤ علي مد يده إليها سلطانا كان أو من الرعية ويصنعون بصنعاء العقيق وهو حجارة تقطع من الجبل وتسوي علي النار في بواتق محاطة بالرمل ثم تعرض هكذا وسط الرمل لحرارة الشمس وبعد هذا يصقلونها بعجلة وقد رأيت في مصر سيفا أحضر للسلطان من اليمن مقبضه قطعة واحدة من العقيق الأحمر كأنه ياقوت وصف المسجد الحرام والكعبة قلنا إن الكعبة تقوم وسط المسجد الحرام وإن المسجد الحرام يقوم وسط مكة والمسجد ممتد طولا من الشرق إلي الغرب وعرضا من الشمال إلي الجنوب وسوره ليس قائم الزوايا بل أركانه مقوسة تميل إلي الاستدارة وذلك حتي تكون وجوه جميع المصلين شطر الكعبة في أي جهة كانوا يصلون بالمسجد وأقصي طول للمسجد من باب إبراهيم إلي باب بني هاشم أربع وعشرون وأربعمائة ذراع وعرضه من باب الندوة وهو جهة الشمال حتي باب الصفا وهو جهة الجنوب وأقصي اتساعه أربع وثلاثمائة ذراع وبسبب استدارته تبدو ساحة المسجد أضيق في جهة وأوسع في جهة أخري وحوله ثلاثة أروقة رفعت أسقفها علي أعمدة من الرخام ووسط هذه الأروقة مربع وعلي طول السقف من ناحية ساحة المسجد خمسة وأربعون طاقا وعلي عرضه ثلاثة وعشرون وعدد الأعمدة الرخامية التي فيه أربعة وثمانون وأربعمائة عمود قيل إنها كلها أرسلت من الشام عن طريق البحر بأمر خلفاء بغداد وقيل أنه حين بلغت هذه العمد مكة بلغ ثمن الحبال التي شدت بها إلي السفن والعجلات والتي قطعت قطعا ستين ألف دينار مغربي ومن
(١٢٦)
مفاتيح البحث: المسجد الأقصي (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، بنو هاشم (1)، مدينة بغداد (1)، مسجد الحرام (3)، الشام (1)، السجود (4)، الوسعة (1)

صفحه 096

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٧
هذه العمد عمود من الرخام الأحمر وضع عند باب الندوة قيل إنه اشتري بوزنه ذهبا ويقدر وزنه بثلاثة آلاف من وللمسجد الحرام ثمانية عشر بابا عليها طيقان مقامة علي عمد من الرخام وضعت بحيث لا تعوق فتح الأبواب وعلي الجانب الشرقي أربعة أبواب هي من الركن الشمالي باب النبي وبه ثلاثة طيقان مقفلة وعلي هذا الجانب نفسه عند الطرف الجنوبي (للباب الأول) باب آخر يسمي باب النبي أيضا وبين هذين البابين أكثر من مائة ذراع ولهذا الباب طاقان وفي خارجه سوق العطارين وقد كان منزل النبي عليه السلام في هذه السوق وكان يدخل من هذا الباب للصلاة في المسجد فإذا جاوز السائر هذا الباب وجد علي السور الشرقي أيضا باب علي عليه السلام وهو الباب الذي كان يدخل منه أمير المؤمنين علي عليه السلام للصلاة بالمسجد وله ثلاثة طيقان فإذا جاوزه يجد عن ركن المسجد منارة أخري يبدأ منها السعي وهي غير المنارة التي بباب بني هاشم ومن عندها ينبغي الإسراع في السعي وهي إحدي المنارات الأربع المذكورة (المنارات الأربع في طرق السعي) وعلي الحائط الجنوبي الذي هو طول المسجد سبعة أبواب أولها علي الركن المقوس واسمه باب الدقاقين وله طاقان وغربيه بقليل باب آخر ذو طاقين يقال له باب الفسانين وبعده بقليل باب الصفا وله خمسة طيقان أكبرها الطاق الأوسط وعلي كل من جانبيه طاقان صغيران وكان رسول الله عليه السلام يخرج من هذا الباب ويذهب إلي الصفا ويدعو وعتبة
(١٢٧)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، كتاب فتح الأبواب للسيد ابن طاووس (1)، بنو هاشم (1)، مسجد الحرام (1)، السجود (4)، الصّلاة (2)

صفحه 097

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٨
الطاق الأوسط مكونة من حجر أبيض كبير وكان بها حجر أسود وطئه الرسول عليه السلام بقدمه فارتسم نقش القدم المبارك عليه وقد نزع هذا الجزء من الحجر الأسود وركب في الحجر الأبيض بحيث تكون أطراف أصابع القدم داخل المسجد ويضع بعض الحجاج وجوههم علي هذا الحجر وبعضهم يضعون أقدامهم تبركا وأعرف أن الأفضل أن أضع وجهي وبعد هذا الباب بقليل ناحية المغرب باب السطوي وله طاقان ثم من بعده بقليل باب التمارين وله طاقان ثم باب المعامل وله طاقان ويقابله بيت أبي جهل وهو الآن مرحاض وعلي الحائط الغربي وهي عرض المسجد ثلاثة أبواب الأول عند الركن الجنوبي واسمه باب عروة وله طاقان وفي الوسط باب إبراهيم وله ثلاثة طيقا وعلي الحائط الشمالي وهي طول المسجد أربعة أبواب ففي الركن الغربي باب الوسيط وله طاق واحد ومن بعده ناحية المشرق باب العجلة وله طاق واحد ومن بعده في الوسط باب الندوة وله طاقان ثم باب المشاورة وله طاق واحد وعند زاوية المسجد في الشمال الشرقي باب يسمي باب بني شيبة والكعبة في وسط ساحة المسجد وهي مستطيل طوله من الشمال إلي
(١٢٨)
مفاتيح البحث: بنو شيبة (1)، الحجر الأسود (1)، السجود (5)

صفحه 098

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٢٩
الجنوب ثلاثون ذراعا وعرضه من الشرق إلي الغرب ست عشرة ذراعا وبابها شرقي بحيث يكون الركن العراقي علي يمين الداخل وركن الحجر الأسود علي يساره ويسمي ركنها الجنوبي الغربي بالركن اليماني وركنها الشمالي الغربي بالركن الشامي والحجر الأسود مركب علي زاوية الحائط في حجر كبير بحيث إذا وقف رجل طويل القامة يكون مقابلا لصدره وطول هذا الحجر شبر أربعة أصابع وعرضه ثمانية أصابع وهو مستدير الشكل وبينه وبين باب الكعبة أربع أذرع ويسمي ما بينهما الملتزم ويرتفع باب الكعبة عن الأرض أربع أذرع بحيث إذا وقف رجل مديد القامة علي الأرض يصل إلي عتبته وقد صنع سلم من الخشب يضعونه وقت الحاجة أمام الباب فيصعد عليه الناس ويدخلون الكعبة ويسع عرض هذا السلم عشرة رجال يصعدون وينزلون بعضهم بجانب بعض وأرض الكعبة عالية بهذا المقدار وصف باب الكعبة وهو باب من خشب الساج له مصراعان ارتفاعه ست أذرع ونصف
(١٢٩)
مفاتيح البحث: الركن اليماني (1)، الحجر الأسود (2)، دولة العراق (1)، الحاجة، الإحتياج (1)

صفحه 099

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٠
ذراع وعرض كل من مصراعيه ذراع وثلاثة أرباع الذراع فعرضهما معا ثلاث أذرع ونصف وعلي صدر الباب وأعلاه كتابة كما أن عليه دوائر زخرفية من فضة وكتابات منقوشة بالذهب والفضة وقد كتبت عليه هذه الآية حتي آخرها * (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين) * وله حلقتان كبيرتان من الفضة أرسلتا من غزنين وقد ركبتا في مصراعيه بحيث لا تصل إليهما يد إنسان ومن تحتها حلقتان أخريان من الفضة أصغر حجما وموضوعتان بحيث تصل اليد إليهما وفيهما قفل كبير من الفضة أيضا يقفل به الباب ولا يفتح ما لم ينزع القفل وصف الكعبة من الداخل يبلغ سمك حائطها ستة أشبار وأرضها مغطاة بالرخام الأبيض وبالكعبة ثلاث خلوات صغيرة كأنها دكاكين إحداها تقابل الباب والأخريان علي الجانب الشمالي والأعمدة التي بالكعبة والتي أقيم عليها السقف كلها من خشب الساج المربع إلا عمودا واحدا مدورا وفي الجانب الشمالي قطعة مستطيلة من الرخام الأحمر يقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي عليها ويجتهد كل من يعرف ذلك أن يصلي هناك وقد غطيت حوائط الكعبة بألواح الرخام الملون وعلي الجانب الغربي منها ستة محاريب من الفضة ألصقت بالحائط بمسامير ويبلغ ارتفاع كل منها قامة الرجل وهي مزينة بنقوش كثيرة من الذهب والفضة وهي مرتفعة عن الأرض وحوائط الكعبة الأربعة حتي أربعة أذرع من الأرض خالية من النقوش وأما بعد ذلك إلي السقف فمزينة بالرخام المنقوش والموشي أغلبه بالذهب
(١٣٠)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)

صفحه 100

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣١
وفوق كل من الخلوات الثلاث التي ذكرتها والتي توجد إحداها في الركن العراقي والأخري في الركن الشامي والثالثة في الركن اليماني فوق كل ركن منها لوحان من الخشب مثبتان علي الحائط بمسامير من فضة وهي ألواح من خشب سفينة نوح عليه السلام طول كل منها خمس أذرع وعرضه ذراع واحد وقد أسدل علي الخلوة التي خلف الحجر الأسود ستار من الديباج الأحمر وحين يدخل السائر في الكعبة يجد علي اليد اليمني زاوية مربعة بمقدار ثلاث أذرع في مثلها وهناك سلم يؤدي إلي سطح الكعبة عليه باب من الفضة له مصراع واحد يسمي باب الرحمة وعليه قفل من الفضة فإذا صار فوق سطح الكعبة يجد بابا آخر مثل الباب السابق منقوش بالفضة علي وجهيه وقد غطي سقف الكعبة بالخشب المغطي بالحرير الذي يحجبه عن الأنظار وعلي حائط الكعبة الأمامي فوق العمد الخشبية كتابة ذهبية فيها اسم العزيز بالله سلطان مصر الذي استولي علي مكة من الخلفاء العباسين وعلي الحائط أربعة ألواح أخري كبيرة من الفضة متقابلة ومثبتة بمسامير من فضة وعلي كل لوح منها اسم السلطان الذي أرسله من سلاطين مصر وكان كل منهم يرسل لوحا في عهده وبين الأعمدة ثلاثة قناديل فضية معلقة وبلاط سطح الكعبة من الرخام اليمني الذي يلمع كأنه البلور وفي أركانها أربع روازن علي كل منها لوح من الزجاج لينفذ منه النور ولمنع تسرب المطر والميزاب في وسط الحائط الشمالي وطوله ثلاث أذرع وكله مطلي بالذهب والكسوة التي تغطي بها الكعبة بيضاء وقد طرزت في موضعين عرض كل منها ذراع وبينهما عشر أذرع تقريبا ومن فوقهما وتحتهما عشر أذرع أيضا بحيث ينقسم ارتفاع الكعبة إلي ثلاثة أقسام كل منها عشر أذرع بواسطة طرازي الكسوة وعلي جوانب هذه الكسوة الأربعة نسجت محاريب
(١٣١)
مفاتيح البحث: النبي نوح عليه السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، الركن اليماني (1)، الحجر الأسود (1)، العزّة (1)، دولة العراق (1)، السفينة (1)

صفحه 101

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٢
ملونة مزينة بخيوط من ذهب وعلي كل ناحية ثلاثة محاريب محراب كبير في الوسط ومحرابان صغيران علي جانبيه فعلي النواحي الأربعة إثنا عشر محرابا وخارج الكعبة حائط علوه ذراع ونصف وتتصل نهايتهاه بركني الكعبة لأن هذا الحائط مقوس كنصف الدائرة وهو يبعد من منتصفه عن الكعبة مقدار خمس عشرة ذراعا وأرض هذا الموضع مبلطة بالرخام الملون المنقوش ويسمي الحجر وبه يصب ماء الميزاب الذي فوق الكعبة وقد وضع تحته قطعة من الحجر الأخضر علي شكل محراب يسقط عليها الماء وهي كبيرة بحيث يستطيع رجل أن يصلي عليها ومقام إبراهيم عليه السلام شرقي الكعبة وهو الحجر الذي به آثار قدمي إبراهيم عليه السلام وهو مركب في حجر آخر وعليه غلاف مربع من الخشب بارتفاع قامة الرجل وهو في غاية الدقة ووضعت عليه ألواح من الفضة وقد أحكم ربط الغلاف بالحائط بسلاسل من الجانبين وعليه قفلان وذلك حتي لا يستطيع أحد أن يلمس الحجر وبين الكعبة ومقام إبراهيم ثلاثون ذراعا بئر زمزم بئر زمزم شرقي الكعبة حذاء ركن الحجر الأسود وبين زمزم والكعبة ست وأربعون ذراعا وسعة البئر ثلاث أذرع ونصف في مثلها
(١٣٢)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (2)، الحجر الأسود (1)

صفحه 102

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٣
وماؤها ملح ولكنه يستساغ وقد بنوا عند فوهتها خرزة من الرخام الأبيض ارتفاعه ذراعان وفي جوانب حجرة زمزم الأربعة أحواض يصب فيها الماء ويتوضأ الناس به وأرضها من الخشب المشبك ليسيل الماء الذي يراق بها وبابها ناحية المشرق وأمام البئر ناحية المشرق بناء آخر مربع عليه قبة يسمي سقاية الحاج وضع به أزيار يشرب منها الحجاج وبعد هذا البناء ناحية الشرق بناء آخر مستطيل عليه ثلاث قباب يسمي خزانة الزيت به الشمع والزيت والقناديل وحول الكعبة أعمدة يتصل بعضها بالبعض بواسطة عروق من الخشب عليها زخارف ونقوش من الفضة ومعلق بها الحلق والكلابات حتي يوضع الشمع في هذه وتدلي المصابيح من تلك بالليل ويسمي هذا الموضع المشاعل ويفصله عن الكعبة خمسون ومائة ذراع وهي مسافة الطواف فجملة المباني التي بساحة المسجد الحرام عدا الكعبة المعظمة شرفها الله تعالي ثلاثة هي بيت زمزم وسقاية الحاج وخزانة الزيت
(١٣٣)
مفاتيح البحث: مسجد الحرام (1)، الحلق (1)، الحج (2)

صفحه 103

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٤
وتحت السقف المحيط بالمسجد بجانب الحائط صناديق من جميع مدن المغرب ومصر والشام والروم والعراقين وخراسان وما وراء النهر وغيرها وعلي مسافة أربعة فراسخ شمالي مكة ناحية تسمي برقة بها أمير مكة مع جيش خاص به وهناك ماء جار وأشجار ومساحتها فرسخان طولا في مثلهما عرضا في هذه السنة كنت بمكة مجاورا منذ أول رجب وعادتهم أن يفتحوا باب الكعبة كل يوم في هذا الشهر منذ شروق الشمس وصف فتح باب الكعبة امتازت قبيلة من العرب تسمي بني شيبة بحفظ مفتاح باب الكعبة وهم خدمها وكان لهم خلع ومشاهرات من سلطان مصر ولهم رئيس بيده المفتاح وحين يجيء يصاحبه خمسة أو ستة أفراد وحين يصلون ينضم إليهم عشرة من الحجاج فيرفعون السلم الذي قدمنا وصفه ويضعونه أمام الباب فيصعد هذا الشيخ ويقف علي العتبة ويصعد بعده رجلان ويرفعان الستار والديباج الأصفر يمسك كل منهما طرفا منه بحيث يحجب الشيخ وهو يفتح الباب يفتح الشيخ القفل وينزعه من الحلق بينما الحجاج وقوف أمام الكعبة فحين يفتح الباب يرفعون أيديهم بالدعاء فيعرف كل من يسمع صوتهم بمكة أن باب الكعبة قد فتح فيرفع الناس جميعا أصواتهم عالية ويدعون ربهم وتحدث جلجلة عظيمة بالبلد ثم يدخل الشيخ بينما الرجلان يمسكان الستار ويصلي ركعتين ثم يعود فيفتح الباب علي مصراعيه ويقف علي العتبة ويقرأ الخطبة عليهم بصوت مرتفع ويصلي علي رسول الله عليه الصلوات والسلام وعلي أهل بيته ثم يقف الشيخ وأصحابه علي جانبي باب الكعبة بينما يأخذ الحجاج في الصعود ودخول الكعبة فيصلي كل منهم
(١٣٤)
مفاتيح البحث: الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (4)، شهر رجب المرجب (1)، بنو شيبة (1)، خراسان (1)، الشام (1)، الركوع، الركعة (1)، الحلق (1)، السجود (1)، الصّلاة (2)

صفحه 104

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٥
ركعتين ثم يخرج ويدوم ذلك إلي قرب منتصف النهار ويولون وجوههم أثناء صلاتهم بالكعبة نحو الباب مع جواز التوجه نحو الجوانب الأخري وقد أحصيت الناس في وقت كانت الكعبة ممتلئة فيه حتي لم يكن بها مكان لداخل فكانوا عشرين وسبعمائة رجل وعامة حجاج اليمن يشبهون الهنود فكل منهم يتشح بفوطه وشعورهم متدلية ولحاهم مضفرة وفي وسط كل منهم حربة قطيفية كالتي يتمنطق بها الهنود ويقال إن أصل الهنود من اليمن وأن قتالة أصلها كتارة (الحربة) ثم عربت وبفتح باب الكعبة أيام الاثنين والخميس والجمعة من أشهر شعبان ورمضان وشوال فإذا جاء ذو القعدة أغلق الباب عمرة الجعرانة علي أربعة فراسخ من شمال مكة مكان يسمي الجعرانة كان به النبي عليه السلام مع جيشه في السادس عشر من ذي القعدة فأحرم منه وجاء إلي مكة وأعتمر وهناك بئران بئر الرسول وبئر علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وماء البئرين عذب جدا وبينهما عشر أذرع وقد اتخذت هذه العمرة النبوية سنة تؤدي في هذا الموسم وقرب البئرين صخرة كبيرة فيها فجوات كأنها كؤوس يقال إن النبي عليه السلام عجن الدقيق فيها بيديه والذين يزورون هذا المكان يعجنون الدقيق بأيديهم بماء هذين البئرين ويتخذون من الأشجار الكثيرة هناك وقودا للخبز الذي يرسلونه إلي الأقطار تبركا وهناك أيضا صخرة كبيرة مرتفعة يقال إن بلالا الحبشي كان يقف عليها ويؤذن للصلاة ويصعد عليها الزائرون ويؤذنون وحين كنت بالجعرانة كان بها ناس كثيرون وكان بها أكثر من ألف جمل بالعمارات مما يبين كثرة الزائرين الآخرين
(١٣٥)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، شهر ذي القعدة (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، شهر رمضان المبارك (1)، شهر شعبان المعظم (1)، شهر شوال المكرم (1)، الركوع، الركعة (1)، الأكل (1)، الصّلاة (1)، الجواز (1)

صفحه 105

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٦
ومن مصر إلي مكة عن الطريق الذي سرت فيه هذه المرة ثلاثمائة فرسخ ومن مكة إلي اليمن إثنا عشر فرسخا وتقع صحراء عرفات بين جبال صغيرة كالتلال ومساحتها فرسخان في مثلهما وكان بها مسجد بناء إبراهيم عليه السلام لم يبق منه هذه الساعة غير منبر خرب من الطوب النيئ يصعد عليه الخطيب في صلاة الظهر ويخطب ثم يؤذنون للصلاة ثم يصلون جماعة ركعتين سنة المسافرين ثم يقيمون الصلاة ويصلون جماعة ركعتين أخريين ثم يجلس الخطيب علي جمل ويتجه شرقا والناس وراءه وعلي بعد فرسخ جبل حجري صغير يسمي جبل الرحمة هناك يقفون ويدعون حتي وقت الغروب وقد أوصل ابن شاد دل الذي كان أميرا لعدن الماء إلي جبل الرحمة من مكان بعيد وأنفق في ذلك مالا طائلا ويحمل الماء من هذا الجبل إلي صحراء عرفات حيث عملت أحواض تملأ ماء أيام الحج حتي يتيسر الماء للحجيج وقد بني هذا الأمير فوق جبل الرحمة طاقا مربعا كبيرا يضعون فوق قبته كثيرا من القناديل والشموع ليلة عرفة ويومه فيري نورها من مسافة فرسخين وقيل إن أمير مكة أخذ ألف دينار من ابن شادن دل ليجيز له إقامة هذا الطاق في التاسع من ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة (27 ابريل 1051) قضيت الحجة الرابعة بعون الله سبحانه وتعالي ولما غابت الشمس عاد الحجاج والخطيب من عرفات وساروا فرسخا إلي المشعر الحرام ويسمونه المزدلفة وهناك بناء جميل كالمقصورة يصلي فيه الناس ويأخذون منه حجارة الرجم التي يرمونها بمني والعادة أن يقضي الحجاج هذه الليلة وهي ليلة العيد هناك حيث يصلون الفجر وعند طلوع الشمس يتوجهون إلي مني حيث يضحون وهناك مسجد كبير يسمي مسجد الخيف وليس من المفروض إلقاء خطبة وصلاة
(١٣٦)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، يوم عرفة (1)، الحج (1)، الركوع، الركعة (2)، السجود (3)، الصّلاة (3)، الرجم (1)

صفحه 106

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٧
العيد بمني في ذلك اليوم ولم يأمر بهما المصطفي عليه السلام ويكون الحجاج بمني في العاشر من ذي الحجة وهناك يرمون الحجارة وشرح ذلك مذكور في مناسك الحج وفي الثاني عشر من ذي الحجة يغادر مني من عزم علي العودة لبلاده ويذهب إلي مكة أهلها إلي الحسا عن طريق الطائف ومطار والثريا وجزع وسربا وفلج واليمامة بعد اتمام الحج استأجرت جملا من أعرابي لأذهب إلي الحسا وقيل إنهم يبلغونها من مكة في ثلاثة عشر يوما وقد ودعت بيت الله يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة (7 مايو 1051) الموافق أول خرداد القديم (مايو يونيو) وقد وجدنا مرجا بعد سبعة فراسخ من مكة عنده جبل ولما بلغناه وجدنا سهلا وقري وبئرا اسمها بئر الحسين بن سلامة وكان الجو باردا وقد سرنا ناحية المشرق بلغنا الطائف يوم الاثنين الثاني والعشرين من ذي الحجة ومن مكة إلي هناك إثنا عشر فرسخا والطائف ناحية علي رأس جبل وكان الجو باردا في شهر خرداد (مايو يونيو) حتي لزم الجلوس في الشمس بينما يكثر البطيخ بمكة في هذا الوقت وقصبة الطائف هذه مدينة صغيرة بها حصن محكم وسوق وجامع صغيران وبها ماء جار وأشجار رمان وتين كثيرة وبجوارها قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنه وقد بني خلفاء بغداد هناك مسجدا كبيرا يقع القبر في زاويته علي يمين المحراب والمنبر وبني الناس هناك بيوتا يسكنونها سرنا من الطائف واجتزنا جبالا وأراضي صخرية وكنا نجد حيثما سرنا قلاعا محصنة وقري وقد أروني وسط الصخور قلعة خربة قيل إنها كانت بيت ليلي وقصتهم في هذا عجيبة ومن هناك بلغنا قلعة تسمي مطار
(١٣٧)
مفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)، شهر ذي الحجة (4)، مدينة مكة المكرمة (5)، مدينة بغداد (1)، الحج (2)، القبر (2)

صفحه 107

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٨
وبينها وبين الطائف إثنا عشر فرسخا ثم بلغنا ناحية تسمي الثريا بها نخيل كثير وتزرع أرضها بمياه الآبار والسواقي قالوا وليس لهذه الناحية حاكم أو سلطان فإن علي كل جهة رئيسا أو سيدا مستقلا ويعيش الناس علي السرقة والقتل وهم في حرب دائم بعضهم مع بعض ومن الطائف إلي هناك خمسة وعشرون فرسخا وبعد ذلك مررنا بقلعة تسمي جزع وعلي مساحة نصف فرسخ منها أربع قلاع نزلنا عند أكبرها وتسمي حصن بني نسير وهناك قليل من النخيل وبيت العربي الذي استأجرنا حمله في الجزع هذه ولبثنا هناك خمسة عشر يوما إذ لم يكن معنا خفير يهدينا الطريق ولكل قوم من عرب هذا المكان ارض محددة ترعي بها ماشيتهم ولا يستطيع أجنبي أن يدخلها فهم يمسكون كل من يدخل بغير خفير ويجردونه مما معه فيلزم استصحاب خفير من كل جماعة حتي يتيسر المرور من أرضهم فهو وقاية للمسافر ويسمونه أيضا مرشد الطريق (قلاوز) وقد اتفق أن جاء إلي الجزع رئيس الأعراب الذين كانوا في طريقنا وهم بنو سواد واسمه أبو غانم عبس بن
(١٣٨)
مفاتيح البحث: الحرب (1)، السرقة (1)

صفحه 108

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٣٩
البعير فاتخذناه خفيرا وذهبنا معه وقابلنا قومه فظنوا أنهم لقوا صيدا إذ أن كل أجنبي يرونه يسمي صيدا فلما رأوا رئيسهم معنا أسقط في أيديهم ولولا ذلك لأهلكونا وفي الجملة لبثنا معهم زمنا إذ لم يكن معنا خفير يصحبنا ثم أخذنا من هناك خفيرين أجر كل منهما عشرة دنانير ليسيرا بنا بين قوم آخرين وقد كان من هؤلاء العرب شيوخ في السبعين من عمرهم قالوا لي إنهم لم يذوقوا شيئا غير لبن الإبل طوال حياتهم إذ ليس في هذه الصحراء غير علف فاسد تأكله الجمال وكانوا يظنون أن العالم هكذا وظللت أتحول من قوم إلي قوم وأجد في كل مكان خطرا وخوفا إلا أن الله تبارك وتعالي سلمنا منها وبلغنا مكانا في وسط أرض ملؤها الصخور يسمي سربا رأيت به جبالا كل منها كالقبة لم أر مثلها في أي ولاية وهي من الارتفاع بحيث لا يصل إليها السهم وملساء وصلبة بحيث لا يظهر عليها شق أو التواء وقد سرنا من هناك فكان زملاؤنا في الطريق كلما رأوا ضبا قتلوه وأكلوه وكانوا يحلبون لبن الجمال حيث وجد الأعراب ولم أكن أستطيع أكل الضب أو شرب لبن الجمال وفي كل جهة في الطريق بها شجر به ثمر في حجم حبة السلة كنت أقنع بأكل حبات منها وبعد معاناة مشاق ومتاعب كثيرة بلغنا فلج في الثالث والعشرين من صفر (433 1051)) فلج ومن مكة إليها ثمانون ومائة فرسخ وتقع فلج هذه وسط الصحراء وهي ناحية كبيرة ولكنها خربت بالتعصب وكان العمران حين زرناها قاصرا علي نصف فرسخ في ميل عرضا وفي هذه المسافة أربع عشرة قلعة
(١٣٩)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، الظنّ (1)، الأكل (1)

صفحه 109

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٠
للصوص والمفسدين والجهلة وهي مقسمة بين فريقين بينهما خصومة وعداوة دائمة وقد قالوا نحن من أصحاب الرسيم الذين ذكروا في القرآن الكريم وهناك أربع قنوات يسقي منها النخيل أما زرعهم ففي أرض عالية يرفع إليها معظم الماء من الآبار وهم يستخدمون في زراعتهم الجمال لا الثيران ولم أرها هناك وزراعتهم قليلة واجر الرجل في اليوم عشرة سيرات من غلة يخبزها أرغفة ولا يأكلون إلا قليلا من صلاة المغرب حتي صلاة المغرب التالية كما في رمضان ويأكلون التمر أثناء النهار وقد رأيت هناك تمرا طيبا جدا أحسن مما في البصرة وغيرها والسكان هناك فقراء جدا وبؤساء ومع فقرهم فإنهم كل يوم في حرب وعداء وسفك دماء وهناك تمر يسمونه ميدون تزن الواحدة منه عشرة دراهم ولا يزيدون وزن النوي به عن دانق ونصف ويقال انه لا يفسد ولو بقي عشرين سنة ومعاملتهم بالذهب النيشابوري وقد لبثت بفلج هذه أربعة أشهر في حالة ليس أصعب منها لم يكن معي من شؤون الدنيا سوي سلتين من الكتب والناس جياع وعراة وجهلاء ويلتزمون حمل الترس والسيف إذا ذهبوا للصلاة ولا يشترون الكتب وكان هناك مسجدا نزلنا فيه وكان معي قليل من اللونين القرمزي واللازورد فكتبت علي حائط المسجد بيت شعر ووضعت في وسطه ورق الشجر فرأوه وتعجبوا وتجمع أهل القلعة كلها ليتفرجوا عليه وقالوا لي إذا تنقش محراب هذا المسجد نعطيك مائة من تمرا ومائة من تمرا عندهم شيء كثير فقد أتي وأنا هناك جيش من العرب وطلب منهم خمسمائة من تمرا فلم يقبلوا وحاربوا وقتل من أهل القلعة عشرة رجال وقلعت ألف نخلة ولم يعطوهم عشرة أمنان تمرا وقد نقشت المحراب كما اتفقوا معي وكان لنا في المائة من من التمر عون كبير إذ لم يكن ميسورا أن نجد
(١٤٠)
مفاتيح البحث: شهر رمضان المبارك (1)، القرآن الكريم (1)، مدينة البصرة (1)، السجود (2)، الحرب (1)، القتل (1)، الصّلاة (2)، التمر (2)

صفحه 110

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤١
غذاء ولم يكن لدينا أمل في الحياة ولم نكن نستطيع أن نتصور خروجنا من هذه البادية إذ كان ينبغي للخروج منها عن أي طريق اجتياز مائتي فرسخ من الصحراء كلها مخاوف ومهالك ولم أر في الأشهر الأربعة التي أقمتها بفلج خمسة أمنان من القمح في أي مكان وأخيرا أتت قافلة من اليمامة لأخذ الأديم وحمله إلي الحسا فإنه يحصر من اليمن إلي فلج حيث يباع للتجار قال لي أعرابي أنا أحملك إلي البصرة ولم يكن معي شيء قط لأعطيه أجرا والمسافة مائتا فرسخ وأجرة الجمل دينار ويباع الجمل العظيم هناك بدينارين أو ثلاثة ولكني رحلت نسيئة إذ لم يكن معي نقود فقال الأعرابي أحملك إلي البصرة علي أن تأجرني ثلاثين دينارا فقبلت مضطرا ولم أكن قد رأيت البصرة قط فوضع هؤلاء الأعراب كتبي علي جمل أركبوا عليه أخي وسرت أنا راجلا وتوجهنا في اتجاه مطلع بنات النعش (الدب الأكبر) كان الطريق مستويا لا جبال فيه ولا مرتفعات وكان ماء المطر متجمعا حيثما كانت الأرض أشد صلابة ومضت ليال وأيام ولم يبد في أي جهة أثر الطريق إلا أنهم كانوا يسيرون بالغريزة (بالسمع) ومن العجيب أنهم كانوا يبلغون فجاة بئر ماء مع عدم وجود أي علامة اليمامة وبالاختصار بلغنا اليمامة بعد مسيرة أربعة أيام بلياليها وباليمامة حصن كبير قديم والمدينة والسوق حيث صناع من كل نوع يقعان خارج الحصن وبها مسجد جميل وأمراؤها علويون منذ القديم ولم ينتزع
(١٤١)
مفاتيح البحث: مدينة البصرة (3)، السجود (1)

صفحه 111

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٢
أحد هذه الولاية منهم إذ ليس بجوارهم سلطان أو ملك قاهر وهؤلاء العلويون ذوو شوكة فلديهم ثلاثمائة أو أربعمائة فارس ومذهبهم الزيدية وهم يقولون في الإقامة (محمد وعلي خير البشر وحي علي خير العمل) وقيل إن سكان هذه المدينة شريفية (خاضعون للأشراف) وبالنامة مياه جارية في القنوات وفيها نخيل وقيل إنه حين يكثر التمر يباع الألف من منه بدينار ومن اليمامة إلي الحسا أربعون فرسخا ولا يتيسر الذهاب إليها إلا في فصل الشتاء حين تتجمع مياه المطر فيشرب الناس منها ولا يكون ذلك في الصيف وصف الأحساء والحسا مدينة في الصحراء ولبلوغها عن أي طريق ينبغي اجتياز صحراء واسعة والبصرة أقرب البلاد الإسلامية التي بها سلطنة إلي الحسا وبينهما خمسون ومائة فرسخ ولم يقصد سلطان من البصرة الحسا أبدا والحسا مدينة وسواد أيضا وبها قلعة ويحيط بها أربعة أسوار قوية متعاقبة من اللبن المحكم البناء بين كل اثنين منها ما يقرب من فرسخ وفي المدينة عيون ماء عظيمة تكفي كل منها لإدارة خمس سواق ويستهلك كل هذا الماء بها فلا يخرج منها ووسط القلعة مدينة جميلة بها كل وسائل الحياة التي في المدن الكبيرة وفيها أكثر من عشرين ألف محارب وقيل إن سلطانهم كان شريفا وقد ردهم عن الإسلام وقال إني أعفيتكم من الصلاة والصوم ودعاهم إلي أن مرجعهم لا يكون إلا إليه وأسمه أبو سعيد وحين يسألون عن مذهبهم يقولون إنا أبو سعيديون وهم لا يصلون ولا يصومون ولكنهم يقرون بمحمد المصطفي صلي الله عليه وسلم وبرسالته وقد قال لهم أبو سعيد إني أرجع إليكم يعني بعد الوفاة وقبره داخل المدينة وقد
(١٤٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة البصرة (1)، الصيام، الصوم (1)، الصّلاة (1)، الوسعة (1)، التمر (1)

صفحه 112

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٣
بنوا عنده قبرا جميلا وقد أوصي أبناءه قائلا (يرعي الملك ويحافظ عليه ستة من أبنائي يحكمون الناس بالعدل وللقسطاس ولا يختلفون فيما بينهم حتي أعود) ولهؤلاء الحكام الآن قصر منيف هو دار ملكهم وبه تخت يجلسون هم الستة عليه ويصدرون أوامرهم بالاتفاق وكذلك يحكمون ولهم ستة وزراء علي تخت آخر ويتداولون في كل أمر وكان لهم في ذلك الوقت ثلاثون ألف عبد زنجي حبشي يشتغلون بالزراعة وفلاحة البساتين وهم لا يأخذون عشورا من الرعية وإذا افتقر إنسان أو استدان يتعهدونه حتي يتيسر عمله وإذا كان لأحدهم دين علي آخر لا يطالبه بأكثر من رأس المال الذي له وكل غريب ينزل في هذه المدينة وله صناعة يعطي ما يكفيه من المال حتي يشتري ما يلزم صناعته من عدد وآلات ويرد (إلي الحكام) ما أخذ حين يشاء وإذا تخرب بيت أو طاحون أحد الملاك ولم تكن لديه القدرة علي الإصلاح أمروا جماعة من عبيدهم بأن يذهبوا اليه ويصلحوا المنزل أو الطاحون ولا يطلبون من المالك شيئا وفي الحسا مطاحن مملوكة للسلطان تطحن الحبوب للرعية مجانا ويدفع فيها السلطان نفقات إصلاحها وأجور الطحانين وهؤلاء السلاطين الستة يسمون السادات ويسمي وزراؤهم الشائرة وليس في مدينة الحسا مسجد جمعة ولا تقام بها صلاة أو خطبة إلا أن رجلا فارسيا اسمه علي بن أحمد بني مسجدا وهو مسلم حاج غني كان يتعهد الحجاج الذين يبلغون الحسا والبيع والشراء والعطاء والأخذ يتم هناك بواسطة رصاص في زنابيل يزن كل منها ست آلاف درهم فيدفع الثمن عددا من الزنابيل وهذه العملة لا تسري في الخارج وينسجون هناك فوطا جميلة ويصدرونها للبصرة وغيرها وإذا
(١٤٣)
مفاتيح البحث: علي بن أحمد (1)، السجود (1)، الصّلاة (1)، الوصية (1)

صفحه 113

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٤
صلي أحد فإنه لا يمنع ولكنهم أنفسهم لا يصلون ويجيب السلاطين من يحدثهم من الرعية برقة وتواضع ولا يشربون مطلقا وعلي باب قبر أبي سعيد حصان مهيأ بعناية عليه طوق ولجام يقف بالنوبة ليلا ونهارا يعنون بذلك أن أبا سعيد يركبه حين يرجع إلي الدنيا ويقال إنه قال لأبنائه حين أعود ولا تعرفونني اضربوا رقبتي بسيفي فإذا كنت أنا حييت في الحال وقد وضعت هذه الدلالة حتي لا يدعي أحد أنه أبو سعيد وقد ذهب أحد هؤلاء السلاطين بجيش إلي مكة أيام خلفاء بغداد فاستولي عليها وقتل من كان يطوف بالكعبة وانتزع الحجر الأسود من مكانه ونقله إلي الحسا وقد زعموا أن هذا الحجر مغناطيس يجذب الناس اليه من أطراف العالم ولم يفقهوا أن شرف محمد المصطفي صلي الله عليه وسلم وجلاله هما اللذان يجذبان الناس فقد لبث الحجر الأسود في الحسا سنين عديدة ولم يذهب إليها أحد وأخيرا اشتري منهم الحجر الأسود وأعيد إلي مكانه وفي الحسا تباع لحوم الحيوانات كلها من قطط وكلاب وحمير وبقر وخراف وغيرها وتوضع رأس الحيوان وجلده بقرب لحمه ليعرف المشتري ماذا يشتري وهم يسمنون الكلاب هناك كما تعلف الخراف حتي لا تستطيع الحركة من سمنها ثم يذبحونها ويبيعون لحمها والبحر علي مسيرة سبعة فراسخ من الحسا إلي ناحية الشرق فإذا اجتازه المسافر وجد البحرين وهي جزيرة طولها خمسة عشر فرسخا والبحرين مدينة كبيرة أيضا بها نخل كثير ويستخرجون من هذا البحر اللؤلؤ ولسلاطين الحسا نصف ما يستخرجه الغواصون منه وإذا سار المسافر جنوب الحسا يبلغ عمان وهي في بلاد العرب وثلاثة جوانب منها صحراء لا يمكن اجتيازها وولاية عمان ثمانون فرسخا في مثلها وهي حارة الجو ويكثر بها الجوز الهندي المسمي نارجيل وإذا أبحر المسافر من عمان نحو الشرق
(١٤٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة بغداد (1)، الحجر الأسود (3)، القبر (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، المنع (1)، القتل (1)

صفحه 114

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٥
يبلغ شاطئ كيش ومكران وإذا سار جنوبا يبلغ عدن فإذا سار في الجانب الآخر يبلغ فارس وفي الحسا تمر كثير حتي أنهم يسمنون به المواشي ويأتي وقت يباع فيه أكثر من ألف من بدينار واحد وحين يسير المسافر من الحسا إلي الشمال سبعة فراسخ يبلغ جهة القطيف وهي مدينة كبيرة بها نحل كثير وقد ذهب أمير عربي إلي أبواب الحسا ورابط هناك سنة واستولي علي سور من أسوارها الأربعة وشن عليها غارات كثيرة ولكنه لم ينل من أهلها شيئا وقد سألني حين رآني عما تنبئ به النجوم قال أريد أن أستولي علي الحسا فهل أستطيع أم لا فإن أهلها قوم لا دين لهم فأجبته بما فيه الخير له وعندي أن كل البدو يشبهون أهل الحسا فلا دين لهم ومنهم أناس لم يمس الماء أيديهم مدة سنة أقول هذا عن بصيرة لا شيء فيه من الأراجيف فقد عشت في وسطهم تسعة شهور دفعة واحدة لا فرقة بينها ولم أكن أستطيع أن أشرب اللبن الذي كانوا يقدمونه إلي كلما طلبت ماء لأشرب فحين أرفضه وأطلب الماء يقولون اطلبه حيثما تراه ولكن عند من تراه وهم لم يروا الحمامات أو الماء الجاري في حياتهم وصف فارس البصرة والآن أعود إلي حكايتي حينما غادرنا الحسا إلي البصرة كنا نجد الماء في بعض الجهات ولا نجده في أخري حتي بلغنا البصرة في العشرين من شعبان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (28 ديسمبر 1051) للبصرة سور عظيم يحيط بها ما عدا
(١٤٥)
مفاتيح البحث: شهر شعبان المعظم (1)، مدينة البصرة (3)

صفحه 115

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٦
الجزع المطل علي النهر وهذا النهر هو شط العرب ويلتقي دجلة والفرات عند حدود مدينة البصرة ويلتقي بهما أيضا قناة المويزة فيسمي النهر حينئذ شط العرب ويتفرع من شط العرب هذا قناتان كبيرتان بين منبعهما مسافة فرسخ وقد شقا صوب القبلة مسافة أربعة فراسخ ثم يلتقيان ويكونان قناة واحدة تسير مسافة فرسخ واحد ناحية الجنوب ومن هاتين القناتين شقت ترع كثيرة مدت في كل الأطراف وغرست أشجار النخيل والحدائق علي شواطئها والقناة العليا وهي الشمالية الشرقية تسمي نهر معقل والثانية وهي الغربية الجنوبية تسمي نهر الأبله ومنهما تتكون جزيرة كبيرة مستطيلة والبصرة علي أقصر ضلع من هذا المستطيل والجنوب الغربي للبصرة صحراء ليس بها عمران ولا ماء ولا شجر مطلقا وكان معظم البصرة خرابا ونحن هناك والجهات العامرة متباعدة جدا من واحدة لأخري نصف فرسخ من الخراب ولكن بابها وسورها محكمان وقويان وبها خلق كثير ودخل سلطانها كبير كان أميرها في ذلك الوقت ابن أبي كاليجار الديلمي الذي كان ملك فارس وكان وزيره رجلا فارسيا اسمه أبو منصور شاه مردان وينصب السوق في البصرة في ثلاث جهات كل يوم ففي الصباح يجري التبادل في سوق خزاعة وفي الظهر في سوق عثمان وفي المغرب في سوق القداحين والعمل في السوق هكذا كل من معه مال يعطيه للصراف ويأخذ منه صكا ثم يشتري كل ما يلزمه ويحول الثمن علي الصراف فلا يستخدم المشتري شيئا غير صك الصراف طالما يقيم بالمدينة حين بلغنا البصرة كنا من العري والفاقة كأنا مجانين وكنا قد لبثنا ثلاثة
(١٤٦)
مفاتيح البحث: نهر الفرات (1)، مدينة البصرة (4)

صفحه 116

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٧
شهور لم نحلق شعر رأسنا فأردت أن أذهب إلي الحمام التمس الدفء فقد كان الجو باردا ولم يكن علينا ملابس كنت أنا وأخي كلانا نلبس فوطة بالية وعلي ظهرينا خرقة من الصوف متدلية من الرأس حتي قلت لنفسي من الذي يسمح لنا الآن بدخول الحمام فبعت السلتين اللتين كانت بهما كتبي ووضعت بعض دراهم من ثمنها في ورقة لأعطيها للحمامي عسي أن يسمح لنا بوقت أطول في الحمام لنزيل ما علينا من كدر فلما قدمت اليه هذه الدريهمات نظر إلينا شذرا وظن أننا مجانين وانتهرنا قائلا اذهبوا فالآن يخرج الناس من الحمام ولم يأذن لنا بالدخول فخرجنا في خجل ومشينا مسرعين وكان بباب الحمام أطفال يلعبون فحسبونا مجانين فجروا في أثرنا ورشقونا بالحجارة وصاحوا بنا فلجأنا إلي زاوية وقد تملكنا العجب من أمر الدنيا وكان الأعرابي يطلب منا الثلاثين دينارا مغربيا ولم نكن نعرف وسيلة للسداد وكان بالبصرة وزير ملك الأهواز واسمه أبو الفتح علي بن أحمد وهو رجل أخلاق وفضل يجيد معرفة الشعر والأدب وكان كريما وقد جاء البصرة مع أبنائه وحاشيته وأقام بها ولم يكن لديه ما يشغله وكنت عرفت رجلا فارسيا فاضلا من أصدقاء الوزير والمترددين عليه كل وقت وكان هذا الفارسي فقيرا لا وسعة عنده لإعانتنا فقص علي الوزير قصتنا فلما سمعها أرسل إلي رجلا ومعه حصان أن اركب واحضر عندي كما أنت فخجلت من سوء حالي وعريي ولم أر الذهاب مناسبا فكتبت رقعة معتذرا وقلت فيها إني سأكون في خدمته (بعد وصول ورقتي اليه) وكان قصدي من الكتابة شيئين أن يعرف فقري وعلمي حين يطلع علي كتابتي وأن يقدر أهليتي وذلك حتي لا أخجل من زيارته وقد أرسل إلي في الحال ثلاثين دينارا لشراء كسوة فاشتريت حلتين جميلتين وفي اليوم الثالث ذهبت لمجلس الوزير فرأيته رجلا كاملا أديبا فاضلا جميل الخلقة متواضعا دينا حلو الحديث وله أربعة أبناء أكبرهم شاب فصيح أديب عاقل اسمه الرئيس أبو عبد الله أحمد بن علي بن أحمد وكان شاعرا
(١٤٧)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، أحمد بن علي بن أحمد (1)، أبو عبد الله (1)، مدينة البصرة (1)، علي بن أحمد (1)، الإستحمام، الحمام (5)

صفحه 117

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٨
وكاتبا فيه فتوة الشباب ورجاحة العقل ومظاهر التقوي وقد أضافنا الوزير عنده من أول شعبان إلي نصف رمضان ثم أمر بإعطاء الأعرابي الذي استأجرنا جمله الثلاثين دينارا التي له علي فكفاني مؤونة هذا الدين اللهم تباركت وتعاليت فرج ضيق المدينين من عبيدك من هم القرض بحق الحق وأهله ولما أردنا السفر رحلنا عن طريق البحر بعد أن أفاض علينا بنعمه وأفضاله فبلغنا فارس في كرامة وهدوء ببركة هذا الرجل الحر رضي الله عز وجل عن الرجال الأحرار وفي البصرة ثلاثة عشر مشهدا باسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يقال لأحدها مشهد بني مازن وذلك أن أمير المؤمنين عليا صلي الله عليه وسلم جاء إلي البصرة في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين (سبتمبر 655) من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وكانت عائشة رضي الله عنها قد أتت محاربة وقد تزوج أمير المؤمنين عليه السلام ليلي بنت مسعود النهشلي وكان هذا المشهد بيتها وقد أقام أمير المؤمنين اثنين وسبعين يوما ثم رجع إلي الكوفة وبجانب المسجد الجامع مشهد آخر يسمي مشهد باب الطيب ورأيت في مسجد البصرة عمودا من الخشب طوله ثلاثون ذراعا وسمكه خمسة أشبار وأربعة أصابع وكان أحد طرفيه أسمك من الطرف الآخر قيل إنه من أخشاب بلاد الهند استولي عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام وأحضره للبصرة والأحد عشر مشهدا الأخري كل منها بموضع وقد زرتها كلها بعد أن أيسرنا ارتدينا ملابسنا وذهبنا يوما إلي ذلك الحمام الذي لم يسمح لنا بدخوله من قبل فوقف الحمامي عند دخولنا من الباب وكذلك وقف كل من الحاضرين حتي دخلنا ثم جاء المدلك والقيم وقاما بخدمتنا فلما فرغنا ودخلنا غرفة الملابس وقف كل من بها ولم يجلسوا حتي لبسنا ثيابنا وخرجنا وفي أثناء ذلك كان الحمامي يقول لصاحب له هذان هما
(١٤٨)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، مدينة الكوفة (1)، شهر رمضان المبارك (1)، شهر شعبان المعظم (1)، شهر ربيع الأول (1)، مدينة البصرة (3)، الهند (1)، الشهادة (4)، السجود (2)، الزوج، الزواج (1)، الصّلاة (1)، الإستحمام، الحمام (1)

صفحه 118

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٤٩
الرجلان اللذان لم ندخلهما الحمام يوم كذا وكان يظن أنني لا أعرف لغته فقلت له بالعربية حقا ما تقول فنحن اللذان كنا نلبس خرقة من الصوف علي ظهرنا فخجل الرجل واعتذر وكان بين هذين الحالين عشرون يوما وقد ذكرت هذا الفصل حتي يعرف الناس أنه لا ينبغي التذمر من أزمات الزمان واليأس من رحمة الخالق جل جلاله وعم نواله فإنه تعالي رحيم وصف المد والجزر بالبصرة ووصف أنهارها يحدث المد ببحر عمان عادة مرتين كل أربع وعشرين ساعة فيرتفع الماء بمقدار عشر أذرع وحين يبلغ الارتفاع أقصي مداه يبدأ الجزر بالتدريج فينخفض الماء عشرا أو اثنتي عشرة ذراعا ويعرف بلوغ ارتفاع الماء مقدار الأذرع العشر بظهوره علي عمود أقيم هناك أو علي حائط ولو كانت الأرض مستوية وغير عالية لعظم امتداد البحر إليها ويسير النهران دجلة والفرات بغاية البطء حتي يتعذر في بعض الجهات معرفة اتجاه التيار فيهما وحين يبدأ المد بدفع البحر ماءهما مسافة أربعين فرسخا حتي يظن إنهما يرتدان إلي منبعيهما أما في الأماكن الأخري التي تقع علي شاطئ البحر فإن امتداد المد إليها يتوقف علي ارتفاعها وانخفاضها فحيثما استوت الأرض ازداد المد وحيثما ارتفعت قل ويقال إن المد والجزر متعلقان بالقمر فيبلغ المد أقصي مداه حين يكون القمر علي الأفقين يعني أفقي المشرق والمغرب ومن ناحية أخري حين يكون القمر في اجتماع الشمس واستقبالها يزداد الماء أي ان المد يزيد في هذه الأوقات ويعظم ارتفاعه وحين يكون القمر في التربيعات تأخذ المياه في النقصان يعني لا يكون علوها كثيرا وقت المد ولا ترتفع ارتفاعها وقت الاجتماع والاستقبال وكذلك يكون جزرها في هذه الحالة أقل هبوطا منه في وقت الاجتماع والاستقبال وبهذه الدلائل يقولون إن المد والجزر متعلقان بالقمر والله تعالي أعلم
(١٤٩)
مفاتيح البحث: نهر الفرات (1)، الوقوف (1)، الظنّ (2)، الإستحمام، الحمام (1)

صفحه 119

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٠
والأبلة التي تقع علي النهر المسمي بها مدينة عامرة وقد رأيت قصورها وأسواقها ومساجدها وأربطتها وهي من الجمال بحيث لا يمكن حدها أو وصفها والمدينة الأصلية تقع الجانب الشمالي للنهر وعلي جانبه الجنوبي يوجد من الشوارع والمساجد والأربطة والأسواق والأبنية الكبيرة ما لا يوجد أحسن منه في العالم وهذا الجانب الجنوبي يسمي شق عثمان والشط الكبير الذي هو دجلة والفرات مجتمعين والمسمي شط العرب يقع شرقي الأبلة والمدينة في الجنوب ويلتقي نهرا الأبلة ومعقل عند البصرة وقد ذكرت ذلك من قبل وصف أحياء البصرة والبصرة عشرون ناحية في كل منها كثير من القري والمزارع وهي حشان شربه بلاس عقر ميسان المقيم نهر حرب شط العرب سعد سام الجعفرية المشان الصمد الجونة الجزيرة العظمي مروت الشرير جزيرة العرش الحميدة الحويزة المنفردات ويقال انه كان من المتعذر في وقت ما أن تمر سفينة من فم نهر الأبلة لعظم عمق مائه فأمرت امرأة من أثرياء البصرة بتجهيز أربعمائة مركب وملأتها كلها بنوي التمر وأغرقتها هناك بعد أحكام سدادها فارتفع القاع وتيسر عبور السفن وفي الجملة فقد غادرنا البصرة في منتصف شوال سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (20 فبراير 1052) فركبنا الزورق وسرنا في نهر الأبلة ورأينا طوال أربعة فراسخ في اجتيازه حدائق وجواسق ومناظر لا تنقطع علي شاطئيه ويتفرع من هذا النهر ترع كل منها في سعة نهر فلما بلغنا شق عثمان وهي أمام الأبلة نزلنا وأقمنا بها وفي السابع عشر من شوال (22 فبراير) ركبنا سفينة تسمي بوصي وكان الناس الكثيرون الواقفون علي الجانبين يصيحون قائلين سلمك الله يا بوصي وقد بلغنا عبادان فنزل
(١٥٠)
مفاتيح البحث: نهر الفرات (1)، شهر شوال المكرم (2)، مدينة البصرة (4)، الوسعة (1)، الحرب (1)، التمر (1)، السفينة (2)

صفحه 120

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥١
فنزل الركاب من السفينة وتقع عبادان علي شاطئ البحر وهي كالجزيرة إذ أن الشط ينقسم هناك إلي قسمين مما يجعل بلوغها متعذرا من أي ناحية بغير عبور الماء ويقع المحيط جنوب عبادان ولذا فإن الماء يبلغ سورها وقت المد كما أنه يبتعد عنها أقل من فرسخين أثناء الجزر ويشتري بعض المسافرين الحصير من عبادان ويشتري البعض الآخر المأكولات منها وفي صباح اليوم التالي أجريت السفينة في البحر وسارت بنا شمالا وكان المد حلوا مستساغا لغاية عشرة فراسخ ذلك لأن الشط يسير كاللسان في وسط البحر ولما ارتفعت الشمس ظهر في البحر شيء يشبه العصفور الدري وكان يكبر كلما اقتربنا منه فلما واجهناه من اليسار علي مسافة فرسخ خالفت الرياح فرموا المرساة ولفوا الشراع فسألت ما هذا قالوا إنه الخشاب وصف الخشاب (المنار) يتكون من أربعة أعمدة كبيرة من خشب الساج علي هيئة المنجانيق وهو مربع قاعدته متسعة وقمته ضيقة ويرتفع عن سطح البحر أربعين ذراعا وعلي قمته حجارة وقرميد مقامة علي عمد من خشب كأنها سقف ومن فوقها أربعة عقود يقف بها الحراس ويقول البعض إن الذي بني الخشاب هذا تاجر كبير ويقول آخرون بل بناه أحد الملوك وكان الغرض منه شيئين أحدهما أنه بني في جهة ضحلة يضيق البحر عندها فإذا بلغتها سفينة كبيرة ارتطمت بالأرض ففي الليل يشعلون سراجا في زجاجة بحيث لا تطفئه الرياح وذلك حتي يراه الملاحون من بعيد فيحتاطون وينجون والثاني ليعرف الملاحون الاتجاه وليروا القرصان إن وجدوا فيتقونهم بتحويل اتجاه السفينة
(١٥١)
مفاتيح البحث: السفينة (3)

صفحه 121

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٢
ولما اجتزنا الخشاب بحيث أصبح لا يري رأينا آخر مثله ولكن ليس علي سطحه قبة لأنهم لم يستطيعوا إكماله ومن هناك بلغنا مدينة مهروبان وهي مدينة كبيرة علي شاطئ البحر الشرقي بها سوق كبير وجامع جميل ولكن ماءها من المطر وليس بها آبار أو قنوات من الماء العذب وقد اتخذ أهلها أحواضا ومصانع ليكون الماء متوفرا دائما وقد بني بها ثلاثة أربطة كل منها كأنه حصن محكم ومرتفع وقد رأيت علي منبر مسجدها الجامع اسم يعقوب بن الليث فسألت واحدا كيف كان ذلك فقال إن يعقوب بن الليث الصفار استولي علي البلاد لغاية هذه المدينة ولم يكن لأمير آخر من أمراء خراسان هذه القوة وفي الوقت الذي كنت بها كانت مهروبان ملكا لأبناء أبي كاليجار الذي كان ملك فارس ومأكولات هذه المدينة تحمل إليها من المدن والولايات الأخري إذ ليس بها شيء سوي السمك وفيها تحصل المكوس فهي ميناء وحين يسير المسافر منها جنوبا علي شاطئ البحر يبلغ توه وكازرون وقد لبثت بمهروبان زمنا لأنه قيل إن الطرق ليست آمنة لما بين أبناء أبي كاليجار من الحروب فقد كان كل منهم علي رأس جيش وكان الملك مضطربا وسمعت أن بأرجان رجلا عظيما فاضلا هو الشيخ السديد محمد بن عبد
(١٥٢)
مفاتيح البحث: محمد بن عبد (1)، خراسان (1)، السجود (1)

صفحه 122

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٣
الملك وكنت قد سئمت من كثرة ما أقمت بمروبان فكتبت له خطابا وأعلمته بحالي والتمست منه أن يرحلني من هذه المدينة إلي بلد أمين فلما أرسلت الكتاب جاءني في اليوم الثالث ثلاثون راجلا مدججون بالسلاح وقالوا قد أرسلنا الشيخ لنكون في خدمتك إلي أرجان وقد اصطحبونا آمنين إليها أرجان مدينة كبيرة بها عشرون ألف رجل وفي الجانب الشرقي منها نهر ينحدر من الجبل الذي شقت عند جانبه الشمالي أربع ترع عظيمة تتخلل المدينة وقد أنفق في إنشائها مال كثير وتسير هذه الترع إلي ما وراء أرجان وقد زرعت علي شواطئها الحدائق والبساتين وبها كثير من النحل وأشجار النارنج والترنج والزيتون وبنيت أرجان بحيث يكون ما تحت الأرض من بيوتها مساويا لما فوقها ويتخلل الماء هذه المساكن الأرضية والسراديب في جميع جهات المدينة حيث يستريح الناس في فصل الصيف والناس هناك علي مذاهب شتي وإمام المعتزلة اسمه أبو سعيد البصري وهو رجل فصيح يدعي العلم بالهندسة والحساب وقد تباحثت معه وسأل كل منا الآخر وأجابه كما سمعت منه في علمي الكلام والحساب وغيرهما غادرت أرجان في أول المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة (2 مايو 1052) وقد اتجهنا ناحية أصفهان عن طريق كوهستان فبلغنا في الطريق جبلا به شق ضيق يقول العامة إن بهرام جور شقه بسيفه ويسمونه شمشير بريد ورأينا في هذا المكان ماء متدفقا يتفجر من عين علي يميننا وينزل من مكان عال ويقول العامة إن هذا الماء يجوم تفجره في الصف أما في الشتاء فيقف ويتجمد ثم بلغنا لوردغان وبينها وبين أرجان أربعون فرسخا ولوردغان هذه هي حدود فارس ومن هناك بلغنا خان لنجان ورأيت اسم السلطان طغرل بيك مكتوبا علي بابها ومنها إلي أصفهان سبعة فراسخ ويعيش أهل خان
(١٥٣)
مفاتيح البحث: مدرسة المعتزلة (1)، مدينة إصفهان (2)

صفحه 123

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٤
لنجان آمنين هادئين كل منهم مشتغل بعمله وشؤون بيته وفي الثامن من صفر سنة أربع وأربعين وأربعمائة (10 يونيو 1052) قمنا من هناك فبلغنا مدينة أصفهان ومن البصرة إليها ثمانون ومائة فرسخ وهي مشيدة علي أرض مستوية ماؤها عذب وهواؤها عليل وحيثما حفرت الأرض عشر أذرع خرج ماء عذب بارد وللمدينة سور مرتفع حصين به بوابات ومقاتلات وعلي السور شرفات وفيها أنهار جارية وأبنية جميلة مرتفعة وفي وسطها مسجد جمعة جميل جدا ويقال إن طول سورها ثلاثة فراسخ ونصف وكلها عامرة من الداخل فلم أر بها خرابا قط وفيها أسواق كثيرة ورأيت فيها سوقا من أسواق الصرافين كان بها مائتا صراف ولكل سوق سور وبوابة محكمة وكذلك للأحياء والشوارع وأربطتها نظيفة وفي شارع اسمه كوطراز (شارع الطرازين) خمسون رباطا جميلا في كل منها تجار ومستأجرون كثيرون والقافلة التي صحبناها في الطريق كانت تحمل ثلاثمائة وألف خروار من البضائع ولما دخلنا أصفهان لم يتحر عن دخولنا أحد إذ لا تضيق أماكن السكني أو تتعذر الإقامة أو المؤن بها ولما استولي السلطان طغرل بيك أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق رحمة الله عليه علي هذه المدينة ولي عليها شابا نيسابوريا كان كاتبا مجيدا حسن الخط هادئا حسن اللقاء ولقبه الخواجة العميد كان صاحب فضل حلو الحديث كريما وكان السلطان قد أمر بأن لا يطالب الناس بشيء مدة ثلاث سنين فسار علي ذلك وأعاد المهاجرين إلي أوطانهم وكان هذا الرجل من كتاب الشوري وكان بأصفهان قبل مجيئنا قحط عظيم ولكن حين بلوغنا إياها كان الشعير قد جمع وكان المن والنصف من خبز القمح يساوي درهما عدلا وكذلك كانت ثلاثة الأمنان من الشعير وقال الناس هناك إن أحدا منهم لم ير
(١٥٤)
مفاتيح البحث: مدينة إصفهان (3)، مدينة البصرة (1)، السجود (1)

صفحه 124

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٥
إنه بيع بها بدرهم أقل من ثمانية أمنان من الخبز ولم أر قي كل البلاد التي تتكلم الفارسية مدينة أجمل ولا أكثر سكانا وعمرانا من أصفهان وقيل إنه إذا خزن بها القمح أو الشعير أو غيرهما من الحبوب مدة عشرين سنة لالم يفسد وقال البعض إن هواءها كان أحسن قبل إنشاء السور وإنه تغير بعد إنشائه بحيث تفسد بعض الأشياء أما الريف فقد ظل هواؤه كما كان وقد قمت بأصفهان عشرين يوما بسبب تأخر قيام القافلة وفي الثامن والعشرين من صفر سنة أربع وأربعين وأربعمائة (30 يونيو 1052) بلغنا قرية تسمي هيم آباد ومن هناك بلغنا قصبة نايين عن طريق الصحراء وجبل مسكيان ومن أصفهان إلي هناك ثلاثون فرسخا وقد سرنا من نايين مسافة ثلاثة وأربعين فرسخا حتي بلغنا قرية كرمة من ناحية بيابان التي بها عشر أو اثنتا عشرة وهي جهة جوها حار وبها نخيل وكانت تابعة قديما للقفص وحين بلغناها كان الأمير كليكي قد استولي عليها منهم ونصب عليها نائبا من قبله وجعل مقامه في قرية ذات قلعة تسمي بيادة وقد ضبط هذا الحاكم الولاية وجعل طرقها آمنة وإذا قطع القفص الطريق يرسل إليهم الأمير كليكي جنده فيقبضون عليهم ويستردون منهم المال ويقتلونهم وقد أصبح الطريق آمنا واستراح الناس بفضل هذا الأمير العظيم اللهم تباركت وتعاليت احفظ وانصر وأعن السلاطين العادلين وارحم المتوفين منهم وقد بنيت في هذا الطريق الصحراوي بين كل فرسخين في المواضع غير الملحة قباب صغيرة وخزانات يتجمع فيها ماء المطر وقد شيدت القباب حتي لا يضل المسافرون الطريق ولكي يأووا إليها ساعات في الحر والبرد وقد رأينا في الطريق الرمل المتحرك وكل من يتحول عن العلامات التي وضعت في الطريق للإرشاد فإنه لا يستطيع
(١٥٥)
مفاتيح البحث: مدينة إصفهان (3)، الضلال (1)، البيع (1)

صفحه 125

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٦
الخروج من وسط هذا الرمل ويهلك وبدا لنا طوال ستة فراسخ أرض ملحة متحركة يختفي فيها من ينحرف إليها عن الطريق المحدود ومن هناك ذهبنا عن طريق رباط زبيدة المسمي رباط المرامي وهو يحتوي علي خمس آبار ولولا هذا الرباط والماء الذي به لما استطاع أحد اجتياز هذه الصحراء ثم دخلنا ناحية طبس في قرية تسمي رستاباد وفي التاسع من ربيع الأول سنة أربع وأربعين وأربعمائة (9 يوليو 1052) بلغنا طبس ويقال إن بينها وبين أصفهان عشرة ومائة فرسخ وطبس مدينة مزدحمة ولو أنها تشبه القرية ماؤها قليل وزراعتها أقل وبها النخل والبساتين وتقع نيسابور علي مسيرة أربعين فرسخا منها شمالا وخبيص علي مسيرة أربعين فرسخا جنوبا في طريق الصحراء وناحية المشرق جبل صعب المرتقي وكان أميرها في ذلك الوقت كيلكي بن محمد الذي استولي عليها بالسيف والناس هناك في سلام وأمن عظيمين حتي أنهم لا يغلقون بيوتهم ليلا ويتركون البهائم في الطريق مع أن المدينة غير مسورة ولا تجرؤ امرأة علي الكلام مع شخص أجنبي عنها فإذا فعلت قتل الاثنان وكذلك لا سرقة ولا قتل بفضل حزم الأمير وعدله وقد رأيت الأمن والعدل فيما رأيت من بلاد العرب والعجم في أربعة مواضع الأول بالدشت أيام لشكر خان والثاني في الديلم أيام أمير الأمراء جستان بن إبراهيم والثالث بمصر أيام المستنصر بالله أمير المؤمنين والرابع بطبس أيام الأمير أبي الحسن كيلكي بن محمد فلم أسمع علي كثرة ما سافرت بمثل ما في هذه الجهات من الأمن ولم أره وقد استبقانا الأمير رضي الله عنه سبعة عشر يوما بطبس و أضافنا وأمر لنا بصلات وقت الرحيل معتذرا عن ضآلتها وأرسل معنا أحد فرسانه
(١٥٦)
مفاتيح البحث: مدينة إصفهان (1)، شهر ربيع الأول (1)، القتل (2)

صفحه 126

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٧
حتي زوزن التي تقع علي مسيرة اثنين وسبعين فرسخا وبعد اثني عشر فرسخا من قيامنا من طبس بلغنا قصبة تسمي الرقة بها مياه جارية وزرع وبساتين وأشجار وحصن ومسجد جمعة وقري ومزارع كبيرة وفي التاسع من ربيع الآخر (8 أغسطس) غادرنا الرقة وفي الثاني عشر من هذا الشهر بلغنا تون وبينهما عشرون فرسخا وتون مدينة كبيرة ولكن معظمها كان خرابا حين رأيتها وهي علي حافة واد به الماء الجاري والقنوات وفي جانبها الشرقي بساتين كثيرة ولها حصن محكم وقيل إنه كان بها أربعمائة مصنع للسجاد وفي المدينة كثير من شجر الفستق في بساتين المنازل ويعتقد سكان بلخ وطخارستان أن الفستق لا ينبت ولا ينمو إلا علي الجبال ولما رحلنا من تون حكي لي الرجل الذي بعثه معنا الأمير كيلكي فقال كنا ذاهبين ذات مرة من تون إلي كنايد فخرج علينا اللصوص وتغلبوا علينا فألقي بعضنا من الخوف بنفسه في بئر تجري تحت الأرض وكان لواحد من هؤلاء والد شفوق فجاء واستأجر رجلا لينزل إلي البئر ويخرج ولده منها واستعان الجماعة بكل ما لديهم من الحبال وأتي رجال كثيرون ونزل الرجل مسافة سبعمائة ذراع حتي بلغ القاع وربط الولد بالحبل وجروه ميتا وقد قال الرجل حين طلع من البئر إن بها ماء عظيما يتدفق جاريا تحت الأرض مسافة أربع فراسخ ويقال إن كيخسرو هو الذي أمر بحفرها وفي الثالث والعشرين من شوال (23 أغسطس) بلغنا مدينة قاين وبينها وبين تون ثمانية عشر فرسخا تجتازها القافلة في أربعة أيام وهي مسافة شاقة وقاين مدينة كبيرة حصينة حولها خندق وبها مسجد جمعة به مقصورة عليها عقد عظيم لم أر أكبر منه في خراسان وهو غير متناسب مع حجم المسجد وعلي جميع بيوت المدينة قباب وزوزن علي مسيرة ثمانية
(١٥٧)
مفاتيح البحث: شهر شوال المكرم (1)، شهر ربيع الثاني (1)، خراسان (1)، السجود (3)، الخوف (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الجماعة (1)

صفحه 127

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٨
عشر فرسخا من الجانب الشرقي الشمالي لقاين ومنها جنوبا إلي هراة ثلاثون فرسخا ورأيت بقاين رجلا اسمه أبو منصور محمد بن دوست ملم بكل علم من طب وفلك ومنطق فسألني أي شيء خارج هذه الأفلاك والأنجم قلت يسمي شيئا ما يكون داخل الأفلاك أما ما وراءها فلا يجوز أن يسمي شيئا فقال ما وراء السماوات معنوي أم مادي قلت لا جدال أن العلم محدود وحده فلك الأفلاك والحد ما يقصل فلكا عما عداه فإذا علم هذا وجب أن يكون ما وراء الأفلاك مخالفا لما في داخلها قال هذا المعني الذي يثبته العقل هل له نهاية من هذه الناحية إن كانت له نهاية فأين وإن كان لا نهاية له فكيف يقبل الللامتناهي الفناء وتكلمنا زمنا علي هذا النحو فقال أنا كثير الحيرة من هذا فقلت ومن لا يحار فيه وعلي كل حال فقد لبثنا بقاين شهرا بسبب ثورة كانت في زوزون أثارها عبيد النيسابوري ولتمرد رئيس زوزن وقد أرجعت من هناك الفارس الذي بعثه معنا الأمير كيلكي وخرجنا من قاين قاصدين سرخس فبلغناها في الثاني من جمادي الآخرة (أول أكتوبر) وقدرت من البصرة إلي سرخس تسعين وثلاثمائة فرسخ وقد غادرنا سرخس عن طريق الرباط الجعفري والرباط العمري والرباط النعمتي وهي ثلاثة أربطة متقاربة علي الطريق وفي الثاني عشر من جمادي الآخر بلغنا مدينة مرو الرود وخرجنا منها بعد يومين وتبعنا طريق آب كرم وفي التاسع عشر بلغنا فارياب بعد ان سرنا ستة وثلاثين فرسخا وكان أمير خراسان جعفري بيك أبو سليمان داود ابن ميكائيل بن سلجوق في شبورغان وكان يقصد الذهاب إلي دار ملكه مرو وقد اتبعنا طريق سنكلان بسبب الثورات ثم اتجهنا ناحية بلخ عن طريق سه دره فلما بلغنا رباطها سمعنا أن أخي أبا الفتح عبد الجليل كان في حاشية وزير أمير خراسان المسمي أبا نصر وقد مضي علي خروجنا من خراسان سبعة أعوام فلما بلغنا دستكرد رأينا أمتعة تنقل إلي شبورغان فسأل أخي الذي كان معي لمن هذه فقيل له
(١٥٨)
مفاتيح البحث: شهر جمادي الثانية (1)، مدينة البصرة (1)، خراسان (3)، البعث، الإنبعاث (1)، الجواز (1)

صفحه 128

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٥٩
إنها لهذا الوزير فسألهم هل تعرفون أبا الفتح عبد الجليل فقالوا إنه كان معنا ثم اقترب منا خادم وسألنا من أين أتيتم فقلنا من الحج قال إن لسيدي أبي الفتح عبد الجليل أخوين ذهبا للحج منذ سنوات وهو دائم الشوق إليهما وكلما سأل عنهما أحد لا يدله قال أخي إنا نحمل من ناصر كتابا فحين يصل سيدك نسلمه إياه وبعد قليل سارت القافلة وسرنا معها فقال هذا الخادم إن سيدي يصل الآن فإذا لم يجدكما يضيق صدره فإذا أعطيتماني الكتاب لأسلمه له يسر به فقال له أخي أتريد خطاب ناصر أم ناصرا نفسه هذا هو ناصر ففرح الخادم ولم يعرف ماذا يفعل وسرنا نحن إلي بلخ عن طريق ميان روستا وقد جاء أخي الخواجة أبو الفتح عبد الجليل إلي دسنكرد عن طريق الصحراء وكان ذاهبا مع الوزير إلي أمير خراسان فلما سمع بأمرنا عاد من دستكرد وانتظرنا علي رأس قنطرة جموكيان إلي أن وصلنا وكان هذا في يوم السبت السادس والعشرين من جمادي الآخر سنة أربع وأربعين وأربعمائة (26 أكتوبر 1052) وقد التقينا وفرحنا باللقاء وشكرنا الله سبحانه وتعالي وذلك بعد أن فقدنا الأمل في اللقاء وبعد أن تعرضنا للتهلكة مرات حتي يئسنا من الحياة وفي هذا التاريخ نفسه بلغنا بلخ فقلت هذه الأبيات الثلاثة في هذا المقام * فإن يكن تعب الدنيا وعناءها طويلين فشرها وخيرها لا محالة منتهيان * إن الفلك يتحرك من أجلنا ليل نهار وكلما راح منا واحد تلاه آخر * إنا نروح ونغدو في الحياة إلي أن تحين الروحة التي لا عودة منها * وتبلغ المسافة التي قطعناها من بلخ إلي مصر ومن مصر إلي مكة ومنها إلي فارس عن طريق البصرة ثم إلي بلخ عدا الأطراف التي زرناها في الطريق ألفين ومائتين وعشرين فرسخا
(١٥٩)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة البصرة (1)، خراسان (1)، الحج (2)

صفحه 129

سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١٦٠
وقد وصفت بأمانة ما رأيت في رحلتي وأما ما سمعته وكان عليه اعتراض فلا ينسبه القراء إلي ولا يؤاخذوني أو يلوموني عليه وإن وفقني الله سبحانه وتعالي وسافرت إلي المشرق فسأضم وصف ما أشاهده هناك إلي هذه الرحلة إن شاء الله تعالي وحده العزيز والحمد لله رب العالمين والصلاة علي محمد وآله وصحبه أجمعين
(١٦٠)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)، العزّة (1)

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.