وثائق و اعترافات البهائيين

اشارة

تأليف: عاطف عبدالغني
في البداية... كلام يجب ان يقال
بسم الله الرحمن الرحيم (و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون) صدق الله العظيم نحن لا نطارد عدوا خفيا اسمه البهائية والبهائيون و لكنه هو هذا العدو الذي يطاردنا!! والبهائية عدو، و يقف وراءها عدو أكثر خطورة و أكبر شرا، و ليس الاستعمار الغربي أو الصهيوني فقط ما أقصد، و لكن هناك عدو آخر، قوي شيطانية تريد أن تقود العالم الي هدف محدد يحقق أهدافها، و هو انشاء الحكومة العالمية. يريد أن يسلم لها كل أتباع الأديان و يتبعوا عقيدتها التي لا تؤمن بالله، و تريد أن تتخلي الجيوش عن أسلحتها و تكف عن المقاومة، تحت دعوي نشر السلام العالمي، حتي يسهل علي جيشها اقتحام البلدان و حكم أهلها مثل قطعان الماشية، و انطلاقا الي هذا الهدف تريد أن تفوض أسس الأديان السماوية تحت دعوي نبذ الاختلاف و الفرقة، و نحن المسلمين نؤمن أن الاختلاف سنة الله في الأرض (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة وحدة) و نحن نقول الاختلاف، و ليس الفرفة و التناحر و البغضاء و الحروب. [ صفحه 6] أما الأديان التي تشكو من أنها مستهدفة بهذه الحرب و هذا العدو فهي المسيحية والاسلام، فنحن لم نسمع عن طائفة دينية خرجت (حديثا) عن اليهودية لتحاربها، و لكن سمعنا و قرأنا و عرفنا شهود يهوه والأدفندست (السبتيون) الذين خرجوا علي المسيحية، و دعيا الي الحكومة العالمية التي تحكم العالم ألف سنة (عقيدة الأنفية) تحت راية المسيح، و هي فكرة يهودية لحمة و سدي تروج لمملكة اليهود الدينية، التي سوف تعبد لليهود أمجاد المملكة القديمة؛ مملكة داود و سليمان (سلام الله عليهما)، مع التوضيح الواجب هنا و هو أن داود و سليمان لم يكونا يهوديين، لا بالمعني الذي يتطرق اليه الذهن اليوم عن اليهود و لا بالحقيقة، لأن الدين الذي دعا اليه نبيا الله داود و ابنه سليمان سلام الله عليهما ليس هو اليهودية التي نعرفها اليوم، و لم يكن أتباعهما في هذا التاريخ يطلق عليهم يهودا. و اذا كان طائفتا شهود يهوه والأدفندست قد قصد بهما طعن جسد المسيحية، فقد قصد بالبهائية طعن الاسلام، لكن الغريب أن كثيرين من المسيحيين يعتنقون البهائية و ينضمون اليها، و أن انتشارها و ذيوعها النسبي أكبر في البلاد المسيحية الغربية، لكنها أيضا تبشر مثلها مثل شهود يهوه و غيرهما من الطوائف، و ما يطلق عليها الأديان الجديدة في المجتمعات التي لا تحتمي بغطاء ديني قوي، سواء أكالت مجتمعات غير متماسكة (مجتمعات يكثر فيها المهاجرون)، أو مجتمعات الفترة (حسب التعبير الاسلامي) التي لم تصلها رسالات السماء و تكتفي بالأفكار الفطرية الساذجة، والأعراف و التقاليد بديلا عن رسالات السماء. و تعود الي البهائية لنتابع حركتها منذ مؤسسيها الأولين الذين لم يسلموا من الصراع علي الزعامة، والاتهامات بالقتل والحرب داخل أسرة [ صفحه 7] البهاء المؤسس للحركة و الي اليوم، و مرورا بعلاقتها بالمستعمر الغربي ايان احتلاله بلاد المشرق، و انتهاء بالحركة الصهيونية و دولة اسرائيل، و نسأل أنفسنا و نسأل البهائيين؛ ماذا حققتم الي اليوم؟ هل اكتفيتم بدعوتكم للسلام العالمي؟ و هل المسيحية والاسلام لا يدعو ان لأكثر مما تدعو اليه البهائية؟! هل تدعون الي انشاء قوي عالمية تجمع الساسيين؟ و هل نجحت الأمم المتحدة في جمع السياسيين، أو وقف ظلم المعتدي القوي علي الضحية الضعيفة؟! هل تريدون انشاء جيش عالمي ليفض المنازعات؟!... لمن اذن يكون قيادة هذا الجيش؟ للمنظمة العالمية أو لكم مثلا علي اعتبار أنكم الذين تدعون الي السلام؟ ليكن، قمن أين تضمن ألا تتحول دعوتكم الي ديكتاتورية البهائية والبهائيين، فتجبروا الناس عدوة علي اتباع مذهبكم والتصديق بالبهاء رسولا و تبيا و ربا كما تدعون؟! أفلا ترون أنها أفكار ساذجة لا تقود الا الي دروب مهلكة؟! يقف وراءها أصحاب مصالح يمولون هذه الأفكار و ينفخون فيها و يحاولون أن يدفعوا البهائيين - و خاصة في الدول الاسلامية وبالتحديد مصر قلب العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، و قبلة الثقافة العربية و عمودها الفقري لكسب أرض علي المستوي الرسمي، كأن تعترف بهم الدولة تمهيدا لخطوة أخري و هي التبشير، بدون خوف من المساءلة القانونية أو الملاحقة القضائية، أو علي الأقل المضايقة الأمنية. و هذا يذكرني بزميل لي في العمل كان يحرص علي أن يبدي لي صداقته رغم فارق العمر الذي بيننا، أنا أقول كان لأنه الأن في ذمة الله و أنا في حل من أن أذكر اسمه أو صفته سترا عليه في المقام الأول، ثم انه للحقيقة لم يصرح لي أبدا أنه يعتنق البهائية علي الرغم من أن كلامه [ صفحه 8] و أفكاره - بل و أفعاله كلها - كانت تشير الي ذلك، فقد كان يؤمن بالأديان الكتابية الثلاثة (الاسلام والمسيحية واليهودية) علي اعتبار أن مصدرها واحد، و أننا - نحن المسلمين - نسي‌ء فهم الأديان الأخري فنسي‌ء الحكم عليها، و كان يحفظ آيات من القرآن و أعدادا من الانجيل والتوراة، و كان يدافع بشدة عن معتقد التثليث و يشرحه علي أنه الوحدانية بعينه، و كان يسرف في استخدام الرموز المسيحية، و هو المسلم؟! و كان يتحدث في فكرة الحلول والاتحاد و يحاول أن يوضحها لي بأمثلة ساذجة من عينة أن الضوء الصادر عن اللمبة، ليس هو اللمبة لكنه جزء منها!! و كان لا يؤمن بالحساب في الآخرة، و أن الجنة والنار علي الأرض؟! هذه العقيدة التي تشبه فكرة (الكرما) أو عاقبة الأعمال في الفلسفات الصينية والهندية، و أعطاتي كتابا لأدرسه عن فلسفة التاو التي وضعها فيلسوف صعيني اسمه «لاوتز» (ظهر في القرن السابع قبل الميلاد). فحولها أتباعه الي دين يدعو الي أن أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض تخضع لقانون سماوي أعظم ليس متعاليا علي الموجودات بل هو فيها نفسه، و يدعو أيضا في مبدئه الثاني الي الاستقبال؛ أي أن الأشياء تستقبل حياتها و نشاطها و شكلها و لونها بفضل الاستقبال الذي هو شي‌ء أقرب الي مبدأ وحدة الوجود أو وحدة الخالق والمخلوق (نذكركم بمثال اللمبة). و نعود الي زميلي الذي كان ينشد صداقتي و يحاول أن يقنعني بأرائه الغريبة تلك، و فلسفاته التي كنت أري أنها معوجة، و تأويلاته لبعض معاني و آيات القرآن التي كنت أري فيها شططا، و هرويه من أداء الصلوات - رغم حرصه علي ارتياد المزارات و خاصة آل البيت - و كان في هروبه [ صفحه 9] هذا يدعي أشياء كثيرة منها مثلا المرض؛ (أخشي أن أسجد بسبب الجراحة التي أجريتها للمياه البيضاء في عيني)، و شي‌ء من هذا القبيل. كانت هذه هي أفكار زميلي التي تتسم بالفوضي المنظمة، والتي يكتتفها نسق قد يجذب غير المؤهل أو الذي في نفسه مرض أو في عقله شذوذ، و كنت أجادله - فيما يقوله - الجدال الحسن، و أدعوه الي الاحتفاظ بآرائه و تركي علي ما أعتقد، و لم يكن يزيد لأنه كان - كما قلت - حريصنا علي أن يصادفني لأسباب علمها عندالله - لكن الشي‌ء الأهم في هذه الحكاية أن هذا الزميل - كما عرفت من كلامه - كان في شبابه يعاني من التيهان، و كان يبحث عن الحقيقة، لم يكفه ما بين يديه و لكن طمعه قاده الي البحث عن المزيد دون تحصين من النفس الخبيثة، فقادته المشيئة الالهية الي ما أراد!! و هو نفس الفخ الذي يسقط فيه الكثيرون الباحثون عن الحقيقة والخلاص و هما بين أيديهم، و نحن هنا نتحدث عن ضحايا مغرر بهم لا عملاء لا يؤمنون باله أو دين و يدركون جيدا ما يفعلون طمعا في مغنم دنيوي. [ صفحه 13]

كان المجتمع يرفضهم... فماذا حدث؟!

هل هناك جديد في قصة البهائية؟!

نعم هناك جديد، فالبهائية ليست مجرد القصة القديمة والمعادة عن شخص مريض نفسيا ادعي أنه المهدي أو نبي، أو أنه بهاء الله أو مظهر من مظاهر تجلياته، أو أنه هو نفسه ذات الاله (حتي لو نفي أتباعه أنه ادعي الألوهية). أو ما الي ذلك من خرافات أخرجوها في مظهر من القداسة و طعموها بمبادي‌ء انسانية، أو ما الي ذلك مما سنناقشه لاحقا. أما الجديد فهو أن البهائية لا تنثني - عبر أتباعها و عملائها - تطل علينا بوجهها القبيح سافرة، تريد أن تعلن عن نفسها كأمر واقع و كدين معترف به من قبل الدولة و رغم أنف الجميع و هي في هذا - الآن - تستقوي بقوي سافرة سافلة و منظمات مشبوهة في الخارج، و أدعياء للحقوق مغرر بعقولهم في الداخل، يرفعون شعارات حرية العقيدة و حق الانسان في أن يعتقد ما يشاء، في ذات الوقت الذي يحاربون فيه الاسلام حربا سعواء علي اعتبار أن أفكاره هي من أسباب تخلف الأمة!! يريدون أن يتشبهوا في ذلك بالغرب الذي انفصل عن الكنيسة فتقدم و هم بذلك كالذي يري نصف الحقيقة و يتغافل عن نصفها الأخر، يرون [ صفحه 14] نصف الحقيقة لأن السلطان الكتسي الذي كان يهيمن علي الدين في الغرب لا نظير له في الاسلام، و يرون التقدم المادي الذي حققه الغرب، و لا يرون التأخر والفراغ الروحي الذي يعاني منه، و يدفعه الآن الي تسول الحقيقة والاله من فلسفات الشرق الأدني والمذاهب الصوفية المنحرفة الأسطورية المشركة، و ذهب بهم الابتعاد بالدين الي الابتعاد عن حكمة الله في الكون و عماره، تلك الحكمة التي أوضحتها الشرائع السماوية، و لكن العلمائيين والذين يرفعون شعارات التقدم والرقي بعيدا عن الدين أسقطوها في اندفاعهم نحو التحرر، فأصبحنا نري من مظاهر هذا التحرر ممارسات تصل في شذوذها الي زواج الرجل بالرجل في تحد صريح لحكمة الله في خلقه كما نفهمها و نعرفها في الاسلام، و قياسا علي هذا اذا نظرنا الي البهائية علي أنها حرية اعتقاد و أقررنا بهذا فنحن نقر بحرية الفوضي، و نقر بازدراء الأديان السماوية، و نقر بحرية الكفر، بل و نعين علي نشر هذه الجريمة، فنتعدي بذلك علي حرية الأخرين في الايمان الصحيح، و هل هناك شك في أن البهائية كفر؟! ليست كفرا فقط، و لكنها ارتداد عن الاسلام، والمسلم الذي يعتنقها يجب أن تطبق عليه حدود الله في هذا الأمر، و هناك فتوي صادرة عن لجنة الفتوي بالأزهر الشريف برئاسة الامام عبدالمجيد سليم في هذا الأمر بتاريخ 23 سبتمبر 1947، و علي هذه الفتوي استند القضاء المصري في رفض اعلان صحة عقد زواج ثم علي أحكام البهائية، والقصة كما ترويها وثائقها نبدأ فصولها بأن هذا البهائي الذي حاول توثيق عقد زواجه علي الأحكام البهائية، و كان قد تم في المحفل الروحاني للبهائيين بالاسماعيلية بتاريخ مارس 1947 في شهر العلا (البهائي) لسنة 103 بهائية، وتم [ صفحه 15] رفض هذا العقد، فلجأ البهائي لحيلة أخري بأن تقدم الي الجهة التي يعمل بها، و هي مصلحة السكة الحديد يطلب منح علاوة الزواج و أرفق بطلبه صورة من عقد زواجه (البهائي)، و بالطبع لفت نظر المسئولين في الهيئة هذا العقد و لا بد أنهم وقفوا حياري أمامه، لكن الأمر لم يطل و اتفقوا علي رفعه الي المستشار القضائي للوزارة، فأرسله الأخير الي مفتي الديار المصرية الامام عبدالمجيد سليم فأفتي ببطلان الزواج والتوريث، و أضاف في حيثيات هذه الفتوي ان من اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلما اعتبر مرتدا عن الاسلام تجري عليه أحكام المرتدين، و زواجه بمحفل البهائيين باطل شرعا... و قد سبق الافتاء بكفر البهائيين و معاملتهم معاملة المرتدين. لكن موظف السكة الحديد الذي كان يستفوي باعتراف المحتل الانجليزي بالبهائية، في هذا التاريخ حين سمحت لهم المحاكم المختلطة بانشاء محفل بالاسماعيلية، نقول ان هذا الموظف لم تردعه الفتوي، فحرك دعوي ضد المصلحة التي يعمل بها في مجلس الدولة و وكل عنه اثنين من كبار المحامين، و استمرت القضية منظورة أمام القضاء الاداري لمدة عامين كاملين و انتهت المحكمة في حكمها الي الآتي: ان أحكام الردة في شأن البهائيين واجبة التطبيق جملة و تفصيلا بأصولها و فروعها، و لا يغير من هذا النظر كون قانون العقوبات الحالي (في تاريخ نظر الدعوي) لا ينص علي اعدام المرتد، فليتحمل المرتد علي الأقل بطلان زواجه، و ذيلت المحكمة حكمها السابق بتوصية شددة أهابت فيها بالحكومة المصرية أن تأخذ للأمر أهبته حتي تقضي علي الفتنة في مهدها، و قالت بالنص: «لأن تلك المذاهب العصرية مهما تسللت في رفق [ صفحه 16] و هوادة و في غفلة من الجميع، متخذة من التشدق بالحرية والسلام و من تمجيدها لبعض الأنبياء سترا لما تخفيه من زيغ و ضلال، فانها لن تلبث أن ينكشف سترها، و قد تكون استمالت اليها كثيرين من الجهلة والسذج، و هناك تتور نفوس المؤمنين حفظا لدينهم و استجابة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، و تكون هي الفتنة بعينها التي قصد الدستور الي وقاية النظام العام من شرورها». و هذه الديباجة الحاسمة التي ذيل بها القضاء منطوق حكمه في هذه القضية يوضح أن هذا الأمر في هذا التاريخ يتفق مع روح الدستور المصري. كان هذا هو أول حكم قضائي صد البهائية، لكن الفتوي الدينية التي استند اليها لم تكن الأولي، فقد سبقتها فتوي شيخ الأزهر سليم البشري التي صدرت عام، 191 تحذر من خطر البهائيين علي العقيدة و علي النظام الأساسي للدولة، و تدمغ كل من يعتنق البهائية بدوافع الكفر الصريح، و بين الحين والآخر كانت تثور قضية البهائية والبهائيين، فيسأل الناس عنها أو الجهات الرسمية و تصدر فتاوي كلها تتفق في مضمونها مع ما سبق، و هناك عشرات الفتاوي بهذا المعني منذ هذا التاريخ المبكر خلال القرن العشرين، و حتي فتوي شيخ الأزهر التي صدرت في شهر مايو - عام صدور هذا الكتاب 2006 م - نقول نفس المعني و نفس الحكم علي البهائية. و خلال هذا التاريخ و نحن نحاول أن ترصد حركة البهائية، و رغم هذه الاعلانات والفتاوي التي تقرر أنها عقيدة منحرفة الي درجة الكفر بالله، الا أن البهائيين لم يكلوا أو يملوا بمجرد أن يتصوروا أن الفرصة سانحة في القيام بمحاولات لاعلان أنفسهم يشكل رسمي، عبر أوراق هوية رسمية [ صفحه 17] كخطوة أولي للاعتراف بهم، فبعد مضي ما يزيد قليلا علي العشرين عاما علي قضية موظف السكة الحديد الذي حاول توثيق عقد زواجه، تقدم أحد المحامين الي مكتب توثيق القاهرة بطلب توثيق ثلاثة عقود للزواج، موكلا في هذا عن أصحاب العقود البهائية، و استنادا الي المادة الثالثة من قانون التوثيق الخاص بغير المسلمين، و كان رد وزارة الداخلية علي الطلبات الثلاثة بالرفض، استنادا الي أن الحكومة المصرية لا تعترف بالبهائية كطائفة دينية. [1] . و لما فشلت حيلة توثيق عقود الزواج، فكر البهائيون والقائمون علي أمرهم في مصر في استخراج أوراق ظنوا أنها أقل لفتا للنظر من عقود الزواج، و عليه تقدم محاميهم بطلب توثيق دار للنشر والطباعة باسم (المؤسسة البهائية للطبع والنشر)، و رفع أمر هذا الطلب الي مجلس الدولة ليحصلوا علي حكم قضائي بالموافقة، لكن خاب مسعاهم هذا أيضا و كان القضاء من الاستتارة و حسن الادراك بحيث نص في حكمه ليس فقط علي أساتيد الرفض، و لكن فند أسبابه الجوهرية حين قال: و بعد أن تبين أن تعاليم الطائفة البهائية كما هو ظاهر من كتبها، و ما استظهرته محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة في حكم سابق من أنها ترمي الي بث عقائد فاسدة تناقض أصول الدين الاسلامي، و ترمي الي تشكيك المسلمين في كتابهم و في نبيهم عليه الصلاة والسلام، و من حيث ان محاولة نشر هذه العقائد الفاسدة و تعاليمها في بلد دينه الرسمي الاسلام، و ما يترتب علي ذلك من تكدير للسلم العام و اثارة المسلمين مما يدفع أغراض هذه المؤسسة بعدم [ صفحه 18] مشروعيتها، و استنادا الي ما بينته وزارة الداخلية بأنها لا تعترف بالطائفة المذكورة طائفة دينية. لكن يبدو أن الله أعمي أبصار أصحاب الفئتة، أو أرادت مشيئته أمرا كان غائبا عن البهائيين حين أغواهم الشيطان و بعد هذا الرفض بشهر واحد أن يحركوا دعوي أخري بصفة أخري ضد وزارة الداخلية، يطلب فيها أحد البهائيين منحه الجنسية المصرية بصفته الدينية، هذا الأمر الذي ترفضه الدولة و نظامها العام. و مع توالي النشر والجدل في الصحافة والمجتمع حول هذه القضايا، و ظهور طفح البهائية علي سطح جلد المجتمع، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارا بقانون رقم (263) لسنة 1960 بحل المحافل البهائية، و حظر نشاطها، و مصادرة جميع مقارها، و تسليم المحفل الرئيسي لها و مقره العباسية بالقاهرة الي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم. و بصدور القانون رقم 262 عن رغبة مجتمعية، و ادراكا من أعلي سلطة في الدولة لخطورة هذا النشاط العلني الممثل في المحفل البهائي والذي كان قد بدأ في مصر مع بداية القرن العشرين، حين كلف زعيم الطائفة عباس عبدالبهاء (ابن المؤسس الأول للبهائية) رجلا اسمه أبوالفضل بالقدوم الي مصر و نشر الدعوة فيها، فأقام الأخير في القاهرة و نشر عدة مقالات عن البهائية في الصحف المصرية، و قبل الحرب العالمية الأولي جاء الي مصر عباس بن عبدالبهاء زعيم الطائفة بنفسه و أقام في الاسكندرية التي كانت تضم أكبر تجمع لليهود في مصر، و بالطبع كانت مهمته الأولي وضع بذور البهائية في تربة المجتمع المصري و صفوته، مستعينا في ذلك بالمحتل البريطاني الذي منحه و سام فرسان الامبراطورية [ صفحه 19] لجهوده في دعم بريطانيا في مواجهة الدولة العثمانية التي كانت تمثل في هذا التاريخ الخلافة الاسلامية، لكن البهائيين استطاعوا بعد عدة سنين من زيارة البهاء تسجيل محفلهم الروحاني المركزي بناء علي قانون المحاكم المختلطة و ذلك بتاريخ 26 / 12 / 1934، و في ملتصف الخمسينيات صار للبهائيين أربعة محافل علنية في القاهرة والاسكندرية و طنطا و سوهاج يمارسون فيها طقوسهم البهائية،و قبل حظر نشاطهم العلني كان لهم 126 مجلسا روحيا في 26 مدينة [2] ، لكن محافل البهائيين كانت كلها مستندة علي حكم المحكمة المختلطة، و لم تعترف بها أبدا الحكومة المصرية و لا القضاء حتي تم حلها. أما و قد أغلقت الدولة محافل و مجالس البهائيين و جرمت بحكم القانون نشاطهم العلني، فقد نقلوا هذا النشاط الي الغرف المغلقة، لكن السلطات ظلت تطاردهم فضبطت سنة 1972، تنظيما سريا لهم، وثم احالة 93 متهما منهم الي المحاكمة في القضية رقم 118 لسنة 1972 و التي اشتهرت بقضية طنطا، و لم يجد البهائيون - لا في هذه القضية أو في القضية التي ثلثها - بدا من الاعتراف بعقيدتهم البهائية و انكار مناهضتهم للنظام العام أو التبشير بأفكار منحرفة ضالة أو متطرفة، و هي نفس الدفوع التي رددها المتهمون البهائيون في معرض الدفاع عن أنفسهم في القضية رقم 2266 جنح قصر النيل، والتي شملت عريضة الاتهام فيها عشرة رجال و امرأتين، و قبل أن نحكي قصتهم يستحق أن نعرف قصة أشهر بهائي مصري [ صفحه 23] اشهر بهائي مصري!
في شهر فبراير 1985 ضبطت مباحث أمن الدولة تنظيما بهائيا و قد ثم التحقيق في نيابة أمن الدولة مع ستة عشر رجلا و امرأتين، و تم تقديمهم للمحاكمة (ما عدا زعيم التنظيم و أربعة آخرين تم الافراج عنهم)، و أخذت القضية رقم (2266) لسنة 1985 جنح قصر النبيل، و بمجرد الاعلان عن هذا التنظيم ثار صخب و ضجيج في المجتمع و في وسائل الاعلام المصرية والعربية لسببين: أما السبب الأول فهو أن ملف البهائية الذي كان قد أغلق منذ 13 عاما بعد الحكم في القضية التي اشتهرت بقضية طنطا سنة 1972، عاد هذا الملف يفتح من جديد، فبدا الأمر و كأن هناك شخص ميتا يفتح باب القبر بعد أن انصرف أهله عنه، و يخرج ماشيا علي قدميه! والسبب الثاني والأهم هو أنه كان هناك شخصية شبه عامة علي رأس هذا التنظيم، و هو الرسام والصحفي حسين بيكار، والذي أفرج عنه و لم يقدم للمحاكمة هو و أربعة آخرون، لكن محاكمة مجتمعية عقدت لبيكار تولتها عن الناس الصحافة، فماذا قال بيكار؟! و ما الذي أدلي به من اعترافات في غرفة التحقيقات بنيابة أمن الدولة العليا؟! [ صفحه 24] في نقر نيابة أمن الدولة العليا بمدينة نصر قال حسين بيكار عندما سئل عن البهائية: هي عبارة عن ديانة مستقلة مثل ديانة الاسلام والمسيحية واليهودية و مثل كل الديانات الأخري، أو هي جوهر و حقيقة كل هذه الديانات؛ فهي حلقة من سلسلة الرسالات السماوية بدءا من آدم عليه‌السلام الي أن يشاء الله، و لم تختلف رسالة عن أخري في هذه المبادي‌ء الأساسية، انما الاختلاف في العبادات والتشريعات، والبهائية جاءت لتنسخ ما قبلها من رسالات و هي رسالة سماوية تنتظرها جميع الأديان؛ فاليهود ينتظرون «جبسيه»، والنصاري ينتظرون عودة المسيح، والمسلمون ينتظرون «المهدي المنتظر»، والبهائية هي التي ينتظرها هذا العصر، بدأت عام 1844 ميلادية علي يد «علي محمد»، و نسميه «الباب» أي الشخص المؤدي الي الله، و قد بشر بمجي‌ء موعود آخر يظهره الله ليضع أساس الديانة الجديدة التي تكمل الديانات السابقة، و يسير العالم عليها الي أن يجي‌ء آخر يبشر، و قد جاء ابنه حسين و أطلق علي نفسه «بهاء الله»، و قد أعدم الباب نبي هذا الزمان في ايران بمجرد اعلان دعوته و اتهام علماء المسلمين له بأنه جاء ليهدم الاسلام، و نحن نعتبره رسول العصر الذي أتي ليصحح المفاهيم العقائدية في مختلف الطوائف، و لذلك نسبت اليه البهائية باعتبارها ديانة عالمية، و من طعن البلاد التي طبقت فيها مصر منذ 100 سنة، حيث كان يوجد مجتمع بهائي، و سجلت بالمحاكم المختلطة و كان مقرها بحظيرة القدس بالعباسية، الي أن صدر القانون رقم (623) لسنة 1960 يحظر نشاط المحافل البهائية في مصر و مصادرة جميع أملاكها و وقف نشاطها.» [ صفحه 25] و اذا ما توقفنا هنا للحظات و أعدنا قراءة أقوال بيكار التي سجلتها النيابة و حولناها الي عناوين رئيسية فسوف تلاحظ التناقض الآتي: - البهائية ديانة مستقلة. - البهائية تنسخ ما قبلها من ديانات. - البهائية تكمل ما قبلها من ديانات. - الباب جاء يبشر بالمنتظر. - كل دين لديه من ينتظره. - الباب نبي هذا الزمان. - الباب جاء ليعمم المفاهيم العقائدية في مختلف الطوائف. أما أن البهائية ديانة مستقلة فهذا تبجح واضح من البهائيين، لأننا يمكن أن نسألهم: ما هو الجديد الذي جاءت به هذه الديانة؟! و أما أنها تنسخ ما قبلها فهذا ما ينكره البهائيون كثيرا، بل أنكره بيكار نفسه حين قال انها تكمل ما قبلها لا تنسخ، و في وصفه لمؤسس الطائفة (الباب) قدمه مرة علي أنه جاء يبشر بالمنتظر، و مرة علي أن هناك في كل دين من ينتظر مثل الباب، و أنه نبي هذا الزمان!! فهل جاء الباب بالدين؟ أم أن الدين هو الذي جاء بالباب؟! و اذا كان البهائيون يؤمنون بأن كل دين لديه عقيدة في شخص منتظر، فلماذا يجب أن نصدق أن الباب أو البهاء - أو أيهما - هو المنتظر الحق الذي سوف يرفع الظلم عن العالم؟!! ما هذا؟! و لنعود الي قصة السيد بيكار: [ صفحه 26] قال بيكار في تحقيقات النيابة انه انتخب عضوا في المحفل المركزي ثم صار نائبا لرئيس المحفل المركزي المصري السوداني و شمال افريقيا الي أن منع نشاط البهائية في عام 1960، و كان لا بد أن يعقدوا محفلهم فحولوها الي زيارات بينهم كأصحاب عقيدة، و كان طبيعيا أن نتزوج (بيكار هو الذي يقول) من بعضنا دون النظر الي الديانة، و كنا نقرأ المناجاة الخاصة بالبهائيين؛ و هي عبارة عن الأدعية التي نزلها حضرة «بهاء الله» والكتاب الأقدس تجمعت فيه الأحكام البهائية التي قال بهاء الله، و هي منزلة عليه من الله سبحانه و تعالي، أما الألواح فهي كتب تضم خطابات كان يكتبها بهاء الله تتضمن مبادثه و تعاليمه و نصائحه للأحياء في العالم، والكتابان هما مصادر التشريع في البهائية!! و ما سبق جزء من قصة بيكار مع البهائية، و نستكمل جزءا آخر من القصة أو الحكاية من حديث أجراه بيكار مع صحيفة (المسلمون) العدد 44 بتاريخ 7 ديسمبر 1985، و في رده علي سؤال؛ هل أنت بهائي بالوراثة؟ يجيب بيكار؛ لقد نشأت نشأة اسلامية محافظة و متدينة و حوالي سنة 1928 م حضرت الي القاهرة للالتحاق بكلية الفنون الجميلة، و كان للعائلة صديق يدعي محمد زين العابدين، و كان بهائيا فكنت أحضر جلساته و أستمع الي ما يقال فيها والتي كانت تضم مسلمين و مسيحيين كانوا يأتون بأدلة من القرآن والكتاب المقدس علي أن هناك ظهورا جديدا سيأتي، و في الكتاب المقدس ما يؤكد مجي‌ء محمد عليه الصلاة والسلام، و كذلك في الكتب السماوية كلها ما يؤكد بأن بعد محمد سيجي‌ء ظهور اله آخر و هو ما يطلق عليه المهدي المنتظر و هو ما يتمثل حاليا - حسبما نعتقد - في بهاء الله و رسالته و كنت [ صفحه 27] أولا أعترض علي هذا الفكر اعتقادا بأن محمدا هو خاتم الأنبياء و أن الاسلام هو خاتم الأديان، الا أنه عن طريق قراءاتي المتأنية في الكتب المقدسة سواء الانجيل أو التوراة أو القرآن الكريم آمنت بما لا يقبل الشك و باليقين الكامل بأن محمدا حق و موجود و موعود في جميع الرسالات السماوية السابقة، كما أن بهاء الله أيضا موجود بنفس الوضوح في جميع آيات الكتاب المقدس و القرآن الكريم باعتباره الظهور الالهي الذي سيأتي بعد محمد، و أن من يكفر بهذا الظهور الالهي الجديد المتمثل في شخص بهاء الله كأنه كافر بجميع الديانات السابقة، اذ أن بهاء الله حق وارد في هذه الديانات». و عند هذه النقطة نتوقف مرة أخري قليلا مع قصة السيد بيكار و نلاحظ الآتي: ان هناك من كان يمارس عملية غسيل مخ منظم للسيد بيكار كان هو علي استعداد لقبولها رغم المقاومة الأولي، و لم يكن الذي يقوم بهذه العملية شخص واحد فقط و لكن أكثر من شخص بدليل قوله (كانوا) التي تشير الي الجمع و ليس المفرد، و لك أن تتصور من يجلس في جلسة مع من يتعاطون المخدرات أو يزنون و يقنعون شخصا ما بأن يمارس ما يمارسونه ليحس اللذة التي يحسونها أو علي الأقل يمر بها، و يلحون في هذا و يزينونه، ألا يكون مثل هذا الشخص عرضة للاقتناع والوقوع في الرذيلة؟! ليكن. يقول السيد بيكار أيضا انهم (البهائيون الذي كان يجالسهم) «يأتون بادلة من القرآن والكتاب المقدس علي أن هناك ظهورا جديدا سيأتي». [ صفحه 28] اذن فالبهائيون يبحثون في الكتب المقدسة التي نسخوها - أي ألغوا عملها - علي كلمات يؤولونها.. و أقول يؤولونها؛ علي أنها بشارة بالبهاء أو بالباب أو بأيهما، لا ندري!! ثم ان هذا الظهور الذي يدعيه البهائيون هو ظهور اله (حسب النص الحرفي لكلام بيكار) و هذا ليس له الا معنيان: 1) اما أن البهائيين يعتقدون بالفعل أن البهاء اله. 2) و اما أنهم يعتقدون في البهاء كما يعتقد المسيحيون في طبيعة المسيح. والرأي الثاني هو الذي نرجحه و هو يفسر التناقض الغريب المريب في كلام البهاء الغريب الذي يقدم نفسه فيه مرات كاله، و أخري كتبي و رسول، الي آخره.. والذي سوف نتناوله بعد ذلك بالشرح. والشي‌ء الطريف أن السيد بيكار يقول انه بحث في الكتب السماوية كلها، و وجد ما يؤكد بأن بعد محمد سيجي‌ء ظهور اله آخر!! و أنا أقول للبهائيين أما القرآن فمستحيل، و ما تدعونه من القرآن هو تأويل متعسف لآيات لا يمكن أن يفهم منها أي عقل سليم ما تقولونه فهل يمكن أن يقبل عاقل أن آيات القرآن: (أو يأتي ربك) أو (و جاء ربك والملك صفا صفا) تشير الي البهاء؟! أو غيره من البشر؟! والشي‌ء الأكثر طراقة أن العدد (الكلام) الذي ورد في التوراة و يحتج به البهائيون علي أنه يشير الي ربهم الذي تجسد بشرا و تقول كلماته كما وردت في سفر أشعياء: «لانه يولد لنا ولد، و نعطي ابدا، و تكون الرئاسة علي كتفه و يدعي اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا أبا أبديا، أميرا للسلام، لنمو رياسته وللسلام لا انقضاء له علي عرش داود و مملكته... الي آخرة». [ صفحه 29] يتنازع هذا الكلام اليهود والمسيحيون، فاليهود يقولون انه يشير الي المسيح المخلص الذي لم يأت بعد، بينما يقول المسيحيون انه يشير الي المسيح عيسي بن مريم الذي جعلت له الأناجيل نسيا الي داود عليه‌السلام، بينما تقر أناجيل أخري أنه معجزة، لا أب له، و ها هم البهائيون يدخلون علي الخط ليسرقوا اليهود والمسيحيين و تراث المسلمين بالمرة (و ليس الاسلام لأنه ليس هناك في القرآن ما يشير أبدا لا لعبد و لا لانه سوف يأتي أو يظهر). والذي يؤكد ما ذهبنا اليه هذه الألفاظ المحددة التي وردت في العدد تصف المسيح المخلص المنتظر (حسب العقيدة اليهودية): الها قديرا انا أبديا... الي آخره. أما مسألة الظهور الالهي، فهي أيضا مسألة تتفق مع العقيدة المسيحية و لا يقول بها الاسلام كما ادعي السيد بيكار، أو كما وضعوا في رأسه من مثل هذه الخرافات. و اذا كان بيكار قد ردد أقوال المنظرين للبهائيين، من أن هناك أعدادا أخري في الكتاب المقدس تشير الي أن هناك ظهورا آخر جديدا سيأتي، فأنا أقول له ان المسيحيين واليهود قد أخرجوا من الكتاب المقدس (التوراة والانجيل) كل ما يمكن أن يشير الي هذا، و أستطيع أن أعدد لك تلك الأعداد نقلا عنهم، و لكن اليهود يقولون انها تشير للمسيح المخلص، بينما يقول المسيحيون انها كانت تبشر بمقدم عيسي بن مريم سلام الله عليه، و لم يقل أحد انها تشير للبهاء (و بالمناسبة، نسأل البهائيين: هل هي تشير الي الباب أم الي البهاء) أم أن الله فتح عليكم فأرسل لكم في بضع سنين المخلص والنبي والرسول و تجسد لكم بشرا (بالمرة)؟!.. اتقوا الله يا أولي الألباب. [ صفحه 30] والخلاصة أن السيد بيكار وقع في برائن الذين غسلوا مخه و لم يشا الله أن يهديه لأنه اختار هذا الطريق، و لو كان لديه بعض التبصر والبصيرة لاهتدي الي كتب البهاء والباب و قرأ فيها ما يضحكه، لأنه كلام لا يصدر الا عن المخابيل من العينة الآتية، و نحن ننقل عن البهاء كلماته التي منع أتباعه تأويلها، يعني يأخذونها بظاهر النص كما وردت في كتبه... يقول علي سبيل المثال: «يا ملك النسمة كان مطلع نور الأحدية في سجن عكاء اذا قصدت المسجد الأقصي مررت، و ما سئلت عنه بعد اذا رفع به كل بيت و فتح كل باب منيف قد جعلناه مقبل العالم لذكري و أنت نبذت الذكور اذ ظهر بملكوت الله ربك و رب العالمين، كنا معك في كل الأحوال وجدناك متمسكا بالفرع غافلا عن الأصل ان ربك علي ما أقول شهيد، قد أخذتنا الأحزان بما رأيناك تدور لاسمنا و لا تعرفنا أمام وجهك، افتح البصر لتنظر هذا المنظر الكريم، و تعرف من تدعوه في الليالي والأيام و تري النور المشرف من هذا الأفق اللميع، قل يا ملك برلين اسمع النداء. هذا الهيكل المبين انه لا اله الا أنا النبي القديم اياك أن يمنعك الغرور من مطلع الظهور أو يحجبك الهوي من مالك العرش. والذي كذلك ينصحك القلم الأعلي انه لهو الفضال الكريم، اذكر من كان أعظم منك شانا و أكبر منك مقاما أين هو و ما عنده انتبه لا تكن من الرافدين. «الكتاب الأقدس». و لا نملك أمام هذا النص (الاستنجليني) الذي ورد في أهم كتب أتباع الههم البهاء الا أن نفعل كما فعل عبد القتاح القصري في قولته الشهيرة: «الحقوني بالمجتمع اللغوي» و معذرة للهزل لكن بالفعل هذا هو الانطباع الأول الذي تبادر الي الذهن عند قراءة هذا النص الركيك الفاقد لأي وحدة، [ صفحه 31] اللهم الا اقتباسات لحوادث (الاسراء) و ألفاظ القرآن و توظيفها توظيفا ركيكا لا يصدر الا عن نبي كاذب، فقد سبقه مسيلمة الكذاب لمثل هذا... و اذ يقول البهاء: افتح البصر... (ألا تذكرك هذه ب ارجع البصر «انه لا اله الا انا» و يقول «ان ربك علي ما اقول شهيد»، «ملكوت ربك» «القلم» (ألا يذكرك هذا بنون والقلم)، «لا تكن من الرافدين» اذن فقد وقع البهاء في غواية اللغة و اذا كانت الصنعة تدل علي الصانع فالكلمات تدل علي عقل قائلها والله سبحانه و تعالي قد قدم لنا الدليل الذي نقيس عليه: «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» و نص مثل هذا لا يزيد عدد كلماته علي 150 كلمة يمكن أن نجد فيه عشرات الأخطاء علي مستوي اللغة، و أهم من هذا التحليل اللغوي هذه الملاحظة العقدية حيث يقول البهاء: «انه لا اله الا أنا النبي... القديم» لقد نسب البهاء الألوهية لنفسه وقرنها بالنبوة و يصفة القدم والوحدانية والتثنية في ذات الوقت و هو في هذا التشويش قد أخذ ما يدعو اليه الاسلام من الوحدانية و أخذ شيئا من طبيعة المسيح - كما تدعو اليه المسيحية - و أخذ صفات أخري من فلسفات يغلب عليه الطابع اليهودي!! هل أسرفنا في الرد علي ادعاءات بيكار؟! لتعد الي أوراق القضية التي لم يحاكم فيها بيكار زعيم التنظيم و رئيس المحفل البهائي المحلي و نائب رئيس المحفل المركزي لمصر والسودان و شمال افريقيا. [ صفحه 35] و شهدت عليهم السنتهم
في السطور التالية، و من خلال أوراق القضية رقم 2266 جنح قصر النيل لسنة 1985، والمستأنفة بالقضية رقم 2961 استئناف جنوب القاهرة لسنة 1987، سوف نستحضر أشخاصا ربما لا يزال الكثير منهم علي قيد الحياة (عند صدور هذا الكتاب)، و ربما أيضا ما زالوا جميعهم أو كثير منهم متمسكا بما يعتقده في البهائية، لكن لا تستبعد أيضا أن يكون منهم من عاد الي جادة الصواب بعد أن هداه الله الي الحقيقة والحق، و هذا الأمر الأخير بالتحديد هو الذي جعلني (كاتب هذه السطور) أتردد كثيرا في التصريح بأسماء المتهمين في هذه القضية كما وردت في الأوراق (الرسمية)، و زاد من ترددي أنني تحدثت عن بيكار الرسام والصحفي، و ذكرت اسمه صراحة، و بين التصريح بالأسماء أو اخفائها اهتديت الي أنه اذا كان بيكار هو الذي لم يرد اخفاء اسمه أو مساعدة الناس علي نسيانه بجرأته في اذاعة الأمر و مراسلة و مكاتبة الصحف والكتاب و بدا في هذا كأنه يريد أن يستغل هذه الضجة، ليس في الدفاع عن نفسه، و لكن في نشر و ترويج البهائية، فان الآخرين الذين شملهم في نفس القضية التزموا الصمت خارج غرف التحقيقات و قاعات المحاكم... و لهذا السبب فنحن لا نريد أن نعيد تذكير الناس بهم، و نفترض أن منهم من تاب و أناب و عاد الي جادة الصواب و نحن لا نحاكم أشخاصهم في كل الأحوال، و لكن نحاكم [ صفحه 36] معتقدهم و ليس - أيضا - من باب محاكمة ضمائرهم أو التفتيش عليها، و لكن من منطلق رفضنا لنشر الكفر في مجتمع ارتضي فيه الاغلبية أن يكونوا مؤمنين موحدين بالله. لكن قبل أن نغادر محطة الأسماء (أسماء المتهين) والتي سوف ترمز اليها بالحروف الأولي نثبت ملحوظة سهمة، و هي أن من عدد 13 رجلا و امرأة شملتهم أوراق القضية، هناك علي الأقل أربعة كانت ديانتهم المسيحية قبل أن يعتنقوا البهائية، و هذا واضح جدا من أسمائهم و سوف تؤكده أقوالهم و هناك اسم خامس لامرأة التبس علي أمرها، و ما قصدت أن أقوله من الملحوظة السابقة هو: أن البهائية تجتذب نسبيا و عددا كبيرا من المسيحيين و ذلك بسبب معتقدها في التجسد و تقديم البهاء علي أنه دورة أو عودة للمسيح و باقي المعتقدات التي سوف نناقشها لاحقا. و في القضية رقم 2266 جنح قصر النيل لسنة 1985 اتهمت النيابة العامة المتهمين المذكورين في القضية - و عددهم 13 - متهما بأنهم في تاريخ سابق علي 24 / 2 / 1985 بدائرة قصر النيل قاموا بمباشرة نشاط المحافل البهائية، حال كونهم من معتنقي المذهب البهائي بأن استمروا في عقد الضيافات التسع عشرية، و ممارسة شعائر ذلك المذهب. و من خلالها باشروا النشاط الاداري والتنظيمي والروحي لتلك المحافل، و طلبت عقابهم بالمواد 1-4 من قانون رقم 263 لسنة 1960، و حكمت محكمة قصر النيل الجزئية بتاريخ 11 / 5 / 1985 بحبس كل من المتهمين 3 سنوات مع الشغل و كفالة ألف جنيه. [ صفحه 37] و استأنف المتهمون الحكم السابق و قبلت المحكمة الاستئناف شكلا، و مثل المتهمون مرة أخري أمام القضاء في القضية رقم 2961 لسنة 1987 استئناف جنوب القاهرة والتي أصدرت حكمها في الجلسة المنعقدة بتاريخ 17 / 12 / 1988، و فيما يلي جلسات المحاكمة والحكم كما وردت في أوراق محكمة الاستئناف بجنوب القاهرة (صورة طبق الأصل): (بعد الاطلاع... و من حيث انه بادي ذي بدء تنوه المحكمة أنها لا تحاكم العقيدة البهائية اذ أن ذلك يخرج عن اختصاصها، و يختص بذلك رجال الدين في العقائد المختلفة معهم و يكون ذلك بالمحاورة الفكرية، و انما تحاكم سلوك أفراد عقيدة قيل انه مؤثم حسبما ورد ببلاغات مباحث أمن الدولة من أنه في الفترة من 19 / 6 / 1984 الي 23 / 5 / 1985 باشر عدد من العناصر البهائية في البلاد أنشطة مؤثمة في الترويج لأفكارهم البهائية المناهضة للدين الاسلامي والشرائع السماوية، و ذلك بعقد اجتماعات دورية سرية في اطار ما يطلق عليه في البهائية بالمضايفات، والتي يشمل برنامجها قسما روحيا يخصص زمنه للتعبد وفق شريعتهم - و قسما اداريا يتم خلاله استعراض أخبار البهائيين في العالم و تعليمات الجهة العليا المشرفة علي شئونهم، و قسما للمشورة و يتضمن مناقشة ما يعرضه الحاضرون من اقتراحات.. كما ورد بالبلاغات، كذلك أن لجماعة البهائيين في مصر هيكلا تنظيميا يتشكل من لجنة ادارية و تعد حلقة الاتصال بين البهائيين في العالم و هي ما تسمي بيت العدل والذي يتخذ من حيفا باسرائيل مقرا له و تكون مهمة هذه اللجنة تسجيل العناصر البهائية في البلاد و تحصيل تبرعاتهم والاشراف علي شئونهم و اعداد الدروس التثقيفية لهم و تلقي الدعم المادي والمطبوعات الخاصة بالدعوة البهائية التي ترد لهم من الخارج، كما أنه [ صفحه 38] يوجد الي جانب هذه الجنة مسئولية للتبليغ و نشر الدعوة و للتمويل والاتصال بالخارج، و للأمن. كما تضمنت بلاغات مباحث أمن الدولة أنه امكن لها تنفيذا للأذون الصادرة من النيابة العامة تسجيل العديد من الاجتماعات التي عقدتها بعض العناصر لبهائية في اطار ممارستهم لنشاطهم باصدار خطابات تعريف للمسافرين منهم للخارج ليقدم لهم البهائيون في الخارج ما يطلبونه من عون والسماح لهم بحضور لقاءاتهم، و أساليب تمويل نشاطهم و قد انتهت البلاغات الي ضبط خمسين شخصا باعتبارهم البهائيين الذين يمارسون نشاطا مؤثما في اطار الدعوة للبهائية، و بتاريخ 23 / 2 / 1985 أصدرت النيابة العامة اذنا بضبطهم. و بتفتيش سكن و شخص المتهم المستأنف الأول ع.ع.ح فقد عثر علي صورة رسالة من المستشار أ.ف.ز الي الأحباء في ايرلند ننسخ منها ست صفحات و مفكرة بها بعض أسماء و عناوين خاصة بنجل المتهم و يدعي م. و خطاب من البهائي حسين بيكار باسم السيدة ذ.م.ح بتاريخ 29 / 8 / 1982 موجه الي البهائيين في دولة الامارات، و ورقتين بهما بعض الأسماء والعناوين. و بسؤاله بتحقيقات النيابة قرر أن البهائية ديانة و عقيدة يعتنقها لا تغير في جوهر الأديان، و انما غايتها تغيير الشرائع فقط، و ان الديانة البهائية جاءت لهذا العصر لأن حكمة الله اقتضت أن يرسل لكل عصر من العصور رسولا ينادي بالايمان في الناس، و أن الديانة البهائية لها تشريع في المعاملات والعبادات؛ فقد سوت بين المرأة والرجل في [ صفحه 39] الحقوق والواجبات، و أن من أهداف البهائية تري الحقيقة والمناداة بنزع السلاح علي أن تقوم هيئة الأمم بهذه المهمة مع تكوين جيش عالمي يتبع الأمم المتحدة ليحل مشاكل العالم و ازالة العقبات بكافة أنواعها و أشكالها سواء الطائفية أو العنصرية و سيادة لغة واحدة لكل العالم لسهولة التفاهم بين شعوبها والمناداة بالسلام القائم علي العدل، و أنه لا يقوم بأي نشاط لتطبيق تلك المبادي سوي اعتناقهم هم و أفراد أسرته و لم يقم بدعوة أحد اليها، و أنه كان لا يبشر بها في مكان عمله لأن لديه تعليمات من المباحث العامة بعدم التحدث عنها و لم يكلفه أحد بالدعوة اليها، و أنه لا يوجد ثمة اجتماعات بينه و بين أعضاء الجماعة، و لم يكن يحضر لقاءات الضيافة الدورية و لم تكن هناك كتب جديدة توزع عليهم خاصة بالبهائية و ليس هناك أشخاص منوط بهم نشر الدعوة البهائية في مصر، لأن ذلك ممنوع في مصر، و أنه لا شأن له بالسياسة أو نظام الحكم، و أن العقيدة البهائية تعترف بالديانات السابقة عليها و لا تنسخها، و انما هناك بعض الاختلافات في العبادات بينها و بين الدين الاسلامي، من حيث مساواة الرجل بالمرأة و فترة الصوم و عدد الصلوات و أنواعها، والطلاق والتحليل الطبي للعروسين قبل الزواج و باقي العقائد واحدة، و أنهم كطائفة يقدسون جميع الكتب والرسل و أساس هذه المبادي‌ء كتاب بهاء الله يسمي بالأقدس، و كتابات أخري مصدرها البهائية، و أن القرآن قد بشر ببهاء الله باعتباره رسول المستقبل عندما قال (و استمع يوم يناد المناد من مكان قريب) [3] فالمنادي هو بهاء الله، و في التوراة لأنه يولد لنا ولد و تعطي له الرئاسة علي كتفيه والمقصود به [ صفحه 40] بهاء الله لأنه هو الذي ولد ولدا من عبدالبهاء، و كانت له رئاسة الدين، و أنه لم يشارك في الدعوة البهائية و أنه لا توجد أنشطة لاحياء النشاط البهائي، و لا توجد علاقة اطلاقا بين الصهيونية العالمية والبهائية، لأن البهائية في فلسطين منذ عام 1844، أي قبل انشاء دولة اسرائيل، و أن البهائية العالمية حقيقة و موجودة فعلا في جميع أنحاء العالم، و لا يتدخلون في السياسة اطلاقا، و هذا نص من نصوص البهائية و أن القول بأن بهاء الله هو مظهر الله و أن الله قد تجلي في شخصه هو مفهوم خاطي، و حاشا لله أن يتصف بهذه الأوصاف، و أنه ليس هناك اجتماعات سرية مرة كل 19 يومنا و هي التي يطلق عليها الضيافات التسع عشرية، و ان الجنة والنار والبعث قائمون في العالم الثاني، كما تقول الآية الكريمة في القرآن الكريم (و قالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) فالعالم الثاني قائم بما فيه من نعيم و جزاء. و عندما سئل عما اذا كان هناك هيئة ادارية بهائية نفي ذلك، و أنهم يرجعون لأكبر الأعضاء سنا لاستشارته في أمور عقيدتهم و ليس هناك اتصال بين البهائيين في مصر و بيت العدل في حيفا، و أنه لا يقوم يدفع اشتراكات مالية أو تبرعات و لا يقوم بعقد الضيافات التسع عشرية لأن شرط ذلك أن يبلغ عدد الأعضاء تسعة، و محافظة الجيزة ليس فيها سواه و شوقي محمود مبروك و أنه لا يحضر الضيافات التي تعقد في القاهرة، و أن الأساس العقائدي لتلك الضيافات المناجاة لله بأن يكون الانسان قدوة حسنة يقوم بأمر الله عفيفا صادقا دينا، و أنه كان هناك قسم اداري لهذه الضيافات أيام المحافل، و كانت تشمل طبع الكتب و نشرها و ترجمة بعضها و تبليغ [ صفحه 41] الدين البهائي للناس، و عمل ندوات و محاضرات و انتخاب أعضاء المحفل من الرئيس والسكرتارية و أمانة صندوق، والمشاورة فيما بينهم في كل ما يعترضهم، و أي اتصال ببيت العدل بحيفا يتم عن طريق هيئة المحفل، و لا يوجد الآن محاقل في مصر، و أنه ليس له صلة بالمحفل البهائي السوداني بعد الغاء المحفل البهائي في مصر، و أن تحريات مباحث أمن الدولة غير صحيحة، و أنه ليس له أي نشاط و أن المباحث كانت تستدعيه مرة شهريا، و كان يقرر لهم أن البهائية لا تتدخل في السياسة و لا تثير الفتن أو الشغب أو التخريب أو الاهتمام لأي عنصر من العناصر المنحرفة المتطرفة، و أن من صميم تعاليم البهائية طاعة الحكومات. و انه بسؤال المتهم الثاني / م.ب. ع قرر أنه يعتنق البهائية من خمسة عشر عاما عن طريق المرحوم / ب. ع، و أن الاعتقاد مسألة بينه و بين نفسه، و أن زوجته و ابنته لا تعلمان شيئا عن ذلك، و ليس له أي نشاط خاص بهذه العقيدة و أن مبادي‌ء هذه العقيدة وحدة العالم الانساني، والبهائية تعترف بجميع الأديان والأنبياء و لا تعارض بينها و بينهم، و أنه يصلي صلاة واحدة في اليوم تسمي صلاة الزوال، و يصوم تسعة عشر يوما، و أنه لا يعرف أساس انتقاص عدد الصلوات أو مدة الصيام و أنه لم يدع أحدا الي البهائية حتي أفراد أسرته لم يدخلهم في هذه العقيدة أو يدعهم اليها، و أنه كان يقابل البهائيين في الأقراح، و أنه لم تجر اجتماعات بينه و بين البهائيين، و لم يشارك في الدعوة اليها، و أن عقيدتهم لا شأن لها بالسياسة، و أن البهائية تثني علي الأديان التي قبلها و أن بهاء الله ليس هو الله، لأن الله هو الخالق العظيم، و أنه لا يعقد الضيافات التسعة عشرية و لا يعلم عنها شيئا، و أن [ صفحه 42] عقيدته تؤمن بالبعث والجنة والنار والثواب والعقاب، و أنه لا يعلم شيئا عن وجود اتصال بين البهائيين في مصر و بيت العدل في حيفا، و أنه لا يدفع اشتراكات و لا يطالب أحذا بدفع اشتراكات، و أنه لا يقوم بتبليغ البهائية و لا يسعي لنشرها، و أن له الحق في أن يعتقد كما يشاء، لأن الدستور يكفل حرية العقيدة. و عندما سئل عن أنه تلقي التعاليم البهائية عن طريق المتهم الأول / ع.ع.ج قرر أن (ع) مسلم و أنه اصلا مسيحي و من مبادي‌ء المسيحية أنها تنفي أي دين بعد المسيحية و لا تصدق مسلما، و ان كان من غير الممكن الاستماع الي (ع) و أنه آمن بالدين الاسلامي بعد ايمانه بالبهائية، و أن كل ما سطره محضر مباحث أمن الدولة مجرد افتراء، و أن كل الكتب والنشرات المضبوطة لديه حصل عليها من المرحوم / ب. ع و شخص آخر سوداني. و انه بسؤال المتهمة الثالثة / أ.ح.ر قررت أنها لم تئضم الي أبة جماعة و أنها نشأت في أسرة تدين بالبهائية، فاعتنقت هذه العقيدة و تزوجت من زوجها الذي يدين بالبهائية و هي عقيدة كانت معترفا بها في مصر، و كانت شعائرها تقام علنا الي أن ألغبت المحفال البهائية في عام 1960 تقريبا، و من وقتها و هم يباشرون الشعائر الخاصة بهم في منازلهم، و أن العقيدة البهائية بشر بها / علي محمد و هو من سلالة الرسول عليه الصلاة والسلام، و أن الديانة البهائية تقوم علي مجموعة من المبادي‌ء كوحدة الأديان والعالم الانساني و ايجاد لغة عالمية، و مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، و أن البهائية تجمع كافة الأديان السماوية و هي امتداد للديانة [ صفحه 43] المسيحية والاسلامية، ثم ذكرت كيفية العبادات و ذلك علي النحو السالف بيانها بأقوال المتهمين سالفي الذكر، ثم أضافت أنها ليست متعمقة في هذه المسائل الدينية، و أنها لا تقوم بأي نشاط سوي الاحتفالات ببهاء الله رسول جاء بديانة سماوية و كتابه الأقدس و هو يتضمن التشريع والأحكام الخاصة بالزواج والصلاة والصوم والمحرمات، ثم كتاب الايمان و هو منزل علي حضرة بهاء الله و كتابات الألواح والمناجاة والأدعية، بالاضافة الي كتاب الاشراقات. و بالنسبة للزواج فانه لا يجوز تعدد الزوجات اكتفاء بزوجة واحدة، و لا يجوز الطلاق الا أن يبتعد الزوج عن زوجته مدة سنة يطلق عليها سنة الاصطبار (الاستبار) [4] ، و اذا لم يحصل الصلح بينهما انقصلا باتفاق الطرفين و بحضور شاهدين من نفس الديانة، و بالنسبة للصلاة فهناك ثلاث صلوات تؤدي من الزوال الي الزوال و وسطي تؤدي ثلاث مرات تقريبا، و كبري تؤدي مرة واحدة في اليوم، و للشخص أني يختار بحسب ظروفه، و قبل الصلاة يتعين الوضوء، و هو غسل اليدين والوجه والقدمين، و تؤدي الصلوات في المنازل، و يمكن أن تؤدي في مكان يخصص لذلك يطلق عليه «مشرق الأذكار»، و هو مكان يخصص للعبادة، و لا يوجد في مصر مثل هذا المكان، لأن الدولة لا تسمح بهذه الديانة. والبهائية تحرم الخمر والزنا والميسر، و هناك جزاءات منصوص عليها علي من يخالف التعاليم و يقوم بتنفيذها الادارة البهائية، و هي تكون من أعضاء المحفل، و انها لا تعرف من الذي يتولي الآن الادارة البهائية في مصر، و لا تعرف ما اذا كان الأفراد البهائيون يقومون حاليا بتطبيق [ صفحه 44] الجزاءات من عدمه، و أن موقف البهائيين تجاه النظام القائم حاليا بمصر هو اطاعة الحكومة و أنها تؤمن بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كما تؤمن بحضرة بهاء الله، و أن الشخص المسيحي الذي يريد الدخول في الديانة البهائية عليه أن يعترف بالديانة الاسلامية، و أنها لا تعلم عما اذا كان هناك من يدعو لهذه الديانة من عدمه، و أنها لا تعلم بوجود اتصال بين أعضاء الجماعة البهائية و بيت العدل العالمي و ليس هناك قائم بمباشرة الأفكار البهائية في مصر، و كل عائلة مسئولة عن نفسها، و أنه نادرا ما يتم الاتصال بين معتنقي البهائية في مصر و معتنقيها في أي دولة من العالم، و اذا ما تم اتصال فانه يكون عن طريق أي بهائي مصري عائد من الخارج، و يكون ذلك في أضيق الحدود لأن الحكومة المصرية تمنع ذلك، و أنهم كأفراد و جماعة لا يتلقون أي معونات مالية أو معنوية من خارج البلاد، و لا يقومون بجمع تبرعات في سبيل نشر دعوتهم، و أن عقيدتهم كان معترفا بها منذ أكثر من تسعين سنة، و لا يوجد حاليا هيكل تنظيمي للجماعة البهائية، و انما هناك بعض الأفراد يمثلون الجماعة البهائية في مصر، و أنها لا تعلم عن وجود تنظيم سري لاحياء النشاط البهائي أو وجود لجنة ادارية و وجود حلقة اتصال بين بيت العدل بحيفا باسرائيل و بين أعضاء الجماعة. و من حيث انه بسؤال / ع.ع.م المتهم الرابع قرر أنه نشأ في أسرة تدين بالبهائية، و انه لم يدع الي هذه العقيدة خارج أسرته، و أنهم لا يتصلون بمن يختلف معهم في الدين، و أنهم لا يجبرون أي شخص لاعتناق عقيدتهم التي تقوم علي وحدة الأديان و وحدة العالم الانساني تحت ولاية الديانة البهائية و تحت سلطان حاكم واحد و لغة واحدة والسلام العالمي، و أن الزواج [ صفحه 45] أبدي و غير متعدد و لا يجوز للبهائي أن يتزوج من غير بهائية، و أنه كانت العقيدة البهائية معترفا بها في مصر، و كانت تقام المحافل و تجمع التبرعات بصفة رسمية الي أن ألغت الدولة هذا الدين الالهي بقانون، و قد تم تشكيل مجلس بهائي يكون علي اتصال ببيت العدل العالمي، و قد كان المدعو / م. م. م هو المسئول عن البهائيين في مصر والسودان و منطقة الشرق الأوسط، ثم لما توفي قام كل من حسين بيكار و ح.ر بهذه المهمة، و أنه ليس لديه معلومات دقيقة بشأن اتصالهم ببيت العدل العالمي، و انهم كبهائيين تربطهم علاوة علي اتحاد الدين الأسرة الواحدة، و ليس عندهم اجتماعات مغلقة، و أن عقيدتهم تمنعهم من استعمال القوة، و أنه لم يدع أي شخص للاعتناق بالبهائية لأنه ايمان شخصي و يقوم بالصلاة كل شخص في منزله، و أن الذي يتولي أمر البهائيين في مصر ح.ر و حسين بيكار و أ.ب و أن كل أسرة تقوم بمساواة أمورها الدينية فيما بينها، و أن دفع اشتراكات منتظمة أصبح ممنوعا الا أنه اذا تعرض أي فرد في الجماعة لأزمة فتعاون معه، و لا يوجد في تشكيل الجماعة لجنة تتولي نشر الفكر البهائي، و أنه نظرا لأنه الدولة منعت نشاط البهائيين فان اللقاءات تتم في حدود الأسرة و في المنازل و لا تتناول سوي الأحاديث العادية و حل المشاكل الخاصة بواسطة كبار السن في كل عائلة، و أن الدعوة الي البهائية تكون بالحسني و ليس بالعنف، كما أنها لا تتاهض نظم الحكم أو تدعو الأفراد الي مطالبة الدولة بتطبيق أحكام الديانة البهائية، و أنه ليس لديه الوقت الكافي أو المعلومات الكافية لدعوة الأخرين الي البهائية. [ صفحه 46] و من حيث انه بسؤال المتهم السادس / ه.ح.ج أقر باعتناقه العقيدة البهائية و بممارسة طقوسها، و أنه لا يوجد تنظيم سري بهدف احياء نشاطهم، و أن المحافل البهائيه الغبت منذ سنة 1960، و منذ ذلك التاريخ و كل بهائي يباشر طقوس ديانة بمنزله و أنه لا توجد جهات خارجية تمول نشاط البهائيين، و أن الكتب التي ضبطت لديه أيام كان أميتا لمكتبة المحفل البهائي قبل الغائه، و أنهم كبهائيين لا تصلهم كتب أو نشرات، و أن المحافل قبل الغائها كانت تقام بعد اخطار وزارة الداخلية و حضور مندوب من الحكومة لمشاهدتها، و كانت تقرأ فيها المناجاة والأدعية و تأملات الألواح والسور التي نزلت علي بهاء الله و بعض التفسيرات التي جاءت علي لسان عباس أفندي المعروف بحضرة عبد البهاء، و هو الابن البكر لحضرة بهاء الله، و تقام فيها الضيافات التسعة عشرية، والتي كانت تعقد علي المستوي المحلي في نطاق كل محافظة يحضرها معظم البهائيين، و بعد اغلاق المحافل في سنة 1960 لم تعد تعقد و انما تجري ضيافات علي مستوي الأسرة الواحدة، و بصورة غير منتظمة، و ليست هناك اشتراكات تجمع و اعانات مالية تدفع، و أنه كبهائي يؤمن بكل الأديان السماوية من خلال البهائية، و يقيم هذه الأديان و أنه لا توجد هياكل تنظيمية يمارس البهائيون من خلالها شعائرهم الدينية، و قد كانت تلك الهياكل قبل الغائها تتكون من المحافل المحلية و هي عبارة عن تسعة أعضاء يتتخبون سنويا بالاقتراع السري بعد قراءة بعض الأدعية الي أن يتم الاختيار برعاية الله في كل محافظة، ثم تجتمع المحافل المحلية لانتخاب المحفل المركزي من بين أعضاء المحفل المحلي الذي له الاشراف علي المحافل المحلية، و من المحافل المحلية تنبثق لجان فرعية تباشر شئون العقيدة و نشر الكتب بعد [ صفحه 47] أخذ تصريح عام من وزارة الداخلية، و كان هناك لجان للتبليغ و لجان للنشر والرد علي بعض الكتاب الذين يهاجمون البهائية. و انه وقت أن كانت هناك المحافل في مصر لم يكن بيت العدل قد أنشي‌ء بعد، و انما كان يقوم مقامه حضرة ولي أمر الله الذي كان من حضرة عبدالبهاء عباس أفندي سنة 1921 والذي أشرف علي العالم البهائي كوحدة متكاملة في العالم كله والممنوع عليه التدخل في السياسة حسب نص الأقدس، و ان سلطاته روحية فقط، و أضاف أن الأستاذ بيكار ينوب حاليا عن البهائيين في مصر من الناحية الروحية، و ذلك أمام بيت العدل عن طريق بعض المشاورين أو الأعضاء، و هي لجنة تقوم بالتجوال في العالم كله لنقل تعاليم بيت العدل الأعظم من النواحي الروحية فقط، و الأفراد غير مصرح لهم بالاتصال ببيت العدل الأعظم، و انما الاتصال يكون عن طريق المحافل المركزية و ممثليها، و الآن غير مصرح بالذهاب الي عكا و من الممكن الذهاب للعراق و ايران لأداء فريضة الحج، و ان أيادي أمر الله ينتخبون من بيت العدل الأعظم لمساعدة هذا البيت في نشر نفحات الرحمن، والمشاورون هم المساعدون لأيادي أمر الله، و لا يوجد في مصر مشاورون أو أيادي أمر الله و ان الجهاد في سبيل نشر الدين البهائي محرم لأن طاعة الحكومة واجبة، و ان الجهاد في سبيل الوطن ضد المعتدي فهو أمر غير محرم علي البهائي، و انما هو التزام و واجب، ثم أنكر قيامه بنشاط تبليغي و تنمية الصندوق المحلي، و انه لا يوجد بهائيون جدد اعتنقوا البهائية. و من حيث انه بسؤال المتهمة السابعة / ف.ن. ع قررت أن البهائية ديانة سماوية تدعو الي توحيد الأديان و الي المحبة والسلام، و أن حضرة [ صفحه 48] بهاء الله هو رجعة المسيح مرة أخري مع اختلاف الشكل الخارجي، و أن البهائية تدعو الي توحيد العالم الانساني و نشر السلام بين العالم و طقوسها الصوم 19 يوما يبدأ من 2 مارس الي 21 مارس والشهر 19 يوما والسنة 19 شهرا، والصلاة ثلاث صلوات كبري و صغري و وسطي و أي صلاة تغني عن الأخري، و أنهم لا يعقدون أي اجتماعات و انما يتزاورون، و أن البهائيين لا يعقدون أية لقاءات أو اجتماعات دورية، و لا يجمعهم تجمعات و لا توجد محافل و انما تجمعهم ضيافات في نطاق عانني فقط، و انه لبس هناك اتصال بين البهائيين في مصر و بيت العدل الأعظم، و ليست هناك اشتراكات تؤدي أو زكاة تعطي. و يسؤال المتهم الثامن / ع.أ.ط.ع أ قرر أن البهائية لا تناهض نظام الحكم و لا تحقر الأديان السماوية، و أن البهائية ديانة سماوية تحض علي المحبة والسلام، و أن الأسر البهائية ترتبط مع بعضها برباط العقيدة والدين البهائي والزيارات تتبادل بين بعضها البعض في أي وقت دون ارتباط بأي مواعيد، و لا يوجد لقاء عام يضم البهائيين الا في عيد رأس السنة البهائية يوم 21 مارس حيث يتم اللقاء في احدي الحدائق العامة، و أنه بعد اغلاق المحافل في سنة 1960 لا يتم لقاء الضيافات و لا توجد هيئة ادارية تجمع بين البهائيين في مصر الآن، و أن الكتب البهائية كانت تطبع في مصر حتي الغاء المحافل، و أن البهائية تقوم علي الايمان بالله و كتبه و رسله السابقين، ثم ان بهاء الله هو رسول الله والقيام بالفروض التي أوصي بها بهاء الله في كتبه من صوم و صلاة و زكاة و حج لمن يقدر، و أنه لا يقوم بأداء الزكاة و لا يعلم كيف تؤدي و لا يعرف أساس تقسيم السنة [ صفحه 49] البهائية، و نظام الزواج البهائي يتم بخطبة مدتها لا تزيد علي 15 يوما ثم تقدم شهادة طبية يخلو الزوجين من الأمراض الخطيرة حفاظا علي النسل و يدفع مهرا مقداره 19 مثقالا من الذهب في المدن و من الفضة في القري، و بحد أقصي قدره 95 مثقالا، ثم تسجل وثيقة الزواج في وثيقة بهائية لتسجل في المحافل، و بسبب عدم وجود محافل في مصر فان كل زوج يحتفظ بواحدة، و يوجد طلاق و لكنه أبغض الحلال و يقع بعد سنة من الخلاف بين الزوجين و لم يتم التصالح بينهما، و أن علي محمد الملقب بالباب هو الذي بشر ببهاء الله مثله كمثل يوحنا المعمدان الذي بشر بظهور المسيح، والصلاة فردية و لا توجد صلاة جماعية الا علي الموتي فقط، و بالنسبة للميراث فان تركة الميت تقسم بنسب معينة علي الزوجة أو الزوج والأبناء ذكورا و اناثا و بعض الأقارب و مدرسي الأسرة، و ان لم يكن له وارث يحول الي بيت العدل، و لا يعلم اذا كان لبهاء الله معجزات من عدمه، و أن وجود المسلم مع المسيحي مع البوذي مع اليهودي يعتبر معجزة في حد ذاته، و ان البهائية لا تلزم تابعيها بالدعوة، و أن الجنة والنار ما هي الا تعبيرات روحية للسعادة والشقاء، ثم قرر أن البهائية تؤمن بأن هناك ثوابا و عقابا في العالم الآخر بعد الانتقال من الأرض بالوفاة كل حسب أعماله، و أن بيت العدل لا يخضع لاشراف أو توجيه الحكومة الاسرائيلية لأنه هيئة دينية و ليست سياسية، و لا يوجد هيكل تنظيمي معين يجمع البهائيين في مصر. و من حيث انه بسؤال المتهم التاسع / ع.م.م قرر أن البهائية تعتبر امتدادا للأديان السابقة لها، لأنها تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله واليوم [ صفحه 50] الآخر، و بالقضاء خيره و شره و اقامة الصلاة و اتيان الزكاة والحج والصوم، و قبلة البهائية جبل كارمل بحيفا فلسطين، والذي بشر بالبهائية حضرة الباب علي محمد و موطنه ايران، و كان ذلك في عام 1260 هجرية الموافق 1844 ميلادية، و هو الذي بشر بالمهدي المنتظر / ميرزا حسين علي والذي ظهر في عام 1862 و بدأ يدعو للبهائية، و ظل علي دعوته الي أن توفي بعد 40 سنة من الدعوة، و خلفه حضرة عباس عبدالبهاء، ثم من بعده شوقي أفندي رباني و هو آخر الخلفاء في البهائية، و أنه بدا ظهورها في ايران ثم في العراق ثم في تركيا و استقرت أخيرا في فلسطين، و أنه لا يدعو أحدا للدخول في العقيدة البهائية، و أنه بعد حل المحافل لا يوجد تبليغ و لا تسجيل للبهائيين، و أنهم مكلفون باطاعة الحكومة اطاعة كاملة، و من يخالف ذلك يعتبر مخالفا لأمر بهاء الله، حتي ولو كانت الحكومة لا تدين بالدين البهائي. و أضاف أنه اذا مات البهائي تجري عليه مراسم بهائيه تبدأ من غسله و تكفينه مع قراءة أذكار و مناجاة معينة، و يوضع في صندوق خشبي و يدفن بالصندوق في المقبرة، و يوضع بأحد أصابعه خاتم من الفضة منقوش عليه اسم الله الأعظم تبارك، و يبلغ عن الوفاة للسجل المدني و مكتب الصحة، و أنه بعد الغاء المحافل لا تحصل اشتراكات و لا يوجد مسئول تبليغ، و أنه بعد القضية رقم 118 / 1972 جتح طنطا، و هو ملتزم بعدم توجيه النشاط البهائي في سوهاج، والدليل علي ذلك أنه لم تضبط لديه أية مطبوعات تحمل الشريعة والفكر البهائي. [ صفحه 51] و من حيث انه بسؤال / ح.ص.ا المتهم العاشر قرر أنه بهائي المولد والعقيدة، و أنه مؤمن بوحدانية الله و برسله و بالأديان السماوية و باطاعة الحكومة والولاء للدولة، و أنه لا يوجد في مصر محافل منذ عام 1960 و أنه لا يمارس أي نشاط كانت تقوم به المحافل البهائية، و أنه لا تعقد اجتماعات دورية سرية كل تسعة عشر يوما، و انما هناك تزاور بين العائلات و لا يوجد نشاط للبهائية في البلاد، و ليس هناك هيئة تقوم علي شئونهم و تحل المشاكل بين أفراد الأسرة الواحدة. و من حيث انه بسؤال المتهم الحادي عشر / ر.م.أ قرر أنه بهاني الديانة هو و أسرته أبا عن جد، و انه حاليا لا يوجد في مصر محافل أو نظام اداري، والبهائية ليس لها طقوس معينة و كل ما يقومون به هو أن تجتمع العائلة والأقارب والمعارف و يقومون بقراءة بعض المناجاة والأدعية، و أن غالبية البهائيين أقارب و متزوجون من أسر متقاربة، و أنه لا يوجد أي نوع من الاتصال بين البهائيين في مصر و بيت العدل الأعظم، لأن الاتصال لا يكون الا عن طريق المحافل المركزية و هي غير موجودة، و ليس هناك مبالغ تجمع من أجل الديانة البهائية. و من حيث انه بسؤال المتهم الثالث عشر / أ.أ ب قرر أنه يدين بالبهائية و أن البهائية دخلت مصر منذ أكثر من مائة عام و اعتنقها هو ثم والده، و كان يتولاها في مصر المرحوم / م.م كبير العائلة البهائية في مصر، و أن البهائية ترفض رفضا باتا أي تدخل في الشئون السياسية أو [ صفحه 52] الحزبية أو السرية و تنادي بالولاء الكامل للدولة، و أنه كان للبهائيين نشاط و محافل محلية معترف بها في المراكز والمديريات، و كان لها أيضا محفل مركزي معترف به من الدولة ثم صدر القانون 263 لسنة 1960 بحل المحافل البهائية، والمحفل المحلي هو مجموعة بهائية مكونة من تسعة أفراد ترعي شئون الأسر البهائية، و تحض علي مكارم الأخلاق و عدم الانحراف و طاعة الدولة، و برأس تلك المحافل المحفل المركزي و ينبثق عن المحافل لجان للخدمات و زيارة المرضي والمقابر. ثم توقفت تلك الأنشطة بعد الغاء المحافل، و لم يعمل علي ضم أو استقطاب عناصر جديدة الي البهائية، والبهائيون لا يتدخلون في السياسة أو الحزبية و أنه علي اتصال دائم بمباحث أمن الدولة، و هم علي علم بكل التصرفات و أنه ينفذ توجهاتها و أنه لا صلة للبهائية بالصهيونية، و أنه لا يوجد هيكل تنظيمي بعد الغاء المحافل، و لا يوجد تبرعات تجمع أو لجنة تثقيفيه تبث الفكر البهائي أو تتلقي تبرعات من الخارج. و من حيث انه بسؤال المتهم الأخير / م.ر.ض قرر أنه غير منضم لأية جماعة أو تنظيم و لا يمارس أي نشاط، و لكنه بهائي العقيدة، و أنه نشأ في أسرة تدين بالبهائية و لا يوجد لجان ادارية بعد الغاء المحافل في سنة 1960 أو دروس تثقيفية. و من حيث ان النيابة العامة أسندت اليهم أنهم في تاريخ سابق علي 24 / 2 / 1985 بدائرة قصر النيل قاموا بمباشرة نشاط المحافل البهائية [ صفحه 53] و استمروا في عقد الضيافات التسعة عشرية، و باشروا النشاط الاداري والتبليغي، والروحي لتلك المحافل علي النحو المبين بالتحقيقات. و من حيث انه بجلسة 2 / 12 / 1987 حضر كل من الأستادة / أوريل بولا المحامية والأستاذ محمد شوقي المحامي من جانب المنظمة الدولية لحقوق الانسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة... وعد هذا الحد من أوراق القضية يجب أن نتوقف لتنبه لأول ملحوظة و أهم ملحوظة في أوراق هذه القضية، و هي دخول طرف ثالث غير مصري في محكمة متهمين يحملون الجنسية المصرية، و هذا الطرف متمثل في الأمم المتحدة و بالتحديد منظمة حقوق الانسان، والتي كانت مصر قد وقعت انفاقيتها في تاريخ سابق علي هذه المحاكمة و بالتحديد في التاسع من شهر فبراير 1981، و منذ هذا التاريخ و هذه القضية أصبحت مثل هذه القضايا لها أبعاد أخري دولية تؤثر علي الهيمنة أو فرض السيادة الوطنية الكاملة علي مواطني الدول فيما يتعلق بالعقائد... لماذا؟! هذا السؤال سوف نؤجل الاجابة عنه، لكن سنتوقف أيضا عند هذه الأوراق التي أثبتناها من القضية ليس للتاريخ فقط و لكن للاطلاع عليها بعمق يتناسب مع هذه المادة الحية التي لم نرثها من أضابير الكتب و لكن من أقواه البهائيين مع لفت الانتباه الي أثنا لم نغير كلمة وردت علي لسانهم و تم اثباتها في محاضر جلسات المحاكمة. [ صفحه 54] و هناك العديد من الملاحظات التي يمكن أن نستخلصها من أقوال المتهمين في القضية مع الانتباه الي أن المتهم في المحكمة يدافع عن نفسه و يحاول أن يدفع التهمة عنها، و أن أقواله تكون مرتبة و منظمة حسبما يلقنه محاموه أو هيئة الدفاع عنه. و أول ملاحظة أن المتهمين بذلوا جهدهم و من خلفهم هيئة الدفاع في أن يخرجوا القضية من دائرة الخيانة الوطنية، و لذلك حرصوا جميعا أن يؤكدوا أن البهائية التي يؤمنون بها تحضهم علي طاعة الحكومات، حتي ولو كانت الحكومة لا تديد بالدين البهائي، و استخدام (حتي) عند العامة يعني الاستثناء و يكون المقصود الذي لا يخطئه الفهم في هذه الحالة أنهم يطيعون الحكومات علي الرغم من مخالفتها لديتهم (البهائية)، و في هذا الصدد أيضا حرص المتهمون علي ترديد أن بهائيتهم تمنعهم من الاشتغال بالسياسة، و حرصوا علي انكار أي صلة لهم ببيت العدل الذي في حيفا في اسرائيل خشية أن يجر عليهم هذا شبهة تتعلق بالأمن القومي. لكن و كما هو ثابت في أوراق القضية نستطيع أن نكشف صلة البهائيين في مصر بأمثالهم في الخارج (في أيرلندا والامارات كما في حالة المتهم الأول) و قد يقول قائل ان هذا سلوك اجتماعي، لكن الحقيقة أنه في هذه الحالة يخرج من اطار السلوك الاجتماعي الانساني الي سلوك أساسه ترجيح الانتماء الدبني علي الانتماء الوطني (أستعين ببهائي في الخارج بغض النظر عن جنسيته)، و هذا السلوك حتي لو لم يكن في درجة ما ليس خيانة وطنية، و لكنه في درجة أخري يتحول الي خيانة و هذا يرددا الي قول المتهمين: «حتي لو كانت الحكومة لا تدين بالدين البهائي»... فيكون معني الكلام أن الواجب في الطاعة يكون في حالة أن تدين الحكومة بالبهائية. [ صفحه 55] و يؤكد بما لا يدع مجالا لأي شك ما سبق قول المتهم الرابع / ع.ع.أ في أن البهائية تقوم علي وحدة الأديان و وحدة العالم الانساني تحت ولاية الديانة البهائية (!!) و قول المتهم السادس / ه.ح.ج انه قبل انشاء بيت العدل كان حضرة عبدالبهاء عباس أفندي يشرف علي العالم البهائي كوحدة متكاملة في العالم كله، و معني هذا أيضا أنه بعد غياب عباس أفندي عبدالبهاء أصبح بيت العدل يقوم بهذه الوظيفة أو السهمة. و علي الرغم من نفي و انكار المتهمين أن لهم صلة بيت العدل، و في معرض هذا الانكار اعترف المتهم الثالث بهذه الصلة حين قال: «الاستاذ بيكار ينوب حاليا عن البهائيين في مصر من الناحية الروحية و ذلك امام بيت العدل عن طريق بعض المشاورين أو الأعضاء، و هي لجنة تقوم بالتجوال في العالم كله لنقل تعاليم بيت العدل الأعظم (!!). و قال أيضا: ان أيادي أمر الله (رتبة دينية) ينتخبون من بيت العدل الأعظم لمساعدة هذا البيت في نشر نفحات الرحمن، والمشاورون (رتبة أخري) هم المساعدون لأيادي أمر الله و لا يوجد في مصر مشاورون أو أيادي أمر الله (!!). و حينما ينكر المتهم السادس أنه لا يوجد في مصر (ايان نظر القضية) مشاورون أو أيادي أمر الله فهو ينكر شئيا سبق و أن أثبته نفس المتهم حين قال ان حسين بيكار ينوب عن البهائيين أمام بيت العدل عن طريق بعض المشاورين (يعني المساعدين).. اذن فهناك تنظيم هرمي للبهائية علي أعلي قمته حسين بيكار و أسفله المشاورون، و هذا معناه أيضا أن حسين بيكار [ صفحه 56] ربما قد وصل الي رتبة (أيادي أمر الله) في هذا التنظيم و أن الحلقة موصولة مع بيت العدل دون رسميات معلنة حتي لا يدخل البهائيون تحت طائلة القانون الذي يجرم مثل هذه التنظيمات حين ضبطها. و كل ما سبق هي اشارات الي أن البهائيين يعملون في اطار نظام عالمي هرمي يهدف الي هدف محدد ذكره صراحة المتهم الأول و اعتبره هو الحقيقة التي يبحث عنها البهائي و يسعي اليها أو حسب ما قاله: «البهائية تري الحقيقة والمناداة بنزع السلاح علي أن تقوم هئية الأمم المتحدة بهذه المهمة مع تكوين جيش عالمي يتبع الأمم المتحدة ليحل مشاكل العالم و سيادة لغة واحدة لكل العالم لسهولة التفاهم». أما اللغة التي ترشحها البهائية في هذا الصدد فهي اللغة الانجليزية (هذا علي الرغم من أنها ليست لغة كتبهم المقدسة) و هذا معناه أيضا أنهم يتخلون ليس فقط عن مقدساتهم و لكن ثقافتهم أيضا! فهل نطالبهم بعد ذلك بالحفاظ علي لغة القران و الثقافة العربية الاسلامية أو المسيحية؟!! (هكذا يخون البهائيون أوطانهم والتماءاتهم و لا تندهش بعد ذلك اذا خاتوا أديانهم عن جهل أو عسالة، فحين يقول المتهم الأول - مثلا - ان البهائية لا تغير في جوهر الأديان و لكن في الشرائع فقط هو ترديد لما قاله متهمون آخرون و حاولوا فيه أن يقدموا بهائيتهم بصورة لا تختلف مع الاسلام، كأن يقولون ان البهائية تؤمن باله واحد و مع المسيحية كأن تقول المتهمة السابعة ان حضرة البهاء هو رجعة المسيح (المسيح في مجيئة الثاني و هي عقيدة مسيحية) و لكن مع اختلاف في الشكل الخارجي (بين البهاء والمسيح). و أن يقول متهم آخر ان علي محمد (الباب) كان بمثابة يوحنا المعمدان (الذي عمد المسيح) و بهاء الله هو المسيح و هي أقوال تبدو من ظاهرها أنها [ صفحه 57] لا تغير من جوهر الأديان و لكنها في الحقيقة لكل ذي عين تجميع أو تلفيق لعل كل شخص يجد فيه صورة أو انعكاسا لبعض معتقدات دينه فتجمع الأحمر علي الأصفر والأبيض و هم لا يفهمون أن هذه الألوان لا تنتج في النهاية الا اللون الأسود رمز الظلام. و بخصوص مسألة التبشير و نشر الديانة البهائية، هذا الأمر الذي حاول جميع المتهمين نفيه عن أنفسهم، نلاحظ أن المتهمين كانوا يفعلون ذلك في نطاق عائلاتهم حتي يضمنوا عدم تسرب الأمر للجهات الأمنية و في هذا هم أيضا يتوارثون تلك العقيدة، الأبناء عن الآباء باستثناء، متهم واحد مسيحي قال انه يخفي أمر اعتناقه للبهائية عن زوجته و ابنته (قبل القبض عليه)، لكن هذا لا ينفي أن هناك من كان يبشر بتلك العقيدة خارج اطار العائلة أو الأسرة، والدليل أن هناك من المتهمين في هذه القضية التي نتناولها كان قد سبق القبض عليه في قضية طنطا (1972)، و أن جهات الأمن نبهت عليه ألا يفعل ذلك، و كان يدافع عن نفسه أنه التزم بهذا التنبيه بعد قضيه طنطا، لكن من يضمن أن غيره يفعل، خاصة اذا لم يكن قد قبض عليه؟! و اذا كانت المحكمة من جانبها قد حرصت علي أن تؤكد أنها لا تحاكم - في هذه القضية - العقيدة البهائية لأن هذا يخرج عن اختصاصها و يدخل في اختصاص رجال الدين، و انما تحاكم سلوك الأفراد (المؤثم) بالقانون مثل مباشرة نشاط المحافل البهائية و هو الأمر الذي لم تتثبت منه المحكمة أو حسب النص الرسمي في حيثيات الحكم: و لم تستبن المحكمة من الأوراق (التي بين يديها) ما ينبي‌ء عن وجود هيكل اداري أو نشاطات معينة تهدف [ صفحه 58] الي احياء تلك المحافل، كما لم يثبت في الأوراق أن أحد المتهمين يبشر بعقيدته أو يدعو اليها آخرين بعد صدور القانون الذي يحظر ذلك.. الي آخره. فقد حكمت المحكمة في الاستئناف ببراءة المتهمين من هذه التهم (مباشرة نشاط المحفل والتبشير بالبهائية)، هذا علي الرغم من رفضها الدفع ببطلان اجراءات التحقيق و رفضها الدفع بانتفاء الركن الشرعي للجريمة كما هو منصوص عليه في أوراق القضية، والأهم من كل ما سبق أن المحكمة لم تبري‌ء المتهمين من تهمة الكفر بالله، لأنها كما قالت لا تحاكم عقيدتهم، ولكنها تراقب تطبيق بعض القوانين والاجراءات التي تحافظ علي جزء من النظام العام. و نامت البهائية قليلا بعد أن أثارها تنظيم حسين بيكار و رفاقه لكن البهائيون لا يريدون أن ينتهوا و بصروا علي اعلان هويتهم بشكل رسمي مدفوعين بأغراض و أشخاص خفية و يساندهم أخرون علي هذا الطلب، في ذات الوقت الذي ينادي به هؤلاء الآخرون علي الغاء خانة الديانة من البطاقات الشخصية والهويات الرسمية (سعد الدين ابراهيم مثلا يقترف كلا الاثمين). و ها هي البهائية تطل بوجهها القبيح مرة أخري و يذهب بهائي بقدميه كما فعل كثير من أسلافه - الي قاعات المحاكم و بالتحديد المحكمة الادارية بمجلس الدولة ليستصدر حكما بأن من يعتنق البهائية يحق له اثبات أنه بهائي في خانة الديانة في البطاقة الشخصية، أو اشهاد الطلاق أو جواز السفر، هذا الحكم الذي صدر في أبريل من العام 2006 و جاء في أسبابه أنه يجب بيان الدين الذي يعتنقه كل شخص حتي يعرف حال صاحبه و يحدد [ صفحه 59] مركزه القانوني و ما يترتب علي ذلك من آثار، و لا ينال من ذلك أن البهائية ليست ديانة و لا يقرها الاسلام وفقا لقرار مجمع البحوث الاسلامية الصادر في يناير 1986 [5] . و هذا الحكم يشبه الي حد كبير حكما سابقا كان قد نحصل عليه عام 1957 طالب اسمه سمامي شوقي فهمي التحق بكلية التربية و طلب تسجيل ديانة البهائية في بطاقته الشخصية، و لما امتنع مكتب السجل المدني التابع له عن ذلك، رفع الطالب دعوي أمام محكمة القضاء الاداري بالاسكندرية ضد وزراء الداخلية و التعليم والحربية و رئيس الجامعة بطلب في دعواه الغاء قرار مكتب السجل المدني و الغاء شطب الكلية له من كشوفها. أصدر المسئولون في الكلية قرارا بشطب الطالب بعد اعلانه عن عقيدته والتبشير بها وسط الطلاب. و لما حكمت المحكمة برفض دعوي الطالب سابق الذكر قدم الأخير طعنا علي الحكم أمام المحكمة الادارية العليا، فحكمت بالغاء قرار مكتب السجل المدني و أيدت قرار الفصل، و قالت ان اثبات البهائية كديانة للطالب لا يخالف الشريعة بل يجب اثباتها حتي يعرف حال صاحبها (و هو نفس النص تقريبا الذي استندت اليه المحكمة الادارية بمجلس الدولة في حكمها الأخير الصادر بتاريخ 4 أبريل 2006)، و اذا كان هذا الحكم الصادر سنة 57 والحكم الأخير الصادر سنة 2006 أعطيا لأصحابهما الحق في اثبات هويتهما الدينية في البطاقة الشخصية؛ فقد أيد الحكم الأول فصل الطالب من كليته (التربية) و ذكر في أسباب ذلك ان مثل هذا الطالب لا يؤتمن علي تربية النش‌ء، كما ذكر أيضا ان اثبات الديانة البهائية في البطاقة الشخصية [ صفحه 60] لا يعني القبول بها، و لكن يعني اثبات حالة حتي يعرف كل من يتعامل معه حقيقة عقيدته المنحرفة. أما في القضية الأخيرة لسنة 2006 فقد طعنت وزارة الداخلية علي الحكم و صدر حكم المحكمة في هذا الطعن بتاريخ 15 مايو 2006 بوقف تنفيذ حكم اثبات البهائية في خانة الديانة في الأوراق الرسمية، و قالت المحكمة ان هذا الحكم مرجح الالغاء حين تنظر الطعن فيه المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة لأنه مخالف للدستور، و تنفيذه بمكن أن يؤدي الي الاخلال بالنظام العام للدولة و أن الأديان المعترف بها - شرعا و دستوريا - هي الاسلام والمسيحية واليهودية [6] . [ صفحه 63] باب الجحيم و بهاء الغواية!
«يا صغير السن، يا رطب البدن يا قريب العهد من شرب اللبن» كنت أظن الي وقت قريب هذا الكلام المنظوم شكلا هو من قبيل الشعر «الحلمنتيشي» الذي يخترعه العامة، و سبب ظني هذا أن الذي تلاه علي أول مرة شخص لا يعرف مصدره، أما و قد عرفت مصدره فاسمحوا لي أن أخبركم به. قائل هذا الكلام هو السيد كاظم الرشتي، الأستاد والمعلم الأول للميرزا علي محمد الذي عرف بلقب «الباب»، و عرفت العقيدة التي دعا اليها ب (البابية)؛ تلك العقيدة التي أسست للبهائية، و ربط بين المؤسسين للعقيدتين روابط عديدة سوف توضحها - حالا - لكن قبل أن توضحها نحيلكم مرة أخري لقراءة «يا صغير السن»)، و نسأل: اذا كان هذا الكلام صادر عن المعلم، فماذا عساه يكون حال التلميذ؟؟... هذا التلميذ الذي أصبح فيما بعد زعيما دينيا لطائفة، و قال عن نفسه ان معجزته هي قوته البيانية!!. و نحن لن نناقش السيد باب في معجزته تلك قبل أن نحكي أولا قصته و قصة سلفه بهاء الله، والتي هي قصة البهائية التي نثبتها للتاريخ أو للبحث عن الحقيقة التاريخية تلك التي أنتجت هذا الهذيان المنظم والخيل المقدس!! في عصور الظلم والفتنة والقهر والجهل يبحث الناس دائما - و خاصة الضعفاء - عن مخلص يرفع عنهم هذا الظلم، و يعيد اليهم حقوقهم [ صفحه 64] المغتصبة و انسانيتهم المنتهكة، هذه الفكرة التي ورثتها الانسانية عن أساطير الفرس البابليين، و شاعت في اليهود أيام سبيهم في بابل بالعراق (القرن السادس قبل الميلاد) عقيدة المسيح المخلص الذي سوف يردهم الي فلسطين، فيقيمون هيكلهم و يعيدون مملكة داود و سليمان بحد السيف، و ينتقمون من أعدائهم... الي آخر هذه الأفكار، فلما ساعدهم ملك فارس الوثني (قورش) في العودة الجزئية الي فلسطين، اعتبروه بنص كتابهم المقدس هو المسيح المخلص، ثم عادوا و قالوا انهم لازالوا ينتظرون هذا المسيح الذي سوف يأتي من نسل داود (عليه‌السلام)، و أما المسيحيون فينتظرون أن يأتي الرب المسيح في آخر الأيام علي السحاب فيختطف الأبرار، بينما تؤمن عقائد منحرفة من المسيحية مثل شهود يهوه بعودة المسيح الي الأرض ليحكمها ألف عام يسلسل فيها الشيطان، و يؤمن بعض المسلمين بظهور المهدي في آخر الأيام ليحارب الشر المتمثل في المسيح الدجال، و يتضم اليه المسيح عيسي بن مريم في هذه المعركة، و هذا المهدي رجل من أهل بيت النبوة، سوف يؤيد بالدين و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. و من بين تلك المعتقدات، و في الأحوال التي أشرنا اليها سابقا في ايران خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر، ولد بمدينة شيراز جنوب ايران «علي محمد رضا»، و عندما بلغ «علي» مبلغ الصبيان ألحقه أبوه بمدرسة تتبع دعاة الشيخية من الشيعة الذين ينتسبون للشيخ أحمد الأحسائي، و قبل ان هذه المدرسة كانت تسمي «قهوة الأنبياء والأولياء»، فتعلم فيها قليلا، ثم انقطع ليعمل بالتجارة حتي بلغ السابعة عشرة من العمر، فعاد للاتصال بمشايخ الشيعة الكبار، و اشتغل بدراسة كتب الصوفية والرياضة الروحانية، [ صفحه 65] و خاصة كتب الحروفيين (الذين يشتغلون بعلم الحرف) و ممارسة الأعمال الباطنية المتعبة، مثل الجلوس لساعات طويلة في وضع معين دون حركة، أو الوقوف تحت أشعة شمس الظهيرة عاري الجسد بالساعات الطويلة، الي آخر هذه الرياضات التي قبل انها أثرت علي صحته الجسمانية والنفسية، و زاد من تأثره هذا وفاة ابنه البكر، فأرسله خاله الي العلاج في النجف و كربلاء بالعراق، و يبدو أنه أخذ يتردد علي شيراز والعراق، و هما معقلان من معاقل الشيعة، و لما بلغ «علي» الرابعة والعشرين من العمر بدأ يرتاد مجلس امام الشيخية في زمانه «كاظم الرشتي»، و يدرس أفكاره و آراءه الشيخية، و في تلك المجالس تعرف عليه شخص اسمه «عيسي النكراني»، و لم يكن عيسي هذا الا الجاسوس الروسي «كتيازي دلكورجي» الذي وجد في شخصية «علي محمد رضا» الصيد السهل لاقناعه بادعاء المهدوية [7] ، و يبدو أنه نجح أيضا، ليس فقط في اقناع محمد بهذا الأمر، و لكن في اقناع من حوله أيضا، حتي أن الشيخ «كاظم الرشتي» أخبر «محمد علي» بأنه الموعود أو المهدي المنتظر والباب الموصل الي الحقيقة الالهية، لكن الأخبر انتظر حتي وفاة الرشتي، و في ليلة الخميس 5 جمادي الأولي 1260 ه الموافق 23 مارس 1844 م، أعلن محمد علي رضا أنه الباب الموصل الي الحقيقة الالهية حسب عقيدة الشيعة الشيخية، و أنه رسول كموسي و عيسي و محمد عليهم‌السلام، بل أفضل منهم جميعا (أستغفر الله)، فأمن به تلاميذ الرشتي و علماء الشيخية، فاختار منهم ثمانية عشر مبشرا لدعوته سماهم «حروف حي»، و لما كان هو التاسع عشر لهم تستطيع أن [ صفحه 66] نكتشف جانبا من تقديس هذا العدد في نسق هذه العقيدة، علي الرغم من غياب أي دلالة ايمانية حقيقة له. في العالم التالي لاعلان الباب دعوته تلك قبضت عليه الحكومة الايرانية و سجنته و أرغمته علي اعلان توبته، فوقف علي منبر مسجد الوكيل و أعلنها، أو تظاهر بذلك، و علي أثر ذلك اعلن أتباعه (البابيون) الجهاد المسلح، و دخلوا ضد الحكومة الايرانية فيما يشبه الحرب أو الصراع المسلح بناصرهم الدبلوماسيون الأجانب في ايران خاصة الروس والانجليز لأسباب تتعلق بمصالحهم السياسية، و مرة أخري تقبض الحكومة الايرانية علي الباب و تودعه السجن ثم تجمع له سبعين عالما يناقشونه فيما يدعو اليه، فلما حدثت هذه المناقشة أعلن العلماء مروقه عن الاسلام و كفره و أفتوا بوجوب قتله، لكن استطاع اعوانه أن يهربوه من محبسه و يخفوه في أحد القصور الايرانيه (قصر خورشيد)، بينما بدأ اتباعه في تنظيم حملة للدفاع عنه، و كان أبرز هؤلاء المنظمين رجلين و امرأة؛ أما الرجلان فهما الميرزا يحيي علي صبح الأزل و هو الرجل الثاني في البابية، و شقيقه حسين علي الذوري المازندراني، و أما المرأة فهي أم سلمي الملقبة ب «قرة العين» و «صاحبة الشعر الذهبي» حفيدة الملا «محمد صالح القزويني» أحد علماء الشيعة و مدرسها الذي درست علي يديه العلوم و أخذت الشيخية عن عمها الملا «علي الشيخي»، والتي رافقت الباب في الدراسة عند كاظم الرشتي، و فوق كل هذا كانت امرأة باهرة الجمال، جذابة متحررة في علاقاتها الي درجة الفجور، خطيبة مفوهة... و واحدة بكل هذه الصفات كان مؤهلة لأن تلعب دروا خطيرا في حياة الباب والبابية والبهائية، فقد قيل انها كانت مهندسة أفكار «علي محمد»، و أحد زعماء حملة الدفاع عنه، تلك الحملة التي [ صفحه 67] نظمت مؤتمرا في بادية «بدشت» بايران في شهر رجب 1264 ه، هذا المؤتمر الذي دعا فيه زعماء البابية العوام الي الخروج في مظاهرات احتجاج علي اعتقال الباب، و أعلنوا أيضا نسخ الشريعة الاسلامية بشريعة البيان، هذا الكتاب الذي ألقه الباب أثناء اختفانه في قصر خورشيد، و بعد هذا المؤتمر هاجت الحكومة الايرانية، و فتشت عن الباب حتي قبضت عليه، فلجا سرة أخري للتظاهر بالتوبة و براءته مما نسب اليه و أقسم بالا يخرج من بيته أو يتصل بأعوانه، و هو الأمر الذي لم يرض أعوانه و أتباعه فظلوا يتصلون به، فقبضت عليه الحكومة الايرانية للمرة الأخيرة و حكمت عليه هو و اثنين من أعوانه بالاعدام رميا بالرصاص أمام العامة، و لم تنفيذ الحكم علي الرغم من الواساطات الروسية والبريطانية تلك التي لم تنجح في الصفح عن الباب، و علي الرغم من اعلان الباب نفسه التراجع عن أفكاره لكن خطر دعوته والاضطرابات التي أثارها و سفكه لدماء المخالفين له والمنكرين دعوته كل هذا شجع الحكومة الايرانية والأسرة الايرانية الحاكمة علي تنفيذ الحكم، والذي تم بالفعل سنة 1849 م. و في ميدان عام أطلق وابل من الرصاص علي جسد الباب فجعله كالخرقة الممزقة، و لم يبق موضع لم يطله الرصاص الا وجهه، فلما غادرت الفرقة المنفذة للحكم حمل أتباع الباب جثمانه ليدفنوه، فهربوه سرا الي الآستانة ثم فيما بعد الي عكا ليدفن هناك في مقبرة يحج اليها البهائيون الي الآن. كان الباب قد أوصي أن يخلفه في زعامة الطائفة ساعده الأيمن أحد الحروف الثمانية عشر (حروف حي) الميرزا يحيي الملقب من قبل الباب ب «الصبح الازل»، لكن بغياب الباب بدأ فصل آخر من الصراع الدامي في [ صفحه 68] قصة البابية والبهائية، صراع علي السلطة الدينية و صراع علي الزعامة والنفوذ، و هي صراعات تغوي من يطمع فيها بارتكاب أكبر الحماقات، و ربما أفظع الجرائم. و جانب من هذا الصراع كان قد بدأ بالفعل أثناء حياة الباب أو قبل اعدامه بشهور قليلة، حين التقي حسين علي المازندني الأخ الشقيق ل «يحيي صبح الأزل» بقرة العين باهرة الجمال و اجتمعا في صحراء أو بادية بدشت لنصرة الباب و أعجب حسين علي المازندني بقرة العين و يبدو أنها بادلته هذا الاعجاب في جو اختلط فيه النساء بالرجال أتباع الباب فارتكبت الفواحش و سادت أجواء الخليعة، و منذ هذا التاريخ بدأ صراع خفي بين الأخ الشقيق «يحيي» و نائبه «حسين» علي زعامة البابية و كان الأخوان و ثالثهما قرة العين قد اتفقوا علي اعتبال شاه ايران ناصرالدين القاجاوري، و فشلت محاولة الاغتيال، فهرب حسين علي الي السفارة الروسية التي استطاعت أن تحصل له علي ضمانات بعدم اعدامه بينما تدخلت بريطانيا و ساهمت في الاكتفاء بعقوبة نفي الأخوين الي بغداد. أما قرة العين فقد قبض عليها و حكم عليها بالاعدام حرقا، لكنها ماتت مخنوقة في محبسها قبل تنفيذ الحكم فيها، و ذلك سنة 1852 م. وظل «حسين علي» يتحين الفرصة لتكوين كيان خاص به مثل كيان الباب، فبدأ بتجميع الأتباع حوله بعد أن أصبح نائبا لأخيه في رئاسة البابيين، لكن السلطات الايرانية بدورها كانت قد طلبت من دولة الخلافة العثمانية طرد البابيين الي منطقة نائية علي الحدود الايرانية بسبب خطورتهم و ما يثيرونه من سغب و تصدير للاضطرابات الدموية، فاستجابت السلطات العثمانية و أبعدتهم الي استنابول سنة 1863 م، ثم نقلتهم مرة [ صفحه 69] أخري الي أدرنة بتركيا و فيها تعرف «حسين علي» بيهود سالونيك و دخل في علاقات معهم، و فيما بعد أطلق هو و أتباعه علي سالونيك: أرض السر... فهل كان سبب اطلاق هذا الاسم أن حسين علي في هذه البقعة الجغرافية كان قد بدأ بتكوين معتقده الخاص به و بأتباعه الذي عرف بالبهائية؟! هناك رواية أخري تقول ان اعلان البهائية حدث أثناء نفي أتباع الباب في استنابول و بدأت خطة اعلان البهائية، و استقلال «حسين علي» بالزعامة قبل ذلك حين أقنع «يحيي صبح الأزل» بالاحتجاب عن الناس بحجة أن ذاته مقدسة لا تغيب عن الأحباب و ان كانوا لا يرونها. و بهذه الحيلة استطاع «حسين» أن يوثق صلته بالأتباع و يضعف ارتباطهم بأخيه، و في نفس الوقت قرب اليه نفرا من الأتباع المخلصين و تخلص من الشخصيات الكبيرة التي يخشي منافستها علي الزعامة. و هناك رواية ثالثة، لكن كل الروايات تقضي الي أن «حسين علي» طمع في البابية مبكرا جدا و قبل موت الباب نفسه، أما بخصوص اعلان البهائية فنحن نطمئن الي الرواية التي تقول انه حدث في استنابول قبل مغادرتها الي أدرنة، حيث أقام «حسين علي» في حديقة نجيب باشا خارج المدينة، والتي تعرف بحديقة الرضوان بعد أن أقام فيها البهاء اثني عشر يوما أعلن بعدها أنه الموعود الذي أخبر عنه الباب و سماه ب «من يظهره الله» و عرفت تلك الأيام الاثني عشر ببيعة الرضوان، و يعده البهائيون هذا اليوم عيدا فيحتفلون به كل عام و يستمر الاحتفال لمدة اثني عشر يوما هي الزمن الذي قضاه البهاء في التحضير للاعلان الذي حدث في نطاق ضيق و سرية حتي لا يصل للأخ «يحيي صبح الأزل»! [ صفحه 70] و بعد أربعة أشهر من هذا الاعلان نقل الأتباع جميعا والأخوان اني أدرنة بتركيا و مكثوا فيها ما يقرب من أربع سنوات و نصف السنة قام «البهاء حسين علي» خلالها بنشر دعوته بين عامة الناس، فالتف حوله عدد من الأتباع سموا بالبهائيين، علي حين بقيت مجموعة أخري تتبع أخاه (صبح الأزل) تم تمييزهم ب الأزليين. فلما شاع أمر البهائية كان لابد من أن يقع الخلاف بين الأخوين، هذا الخلاف الذي استفحل الي درجة الكيد و نسج المؤامرات حتي وصلت الي محاولة كل منهما التخلص من الآخر بدس السم له. و مرة أخري حينما أدركت الدولة العثمانية خطرا جديدا من الأخوين و أتباعهما قررت نفيهما، فنفت «يحيي صبح الأزل» الي قبرص و ظل بها حتي مات عن عمر يناهز الثانية والثمانين و ذلك في 26 أبريل 1912 و خلف وراءه كتابا اسماه المستيقظ الذي نسخ به البيان (كتاب الباب) و أوصي - قبل موته - ما تبقي من أتباعه أن يؤمروا عليهم ابنه، لكن الأخير تنصر فانفض الأتباع من حوله. أما «البهاء حسين» فقد تم نفيه الي عكاء، فنزل بها سنة 1868 م و استقبل بحفاوة من اليهود الموجودين في فلسطين فأغدقوا عليه الأموال و أحاطوه بالرعاية والأمن، و سهلوا له الحركة، علي الرغم من صدور فرمانات الباب العالي بتحديد اقامته و اختلاطه بالناس و هكذا أصبحت عكا مقرا دائما للبهائية والبهاء الذي استقر له الأمر و أخرج كتابه الأقدس و شرع فيه و وضع الألواح (النصوص) التي تشرح تلك الشريعة، والتي نسخ بها شريعة البيان التي كان قد سبق و وضعها الباب، والتي كان الباب و اتباعه قد قالوا انها نسخت شريعة الفرقان (القرآن). [ صفحه 71] و عاش البهاء يحيط نفسه - فيما تبقي له من حياته - يهالة الجلال المصطنع و رفاهية تقترب من رفاهية الملوك والأمراء حتي مات في فلسطين 28 مايو سنة 1892، و في موته تحكي روايتان الأولي تقول انه مات مقتولا بين نفر ممن تبقي من أتباع أخيه «يحيي صبح الأزل» (الأزليين)، والرواية الثانية تقول انه أصيب بالجنون في آخر أيامه و حجبه ابنه عبدالبهاء عن الناس و تحدث بلسانه حتي مات، أما المتواتر عن موته فهو أنه مات بالحمي، و في كل الأحوال فقد مات البهاء و خلف وراءه ميراثا من عقيدة منحرفة بني عليها أخلافه أسطورة البهائية. [ صفحه 75] رأس حربة!
قد تتوافر المكاتب أو الباحث معلومات، لكن هناك من الكتاب والباحثين من ينفذ الي ما وراء هذه المعلومات، و منهم من يكتفي بالحلول السهلة والقراءة السطحية والقفز الي النتائج و هو يحسب أنه بذل جهدا علي الرغم من أنه لم يفعل الا رص المعلومات و تزيينها ببعض الجمل الانشائية، و اذا أردنا أن نمثل لهذا نسأل: هل مجرد وجود بيت العدل البهائي في حيفا بعكا هو دليل علي وجود علاقة أئمة للبهائية باسرائيل و بالصهيونية؟! بعض المهاجمين يقولون: نعم. بل و هناك أموال طائلة أنفقت علي حدائق بيت العدل و تجميله، بينما البهائيون يردون بالنفي و يقولون ان وجود البهائيين في عكا سابق علي تاريخ قيام اسرائيل سنوات كثيرة، و بالتحديد كان في سنة 1868، بينما قامت دولة اسرائيل سنة 1948 م (!!) و ما بين الاتهام والنفي تختلط الحقيقة علي البسطاء، تلك التي يمكن استخلاصها بقليل من اعمال العقل و قليل من البحث، والتحليل للعلاقات المبنية علي معلومات صحيحة و دقيقة. و أولي هذه الحقائق و أهمها تشير الي أن هناك تماسا بين العقيدة البهائية والعقيدة اليهودية الصوفية، و أن هناك تاثيرا كبيرا من الأخيرة علي الأولي، و يتجلي هذا التأثير في ايمان البهائية بعقيدة أو مبدأ الحلول أو وحدة [ صفحه 76] الخالق والمخلوق و من ثم فالخالق هو المخلوق، و حينما يعبد المخلوق الخالق فانه يتوحد معه و يعبد نفسه، أو يعبد قوة خفية لا يمكن الوصول اليها تشبه قوانين الطبيعة [8] ، و هذا الاعتقاد مؤسس علي قناعة ضمنية فاسدة مفادها أن توحد الاله في مخلوقاته يخضع من منظور بهائي الي مبدأ الاصطفاء أو الذاتية، و اليهودية تعتقد أن الشعب اليهودي بتوحد تماما بالخالق، و من ثم تصبح ارادة الشعب من ارادة الخالق، بل ان الخالق يحتاج الي الشعب لتكامله، و في ذات الوقت لا ارادة للشعب لأنه أداة في يد الخالق!! و في البهائية أن الاخلاص لها يعني توحد البهائي مع الجوهر الالهي، و بالتالي ركونه الي الراحة الأبدية والخلود الروحي، والروح هنا لا تفني بفناء الجسد، بل تنتقل من جسد الي آخر حتي تبلغ غايتها، و من يخالف تعاليمها فان جزاء روحه العذاب الأبدي المتجسد في البعد عن الاله. و سوف تعود فيما بعد لعقائد البهائية التي تتماس في جانب منها مع المسيحية - كما سبق و أن قلنا - والتراث الاسلامي فيما يتعلق بالايمان بعقيدة المهداوية أو المهدي المنتظر، تلك الفكرة التي تشبعت بها من البيئة الشيعية التي نشأت فيها، و هذه الفكرة كما قلنا (فيما تشبه) فكرة المسيح المخلص الذي ينتظره اليهود. و قد أبدي البهائيون ايمانهم بهذه العقيدة فاقتربوا من العقيدة الصهيونية، ورد اليهود الصهاينة والمستشرقون عبر - مخططهم - الهدية بأحسن منها، فقالوا عن البهاء انه المقصود بالامارة و سائر الألقاب التي وردت في الاصحاح التاسع من سفر أشعياء: «لأنه يولد [ صفحه 77] لنا ولد و نعطي ابنا فتكون الرياسة علي كتفه و يدعي اسمه عجيبا مشيرا قديرا أبا أبديا رئيس السلام»: و تأسيسا علي ما سبق فقد آمن البهائيون أن الخلاص اليهودي لن يتم الا بتجمع اليهود في فلسطين و انشاء مملكتهم و قدوم مخلصهم، حتي أن الرئيس الثالث للبهائية شوجي أفندي ألف كتابا بعنوان التوقعات المباركة، قال فيه: «لقد تحقق الوعد الالهي لأبناء الخليل ورثة الكليم (يقصد موسي سلام الله عليه)، و استقرت الدولة الاسرائيلية في الأراضي المقدسة، و أصبحت العلاقات و طيدة بينها و بين المركز العالمي للجامعة البهائية، و قال أيضا في حديث له مع وزير الدولة الاسرائيلي لشئون الأديان: «ان أراضي الدولة الاسرائيلية في نظر البهائيين واليهود والمسيحيين والمسلمين أراض مقدسة، و قد كتب حضرة عبدالبهاء (عباس أفندي والد شوجي أفندي) قبل أكثر من خمسين سنة انه في النهاية ستكون فلسطين موطنا لليهود، و هذا التنبؤ نشر في حبنه»!! أما اليهود الصهاينة فقد أطروا علي شوجي أفندي بما يمكن أن نسميه اطراء دينيا، فالكلام كما يقولون لا يكلف شيئا، و عندما يقولون عنه انه «مجد يهوه الذي تجلي بنوره علي مقربة من جبل الكرمل و أضاء الكون كله»، فلن يطالبهم أحد بتسديد الفاتورة، خاصة و أن يهوه هو الاله اليهودي رب الجنود، فهل كان اليهود بالفعل يعتبرون حفيد البهاء هو تجلي لالههم كما يقول المستشرق جولد تسيهر في كتابه (العقيدة والشريعة في الاسلام)؟! لكن هناك بعدا آخر سياسيا يتعلق بتلك المسألة التي تبدو أنها دينية، بينما تلعب فيها السياسة والاجتماع دورا آخر و مخططا طويل المدي يدخل فيه - دائما - بين البهائية والاسلام (الذي يمثله حكومات و دول اسلامية) [ صفحه 78] طرف ثالث يمثله دائما أعداء مرحليون أو استرائيجبون، ففي بداية الدعوة البابية تدخلت الحكومة الروسية عبر ممثليها في ايران و بايعاز من جهازها الاستخباراتي لتهيئة الأسباب لولادة الحركة البابية استجابة لمصالحها السياسية في ايران في ذلك التاريخ، و ما تدخل السفير الروسي في ايران لانقاذ الحركة و انقاذ زعمائها من الموت والسجن أكثر من مرة الا دليل علي ذلك، و ليس كما نقول الرواية البهائية - التي فضحت تلك العلاقة - ان السفير الروسي كان من ضمن الذين تأثروا بشدة من الاضطهاد الذي وقع علي البابيين و شراسة التعذيب الذي لاقوه، و نصف روايتهم كيف أنه في اليوم التالي لاعدام الباب أخذ السفير الروسي معه أحد الرسامين و طلب منه تسجيل تلك الحادثة المهمة علي الورق. هذه اللوحة التي بقيت تعطي فكرة عن ملامح الباب الذي كان وجهه الجزء الوحيد من بدنه الذي لم يمسه الرصاص. بل تذهب الرواية البهائية الي أكثر من ذلك، حين تقول انه بعد اطلاق سراح البهاء (خليفة الباب) من سجن (السياه جال) و صدور الأمر بنفيه مع عائلته الي العراق، عرض السفير الروسي (بايران) علي بهاء الله أن يذهب الي روسيا ليعيش مكرما فيها!!، و تمضي الرواية البهائية الي أبعد من ذلك حين تقول في معرض اظهار طاعة البهائيين للحكومات الوطنية: «و لكن بهاء الله رفض تلك الدعوة (دعوة السفير الروسي)، و أعلن عن رغبته في اطاعة أوامر الحكومة الايرانية، و بالفعل نفي البهاء الي العراق، و لكن السفير الروسي أصر علي أن ترافقه احدي الفرق الروسية ممع باقي المتفيين الي الحدود العراقية عبر جبال كردستان، بالاضافة الي الفرقة [ صفحه 79] العسكرية التي أرسلتها الحكومة الايرانية لمرافقته» [9] و ليس هناك معني لكل ما سبق الا أن الروس كانوا حريصين جدا علي حياة هؤلاء لاتمام مهمتهم و ذيوع و انتشار أمر البابية و من بعدها البهائية، لاشاعة الاضطراب السياسي والاجتماعي في طهران و ما حولها، و في الحرب علي الاسلام الذي يقف علي حدود روسيا، و هل هناك رأس حربة توجه الي صدر المجتمع الاسلامي و حكوماته و دوله أقوي و أحد من عقيدة تشتت المسلمين و تفرقهم؟! و من الروس الي الانجليز الذين استعانوا أيضا بالبهائية و زعمانها في حربهم ضد الدولة العثمانية و بعض مستعمراتهم في الشرق، و لذلك احتضتها المستشرقون الانجليز و روجوا لها، بينما قام زعماء البهائية - و أولهم البهاء - بارسال الرسائل التي تحمل دعوته البهائية الي حكام العالم و منهم ايران و تركيا و روسيا و بروسيا و النمسا و ألمانيا و انجلترا، والوقائع التاريخية تشير الي أن الذي قام بنشر كتاب البهائية (الأقدس) لأول مرة هو المستشرق اليهودي تومانسكي، و ذلك في سنة 1898 في ذات العام الذي عقد فيه ببلدة أكسفورد ببريطانيا المؤتمر الثالث لتاريخ الأديان، و قدمت الباحثة (أثيل روزنبرج) في هذا المؤتمر بحثها في الديانة البهائية و تعاليمها الخلقية والاجتماعية، و في عام 1908 نشر اليهودي (هيبولت درايفوس) كتابا في باريس بعنوان (البهائية: تاريخها و قيمها الاجتماعية) [10] . [ صفحه 80] و كما فعلت روسيا من اسباغ حمايتها علي الباب و من بعده اليهاء، تولت انجلترا اسباغ حمايتها علي البهاء و خلفه، بل ومنحت الأخير (عباس عبدالبهاء) و سام فرسان الامبراطورية لجهوده في دعم بريطانيا في مواجهة دولة الخلافة الاسلامية «الدولة العثمانية»، و تم منح عبدالبهاء هذا الوسام في حفل كبير أقيم بمقر الحاكم البريطاني في حيفا. و عند حصار حيفا أرسل اللورد كرزت تقريرا الي الخارجية البريطانية يلفت فيه نظرها الي أهمية الحفاظ علي حياة عبدالبهاء (المقدسة)، كما طلب اللورد بلفور - وزير الخارجية البريطانية صاحب الوعد الصهيوني الشهير - من الجنرال اللنبي وضع امكانيات القوات البريطانية في فلسطين في حماية حضرة البهاء و رفاقه، ورد عبدالبهاء الجميل بالهجوم علي الدولة العثمانية لأنها لم تعمل علي المساواة بين العرب و اليهود في فلسطين (لصالح اليهود بالطبع). و حين توفي عبدالبهاء في نوفمبر 1921 أرسل تشرشل - وزير المستعمرات البريطانية في هذا التاريخ - برقية الي حاكم فلسطين السيد هيربرت صموئيل يطلب فيها ابلاغ آل البهاء و البهائيين عامة تعازي الحكومة البريطانية و مشاركتها لهم الأحزان لفقد (السيد عبدالبهاء العظيم) [11] ، و حين تمنح بريطانيا عبدالبهاء هذا اللقب فهي تملحه أرفع أوسمتها، اعترافا منها بجليل خدماته لها، و هو نفس الأمر تقريبا الذي فعلته اليهودية والصهيونية مع البهائية و زعمائها حيث احتضنت ناشطبها البارزين و ساعدتهم علي الترويج لأفكارهم. [ صفحه 81] و في حركة اليهود الدؤوبة في البحث عن حلفاء لهم يدعمونهم في مشروع انشاء دولتهم في فلسطين، وجدوا في البهائية نموذجا لهذا الحليف (الديني و الاجتماعي) في منطقة الشرق الأوسط، تلك التي يسكنها المسلمون والمسيحيون، و حيث يرفض عقيدة و ميراث الأخيرين المشروع الصهيوني، بينما تتماس هذه العقيدة - كما أسلفنا - مع العقيدة اليهودية. و عن العلاقة المباشرة بين البهائية واليهود من سكان فلسطين، قيل ان المحفل الرئيسي للبهائية في عكا أقيم بأموال تبرع بها اليهود، و ان عباس أفندي (عبدالبهاء) كان يستقبل زعماء الحركة الصهيونية في مقره بحبل الكرمل، و أن البهائيين قاموا بدور تبشيري لصالح الصهيونية في العالم العربي، بل قاموا باقتفاء أثرها في دعوتها للخلاص بالعودة الي أرض الميعاد (فلسطين)، و بهذا الخصوص كتبت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة و قبل قيام دولة اسرائيل، أن «علاقة البهائيين باليهود في فلسطين هي أعمق من علاقة المسلمين بفلسطين، و أن البهائيين يدعمون تشكيل دولة صهيونية». و في أحد كتب عبدالبهاء عباس أفندي، كتب الآتي: «أنت تلاحظ و تري أن طوائف اليهود يأتون الي الأرض المقدسة من أطراف العالم، و يمتلكون القري والأراضي و يسكنون و يزدادون يوما بعد يوم حتي تصبح جميع أراضي فلسطين سكنا لهؤلاء»، و كان عباس أفندي يري في ذلك النجاح الذي بدأ اليهود يحققونه في فلسطين علي عهده دليل علي عظمة سلفه البهاء و عظمة دورته الالهية! و في 30 يونيو 1948 و عقب اعلان الدولة اليهودية بعث الزعيم البهائي شوجي أفندي برسالة الي بن‌جوريون - أول رئيس لدولة اسرائيل [ صفحه 82] - يعبر فيها عن أطيب تمنياته من أجل رفاهية الدولة الجديدة، مشيرا الي أهمية تجمع اليهود في مهد عقيدتهم!! و لن تستطيع الآلة البهائية الدعائية أن تنكر مثل هذه العلاقات حتي ولو قالت ان البهائيين دخلوا فلسطين قبل قيام دولة اسرائيل بسنوات طويلة!! فالأيام دارت والعلاقات قامت و توطدت تفضحها الأخبار الصادرة عن المجتمع والنظام البهائي نفسه، ففي المجلة البهائية التي تصدر عن المحفل البهائي العالمي في عددها الخامس الصادر سنة 1950 نشر الخبر التالي: «لقد عرف أيادي أمر الله - أعضاء المجمع البهائي - الي رئيس الجمهورية الاسرائيلية والسيدة عقيلته في المركز العالمي، و قد ذكر جناب الرئيس والسيدة عقيلته أنهما سبق لهما زيارة المولي أمر الله العزيز و تذكرا طوافهما بحقول و بساتين جبل الكرمل في سنتي 1911-1909 و اجتماعهما بحضرة عبدالبهاء». و بدورها اعترفت حكومة اسرائيل باستقلال العقيدة البهائية، و أقرت بها لتسجيل عقد الزواج البهائي، كما أقرت ما سبقتها اليه سلطة الانتداب البريطاني من اعقاء جميع الممتلكات البهائية من الضرائب والرسوم، و زادت علي ذلك بالغاء جميع الأوقاف الاسلامية في مروج عكا و حبل الكرمل و منحها لهذه الطائفة لبناء المقام الأعلي للبهائية، و أقرت بصورة رسمية الأيام التسعة المباركة في شريعة البهائية. و اجتمع ممثلو البهائية العالمية سنة 1951 برئيس الكيان الصهيوني «بن جوريون» و نشر خبر عن هذا الاجتماع في مجلتهم الأمرية، اعربوا فيه عن امتنانهم امتنان الجامعة البهائية للمعاملات الودية من الحكومة [ صفحه 83] الاسرائيلية مع البهائيين، و تقديرهم لما تبذله الحكومة الاسرائيلية من عناية و تفهم في حق قضايا البهائيين، و تمنوا ازدهار اسرائيل. و في سنة 1953 نشرت نفس المجلة خبرا عنوانه (بشارة عظمي) يقول متنه: «لقد اعترفت الحكومة الاسرائيلية بفرع المحفل البهائي الايراني في اسرائيل، و قد تم بالفعل تسجيله و اصبحت له شخصية حقوقية، و قد قال الهيكل المبارك، شوجي افندي، ان لهذا الأمر اهمية كبري، فلأول مرة في تاريخ هذه العقيدة يسجل فرع لها في بلد يعترف به رسميا، مع ان اصل المحفل في مؤسسته المركزية بايران لم يعترف به، و لم يسجل و ليست له شخصية حقوقية. و في نوفمبر 1957 نشرت ذات المجلة مقالا لأرملة شوجي افندي الأمريكية - روحية ماكسويل - قالت فيه: «ان مستقبلنا و دولة اسرائيل كحلقات السلاسل متصل بعضها ببعض». و في شهر أغسطس 1964 قام رئيس دولة اسرائيل بالزيارة التقليدية للمركز البهائي، و نشرت مجلتهم هذا الخبر، و أضافت: «و قدم حضرة الرئيس دعواته و تحياته لجميع البهائيين في العالم، و بعد استلامه هدية الذات المباركة أرسل رسالة يعبر فيها عن عواطف الصداقة والتقدير التي يكنها للجامعة البهائية» [12] . و للبهائيين في الدول الاسلامية أو في العالم أن ينكروا ما شاءوا عن علاقتهم باسرائيل أو بالعمل السياسي، لكنهم لن يستطيعوا أن ينكروا ما يمكن أن نفهمه بشي‌ء قليل من التفكير و اعمال العقل، والذي يمكن أن يقودنا [ صفحه 84] الي أن البهائية بدعوتها تتصادم مع الاسلام، و تلتقي بأعدائه (الروس - البريطانيين - الصهاينة)، أيا كان هذا العدو، والذي بدوره أسبغ عليهم دائما حمايته التي فقدوها في البلدان و مع السلطات الاسلامية، و لقد عبر الزعيم الثالث للبهائية عن هذا تماما حينما قال في كتابه (البديع) المجلد الثالث: «علي اثر الاحتلال البريطاني للأراضي المقدسة تمكنا من التخلص من المخاطر الجسيمة التي كنا نتعرض لها 65 سنة، وانجلي الميثاق الذي كان مخسوفا بالمحن والبلاء». اذن فمن الطبيعي أن يرتمي البهائيون في الأحضان الآمنة. أما المفاجأة التي سوف تكشفها الأيام القادمة فهي أن البهائية مرشحة لدور أخر تخريبي أكبر من الدور الذي قامت به في فلسطين، و هذا الدور بدأ بالفعل مع نهاية القرن العشرين، و ثم تدشينه مع مطلع القرن الحادي والعشرين، أو قبل ذلك بقليل. [ صفحه 87] الرواية البهائية
فاكس مجهول الهوية.. مجهول العنوان... وصلنا في المؤسسة الصحفية التي أعمل بها... و تنشر في دوريتها حلقات تفضح البهائية، و الفاكس يحمل كلمات ليست كثيرة، هذا نصه: «السيد رئيس التحرير السادة المحررون مازال هنا خلط و لغط في المفاهيم و عدم تحر للحقيقة برغم أن مهتتكم أساسها اظهار الحقيقة، بالاضافة الي عدم قناعة القاري‌ء لمقالاتكم التي تحتوي علي متناقضات مكشوفة للسذج من القراء، لذلك أظهروا الحقيقة للناس حتي تكسبوا احترامهم لأنهم قريبون احيانا من البهائيين». ثم عنوانين الكتروئيين لموقعين بهائيين علي شبكة المعلومات، مع اشارة لبعض الخطوات ليصل المتصفح الي ما يريده مرسل الفاكس المجهول. و اذا كان فيما سبق نوع من التبشير بالبهائية، فلقد لفت نظري أنه لابد من الاشارة الي الرواية البهائية أو الصورة التي يقدم بها البهائيون أنفسهم للناس. [ صفحه 88] و اذا كان ما قدمناه في السطور والصفحات السابقة يمثل الرواية التاريخية المتواترة عن البهائية، فمن الواجب أن نفحص رواية البهائيين، فنحن - كباحثين - لا نستطيع أن نتجاهلها، بل يجب أن نفحصها فحصا نقديا، ثم لا مناص أن نفعل ذلك لنكشف ما فيها من زيف و ضلال للأجيال القادمة التي سوف تصلها حتما تلك الرواية، و يجب أن نحصنهم منها حتي لا يصابوا بسمومها. و هذه الرواية البهائية التي حرص مدبجوها علي أن تعكس وجها مشرقا للأشخاص والحوادث، و نسقا محددا مبنيا علي منهج دعائي، الا أن فحصها الدقيق لابد أنه سوف يكشف ما بها من ثغرات و مطاعن و اضطراب، لأنها ببساطة تعتمد علي الخداع والكذب، و هي في هذا مثل الشيطان الذي أغري بعض الخلق باتباعه بل و عبادته، بعد أن زين معصيته و خطيئته للناس. و هم في روايتهم مثل المجهول صاحب الفاكس، الذي حاول ابهامنا أن «الناس قريبون أحيانا من البهائيين» و لم يحدد لنا ما نوع هذا القرب.. هل هو قرب مكاني؟! أو قرب في العقيدة والفهم؟! و لو كان الناس كذلك لكان مرسل الفاكس من الشجاعة بحيث يكشف عن هويته أو يفعل ذلك وسط الناس أو في ملأ منهم. و تعود الي رواية البهائيين عن أنفسهم و عقيدتهم المطروحة علي شبكة المعلومات لنكشف ما فيها من زيف، و أول هذا الزيف أن الكتب السماوية و أحاديث الأنبياء والأئمة بشرت بمجي‌ء الموعود الذي هو الباب، و كانت الفرقة الشيخية - التي أسسها الشيخ أحمد الأحسائي - احدي تلك الفرق التي أكدت علي وشك قدوم الموعود المنتظر!! [ صفحه 89] أما مسألة تبشير الكتب السماوية، فالقرآن لم يرد فيه علي الاطلاق ما يشير الي ذلك، و لا حتي الي تلك العقيدة التي يؤمن بها طائفة من طوائف الشيعة التي تكونت عقائدها بعد سنين طويلة من نزول القرآن، و ما يشير اليه البابيون أو البهائيون في هذا الأمر هو تأويل متعسف للآيات، و حتي النصوص التي أشاروا اليها في الكتاب المقدس علي أنها تبشر به أثبتنا فيما سبق أنها - عند أصحابها و واضعيها - لا تشير لا من قريب أو بعيد للباب أو البهاء، و شخصية الشيخ أحمد الأحسائي نفسه صاحب الفرقة التي روجت لقدوم المهدي أو الموعود مشكوك فيها تاريخيا، و قيل انها لجاسوس روسي نشرت مذكراته فيما بعد، ثم لنفترض أنه ليس كذلك، فمن عساه هذا الأحسائي حتي يبشر بقدوم نبي أو رسول من السماء للأرض؟! ثم - و هذا الأهم الذي لم توضحه لنا الرواية البهائية - ما هي وضعية الباب بالنسبة للبهاء؟! أيهما الموعود؟! و لماذا يكون الباب هو الموصل لمن يظهره الله؟! و لماذا يضع شريعة لينسخ بها القرآن، و يأتي بعده بسنوات قليلة البهاء ليضع شريعة ينسخ بها شريعة الباب؟! و يضع أخوه «يحيي صبح الأزل» هو الآخر كتابا لا أعرف ان كان نسخ أو لم ينسخ كتب البهاء والباب؟! ما هذا الهراء؟! ثم ما حقيقة هذه الشرائع الناسخة الماسخة!؟ (سوف نجيب عن هذا السؤال فيما يلي)، لكن قبل أن نتورط في شرائع البهائية نستكمل روايتهم عن الأحداث والأشخاص التي تقول فيما تقول: «خلال ما يقرب من المائة و ستين سنة منذ نشوء الديانتين البابية والبهائية، تحولت الاتهامات ضدهم (يقصدون ضدهما) حسب تطور العلاقات السياسية بين دول الشرق الأوسط و باقي الدول؛ فبعد أن اتهموا [ صفحه 90] بالعمالة للروس في القرن التاسع عشر صاروا يتهمون بالعمالة للانجليز في بداية القرن العشرين، ثم تحولت التهم الي العمالة لليهود منذ أواسط القرن العشرين» [13] . والحقيقة أنني في هذه السطور لا أتهمهم بالعمالة فقط، و لكن أتهمهم بالاستخدام أيضا و تبادل المنافع والمصالح الدنيئة مع تلك القوي الاستعمارية، و سبق أن شرحنا كيف تم هذا، و علي البهائيين اذا أرادوا أن يسقطوا هذه التهم عنهم أن يثبتوا أنهم لم يكونوا علي اتصال اطلاقا بتلك القوي الاستعمارية، و أن يثبتوا أن تلك القوي الاستعمارية تريد الخير للشعوب الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، و لذلك كانت تحتلها و تستنزف ثرواتها و تخضعها بالقوة المسلحة، ثم علي البهائية أن تثبت أنها تريد الخير للاسلام و تريد له الازدهار، و أنها لا تبشر وسط المسلمين والمسيحيين في بلدان الشرق الأوسط مثلما تفعل ذلك في اسرائيل فتلتزم حدودها المرسومة لها و لا تتعداها، و بالتالي ليست المسألة تطور العلاقات السياسية، لكن تحور القوي الاستعمارية و تتابعها علي المنطقة. و تبلغ الرواية البهائية قمة الاضطراب عندما تكذب نفسها في فقرات متتالية سوف نثبتها أولا ثم تعلق عليها؛ تقول الأولي: «و لقد سمح لبهاء الله في آخر سنوات حياته بالعيش في احد المنازل خارج حدود السجن، كنتيجة لاعلان التعبئة العامة في فرق الجيش التركي و حاجتهم لثكنات الجيش...». و في فقرة تالية تقول: «و خصص لبهاء الله و اسرته من قبل الحكومة منزل في الحي الغربي من المدينة (عكا)، ثم نقلوا الي منازل عديدة بعد ذلك»، [ صفحه 91] و في فقرة تالية تقول الرواية: «و عند تعيين احمد توفيق بك حاكما - علي عكا - جديدا تعرف علي اعمال عباس افندي (ابن‌البهاء) و قام بقراءة الكتب البهائية التي رفعها له المعارضون لاشارة غضبه ضد البهائيين، و لكن قراءته لتلك الكتب حفزته علي زيارة بهاء الله وادت هذه الزيارة الي تعرف الحاكم ببهاء الله عن كتب، و معرفة ما ينادي به والتاكد من حسن نواياه و نوايا اتباعه، مما دفعه الي تخفيف الحصر علي البهائيين». و في فقرة تالية تقول الرواية أيضا: «و لقد قام عباس افندي بعد ذلك بشراء مسكن في ضواحي مدينة عكا حيث عاش بهاء الله الي ان توفي في سنة 1892، و صار مرقده مزارا لاتباعه، و بقي ابنه عباس (عبدالبهاء) سجينا هناك الي سنة 1908 و بعدها اطلق سراحه». و اذا عدنا لقراءة نفس الفقرات سنجد أن البهاء سمح له بالعيش في أحد المنازل خارج حدود السجن في آخر سنوات حياته و خصص له و لأسرته منزل في الحي الغربي، ثم نقلوا الي منازل عديدة بعد ذلك، ثم تناقض الرواية نفسها فنقول «ان عباس افندي (ابن‌البهاء) قام بشراء سكن في نواحي عكا، حيث عاش بهاء الله الي ان توفي. (عباس افندي اشتري المسكن ام منحت الحكومة مساكن له و أسرته)؟! ثم تضيف الرواية في فقرة أخري: «و بقي ابنه عباس سجينا هناك الي سنة 1908 و بعدها أطلق سراحه!! (سجينا أين و هو يشتري المنازل أو تهبها الحكومة له و لأسرته... الي آخره...؟!، ثم تقول الرواية ان الحاكم أحمد توفيق تعرف علي أعمال [ صفحه 92] عباس أفندي (اية اعمال و هو سجين) ثم أعجب أحمد توفيق باعمال عباس أفندي فزار البهاء (؟!!). و في الرواية البهائية أيضا هناك كلام بخصوص الطاهرة والقدوس فلنقرأ تلك الرواية تحت عنوان «مؤتمر بدشت»، مع توضيح أن المقصودين بالطاهرة والقدوس: قرة العين و حسين علي النوري المازنداني: «اثناء وجود الباب في السجن قام بهاء الله الذي كان علي اتصال بالباب عن طريق المراسلة المستمرة بتنظيم مؤتمر البابية في صحراء بدشت الايرانية سنة 1848 م والاشراف عليه بصورة غير مباشرة، و لقد قام اثنان من أتباع الباب القدوس والطاهرة بالمساعدة بتنظيم المؤتمر و تطبيق برنامجه الذي كان يهدف الي توضيح تعاليم شريعة الباب والفصل الكامل بين البابية والاسلام، و تعبت الطاهرة دورا رئيسيا في تحقيق هذا الهدف. و يعتبر هذا المؤتمر من أهم الوقائع في التاريخ البابي، حيث أدت أحداثه الي ايضاح الفرق بين الديانة البابية والاسلام، و لقد ظهرت أم سلمي زرين تاج «الطاهرة» في المؤتمر من دون حجاب علي وجهها و ألقت بيانا بليغا علي الحاضرين من الرجال بطلاقة و حماسة، و رغم أنها كانت معروفة بالعلم والذكاء و حسن السيرة والسلوك، فان سلوكها هذا اعتبر في ذلك الوقت خروجا عن العادات والتقاليد والمبادي‌ء الاسلامية، و أدي الي أضطراب في نفوس بعض الحاضرين الذين تركوا المؤتمر بهلع و فزع لقيامها بما اعتبروه خرقا لما كان متعارفا عليه، و لقد دفعهم ما قامت به «الطاهرة» الي ادراك الاختلاف الجذري بين البابية والاسلام في السلوك [ صفحه 93] والعبادات، ودعت الطاهرة بقية الحاضرين الي الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة لما لها من أثر بالغ علي تطور البابية». و عند هذا الحد تسكت الرواية البهائية، فاذا ما عدنا الي النص و أحصينا لقب «الطاهرة» فسنجده تكرر خمس مرات يصف تلك المرأة التي يقول النص انها خرجت علي العادات والتقاليد والمبادي‌ء الاسلامية الي الدرجة التي اضطرب فيها الرجال و تركوا المؤتمر بهلع و فزع (!!) فهل مجرد كشف المرأة لوجهها يمكن أن يفعل هذا حتي ولو كان مخالفا للعادات والتقاليد في هذا الزمان؟! لا أعتقد و لا يصدق ساذج ذلك!! ثم من اطلق عليها وصف «الطاهرة» و اطلاق هذه الصفة في حد ذاته معناه أن هناك من يقول بعكس هذا أو ينفي عنها هذه الصفة، والنص يثبت حين يريد أن ينفي عندما يؤكد علي أنها معروفة ب «حسن السيرة والسلوك»، و أما ما لم يذكره النص فهو أن هذه المرأة وقفت وقالت: «ان احكام الشريعة المحمدية نسخت بظهور الباب، و أن أحكام الشريعة الجديدة البابية تصل الينا، و أن اشتغالكم بالصوم والصلاة والزكاة و سائر ما أتي به محمد لغو و باطل، و لا يعمل به الآن الا كل غافل و جاهل»!! ثم و حسب نص البهائيين الذي بين أيدينا «ودعت الطاهرة بقية الحاضرين الي الاحتفال» و لك أن تتخيل احتفاق امرأة وسط الصحراء بصحبة الرجال (هل خيالنا مريض؟!) لنفترض ذلك. و لنتخيل مع البهائيين حتي لا تغضبهم: أتري الطاهرة استمعت والرجال الذين كانوا بصحبتها لكونشرتو أو قطعة موسيقية؟ أو شاهدوا عرضا للباليه أو قرأوا مقطعا من مقاطع البيان الذي كان يعكف الباب علي تاليفه في هذا الوقت؟! [ صفحه 94] و من الثابت تاريخيا أن قرة العين الطاهرة قالت في خطبتها العصماء في ذلك اليوم في مؤتمر صحراء بدشت: «و لا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم، اذا لا ردع الآن و لا حد و لا منع و لا تكليف و لا صد، فخذوا حظكم من هذه الحياة فلا شي‌ء بعد الممات». و هذا ما جعل بعض الحضور يجفلون و يهربون من المكان بعد أن دعت الطاهرة الجميع للانخراط في حفل حفل جنسي جماعي!! و اذا لم يصل مثل هذا للبهائيين فليسألوا أقطابهم: لماذا لم تذكر الروايات مصير ذات الشعر الذهبي و لا ماضيها الذي هجرت فيه زوجها و أولادها حبا في الزعامة و متابعة الزعماء سواء أكان الزعيم هو الباب أو البهاء بعده؟! و في نفس الرواية في فقرة متأخرة، يفضح النص من حيث لا يدري ما اتفقت عليه قرة العين الطاهرة و رفيقها القدوس و نفذا في مؤتمر بدشت، هذا المؤتمر الذي عقد لنصرة الباب الهارب في قصر قريب يؤلف كتابه البيان، بينما تكشف الرواية البهائية ما اتفقا عليه بليل، فتقول: و لقد لعب بهاء الله دورا رئيسيا في انتشار دعوة الباب و خاصة خلال مؤتمر بدشت الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ البابية، و اتخذ حسين علي لنفسه خلال هذا المؤتمر لقب «بهاء الله»! و تكرر رواية البهائية في أن البهاء هو الذي اتخذ لنفسه هذا اللقب الذي يعني (حلول الله بنوره فيه)، ثم في فقرة تالية يقول نفس النص: «و يذكر التاريخ البهائي أن بداية نزول الوحي علي بهاء الله كانت خلال فترة وجوده في ذلك السجن (في القضية التي اتهم فيها بمحاولة اغتيال الشاه، و كانت بعد انعقاد مؤتمر بدشت بحوالي ثلاث سنوات) اذن [ صفحه 95] فقد كان «حسين علي» يناصر الباب و يدعو اليه هو و قرة العين، و في ذات الوقت يطلق علي نفسه بهاء الله دون أن ينزل عليه و حي بذلك.. فما رأيكم؟! الأدهي من ذلك أن «حسين علي» و حسب النص الذي بين أيدينا «استمر في ترويج دعوة الباب (بعد أن لقب نفسه بالبهاء) و تمتع بمكانة قبادية خاصة بين البابين و ألقي القبض عليه (بهاء الله) في سنة 1852 وزج به في سجن «سياه جال» و معناها النقرة السوداء، بعد محاولة فاشلة لاعتيال الشاه التي اتهم بهاء الله بالضلوع فيها رغم عدم توفر الأدلة، و لم تحمه مكانته الاجتماعية من التعرض لشتي أنواع العذاب والاضطهاد بعد ذلك، و يذكر التاريخ البهائي أن بداية نزول الوحي علي بهاء الله كانت خلال فترة وجوده في ذلك السجن، و لو أنه لم يفصح بذلك الا بعد مرور عشر سنوات». اذن الباب لم يعين بهاء الله و لكن بهاء الله هو الذي عين نفسه، و هو الذي أطلق علي نفسه هذا الاسم، أطلقه أولا ثم تدبر الأمر و هو في السجن و طمع في الزعامة والادارة خالصة له، فاخترع مسألة نزول الوحي عليه بعد ذلك بسنوات طويلة (10 سنوات)!... فما الذي اسكته كل هذه المدة؟! و ما عساه أن يكون هذا الوحي قد أوحي له به؟! لنفحص نصوص البهاء المقدسة حتي لا يتهمنا أحد بالتقول عليه. [ صفحه 99] الحقيقة عارية!
البهائيون يطرحون بهائيتهم كحركة اصلاحية تاريخية، و يحتجون علي معارضيهم بأنهم يلقون مقاومة كل جديد، و يقولون ان من يحاربونهم يحاربون علي أهواء الغالبية، و ان المقاومة ناتجة عن جهل بالحقائق... و ما الي ذلك من كلام يحمل دلالات الاضطهاد والظلم والعسف، و يشتت النظر الي حرائق صغيرة بعيدا عن الحريق الكبير، عن الحقيقة التي يدعون امتلاكها!! فلنحتكم لما يملكونه... الي الحقيقة عارية كما تركها أولهم و فسرها آخرهم! و علي سبيل المثال، يعتقد البهائيون أن كتاب «الأقدس» الذي وضعه البهاء حسين ناسخ لجميع الكتب السماوية، و في ذات الوقت يعتقدون أن جميع الكتب السماوية منزلة من الله سبحانه و تعالي، و يحثون أتباعهم من مختلف الخلفيات والمعتقدات علي دراسة هذه الكتب السماوية والتمعن فيها!! فمن يحل هذه المعضلة: الأقدس نسخ ما قبله من كتب سماوية، لكن ما قبله صحيح لأنه موحي به؟! والبهائيون المحدثون حاولوا ايجاد حل لهذه المعضلة فقالوا: ان كل عصر و له دينه، بمعني أنها ليست قضية أديان صحيحة و أديان باطلة، و لكن أديان علي المودة، و مودة هذا العصر هي البهائية؟! فما هو الجديد الذي جاءت به البهائية؟! هل جاءت بالحلول (أن تحل الروح في حيوات [ صفحه 100] متعددة و أجساد مختلفة؟!)، سبقتهم اليها الفلسفات الصينية والهندية، فهل عساها جاءت بوحدة الوجود؟! أيضا سبقتهم اليها تلك الفلسفات، اذن فربما جاءت بوحدة اللاهوت والناسوت، و كان البهاء يضع علي وجهه برقعا و قال عن نفسه في كتابه «الأقدس»، «من عرفني فقد عرف المقصود، و من توجه الي فقد توجه للمعبود»، حتي هذه سبقهم اليها العقيدة المسيحية، و اذا ما أنكر البهائيون هذه المسألة و قالوا ان دينهم يدعو الي الايمان بالله الواحد (الوحدانية)، فليفسر لنا أحدهم ما هو مثبت علي لسان البهاء و منشور في كتبهم و مواقعهم الالكترونية لا يحتمل التأويل و لا يحتاج الي تفسير، و بهاؤهم نفسه يمنع عليهم تأويل كلماته، و يأمرهم يأخذ النص بظاهره. يقول البهاء في ألواحه التي نزلت (كما يدعون) بعد كتاب «الأقدس»: «قل موتوا بغيظكم، يا اهل النفاق، قد ظهر من لا يعزب عن علمه من شي‌ء، و اتي من افتر به تغر العرفان، و تزين به ملكوت البيان، و أقبل كل مقبل الي الله مالك الأديان. و قام به كل قاعد و سرع كل سطيح الي طور الايقان، هذا يوم جعله الله نعمة للأبرار و نتمة للأشرار و رحمة للمقبلين و غضبا للمنكرين والمعرضين. انه ظهر بسلطان من عنده و انزل ما لا يعادله شي‌ء في أرضه و سمائه. اتقوا الرحمن يا ملأ البيان و لا ترتكبوا ما ارتكبه اولوا الفرقان الذين ادعوا الايمان في الليالي والأيام. فلما اتي مالك الأنام اعرضوا و كفروا الي ان افتوا عليه بظلم ناح به ام الكتاب في المآب. اذكروا ثم انظروا في اعمالهم و اقوالهم و مراتبهم و مقاماتهم و ما ظهر منهم اذا تكلم مكلم الطور و نفخ في الصور و انصعق من في السماوات والأرض الا عدة أحرف الوجه. يا ملأ البيان ضعوا أوهامكم و ظنونكم ثم انظروا بطرف الانصاف الي افق الظهور و ما ظهر من عنده و نزل من لدنه و ما ورد عليه من أعدائه هو الذي قبل البلايا كلها [ صفحه 101] لاظهار أمره و اعلاء كلمته. قد حبس مرة في الطاء (طهران) و أخري في الميم (مازندران) ثم الطاء مرة اخري لأمر الله فاطر السماء» ه. انظر ما يصف به البهاء نفسه: «مالك الأنام» و «افق الظهور»، «من لا يعزب عن علمه من شي‌ء» و «ما لا يعادله شي‌ء في ارضه و سمائه» و «مكلم الطور»!! فهل هذه صفات بشر أو نبي أو رسول؟! حاشا لله، انها صفات الله العلي القدير، فيها من الاطلاق ما لا يصح أن يوصف به بشر، و حين يلسبها البهاء لذاته فهو يقصد أن يلتبس الأمر علي المتلقي، فيسقط صفات القدرة عليه و يخرج بذلك من جبلة العابد الي ذات الخالق المعبود؟!! لقد سبقه الباب الي هذه المعتقدات التي صدرت عن الوسط الحلولي الباطني الذي تربيا فيه، و من طينته صنعا عقيدتهما، وعلي سبيل المثال فالشيعة يستخدمون مصطلح «النقطة الأولي» التي تشير الي محور الكون أو حرف الباء في البسملة، و هذا الوصف ذاته أطلقوه علي الباب، كما أطلقوا عليه ألقايا من عينة: «حضرة الأعلي» و«الرب الأعلي»، و مثل هذه الأوصاف التي كان كبار زعماء البهائية يفتتحون بها مكاتباتهم و رسائلهم، و كلها تخلط الحق و الباطل عن عمد، و لا تضع حدودا بين الخالق والمخلوق!! و تفعل ذلك عن عمد، حين تقرن النصوص البهائيةالمقدسة مشيئة الله القادر بمشيئة البهاء فيصدر الأمر من البهاء علي أنه تشريع رباني، حين يقول في كتابه «الأقدس»: قد عفا البهاء علي الناس صلاة الآيات اذا ظهرت». أو حين يقول: «رفع البهاء صلاة الجماعة، و كتب علي اتباعه الصلاة فرادي». [ صفحه 102] و يمضي في التشريع فيقول علي لسانه: «لا صوم و لا صلاة علي الحائض. و لهن أن يتوضان و يسبحن خمسا و تسعين مرة من الزوال الي الزوال». و يمضي هذا الخلط الذي لا يصدر الا عن نفسه مريضة تداخلت فيها الحدود و غاب التمييز، ففي النص التالي لا يمكن أن تميز صفات المتحدث صاحب النص الذي هو البهاء هل هو الله؟! هل هو البهاء؟! أو هو خلط متعمد: «ان أول ما كتب الله علي العباد عرفان مشرق وحيه، و مطلع امره، الذي كان مقام نفسه في عالم الأمر والخلق، من فاز به فقد فاز بكل الخير، والذي منع انه من اهل الضلال و لو يأتي بكل الأعمال»: أو حين يقول في ذات أقدسه: «قد تكلم لسان قدرتي في جبروت عظمتي مخاطبا لبريتي البرية ان اعملوا حدودي حبا لجمالي»؟! و يبلغ البهاء المدي حين يقرن بشكل صريح لا يحتمل التأويل أو التخمين اسمه بصيغة التوحيد و التنزيه، فيقول في رسالة تسبيح و تهليل: «اشهد انك كنت مقدسا عن الصفات و منزها عن الأسماء لا اله الا انت العلي الأبهي»!! او يقول: «اشهد بما شهدت الأشياء والملأ الأعلي والجنة العليا و عن ورائها لسان العظمة من الأفق الأبهي انك انت الله لا اله الا انت». [ صفحه 103] و اذا ما التبس الأمر عليك و ساورك الشك أن البهاء يقصد الله فلتقرأ الكلمات التي جاءت بعد هذا النص السابق: «والذي ظهر انه هو السر المكنون (البهاء) والرمز المخزون الذي به اقترن الكاف بركنه النون، أشهد انه هو المسطور من القلم الأعلي، والمذكور في كتب الله رب العرش والثري». ه. و حين يقول البهاء: «اقترن الكاف بركنه النون» فتصبر الكلمة «كن» التي ترمز الي فعل الخلق، فهو لا يقصد الا نفسه و خلقه الذي ظهر به السر المكنون والرمز المخزون، و حين يتحدث بصيغة الفاعل (أشهد)، فهو أيضا لا يقصد الا نفسه فهو الفاعل والمفعول و هو الصانع والصنعة، أو كما وصف هو نفسه بالأصل القديم والذي عنه تتفرع الأغصان، كما صرح فقال: «كلكم أغصان شجرة واحدة و أوراق غصن واحد»، بل لقد ذهب البهاء الي أبعد من هذا في النص التالي من ألواحه (باب دوم اللوح الأول)، حين قال: «سبحانك اللهم أسالك بالذي اظهرته و جعلت ظهوره نفس ظهورك و بطونه نفس بطونك، و باوليته حقق اوليتك و باخريته ثبت اخريتك، و بقدرته و سلطانه شهد كل ذي قدرة باقتدارك، و بعظمته شهد كل ذي عظمة بعظمتك و كبريائك، و بقيوميته عرف قيوميتك و احاطتك، و بمشيئة ظهرت مشيئتك، و بوجهه لاح وجهك و بامره ظهر أمرك، و بآياته ملئت الآفاق من بدائع آيات سلطنتك، والسماء من ظهورات آيات عز احديتك والبحار من لالي قدس علمك و حكمتك، و زينت الأشجار باثمار معرفتك، و به سبحك كل شي‌ء و توجه كل الأشياء الي شطر رحمانيتك، و أقبل كل الوجوه الي بوارق انوار وجهك، و كل النفوس الي ظهورات عز احديتك، و ما اعلي قدرتك و ما اعلي عظمتك و ما أعلي كبريائك الذي ظهر منه و أعطيته بجودك [ صفحه 104] و كرمك، فيا الهي اشهد بانه به ظهرت آياتك الكبري و سبقت رحمتك الأشياء، و لولاه ماهدرت الورقاء و ما غني عندليب الثناء في جبروت القضاء ه. وعد الي النص و عدد فيه الصفات التي قرن فيها البهاء ذاته بذات الله و انظر ماهية هذه الصفات.. فيحين يقول البهاء: «سبحانك اللهم أسألك بالذي أظهرته» فهو المعني بهذا الظهور، ثم يجعل ظهوره نفس ظهور الله، و بطونه (يقصد اختفاءه) نفس بطون الله (أستغفر الله العظيم)، و هكذا يمضي علي هذا المنوال فينسب لذاته أنه حقق أولية الله و أثبت اخريته (يقصد أبدية الله) و قدرته و سلطانه و عظمته و كبرياءه و قيوميته و احاطته و مشيئته، يعني لولا البهاء ما ظهر هذا لله و ما تحقق، و «بأوليته حقق أوليتك» أي جعلها حقيقة، و هل كانت قبل البهاء غير ذلك؟! و يمضي النص علي هذا المنوال يذكرنا بلعبة الحلاج و باقي الحلوليين، فحين قال الحلاج: ما تحت الجبة الا الله» و كان يعتصم بالتأويل فلا يضبطه أحد بقوله، فاذا سأله سائل: تقصد أنك أنت الله؟! فيقول: بل أنا مظهر لخلقه و تجل لذاته... و جاء من بعد الحلاج بمتات السنين من تبني نفس الأفكار و افتتن بها فضل و أضل بعض خلق الله الذين تبنوا ساذج قوله، فهو حين يقول في حديثه البهائي: «الحق يا مخلوقاتي أنكم أنا» فهو يمضي علي نفس الدرب الحلولي الباطني الذي لابد أن يقود الي الكفر و الضلال. و هل هناك تصريح بالكفر والضلال و اسقاط صقة الوحدانية التي لا تقبل الانقسام؛ أوضح من الآتي علي لسان البهاء في الألواح: «يا منزل البيان فما أحلي ذكرك نفسي و ذكري نفسك، أنت الذي اكتفيت بنفسك عن أنفس الخلائق كلها، أنت الذي أردت في ذكرك نفسي و أنا الذي ما أردت [ صفحه 105] في ذكري الا نفسك»، ماذا يريد أن يقول البهاء؟! انه يفرد الله عن الخلائق ثم يقرن ذاته به، لقد حل فيه (حاشا لله) و اجتمع فيه، و هو ناسوته و مظهر تجليه!! و للحقيقة فقد سبقه الباب الي هذه الأفكار، بل تكاد تكون معتقدات البهاء صورة طبق الأصل من معتقدات الباب، فقد ادعي محمد علي الشيرازي أولا أنه اثبات الي المهدي المنتظر نفسه، ثم أعلن أنه نبي، و لم يلبث طويلا أن ادعي الربوبية، و هذا ما تصرح به كتب البهائيين مثل كتاب «الدليل والارشاد في لقاء رب العباد»، و قد ورد فيه ص 124: «فقد رأي الرسول الرب سبحانه و تعالي متجليا في حضرة علي محمد الباب». و جاء في صفحة 122: «فالله جل جلاله يتجلي لعباده مرتين في هذه الدورة، فاولا بحضرة مظهر الربوبية والمبشر الأعظم بحضرة بهاء الله السيد علي محمد الباب، ثم بجمال القدم حضرة بهاء الله الذي هو المقصود الأول». اذن فلم يكتف البهاء بسرقة الزعامة والطريقة من الباب و من بعده من أخيه يحيي صبح الأزل، و لكنه سرق الأفكار والتوجهات والأسلوب و جعل لنفسه السيادة والأولية!! طيب، ما رأيكم أنه وضع في أقدسه قانونا زمنيا لتوالي الرسل والأنبياء، و هو أن يكون بين الواحد والآخر ألف عام، فقال في أقدسه: «من يدعي أمرا قبل اتمام ألف سنة كاملة انه كذاب، فقد نسأل الله بأن يؤيده علي الرجوع ان تاب انه هو التواب، و ان أصر علي ما قال يبعث عليه من لا [ صفحه 106] يرحمه انه شديد العقاب. من يؤول هذه الآية أو يفسرها بغير ما نزل في الظاهر. انه محروم.. الي آخره». و هذا يعني أن هذا الحكم الظاهر لا يحتمل التأويل، فلماذا استثني البهاء نفسه من هذا الحكم و هو يعلم تمام العلم أن الباب قد سبقه في اعلان نفسه و أنه أقره علي هذا الاعلان و سانده الي أن (طقت) الفكرة في يافوخه فادعي هو الآخر الأمر!! هذا الأمر الذي يزيده أن البهاء أقنع أصحابه أنه قد مرت ألف سنة بينه و بين الباب، فيقول في كتاب البديع: «كان المشركون انفسهم يرون ان يوم القيامة خمسون الف سنة فانقضت في ساعة واحدة!! افتصدقون يا من عميت بصائركم ذلك و تعترضون أن تنقضي الف سنة في سنين معدودة. فهل رأيتم استخفافا بالعقول مثل هذا؟! و في مؤتمر جماهيري في صحراء بدشت ادعي أتباع الباب (والبهاء واحد منهم) أن صاحبهم أتي بشريعة نسخت شريعة الفرقان (القرآن)، قالوها بتيجح عار من الأدب، و يشاء الله أن يزيد ضلالات المضلين المضللين، فتأتي الفكرة الشيطانية كما أسلفنا للبهاء و يبدأ من هذا المؤتمر تنفيذها، و بعد قليل يعلن نفسه أنه الموعود، و يضع كتابا يدعي فيه أنه أتي بشريعة منزلة و أحكام غير تلك التي وردت في البيان والفرقان. والبهائيون يدافعون عن أنفسهم و يقولون ان خصومهم يتهمونهم بأنهم ابتدعوا عبادات خاصة بهم من صلوات يتجهون بها نحو قصر البهجة في عكا عند أدائها و زكاة و صوم علي طريقتهم و حج الي قصر البهجة المذكور. [ صفحه 107] و لا ينكر البهائيون كل ما سبق، بل يقولون انهم يفعلون ذلك كأتباع دين مستقل عن باقي الديانات، و لهم عباداتهم و ممارساتهم الخاصة، والطريف أيضا أن نفس النص الذي يقدم البهائية علي أنها دين خاص و يدافع عنها ورد فيه: و انتقل عبدالبهاء (عباس أفندي) الي حيفا حيث عرف بخدمته و مساعدته للفقراء والمساكين، وحض أتباعه علي «معاشرة الأديان بالروح والريحان» و حضر الصلوات في المساجد والكنائس والمعابد مثبتا اعترافه بوحدة الأديان و مصدرها» [14] . فلماذا يفعل عبدالبهاء هذا؟! لأنه يدرك أن ما دعا اليه أبوه هو ديانة تلفيقية لا ترقي بأي حال من الأحوال لما يتنزل من السماء، بل لا نبالغ اذا قلنا ان البهاء غير فيها لمجرد التغيير حتي يدعم دعواه، و أنه أحيانا وضع أحكامه هزلية لا يملك المرء حيالها الا الضحك سخرية، و نحن لن نتقول عليه و لكن لندع نصوصه هي التي تشهد. في كتاب الأقدس جاء هذا الحكم: «و ان تكفنوه في خمسة اثواب من الحرير والقطن، من لم يستطع يكتفي بواحدة منهما، كذلك قضي الأمر من لدن عليم خبير. حرم عليكم نقل الميت أريد من مسافة ساعة من المدينة ادفنوه بالروح والريحان في مكان قريب». و لا بد ازاء الأحكام «الحانوئية» السابقة أن تتلبس المرء الدهشة و يسأل نفسه: لماذا شغل السيد البهاء نفسه بمسألة تكفين الميت أو نقله مسافة لا تزيد علي ساعة من المدينة، خاصة أنه لم يقل لنا هل نحسب المسافة سيرا [ صفحه 108] علي الأقدام أم البغال والحمير أم السيارة أم الطيارة أم...؟!! والله انه لأمر محير و يستحق أن توضع فيه الكتب. و ورد في ألواح البهاء: «البسوا السمور كما تلبسون الخز والسنجاب و ما دونهما، انه ما نهي في القرآن، و لكن استنبه علي العلماء، انه هو العزيز العلام». و هاهو السيد البهاء في اشتغال نفسه بالأقمشة والألبسة و متابعتها حتي بعد وفاة أصحابها، يستصدر حكما بأن تؤول (ترجع) للوارث الذكر حين يقول في أقدسه: «و جعلنا الدار المسكونة والألبسة المخصوصة للذرية من الذكران دون الانات والوراث انه لهو المعطي الضياض». و لا مانع أن يضفي البهاء علي أحكامه بعض الغموض كأن يقول: لا يبطل السفر صلواتكم و لا ما منع عن الروح مثل العظام و غيرها؟!! و اذا فهمنا الشطر الأول الخاص بالسفر والصلاة فماذا يقصد السيد البهاء بالشطر الثاني والروح والعظام؟! و يقول أيضا البهاء: «ان الذي وجد عرف الرحمن، و عرف مطلع هذا البيان، انه يستقبل بعينه السهام لاثبات الأحكام بين الأنام». ان كلام البهاء أغراني أنا شخصيا أن أولف له من عندي مثل هذا الكلام فأقول: «فاتعظوا يا أيها اللئام حتي لا تغضل أعينكم و تنام عن تلكم الأحكام» [ صفحه 109] و حتي اضافتي أنا السابقة يمكن أن تفهم، و أقسم أنني أستطيع أن أضع عشرات الجمل والسطور مثلها بدون أخطاء في الاملاء أو في أبسط قواعد اللغة كما يفعل البهاء، و لكني أخاف الله و أتحسب عقابه و أستعيذ به أن أضل أو أضل. و نستطيع أن نمضي مع البهاء والبهائيين الي أقصي مدي في مناقشة كتبهم و ما تحتويه، و نثبت عليهم كذب دفوعهم و انكارهم المقصود (لمن يعلم منهم) بتلك الشرائع والعقائد الباطلة، والتي يمكن أن توجزها فيما يلي: العقائد: - يعتقدون بوحدة الأديان حتي تلك الفلسفات الالحادية و يقولون ان أصلها و منشأها واحد!. - يعتقدون باستمرار الوحي، لكنهم يشترطون أن يمر ألف عام بين المرسلين، و استئنوا فقط من هذه القاعدة المدة الزمنية بين الباب والبهاء، أو خدع الأخير أتباعه و أوهمهم أن المدة انقضت معجزة من الله، و علي هذا الأساس السابق يفسرون المقصود يختم الرسول محمد للرسالة والنبوة بأن اللفظ (خاتم) هو المعني المادي للكلمة... والخاتم هو ما يلبس في الأصبع و يتزين به!!. - يؤمنون بالمهداوية، و بالتالي لا ينكرون نفس العقيدة في الأديان الأخري مثل اليهودية التي تنتظر المسيح المخلص. - لا يؤمنون بالجنة أو النار لأن الجنة والنار علي الأرض، و حسب أعمال العبد تحل روحه في جسد أخر بصورة أخري و هي فكرة عاقبة الأعمال أو (الكرما)، التي تشيع في فلسفات الهند والصين، [ صفحه 110] و هذه الفكرة تسقط مسئولية الفرد عن أعماله و تسقط الحكمة الالهية في خلق الله «كل انسان ألزمناه طائره في عنقه» فصدق الله و كذب البهاء. - لا يؤمنون بالملائكة والجن. - لا يؤمنون بالحياة البرزخية بعد الموت، بل يقولون انها المدة التي انقضت بين سيدنا محمد و انبعاث الباب. - يؤمنون بصلب المسيح و بتجسده و بناسوت الله و لاهوت المسيح، و هو نفس ما ادعاه الباب والبهاء و بثاه في ثنايا كتبهم التي تعبر عن عقيدتهم. - يؤمنون بالقيمة العددية للحروف (كل حرف له عدد يساويه) لأنهم تربوا في وسط باطني تأويلي يشيع فيه الحروفيون، و لهذا السبب قدسوا العدد 19 لأنه يكافي‌ء كلمة: واحد و حساب عدد حروفها كالتالي: الواو - 6. الألف - 1. الحاء - 8. الدال - 4. فيكون المجموع 19. و لنتوقف هنا قليلا لننبه الي فتنة الكلمة و فتنة العدد، أما الكلمة التي افتتنوا بها فهي (واحد) و ليست (أحد)، والواحد يصدر عنه واحد من ذاته و ماهيته - كما يقول الفلاسفة - و عنه يتسلسل الوجود بواسطة، والواحد هو أول العدد و يثني و يجمع علي الكثرة فيقال (أحدان) و يجمع (وحدان). [ صفحه 111] أما (أحد) فهي من الوحدانية، أو كما يقول اللغويون: التي معناها أنه يمتنع أن يشاركه (الله) شي‌ء في ذاته أو صفاته و أنه منفرد بالايجاد والتدبير العام بلا واسطة. لكن لفظة الواحد تناسب عقيدة البهاء أكثر من لفظة أحد، فافتتن بها و جعل قيمة حروفها العددية (19) عددا لشهور السنة و أيام الشهر و أيام الصوم، و قد انطمست الغشاوة علي عين البهاء فلم يع قول الله تعالي في آية من آياته: (سأصليه سقر - و ما أدرئك ما سقر - لا تبقي و لا تذر - لواحة للبشر - عليها تسعة عشر - و ما جعلنا أصحب النار الا ملئكة و ما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتب و يزداد الذين ءامنوا ايمنا) (سورة المدثر: 26 - 31) صدق الله العظيم، و كذب البهاء الذي حاول أن يوظف العدد في كل شي‌ء و أي شي‌ء: «كتب عليكم تجديد أثاث البيت في كل تسعة عشر عاما»؟!. و افتتن البهاء والبهائيون أيضا - كما أسلفنا - بالعدد 9 فجعلوا نجمتهم المقدسة ذات 9 رؤوس، و بنوا معبدهم المسمي مشرق الأذكار من 9 جوانب عليه قبة مكونة من 9 جوانب، و جعلوا مجالسهم المحلية تتكون من تسعة أفراد، و جعلوا الهيئة العليا التي تدير محفلهم تتكون أيضا من 9، فهل عميت أبصار البهائيين و بصر بهائهم عن قول الله تعالي و قوله الصدق: (و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون) [ صفحه 112] اتري البهاء لم يقرأ هذه الآيات الواضحة الصريحة التي لا تحتاج الي تأويل، بينما تعسف في تأويل آيات أخري من الذكر الحكيم فجعل المقصود يقول الله تعالي: (و اذا العشار عطلت) جمع الوحوش في حدائق الحيوان، و جعل (و اذا النفوس زوجت) اجتماع اليهود والنصاري علي دينه، و جعل (يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الاخرة) الايمان بمحمد صلي الله عليه و سلم في (الحياة الدنيا) والايمان بالبهاء في (الاخرة). والأحكام: يقول البهاء في أقدسه: «لا تحسبن انا نزلنا لكم الأحكام، بل فتحنا ختم الرحيق المختوم، بأصابع القدرة والاقتدار، يشهد بذلك ما نزل من قلم بالوحي، تفكروا يا اولي الأفكار». و ليس المجال هنا الحديث عن هذه اللغة المتهافتة، و لكن الحديث عن الأحكام التي يقول البهاء انها نزلت من قلم بالوحي، و هذه عينة من أقواله التي هي أحكامه والتي ينكرها المدافعون عن البهائية: - في الصلاة يقول: «و اذا اردتم الصلاة ولوا وجوهكم شطر (الأقدس) المقام المقدس، الذي جعله الله مطاف الملأ الأعلي، و مقبل أهل من مدائن البقاء و مصدر الأمر لمن في الأرض والسماوات، و عند غروب شمس الحقيقة والتبيان، المقر الذي قدرناه لكم، بأنه لهو العزيز العلام». هو اذا حول القبلة نحو الأقدس. [ صفحه 113] و يقول أيضا: «قد نزلنا في صلاة الميت ست تكبيرات من الله منزل الآيات، والذي عنده علم القراءة له ان يقرا ما نزل قبلها والا عفي الله عنه انه العزيز الغفار». و قال أيضا في الصلاة: «لا يبطل السفر صلواتكم و لا ما منع عن الروح مثل العظام و غيرها». و في الطهارة: «و ان من لم يجد الماء يذكر خمس مرات: بسم الله الأزهر الأطهر». و في الصلاة أيضا: «الأيام التي طالت فيها الليالي والأيام يصلون فيها الساعات». و قال أيضا: «قد عفا البهاء عن الناس صلاة الآيات اذا ظهرت». (يقصد البهاء صلاة الخسوف والكسوف و انقطاع المطر الي آخره)، لكن لماذا السيد البهاء عفا عنها؟ و هل العفو أو النسخ يكون من البهاء أم من رب البهاء؟!. - و رفع البهاء صلاة الجماعة و جعلها صلاة فردية الا الصلاة علي الميت، و رفع أيضا الصوم والصلاة عن المرأة الحائض، «و لهن ان يتوضأن (الحائضات) و يسبحن خمسا و تسعين مرة من الزوال الي الزوال». - و في السفر يقضي المسافر كل صلاة سجدة واحدة والعاجز عن ذلك يقول سبحان الله. [ صفحه 114] - والصوم يكون 19 يوما، و فيه يتم الامتناع عن الطعام والشراب مثل صوم المسلمين، لكنه (البهاء) يريد أن يختلف لذلك جعله 19 يوما فقط. - و الزكاة استبدلت بما يشبه الضريبة و مقدارها 19% تؤدي سنويا من رأس المال. - والحج للرجال دون النساء!! و يتوجه فيه الرجال لقبر البهاء يقصر البهجة في عكا الذي أسماه «دار السلام»، و في الألواح (لوح أعمال حج بيت أعظم). - و لمن أراد أن يتوجه الي شطر القدس... بأن يخرج من بيته مهاجرا الي الله الي أن يدخل في المدينة التي سميت ب «دار السلام»، و في فقرة تالية يضيف: «ثم يبهي الله و بشرع في الطواف و يطوفن حول البيت سبعة مرات». - و في حد الزنا ورد في الأقدس: «قد حكم الله لكل زان و زانية دية مسلمة الي بيت العدل، و هي تسعة مثاقيل من الذهب». فهل هذا نهي أم رخصة مثمنة علي أثرها يزني الزاني و هو يعرف السعر مقدما فيسدده لبيت العدل؟! و هناك كثير من الأحكام العجيبة في البهائية لا تتسع هذه الدراسة لمناقشتها. [ صفحه 115] لكن أخطر ما دعا اليه البهاء هو تحريم الجهاد؟!، هذا علي الرغم من أن دعوة البهاء و من قبله الباب أعلنت علي أجساد و رقاب ضحاياها، فهل أصدر البهاء هذا الحكم خوفا من انقلاب تابعيه عليه، أم ليسكت به أتباع أخيه يحيي صبح الأزل؛ الذين اشتهروا بالأزليين و ظلوا يحاربونه و يسعون في قتله حتي قيل انه مات مقتولا يأيديهم، و هي رواية لا نكذبها و لا نصدقها، بل نرجح أن نفرا من هؤلاء قد حاول اغتياله و لم تنجح المحاولة في القضاء الفوري عليه، و لكنه أصيب و علي اثر هذه الاصابة دخل في حالة من المرض استدعت حجبه عن الناس و اعلان اصابته بالحمي والهذيان، حتي تواتر أنه أصيب بالجنون، لكنه في كل الأحوال ذهب و بقيت دعوته موضع ضعف ينفذ منه أعداء الدين والوطن. و يبقي في قصة البهائية سؤال مهم: اذا كانت البهائية بعقيدتها و أحكامها قد ابتعدت كل هذه المسافة عن الاسلام، فلماذا يشاع أو يقال انها فرقة من فرق الاسلام؟ والاجابة تتخلص في أنها خرجت أولا من أوساط الشيعة و هي فرقة اسلامية، و هي في تكوينها أقرب الي الشيعة الاسماعيلية التي اشتهرت بفرقة الحشاشين الباطنية، و استغل البهاء - و من قبله الباب - الفضاء الرحب لتأويل النص الديني في تلك المذاهب والفرق، فابتدع ما ابتدع من عقائد و أحكام و كتب قال انها مقدسة، استمدت مادتها الأولية من النص العظيم القرآن كلام الله، فحرفه و أنزله في غير منزله، ولفق الألفاظ لتبدو شبيهة بالنص المقدس و لكن في نسق مضطرب، و مع حشر كلماته التي حاول أن يميز بها نصوصه عن النص القرآني، خرجت النتيجة شائهة، و لكم أن نتخيلوا مدعيا لمهنة الجراحة يأتي بجنين من خلق الله، فيقطع أنفه و يلصقه في القفا، و يفصل أذنيه و يثبتها في جبهته، و يفقا له عينا [ صفحه 116] و يخيط له نصف فيه، فماذا عاه أن يكون شكله؟! والأدهي ان يدعي بعد ذلك أنه من خلق الله، و في السطور التالية عينات من جنين البهاء المشوه الذي حاول أن يسوقه للدهماء فقال: «قل تالله لا تغنيكم اليوم كتب العالم و ما فيه من الصحف الا بهذا الكتاب»، فماذا قال البهاء في هذا الكتاب؟! قال الآتي: «ينبغي اليوم لمن شرب رحيق الحيوان من يد الطاف ربه الرحمن أن يكون فياضا كالشريان في جسد الأمكان». و سوف أقاوم ما استطعت الرغبة في السخرية، لكن ألستم معي في أن البهاء كان رجلا مهزارا أم تري أن الشيطان أعماه عن مدي الخطا والضلال في كلامه.. فما هو رحيق الحيوان؟! و ما هو جسد الأمكان؟! و حين يقول: «تالله انكشف الحجاب انكم تنصعقون»، و هذه اللفظة الأخيرة تنصعقون تكررت كثيرا في كلام البهاء، و هي ليست الا دليلا علي فساد ذوقه اللغوي و سوء بيانه.. و للأستاذين د. محمد عبدالمنعم خفاجي ود. عبدالعزيز شرف دراسة رائعة في الرد علي البهائيين في ضوء المنهج اللغوي، تكشف زيف ما أتي به البابيون والبهائيون، و تكشف أمراض لغتهم التي تتمثل في أربعة أمراض، هي كما وردت في كتاب بعنوان: الرد علي البهائيين في ضوء المنهج اللغوي: 1- الحبسة اللفظية: حيث يصعب استدعاء الكلمات سواء في القول أو الكتابة، فتكون النتيجة أن يخرج تركيب اللفظ مختلا. [ صفحه 117] 2- الحبسة الاسمية: و يسي‌ء فيها (المريض) استخدام الأسماء، و يعجز عن فهم معني الكلمات والرموز. 3- الحبسة النحوية: و يعجز فيها مريض اللغة عن ترتيب الكلمات حسب نغمة اللغة و قواعد النحو. 4- الحبسة الدلالية: حيث تغيب دلالات النص عندما تغيب فكرته و معناه، و يضطرب مضمونه. و يورد أصحاب الدراسة عشرات الأمثلة نورد منها مثالا واحدا؛ فقد ورد في كتاب الأقدس؛ ان أول ما كتب الله علي العباد عرفان مشرق وحيه، و مطلع أمره، الذي كان مقام نفسه في عالم الأمر والخلق، من فاز به فقد فاز بكل الخير، والذي منع انه من أهل الضلال و لو يأتي بكل الأعمال..». والنص السابق هو ما افتتح به كتاب البهاء، والكتب تعرف دائما باستهلالها الذي يدل علي مظهر بلاغتها و تصوير لانتماءاتها، كما يقول صاحبا البحث و يضيفان متسائلين: ماذا في هذه الافتتاحية؟! و يجيبان: «هنا فقرتان الأولي منهما يحوطها الغموض من كل جانب... ماذا يريد أن يقول (النص)؟ انه لا مضمون و لا فكرة و لا معني بدون صياغة واضحة قوية بليغة تؤديها. البهائيون دائما يلجئون الي الغموض والرمز، فتجي‌ء لغتهم ضبابية الصياغة غائمة الأفكار، و من هنا أدعوا التاويل فرارا من الوضوح و أدعو فلسفة التأويل للخروج من دلالة النص». [ صفحه 118] و يتساءل الباحثان: لماذا جعل صاحب الأقدس المعرفة وحدها سبيا في الفوز بالخير؟ ذلك هو قصور العقل و ضلال التفكير والبعد عن النهج السليم.. فما جدوي المعرفة بلا عمل. أما قوله (البهاء) «والذي منع انه من أهل الضلال ولو يأتي بكل الأعمال». (الذي) اسم موصول يحتاج الي صلة، و هي هذا الفعل (منع) و يحتاج الي عائد و ليس العائد موجودا في الكلام، فيكون التركيب ناقصا، و صحة الأسلوب هنا أن يقول القائل: «والذي منع منه (أي من العرفان) انه من أهل الضلال». و حتي لو قالها البهاء، فهذا اسلوب ردي‌ء غاية الرداءة سقيم غاية السقم، أين البلاغة والفصاحة والبيان فيه؟! و ماذا هذا السجع الردي‌ء: انه من أهل الضلال ولو يأتي بكل الأعمال!! انه العيب الأكبر والعجز الفاضح عن الاتيان بأسلوب بليغ. و في الفقرة الثالثة من الأقدس يقول البهاء: «انا أمرناكم حدودات النفس». و يسأل الباحثان: «لماذا جمع جمعا مؤنثا مع أنه جمع تكسير؟! هذا خطأ في العربية التي لا تقبل أن تكون الكلمة جمعا و هي في الأصل جمع، أي «حدود» ثم ما هي حدودات النفس؟! الاجابة هي أخطاء في اللغة والتعبير!! [ صفحه 119] و نكتفي من دراسة د.محمد عبدالمنعم خفاجي ود. عبدالعزيز شرف بهذا القدر البسيط، و نحيل من يريد الاستزادة الي الأصل، لكن و قبل أن نغادر محطة الحديث عن لغة البهاء و تراثه التلفيقي الذي تركه لضلال البسطاء والعوام والدهماء، والذين في قلوبهم مرض والذين أرادوا لأنفسهم الضلال فزين الله لهم ما أرادوا، نثبت بعضا مما أتي في كتب البهاء المختلفة و ما أكثرها في أحد الألواح (لوح ششم) يقول البهاء: «أي رب أسألك بنفسك العلي الأعلي ثم يطهروك كرة أخري الذي به انقلب ملكوت الأسماء و جبروت الصفات و أخذ السكر سكان الأرضين والسماوات والزلزال من في ملكوت الأمر والخلق الا من صام عن كل ما يكرهه رضاك، و أمسك نفسه عن التوجه الي ما سواك، بأن تجعلنا منهم و تكتب أسماءنا في لوح الذي كتبت أسماءهم، و انك يا الهي ببدايع قدرتك و سلطنتك اتشعبت أسمائهم من...». في الألواح أيضا يقول: «قد نزلت النقطة مرتين كما نزل المثاني كرتين والحمد لله الذي أظهر النقطة و فصل بمنها علم ما كان و ما يكون و جعلها منادية باسمه و مبشرة بظهوره الأعظم الذي به ارتعدت فرائض الأمم... الي آخره». و يقول أيضا: «يا أيها السائل الناظر والذي اجتذب الملأ الأعلي بكلمته العليا ان الطيور ممالك ملكوتي و حماحمات رياضي حكمتي تغردات و نغمات ما اطلع عليها الا الله مالك الملك والجبروت ولو يظهر أقل من سم الابرة ليقول الظالمون ما لا قاله الأولون». [ صفحه 120] و يقول أيضا: «و يرتكبون ما لا ارتكبه أحد في الأعصار والقرون، قد أنكروا فضل الله و برهانه و حجة الله و آياته، ضلوا و أضلوا الناس و لا يشعرون، يعبدون الأوهام و لا يعرفون، قد اتخذوا الظنون لأنفسهم أربابا من دون الله و لا يفقهون، يتبعون أهواءهم معرضين عن الله المهيمن القيوم، قل تالله قد أتي الرحمن بقدرة و سلطان و به ارتعدت فرائص الأديان». و يقول في لوح ينجم: «اللهم اني أسألك بشعراتك التي يتحرك علي صفحات الوجه كما يتحرك علي صفحات الألواح قلمك الأعلي و بها تضوعت رائحة مسك المعاني في ملكوت الانشاد». ما هذا الهذيان والخرف؟ ما هذه الركاكة والضعة والضعف؟! هل يصدق نصف عاقل أن هذا الكلام يصدر عن الله؟! حاشا وكلا، و فيها تحسيد لذات الله حين يقول شعراتك التي يتحرك علي صفحات الوجه، و تعبيرات ركيكة من مثل «ما لا ارتكبه أحد في الأعصار والقرون»، «فرائص الأديان» «فرائص الأمم» و أخطاء ساذجة في الاملاء و قواعد النحو.. هذا هو اعجاز البهاء الذي يذكرنا باعجاز مسيلمة الكذاب حتي ولو نمق هذا الاعجاز بكلمات عن الحب والمساواة والخير والوحدة والتالف يقصد أن يستميل بها السذج، لكنه لن يفعل الا مع من لديهم قابلية لتلك الاستمالة. و في البهاء - كما في مسيلمة - يصدق قول رسول الله صلي الله عليه و سلم: «لا تقوم الساعة حتي يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله»صدق رسول الله صلي الله عليه و سلم. [ صفحه 123] البهائية والأديان السماوية
من السذاجة أن تتصور أن البهائية التي نقرأ اليوم عنها أو نقرؤها من خلال نصوصها و توجهاتها هي ذاتها البهائية التي روج لها حسين علي الذي اشتهر باسم البهاء، و اشتهرت طريقته أو دعوته بالبهائية، فقد أضيف للبهائية الكثير حسب مقتضيات الحال و أفكار الخلف للسلف، و كانت كلها اضافات لتجميل وجه البهائية والتحايل لصد الهجمات والضربات التي وجهت اليها، تماما مثلما فعل دعاتها الأوائل الذين كانوا ينكرون أفكارهم المنحرفة، و يعلنون توبتهم عنها عندما تقبض عليهم السلطات التي يخضعون لسلطانها، ثم لا يلبثوا أن يعودوا للترويج لأفكارهم و دعاواهم. و قد ورد في كتاب (مفتاح باب الأبواب) للدكتور محمد مهدي بك خان أن البهاء استخلف (جعله خليفة له) ولده الأكبر المرزا عباس أفندي، و لقبه بغصن الله الأعظم والفرع الكريم المنشعب (المتشعب) من الأصل القديم (البهاء)، و نص علي ذلك في كتابه (الأقدس) فقال: «اذا غيض بحر الوصال و قضي كتاب المبدأ والمال، توجهوا الي من أراد الله الذي انشعب من هذا الأصل القديم». و من بعد البهاء قام عباس أفندي بالأمر، ودان له البابيون والبهائيون و قدسوه تقديسهم لأبيه و عبدوه عبادتهم له، حتي أن بعض غلاتهم جعل أباه مبشرا له، كما كان الباب مبشرا بالبهاء، فلما رأي عباس أفندي منهم ذلك [ صفحه 124] غير و بدل في أحكام أبيه، و محا منها ما شاء و أثبت ما شاء، و كتب و صنف و نظم و ألف و ادعي الوحي والالهام فحسده أخوه ابن أمه و أبيه الميرزا محمد علي الملقب بغصن الله الأكبر و انضم اليه بعض الخاصة من أصحاب أبيهما البهاء، فأنكروا عليه فعلته و ادعاءه الوحي و حكموا بكفره و ضلاله، و الفوا في ذلك الكتب والرسائل و بعثوا الي السلطات يكفرونه و يخرجونه (عباس أفندي) من دين البهاء، و هكذا انقسم الأتباع قسمين: قسما يسمي الناقضين و هم الميرزا محمد علي و أتباعه، و قسما يسمي المارقين، و هم عباس أفندي و أتباعه، و صارت عداوة و حرب بينهما، لكن هذا الشقاق و هذه الحرب لم توهن من عزم عباس أفندي و لا زحزحته قيد أنملة عن زعمه، بل زاده العند عندا و نار العداوة عزما، فتمكن بما اتصف به من دهاء أن ينتصر و يظهر علي أخيه، و لهذا اشتهر عباس أفندي بالدهاء والذكاء والحصافة، و كان فوق ذلك واسع الاطلاع علي أخبار الزمان و عقائد الملل والنحل والأديان يخاطب كل أهل ملة و دين بما يوافق مشاربهم و أذواقهم، فهو مسلم مع المسلمين و نصراني مع النصاري و يهودي مع اليهود، و بوذي مع البوذيين!! و كان يوهم كل أتباع دين أنه يريد الاصلاح و ازالة الكراهية والضغينة بين المذاهب و رأب صدع الخلاف بالعودة الي أصول الأديان و عهده الأول و صورته الأولي، فاذا ما وجد اجابة من الطرف المتوجه اليه و شعر أنه تمكن من قلبه مضي خطوة أخري في الطريق، و بدأ بالتشكيك و ايراد الشبهات و تأويل الآيات بما يناسب زعمه، و هكذا كانت تمارس الدعوة للبهائية في بلاد المسلمين علي هذه الشاكلة عن طريق التقية والخداع، بينما كان يجاهر بها في دول الغرب، حيث الحربة هناك بلغت الي أقصي مدي لها، حين تحولت الي حرية الكفر والالحاد والدعوة اليهما. [ صفحه 125] و لا زال الغربيون الذين ابتعدوا عن الايمان الربوبي يقبلون بفكرة انبعاث أديان جديدة، و نحن في الشرق نرتكب خطأ كبير عندما تروج بدون قصد لهذه الفكرة، و ذلك باطلاق وصف (الدين) علي البهائية أو غيرها من الحركات الاشراكية و الفلسفات الباطنية أو الأرضية، أو حتي التعامل مع البهائية و شبيهاتها علي أنها طائفة مرتدة عن الاسلام، و هي بالحقيقة ليست دينا و لا فرقة من فرق الاسلام لا السني و لا الشيعي، و كان من السهل أن نحتج علي البهائية بالاسلام من البداية فنهدمها من أساسها، لكننا آثرنا أن تنقد البهائية من خلال أفكارها و نصوصها و عقيدتها، لعل الذي غادر اسلامه و يمم شطرها يعيد اعمال عقله عندما يري الحقيقة (حقيقة البهائية) عارية أمامه بكل زيفها و اضطرابها و تناقضها، بل و سذاجتها المفرطة عندما تعلن أنها تتقدم بفكرة العقيدة والتوحيد فتصبح دينا عصريا، كما يحاول الأتباع والمزيقون أن يروجوا لها، و لكنها في الحقيقة تعود بهذه الأفكار للطفولة البشرية. و قبل أن نوضح موقف الاسلام من الأفكار والأحكام البهائية و عقيدتها، نشير أولا الي موقف الديانات السماوية الأخري. و فيما يتعلق بالعقائد الأساسية، فكما أسلفنا و نكرر أن البهائية والبابية من قبلها انطلقتا من فكرة موعود الأمم، و أصلنا لهذه الفكرة التي سبقت فيها الديانات الوثنية اليهودية، و قالت بها قبل أن يعتنقها اليهود ايان سببهم في بابل من منطلق العجز واليأس والبحث عن الخلاص، و اذا كانت جماعة من الشيعة تعتقد بعودة امامها الثاني عشر الذي اختفي في أحد السراديب، و ذلك في نهاية الزمان، فلم يأت في القرآن ما يشير الي هذا لا من قريب و لا من بعيد. [ صفحه 126] و اذا كانت البهائية التي صدرت عن هذه الفكرة الباطنية الخرافية استغلت يأس و قنوط الأوساط الشيعية فأعادت توظيف هذه الفكرة، و مضت فيها الي أبعد من هذا، فلم تقف عند حدود امام سوف يجي‌ء أو عبد مهدي صالح يقود الناس لخلاصهم، و لكن استغل هؤلاء المدعون دروشة الناس و غفلتهم و أقنعوهم بعدم انقطاع الوحي، فجعلوا هذا الموعود نبيا و رسولا بغير سند الا التعسف في تأويل بعض آيات القرآن البعيدة كل البعد عما يدعون أو يدعون اليه، والثابت أنه لم يرد علي الاطلاق في القرآن الكريم ما يشير الي مبعوث آخر سوف يأتي من نسل سيدنا اسماعيل سلام الله عليه أو غيره الا الرسول محمد صلي الله عليه و سلم، مصداقا لقول الله تعالي: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين)، و حتي هذا النص الصريح عن اتمام بعثة الأنبياء بمحمد رسول الله العاقب آخر الرسل، الا أن البهاء نجح في اقناع أتباعه بأن المقصود هو الخاتم بمعناه المادي و هو الحلقة التي تلبس في اليد للزينة، فتجاوز بذلك سياق النص، و تجاهل أيضا النصوص التي وردت في القرآن و صحيح السنة التي توضح أن الاسلام هو آخر رسالات السماء الي الأرض حيث لا رسالة و لا تشريع و لا وحي بعده: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلم دينا)، و قال الله تعالي و قوله الحق: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) فهذا هو دين الأرض كلها، أو الدين العالمي الي يوم القيامة، مصداقا لقول الله تعالي: (و ما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا و نذيرا) و صفات هذا النبي الرسول صلي الله عليه و سلم واضحة في الآيات لا تخرج بالنبي الرسول عن بشريته، و تحدد مهمته التي أرسل لأجلها بما لا يدع مجالا للتأويل أو الزيغ. [ صفحه 127] و اذا ما تجاوزنا هذا الأساس الأول (عقيدة المهداوية) التي انطلق منها مدعي البابية، ثم مدعي البهائية و ظهر أمر هذه العقيدة، فقد رأي البهاء أن يؤسس لها و يجعل لتلك العقيدة كيانا فأخذ يلفق هذا الكيان. و لا شك أن البهاء كان يعرف شيئا أو أشياء عن العقائد الأخري - غير الاسلام - هذا غير ما تربي عليه من أفكار البيئة الحلولية الباطنية، و من هذه العقائد والأفكار خرج البهاء - كما أسلفنا - بهذا الجنين المشوه الذي أطلق عليه دينا جديدا، فاقتفي أثر الأديان السابقة عليه و تصرف فيما أخذ من أصولها بالزيادة والنقصان حسب المصلحة التي كان يسعي لتحقيقها، و من هذه الأفكار فكرة حلول الله في خلقه، و علي أساسها ادعي البهاء أن الله قد حل فيه و توحد به، و هذا لا ينفي أن الله واحد و ليس له شريك في القوة والقدرة، و هو الذي خلق الكون، و لكن هذا الكون ليس شيئا آخر سوي تجل للخالق، بل انه هو ذاته الخالق، أي أن الخالق و مخلوقاته مادة واحدة لا تنفصل و لا تتجزا... والبهائية في هذا لا تختلف كثيرا عن الفكر الغلوضي أو القبالي اليهودي [15] . لكن الله في عقيدة الاسلام ليس علي هذه الصورة المنحرفة، بل نستطيع أن نقول ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي تمم الفكرة الالهية و صححها، مما عرض لها في أطوار الديانات السابقة عليه، (فجاء البهاء و انحرف بهذه الصورة). فالفكرة الالهية في الاسلام تتخلص من أي شبهة للشرك والمشابهة للذات الالهية، و لا تجعل لله مثيلا، بل له المثل الاعلي و رئيس كمثله شي‌ء [16] . [ صفحه 128] فالله وحده (لا شريك له) [17] ... (و لم يكن له شريك في الملك) [18] ... (فتعلي الله عما يشركون) [19] . و ترفض بالتالي التجسد والمشابهة والانقسام، لأنها كلها أفكار ضد الوحدانية: (قل هو الله أحد) [20] لا ينقسم و لا يحيط به زمان أو مكان... (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) [21] فهو الأول بدون بداية والآخر بدون نهاية، و هو الظاهر بالأدلة، والباطن بالشعور، و ليس كما يفسر البهائيون الظاهر والباطن فيقولون ان مظاهر العمل والعبادة هي أمور ظاهرية تعبر عن أمر باطن، أو أن لكل شي‌ء ظاهرا و باطنا و أن هذا الوجود مظهر من مظاهر الله الباطن، أو أن الله هو النقطة الحقيقة، و كل ما في الوجود مظهر لها. أما هذا الوجود في الاسلام فهو صادر عن الله و فعل مخلوق له (قل الله خلق كل شي‌ء) [22] ، و مع هذا التنزيه البالغ - في الاسلام - لذات الله سبحانه، فالله ليس بعيدا عن خلقه و خاصة الانسان، و اذا كان كمال الله ليس له حدود، فهذا الكمال لا يعزله عن الموجود: (و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [23] فليس هناك واسطة بين الانسان و خالقه، و ليس كما ادعي الباب حيث أو هم أصحابه أن الوصول الي الله تعالي ممتنع و محال لأن الطريق مسدود والطلب مردود الا عن طريق الرسالة والنبوة والولاية، [ صفحه 129] و لما كان الوصول الي تلك المراتب صعبا و متعذرا و لا يمكن ذلك الا بالواسطة، فانه (الباب) تلك الواسطة الكبري، و كما أنه لا يجوز دخول البيت الا من الباب، فقد ادعي أنه هو هذا الباب، كما ادعي أنه الباب الي المهدي المنتظر، فترك اسمه الأصلي و ما كان يشير بعد ذلك الي نفسه الا بهذا اللقب (الباب)، و ادعي الباب و من بعده البهاء أن مشيئة الله اقتضت أن يتجلي الخالق من خلال رسله (براهما وزرادشت و كونفوشيوس و ابراهيم و موسي و عيسي و محمد عليه الصلاة والسلام)، ثم بهاء الله الذي ادعي أن من خلاله تطهر صفات الخالق بشكل أوضح و اجلي مما كانت عليه، بل انه داخل الاطار الحلولي يكون بهاء الله هو ذاته الخالق والمخلوق [24] و بهذه الأفكار تبتعد البهائية تماما عن فكرة الالوهية كما هي في الاسلام، و تقترب من اليهودية الحاخامية، و كما يقول د. عبدالوهاب المسيري، فكلتاهما تؤكد استمرارية الوحي الالهي في التاريخ الانساني أو استمرارية الحلول الالهي في الحاخامات حسب النسق اليهودي، و في بهاء الله حسب النسق البهائي. و اذا كانت الفكرة اليهودية الحلولية في القبالة مغلقة بالعنصرية، بمعني أنها تقول ان حلول الله في مخلوقاته يقتصر فقط علي شعب الله المختار الذي يحل فيه جوهر الاله الخاص باليهود (يهوه). و علي هذا الأساس لا تبشر اليهودية بين الجوييم الغرباء، و تقصر هذه الخاصية علي نسل اليهود، فان البهائية لا تخصص هذا المفهوم علي نسل محدد، و لكنها تجعل الاصطفاء الالهي هنا مرتبطا بالاخلاص للمبادي والتعاليم البهائية التي نقود الي التوحد البهائي مع جوهر الاله، و بالتالي الركون الي الراحة الأبدية والخلود الروحي، الذي يعرف بخلود الايمان لكن هناك أيضا الروح [ صفحه 130] القدس، و هي منطقة الحلول الكامل و وحدة الوجود، حيث يصبح معها الخالق مخلوقا والمخلوق خالقا [25] . و هذان الروحان (روح المؤمن والروح القدس) هما فقط اللذان يتميزان بالخلود، لكن حسب اعتقاد البهائية هناك أرواح أخري لا تستحق هذا الخلود، منها الأرواح الحيوانية والنباتية والبشر غير المؤمنين بالبهائية. و في البهائية مثل اليهودية القبالية و مثل باقي الفلسفات التي تؤمن بالحلول، فالروح البشرية مثل الخالق ليس لهما حدود واضحة، فبعد أن تنفصل هذه الرواح عن الجسد قد تحل في شخص آخر و تأخذ شكلا آخر من الوجود و هذا الاعتقاد المشهور بتناسخ الأرواح [26] . و حتي تنهي الجدل أو الانكار الذي يدعيه البهائيون في أنهم يقولون بالحلول والتجسد، تورد هذه الفقرات من الأقدس حيث يقول البهاء: «هذه النقطة الأولي ظهرت في قميصه الأخري باسمه الأبهي». والنص بشير الي البهاء الذي تظهر فيه الحقيقة الالهية، و لكن في شكل خارجي مغاير لهذا التجلي الذي قلنا من قبل انه مستمر في الأنبياء والرسل، أو كما يقول البهاء في أحد الألواح: «انك يا الهي ما جعلت الأسماء الا قميصا لأصفيائك، فلما بدل القميص باسم آخر فزع من في السموات والأرض الا من كان طرفه الي الأفق الأعلي». [ صفحه 131] و نذكركم مرة أخري بما ورد في الأقدس: «سبحانك اللهم أسألك بالذي أظهرته و جعلت ظهوره نفس ظهورك و بطونه نفس بطونك و بأوليته حققت أوليتك... الي آخر النص». علي هذه الأسس السابقة فليس هناك يوم للحساب، لا ثواب و لا عقاب!! لأن محاسبة الأرواح تتم في دورات متتالية، أما فكرة الجنة والنار واليوم الآخر فهي غائبة في البهائية، و غائمة (غير واضحة) في اليهودية. و قد ورد في ألواح البهاء: «فوعزتك أن عبادتك أرادوا صدي و ابتلاني و اني أريد تقربهم اليك و دخولهم جنة الأبهي». فجنة الأبهي هي الايمان بمعتقداته، لكن جنة الاسلام التي هي عاقبة المؤمن علي ايمانه و صالح أعماله في الحياة الدنيا هي الجزاء (و جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) و ما أوصافها التي وردت الا للتقريب... أما حقيقتها فهي أبعد بكثير من كل ما يتخيله خيال البشر و فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر والايمان بها و باليوم الآخر شرط من شروط الايمان، كما أن الايمان بالملائكة أيضا شرط من هذه الشروط: «كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله». و اذا كانت البهائية تنكر مسألة عدم الايمان بالملائكة أو الجنة والنار، فانهم بالفعل لا ينكرونها، و لكنهم يؤولونها؛ بمعني أنهم لا يؤمنون بهذه المعتقدات - حسب العقيدة الاسلامية - و لكن حسب تأويلهم لها، فمثلا حياة البرزخ هي المدة الفاصلة بين محمد صلي الله عليه و سلم و البهاء، والحياة الآخرة هو البهاء نفسه و ظهوره الآخر، والقيامة هي ظهور البهاء أو قيامه و محاسبة الناس... الي آخره. [ صفحه 132] و اذا كانت البهائية قد امنت بفكرة المخلص و بدت في ايمانها هذا أنها تقتقي أثر اليهودية، و اذا كانت البهائية تشبه الي حد كبير في عقائدها الأساسية اليهودية الحاخامية، و تجيب عن نفس الأسئلة والاحتياجات العقيدية بسهولة، فقد اجتذبت كثيرا من اليهود، ففي ايران مهد العقيدة البهائية اعتنق عدد من اليهود هذه الديانة، و حدث نفس الشي‌ء وسط يهود أمريكا في الأيام الأخيرة، و خاصة وسط اليهود الاصلاحيين واليهود العلمانيين الذين يتجهون أيضا الي الماسولية والعقائد الجديدة والغنوصية بأعداد كبيرة هربا من تشدد رجال الدين اليهودي، هؤلاء الذين دخلوا في معركة مع البهائية و يحاربونها بشدة للسبب السابق، والأمر ليس مؤامرة بهائية ضد اليهودية و لا تحالفا سريا بهائيا، و انما هو تشابك بين نسقين عقيديين متشابهين، و لعل هذا أيضا يفسر الالتزام الصارم لعدم تبشير البهائية في اسرائيل التي يوجد فيها مراقد المؤسسين للدين البهائي و بيت العدل الأعظم الذي تدار منه البهائية العالمية [27] . و لعل نفس الأفكار العقيدية البهائية فيما يخص التجسد والحلول والايمان بعدم تحريف الانجيل والدعوة (الظاهرية) للمحبة والسلام، الي آخر هذه الأفكار التي تجد صدي لها في المسيحية، هي التي تجذب المسيحيين الي البهائية. و في تنظيم بيكار الذي قبض عليه سنة 1984 رأينا الزيادة النسبية لأعداد المسيحيين بين المقبوض عليهم. [ صفحه 133] و هناك سبب آخر لعله يفسر هذا الاقبال من بعض المسيحيين علي البهائية، و هو ادعاء البهاء أن روح المسيح الذي مات مصلوبا (حسب ادعاء البهاء العقيدة المسيحية) قد تقمصته و حلت فيه، و مع رفض الاسلام والمسيحية لفكرة الحلول، فان المسيحية تؤمن بعودة المسيح بذاته و بروحه و جسده، لا أن تحل روحه في آخر و هو نفس الاعتقاد الذي يؤمن به بعض المسلمين، و أنه في عودته الثانية الي الأرض سوف يؤم الناس بشريعة الاسلام و ليس بشريعة مفتراة. و اذا كانت المسيحية تقبل فكرة التجسد و تفسر العذاب الذي قبل انه وقع علي المسيح والذي انتهي بقتل المسيح مصلوبا مرافا دمه علي أساس فكرة الفداء، والتي ضحي فيها الله بابنه وحيده مسيحه ليفتدي به البشر عن خطيئة أبيهم آدم في عصيانه لله و أكله من الشجرة المحرمة، فان الاسلام لم يقبل بذلك بل يقول الله في قرآنه: (و ما قتلوه يقينا - بل رفعه الله اليه و كان الله عزيزا حكيما)، و نكرر اذا كانت المسيحية تقبل ذلك علي الهاها في تجسده و ناسوته، فالاسلام يرفض من الأساس فكرة التجسد و يرذل هذا الادعاء لأنه لا ينبغي أن يكون الاله جسما أو متحيزا (يشغل حيزا مكاتبا أو زمانيا) أو عرضا أو بشرا يأكل و يشرب و يبول و يغوط و يذهب في غفلة أو نوم، فما بالك أن يعتدي عليه خلقه و بهينوه و يسجنوه، بل أكثر من ذلك أن الباب الذي ادعي أن روح الاله حلت فيه قتل رميا بالرصاص، و ترك جسده تنهشه الكلاب الضالة و جوارح الطير، أما فكرة التجلي فهي أيضا فكرة باطلة يرفضها العقل والنقل، أما العقل فيوضح أن الذي ينطبع في المرأة ليس الصورة ذاتها و لكن الضوء المنعكس من المرأة، فليس في الأمر هذا حلول أو مجاورة أو امتزاج، و في القرآن في قصة كليم الله [ صفحه 134] موسي عليه‌السلام، أنه لما صام موسي لربه أربعين ليلة تقربا و زلفي و حبا تجرأ لطلب المستحبل، فسأل الله الرؤية فقال: (قال رب أرني أنظر اليك) [28] ، فقال له الله في اجابة قاطعة علي سؤاله: (قال لن تريني) [29] حيث لا تحتمل الطبيعة البشرية التجلي الالهي. و في الحديث القدسي: «قال الله تعالي يا موسي لن تراني انه لا يراني حي الا مات و لا يابس الا تدهده (تدحرج أو انفك) و لا رطب الا تفرق». فلا يستطيع خلق من خلق الله أن يصمد لتجلي نور الله، و لذلك قال الله سبحانه و تعالي لموسي، أن ينظر الي الجبل حين يتجلي له، فلما وقع التجلي اندك الجبل، و من هول الحدث خر موسي مغشيا عليه، (فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا و خر موسي صعقا فلما أفاق قال سبحنك تبت اليك و أنا أول المؤمنين) [30] . فهل يمكن بعد ذلك أن نصدق أو نعقل أن الله تجلي في صورة البهاء أو غيره من البشر؟! أو أن البهاء - كما صور له جنونه - مظهر من مظاهر اشراق الله أو نوره أو آخر هذه الصفات التي بثها في كتبه و أوراقه؟!! و بعد فالبهائيون و من يضل ضلالهم أحرار في أن يروا أن جميع الأديان و حتي الفلسفات التي يطلق عليها أديانا هي بالفعل صحيحة، و أن كتب الأولين لم تحرف، لكنهم ليسوا أحرارا في أن يؤلوا كلام الله و آيات ذكره الحكيم و يتعسفوا في تأويلها حتي يخرجوها عما أراده الله سبحانه [ صفحه 135] و تعالي، و يحملوا ألفاظ اللغة مفردة كانت أم مركبة ما لا تحتمل، والتفسير والتأويل يحتاجان الي علم و موهبة، أما العلم فكلنا نعرفه، و أما الموهبة فيهبها الله لمن يلتزم حدود الشرع في علمه، و عليه فلا يفهم ما استغلق من معاني القرآن من كان في قلبه بدعة أو هوي أو حب الدنيا أو اصرار علي ذنب، مصداقا لقول الله تعالي: (سأصرف عن ءايتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) [31] ، و قال صلي الله عليه و سلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار). والنص يأخذ بظاهره و لا يسوغ لأحد تأويله و صرفه الي معني آخر غير متبادر للذهن، الا اذا قام دليل عقلي قطعي يناقض هذا الظاهر من النص، و حينئذ يكون هذا الدليل قرينة علي أن المعني الظاهر للنص غير مراد الشارع - الذي هو الله سبحانه و تعالي - و هنا يؤول النص و ينصرف الي معني آخر، و نكرر أنه لقبول تأويل النصوص لابد من دليل عقلي قطعي، أما اذا كان هذا الدليل ظنيا فلا ضرورة هنا لاتباع الظن، و كما وصف الله سبحانه و تعالي، فالنص القرآني (منه ءايت محكمت هن أم الكتب و أخر متشبهت) [32] . أما المتشابه من القول فلا يعلم تأويله الا الله، والاعتقاد في تلك النصوص أن لها معاني صحيحة تليق بذات الله تعالي الذي (ليس كمثله شي‌ء) و من تلك النصوص المتشابهات (الرحمن علي العرش استوي) و قوله تعالي (يد الله فوق أيديهم) و قوله سبحانه (و يبقي وجه ربك)، [ صفحه 136] و مثل تلك الآيات التي علمنا السلف الصالح أن نقول فيها ان لها معاني غير ما يتبادر منها، و انا نؤمن بها و نفوض معرفة حقيقتها الي علم الله تعالي. أما البهائيون و من سار سيرتهم فقد جعلوا هذه المعرفة الباطنية لامامهم و من يتوب عنه، بل أولوا أيضا ظاهر النصوص والكلام كمثل تأويلهم لمسألة ختم النبوة. والشرائع الالهية كلها انما نزلت ليفهمها الناس، فلا يصح أن يخاطب الله البشر بما لا يفهمون أو يستعصي عليهم، والا سقطت التكاليف، و يقول الله تعالي في كتابه العزيز: (و ما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) [33] و قال تعالي (و أنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم) [34] ، و القرآن علي طوله و عرضه ليس فيه معني غامض، و ليس فيه فكر مغلق، و ليست فيه عبارة مستعصية، لأن الله أنزله بلسان عربي مبين [35] . أما الباب والبهاء فقد افتريا علي القرآن و رب القرآن، و جاءا بما لم ينزل الله به من سلطان من معان ركيكة و أحكام ساذجة علي غير ذات هدي أو نسق، و استعانوا بعلوم الحروفيين لاستخراج أرقام من أوائل السور و متونها تؤيد دعواهم و تأويلاتهم، و أما المؤسس الأول للدعوة البابية الذي ادعي أن معجزته هي كتاب (البيان) و قال ان الله أشار اليه في قوله تعالي: (الرحمن - علم القرءان - خلق الانسن - علمه البيان)، و أول كلمة الانسان فقال المقصود بها محمد صلي الله عليه و سلم، أما كلمة [ صفحه 137] البيان فقد جعله كتابه الذي عكف علي تأليفه و قال عنه انه آية في الاعجاز، فقيل له ان اللغة التي في الكتاب ملحونة واللحن في اللغة نقص، فكيف يكون النقص في هذا الكتاب المنزل؟! أجاب الباب: (ان الحروف والكلمات كانت قد عصت و اقترفت خطيئة في الزمن الأول فعوقبت علي خطيئتها أن قيدت في سلاسل الاعراب، و بما أن بعثتنا جاءت رحمة للعالمين فقد حصل العفو عن جميع المذنبين والمخطئين حتي الحروف والكلمات، فأطلقت من قيدها تذهب الي حيث شاءت من وجوه اللحن والغلط). و كلام مثل هذا لا يصدر الا عن مجانين أو حشاشين، نعم حشاشين، و نحن لا نفتري علي الباب والبهاء فقد سبقهما طائفة الحشاشين الاسماعيلية فيما ذهبوا، بل تكاد تكون طريقتهم صورة طبق الأصل للطريفة الأولي، و هم مثلهم من غلاة الشيعة و مثلهم طائفة النصيرية و غيرها من الطوائف التي سبقت البابية والبهائية، و تشبهت الأخيرة بعقائدها و استخدمت ألفاظ القرآن علي غير معناها، و أخرجت النصوص من سياقها والكلمات عن دلالاتها، و هؤلاء جميعا و عدهم الله - و وعده الحق - بالعذاب الأليم (ويل لكل أفاك أثيم - يسمع ءايت الله تتلي عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب أليم) [36] . [ صفحه 141] مستقبل البهائية
عباس أفندي أو عبدالبهاء الذي أطلق عليه أبوء البهاء لقب الغصن الأعظم و أوصي له بالخلافة بقول المؤرخون عنه انه لعب دورا مهما في نشر البهائية. و ذلك بالتجوال في العالم والتبشير بها، حتي أنه زار أوربا و أمريكا و غيرها من دول العالم المسيحية ليخرج بدعوته من حيز الكيان الاسلامي الي العالم، و علي الرغم من أن عباس أفندي لم يدع مثل أبيه التشريع، و ان ادعي العصمة، لكننا لا نستبعد أن خلفاء البهاء و منهم عباس أفندي قد أضافوا لدعوتهم بعض الأبعاد الاجتماعية التي تناسب توجهات الغرب، والدليل علي ما نقول ان عبد البهاء كان ينسخ بعض تعاليم أبيه البهاء والذي ينسخ يضيف في الحقيقة. و توفي عبدالبهاء عام 1926 م فخلفه ابنه شوجي أفندي (أمر البهائية) و هو ابن 24 عاما، هذا الذي شب علي الثقافة الغربية حيث التحق بالكلية الأمريكية ببيروت، ثم التحق بجامعة اكسفورد الانجليزية، و تزوج من امرأة أمريكية عام 1936 كان اسمها «ماري ماكسويل»، فغيرته الي «روحية ماكسويل» و لم ينجب منها و لا من غيرها ابنا و لا بنتا، الي أن مات علي اثر أزمة قلبية في 24 نوفمبر 1957، بعد أن أشرف علي ترجمة العديد من الكتب البهائية الي اللغة الانجليزية، و أشرف علي العديد من خطط نشر البهائية في العالم، فبدأ بانشاء المركز البهائي العالمي في مدينة حيفا قرب مرقد الباب و وضع أركان المؤسسات البهائية الادارية، فكان هو (شوجي [ صفحه 142] أفندي) يتولي منصب ولاية الأمر، و في عهده تم تأسيس بيت العدل الأعظم لادارة شئون الجامعة البهائية في العالم. و في عام 1963 تولي تسعة من البهائيين شئون البهائية، كانوا من جنسيات مختلفة، أربعة منهم من الولايات المتحدة و اثنان من انجلترا و ثلاثة من ايران برئاسة فرناندو سانت، والذي تولي الرئاسة من بعده الصهيوني الأمريكي ميسون، و يجري انتخاب أعضاء بيت العدل التسعة كل خمس سنوات في اجتماع يشارك فيه أعضاء المحافل الروحية المركزية (الدولية) من كل أنحاء العالم، و يجري الافتراع بدون ترشيح أو دعاية. و يذكر الكتاب السنوي التابع لموسوعة بريتانكا لعام 2005 م أن أتباع الدين البهائي يقدرون بستة ملابين نسمة حول العالم، و أن كتبها مترجمة الي 800 لغة، و تروج مصادر بهائية أن البهائيين ينتشرون في 247 دولة و يمثلون 2100 عرق و أقلية قبلية، و هم في دول مثل الهند و أفريقيا و أمريكا الجنوبية و جزر المحيط الهادي قد جاوزوا بكثير تعدادهم في ايران و باقي بلدان الغرب والشرق الأوسط، حيث يوجد قليل منهم في العراق و سوريا و لبنان و فلسطين (مقرهم الرئيسي) و مصر. و في أفريقيا هناك العديد من محافل البهائيين في الدول والعواصم الأفريقية، في أديس أبابا والحبشة و كميالا بأوغندا ولوساكا بزامبيا، و فيها عقد مؤتمرهم السنوي عام 1989، و لهم أيضا محفل في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا و محفل ملي بكراتشي بباكستان، هذا غير محافلهم في الدول الغربية و عواصمها و مدنها مثل لندن و فرانكفورت و شيكاغو بأمريكا، حيث يقع أكبر محافلهم الذي يطلق عليه مشرق الأذكار و منه تصدر مجلة نجم الغرب، بينما يوجد في نيويورك مقر لحركة شبابية بهائية يطلق عليها «قافلة الشرق والغرب» و عنها يصدر كتاب «دليل القافلة»، و كتاب «أصدقاء العلم». [ صفحه 143] أيضا هناك تجمعات بهائية ملحوظة في هيوستن و لوس آنجلوس و بروكلين بنيويورك، و يقال ان عدد البهائيين في الولايات المتحدة يقدر بحوالي مليوني بهائي ينتظمون في 600 جمعية، و لو أننا نري أن هذا العدد مبالغ فيه. و للبهائية تمثيل في الأمم المتحدة في مقراتها بنيويورك و جنيف و نيروبي بكينيا، و لها ممثل خاص لافريقيا و عضو استشاري في المجلس الاجتماعي والاقتصادي للأمم المتحدة، و كذلك في برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة و في اليونيسيف و مكتب الأمم المتحدة للمعلومات و ممثل للجماعة في لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، بالاضافة الي ممثل لها في المؤسسة الدولية لبقاء الانسانية. و علي الأسس السابقة لا يجب أن تندهش للمساندة التي توليها الدول الغربية والمؤسسات الدولية الأممية للبهائية و أتباعها حول العالم، حيث تتناسب هذه العقيدة التلفيقية لتوجهات عالمية تساندها بشدة الأمم المتحدة، يرون فيها المستقبل لهذه الديانات أو الفلسفات التي تشبه الديانات السماوية، و تحت دعاوي الحرية الدينية و حرية الاعتقاد و حقوق الانسان! يتم الضغط علي حكومات الدول و خاصة الاسلامية للسماح للبهائيين باعلان عقيدتهم كديانة رسمية معترف بها، و في المقابل تقف الضغوط الشعبية والمؤسسات الرسمية للأديان داخل هذه البلدان في وجه هذه المخططات و ما بين الضغط والمقاومة سوف يتحدد مدي نجاح مخططات الغرب في فرض هذه المعتقدات أو فشلها، لكن في كل الأحوال سوف يظل هذا المخطط الاستراتيجي ضمن أولويات مؤسسات و أفراد في الغرب، و تظل المقاومة في الشرق تؤخر تنفيذ هذه المخططات الي أن تتهار أو يشاء الله فينتصر جنود الايمان علي جحافل الكفر والالحاد. [ صفحه 147]

رأي الدين في البهائية

اشاره

في عام 1910 صدرت فتوي من سليم البشري شيخ الأزهر ينبه فيها لخطورة البهائية التي كان البعض يحاول الترويج لها في مصر في هذا التاريخ و منهم مندوب جاء خصيصا لهذا الغرض و اسمه أبوالفضل، و كانت فتوي الشيخ سليم واضحة تدعو الي عدم التهاون في شأن البهائية لما فيها من اضرار بالدين والدولة. و في عام 1947 م صدرت فتوي عن لجنة الفتوي بالأزهر تقرر أن من يعتنق البهائية كافر و مرتد، و أصدر الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار فتوي بهذا المعني أيضا قريبا من هذا التاريخ وضح فيها أن البهائية فرقة من فرق الكفر... و قبل هذه الفتوي و بعددها هناك العديد من الفتاوي بهذا المعني و هناك أيضا العديد من الرسائل العلمية التي خرجت عن الأزهر و جامعته توضح الزيف والضلال في عقيدة البهائية. و ننتهي الي أحدث ما صدر عن الأزهر في هذا الصدد و هو البيان الصادر في شهر مايو 2006 عن مجمع البحوث بالأزهر الشريف و هو بيان واف كاف لمن يريد رأي الدين في البهائية والبهائيين.

بيان من مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف‌

الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله محمد بن عبدالله و علي آله و صحبه و من والاه...و بعد، فقد ظهرت البابية أو البهائية في بلاد فارس [ صفحه 148] بدعة نشرها نفر من الخارجين علي الاسلام، بل و عن سائر الديانات السماوية الأخري... و قد حمل وزرها رجل يدعي ميرزا علي محمد الشيرازي الذي اطلق علي نفسه لقب الباب، أي الواسطة الموصلة الي الحقيقة الالهية، و كان هذا اللقب من قبل شائعا عند الشيعة التي ظهرت بينها هذه البدعة مأخوذة من حديث الترمذي «أنا مدينة العلم و علي بابها»، و من ثم أطلق علي هذه البدعة البابية». ثم كان من خلفاء هذا المبتدع رجل اسمه «حسين نوري» أطلق علي نفسه لقب «بهاء الله» و أطلق علي هذه البدعة اسم «البهائية». و كان من آخر زعمائها و أشهرهم «عباس أفندي عبدالبهاء» المتوفي عام 1923، ثم «شوقي أفندي الرباني» المتوفي عام 1957، و لقد كان مصبر صاحب هذه البدعة الأول القتل في عام 1850 م بمعرفة الحكومة الايرانية القائمة في ذلك الوقت، استجابة لآراء العلماء والفقهاء الذين أفتوا بردته عن الاسلام. كما نفت حكومة ايران خليفته ميرزا «حسين علي نوري» الي تركيا، حيث انتقل الي أرض فلسطين، و مات فيها و دفن في حيفا عام 1892 م. والبابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات و أديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاج اليه الأمة الاسلامية لاصلاح شأنها و جمع شملها، بل وضح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار و نحل ابتليت بها الأمة الاسلامية حربا علي الاسلام و باسم الدين. [ صفحه 149] و مبادي‌ء هذه البدعة كلها منافية للاسلام و من أبرزها: 1- القول بالحلول بمعني: أن الله سبحانه و تعالي بعد ظهوره في الأئمة الاثني عشر و هم أئمة الشيعة، ظهر في شخض اسمه «أحمد الاحسائي»، ثم في شخص الباب، ثم في أشخاص من تزعموا هذه الدعوة من بعده، و لقد ادعي «بهاء الله» أولا: أنه الباب، ثم ادعي أنه المهدي، ثم ادعي النبوة الخاصة، ثم ادعي النبوة العامة، ثم الألوهية، و ذلك كله باطل و مخالف لنصوص القرآن الكريم. فالله سبحانه منزه عن المكان، و بالتالي عن الحلول، و ادعاء النبوة تكذيب للقرآن الكريم أو جحود له، اذ قال الله سبحانه (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين). 2- جحود البهائيين «يوم القيامة» المعروف في الاسلام، و يقولون ان المراد به ظهور المظهر الالهي، و أن الجنة هي الحياة الروحانية، و أن النار هي الموت الروحاني. 3- ادعاء بعضهم نزول الوحي عليهم، و أن بعضهم أفضل من سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم، و وضعهم كتبا تعارض القرآن، و ادعاء أن اعجازها أكبر من اعجاز القرآن، و تلك قضايا يضللون بها الناس، و يصرفونهم عما جاء به القرآن في شأن كل أفاك أثيم. 4- ادعاء أن بدعتهم هذه بتطوراتها منذ نشأت ناسخة لجميع الأديان. 5- الاسراف في تأويل القرآن والميل بآياته الي ما يوافق مذهبهم، حتي شرعوا من الأحكام ما يخالف ما أجمع عليه المسلمون من ذلك أنهم: [ صفحه 150] (1) جعلوا الصلاة تسع ركعات والقبلة حيث يكون بهاء الله، و هم يتجهون الي حيفا بدلا من المسجد الحرام، مخالفين قول الله سبحانه: (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)، اذ صارت قبلة المسلمين هذه أمرا معلوما من الدين بالضرورة، لا يحل لمسلم انكاره أو التحول عن هذه القبلة، و كذلك عدد الصلوات و مواقبتها و ركعاتها و سجداتها، و ما يتلي فيها من القرآن، و ما يبدي فيها من دعاء، كل ذلك مجمع عليه من المسلمين بعد ثبوته و معلوم من الدين بالضرورة. (2) ايطال الحج الي مكة، و حجهم حيث «بهاء الله». الي حيفا مخالفين بهذا صريح القرآن الكريم في شأن فريضة الحج. (3) تقديسهم العدد 19 و وضع تقريعات كثيرة عليه، فهم يقولون: الصوم تسعة عشر يوما - بالمخالفة لنصوص القرآن في الصوم - و أنه مفروض به صيام شهر رمضان، و يقولون: ان السنة تسعة عشر شهرا، والشهر تسعة عشر يوما، مخالفين قول الله سبحانه: (ان عدة الشهور عندالله اثنا عشر شهرا في كتب الله يوم خلق السموت والأرض). و قول الله تعالي: (يسئلونك عن الأهلة قل هي موقيت للناس و الحج) و مخالفين الأمر المحسوس المحسوب أن الشهر [ صفحه 151] القمري، اما تسعة و عشرون يوما و اما ثلاثون يوما، و هو أيضا ما أنبأ به الرسول محمد صلي الله عليه و سلم. (4) الغاؤهم فريضة الجهاد ضد الأعداء الثابتة بصريح القرآن و صحيح السنة النبوية، و دعوتهم هذه قضاء علي الأمة الاسلامية، بل و علي كل دولة من دولها، اذ في الاستجابة لها قضاء علي روح الكفاح و دعوة الي الاستسلام للمستعمرين والمغامرين، و هذا ما يؤكد انتماءهم للصهيونية العالمية، بل و أنهم نبت يعيش في ظلها و بأموالها و جاهها.

مقاومة المجتمع الاسلامي لهذه البدعة

لقد عارض الشعب الايراني و علماؤه و حكومته هذه البدعة حين ظهورها، و ناظروا مبتدعها الأول «الباب» و حكم عليه بالردة و أعدم في تبريز في شهر يوليه سنة 1850. و حين وفدت هذه البهائية الي مصر قاومتها كل السلطات علي الوجه التالي: أولا: 1- أفتي الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر بكفر «ميرزا عباس» زعيم البهائيين، و نشرت هذه الفتوي في جريدة مصر الفتاة في 27 / 12 / 1910 بالعدد 692. 2- صدر حكم محكمة المحلة الكبري الشرعية في 30 / 6 / 1946 بطلاق أمرأة اعتنق زوجها البهائية باعتباره مرتدا. [ صفحه 152] 3- أصدرت لجنة الفتوي بالأزهر في 23 / 9 / 1947 و في 3 / 9 / 1949 فتوبين بردة من يعتنق البهائية. 4- صدرت فتاوي دار الافتاء المصرية في 11 / 3 / 1939، و في 25 / 3 / 1968 و في 13 / 4 / 1950 بأن البهائيين مرتدون عن الاسلام. 5- و أخيرا أجابت أمانة مجمع البحوث الاسلامية علي استفسار نيابة أمن الدولة العليا عن حكم البهائية بأنها نحلة باطنة لخروجها عن الاسلام بدعوتها للالحاد و للكفر، و أن من يعتنقها يكون مرتدا عن الاسلام. ثانيا: عندما سجل البهائيون محفلهم في المحاكم المختلطة برقم 776 في 26 / 12 / 1934 م حاولوا أن يوجدوا لهم صفة الشرعية، لكن الحكومة قاومتهم، و يتضح هذا مما يلي: 1- قدم المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر والسودان طلنا الي وزارة الشئون الاجتماعية لتسجيله، و قد رفض هذا الطلب بناء علي ما رأته ادارة قضايا الحكومة في 5 / 7 / 1947، كما رفض طلب صرف اعانة له من هذه الوزارة. 2- رأت ادارة الرأي بوزارتي الداخلية والشئون البلدية والقروية في 8 / 12 / 1951 م أن في قيام المحفل البهائي اخلالا بالأمن العام، و أنه يمكن لوزارة الداخلية منع اقامة الشعائر الدينية الخاصة بالبهائيين. و قد تأيد هذا بما رآه مجلس الدولة في 26 / 5 / 1958 من عدم الموافقة علي طبع اعلان دعاية لمذهب البهائية لأنه ينطوي علي تبشير غير مشروع، و دعوة سافرة للخروج علي أحكام الدين الاسلامي، و غيره من [ صفحه 153] الأديان المعترف بها، و رأي منع ذلك لمخالفته للنظام العام في البلاد الاسلامية. 3- حكمت محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة في مصر في القضية رقم 195 لسنة 4 ق بتاريخ 26 / 5 / 1952 برفض دعوي أقامها بهائي، و جاء في تسبب هذا الحكم تقريرها: أن البهائيين مرتدون عن الاسلام. 4- صدر القرار الجمهوري رقم 263 لسنة 1960 م، و نص في مادته الأولي علي أنه: تحل المحافل البهائية و مراكزها الموجودة في الجمهورية، و يوقف نشاطها و يحظر علي الأفراد و المؤسسات والهيئات القيام بأي نشاط، مما كانت تباشره هذه المحافل والمراكز، و نص في مادته الأخيرة علي تحريم كل مخالف و عقابه بالحبس و بالغرامة. 5- و تنفيذا لهذا القرار بقانون أصدر وزير الداخلية قراره رقم 106 لسنة 1960 بتاريخ 31 / 7 / 1960 بأيلولة أموال و موجودات المحافل البهائية و مراكزها الي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم. 6- حكم بالحبس والغرامة في القضية رقم 316 لسنة 1965 علي عناصر من أتباع البهائية لقيامهم بممارسة نشاطهم في القاهرة، كما قبض علي غيرهم في طنطا في سنة 1972، و كذلك في سوهاج. 7- قبض علي مجموعة منهم أخيرا في فبراير سنة 1985 برئاسة أحد الصحفيين و قد اعترفوا بايمانهم برسولهم «بهاء الله» و كتابهم «المقدس»، و أن قبلتهم جبل الكرمل بحيفا في اسرائيل، و قد وجهت اليهم تهمة [ صفحه 154] مناهضة المبادي‌ء الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في البلاد والترويج لأفكار متطرفة بقصد تحقير و ازدراء الأديان السماوية الأخري. 8- أوصي المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية بتحريم هذا المذهب و تجريم معتنقيه... و بعد: فان فيما تقدم تعرية للبهائية و كشفا لخطوطها الفكرية الموجهة نحو العقيدة الاسلامية و جحودها، بل و ضررها منذ أكثر من قرن من الزمان علي الاسلام والمسلمين، و أنها تظاهر أعداء الأمة الاسلامية، و تناصرهم في القضاء علي هذه الأمة و علي الاسلام. ان البهائيين (و دعوتهم هذه التي مرت بهذه التطورات و وجهت بتلك المقاومة في البلاد التي نبتت فيها «ايران»، حيث أعدم مبتدعها بوصفه مرتدا عن الاسلام، و نفي خليفته) ما زالوا مثابرين عليها. و في مصر صدرت الفتاوي من علماء الاسلام، والأحكام من جهات القضاء المختلفة ثم الفتاوي القانونية المتعاقبة وكل أولئك قد أثموا هذا المذهب و حكموا ببطلانه. ثم صدر القرار الجمهوري الذي حظر نشاط البهائية دون أن يجرمها بعقاب رادع، يتساوي مع خطورتها علي عقيدة الناس الاسلامية، بل و علي العقائد السماوية الأخري بوجه عام - اليهودية والمسيحية. و من ثم أطلت الفتنة برأسها مرة أخري في وقت تزاحمت فيه الأفكار الموفدة الفاسدة التي ساعدت علي بروز طوائف من الجماعات كل له فكر شارد، بل و ادعي بعض الناس النبوة، و ما تزال محاكمة هذا و ذاك تسير [ صفحه 155] الهويني، و ما زال المجتمع يترقب ما تسفر عنه هذه المحاكمات - ان مصر - و فيها الأزهر - الذي انعقدت لها به راية زعامة العالم الاسلامي ينبغي أن يطارد فيها كل فكر منحرف عن الاسلام بكل الحزم، حتي تظل في مكان القيادة والريادة الاسلامية. ان هذا المذهب البهائي و أمثاله من نوعيات الأوبئة الفكرية الفتاكة التي يجب أن تجتد الدولة كل امكاناتها لمكافحته والقضاء عليه، اذ أن عقيدة الاسلام و صيانتها لا تقل في مرتبتها عن حماية الأجساد من الأوبنة المرضية التي تسارع الدولة لعلاجها بالحزم والحسم، بل العقيدة أولي لأن في صحتها نقاء الحياة و عبادة الله. ان الأمة اذا فقدت عقيدتها انمحت ذاتيتها و غلبها أعداؤها، ان مصر يجب أن تذكر أنها تقوم بالدفاع عن الاسلام و عن أرض المسلمين منذ دخلت فيه، و أنها سبق أن استردت القدس و حررت فلسطين باسم الاسلام، و لنذكر أن مصر انما حاربت في رمضان سنة 1393 ه - أكتوبر 1973 تحت نداء الاسلام «الله اكبر»، و بهذا النداء و تحت لوانه انتصرت، و أن عليها أن تطهر أرضها من هذه الأرجاس، و أن تنفي عنها هذا الخبث ليستقيم بها الأمر و تظل باسم الاسلام رائدة ناهضة. والأزهر يقرر: أن الاسلام لا يقر أي ديانة أخري غير ما أمرنا القرآن الكريم باحترامه، فلا ينبغي - بل يمتنع - أن تكون في مصر ديانة أخري غير مشروعة و مخالفة للنظام العام. و أن الأزهر ليهبب بالمسئولين في جمهورية مصر العربية أن يقفوا بحزم ضد هذه الفئة الباغية علي دين الله و علي النظام العام لهذا المجتمع، [ صفحه 156] و أن ينفذوا حكم الله عليها، و يسنوا القانون الذي يستأصلها و يهيل التراب عليها و علي أفكارها، حماية للمواطنين جميعا من التردي في هذه الأفكار المنحرفة في صراط الله المستقيم. ان هؤلاء الذين أجرموا في حق الاسلام والوطن يجب أن يختفوا من الحياة، لا أن يجاهروا بالخروج علي الاسلام، ان الأمر جد يدعو الي المسارعة النشطة من السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية لاعمال شئونها، و لنذكر دائما أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ان هذه الفتنة لم تحظ بالاهتمام المناسب مع أنها جريمة الجرائم و من الكبائر. ألا هل بلغ الأزهر... اللهم فاشهد. [ صفحه 159]

البهائية في مصر

اشاره

قبل الحرب العالمية الأولي جاء عباس افندي (عبدالبهاء) في زيارة الي مصر و أقام في الاسكندرية و اتصل بالكتاب والصحف لينشر مذهبه و مذهب أبيه، و من هؤلاء من انخدع بدعوة البهاء، و منهم من انتبه للزيف والضلال فبها، و هؤلاء و أولئك كتبوا حول عبدالبهاء والبهائية هذه المقالات التي نوردها في السطور القادمة.

كلمة مصر الفتاة

نشرتها في عددي يوم 15 و 16 ذي الحجة سنة 1328 - 17 ، 18 ديسمبر سنة 1910. جبرئيل ينزل في مصر دين جديد - اسمعوا وعوا بين ظهراتينا الآن في رمل الاسكندرية رجل عجمي النبعة، في منتصف الحلقة الثامنة من العمر، مهيب الطلعة، و قور الهيئة، واسع الدراية... بعيد الرماية، يقظ الجنان، ذرب اللسان، يزعم أن الله اجتباه و برسالته اصطفاه، يأتيه الأمين جبريل بالوحي والتنزيل، بعث مؤيدا لدين أبيه، فاتحا لما أغلق من مفاهيم الوحي و معانيه داعيا الي شريعته، مهيمنا علي أمته. [ صفحه 160] ذلكم هو المرزا عباس أفندي، الملقب بغصن الله الأعظم، والمنعوت بالفرع الكريم، المنشعب من الأصل القديم، لقبه ذلك، و نعته، والده المرزا حسين، الملقب ببهاء الله، حينما ترقي في دعواه، و زعم أنه رب العالمين، و الأصل القديم الغائب عن أعين الرائين، و تلقب بجمال القدم والبهاء، و لقب أتباعه بأصحاب السفينة الحمراء، بيد أن لقبه الأخير أصبح علمه الشهير. و كان قد استخلف الغصن علي أمته، و أمر بطاعته بعد غيبته، فلا عجب أن يكون اليوم رجل البهائيين و واحدهم، و علمهم المفرد و سيدهم، بل الههم المعبود، و ربهم الذي يخصونه بالسجود، بل لا عجب أن يدعي ما يدعيه، فالولد سر أبيه. بأيه اقتدي عدي في الكرم و من يشابه أبه فما ظلم حط هذا الرجل رحاله بديارنا في شتاء هذا العام، زاعما أن نزوله بيننا انما هو لترويح النفس، و طلب الشفاء، من داء نحل جسمه، و أنهك فواه، فرحبت به الصحف، وروت زعمه للناس قضية مسلمة، و هو رجل يعزي اليه ما يعزي من الدعوة الي دين جديد، و نحلة مستحدثة، بل ان صحيفة جهرت فيما يملأ نهرا من أنهرها: بأن ما يروي عن الرجل من هذا القبيل انما هو من مختلفات حساده و مفتريات خصومه و أضداده، كان صاحبها من شيعته، فعمل علي نصرته، أو أن الرجل استغواه بقاله، و استعواه برفده و نواله، أو انه لم يقرأ من مؤلفات البهاء مؤلفا، و لا من مصنفات دعاته مصنفا. [ صفحه 161] علي أن هناك كتابا منشورا طبع في العاصمة في مطبعة الموسوعات عام 1318 من الهجرة وضعه المرزا أبوالفضل محمد بن محمد رضي الجردفادقاني الايراني داعية البهاء في هذه الديار سماه (الدرر البهية في جواب الأسئلة الهندية) حوي طائفة كبيرة من المغامز، و شيئا جما من عقائد البهائيين، و سقسطتهم في اثبات دينهم، و تحقيق دعوي بهائهم. و هو كتاب لا يرتاب في فساد معانيه و اضطراب مبانيه و بطلان قضاياه و تزلزل دعاواه من كان في مرتبة ذلك الصحافي من البصيرة، والنظر في الدين، والعلم بكتاب الله، والمعرفة بالمعقول والمنقول. و لا يظن ظان فيه ذرة من الادراك و فضلة من النهي، أنه لم ير كتابا مثل هذا، طبع علي قيد ذراع من دار جريدته، قامت علي مؤلفه قيامة علماء الدين، و طلبوا من الحكومة مصادرته حيث يباع و يشري، و طردوا لأجله طالبا من الأزهر يدعي فرج الله زكي الكردي وقف علي طبعه، و صحح نماذج أصوله، و شرح بعض غوامضه و مستبهماته، فاللهم لطفا بعبادك و ارحمنا يا أرحم الراحمين. و هذه نبذ موجزة مما ضمه الكتاب بين دفتيه، يحسبها البهائيون حججا ساطعة، و براهين لامعة علي صدق دعوي البهاء، أرسلها في صفحات هذه الجريدة بحرفها، تاركا الحكم فيها لفطنة القاري‌ء و نظره. قال في الصفحة 216 و ما يليها الي الصفحة 219 ما نصه: «ان من أمعن النظر في الكتب السماوية مطلقا يري أنه ما من كتاب الا و فيه قسمان من التعليمات (القسم الأول) الحدود والأحكام التي تحتاج الأمة اليها مدة بقائها و يرتبط بها نجاحها و يتوقف علي اقامتها فلاحها، و (القسم الثاني) البشارات الواردة في مجي‌ء يوم الله و نزول روح الله و قيام مظهر أمر الله [ صفحه 162] (يريد بذلك البهاء و يوم ظهوره) و هذا اليوم هو اليوم العظيم الرهيب المهيب الذي عبر عنه في الكتب السماوية بتعبيرات شتي و سمي بأسماء عليا من قبيل: يوم الرب، و يوم الملكوت، و يوم الحسرة، و يوم التلاق، والقيامة، والساعة، و أمثالها، و قد ذكر الأنبياء عليهم السلام لمجي‌ء هذا اليوم أشراطا و علامات و شواهد و أمارات و دلائل و مقدمات مما هو مذكور و مدون في كتب الأولين و منصوص و مصرح في كلمات الأقدمين. ثم اعلم أنه و ان كان يستفاد من بعض الكتب أن الأنبياء عليهم‌السلام من لدن زمن عتيق مجهول الابتداء كانوا يبشرون الناس بمجي‌ء أمر الله و طلوع فجر يوم الله و زوال ظلمات البدع والاختلافات والحروب والأحقاد بين عباد الله، الا أنه بسبب ظلمة التواريخ القديمة و انقطاع أخبار الملل العتيقة و صعوبة ابقاء الآثار العلمية بسبب فقدان صنعة الطبع والورق و أمثالهما في الأزمان الغابرة و انعدام التعاون و التناصر والتعارف بين القبائل الدائرة لا يمكن الاطلاع الكافي عما جاء في أخبار الأنبياء قبل موسي عليه‌السلام، اذ لم يبق منهم كتاب و لم يوجد لهم آثار ليستفيد المستخبر من عباراتهم و يطلع علي مقتضي بشاراتهم، فلا يمكن والحالة هذه الا أن نعتبر التوراة أول كتاب سماوي يستقي من موارده، و يلتقط المقصود من شوارده، فلنبتد أولا يذكر آيات التوراة الجليل و نتبعها بعبارات رسائل أنبياء بني‌اسرائيل، و نختمها بالبشارات الواردة في الانجيل. و نتوكل علي الله، انه هو نعم المولي و نعم الوكيل. قال الله تبارك و تعالي كما جاء في الآية الثانية من الاصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية من أسفار التوراة: «جاء الرب من سينا و أشرق لهم من سعير و تلألأ من جبل فاران و أتي من ربوات القدس و عن يمينه قبس الشريعة» فهذه الآية المباركة تدل دلالة واضحة أن بين يدي الساعة و قدام مجي‌ء القيامة لا بد أن يتجلي الله علي الخلق أربع مرات و يظهر [ صفحه 163] أربعة ظهورات حتي يكمل سير بني‌اسرائيل و ينتهي أمرهم الي الرب الجليل (يريد البهاء) فيجمع شتيتهم من أقصي البلاد و يدفع عنهم أذي كل العباد و يسكنهم في الأراضي المقدسة و يرجع اليهم مواريثهم القديمة، فظهر أولا بمقتضي هذه الآية الكريمة سيدنا موسي عليه‌السلام فتجلي الله عليهم بظهوره من جبل سيناء ثم ظهر ثانيا سيدنا عيسي عليه‌السلام فتجلي عليهم بظهوره من جبل سعير، ثم ظهر ثالثا سيدنا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فتجلي بظهوره من جبل فاران فدارت الأدوار، و تتابع الليل والنهار، حتي ظهر الرب المختار (يعني البهاء) و تم الظهور الرابع بأمر الملك العزيز الجبار. و قال في الصفحة 205 و ما يليها الي الصفحة 211 ما صورته: ليس المراد من تأويل آيات القرآن معانيها الظاهرية و مفاهيمها اللغوية مما يفهمه و يدركه كل من يعرف اللغة العربية، و الا لم يبق ثم معني لقوله تعالي: (و ما يعلم تأويله الا الله) و قوله: (كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)، بل المراد من التأويل هو المعاني الخفية التي أطلق عليها الألفاظ علي سبيل الاستعارة والتشبيه والكناية من أقسام المجاز. ولولا قصور الناس في الأحقاب الماضية والأيام الخالية عن فهم تلك المعاني الدقيقة و ادراك تلك المفاهيم السامية، لما أخفاها الأنبياء عليهم‌السلام تحت ستائر الاستعارات، و لما رمزوا عنها بخفي الاشارات والتعبيرات كما جاء في الاصحاح الثالث عشر من سفر متي «و كان يسوع المسيح يكلمهم بأمثال لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح فمي بالأمثال و أنطق بمكنونات منذ تأسيس العالم»، و كما جاء في الفصل السادس عشر من انجيل يوحنا أن عيسي عليه‌السلام قال لتلامذته: «ان لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم و لكن لا تستطيعون ان [ صفحه 164] تحتملوها الآن و أما متي جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم الي جميع الحق، و كما جاء في الحديث أن النبي عليه‌السلام قال: «بعثنا معاشر الأنبياء تخاطب الناس علي قدر عقولهم»، و ما جاء في البخاري عن علي عليه‌السلام «حدثوا الناس بما يعرفون. أتحبون أن يكذب الله و رسوله» و لما كان من المقرر أن العالم مسير الي نقطة الكمال و الأرواح والأفئدة راقية لا محالة الي رتبة البلوغ والاعتدال ليبلغوا الي درجة فهم كلمات الأنبياء كما يقتضيه ناموس التقدم و الارتقاء، فقد قرر الله تعالي تنزيل تلك الآيات علي ألسنة الأنبياء و بيان معانيها، و كشف الستر عن مقاصدها الي روح الله (يعني البهاء) حينما ينزل من السماء لتتقوي أفندة اهل الايمان بالتغذي من ظواهر الآيات الكريمة، و تسير الأمة في أنوار الشرائع القويمة ليتمكن الناس في أثنائها من طي تلك المسافات البعيدة، و قطع تلك البرازخ الممتدة في الأجل المسمي والمدة المعلومة. قال الشيخ السهروردي قدس الله روحه في آخر كتاب الهياكل، يحب علي المستبصر أن يعتقد صحة النبوات، و أن أمثالهم تشير الي الحقائق كما ورد في المصحف (و تلك الأمثل نضربها للناس و ما يعقلها الا العلمون) و كما أنذر بعض النبوات: «اني أريد أن أفتح فمي بالأمثال»، فالتنزيل موكول الي الأنبياء والتأويل والبيان موكول الي المظهر الأعظمي الأنوري الأريحي الفارقليط (يريد به البهاء) كما أنذر المسيح حيث قال: «اني ذاهب الي أبي و أبيكم ليبعث لكم الفارقليط الذي ينبئكم بالتأويل» و قال: ان الفارقليط (يعني البهاء) الذي يرسله أبي باسمي يعلمكم كل شي‌ء، و قد أشير الي ذلك في المصحف: (ثم ان علينا بيانه) و ثم للتراخي، و مما ذكر يعلم أن جميع الأنبياء عليهم‌السلام من آدم الي الخاتم جاءوا بتنزيل الآيات المذكورة و اثبات البشارات المأثورة من غير تعرض لبيان معانيها لما قلنا من ضعف قوي الخلق عن تحمل مقاصدها [ صفحه 165] و قصورهم عن ادراك مراميها، و انما بعثوا - عليهم‌السلام - لسوق الخلق الي النقطة المقصودة، و اكتفوا منهم بالايمان الاجمالي حتي يبلغ الكتاب أجله و ينتهي سير الأفئدة الي رتبة البلوغ، فيظهر روح الله الموعود (يريد به البهاء) و يكشف لهم الحقائق المكنونة في اليوم المشهود، و قد علم أولوا النهي أن أصعب الأمور علي العالم البالغ تفهيم القاصرين عن الادراك، اذ لو كشفت الحقائق للقاصر عن ادراكها لينكرها لعجزه عن الفهم و قصوره عن الادراك، الي أن قال: و من ذلك يفهم معني الصعوبة التي كانت تعرض علي النبي عليه‌السلام حين تلاوة الآيات، فانهم كانوا يسألونه عن حقائقها و معانيها فكان يحرك شفتيه و يعالج كيفية البيان لصعوبة تفهيم القاصر، و كذلك صعوبة ترك البيان لئلا يحمل علي العجز، فنزلت الآية الكريمة (لا تحرك به لسانك لتعجل به) أي بيان معانيه الخفية و تأويلانه الغامضة (ان علينا جمعه و قرءانه) كما قدر الله تعالي جمعه بيد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين (ثم ان علينا بيانه)، أي حينما تبلغ الأمة بسبب السير في الشريعة المقدسة الاسلامية الي الدرجة العليا من الكمال، و تصير الأفئدة قادرة علي ادراك ما هو مكنون في كتب العزيز المتعال، فيتبلج صبح الوصال و ينزل الروح (يعني البهاء) في غمام الجلال و تنقشع غيوم الضلال و يتجلي عليهم ربهم (يعني البهاء) في أبهي حلل الجمال، فيبين لهم تأويل الكتاب و يكشف لهم لباب الخطاب و يتم نعمة الله علي عباده من كل الأبواب. و قال في الصفحة 59 و ما يليها الي الصفحة 62 ما نصه: مثلا اذا تدبروا في هذه الآية الكريمة: (و استمع يوم يناد المناد من مكان قريب - يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) ليروا أن فيها تعيين [ صفحه 166] محل نزول الموعود و تصريحا بأن نداء الرب تعالي (يعني البهاء) يرتفع من الأرض المقدسة أقرب الأراضي الي الأقطار العربية و هي الجزء الغربي من البلاد السورية الواقعة حول جبل القدس من أرياف البحر المتوسط بين آسيا والممالك الأوربية، هذه هي الأرض المقدسة البيضاء، والبقعة المنورة الفيحاء معهد اللقاء و قبلة الأصفياء و منشأ الأنبياء، و محل ارتفاع نداء الله بين الأرض والسماء، و من المعلوم أن مملكة السورية و أرياف البحر الأبيض أراض واسعة و قطعة متسعة و فيها بلاد شهيرة و مدي عديدة و قري و مزارع كثيرة، فبين النبي عليه‌السلام أن محل نزول الموعود (يريد به البهاء) هو (عكاء)، و مهبط هذا النور هو ذلك المرج المعروف في تلك الأرجاء، فمدح واطرا هذه المدينة و أقطارها حتي ذكر في بياناته المباركة عيونها و آبارها، و بشر و وعد بكل خير ساكنيها و زوارها، حيث قال عليه‌السلام: «طوبي لمن رأي عكة» فاشتهر هذا الحديث الشريف حتي تمسك به اللغويون مثل صاحب الصحاح و غيره فاستشهدوا به في كتبهم. و صار كالأمثال المرسلة، فلهجت به الشعراء في أشعارهم، ففصل النبي عليه‌السلام بهذا الحديث و كثير من أمثاله مما هو مدون في كتب الأحاديث مجمل الآية الكريمة المذكورة و بينها أحسن تبيين و نص علي تعيين محل الظهور أحسن تنصيص، و صرح أجلي تصريح و قد أخذه كبار الأولياء مصدرا لتفاصيل بشاراتهم، و صرحوا به في خطبهم و مقالاتهم، أو في كتبهم و مصنفاتهم، كأمير المؤمنين علي ابن أبي‌طالب من السابقين الأولين، و كالشيخ الكبير ابن العربي، والشيخ كمال‌الدين محمد بن طلحة، والسيد الشعراني، و كثير من أمثالهم من المتأخرين، و مما نقله الشيخ الشعراني في كتابه «البواقيت والجواهر» في المبحث الخامس والستين في هذا المعني مستخرجا من الأحاديث والمصادر العليا قوله: «يشهد [ صفحه 167] الملحمة العظمة مأدبة الله يمرج عكاء» و قوله في وزراء المهدي: «و يقتلون كلهم الا واحد منهم ينزل في مرج عكاء في المأدبة الالهية التي جعلها الله مائدة للسباع والطيور والهوام» الي كثير من أمثال ذلك مما خبأه الله تعالي في مكنون علمه و أودعه في بطون آيات القرآن، و صدقه كرور الأيام و تتابع الأزمان، و سوف يطبق ذكره الآفاق و يملأ صيته السبع الطباق. و قال في الصفحة 110 و ما يليها الي الصفحة 113 ما صورته: لا شك أن في القرآن المجيد و سائر الكتب المقدسة السماوية كثيرا من الأخبار عن الأمور الآتية، مماتهم الأمم معرفته، و يرتبط به نجاتهم و هلاكهم كمجي‌ء (الساعة) التي عبر عنها في كتاب الله تعالي بأسماء عظيمة و أوصاف شتي من قبيل: يوم الله، و يوم الرب، و يوم القيامة، و يوم الحسرة، و يوم التلاق، و أمثالها مما فسرته الأحاديث النبوية بيوم ظهور المهدي (يعني الباب) و قيام روح الله (يعني البهاء) حتي جاء في الكتاب الكريم ذكر جميع حوادث هذا اليوم الفخيم، و مجي‌ء النبأ العظيم بكلياته و جزئياته، و أشراطه و علاماته، و مطلعه و ميقاته كما عرفه أهله، و أدركه حملته، و لا شك أن الاحاطة بعلم تلك الأمور العظيمة المزمعة أن يلدها الكون والأخبار عنها مؤرخا معينا مشروحا مفصلا من أعظم العجائب و أكبر العظائم التي لا ينكرها الا الجاهل المكابر أو المجادل المتعنت. الي أن قال: ان موهبة فهم تلك الدقائق و ادراك هذه الحقائق من بطون آيات الكتاب ليست من المواهب العامة والمطالب المكشوفة الظاهرة حتي تدركها كل نفس و يفهمها كل شخص فتتم الحجة علي الكل و تكمل البينة علي الجميع و يصبر القرآن من هذه الجهة حجة بالغة و معجزة دامغة، كيف لا و في نفس الكتب السماوية تصريحات بأن تأويل آياتها، أي معانيها الأصلية المقصودة، لا [ صفحه 168] تظهر الا في اليوم الأخير، يعني يوم قيام روح الله، و مجي‌ء مظهر أمر الله، و اشراق آفاق الأرض مشارقها و مغاربها ببهاء وجه الله، و قبل مجي‌ء ذلك اليوم الرهيب العظيم و قيام الرب القديم (يعني البهاء) فالحقائق الأصلية المقصودة من البشارات مستورة مختومة بختم الله، والأبواب دون فهمها مسدودة مردومة بقدرة الله. فالكتاب يضرب علي هذه النغمة في كل مذاهبه، و ينسج هذا النسيج في جميع مطالبه، و ينكر الوعد والوعيد بمعناهما المفهوم و معاجز الأنبياء و قصصهم بمفهومها المعلوم، و يحمل علي أئمة الدين حملات شعواء، و يطعن في هداة المسلمين بكلمات عوراء، الي غير ذلك مما هنالك. و يقول البهائيون: ان مؤلفه هو راس دعاة البهاء، و أكرمهم عليه بعد آل بيته، حتي أنهم يروون عنه أنه قال: أبوالفضل مني بمنزلة بطرس الأكبر من المسيح و يزعمون كما يزعم هو و يزعم البهاء نفسه: أن روح هذا الحواري الكريم نقمص به كما تقمص بالبهاء روح المسيح صلوات الله عليه. و لقد كان لي معه صحبة منذ سنين، و لا أعرفه الا عالما من علماء المسلمين، فلما أنس بي و اطمان الي جانبي، و رأي ميلي اليه و عطفي عليه و شغفي بكلمه، و افتتاني بحكمه، شرع يمهد في نفسي طريقا تسلكه دعوته و تتسرب منه اجابته، فأخذ يبث فيها من الأوهام والخيالات والشكوك في الأديان والمعتقدات، ما يفقد الصواب و يذهب بالألباب، و يهلك المرء الغافل والغر الجاهل، ثم ما لبث أن جهر بالدعوة و جعلني أنظر في كتب سماها مقدسة لا تنالها الا أبصار البهائيين في ديار المسلمين، و هي: الألواح، والبيان، والأقدس، والأيقان، و كلها بخط القلم، بيد أنه يلغني من أمد وجيز [ صفحه 169] أن «الأقدس» و هو الكتاب الذي يزعم البهاء وحيه اليه قد طبع في بلاد الروس من نحو خمس سنين. فلم أدخر وسعا في تقليب هذه الأسفار، و اكتشاف ما احتوته من الرموز والأسرار، حتي صرت ملما بما فيها، عليما بظواهرها و خوافيها، كأني داعية من دعاة البهاء، يدعو الي أصحاب السفينة الحمراء، و كنت في أثناء ذلك أنظر فيما عثرت عليه من تاريخ هؤلاء القوم مما كتبه سواهم، فقرأت أولا ما ذكره العلامة البستاني في كتابه المشهور الموسوم (بدائرة المعارف) فكان موجزا لا يطفي الغلة و لا يبري‌ء العلة، ثم ثنيت بكتاب كان يطبع وقتها في القاهرة في مطبعة المنار هو تاريخ الباب والبابية المسمي (بمفتاح باب الأبواب) لمؤلفه المحقق المدقق زعيم الدولة رئيس الحكماء المرزا محمد مهدي بك خان، نزيل القاهرة، و صاحب مجلة (حكمت) الفارسية، فأدركت فيه غايتي و بلغت منه حاجتي، و وجدت ما كنت ناشده، و عثرت بما كنت فاقده، فلما أن تبينت القولين، و استجليت كنه الخبرين، و عرفت خلهما و خمرهما، و ذقت حلوهما و مرهما، و كانت دعوي البهائيين في الأصل يأباها العقل و لا يؤيدها النقل نازلت الرجل في ميدان الجدال، و هاجمته بصارم الحجة الفصال، حتي اذا سددت عليه مذاهبه ورددت في نحره مضاربه، و أصبت من مقاتله أصدقها و أخرست من ألسنته أنقطها، تركته مدحورا، و أبت فائزا منصورا، و ما عدت بعدها اليه، و لاسلمت عليه و حذرت صحبي أن يقعوا في حبالته، و أعلمتهم بكنه أمره و حقيقته. [ صفحه 170]

كلمة المؤيد

نشرها في عدد يوم الأحد 13 شوال سنة 1328 - 16 أكتوبر سنة 1910 تحت عنوان (المرزا عباس أفندي) قال: وصل الي ثغر الاسكندرية حضرة العالم المجتهد مرزا عباس أفندي كبير البهائية في عكاء، بل مرجعها في العالم أجمع، و قد نزل أولا في نزل فيكتوريا بالرمل بضعة أيام ثم اتخذ له منزلا بالقرب من شتس (صفر) و هو شيخ عالم وقور متضلع من العلوم الشرعية و محيط بتاريخ الاسلام و تقلباته و مذاهبه، يبلغ السبعين من العمر أو يزيد علي ذلك. و مع كونه اتخذ عكاء مقاما له فان له أتباعا يعدون بالملايين في بلاد الفرس والهند بل و في أوروبا و أمريكا، و أتباعه يحترمونه الي حد العبادة والتقديس حتي أشاع عنه خصومه ما أشاعوه، و لكن كل من جلس اليه يري رجلا عظيم الاطلاع حلو الحديث، جذابا للنفوس و الأرواح يسيل بكليته الي مذهب (وحدة الانسان)، و هو مذهب في السياسة يقابل مذهب (وحدة الوجود) في الاعتقاد الديني تدور تعاليمه و ارشاداته حول محور ازالة فروق التعصب للدين أو للجنس أو للوطن أو لمرفق من مرافق الحياة الدنيوية. جلسنا اليه مرتين فأذكرنا بحديثه و آرائه سيرة المرحوم السيد جمال‌الدين الأفغاني في احاطته بالمواضيع التي يتكلم فيها و في جاذبيته لنفوس محدثيه، الا أن هذا يتسع حلما و يلين كنفه لحديث مخاطبيه و يسمع منهم أكثر مما كان يسمع السيد جمال‌الدين، و قد ذكرناه له فترضي عنه و قال: انه كان عالما فاضلا و سياسيا كبيرا، الا أنه مع كثرة ما كان يكتب عن [ صفحه 171] الانجليز في الهند ما استطاع أن يهدم بناء أقامه السيد أحمد خان (مؤسس كلية عليكره) بكلمتين، فكان بناء منيعا مانعا من انفاق مسلمي الهند و وثنييها، و حائلا دون وحدة الشعب في الهند من ذلك التاريخ. علي أن حضرته مع كثرة ما تكلم في أسباب انحطاط الدول الاسلامية في العصور الأولي، و ما أشار اليه من ارتقاء الأمم الأوروبية الآن، و أفاض في أسباب هذا الارتقاء كان يتحاشي الكلام في السياسة الحاضرة في الدولة و مصر. و كان يعود فيقول: انني جئت مصر لأعالج ضعف صحتي و هو يشكو من نوبات عصبية تعتريه انا فآتا اضطر من اجلها أن يقيم في جبل حيفا بضعة أشهر ثم أشير عليه أن يأتي الي مصر (و هي أول مرة اتي اليها) و لما نزل في فندق فيكتوريا علي صاحبه (الخواجة جورج كليانس) به كل العناية فقال: انني نزلت في نزل ببور سعيد فرأيت أن مديره يري نفسه ملكا و نزلاءه رعيته، و لكني رأيت مدبر (فيكتوريا) بري نفسه خادما أمينا و نزلاءه سادة مخدومين فهو يوصي بالنزول في هذا الفندق. و قد عزم علي أن يقيم في ثغر الاسكندرية ما اقتضت صحته ذلك، فان لم ير تحسنا كبيرا في صحته قصد القاهرة و أقام في مصر الجديدة، أو في حلوان الشتاء المقبل و ما شاء الله من أيام الربيع بعده. و هو ينفي نفيا بانا أن هناك باعثا سياسيا حمله الي الوفود علي مصر قائلا: انني لا شأن لي بأمور السياسة من قبل و من بعد، فلا داعي لأن يكون هناك باعث سياسي علي مبارحة البلد الذي اتخذه وطنا له. [ صفحه 172] فنحن نرحب بحضرة هذا العالم الحكيم و نسأل الله أن يجعل مقامه في مصر محمودا عائدا عليه بالصحة والعافية آمين. اه. هذا ما قاله الشيخ الأزهري المسلم صاحب الجريدة الاسلامية في رجل يعمل علي هدم بناء الاسلام، و لا نحكم عليه الا بما يقتضيه العقل من أن مدح المرزا عباس يستلزم الأخذ بعقائده والقيام بتبليغ دعوته.

كلمة المنار

نشرها في الجزء العاشر من المجلد الثالث عشر الصادر في 30 شوال سنة 1328 تحت عنوان (عباس أفندي البابي البهاني)، و هي بقلم صاحبه السيد رشيد رضي و مكانته في العلم والدين تدل علي مكانة هذه الكلمة، قال آثابه الله: البهائية فرقة من البابية رئيسها الآن عباس أفندي بن مرزا حسين علي الملقب بالبهاء أو بهاء الله دفين عكاء، و هم آخر طوالف البطانية يعبدون البهاء عبادة حقيقة، و يدينون بألوهيته و ربوبيته و لهم شريعة خاصة بهم، و كان عباس أفندي محجورا عليه في عكا، فلما صارت الحكومة العثمانية دستورية تسني له ان يخرج من عكاء، و قد جاء الاسكندرية في هذا الشهر و كتب مدير المؤيد نبذة عنه وصفه فيها بالعالم المجتهد وبالتضلع من العلوم الشرعية والاحاطة بتاريخ الاسلام، و قال: ان أتباعه يعدون بالملايين و أنهم «يحترمونه الي حد العبادة والتقديس حتي أشاع عنه خصومه ما أشاعوا». ثم قال مدير المؤيد و لكن كل من جلس اليه يري رجلا عظيم الاطلاع حلو الحديث جذابا للنفوس والأرواح يميل بكليته الي مذهب (وحدة الانسان) و هو مذهب في السياسة يقابل مذهب (وحدة الوجود) في الاعتقاد [ صفحه 173] الديني تدور تعاليمه و ارشاداته حول محور ازالة فروق التعصب للدين أو الجنس أو الوطن أو لمرفق آخر من مرافق الحياة الدنيوية. أقول: ان عباس أفندي رجل عظيم سياسي جذاب الحديث يخاطب كل أحد بما يري أنه يرضيه و يعجبه، و كان منذ ثلاثين سنة يجي‌ء بيروت فيصلي الصلوات الخمس مع المسلمين، و كذلك كان يعامل المسلمين في عكاء، يجتمع بالعالم السني فيوهمه ان فرقتهم لم يكن همها من الاصلاح الا ازالة تعصب الشيعة، و تقربهم من أهل السنة والتوفيق بين الطائفتين، كما سمعت ذلك عنه من شيخنا الشيخ حسين الجسر (رح) و هو في الحقيقة زعيم دين جديد في بعض تعاليمه و مسائله، و ان كان مبنيا علي اصول الباطنية الذين منهم الاسماعيلية والفراسطة والدروز والنصيرية، و هم يدعون المسلمين الي دينهم بدعوي أنهم منهم و يريدون أن يجعلوهم علي بصيرة في دينهم أي وثنيين يعبدون البشر فبالله من هذا الارتقاء، والتقدم بالرجوع الي الوراء، و كذلك يدعون النصاري بتسليم الوهية المسيح و ادعاء أنه هو البهاء، و قد جعل قدماؤهم للدعوة أصولا و أساليب حكيمة بينها المقريزي و غيره من المؤرخين كالتشكيك في آيات القرآن و تأويلها بما تتبرا منه اللغة والذين كتأويل البهائية السماوات السبع بالأديان و اختصام الملأ الأعلي باختصام أولاد البهاء عباس و اخوته، و تفسير هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة بظهور البهاء و أتباعه فهو الههم و أتباعه ملائكتهم!! و عندهم أن القيامة قد قامت بظهور الباب والبهاء. و لما كان ما ذكره المؤيد عن عظيم القوم يوهم أنه من علماء الاسلام المجتهدين في الدين كالأئمة الأربعة (مثلا) و أن سياسته كسياسة الماسون، و كان هذا مما يسهل عليه نشر دعوته في مصر، و يحمل من يغتر بظاهر [ صفحه 174] كلام المؤيد علي الثقة به رأيت أنه يجب علي أن أنبه الناس الي الحق الذي أعتقده بعد الاختبار الطويل و ما قرأته و سمعته عن هؤلاء القوم و ما قرأته في كتبهم و ما جري لي من المناظرة والمحاورة مع داعيتهم بمصر مرزا أبي‌الفضل. أقول: ان عباس أفندي ليس اماما من أئمة المسلمين المجتهدين و للمؤيد أن يقول انه عني بالمجتهد معناه اللغوي لا الأصولي، بل لا يعد من علماء المسلمين لأن قومه ليسوا منهم، و لكن لا ننكر أنه مطلع علي تاريخ المسلمين و علومهم، و اجتماع مدير المؤيد به مرتين لا يكفي للحكم باحاطته بالتاريخ و تضلعه من العلوم الشرعية، و قوله: ان أتباعه يعدون بالملايين غير مسلم أيضا، و طالما سمعناهم يدعون ذلك، لأنه مما يجذب الناس اليهم، بل يجعلون هذا دليلا علي حقيقة دينهم، و قد سبق لي كلام معهم في ذلك، والمؤيد أخذ ذلك عنهم بالتسليم. و أما مسألة وحدة الانسان فانما يعنون بها دعوة الناس الي دينهم المبني علي عبادة البشر و تقديسهم، حتي قال داعيتهم أبوالفضل في أحد الملاهي العامة بمصر في البهاء «هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزير الجبار المتكبر» فتلونا نحن فاصلة الآية (سبحان الله عما يشركون)، والمسلمون يدعون الي اتحاد البشر و اتفاقهم علي عبادة الله و تقديسه وحده، و جعلهم أخوة في الاسلام لا يفرق بينهم تعصب لدين و لا جنس و لا وطن و لا غير ذلك، والنصاري يدعون أيضا الي وحدة الانسان في النصرانية و عبادة المسيح عبدالله و رسوله (عليه السلام) فبماذا امتاز البهائية؟!! [ صفحه 175] ألا فليعلم الناس أن هؤلاء الباطنية قد قصدوا في وضع تعاليمهم الأولي محو الاسلام و ازالة سلطانه من الأرض، وضعها بعض مجوس الفرس لما فتح المسلمون بلادهم و أزالوا ملكهم و استعانوا عليهم بالشيعة و هم حزب سياسي يري أن الحكومة يجب أن تكون (أرستقراطية) للأشراف من آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم، فصاروا يبثون دعوتهم في هذا الحزب بحمله علي الغو في بغض عمر بن الخطاب (الذي فتح بلادهم) و أبي‌بكر و جمهور الصحابة الذين كانوا أقرب الي القول بحكومة الشعب (الديمقراطية) و قد وجد هذان الحزبان في الاسلام و وجد فيهم حزب الفوضوية أيضا و هم الخوارج، كما وجد ذلك عند غيرهم لأن وجود هذه الأحزاب السياسية طبيعي في البشر، و كذلك خلق الغلو طبيعي في البشر و لذلك نجح الباطنية في دعوة غلاة الشيعة الي تكفير جماهير الصحابة و رميهم بكتمان بعض القرآن، و لم يدروا أن ذلك يعد طعنا في أئمة آل البيت الذين يتعصبون لهم لأن رئيسهم عليا - كرم الله وجهه - كان يحفظ القرآن كله، فلماذا لم يظهر المكتوم؟ انهم يجيبون عن هذا بما لا يقبله ذو عقل مستقبل كالتقيه، و ما كان علي بالجبان فيخاف في اظهار أساس دينه أحدا، علي أنه كان يمكنه أن يبث ذلك سرا في آل بيته و شيعته، و غرض الباطنية اخراج الشيعة من الاسلام كما كانوا يريدون اخراج غيرهم، و لكنهم خابوا و لا يزالون خائبين و للمسلمين من الشيعة و غيرهم السلطان و البرهان بهم الغالب عليهم، و لما ظهر غلاة المتصوفة توسل الباطنية بهم الي مقصدهم أيضا فأضلوا كثيرا من الناس، و لكن الاسلام ظل غالبا علي أمره في الصوفية أيضا، الا من كان أو صار من الباطنية و سنزيد هذه المسألة بيانا. [ صفحه 176] و عسي أن ينشر مدير المؤيد هذا في جريدته ليزيل الايهام الذي علق بالأذهان من كلامه، و لا يعقل أن يكون مقصودا له لأن أحاد العامة المتهاولين في الدين لا يمهدون السبيل لدعوة دين وضع لمحو دينهم، فكيف يفعل ذلك مثل مدير المؤيد و هو من يعد من خواص المسلمين في علمه و سياسته. و من أراد أن يعرف تاريخ هؤلاء البابية و شيئا من التفصيل في دينهم، فيطالع كتاب مفتاح باب الأبواب تأليف الدكتور محمد مهدي خان، و ثمنه خمسة عشر قرشا صحيحا، و يوجد في مكتبة المنار و غيرها. أه. (قلت) ان العلامة صاحب المنار فتح بابا يلجه شيخ المؤيد للتنصل مما ارتكبه من الخطأ الفاضح بامتداحه رجلا هذه أوصافه و نعوته، بل ليميط الأذي من طريق المؤمنين فلا يكون لدعوة الرجل سبيل الي نفوسهم، و لكنه أبي الا أن يصم أذنبه عن دعوة صاحب المنار، و يغمض عينيه علي القذي، و يدع كلمته تعمل في الناس عملها، اللهم هذا عمل غير صالح، فاجز كلا بما يستحق.

كلمة البلاغ المصري‌

نشرها في العدد الصادر في 25 ذي الحجة سنة 1328 - 27 ديسمبر 1910 و هي بقلم محمود أفندي حمدي السخاوي السكندري، قال تحت عنوان (هبة كريم): ما اكتفي حضرة عباس أفندي البهائي رئيس الطائفة البهائية بما أسداه من المبرات لمدرسة رياض باشا بالرمل فكسا الفقراء واليتامي من تلاميذها كسوة الشتاء فياتوا بفضله و قد قرت عيونهم و اكتفوا شر البرد القارس، [ صفحه 177] و تجملوا بها في عيد الأضحي المبارك، نعم لم يكتف بكل ذلك و لايما أسداه لتلاميذ الملجأ العباسي حتي زار مدرسة النجاح الخيرية في الرمل أيضا لصاحبها و ناظرها حضرة الفاضل النشيط الشيخ محمد البرنوجي و منح ثلاثة من متقدمي تلاميذها ثلاثة جنيهات، و ذلك لما أعجب به من فرط ذكاتهم و نجاحهم مع صغر سنهم، ثم منح مدرسي المدرسة اثني عشر جنيها تنشيطا لهم علي خدمة العلوم والمعارف. سيقول البخلاء من أغنيائنا و هم سوادهم الأعظم بكل أسف شديد؛ ان الرجل وهب ما وهب لحاجة في نفسه يريد قضاءها و هي نشر مذهبه أو علي الأقل اجتذاب نفوس المصريين اليه، و لم يقصد مطلقا أن تكون عطاياه محض المساعدة علي نشر العلوم. علي أن مثل هذا القول حجة لنا عليهم لا لهم لأن حضراتهم ولا شك ميالون بكلياتهم الي احراز الفخر و نيل المجد، و لكن عن طريق الغطرسة والتعالي علي أبناء الوطن بدون أهلية، والتطلع الي تحلية صدورهم بالأوسمة والنباشين و تزيين أسمائهم بألقاب العزة والسعادة، فأي الفريقين والحالة هذه أهدي سبيلا؟ أذلك الرجل الذي يهب من ماله للمساعدة علي بث المعارف حتي في غير أبناء جلدته الناقمين عليه و علي مذهبه، أم هؤلاء الوطنيون البعيدون عن الوطنية الحقة بعد الأرض عن السماء؟ لعمري ان الفرق واضح جلي لا يحتاج لبرهان. و ليس يصح في الأذهان شي‌ء اذا احتاج النهار الي دليل [ صفحه 178] و علي هذا فحضرة عباس أفندي البهائي يجب أن يشكر و أن يثني عليه الثناء الجزيل بقطع النظر عما يدعو اليه، و ذلك لقاء هباته المتوالية علي العلم و نشره و تعضيد المعلمين والثناء عليهم و احترامه لهم، أه. ذلك قول امري يتراءي بالتقوي، و يتسربل بسربال الوطنية في كل محفل، و أني سار في منهج تراه يرفع عقيرته داعيا الي الميل بالأفئدة الي ذلك المخاتل، مطفي‌ء نور الايمان محارب الاسلام والأديان الأخري بما يذيعه من النداء بعبادة أبيه. يزعم ذلك المتنطع المراني أن عباسا هذا جدير بالثناء لأنه بذل شيئا من العطاء، و هو معترف بأنه لم يفعل ذلك الا احتيالا لنشر دينه، و معترف بأن دينه من الأباطيل، و لا ندري كيف سولت له نفسه أن يثني عليه و هو علي بينة من خداعه و رئائه، فمثله مثل من يحمد الفاسق اذا استهوي الطاهرات من العذاري بما يجتذبهن به اليه من الهدايا و ساء ذلك مثلا. بل الفاسق يغوي من النساء خمسا أو عشرا و هذا يحاول أن يفسد علي العالمين عقائدهم، و يا بعد ما بينه و بين الفاسقين في المنزلة عند من يجعل للضالين مراتب، و لا ريب في أن من يحبيه الي الناس قسيم له في الذي يدعو اليه، و أولئك هم الأخسرون أعمالا، والله من ورائهم محيط. [ صفحه 179]

كلمة الأهرام‌

نشرتها في عدد يوم الخميس 18 محرم سنة 1329 - 19 ينابر سنة 1911 تحت عنوان (عباس أفندتي رئيس البابية - شي‌ء عن أخلاقه و مذهبه) قالت: لا يزال فضيلة عباس أفندي رئيس البابيين موضوع التجلة والاكرام في الاسكندرية، يزور و يزار من كبراء القوم والعلماء والأعيان فيها، و قد وردت عليه في المدة الأخيرة رسائل من أتباعه الكثيرين في الولايات المتحدة، و بها يلتمسون منه أن يذهب الي تلك البلاد لزيارتهم، و أنهم يعدون له منزلا فخيما في نيويورك يليق بمقامه لينزل هو و حاشيته فيه، و لكن يظن أن لا يجيب هذه الدعوة نظرا لبعد الديار و طول شقة السفر، و قد انتهت الينا رسالة من حضرة الأديب شكري أفندي نصر الذي جاء مؤخرا من سوريا يصف فيها عباس أفندي و قد عرفه في عكاء، و يشرح مذهبه «البابي» فآثرنا اثباتها فيما يلي: قال: «ان فضيلة عباس أفندي زائرنا الكريم هو من عائلة عريقة في الحسب والنسب في بلاد فارس، و هو ابن ساكن الجنان بهاء الله مؤسس البابية، و هو خليفة والده، أما أخلاقه و صفاته فهو مثال الرصانة والشهامة، و عنوان اللطف و كرم الأخلاق، أبي النفس، محب للخير والمبرات، رقيق العواطف شريفها، يرأف بالفقير، و يواسي المسكين، و لا فرق عنده بين الأديان مهما تعددت، فالمسلم والمسيحي واليهودي والبرهمي علي السواء لديه، ينظر الي جامعتهم الانسانية، لا الي مذاهبهم الخصوصية، والغاية التي يرمي اليها فضيلته هي وحدة الأديان في العالم، والمساواة بين بني [ صفحه 180] البشر، حبا بملاشاة الشرور المتأتية عن الاختلافات المذهبية، كما هو مشاهد في العالم بوجه عام، والشرق بوجه خاص، و نظرا للغاية النبيلة التي ترمي اليها البابية قد انتشرت انتشارا عظيما، و امتدت الي جهات أوروبا و أمريكا، حتي أصبح عدد البابيين الآن زهاء خمسة عشر مليونا ما بين ذكور و اناث، و أكثرهم في نيويورك، و شيكاغو، والهند و بلاد فارس، و مصر، و سوريا، و لا تزال في امتداد و انتشار، و لبهاء الله ضريح في عكاء يدعي «البهجة»، يؤمه البابيون من كل صوب لنتبرك بزيارته في كل سنة. «و قد تشرفت مرتين بزيارة فضيلة عباس أفندي في الرمل، فكنت أري الفقراء والمساكين متجمهرين عند باب منزله ينتظرون خروجه، حتي اذا خرج يسألونه الاحسان فيجود عليهم به. هذا وصف شي‌ء يسير من صفاته الكريمة أسرده مقرا بالعجز عن ايفانه حق قدره، و أما هيئته فهو قصير القامة، أبيض اللحية، حاد النظر، بشوش الوجه، مهيب الطلعة، متواضع، يرتدي ثيابا في غاية البساطة، مبتعدا عن الزخرفة والفخفخة، و هو عالم فيلسوف، يحسن اللغات التركية والفارسية والعربية جيدا، و له المام بتواريخ الأمم و أحوالها، و هو في الستين من العمر، و قد كان يشكو بعض الآلام العصبية، الا أنها زالت بتغيير الهواء بعد قدومه الي الرمل. يستيقظ الشيخ باكرا، فيطلع علي الرسائل والمجلات التي ترد عليه من جميع الأنحاء، و يجاوب علي المهم منها بخطه الفارسي المشهود بحسنه، و قد زاره كثير من عظماء رجال هذا القطر، و وكلاء سائر الدول، فرد الزيارة لكل منهم، و ما من واحد زاره الا و خرج مثنيا علي سماحته، و معجبا بهمته و ذكائه الغريب. [ صفحه 181] أما ما قيل من أن لقدومه الي هذا القطر علاقة بمعاكسة الدستور فأمر مخالف للحقيقة تماما، و حسبنا دليلا علي ذلك سعيه لتوحيد الديانات في العالم، و مساواة جميع الأمم، فان كانت تلك هي صفاته، و هذا هو سعيه فكيف اذا يعاكس الدستور؟ ان من ينسب ذلك الي فضيلته و هو الرجل الدستوري المحض منذ نشأته قبل أن أعلن الدستور العثماني يسي‌ء الي الانسانية اساءة كبري. و أما حقيقة حضوره الي القطر المصري فلأجل تبديل الهواء برمل الاسكندرية التماسا للشفاء مما كان ألم به من الانحراف، هذه حقيقة أعلنها علي رؤوس الأشهاد، و ان يكن فضيلته في غني عن مدح مثلي والسلام». هذا ما كتبه لنا نصر أفندي، و بالمناسبة نذكر أننا رأينا منذ يومين من أتباع فضيلة الأستاذ سيدة انجليزية تحمل كتابا يبحث في مذهب البابية، و كانت تدعو بعض الأدباء من الانجليز لزيارة فضيلته في منزله في الرمل، و هي متعصبة لمذهبه، و تكاد تكون مبشرة فيه. ان البابية أسست في سنة 1843 في مدينة شيراز من بلاد العجم، و في كلمة «البابية» نسبة الي الباب، و هو رمز الي أنه لا يستطيع أحد سبيلا الي معرفة الخالق العظيم الا بواسطة «الباب» أي الرئيس الأكبر، والبابية اشتقت من الاسلامية، و امتزجت بشي‌ء من مبادي‌ء المذاهب «الغنوستيكية» (مذهب غنوستيك في ضم مبادي‌ء الديانات في الشرق و فلسفة اليونان الي تعاليم الدين المسيحي) والبوذية واليهودية، أما تعاليمها فمفعمة بالآداب العامة، و هي تمنع تعدد الزوجات، و تحرم الاقتران غير المشروع، والمبني علي مجرد الاتفاق، والتنسك (الترهب)، و تقضي بالمساواة بين الأجناس و تأمر بالبر والاحسان، و اكرام الضيف، والامتناع عن المسكر اه. [ صفحه 182] (قلت) أما نصري أفندي فلا نؤاخذه لأن كلماته تتم علي بهائيته، و للبهائي أن يقول ما شاء في حق من يعبدهم، و لكن يظهر أنه من جهلة البهائيين اذ ينسب للبهاء تأسيس البهائية و هو جهل مطبق، أما الأهرام فمؤاخذتنا لها أنها تعلم أن دين الرجل من الأباطيل و أنه يعمل لهدم المسيحية كما يعمل لهدم الاسلام و غيره من الأديان، فامتداحه و نشر الثناء عليه و تحبيبه الي الناس مشاركة له فيما يدعو اليه والأهرام علي ما نعلم مسيحية متدينة!!

كلمة اخري للمنار

نشرها في الجزء الأول من المجلد الرابع عشر الصادر في محرم سنة 1329 تحت عنوان (البابية البهائية) و هي بقلم صاحبه الأستاذ العلامة السيد محمد رشيد رضي، لا أحرم الله المسلمين قلمه الزائد عن الدين، القاطع لألسن الأفاكين قال أثابه الله: ضاق هذا الجزء عن متابعة الكلام في الباطنية سلف هؤلا البهائية، و قد جري بيني و بين أحد كبار رجال القضاء في الاسكندرية حديث في شأن عباس أفندي زعيمهم و كنا بدار محمد سعيد باشا رئيس النظار بمصر، و قد اتفق جلوسنا في احدي الحجرات ليلة احتفال الرئيس بعيد جلوس الأمير، و كان معنا بعض العلماء الوجهاء. افتتح محدثي الكلام بمعاتبتي علي ما كتبت في شأن عباس أفندي و أطراه أشد الاطراء و شهد له بالاسلام الكامل علما و حكمة و عملا فقال: انه يؤدي الصلوات الخمس و غيرها من الفرائض والنوافل و يبين من فضائل الاسلام ما لا يكاد يستطيعه سواه و يسعي في نشره في أمريكا و سواها، [ صفحه 183] و يحاول جمع الشعوب عليه فكان سبب دخول الملايين في هذا الدين المبين، قال: ولو سواك طعن في اسلامه و قال فيه ما قلت و أكثر مما قلت لما كنا تبالي بقوله و لكن لكلامك من القيمة والاحترام ما ليس لغيره، و لذلك ساءني أن تتكلم في هذا الرجل العظيم و أنت لم تعرفه معرفة اختبار بما لعلك أخذته من غمر جاهل أو ذي غمر متجاهل، و اني أدعوك الي ضيافتي بالاسكندرية و أجمع بينك و بين الرجل و أنا موقن بأنك تعجب بدينه و عقله و علمه و آدابه الجذابة و فصاحته الخلابة، هذا حاصل معني ما قاله هذا اللائم المعجب بالرجل. و مما قلته له: انني أسلم بما سمعته منك و من سواك عن شمائل الرجل و أدبه و فصاحته، و لم أكتب فيه الا ما يدل علي هذا، و هذا التسليم لا ينقض شيئا من بناء اعتقادي و اختباري، و أن قواعد هذا الاعتقاد لبست مأخوذة عن أعداء الرجل و أعداء قومه بل منهم و من كتبهم، فقد جري بيني و بين داعيتهم هنا مناظرات متعددة و ثبت عندي أنهم من الباطنية الذين كانوا يظهرون للمسلمين و كذا لغيرهم أنهم منهم و علي ملتهم و لا يطلبون الا الاصلاح فيها، و هؤلاء البهائية اذا دعوا النصاري في أمريكا مثلا الي نحلتهم قالوا لهم انا نصاري مثلكم نؤمن بألوهية المسيح و بمجيئه في يوم الدين - أو الدينونة كما تقول النصاري - و قد جاء المسيح كما وعد في ناسوت البهاء و آمنا به و اتبعناه، و كذلك يقولون للمسلمين انا منكم و نطلب اصلاح حالكم باتباع المهدي المنتظر والمسيح الموعود يه، بل يقولون ان دين برهمة و دين بودا و دين زردشت حق، و يقولون لهؤلاء اذا لقوهم انا منكم و ان ربنا و ربكم هو البهاء أو بهاء الله دفين عكاء من بلاد الشام، و لا يفصحون عن عقيدتهم كلها لأحد دفعة واحدة، و انما يرتفون به [ صفحه 184] درجة بعد أخري.. و قد وضع سلفهم الأولون هذه الدرجات و جروا عليها و قلدهم الماسون فيها (أي الدرجات فقط) و قصاري دعوتهم الرجوع الي نوع من الوثنية ملون بلون جديد من ألوانها. و لما بالغ محدثي بانكار ذلك قلت له: انني لا أدعي معرفة الرجل والحكم عليه بما ظهر لي منه نفسه، و انما أحكم عليه من حيث هو زعيم هؤلاء القوم باعترافهم و اعترافه، و قد بلغني عنه نفسه أنه يدعي الاسلام و يجاري أهله في عباداتهم عندما يكون معهم، و نحن لا نقول لمن أظهر الاسلام انك لست بمسلم اتباعا للظن، و لكننا نعلم من تاريخ هؤلاء الباطنية مثل هذا، فقد كان العبيديون بمصر يدعون أنهم مسلمون و يبثون دعاتهم في الناس لتحويلهم عن الاسلام الي عبادة امامهم المعصوم بزعمهم، فاذا كان عباس أفندي مسلما حقيقة لا بالمعني الذي تقوله الباطنية عادة، فليكتب مقالة بخطه و امضائه يصرح فيها بالنص الصريح بأن سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب هو خاتم النبيين والمرسلين لا دين بعد دينه و لا شرع ينسخ شرعه، و أن القرآن هو آخر كتب الله و وحيه لأنبيائه و رسله، و أن معانيه الصحيحة هي ما دلت عليه مفرداته و أساليبه العربية. فقال محدثي البارع: كيف يمكن أن نقول للبري‌ء انك متهم بالجنابة و ينبغي أن تتبرأ منها و تدافع عن نفسك؟ قلت اننا لا تطلب أن يكتب ذلك بأسلوب الدفاع، و انما نطلب أن يكتبه في مقال يبين فيه حقيقة الاسلام ارشادا للناس و تعليما أو ردا علي المعترضين، و مثل هذا يقع كثيرا، و لذلك اكتفينا منه بذلك و لم نكلفه أن يتبرأ مما سمعناه من أتباعه من القول بألوهية والده و نسخه للشريعة الاسلامية كجعل الصلوات ثنتين بدل خمس بكيفية غير كيفية صلاة المسلمين، فان كان لا يكتب من تلقاء نفسه فاننا تكتب اليه [ صفحه 185] أسئله و نطالبه بالجواب عنها، فهل يضمن لنا ذلك المعجب باسلامه أنه يجيب عنها؟؟.. أه. رحم الله الأستاذ الامام الشيخ محمدا عبده و طيب ثراه لقد صدق حين سئل عن عباس هذا فقال: «انه ضال مضل» و ها نحن أولاء نري تضليله لذلك الذي أشار اليه العلامة صاحب المنار. و ان في اضلاله له و هو من رجال القضاء لبرهان مبين علي أنه من كبار المضلين زعماء الفرق الهالكة بالتنكب عن صراط الايمان و ادعاء أنها عليه، ليسلك سبيلها المريضة قلوبهم و صغار المدارك، فهل للشيخ علي صاحب المؤيد في أن يكفر عن سيئته التي جاء بها في اطراء عباس هذا بما يدفع المسلمين بميولهم اليه فنري في المؤيد بعد تلك السيئة حسنة تمحوها؟؟ و لا تكفير لسيئة صاحب المؤيد الا أن يذيع للناس فيه أن لممدوحه باطنا غير ظاهره، و أنه خطر علي الأديان، و لمن اتبعه غضب من الله والله يقول: (و من يحلل عليه غضبي فقد هوي - و اني لغفار لمن تاب و ءامن و عمل صلحا ثم اهتدي). [ صفحه 189]

الوثائق

نصوص من الأقدس والألواح‌

في تقديمهم لكتاب البهاء (الأقدس) علي موقعهم بشبكة المعلومات الدولية يقول المسئولون في الجامعة البهائية التي تشرف علي المشروع الاليكتروني: «ثم عين بيت العدل الأعظم لجنة خاصة لاعادة طبع الكتاب الأقدس باللغة العربية، و هي اللغة التي أنزل بها. ... و لكن بقي نص الكتاب الأقدس علي صورته التي أنزل عليها دون أن يقسم الي فقرات». و هذا اعتراف أولي نسجله علي البهائية أن النص العربي هو اللغة الأصلية التي من المفترض أن الكتاب الأقدس نزل بها! لكن هناك اعتراف آخر لا يجب أن نغفله و هو أنه عند نقل النص الي اللغات الأخري حدث فيه تبديل و تغيير ليس من قبيل الترجمة و لكن من قبيل اعطاء الزبون ما يناسبه من بضاعة حيث يقول الجماعة ما نصه: «و عملا بتوجيه حضرة ولي أمر لله زودت تراجم الكتاب الأقدس بايضاحات أو حواش تسهل لغير الملمين بالمفاهيم والرسوم الدينية للشرائع [ صفحه 190] السابقة فهم ما قد يصعب عليهم من آيات الكتاب، دون أن يكون المقصود من هذا الشرح تقديم بيان جامع كامل لآياته». بل هناك اعتراف ثالث مؤداه أن البهاء سرق الشرائع التي نسخها بأقدسه و منها شريعة الباب، التي سبق أن وضعها الباب قبل البهاء ببضعة سنين و صدقها الأخير و دافع عنها في مؤتمر بدشت... حيث تقول مقدمة الجامعة البهائية لكتاب الأقدس: «يري حضرة شوقي أفندي أن الدين البهائي كدين واحد شامل لدعوة حضرة الباب، أمر ينبغي التأكيد عليه.. فلا يجوز فصل رسالته عن رسالة حضرة بهاء الله. و مع أن أحكام كتاب البيان قد نسختها أحكام الكتاب الأقدس، لكن نظرا لأن حضرة الباب أعلن نفسه مبشرا بظهور حضرة بهاء الله، فاننا نعتبر دورته و دورة حضرة بهاء الله بمثابة أمر واحد، فالظهور السابق مقدمة للظهور اللاحق. لقد ذكر حضرة الباب أن أحكام شريعته مؤقتة و منوطة بقبول من يظهر بعده، لهذا ثبت حضرة بهاء الله في الكتاب بعضا من أحكام «البيان»، و عدل منها بعضا آخر، و نحي الكثير منها جانبا. و هناك اعتراف رابع لا يجب أن نغفله و هو أن التشريع البهائي مفتوح منذ موت البهاء و الي اليوم: «و أشار حضرة بهاء الله في أحد ألواحه الي هذا التدرج في تطبيق الشريعة فذكر أنه حتي بعد نزول الكتاب الأقدس أمسك حضرته فترة عن ارساله الي أحباء الله في ايران. و مما يجدر ذكره أن بيت العدل الأعظم قد تكرم فأبان في مقدمة الترجمة الانجليزية للكتاب الأقدس - و التي ورد [ صفحه 191] معظمها في هذا التقديم - أن نشر هذا الكتاب لا يعجل بتنفيذ أحكام جديدة غير تلك الأحكام واجبة الاتباع في الوقت الحاضر، و عندما يحين الوقت سيتم ابلاغ أحباء الله بالأحكام الاضافية التي يلزم اتباعها، مع تزويدهم بأي توجيه أو تشريع لازم لتطبيقها». و نؤكد أنه من باب الخديعة تقديم النص علي أنه لافي كل العناية والحفظ، و نحن نورد ما قيل في هذا الصدد لنوضح فيما بعد ليس الوهن في اللغة والتعبيرات العربية، و لكن الأمراض الفكرية والدلالية واللغوية التي لا تصح أن تصيب نص كاتب نصف متعلم، و ليس نصا يقدم علي أنه موحي به!!. «أما رسم نص الكتاب فقد حاز علي اهتمام خاص، و دراسة مستفيضة قامت بها دائرة البحوث بالمركز البهائي العالمي أثناء مقابلة نص الكتاب علي أمهات الألواح المباركة، و أخصها بالذكر مخطوط للكتاب الأقدس - من محفوظات المركز العالمي» - يرجع تاريخه الي عام 1890 م، بخط و توقيع زين العابدين الملقب بزين المقربين، أبرز و أقدر من اعتمد عليهم حضرة بهاء الله في كتابة ألواحه و نسخها. و قررت دائرة البحوث اتباع الرسم الوارد في المخطوط المنوه عنه. لهذا احتفظت آيات الكتاب المبارك بالرسم الذي اتبعه زين المقربين في مخطوطه المشار اليه رغم اختلافه في أكثر من موضع عن الهجاء المالوف لجمهور العرب في زماننا الحاضر، و ذلك لاعتبارات بالغة الأهمية، علي رأسها الحرص علي أن تتميز هذه الطبعة الرسمية للكتاب الأقدس بمطابقتها التامة للمخطوط الذي أعده زين المقربين و هو ما يزال مشمولا بعناية و توجيه صاحب العصمة الكبري قبل صعوده الي الرفيق [ صفحه 192] الأعلي. كما اكتفت دائرة البحوث بالحد الأدني في ضبط آيات الكتاب، و قصرت علامات الضبط علي أربع: و تعني وجوب تشديد الحرف الذي تعلوه. و تعني ضرورة اظهار التنوين الا عند الوقف. و تعني مد الحرف الذي تعلوه قبل نطق الهمزة المتطرفة. و تعني وجود ألف متروكة أو مد زائد. لقد سبق نشر الكتاب الأقدس منذ عام 1890 م في أكثر من صورة: منها المخطوط و منها المطبوع، و منها ما اعده بهائيون و منها ما نشره غيرهم، غير أن هذا المجلد ينفرد في دقة مقابلته علي النسخ الأصلية بخط زين المقربين». [ صفحه 193]

عينة من نصوص من الأقدس

من يدعي امرا قبل اتمام الف سنة كاملة انه كتاب مفتر نسئل الله بان يؤيده علي الرجوع ان تاب انه هو التواب و ان اصر علي ما قال يبعث عليه من لا يرحمه انه شديد العقاب - من يأول هذه الاية او يفسرها بغير مانزل في الظاهر انه محروم من روح الله و رحمته التي سبقت العالمين - خافوا الله و لا تتبعوا ما عندكم من الاوهام اتبعوا ما يامركم به ربكم العزيز الحكيم - سوف يرتفع النعاق من اكثر البلدان اجتنبوا يا قوم و لا تتبعوا كل فاجر لئيم - هذا ما اخبرناكم به اذ كنا في العراق و في ارض السر و في هذا المنظر المنير - البهاء يحكم علي نفسه أن من يدعي نزول شريعة عليه قبل مرور ألف سنة انه كذاب مفتر... و هو أدع ذلك بعد قبوله شريعة الباب بسنوات لم تتعد العشر أو الخمسة عشر. دليلنا علي قبوله لها انه قال ان شريعته نسختها، ليس هذا فقط، و لكنه قبل بعض نصوصها و من يؤول هذا الأمر كذاب لأن البهاء لا يقبل أن يؤول كلامه!!. [ صفحه 194] لما جاء الوعد و ظهر الموعود اختلف الناس و تمسك كل حزب بما عنده من الظنون والاوهام - من الناس من يقعد صف النعال طلبا لصدر الجلال قل من انت يا ايها الغافل الغرار - و منم من يدعي الباطن و باطن الباطن قل يا ايها الكذاب فالله ما عندك انه من القشور تركناها لكم كما تترك العظام للكلاب - فالله الحق لو يغسل احدا رجل العالم و يعبد الله علي الادغال والشواجن والجبال والقنان والشناخيب و عند كل حجر و شجر و مدر و لا يتضوع منه عرف رضائي لن يقبل ابدا هذا ما حكم به مولي الانام - البهاء يتحدث عن نفسه و عن الذين يرفضون تخرصاته و منهم من يعي الباطن و باطن الباطن الذي كان هو نفسه يدعيه... لكن انظروا التعبيرات: من الناس من يقعد صف النعال... كما تترك العظام للكلاب.. تالله لو يغسل أحد أرجل العالم!! ما هذا الهذيان؟! ثم ما هي الشناخيب؟! أي لغة هذه؟! [ صفحه 195]

و نصوص من الألواح التي كتبها البهاء بعد الأقدس

و هذه عينة من نصوص الألواح تظهر فيها كل أمراض اللغة التي يسميها علماء اللغة بالحبسة اللغوية لكن انظر الأفكار والمعاني التي تشملها النصوص: فلما أراد الخلق البديع فصل النقطة الظاهرة المشرقة من أفق الارادة والبهاء هنا يتحدث عن خلقه!! و لا حظ هنا أنه لم يقل خلق و لكنه قال فصل والفصل لا يكون الا عن اتحاد... ثم ما هو المقصود ب أفق الارادة؟! و ان لم تكن تلك فكرة التجسد أو الانفصال عن الاله للنزول الي الأرض و هي ضد التوحيد الخالص فماذا تكون؟! ثم يواصل تقديم نفسه في ألفاظ العظمة البلهاء التي يلوي فيها عنق اللغة جهلا، كأن يجمع كلمة ظهور علي: ظهورات أو يخترع عبارات و أسماء عرحاء غامضة مثل: ملكوت الانشاء، و... السر الأكتم و... الرمز المنمنم!! و في النص التالي يصف الله بأوصاف هو أجل و أعظم منها، بينما يدخل بعد ذلك في غمغمات غامضة يتحدث فيها عن نفسه و يسهب في وصف عظمته مثل الآية العظمي، والعصمة الكبري، ثم يدخلنا في فاصل من العبارات و تركيبات اللغة هي أقرب الي الهذيان مثل: ان لطيور ممالك ملكوتي و حممات رياض حكمتي تغردات و نغمات!!!! أو يقول: ولو يظهر أقل من سم الأبرة ليقول الظالمون ما لا قاله الأولون!! فهل رأيتم صيغة للنفي مثل تلك من قبل؟! و نستكمل مع لغة البهاء في النص الثالث و نندهش حيث يقول: و تقيب علي وجه سماء البرهان و صار منه النيران... أتعلمون من المقصود؟! انه البهاء الذي تقيب!! فانتبهوا يأولي الأبصار لكلمات و معاني الحمار!! انا الذي أقول هذه المرة و ليس البهاء.

پاورقي

[1] حديد من وثائق البهائية - مقال منشور في الأهرام بتاريخ 6 / 12 / 1985 - بنت الشاطي‌ء.
[2] رجب البنا: هل البهائية دين؟- مقال منشور بعجلة اكتوبر بتاريخ 30 ابريل 2006.
[3] ق 41.
[4] الكلمة ما بين المؤمنين وردت بهذا الشكل في اوراق القضية و ليست لما.
[5] انظر رجب الينا - مقال منشور في مجلة اكتوبر ص 19 بتاريخ 21 مايو 2006.
[6] المرجع السابق.
[7] مذكرات دلكورجي، نشرت في كتاب فارسي بعنوان باب و بهاء را بشناسيد.
[8] الجمعيات السرية في العالم (ط دار الهلال)، د. عبدالوهاب المسيري، ص 74.
[9] انظر «ويكوبيديا» الموسوعة الالكترونية علي شبكة المعلومات تحت عنوان البهائية او «لدين البهائي». [
[10] رجب الينا، مقال منشور في مجلة اكتوبر، العدد 1539، بتاريخ 23 / 4 / 2006.
[11] المرجع السابق.
[12] المصدر السابق.
[13] الموسوعة الاليكترونية «ويكوبيتيا» انظر البهائية.
[14] انظر الموسوعة الاليكترونية «ويكونيديا» مرجع سابق.
[15] د. عبدالوهاب المسيري (الجمعيات السرية) ص 72.
[16] الله (عباس محمود العقاد) طبعة مكتبة الأسوة، ص 102.
[17] الانعام: 163.
[18] الاسراء: 111.
[19] الاعراف: 190.
[20] الاخلاص: 1.
[21] الحديد: 3.
[22] الرعد: 16.
[23] ق: 16.
[24] عبدالوهاب المسيري، مرجع سابق، ص 72.
[25] عبدالوهاب المسيري، مرجع سابق، ص 75.
[26] مرجع سابق، ص 75.
[27] عبدالوهاب المسيري: مرجع سابق.
[28] الأعراف: 143.
[29] الأعراف: 143.
[30] الأعراف: 143.
[31] الأعراف: 146.
[32] آل‌عمران: 7.
[33] ابراهيم: 4.
[34] النحل: 44.
[35] تبصر و امعان في غريب القرآن (عبدالحكيم أحمد طه) المقدمة.
[36] الجاثية: 7، 8.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.