الحراب في صدر البهاء و الباب

اشارة

‏سرشناسه : فاضل، محمد
‏عنوان و نام پديدآور : الحراب في صدر البهاآ و الباب .../ وضعه محمد فاضل
‏مشخصات نشر : مصر.
‏مشخصات ظاهري : ص ۳۷۶
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : عربي
‏يادداشت : كتابنامه: ص. ۳۷۶
‏شماره كتابشناسي ملي : ۱۹۸۳۴۸

فاتحة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم و قل جاء الحق و زهق الباطل ان أولي ما استفتح به الانسان. و أحلي ما ترطب بذكره اللسان و أبهي ما و شاه بنان الكاتب. و حلي به من الطروس الترائب حمد من لا تدركه الأبصار. و لا تفنيه الأعصار. باري‌ء النسمات و ذاري‌ء الأرض و السموات. المنزه عن الزمان و المكان. المعروف بالقدم قبل وجود الأكوان. المتعزز في ربوبيته أولا و أبدا. المتقدس في سرمديته فلم يزل فردا صمدا سبحانه و تعالي له المثل الأعلي. و الأسماء الحسني. لا تغيره الدهور. و لا تختلف عليه تصاريف الأمور. فهو الأبدي ذاري‌ء الآباء. يقول للشي‌ء كن فيكون كما أراد. حير الأفهام في مدارك سبحانه. و أعجز الأوهام عن الوصول الي حقيقة ذاته. فهو المتعالي الذي لا تدركه الأبصار و العقول. و لا يعلم كنه ذاته ملك أو رسول سبحانه من اله احتجب بحجب الجلال. و تنزه عن الوهم و الخيال شهدت المخلوقات بربوبيته. و دلت الكائنات علي وجوده و وحدانيته فلا شريك له في ملكه و لا نديد. و لا كثرة في ذاته و لا تعديد. فهو [ صفحه 4] الواحد المتفرد بحقيقة الوحدانية. المتعزز في أحديته بالبقاء و السرمدية المتعالي في ألوهيته، عن الحلول و الاتحاد. المنزه في صمدانيته، عن السمات و الأجساد. المقدس في ربوبيته، عن الآباء و الأولاد (تعالي جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا). فمن شبهه أو مثله ففد استحق عذابا رصدا. و من ألحد في وصفه فلن تجد له من دونه ملتحدا سبحانه من اله يسبح له الحوت في الماء. و تسجد لسبحات وجهه ذرات الهواء. خلق من الماء بشرا. و جعلا له سمعا و بصرا. و اصطفي منه رسلا مبشرين و منذرين. آناهم البينات و أيدهم بالمعاجز و البراهين. و قال أنا الأول فادعوا الي. و أنا الآخر فدلوا علي. و اعملوا في هذه الدار لتلك الدار. (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) بعث و أيد. و وعد و أوعد. و حث و أمر. و نهي و زجر. فهدي النجدين. و أبان السبيلين. ليعمل كل علي شاكلته. و يفر من شباك غائلته. فمن أطاعه أدخله الجنة ولو كان عبدا حبشيا. و من عصاه أدخله النار و لو كان هاشما قرشيا. قال تعالي في كتابه المجيد. (من عمل صالحا فلنفسه، و من أساء فعليها، و ما ربك بظلام للعبيد) بدأ رسالته بآدم الصفي. وقفي علي آثاره بكل طاهر نحبي. حتي اذا ظهر سيد الأنبياء. و قبلة الأصفياء. و مطلع الأنوار. و موقع الأسرار. و مهبط الوحي و التنزيل. و مظهر الأمر من الرب الجليل المؤيد بالآيات البينات. المبشر به في الانجيل و التوراة. سيدنا (محمد) المتخير من ضئضي عبد مناف، الذي أبر علي العالمين و أناف. كان ختام ذلك الرحيق السلسل. و خاتم عقد ذلك النظام المسلسل. فهو آخر الأنبياء و المرسلين. و سيد الأولين و الآخرين، صفوة الله من خليفته. و خيرته من بريته. نبأه و آدم بين الماء و الطين. و أرسله [ صفحه 5] بالهدي و دين الحق و رحمة للعالمين. و قضي في الأزل أن تكون شريعته السمحاء. آخر ما ينزل من السماء. قال تعالي في كتابه المبين. (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن سول الله و خاتم النبيين). فهو منتهي الأسرار. و مغلق النهي و الامار. به تم الدين، و اكتمل اليقين فلا نبي بعده و لا رسول. و لا سبيل الي الله بدونه و لا وصول. فمن أنكر ذلك أو ألحد فيه. أو زعم أن (جبريل) بعد محمد يأتيه. فهو أفاك كذاب. كافر بما أنزل الله في الكتاب. مثواه جهنم و بئس العذاب. قال تعالي و هو أصدق القائلين. (فمن أظلم ممن كذب علي الله و كذب بالصدق اذ جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين - ان الذين كفروا و ماتوا و هم كفار فلن يقبل من أحدهم مل‌ء الأرض ذهبا و لو افتدي به أولئك لهم عذاب أليم و ما لهم من ناصرين) نبي صعق لمبعثه الشيطان. و آمن به الجان. كلمه الحجر. و انشق له القمر. و مشت الأشجار اليه. و نطقت ذراع الشاة لديه. و نبع الماء من بين أصابعه نميرا. ورد (عين قتادة) فكانت أسطع عينيه نورا خمدت لظهوره نار فارس. و محت أنواره غياهب الحنادس. و خرت لمبعثه الأوثان. و ارتج لميلاده الايوان. حمله البراق من بابه. و مشي جبريل في ركابه. فأسري به من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي. فجاب في لمحة عين سفرا لا يحد و لا يحصي. ثم عرج به باري‌ء النسمات الي أقطار السموات. فسمع صرير الأقلام. و تسبي الأملاك للملك العلام و رأي الجنة و النار. و ما أعد الله فيهما للبررة و الفجار و ما زال يخترق الأستار. و يتجاوز حجب الأنوار. حتي ذهب الأين و اختفي. و زال البين و انتفي. قال تعالي في تشريفه المصطفي. (ثم دنا فتدلي. فكان قاب قوسين أو أدني. فأوحي الي عبده ما أوحي [ صفحه 6] ما كذب الفؤاد ما رأي. أفتمارونه علي ما يري. و لقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي. عندها جنة المأوي. اذ يغشي السدرة من يغشي ما زاغ البصر و ما طغي. لقد رأي من آيات ربه الكبري) فمن جحد ذلك أو ألحد فيه. أو أنكره بقلبه أو فيه. فمورده النار ذات الوقود و بئس الورد المورود. قال تعالي في محكم الكتاب. (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب). أللهم اني آمنت بآياتك و بيناتك. و رلك و رسالاتك. و ما أنزلت في الناس من كتاب. و أريت، من اصطفيت، من الأسرار التي وراء الحجاب. و ما ذكرت من وعيدك و وعدك. و خلفت من ملك يقدس لك، و يسبح بحمدك. و أنك واحد في ذاتك و صفاتك. لا بما تلك شي‌ء من مخلوقاتك. متعزز في وحدتك عن الكثرة و التعديد. متقدس عن الحركة و السكون و التحديد. متعال عن الظهور و الكمون و التجسيد منزه عن المكان و الزمان و التولد و التوليد. بيدك مقاليد الأمور تفعل ما تشاء و تريد. لا ينازعك في ملك شريك و لا نديد. تبعث المخلوقات ليوم يشيب من هوله الوليد. فتدخل من تشاء جنتك و من تشاء نار الوعيد. ذاك برحمتك و هذا بضلاله البعيد. و أن سيدنا (محمدا) الذي اصطفيته علي البرية. و حفظت نسبه من سفاح الجاهلية. و أنبته نباتا حسنا. و أخرجته للوجود مطيبا مطهرا مسرورا مختتنا. و آتيته مالم تؤت نبيا. و لا ملكا مقربا كروبيا. عبدك و رسولك. و حبيبك و خليلك. بعثته بالدين الواصب. لأهل المشارق و المغارب. و أنزلت عليه الكتاب. و اختصصته بالشفاعة العظمي يومي الحساب. و جعلته أفضل من دعا اليك. و أكرم من دل عليك. و خاتم رسلك و أنبيائك [ صفحه 7] و آخر من ينزل عليه الوحي من سمائك. فأدي أمانتك. و بلغ رسالتك و دعا الي توحيدك، و قاسي الشدائد في هداية عبيدك. و خرج من الدنيا الي جوارك. و ما أعددت له في دار قرارك، و تركنا علي بيضاء نقية لا يضل من تمسك بها. و لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها. فاجزه اللهم عنا أفضل ما جازيت. فهو أكرم من أكرمت، و أولي من واليت. أللهم هذا ايماني أشهدك به علي نفسي. و ألقاك به يوم أن يضمني رمسي. فلا تسلب عبدك هذه النعمة التي عليه أنعمت. و لا تحرمه هذا الهدي الذي به تفضلت و تكرمت. فهذا قلبه بين يديك لا يخفي ما فيه عليك. أللهم و زدني بك ايمانا و يقينا. و كن لي علي أعداء دينك القويم معينا. و اجعل قولي عليهم ثقيلا لا يستطيعون معه صبرا طويلا. بل سهما يمزق الأعلاق. و سما لا تنفع فيه رقية راق. بل نارا أحاط بهم سرادقها من جميع الوجوه. و ان يستغيثوا يغاثوا بآخر كالمهل بشوي الوجوه أللهم و أقلني عثراتي. و تجاوز عن هفواتي. و اجعلني من أهل التقوي و الطاعة. و لا تجعلني من أهل التفريط و الاضاعة. و آمن خوفي في يوم تشخص فيه الأبصار. و آتني من لدنك رحمة و قني عذاب النار. انه لا رب سواك. و لا ملجأ لخلقك الا اياك و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد النبي الأمي الأواب. و علي آله و أصحابه الذين سلكوا محجة الصواب. و حشرنا في زمرتهم يوم الهول العظيم. (يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم). آمين محمد فاضل [ صفحه 8] سبب وضع الكتاب
ذلك أنه ظهر في ديار فارس من نحو سبعين عاما رجل من أبنائها استحوذ عليه الشيطان، يعرب بالمرزا [1] علي محمد، لقب نفسه بالباب، و ادعي أنه المهدي المنتظر، و أن الله تعالي نبأه، و أنزل عليه كتابا يسمي بالبيان. و بعثه للأحمر و الأسود من بني الانسان. و نسخ بدينه ما بين يديه من التوراة و الانجيل و الفرقان. فالتف حوله جماعة هانوا علي الله، قلوبهم غلف، و في آذانهم و قر، صدقوا بهتانه. و أيدوا هذيانه. و آمنوا بكذبه. و انتسبوا الي لقبه. فاما رأي اقبال أهل الضلال عليه. و اجابتهم لما دعاهم اليه. تخذ منهم دعاة لهذا الرجس. و بثهم في معظم أنحاء الفرس. و تلقب بالنقطة و خالق الحق. مدعيا أنه مشخص للاله الحق (تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا). فلسوف يصلي جهنم خالدا فيها لا يخفف عنه العذاب و لا يجد نصيرا. ثم استفحل أمره. و طار في أرجاء فارس ذكره. و علقت دعوته من الناس بالقلوب. فدخلوا أفواجا أفواجا في دينه المكذوب. منهم من دفعهم الجهل الي هذا البهتان. و منهم من أضلهم الله علي علم فاستبقوا صراط الخسران. (و اذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال) و تفشي الغدر و التعدي من تابعيه. و أوقعوا الرعب في قلوب مخالفيه. فمن كان لا يؤمن بأضاليلهم. أو يومئ بطعن في أباطيلهم [ صفحه 9] أوعاب الباب و ذامه. أو لحاه علي افكه و لامه. أو ردوه حتفه و أسكنوه جدفه. فذاق الناس من أمرهم الأمرين. و رأوا من شرورهم مالا رأت عين. (و ما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. الذي له ملك السموات و الأرض و الله علي كل شي‌ء شهيد) ثم أثاروا علي الحكومة حربا عوانا. و أذاقوها من البلاء أشكالا و ألوانا. و أظهروا جسارة لم يسمع بمثالها. و لم ينسج أحد علي منوالها اذ كانوا يلقون السيف البتار. و لا يغطي جسد أحدهم غير ازار معتقدين أن من يموت منهم في المحاربات. لا يلبث أن تعود اليه الحياة خدعة خدعهم بها الباب. ليحارب بهم رب الأرباب. (أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و أولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون). و كان الباب في غضون ذلك سجينا. يعذب في سجنه عذابا مهينا. فرأت الحكومة أن تطفي‌ء بدمه هذه الضرم. و تتقرب بهلاكه الي باري‌ء النسم. فجاءت به من السجن الي تبريز. في غير تكريم و لا تعزيز. يرسف في القيود و الأصفاد. بين حراس غلاظ شداد و الخزي من خلفه و من بين يديه. و غضب الله تعالي يساقط عليه. فقتل في تبريز بفتوي العلماء. هو و آخر كان لافكه من الزعما. و طرحوا شلويهما للكلاب. و تفرق أتباعه في القفار و الشعاب. و هكذا كانت آخرة الباب. و مأواه جهنم يوم الحساب. (ان المجرمين في ضلال و سعر، يوم يسحبون في النار علي وجوههم ذوقوا مس سقر). و بعد مضي سنة من مقتل هذا اللعين. حاول اثنان من أتباعه قتل الشاه ناصرالدين. فرمياه بالرصاص فتجاوزه بعيدا. فبطش بهما الحرس بطشا شديدا. و تلظي الشاه غضبا علي البابيين. و أمر فأخذوهم [ صفحه 10] أخذ جبارين. و تعقبوهم بالقتل في كل مكان. و عذبوهم بعذابات تقشعر لها الأبدان. (انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم) و كان الباب لعنه الله قد أومأ في بعض رسائله الي أن الذي يخلفه بعد موته شاب من أتباعه يسمي المرزا يحيي و لقبه صبح أزل. فلما وقع تشديد الشاه عليهم، و تعقبهم بالقتل في جميع الأماكن، فر كثير منهم الي بغداد من بلاد الدولة العلية، و التفوا بالمرزا يحيي صبح أزل، و أخيه الأكبر المرزا حسين الملقب بالبهاء، و كانا قد خرجا الي بغداد منفيين في آل بيتهما، و نفر من أتباعهما، ثم اختفي صبح أزل عن أعين الناس بأمر من أخير البهاء، و ادعي أخوه أنه حاضر بين الناس الا أنهم لا يرونه، اذ ليست الأبصار بقابلة لأن تناله. فما أحيل هؤلاء الدجالين، وما أسخف عقول تابعيهم، (ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) و لما وقع الانفاق بين الدولة العلية و دولة الشاه علي اخراجهم من بغداد، و نقلتهم الدولة الي القسطنطنية تحت المراقبة الشديدة، لم يرق في أعين الفرس أن ينقلوا الي عاصمة السلطنة. فرغبت دولتهم الي الباب العالي في ابعادهم الي أقاصي البلاد العثمانية، فأمر السلطان بنفيهم الي أدرنة، و هناك تنفس صبح أزل، و أسفر علي الناس قائما بأمر الخلافة، داعيا الي ضلالة أستاذه الباب. فامتعض البهاء، لأنه كان يطمع في الأمر، و يسعي في توطيده لنفسه، و لم يشر علي أخيه بالاحتجاب الا ليخلو له الجو، فيسلبه حقه، و يستبد بالأمر دونه [ صفحه 11] فوقع الشقاق بين الأخوين، و تنازعا الرآسة و السلطة، فتنافرا مجتمعين، و تناكرا مفترقين، و ادعي كل منهما أن الآخر كداب دجال، و انشق البابيون الي فئتين، فئة اقتدت بصبح أزل و تسمي أزلية، و فئة اقتدت بالبهاء و تسمي بهائية، و البابية اسم عام لهما. علي أن هناك فئة ثالثة تعرب بالبابية الخلص، و هم الذين لزموا مفتريات الباب، و رفضوا أباطيل سواه. فهم يعملون بالبيان. و ينبذون خلافه من البهتان. ألا لعنهم الله جميعا. فلن تجد منهم للحق سميعا. و لا لله مطيعا. (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون) و من العجيب أن هذين المفتونين لم يقفا عند هذا الحد من تكذيب بعضهما لبعض، و مناداة كل منهما بالأمر لنفسه، و انكار حق الآخر فيه، بل سولت لهما النفس الأمارة أن يفتريا الكذب علي الله كأستاذهما الباب. فادعي كلاهما أنه نبي مرسل أوحي اليه بشرع جديد ناسخ للقرآن، و ما يسمونه بالبيان. و أنه تعالي أنزل عليه كتابا مصدقا لدعواه، مكذبا لدعوي أخيه. الي غير ذلك مما افترياه علي الله، و كتباه بأيديهما الاثيمة بلا حياء من الله، و لا خوف من عقابه. و قد نعت صبح أزل أخاه البهاء في (ألواحه) بالعجل كما نعته البهاء في (أقدسه) بالكافر و المشرك. (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عندالله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون). ثم أحست الدولة منهم شرا، و خشيت أن تلتهب بأرضها نيران الفتن، لتجاوزهما المجادلة باللسان، الي المجالدة بالسنان. فاتفقت و سفير الشاه في دار الخلافة علي تغيير منفاهما، و التفريق بينهما. فتفت [ صفحه 12] صبح أزل و حزبه الي جزيرة قبرص، و سجنتهم بها في قلعة (ماغوسا)، و جعلت عليهم رقباء من حزب البهاء يرصدون أعمالهم و يخبرون بها الدولتين. و نفت البهاء و حزبه الي عكاء، و سجنتهم في قلعتها، و بثت عليهم من حزب الأزل عيونا يرقبونهم كذلك. ثم أنها أطلقت سراحهم بعد بضعة أشهر، و جعلتهم أحرارا في الذهاب و الاياب، يخاطبون من شاءوا، و يخالطون من أرادوا، الا أن يغادر البهاء أو صبح أزل منفاه. فشرعا يدعوان الناس الي افكهما و بهتانهما، هذا من عكاء، و ذاك من قبرص، الا أن صوت عكاء كان أرفع، لأن البهاء أضعف جانب الأزل، و قص أجنحته، و اقتلع مخاليبه. ذلك أنه أوعز الي شياطينه أن يفتكوا بمن كانوا يرصدونهم في عكاء من الأزليين، و هم ألسنة الأزل و سواعده، و أركانه و دعائمه، فأفنوهم عن آخرهم في ليلة واحدة طعنا بالحراب، و ضربا (بالشاطور). فتضعضع لذلك شأن الأزل، و خفت صوته، و ارتجت أركان دعوته، و قوي أمر البهاء، و انبسط نفوذه، و عظم سلطانه، فطغي، و بغي، و ادعي المسيحية، فالربوبية، فالألوهية، و زعم أنه المراد من قوله تعالي: (و جاء ربك و الملك صفا صفا)، و من قوله: (هل ينظرون الا أن يأتهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و الي الله ترجع الأمور). فهو علي زعمه الاله و الرب، و دعاته الملائكة. تعالي الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا. (ان الذين كفروا و ظلموا لم يكن الله يغفر لهم و لا ليهديهم طريقا الا طريق جهنم خالدين فيها أبدا و كان ذلك علي الله يسيرا) و كان يلقب نفسه بادي‌ء الرأي (اشان) أي (هم)، و الذكر، و يزعم أنه المراد من الآية (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون). ثم [ صفحه 13] لقبها (بطلعت مبارك) أي الطلعة المباركة. ثم (بجمال مبارك) أي الجمال المبارك. ثم (بجمال القدم، و الحق، و البهاء). و زعم أنه هو الذي بعث الأنبياء و الرسل من آدم الي الخاتم مبشرين به و منذرين، ثم بعث الباب بين يديه ليبشر باقتراب ظهوره، و سطوع نوره. و بث دعاته في بلاد الدولة، و فارس، و الهند، و القوقاس، و أمريكا، و أوربا و أخيرا في مصر، يحملون للناس هذه الضلالات، و يدعونهم الي الاشراك بالله، و عبادة البشر و العياذ بالله. (ان الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و من يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا، ان يدعون من دونه الا اناثا و ان يدعون الا شيطانا مريدا، لعنه الله و قال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا، و لأضلنهم و لأمنينهم و لآمر نهم فليبتكن آذان الأنعام و لآمرنهم فليغيرن خلق الله و من يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا، يعدهم و يمينهم و ما بعدهم الشيطان الا غرورا، أولئك مأواهم جهنم و لا يجدون عنها محيصا) و هذا تصريحه بدعوي الألوهية في كتابه الأقدس الذي وضع فيه أحكام دينه الخبيث. قال: «يا ملأ الانشاء اسمعوا نداء مالك الأسماء انه يناديكم من شطر سجنه الأعظم أنه لا اله الا أنا المقتدر المتكبر المتسخر المتعالي العليم الحكيم أنه لا اله الا هو المقتدر علي العالمين، لو يشاء يأخذ العالم بحكمة من عنده اياكم أن تتوقفوا في هذا الأمر الذي خضع له الملأ الأعلي و أهل مدائن الأسماء اتقوا الله و لا تكونن من المحتجبين، أحرقوا الحجبات بنار حبي و السبحات بهذا الاسم الذي به سخرنا العالمين». و قال في مكان آخر: «هذا ما نزل من قبل وينادي نقطة البيان (أي الباب) و بقول يا محبوب الامكان (يعني نفسه) انطق في هذا المقام بما يتضوع به نفحات ألطافك بين [ صفحه 14] العالمين، انا أخبرنا الكل بأن لا يعادل بكلمة منك ما نزل في البيان انك أنت المقتدر علي ما تشاء لا تمنع عبادك عن فيوضات بحر رحمتك انك أنت ذوالفضل العظيم، قد استجبنا ما أراد انه لهو المحبوب المجيب». و قال في كتاب له اسمه الألواح يخاطب داعيته عندليب: «يا عندليب كبر عليها من قبلي و بشرها بعنايتي و رحمتي التي سبقت الأشياء، و نوري الذي أنار به الوجود، نذكر أختك في هذا الحين و نبشرها بعناية رب العرش (يعني نفسه)، يا و رقتي عليك بهائي و رحمتي». الي أن يقول: «يا حسن اسمع النداء من شطر السجن انه لا اله الا أنا الفرد الخبير، اذا رأيت أنجم سماء بياني و شربت رحيق العرفان من كأس عطائي قل الهي الهي لك الحمد بما أيقظتني و ذكرتني في سجنك و أيدتني علي الاقبال اليك اذ أعرض عنك أكثر عبادك، أي رب لا تمنعني عن كوثر عنايتك و لا عن قدح عطائك قدر لي ما يجعلني منقطعا عن ذلك و متمسكا بحبلك انك أنت المقتدر القدير». الي غير ذلك مما لا يحصي من كفر و ضلال. و جنون و خبال. تعالي الله عما يأفكون. (ما كان لبشر ن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون، و لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا أيامركم بالكفر بعد اذ أنتم مسلمون) و قد نقلت هذا التصريح بحرفه من الصفحات (374 و 375 و 418 و 419) من تاريخ البابية المسمي (بمفتاح باب الأبواب) للمحقق المدقق، الثقة الأمين، الدكتور محمد مهدي بك خان، مدير و منشي‌ء مجلة (حكمت الفارسية). و حسبك دليلا علي مكانة هذا الكتاب من صحة النقل، و صدق الرواية، ما ذكره المؤلف في فاتحته [ صفحه 15] قال: «و انني عالم بأن أهل هذه الديار، و من علي شاكلتهم من سائر أهل الأمصار، سيعجبون أشد العجب مما وضعته فيه من الحقائق الغريبة، و الأحكام المدهشة العجيبة، حتي يوشك أن يشكوا في عزوها الي كتب هذه الطائفة. لذلك رأيت أن أضع جميع هذه الكتب التي نقلت عنها، ككتاب (البيان) للباب، و كتب البهاء كالكتاب (الأقدس و الهيكل) و غيرها من كتب الطائفة، في أعظم معهد للعلم في هذا القطر و هو الجامع الأزهر، و أن أجعلها تحت يد العلامة الأوحد الاستاذ الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية (نور الله ضريحه)، فمن شك في شي‌ء من تلك الغرائب المعزوة اليهم، فليراجع كتبهم في الجامع الازهر، ليري حجة النقل، و الله علي ما نقول وكيل». و قد تبينت ذلك فاذا هو كما يقول، و مطابق لما نقلته بنفسي من كتبهم المخطوطة التي أطلعني عليها داعيتهم (أبوالفضل) حينما كنت أجتمع به (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدي و العذاب بالمغفرة فما أصبرهم علي النار) (رجع) - و استخلف البهاء علي هذا البهتان، و من يدين به من بعده، ولده الأكبر المرزا عباس افندي نزيل سكندرية الآن، و لقبه بغصن الله الأعظم، و الفرع الكريم المنشعب من الأصل القديم، و نص علي ذلك في (الأقدس) بقوله: اذا غيض بحر الوصال، و قضي كتاب المبدأ و المآل، توجهوا الي من أراد الله الذي انشعب من هذا الأصل القديم».و هذا النص منقول من الصفحة (417) من كتاب (مفتاح باب الأبواب) الآنف الذكر. و يظهر أن البهاء انما وضعه تفاديا من وقوع النزاع علي الأمر بعد هلاكه. و كان هلاكه في عكاء في اليوم الثاني من ذي القعدة سنة 1309 من الهجرة، و دفن في ترابها. (و لو تري اذ يتوفي الذين كفروا الملائكة يضربون [ صفحه 16] وجوههم و أدبارهم و ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم و أن الله ليس بظلام للعبيد) فقام بالأمر بعده المرزا عباس افندي، الملقب بغصن الله الأعظم في حياة أبيه، و بعبد البهاء بعد موته،و دان له البابيون البهائيون عن بكرة أبيهم، و قد سوه تقديسهم لأبيه، و عبدوه عبادتهم له، حتي أن بعض غلاتهم فيه جعل البهاء مبشرا به كما كان الباب مبشرا بالبهاء فلما آنس منهم ذلك غير و بدل في أحكام أبيه، و محا منها ما شاء، و أثبت ما شاء، و كتب و صنف، و نظم و ألف، و ادعي أنه وحي ينزل عليه، و الهام من البهاء اليه. فحسده أخوه المرزا محمد علي الملقب بغصن الله الاكبر، و انضم اليه بعض الخاصة من أصحاب البهاء، و نزعوا الي الطغيان و العصيان، و أنكروا عليه الاثبات و المحو، و ما ادعاه من الوحي، و حكموا بكفره و ضلاله، و ألفوا في ذلك الكتب و الرسائل، و بعثوا الي الجهات يكفرونه، و يخرجونه من دين البهاء فانقسمت البابية البهائية قسمين، قسما سمي (بالناقصين) و هم المرزا محمد علي و أشياعه، و قسما سمي (بالمارقين) و هم المرزا عباس و أتباعه و عداوة بعضهم لبعض أشد من عداوتهم جميعا للمسلمين. (من كان عدوا لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فان الله عدو للكافرين) علي أن هذا الشقاق ما ضعضع من عزمه. و لا زحزحه قيد شعرة عن زعمه. بل زاده بدعواه غراما. و ضاعف نار اعتزامه ضراما و تمكن بما اتصف به من الدهاء. أن جعل كلمته هي العلياء. و لا عجب أن يظهر علي أخيه. و هو الذي فرق بين عمه و أبيه. ذلك أنه حض أباه علي التفرد بالأمر، و الاستبداد بالرأي، و استأثر دونه بالسلطة، و جعله كالخاتم في أصبعه، يديره كيف شاء، و يوجهه حيث أراد، [ صفحه 17] و هو يرائي بأنه أقل عبيده و أكثرهم خضوعا له، حتي قامت قائمة البهائية، و صار لها شأن يذكر، و خرج أبوه من هذه الدار. الي ما أعد الله له في تلك الدار. (يوم تبيض وجوه و تسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) فالرجل مشهور بالدهاء، و الذكاء، و الحزامة، و الحصافة، لم يغلبه الا حب الدنيا، فعمل لنيل أربه منها، و لم يبال بما وراء ذلك من العذاب الأليم. (يوم لاينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم) و هو واسع الاطلاع علي أخبار الزمان، و تقلبات الملل و الأديان، يخاطب أهل كل ملة و دين بما يوافق مشاربهم، و يطابق مذاهبهم، و يلائم أهواءهم، و لا يخالف أذواقهم. فتجده مسلما مع المسلمين، و نصرانيا مع النصاري، و يهوديا مع اليهود، و بوذيا مع البوذيين، و برهميا مع البراهمة، و هكذا يوهم أهل كل دين بأنه منهم، و انما يريد الاصلاح، و ازالة الضغائن المذهبية، و التوفيق بين أهل المذاهب، و رأب ما صدعه الخلاف من أصول الدين و حقائقه، و الرجوع به الي عهده الأول. فاذا آنس جانب الضعف من أحد، و علم أنه تمكن من قلبه. تهيأ لدعوته من الطريق الذي اختطوه لها، و هو التشكيك، و ايراد الشبه، و تأويل الآيات بما ينطبق علي مزاعمهم، ثم دعاه الي عبادة البشر و العياذ بالله. و هذا شأن دعاة البابية جميعا في ممالك الدولة، و فارس، و الهند، و غيرها من أقاليم المشرق.. أما في أوربا و أمريكا فدعوتهم جهرية لا يخشون حسابا، و لا يخافون عقابا. فالتقية و الخداع انما هما في المشرق، و علي الخصوص بين المسلمين، حتي أن كثيرا من دعاتهم و زعمائهم يصلون الصلوات الخمس [ صفحه 18] مع الجماعة، و يظهرون الايمان، و بيطنون الكفر. (يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخدعون الا أنفسهم و ما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا و لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) (ملاحظة)- كان الواجب علي دولة الخلافة و هي الحامية للدين، الذائدة عن حوضه، و قد علمت حقيقة البهاء و صبح أزل، و وقفت علي ما يدعوان اليه من الافك و البهتان، أن تخمد أنفاس حركتهما و هي في مهدها، قبل أن تشب و يستفحل خطبها، فتنكل بهما و أتباعهما نكالا شديدا، و تميتهم شر الميتات، بأن تطعمهم من لحومهم و هم أحياء، أو تضعهم تحت شفار السيوف، فلا يجتمع من أبدانهم ما يزن البندقة الفارغة، أو تحرقهم بالنار أحياءا و تذر رمادهم في مهاب الرياح. الي غير ذلك من ضروب الوبال. و صنوف العذاب و النكال. كيما تطهر الأرض من الأرجاس. و يذهب الضلال من الناس أجل. كان الواجب عليها أن تفعل شيئا من ذلك حفظا لسياج الدين و حرصا علي عقائد المؤمنين، و قربة و زلفي لله رب العالمين - لا أن تفتح لهم أبواب عكاء و قبرص، و تجعل هاتين الجهتين الاسلاميتين محورا تدور عليه رحي الضلال و الكفر في العالم أجمع و لكن عسي أن تتدارك حكومة اليوم ما فات حكومة الأمس فتنفي المرزا عباس من ممالكها المحمية، و تنكل بمن يثبت لديها أنه داعية له، أو تابع اليه، و تذيقه و بال أمره، و لا تبقي عليه في بلادها. كذلك يجب علي حكومة الحضرة الفخيمة الخديوية، و هي حكومة اسلامية، أن تخرج الرجل من ديارها، و تنفي من يثبت لديها أنه من شيعته، أو يدعو اليه، عملا بقوله تعالي: (انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم [ صفحه 19] و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب أليم). و لعلهما فاعلتان ان شاء الله (رجع) - و البابية علي اختلاف فرقها ضرب واحد، و نسيج غير مختلف، أخذت أصولها عن الباطنية الذين منهم الاسماعيلية، و القرامطة، و الدروز، و النصيرية. فهي تؤله البشر، و تأمر بعبادتهم، و تنكر البعث و النشور، و الوعد و الوعيد، و الجنة و النار، و الملائكة و الجن، و معاجز الانبياء و قصصهم، و تؤول ذلك تأويلا تتبرأ منه اللغة و الدين. كقولها: ان (احياء الموتي) لعيسي عليه‌السلام لم يكن علي الصورة المفهومة من احيائه العظام النخرة و الرفات الباليات، بل المراد احياؤه النفوس من موت الجهل، و بعثها من قبور الغي و الضلال الي حظيرة المعرفة و الهدي، و نور الوحي و الايمان. و أن (عصا موسي) صلوات الله عليه لم تكن كذلك علي ما يعتقده الناس من انقلابها حية تسعي تلقف ما يأفكون، بل هي عصا معنوية يراد بها الدين الذي بعث الله به موسي عليه‌السلام ليظهره علي الدين كله،و ساق به الناس الي الخير، و لقف في طريقه ما اعترضه من الافك و البطل، و قضي عليه و محاه، و جعل الدين خالصا لله. و أن جريان الماء من بين أصابع نبينا محمد صلي الله عليه و سلم انما هو عبارة عن جريان ينابيع العلم و الحكمة الالهية منه عليه أفضل الصلاة و أتم السلام. (ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) و تؤول البهائية السموات السبع بالأديان، و اختصام الملأ الأعلي باختصام أولاد البهاء أعني المرزا عباس و اخوته، و تفسر قوله تعالي: (هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و الي الله ترجع الأمور) و قوله تعالي: (و جاء ربك و الملك [ صفحه 20] صفا صفا) بظهور البهاء و أتباعه. فهو الههم و أتباعه ملائكته. فهم يعترفون بأن الآكل الشارب، البائل الغائط، السجين الذليل، الميت المقبور، هو الله، تعالي الله عن كفرهم علوا كبيرا. (شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم - ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين محال لا يساويه محال و قول في الحقيقة لا يقال و فكر كاذب و حديث زور بدا منهم و منشؤه الخبال تعالي الله ما قالوه كفر و ذنب في العواقب لا يقال ثم هي تقول بصلب المسيح، و تسلم بألوهيته، و تقرر أنه هو البهاء، و أن القيامة قد قامت بظهوره و ظهور الباب. و تحكم بنبوة (بوذا و كنفوشيوس و برهمه و زردشت) و أمثالهم من فلاسفة الهند و الصين و حكماء الفرس الأولي. و تزعم كما يدعي أبوالفضل الجرفادقاني داعية البهائية العباسية في الديار المصرية أن زردشت هذا يسمي ابراهيم و هو المراد من قوله تعالي: (ان هذا لفي الصحف الأولي صحف ابراهيم و موسي) و ليس ابراهيم الخليل عليه‌السلام، كما يتوهم علماء الاسلام وعلل ذلك بقوله: انه لم يثبت من القرآن المجيد، و لا من طريق آخر صحيح أن (الخليل) عليه‌السلام، كان صاحب شريعة تستلزم انزال الكتب، و الصحف، و الألواح، لتكوين امة جديدة، و انشاء ملة حديثة، كموسي و عيسي و محمد من المتأخرين، و (بوذا و كنفوشيوس و برهمة و زردشت) من المتقدمين. بل أنه صلوات الله عليه، كان أمة وحده، و صاحب ملة خص بها وحده، لا تشريع فيها للناس، و لا دعوة لقوم. فلم يبق اذا الا ابراهيم زردشت صاحب الملة [ صفحه 21] الكبري، و شارع دين (المجوسية العظمي)، ذلك الدين الذي دان به الفرس و الأكاسرة العظام في الايام الأولي، و لا يزال يدين به الألوف المؤلفة في (البحرين) و بعض الأقاليم الأسيوية، و ان كان أهله قد بدلوا حدود الله، و حرفوا الكلم عن مواضعه، فضلوا سواء السبيل، و وقعوا فيما وقعوا فيه من تحولهم عن عبادة الله تعالي الي عبادة النار و النور. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) و للبهائية في مصر دعاة و أتباع من فرقة المرزا عباس، ينصبون للمؤمنين حبائل الكيد، و يشككونهم في دينهم، و يوردون عليهم الشبهات، و يزخرفون لهم الاباطيل، حتي فتنوا جماعة هانوا علي الله، و أخرجوهم من النور الي الظلمات، و حشروهم في زمرتهم يعبدون البشر، و يدعونهم من دون الله (و من يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون - قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا و لا نفعا و الله هو السميع العليم - قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا و لا يضرنا و نرد علي أعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له أصحاب يدعونه الي الهدي ائتنا قل ان هدي الله هو الهدي و أمرنا لنسلم لرب العالمين) و من العجيب أن ينقاد المسلم لهذه الأباطيل. و يذعن لما جاءوا به من الأضاليل. و يصدق أقوالهم المفتراة. و يؤمن بما لم تقم عليه بينة من البينات. و قد تركنا رسول الله صلي الله عليه و سلم علي بيضاء نقية ليلها كنهارها. لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها و قال تعالي في كتابه المكنون. (و من يرتدد منكم عن دينه قيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك أصحاب [ صفحه 22] النار هم فيها خالدون). و قال و هو أصدق القائلين. (و من يتبغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم و شهدوا أن الرسول حق و جاءهم البينات و الله لا يهدي القوم الظالمين، أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون) علي أنه لو تنصر الانسان، أو تهود، أو تمجس، أو عبد حتي العجل، لكان أهون عند الله من أن يكون بابيا أصليا، أو بابيا أزليا، أو بابيا بهائيا، و ان كان الكفر كله ملة واحدة. و اني لو ألجئت الي البابية و مل‌ء الأرض ذهبا، و الي المجوسية و سف التراب، لاخترت هذه علي هنائها (بكسر الهاء). علي تلك علي هنائها (بفتحها) (و من يهد الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه و نحشرهم يوم القيامة علي وجوههم عميا و بكما و صما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) و كان لي معرفة بجماعة من هذه الفرقة أخص منهم بالذكر أربعة هم أيديها و أرجلها و ألسنتها ليحذرهم الناس في مصروهم: (1) المرزا حسن الخراساني التاجر بالقاهرة: و هو العميد الذي يلتفون حوله، و يرجعون في أمورهم المدنية اليه. (2) المرزا أبوالفضل محمد بن محمد رضي الجرفادقاني الايراني: و هو كبير الدعاة، و مؤلف (الفرائد و الدرر البهية)، و هما كتابان جامعان لطائفة كبيرة من الزور و البهتان، و الاقرار بربوبية البهاء و العياذ بالله. و هو كثير الاختلاف علي المنتديات العمومية، يستهوي الناس الي أباطيله، و يخرجهم من أديانهم بتشكيكاته و أضاليله، لا فارق عنده بين نحلة و نحلة، أو ملة [ صفحه 23] و ملة. و أكثر اختلافه علي القهوة المعروفة (بماتتيا) (3) فرج الله زكي الكردي صاحب مطبعة كردستان بالجمالية من أخطاط القاهرة: و هو داعية كبير. كان يدخل الجامع الأزهر بحجة طلب العلم، ثم تبينت بابيته من طبعه كتاب (الدرر البهية) الآنف الذكر، و قيامه بتصحيحه، و شرحه بعض غوامضه، فقامت عليه قيامة العلماء، و طردوه من الأزهر طردا. و هو الآن يضع السم في الدسم بطبعه الكتب المخالفة لآراء أهل السنة و الجماعة ككتب الزيدية و نحوها. (4) حسين أفندي روحي بن الملا علي التبريزي: و هو صاحب مجلة تدعو الي هذا الدين الخبيث، كان يصدرها في القاهرة شهر يا سنة 1904 للميلاد باسم (لسان الأمم). و كان ماهرا في ايراد الدعوة، يلبس لبوس التحفظ في سوقها، فيرسلها مصوغة في قوالب التلميح و التورية، منسوجة علي مناسج التعريض و الكناية. الا أنه كان يشط في بعض المواضع، و تخونه مهارته و تحفظه، فيندفع كالسيل الجارف من التلويح و التلميح، الي التصريح و التوضيح، حتي لا شك و لا مرية فيما يريده، و يدعو اليه. و كان لا يبالي أن يملأ صفحات المجلة مطاعن شديدة في علماء المسلمين، و أئمة دينهم، و قادتهم الي الله، و هداتهم الي الخير. فكان يرميهم جهرة: بالخسة، و الدناءة، و الجهل، و الضلال، و الكفر، و الالحاد، الي غير ذلك من هجر القول، و فحش الكلام، مما كانت تمليه له بابيته. و توحيه اليه بهائيته. و يستحق عليه بتر البنان. و قطع اللسان. و هو الآن صاحب مدرسة في القاهرة بخط الحسينية، تسمي (المدرسة العباسية) نسبة الي (المرزا عباس)، يعلم فيها أولاد المسلمين، و الله يعلم ماذا يعلمهم من الدين (يريدون أن [ صفحه 24] يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون) و كان الذي عرفني بهؤلاء الناس داعيتهم الأكبر المرزا أبوالفضل الجرفادقاني الآنف الذكر اذ كنت أعرفه من قبل. و ما كنت أعرفه الا عالما من علماء المسلمين. و داعيا الي الله رب العالمين لا داعيا الي الشيطان. يبطن الكفر و يظهر الايمان. يصدق عليه قوله تعالي في كتابه المصون: (و اذا لقو الذين آمنوا قالوا آمنا و اذا خلوا الي شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون، الله يستهزي‌ء بهم و يمدهم في طغيانهم يعمهون) و كنت عظيم الشغف به، كثير الجلوس اليه، لا أمله و لا يملني، يأنس بي و آنس به، يتلقاني بالبشر و أتلقاه. و يكرم مثواي و أكرم مثواه. أستمع حديثه بكليتي. و لا أود الا أن تفتح عليه مقلتي. فلما أن وثق من استلابه قلبي. و اختلا به لبي. و أن لكلمته من فؤادي موقعا. و لحرمته من نفسي موضعا. تهيأ للدعوة من طريقها المرسوم و أخذ يدس في الدسم ما شاء من السموم. و ذهب يشككني في مفاهيم القرآن. و يميت ما أحياه الله في قلبي من الايمان. ثم جهر بالدعوة دون و جل و لا ارتياب. و دعاني الي عبادة البهاء و الايمان بالباب و أراني كتاب للأول هي (الهيكل و الأقدس و الايقان) و أخري للثاني و هي (الألواح و البيان). و كلها بخط القلم. و بعضها بحبر في لون العندم. لا يراها غير البهائيين. في سائر أقطار السملمين. أللهم الا من آنسوا اجتذابه الي زمرتهم. و أوشكوا أن يوقعوه في حفرتهم. فانطبق عليه قول الله تعالي: (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و ساءت مصيرا) و كان يناولني هذه الكتب و هو يقبلها بفمه، و يضعها علي قمة [ صفحه 25] هامته، و يقول و عينه تفيض من الدمع حيلة و خدعة: هذه يا ولدي كتب الرحمن، و صحفه المطهرة، أسئله أن يهديك سبيلها، و يشرح صدرك بالايمان بها. علي أنه لو أنصف لقال: هذه يا ولدي كتب الشيطان، و صحفه النجسة، أبعدك الله عنها، و وقاك شرها، و لا جعلك من أهلها، فقد قال تعالي في محكم التنزيل: (و من يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل). فعلمت مبلغ الرجل من الدين. و مقدرته علي الكيد و الخداع المكين. و أدركت أني كنت علي شفا حفرة من النار. فأنقذني منها خالق الليل و النهار. فانقلب حبي لهذا الطاغية بغضا. و تلظت نفسي عليه حنقا و سخطا. و عافت مقلتي رؤية ذاته. و اجتوت أذني سماع كلماته. و مر علي الخاطر. قول الشاعر: ليس بني و بين قيس عتاب غير طعن الكلي و ضرب الرقاب بيد أني كتمت ما دار في الخلد. و لم أبده منهم لأحد. و قلت: هؤلاء قوم يحاربون الأديان. و يخادعون أهل الايمان. فيجب أن أكيل لهم بما يكيلون. و أسقيهم بكأسهم التي بها يسقون. و أخنقهم علي مشهد من الناس بوترهم. و أرد كيدهم في نحورهم. (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره). فكظمت غيظي، و تكلفت الانبساط مع الرجل و شيعته، و أكثرت الاختلاط بهم، و الجلوس اليهم، حتي تمكنت من نقل طائفة كبيرة من كتبهم و صحفهم، و صرت مطلعا علي سرائرهم و دخائلهم ملما بحقيقة دينهم و كنهه، عالما بكلياته و جزئياته، عارفا بمعانيه و مبانيه واقفا علي ظواهره و خوافيه، كأني داعية من دعاتهم، و شيطان من شياطينهم. و كنت في غضون ذلك أستقصي ما ذكره سواهم عن تاريخ [ صفحه 26] هذا البهتان، فقرأت شيئا موجزا لا يثمر و لا يغني من جوع في الكتاب الموسوم (بدائرة المعارف) للعلامة البستاني، ثم وقفت علي كتاب كان يطبع يومئذ في مدينة القاهرة في مطبعة (المنار) هو (مفتاح باب الأبواب) الآنف الذكر، فوجدت فيه حاجتي، و بلغت منه غايتي. ثم لم ألبث أن قلبت لهم ظهر المجن، و أبديت ما كنت أخفيه من البغضاء و الغيظ، و نازلت امامهم أباالفضل في ميدان الجدال، و أقمت عليه البرهان تلو البرهان، و الدليل اثر الدليل، حتي لم يحر جوابا و لم يقل خطأ أو صوابا. فأغلقت بالحجة منطقه. و سددت عليه طرائقه و أركسته في زبيته. و أرديته في مهوي حفرته. و حذرت الناس منه و من شيعته. (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء - الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفرا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظمات أولئك أصحاب النار فيها خالدون) ثم وضعت في الرد عليهم هذا الكتاب، ليقف الناس علي ضلالهم و بهتانهم، فلا يغتر أحد بما يروقون من الكذب، و يزخرفون من الباطل، و يموهون من الافك، فيقع فيما ينصبونه من حبائل الكيد و الختر. و أشراك الخبث و المكر. فتحق عليه كلمة العذاب. بما نسي يوم الحساب. قال تعالي: (و يوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، ياويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد اذ جاءني و كان الشيطان للانسان خذولا) و قد جاء بحمد الله تعالي محكم البنيان، ثابت البرهان، واضح السبيل، قائم الدليل، سوي المحجة، قوي الحجة، وافيا بالمرام، مبكما لهؤلاء الأنعام، محققا ضعف عقولهم، و ضلال قلوبهم، و خبل [ صفحه 27] أحلامهم، و زلل أقدامهم، و خطأ قضاياهم، و خلل دعاواهم، و سقوط مبانيهم، و فساد معانيهم، و وهن مذاهبهم، و خطل مزاعمهم، و بطلان عقائدهم، و تلفيق شرائعهم، قارعا الحجة بالحجة، و الدليل بالدليل، و البرهان بالبرهان، مثبتا عليهم الضلال الشديد، و الكفر البعيد، و البهتان العظيم، و الطغيان المبين، و العياذ بالله. (و ان للطاغين لشر مآب، جهنم يصلونها فبئس المهاد، هذا فليذوقوه حميم و غساق، و آخر من شكله أزواج، هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم انهم صالوا النار، قالوا بل أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) و قد سميته (بالحراب. في صدر البهاء و الباب). و رتبته علي مقدمة و منطقين و خاتمة. سائله تعالي أن يحسن لي به الخاتمة. و أن يجعله في ميزاني يوم الحشر العظيم. (يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم). و أن ينفع به اخواننا المسلمين. و يدفع عنهم كيد أولئك الملحدين. و منه أستمد العون و الهداية. و الارشاد الي السداد في المبدأ و الغاية. متوسلا اليه. بأكرم الخلق عليه. سيدنا محمد الأمين و آله الطيبين الطاهرين. انه حسبنا و نعم الوكيل. و هو الهادي الي سواء السبيل ابتهال
أللهم يا ذا الملك و الملكوت،و يا ذا العزة و الجبروت، و يا مبيد الفجار، و يا قاصم كل جبار، انا نبتهل اليك، و نسألك بحرمة ذاتك [ صفحه 28] عليك، أن تقصم ظهر من يفتري عليك الأباطيل، و تقطع و تين من يتقول عليك الأقاويل، و تسل لسان من يلحد في آياتك من قفاه، و تخلع فؤاد من يعادي دينك من حشاه، و تركس من يكيد للمؤمنين في زبيته، و تردي من يوقع بهم في مهوي حفرته. ربنا و لا تشف لهؤلاء الملاحدة عليلا، و لا ترو لهم غليلا، و لا تجعل لأحدهم الينا سبيلا، و اجعل قولنا عليهم ثقيلا، فلا يصبرون عليه كثيرا، حتي يذهب بهم صغيرا و كبيرا، كانما هو شراب غساق، و جمر قوي الاحراق، و سموم و حميم، و ظل من يحموم لا بارد و لا كريم ربنا و أخمد أنفاسهم عاجلا، و لا تجعل باطلهم الي القلوب واصلا، و خذهم أخذ ثمود و عاد، و فرعون ذي الأوتاد، و لا تذر علي الأرض منهم ديارا، انك ان تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا الا فاجرا كفارا ربنا كما أهلكت ثمود بالطاغية، و أهلكت عادا بريح و صرصر عاتية، فأرسل اللهم عليهم من غضبك صيحة قاضيه، تأخذهم أخذة رابية، فما لهم بعدها من باقيه، انك سميع الدعاء، لا يعجزك شي‌ء في الأرض و لا في السماء. و ذكر فانه الذكري تنفع المؤمنين
في حديث الشيخين عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه و سلم عن الخير و كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! انا كنا في جاهلية و شر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، [ صفحه 29] و فيه دخن. فقلت: و ما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، و يهتدون بغير هديي، تعرف منهم و تنكر. قلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا، قال: هم قوم من جلدتنا، و يتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله! فما تأمرني ان أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين و امامهم. قلت: فان لم يكن لهم جماعة و لا امام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض علي أصل شجرة حتي يدركك الموت و أنت علي ذلك. و روي البخاري عن أبي‌هريرة أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: هلاك أمتي علي يدي أغيلمة من قريش و في رواية لأبي داود أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: ستكون فتنة عمياء صماء بكماء، من أشرف لها استشرفت له، و اشراف اللسان فيها كوقع السيف. و في رواية له: سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي و أنه خاتم النبيين لا نبي بعدي و في رواية لمسلم عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلي الله عليه و سلم يقول: ان بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم. (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد) [ صفحه 30]

مقدمة: كلمات الجرائد في المرزا عباس

كلمة المؤيد

نشرها في عدد يوم الأحد 13 شوال سنة 1328 - 16 اكتوبر سنة 1910 تحت عنوان (المرزا عباس افندي) قال: وصل الي ثغر الاسكندرية حضرة العالم المجتهد مرزا عباس افندي كبير البهائية في عكاء بل مرجعها في العالم أجمع. و قد نزل أولا في نزل فيكتوريا بالرمل بضعة أيام ثم اتخذ له منزلا بالقرب من شتس (صفر) و هو شيخ عالم وقور متضلع من العلوم الشرعية و محيط بتاريخ الاسلام و تقلباته و مذاهبه يبلغ السبعين من العمر أو يزيد علي ذلك و مع كونه اتخذ عكاء مقاما له فان له أتباعا يعدون بالملايين في بلاد الفرس و الهند بل في أوربا و أمريكا. و أتباعه يحترمونه الي حد العبادة و التقديس حتي أشاع عنه خصومه ما أشاعوا. و لكن كل من جلس اليه يري رجلا عظيم الاطلاع حلوا الحديث جذابا للنفوس و الأرواح يميل بكليته الي مذهب (وحدة الانسان) و هو مذهب في السياسة يقابل مذهب (وحدة الوجود) في الاعتقاد الديني تدور [ صفحه 31] تعاليمه و ارشاداته حول محور ازالة فروق التعصب للدين أو للجنس أو للوطن أو لمرفق من مرافق الحياة الدنيوية جلسنا اليه مرتين فأذكرنا بحديثه و آرائه سيرة المرحوم السيد جمال الدين الأفغاني في احاطته بالمواضيع التي يتكلم فيها و في جاذبيته لنفوس محدثيه الا أن هذا يتسع حلما و يلين كنفه لحديث مخاطبيه و يسمع منهم أكثر مما كان يسمع السيد جمال الدين. و قد ذكرناه له فترضي عنه و قال: انه كان عالما فاضلا و سياسيا كبيرا الا أنه مع كثرة ما كان يكتب عن الانجليز في الهند ما استطاع أن يهدم بناء أقامه السيد أحمد خان (مؤسس كلية عليكره) بكلمتين فكان بناء منيعا ما نعا من اتفاق مسلمين الهند و وثنييها و حائلا دون وحدة الشعب في الهند من ذلك التاريخ علي أن حضرته مع كثرة ما تكلم في أسباب انحطاط الدول الاسلامية في العصور الأولي و ما أشار اليه من ارتقاء الأمم الأوربية الآن و أفاض في أسباب هذا الارتقاء كان يتحاشي الكلام في السياسة الحاضرة في الدولة و مصر. و كان يعود فيقول: انني جئت مصر لأعالج ضعف صحتي و هو يشكو من نوبات عصبية تعتريه آنافا اضطر من أجلها أن يقيم في جبل حيفا بضعة أشهر ثم أشير عليه أن يأتي الي مصر (و هي أول مرة أتي اليها) و لما نزل في فندق فيكتور يا عني صاحبه (الخواجة جورج كليادس) به كل العناية فقال: انني نزلت في نزل ببور سعيد فرأيت أن مديره يري نفسه ملكا و نزلاءه رعيته و لكني رأيت مدير (فيكتوريا) يري نفسه خادما أمينا و نزلاءه سادة مخدومين فهو يوصي بالنزول في هذا الفندق [ صفحه 32] و قد عزم علي أن يقيم في ثغر الاسكندرية ما اقتضت صحته ذلك فان لم يرتحسنا كبيرا في صحته قصد القاهرة و أقام في (مصر الجديدة) أو في حلوان الشتاء المقبل و ما شاء الله من أيام الربيع بعده و هو ينفي نفيا باتا أن هناك باعثا سياسيا حمله الي الوفود علي مصر قائلا: انني لا شأن لي بأمور السياسة من قبل و من بعد فلا داعي لأن يكون هناك باعث سياسي علي مبارحة البلد الذي اتخذه وطنا له فنحن نرحب بحضرة هذا العالم الحكيم و نسأل الله أن يجعل مقامه في مصر محمودا عائدا عليه بالصحة و العافية آمين. اه هذا ما قاله الشيخ الأزهري المسلم صاحب الجريدة الاسلامية في رجل يعمل علي هدم بناء الاسلام. و لا نحكم اليه الا بما يقتضيه العقل من أن مدح المرزا عباس يستلزم الأخذ بعقائده و القيام بتبليغ دعوته

كلمة المنار

نشرها في الجزء العاشر من المجلد الثالث عشر الصادر في 30 شوال سنة 1328 تحت عنوان (عباس افندي البابي البهائي) و هي بقلم صاحبه السيد رشيد رضي و مكانته في العلم و الدين تدل علي مكانة هذه الكلمة قال أثابه الله: البهائية فرقة من البابية رئيسها الآن عباس افندي ابن مرزا حسين علي الملقب بالبهاء أو بهاء الله دفين عكاء و هم آخر طوائف الباطنية [ صفحه 33] يعبدون البهاء عبادة حقيقية و يدينون بالوهيته و ربوبيته و لهم شريعة خاصة بهم، و كان عباس افندي محجورا عليه في عكاء فلما صارت الحكومة العثمانية دستورية تسني له أن يخرج من عكاء و قد جاء الاسكندرية في هذا الشهر و كتب مدير المؤيد نبذة عنه وصفه فيها بالعالم المجتهد و بالتضلع من العلوم الشرعية و الاحاطة بتاريخ الاسلام و قال: ان أتباعه يعدون بالملايين و أنهم «يحترمونه الي حد العبادة و التقديس حتي أشاع عنه خصومه ما أشاعوا» ثم قال مدير المؤيد «و لكن كل من جلس اليه يري رجلا عظيم الاطلاع حلو الحديث جذابا للنفوس و الأرواح يميل بكليته الي مذهب (وحدة الانسان) و هو مذهب في السياسة يقابل مذهب (وحدة الوجود) في الاعتقاد الديني تدور تعاليمه و ارشاداته حول محور ازالة فروق التعصب للدين أو الجنس أو الوطن أو لمرفق آخر من مرافق الحياة الدنيوية» أقول: ان عباس افندي رجل عظيم سياسي جذاب الحديث يخاطب كل أحد بما يري أنه يرضيه و يعجبه و كان منذ ثلاثين سنة يجي‌ء بيروت فيصلي الصلوات الخمس مع المسلمين و كذلك كان يعامل المسلمين في عكاء، يجتمع بالعالم السني فيوهمه أن فرقتهم لم يكن همها من الاصلاح الا ازالة تعصب الشيعة و تقريهم من أهل السنة و التوفيق بين الطائفتين كما سمعت ذلك عنه من شيخنا الشيخ حسين الجسر (رح) و هو في الحقيقة زعيم دين جديد في بعض تعاليمه و مسائله و ان كان مبنيا علي أصول الباطنية الذين منهم الاسماعيلية و القرامطة و الدروز و النصيرية، و هم يدعون المسلمين الي دينهم بدعوي أنهم منهم و يريدون أن يجعلوهم علي بصيرة في دينهم أي و ثنيين يعبدون البشر فيالله من هذا الارتقاء، و التقدم بالرجوع الي [ صفحه 34] الوراء، و كذلك يدعون النصاري بتسليم ألوهية المسيح و ادعاء أنه هو البهاء و قد جعل قدماؤهم للدعوة أصولا و أساليب حكيمة بينها المقريزي و غيره من المؤرخين كالتشكيك في آيات القرآن و تأويلها بما تتبرأ منه اللغة و الدين كتأويل البهائية السموات السبع بالأديان و اختصام الملأ الأعلي باختصام أولاد البهاء عباس و اخوته، و تفسير «هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة» بظهور البهاء و أتباعه فهو الههم و أتباعه ملائكتهم!! و عندهم أن القيامة قد قامت بظهور الباب و البهاء و لما كان ما ذكره المؤيد عن عظيم القوم يوهم أنه من علماء الاسلام المجتهدين في الدين كالأئمة الأربعة (مثلا) و أن سياسته كسياسة الماسون و كان هذا مما يسهل عليه نشر دعوتته في مصر و يحمل من يغتر بظاهر كلام المؤيد علي الثقة به رأيت أنه يجب علي أن أنبه الناس الي الحق الذي أعتقده بعد الاختبار الطويل و ما قرأته و سمعته عن هؤلاء القوم و ما قرأته في كتبهم و ما جري لي من المناظرة و المحاورة مع داعيتهم بمصر مرزا أبي‌الفضل أقول: ان عباس افندي ليس اماما من أئمة المسلمين المجتهدين و للمؤيد أن يقول انه عني بالمجتهد معناه اللغوي لا الأصولي بل لا بعد من علماء المسلمين لأن قومه ليسوا منهم و لكن لا ننكر أنه مطلع علي تاريخ المسلمين و علومهم، و اجتماع مدير المؤيد به مرتين لا يكفي للحكم باحاطته بالتاريخ و تضلعه من العلوم الشرعية، و قوله: ان أتباعه يعدون بالملايين غير مسلم أيضا و طالما سمعناهم يدعون ذلك لأنه مما يجذب الناس اليهم بل يجعلون هذا دليلا علي حقية دينهم و قد سبق لي كلام معهم في ذلك. و المؤيد أخذ ذلك عنهم بالتسليم. [ صفحه 35] و أما مسألة وحدة الانسان فانما يعنون بها دعوة الناس الي دينهم المبني علي عبادة البشر و تقديسهم حتي قال داعيتهم أبوالفضل في أحد الملاهي العامة بمصر في البهاء «هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر» فتلونا نحن فاصلة الآية (سبحان الله عما يشركون) و المسلمون يدعون الي اتحاد البشر و اتفاقهم علي عبادة الله و تقديسه وحده و جعلهم أخوة في الاسلام لا يفرق بينهم تعصب لدين و لا جنس و لا وطن و لا غير ذلك، و النصاري يدعون أيضا الي وحدة الانسان في النصرانية و عبادة المسيح عبدالله و رسوله (عليه‌السلام) فبماذا امتاز البهائية. ألا فيعلم الناس أن هؤلاء الباطنية قد قصدوا في وضع تعاليمهم الأولي محو الاسلام و ازالة سلطانه من الارض، وضعها بعض مجوس الفرس لما فتح المسلمون بلادهم و أزالوا ملكهم و استعانوا عليها بالشيعة و هم حزب سياسي يري أن الحكومة يجب أن تكون (أرستقراطية) للاشراف من آل بيت النبي (ص) فصاروا يبثون دعوتهم في هذا الحزب بحمله علي الغلو في بغض عمر بن الخطاب (الذي فتح بلادهم) و أبي‌بكر و جمهور الصحابة الذين كانوا أقرب الي القول بحكومة الشعب (الديمقراطية) و قد وجد هذان الحزبان في الاسلام و وجد فيهم حزب الفوضوية أيضا و هم الخوارج كما وجد ذلك عند غيرهم لان وجود هذه الأحزاب السياسية طبيعي في البشر، و كذلك خلق الغلو طبيعي في البشر و لذلك نجح الباطنية في دعوة غلاة الشيعة الي تكفير جماهير الصحابة و رميهم بكتمان بعض القرآن و لم يدروا أن ذلك يعد طعنا في أئمة آل البيت الذين يتعصبون لهم لأن رئيسهم عليا كرم الله وجهه كان يحفظ القرآن كلمه فلماذا لم يظهر المكتوم؟ انهم يجيبون عن [ صفحه 36] هذا بما لا يقبله ذو عقل مستقل كالتقية و ما كان علي بالجبان فيخاف في اظهار أساس دينه أحدا، علي أنه كان يمكنه أن يبث ذلك سرا في آل بيته و شيعته. و غرض الباطنية اخراج الشيعة من الاسلام كما كانوا يريدون اخراج غيرهم و لكنهم خابوا و لا يزالون خائبين و للمسلمين من الشيعة و غيرهم السلطان و البرهان الغالب عليهم. و لما ظهر غلاوة المتصوفة توسل الباطنية بهم الي مقصدهم أيضا فأضلوا كثيرا من الناس و لكن الاسلام ظل غالبا علي أمره في الصوفية أيضا الا من كان أوصار من الباطنية و سنزيد هذه المسألة بيانا. و عسي أن ينشر مدير المؤيد هذا في جريدته ليزيل الايهام الذي علق بالأذهان من كلامه و لا يعقل أن يكون مقصودا له لأن آحاد العامة المتهاونين في الدين لا يمهدون السبيل لدعوة دين وضع لمحو دينهم فكيف يفعل ذلك مثل مدير المؤيد و هو من يعد من خواص المسلمين في عمله و سياسته و من أراد أن يعرف تاريخ هؤلاء البابية و شيئا من التفصيل في دينهم فيطالع كتاب مفتاح باب الأبواب تأليف الدكتور محمد مهدي خان و ثمنه خمسة عشر قرشا صحيحا و يوجد في مكتبة المنار و غيرها. اه (قلت) - ان العلامة صاحب المنار فتح بابا يلجه شيخ المؤيد للتنصل مما ارتكبه من الخطأ الفاضح بامتداحه رجلا هذه أوصافه و نعوته. بل لميط الأذي من طريق المؤمنين فلا يكون لدعوة الرجل سبيل الي نفوسهم. و لكنه أبي الا أن يصم أذنيه عن دعوة صاحب المنار، و يغمض عينيه علي القذي، و يدع كلمته تعمل في الناس عملها. اللهم هذا عمل غير صالح فاجز كلا بما يستحق [ صفحه 37]

كلمة مصر الفتاة

اشاره

نشرتها في عددي يوم 15 و 16 ذي الحجة سنة 1328 - 17 و 18 ديسمبر سنة 1910 و هي بقلم مؤلف هذا الكتاب قال: (جبريل ينزل في مصر) (دين جديد - اسمعوا وعوا) بين ظهرانينا الآن في رمل الاسكندرية رجل عجمي النبعة في منتصف الحلقة السابعة من العمر، مهيب الطلعة، و قور الهيئة، واسع الدراية. بعيد الرماية. يقظ الجنان. ذرب اللسان. يزعم أن الله اجتباه. و برسالته اصطفاه. يأتيه الأمين جبريل. بالوحي و التنزيل بعث مؤيدا لدين أبيه. فاتحا لما أغلق من مفاهيم الوحي و معانيه داعيا الي شريعته. مهيمنا علي أمته. ذلكم هو المرزا عباس افندي، الملقب بغصن الله الاعظم، و المنعوت بالفرع الكريم، المنشعب من الأصل القديم. لقبه بذلك، و نعته، والده المرزا حسين، الملقب بهاء الله. حينما ترقي في دعواه. و زعم أنه رب العالمين. و الأصل القديم الغائب عن أعين الرائين. و تلقب بجمال القدم و البهاء. و لقب أتباعه بأصحاب السفينة الحمراء. بيد أن لقبه الأخير. أصبح علمهم الشهير و كان قد استخلف الغصن علي أمته. و أمر بطاعته بعد غيبته. فلا عجب أن يكون اليوم رجل البهائيين و واحدهم. و علمهم [ صفحه 38] المفرد و سيدهم. بل الههم المعبود. و ربهم الذي يخصونه بالسجود بل لا عجب أن يدعي ما يدعيه. فالولد سر أبيه بأبه اقتدي غدي في الكرم و من يشابه أبه فما ظلم حط هذا الرجل رحاله بديارنا في شتاء هذا العام، زاعما أن نزوله بيننا، انما هو لترويح النفس، و طلاب الشفاء، من داء أنحل جسمه، و أنهك قواه. فرحبت به الصحف، وروت زعمه للناس قضية مسلمة، و هو رجل يعزي اليه ما يعزي من الدعوة الي دين جديد، و نحلة مستحدثة. بل أن صحيفة [2] جهرت فيما يملأ نهرا من أنهرها: بأن ما يروي عن الرجل من هذا القبيل، انما هو من مختلقات حساده. و مفتريات خصومه و أضداده. كان صاحبها من شيعته. فعمل علي نصرته. أو أن الرجل استهواه بقاله. و استغواه برفده و نواله. أو أنه لم يقرأ من مؤلفات البهاء مؤلفا. و لا من مصنفات دعاته مصنفا [ صفحه 39] علي أن هناك كتابا منشورا طبع في العاصمة في مطبعة الموسوعات عام 1318 من الهجرة وضعه المرزا أبوالفضل محمد بن محمد رضي الجردفادقاني الايراني داعية البهاء في هذه الديار سماه (الدرر البهيه في جواب الأسئلة الهندية) حوي طائفة كبيرة من المغامز، و شيئا جما من عقائد البهائيين، و سفسطتهم في اثبات دينهم، و تحقيق دعوي بهائهم. و هو كتاب لا يرتاب في فساد معانيه، و اضطراب مبانيه، و بطلان قضاياه، و تزلزل دعاواه، من كان في مرتبة ذلك الصحافي من البصيرة، و النظر في الدين، و العلم بكتاب الله، و المعرفة بالمعقول و المنقول و لا يظن ظان فيه ذرة من الادراك، و فضلة من النهي،أنه لم ير كتابا مثل هذا، طبع علي قيد ذراع من دار جريدته، قامت علي مؤلفه قيامة علماء الدين، و طلبوا من الحكومة مصادرته حيث يباع و يشري، و طردوا لأجله طالبا من الأزهر يدعي فرج الله زكي الكردي وقف علي طبعه، و صحح نماذج أصوله، و شرح بعض غوامضه و سمتبهماته. فاللهم لطفا بعبادك و ارحمنا يا أرحم الراحمين. و هذه نبذ موجزة مما ضمه الكتاب بين دفتيه، يحسبها البهائيون حججا ساطعة، و براهين لامعة، علي صدق دعوي البهاء، أرسلها في صفحات هذه الجريدة بحرفها، تاركا الحكم فيها لفطنة القاري‌ء و نظره قال في الصفحة 216 و ما يليها الي الصفحة 219 ما نصه: ان من أمعن النظر في الكتب السماوية مطلقا يري أنه ما من كتاب الا و فيه قسمان من التعليمات (القسم الأول) الحدود و الأحكام التي تحتاج الأمة البها مدة بقائها و يرتبط بها نجاحها و يتوقف علي اقامتها فلاحها (و القسم الثاني) البشارات الواردة في مجي‌ء يوم الله و نزول روح الله و قيام مظهر أمر الله (يريد بذلك البهاء و يوم ظهوره) و هذا اليوم هو اليوم العظيم [ صفحه 40] الرهيب المهيب الذي عبر عنه في الكتب السماوية بتعبيرات شتي و سمي بأسماء عليا من قبيل: يوم الرب، و يوم الملكوت، و يوم الحسرة، و يوم التلاق، و القيامة، و الساعة، و أمثالها، و قد ذكر الأنبياء عليهم‌السلام لمجي‌ء هذا اليوم أشراطا و علامات و شواهد و أمارات و دلائل و مقدمات مما هو مذكور و مدون في كتب الأولين و منصوص و مصرح في كلمات الأقدمين. ثم اعلم أنه و ان كان يستفاد من بعض الكتب أن الأنبياء عليهم‌السلام من لدن زمن عتيق مجهول الابتداء كانوا يبشرون الأنبياء عليهم‌السلام من لدن زمن عتيق مجهول الابتداء كانوا يبشرون الناس بمجي‌ء أمر الله و طلوع فجر يوم الله و زوال ظلمات البدع و الاختلافات و الحروب و الأحقاد بين عباد الله. الا أنه بسبب ظلمة التواريخ القديمة و انقطاع أخبار الملل العتيقة و صعوبة ابقاء الآثار العلمية بسبب فقدان صنعة الطبع و الورق و أمثالهما في الأزمان الغابرة و انعدام التعاون و التناصر و التعارف بين القبائل الداثرة لا يمكن الاطلاع الكافي عما جاء في أخبار الأنبياء قبل موسي عليه‌السلام اذ لم يبق منهم كتاب و لم يوجد لهم آثار ليستفيد المستخبر من عباراتهم و يطلع علي مقتضي بشاراتهم. فلا يمكن و الحالة هذه الا أن نعتبر التوراة أول كتاب سماوي يستقي من موارده. و يلتقط المقصود من شوارده. فلنبتد أولا بذكر آيات التوراة الجليل. و نتبعها بعبارات رسائل أنبياء بني اسرائيل. و نختمها بالبشارات الواردة في الانحييل. و نتوكل علي الله انه هو نعم المولي و نعم الوكيل. قال الله تبارك و تعالي كما جاء في الآية الثانية من الاصحاح الثالث و الثلاثين من سفر التثنية من أسفار التوراة: «جاء الرب من سينا و أشرق لهم من سعير و تلألأ من جبل فاران و أتي من ربوات القدس و عن يمينه قبس الشريعة» فهذه الآية المباركة تدل دلالة واضحة أن بين يدي الساعة و قدام مجي‌ء [ صفحه 41] القيامة لا بد من أن يتجلي الله علي الخلق أربع مرات و يظهر أربعة ظهورات حتي يكمل سير بني اسرائيل و ينتهي أمرهم الي الرب الجليل (يريد البهاء) فيجمع شتيتهم من أقصي البلاد و يدفع عنهم أذي كل العباد و يسكنهم في الأراضي المقدسة و يرجع اليهم مواريثهم القديمة. فظهر أولا بمقتضي هذه الآية الكريمة سيدنا موسي عليه‌السلام فتجلي الله عليهم بظهوره من جبل سيناء. ثم ظهر ثانيا سيدنا عيسي عليه‌السلام فتجلي عليهم بظهوره من جبل سعير. ثم ظهر ثالثا سيدنا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فتجلي بظهوره من جبل فاران فدارت الأدوار. و تتابع الليل و النهار. حتي ظهر الرب المختار (يعني البهاء). و تم الظهور الرابع بأمر الملك العزيز الجبار و قال في الصفحة 205 و ما يليها الي الصفحة 211 ما صورته: ليس المراد من تأويل آيات القرآن معانيها الظاهرية و مفاهيمها اللغوية مما يفهمه و يدركه كل من يعرف اللغة العربية و الا لم يبق ثم معني لقوله تعالي:(وما يعلم تأويله الا الله) و قوله: (و كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه). بل المراد من التأويل هو المعاني الخفية التي أطلق عليها الألفاظ علي سبيل الاستعارة و التشبيه و الكناية من أقسام المجاز. و لولا قصور الناس في الأحقاب الماضية و الأيام الخالية عن فهم تلك المعاني الدقيقة و ادراك تلك المفاهيم السامية لما أخفاها الأنبياء عليهم‌السلام تحت ستائر الاستعارات و لما رمزوا عنها بخفي الاشارات و التعبيرات كما جاء في الاصحاح الثالث عشر من سفر متي «و كان يسوع المسيح يكلمهم بأمثال لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح فمي بالأمثال و أنطق بمكنونات منذ تأسيس العالم» و كما جاء في الفصل السادس عشر من انجيل يوحنا أن عيسي عليه‌السلام قال لتلامذته: «ان لي أمورا [ صفحه 42] كثيرة أيضا لأقول لكم و لكن لا تستطيعون أن تحتملوها الآن و أما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الي جميع الحق». و كما جاء في الحديث أن النبي عليه‌السلام قال: «بعثنا معاشر الأنبياء نخاطب الناس علي قدر عقولهم». و ما جاء في البخاري عن علي عليه‌السلام: «حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله و رسوله». و لما كان من المقرر أن العالم مسير الي نقطة الكمال و الأرواح و الأفئدة راقية لا محالة الي رتبة البلوغ و الاعتدال ليبلغوا الي درجة فهم كلمات الأنبياء كما يقتضيه ناموس التقدم و الارتقاء فقد قرر الله تعالي تنزيل تلك الآيات علي ألسنة الأنبياء و بيان معانيها و كشف الستر عن مقاصدها الي روح الله (يعني البهاء) حينما ينزل من السماء لتتقوي أفئدة أهل الايمان بالتغذي من ظواهر الآيات الكريمة و تسير الأمة في أنوار الشرائع القويمة ليتمكن الناس في أثنائها من طي تلك المسافات البعيدة و قطع تلك البرازخ الممتدة في الأجل المسمي و المدة المعلومة. قال الشيخ السهروردي قدس الله روحه في آخر كتاب الهياكل: يجب علي المستبصر أن يعتقد صحة النبوات و أن أمثالهم تشير الي الحقائق كما ورد في المصحف (و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون). و كما أنذر بعض النبوات: «اني أريد أن أفتح فمي بالأمثال». فالتنزيل موكول الي الأنبياء و التأويل و البيان موكول الي المظهر الأعظمي الأنوري الأريحي الفارقليط (يريد به البهاء) كما أنذر المسيح حيث قال: «اني ذاهب الي أبي و أبيكم ليبعث لكم الفار قليط الذي ينبئكم بالتأويل.» و قال: «ان الفارقليط (يعني البهاء) الذي يرسله أبي باسمي يعلمكم كل شي‌ء» و قد أشير الي ذلك في المصحف: (ثم ان علينا بيانه) و ثم للتراخي [ صفحه 43] و مما ذكر يعلم أن جميع الأنبياء عليهم‌السلام من آدم الي الخاتم جاءوا بتنزيل الآيات المذكورة و اثبات البشارات المأثورة من غير تعرض لبيان معانيها لما قلنا من ضعف قوي الخلق عن تحمل مقاصدها و قصورهم عن ادراك مراميها. و انما بعثوا عليهم‌السلام لسوق الخلق الي النقطة المقصودة و اكتفوا منهم بالايمان الاجمالي حتي يبلغ الكتاب أجله و ينتهي سير الأفئدة الي رتبة البلوغ فيظهر روح الله الموعود (يريد به البهاء) و يكشف لهم الحقائق المكنونة في اليوم المشهود و قد علم أولوا النهي أن أصعب الأمور علي العالم البالغ تفهيم القاصرين عن الادراك، اذ لو كشفت الحقائق للقاصر عن ادراكها لينكرها لعجزه عن الفهم و قصوره عن الادراك. الي أن قال: و من ذلك يفهم معني الصعوبة التي كانت تعرض علي النبي عليه‌السلام حين تلاوة الآيات. فانهم كانوا يسألونه عن حقائقها و معانيها فكان يحرك شفتيه و يعالج كيفية البيان لصعوبة تفهيم القاصر و كذلك صعوبة ترك البيان لئلا يحمل علي العجز فنزلت الآية الكريمة (لا تحرك به لسانك لتعجل به) أي ببيان معانيه الخفية و تأويلاته الغامضة (ان علينا جمعه و قرآنه) كما قدر الله تعالي جمعه بيد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين (ثم ان علينا بيانه) أي حينما تبلغ الأمة بسبب السير في الشريعة المقدسة الاسلامية الي الدرجة العليا من الكمال و تصير الأفئدة قادرة علي ادراك ما هو مكنون في كتب العزيز المتعال فيتبلج صبح الوصال و ينزل الروح (يعني البهاء) في غمام الجلال و تنقشع غيوم الضلال و يتجلي عليهم ربهم (يعني البهاء) في أبهي حلل الجمال فيبين لهم تأويل الكتاب و يكشف لهم لباب الخطاب و يتم نعمة الله علي عباده من كل الأبواب [ صفحه 44] و قال في الصفحة 59 و ما يليها الي الصفحة 62 ما نصه: مثلا اذا تدبروا في هذه الآية الكريمة: (فاستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) ليروا أن فيها تعيين محل نزول الموعود و تصريحا بأن نداء الرب تعالي (يعني البهاء) يرتفع من الأرض المقدسة أقرب الأراضي الي الأقطار العربية و هي الجزء الغربي من البلاد السورية الواقعة حول جبل القدس من أرياف البحر الأبيض المتوسط بين آسيا و الممالك الأوربية. هذه هي الأرض المقدسة البيضاء. و البقعة المنورة الفيحاء. معهد اللقاء. و قبلة الأصفياء. و منشأ الأنبياء. و محل ارتفاع نداء الله بين الأرض و السماء. و من المعلوم أن مملكة السورية و أرياف البحر الأبيض أراض واسعة و قطعة متسعة و فيها بلاد شهيرة و مدن عديدة و قري و مزارع كثيرة. فبين النبي عليه‌السلام أن محل نزول الموعود (يريد به البهاء) هو (عكاء). و مهبط هذا النور هو ذاك المرج المعروف في تلك الأرجاء. فمدح و أطرأ هذه المدينة و أقطارها. حتي ذكر في بياناته المباركة عيونها و آبارها. و بشر و وعد بكل خير ساكنيها و زوارها. حيث قال عليه‌السلام: «طوبي لمن رأي عكة». فاشتهر هذا الحديث الشريف حتي تمسك به اللغويون مثل صاحب الصحاح و غيره فاستشهدوا به في كتبهم و صار كالأمثال المرسلة فلهجت به الشعراء في أشعارهم ففصل النبي عليه‌السلام بهذا الحديث و كثير من أمثاله مما هو مدون في كتب الأحاديث مجمل الآية الكريمة المذكورة و بينها أحسن تبيين و نص علي تعيين محل الظهور أحسن تنصيص و صرح أجلي تصريح و قد أخذه كبار الأولياء مصدرا لتفاصيل بشاراتهم. و صرحوا به [ صفحه 45] في خطبهم و مقالاتهم. أو في كتبهم و مصنفاتهم. كأميرالمؤمنين علي ابن أبي‌طالب من السابقين الأولين. و كالشيخ الكبير ابن‌العربي و الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة و السيد الشعراني و كثير من أمثالهم من المتأخرين. و مما نقله الشيخ الشعراني في كتابه اليواقيت و الجواهر في المبحث الخامس و الستين في هذا المعني مستخرجا من الأحاديث و المصادر العليا قوله: «يشهد الملحمة العظمي مأدبة الله بمرج عكاء». و قوله في وزراء المهدي: «و يقتلون كلهم الا واحد منهم ينزل في مرج عكاء في المأدبة الالهية التي جعلها الله مائدة للسباع و الطيور و الهوام». الي كثير من أمثال ذلك مما خبأه الله تعالي في مكنون علمه و أودعه في بطون آيات القرآن. و صدقه كرور الأيام و تتابع الأزمان. و سوف يطبق ذكره الآفاق. و يملأ صيته السبع الطباق و قال في الصفحة 110 و ما يليها الي الصفحة 113 ما صورته: لا شك أن في القرآن المجيد و سائر الكتب المقدسة السماوية كثيرا من الاخبار عن الأمور الآتية مماتهم الأمم معرفته و يرتبط به نجاتهم و هلاكهم كمجي‌ء (الساعة) التي عبر عنها في كتب الله تعالي بأسماء عظيمة و أوصاف شتي من قبيل: يوم الله، و يوم الرب، و يوم القيامة، و يوم الحسرة، و يوم التلاق، و أمثالها مما فسرته الأحاديث النبوية بيوم ظهور المهدي (يعني الباب) و قيام روح الله (يعني البهاء) حتي جاء في الكتاب الكريم ذكر جميع حوادث هذا اليوم الفخيم و مجي‌ء النبأ العظيم. بكلياته و جزئياته. و أشراطه و علاماته. و مطلعه و ميقاته. كما عرفه أهله، و أدركه حملته. و لا شك أن الاحاطة بعلم تلك الأمور العظيمة المزمعة أن يلدها الكون و الاخبار عنها مؤرخا معينا [ صفحه 46] مشروحا مفصلا من أعظم العجائب و أكبر العظائم التي لا ينكرها الا الجاهل المكابر أو المجادل المتعنت. الي أن قال: ان موهبة فهم تلك الدقائق و ادراك هذه الحقائق من بطون آيات الكتاب ليست من المواهب العامة و المطالب المكشوفة الظاهرة حتي تدركها كل نفس و يفهمها كل شخص فتتم الحجة علي الكل و تكمل البينة علي الجميع و يصير القرآن من هذه الجهة حجة بالغة و معجزة دامغة. كيف لا و في نفس الكتب السماوية تصريحات بأن تأويل آياتها أي معانيها الأصلية المقصودة لا تظهر الا في اليوم الاخير يعني يوم قيام روح الله، و مجي‌ء مظهر أمر الله، و اشراق آفاق الأرض مشارقها و مغاربها ببهاء وجه الله، و قبل مجي‌ء ذلك اليوم الرهيب العظيم. و قيام الرب القديم. (يعني البهاء). فالحقائق الأصلية المقصودة من البشارات مستورة مختومة بختم الله. و الأبواب. دون فهمها مسدودة مردومة بقدرة الله فالكتاب يضرب علي هذه النغمة في كل مذاهبه. و ينسج هذا النسيج في جميع مطالبه. و ينكر الوعد و الوعيد بمعناهما المفهوم و معاجز الأنبياء و قصصهم بمفهومهما المعلوم. و يحمل علي أئمة الدين حملات شعواء. و يطعن في هداة المسلمين بكلمات عوراء. الي غير ذلك. مما هنالك. و يقول البهائيون: ان مؤلفه هو رأس دعاة البهاء، و أكرمهم عليه بعد آل بيته، حتي أنهم يروون عنه أنه قال: «أبوالفضل مني بمنزلة بطرس الأكبر من المسيح». و يزعمون كما يزعم هو و يزعم البهاء نفسه: أن روح هذا الحواري الكريم تقمص به كما تقمص به كما تقمص بالبهاء روح المسيح صلوات الله عليه و لقد كان لي معه صحبة منذ سنين. و لا أعرفه الا عالما من علماء [ صفحه 47] المسلمين. فما آنس بي. و اطمأن الي جانبي. و رأي ميلي اليه و عطفي عليه. و شغفي بكلمه. و افتتاني بحكمه. شرع يمهد في نفسي طريقا تسلكه دعوته. و تتسرب منه اجابته. فأخذ يبث فيها من الأوهام و الخيالات. و الشكوك في الأديان و المعتقدات. ما يفقد الصواب. و يذهب الألباب. و يهلك المرء الغافل. و الغر الجاهل ثم ما لبث أن جهر بالدعوة و جعلني أنظر في كتب سماها مقدسة لا تنالها الا أبصار البهائيين في ديار المسلمين. و هي: الألواح، و البيان، و الأقدس، و الايقان، و كلها بخط القلم. بيد أنه بلغني من أمد و جيز أن «الأقدس» و هو الكتاب الذي يزعم البهاء وحيه اليه قد طبع في بلاد الروس من نحو خمس سنين. فلم أدخر وسعا في تقليب هذه الأسفار. و اكتشاف ما اختوته من الرموز و الأسرار. حتي صرت ملما بما فيها. عليما بظواهرها و خوافيها. كأني داعية من دعاة البهاء. يدعو الي أصحاب السفينة الحمراء و كنت في أثناء ذلك أنظر فيما عثرت عليه من تاريخ هؤلاء القوم مما كتبه سواهم. فقرأت أولا ما ذكره العلامة البستاني في كتابه المشهور الموسوم (بدائرة المعارف) فكان موجزا لا يطفي‌ء الغلة و لا يبري‌ء العلة. ثم ثنيت بكتاب كان يطبع وقتها في القاهرة في مطبعة المنار هو تاريخ الباب و البابية المسمي (بمفتاح باب الأبواب) لمؤلفه المحقق المدقق، زعيم الدولة، رئيس الحكماء، المرزا محمد مهدي بك خان، نزيل القاهرة، و صاحب مجلة (حكمت) الفارسية. فأدركت فيه غايتي و بلغت منه حاجتي. و وجدت ما كنت ناشده. و عثرت بما كنت فاقده فلما أن تبينت القولين. و استجليت كنه الخبرين. و عرفت خلهما و خمرها. و ذقت حلوهما و مرهما. و كانت دعوي البهائيين في [ صفحه 48] الأصل. يأباها العقل و لا يؤيدها النقل. نازلت الرجل في ميدان الجدال. و هاجمته بصارم الحجة الفصال. حتي اذا سددت عليه مذاهبه. و رددت في نحره مضاربه. و أصبت من مقاتله أصدقها و أخرست من ألسنته أنطقها. تركته مدحورا. و أبت فائزا منصورا و ما عدت بعدها اليه. و لا سلمت عليه. و حذلت صحبي أن يقعوا في حبالته. و أعلمتهم بكنه أمره و حقيقته. ثم وضعت في دعوي بهائه كتابا. ردها عليه بابا فبابا. سميته (الحراب. في صدر البهاء و الباب) و هو تحت الطبع الآن. و سيخرج للناس في أقرب زمان [3] . أما و خليفة البهاء بين ظهرانينا في هذه الأيام، و اني أعتقد تمام الاعتقاد أن نزوله بديارنا لا يخلو البتة من أمر الدعوة الي دينه من طريق خفي شأن دعاة البهاء في البلاد الاسلامية، لا سيما و أنه من كبار أصحاب الجدل، و رؤوس أهل السفسطة، جذاب اللفظ، خلاب لنفوس سامعيه - رأيت أن أنشر علي صفحات هذه الجريدة شيئا موجزا من تاريخ هذا الدين و عقائده، و بعض نبذ من ألواحه و صحفه، ليكون الناس علي بينة من الأمر، فيهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حيي عن بينة، و موعدنا بذلك بعض الأعداد الآتية ان شاء الله. اه (قلت) - و قد وفيت بالوعد، فنشرت ما شاء الله أن أنشر، و كله منقول من هذا الكتاب أثناء طبعه، و هو في محله منه، فلا حاجة الي ايراده هنا. بيد أني أورد كلمة دبجها يراع الأديب الكاتب، الشيخ محمد مصطفي الههياوي، المحرر بجريدة مصر الفتاة، يدفع بها أباطيل أبي‌الفضل، و ترهاته. قال أثابه الله: [ صفحه 49]

سهم نافذ

(في صدر أبي‌الفضل الجرفادقاني) لو وجدت في هذا الخرف أثرا للعقل، أو طريقا للتبصرة، لأعذرت لذلك العجوز المفتون المدعو (أبوالفضل) و يشهد الله أنه أبوالجهل و أخوه. فأما و هو لا يرعوي، و لا يزدجر، و لا يستحي من أن يقف بهذه الشيبة أمام الله موقف الخصماء، فلا حرج علينا أن نقطع نضنضة لسانه بسيف الحق، و نورده بهتانه موارد الجهل الشائن. و يا قبح الشيوخ العجائز يعيشون في جهالة، و يموتون علي ضلالة. رأيت هذا العجوز المضلل، فلا و الله ما رأيت الا قنفذا شائل الشوك، أغبر اللحية، هضيم الجسد. و كان مرشدي اليه يحاول اقناعي بعالميته، فلم أكن أطاوعه، لأن الذي وقر في صدري منذ أبصرته لأول مرة أنه خادع خاتل، أكثر منه عالم عاقل. و لذلك لم أستغرب أن يكون علي ما أعتقد من جهلة دعاة البابيين، و نحن نعلم أن العجائز أتم حيلة و أوفر مكرا من غيرهم هذه الكلمة الوجيزة أقدمها بين يدي القاري‌ء ليعلم أنني لم أعن برد دعاواه العاطلة لأنه ذو قيمة عندي،بل لأني أخشي أن تؤثر أكاذيبه علي بعض السذج الذين يسوقهم سوء الحظ للوقوع في فخاخه و لقد علمت علم اليقين أن هذا الطاغية وضع كتابه الدنس النجس ليكون لعقول البشر بمثابة مقذرة و سخة، و جعل أنتن ما فيها من الأقذار تأليه الرجل الانسي الذي و سم نفسه باسم (البهاء)، و الذي [ صفحه 50] يعالج الآن ما أعده الله له جزاء ما كسبت يداه علي أن الجهل المتشجر المفرع المفرخ في قلب العجوز (أبي‌الفضل) لم يتركه يستقيم بدعواه المفتراة علي نهج واحد في تصويره (البهاء) فقد يعرك قريحته المعطلة، و يبني من الخيالات مقدمات فاسدة، يزعم أنها تنتج (ألوهية) ربه (العاجز). و قد يجهد نفسه و يشج رأسه فيرتب قضايا و همية يظن أنها تثبت نبوة ذلك الرب الميت المقبور و قبل أن أخوض غمار البحث أقص علي القاري‌ء ما وصل الي علمي من الأغراض التي كانت دعائم دين البابية. و جملة ما وقفت عليه مأخوذا من مصادره الوثيقة معززا بالبراهين القاطعة أن زعماء هذا الدين طلاب سلطان، و رواد نفوذ، ينكرون الآخرة، و يجحدون البعث، و يعتقدون أن هذه الحياة الدنيا هي الدار التي يسكنها الانسان حتي اذا فارقها صار الي عدم محض لا وجود بعده فدعاة البابية يتفقون مع الطبيعيين الملحدين في أصل الاعتقاد و يفارقونهم في سبيل الدعوة اليه. لأن أولئك يبثون الحادهم رجاء تقويض الديانات فقط، و هؤلاء يدعون الي غيهم رجاء التسلط علي الشعوب باسم الزعامة الدينية. و والله ان الطبيعيين لخير من البابيين الغاشين أراد العجوز أبوالفضل أن يثبت الألوهية (للبهاء) فادعي ما لم يقله مجنون من أن البشارات الواردة في الكتب السماوية من لدن آدم أولا الأنبياء الي خاتمهم محمد صلي الله عليه و سلم تؤيد أن البهاء هو الرب القادر. و أن يوم القيامة، و يوم الحسرة، و يوم التلاق، و يوم الرب، و يوم الملكوت، و الساعة، الواردات في الكتب المنزلة، هي يوم ظهور البهاء من عكاء [ صفحه 51] و بذلك قد حمل تلك الآيات الشريفة علي غير المراد منها قطعا ليتخذها دليلا علي أن الكتب السماوية ناطقة بربوبية الهه. و نحن أولا نصرح علي رؤوس الاشهاد بأن حمل الآيات علي تلك المحامل صريح في اثبات ما أسلفناه من الحاد أولئك الجهلة، و انكارهم الآخرة، و ما فيها من بعث و حساب، و ثواب و عقاب. و من البديهي أنه اذا أريد بيوم القيامة، و يوم الحسرة، الخ، يوم ظهور البهاء - و قد ظهر و قبر - لذهبت دلالة كتب الله علي أن هنالك يوما عظيما رهيبا، يسفر فجره حيث يتبدد ظلام الحياة الأولي، و أن كل انسان ينال في ذلك اليوم قسطه من الجزاء الأوفي. و ثانيا نقول: ان المقرر عند العلماء أن السنة تفصل الآيات الجملة، و القرآن يفصل بعضه بعضا، فاذا قالوا: ان المراد بيوم القيامة يوم ظهور الطاغية الداعي لغير طريق الله، سألناهم كيف يتفق ذلك مع قوله تعالي في وصف مجي‌ء الساعة: (فاذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه، و أمه و أبيه، و صاحبته و بنيه، لكل امري‌ء منهم يومئذ شأن يغنيه)؟ نعم. نسألهم هذا السؤال فلا يحيرون جوابا، لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا: ان هذه الصاخة هي اليوم الذي يحملون عليه يوم القيامة، اذ أن البهاء ظهر و الناس متفقون، و الآباء متحدون، و الأزواج مؤتلفون، و الاخوة متحابون قد يركبون طريق المغالطة، أو المماحكة، فيدعون أن فرار الأقربين من بعضهم حاصل، و أن دعوتهم الدينية كفيلة بتأليف أولئك المتنافرين، ثم يبنون علي هذا الزعم الفاسد أن الآية الشريفة تدل لهم لا لنا نعم. اذا حدثتهم أنفسهم يرد الاستدلال علينا، قطعنا ألسنتهم [ صفحه 52] بغيرها من الآي البواهر. قال تعالي: (و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه سبحانه و تعالي عما يشركون، و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض الا من شاء الله ثم نفخ فيه أخري فاذا هم قيام ينظرون، و أشرقت الأرض بنور ربها و وضع الكتاب و جي‌ء بالنبيين و الشهداء و قضي بينهم بالحق و هم لا يظلمون، و وفيت كل نفس ما عملت و هو أعلم بما يفعلون، و سيق الذين كفروا الي جهنم زمرا حتي اذا جاءوها فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلي و لكن حقت كلمة العذاب علي الكافرين، قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوي المتكبرين، و سيق الذين اتقوا ربهم الي الجنة زمرا حتي اذا جاءوها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) قال الله تعالي في أول هذه الآيات الشريفة: (و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه) فجعل يوم القيامة ظرفا لطي السماء و الأرض، و للنفخ في الصور، و صعق الكائن الحي، و للقضاء بين العالمين بما هو مسطور في كتبهم، و ما يشهد به النبيون عليهم، و لتوفية كل نفس مالها من ثواب أو عقاب، و سوق الكافرين الي النار، و المؤمنين الي الجنة و قد دلت السنة الثابتة، و الآيات الكريمة، علي أن هذه الأخبار الصادقة حقائق لا تختلف مفاهيمها التي أبانها الرسول عليه الصلاة و السلام. و لم يبق طريق ينفذ منها لاشك الي نفس البصير في أن الآخرة، أو القيامة، هي تلك الدار الثانية التي يتقدمها انفطار [ صفحه 53] السماء، و نسف الجبال، و تسجير البحار، و تكوير الشمس، و انتثار الكواكب، و تبديل الارض غير الأرض فأين هي أشراط الساعة يا من طبع الله علي قلوبهم؟؟... انا لنري الدنيا علي حالها، و نري السماء في نظامها، و الأرض في بساطها، و الشمس تجري الي مستقرها. أين هو النفخ في الصور، و صعق الكائنات؟ و أين هو الحساب المحتوم، و القضاء العادل؟ و أين النار التي تساقون اليها، و الجنة التي ندخلها؟؟... ألم يجعل الله يوم القيامة ظرفا لتلك الحقائق؟ ألم يقل الله تعالي: (و يوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوي للمتكبرين)؟ فأين هو سواد العذاب الذي يجلل وجوهكم؟ و أين مثواكم في جهنم الذي أعد الله لكم؟؟.. سيحرفون الكلم عن مواضعه، و يصرفون الألفاظ الي غير معانيها الوضعية، و يدعون من فساد التأويل، مالا يحتمله التنزيل. يزعم العجوز أبوالفضل ان رسل الله من عهد آدم حتي محمد بن عبدالله جاءوا بشرائعهم يمهدون بها في نفوس الناس سبيلا تسلكها أباطيل ربه البهاء حين ظهوره، و يكذب علي الله بأن الكتب السماوية جمعاء لم تكن لتبين للناس ما يحتاجونه من توفير سعادة الدارين، بادعائه أن للتعاليم الشرعية مفاهيم غامضة لا تدركها العقول لقصرها، و لا تقوي علي تفهمها البصائر لقصورها. و يستدل علي هذه الدعوي الفاسدة بقوله تعالي: (و ما يعلم تأويله الا الله) و هو يرمي بذلك لغاية تؤدي الي تأليه البهاء، اذ يستخلص من القول بأن مدلولات التنزيل غير ما تدل عليه ظواهره، و من عجز البشر عن ادراك تلك المدلولات - أن الرب الذي قضي علي الناس [ صفحه 54] بتعجيزهم، هو الذي ظهر في عكاء و جعل يبين لهم ما أراد مما أوحاه الي رسله من قبل و قد جهل هذا العجوز الجهل كله، و ضرب في قفار البهتان هائما علي وجه الأغبر، اذ نسب العبث و الظلم للاله الحكيم العادل، و أنكر علي الشعوب الانسانية استعدادها و أهليتها لفهم لغاها. و الله تعالي أرسل الرسل لئلا تكون للناس عليه الحجة، فدعا كل رسول الي شريعته، مبينا ما تضمنته من التكاليف التي لا تخرج عن الانابة للخالق بتوحيده و عبادته، و الأخذ بما أرمهم به في معاملاتهم الدنيوية فلو أنه تعالي يريد للناس غير ما يفقهون من كتبه و آياته، لما كان لتلك التكاليف معني، و لكان تكليفهم بها عبثا محضا. و اذا قيل: ان هذه ارادته. قلنا: كيف يريد الله ظاهرا غير ما يريد حقيقة؟ و كيف يثيب المؤمنين و يعذب الكافرين من الأمم الماضية لئتمارهم أو مخالفتهم ظواهر ليست من مقصوده في تشريعه؟ أفلا تقوم للناس عليه الحجة اذ ذاك؟ و هلا ينسب اليه الظلم بتعذيب من يعذبهم بعصيانهم أمورا لا يريدها في الواقع و نفس الأمر؟؟.. ثم ان المعروف المقرر أن كل رسول يبعثه الله بلسان أمته، فاذا نظرنا مثلا الي الرسول محمد صلوات الله عليه و علي آله لوجدناه قد أوحي اليه القرآن بلغة العرب، و نزل كتابه أيام كانت الأمة العربية بالغة أشدها، لا تخفي عليها خافية في معرفة المسميات الوضعية التي تدل عليها مفردات اللسان العربي، و قد تحدي الرسول بالقرآن، و طلب الي المعاندين من أهل العربية أن يأتوا بمثله، أو بمثل سورة منه، فكانت نهايتهم العجز. قال تعالي: (قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا) [ صفحه 55] و من المعقول أن التحدي بالمعجز لا يتم الا اذا كان الطرف المنكر علي استعداد لادراك المتحدي به حقيقة في الحقائق، و مجازا في المجاز و ما يتبعه. و اذا علمنا أن القرآن عربي مبين، و أن الأمة العربية هي التي يرجع اليها دون سواها في فهم لسانها - ثبت فساد مادعاه العجوز أبوالفضل: من أن الأمم كانت قاصرة عن ادراك حقائق الكتب المنزلة. و الا للزم العبث بالتحدي، و عدم أهلية الشعوب الانسانية الي فهم لغاها. و اللازم باطل، فيبطل الملزوم. أما استدلال العجوز علي صدق افترائه بقول الله تعالي: (و ما يعلم تأويله الا الله) فهو من فساد عقله، و ظلمة قلبه. و ليس في المسلمين من يجهل أن الآية الكريمة خاصة بالمتشابه من القرآن الذي يوهم ظاهره غير المراد منه، كقوله تعالي: (يدالله فوق أيدهم) فانه يوهم بظاهره حمل اليد علي العضو المعروف. و قوله تعالي: (و يبقي وجه ربك) فانه يوهم ظاهرا أن لله وجها كوجوه الناس. الي غير ذلك من الآيات المتشابهة. و مذهب السلف و الخلف في التسليم و التأويل بما يليق بمقام الألوهية مشهور، فلا داعية للاطناب بذكره و نحن نقول: ان المسئلة لا تحتاج الي تأويل و لا تسليم في مثل هذه الآيات، فان الواقف علي أسرار اللغة العربية يجد في أساليبها، و من ضروب بلاغتها، ما يساعده علي فهم المراد من اليد و الوجه في الآيتين الكريمتين. فقد نطق العرب باليد نصا في النعمة، و القدرة، و القوة، قال شاعرهم: و حملت زفرات الضحي فأطقتها و مالي بزفرات العشي يدان و نطقوا بالوجه صريحا في الذات. و حينئذ فالذي نفهمه من قوله تعالي: (يدالله فوق أيديهم) هو الذي نفهمه من قول العرب: يد فلان علي [ صفحه 56] فلان في النعمة و القدرة و القوة. و الذي نفهمه من قوله تعالي: (و يبقي وجه ربك) هو الذي نفهمه من قولهم: «طلع علينا وجه فلان» و قولهم: «هذا وجه الرأي» أي هو الرأي نفسه. و بهذا يكون المعني في الآية (و يبقي وجه ربك)أي تبقي ذات الله القاهر و الذي يضحك الأطفال من أمر هذا العجوز المفتون ادعاؤه أن عيسي عليه‌السلام بشر بربه البهاء في قوله: «اني ذاهب الي أبي و أبيكم ليبعث لكم الفارقليط الذي ينبئكم بالتأويل». و قوله: «ان الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي يعلمكم كل شي‌ء». و مع أنه نقل هاتين الآيتين. بتحريف نصمها عما في الانجيل، فقد ادعي زورا و بهتانا أن الفارقليط البهاء، و لم يخجل أو يستحي من جماعة المسلمين الذين أقاموا الحجة علي النصاري باثبات أن الفارقليط هو سيد الخلق محمد صلي الله عليه و سلم، كما يشهد بذلك الواقفون علي أسرار اللغات الذين حققوا أن كلمة الفارقليط أن البارقليط كلمة تطلق في اللغة اليونانية علي ما تطلق عليه كلمة محمد في اللغة العربية [4] . يكذب العجوز أبوالفضل، و يتعمد تفسير الآيات بما توسوس له نفسه، و يغويه شيطانه، فيقول: «ان آية (و استمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) تدل علي ساعة ظهور به البهاء». و يظن هذا الجهول أن العقلاء يصدقونه في حمل يوم الخروج في الآية علي خروج ذلك الشيطان المريد. غير أننا نقضي علي دعواه بما أعقب هذه الآية من قوله تعالي. (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير) فيوم الخروج هو يوم تشقق الأرض عن العالمين، و قيامهم من [ صفحه 57] الأجداث وسوقهم الي الحشر، لا يوم خروج الرجس من أرض عكاء علي أن ضلالة البهاء لم تظهر لأول مرة من عكاء، و لكنها قامت علي ضلالة الباب في البلاد الفارسية، حتي اذا أعملت حكومة الشاه السيف في أعناقهم، و ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، خرج البهاء منفيا الي بغداد في نفر من آل بيته، و انضموا للفارين الي هناك، مشيرين بذلك الي العجز الفاضح، و الضعف المتناهي. ثم ان الدولة العلية اعتقلت البهاء في عكاء، و ما زال بها حتي خرجت شعلة روحه، و اضطرمت جذوة آخرته باطفاء حياته، فخلفه ابنه عباس، و هو عندهم الرسول، أو الرب الجديد أولئك قوم يدعون الي النار، و يفتنون بني آدم بما يزينون لهم من متاع الدنيا، حتي اذا آنسوا الايمان في قلب من يدعونه اليهم أعرضوا عنه حينا، ثم اختلفوا اليه من باب آخر. (و اذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و اذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون) ذكرنا في مقدمة المقال أن دعاة البابية ملحدون، و نذكر هنا أنهم لم يستحدثوا من عند أنفسهم شيئا جديدا، و لكنهم نبشوا ما قبرته الأيام من ضلالات (الاسماعيلية) الذين ظهروا كما ظهر هؤلاء في بلاد فارس، ثم أخذوا يبثونها في الناس. غير أن أولئك كانوا يدعون الي اسماعيل بن جعفر الصادق، ثم الي محمد بن اسماعيل هذا، ثم الي عبدالله بن ميمون، و هو رجل من فارس كان دهريا كالباب و البهاء و ابنه عباس، و كان يطمع في تأسيس ملك له و لذريته و كما يطمع هؤلاء الآن. و البابية يدعون الي من ذكرنا، و الدعوة واحدة، و الاعتقاد واحد، و الغاية متفقة. و اليك نموذجا من دعوة الاسماعيلية [ صفحه 58] في الأزمان السابقة و هي دعوة البابية الآن: كانت فرقة الاسماعيلية تدعو لاعتقاد أن الناس قد ضلوا بتقليد الأئمة، و يقولون: ان الذي يقلد هو الامام المعصوم، و كذلك دعوة البابية اليوم. و كانت تدعو لاعتقاد أن الوحي لم ينقطع بعد محمد، بل انه مستمر بتوالي الأجيال، و كذلك تدعو البابية الآن. و كانت تدعو للقول بأن شريعة القرآن ستنسخ، و كذلك تدعو البابية. و كانت تدعي في الدرجة الأخيرة من دعوتها: أن خالق الخلق هو الامام المعصوم، و كذلك يدعي البابيون البهائيون في ذات البهاء. و بعد: فجملة القول أن هذه الفئة الضالة المضلة لا تريد بالعالم الا شرا، و لا تسوق من ينساقون بيدها الا الي الشقاء الدائم، و البلاء العظيم هذا ما يسره الله من تسديد السهم الي نحر العجوز أبي‌الفضل، و اعمال قواضب الحق في غلاصم عباس النبي الكاذب، ابن الاله العاجز، الذي لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا. و اني علي بينة من أن جهالة هؤلاء الغوغاء ستحول بينهم و بين الاقتناع بما أحققت، و لكنها لا تحول بين قلوبهم و بين نفاذ هذا السهم اليها، و هو سهم صائب ان شاء الله و اذا البينات لم تجد شيئا فالتماس الهدي بهن عناء رب ان الهدي هداك و آيا تلك نور تهدي بها من تشاء انتهي سهم الأديب الهياوي، و هو صائب قلوب هذه الشيعة، و ممزقها ان شاء الله [ صفحه 59]

تحقيق كلمة الفارقليط أو البارقليط

جاء في الصفحة الثامنة و الثلاثين الي الثالثة و الأربعين من كتاب (السيوف البتارة) لمؤلفه المحقق المدقق محمد افندي حبيب [5] معلم اللغة الانجليزية و العبرانية و صاحب مكتبة (برج بابل) ما نصه: ان الحكيم جلت قدرته لما أرسل الرسل تفضلا منه و رحمة، اقتضت حكمته سبحانه أن يضع للجنس البشري أحكاما تلائم نمو عقله تدريجا علي حسب الزمان و التهيؤ و الاستعداد، فكانت شريعة آدم عليه‌السلام أبسط الشرائع و أقلها اتساعا لمجيئها في زمن طفولية النوع البشري. ثم أخذ ينمو في زمن نوح و غيره الي زمن ابراهيم عليه الصلاة و السلام، فاتسعت مداركه شيئا فشيئا، و شب شبابا حسنا، حتي جاءت شريعة موسي في ابان شبيبته، و توفر قريحته، فكانت أوسع من سابقاتها لملاءمة عصرها التقدمي. ثم جاءت شريعة عيسي صلي الله عليه و سلم، في آخر أمر بني‌اسرائيل. و كل هذه الشرائع لم تغير شيئا مما قبلها من الأصول: كتوحيد الخالق [6] ، و الاعتراف بصفاته الكمالية، و تنزهه عن النقائص، و الجنة، و النار، [ صفحه 60] و اليوم الآخر، و الحساب، و ايجاب الصلاة و الصوم، و تحريم الزني، و قتل النفس بغير حق، و السرقة، الي غير ذلك مما هو مسطور في جميع الشرائع الالهية، و انما كان تغيير بعض الفروع بالنسخ لحاجة الزمان و المكان، و استعداد القوي الباطنية. و لما لم يكن عيسي عليه‌السلام آخر رسول، لم يبلغ الناس الا ما يحتاجونه في ذلك الوقت، و أخبر عليه صلوات الله و تسليماته: أن بقية ما يحتاجه النوع البشري من الارشاد، و كشف الحقائق، و الحكم و الاحكام، سيظهر علي يد رسول غيره اسمه پيركلطس (البارقليط) و هذا اللفظ باليوناني معناه محمد. و ذلك ينطبق كل الانطباق علي قوله تعالي في سورة الأعراف: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوارة و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) و قد صرح بذلك السيد المسيح غير مرة للحواريين رضي الله عنهم و أرضاهم. منها قوله في العدد السابع من الاصحاح السادس عشر من انجيل يوحنا: «لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن أنطلق لأنه ان لم أنطلق لا يأتيكم پيركلطس و لكن ان ذهبت أرسله اليكم... ان لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم و لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن و أما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الي جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به و يخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني لأنه يأخذ ممالي و يخبركم). فظهر من قول السيد المسيح نفسه حسب ما جاء في الانجيل المسمي بانجيل يوحنا، أنه لم يخبر بكافة الحقائق لعدم استعداد البشر لها في ذاك الوقت، انما [ صفحه 61] لم يقل ان الذي يجي‌ء بعده يغير شيئا من الاصول التي منها: أن الله واحد، و أن عيسي عبدالله و رسوله. بل قال: انه يمجدني، و يأخذ مما هولي، و يخبركم. فجاءت شريعة سيدنا و مولانا محمد رسول الله مصدقة لصحف ابراهيم و موسي و التوراة و الزبور و الانجيل [7] و زادت من الاحكام و الحكم و الارشاد و الحدود و العبادات ما كان مخبوءا عن بني الانسان في الأزمان الأولي لوصولهم وقت بعثة محمد [ صفحه 62] عليه‌الصلاة و السلام الي نهاية سلم الكمال العقلي و الاستعداد الفطري. و مما يؤيد ذلك أطوار المعجزة الدالة علي صدق الأنبياء، و وجودها ملائمة في كل زمان لدرجة عقول من احتاجوا اليها من الأمم. فلما كان السحر آخذا مأخذه في قوم موسي، و غالبا عليهم، جاءت معجزاته صلي الله عليه و سلم ناحية هذا المنحي، لاعجاز السحرة في ذاك الوقت. و لما كانت الطبيعيات و الفلسفة حين مبعث عيسي عليه‌السلام متمكنة من العقول بتأثير أفكار الرومان و اليونان اذ ذاك علي اليهود، جاءت معجزاته خارقة لنواميس الطبيعة، داحضة للشبهات السفسطية، و الخزعبلات الخيالية. و حينما بلغت العقول حد النهاية في الاستنارة، و وقفت علي حقائق الأمور، و اتسعت المدارك الي غاية ليس بعدها غاية وقت ارسال سيد الخلق، و ختم النبيين، محمد صلي الله عليه و سلم - لم يكن يتمكن في أذهان البشر حينئذ الا البلاغات العالية، و أساليب البراعة، و جوامع الكلم، و نوابغ الحكم. فجاءت معجزاته صلي الله عليه و سلم و خصوصا القرآن الكريم من هذه الجهة البلاغية، فأعي الفصحاء، و أخرس الخطباء، و سجدت لوجوه اعجازه فطاحل الشعراء، حتي لم يتجرأ أحد علي مجاراته فضلا عن معارضته. هذا مع بلوغهم في الفصاحة مبلغا لم يسبقوا اليه، و لن يلحقوا فيه، و تهالكهم و حرصهم علي مقاومته و محاربته بما وصل اليه وسعهم من القوي و الاستعداد [8] و مما يشهد [ صفحه 63] لأصحابه صلي الله عليه و سلم بسمو مكانتهم العقلية، ما أظهروه بعدئذ من سياسة الملك، و تنسيق الجنود، و فتح البلاد، و نشر لواء الأمن و حفظ الشريعة، و غير ذلك مما أدهش المؤرخين الباحثين المدققين أما غيرهم من أصحاب باقي الرسل فلم تظهر لهم بعد رسلهم نتائج كبيرة شاهدة لهم بعلو المدارك. فيؤخذ مما تقدم، و مما يمكن لكل مدقق أن يستنتجه من غير تردد: أولا - ان الرسل جاءت اثر بعضها بشرائع غير متناقضة أصولا لكونهم مبلغين عن اله واحد. أما الخلاف في بعض فروع الشرائع فانه لازم بسبب تغير النوع البشري و ترقيه التدريجي ثانيا - ان المتأخر من الشرائع أوسع من المتقدم، و ان مجي‌ء [ صفحه 64] آخر رسول لا يكون الا في زمن وصول العقول و الأخلاق الي حد الكمال. و هذا من معاني قول رسول الله صلي الله عليه و سلم: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». و يلزم من هذا أن تكون شريعته عامة رحمة للكل حتي لا تبقي أمة غير متمتعة بحقوق هذه الشريعة الكاملة، و أن تكون باقية ما بقي الليل و النهار، و الا ضل بنو آدم في آخر الأزمان، و انقطعت العبادة لو قيل بنسخ الشريعة الأخيرة فظهر أن ارسال آخر رسول يكون في وقت تمام سمو المدارك، و بلوغ العقول الي آخر نقطة كمالية. و يجب أن يبقي شرعه حتي آخر لحظة من رمق الدنيا، ناسخا لما قبله من الشرائع، للاستغناء عنها بهذا الشرع الجامع الصالح لكل زمان و مكان بقواعده العامة المندرج فيها ما كان و ما يكون من الأحكام حتي قيام الساعة. أما لو كان الأمر علي خلاف ذلك، و انفرد بعض الأمم بشرائع خصوصية، لكانت من جهة غير ملائمة لزمن الشريعة الأخيرة الكاملة، و من جهة يلزم التفريق بين الشعوب بسبب اختلاف الشرائع في عصر واحد، و استلزم أن الشارع أمر بالبغضاء و الشقاق، و هذا محال. و من البديهي أن هذه الشريعة الأخيرة لا تبقي الا اذا بقي كتابها سالما من التحريف، مصونا عن التبديل. و لذلك تكفل الله سبحانه بحفظه فقال: (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) فحفظ كما نزل حتي يومنا هذا، فضلا عن كون الأمة التي أوصلته لباقي الأمم أمية. أما الكتب السماوية الأخري فانها بدلت و غيرت مع كون القراءة و الكتابة غالبة في أمم أصحابها خصوصا أمة عيسي عليه‌السلام. و لا غرابة في هذا فان شرائعهم آيل أمرها الي النسخ لكون رسلهم لم يكونوا آخر من أرسل لبني الانسان [ صفحه 65] و قال في الصفحة الثانية و الستين و التي تليها ما نصه: «و لذلك ثبت عدم صحة الترجمة (يعني ترجمة الأناجيل) في عدة مواضع مهمة، منها: أنهم ترجموا اسم النبي الذي يجي‌ء بعد عيسي، المعنون عنه في التوراة باسم حمدوت، بلفظ باركلطس الذي معناه المعزي، أي مطمن القلوب، مع أن الترجمة الحقيقية هي پيركلطس. و هذا اللفظ يؤدي وحده معني حمدوت العبراني، و محمد المذكور في انجيل برنابا، و أحمد المذكور في قوله تعالي: (و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). لأن المعروف بداهة، المسلم من غير نزاع، أن السيد المسيح نطق بلفظ حمدوت العبري، لا بلفظ يوناني، اذ لغته و لغة الحواريين لم يتكن الا العبرانية. فمنشأ هذا الخلط الذي أدي الي عدم اطمئنان قلوب ما عدا المسلمين، هو حرف واحد أتي به مترجم غير معصوم (راجع كتاب اظهار الحق الجزء الثاني وجه 561). هذا و اذا كان مترجموها الأصليون كمترجميها الي العربية في عدم التضلع من اللغة لكفي ذلك دليلا علي التساهل في أمرها، لأن النسخ المترجمة الي العربي المتداولة الآن لو وضعت بازاء بعض الروايات (كألف ليلة و ليلة مثلا) لكانت من جهة الأسلوب و الذوق دونها بمراحل» و قال في الصفحة الحادية عشرة الي الثالثة عشرة من رسالة له تسمي (مصادر المسيحية و أصول النصرانية) مانصه:و من الغرائب الجديدة أن أحد العلماء الانجليز المدعو Ednin Johnson ادون جنسن كتب كتابا كبيرا اسمه The Rise of Christiandom (نشأة الديانة المسيحية) زعم فيه أن الأناجيل مأخوذة من الديانة الاسلامية، لأنه لما وجد أن علماء أوربا يختلفون في صحة كل كلمة من التوراة و الانجيل من جهة النقل قام بمذهب جديد هو: أن [ صفحه 66] الأناجيل ملئت بالأفكار الاسلامية، و نقل اليها كثير من الأشياء التي في القرآن، و من ضمنها الكلام علي محمد صلي الله عليه و سلم فصار النزاع بينه و بين المسلمين أنه يقول: ان هذه الكلمة (يعني پيركلطس) دخلت في الانجيل بعد القرآن. و المسلمون يقولون: انها كانت في الانجيل الأصلي طبقا للآية (و اذ قال عيسي بن مريم للحواريين يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). و هذا العالم الانجليزي يقول: ان دين اليهود كان تقريبا تلاشي قبل ظهور الاسلام، و دين النصاري كان منه مبادي‌ء طفيفة في وسط الممالك الأوربية حتي كأنه قطعة سكر في البحر الملح. فلما ظهر الاسلام قوي اليهود قوة كبيرة، و صار علماؤهم يكتبون باللغة العربية، و اكتسبوا أمورا كثيرة من الاسلام حتي أحيوا دينهم بواسطة العلوم الاسلامية، لأن مبادي‌ء الأديان الحقة الثلاثة كلها واحد، و صاروا سببا في نشر الأفكار الاسلامية في أوربا بصبغة اسرائيلية. فلما حصل التمهيد بواسطة اليهود، قامت الرهبان لتقوية النصرانية، و أدخلوا في الانجيل أشياء كثيرة اسلامية أخذت من الاسلام حتي في السياسة. فمنها: أن صار البابا مثل الخليفة عند المسلمين في كيفية انتخابه. و كثير من مسائل أخري أخذت من الاسلام. و نقول: ان هؤلاء الرهبان كانوا في ايطاليا الجنوبية و الوسطي، و بالأخص في دبر (مونتوكاسينو Monte Cassino الذي سماه أهل الذكر من علماء أوربا بطور سيناء المسيحية الجديدة اذ ظهر فيه الوحي الباباوي - علي ما يزعمون -). هذا الدير قريب من روما. فهؤلاء الرهبان علي رأيه كان حواليهم مستعمرات اسلامية تحتاط بهم مساجدها من كل جهة. فعلي زعم هذا الكاتب [ صفحه 67] أخذ رهبان ايطاليا و خصوصا رهبان دير (مونتوكاسينو) كثيرا من القرآن، و حشوا انجيلهم بكثير من المبادي‌ء الاسلامية. و هذا الرجل ينبه الأوربيين الي أن دينهم مأخوذ من أصلين: أصل روماني قديم، و أصل اسلامي. أما الأصل الروماني فمنه أن للاله ابنا هو عبارة عن رملس بن ريا سليفيا ابنة أحد الأمراء. و ريا هذه نذرت العفة و انخرطت في سلك العذاري المقيمات في هيكل الالهة (فستا) و عبادتها، و لم يعرفها رجل علقي زعمهم. و لما كانت في الهيكل جاءها معبودهم مارس (المريخ) اله الحرب، فحبلت منه، و ولدت رملس مؤسس المملكة الرومانية. و قد ثبتت هذه الفكرة عند الرومانيين مدة تقرب من ألف سنة، و انتشرت في جميع الأمم التي خضعت للرومان. فلما دخل سكان المملكة الرومانية في الديانة المسيحية، و علموا أن المسيح نشأ من العذراء بكيفية اعجازية، استسهلوا أن يضاهوه برملس، فجعلوه ابن الاله. أما المسائل الاسلامية التي في الانجيل علي رأي هذا الكاتب فهي كثيرة من ضمنها البيركلطس فانهم علي فكره لا يمكنهم أن ينكروا أن لفظ بيركلطس معناه محمد و أنهم أدخلوا هذه الكلمة في الأناجيل جهلا منهم. و قد تكلم في هذا الموضوع في الصفحة 233 من هذا الكتاب المطبوع في مطبعة (كيجن پول و شركائه الكتبية في لندن)Kegan Paul و قال الشيخ الامام أبوالفضل المالكي المسعودي تغمده الله برحمته في الصفحة 146 الي الصفحة 148 من كتابه (المنتخب الجليل، من تخجيل من حرف الانجيل) تحت عنوان (فصل في البارقليط) ما نصه قال يوحنا الانجيلي في الفصل الخامس عشر من انجيله: «قال يسوع ان الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي يعلمكم كل شي‌ء [ صفحه 68] و قال يوحنا التلميذ: «قال يسوع لتلاميذه ان كنتم تخبوني فاحفظوا وصاياي و أنا أطلب من الآب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم الي الأبد روح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لأنهم لم يعرفوه و لست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم عن قريب». و قال يوحنا أيضا: «قال المسيح من يحبني يحفظ كلمتي و أبي يحبه و اليه يأتي و عنده يتخذ المنزلة كلمتكم بهذا لأني عندكم مقيم و الفارقليط روح القدس الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شي‌ء و هو يذكر كم كل ما قلت لكم أستودعكم سلامي لا تقلق قلوبكم و لا تجزع فاني منطلق و عائد اليكم لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمضي الي الآب فان أنتم ثبتم في و ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون و بهذا يمجد أبي». و قال يوحنا أيضا في الفصل السادس عشر من انجيله: «قال المسيح ان خيرا لكم أن أنطلق لأني ان لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فاذا انطلقت أرسلته اليكم فاذا جاء فهو يوبخ العالم علي الخطيئة و ان لي كلاما كثيرا أريد أقوله لكم و لكنكم لا تستيطعون حمله لكن اذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم الي جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع و يخبركم بكل ما يأتي و يعرفكم جميع ما للآب». فانظر أرشدك الله الي هذه الجمل، و ما فيها من الفارقليط الذي هو روح الحق، و تارة روح القدس المعلم كل شي‌ء، و هو محمد رسول الله لأن النصاري اختلفوا في تفسيرها علي أقوال: فقيل انه الحماد، و قيل الحامد، و قيل المخلص. فان فرعنا عليه فهو مخلص الأمم من العذاب، و من الكفر و المعاصي [9] و قال المسيح: «اني لم آت لا دين [ صفحه 69] العالم بل لأخلص العالم فالله يرسل مخلصا آخر» فهو قد ذكره بلفظ المضارع. و قال: «فارقليطا آخر يثبت معكم الي الأبد». فشريعته باقية الي الأبد، و ليس ذلك سوي نبينا صلي الله عليه و سلم. ان كان علي حماد و حامد، فذلك اشتقاق اسمه عليه الصلاة و السلام [10] فالنصاري اما أن يعترفوا به عليه‌السلام، و اما أن يقولوا: ان المسيح أخلف وعده، و تركهم أيتاما بغير نبي، و لم يأتهم عن قريب. و بعض النصاري يزعمون أن الفارقليط اشارة الي ألسن نارية نزلت من السماء علي التلاميذ ففعلوا الآيات و العجائب. و ذلك خلاف ما أخبر به المسيح،لأنه يقول: «فارقليطا آخر» و ذلك فيه اشارة الي أول تقدم لهم، و الألسن لم يتقدم مجيئها، ثم ذلك كذب من قائله، لأن التلاميذ امتهنوا، و قتلوا تقتيلا، و عذبوا بأنواع العذاب، فما أيدتهم نار نزلت، و لا نجتهم آية ظهرت. فقد وضح أن الموعود به علي لسان المسيح، هو سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه و سلم، و هو الذي لم يطق العالم أن يقبلوه، لأنهم لم يعرفوه، لما يغلب عليهم من عبادة الأصنام و تعظيم الصلبان، و تسجير النيران، و علي ذلك تألفت قلوبهم. فلذلك لم يقبلوه، لأنهم لم يعرفوه، و قد أتي لهم بما لا يألفونه، (و تراهم ينظرون اليك و هم لا يبصرون). و في الحقيقة ما آمن به الا من رآه فأشهده الله من نبوته ما هدي به قلبه اليه و أما من لم يره، لم يؤمن به، لأنه لم يعرفه، و أتي له بما لم يألفه. [ صفحه 70] و قوله: «فان أنتم ثبتم في و ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون و بهذا يمجد أبي». فأخبرهم أنهم ان ثبتوا علي ما أمرهم في تعظيم هذا المخلص الثاني، و التزام أوامره و نواهيه، و الحث علي اتباعه، كان لهم ما أرادوا. و نظيره (و لو أن أهل الكتاب آمنوا و اتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم و لأدخلناهم جنات النعيم و لو أنهم أقاموا التوراة و الانجيل و ما أنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم). و ذلك مما يدفع الشكوك عن أمته في مجي‌ء المخلص لهم بعده، و هو محمد صلي الله عليه و سلم، و عن ضعفاء اليقين من هذه الأمة، لأنه اذا اتصل بهم شهادة الانبياء قبله به، و بنبوته و رسالته الي سائر الأمم، قوي يقينهم، و ثبت دينهم. و أما من لم يؤثر عنده شهادة المسيح، و لم يقابل بشراه بعقل ذكي و فهم صحيح، فهم المرادون بقول الكتاب العزيز: (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار)، و قد قال بطرس صاحب المسيح: «لقد كان خيرا لهم ألا يعرفوا طريق الحق من أن يعرفوه ثم ينصرفوا الي خلافه». و قوله: «اذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم الي جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده» هو كقوله تعالي: (و ما ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي). و قوله: «انه يوبخ العالم علي الخطيئة» فيوبخ المجوس علي عبادة النار، و اليهود علي عبادة العزير، و النصاري علي عبادة الثالوث، و الصابئة علي عبادة الكواكب، و الكفار علي عبادة الأوثان. و قوله: «هو المخبر بكل ما يأتي» فقد أخبرنا بأشراط الساعة، و ما يأتي من أسبابها، و ما يأتي من الفتح المبين، علي يد أمته المؤمنين [11] قال البوصيري: [ صفحه 71] بينته توراتكم و الأناجيل بل و هم في جحوده شركاء ان يقولوا بينته فما زا لت بها عن قلوبهم عشواء من هو الفارقليط و المنحمنا ء و بالحق تشهد الخصماء أخبرتكم جبال فاران عنه مثل ما أخبرتكمو سيناء و أتاكم من المهيمن قد س و كم أخبرت به الأنبياء وصفت أرضه نبوة شعيا فاسمعوا ما يقوله شعياء أرض بدو عطشي جكت أرض لبنا ن لقد ناسب الرواة الرؤاء عرفوه و أنكروه و ظلما كتمته الشهادة الشهداء أو نور الا له تطفئه الأفل واه و هو الذي به يستضاء (قلت) - يتضح جليا من كل ما تقدم (أولا) ان البارقليط أو الفارقليط هو ذلك اللفظ اليوناني (بيركلطس) و معناه محمد (ثانيا) انه لا ينصرف بوجه من الوجوه الي البهاء كما يزعم هو و شيعته، [ صفحه 72] و لا الي المسيح أو روح القدس أو ألسنة النيران كما يزعم النصاري، بل ينصرف بكل المعاني الي رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم (ثالثا) تحريف كتب النصاري و مزاعم الفرنجة في مصادرها. (رابعا) ان محمدا صلي الله عليه و سلم خاتم الأنبياء و آخر المرسلين، و ان الحنيفية السهلة السمحة آخر ما ينزل علي بشر من السماء، و انها باقية الي الأبد، كافلة بمصالح الناس حتي قيام الساعة. (خامسا) ان دين البهاء ليس دينا قيما سماويا لمخالفته القرآن، و معارضته ما جاء به الرسل من توحيد الله تعالي،و تنزيهه عن العيوب و النقائص، و الايمان به وحده لا شريك له، و التصديق باليوم الآخر و ما فيه من ثواب و عقاب علي غير ذلك مما يقرره الوحي في كل زمان و مكان. فهو كذاب أشر، متقول علي الله، فمن آمن به، و صدق بكذبه، فمأواه معه في سقر، و بئس المستقر. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب)

كلمة البلاغ المصري

نشرها في العدد الصادر في 25 ذي الحجة سنة 1328 - 27 ديسمبر سنة 1910 و هي بقلم محمود افندي حمدي السخاوي السكندري قال تحت عنوان (هبة كريم): ما اكتفي حضرة عباس افندي البهائي رئيس الطائفة البهائية بما أسداه من المبرات لمدرسة رياض باشا برامل فكسا الفقراء و اليتامي [ صفحه 73] من تلاميذها كسوة الشتاء فباتوا بفضله و قد قرت عيونهم و اكتفوا شر البرد القارس، و تجملوا بها في عيد الأضحي المبارك. نعم لم يكتف بكل ذلك و لا بما أسداه لتلاميذ الملجأ العباسي حتي زار مدرسة النجاح الخيرية في الرمل أيضا لصاحبها و ناظرها حضرة الفاضل النشيط الشيخ محمد البرنوجي و منح ثلاثة من متقدمي تلاميذها ثلاثة جنبهات و ذلك لما أعجب به من فرط ذكائهم و نجاحهم مع صغر سنهم ثم منح مدرسي المدرسة اثني عشر جنيها تنشيطا لهم علي خدمة العلوم و المعارف سيقول البخلاء من أغنيائنا و هم سوادهم الأعظم بكل أسف شديد: ان الرجل وهب ما وهب لحاجة في نفسه يريد قضاءها و هي نشر مذهبه أو علي الأقل اجتذاب نفوس المصريين اليه و لم يقصد مطلقا أن تكون عطاياه محض المساعدة علي نشر العلوم علي أن مثل هذا القول حجة لنا عليهم لا لهم لأن حضراتهم و لا شك ميالون بكلياتهم الي احراز الفخر و نيل المجد و لكن عن طريق الغطرسة و التعالي علي أبناء الوطن بدون أهلية و التطلع الي تحلية صدورهم بالأوسمة و النياشين و تزيين أسمائهم بألقاب العزة و السعادة فأي الفريقين و الحالة هذه أهدي سبيلا؟ أذلك الرجل الذي يهب من ماله للمساعدة علي بث المعارف حتي في غير أبناء جلدته الناقمين عليه و علي مذهبه أم هؤلاء الوطنيون البعيدون عن الوطنية الحقة بعد الأرض عن السماء؟ لعمري ان الفرق واضح جلي لا يحتاج لبرهان و ليس يصح في الأذهان شي‌ء اذا احتاج النهار الي دليل و علي هذا فحضرة عباس افندي البهائي يجب أن يشكر و أن يثني عليه الثناء الجزيل بقطع النظر عما يدعو اليه و ذلك لقاء هباته المتوالية [ صفحه 74] علي العلم و نشره و تعضيد المعلمين و الثناء عليهم و احترامه لهم. اه ذلك قول امري‌ء يتراءي بالتقوي، و يتسر بل بسر بال الوطنية في كل محفل، و أني سار في منهج. نراه يرفع عقيرته داعيا الي الميل بالأفئدة الي ذلك المخاتل، مطفي‌ء نور الايمان، محارب الاسلام و الأديان الأخر، بما يذيعه من النداء بعبادة أبيه يزعم ذلك المتنطع المرائي أن عباسا هذا جذير بالثناء لأنه بذل شيئا من العطاء. و هو معترف بأنه لم يفعل ذلك الا احتيالا لنشر دينه، و معترف بأن دينه من الأباطيل. و لا ندري كيف سولت له نفسه أن يثني عليه و هو علي بينة من خداعه و رئائه فمثله مثل من يحمد الفاسق اذا استهوي الطاهرات من العذاري بما يجتذبهن به اليه من الهدايا و ساء ذلك مثلا. بل الفاسق يغوي من النساء خمسا أو عشرا و هذا يحاول أن يفسد علي العالمين عقائدهم. و يا بعد ما بينه و بين الفاسقين في المنزلة عند من يجعل للضالين مراتب. و لا ريب في أن من يجبه الي الناس قسيم له في الذي يدعو اليه، و أولئك هم الأخسرون أعمالا، و الله من ورائهم محيط

كلمة الاهرام

نشرتها في عدد يوم الخميس 18 محرم سنة 1329 - 19 يناير سنة 1911 تحت عنوان (عباس افندي رئيس البابية - شي‌ء عن أخلاقه و مذهبه) قالت: [ صفحه 75] لا يزال فضيلة عباس افندي رئيس البابيين موضوع التجلة و الاكرام في الاسكندرية، يزور و يزار من كبراء القوم و العلماء و الأعيان فيها. و قد وردت عليه في المدة الأخيرة رسائل من أتباعه الكثيرين في الولايات المتحدة، و بها يلتمسون منه أن يذهب الي تلك البلاد لزيارتهم، و أنهم يعدون له منزلا فحيما في نيويورك يليق بمقامه لينزل هو و حاشيته فيه. و لكن يظن أنه لا يجيب هذه الدعوة نظرا لبعد الديار و طول شقة السفر. و قد انتهت الينا رسالة من حضرة الأديب شكري افندي نصر الذي جاء مؤخرا من سوريا يصف فيها عباس افندي و قد عرفه في عكاء، و يشرح مذهبه «البابي» فآثرنا اثباتها فيما يلي: قال: «ان فضيلة عباس افندي زائرنا الكريم، هو من عائلة عريقة في الحسب و النسب في بلاد فارس، و هو ابن‌ساكن الجنان بهاء الله مؤسس البابية، و هو خليفة والده. أما أخلاقه و صفاته فهو مثال الرصانة و الشهامة، و عنوان اللطف و كرم الأخلاق، أبي‌النفس، محب للخير و المبرات، رقيق العواطف شريفها، يرأف بالفقير، و يواسي المسكين، و لا فرق عنده بين الأديان مهما تعددت. فالمسلم، و المسيحي، و اليهودي، و البرهمي، علي السواء لديه، ينظر الي جامعتهم الانسانية، لا الي مذاهبهم الخصوصية. و الغاية التي يرمي اليها فضيلته هي وحدة الأديان في العالم، و المساواة بين بني‌البشر، حبا بملاشاة الشرور المتأتية عن الاختلافات المذهبية، كما هو مشاهد في العالم بوجه عام، و الشرق بوجه خاص. و نظرا للغاية النبيلة التي ترمي اليها البابية قد انتشرت انتشارا عظيما، و امتدت الي جهات أوربا و أمريكا، حتي أصبح عدد البابيين الآن زهاء خمسة عشر مليونا ما بين ذكور [ صفحه 76] و اناث. و أكثرهم في نيويرك، و شيكاغو، و الهند، و بلاد فارس، و مصر، و سوريا، و لا تزال في امتداد و انتشار و لبهاء الله ضريح في عكاء يدعي «البهجة» يؤمه البابيون من كل صوب للتبرك بزيارته في كل سنة «و قد تشرفت مرتين بزيارة فضيلة عباس افندي في الرمل، فكنت أري الفقراء و المساكين متجمهرين عند باب منزله ينتظرون خروجه، حتي اذا خرج يسألونه الاحسان، فيجود عليهم به هذا وصف شي‌ء يسير من صفاته الكريمة أسرده مقرا بالعجز عن ايفائه حق قدره. و أما هيئته فهو قصير القامة، أبيض اللحية، حاد النظر، بشوش الوجه، مهيب الطلعة، متواضع، يرتدي ثيابا في غاية البساطة، مبتعدا عن الزخرفة و الفخفخة. و هو عالم فيلسوف، يحسن اللغات التركية و الفارسية و العربية جيدا، و له المام بتواريخ الامم و أحوالها. و هو في الستين من العمر، و قد كان يشكو بعض الآلام العصبية، الا أنها زالت بتغيير الهواء بعد قدومه الي الرمل يستيقظ الشيخ باكرا، فيطلع علي الرسائل و المجلات التي ترد عليه من جميع الأنحاء، و يجاوب علي المهم منها بخطه الفارسي المشهود بحسنه. و قد زاره كثير من عظماء رجال هذا القطر، و وكلاء سائر الدول، فرد الزيارة لكل منهم. و ما من واحد زاره الا و خرج مثنيا علي سماحته، و معجبا بهمته و ذكائه الغريب أما ما قيل من أن لقدومه الي هذا القطر علاقة بمعاكسة الدستور فأمر مخالف للحقيقة تماما، و حسبنا دليل علي ذلك سعيه لتوحيد الديانات في العالم، و مساواة جميع الأمم. فان كانت تلك هي صفاته، و هذا هو سعيه، فكيف اذا يعاكس الدستور؟ ان من ينسب ذلك [ صفحه 77] الي فضيلته و هو الرجل الدستوري المحض منذ نشأته قبل أن أعلن الدستور العثماني يسي‌ء الي الانسانية اساءة كبري و أما حقيقة حضوره الي القطر المصري فلأجل تبديل الهواء برمل الاسكندرية التماسا للشفاء مما كان ألم به من الانحراف هذه حقيقة أعلنها علي رؤوس الاشهاد، و ان يكن فضيلته في غني عن مدح مثلي و السلام» هذا ما كتبه لنا نصر افندي. و بالمناسبة نذكر أننا رأينا منذ يومين من أتباع فضيلة الأستاذ سيدة انجليزية تحمل كتابا يبحث في مذهب البابية، و كانت تدعو بعض الأدباء من الانجليز لزيارة فضيلته في منزله في الرمل. و هي متعصبة لمذهبه، و تكاد تكون مبشرة فيه ان البابية أسست في سنة 1843 في مدينة شيراز من بلاد العجم،و في كلمة «البابية» نسبة الي الباب، و هو رمز الي أنه لا يستطيع أحد سبيلا الي معرفة الخالق العظيم الا بواسطة «الباب» أي الرئيس الاكبر. و البابية اشتقت من الاسلامية، و امتزجت بشي‌ء من مبادي‌ء المذاهب «الغنوستيكية» (مذهب غنوستيك في ضم مبادي‌ء الديانات في الشرق و فلسفة اليونان الي تعاليم الدين المسيحي) و البوذية و اليهودية. أما تعاليمها فمفعمة بالآداب العامة، و هي تمنع تعدد الزوجات، و تحرم الاقتران غير المشروع، و المبني علي مجرد الاتفاق، و التنسك (النزهب)، و تقضي بالمساواة بين الأجناس و تأمر بالبر و الاحسان، و اكرام الضيف، و الامتناع عن المسكر» ا.ه (قلت) - أما نصري افندي فلا نؤاخذه لان كلماته تنم علي بهائيته و للبهائي أن يقول ما شاء في حق من يعبدهم. و لكن يظهر أنه من جهلة البهائيين اذ ينسب للبهاء تأسيس البابية و هو جهل مطبق [ صفحه 78] أما الاهرام فمؤاخذتنا لها أنها تعلم أن دين الرجل من الأباطيل و أنه يعمل لهدم المسيحية كما يعمل لهدم الاسلام و غيره من الأديان فتمداحه و نشر الثناء عليه و تحبيبه الي الناس مشاركة له فيما يدعو اليه و الاهرام علي ما نعلم مسيحية متدينة!!...

كلمة أخري للمنار

نشرها في الجزء الأول من المجلد الرابع عشر الصادر في محرم لسنة 1329 تحت عنوان (البابية البهائية) و هي بقلم صاحبة الأستاذ العلامة السيد محمد رشيد رضي، لا أحرم الله المسلمين قلمه الزائد عن الدين، القاطع لألسن الأفاكين. قال أثابه الله: ضاق هذا الجزء عن متابعة الكلام في الباطنية سلف هؤلاء البهائية و قد جري بيني و بين أحد كبار رجال القضاء في الاسكندرية حديث في شأن عباس افندي زعيمهم و كنا بدار محمد سعيد باشا رئيس النظار بمصر و قد اتفق جلوسنا في احدي الحجرات ليلة احتفال الرئيس بعيد جلوس الأمير و كان معنا بعض العلماء الوجهاء افتتح محدثي الكلام بمعاتبتي علي ما كتبت في شأن عباس افندي و أطراه أشد الاطراء و شهد له بالاسلام الكامل علما و حكمة و عملا فقال: انه يؤدي الصلوات الخمس و غيرها من الفرائض و النوافل و يبين من فضائل الاسلام ما لا يكاد يستطيعه سواه و يسعي في نشره في أمريكا و سواها و يحاول جمع الشعوب عليه فكان سبب [ صفحه 79] دخول الملايين في هذا الدين المبين. قال: ولو سواك طعن في اسلامه و قال فيه، ما قلت و أكثر مما قلت لما كنا نبالي بقوله و لكن لكلامك من القيمة و الاحترام ما ليس لغيره و لذلك ساءني أن تتكلم في هذا الرجل العظيم و أنت لم تعرفه معرفة اختبار بما لعلك أخذته من غمر جاهل أو ذي غمر متجاهل، و اني أدعوك الي ضيافتي بالاسكندرية و أجمع بينك و بين الرجل و أنا موقن بأنك تعجب بدينه و عقله و علمه و آدابه الجذابة و فصاحته الخلابة، - هذا حاصل معني ما قاله هذا اللائم المعجب بالرجل. و مما قلته له: انني أسلم بما سمعته منك و من سواك عن شمائل الرجل و أدبه و فصاحته و لم أكتب فيه الا ما يدل علي هذا و هذا التسليم لا ينقض شيئا من بناء اعتقادي و اختباري و ان قواعد هذا الاعتقاد ليست مأخوذة عن أعداء الرجل و أعداء قومهم بل منهم و من كتبهم فقد جري بيني و بين داعيتهم هنا مناظرات متعددة و ثبت عندي أنهم من الباطنية الذين كانوا يظهرون للمسلمين و كذا لغيرهم أنهم منهم و علي ملتهم و لا يطلبون الا الاصلاح فيها و هؤلاء البهائية اذا دعوا النصاري في أمريكا مثلا الي نحلتهم قالوا لهم انا نصاري مثلكم نؤمن بألوهية المسيح و بمجيئه في يوم الدين - أو الدينونة كما تقول النصاري - و قد جاء المسيح كما وعد في ناسوت البهاء و آمنا به و اتبعناه، و كذلك يقولون للمسلمين انا منكم و نطلب اصلاح حالكم باتباع المهدي المنتظر و المسيح الموعود به، بل يقولون ان دين برهمة و دين بودا و دين زردشت حق، و يقولون لهؤلاء اذا لقوهم انا منكم و ان ربنا و ربكم هو البهاء أو بهاء الله دفين عكاء من بلاد الشام، و لا يفصحون عن عقيدتهم كلها لأحد دفعة واحدة و انما يرتقون به [ صفحه 80] درجة بعد أخري. و قد وضع سلفهم الأولون هذه الدرجات و جروا عليها و قلدهم الماسون فيها (أي الدرجات فقط) و قصاري دعوتهم الرجوع الي نوع من الوثنية ملون بلون جديد من ألوانها و لما بالغ محدثي بانكار ذلك قلت له: انني لا أدعي معرفة الرجل و الحكم عليه بما ظهر في منه نفسه و انما أحكم عليه من حيث هو زعيم هؤلاء القوم باعترافهم و اعترافه و قد بلغني عنه نفسه أنه يدعي الاسلام و يجاري أهله في عباداتهم عند ما يكون معهم، و نحن لا نقول لمن أظهر الاسلام انك لست بمسلم اتباعا للظن و لكننا نعلم من تاريخ هؤلاء الباطنية مثل هذا فقد كان العبيديون بمصر يدعون أنهم مسلمون و يبثون دعاتهم في الناس لتحويلهم عن الاسلام الي عبادة امامهم المعصوم بزعمهم. فاذا كان عباس افندي مسلما حقيقة لا بالمعني الذي تقوله الباطنية عادة فليكتب مقالة بخطه و امضائه يصرح فيها بالنص الصريح بأن سيدنا محمد ابن‌عبدالله بن عبدالمطلب هو خاتم النبيين و المرسلين لا دين بعد دينه و لا شرع ينسخ شرعه و أن القرآن هو آخر كتب الله و وحيه لأنبيائه و رسله و أن معانيه الصحيحة هي ما دلت عليه مفرداته و أساليبه العربية فقال محدثي البارع: كيف يمكن أن نقول للبري‌ء انك متهم بالجناية و ينبغي أن تتبرأ منها و تدافع عن نفسك؟ قلت اننا لا نطلب أن يكتب ذلك بأسلوب الدفاع و انما نطلب أن يكتبه في مقال يبين فيه حقيقة الاسلام ارشادا للناس و تعليما أو ردا علي المعترضين، و مثل هذا يقع كثيرا، و لذلك اكتفينا منه بذلك و لم نكلفه أن يتبرأ مما سمعناه من أتباعه من القول بألوهية والده و نسخه للشريعة الاسلامية كجعل الصلوات ثنتين بدل خمس بكيفية غير كيفية صلاة المسلمين، فان كان [ صفحه 81] لا يكتب من تلقاء نفسه فاننا نكتب اليه أسئلة و نطالبه بالجواب عنها فهل يضمن لنا ذلك المعجب باسلامه أنه يجيب عنها؟؟... ا ه رحم الله الأستاذ الامام الشيخ محمدا عبده و طيب ثراه لقد صدق حين سئل عن عباس هذا فقال: «انه ضال مضل». و ها نحن أولاء تري تضليله لذلك الذي أشار اليه العلامة صاحب المنار. و ان في اضلاله له و هو من رجال القضاء لبرهان مبين علي أنه من كبار المضلين زعماء الفرق الهالكة بالتنكب عن صراط الايمان و ادعاء أنها عليه، ليسلك سبيلها المريضة قلوبهم و صغار المدارك. فهل للشيخ علي صاحب المؤيد في أن يكفر عن سيئته التي جاء بها في اطراء عباس هذا بما يدفع المسلمين بميولهم اليه فنري في المؤيد بعد تلك السيئة حسنة تمحوها؟؟ و لا تكفير لسيئة صاحب المؤيد الا أن يذيع للناس فيه أن لممدوحه باطنا غير ظاهره، و أنه خطر علي الأديان،و لمن اتبعه غضب من الله. و الله يقول: (و من يحلل عليه غضبي فقد هوي، و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي) [ صفحه 82]

تأسسات: للدخول علي المنطق الاول

مصادر الاديانة

اشاره

(للدخول علي المنطق الأول) (و هو المنطق المشتعل علي تاريخ البابية و أحكامها) الأديان باعتبار مصادرها نوعان: الهية، و بشرية. و كل منهما ينقسم الي قسمين: بحت و مزجي. و كلا القسمين تحته فروع متعددة، و مذاهب شتي، و اليك البيان:

الدين الالهي البحت

هو ما جاء به الرسل من قبل الله تعالي بطريق الوحي علي لسان جبريل يقظة و مشافهة. ثم هم علي اختلاف مباعثهم، و تباين لغاتهم، لم تختلف دعوتهم في موضوعها و بنائها علي أن هناك الها واحدا موجدا لهذه الأكوان، قد انفرد بالايجاد و الاعدام، و تنزه عن الشريك و المثيل، و الولد و الوالد، واجب الوجود لذاته،قديما، أزليا، باقيا بعد فناء العوالم، مخالفا لآثاره في الذات و الصفات و الأفعال، قادرا، مريدا، عالما، حيا، سميعا، بصيرا، متكلما، يحيي و يميت في هذه الدار، و ينعم و يعذب في دار أخري، أعد فيها جنة للمصدقين [ صفحه 83] العالمين، و نارا للمكذبين الضالين. و أنه خلق ملائكة عصمهم من الخطأ و الغفلة، يقدسون له، و يسبحون بحمده، يفعلون ما يؤمرون، لا يعصون الله ما أمرهم. و قد جعل الرسل أمناء علي وحيه، هداة لخلقه، يعلمون الشرائع، و يدعون الي وحدة الاجتماع، و يدلون الخلق علي خالقهم، و يعرفونهم قدره و مجده و عظمته و كبرياءه، و أنه رب القدر، و مسخر الشمس و القمر، و مالك النهي و الأمر، و خالق الخير و الشر، و باعث الناس ليوم الحشر، يفعل ما يريد و يشاء، لا يعجزه شي‌ء في الأرض و لا في السماء. و أنه تعالي اصطفاهم، و خصهم برتبة الرسالة، و عصمهم من الدنيئات و سفاسف الأمور، و جعلهم حجة علي خلقه بما يوحي اليهم، لكيلا يكون للناس علي الله حجة من بعد ارسالهم مبشرين،و منذرين، و مرشدين، و معلمين هذه قاعدة دعوة الرسل لا يختلف فيا اثنان، و عليها تدور أصول الأحكام و فروعها من عبادات و معاملات بحسب الزمان و المكان: كالصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و ذكر الله، و الابتهال اليه، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و اقامة حدود الله، و حفظ حقوق العباد، و بيان الحلال و الحرام، و أحكام البيوع و العقود، و الأنكحة و المواريث، و الطلاق و العتاق، و المآكل و المشارب، و حكم الأمة حال السلم، و واجباتها وقت الحرب، و أحكام سياسات المدن، و أحكام تدبير المنزل، و الزجر عن مصاحبة الفجار و الفساق، و الحض علي تهذيب النفس و رياضتها بمكارم الأخلاق، الي غير ذلك مما ملئت به الكتب السماوية، و الأخبار الصادقة النبوية، و كان كفيلا بسعادة النوع الانساني، و تطهير النفوس من الخلق الحيواني و الرسل في جميع ذلك قائمون بالدعوة و انتشارها و تعليمها و الحث [ صفحه 84] عليها، منتصبون لفصل القضايا، و مقاومة الخصوم جدلا و دفاعا. فهم رسل في التبليغ، قضاة في سماع الدعاوي، أمراء في التنفيذ، ملوك في حفظ النظام، و توسيع الممالك، و انتشار المدنية، و تعليم المعارف الدينية، و الآداب التهذيبية. لا يخالف خلفهم سلفه الا في بعض فروع يقتضيها مكان أمته و ما هي عليه، و لا يترك سبيل من قبله من المحادة أولا ثم المقاومة أخيرا الا بضعف العصبية، و قلة الأعضاد و الأنصار. فهم دائرون مع اللين مادامت العصبية في التأسيس و تكوين وحدة الاجتماع، راجعون الي القوة عند تمكن العصبية و تيسير الأدوات و المعدات، واقفون في جميع أعمالهم و حركاتهم عند وحي سماوي، أو ارشاد الهامي و قدجاء كل رسول بآيات و خوارق يقيمها حجة علي صدقه، و دليلا علي أن الله تعالي هو الذي أرسله الي قومه. فمنهم من نجا من النار، و منهم صاحب الناقة، و منهم المجتاز بالبحر، و منهم من أحيي الموتي و داوي الأكمه و الأبرص، و منهم من كلم الدواب، و اسري به الي أبعد مكان من أرضه في مدة قصيرة، و أخبر بالغيوب في وقته، و عما يليه. و هذه الخوارق نسميها نحن معاشر المتدينين معجزات أظهرها الله تعالي علي أيدي رسله تصديقا لهم. فان المعجزة منزلة منزلة صدق عبدي في كل ما يبلغ عني. لأنه ليس في وسعه و لا امكانه أن يخلق ناقة من صخر، أو يفلق بحرا، أو ينبع ماء من حجر، أو يحول العصا ثعبانا، أو يحيي الموتي بقدرته، أو يخلق في الدواب قوة ناطقة، و في الشجر قوة سامعة، و في الجو قوة طاوية. بل كل ما ظهر علي أيديهم انما هو مستند الي الله خلقا و ابرازا [ صفحه 85] و الملحدون ينكرون هذه الأمور بتاتا. و بعضهم يؤولها الي معان و هم البهائيون (انظر الصفحة 19 من هذا الكتاب). و بعضهم يعدونها من باب الخوارق الظاهرة بتحريج القوي العلوية علي المنفعلات السفلية بالدعوات و الرياضات. و بعضهم يجعلها من باب الشعوذة نعوذ بالله تعالي من هذه المعتقدات. و بعضهم ينسب ما يقرب من العقل للحوادث الطبيعية: كفلق البحر للمد و الجزر، و نزول الدم للمواد المحمولة بالريح، و الضفادع لما يحمله السحاب أحيانا من جهة و يمطره في أخري، و احياء الموتي لفعل طبي في مصاب بسكتة مخية، و مداواة الأكمه و الأبرص لخواص النباتات. و ينكر ما لا يقبله العقل من الخوارق و هذه أوهام قامت عند أهل هذه الشبه، اذ لا يمتنع أن يكون حدوثها آية في مكان، و عادة في آخر، خصوصا اذا وقعت بعد التحدي، أو الخبر بأنه سيحدث كذا. فاتفاق الواقعيات فيما ماثل المعجزة لا يطعن في أصلها، و سنفصل ذلك باقامة حججه و براهينه في موضعه من هذا الكتاب و معتقدنا في الرسل أنهم صادقون في دعاواهم، أمناء في تبليغ شرائعهم لا يفترون علي الله تعالي شيئا، و لا يخونون فيما أئتمنهم عليه، واقفون عند حدود الوجي، بعيدون عن مظاهر الملوك، لازمون حالة التقشف و القناعة بالميسور و الزهد فيما بأيدي الناس، متواضعون الي حد يؤاكلون فيه القذر، و يجالسون فيه الفقراء، و يعودون المرضي، و يجلسون علي التراب، و لا يمسكون بأيديهم نقدا زائدا عن مؤنهم. توجب عصمتهم الاخذ بأحكامهم،يهلك من كذب واحدا منهم في شي‌ء مما جاء به، و ينجو من صدقهم و آمن بأنهم رسل الله تعالي الي خلقه و والله ما عرف الحكماء طريق الوصول الي الحكميات الا بمخالطتهم [ صفحه 86] و الأخذ عنهم، و لا اهتدوا للرياضات و تصفية الذوات الا بمعاشرتهم و التقليد لهم. فهم أساتذة الدنيا، و فتحة باب كل علم اشتغل به الانسان من بدء العمران الانساني الي الآن. فما التوسع الحاصل في العلوم الآن، و التفنن في المبتدعات و المخترعات و الاكتشافات، الا نتيجة أتعابهم الحاصلة بمقدمات تأسيسهم. فعلي جمعهم الكريم، أفضل الصلاة و التسليم. و قد جرت عادة الله تعالي أن يبعث كل رسول في قومه ليكون منهم عصبية تسهل انقيادها الرحم، يمهد بها طريق دينه، و يتقوي بها علي نشره و تعميمه في المتجاورات من البلاد. و لا يزال يدعو بما أمر به متحملا مشاق المعارضة، و مضض التكذيب، و ألم المقاومة، و المعارضة الجدلية، حتي يلقي ربه تعالي. فان انقضي دوره بلا ظهور، و لا عصبية، درست أصول دينه، و محيت أحكامه. و ان تمت له العصبية، و أتقنت الأخذ عنه، ترك أصول دينه في أيديها و هي بعد ذهبه تتصرف فيها تصرفا تفسيريا، و قياسيا، و اجتهاديا، بما تصل اليه أفكار العقلاء، و أمناء تلك الشريعة، و بهذا التصرف تختلف المذاهب باختلاف فروع التأويل مع رجوع الكل الي أصل واحد و قد طرق الوجود أنبياء كثيرون: منهم من جاء مؤيدا شرع من قبله، و منهم من جاء بشرع ناسخ لما قبله. و اتفقت كلمة كل دين علي تسمية الآخذ به بمؤمن ناج، و تسمية من خالفه بكافر هالك. و من ثبتت أقدامهم علي ما جاء به رسولهم هم أصحاب الدين الالهي البحت، و من مزجوه بالعقليات أو النظريات هم أصحاب الالهي المزجي و نحن معشر المسلمين نعتقد اعتقادا جازما قام عليه البرهان القاطع: أن الله تبارك و تعالي ختم رسالته و نبوته بمحمد صلي الله عليه و سلم [ صفحه 87] و حفظ كتابه من التغيير و التبديل، و نسخ بشريعته سائر الشرائع التي سبقتها، و جعلها آخر شرائعه و روحيه لأنبيائه، فهي باقية الي الابد، كافلة بمصالح العالم الي يوم يبعثون. فمن دان بها فهو مؤمن ناج، و من أخذ بغيرها فهو كافر هالك

الدين الالهي المزجي

هو ما أخذته أمة من أصول رسول و تصرفت فيه بالزيادة و النقص و الدخيل فيه. و قد أخذ بهذا الدين كثير من الأمم، منهم من مزج دينه بالعقليات، و منهم من مزجه بالنظريات، و منهم من مزجه بالمستحسنات، و منهم من تبع الأصول و ترك الفروع الي غير ذلك نمثل بالصابئين و الكلدانيين من هذا القسم، فانهم أحق بالعناية، و أولي من يرجع اليهم في التمثيل، لاشتغالهم بالسمعيات و العقليات معا. و لا نريد أن نبين جميع أقسامهم ففيهم عبدة الكواكب، و عبدة الأوثان. بل نبين مذهب الفئة الباقية علي معتقدها الالهي الذي مزجته بالعقليات، و هي الفئة التي حفظت كتب الحكمة، و اعتنت بدراستها و شرحها، و حلت مشكلات الحكماء، و رموز القدماء و ترجمت لغاهم المتروكة، و عرفت أقلامهم المختلفة و هذه الفئة تنقسم الي قسمين: قسم يسند دينه الي سيدنا نوح عليه‌السلام و هم الصابئون، و قسم يسند دينه الي سيدنا ابراهيم عليه‌السلام آتيا بطريق التلقي عن نوح و عن ادريس عليهماالسلام و هم الكلدانيون و القسمان متفقان في هيئة العبادة علي التوجه الي القطب الشمالي، و صلاة ثمان ركعات عند ظهور شفق الشمس الشروقي، و خمس [ صفحه 88] ركعات وقت الزوال، و خمس ركعات وقت غروب الشمس. يسجدون في كل ركعة من هذه ثلاث سجدات بلا انحناء، و يتلون في قيامهم و سجودهم كلمات تماثل آيات الزبور من حيث اشتمالها علي مناجاة و دعوات و استغفار. و يصومون ثلاثين يوما عدد ما تقطعه الشمس في كل برج من بروجها، يمسكون فيها عن الطعام و الشراب من شفق شروق الشمس الي شفق غروبها، و يفطرون علي غير اللحوم من الألبان و النباتات الا ما حرم منها عندهم. و يقسمون هذه الثلاثين الي ثلاثه أقسام: قسم يصومون فيه أربعة عشر يوما متتالية في فصل الشتاء موافقة لأعداد الكواكب السبعة المشهورة قديما و أفلاكها، و قسم يصومون فيه سبعة أيام في الربيع موافقة لأعداد الكواكب وحدها، و قسم يصومون فيه تسعة أيام في أواخر الصيف موافقة للأفلاك بضميمة فلكي الثوابت و المحيط و يقدمون الضحايا في هياكلهم و معابدهم للسدنة و الفقراء من غير أن ينال المضحي منها شيئا. و يعظمون الكواكب لاعتبارهم لها أعظم أثر الهي له فاعلية في الأجرام السفلية. و يمنعون توريث الفاسق من المستقيم. و يعترفون ببعث الأرواح دون الأجساد، و طهارة النفس العاصية بعد تعذيبها ثلاثة آلاف سنة. و يعتقدون أن الرسل ملهمون بعناية المجردات، و ليسوا مبعوثين عن الله تعالي. و أن الخير كله من الله، و الشر كله من النفوس. و أن الله تعالي من منزه عن الصورة، فلا تقع عليه الأبصار، و لا تلحقه الأوهام، فهو في حجاب أزلي في هذه الحياة الدنيا، و في النشئة الأخري. و أن غير الحيوان المباح استعماله عملا و غذاء محترم، يعد تعذيبه أو قتله [ صفحه 89] ذنبا يكفر عليه فاعله بالضحايا بحسب ما تعينه النصوص هذا ملخص الأصل و بانتشاره كثرت مذاهبه عدا و اختلافا، كما هو الشأن في كل دين عظمت عصبيته، و تعددت أوطانه فبعض هذه المذاهب يحرم بعض النبات و و الحيوان، و بعضها يحل زواج امرأة الأب التي لم تعقب منه، و البعض يحرمها مطلقا، و البعض يحرم غسل جراحات القتيل عند دفنه، و البعض يوجبها، الي غير ذلك من الفروع الخلافية ثم اشتغل الفريقان بالهيات الحكماء و كتب الفلاسفة علي أنها كتب تعليم و ارشاد ككتب الرسل علي ما تصوروه بحسب الشبهات التي اعتقدوها. و قد شهد أهل هذا الدين جميع الدعوات الدينية من الدعوة النوحية الي الدعوة المحمدية علي جميع مظاهرها الصلاة و السلام فكان أول داخل عليهم من المرسلين بعد نوح هود عليهماالسلام اذ بعث في قوم عاد و كانوا يسكنون بالأحقاف بين اليمن و عمان أي من شحر عمان الي رمل عالج. فأقام فيهم مدة يدعوهم الي عبادة الله تعالي، و كانوا قد غيروا و بدلوا و عبدوا الأوثان فامتنعوا من اجابته و ما آمن به الا قلل منهم، فدعا عليهم و تم لهم ما أخبر به القرآن الكريم، ثم رحل من بلاد العرب الي فلسطين و أقام بها ثم جاء صالح الي ثمود و كانوا بين الحجاز و الشام بأرض الحجر و وادي القري، بدعاهم الي عبادة الله تعالي، و هدم هياكل الشمس التي كانوا يعبدونها، فما آمن به الا قليل منهم. ثم كان ما كان من أمر الناقة، و ما قصه القرآن العزيز علينا من خبره، الي أن انتهي أمره بالدعاء عليهم. ثم رحل الي فلسطين و أقام بها ثم دخل عليهم سيدنا ابراهيم اذ ولد معهم في أرض بابل أرض [ صفحه 90] الكلدانيين. فلما بعث اليهم دعاهم الي اتباعه، و تكسير الأصنام، و هدم الهياكل، و الاعتراف بوحدانية الله تعالي، و البعد عن الآثام و الفجور، فلم يجيبوه، و تظاهر النمرود بما هو مسطور في الكتب السماوية. فهاجر بابن أخيه لوط، و نزل لوط بأرض سدوم و عمورة، و ابراهيم بأرض كنعان. ثم دعا لوط قومه و أعلمهم أنه مبعوث اليهم ليعبدوا الا له الحق، و يتركوا عبادة غيره. فكان ما كان من معارضتهم له، و تكذيبه، و اجتماعهم لايذائه و ايذاء ضيفانه، ثم تخريب سدوم و عمورة، و خروجه بابنتيه و ولد لابراهيم اسماعيل و اسحاق، و انتهي أمر اسماعيل الي سكني برية فاران (هي تهامة التي بها مكة الآن) و بني مع أبيه هذا البيت المحجوج بمكة، و دعا الناس للطواف به، و الاعتكاف حوله، و الحج اليه كل عام. فأجابه من آمن به من جرهم عند ما هاجروا الي مكة و بقي دينه الي أن تخربت سبأ، و جاءت طي و ما معها من القبائل، و ساكنوا بني قيذار حتي أعالي نجد، و أخذ منهم من أخذ بما بقي من دين اسماعيل عند بني قيذار. و اسحق كذلك دعا لدين أبيه، و جاء ابنه يعقوب علي اثره داعيا الي الله تعالي، و دخل يوسف ابنه مصر علي الدين الاستحساني (دين المصريين). و يقال: انه لما حجر علي الغذاء أيام انقطاع النيل باعهم القوت أولا بمالهم، ثم بما شيتهم،ثم بحليهم، ثم بعقارهم، ثم برقابهم. و قيل: انه تفضل عليهم و أعتقهم. فان صحت هذه الرواية، و صح العتق، فبنو اسرائيل مواليهم. و ان لم يثبت العتق، فهم عبيد بني اسرائيل ورثة يوسف الصديق ثم جاء عليهم شعيب، و نزل بمملكة الحجر السماة قديما مملكة [ صفحه 91] تابات، و دعاهم الي الله تعالي، و ألح عليهم، و كثر بينه و بينهم الجدال و المناظرة، فآمن به نفر قليل، و خالفه الباقون. ثم دخل علي الكلدانيين في نينوي يونس بن متي، فأجابوه بعد أن عصوه مدة ثم امتد ظهور الرسل الي أن جاء الثلاثة أصحاب الأديان الباقية المنتظرة الآن في القارات و الجزائر. و قد وجد لدين الصابئة و الكلدانيين عصبيتان: فالصابئة دخلت بلاد العرب، و مصر، و المغرب، و عنها انتقل الدين الي أقطار بعيدة، و الكلدانيون عمموه في العراق، و بلاد الفرس، و الأفغان، و بلاد الخزر، و الشام، و عنهم انتقل الي أقاليم شتي و كما دخلت الأديان الالهية البحتة علي هذا الدين المزجي، كذلك دخلت عليه فروع العقلي و النظري من الأديان البشرية بعصبيات أوصلتها الي أوطانها و متجاوراتها بما يطول سرده فقد حملت عنا كتب التاريخ هذا الحمل العظيم و من الصابئين و الكلدانيين من مزج أصله الالهي بالوثني و الاستحساني من الأديان البشرية أيضا. و ذلك عند فتور الهمم عن التعليم، و اقتصار فلا سفتهم علي تدوين الكتب و شرحها فيما بينهم، و تركهم الأمم في أيدي الجهالة يقلد بعضهم بعضا، و قد كثرت المبتدعات، و تفرق الناس حول أهوائهم شيعا، و عجز الحكماء عن ارجاعهم لقصور الأفهام عن الحكميات التي صارت من خصائص العلماء و من الالهي المزجي قسم من الحبشة أخذ بالدين المسيحي ثم الاسلامي ثم مزجهما و صيرهما دينا واحدا علي أصول قررها و عمل بها. و قسم منها أيضا أخذ بالأديان الثلاثة، و استخلص منها دينا عمل به: و يستوطن هذان القسمان ما يلي هرر و مصوع من الجهات [ صفحه 92] القريبة من النقط الاسلامية. و قسم من غينا الشمالية أخذ بالدين المسيحي عن القسيسين عند دخول البرتوغاليين في بلادهم ثم مزجه بالاستحساني. و قسم من برنو أخذ بالدين الاسلامي عن الأدارسة ملوك المغرب ثم مزجه بالاستحساني. و قسم من بولونزيا أخذ بالدينين الاسلامي و المسيحي ثم مزجهما بالوثني. و قسم عظيم في أرض السودان أخذ بالدين الاسلامي ثم مزجد بالاستحساني. و قسم من مونيقو الصينية أخذ بالدين الاسلامي ثم مزجه بالوثني. و قسم ظهر بأسماء متغايرة، في جهات متعددة، و أزمان متباينة، أخذ بالدين الاسلامي، و مزجه بالوهميات، و هم: القرامطة، و الاسماعيلية و الباطنية، و النصيرية، و الدروز. و أخيرا ظهر البابيون في بلاد فارس و هم مراد كتابنا هذا - فأخذوا بالأديان الثلاثة، و مزجوها بالوهميات و البوذي و غيره من الأديان البشرية، و استخلصوا منهادينا واحدا علي أصول قرروها، و عملوا بها، و دعوا اليها و لهذه الأقسام عصبيات شتي، قاتلت عليها، و دافعت عنها، فأفرغ بعضهم الي بعض بالضعف، و ثبت قليل منهم علي ما هو عليه، و قد كثرت المبتدعات، و المنتحلات، و دعاهم الفراغ من العلوم الي عبادة ما لا يعبد مما هو مسطور في كتب الأخبار

الدين البشري البحت

يرجع هذا الدين في تأسيسه الي القدمات الذين بحثوا في علل الأشياء كونا و فسادا، و قالوا: ان الواحد جهة و اعتبارا و هو الله تعالي يستحيل أن تصدر الكثرة عنه، فحكموا بالعقول العشرة، و سلبوا الله تعالي الاختيار، و العلم بالجزئيات، و أنكروا بعثة الرسل، و بعث [ صفحه 93] الأجسام، و خالفوا الشرائع الالهية في أمور كثيرة بها حكم عليهم بالزيغ عن جادة الهدي ثم انهم قطعوا بأن الله تبارك و تعالي ذاتي الوجود، أبدي الخفاء، أزلي الأفعال، يستحيل عليه صدور التكثر و حدوث التجدد عنه مع وحدة ذاته العلية. و أن وجوده المطلق غير مخالط لشي‌ء من الأشياء. و أن الأجسام، و الجواهر، و الأعراض، من لوازم الأغيار. و أنه تعالي متساوي النسب النوعية، فلا تخصيص لبعض أجزائها، و لا دخول لها في سلسلة الممكنات، فهو منزه عن المادة و الهيولي، و الصور اللاحقة للامكان. و ان السعادة و الشقاء خاصان بالنفس، و انفعال الأعضاء بالنفسيات سعادة، و بالبهيميات شقاء. و أنه تعالي منزه عن التسفل و الحلول، مستغن عما صدر عنه مجردا أو مركبا و بانتقال هذا الدين الي الطبقة الثانية بعد الطوفان قسموا السياسة في حكمياتهم الي قسمين: سماوية، و أرضية. و قالوا: اذا كان القائم بأمر السياسة رجلا ظاهرا، سليم الحواس، مخلص الظاهر و الباطن عالي الهمة، بعيدا عن الدنيئات، غير متعمق في البدنيات، قد دلت علي وجوده القرانات الكبار العلوية - فدولته دولة النبوة، و هذا القائم بها هو النبي المفاض عليه من قوي المجردات، و اتجاه الافلاك ما يخلع صورة توجهاته النفسية من الحيوانية الي الملكية، ليمتاز بالعنايات و المساعدات العلوية (قلت) - الذي ندين الله تعالي به أن هذا الفيض حاصل من الله تعالي باختياره لا من المجردات و الأفلاك فانها مجعولة متأثرة بفعل الله تعالي فلا استقلال لها بالتأثير في شي‌ء من الكائنات ا ه [ صفحه 94] ثم قالوا: و اذا كان ممن دلت علي وجوده القرانات الوسطي مشاركا للأفراد في المألوفات و الملاذ الهيكلية - فهذه دولة الملك، و القائم بها هو الملك صاحب السياسة الأرضية ثم انقسمت هذه الطبقة ثلاثة أقسام كل قسم صار مذهبه أصلا لفروع شتي: (فالأول) اشتغل بالنظر في العلة، و الوحدة، و اثبات الصانع، و ما يجب له، و ما يستحيل عليه، و تقسيم المجردات و صادراتها (علي زعمه) و أحوال النفس بعد مفارقة الهيكل، و غير ذلك من الأمور العامة. فسمي مذهبه: بالالهي، و الفلسفة الأولي و الثاني اشتغل بالنظر فيما تجرد عن المادة في الذهن أي الحساب و المواقيت فسمي مذهبه بالرياضي. (و الثالث) اشتغل بالنظر في المواد فسمي مذهبه بالطبيعي و بعد انقسامهم جال رجال كل مذهب جولة في مباحثه، و تضاربت أفكارهم، و كثرت تجاربهم في مبتدعاتهم، حتي اتسع علم الحكمة، و تداولته الأمم، و دارت الأيام و هو ينقل من صورة الي أخري، يعلو في أمة بعلو أفكارها، و يسفل في أخري بتسفلها، حتي وصل الي العرب في القرن الثاني من الهجرة. فنقلوه الي لغتهم، و هذبوه، و شذبوه، و حولوه من الأصل الديني المحض الي الصورة العلمية المحضة. و هم الذين أوصلوه بصورته العلمية الي الأوربيين و غيرهم من الناس. و قد نبه العلماء علي ما يخالف العقيدة الايمانية الحقة عند ما يذكرون أصلا من أصول الحكمة، و اجتهدوا في تحصين العقيدة و الدفاع عنها، و حاربوا عقليات بمثلها، و ردوا شبهة ببرهان، و أيدوا معتقدا بحجة و طبقوا كثيرا من أصول الحكمة علي أصول العقيدة، و بحثوا في شبه [ صفحه 95] المتكلمين و قواعد الالهيين، و جمعوا ما تشتت من مذاهب فرق العالم، و انتصبوا للنضال و الجدال، و اجتهدوا في حل المشكلات و تبيين المعضلات، و أبعدوا في البحث و التدقيق حتي انتقلوا من التقليد الي الاختراع و الابتداع. فامتلأت مؤلفاتهم و كتبهم بالعلوم النافعة، و زينوا العالم الانساني بالآداب و الفضائل و آلات العمران و مواد المدنية، و أرشدوا الخلق الي احسان الصناعة و الزراعة و الملاحة و السياحة و السياسة و التجارة و التربية و التهذيب الي غير ذلك مما يضيق عنه الحصر و لا يسعه هذا المقام و يسند أصحاب هذا الدين تأسيسهم الي هرمس المثلث المدعو بالعبرانية أخنوخ، و بالعربية ادريس عليه‌السلام، قائلين: انه أخذ البعض عن صحف شيث عن آدم و زاده بسطا و تقريرا بالدلائل العقلية و المؤثرات الفلكية. و بعد أن قرره أوحي الله اليه بالنبوة، فحمل عشيرته علي الأخذ بدينه، و جمع بين النبوة و الحكمة و الملك، فسمي المثلث. كذا يقول البعض من الكلدانيين و البعض يقول: ان ادريس لم يسبقه سابق بهذا الاستدلال، فهو واضع الحكمة الأولي، و وافقهم الصابئون علي ذلك. و البعض يقول: انه لم يقرر من أصولها الا كليات ابتدائية حتي جاء سليمان و زادها بسطة و بسطا، و شرح معميات من تقدمه، و استخدم نتائج الفلكيات و العنصريات في مظاهر أعماله في ملكه و قدكان لهذا الدين عصبيات كثيرة أيام كان معتقدا معمولا به فأول عصبية له كانت في العراق و هي التي أوصلته الي الفرس، فانتقل الي الهند، و الأفغان، و بلوجستان، و سورية. ثم سار به الفينيقيون حتي أدخلوه جزائر الروم، و شبه جزيرة اليونان، و صقلية (سيسليا) [ صفحه 96] و قبرص، و ساموس، و سواحل افريقية: ثم تناقلته طوائف الأمم بالأخذ عن بعضهم البعض حتي انتشر في معظم آسيا، و افريقية، و بعض جهات أوربا. و لقلة كتبه و علمائه اذ ذاك تصرفت فيه الأمم بافكارهم، و أدخلوا فيه ما دعتهم اليه الشبه الوهمية و المستحسنات الخيالية. فانتقل في أكثر الأقاليم من البحتية الي المزجية، و تفرع عنه فروع مزجية مختلفة المواضيع و الأصول و الفروع كما سنبينها ان شاء الله و قد دخل عليه الدينان اليهودي و الصالحي في بلاد العرب، و المجوسي في بلاد الفرس، و البرهمي في الهند و أفغانستان، و البوذي في الصين، و الابراهيمي الخليلي في بابل و فلسطين، و اللوطي في سدوم و عمورة، و اليونسي في نينوي، و الشعيبي في أطراف بلاد العرب و الشام، و الموسوي في مصر و الشام و سورية و بعض بلاد العرب، و المسيحي في مصر و الشام و أوربا و بعض بلاد العرب، و الاسلامي في جميع البلاد التي حل فيها من آسيا، و افريقية، و أطراف أوربا و كما دخلت عليه الأديان الالهية في أقطاره، كذلك دخلت علي فروعه المزجية بعد أن دخلت هي عليه. و اليك بيان هذه الفروع بما يسع المقام من الكلام:

الدين البشري المزجي

أسلفنا أن الطبقة الثانية من أهل الدين البشري البحت افترقت بادي‌ء بدء ثلاث فرق، و أن كل فرقة وضعت أصولها علي قواعد ثابتة في زعمها حقية في وهمها، و أنه جاء علي أثر كل فريق كثير من الأمم أخذوا بمذاهبهم، و دانوا بها، ثم افترقوا فرقا شتي بحسب [ صفحه 97] الابحاث العلمية، أو الفراغ منها فمن الذين انشقوا بالبحث العلمي قد ماء علماء النجوم، فانهم نظروا في الكون السفلي من حيث تأثير الكواكب، فيه، و جعلوا الموجودات الأرضية أثرا للكوكب العلوي (الشمس) عند قوم، و للكواكب بتوزيع التأثير عليها عند آخرين. فحكمت هذه الطائفة بأن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم البديع المثال، و عنها تصدر الخيرات و الشرور، و السعادات و النحوس، و غيرها من لوازم الأغيار ثم انقسم الصابئون و الكلدانيون في هذا الأصل ثلاث فرق أيضا: فرقة تقول: ان الكواكب واجبة الوجود لذاتها غير محتاجة الي مخصص. و فرقة تقول: ان الكواكب هي الآلهة، و لكل عمل قائم به في هذا العالم لا يقدر عليه غيره، و أنها أبدية الوجود، أزلية الأولية، تجري أحكامها لا لغاية. و فرقة تقول: ان لهذه الأفلاك و الكواكب الها مبدعا فعالا أعطاها قوة عالية و ارادة ذاتية نافذة في هذا العالم السفلي، و فوض اليها تدبيره فهي تفعل في العوالم الأرضية ما أوجدها الله تعالي لأجله، و أن الانسان تبلغ روحه بالتصفية، و الرياضة الشاقة، و مصابرة الجوع و العطش، و تلطيف الغذاء، و عدم تناول الروحانيات، و ما خرج منها - الي حيث يقدر علي الايجاد، و الاعدام، و الاحياء، و الامانة، و تغيير البنية و الشكل، و تسيير السحب، و انزال الصواعق، و غير ذلك من الأعمال التي يفعلها الروحانيون بتحريج القوي العلوية بالقوي الأرضية و علي هذا نري أن المذاهب الحكمية الأصلية تفرع عنها ثلاثة مزجية: استدلالي تصوري و هو القائل بقدم الكواكب، و لزمه القول بقدم العالم تبعا لها. و استدلالي و همي و هو القائل بالهيتها [ صفحه 98] و استنتاجي اجتهادي و هو القائل بثبوت الفاعل جل شأنه، و تفويض التدبير الي الكواكب. و الكل ممزوج بالأصل الحكمي، ناشي‌ء عن دور الأفكار في كل أمة و زمن علي مبدع هذه الكائنات، و مخترع هذه الصور العظيمة. ولوقوف العقل عما وراء مداركه من الأفعال الالهية يعثر كثيرا في هذا الطريق، و يصدر عنه تصورات و همية. و كلما ترقي الانسان في النظر العقلي، كلما ترقت معه الهواجس و الظنون. و هذا الذي سار بكثير من الناس قديما و حديثا في طريق الشكوك و الأوهام، فهلك من هلك، و نجا من نجا و هذه الفرق وجدت لها عصبيات في بلاد العرب، و الفرس، و الكلدانيين. فاجتهد العرب في بناء الهياكل العظيمة للشمس، و حجوا اليها، و قربوا اليها القرابين، و ذبحوا لها الذبائح، و اعتكفوا حولها متعبدين. و كانت سلطنة هذا الاعتقاد في قبائل سبأ الحميرية فلما تهدمت سدودهم، و سالت عليهم السيول، تفرقوا في أقطار متباعدة و معهم أصول دينهم، فبثوا في القبائل التي نزلوا بأوديتها، و الطوائف المساكنين لهم. و عنهم انتشر في معظم بلاد العرب، و انتقل الي أطراف بلاد الحبشة، و أخذ عنهم الكنعانيون عند نزولهم بأراضيهم. و امتد من سورية الي جزائر الروم علي أيدي الفينيقيين و عن الفرس أخذ الأفغانيون، و عنهم انتقل الي الأقطار الهندية، و بنيت له الهياكل العظيمة في الهند و الشام و سورية، و بقي ظاهرا معمولا به الي أن دخل عليه الدين الموسوي في سورية و الشام، و المسيحي فيهما و في بعض بلاد العرب، و الاسلامي في جميع أقطاره ثم انتهي أمره بانتقاله الي الصورة العلمية المحضة، و بقيت المسئلة الاعتقادية منطوية تحت مؤدي عباراته و قواعده، يعتقدها قوم، و ينكرها آخرون [ صفحه 99]

الدين البرهمي

(أو الاستدلالي التنزيهي) هو من فروع الاستدلالي العقلي، و هو مذهب الناظرين في الهيات الحكماء، مقتصرين علي البحث في الموجودات علوية و سفلية من حيث افتقارها الي أفرادها بسائط و مركبات، و عدم قيام فردمنها بنفسه فضلا عن غيره. فقطعوا بما قطع به الحكماء من احتياجها الي صانع حكيم مبدع لموادها، مخترع لصورها، موجد لأجناسها، مغاير لها، خارج عن سلسلتها الامكانية، مدبر لنظامها، مؤثر في تفاعلها و انفعالها، مدير لحركتي الايجاد و الاعدام، غني عن الشريك و المعين، منزه عن العجز، و الاكراه، و الغفلة، و الذهول، و الأغراض، و الحلول، و الاتصال، و الانفصال. ثم حكموا باستحقاق هذا المبدع العظيم، و الصانع الحكيم، للعبادة و الخضوع، و الرجوع اليه استغاثة و استعانة، و تضرعا و استغفارا و لكنهم عند ما رجعوا الي قول الحكماء في السياستين: النبوية، و الملكية - نظروا الي الانسان من حيث تساويه في الخلق، و فطرته علي قابلية الادراك و استعداده الي التوجهات العلية، و وصوله الي مدارك النفوس العلوية و مخاطبة الجمادات و الأفلاك و الحيوان و قلب الحقائق قلبا صوريا بالرياضة الطويلة و المجاهدات الشاقة و البعد عن الحيوانيات النازلة به الي حجب الموانع السفلية، و اشتغاله بالنفسيات الواصلة به الي التجرد و مشاكلة الأجرام العلوية و استخدامها في أغراضه و وسائله، و أنه متحد في هذا التناسب لا يختلف فيه فرد من الأفراد - فجعلوه محتاجا في جميع أحواله الي الالهامات الالهية [ صفحه 100] من غير تفاضل و لا اختصاص سماوي في أفراده، لاستحالة الاختصاص و الغرض علي الصانع المبدع، بتنزيهه عن الاستعانة ببعض أفراد خلقهم من غير احتياج اليهم لهداية خلق عظيم، يقوم الهامه فيهم مقام الهادي و المبلغ فوافقوا بعض الصابئين و الكلدانيين في بطلان ارسال الرسل عن الله تعالي، و خالفوهم في جعل الكائنات أثرا لله من غير اشتراك منها في ايجاد أو اعدام. و جعلوا الأنبياء عليهم الصلاة و السلام من قبيل الحكماء البالغين مقامات الكمال بالرياضة، مما هو في قابلية كل فرد من أفراد الانسان فطرة و جبلة لو ارتاض مثلهم. و أن من ساعدته القرانات العلوية مولدا و ظهورا كان مقبول الحجة واسع الملك، و من لم تساعده وقف عند حد الدعوة و المحادة و الاستعانة باستخدام رياح أو صواعق دون أن يبلغ الانتشار. فهم عندهم خواص ينظر اليهم يعين الاعتبار لا الاتباع، و يؤخذ ما يلقونه من التعاليم من قبيل التهذيب و الارشاد لا من قبيل اعتقاده وحيا سماويا منزلا من الله تعالي ثم هم يزعمون أنه هبط بادي‌ء الرأي من العالم العلوي الي العالم السفلي (عقل سماوي) تجسد فكان (برهمة) و ينسبون اليه تناسل البشر، و عمار الأرض، و وضع قواعد البرهمية. و يزعمون أنه ينتقل من الدور الي الدور، و من الكور الي الكور، و يظهر فيهم في أشكال مختلفة و صورة متعددة. و هم يقدسون علماءهم و أعاظم رجال كهنوتهم، و يزينون بصورهم معابدهم و هياكلهم، و يقعون لها سجدا. فهم بذلك و ثنيون عبدة أصنام و قد وجد لهذا الدين عصبية في كتك من مدن كلكتا فعممته في ديار الهند و أدخلته في الأمغان و جزائر ماليدو، و أندامار [ صفحه 101] و نيكوبار، و غيرها من تلك الجهات. و بقي سائدا حتي دخل عليه الدين المجوسي، ثم الاسلامي، ثم خضعت عصبيته أخيرا الي حكم الانجليز. و لم يزل قائما علي أصوله، معمولا به، يبلغ معتنقوه في الأقطار الهندية وحدها نحو مائتين و خمسين مليونا من النفوس. و له الشي‌ء الكثير من الهيا كل العظيمة، و البيوت المحجوجة في بينارس، و كتك و اودجان، و كتمندو، و غيرها

الدين المجوسي

(أو الاستدلالي الاشراكي) هو من فروع الاستدلالي العقلي، و هو دين الباحثين في كتب الحكماء، مقتصرين علي مبحثي التكوين، و الخير و الشر. فالأول اقتصروا فيه علي النظر في انفصال الحرارة التكوينية من ممكن الصادر الأول، ثم تدرجها الي الحرارة المركزية بالنسبة الي بطن الأرض و محيط سطحها، و عدم امكان استقلال الأرض بذاتها، و ظهورها ربوات و جزائر و جبالا و هضابا و صحاري في وسط البحار السائلة من غير مساعدة الحرارة و ارتباطها بها و انجذابها اليها باتصال الأشعة. ثم نظروا الي الانسان من حيث تركيبه، و ما اشتمل عليه هيكله من الأجزاء الأرضية، و تسلطها عليه مع العلويات قبضا و بسطا، و حركة و سكونا، و توزيعا في أصوله المواليد، حتي استوي بشرا، و قام انسانا، ناميا، حساسا، دراكا، فعالا بالارادة - فجعلوه ابن الأرض و هي بنت الحرارة المقابلة للقدرة الالهية، فاتخذوا النار التي هي أثر الاله و فيها صفته التكوينية دالا علي معبود. و بتقادم الزمن، و كثرة تصرف الرؤساء في هذا الأصل، افترقوا فيه فرقا، و اختلفوا [ صفحه 102] قولا، حتي قالت فئة: ان النار معبود قائم بذاته و عند ما نظر قدماؤهم في قول الحكماء: «ان الله تعالي بتوحيد ذاته جهة و اعتبارا يستحيل صدور التكثر عنه» قالوا: ان حدوث الخير و الشر عنه هو عين التكثر في امكانه، و ان بطل التكثر عن واحد جهة و اعتبارا لزم الحكم بوجود فاعلين يصدر عن أحدهما الخير كله، و عن الثاني الشر كله. و انتهي بالمتأخرين الأمر الي أن صوروا صورة زعموا أنها صورة الا له و علي كتفيها صورتا الخير و الشر، و بنوا لها الهياكل العظيمة و المعابد المشيدة، ثم توسعوا في الفروع الي أن صار علي ما هو عليه الآن و هم يعزون أصل دينهم الي رجل ايراني يدعي (زردشت) ظهر في عهد سلطنة (كشتاسب أو هيستاسب) ملك الملوك الفارسي و يعتقدون بخلود النفس، و بعالم آخر بعد الموت فيه الثواب و العقاب و يزعمون أنه سيظهر في آخر الزمان رجل كبير، و مصلح عظيم، أمامه أربعون شخصا يلبس كل منهم جلد نمر، فيعيدون اكرام النور، و يزيلون الشبهات، و البدع المستحدثة، عن دين المجوس، و يرجعونه الي أصله الأول و وجد لهذا الدين عصبية في أقطار الدين البرهمي سارت به الي الفرس، و الأفغان، و تركستان، و كوهستان، و العراق، و أطراف بلاد العرب، و أرمينية، و الخطا، و الدكن، و بعض قطع من افريقية ثم خضعت عصبياته الي عصبية الدين الاسلامي بدخوله عليه في بلاد الفرس، و الأفغان، و تركستان، و بلاد العراق و العرب. و خضعت عصبيته الهندية أخيرا الي المملكة الانجليزية مع بقائها علي أصول دينها. [ صفحه 103]

الدين البوذي

(أو الاستدلالي المركب) هو فرع من الاستدلالي العقلي أخذ قواعده من أصول قد ماء الحكماء و الالهيين بالنظر في المركبات و البسائط من العالمين العلوي و السفلي، و احتياج هذا التكوين البديع، و الصنع العجيب، الي صانع حكيم، مخالف لما أبدعه من العوالم، قادر علي ضبط أضداده المتنافرة، و أنواعه المتغايرة. و اقتصروا في البحث علي مطلب من هو الصانع لهذه الكائنات و بتوزيع هذا الدين في أقطار واسعة، و عصبيات كبيرة، تضاربت فيه الأفكار، و كثر القياس و التأويل بين الآخذين به بقدر ما وصلت اليه عقول رؤوسهم، و ساسة أفكارهم، حتي تركب من الحكمة و الخيالات الوهمية. و انقسم أخيرا الي ثمانية مذهب فيما يعلم. و قد تفرع من كل مذهب فروع شتي يطول بنا الأمر لو تتبعناها و سردناها و الاشارة الي الأصول توصل الي معرفة الفروع بوجه التقريب و اليك هذه المذاهب الثمانية: (المذهب الأول) و أهله يقولون: ان الله تعالي واحد في ذاته و الخلق صور تدل عليه، و قد أوجد الأرواح بادي‌ء بدء عددا محصورا لا يقبل الزيادة و النقص، و ترك الانشاء و الابداع بما وضعه في العوالم من القوانين الانهائية السير، و جعل الأرواح مرسلة في نوعي الانسان و الحيوان، فهي متناسخة في جميع الكائنات بلا اختصاص نوع منها بنوع من المركبات، و وجودها في العالم العلوي قبل تسفلها أكسبها علما بالضرورات الحيوية، فهي في غني عن مرشد أوهاد [ صفحه 104] لاستوائها في الدرجة، و استعداد كل فرد للترقي الي الكمال. و استدلوا علي التناسخ في الانسان و الحيوان بأن الحيوان توجد فيه قابلية التعليم و معرفة ضروريات حياته، و اشتغاله بصنائع محكمة يصنعها في مأواه من غير معلم يرشده. و ما كان خلقه مساعدا علي مماثلة أعمال الانسان شاركه في معظمها فطرة و جبلة، و حاكاه في كل ما يصدر عنه من الأعمال البدنية. و عنده علم بالتوالد بطريق المباضعة، و معرفة بتربية الوليد، و تعليمه أخلاق أبويه، و عادات جنسه. و فيه حنو و ائتناس بالانسان اذا تألفه و استماله اليه بالرفق و حسن المعاملة. و منه ما يعقل عن الانسان ما يقوله، فيقف عند ما يقول له: قف، و يقدم عند ما يستدعيه اليه من بعد، و يفهم من الاشارات اليدوية فيذهب هاهنا و هاهنا، و ينام و يستيقظ و يمشي و يقف بحسب الاشارات التي يشار بها اليه، الي غير ذلك. و ما ذاك الا بواسطة الروح المنتقل اليه عن انسان عامل فيرد علي الجسم الذي يحل فيه ما علمه حال ما كان في جسم انساني. و يوجد في الانسان من يميل الي النفرة و العزلة و الافتراس و الاغتيال و كراهة أصناف من الحيوان أو التبات أو المعدن مما يكرهه بعض أجناس الحيوان. و من يميل الي الشجاعة أو الجبن، أو الكرم أو الشح، أو السكون أو الطيش، أو النفع أو الضر، أو الخمول أو الظهور، أو اللين أو القسوة، أو غير ذلك مما هو من خصائص الحيوان، و ما ذاك الا الروح الآتي اليه من حيوان عدم هيكله. و بطلان ذلك ظاهر لمن له أدني ذوق لا سيما و أنهم يقولون ان وجود الأرواح في العالم العلوي قبل تسفلها أكسبها علما بالضروريات (المذهب الثاني) و أهله يقولون بوحدة الاله، و جواز تصوره في صورة حسناء يخترعها من غير حلول فيها أوفي غيرها من الهياكل، [ صفحه 105] و انما يقرب للعقول أنه بالغ من الحسن و المهابة مبلغ هذه الصورة، و ان كان بعيدا عن الادراك في حد ذاته، لخروجه عن سلسلة الممكنات. و قد ترك الانشاء و الابداع، و جعل الأرواح متناسخة: الانسانية في الانسان، و الحيوانية في الحيوان. و هو غني عن الرسل بادراك الأرواح للملائم و المنافي قبل أن تحل في هياكلها، و بمجرد الاحتكاك في المثيل تنصقل مرآة ذاتها، و تعود اليها علومها الفطرية (أقول): و هذا مذهب دخله التصور الاستحساني فصار مركبا تركيبا غريبا انسلخ به عما قبله كما فارقه في تخصيص الأرواح بأنواعها (المذهب الثالث) و أهله يقولون: ان الله تعالي واحد في ذاته، منزه عن الصورة و الهيولي و المادة و الحلول. و قد خلق الأرواح علي صورة دبرها و اخترعها، و جعلها متناسخة بصورة لا تصل العقول الي كنهها. و هو غني عن الرسل و المعلمين بما في فطرة المخلوقات من العلم بضرورياتها. (المذهب الرابع) و أهله يقولون بوحدانية الاله، و تنزيهه عن الصورة، و المادة، و الحلول. و يحكمون بتناسخ الأرواح و لكن فيما يوافق مظهر هيكلها الفاني. فروح العالم تحل في روح عالم غيره، و روح الملك تحل في ملك خلافه، و روح الصانع تحل في صانع غيره، و هكذا. فالمظاهر العالمية ملكا و علما و صناعة و زراعة و شقاء و سعادة علي ما هي عليه في الدور الأول الروحي. ثم يقولون: ان الله تعالي يفرغ الكمالات الانسانية في كل زمن علي انسان متجرد لعبادته، منقطع عن الحيوانيات،لينوب منابه في اظهار الغضب و الرضي علي أفراد خلقه بحسب ما يأتونه من الأعمال، و ليحل و يحرم و يثبت و ينسخ من الأحكام ما يناسب الطواري‌ء الزمانية، و المقتضيات [ صفحه 106] الاجتماعية. فيتخذون عابدا في كل زمن نائبا في الأرض عن اله لا يموت، و يعملون بكل ما يسنه من الأحكام، أقر سابقه علي ما كان عليه، أو خالفه في بعض الفروع. و كلما مات عابد أقاموا غيره من المؤهلين لهذا المقام مقامه (المذهب الخامس) و هو يوافق المذهب الأول في أصل العقيدة و يخالفه في تجديد الأرواح. فيقول: ان باب الانشاء لم يقفل علي الله تعالي، فهو يزيد في خلقه ما يشاء، و مع هذ الزيادة فان الأرواح تتناسخ في نوعي الانسان و الحيوان قديمة و حديثة (المذهب السادس) و هو يوافق المذهب الثالث في أصول عقائده، و يقول برجعة الأجسام بطريق المواليد ان اتفقت الأدوار الفكلية. فمن صادفه هذا الاتفاق عاد الي الوجود بصورته التي كان عليها في الدور الأول (المذهب السابع) و هو يوافق المذهب الثاني في أصوله، و يخالفه في اختراع الا له صورة حسنة يقرب بها للعقول أنه بالغ من الحسن مبلغها، و يقول: انه يحل في أية صورة أرادها من صور الكائنات الانسانية حلول تطهير و تكميل، لا حول استقرار. و يوافقه في تناسخ الأرواح علي تلك الصورة (المذهب الثامن) و هو يوافق المذهب الرابع في عقائده، و يخالفه في اطلاق النسخ و الاثبات و تفويضهما الي العابد المتخذ. فيقول: ان هذا العابد لا يجوز له أن ينسخ من الأحكام ما لم يمض عليه قرن من الزمان (فهذه) جملة فروع الدين البوذي الأصلي و ملخص عقائدها و هو يوافقها في القول بوجود الله تعالي و وحدانيته و تناسخ الأرواح، و يخالفها في الحلول، و الصور، و اتخاذ العابد، و عودة الأجسام بطريق [ صفحه 107] الادوار الفلكية. فلا يقول بش‌ء من هذه الأقوال و كلها تنكر البعث جسمانيا و روحانيا، و تحكم بأن السعادة و الشقاء في هذه الدار ليس الا. و تنكر الرسل، و نزول الكتب السماوية علي أي فرد من أفراد الانسان. و تحرم تعدد الأزواج غير فرع من فروع المذهب الأول فانه يبيحه بحسب الطاقة، محتجا بأن الحجر داعية الزني، و غير الدين البوذي الأصلي فانه يجير للملوك ما لا يدخل تحت حصر ثم هم يزعمون أن (بوذا) الذي يعزون اليه قواعد دينهم هو أول من ظهر في الأرض علي صورة الانسان، و منه كان تناسل البشر و عمران الأرض. و يزعمون أنه سوف يظهر مرة أخري بنفسه عند ما يري ضرورة لذلك. و هم ينزهون ملوكهم، و يقدسون علماءهم، و يزينون بصورهم معابدهم و هياكلهم، و يخرون لها سجدا علي وجوههم. فهم بذلك و ثنيون عبدة أصنام. و قد وجد لهذا الدين عصبية في ننكين أدخلته في بيكين و سائر البلاد الصينية، ثم سارت به في جزائر فرموزة، و هينات، و ليوكيو، و جوكا. ثم ترحلت به الي اليابان، و برما، و أنام، و سيام، و ملقا، و سبير، و التاتار. و بدخول الأديان علي غيره في كل جهاتها لم يدخل عليه الا الدين الاسلامي في التاتار و شمال هندوستان و ملقا، و الدين المسيحي في سبير. و لبعد عصبياته لم تقع في أطماع الممالك المتدينة بغيرة الا في القرن الثالث عشر الهجري الموافق للقرن التاسع عشر المسيحي اذ امتدت اليها أطماع فرنسا، و انجلنزا، و الروسيا. فهي الآن بين جاذبة الاستتباع، و دافعة الاستقلال. و الظفر للآلات، و الحكم للقوة [ صفحه 108]

الدين الفتشي

(أو النظري التصوري) و هو دين الوثن و ذي الروح. و داعيته أن الطبقة الأولي من الحكماء و الالهيين عند ما وضعوا قواعدهم الحكمية، و دعوا الخلق اليها، و الأخذ بها، و قعوا من قلوب الأمم و نفوسهم موقعا عظيما أدي البعض الي القول بحلول الا له في هياكل هؤلاء الحكماء، و البعض لاتخاذ صورهم تذكارا لهياكلهم الشريفة و بتداول الأيام، و كثرة الامم مع قلة التعليم، اتخذ المتأخرون تلك الصور معبودات تقربهم الي الله، متوسلين اليه بأهل هذه الهياكل من المشرعين. و عند ما جاءت الطبقة النوحية انتشرت فيها تلك الصور المسماة بالأصنام و الأوثان، و بنيت لها الهياكل العظيمة، و اجتمع عليها الناس في كل الأقاليم المسكونة. ثم ضعف الادراك بفقد المعلمين و المرشدين، و انتشار الأمية في العالم، و فراغ الناس من العلوم، فآل الأمر الي اتخاذ تلك الأصنام آلهة فعالة مقصودة بالعبادة لذاتها، و قربوا اليها القرابين، و تفننوا في صور العبادة و هيآتها بحسب ما تدعو اليه الأوهام و الخيالات الفاسدة. و قال البعض بالبعث و النعيم و العذاب، و أنكر معظم الناس ذلك ثم باتساع نطاقه و انتشاره في أمم متعددة متباعدة متباينة اللغات توسعوا فيه، و تنقلوا من صور الحكماء الي صور الملوك العادلين، و العباد المتكهنين، ثم زادوه بسطة فوضع كل جنس، أو كل قوم، أو كل انسان، صنما علي صورة ما يقع عليه استحسانه كوكبا، أو انسانا، أو حيوانا، أو نباتا، أو معدنا. و انتقلت فروعه من [ صفحه 109] النظري التصوري الي الاستحساني. و هذا لا تدخل معبوداته تحت حصر، فانها تختلف باختلاف النظر و الاستحسان و داعيته أن النفوس من لوازمها البحث علي موجد أو مؤثر في الوجودات. و هذا البحث لازم لكل أمة مهما كانت هياكلها الانسانية فارغة من الآداب، خالية من التعليم، خصوصا أيام انقطاع المواصلات الاجتماعية، و استقلال كل أمة بأرضها، و جهلها من عداها من الناس، و تمكن النفرة، و الوحشة، و قطع الطرق، و جهل الملاحة و السياحة. و بحسب المدارك وقفت كل أمة عند ما وقفت عليه مداركها. فكما أن أرباب العقليات أوصلهم البحث الي الأديان المتقدمة، كذلك أرباب الاستحساني وقفوا عند حدود أوصلهم اليها تصور النفع أو الضر في حيوان أو نبات أو معدن أو كوكب، فافترقوا فيه فرقا شتي. فمنهم من عبدالثيرة، و منهم من عبد الفيلة، و منهم من عبدالثعابين، و منهم من عبد القطط، و منهم من عبد شجر الزيتون، و منهم من عبدالخرنوب، و منهم من عبد الثوم، و منهم من عبد جزءا من انسان، و منهم من عبدالانسان، و منهم من عبدالأحجار التي توجد علي صورة هيكل انساني أو حيواني، و منهم من عبدالشمس،و منهم من عبد القمر، الي غير ذلك مما لا يدخل تحت حصر و من فروعه من ألزمهم الملوك بعبادتهم و السجود اليهم في مجتمعاتهم و كان الدين الفتشي بفروعه منتشرا في جميع أقسام الكرة الأرضية و بقي علي سيادته حتي دخل عليه الدين الموسوي في فلسطين و بعض العراق و بعض بلاد العرب، ثم الدين المسيحي في ممالك أوربا و الشام و جزائر البحر الأبيض و أرمينية و مصر و بعض بلاد العرب و الحبشة و أمريقا الجنوبية و الشمالية. ثم جاء الدين الاسلامي [ صفحه 110] فدخل عليه في الاقطار التي حل فيها من آسيا و افريقية و أطراف أوربا و بانفراد الدينين الاسلامي و المسيحي بالمساجلة و المباراة أباداه من معظم المعمور، و لم يبق منه الا عصبيات ضعيفة في موزنبيق، و غينا الشمالية، و الجنوبية، و البيرو العليا، و الشيلي. و لكن رجال الدين المسيحي يحاولون نقلهم اليه بواسطة القسيسين و الرهبان المرسلين اليهم للترغيب بالوسائل المألوفة، و التعليم الديني في المدارس، لينقلوا الأطفال طبقة بعد طبقة، حتي اذا انقرضت الطبقة الكبيرة انقرض الدين معهم، و خرج الصغار علي الدين المسيحي و هذه الطريقة التي التزمتها أوربا في نقل الشرقيين من أديانهم الي الدين المسيحي بواسطة التعليم المدرسي وجدوها أسهل لهم من طريقة الفتح بالسيف. فان الدعوة بالسيف ينفر منها المدعو أول الأمر، و هذه لا يشعر بها أحد الا بعد تمام التربية. و قد نجحوا في هذه الطريقة كثيرا حتي أخذوا بها في مصر، و الشام، و تونس، و الجزائر، و عدة جهات أخري من بلاد المسلمين. و هم و ان فاتهم تظاهر المتعلمين عليهم بدينهم الآن فقد صيروهم من مشاربهم، و سبقوهم شراب محبتهم، و استخدموهم في الحصول علي مآربهم الشرقية و لنجاحهم في هذه الطريقة فتحوا ألوفا من الجمعيات، و حبسوا عليها الأوقاف العظيمة، و رتبوا لرجال الدين الرواتب الكثيرة، و ساعدتهم الحكومات علي نفوذهم في الممالك الشرقية. فهم الآن يحاربون كل أمة شرقية بهذه الحرب الأدبية، صابرين علي الأتعاب و المشاق، باسطين أيديهم بمال المساعدة و الاعانة، قائمين بوظائفهم جيلا بعد جيل بلا ملل و لا سآمة، راجين الظفر بالمقصود العام بعد العام، و القرن بعد القرن. و الشرقيون في غفلة الأوهام، [ صفحه 111] محجوبون عن معرفة هذه الحروب بحجاب دعوي حرية التدين، و منع التعصب الديني. و هما كلمتان لم تسمعا الا في الشرق، فان أعمال أوربا تنكر سماعهما فيها. و ليس بعد عمل (البروتستنط و الفرير و الجزويت) دليل يطلب علي شدة تعصب أوربا للدين. نعم ان المدارس المدنية في أوربا ليس فيها دروس دينية الا أن التلميذ لا يدخلها قبل اتمام دروسه الدينية في المدارس الابتدائية. و بالجملة فان سعي و رؤساء الدين المسيحي في العالم الشرقي عموما و الاسلامي خصوصا يجعل للمستقبل حما غير ما عليه الناس الآن ما دام الشرقيون في غفلتهم ساهين،عما يراد بهم لاهين، موزعة أهواؤهم حول شقاشق أوربا، و أوهام دهاتها، تولانا الله بهداه. آمين

اثبات الصانع

اشاره

(و تمزيق دعاوي من ينكر بعثته للرسل) لا أري صالحا أن أخرج من مبحث الأديان و لا أعقب بقمع دعاوي جمهور الفلاسفة، و من حذا حذوهم من أهل الأديان البشرية في انكار بعثة الرسل علي الله تعالي. كمالا أجد صوابا الا أن يتقدم ذلك تقرير اثبات الصانع جل جلاله، دحضا لمفتريات منكري وجوده تعالي، و كثير ما هم في هذا الزمان فأقول: ضرورة العقل السليم قاضية بأن كل مركب خارجيا كان أو عقليا من مختلفين أو من متفقين فهو مسبوق بالغير و حاصل بعد العدم أما مسبوقيته بالغير، فلتقدم أجزائه التي تركب منها عليه، كما هو [ صفحه 112] المشاهد في مثل السرير و الجدار. و أما حصول بعدالعدم، فلأنه مسبوق بعدم التركيب. و كل مسبوق بالغير، و موجود بعد العدم، فهو حادث البتة. و كذا قضت الضرورة يحدوث كل متغير من حال الي حال لأن الانتقال من حال الي أخري، اما خروج من سكون الي حركة أو من حركة الي سكون، و كلاهما حادث. لأن الحركة هي الخروج من حيز الي حيز فهي مسبوقة بعدمها، و السكون عدم الحركة عما من شأنه فهو مسبوق بالحركة، و محل الحادث حادث لا محالة. فاذا كل متغير حادث. و العالم بأسره من العلويات و السفليات، ما بين مركب عقلي كالماهيات المتعقله، و ما بين مركب خارجي كالأجسام المؤلفة من متباين كالحيوان و المعادن و النبات، أو متماثل كالفلك و العناصر الأربعة، ما بين متحرك و ساكن، فيكون برمته حادثا. و الضرورة قاضية أيضا بأن كل حادث فهو مفتقر في وجوده الي موجد و هو صانعه، لامتناع أن يوجد نفسه للزوم أن يكون الشي‌ء متأخرا عن نفسه، متقدما عليها بمرتبة. و لأنه ان كان أوجد نفسه بعد الوجود لزوم ايجاد غير القابل للايجاد و هو محال، لأنه لو كان موجودا لا يكون قابلا للايجاد ضرورة أن الايجاد هو الابراز من العدم، و لأنه يلزم عليه تقدم الأثر علي التأثير في الوجود و هو محال أيضا. و ان كان في حال عدمه فالمعدوم يستحيل منه الفعل. فاذا كل حادث فهو محتاج الي صانع. فالعالم محتاج الي صانع لأنه حادث

وجوب وجود الصانع عزوجل

الموجود اما أن يكون وجوده لا من علة مطلقا و هو واجب الوجود لذاته، و اما أن يكون من علة و هو ممكن الوجود لذاته، و قد يعرض [ صفحه 113] للممكن الوجوب بالغير. فصانع العالم ان كان واجبا لذاته فهو المطلوب، و الا كان مفتقرا الي صانع، لاحتياج الممكن الي المؤثر. ثم ننقل الكلام الي هذا الصانع فان كان واجبا فهو الاله، و ان لم يكن واجبا لزم احتياجه للغير، فاما أن يكون هو الأول فيلزم الدور،و اما أن يكون هذا الغير غير الأول و هكذا فيلزم التسلسل، و كلاهما باطل بالعقل أما الدور فلأنه يؤدي الي الجمع بين النقيضين و هو كون الشي‌ء متقدما لا متقدما و متأخرا لا متأخرا و هو محال. و أما التسلسل فلأنه يلزم عليه مساواة الناقص للكامل عند فرض السلسلتين و التطبيق بينهما مع عدم تناهيهما و هو باطل، فان كان مع التناهي حصل المقصود من بطلان التسلسل. فصانع العالم اذا واجب الوجود لذاته. و وجوب الوجود بالذات يقتضي: القدم، و الأزلية، و السرمدية، و الغني المطلق عن الغير. لأنه لو لم يكن قديما، لكان مسبوقا بالعدم، فيكون حادثا، و الحادث ممكن بالذات، و اجتماع الوجوب بالذات، و الامكان بالذات، ممتنع بالضرورة. و لو جاز عليه العدم في حال، لكان ممكنا، لأن هذا من خواص الممكن، كما أن عدم جواز لحوق العدم من خواص الواجب. اذ الوجود الواجب هو الذي لا يجوز العقل انفكاكه عن الموجود، كما أن الوجود الجائز هو الذي يجوز العقل انفكاكه عن الموجود، اذ الأول بالذات، و الثاني بالغير. و يقتضي أيضا عدم وجود ثان له في الألوهية، اذ لو كان له ثان فيها متصف بصفاتها التي منها الوجوب بالذات للزم عليه عدم ايجاد هذا العالم، لأنهما حينئذ يتمانعان فيه فكل يطلب ايجاده بحيث لا يخرج عنه فرد من العالم لتمام قدرته و طلبها ايجاد كل فرد، فما أن ينفذ مرادهما و يجتمعان علي ايجاده فيلزم اجتماع مؤثرين علي أثر واحد [ صفحه 114] و هو باطل لدي العقل لما فيه من الجمع بين النقيضين، اذ مقتضي كونه أثرا لهذا أن لا يكون أثرا لهذا و العكس، فيكون أثرا لا أثرا و هو الجمع بين النقيضين و هو باطل أدي اليه تعدد الواجب بالذات فيكون باطلا. و ان لم ينفذ مرادهما لم يكونا من متصفين بصفات الألوهية، و لا بالوجوب الذاتي، و هو خلاف المفروض. و ان نفذ مراد أحدهما دون الآخر كان الذين نفذ مراده هو الواجب بالذات دون آخر، فتم أن الواجب بالذات لا تعدد فيه. و يقتضي أيضا استحالة التركيب، و الزمان، و المكان، و التحول من حال الي حال عليه، لاستلزام هذه الأشياء المسبوقية بالغير،: و الواجب غير مسبوق بغيره. و يقتضي أيضا عدم التكثر في ذاته. فينتفي الشريك ضدا كان أو ندا، فيبطل به التعدد في الآلهة الذي ادعاه النصاري و المجوس و البابيون و البهائيون و الوثنيون. و يقتضي انتفاء حلوله تعالي في شي‌ء، لأن الحال محتاج للمحل، و به يبطل الاتحاد الذي ادعاه النصاري و البابيون و البهائيون و الباطنية و غيرهم. و استحالة الزمان و المكان عليه تقتضي انتفاء الحركة و السكون و الحلول فتنتفي الجسمية التي ادعاها له المجسمة، و الحلول و الاتحاد اللذان ادعاهما النصاري و البابيون و البهائيون و الباطنية و غيرهم أيضا، لأنهما حركة و سكون مستلزمان للزمان و المكان. و امتناع التحول من حال الي حال عليه يقتضي امتناع التغير عليه في ذاته و صفاته تعالي، فيمتنع حلول الأعراض و المعاني الحادثة في ذاته، فلا يكون محلا للحوادث، فلا يتصف بصفة في وقت و بضدها في وقت آخر، و به يبطل قول النصاري بالحلول و الاتحاد بذات عيسي و روح القدس، و قول البابيين بهما في ذات الباب و دعاته الثمانية عشر، و قول البهائيين بهما في ذات البهاء و الباب [ صفحه 115] و المرزا عباس، و قول مشبهيهم أيضا كالغلاة و الباطنية، لاستلزامهما اتصافه تعالي بصفة بعد أخري مضادة الأولي. جل الله و علا عما يقوله الجاهلون بشأنه علوا كبيرا. (فنتج مما تقدم) أن وجود صانع العالم لا من شي‌ء، و لا في شي‌ء، و لا علي شي‌ء، فهو الغني المطلق عما سواه، المتوحد في ذاته و صفاته و أفعاله، لا شريك له، و لا يشبهه شي‌ء من خلقه، و لا يشبه شيئا منهم. فهو خارج منهم بغير مباينة، و داخل فيهم بحكم تدبيره لهم لا بالممازجة. فهو اذا لم يلد و لم يولد و الا لكان مشبها لخلقه، و مشابهة الحادث تستلزم الحدوث المنافي للقدم الثابت لذات الباري‌ء تقدس اسمه. (فبطل) قول النصاري بالوهية المسيح لأن ذلك اما أن يقضي بأن الله مولود و هو محال، أو يقضي بانقلاب حقيقة أحدهما الي حقيقة الآخر و هو محال أيضا لاستلزام الحدوث من جهة، و لأن المجرد لا يكون ماديا و المادي لا يكون مجردا من جهة أخري. و بذلك أيضا بطل قول البهائيين بالوهية البهاء، و البابيين بالوهية الباب (و بطل) قول النصاري: ان المسيح ابن‌الله، لأن البنوة له تقتضي مماثلته للحوادث و تقتضي الحاجة للابن و هو غني و مخالف للحوادث. و من ذلك كله تعلم انتفاء تعدد القدماء، لاستلزام التعدد التمانع و عدم ايجاد العالم الثابت بالمشاهدة و لأن القديم لو كان متعدد الاشخاص المندرجة تحت النوع لكان نوعا متحصلا بالجنس و الفصل، و المتحصل بغيره معلول لذلك الغير، فهو حادث، فيكون القديم حادثا، و هذا تناقض بين. (فبطل) قول الصابئة بقدم الكواكب. (و بطل) قول النصاري بوجود المسيح في الأزل، و قول البهائيين بذلك، في البهاء و الباب و المرزا عباس، و قول البابيين به في الباب و دعاته الثمانية عشر [ صفحه 116] لأن وجودهم ان كان من غيرهم كانوا حادثين البتة، و ان لم يكن من غيرهم كانوا أضدادا، أو أندادا، فيتعدد الواجب و هو محال. فافهم ذلك ترشد، و اعتمده تسعد، فأولئك قوم (ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون، صم بكم عمي فهم لا يرجعون)

بعثة الله للرسل و الحاجة اليها

(1) قال المحققون من الفلاسفة: قد ثبت بالضرورة أن نوع الانسان يحتاج الي المصانع الضرورية الكثيرة التي لا بقاء له بدونها مثل: الغذاء، و اللباس، و المسكن، و الآلات، و غيرها. و أن الانسان الواحد لا يقدر آن يقوم بجميع هذه المصالح الضرورية، بل لابد أن يكون معه آخرون من بني نوعه حتي يطحن هذا لذاك، و يخبز ذاك لهذا، و يزرع لهما ثالث، و هكذا الحال في الحياكة، و البناء و غيرهما من الصناعات. فهو محتاج في تعيشه الي اجتماعه مع بني نوعه للتعاون و التشارك في تحصيل تلك المصالح الضرورية. و لذلك قيل الانسان مدني بالطبع، فان التمدين هو هذا الاجتماع. و ذلك التعاون و التشارك لا يتمان بدون المعاملات و المعاوضات التي تجري بينهم، و يقع فيها غالبا التنازع المؤدي الي الاختلاف و القتل، و اختلال أمور الدين و الدنيا. فلابد لهم من قانون متفق عليه، مبني علي العدل و الانصاف، بعيد عن الجور و الاعتساف، مشتمل في نظام أمور معاشهم و معادهم. و العناية الأزلية و ان عمت جميع الحيوانات بأن أعطت كل حيوان ما يليق به من الآلات و هدته الي ما فيه بقاؤه، و به قوامه، لكنها في الانسان أشد، لانه أشرف الأنواع الحيوانية، و ما عداه من تلك الأنواع مسخر له. فكيف يتصور أن [ صفحه 117] الله مع تلك العناية الأزلية الشديدة في حقه لا يهديه الي قانون من قبله ينقاد له العوام و الخواص، و يحصل به انتظام أمور المعاش و المعاد، و ذلك القانون هو الشرع. و لما كانت ذات الله في غاية التقديس، و ذواتنا في غاية التدنس، فلا يمكن وصول هذا الشرع بلا واسطة، و لابد أن تكون هذه الواسطة ذات جهتين تكون لهما مناسبة بالله من جهة، و بنا من جهة أخري. فلابد أن يكون انسانا [12] مقدسا متميزا عن الآخرين بخصوصية فيه من الله، و استحقاق طاعة و انقياد، مختصا بأمر يدل علي تصديقه. فتلك الخصوصية هي البعثة و النبوة، و ذلك الانسان هو النبي، و ذلك الأمر هو المعجزة فثبت أن المحققين من الفلاسفة يقرون أيضا بالاحتياج الي البعثة و الرسالة. و كيف لا يقرون و الانسان مع كونه مخلوقا ضعيفا، يضع قانونا لأهل بيته يأتيهم بما ينفعهم، و يقيهم ما يضرهم. فهل يظن بأرحم الراحمين، و الحكيم العادل، أن يهمل أشرف مخلوقاته بدون شريعة بها نظام أمور معادهم و معاشهم؟؟... قال رئيسهم في الشفاء: ان العناية الالهية تقتضي المصالح التي لها منفعة ما في البقاء كانبات الشعر علي الأشفار و علي الحاجبين، و تقعير الأخمص من [ صفحه 118] القدمين، فكيف لا تقتضي المنفعة التي هي في محل الضرورة للبقاء، و لتمهيد نظام الخير، و أساس المنافع كلها؟؟ و كيف لا يجب و قد وجد ما هو مبني عليها، و متعلق بها؟؟ و كيف يجوز أن يكون المبدأ الأول و الملائكة بعده يعلمون ذلك، و لا يعلمون هذا؟؟... (2) ان العقل لا يستقل في معرفة كثير من الأمور مثل المعاد الجسماني، و أكثر أحوال الآخرة، و بعض صفات الله، و وظائف العبادات و غيرها. و لا شك أن أمر المعاد أهم من أمر المعاش، و أن حكم العقل فيما يستقل بمعرفته أيضا لا يكون موثوقا به في جميع الأوقات، لأن العقول متفاوتة، لا سيما اذا لا حظنا أن للأمزجة و العادات أيضا دخلا في الاعتقادات، و أن لكل قوم مشهورات مخصوصة بهم، مسلمة عندهم، بل هي بمنزلة البديهيات عندهم، و غيرهم لا يسلمونها، بل يردونها وجوبا. و كذا اذا لا حظنا أن النفس مسخرة للوهم، و له استيلاء عظيم عليها. و لذا تري أن أكثر الناس يكونون منهمكين في أوهام باطلة مدة عمرهم، فتشتبه علي العقل غالبا المشهورات و الوهميات بالأوليات. و كذا نري أن بعض الناس يحسنون استعمال المسكرات لاجتلابها للسرور، و يشتبه عليهم ما يلحقها من المفاسد و الشرور، من الصحة الجسمانية، و جلب الفقر و العار المهين بين الناس. فالتفويض في مثل هذا الأمر الي العقل مظنة التنازع و التقاتل و اختلال النظام. و أن مالا يدرك حسنه و قبحه قد يكون حسنا في الواقع يجب فعله، و قد يكون قبيحا فيه يجب تركه. و أن ما يخالف العقل قد لا يكون مع الجزم. فالعقل غير كاف، و لابد من الاحتياج الي نبي، و هذا النبي يعاضد العقل، و يؤكد حكمه، و يجعله موثوقا به فيما يستقل ذلك العقل بمعرفته، مثل [ صفحه 119] وجود الباري و قدرته، فيكونان بمنزلة دليلين علي مدلول واحد، و يرشد العقل و يهديه فيما لا يستقل بمعرفته مثل المعاد الجسماني، و يجعل الحكم مأمونا علي اشتباه المشهورات و الوهميات بالأوليات، و يكشف عن وجوه الأشياء التي لا يدرك العقل حسنها و قبحها، أو يكون مخالفة العقل اياها علي سبيل الجزم فثبت أن البعثة ضرورية، و رحمة للعالمين، لما فيها من حكم و مصالح لا تحصي و أن منكرها سفيه مغرور. ولو فرضنا امكان معرفة التكاليف و أحوال الأفعال بالعقل، فالنبي ليس بمستغني عنه في تلك الصورة أيضا. ألا تري أن يمكن للعامة بمجرد الفكر و التجربة التوصل الي جميع ما يعلمه الطبيب الحاذق من الأدوية و طبائعها و خواصها و لكنهم يكونون محتاجين الي التجربة التي لا تحصل الا في دهر طويل. و لا جرم أنهم يكونون في ذلك الدهر الطويل محرومين من فوائد الأدوية النافعة، و يقعون غالبا في المهالك بالستعمال الأدوية المضرة لعدم حصول العلم بها بعد، و يوقعون أنفسهم في التعب، و يتعطلون من الصنائع الضرورية، و يشتغلون عن المصالح المعاشية و اذا أخذوا عن الطبيب الحاذق خفت المؤونة، و سلموا من المضار و انتفعوا. فكما لا يقال ان العامة لهم غني عن الطبيب لأجل امكان المعرفة لهم، فكذا لا يقال انهم مستغنون عن النبي بسبب امكان معرفة التكاليف و أحوال الأفعال بعقولهم. بل النبي أولي بعدم الاستغناء لأنه لا يعلم ما يعلم الا من جهة الله التي بها امتاز عن غيره، بخلاف الطبيب (فثبت) أن القول بأن في العقل مندوحة عن النبوة باطل بل الحق أن القائل به، الساعي في رفع الصلاح و السلامة من العالم [ صفحه 120] و شحنه بالفتن و المظالم، أحق أن يسمي جاهلا و ظالما، من أن يدعي حكيما، أو عالما (3) البعثة ليست بمستحيلة لذاتها، و لا لامتناع لازمها الذي هو التكليف. (أما الأول) فلما عرفت في القولتين السابقتين، و لأن الله ملك مطاع، و الملك المطاع من له الأمر و النهي علي عبيده و لا بد من مبلغ، و هذا المبلغ هو النبي. و يحصل له العلم اليقيني بأن الله أرسله، اما بخلق الله فيه علما ضروريا بذلك المعني، أو ظهور الآيات و المعجزات التي يتقاصر عنها المخلوقات علي يده. و كذا اذا كان المبعوث اليه عاقلا متمكنا من النظر، و رأي معجزة خارقة للعادة، مقترنة بدعوي النبوة، يحصل له عادة أيضا العلم اليقيني بأنه نبي يجب تصديقه عليه بلا مهلة. (و أما الثاني) فلأن الله خالق العباد كلهم، و اذا كان خالقا لهم كان مالكا لهم، و اذا كان مالكا لهم حسن منه أن يأمرهم و ينهاهم، لأن ذلك تصرف من المالك في ملك نفسه، و لأن التكليف يوجد فيه من المنافع الدنيوية و الأخروية أكثر من المضرة، و ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل مما لا يجوز، و هذا التكليف لغرض يعود الي العبد و هو المنافع المذكورة، و عقاب العاصي ليس الا لأجل عدم امتثاله أمر مولاه و سيده المستلزم لاهانته، و كذا مضرة الكافر مستندة الي سوء اختيارهم، و هذا التكليف لا يمنع القلب عن الاستغراق في معرفة و الفناء في عظمته لأن التفكر في معرفة الله و صفاته و أفعاله العمدة الكبري من أغراض ذلك التكليف، و سائر التكاليف داعية اليه، و وسيلة الي صلاح المعاش المعين علي صفاء الأوقات عن المشوشات التي يفضل شغلها علي شغل التكاليف [ صفحه 121] (4) قد توجد في الشرائع أحكام تعبدية لا تظهر حكمة مشروعيتها للعقول القاصرة، و المصلحة فيها: أن النفس اذا علمت حكمة الحكم لا يكون انقيادها لمجرد امتثال حكم الله فقط، بل لأجل تلك المصلحة أيضا، و ربما يحصل لها الاعجاب بنفسها بأنها ذات قوة و رسوخ في العلم، و اذا لم تعلمها يكون انقيادها لمجرد الامتثال، و ينكسر اعجابها الثابت لها فيما علمت حكمته، و أن فيها زيادة امتلاء في التكليف، فان النفس تأبي عما لا تعلم حكمته. و يجوز أن يكون فيها حكم و مصالح أخري أيضا لا يعلمها الا الله و الراسخون في العلم. و لا توجد البتة في الشرائع الحقة أحكام يبطلها الحس أو البراهين القطعية فلو وجد في بعض الشرائع مثل هذه الأحكام فان كان ثبوتها من الشارع بالتواتر الجامع للشروط وجب تأويلها، و الا ردها و الاعتراف بأنها من اختراعات العلماء السوء من أهل تلك الشريعة يقينا، و ليست من الله (5) حصول الاطلاع علي المغيبات الماضية و الآتية للنبي لا تستنكره الفلاسفة أيضا، لأن النفوس الانسانية علي مذهبهم مجردة في ذاتها عن المادة، غير حالة فيها. بل هي لا مكانية، و لها نسبة في التجرد الي المبادي‌ء العالية، أعني العقول و النفوس السماوية المنتقشة بصور ما يحدث في هذا العالم العنصري الكائن الفاسد، لما تقرر أنها عالمة بذواتها. فقد تتصل النفس الانسانية بتلك المبادي‌ء العالية اتصالا معنويا بواسطة الجنسية، و تشاهد ما فيها من صور الحوادث، فيرتسم فيها من تلك الصور ما تستعد هي لارتسامه كمرآة مجلوة تحاذي شطر مرآة أخري فيها نقوش، فينعكس منها الي الأولي ما يقابلها. و لا يلزم أن ينتقش في النفس جميع ما في المبادئ العالية [ صفحه 122] من صور الحوادث، لأن لقبول كل صورة استعدادا يخصها. و قد شهد التسامع و التجربة بأن هذا الاتصال قد يوجد في نفس قلت شواغله اما بالرياضة بأنواع المجاهدات، أو مرض صارف لها عن الاشتغال بالبدن و استعمال الآلة، أو نوم تنقطع به احساساته الظاهرة (و اذا ثبت ذلك) في المرتاض، أو المريض، أو النائم، فكيف يستنكر في حق النبي الذي نفسه في غاية التقدس، و يمتاز النبي عن غيره بكون ذلك الاتصال بلا مرض و نوم و رياضة؟؟... فالحق أنه لا استبعاد في أن يحصل للنبي اطلاع علي المغيبات (6) ظهور الأفعال الخارقة للعادة من النبي ليس بمستنكر أيضا عند الفلاسفة، لأن علاقة النفس بالبدن عندهم انما هي بالتدبير و التصرف، لا بالحلول و الانطباع. و قد ثبت تأثيرها في المواد البدنية كما تشاهد أن الانسان يحمر عند الخجل، و يصفر عند الوجل، و يتسخن عند الغضب، و أنه يسقط من الموضع العالي اذا كان قليل العرض، و لا يسقط في الموضع السافل و ان كان الممشي فيه أقل عرضا من الموضع العالي. فاذا كانت ارادات كل نفس و تصوراتها مؤثرة في بدنها مع عدم الحلول و الانطباع فيه (فكيف) يستبعد أن يكون بعض النفوس القدسية قوية تتصرف بمجرد الارادة و التصوير بلا استعمال آلة في أجسام أخري غير بدنها، بل في كلية العناصر، لا سيما العنصر الذي يكون أشد مناسبة لمزاجه، و يكون هذا العالم بمنزلة بدن منقاد له في حركاته و سكناته، فتحدث بارادته في الأرض رياح، و زلازل، و حرق، و غرق، و هلاك أشخاص ظالمين، و خراب مدن فاسدة، و انفجار المياه من الأحجار، و غيرها من الخوارق و قد شوهد مثلها في كل عصر من الصلحاء، و الأولياء، و أهل [ صفحه 123] الرياضة، فكيف يستنكر مثلها من النبي!!... (7) اذا ظهرت المعجزة علي يد مدعي النبوة خلق الله العلم الضروري بصدقه قطعا علي ما جرت به العادة، و لا تنافيه الاحتمالات الصرفة و التجويزات العقلية المحضة، لأنها لا تنافي العلوم العادية الضرورية القطعية. مثلا اذا ادعي الرجل في مجلس ملك بمشهد الجم الغفير: أني رسول هذا الملك اليكم، و طالبوه بالحجة، فقال: حجتي أن الملك يخالف عادته لتصديقي اذا طلبت منه. و طلب منه أن خالف عادتك، و قم عن سريرك، ثم اقعد، و افعل هكذا ثلاث مرات، ليذعن الحاضرون بأني رسولك. فقبل الملك، و فعل كما طلب هذا المدعي. فكان ذلك الفعل من الملك نازلا منزلة تصديقه، و يحصل للحاضرين عادة العلم الضروري بصدقه بلا ارتياب. و ان كان الملك ظلوما كذوبا لا يبالي باغواء رعيته، و الاستهزاء برسله، و لا يلتفت الي الاحتمالات العقلية الصرفة (8) التواتر اذا كان جامعا للشروط المفصلة في علم الأصول، فلا شك أنه يفيد العلم الضروري بما تواتر الاخبار عنه [13] اذ لا سبيل الي العلم بالبلاد البعيدة، و الأشخاص الماضية، سوي التواتر. فمن شاهد معجزة نبي يحصل له العلم بصدق ذلك النبي [ صفحه 124] بالمشاهدة، و من لم يشاهدها و وصل اليه خبر تلك المعجزة بالتواتر الجامع لشروطه يحصل له العلم أيضا. فحصول العلم لمن لم يشاهد المعجزة ممكن البتة (9) نزول الوحي بواسطة الملك المصور بصورة المحسوس و سماع الكلام منه لا يستنكر عقلا [14] لأن رؤية الملائكة و السماع منهم و ان لم يكونا متصورين (علي ظاهر كلام الفلاسفة) لأنهم عندهم عبارة عن ذوات مجردة دون الأجسام، لكن معني كون الملك مصورا بصورة المحسوس، و سماع الكلام منه عندهم، علي ما هو مشروح في كتبهم: أن القوة المتخيلة تكسو المعقول المرتسم لباس المحسوس، و تنقشه في الحس المشترك علي انتقاش المحسوسات فيه من خارج، و لذلك يري النائم في بعض الأوقات أن شخصا يكلمه بكلام منظوم دال علي معان صادقة. و النبي تكون نفسه متجردة عن الشواغل البدنية لقلة التفاتها الي عالم الحس، و ينجذب بالسهولة الي عالم القدس لشدة اتصالها به، و تكون قونه المتخيلة في غاية الشدة، قوية التلقي من عالم الغيب، قليلة الانغماس في جانب الظاهر، و لا تعصيها المصورة و لا تشغلها المحسوسات عن أفعالها الخاصة. فاذا انجذبت نفسه الي عالم القدس، و اتصلت به في يقظته، شاهدت المعقول كمشاهدة المحسوسات. فتمثل العقول المجردة لا سيما العقل العاشر الذي له زيادة اختصاص بعالم العناصر في حسه المشترك صورا و أشباحا، يخاطبونه، و يسمعونه كلاما منظوما، دالا علي معان مطابقة للواقع، يحفظ و يتلي، و يكون ذلك من قبل الله و ملائكته - ففيه تخيل [ صفحه 125] صورة الموجود، لا تخيل ما لا وجود له أصلا، كما للمرضي و المجانين، ففي الصورتين فرق ما. و ربما صار ذلك الانجذاب و الاتصال صفة راسخة له، فيحصل ذلك الانجذاب و ما يترتب عليه من المشاهدة بأدني توجه منه هذا و سنأتي باثبات الحشر، و الحاجة اليه، في المحاكمة التي عقدناها لذلك في المنطق من هذا الكتاب ان شاء الله

موعود الامم

اشاره

اعلم أرشدك الله الي الصواب، و لا جعلك ممن يلبسون الحق بالباطل و هم يعلمون، أن الله تبارك و تعالي أنزل في كتبه الموحاة قبل القرآن نذرا ربانية. و بشائر رحمانية. تشير الي بعثة رسول جليل. من سلالة الذبيح اسمعيل. هو مهبط وحي الله و كلماته. و مطلع شموس آياته و بيناته. يغلق به أبواب النهي و الامار. و يكشف له ما لم يكشف لنبي من الأسرار. فضله عن الأنبياء و المرسلين. يبعثه بالهدي و دين الحق و رحمة للعالمين. و لم يشهد القرآن الكريم أن هناك مبعوثا آخر من نسل اسمعيل أو غيره يبعثه الله تعالي كافة للناس أو لطائفة منهم بعد نبينا محمد صلي الله عليه و سلم. بل شهد بختمه صلوات الله عليه للنبوة، و ببعثته للأسود و الأحمر، و بأنه من سلالة الذبيح، و أنه المبشر به في الكتب السماوية السابقة، اسما، و نعتا، و حالا، و أرضا، و نسبا. قال تعالي: [ صفحه 126] (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين) و قال تعالي: (و ما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا و نذيرا). و قال تعالي: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون). و قال تعالي: (و اذ قال عيسي بن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). و قال تعالي:(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون). و قال تعالي: (و اذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسمعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم، ربنا و اجعلنا مسلمين لك و من ذريتنا أمة مسلمة لك و أرنا مناسكنا و تب علينا انك أنت التواب الرحيم، ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم انك أنت العزيز الحكيم) فلم يبق اذا أدني شك لدي المسلم في أن الموعود المبشر به في كتب الأنبياء المتقدمين، من آدم الي المسيح صلوات الله عليهم أجمعين، انما هو خاتم الرسل و الأنبياء، سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم، لا البهاء أخزاه الله كما يزعم البهائيون، و لا المسيح أو غيره من أنبياء بني اسرائيل كما يزعم اليهود و النصاري ثم اعلم أنه لم يبق متداولا في الناس مما أوحاه الله قبل القرآن ما نستطيع أن نستمد منه بشائر المصطفي صلوات الله عليه غير كتب [ صفحه 127] اليهود و النصاري علي ما فيها من تحريفهم الكلم عن مواضعه، و نسخهم ما كان فيه اسم محمد، و الشهادة بنبوته و رسالته صريحا. فهناك بقيه جهلوها لجفو طباعهم، و لم يفهموها لعدم ادراكهم أغفلهم الله عنها، و حماها من تلاعبهم بها، رعاية لمنصب هذا النبي الكريم، حتي قيض لها لفيفا من علماء الاسلام و جهابذته فاستخرج هذا الدر من صدفه، فتلقفه البهائيون، و صرفوا أغلاه و أعلاه الي ربهم العاجز، و الههم الميت المقبور. و اليك ما يحتمله المقام من بشارات هذه الكتب:

بشارات التوراة

(البشارة الأولي) قيل في سفر التثنية ص 18: 15«يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي له تسمعون». و فيه في الآية 18 «أقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك و أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به». فهذا الكلام صريح في ارادة نبينا محمد صلي الله عليه و سلم لا غيره بدليل قوله: «و أجعل كلامي في فمه» فان الله تعالي أنزل الوحي علي قلبه و جعله في فمه. و أما قوله «من وسط اخوتك» فالمراد به من أفضل نسبك من اخوتك. و كذلك قوله في الآية الثانية: «من وسط اخوتهم» أي أفضل اخوتهم نسبا. و ليس لبني اسحق اخوة بعث الله منهم نبيا بعد موسي الا بني اسمعيل، و النبي محمد صلي الله عليه و سلم أفضلهم نسبا، و أكرمهم حسبا. ولو كان المشار اليه في الآية نبيا من أنبياء بني‌اسرائيل لقال منك و لم يقل من اخوتك، و لقال في الآية الثانية من وسطهم و لم يقل من وسط اخوتهم، لأن ذلك هو المتعارف في اللغة العربية، و غيرها من اللغات مثلها في ذلك. أما و قد قال: «من اخوتك، و من وسط [ صفحه 128] اخوتهم» فهو صريح في ارادة غير بني اسرائيل. اذ لا يصح أن يكون بنوا اسرائيل اخوة أنفسهم، لاستحالة أن يكون الانسان أخا نفسه. و أما قوله: «مثلك» فهو صريح في أن ذلك النبي يجي‌ء مثل موسي بكتاب مستقل، و شريعة مستقلة، و لم يكن كذلك الا نبينا محمد (صلعم). ثم ان هاتين الآيتين لا تنصرفان الي المسيح بوجه من الوجوه، لان النصاري و اليهود فيه علي طرفي نقيض، منهم المكذب و منهم مدعي الربوبية، و هو من بني‌اسرائيل لا من اخوتهم. و لا تنطبقان كذلك علي البهاء الكذاب لأنهما تشيران الي نبي لا رب خالق كما يزعم أتباعه. فاذا تنازل هؤلاء العمي عن ربوبيته و قالوا: انه نبي فقط، و أنه من اخوة بني اسرائيل اذ هو من آل بيت الرسول صلي الله عليه و سلم. قلت: لا تنطبقان عليه أيضا لأنه ليس كموسي اذ موسي يدعو الي سبيل الله و هو يدعو الي سبيل الشيطان (البشارة الثانية) قيل في سفر التثنية ص 33: 2 «جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير و تلألأ من جبل فاران و أتي من ربوات القدس». فهذا الكلام يدل علي نبوة موسي، و نبوة عيسي، و نبوة محمد، و نزول عيسي في آخر الزمان. فان سيناء هو الجبل الذي نبي‌ء عليه موسي، و سعير هو الذي نبي‌ء عليه عيسي، و جبل فاران من جبال مكة بنيها و بينه مسيرة يوم، و تلألؤ النور منه اشارة الي تنبؤ محمد و بعثه بالرسالة من جهته، و القدس محل نزول عيسي في آخر الزمان حاكما بشريعة محمد صلي الله عليهما و سلم. و اليك ما قاله أبوالفضل داعية البهائية في تفسير هذه الآية في الصفحة 218 و التي تليها من كتابه الدرر البهية. قال بعد أن ذكر الآية: «فهذه الآية تدل دلالة واضحة أن بين يدي الساعة و قدام مجي‌ء القيامة [ صفحه 129] لابد من أن يتجلي الله علي الخلق أربع مرات و يظهر أربع ظهورات (كذا) حتي يكمل سير بني‌اسرائيل و ينتهي أمرهم الي الرب الجليل [15] فيجمع شتيتهم من أقصي البلاد و يدفع عنهم أذي كل العباد و يسكنهم في الأراضي المقدسة و يرجع اليهم مواريثهم القديمة فظهر أولا بمقتضي هذه الآية الكريمة سيدنا عليه‌السلام فتجلي الله عليهم بظهوره من جبل سيناء. ثم ظهر ثانيا سيدنا عيسي عليه‌السلام فتجلي عليهم بظهوره من جبل سعير. ثم ظهر ثالثا سيدنا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فتجلي عليهم بظهوره من جبل فاران فدارت الأدوار، و تتابع الليل و النهار، حتي ظهر الرب المختار» (قلت) - اني أوافق هذا الهرم المغرور علي الظهورات الثلاثة، و أخالفه في الظهور الرابع، لأن صاحبه نبي لا رب خالق كما يزعم الهرم. ثم ان هذا النبي هو سيدنا عيسي بعينه، و يكون عاملا بشريعة محمد في نفسه و في الناس. قال عليه الصلاة و السلام: «كيف بكم اذا نزل ابن‌مريم فيكم و امامكم منكم فأمكم منكم»؟ قال ابن أبي‌ذؤيب: أتدرون ما أمكم منكم؟ يؤمكم بكتاب الله عزوجل، و سنة نبيكم صلي الله عليه و سلم. و معني ذلك كما قرره العلماء ملخصا: «أنه اذا نزل عيسي عليه‌السلام في آخر الزمان يكون مقررا لشريعة محمد (صلعم) و مجددا لها اذ لا نبي بعد رسول الله يحكم بشريعة غير شريعة محمد (صلعم) لأنه آخر الشرائع و نبيها خاتم النبيين. فيكون عيسي حكما مقسطا لأنه لا سلطان يومئذ للمسلمين، و لا امام، و لا قاضي، و لا [ صفحه 130] مفتي، قد قبض الله العلم، و خلا الناس منه. فينزل و قد علم بأمر الله تعالي في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج اليه من أمر هذه الشريعة فيحكم به بين الناس، و ليعمل به في نفسه. فيجتمع المؤمنون عند ذلك اليه، و يحكمونه علي أنفسهم، و لا أحد يصلح لذلك غيره، لأن تعطيل الحكم غير جائز.و أيضا فان بقاء الدنيا انما يكون بالتكليف فلا يزال التكليف قائما الي أن لا يبقي علي وجه الأرض من يقول: «الله الله». فان قيل: فما الدليل علي نزول عيسي عليه‌السلام من القرآن؟ قلت: الدليل علي نزوله قوله تعالي (و ان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) أي حين ينزل و يجتمعون عليه. و قال تعالي: (و انه لعلم للساعة) قري‌ء «لعلم» بفتح اللام و العين، و الضمير في «انه» راجع الي عيسي عليه‌السلام لقوله تعالي: (و لما ضرب ابن‌مريم مثلا) و معناه أن نزوله علامة القيامة. و في الحديث في صفة الدجال: «فبينماهم في الصلاة اذ بعث الله المسيح بن مريم فنزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين يديه مهرذدبتان (المهرذدبة ثوب مصبوغ بالورس) واضعا كفيه علي أجنحة ملكين» فقد ثبت نزوله عليه‌السلام بالكتاب و السنة. و زعمت النصاري كما يزعم البهائيون: أن ناسوته صلب، و لا هوته رفع و الحق أنه رفع بجسده الي السماء، و الايمان بذلك واجب. قال تعالي (بل رفعه الله اليه). قال أبوطاهر القزويني: «و اعلم أن كيفية رفعه و نزوله، و كيفية مكثه في السماء الي أن ينزل، منغير طعام و لا شراب، مما يتقاصر عن دركه العقل، و لا سبيل لنا الا أن نؤمن بذلك تسليما لسعة قدرة الله تعالي». فان قيل: فما الجواب عن استغنائه عن الطعام و الشراب مدة رفعه فان الله تعالي قال: (و ما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام)؟ فالجواب: ان الطعام انما جعل [ صفحه 131] قوتا لمن يعيض في الأرض، لأنه مسلط عليه الهواء الحار و البارد، فينحل بدنه، فاذا انجل عوضه الله تعالي بالغذاء، اجراء لعادته في هذه الخطة الغبراء. و أما من رفعه الهل الي السماء، فانه يلطفه بقدرته، و يغنيه عن الطعام و الشراب كما أغني الملائكة عنهما، فيكون حينئذ طعامه التسبيح، و شرابه التهليل، و الله علي ما يشاء قدير. فيتضح لك مما تقدم أن دعوي القوم باطلة. و أقوالهم في بهائهم عاطلة و براهينهم عليهم مردودة. و مناهج الحق في وجوههم مسدودة. (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم) و سنزيد أشياء أخري في هذا الباب في بعض المحاكمات التي عقدناها في المنطق الثاني من هذا الكتاب ان شاء الله (البشارة الثالثة) كل الاصحاح الرابع و الخمسين من سفر أشعياء و هو: «ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشه أكثر من بني ذات البعل، قال الرب. أو سعي مكان خيمتك، و لتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك و شددي أوتادك. لأنك تمتدين الي اليمين و الي اليسار، و يرث نسلك أمما، و يعمر مدنا خربة. لا تخافي لأنك لا تخزين، و لا تخجلي لأنك لا تستحين، فانك تنسين خزي صباك، و عار ترملك لا تذكرينه بعد. لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه، و وليك قدوس اسرائيل اله كل الأرض يدعي. لأنه كامرأة مهجورة و محزونة دعاك الرب، و كزوجة الصبا اذا رذلت قال الهك. لحيظة تركتك، و بمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة و باحسان أبدي أرحمك، قال وليك الرب. لأنه كمياه نوح هذه لي، كما حلفت ألا تعبر مياه نوح علي الأرض، هكذا حلفت ألا [ صفحه 132] أغضب عليك و لا أزجرك، فان الجبال تزول، و الا كام تتزعزع، أما احساني فلا يزول عنك، و عهد سلامي لا يتزعزع، قال راحمك الرب. أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا أبني بالأثمد حجارتك و بالياقوت الأزرق أؤسسك. و أجعل شرفك ياقوتا، و أبوابك حجارة بهرمانية، و كل تخومك حجارة كريمة. و كل نبيك تلاميذ الرب و سلام بنيك كثيرا. بالبر تثبتين، بعيدة عن الظلم فلا تخافين، و عن الارتعاب فلا يدنو منك. ها أنهم يجتمعون اجتماعا ليس من عندي، من اجتمع اليك فاليك يسقط. هأنذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار و يخرج آلة لعمله، و أنا خلقت المهلك ليخرب. كل آلة صورت ضدك لا تنحج، و كل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب و برهم، من عندي يقول الرب». ا ه فالمراد بالعاقر مكة المعظمة لأنه لم يظهر منها نبي بعد اسمعيل عليه‌السلام، و لم ينزل فيها وحي بخلاف أورشليم، فقد ظهر فيها الأنبياء الكثيرون، و كثر فيها نزول الوحي. و بنو المستوحشة عبارة عن أولاد هاجر، لأنها كانت بمنزلة المطلقة المخرجة من البيت، ساكنة في البر. و بنو ذات البعل عبارة عن أولاد سارة. فخاطب الله تبارك و تعالي مكة آمرا لها بالتسبيح، و التهليل، و انشاء الثناء و الحمد، اذ جعل أبناء هاجر أكثر من أبناء سارة، و أعز و أفضل، و بعث منهم فيها أكرم البشر، و خاتم الرسل، سيدنا محمدا صلي الله عليه و سلم، هاديا و مبشرا و نذيرا، و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا فحصل لها بحرمة هذا النبي الكريم من السعة و الفضيلة و التكريم و التعظيم ما لم يحصل لغيرها من المعابد في الدنيا، اذ لا يوجد معبد [ صفحه 133] علي وجه الأرض كالكعبة من ظهور محمد صلي الله عليه و سلم الي هذا الحين. و التعظيم الذي يحصل لها من القرابين في كل سنة من مدة 1329 عاما لم يحصل لبيت المقدس الا مرتين: مرة في عهد سليمان عليه‌السلام لما فرغ من بنائه، و مرة في النسة الثامنة عشرة من سلطنة (يوشيا). و سيبقي هذا التعظيم لمكة الي آخر الدهر ان شاء الله كما وعد تعالي بقوله: «لا تخافي لأنك لا تخزين، و لا تخجلي لأنك لا تستحين» و بقوله: «و بمراحم عظيمة سأجمعك و باحسان أبدي أرحمك» و بقوله: «حلفت ألا أغضب عليك، و ألا أزجرك» و بقوله: «أما احساني فلا يزول عنك، و عهد سلامي لا يتزعزع». و ملك نسلها شرقا و غربا، و ورثوا الأمم، و عمروا المدن، في مدة قليلة لا تتجاوز 22 عاما من الهجرة. و مثل هذه الغلبة في مثل هذا المدة القليلة لمن يدعي الدين الجديد لم يسمع من عهد آدم عليه الصلوة و السلام الي زمان محمد صلي الله عليه و سلم. و هذا مفاد قوله: «و يرث نسلك أمما، و يعمر مدنا خربة». ثم ان ملوك الاسلام و أمراءه سلفا و خلفا اجتهدوا اجتهادا عظيما في حفر الآبار و البرك و العيون في مكة و نواحيها، و بذلوا العناية التامة في بناء الكعبة و المسجد الحرام، و الباسهما لباس الزينة و الزخرف، و هو مغزي قوله: «هأنذا أبني بالأثمد حجارتك» الي قوله: «و كل تخومك حجارة كريمة». و الغرباء يحبون مجاورتها من ظهور الاسلام الي هذا الحين و لا سيما في هذا الزمان. و الناس يحجون اليها في كل سنة ألوفا مؤلفة من أقاليم مختلفة و ديار بعيدة يعجون بالتلبية و النداء، و هو مصداق قوله: «و كل بنيك تلاميذ الرب، و سلام بنيك كثيرا». و قد وفي الله بما وعد في قوله: «كل آلة [ صفحه 134] صورت ضدك لا تنجح الي آخر الاصحاح» لأن كل من قام ضدها و أراد بها سوءا أذله الله و أهلكه، كما وقع لأصحاب الفيل. و في الأحاديث الصحيحة. لا يدخلها الأعور الدجال، بل يرجع عنها خائبا. أما قوله: «هأنذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار الخ» فهو اشارة الي بعثة نبينا صلي الله عليه و سلم بالسيف، ليهلك المشركين و الملحدين، و يطهر بيت الله الحرام من الرجس و الأوثان و قد تم ذلك و الحمد لله فالاصحاح صريح في بعثته صلي الله عليه و سلم. صريح في ارساله كافة للناس بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله. صريح في أن دينه سيمتد في مشارق الأرض و مغاربها لا يعوقه شي‌ء. صريح في أنه باق الي الأبد لا يزول و لا ينسخه دين آخر. صريح في أن من عاداه. أذله الله. و أهلكه و أخزاه. فهل بعد هذا لا يزال البهائيون مستمسكين بافك البهاء، مطبقين هذا الاصحاح عليه، قائلين بنبوته أوربوبيته و العياذ بالله، و قد جاء هم في هذه الحق، و زهق الباطل، أفلا يعقلون؟؟... (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما) ثم هل نجد اذا من النصاري و اليهود من يصرف الاصحاح الي غير هذا المفهوم و هو لا يحتمل سواه بوجه من الوجوه؟؟... تالله انهم اذا لا يفقهون. (صم بكم عمي فهم لا يرجعون). قال تعالي: (أم تر الي الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الي كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولي فريق منهم و هم معرضون) (البشارة الرابعة) قيل في سفر دانيال ص 9: 24 من ترجمة [ صفحه 135] البروتستنط سنة 1866 و هي الترجمة التي بأيدينا: «سبعون أسبوعا قضيت علي شعبك و مدينتك المقدسة لتكميل المعصية و تتميم الخطايا و لكفارة الاثم و ليؤتي بالبر الابدي و لختم الرؤيا و النبوة و لمسح قدوس القدوسين». و في ترجمتهم سنة 1844 نقلا عن اظهار الحق: «سبعون أسبوعا اقتصرت علي شعبك و علي مدينتك المقدسة ليبطل التعدي و تفني الخطيئة و يمحي الاثم و يجلب العدل الأبدي و تكمل الرؤيا و النبوة و يمسح قدوس القديسين». و في ترجمة الكاثوليك نقلا عن البرهان الصريح: «ان سبعين أسبوعا حددت علي شعبك و علي مدينة قدسك لافناء المعصية و ازالة الخطيئة و تكفير الاثم و الاتيان بالبر الابدي و اختتام الرؤيا و النبوة و مسح قدوس القدوسين». فنحن بقطع النظر عن تحريف الكلم عن مواضعه في هذه التراجم اذ هو طبع غريزي في أهل الكتاب عرفنا الله به في قوله: (ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه و هم يعلمون) نقول: ان بشارة نبي الله دانيال عليه‌السلام تشير الي المدة التي قضي الله بها علي بيت المقدس بالخراب. و علي اليهود بالتشتيت و ذوق العذاب. جزاء بما كانوا يعتدون. و يقتلون أنبياء الله بغير الحق و هم يعلمون. و هو مغزي قوله: «ان سبعين أسبوعا حددت أو قضيت علي شعبك و علي مدينة قدسك لافناء المعصية و ازالة الخطيئة و تكفير الاثم». ثم تشير الي أنه بعد هذه المدة يشرق الاسلام علي الأرض المقدسة من بلاد العرب، و تشير الي هجرته صلي الله عليه و سلم الي المدينة المنورة و حكمه فيها، و الي أن الله تعالي ختم به الرسالة و النبوة، و أغلق به باب الوحي، و فضله علي الأنبياء و المرسلين. و هو مفاد قوله: «و الاتيان بالبر الأبدي و اختتام الرؤيا و النبوة و مسح قدوس [ صفحه 136] القدوسين». ذلك أن اليوم في عرف أهل الكتاب سنة، فيكون الأسبوع سبع سنين، فالسبعون أسبوعا عبارة عن 490 سنة، محسوبة من سنة 132 للميلاد، اذ فيها أغار ادريانوس ملك الرومان علي جميع مواطن اليهود، و أشبعهم فيها طعنا و ضربا، و أخرب بيت المقدس، و أجلاهم عن ديارهم، و شتت شملهم في أطراف الأرض أماما وقع في سنة 70 للميلاد من محاربة الرومان لهم، فلا يعتد به، لأنه كان قاصرا علي أورشليم، لاختلال الأمن، و وقوع التنازع بين اليهود علي الرآسة، فتداخل الرومان في الأمر، و حاربوهم من أجل ذلك، و لكنهم لم يجلوهم عن ديارهم، و لم يخربوا البيت المقدس فاذا ضممنا مدة هذه البشارة و هي 490 عاما، الي المدة من ميلاد عيسي عليه‌السلام حتي خراب بيت المقدس و تشتيت اليهود و هي 132 عاما، يكون انتهاء مدة القضاء المحتوم سنة 622 من الميلاد و هي سنة الهجرة، و توجه الرسول صلي الله عليه و سلم الي المدينة المنورة، و توليته عليها. فان المسح في قوله «و مسح قدوس القدوسين» هو التولية، بدلالة ما جاء في سفر الملوك الأول ص 1:5 «و أرسل حيرام ملك صور عبيده الي سليمان لأنه سمع أنهم مسحوه ملكا بدل أبيه» أي ولوه. و نبينا صلي الله عليه و سلم ولاه أهل المدينة عليهم سنة 622 من الميلاد عقب مجيئه اليهم، و ذلك بعد 490 سنة من حرب سنة 132 للميلاد، و هي الحرب التي تم فيها خراب البيت المقدس و تشتيت اليهود في أطراف الأرض، كما وضحناه و بهجرته صلي الله عليه و سلم الي المدينة، و توليته عليها، و نصرة أهلها له، صار الاسلام في قوة و منعة، و حول و طول، و انتشر في بلاد العرب، و امتد في جهات كثيرة من المعمور، حتي اذا كانت سنة أربعة [ صفحه 137] عشرة فتح المسلمون القدس مع بلاد الشام، و بنوا البيت المقدس، وأعلنوا توحيد الله، و اعترفوا بنبوة المسيح، و طهارة العذراء، و أنقذوا اليهود من سوء العذاب، و أطلقوا لهم الحرية التامة، فأسلم منهم جم غفير و ظل من بقي علي دينه يرتع في عدل الاسلام، و ظله الظليل الي يومنا هذا، و الي الأبد ان شاء الله، مصداقا لبشارة دانيال عليه‌السلام فان قال قائل: ان فتح المسلمين للشام، و عمارتهم البيت المقدس، و انجاءهم اليهود من الهم و الغم، كان سنة 504 من عام 132 للميلاد، لا سنة 490، فيكون القضاء المحتوم 504 سنوات، لا 490 كالذي تفيده الآية. قلنا: ان الآية تقضي علي اليهود و بيت المقدس بالبقاء تحت نيرالرومان لا نير سواهم 490 عاما، كما يشير الاصحاح الثامن و العشرون من سفر التثنية، ثم يدخل البر الابدي (دين الاسلام) فلسطين، و يعمرها المسلمون، و يبنون البيت المقدس، و يعيدون لليهود حريتهم المسلوبة. و قد حدث أن الفرس غلبوا الرومان علي أمرهم في فلسطين و استولوا عليها أربعة عشر عاما، من سنة 614 للميلاد الي سنة 628 و عاملوا اليهود في غضونها معاملة حسنة. فلما عادت الي حوزة الرومان من هذا التاريخ، عادوا الي معاملة اليهود بالخسف و العسف، حتي افتتحها المسلمون ستة 636 للميلاد، أو سنة 504 من عام 132 من الميلاد. فاذا أسقطنا هذه الأربع عشرة سنة من 504 سنوات كان الباقي بالضروره 490 سنة و هي مدة القضاء علي بني‌اسرائيل بلا زيادة و لا نقص، اذ لا يحسب منه تسلط فارس كما علمت، لا سيما و أن معاملتهم لليهود كانت معاملة رحمة و رأفة، و هي غير ما شاءه الله من قضائه، فافهم ذلك، و جذ عليه بالنواجذ. أما تفسير النصاري معني البر الأبدي بصلب المسيح علي زعمهم فباطل، لأن نص [ صفحه 138] الآية: «و الاتيان بالبر الأبدي و اختتام الرؤيا و النبوة و مسح قدوس القدوسين» فيكون مسح المسيح بعد صلبه الذي يقولون به و هو ما لا يتأتي. علي أنه لو صح هذا التفسير علي ما يزعمون للزم ختم النبوة بالمسيح، فلا يكون الحواريون أنبياء، و الأمر ليس كذلك عندهم، فان الحواريين أفضل من موسي و سائر أنبياء بني‌اسرائيل علي زعمهم، و يكفي شاهدا علي فضلهم ملاحظة حال يهوذا الاسخر يوطي الذي كان واحدا من هؤلاء الحواريين ممتلئا بروح القدس. علي أن المستر (وطسن) و هو من كبار علماء البروتستنط نقل رسالة للدكتور (كريب) في المجلد الثالث من كتابه مصرحا فيها: أن اليهود حرفوا هذه الآية تحريفا لا يمكن أن تصدق به الآن علي عيسي... فتأمل كيف أن أهل الكتاب يشهدون بأفواههم علي تحريف كتبهم (قلت) و هذه الآية علي صحتها أو تحريفها الذي يقوله الدكتور لا تصدق أيضا علي أي نبي من أنبياء بني‌اسرائيل لتقدمهم علي زمن القضاء، و للزوم ختم النبوة و الرسالة بمن يصرفونها اليه، و هما لم تختما علي زعمهم، لأنهم ينتظرون مسيحهم المنتظر، و هو عندهم نبي رسول. ثم هي لا تنطبق كلك علي هذا المسيح المنتظر، لأنه لم يحضر بعد، و زمن القضاء انتهي أمره. أما انطباقها علي البهاء الكذاب كما يزعم البهائيون فمحض افتراء لا يقوم عليه دليل من عدة وجوه. (أولا) أنه لم يل حكما بل كان سجينا ذليلا في عكاء حتي أهلكه الله. (ثانيا) أن القضاء المحتوم قد نفذ من قبل علي بني‌اسرائيل، و هم الآن في الأرض المقدسة يرتعون في بحبوحة العيش الرغيد تحت حماية الاسلام و ظله الظليل. (ثالثا) أن باب النبوة و الرسالة لم يغلق به علي زعمه، بل ما زال مفتوحا من بعده، كما أشار [ صفحه 139] الي ذلك بقوله في الصفحة الثالثة عشرة من الأقدس: [16] «من يدعي أمرا قبل اتمام ألف سنة كاملة انه كذاب مفتر، نسأل الله بأن يؤيده علي الرجوع ان تاب هو التواب، و ان أصر علي ما قال يبعث عليه من لا يرحمه (أي يقتله) انه شديد العقاب، من يؤول هذه الآية أو يفسرها بغير ما نزل في الظاهر انه محروم من روح الله و رحمته التي سبقت العالمين، خافوا الله و لا تتبعوا ما عندكم من الأوهام اتبعوا ما يأمركم به ربكم العزيز الحكيم». (رابعا) أن المبشر به نبي و هو يزعم أنه رب خالق و العياذ بالله. (خامسا) ما تعلمه أيها الأخ المسلم من أن النبوة و الرسالة و التشريع قد ختمت كلها بمحمد (صلعم) و أن نزول الوحي قد انقطع بعده عليه الصلاة و السلام، و أن شريعته باقية لا تنسخ أبد الدهر فهل للبهائيين أن يثوبوا الي رشدهم، و ينبذوا أباطل الرجل، و افكه علي الله، أو هم استحبوا العمي علي الهدي، و استبدلوا العذاب بالمغفرة، و آمنوا بالباطل، و كفروا بالحق (و جعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فان مصيركم الي النار)

بشارات الانجيل

(البشارة الأولي) قيل في الآية الرابعة عشرة و الخامسة عشرة من رسالة يهوذا طبعة البروتستنط سنة 1866: «و تنبأ عن هؤلاء أيضا أخنوع السابع من آدم قائلا»: «هو ذا قد جاء الرب في ربوات قد يسية ليصنع دينونة علي الجميع و يعاقب جميع فجارهم علي جميع [ صفحه 140] أعمال فجورهم التي فجروا بها و علي جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار». و في طبعتهم سنة 1844: «الرب قد جاء في ربواته المقدسة ليداين الجميع و يبكت جميع المنافقين علي كل أعمال نفاقهم التي نافقوا فيها و علي كل الكلام الصعب الذي تكليم به ضد الله الخطاة المنافقون» ا ه فبصرف النظر عن هذه التحريفات اذ هي سجية القوم في كتبهم المقدسة - سجية تلك فيهم غير محدثة - نقول: ان قوله: «هو ذا قد جاء الرب في ربوات قديسية، أو الرب قد جاء في ربواته المقدسة» يشير الي مجي‌ء رسول في جماعات المؤمنين به، لأن الرب تعال لا تراه العيون في دار الدنيا، و لأن اللفظ مشاع الاستعمال في كتب القوم بمعني المخدوم و المعلم، و لأن المقدس أو القديس يطلق في العهدين علي المؤمن اطلاقا شائعا. فهذا الرسول هو بلا شك سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم، و الربوات المقدسة أو القديسية هم صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. و ذلك بدلالة قوله: «ليداين الجميع و يبكت جميع المنافقين أو يعاقب جميع فجارهم الخ» فانه صلوات الله عليه قد جاء في ربواته المقدسة من صحابته الكرام رضوان الله عليهم، فدان الكفار، و بكت المنافقين و الخطاة علي أعمال النفاق، و علي أقوالهم القبيحة في الله و رسله: فبكت المشركين لعدم تسليم توحيد الله و رسالة رسله مطلقا و عبادتهم الأصنام و الأوثان، و بكت اليهود علي تفريطهم في حق عيسي و مريم عليهماالسلام و بعض عقائدهم الواهية، و بكت أهل التثليث مطلقا علي تفريطهم في توحيد الله و افراطهم في حق عيسي عليه‌السلام، و بكت أكثرهم علي عبادة الصليب و التماثيل و بعض عقائدهم الفاسدة. فهدم [ صفحه 141] صلي الله عليه و سلم منار الكفر، و كسر شوكة الكفرة، و قصم ظهور الفجرة، و دوخ المشركين، و طهر الأرض من أصنامهم و أوثانهم، و أبطل دياناتهم القبيحة، ففاءوا الي الاسلام و توحيد الله، و دخلوا في دينه الحنيف طوعا و كرها. فهذه الأوصاف لا تنطبق علي المسيح عليه‌السلام، و لا علي نبي من الأنبياء غير نبينا محمد صلوات الله عليهم أجمعين. فبطل اذا ما يزعمه النصاري و فريق من البهائيين من انصراف البشارة الي المسيح عليه‌السلام. و اذا بطل انصرافها الي نبي رسول، فمن باب أولي بطلان ما يزعمه فريق البهائيين الآخر من انصرافها الي البهاء و هو متقول كذاب، يدعو الي عبادته و الشرك بالله، و يوافق علي كثير من العقائد الفاسدة، و يقول بصلب المسيح، و يحق أديان المجوس و عباد الأوثان و الكواكب، و يزعم أنها سماوية، الي غير ذلك من الزور و الافك، و الضلال و الكفر. أما ما ورد في البشارة من التعبير عن مجيئه صلي الله عليه و سلم «بقد جاء» فلكونه يقينيا محتم الوقوع لا ريب فيه (البشارة الثانية) قيل في الآية الأولي و الثانية من الاصحاح الثالث من انجيل متي: «و في تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلا توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات». و في الآية الثانية عشرة و السابعة عشرة و الثالثة و العشرين من الاصحاح الرابع من انجيل متي أيضا: «و لما سمع يسوع أن يوحنا أسلم انصرف الي الجليل، من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز و يقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات، و كان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم و يكرز ببشارة الملكوت». و في الآية العاشرة من الاصحاح السادس من انجيل متي أيضا: «ليأت ملكوتك لتكم مشيئتك كما [ صفحه 142] في السماء كذلك علي الأرض». و في الآية السابعة من الاصحاح العاشر من انجيل متي أيضا: «و فيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات». و في الآية الأولي و الثانية من الاصحاح التاسع من انجيل لوقا: «و دعا تلاميذه الاثني عشر و أعطاهم قوة و سلطانا علي جميع الشياطين و شفاء أمراض، و أرسلهم ليكرز و بملكوت الله و يشفوا المرضي». و في الآية الأولي و ما بعدها حتي الآية الحادية عشرة من الاصحاح العاشر من انجيل لوقا أيضا: «و بعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا و أرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه الي كل مدينة و موضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي، فقال لهم ان الحصاد كثير الي آخر الآية السابعة، ثم قال: و أية مدينة دخلتموها و قبلوكم فكلوا مما يقدم لكم، و اشفوا المرضي الذين فيها و قولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله، و أية مدينة دخلتموها و لم يقبلوكم فاخرجوا الي شوارعها و قولوا، حتي الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم و لكن اعلموا هذا انه قد اقترب منكم ملكوت الله». ا ه فظهر أن كلا من يحيي و عيسي و الحواريين و التلاميذ السبعين بشر بملكوت السموات، و بشر عيسي عليه‌السلام بالألفاظ التي بشربها يحيي عليه‌السلام. فعلم أن هذا الملكوت كما لم يظهر في عهد يحيي عليه‌السلام، فكذلك لم يظهر في عهد عيسي عليه‌السلام، و لا في عهد الحواريين و التلاميذ السبعين، بل كل منهم مبشر به، و مخبر عن فضله، و مترج لمجيئه. فلا يكون المراد بملكوت السموات طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة عيسي عليه‌السلام، و الا لما قال عيسي صلوات الله عليه و الحواريون و السبعون: ان ملكوت الله قد اقترب و لما علم التلاميذ أن يقولوا في الصلاة «ليأت ملكوتك» لأن هذه [ صفحه 143] طريقة قد ظهرت بعد ادعاء عيسي النبوة بشريعته. فهو عبارة عن طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلي الله عليه و سلم. فهؤلاء كانوا يبشرون بهذه الطريقة الجليلة. و لفظ ملكوت السموات بحسب الظاهر يدل علي أن هذا الملكوت يكون في صورة السلطنة لا في صورة المسكنة، و أن المحاربة و الجدال فيه مع المخالفين يكونان من أجله و أن مبني قوانينه لابد أن يكون كتابا سماويا، و كل من هذه الأمور يصدق علي الشريعة المحمدية. أما ما قاله النصاري من أن المراد بهذا الملكوت شيوع دينهم في جميع العالم، و احاطته كل الدنيا بعد نزول عيسي عليه‌السلام، فتأويل باطل خلاف الظاهر، يرده التمثيلات المنقولة عن عيسي عليه‌السلام في الاصحاح الثالث عشر من انجيل متي قال في الآية الرابعة و العشرين منه: «قدم لهم مثلا آخر قائلا يشبه ملكوت السموات انسانا زرع زرعا جيدا في حقله». و قال في الآية الحادية و الثلاثين: «قدم لهم مثلا آخر قائلا يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها انسان و زرعها في حقله». و قال في الآية الثالثة و الثلاثين: «قال لهم مثلا آخر يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة و خبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتي اختمر الجميع» فشبه ملكوت السموات بانسان زارع لا بنمو الزراعة و حصادها، و شبهه بحبة خردل لا بصيرورتها شجرة عظيمة، و بخميرة لا باختمار جميع الدقيق. و كذا يرد هذا التأويل قول المسيح صلوات الله عليه بعد بيان التمثيل المنقول في الاصحاح الحادي والعشرين من انجيل متي آية 43: «لذلك أقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم و يعطي لأمة تعمل أثماره» فان هذا القول يدل علي أن المراد بملكوت السموات طريقة النجاة نفسها، لا شيوعها في جميع الأمم، و احاطتها كل [ صفحه 144] العالم و الا لا معني لنزع الشيوع و الاحاطة من قوم، و اعطائهما لقوم آخرين. فالحق أن المراد بهذا الملكوت تلك المملكة التي أخبر عنها دانيال عليه‌السلام في الاصحاح الثاني من سفره و منه هذه الآية: «يقيم اله السموات مملكة لن تنقرض أبدا و ملكها لا يترك لشعب آخر و تسحق و تفني كل هذه الممالك و هي تثبت الي الأبد». فمصداق هذا الملكوت و هذه المملكة الثابتة الي الأبد نبوة سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم دون شك و لا ريب (فاذا) تحقق هذا و تحقق ما أثبتناه المرة بعد المرة و الكرة بعد الكرة من أن دين البهاء باطل بعثه به الشيطان لا الرحمن - تعلم بطلان ما أجمع عليه البهائيون من أن المراد من ملكوت الله هو ظهور البهاء و مجيئه بهذا الدين الخبيث. تالله انهم قوم عن الحق عمون. لا يفقهون ما يقولون. (في قلوبهم مرض فزادهم الله و لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) (البشارة الثالثة) قيل في الآيات 42 و 43 و 44 من الاصحاح الحادي و العشرين من انجيل متي: «قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا و هو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم و يعطي لأمة تعمل أثماره، و من سقط علي هذا الحجر يترضض و من سقط هو عليه يسحقه» ا ه أقول: ان الحجر الذي رفضه البناءون كناية عن محمد (صلعم) و الأمة التي تعمل أثماره كناية عن أمته. و هذا هو الحجر الذي كل من سقط عليه ترضض، و كل من سقط هو عليه سحقه. و ما زعمه النصاري من أن هذا الحجر عبارة عن عيسي عليه‌السلام فغير صحيح [ صفحه 145] لوجوه: (الأول) أن داود عليه‌السلام قال في الآيتين 22 و 23 من المزمور 118: «الحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا و هو عجيب في أعيننا». فلو كان هذا الحجر عبارة عن عيسي عليه‌السلام، و هو من اليهود من آل يهوذا من آل داود عليه‌السلام، فأي عجب في أعين اليهود عموما أن يكون عيسي عليه‌السلام رأس الزاوية، لا سيما في عين داود عليه‌السلام. خصوصا و أن مزعوم المسيحيين أن داود عليه‌السلام يعظم عيسي صلوات الله عليه في مزاميره تعظيما بليغا، و يعتقد الألوهية في حقه. أما آل اسمعيل فكان اليهود يحقرونهم غاية التحقير، فلا مشاحة في أن يقع عجيبا في أعينهم كون أحد من آل اسمعيل يكون رأسا للزاوية. (الثاني) أن كل من سقط علي هذا الحجر ترضض، و كل من سقط هو عليه سحقه، و لا يصدق هذا الوصف علي عيسي صلوات الله عليه لأنه قال: «و ان سمع أحد كلامي و لم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم» كما ورد في الآية 47 من الاصحاح الثاني عشر من انجيل يوحنا. أما صدقه علي محمد (صلعم) فغير محتاج الي بيان، لأنه كان مأمورا بتنبيه الفجار و الأشرار، فان سقطوا عليه ترضضوا، و ان سقط هو عليهم سحقهم. (الثالث) قول نبينا صلي الله عليه و سلم: مثلي و مثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه و ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه الا موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان و ختم بي الرسل. (الرابع) أن المتبادر من كلام المسيح عليه‌السلام أن هذا الحجر سواه (أما) دعوي البهائيين أنه كناية عن البهاء فباطلة لوجوه: (الأول) أن البهاء كان يعمل بالتقية في دعواه، و اقتدي به أتباعه [ صفحه 146] في ذلك. و تحقيق ادانة العالم، و تنبيه الأشرار و الفجار، و اقامة الحجة عليهم، يقتضي التبليغ العام، و الجهر بالدعوة، و امتشاق الحسام في سبيلها، حتي يصدق قوله: «و من سقط علي هذا الحجر يترضض و من سقط هو عليه يسحقه». فامتنع أن يكون البهاء هو هذا الحجر. (الثاني) قد ثبت من حديث الرسول (صلعم) أن هذا الحجر كناية عن عليه أفضل الصلاة و أتم السلام، و البهائيون كثيرا ما يستدلون بالأحاديث، فقد لزمتهم الحجة علي أن هذا الحجر لا ينصرف الي بهائهم الكذاب (الثالث) ثبت من الحديث أيضا أنه (صلعم) خاتم الرسل فلا رسول بعده، فبطل أن يكون البهاء رسولا بعد محمد صلوات الله عليه. (الرابع) أن المراد من هذا الحجر نبي رسول، و البهاء يدعي أنه رب خالق كما ادعي فرعون و النمرود، فهو شبيه بهما، و هما كافران، عدوان الله، مأواهما النار، و بئس القرار. فبطل أيضا أن يكون هو المراد من هذا الحجر (فهل) للبهائيين أن يرجعوا الي الصواب. و ينبذوا دعاوي بهائهم الكذاب. أو هم عن غيهم لا يرجعون. و في ضلالتهم يعمهون. (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبي الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (هذا) ولو أردنا أن نتتبع كل ما ورد في الانجيل و التوراة من البشائر المحمدية لما وسعتنا المجلدات الضخمة. و حسبنا من ذلك ما أوردناه الآن و ما ذكرناه من قبل في تحقيق كلمة الفارقليط فهو من أوضح الحجج علي البهائيين بكذب بهائهم و افترائه الأباطيل علي الله. بل من أوكد البراهين علي النصاري و اليهود بصحة ديننا و استقامة طريقنا و الحمد لله [ صفحه 147]

المهدي المنتظر

(و ما يذهب اليه الناس في شأنه) ان المشهور بين الكافة من أهل الاسلام علي ممر الأعصار، أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، و يظهر العدل، و يتبعه المسلمون، و يتسولي علي الممالك الاسلامية و يسمي بالمهدي. و يكون خروج الدجال و ما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح علي أثره. و أن عيسي ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده علي قتله، و يأتم بالمهدي في صلاته. و يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة، و تكلم فيها المنكرون لذلك، و ربما عارضوها ببعض الأخبار. و نحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن، و ما للمنكرين فيها من المطاعن، و ما لهم في انكارهم من المستند، ليتبين لك الغث من السمين، و الجيد من الردي‌ء، فنقول: ان جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي، و أبوداود، و البزار، و ابن‌ماجة، و الحاكم و الطبراني، و أبويعلي الموصلي، و أسندوها الي جماعة من الصحابة بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره، الا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم علي التعديل. فاذا وجدنا طعنا في بعض رجال الأساتيد بغفلة أو بسوء حفظ، أوضعف، أو سوء رأي، تطرق ذلك الي صحة [ صفحه 148] الحديث، و أوهن منها. و لا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق الي رجال الصحيحين، فان الاجماع قد اتصل في الأمة علي تلقيهما بالقبول و العمل بما فيهما، و في الاجماع أعظم حماية و أحسن دفع، و ليس غير الصحيحين يمثابتهما في ذلك، فقد نجد مجالا للكلام في أسانيدها بما نقل عن أئمة الحديث في ذلك. فخرج الترمذي و أبوداود بسنديهما الي ابن‌عباس من طريق عاصم بن أبي‌النجود أحد القراء السبعة الي زر بن حبيش عن عبدالله ابن‌مسعود عن‌النبي (صلعم): «لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطي‌ء اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي». هذا لفظ أبي‌داود و سكت عليه و قال في رسالته المشهورة ان ما سكت عليه في كتابه فهو صالح. و لفظ الترمذي «لا تذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطي‌ء اسمه اسمي» و في لفظ آخر «حتي يلي رجل من أهل بيتي» و كلاهما حديث حسن صحيح، و رواه أيضا من طريق موقوفا علي أبي‌هريرة. و قال الحاكم: رواه الثوري و شعبة و زائدة و غيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال: و طرق عاصم عن زر عن عبدالله كلها صحيحة (اه) الا أن عاصما قال فيه أحمد بن حنبل كان رجلا صالحا قارئا للقرآن خيرا ثقة و الأعمش أحفظ منه و كان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث. و قال العجلي: كان يختلف عليه في زر و أبي وائل يشير بذلك الي ضعف روايته عنهما. و قال محمد بن سعد: كان ثقة الا أنه كان كثير الخطأ في حديثه. و قال يعقوب بن سفيان:في حديثه اضطراب. و قال ابن‌خراش: في حديثه نكرة. و قال أبوجعفر العقلي: لم يكن فيه الا سوء الحفظ. و قال الدارقطني: في حفظه شي‌ء. و قال [ صفحه 149] الذهبي: ثبت في القراءة و هو في الحديث دون الثبت و خرج أبوداود عن علي رضي الله عنه من رواية قطن بن خليفة عن القاسم بن أبي‌مرة عن أبي‌الطفيل عن علي عن النبي (صلعم) قال: «لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا». و قطن بن خليفه و ان وثقه أحمد و يحي بن القطان و ابن‌معين و النسائي و غيرهم الا أن العجلي قال: حسن الحديث و فيه تشيع قليل. و قال ابن‌معين مرة: ثقة شيعي و قال أحمد بن عبدالله بن يونس: كنا نمر علي قطن و هو مطروح لا نكتب عنه. و قال الدارقطني: لا يحتج به. و قال أبوبكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه الا لسوء مذهبه. و قال الجرجاني: زائغ غير ثقة و خرج أبوداود أيضا بسنده الي علي رضي الله عنه عن مروان ابن‌المغيرة عن عمر بن أبي‌قيس عن شعيب بن أبي‌خالد عن أبي‌اسحق النسفي قال قال علي و نظر الي ابنه الحسن: «ان ابني هذا سيد كما سماه رسول الله (صلعم) سيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيكم يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا». و قال هرون حدثنا عمر بن أبي‌قيس عن مطرف بن طريف عن أبي‌الحسن عن هلال بن عمر سمعت عليا يقول قال النبي (صلعم): «يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحرث علي مقدمته رجل يقال له منصور يوطي‌ء أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله (صلعم) وجب علي كل مؤمن نصره أو قال اجابته» سكت أبوداود عليه. و قال في موضع آخر في هرون: هو من ولد الشيعة. و قال السليماني: فيه نظر. و قال أبوداود في عمر بن أبي‌قيس: لا بأس به في حديثه خطأ [ صفحه 150] و قال الذهبي: صدوق له أوهام. و أما أبواسحق الشيعي و ان خرج عنه في الصحيحين فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره و روايته عن علي منقطعة، و كذلك رواية أبي‌داود عن هرون بن المغيرة. و أما السند الثاني فأبوالحسن فيه و هلال بن عمر مجهولان، و لم يعرف أبوالحسن الا من رواية مطرف بن طريف عنه و خرج أبوداود أيضا عن أم سلمة، و كذا ابن‌ماجة، و الحاكم في المستدرك، من طريق علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم‌سلمة قال: سمع رسول الله (صلعم) يقول «المهدي من ولد فاطمة». و لفظ الحاكم: سمعت رسول الله (صلعم) يذكر المهدي فقال: «نعم هو حق و هو من بني‌فاطمة» و لم يتكلم عليه بصحيح و لا غيره. و قد ضعفه أبوجعفر العقيلي و قال: لا يتابع علي بن نفيل عليه، و لا يعرف الا به و خرج أبوداود أيضا عن أم‌سلمة من روايه صالح أبي‌الخليل عن صاحب له عن أم سلمة قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا الي مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الركن و و المقام فيبعث اليه بعث من الشأم فيخسف بهم بالبيداء بين مكة و المدينة فاذا رأي الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام و عصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث اليهم بعثا فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلب و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال و يعمل في الناس بسنة نبيهم (صلعم) و يلقي الاسلام بجرانه علي الأرض فيلبث سبع سنين» و قال بعضهم: «تسع سنين». ثم رواه أبوداود من رواية أبي‌الخليل عن عبدالله بن الحرث عن أسلمة، فتبين بذلك المبهم في [ صفحه 151] الاسناد الأول، و رجاله رجال الصحيحين، لا مطعن فيهم، و لا مغمز. و قد يقال: انه من رواية قتادة عن أبي‌الخليل، و قتادة مدلس و قد عنعنه، و المدلس لا يقبل من حديثه الا ما صرح فيه بالسماع، مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي، نعم ذكره أبوداود في أبوابه و خرج أبوداود أيضا، و تابعه الحاكم، عن أبي‌سعيد الخدري من طريق عمران القطان عن قتادة عن أبي‌بصرة عن أبي‌سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلعم): «المهدي مني أجلي الجبهة أقني الأنف يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا يملك سبع سنين». هذا لفظ أبي‌داود و سكت عليه. و لفظ الحاكم: «المهدي منا أهل‌البيت أشم الأنف أقني أجلي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يعيش هكذا و بسط يساره و أصبعين من يمينه السبابة و الابهام و عقد ثلاثة». قال الحاكم هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه ا ه. و عمران القطان مختلف في الاحتجاج به، انما أخرج له البخاري استشهادا لا أصلا، و كان يحيي القطان لا يحدث عنه. قال يحيي بن معين: ليس بالقوي. و قال مرة: ليس بشي‌ء. و قال أحمد بن حنبل: أرجو أن يكون صالح الحديث. و قال يزيد بن زريع: كان حروريا، و كان يري السيف علي أهل القبلة. و قال النسائي: ضعيف و خرج الترمذي، و ابن‌ماجة، و الحاكم، عن أبي‌سعيد الخدري من طريق زيد العمي عن أبي‌الصديق الناجي عن أبي‌سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعض شي‌ء حدث فسألنا نبي‌الله (صلعم) فقال: «ان في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا [ صفحه 152] زيد الشاك قال قلنا و ما ذاك قال سنين قال فيجي‌ء اليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله». هذا لفظ الترمذي و قال حديث حسن، و قد رواه من غير وجه عن أبي‌سعيد عن النبي (صلعم). و لفظ ابن‌ماجة و الحاكم: «يكون في أمتي المهدي ان قصر فسبع و الا فتسع فتنعم أمتي فيه نعمة لم ينعموا بمثلها قط تؤتي الأرض أكلها و لا يدخر منه شي‌ء و المال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ». و زيد العمي و ان قال فيه الدارقطني و أحمد بن حنبل و يحيي بن معين انه صالح، و زاد أحمد أنه فوق يزيد الرقاشي و فضل بن عيسي، الا أنه قال فيه أبوحاتم ضعيف، يكتب حديثه، و لا يحتج به. و قال يحيي بن معين في رواية أخري: لا شي‌ء. و قال مرة: يكتب حديثه، و هو ضعيف. و قال الجرجاني: متماسك. و قال النسائي: ضعيف و قد يقال: ان حديث الترمذي وقع تفسيرا لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال قال رسول الله (صلعم): «يكون في آخر أمتي خليفة يحثيالمال حثيا لا يعده عدا» و من حديث أبي سعيد قال: «من خلفائكم خليفة يحثي المال حثيا». و من طريق أخري عنهما قال: «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال و لا يعده». و أحاديث مسلم لم يقع فيها ذكر المهدي، و لا دليل يقوم علي أنه المراد منها. و رواه الحاكم أيضا من طريق عوف الاعرابي عن أبي‌الناجي عن أبي‌سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلعم): «لا تقوم الساعة حتي تملأ الأرض جورا و ظلما و عدوانا ثم يخرج من أهل بيتي رجل يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و عدوانا» و قال فيه الحاكم هذا صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه. و رواه الحاكم أيضا عن طريق سليمان بن عبيد عن أبي [ صفحه 153] الصديق الناجي عن أبي‌سعيد الخدري عن رسول الله (صلعم) قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث و تخرج الأرض نباتها و يعطي المال صحاحا و تكثر الماشية و تعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا» و قال فيه حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه، مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة، لكن ذكره ابن‌حبان في الثقات، و لم يرد أن أحدا تكلم فيه. ثم رواه الحاكم أيضا من طريق أسد بن موسي عن حماد بن سلمة عن مطر الوراق، و أبي‌هرون العبدي عن أبي‌الصديق الناجي عن أبي‌سعيد أن رسول الله (صلعم) قال: «تملأ الأرض جورا و ظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا أو تسعا فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما». و قال الحاكم فيه: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم. و انما جعله علي شرط مسلم لأنه أخرج عن حماد بن سلمة و عن شيخه مطر الوراق، و أما شيخه الآخر و هو أبوهرون العبدي فلم يخرج له، و هو ضعيف جدا، متهم بالكذب، و لا حاجة الي بسط أقوال الأئمة في تضعيفه و أما الراوي له عن حماد بن سلمة و هو أسد بن موسي، و يلقب أسد السنة، و ان قال البخاري مشهور الحديث، و استشهد به في في صحيحه، و احتج به أبوداود و النسائي، الا أنه قال مرة أخري: ثقة لو لم يصنف كان خيرا له. و قال فيه محمد بن حزم: منكر الحديث و رواه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي‌الواصل عبدالحميد ابن‌واصل عن أبي‌الصديق الناجي عن الحسن بن يزيد السعدي أحد بني بهدلة عن أبي‌سعيد الخدري قال سمعت رسول الله (صلعم) يقول: «يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي ينزل الله عزوجل له القطر [ صفحه 154] من السماء و تخرج الأرض بركتها و تملأ الأرض منه قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يعمل علي هذه الأمة سبع سنين و ينزل بيت المقدس». و قال الطبراني فيه: رواه جماعة عن أبي‌الصديق و لم يدخل أحد منهم بينه و بين أبي‌سعيد أحدا الا أبا الواصل فانه رواه عن الحسن بن يزيد عن أبي‌سعيد اه. و هذا الحسن بن يزيد ذكره ابن أبي‌حاتم و لم يعرفه بأكثر مما في هذا الاسناد من روايته عن أبي سعيد و رواية أبي‌الصديق عنه. و قال الذهبي في الميزان: انه مجهول، لكن ذكره ابن‌حبان في الثقات. و أما أبوالواصل الذي رواه عن أبي‌الصديق فلم يخرج له أحد من الستة. و ذكره ابن‌حبان في الثقات في الطبقة الثانية و قال فيه: يروي عن أنس، و روي عنه شعبة، و عتاب بن بشر و خرج ابن‌ماجة في كتاب السنن عن عبدالله بن مسعود من طريق يزيد بن أبي‌زياد عن ابراهيم عن علقمة عن عبدالله قال: بينما نحن عند رسول الله (صلعم) اذ أقبل فتية من بني‌هاشم، فلما رآهم رسول الله (صلعم) ذرفت عيناه، و تغير لونه، قال فقلت: ما نزال نري في وجهك شيئا نكرهه، فقال: «انا أهل‌البيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا و ان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون و ينصرون و يعطون ما سألوا فلا يقبلونها حتي يدفعونها الي رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا علي الثلج» و هذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث الرايات، و يزيد بن أبي‌زياد راويه قال فيه شعبة: كان رفاعا (يعني يرفع الأحاديث التي [ صفحه 155] لا تعرف مرفوعة). و قال محمد بن الفضيل: كان من كبار أئمة الشيعة و قال أحمد بن حنبل: لم يكن بالحافظ. و قال يحيي بن معين: ضعيف. و قال العجلي: جائز الحديث. و قال أبوزرعة: لين، يكتب حديثه، و لا يحتج به. و قال أبوحاتم: ليس بالقوي. و قال أبوداود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، و غيره أحبت الي منه. و بالجملة فالأكثرون علي ضعفه. و قد صرح الأئمة بتضعيف هذا الحديث الذي رواه عن ابراهيم عن علقمة عن عبدالله و هو حديث الرايات. و قال وكيع بن الجراح فيه: ليس بشي‌ء. و كذلك قال أحمد بن حنبل. و قال أبوقدامة: سمعت أبا أسامة يقول في حديث يزيد عن ابراهيم في الرايات: لو حلف عندي خمسين يمينا قسامة ما صدقته، أهذا مذهب ابراهيم! أهذا مذهب علقمة! أهذا مذهب عبدالله! و أورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء. و قال الذهبي: ليس بصحيح و خرج ابن‌ماجة عن علي رضي الله عنه من رواية ياسين العجلي عن ابراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (صلعم): «المهدي منا أهل البيت يصلح الله به في ليلة». و ياسين العجلي و ان قال فيه ابن‌معين ليس به بأس، فقد قال البخاري: فيه نظر، و هذه اللفظة من اصطلاحه قوية في التضعيف جدا و أورد له ابن عدي في الكامل، و الذهبي في الميزان، هذا الحديث علي وجه الاستنكار له، و قالا: هو معروف به و خرج الطبراني في معجمه الأوسط عن علي (رضه) أنه قال للنبي (صلعم): أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ فقال: «بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح و بنا يستنقذون من الشرك و بنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك» [ صفحه 156] قال علي: أمؤمنون أم كافرون؟ قال: «مفتون و كافر» ا ه و فيه عبدالله بن لهيعة و هو ضعيف معروف الحال. و فيه عمر بن جابر الحضرمي و هو أضعف منه. قال أحمد بن حنبل: روي عن جابر مناكير، و بلغني أنه كان يكذب. و قال النسائي: ليس بثقة. و قال: كان ابن‌لهيعة شيخا احمق، ضعيف العقل، و كان يقول علي في السحاب، و كان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول هذا علي قد مر في السحاب. و خرج الطبراني عن علي (رضه) أن رسول الله (صلعم) قال: «يكون في آخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا أهل الشام و لكن سبوا أشرارهم فان فيهم الأبدال، يوشك أن يرسل علي أهل الشام صيب من السماء فيفرق جماعتهم حتي لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول هم خمسة عشر ألفا و المقلل يقول هم اثني عشر ألفا و امارتهم (امت امت) يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا و يرد الله الي المسلمين ألفتهم و نعمتهم و قاصيتهم و دانيتهم» ا ه و فيه عبدالله بن لهيعة و هو ضعيف معروف الحال. و رواه الحاكم في المستدرك و قال صحيح الاسناد، و لم يخرجا في روايته: «ثم يظهر الهاشمي فيرد الله الناس الي ألفتهم الخ» و ليس في طريقه ابن‌لهيعة، و هو اسناد صحيح كما ذكر و خرج الحاكم في المستدرك عن علي (رضه) من رواية أبي‌الطفيل عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند علي (رضه) فسأله رجل عن المهدي فقال علي: هيهات، ثم عقد بيده سبعا فقال ذلك يخرج في آخر الزمان اذا قال رجل الله الله قتل، و يجمع الله له قوما قزعا كقزع [ صفحه 157] السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون الي أحد و لا يفرحون بأحد دخل فيهم عدتهم علي عدة أهل بدر لم يسبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون و علي عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر. قال أبوالطفيل قال ابن‌الحنفية أتريده؟ قلت: نعم. قال: فانه يخرج من بين هذين الأخشبين. قلت: لا جرم و الله، و لا أدعها حتي أموت و مات بها، يعني مكة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ا ه و انما هو علي شرط مسلم فقط فان فيه عمارا الذهبي، و يونس بن أبي‌اسحق، و لم يخرج لهما البخاري. و فيه عمرو بن محمد العبقري و لم يخرج له البخاري احتجاجا، بل استشهادا، مع ما ينضم الي ذلك من تشيع عمار الذهبي. و هو و ان وثقة أحمد، و ابن‌معين، و أبوحاتم النسائي، و غيرهم، فقد قال علي بن المديني عن سفيان: ان بشر بن مروان قطع عرقوبيه. قلت: في أي شي‌ء؟ قال: في التشيع. و خرج ابن‌ماجة عن أنس بن مالك (رضه) في رواية سعد ابن‌عبدالحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن اسحق بن عبدالله عن أنس قال سمعت رسول الله (صلعم) يقول: «نحن ولد عبدالمطلب سادات أهل الجنة أنا و حمزة و علي و جعفر و الحسن و الحسين و المهدي» اه و عكرمة بن عمار و ان أخرج له مسلم فانما أخرج له متابعة. و قد ضعفه بعض، و وثقه آخرون و قال أبوحاتم الرازي: هو مدلس فلا يقبل الا ان يصرح بالسماع و علي بن زياد قال الذهبي في الميزان: لا ندري من هو. ثم قال: الصواب فيه - عبدالله بن زياد. و سعد به عبدالحميد و ان وثقه يعقوب بن أبي‌شيبة، و قال فيه يحيي بن معين: ليس به بأس، فقد [ صفحه 158] تكلم فيه الثوري. قالوا: لأنه رآه يفتي في مسائل و يخطي‌ء فيها. و قال ابن‌حبان: كان ممن فحش عطاؤه فلا يحتج به. و جعله الذهبي ممن لم يقدح فيه كلام من تكلم فيه و خرج الحاكم في مستدركه من رواية مجاهد عن ابن‌عباس موقوفا عليه قال مجاهد قال لي ابن‌عباس لو لم أسمع أنك من أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث. قال فقال مجاهد: فانه في سترلا أذكره لمن يكره. قال فقال ابن‌عباس: «منا أهل البيت أربعة: منا السفاح و منا المنذر، و منا المنصور، و من المهدي». قال فقال مجاهد بين لي هؤلاء الأربعة. فقال ابن‌عباس: «أما السفاح فربما قتل أنصاره و عفا عن عدوه، و أما المنذر - أراه قال - فانه يعطي المال الكثير و لا يتعاظم في نفسه و يمسك القليل من حقه، و أما المنصور فانه يعطي النصر علي عدوه الشطر مما كان يعطي رسول الله (صلعم) و يرهب منه عدوه علي مسيرة شهرين و المنصور يرهب منه عدوه علي مسيرة شهر، و أما المهدي فانه الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و تأمن البهائم السباع و تلقي الأرض أفلاذكبدها». قال قلت: و ما أفلاذكبدها؟ قال: «أمثال الاسطوانة من الذهب و الفضة» ا ه و قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه. و هو من رواية اسمعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه. و اسمعيل ضعيف. و ابراهيم أبوه و ان خرج له مسلم فالأكثرون علي تضعيفه و خرج ابن‌ماجة عن ثوبان قال قال رسول الله (صلعم): «يقتتل عند كنزكم كلهم ابن‌خليفة ثم لا يصير الي واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلوهم قتلا لهم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا لا أحفظه - قال فاذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا علي الثلج [ صفحه 159] فانه خليفة الله المهدي» ا ه و رجاله رجال الصحيحين الا أن فيه أبا قلابة الجرمي، و ذكر الذهبي و غيره أنه مدلس، و فيه سفيان الثوري و هو مشهور بالتدليس، و كل واحد منهما عنعن و لم يصرح بالسماع فلا يقبل. و فيه عبدالرزاق بن همام و كان مشهورا بالتشيع، و عمي في آخر وقته فخلط. قال ابن‌عدي: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد، و نسبوه الي التشيع و خرج ابن‌ماجة عن عبدالله بن الحرث بن جزء الزبيدي من طريق ابن‌لهيعة عن أبي زرعة عن عمر بن جابر الحضرمي عن عبدالله ابن‌الحرث بن جزء قال قال رسول الله (صلعم): «يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي - يعني سلطانه -». قال الطبراني تفرد به ابن‌لهيعة. و قد تقدم لنا في حديث علي الذي خرجه الطبراني في معجمه الأوسط: أن ابن‌لهيعة ضعيف، و أن شيخه عمر بن جابر أضعف منه و خرج البزار في مسنده، و الطبراني في معجمه الأوسط، و اللفظ للطبراني عن أبي‌هريرة عن النبي (صلعم) قال: «يكون في أمتي المهدي ان قصر فسبع و الا فثمان و الا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم ينعموا بمثلها ترسل السماء عليهم مدرارا و لا تدخر الأرض شيئا من النبات و المال كدوس يقوم الرجل يقول يا مهدي أعطني فيقول خذ» قال الطبراني و البزار: تفرد به محمد بن مروان العجلي. زاد البزار: و لا نعلم أنه تابعه عليه أحد. و هو و ان وثقه أبوداود و ابن‌حبان أيضا بما ذكره في الثقات، و قال فيه يحيي بن معين: صالح، و قال مرة: ليس به بأس، فقد اختلفوا فيه. و قال أبوزرعة. ليس عندي بذلك. و قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: رأيت محمدا بن مروان [ صفحه 160] العجلي حدث بأحاديث و أنا شاهد لم أكتبها تركتها علي عمد و خرجه أبويعلي الموصلي في مسنده عن أبي‌هريرة و قال حدثني خليلي أبوالقاسم (صلعم) قال: «لا تقوم الساعة حتي يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتي يرجعوا الي الحق» قال: قلت و كم يملك؟ قال: «خمسا و اثنين» قال قلت: و ما خمسا و اثنين؟ قال: «لا أدري». و هذا السند و ان كان فيه بشير بن نهيك، و قال فيه أبوحاتم: لا يحتج به، فقد احتج به الشيخان، و وثقه الناس، و لم يلتفتوا الي قول أبي‌حاتم: لا يحتج به. الا أن فيه رجاء بن أبي‌رجاء اليشكري و هو مختلف فيه. قال أبوزرعة: ثقة. و قال يحيي ابن‌معين: ضعيف. و قال أبوداود: ضعيف. و قال مرة: صالح. و علق له البخاري في صحيحه حديثا واحدا و خرج أبوبكر البزار في مسنده، و الطبراني في معجمه الكبير و الأوسط، عن قرة بن اياس قال قال رسول الله (صلعم): لتملأن الأرض جورا و ظلما فاذا ملئت جورا و ظلما بعث الله رجلا من أمتي اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما فلا تمنع السماء من قطرها شيئا و لا الأرض شيئا من نباتها يلبث فيكم سبعا أو ثمانيا أو تسعا يعني سنين» ا ه و فيه داود بن المحبر بن قحزم عن أبيه و هما ضعيفان جدا و خرج الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر قال كان رسول الله (صلعم) في نفر من المهاجرين و الأنصار و علي بن أبي‌طالب عن يساره و العباس عن يمينه اذ تلاحي العباس و رجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباس فأخذ النبي (صلعم) بيد العباس و بيد علي و قال: «سيخرج من صلب هذا فتي يملأ الأرض جورا و ظلما [ صفحه 161] و سيخرج من صلب هذا فتي يملأ الأرض قسطا و عدلا فاذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتي التميمي فانه يقبل من قبل المشرق و هو صاحب راية المهدي» ا ه و فيه عبدالله بن عمر العمي و عبدالله بن لهيعة و هما ضعيفان و خرج الطبراني في معجمه الأوسط عن طلحة بن عبدالله عن النبي (صلعم) قال: «ستكون فتنة لا يسكن منها جانب الا تشاجر جانب حتي ينادي مناد من السماء ان أميركم فلان» ا ه و فيه المثني بن الصباح و هو ضعيف، و ليس في الحديث تصريح بذكر المهدي، و انما ذكروه في ترجمته و أبوابه استئناسا (فهذه) جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي، و خروجه آخرالزمان. و هي كما رأيت لم يخلص منها من النقد الا القليل أو الأقل منه. و ربما تمسك المنكرون لشأنه بما رواه محمد بن خالد الجندي عن ابان بن صالح عن أبي‌عياش عن الحسن البصري عن أنس بن مالك عن النبي (صلعم) أنه قال: «لا مهدي الا عيسي بن مريم». و قال يحيي بن معين في محمد بن خالد الجندي: انه ثقة. و قال البيهقي. تفرد به محمد بن خالد. و قال الحاكم فيه: انه رجل مجهول. و اختلف عليه في اسناده: فمرة يروي كما تقدم و ينسب ذلك لمحمد بن ادريس الشافعي، و مرة يروي عن محمد ابن‌خالد عن ابان عن الحسن عن النبي (صلعم) مرسلا. قال البيهقي: فرجع الي رواية محمد بن خالد و هو مجهول، عن ابان بن عياش و هو متروك، عن الحسن عن النبي (صلعم) و هو منقطع. و بالجملة فالحديث ضعيف مضطرب. و قد قيل في أن «لا مهدي الا عيسي» أي لا يتكلم في المهد الا عيسي. يحاولون بهذا التأويل رد الاحتجاج به أو الجمع بينه و بين الاحاديث، و هو مدفوع بحديث جريج و مثله من الخوارق [ صفحه 162] (ثم) اذا ضممنا الي هذه الأحاديث كل ما خرجه الشيعة في هذا الباب أيضا، و فرضنا تواترها جميعا، و ألا مطعن في أحد من رواتها البتة، فهي لا تصدق بحال علي المرزا علي محمد الملقب بالباب و ان كان من آل بيت الرسول (صلعم) بل هي مردود صرفها اليه من عدة وجوه أقتصرهنا علي خمسة منها اذ فيها الكفاية لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد: (الأول) كون المهدي المنتظر لا يدعي النبوة و لا الرسالة، بل يجي‌ء مؤيدا لشريعة محمد (صلعم) عاملا بها في نفسه و في الناس. و الباب ادعي النبوة و الرسالة بل الربوبية و الألوهية و العياذ بالله، و جاء الناس بشريعة جديدة ناسخة لشريعة القرآن و أحكامها، و المسلم يعلم علما مقطوعا بصحته من الكتاب و السنة، ألا نبوة، و لا رسالة، و لا تشريع، و لا وحي، بعد نبينا محمد صلي الله عليه و سلم. (الثاني) كون المهدي عبدا لله، لا الها و لا مشخصا للاله كما يقول الباب عن نفسه، تعالي الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا. (الثالث) ادعاء الباب أن وحدة اللاهوت مؤلفة من تسعة عشر أقنوما هي الباب و دعاته الثمانية عشر، و هو ما لا يدعيه المهدي و لا يدعو اليه، بل هو يدعو الي توحيد الله، و تنزيهه عن الكثرة و مماثلة الحوادث، و يقر له بالربوبية، و لنفسه بالعبودية، و لايشرك بعبادة ربه أحدا. (الرابع) كون المهدي يظهر من بلاد العرب و يواطي‌ء اسمه اسم النبي (صلعم) و اسم أبيه اسم أبي النبي عليه الصلاة و السلام. و الباب ظهر من ديار العجم و اسمه (علي) و اسم أبيه (رضي البزاز) فشتان بين هذا و ذاك. (الخامس) كون المهدي لا تهزم له راية، و يملأ الأرض قسطا و عدلا، و يضرب الناس حتي يرجعوا الي الحق. و الباب ملأ الأرض جورا و عدوانا، و ضرب [ صفحه 163] الناس ليرد هم الي الباطل، و هزمت راياته، و تمزق شمل أتباعه، و قتل رميا بالرصاص، و أكلت جثته الكلاب، و مأواه النار و بئس العذاب (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب)

تاريخ البابية و أحكامها

سيرة الباب

اشاره

ولد المرزا علي محمد الملقب بالباب في مدينة شيراز من أبوين علويين في أول المحرم سنة 1235 من الهجرة أثناء تولية حسين علي مرزا بن السلطان فتح علي شاه. و اسم أبيه المرزا رضي البزاز، و اسم أمه خديجة. و مات أبوه و هو رضيع فكفله خاله المرزا سيد علي التاجر. فلما شب عن الطوق و ترعرع بدنه شرع في تعلم العربية و الفارسية و خط القلم. فبرز في اتقان الخط و اشتهر باجادته حتي كان نادرة الوقت و أعجوبة الزمان في سرعة القلم و حسن الخط و تنسيقه و لما بلغ الحلم أدخله خاله في متجره و علمه المساومة و المقايضة و المبايعة و سائر الفنون التجارية. ثم أخذه الي بوشهر و بقي معه حتي بلغ من العمر عشرين ربيعا. و كان في تلك الأثناء مشتغلا بالعبادة [ صفحه 164] و الرياضة و تسخير روحانيات الكواكب حتي كان يقضي النهار بتمامه من شروق الشمس الي غروبها فوق سطح المنزل تحت أشعتها المحرقة حاسر الرأس تاليا للأوراد منهمكا في الأذكار. و الحرارة في بوشهر كالأخدود المشتعل تبلغ نسبتها التقريبية 42 درجة من سنتغراد فاعتراه بسبب ذلك وجوم و ذهول و حل به ضعف مستمر حط من قواه و هد من حوله. فحشي خاله سوء العاقبة فأشخصه الي كربلاء حيث المشاهد المنورة من آل بيت الرسول (صلعم) مستشفيا بفضل التبرك بزيارة تلك الأجداث الطاهرة من جهة و بتغيير الهواء و الماء من جهة الأخري و هناك تتلمذ لبعض تلاميذ الشيخ أحمد زين الدين الاحسائي و هو الحاج السيد كاظم الرشتي الجيلاني الذي مزج التصوف و الفلسفة بالشريعة و جمع بين اعتقادات الشيعة الامامية و الأصول الفلسفية علي طرز جديد و قال: ان المهدي الغائب المنتظر ظهوره عند الشيعة هو الآن من سكان عالم روحاني غير هذا العالم الجسماني سماه «بجابلقا و جابرسا» و ان أجسام هذا العالم الروحاني كأجسام الجن و الملائكة المسماة بالأجسام «الهورقليائية» و هي من اصطلاحات الكيمياء القديمة قفاه علي هذا الأثر تلاميذه و قاموا في مقام التعليم علي هذه الطريقة ثم ان المرزا عليا انقطع عن مجلس الرشتي بغتة، و عاود الانعكاف علي العبادة ثانية، و لازم الرياضة بمسجد علي مدة، ثم ظهر للناس بمظهر جديد خالف به الدين الحنيف مدعيا أنه «باب المهدي» و أنه المراد من الحديث المشهور «أنا مدينة العلم و علي بابها» مقررا أن الوصول الي الله تعالي محال الا عن طريق النبوة كالبيت لا يتأني دخوله الا من الباب و هو ذلك الباب الذي يدخل منه الي البيت [ صفحه 165] و هذا سبب تسميته بالباب و أتباعه بالبابية. و قد مكث علي تقرير هذه الدعوة ما شاء أن يمكث حتي نفر منه العقلاء من تلاميذ الاحسائي و الرشتي و كفره أهل الحديث و علماء الأصول. و لكنه لم يعدم من السذج و ضعفاء الألباب من مال اليه و اتبعه ثم ارتقي في دعواه و نادي بدين جديد ناسخ لشريعة القرآن و ما بين يديها من الشرائع لفقه من عناصر اسلامية و نصرانية و يهودية و وثنية و لقب نفسه «باب الدين» ثم ترك هذا اللقب و تلقب «بالنقطة» و «خالق الحق» مدعيا أنه ليس نبيا و انما هو مشخص لله (تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا) ثم بناء علي زعم الرشتي في أمر المهدي ادعي ثانية أنه المهدي بعينه و أن ذلك الجسم اللطيف الروحاني ظهر في هذا الجسم الكثيف المادي و لما كانت الرجعة أي رجوع بعض الأئمة السابقين و تابعيهم من الاصول الثابتة في مذهب الامامية، و التناسخ من اعتقاد طائفة الباطنية الذين تسلطوا في بلاد العجم مدة طويلة كان له بقايا في النفوس قام جماعة من أتباع الباب و ادعي بعضهم أنه الحسن و بعضهم أنه الحسين و بعضهم أنه غيرهما من الأئمة و تابعيهم و أيد هذه الدعاوي عندهم رأي رآه الباب نفسه و هو: «أن شخصية الشخص التي باعتبارها يمتاز عن غيره و ينال اسما خاصا به كحسن أو حسين مثلا انما هي صفاته و أخلاقه التي يكون عليها فمن وجدت فيه صفات شخص و أخلاقه و أحواله وجه تام فهو هو في أي زمان كان» و لقرب هذه الاعتقادات من مذهب الطائفة الشيخية من الشيعة [ صفحه 166] و هم أتباع الشيخ أحمد زين الدين الاحسائي لبي دعوة الباب كثير من أهالي بلاد العجم المتمذهبين بذلك المذهب الجديد و كان أول من أجاب الدعوة رجل من شرويه من أعمال خراسان يدعي الملا حسين الخراساني فمنحه الباب لقب «باب الباب». ثم لما بلغ تابعون ثمانية عشر عشر لقبهم بلفظة «حي» لأن مجموعها بحساب الجمل ثمانية عشر، و زعم أن وحدة اللاهوت مؤلفة من تسعة عشر أقنوما هي: الباب و هو الرئيس، و هؤلاء الدعاة. ثم بثهم في أرض فارس يدعون الناس اليه و يبشرونهم بظهوره ثم اضطرب في دعواه و زعم أنه محمد صلوات الله عليه و أن الله تعالي نزل عليه كتابا يسمي «بالبيان» و أنه المشار اليه في قوله تعالي (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) فالانسان هو محمد و البيان هو هذا الكتاب المنزل علي الباب و كتابه هذا يحتوي علي كثير من العربي المسجع و بعض الفارسي الا أن العربي كان ملحونا. فلما سئل عن سبب وقوع اللحن في هذا الكتاب المنزل مع أن اللحن نقص أجاب: «ان الحروف و الكلمات كانت قد عصت و اقترفت خطيئة في الزمن الأول فعوقبت علي خطيئتها أن قيدت بسلاسل الاعراب. و بما أن بعثتنا جاءت رحمة للعالمين فقد حصل العفو عن جميع المذنبين و المخطئين حتي الحروف و الكلمات فأطلقت من قيدها تذهب الي حيث شاءت من وجوه اللحن و الغلط» و كان يكرر في تآليفه هذه العبارة: «أن أفضل من محمد كما أن قرآني أفضل من قرآن محمد. و اذا قال محمد يعجز البشر عن الاتيان سورة من سور القرآن فأنا أقول بعجز البشر عن الاتيان بحرف من [ صفحه 167] حروف قرآني، ان محمدا كان بمقام الألف و أنا بمقام النقطة». ثم لقب نفسه «بالذكر» و زعم أنه المراد من الآية (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) و من قوله (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) و أمثال ذلك من الآيات القرآنية الكريمة. ألا تعسا له و سحقا فقد ضل ضلالا بعيدا و أول كتاب ألفه كان في كربلاء و هو «الرسالة العدلية في الفرائض الاسلامية» نبذ فيه من الفرائض ما نبذه و فند منها ما فنده. ثم شرح سورة يوسف عليه‌السلام في كتاب ضخم يحتوي علي مائة و عشرين فضلا أو سورة كما يقول. أما البيان فوضعه في بوشهر و أدمج فيه قواعد دينه و أحكام شرعه الجديد و جعله كتاب الشريعة و الأحكام. و له كتب و رسائل أخري بعضها بالعربية، و بعضها بالعربية و الفارسية، ضمنها كثيرا من الأخبار و الأحاديث، و أولها حسب مشتهاه، بما يؤيد أمره و يثبت دعواه ثم ارتاي في سنة 1259 من الهجرة أن يشخص الي مكة المكرمة ليكون ظهوره بالدعوة العامة من بلد الله الحرام لأن المهدي المنتظر ظهوره من عامة المسلمين انما يظهر علي نص بعض الأحاديث من مكة المكرمة مما بين الركن و المقام بالسيف. و كان غرضه من ذلك تحقيق دعوته، و التمويه علي العامة، و حسم القال و القيل فيه و لكن الله تبارك و تعالي أبي عليه أن يطأ بقدمه النجسة تلك الأرض المقدسة فأغرق الفلك التي حملته فآوي الي بوشهر في نفر من دعاته نجا معه من الغرق. فقابلهم خاله بالصد و الجفاء. و عاملهم بالاحتقار و الازدراء. و طردهم من حضرته. و كفر بالباب و ديانته فما ضعضع ذلك من عزمه. و لم يزحزحه قيد شعرة من زعمه. بل [ صفحه 168] زاده بدعوته غراما. و ضاعف نار همته ضراما. فاكتري دارا قبالة دار خاله. آوي اليها بفئام من رجاله. و أشخص الي شيراز دعاته يبثون في ملئها ترهاته. اذ هي موطن ناسه. و مسقط راسه. ثم بعث الي أصفهان. من يدعو الي هذا البهتان. اذ كانت مقر جهابذة الاسلام. و موطن علمائه الأعلام. و كان عامل شيراز يومئذ نظام الدولة حسين خان التبريزي المراغي. و عامل أصفهان معتمد الدولة منوجهر خان الكرجي القوقاسي فلما دخل الدعاة شيراز ذهبوا بلا مهلة الي الشيخ أبي‌تراب كبير الفقهاء و أدوا اليه رسالة الباب و دعوه الي الايمان به. فهاج الشيخ و عقد من فوره مجلسا من الفقهاء و العلماء و أطلعهم علي جلية الأمر فأجمعوا رأيا علي مكاشفة العامل بهذا الخطب المدلهم الملم بالاسلام. فلما سمع العامل هذا الخبر و كان مشهورا بشدة الشكيمة و قوة العزيمة لم يلبث أن أحضر الدعاة بين يديه و سألهم في محفل غاص بالعلماء و الوجوه عما انتهي اليه من أمرهم. فأجابوه بجنان ثابت، و لسان غير متلعثم، انهم رسل الباب الي شيراز، و انهم يدعونه في مقدمة أهلها الي الا يمان به، و لم ينكروا حرفا واحدا مما بلغه عنهم، بل أقروا بكل ما سمعه، و أدوا الرسالة حقها بلا خوف و لا وجل. فعلت الضوضاء من كل جانب، و اشتدت جلبة العلماء، و أفتوا العامل بقتلهم. فأمر بقطع «العصب الكعبري» من كعابهم. ثم ألقاهم في غيابة الجب، و أبلغ حكومة طهران ما كان، و أرسل في طلب الباب من بوشهر، فجي‌ء به مخفورا الي شيراز، فأنزله في دار أبيه التي ولد فيها، و أمهله بضعة أيام حتي يهدأ روعه، و يسكن فزعه. و كان قيامه من بوشهر في 16 شعبان سنة 1261 للهجرة و وصوله الي [ صفحه 169] شيراز في 19 رمضان من تلك السنة

الباب و عامل شيراز

في ذات ليلة طلب العامل الباب دون أن يعلم أحد. فلما دخل عليه، و صار بين يديه، تلقاه بالبشر، و أدناه منه، و بالغ في اكرامه و أقبل عليه بوجهه، يحادثه، و يلاطفه، و يلين له الكلم، حتي اذا هدأت نفس الباب، و سكن جأشه المضطرب، و زال فزعه الأكبر، و أحس العامل من ذلك، جثا أمامه علي ركبتيه، و أبدي أسفه العظيم علي ما فرط منه في حق دعاته، و توسل اليه بأسماء الله الحسني أن يقيل عثرته، و يغفر ذنبه، و يأمره بما شاء و أراد، فانه باذل نفسه و نفيسه، و تالده و طريقه، في سبيل ما يحبه و يرضيه. و يحقق له من رغابه ما يشتهيه. ثم تباكي، و أخذ يسكب العبرات. و يصعد الزفرات. و يتنفس الصعداء. و يتأوه و لا تأوه الخنساء. حتي التبس أمره علي الباب. و دخلت عليه حيلته من كل باب. فتهلل وجهه سرورا. و رقص فؤاده طربا و حبورا. و أخذ بذراع العامل و رفعه الي مجلسه. و شرع يلاطفه و يزيل من هواجسه. ثم سأله عن سبب هذه الضراعة و الندامة. بعد أن عامل الدعاة بتلك الغلظة و الصرامة. فأجابه بكلام متقطع، و صوت متهدج انه يا مولاي لم يكن لك حتي الأمس عدو بمين مثيلي، و لم يك لك اليوم صديق حميم نظيري. ذلك أني كنت بالأمس أفكر في كيفية تعذيبك و تعذيرك و التمثيل بك بما لا يخطر علي بال، فأخذتني سنة من النوم، فرأيتك تغمزني برجلك و تقول: «ايه ايه يا حسين اني أري نور الايمان يلوح في وجهك» فاستيقظت في نومي و في قلبي [ صفحه 170] حلاوة الايمان بك، و أنت أحب الي من نفسي و أهلي و ولدي، فعلمت أنك أنت المهدي المنتظر حقا، و هأنذا بين يديك، فان تعف فبفضلك، و ان تقتص فبعدلك فأشرق وجه الباب سرورا، و قال له: «طوبي لك ثم طوبي، فان الذي رأيت لم يكن في المنام، بل كان في اليقظة، و اني أنا بنفسي قد وافيتك في مضجعك، و خاطبتك بالذي سمعت، لما أعرف فيك من الخليقة الطاهرة، و السليقة الطيبة، و المجد المؤثل» فدنا العامل من الباب، و قبل يديه، و قال له متضرعا: «ان خزائني يا مولاي مملوءة بالذهب و الفضة، و جند هذه العمالة تحت امرتي، فأمر بما شئت ترني أخضع لك من نعلك، و ألزم لك من لزوم ظلك،و أطوع لأوامرك، من الخاتم في أصبعك». فقال له الباب: «طوبي لك ثم طوبي لاتباعك الحق، و ايمانك بما جئت به من الصدق، و اني أعدك وعدا واقعا أن أجعلك سلطان الروم (يعني الدولة العثمانية) بعد امتلاكي الدنيا بحذافيرها، و اخضاعي الملوك طرا». فتنهد العامل، و قال بصورت خافت: «اني يا مولاي ما اتبعتك طمعا في المال، و لا طلبا للجاه، فالأموال بحمد الله موفورة، و المكانة حاصلة، و انما جل آمالي، و أقصي غاياتي، أن أجاهد بين أيديكم الطاهرة، و ألحق بالشهداء و الصالحين». فصدق الباب كلامه، و دعا له بالخير ثم ان العامل أعد له في دار الامارة غرفا فسيحة مفروشة بالأطالس و الطنافس أنزله فيها مع خواص أصحابه بمنتهي التجلة و التعظيم، و توسل به أن يكف الآن دعاته عن الدعوة حتي لا يثور ثائر الفقهاء و تشتعل نيران الثورة في المدينة و هو لم يتمكن بعد من استكثار العدد و العدد [ صفحه 171] فتكون العاقبة شرا عليهم. أما اذا تمت المعدات، و استكملت التجهيزات، فحينئذ تكون الدعوة جهرية، و اظهار الأمر بالقوة، فرضي الباب بذلك، و استحسنه فلما اطمأن العامل من جهة الباب و أتباعه عقد مجلسا من العلماء و الفقهاء و السراة و الوجوه و أعلمهم بما أتاه مع الباب، و طلب منهم أن يمتحنوه و يسبروا غوره ثم يحكموا له أو عليه. ثم دخل علي الباب و أقنعه بأن الغرض من هذا المجلس انما هو اعلان الدعوة، و اظهار الأمر، فمن آمن منهم نجا، و من لم يؤمن فالسيف جزاؤه. فأذعن الباب لكلامه، و جازت عليه حيلته، فخرج الي المجلس بجنان ثابت، و جأش رابط، يصحبه السيد يحيي الدارابي من كبار أصحابه. و ما استقر بهما الجلوس حتي افتتح الباب الكلام، و خاطب القوم بقوله: «ألم يأن لكم أيها العلماء أن تنبذوا الهوي، و تتبعوا الهدي، و تتروا الضلال، و تسمعوا أقوالي، و تذعنوا لأوامري؟؟ ان نبيكم لم يترك لكم بعده غير القرآن، فها كم كتابي البيان، فاقرأوه فهو أفصح من القرآن، و أحكامه ناسخة لأحكام الفرقان، فاسمعوا و انتصحوا و أبقوا علي أنفسكم و أموالكم و أولادكم، قبل أن تسل السيوف و توضع في رقابكم، و تشحذ في أعناقكم، فاسمعوا و أطيعوا اني لكم لمن الناصحين» فسكت العلماء و الفقهاء باتفاق سابق مع العامل، و لم ينبسوا ببنت شفة كأن علي رؤوسهم الطير، و ساد السكوت في المجلس كله بسكوتهم حتي كادت تسمع دقات القلوب و نبضات العروق. ثم ان العامل التمس من الباب أن يكتب مزاعمه في صحيفة يقرأها عليهم ليكونوا علي بينة من أمره. و أفهمه أن ذلك أوقع في النفوس، وأملك للقلوب، و أبلغ في اقامة الحجة، و أظهر في ايضاح المحجة. فتناول الباب القلم [ صفحه 172] و القرطاس و كتب أسطرا بالعربية علي نهج المناجاة و الدعاء و أعطاها لهم فاذا هي ملحونة، كثيرة الأغاليط، عقيمة المطالب و المقاصد، فاسدة المعاني و المباني. فأوضح له العلماء تلك الغلطات، واحدة فواحدة، و هو يحاول اقناعهم بأنه لم يتلق علي معلم، و لم يأخذ عن شيخ، و انما هو الهام من الغيب، و وحي يوحي اليه، فلينظروا الي المعاني، و يتركوا المباني، و يأخذوا اللب، و يرموا القشر. فعلا ضجيج العلماء، و ارتفعت جلبة الفقهاء، و اختلفوا في الحكم عليه، فمنهم من أفتي بقتله لأنه كافر خاسر، و منهم من قال: بخلل عقله، و خبل جنانه، و نسبه الي البله و العته، و أجاز تعذيره. فحينئذ نظر اليه العامل شزرا، و قال له مؤنبا معذرا «أيها الجاهل المغرور! ما هذه البدعة السيئة التي أحدثتها في الاسلام، و ما هذه الثلمة التي أوجدتها في جدار الايمان، و كيف تدعي النبوة و الرسالة أو المهدوية و تفضل نفسك علي خاتم النبيين و المرسلين، و تدعي أن كلامك هذا أبلغ و أفصح من القرآن. و آياتك البينات ليس لها مثيل في الفرقان. مع أنك عاجز عن اظهار ما يكنه ضميرك بالعربية. لست قادرا علي سبكه في قوالبها العلمية. فوالله لولا شرف انتسابك الي بيت النبوة لعرفتك لحدك. و لحكمت في عنقك سيف جدك. ثم أقول ما لي و لك. الشرع قتلك. و لكن اذ كانت قرائن أحوالك. تثبت خلل عقلك و تدل علي خبالك. فلأعذرنك و لأعذبنك لعلك ترجع عن غيك. و تهتدي الي رشدك» ثم أمر به فجروه من المجلس، و فرشوا له نطعا قبالة البهو في فناء الدار، و ربطوا رجليه علي خشية، و جعلوا يضربونه بالأعواد الصلبة [ صفحه 173] و هو يستغيث و ما من مغيث، و يستجير و ما من مجير، حتي كاد يغمي عليه، فاستغفر ربه و تاب، و رجع اليه و أناب فأمر العامل بكف الضرب عنه و فك قيوده، و أركبه علي دابة شوهاء، و أمر أن يذهبوا به علي هذه الهيئة الي المسجد الجديد من طريق السوق الكبير، تشهيرا له، و تحقيرا لشأنه. فلما دخل المسجد و كان غاصا بالعلماء و الفقهاء و السراة و الوجوه، جعل يقبل يدي الشيخ أبي‌تراب الآنف الذكر، و يكرر التوبة و الندم علي ما فرط في جنب الله. فدعاه الشيوخ الي ارتقاء المنبر، و اعلان فساد عقائده و بطلان دعاواه، و اظهار الندامة علي ما فرط منه، و أن يستغفر الله كثيرا، و يتوب اليه من هذا الذنب العظيم الذي ارتكبه. فصعد المنبر و جهر بكل ما أمره به الشيوخ ثم نزل و جعل يقبل أيديهم شيخا فشيخا و يكرر التوبة و الندم و الاستغفار. ثم أمر به العامل الي السجن، و ضيق عليه الخناق، فلا يقابل انسانا، و لا يكتب حرفا. و لكنه وسع له في الرزق، و بسط في معيشته و حدث في تلك الأثناء أن نزلت بفارس هيضة و فدت عليها من الهند و الأفغان، و سرت الي مدينة شيراز، فهاج أهلها و ما جوا، و فر معظمهم الي الجبال و الضواحي النائية، و خرج العامل في بطانته و رجال حكومته الي أبعد النواحي من المدينة، فاختل النظام، و تعطلت الأحكام، و فقد الأمن، و أهملت السجون. فاغتنم هذه الفرصة منوجهر خان عامل أصفهان و كان ممن آمن بالباب، فأرسل في السر الي شيراز رجالا أعدهم للملمات يفرون بالباب من سجنه، و يفدون به عليه، و قد كان فلما اتصل بعامل شيراز فرار الباب الي أصفهان استشاط غيظا، [ صفحه 174] و تلظي غضبا، فنفي جميع من في عمالته من أتباع الباب و طردهم من شيراز طرد الكلاب. فانتشروا كالجراد في أرجاء البلاد. و أظهروا أمر الباب للعباد. و تفننوا في الدعوة بأساليب عجيبة. و طرائق غريبة. تذهل الأحلام. و تحير الأفهام. فأجابهم كثيرون من أراذل الناس و أدنيائهم. و قليلون من سرواتهم و أجلائهم. حتي صار للباب قوة جسيمة. و عصبية عظيمة. فكان خطره كبيرا. و شره مستطيرا. و اليك الآن نباءه في أصفهان. و ما وقع له من الأمور ذات البال و الشان

الباب في اصفهان

لما بعث الباب دعاته الي أصفهان كما وضحناه من قبل لاطفهم عاملها، و جاملهم مجاملة حسنة، و أمنهم من أعدائهم، و أجري عليهم رزقا وافرا، و حثهم علي التبشير بظهور الباب، و أعلن لهم ايمانه به. فطفقوا ينشرون الرسائل، و يزخرفون الأباطيل، و يروقون الأكاذيب، و يؤولون الآيات و الأحاديث، و يطبقونها علي شمائل الباب و خصاله، مستدلين بها علي أنه هو المهدي المنتظر القائم من آل محمد (صلعم). فتبعهم خلق كثير من صعاليك القوم و سراتهم، هانوا علي الله فجعلهم وقودا للنار و بئس القرار و كان العامل أخزاه الله يصم آذانه عن شكاوي المسلمين من أعمال هؤلاء الدعاة، و يصرف الشاكين بالتي هي أحسن، حتي سمع بوقوع الوباء في شيراز، و اختلال أمر الحكومة فيها، فأرسل أولئك الرجال لاحضار الباب من سجنه، و أتبعهم بمن كان الباب يستوثق به من دعاته ليطمئن قلبه، و يوقن بصحة ايمانه به، حتي تم له المطلوب، و فاز بالمرغوب، و خرج الباب ميمما وجهه نحو أصفهان [ صفحه 175] فحينئذ أخذ العامل يخيف العلماء من الباب، و يحقق لهم شيوع أمره، و اتساع نطاق دعوته، و يظهر الأسف و الكدر من جراء ذلك، الي أن باغتهم ذات ليلة بخبر هروبه من السجن، و قرب و روده مدينة أصفهان، و نسب ذلك الي دسيسة دبرها أحد كبار العلماء بهذه المدينة، و جعل يلطم خده، و يسكب عبرته، لمصاب الدين، و بلاء الملة، حتي ارتعدت فرائصهم، و تحدرت عبراتهم، و تصعدت زفراتهم، و أخذوا يستنجدونه، و يستفزون همته، لدفع هذه الغائلة، و رفع تلك النازلة، اذ هو نائب الحكومة، و معتمد الدولة فلما رأي أن سهم حيلته قد نفذ قال لهم: ان الرأي أن يذهب وفد من العلماء لاستقبال الباب، و أن ينزلوه في دار أحدهم مظهرين له التبجيل و التعظيم، فتجوز عليه الحيلة، فيقع في الفخ من حيث لا يدري اذ أنني سأجمعكم به في مجلس حافل للمناظرة فتثبتون مروقه من الدين، و نزوغه عن أوامر الله، فتكتبون لي كتابا بالفتوي بقتله، أو بصلبه أو بنفيه، أو باحراقه، و ما هي الا نظرة مني الي السياف، فيقع رأسه عن بدنه، و نستريح من عبئه فاستصوب القوم رأيه، و شكروه علي احكام تدبيره، و هم في غفلة عن دسه السم في الدسم، اذ أخذتهم الرجفة من قوله: ان شخوص الباب الي أصفهان لم يكن الا بدعوة كبير من العلماء آمن به. فقد أوقعت هذه الدسيسة في قلوبهم رعبا، و ارتابوا في أمر بعضهم بعضا، و خالطهم سوء الظن و الوسواس، و ذهلوا عن ادراك مقاصد العامل، لأن كلا منهم كان يظن أنه اذا عارضه في رأيه، و فند من أقواله، فلا يبعد أن يكون هو مظنة القوم، و يثبت عليه تهمة احضار الباب و الايمان به، و هناك الطامة الكبري [ صفحه 176] لذلك أطاعوا العامل، و صدقوا علي رأيه، فانتخبوا وفدا من احاشيتهم، و قر روا نزول الباب بدار (مير سيد محمد) الملقب بسلطان العلماء، و توجه الوفد في أصيل الغد لملاقاة الباب، و آب معه الي دار الضيافة، وزاره العلماء و الفقهاء و الوجوه، فكتم عنهم ما أشيع عنه، و لكنهم أخذوا يستنتجون من فحوي كلامه ما كانوا يسمعونه من دعاته، فرابهم أمره، و راعهم كيده. فأجمع وجوه العلماء علي أن يستكتبه مضيفه شيئا لعلهم يستنبطون منه أسس عقائده، فكتب رسالة مسهبة في تفسير سورة الكوثر، شط فيها عن قواعد اللغة، حاد عن الاصطلاحات الشرعية، مشيرا بها الي صدق دعوته، و حقية مهدويته فضج العلماء، و علت ضوضاؤهم، و قصدوا العامل بلا مهلة، و طلبوا منه انجاز وعده، فصار يحاولهم و يراوغهم، حتي بلغ السيل الزبي، و بلغت القلوب الحناجر، و ضاق الخناق علي المسلمين، فشكوا بثهم و حزنهم الي العلماء، و ضيق هؤلاء علي العامل، و دعوه الي انجاز ما وعد، و الا فانهم يضطرون الي ترك الأمة و شأنها فلا يبعد حينئذ أن يقع منها مالا تحمد عقباه علي الباب و عليه فأحس العامل شرا، و أوجس منهم خيفة، فعقد من فوره مجلسا حافلا بالعلماء و الحكماء و السراة و الوجوه يتقدمهم: المرزا سيد محمد و آقا محمد مهدي الكلباسي و كلاهما له منزلة عليا في الفقه و الأصول، و المرزا محمد حسن بن الملا علي النوري و هو أعلم علماء وقته بالحكمة الالهية و الفلسفة الاسلامية. فلما دخل عليهم الباب قاموا اجلالا له، و أجلسوه في صدر المجلس، و ناهيك بما جبلت عليه نفوس الفرس من احترام السادة أهل البيت. ثم دار الكلام علي ما يتعلق بأمر المهدي، [ صفحه 177] و ما سمعوا من الناس عن دعاواه و أقواله، و هو ساكت ساكن لم ينبس ببنت شفة. فقال له حينئذ آقا محمد مهدي رئيس الأصوليين لا يخفي عليك أيها السيد أن المسلمين علي قسمين: القسم الأول يستخرجون مسائلهم الشرعية من الذكر الحكيم، و يستنبطون الأحكام من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و السنن المحمدية، و هؤلاء يقال لهم في الاسلام «مجتهدون»، و القسم الثاني هم الذين يقلدون أحد هؤلاء المجتهدين في معرفة الأحكام، و التمييز بين الحلال و الحرام، و يسترشدون به فيما أشكل عليهم من الأصول و الفروع. فالي أي قسم منها تنتسب أنت؟ و بعبارة أخري هل أنت مجتهد أو مقلد؟ قال الباب: ما قلدت أحدا قط، و اني أحرم العمل بالظن فقال رئيس الأصوليين: ألم تعلم أيها السيد أننا معاشر الشيعة نعتقد أن باب العلم مسدود بغيبة حجة الله، فليس لنا حينئذ الا أن نأخذ العلم في كل عصر من الأعصار من العلماء المجتهدين الذين توفرت فيهم شروط الاجتهاد حسب القواعد المقررة من الصدر الأول الي يومنا هذا حتي يظهر حجة الله القائم المنتظر من آل محمد (صلعم) فيزيل البدع، و يصلح من الدين ما فسد، و يرجع الشريعة الي ما كانت عليه في عهد صاحب الرسالة عليه الصلاة و السلام؟ فكيف أنت أيها السيد ترفض التقليد، و تحرم العمل بالظن؟ و اذا كنت لم تقابل الحجة، و لم تسمع منه مسئلة الشرعية، فقل لنا ممن تعلمت علم الدين، و من أين أتاك اليقين؟؟... فاستشاط الباب غضبا، و قال له: أنت لا تعلم سوي المنقول، و مقامك مقام طفل مبتدي‌ء بأبجد و هوز، و مقامي مقام (الذكر و الفؤاد) فلا يسوغ لك أن تخوض في بحر خضم، و تناقشني بما [ صفحه 178] ليس لك به علم. فسكت رئيس الأصوليين، و أمسك عن الكلام معه. فتقدم المرزا حسن الحكيم و قال بتحمس: مكانك أيها السيد، و اياك أن تحيد عن قولك، و اسمع ما أقول: ان الحكماء قد وضعوا في اصطلاحاتهم مقاما (للذكر و الفؤاد) فكل من يصل اليه و يترقي فيه يكون محيطا بجميع الأشياء، فلا يجهل في الكون شيئا فهل أنت وصلت الي مقام الذكر و الفؤاد كما عرفه الحكماء؟ و هل أنت محيط بجميع الأشياء؟ قال الباب بجنان ثابت، و جأش رابط، و لسان غير متلعثم، أجل هو كذلك و اسأل ما تريد. فقال مناظره الحكيم: أخبرنا أيها السيد عن كيفية معجزات الأنبياء، و حصول طي الأرض للأولياء، و عن كيفية الخبر الوارد في سرعة مسير الزمان في عهد السلطان الجائر، و بطء مسيره في زمن الامام الهادي، فاننا و أنت نسمي بني‌أمية و بني‌العباس بحكام الجور و ملوك الظلم، و نعتقد في الأئمة من آل بيت النبوة أنهم هم الهداة. و في هذه الحالة يجب أن يكون للزمان سيران مختلفان: بطي‌ء، و سريع. فيكف ذلك؟ ثم ان أئمة الجور و أئمة القسط كان بعضهم معاصرا لبعض في زمن واحد فيجب أيضا أن يكون للزمان سيران متضاد ان في البطء و السرعة، فكيف ذلك؟ ثم اننا معاشر المسلمين كافة نقول: ان الأرض تطوي لأولياء الله و حججه، فهل هي تطوي ببلادها و صحاراها و جبالها و بحورها و برورها، فيلاقي بعضها بعضا؟ فان قلت بذلك، فماذا تقول فيما ينشأ عنه من خسف البلاد، و محو العباد، و هلاك الحيوانات و ابادة النباتات و الجمادات؟ و ان قلت: ان الأرض تتراكم، ثم تتداخل بجزئياتها، فيكون بعضها علي بعضها. أقول: ما كان ذلك، [ صفحه 179] و لم يسمع بمثله أحد الي الآن، ولو كان لما خفي علي الناس، و كذلك لن يكون في المستقبل. و ان قلت: كان ذلك بطريق الطيران، و يكون به كذلك. أقول: لا ينطبق هذا علي العقل. و لا يؤيده البرهان و النقل. فأجب عما سئلت. و تذكر ما قلت فابتسم الباب و قال: أتبغي أيها الحكيم. حل هذا المشكل العظيم باللسان و البيان. أم باليراع و البنان؟ فقال الحكيم: لك الخيار أيها السيد! فافعل ما تريد، و اعمل ما تشاء فطلب الباب قلما و قرطاسا و ظل يكتب، فاذا يطعام الغداء وضعت مائدته، فألقي الصحيفة علي الأرض الي جانب المائدة، و شرع معهم في الأكل، و مناظره يحيل الطرف في الصحيفة خلسة، ثم تناولها اليه. فاذا فيها خطبة مسهبة مبدوءة بالبسملة و الحمدلة و التصلية، و يعقب ذلك دعاء مطول علي طريق المناجاة، و ليس فيها أدني اشارة الي مادار بينهما. فأمسك القوم حتي فرغوا من الطعام، ثم انقسموا قسمين: قسما و هو الأقل أفتي بجنونه و تشويش ذهنه، و قسما و هو الأكثر قال بكفره و مروقه من الدين و أفتي بوجوب قتله. بيد أنه افتتن به في ذلك المجلس فقيهان مدرسان هما: الملا محمد تقي، و السيد حبيب الله، أخزاهما الله. فلما عرضوا الفتاوي علي العامل قال للذين أفتوا بقتله: ان ذلك لا تبلغه قدرتي الا أن تأذن حكومة الشاه في طهران، و هأنذا مبلغها الأمر من فوري فما وقع عليه رأيها فعلته. و ليكف عنه ألسنة العلماء و لا يدع لها مجالا فيه، دعا بالحديد علي مشهد منهم، و أمر أن يكبل به الباب، و يلقي في غيابة السجن. و اذ عسعس الليل، و أقفرت السبل أطلق سراحه، و جاء به خفية الي قصر الامارة، و أنزله به في غرفة [ صفحه 180] مخصوصة مبجلا مكرما. ثم أرسل كتابا مسهبا الي طهران شرح فيه الحادثة بما شاءت أهواءه، و أملاه له شيطانه، و ذيله بقوله: ان قتل الباب في هذه الآونة في أصفهان، و جل أهليها ميال اليه، لما يفضي الي ثورة كبري تهلك الحرث و النسل. فمن الرأي ابقاؤه في غيابة السجن حتي يخمد لهيب الفتنة، ثم يكون ما تراه الحكومة في شأنه» و لما أن كان الجهل مخيما آنئذ علي عقول الأمة تخييما مطبقا، و الخزعبلات متمكنة من النفوس أشد التمكن، و البلاد من جراء ذلك أشبه بالفوضي منها بالحكومة، و الضيق شديد مستحكم الحلقات و العامة تنتظر الخلاص من هذه الشدائد، و تري ألا فرج لها الا من جهة الباب، و حكومة طهران مشغولة بمرض الشاه، تاركة حبل المملكة علي غاربها، لاهية عن هذه الويلات النازلة بالبلاد - راجت عليها خدعة هذا العامل الخبيث، فصوبت رأيه في الابقاء علي الباب، و اتقت حدوث فتنة جديدة بسبب قتله في أصفهان، أو الشخوص به الي طهران. فخرج الأمر للعامل بالسهر عليه، و ابقائه في ظلمات السجن مقيدا مغللا مقطوع العلاقة مع الناس

نفي الباب الي آذربايجان

لما تمكن عامل أصفهان أخزاه الله من خدع الحكومة، أطلق للباب العنان في الكتابة و التأليف، فوضع و هو في قصر أصفهان كتابا سماه (النبوة الخاصة) و أخذ يرسل الدعاة الي أكناف المملكة و أطرافها. أما العامل لعنه الله فأشاع و أذاع، و أقنع الوجوه و العلماء، أن الشاه أخذ الباب الي طهران خفية، و سجنه فيها مؤبدا. فبات الباب في قصر العامل قرير العين محمي الجانب مدة سنة و بضعة أشهر [ صفحه 181] حتي قضي العامل نحبه فجأة [17] و ولي مكانه أخوه كركين خان. فملا اعتلي كرسي الامارة و اطلع عن دخائل الأمور، و كان رجلا بصيرا بالعواقب، حريصا علي الجاه و المال، لم يسلك مسلك أخيه مع الباب اذ كان يري بثاقب فكره. أن هذا الخاسر لا ينجح في أمره. فأطلع الحكومة علي خفيات الأمور. و تحفز الباب للنهوض و الظهور فلما وقفت الحكومة علي هذه الأسرار نقلت الباب من أصفهان الي آذربايجان و سجنته ملحوظا بعين يقظتها في قلعة جهريق بمدينة باكو بالقرب من بايزيد علي الحدود العثمانية. و اذ كان سجينا في هذه القلعة قضي الشاه محمد نحبه في الساعة الثانية و الدقيقة الخامسة و الثلاثين من ليلة الثلاثاء لخمس خلون من شوال سنة 1264 للهجرة. و بويع بعده ابنه الأكبر ناصر الدين شاه والد جد الشاه الحالي.في الساعة الرابعة من الليلة الرابعة عشرة من شوال سنة 1264 للهجرة. و كانت هذه البيعة في مدينة تبريز مقر أولياء العهود لدولة الفرس جريا علي العادة المتبعة قديما. ثم بويع البيعة الكبري و استوي علي عرش السلطنة في مدينة طهران في الساعة السابعة و الدقيقة العشرين من ليلة السبت 22 من شهر ذي القعدة سنة 1264 للهجرة. و لا يتسغربن القاري‌ء تعيين وقت الجلوس و البيعة بالليل، و تعداد الساعات والدقائق، فان الفرس ما زالوا يراعون أحكام الأزياج، و تأثير الكواكب و قراناتها، و معرفة الطوالع سعودها و نحوسها [ صفحه 182]

مناظرة الباب و العلماء في تبريز

لما سجن الباب في قلعة جهريق تمكن أتباعه الأخصاء من الوصول اليه بشفاعة الصفراء و البيضاء، فحضهم علي اعلان دعوته بالقوة و القهر. فالتهبت نار الثورة في البلاد، و مال العامة الي هؤلاء الدعاة، و خشي الخاصة سوء المنقلب و المآب. فخرج الاذن من طهران الي تبريز عاصمة مملكة آذربايجان حيث الشاه ناصر الدين و هو ولي للعهد أن يرأس مجلسا يعقده من العلماء و الوجوه و أرباب الخطط و المناصب يدعو اليه الباب، و يطلق له السراح في المجادلة و المناظرة، ثم يستفتي العلماء في حقه، و لا ينفذ الحكم له أو عليه، حتي يعرضه علي الأعتاب في طهران، فيبرز المرسوم الشاهاني بتنفيذه فعقد ولي العهد هذا المجلس في تبريز، و كان في صدر العلماء: حجة الاسلام الملا محمد الممقاني رئيس علماء الشيخية، و نظام العلماء الحاج الملا محمود، و شيخ الاسلام المرزا علي أصغر، و ملا باشي الحاج المرزا عبدالكريم، و ملا باشي المرزا حسن الزنوزي، و المرزا محسن القاضي، و المرزا محمد التقي والد المرزا مهدي خان مؤلف كتاب مفتاح باب الأبواب، و جده المرزا محمد جعفر الملقب بالأمير. و في صدر رجال الدولة: أميرالنظام محمد خان زنكنه، و نصير الملك المرزا فضل الله علي الآبادي وزير المملكة، و مشير الدولة المرزا جعفر خان وكيل وزارة الخارجية، و المرزا موسي التفرشي وكيل وزارة المالية، و بيان الملك المرزا مهدي خان كاتم أسرار وكيل المملكة. ثم جي‌ء بالباب في حراسة كاظم خان رئيس حجاب ولي العهد، فأجلسوه في صدر المكان، ثم شرعوا في المناظرة، فكان أول من بادر بها، نظام العلماء، قال: [ صفحه 183] «أيها السيد! انظر هذه الكتب و الصحف التي أضعها بين يديك الآن و تأمل في عباراتها، فانها مكتوبة علي نسق الآيات القرآنية و الصحف السماوية، و منتشرة في الممالك الايرانية، و متداولة بين الأمة، فتصفحها جيدا، و أخبرنا هل هي من مقولكم، أو افتراها عليكم بعض أعدائكم و نسبها لكم»؟ قال هذا و وضع بين يديه الصحف و الكتب التي ذكرها. فلما رآها الباب قال: نعم هذه الكتب من الله. قال النظام: أرجوك أيها السيد أن تدع الألغاز و المعميات و لا تتكلم الا بصريح العبارة، فان هذه الكتب قد أثارت عمالتي خراسان و مازندران فشقتا عصا الطاعة لأولي الأمر. فغضب الباب من هذا الخطاب و قال: أجل ان هذه الكتب من جملة مقالاتي. قال النظام: انك سميت نفسك في هذه الكتب شجرة الطور، و يفهم من ذلك أن كل ما جري و يجري علي لسانك هو كلام الله، و بعبارة أخري أنك تكاد تقول ان قولك قول الله و كلامك كلام الله. قال الباب،يرحمك الله انه كما تقول. قال النظام: تسميتك بالباب منك أم سماك بها الناس؟ قال الباب: انها ليست مني و لا من الناس، بل هي من الله، لأني باب العلم. فقال ولي العهد: اعلم أيها السيد أني عاهدت الله تعالي علي أن أدع لك هذا لمنصب الذي لي و أكون لك من الطائعين اذ أمكنك أن تثبت لنا أنك أنت باب العلم حقيقة. فسكت الباب. ثم قال النظام: أنت تعلم أيها السيد أن أميرالمؤمنين عليا كان مدعوا بالباب، و الذي دعاه به نبينا صلي الله عليه و سلم في قوله «أنا مدينة العلم و علي بابها» فكان علي يقول بعد ذلك «سلوني قبل أن تفقدوني فان بين جنبي علما جما». و ان لدي الآن أيها السيد بعضا من المسائل العويصة أطلب حله منك، و منه ما يختص بالطب. قال الباب: [ صفحه 184] اني لم أتعلم هذا الطب. قال النظام: أسألك في علم الدين، و من شروط معرفته فهم معاني الآيات و الأحاديث، و هذا متعلق بمعرفة الصرف و النحو و المعاني و البيان و البديع و المنطق و غير ذلك من العلوم، فأسألك الآن عنها مبتدئا بالصرف. قال الباب: ان الصرف تعلمته في الصغر و لا أتذكره الآن. قال النظام: فسر لنا هذه الآية الكريمة (هو الذي يريكم البرق خوفا و طمعا) و بين تركيبها النحوي، و قل لنا ما هو السبب في نزول سورة الكوثر، و ما الباعث لتسلية النبي بها. فأخذ الباب يفتكر هنيهة، ثم استمهل في الجواب، و لكنه لم يجب. فسأله النظام عن معني هذا الحديث «لعن الله العين ظلمت العين الواحدة» فتفكر الباب طويلا و قال: لا علم لي بشي‌ء الآن. فسأله النظام عن معني ما قاله بعض العلماء: «اذا دخل الرجل علي الخنثي و الخنثي علي الأنثي توجب الغسل علي الخنثي دون الرجل». فسكت الباب، و لم يجب. قال النظام: أنت وضعت تآليفك كما تزعم علي الفصاحة و البلاغة فقل لنا ما النسبة بين هذه و تلك من النسب الأربع، و لماذا صار الشكل الأول بديهي الانتاج. فعجز الباب عن الاجابة بالكلية. قال النظام: أسألك أيها السيد سؤالا لم يبق عندي غيره و هو: أن الله تبارك و تعالي قد خص الأنبياء و الرسل بالمعاجز و خص الأولياء و الصالحين بالكرامات، فاذا رأي الناس وقوع المعجزة من الأنبياء و أعرضوا عن الايمان بهم و الاذعان لأقوالهم كانوا كفارا فجارا، و اذا رأوا الكرامة من الأولياء الذين يدعونهم لاتباع الأنبياء ثم فسقوا عن الطاعة يعدون فساقا أشرارا، و أنت بكتبك و أقوالك تدعي ما يفهم منه الرسالة مرة، و المهدوية تارة، و الولاية طورا: فهل من معجزة أو كرامة تقوم لك الحجة بها؟؟.... قال الباب بكل سكينة و وقار: [ صفحه 185] سل ما بدالك. قال النظام: ان الشاه مصاب بالنقرس، و قد عجز الأطباء عن مداواته، فأطلب منك ابراءه. قال الباب: هذا غير ممكن. فقال له ولي العهد: اعلم أيها السيد أن مناظرك هو معلمي، و محسن أدبي، و قد أدركته الشيخوخة، و فارقته نضرة الشباب، فعجز عن ملازمتنا في السفر و الحضر، و نحن لا غني لنا عنه، فهل يمكنك أن ترده الي ريعان الصبا، و شرخ الشباب؟ قال الباب: هذا ممتنع أيضا فحينئذ أعرض النظام عن الباب، و قال للحضور بصوت جهوري اعلموا أن هذا الرجل خاوي الوطاب. فارغ الجراب. معتوه جاهل مغرور بباطل. خال عن كل معجزة و كرامة. لا حبا به و لا كرامة فغضب الباب من هذا التشنيع و التقريع، و قال: ما هذا الكلام أيها النظام. و أنا من تنتظرونه منذ ألف عام! قال له النظام: أنت المهدي المنتظر القائم؟ قال الباب: أجل أنا هو المهدي. قال النظام: هل أنت المهدي النوعي أو المهدي الشخصي؟ قال الباب أنا عين ذلك المهدي الشخصي. فسأله النظام عن اسمه و اسم أبيه و أمه و مسقط رأسه. فقال: اسمي علي محمد، و اسم أمي خديجة و أبي‌المرزا رضي البزاز، و مسقط رأسي شيراز، و عمري يناهز الخامسة و الثلاثين. قال النظام: ان المهدي عندنا معشر الشيعة اسمه محمد، و اسم أبيه الحسن، و اسم أمه نرجس، و مسقط رأسه (سر من رأي) فكيف ينطبق ذلك عليك؟ قال: اني آتيكم بمعجزة تقوم بها الحجة عليكم. قال العلماء: حبا و كرامة، هات برهانك: قال: اني أكتب في يوم واحد ألف بيت (البيت عند الفرس خمسون حرفا عدا) قالوا: ان كنت صادقا فيما تقول، ففي الناس من يشاركك في هذه المعجزة، فيبطل كونها معجزة تقوم بها الحجة. فسكت [ صفحه 186] ثم قال له الملا محمد الممقاني: انا قرأنا في كتابك الذي أنزلته منزلة القرآن قولك: «أول من آمن بي نور محمد و علي» أي أن مقامك أرفع من مقامها فماذا لديك من الجواب؟ فاضطرب الباب، و لم ينبس ببنت شفة. ثم قال له المرزا عبدالكريم الملقب بملا باشي: أيها السيد! ان الله تعالي قال في كتابه العزيز: (و اعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فان لله خمسه) و أنت تقول في كتابك: «ثلثه». فمن أين نسخت هذه الآية؟ و كيف نسخت؟؟.... فارتعب الباب، و قال من فوره: ان الثلث أيضا نصف الخمس. فضحك المجلس ضحكا شديدا و قال له الملا محمد الممقاني: لنفرض أن الثلث هو نصف الخمس، فكيف أنت حكمت بالثلث أو بنصف الخمس دون الخمس؟؟... فنظر اليه الباب مغطمشا عينيه، و لم يجب فقال له المرزا محمد جعفر الملقب بالأمير أيها السيد! كلنا يعلم أنه ما نسخت من شريعة سماوية أو أرضية الا أتي ناسخها بمثلها أو أحسن منها. و المفهوم من أحكام كتابك أنك نسخت أحكام القرآن، مع أن الفرق بين الكتابين من حيث الأحكام و الاحكام واضح وضوح الشمس، فضلا عن أنك لم تبد سر هذا النسخ جليا، بل أدمجته جملة في طي الاكمال و الاتمام، و القرآن يشهد أن الله تعالي قد أكمل لنا الدين، و أتم لنا النعمة، و رضي لنا الاسلام دينا. فان كنت من أهله أيها السيد، فهو مستغن عن الاكمال. و ان كنت مرتدا عنه، و لا تعترف به، و تزعم أنك مبعوث بدين جديد من عند الله أو من عند نفسك لاكمال النواقص التي بالشريعة الاسلامية، فأبن لنا تلك النواقص، و أرنا محال الضعف و الخلل من الشريعة، و قل لنا عن هذه الكماليات أو المكملات التي أتيت بها لسد تلك الثلمة، [ صفحه 187] و رأب ذلك الصدع، لنكون علي بصيرة من أمرك، و لنحكم لك أو عليك. فنظر اليه الباب، و قال له و هو يبتسم: ان لهذه الأسئلة مقدمات عديدة أبسطها لك في غير هذا المكان و في يوم آخر. فقال المرزا الأمير: أفدنا أيها السيد عن كيفية رفع المسيح الي السماء هل كان دون صلب و لا موت كما يقول المسلمون، أو كان بعد صلبه و موته و دفنه و قيامه من القبر كما يقول النصاري، و هل كان الرفع ببدنه العنصري أو كيف؟؟ قال الباب: هذا أيضا يلزمه مجال فسيح، و ليس هنا مكانه، و لا هذا وقته، و انك لعالم بالأديان جد العلم. ثم شرع يخطبهم فقال: «الحمد لله الذي رفع السموات و الأرض» و فتح التاء من السموات، و كسر الضاد من الأرض. فقال له ولي العهد: «صه صه» و تلا هذا البيت، و جعل يردده و ما بتا و ألف قد جمعا يكسر في النصب و في الجر معا ثم قال له: ما هذا الضلال و الاضلال، و ما هذه الخزعبلات و الترهات أتحسب أنه لم يأتنا نبأ ارتياضك الشاق في بوشهر، و هوسك الزائد بتسخير الشمس و الكواكب، و قيامك المدة الطويلة من الصباح الي المساء حاسر الرأس تحت أشعة الشمس المحرقة، حتي أفسدت حرارتها دماغك. و أذابت مخك و أزالت جنانك. فصرت الي ما أنت فيه من الجنون و الخبال. و انتهيت الي هذا الحد من الضلال و الاضلال و اني لآخذ رأي المجلس فيك. و لتذوقن تبعة ما كسبته بأيديك. ثم سأل المجلس أن يبدي فيه ما لديه. و يحكم اماله و اما عليه. فقضي فريق بكفره و ضلالته. و أفتي بوجوب قتله و ابادته. و قضي آخر بعته و هوسه. و رأي ضرورة تعذيبه و حبسه. فاستصوب ولي العهد رأي الفريق الأخير. و قال للباب بصورت رنان جهير: [ صفحه 188] لولا ثبوت جنونك، و اضطراب جنانك، و شرف انتسابك الي بيت النبوة، لأمرت بقتلك الآن، لتكونن عبرة للناس، حتي يعلموا أن المهدي القائم المنتظر لا يغلب علي أمره، و لا يأتي بما يخالف دين جده الكامل الذي ارتضاه الله لنا في قوله عزوجل: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) و في قوله تعالي: (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) ثم أمر فطرحوه أرضا، و شدوا رجليه الي خشبة، و صاروا يضربونه بالعصي و القضبان، و هو يسترحم و ما من راحم، و يتغيث و ما من مغيث، و يصيح و ما من مجيب ما عدا رجلا وقف علي رأسه بأمر النظام يلقنه كلمات يقولها مؤداها: أنه لن يعود الي مدعياته مرة أخري. فصار يردد هذا التلقين حتي أوشك أن يقطع النفس و يسلم الروح. فأمر ولي العهد بكف الضرب عنه، و ارجاعه الي محبسه في قلعة جهريق، و أن تبث عليه العيون و الأرصاد لتنقطع أخباره عن الناس. و كان ذلك في سنة 1263 من الهجرة

فظائع البابيين

لما استفحل أمر الباب، و علقت بقلوب الناس دعوته، و صار أتباعه يعدون بالألوف، و بات همهم الأكبر أن ينصروا هذا البهتان و ينشروه في سائر أرجاء الفر - بدأوا تحقيق أمانيهم هذه بأن أوقعوا الرعب و الفزع في القلوب، فكانوا يقفون بوسائط شتي من الحيل و الدسائس علي سرائر الناس و خباياهم، فمن كان يومي‌ء بالطعن في معتقداتهم لم يلبثوا أن يقتلوه. و تفشي منهم التعدي و الغدر حتي كانوا يتشكلون بأشكال متعددة كالسائلين و نحوهم ليتمكنوا من الفتك بمن [ صفحه 189] ظنوا به أو توهموا فيه أنه يشير بسوء الي ديانتهم. فسفكوا بذلك دماء كثيرة ما جنت ذنبا و لا جريرة الا أن آمنت بالله و كفرت بالطاغوت فهم في هذا الدور من فظائعهم كانوا أشبه الناس «بالفداوية» الذين اشتهر أمرهم علي عهد الفاطميين خلفاء مصر. بل الفداوية كانوا خيرا منهم، و أخف وطأة، و أكرم نفسا ثم لما ثاروا علي الحكومة، و جهروا بدعوتهم علي ملأ الاشهاد، زادوا فجورا علي فجورهم. و امتلأوا شرورا فوق شرورهم. فكانوا يمثلون بالناس تمثيلا فظيعا. و يعذبونهم تعذيبا وجيعا. لا يرحمون صغيرا لصغره. و لا كبيرا لكبره. و لا امرأة لضعفها. و لا جنينا في جوفها فالكل سواء في نظرهم. ماداموا لا يؤمنون ببابهم. فكانوا يسلون الألسنة، و يسملون العيون، و يسلخون الجلود، ويكوون الجسوم، و يشوهون الوجوه، و يقطعون الأيدي و الأرجل من خلاف، و يبترون أثداء المراضع، و يشقون بطون الحوامل، و يتلقفون الأجنة علي أطراف الأسنة. الي غير ذلك من ضروب التمثيل. و صنوف التعذيب و التنكيل. مما لم يسمع بمثاله. و لم ينسج حتي بختنصر علي منواله و من أفظع ما يروي عنهم: أن الملا محمد علي الزنجاني القائم بثورة البابية في زنجان دعا اليه قائدا من جيش الحكومة ليفاوضه في أمر الصلح و التسليم، فذهب اليه القائد فرخ خان التبريزي في مئة من الفرسان، فغدر بهم أجمعين، و قتل الفرسان شر قتلة، و أحرق جئثهم بالنار. ثم كوي بدن القائد بمكواة من الحديد محماة في مئة و أربعين موضعا، ثم قرض لحمه بالمقراض قطعا قطعا و هو حي يتنفس حتي فاضت حياته في هذا العذاب الأليم رحمة الله عليه فهل سمعت و أبيك أن دينا سماويا و يا جاء أهله في حياة شارعه [ صفحه 190] بمثل هذه الفظائع التي تقشعر لها الأبدان، و لا يأمر بها الا الشيطان؟؟ أراني بك تحبيب سلبا و عينك تفيض من الدمع لما نال هذه النفوس الزكية من الفتك و القتل و العذاب المهين... بل أراني بك تقرر أن دين هؤلاء الفجرة الحسرة باطل كل البطلان، و أنهم انما يدعون الي سبيل الطاغوت، لا سبيل ذي الملك و الملكوت...

الثورة علي الحكومة

ذكرنا فيما سبق أن جماعة من خلصاء الباب تمكنوا من الدخول عليه في سجن جهريق بوساطة الدرهم و شفاعة الدينار، و أنه حضهم علي الثورة و اعلان دعوته بالقوة و القهر. و نذكر الآن أن البابيين لعنهم الله أخذوا أهبتهم لذلك، و استعدوا له عن بكرة أبيهم، حتي اذا قبض الله اليه الشاه محمدا، و استوي ولي عهده الشاه ناصر الدين علي العرش، و ألهي ذلك وجوه الأمة و سراتها و حكامها عن كل ما سواه، و شخصوا بأنفسهم الي طهران لنهنئة الشاه الجديد بالملك و تعزيته في أبيه، و أقفرت الديار في جميع أنحاء الفرس من الحكام و وجوه الأمة و عظمائها - اغتنم البابيون هذه الفرصة، فثاروا علي الحكومة في جملة أماكن دفعة واحدة، و أبرزوا من الجسارة ما لم يسمع بمثله، حتي كان الرجل منهم يتزر بازار و يأخذ سيفه و يهجم علي الألوف من العساكر عريانا ليس عليه سوي الازار. و كانوا يعتقدون أن من يموت منهم في المحاربات يقوم بعد أربعين يوما و كانت نساؤهم يعاون الرجال هذه الحروب. فكن يخترقن الصفوف، و يجتزن الحتوف، يحملن الماء و الزاد و آلات الكفاح و القتال الي بعولتهن و أبنائهن و آبائهن، غير خاشيات نيران المدافع [ صفحه 191] و البنادق، و لا حاسبات للموت حسابا. و كان بينهن في ثورة زنجان فتاة بديعة الجمال. رشيقة القد و الاعتدال. تناهز الرابع عشر من الأعوام. كالقمر في ليلة التمام. أبدت من الجسارة و الاقدام. ما يدهش العقول و يحير الأفهام. اذ كانت تنخطف اتخطاف البرق من صف الي صف تملأ البنادق و تناولها الرماة، و الرصاص يساقط حولها كالمطر و هي تبتسم له و ترقص و كان يقود البابيين في هذه الحروب و الثورات: قرة العين، و الملا حسين الخراساني، و الملا محمد علي البار فروشي، و الملا محمد علي الزنجاني. و كان هؤلاء الأربعة من أقوي دعائم البابية، و أجل الزعماء قدرا بعد الباب. و اليك سيرة كل منهم في هذه الحروب و غيرها بما وسع الامكان:

قرة العين

فتاة فتانة، مصابة بالسوداء، ذات حسن باهر، و جمال ساحر، تسمي (زرين تاج). و هو اسم فارسي معناه بالعربية (ذات التاج الذهبي). لقبها البابيون ببدر الدجي و شمس الضحي، و لقبها الباب بعد ذلك بقرة العين، و البهاء بعده بصديقة طاهرة. و اسم أبيها الحاج الملا صالح القزويني، كان من أجل فقهاء عصره. اسم بعلها الملا محمد، كان أيضا من الفقهاء المعدودين. و هو ابن عم لها يدعي الملا محمد تقي و يلقب بالشهيد الثالث و هو مجتهد [18] كان أعلم أهل زمانه، يشار اليه بالبنان في الأصول و الفقه و الالهيات، يعتقد أهل قزوين فيه الولاية و يتحدثون بكراماته [ صفحه 192] فقرة العين من بيت هؤلاء أهله، تلقت عنهم علوم الشريعة و الآداب، فكانت: شاعرة، نائرة، خطيبة، محدثة، بصيرة بالكلام حافظة للقرآن، عالمة بالتفسير و التأويل. عارفة بأسرار التنزيل. حتي كانت خليقة بأن تضرب اليها جنوب الجياد. لولا ما كانت عليه من سوء العقيدة و اضطراب الفؤاد فلما أن بلغتها أخبار الباب، و قرأت أقواله، مالت اليه بكل جوارحها و آمنت به عن غيب. و كانت تكاتبه و يكاتبها فكان يخاطبها في مكاتباته بقرة العين، فلقبت بذلك و صارت لا تعرف الا به. و لما أمرها بتبليغ دعوته لبته بالطاعة، و خرجت من عصمة زوجها من غير طلاق و لا فسخ عقد، و أخذت تدعو الناس من عصمة زوجها من غير طلاق و لا فسخ عقد، و أخذت تدعو الناس الي الباب. و كانت تناظر العلماء و الفقهاء مكشوفة الوجه من غير حجاب، و تنادي علي ملأ الاشهاد بوجوب رفع الحجاب، و جواز تزويج تسعة رجال من امرأة واحدة فشق علي ذوي قرباها هذا الأمر. و اتقدت قلوبهم كما يتقد الجمر. و باتوا في أمرها حياري. و من رفع خمارها سكاري و ما هم بسكاري. و اشتدت علي بعلها الغمة. لهذه الملمة المدلهمة، و صار يطوف حول الأب و العم. يستكشفهما ما نزل به من الضر و الغم فدعواها اليهما فأجابت. و نصحاها فما أصاخت. بل زادها نصحهما خسارا. و ملأها عتوا و استكبارا. و أضمرت لهما شرا مستطيرا و لبعلها يوما عبوسا قمطريرا و اذ كانت خلابة اللفظ. فتانة القوام و اللحظ. تلعب بالعقول و الألباب. و تجتذب القلوب أيما اجتذاب. لبي دعوتها الصغير و الكبير و انضوي تحت لوائها الحقير و الأمير. و اشرأب الناس اليها بالأعناق و قاموا لنصرتها علي قدم وساق. فلما رأت ما لسلطانها علي القلوب [ صفحه 193] و أن طاعتها صارت من أوجب الوجوب. أمرت بقتل أبيها و عملها و بعلها، و جميع العلماء و الفقهاء، و كل من لا يجيب دعوتها، و لا يلبي نداءها، ليخلو لها من الجو من المعارضين، و تخلص طريق دعوتها من العقبات. فدخل أتباعها المسجد الجامع في ذات ليلة قبيل صلاة الفجر و كمنوا فيه لأبيها و عمها و بعلها و من حضر الصلاة من العلماء، ليفتكوا بهم في بيت الله دون ما ذنب و لا جريرة الا أن يؤمنوا بالله و يكفروا بالطاغوت. و اذ كان عمها يصلي بالناس في المحراب. هجموا عليه بالسيوف و الحراب. و قطعوا بدنه تقطيعا. و مثلوا به تمثيلا فظيعا و قتلوا معه جماعة من العلماء و المصلين. الا بعلها و أباها فكانا من الناجين فهاج البلد و ماج، و قامت قيامة المسلمين، و أفرغوا علي أبدانهم،آلات الكفاح و الجلاد، و نادوا الغوث الغوث! الجهاد الجهاد! فتعلقت قرة العين بأذيال الهرب. و جد وراءها المسلمون في الطلب فلم يدركوها لها أثرا. و لم يعلموا لها خبرا. فقد سلكت و أتباعها سبلا متروكة. و انتهجت طرقا غير مسلوكة. مولية وجهها شطر خراسان لتظاهر باب الباب علي أهل الايمان. و بينا هي في الطريق و قد بلغت قرية بدشت، اذا بالملا محمد علي البار فروشي يغذ السير في كتيبة من البابيين مقبلة من خراسان، قتلاقيا ببعضهما، و ألقيا عصا التسيار في هذه القرية، و لبثا بها بضعة أسابيع يختليان ببعضهما دون رقيب و لا عتيد، ثم اتفقا علي أن تخطب الناس قرة العين، فبعثا مناديا ينادي: أن هلموا أيها الناس الي رسول المهدي المنتظر القائم من آل محمد صلي الله عليه و سلم فهرع المسلمون و البابيون رجالا و نساء الي حيث يدعو الداعي، فاذا فناء رحب لا تدرك العين نهايته نصبوا في صدره منبرا عظيما [ صفحه 194] يملأ النفس هيبة، و اذا قرة العين برزت من خدرها مكشوفة الوجه دون حجاب و لا نقاب، فاعتلت ذروة المنبر، و جلست هنيهة تحبيل الطرف في الناس، ثم انتصبت واقفة، و خطبتهم بصوت مسموع قائلة «أيها الأحباب و الأغيار! [19] اسمعوا وعوا! ان أحكام» «الشريعة المحمدية قد نسخت بظهور الباب، و ان أحكام الشريعة» «الجديدة لم تصل الينا بعد، فكل عمل الآن بما جاء به محمد» «فهو لغو باطل. لا يأتيه الا كل غر جاهل» «ان الباب سيفتح البلاد. و يسخر العباد. و يخضع أقاليم» «الأرض. و يوحد الأديان في طولها و العرض. فلا يبقي الا» «دينه القويم. و صراطه المستقيم. و شرعه الذي لم يبلغنا منه الا» «هذا النزر اليسير. و ذلك القدر غير الكبير. فلا أمر اليوم و لا» «تكليف. و لا نهي و لا تعنيف. فنحن الآن في زمن الفترة» «فاخرجوا من الوحدة الي الكثرة. و مزقوا هذا الحجاب الذي» «بينكم و بين النساء. و فكوا عنكم قيود هذه العادات الشنعاء» «و شاركوهن في الأفعال و الأقوال. و لا تمنعوهن الحق من مشاركة» «الرجال. و أخرجوهن من الخلوة الي الجلوة. و واصلوهن بعد» «تلك الجفوة و لسلوة. فما هن الا رياحين خلقن للشم. و تصاوير» «جعلن للثم و الضم. و لابد من قطف الريحانة و شمها. و لثم صورة» «الحبيب و ضمها. دون أن يحدد عدد الشام. أو يكيف كم اللاثم» «و الضام. فالريحانة تجني و تقطف. و صورة الحبيب تهدي و تتحف» «أما المال فمشاع غير مقسوم. فيه حق للسائل و المحروم. جعل» [ صفحه 195] «للناس سواء بسواء. لا للأغنياء دون الفقراء. فادفعوا الفاقة عنكم» «بهذا الذهب. و شاركوا بعضكم بعضا في المال و النشب. و ساووا» «في ذلك بين فقيركم و غنيكم. و لا تردوا من يطلب التمتع بحلائلكم» «أو بناتكم. فلا نهي اليوم و لا أمر. و لا تكليف و لا حد و لا» «زجر. فخذوا حظكم من هذه الحياة. فلا شي‌ء بعد الممات» ا ه فعلا ضجيج المسلمين، و صاروا يسخطون عليها، و ينفضون من حولها، حتي أفقر منهم المكان، و سكنت جلبتهم و ضوضاؤهم أما البابيون لعنهم الله فجعلوا يمسحون وجوهم بأذيالها. و يقبلون بأفواههم أرجلها و مواطي‌ء أقدامها. و لا تسل عما وقع بينهم من الهرج و المرج. فحدث عن ذلك و لا حرج. فقد أتي كل امري‌ء من القبائح ما يشتهيه. و جاء من المنكرات مالا يحيط به العد و يحصيه. و حسب اللبيب هذه الاشارة. ففيها ما يغني عن العبارة ثم انها ارتأت مبارحة بدشت الي مازندران لمظاهرة باب الباب علي المسلمين. فسارت صحبة البار فروشي في هودج واحد يتبعه الرجال و الأحمال حتي دخلوا أراضي مازندران و حطوا للراحة بقرية، من أعمالها تدنو من قصبة (هزار جريب). فعلم بهم أهل القرية، فأبوا الا أن يجلوهم عن ديارهم،و لا يصطبحوا بسحنهم، و يستمعوا أباطيل أقوالهم. فقاموا عليهم قومة رجل واحد، و أعملوا فيهم السيف البتار فأثخنوهم جراحا، و أشبعوهم قتلا، و أخذوا أموالهم و أسلابهم، و أجلوهم عن ديارهم حفاة عراة لا يلوون علي شي‌ء، قد ملك الرعب قلوبهم، و ملأ الذعر نفوسهم فولي البار فروشي وجهه شطر بلدة بار فروش في الناجين من أتباعه و استمرت قرة العين و من كتب له العمر من شيعتها يقطعون الفدفد [ صفحه 196] و السبسب من أراضي مازندران، متنقلين من هنا الي هناك، و هي تبشر بظهور الباب، و تدعو اليه، حتي قويت عصبيتها، و صار لها جيش لجب، يخشي بأسه، و يرهب جانبه، عاثت به في الأرض تضرب ذات اليمين و ذات الشمال، لا تبقي و لا تذر ثم قبضت عليها الحكومة بعد عدة مقاومات شديدة، فحلقت أطراف رأسها، و شدت بقية الشعر في قمتها الي ذنب بغل سحبها خلفه الي بيت القضاء، فقضوا باحراقهاحية. و لكن الجلاد خنقها بايعاز من أولي الأمر قبل أن ألعب النار بالحطب المعد لاحراقها ثم طرح شلوها علي النار فصار رمادا تذروه الرياح. و عجل الله بروحها الي النار. و بئس القرار. و كان ذلك في شوال سنة 1264 من الهجرة. فبهلاك هذه الفاجرة الباغية لم تقم قائمة لأتباعها الذين نجوا من سيف الحكومة بل تفرقوا في أطراف البلاد و تمزق شملهم شذر مذر (وكفي الله المؤمنين القتال)

الملا حسين الخراساني

ولد هذا الرجل الضال في قرية حقيرة من أعمال خراسان تدعي (بشرويه) من أسرة وضيعة القدر، خاملة الذكر، كانت عالة علي أهل القرية. فلما دب و درج صار الي المؤدب يتلقي فضلة مما يعلمه صغار الأطفال من مبادي‌ء القراءة و الكتابة. و لما بلغ الحلم، و اشتد بدنه، و تقوي عضله، رحل الي طوس في طلب علوم الدين، فحصل علي نصيبه من الفقه و الأصول. و لكنه كان ساخطا علي علمه. غير راض عن أمسه و يومه. اذ لم يقض له العلم لبانته. و لم يبلغه الدهر من المجد غايته. فقد كان علي خسة حسبه. وضعة أصله و نسبه [ صفحه 197] طموحا الي اصطياد العنقاء. مشرئب العنق الي المجد و العلياء فلما أن أتاه نبأ الباب. هجم السرور عليه من كل باب. و علم أن نجم سعده قد لاح. و ليل شقائه انجاب و انزاح. فأخذ يهرول الي شيراز. هرولة المحرم في الحجاز و اذ رأي الباب تهلل وجهه بشرا. و أيقن ببلوغه الأوطار وطرا فوطرا: فمد له يد البيعة و الطاعة. و انصاع لكل ما أمره به و أطاعه و أخذ هو من الباب بمجامع لبه. و تمكن حبه من شغاف قلبه. فمنحه الباب. لقب (باب الباب). و اختصه بالخلوة و الجلوة. و أنابه عنه في تبليغ الدعوة. و أكرمه بالرسالة في جميع مملكة ايران. و زوده ما يدعو به الي هذا الافك و البهتان. و بعثه بكتابين الي الملك و الوزير. سماه فيهما المبشر و الوزير فالرجل ليس فوقه غير الباب. و دونه كل الأتباع و الأصحاب و اليك ما قاله البهاء فيه. عند ما ذكر صحابة الباب و تابعيه. فتعلم مكانة الرجل لدي عشيرته. و مقامه عند أهل دينه و ملته قال البهاء بالفارسية في الصفحة (188) من كتابه الايقان ما نصه (از آن جمله جناب ملا حسين است كه محل اشراق شمس ظهور شدند). و هذا تعريبه: (و منهم جناب الملا حسين الذي صار محلا لاشراق شمس الظهور). ثم أعقب ذلك بجملة عربية هي:(لولاه ما استوي الله علي عرش رحمانيته، و ما استقر علي كرسي صمدانيته). اه. فتأمل ثم ان الملا حسينا خف الي أصفهان،و يمم دار الملا محمد تقي الهراتي و استماله اليه، و جعله يصعد المنبر في المسجد الجامع و يجهر بدعوة الناس الي الباب. ثم تلاقي بالعامل منوجهر خان الذي مر [ صفحه 198] بالقاري‌ء ذكره و استماله أيضا، ثم رحل الي كاشان و اجتذب الحاج المرزا جاني من وجوه المدينة و استعان به علي استمالة الحاج الملا محمد المجتهد بن الحاج الملا أحمد الزاقي، فاجتمعا به، و أرياه تفسير الباب لسورة يوسف، و دعاء له يتلي عند جدث علي بن أبي‌طالب رضوان الله عليه. فأبان لهما المجتهد مواضع اللحن، و مواقع الغلط، في هذا الدعاء و التفسير، فاعتذرا له بقول الباب: «ان الحروف و الكلمات كانت قد عصت و اقترفت خطيئة في الزمن الأول فعوقبت علي خطيئتها أن قيدت بسلاسل الاعراب. و اذ كانت بعثتنا رحمة للعالمين فقد حصل العفو عن جميع المذنبين و المخطئين حتي الحروف و الكلمات فأطلقت من قيدها تذهب حيث شاءت من وجوه اللحن و الغلط». فغضب المجتهد من هذا الاعتذار. و أمر بنفيهما من تلك الديار فلم يثن ذلك من عزم الرجل. بل شخص الي طهران من غير وجل. و طفق يدعو في طريقه الناس. الي هذه الأباطيل و الأرجاس حتي اذا مست قدمه تراب طهران. دخل علي الصدر الأعظم من غير توان. و قال: جئتك أيها الوزير. بنبأ من سبأ خطير. و مد يده بكتاب مولاه. دون أن يخشاه و يتحاشاه. و كان المتربع يومئذ في دست الوزارة. الجالس علي منصة الحكم و الصدارة. (كهف الأداني و الأقاصي. الحاج المرزا آقاسي). و كان الشاه مريضا سقيما. و الوزير متبلبل البال كئيبا سئيما. فملا قرأ كتاب الباب. و علم بما احتواه من الخطاب نظر الي حامله نظرة غضب عظيم. و قال: اخرج منها فانك رجيم. و الاطار عن بدنك راسك. و بكاك أهلك و ناسك. و أقول مالي ولك. الشرع قتلك فخرج الخراساني علي وجهه الي خراسان، و كتب الي البار فروشي و قرة العين أن يفدا عليه. ثم طفق يستميل الملا عبدالخالق اليزدي [ صفحه 199] الخطيب في مسجد (توحيد خانه) بالمشهد الرضوي. حتي قام علي المنبر يدعو الناس الي الباب. غير وجل و لا هياب. و كان قد آمن بالباب من قبل الملا علي أصغر المجتهد بنيسابور فقام كذلك يدعو الناس اليه جهارا. و يذكر فضائله ليلا و نهارا. حتي هاجت نفوس أهل خراسان. و نزعوا الي الثورة و العصيان. و كان عاملها يومئذ أميرا ذا بطش و سلطان. هو الأمير حشمة الدولة أخو السلطان. ففزع اليه العلماء أن أدرك الدين و أنقذ المسلمين من هذا الضلال المبين. فأمر من فوره باحضار الخراساني الي المعسكر. و كذلك المجتهد الملا علي أصغر. فوصل الثاني قبل الأول و كان علي هذا الرأي عندهم المعول. و خشي علي نفسه النكال و سوء العذاب. فراح يلعن البابية و يتبرأ من الباب. و أبي الملا عبدالخالق الخطيب. أن يرجع عن دينه القشيب. فكان جزاؤه النكال الشديد. و التكبيل بالحديد ثم وقعت محاكمات بين البابيين و أهل خراسان، فخذلهم هؤلاء و أخذوهم أخذ عزيز مقتدر، و زجوهم في أعماق السجون، و سدوا عليهم السبل، فلا مهرب و لا مفر. ثم قبضوا علي الخراساني و ألقوه في غيابة السجن وحيدا فريدا مصفدا مغللا مقطوع العلاقة من الناس. فلبث يعاني الآلام، و يتجرع الغصص و الأسقام، و حتي ثارت خراسان علي الأمير بمكيدة دبرها حسن خان سالار، و اضطر الأمير الي مبارحة مقره، و التوغل في أحشاء البلاد. فاغتنم الخراساني هذه الفرصة ففر من محبسه الي طوس و نزل بقرية (بابا قدرت) فقاومه أهلها فغذ السير الي نيسابور فتبعه جم غفير منها فقصد أرجاء (سبزوار) فأجابه جماعة منهم المرزا تقي الجويني المنشي‌ء المعروف في ديار الفرس فعينه مدبرا لبيت ماله... ثم دخل سبزوار فتبعه نفر قليل فبرحها الي (يارجمند) [ صفحه 200] و نزل بدار السيد محمد امام الجماعة و هو لا يعلم من أمره شيئا. فلما حضر التبغ و القهوة امتنع الخراساني عنهما بعلة التحريم، فعارضه الامام، فأبرز له نصا من الباب يصرح فيه بتحريمهما، و اغتنم هذه الفرصة فأعلن دعوته. فذهل الامام من هذه الدعوة، و أخرجهم من الدار عنوة، و أمر بابعادهم عن البلدة. فخرجوا الي قصبة (خان خودي) و لحق به هناك فقيهان هما الملا حسن و الملا علي و افتتنا به ثم انتقل الي (ميامي) فتبعه من أهلها سنة و ثلاثون، فجهر بالدعوة، فسخط عليه المسلمون، و آل الأمر الي القتال، فقتلت فئة من أتباعه فرحل الي (شاهرود) و نزل ضيفا علي الملا محمد كاظم المجتهد، فأكرمه بادي‌ء الرأي، حتي اذا علم بما هو عليه عنفه و سبه، و ضربه بعكازه علي فرقه، و أمر من فوره باخراجهم من المدينة و في هذه الغضون توفي الشاه محمد الي رحمة الله. فقويت بذلك شوكة البابيين، و عزم الخراساني علي الضربة القاضية، فولي وجهه شطر مازندران، و حط ببطحاء بار فروش، و التقي بالملا محمد علي البار فروشي، و اتفقا علي العمل معا. و ما هي الا بضعة أيام حتي تبعهما ثلاثمائة من أهل بار فروش، فذعر الناس لهذا الخطب، و فزع العلماء الي الحكومة، فلم تأت عملا، و لم تحرك ساكنا، بل أغلقت آذانها عن الشكاوي. و أغمضت أجفانها عما ينتاب البلاد من البلاوي وزد علي ذلك أن عامل مازندران و هو الأمير خان مرزا شقيق الشاه المتوفي خلي العماله في فم النار و ذهب الي طهران لتعزية الشاه الجديد و تهنئته بالملك و هكذا شأن كل مهمل غافل فلما سمع الخراساني برحيل العامل عاد بخيله و رجله الي بار فروش و كان قد برحها الي الأماكن المجاورة، فعاود الذعر القلوب، و التجأ [ صفحه 201] العلماء الي عباس قلي خان السردار اللاريجاني، فأمدهم بثلاثمائة من الجنود نشبنت الحرب بينهم و بين البابيين، فقتل اثني عشر بابيا، و جرح بضعة أجناد. فتقهقر الخراساني الي الوراء، و تحصن بعيدا من بار فروش في محل يسمي (سراي سبز ميدان). فحاصرهم السردار في هذا الحصن، و ضيق عليهم الخناق، حتي لم يستطيعوا الحراك. و لم يجدوا من فكاك فرأي الخراساني مبلغ الخطر المحدق بهم، و ألا نجاة لهم من قبضة الهلاك الا أن يطرق أبواب الحيلة، و يخدع السردار، فيأذن لهم بمبارحة هذا الحصن. و ما هي الا بضعة أيام حتي خرج لهم الاذن علي شريطة أن يزايلوا أراضي مازندران كلها. فانطلق الخراساني يغذ السير بالرجال و الأثقال حتي التخوم الدانية. ثم ندم علي ذلك و نادي في قومه بالرحيل و العودة الي حيث الحصن. و هناك أناخ الركب في أرض غزيرة الماء، طيبة التربة، مثمرة الشجرة، فيها جدث العلامة الطبرسي روح الله روحه

تأهب الخراساني للقتال

لما أبصر الخراساني هذه الأرض وقع في خلده أن يتحصن فيها، و يجعلها ميدانا لمواقعه الحربية، و شرارة تتولد منها نيران الثورة في كل مكان. فشيد القلاع و الحصون، و أقام المعاقل و البروج، و أنشأ قلعة مثمنة الشكل ذات ثمانية أبراج يذهب كل منها عشرة أذرع صعدا في الجو، ثم أقام في رأس كل برج معقلا منيعا مربع الشكل بناه من جذوع الشجر الضخم، و جعل في جدرانها ثقوبا و منافذ للرمي و استرسال النظر يطلب العدو. ثم احتفر خندقا يغور في الأرض [ صفحه 202] عشرة أذرع و ما بين شاطئيه كذلك، و حول الترب الذي خرج منه الي ما بينه و بين جوار القلعة من الخارج و جعله ركاما علي هيئة ربوة مستديرة تحاذي قمتها قمة البروج و تساوي شرفات المعاقل. ثم فتح معابر من القلعة الي الخندق من أماكن مختلفة، و خطط صفوفا ثلاثة تشبه المنطقة في سفح تلك الربوة جعلها مكنا لجنوده، ثم أقام ربوة أخري علي هذا المثال وراء الجدران من الداخل، و رتب ألفي رجل من البابيين علي الأبراج و المعاقل و المناطق و خطوط النار. ثم حفر بين القلعة و الربوة آبارا عميقة واحدة تلو أخري نصب علي حافاتها و في قيعانها شيئا جما من النصال الماضية و الأسنة المسنونة و المسامير الحادة الاطراف لتكون شركا للعدو يقع فيه و لا ينجو منه و لما فرغ من أمر التحصين و التشييد أخذ يستكثر من آلات الكفاح و معدات الجلاد، و شرع يد رب البابيين علي الحرب و يعلمهم أبواب الطعن و الضرب. حتي برزوا في فنون القتال. و تفوقوا في أبواب الطعان و النزال. ثم بعثهم فرقا في طلب الغلال و الماشية و علف الدواب، و أذنهم بالسلب و النهب و قتل من يعترضهم من الناس ثم أرسل الدعاة الي الأطراف يدعون الي الباب، و يحثون البابيين علي الشخوص اليه، فاجتمع عنده بهذه الوسيلة خلق كثيرها نوا علي الله فاستلب هداهم و أضلهم سواء السبيل، و ان لهم عندالله لمنقلبا سوءا و شر مآب ثم رأي أن السيفين لا يغمدان في جفن، و النصلين لا يستقران في قراب، فأخذ يعظم الملا محمد علي البار فروشي، و يبجله، حتي دعاه (حضرت أعلي) ثم دعاه البابية البهائية (قدوسا) و بقي لقب (حضرت أعلي) خصيصا بالباب. و ما زال يبالغ في تنزيهه و تقديسه [ صفحه 203] حتي أقام له سرادقا عظيما حجبه فيه عن الناس فلا تدركه الأبصار و لا تراه العيون، اجلالا لشأنه، و تنزيها لذاته. فحلا الجو للخراساني، و خلص له الأمر و النهي، فقبض علي زمام الأحكام بيد من حديد يفعل ما يشاء و يريد يروي أن البار فروشي طلب الاغتسال في بعض الأيام، فلما برز من السرادق و البابية وقوف حوله خروا له ساجدين و مسحوا جباههم بالأرض و كانت مبتلة بماء المطر و لم يرفعوها حتي أذن لهم. فما أسخف عقولهم. و أضل قلوبهم ثم ان الخراساني جمع اليه رجاله و سمي كل فرد من نخبتهم باسم من أسماء الأنبياء، من دونهم بأسماء الأولياء، و وعدهم بالامارة و السلطنة ان سلموا، و بالجنة ان قتلوا. ثم قال: اعلموا أيها الاحباب أنه لابد أن يفتح الباب الدنيا، و يوحد الدين، و تفتحون أنتم مازندران و تنازلون الري، و تذبحون اثني عشر ألفا من الاتراك، و هاكم ما كتب الباب في شأنكم، و قرأ من قرطاس: «و ينحدرون من جزيرة الخضراء، الي سفح جبل الزوراء، و يقتلون نحو اثني عشر ألفا من الاتراك» ا ه. و يعني بالخضراء غوطة مازندران، و بالزوراء جبلا يدنو من طهران قريبا من مزار الأمير عبدالعظيم شقيق الامام علي بن موسي الرضي. فاشتدت بذلك عزائم رجاله الأشقياء. و ظلوا يتطلبون الكفاح تطلب الظمآن للماء و كان ذلك في شهري ذي القعدة و ذي الحجة من سنة 1264 من الهجرة، و الحكومة لاهية بوفاة الشاه محمد و جلوس ناصرالدين، و المقاطعات مقفرة من حكامها و سراتها لشخوصهم الي طهران يؤدون فرائض التهنئة و التعزية. و لله الأمر من قبل و من بعد [ صفحه 204] و من رعي غنما في أرض مسبعة و نام عنها تولي رعيها الأسد

قتال الخراساني و مصرعه

لما تبوأ الشاه ناصر الدين أريكة الملك، و اتصلت به أعمال الخراساني بمازندران، خرج الاذن الي رؤساء تلك العمالة بقطع دابر البابيين، و استئصال شأفتهم من الأرض، فما وسعهم الا تلبية الأمر بالطاعة فلموا شعثهم، و حشدوا جمعهم، و نازلوا البابيين في ميدان القتال، فهزمهم البابيون شر هزيمة بعد قتال شديد قتل فيه جماعة من وجوه المسلمين، منهم آقا عبدالله، قتله الخراساني لعنه الله بضربة واحدة من سيفه قده بها نصفين و خرجت روحه الي الجنة و كان المنهزمون قد فروا الي قرية (فراد) فلحقهم اللعين، و وضع فيهم السيف حتي أفناهم عن آخرهم. ثم ذبح أهل القرية تذبيحا، اناثا و ذكورا، أطفالا و شيوخا، حتي لم يبق لهم من أثر. و لا من يخبر منهم بخبر. ثم نهب أموالهم، و دمر القرية، و أحرقها بالنار، و عاد الي قلعته سالما غانما. جازاه الله بما يستحق فلما انتشر نبأ هذا الخطب في أرجاء مازندران هلعت له القلوب، و ارتعدت الفرائص، و أخذ الناس أهبتهم للدود عن دينهم، و الدفاع عن أنفسهم و أموالهم، و بعثوا من يخبر طهران بالفاجعة علي عجل، فجاءهم البشير أن علي الطريق الأمير مهديا قلي مرزا في جيش لجب، و أنه آت عاملا لمازندران أيضا. فهدأ الروع، و سكن الجأش، و لبث الناس ينتظرون الفرج القريب و كان الأمير قد زحف علي قلعة الخراساني لعنه الله من طهران في اليوم التاسع و العشرين من المحرم سنة 1265 من الهجرة [ صفحه 205] فلما دنا منها عسكر قبالتها، و قامت الحرب علي ساقها بين الفريقين، و دامت أشهر تأكل النفوس و الأموال، و كانت سجالا بينهم خلال هذه المدة لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء و قد أظهر البابيون من الشجاعة و الجسارة ما يذهل العقول، و يحير الفهوم، و لا سيما الخراساني اللعين، فانه كان لا يخطي‌ء له طعن، و لا يخيب له ضرب، فكان يخوض الغمار. و يشق الغبار. ويخترق الصفوف. و يجتاز الحتوف. مقنعا، ملئما، و السيف يلمع في يده فيفري به اللحم. و يبري به العظم. فما ضرب رأسا الا هده. و لا جسما الا قده. و لا كفا الا براه. و لا عظما الا فراه. فالويل لمن كان يقف بين يديه. فقد ثكلته أمه و بكي أهله عليه. فكم من ليلة غار علي المعسكر ببضع مئين. فولي الجند عنه مدبرين. حتي كان الأمير يفر بملابس نومه. فيحرق هو المعسكر و يرجع سالما الي قومه و دام الحال علي هذا المنوال حينا من الدهر حتي أصيب لعنه الله في احدي غارته علي المعسكر برصاصة في صدره صوبها اليه المرزا كريم خان أشرفي، و أخري في بطنه صوبها آقا محمد حسن اللاريجاني فكتم الأمر علي رجاله، و ثبت علي ظهر جواده، و أمرهم بالقهقري الي القلعة، حتي اذا دخلوها انقلب طريحا علي الأرض الي جانب الملا محمد علي البار فروشي، و أخذ يهدي‌ء روع قومه، و يخفف من مصيبتهم به، و يمنيهم بالنصر و الفوز، و يوصيهم بطاعة البار فروشي، و ألا يتنازعوا فيفشلوا و تذهب ريحهم. ثم قال لخواص أصحابه أن يدفنوه تحت جدار القلعة، و يدفنوا معه ملابسه و سيفه، و يمحوا آثار قبره حتي لا يعرف فلا ينبش، و يمثل به. ثم قضي نحبه، و نفذوا وصيته و عجل الله بروحه الي سقر. و بئس المستقر [ صفحه 206]

الملا محمد علي البار فروشي

مر بالقاري‌ء طرفا من أخبار هذا الرجل في ترجمة الخراساني و قرة العين و نذكر له الآن بقية أخباره فنقول: لما لاقي الخراساني مصرعه، و ذهب الي ما أعد الله له من العذاب قبض البار فروشي علي زمام الأمور، و دان له القوم عن بكرة أبيهم، فساقهم الي منازلة الأمير، و قاتله مقاتلة الأبطال، و خذله في مواقع عديدة، و اضطره أن يستنجد طهران غير مرة فثار غضب الشاه، و صار لا يبصر ما بين يديه، فأمر يجلب الأمير و قواده الي طهران و محاكمتهم في ديوان الحرب، و لم ينظر الي قرابته منه، و عمومته له فكبر علي الوزراء هذا الأمر، و حسبوا له ألف حساب، و اتقوا أن يصيبهم مكروه من ورائه، فصبروا حتي سكن غضب الملك، و رأوا ذلك في وجهه، فشفعوا في الأمير و القواد، و أخذوا علي أنفسهم أن الملك لا يسمع الا النصر و الفوز، و قطع دابر البابيين، و استئصال شأفتهم من الوجود فقبل الملك شفاعتهم. أبت شيمته أن يرد ضراعتهم. و لكنه أشخص الي جيش الأمير قائدا مشهورا هو سليمان خان الأفشار أحد أمنائه، و جعله رقيبا مطلق السلطان علي الأمير و القواد يرصد الحركات و السكنات و يحاسبهم علي الصغيرة قبل الكبيرة و يؤنبهم عليها تأنيبا موجعا فلما وصل هذا الرقيب اليهم. و أعلمهم بسخط الملك عليهم. و ما ابتعثه لأجله في المعسكر. و ما أوتيه من السيطرة و السلطان الأكبر [ صفحه 207] تحركت النخوة في القواد. و دبت الغيرة في نفوس الأجناد. و أقسموا بالله جهد أيمانهم. أن يذيقوا البابيين و بال أمرهم. و يردوا كيدهم في نحرهم و ما هي الا غمضة عين و انتباهتها حتي كانوا في ميدان القتال بقلوب لا تهاب لقاء الأبطال. و أضلوا البابيين في قلعتهم نارا حامية و أخذوا عليهم سبل الفرار من كل ناحية. و أحاطوا بالقلعة احاطة السوار بالمعصم. و أمطروها نارا كأنما تمطرها جهنم فضاق علي البابيين الخناق، و فرغ منهم الزاد و الماء، و يئسوا من تحقيق و عود الباب و باب الباب و القدوس، فأخذت ثقتهم بهم تنزعزع، و ايمانهم بالباب يضعف و يتضعضع، و صاروا يفرون الي الجيش جماعات جماعات، يستأمنون الأمير علي حياتهم و ينضمون اليه و كان أول من فعل ذلك منهم و ثلاثون رجلا مع قائدهم (آقا رسول) و لكن بعض الجند قتل هذا القائد و نفرا ممن معه غيلة، فارتد الباقون علي أعقابهم و التجأوا الي القلعة ثانية فلم يبق عليهم البابيون بل قتلوهم عن آخرهم لارتدادهم عن دين الباب ثم استأمن رضي خان بن محمد خان أمير آخور الملك المتوفي مع ثلاثة رجال. ثم تبعهم عشرون آخرون و أعلموا الأمير أنه لم يبق في القلعة ما يقتاتون به حتي الحشائش و قشور الأشجار و أوراقها فلما ضعف أمرهم، و اختل نظامهم، و خارت قواهم و عزائمهم طلبوا الأمان من الأمير، فأجابهم اليه، فامتظي البار فروشي جوادا أدهما، و أسدل سجف طيلسانه علي عاتقيه، و اعتم يعمامة خضراء كأنه شريف و هو عامي، و مشي في ركابه البابيون و هم سالوا السيوف حتي قدموا علي الجيش و نزلوا بجانب من جوانبه و في ظهيرة اليوم الثاني دعا الأمير رؤساءهم الي مجلس عقده للنظر [ صفحه 208] فيما يدينون به. فآب فريق منهم الي الاسلام و كفر بالباب فكان من الناجين، و تشبث الباقون بدينهم الجديد كل التشبث فقضي المجلس عليهم بالموت. فاستاقهم الجنود الي ساحة الاعدام: فمنهم من ضربوا أعناقهم، و منهم من قتلوهم بالرصاص، و منهم من شقوا بطونهم فكانت تخرج من أمعائهم الحشائش و الأوراق الخضراء، و عجل الله بأرواحهم الي النار. و بئس القرار ثم ان الأمير أرسل البار فروشي و بضعة من الرؤساء أبقي عليهم الي مدينة بار فروش ليقضي علماؤها عليهم بما يرون، فقضوا عليهم بالقتل، فقتلهم جميعا طلبة العلم بالسيوف و الخناجر، و استلمت أرواحهم ملائكة العذاب. الي ما أعد الله لهم من سوء المنقلب و المآب ثم دخل الأمير قلعة الخراساني، فذهل لوضعها الحربي، و نظامها الهندسي، و عجب كيف اتفق ذلك لرجل فقيه لم يتلق الهندسة، و لم يتعلم فنون الحرب. ثم استحوذ علي ما فيها من الأموال و آلات الكفاح، و أرسل الي الملك يبشره بانتهاء الثورة و ما آتاهم الله من الفوز و الظفر و قد استشهد في هذه الثورة من الجنود و الأهالي خمسمائة ذهب الله بأرواحهم الي الجنة، و هلك من البابيين ألفان و خمسمائة ذهب الله بأرواحهم الي سقر. و بئس المستقر

الملا محمد علي الزنجاني

فقيه مشهور. طلب العلم علي شريف العلماء المجتهد المازندراني و كان مشهورا بين الطلبة بالفطنة وحدة الذهن. أخذ اجازة العالمية و حضر الي بلده فنال فيه شهرة قاصية و مكانة عظمي بين الفقهاء، [ صفحه 209] غير أنه كان علي طرفي نقيض معهم في الأحكام و الفتاوي. فضجوا منه و رفعوا أمره الي الشاه محمد، فاستدعاه الي طهران، و أنزله بدار محمد خان كلانتر، و منعه من الشخوص الي زنجان. فسمع به الباب فكاتبه، فآمن به، و عمل بدينه فلما مضي الشاه محمد لسبيله رحمة الله عليه، اغتنم الزنجاني هذه الفرصة، فتزيا بزي الجنود، و برح طهران ميمما مازندران. فلقيه أهلها من مسيرة يومين، و أنزلوه بينهم علي الرحب و السعة، مسموع الكلمة، عزيز الجانب. فصار يدعو الي الباب، و ينهج منهج قرة العين في مشاركة الناس في الأموال و الأنفس. فاتبعه في وقت قريب نحو خمسة ألف نفس، و لقب بالحجة سمع به ناصر الدين فشاور فيه (المرزا تقي خان أمير أتابك) وزيره الأول، فأشار عليه أن يستعمل علي زنجان عزيز خان سردار المكري الكردستاني، و قال: هو ذا الرجل الضرب الذي يبطش بهذا الخاسر و أعوانه بطشة جبارين فلا قائمة لهم بعدها فرأي الشاه أن يستعمل خاله مجد الدولة أمير أصلان خان، و أوصاه أن يحتال علي الزنجاني حتي يتمكن من ناصيته فيسحبه منها الي طهران و كان مجد الدولة ضعيف الرأي، قليل الخبرة، واهي العزم، واهن الحزم، ازداد سلطان الزنجاني في أيامه، فكان يتشامخ عليه في مجلسه و يرفع صوته فوق صوته، لا يخشاه، و لا يتحاشاه، و لا يبالي به. و كان يحرسه ألف رجل من رماة البنادق في روحته اليه، و جيئته من عنده فحدث أن مجد الدولة اعتقل رجلا من أهل البلد، فشفع فيه الزنجاني، فرد مجد الدولة شفاعته، فاستشاط غضبا، و أمر أتباعه [ صفحه 210] و هم ثلثا البلد بمهاجمة السجن، و اخراج الرجل عنوة. فهاجوا و ماجوا و أفرغوا علي أبدانهم آلات الكفاح و الجلاد، فقابلهم المسلمون بالمثل فدارت بينهم رحي الحرب و القتال تطحنهم طحنا، و تأكل نفوسهم أكلا و فتك البابيون بأهل القبلة فتكا ذريعا. و أجلوهم عن ديارهم جميعا و امتلكوا منهم البلد. و استلبوا ما لهم من سبد و لبد. و صار الزنجاني صاحب الحل و العقد. و لله الامر من قبل و من بعد ثم جعل المشهدي سليمان رئيس طائفة الخبازين وزيرا له، و آقا عبدالباقي رئيسا لعسس الليل و لقبه (مير سياره)، و الحاج عبدالله الخباز قائدا عاما لجنوده، و الحاج أحمد الزنجاني مديرا للضبط و الربط و الحاج عبدالله الزنجاني مستشارا لنفسه. ثم رتب بقية الخطط و المناصب و آتاها الأكفاء من رجاله الآخرين ثم هاجم حصن المدينة و يسمي قلعة (علي مراد خان) فأخذه عنوة و قسرا. و امتلكه قوة و قهرا. فقوي بذلك أمره. و اشتد بامتلاكه أزره. و صار يناوش منه الجنود. و يصليهم نارا ذات وقود و هو فيه أمنع من العقاب. و أبعد منالا من السحاب و قد اختلف الرواة في عدد المقاتلين من أتباعه: فحسبهم البعض ثلاثين ألفا، و البعض عشرين ألفا، و البعض ثمانية عشر ألفا من الذكور دون الاناث و هو ما ارتضاه و حققه المرزا مهدي خان صاحب كتاب مفتاح باب الأبواب. و كان عندهم سبعة مدافع مختلفة العيار و نحو أربعة آلاف بندقية، و شي‌ء كثير من السيوف و نحوها. و كان قائدهم الأكبر، و صاحب الأمر المطاع، و الكلمة المسموعة، هو هذا الزنجاني لعنه الله أما جيش الحكومة فكان مؤلفا من تسعة أفواج (طوابير) من [ صفحه 211] الجنود الراجلة، و خمسمائة من الفرسان المنظمة، و نحو تسعمائة من الفرسان المتطوعة. و كان عندهم ثمانية عشر مدفعا مختلف العيار. و من مشاهير قوادهم: صدر الدولة، و السيد علي خان سرهنك، و شهباز خان المراغي، و محمد علي خان شاهسون الأفشار، و محمود خان الخوئي و المرزا ابراهيم خان، و محمد تقي خان، و حسن عليخان الكارمي، و مصطفي خان قاجار، و محمد آقا سرهنك، و قاسم خان القراباغي، و أصلان خان ياور الخرقاني، و زير النظام المرزا حسن خان أخو الصدر الأعظم، و أبوطالب خان، و الجنرال فرخ خان التبريزي، و علي خان الكردي المكري بن عزيز خان السردار، و الجنرال حسن علي حسن الكروسي. و القائد العام هو محمد خان أمير التومان. و المراقب المفوض هو عزيز خان السردار الكردستاني المكري. و عامل زنجان هو أمير أصلان خان خال الشاه ناصرالدين و كان بدء الثورة في شهر جمادي الثانية سنة 1265 للهجرة، و انتشاب الحرب في رجب منها، و انتهاؤها سلخ ذي الحجة منها أيضا. و كان عدد القتلي من البابيين علي القول الأصح نحو ألفين و ستمائة قتلوا في الحرب، و نحو مائة و سبعين قتلوا في الأسر، و كلهم من الذكور. و قتل من الاناث خمس و ثلاثون، قتلن في المدينة و الحصون بمقذوفات المدافع و البنادق. أما قتلي المسلمين فكانوا: ثلاثمائة و تسعين من الجنود المشاة، و أربعة و خمسين من الفرسان، و نحو أربعمائة من المتطوعة، و ستمائة و نيف من الأهالي ولم تضع الحرب أوزارها الا بعد أن هلك الزنجاني لعنه الله برصاصات أصابت ذراعه الأيمن. فقد دب الفشل بين أتباعه، و ملأ الذعر قلوبهم، و ملك الرعب نفوسهم، فبردت حميتهم، و فترت [ صفحه 212] عزيمتهم، و اختل أمرهم، و ذهبت ريحهم. فعمل فيهم الجند بالسيف و النار عملا ذريعا، و لم يرفعوهما الا عمن كذب الباب، و تبرأ منه، و آب الي الملة السمحاء، و الدين الحنيف، طائعا، مختارا، مؤمنا بالله و رسوله، و النور الذي نزل علي قلبه بالحق، مصدقا لما بين يديه من التوراة، و الانجيل، و هدي و رحمة للعالمين ثم ان الجنود نبشوا قبر الزنجاني، و كان البابيون دفنوه بملابسه و سيفه عملا بوصيته، فأخرجوه، و شدوه الي ذيل بغل أطلقوا عنانه في السبل، ثم طرحوا بقية رفاته لضواري الوحش، و كواسر الطير (و كفي الله المؤمنين القتال). و ذهب الله لروحه الي ما أعد لها من سوء المآل

مقتل الباب

لما ثار البابيون الثورات، و اشتد خطبهم علي الحكومة هذا الاشتداد، أشار الصدر الأعظم (المرزا تقي خان الفراهاني أمير أتابك) علي مولاه ناصرالدين أن يطفي‌ء بدم الباب ما ربتما يكون كامنا في أرجاء البلاد من تلك النيران التي أشعلها دعاته، و ما عساه أن يذكو من ضرم أخري بنفخات الباب لها من سجنه مادام حيا يرزق. و قال: و لا وسيلة يا مولاي لنجاة المملكة الا أن يذوق الباب رداه. و يخرج من الدنيا الي سوء مآبه و مثواه فأشخص ناصرالدين الي آذربايجان أمينه سليمان خان الأفشار بكتاب الي عمه الأمير حشمة الدولة عامل آذربايجان يقول له فيه: أحضر الباب اليك في تبريز و خذ خطوط العلماء بقتله و اقتله و الناس ينظرون [ صفحه 213] فجاء به الأمير الي تبريز يصحبه مؤمن به اسمه السيد حسين اليزدي كان معتقلا معه في جهريق و ضم اليهما فقيها من آذربايجان أضله الله علي علم فآمن بالباب، و هو الملا محمد علي ربيب العالم المجتهد السيد علي الزنوزي. و لم يعرف في آذربايجان كلها مؤمن بالباب سواه ثم ان الأمير دعا العلماء الي مناظرة الباب، و ابداء ما يعن لهم فيه. فلم يرق ذلك في أعينهم، و أرسلوا يقولون: ان رجل اليوم هو رجل الأمس، و قد ناقشناه، و ناظرناه، فاستحق عندنا القتل لما يعتقده، و يدعو اليه. فان كان لا يزال علي ضلاله، و دعوته للكفر فجزاؤه القتل. و ان أناب الي الله، و تاب عن غيه، و رجع عن كفره و ندم علي ما كتبه، و قاله، و دعا اليه، فليكتب لنا خطه بذلك، لنري رأينا فيه علي مقتضي الكتاب و السنة فلما رأي الأمير استنكاف العلماء من مناظرة الباب عقد مجلسا عرفيا من أهل الخطط و أرباب المناصب كان في صدره سليمان خان الأفشار أمين الشاه، و المرزا حسن خان وزير النظام، و الحاج المرزا علي بن الحاج المرزا مسعود وكيل وزارة الخارجية، و كان هذا ملما بكثير من المسائل الدينية فناقش الباب في بعضها فلم يحسن الجواب فقال له الأمير: انك تدعي نزول الوحي عليك بكتاب كالقرآن، فان كنت صادقا في دعواك فادع الله عزوجل أن ينزل عليك آية في هذا المصباح البلوري الذي تراه بعينيك. فقال الباب: حبا و كرامة، و أخذ يتلو بعض آيات من سورة (النور) مزجها بأخري من سورة (الملك). فقال له الأمير: هل نزلت عليك هذه الآيات بطريق الوحي؟ قال: نعم. فقال الأمير، أو ليس أن الوحي لا يمحي من [ صفحه 214] قلب الموحي اليه؟ قال الباب: بلي. فأمر الأمير بتدوين هذه الآيات، و غير مجري الحديث، و طرق أبوابا عديدة من الكلام. ثم عاد الي الباب و سأله أن يتلو تلك الآيات. فوقع فيها من التشويش و التهويش، و التبديل و التغيير، و التقديم و التأخير، مالا يكيف و لا يحد. فأمسكوا عن الكلام، و رأوا ألا مناص من قتله،فقرروا ارساله الي الثكنة العسكرية هو و الملا محمد علي و السيد حسين اليزدي و وكلوا حراستهم الي أربعين رجلا من الجنود و في صبيحة يوم الاثنين 27 شعبان سنة 1265 من الهجرة طبقا لسجلات الحكومة و 28 شعبان سنة 1266 للهجرة علي مزاعم البابيين ساق الباب و رفيقيه شرذمة من الجنود يقودها رئيس حجاب الأمير الي بيت الحاج المرزا باقر المجتهد رئيس العلماء الأصوليين، فتمارض أو كان مريضا فلم يقابلهم. فاستاقوهم الي بيت حجة الاسلام الملا محمد الممقاني المجتهد رئيس علماء الشيخية، و كان عنده المرزا محمد جعفر الملقب بالأمير، و ابنه المرزا محمد التقي، و ملا باشي المرزا حسن الزنوزي، و ملا باشي الحاج المرزا عبدالكريم، و عدد غير قليل من السراة و الوجوه. فلما دخل الباب عليهم أكرم رب البيت و فادته و أجلسه الي جانبه في صدر المجلس، ثم سأله: أهذه الكتب و الصحف هي من أقوالك و خطتها يدك أم لا؟ قال هذا و ناولها له. فنظر اليها الباب و قال: أجل، هذه من كتبي و مرقومة بأناملي. فقال رب البيت: هل أنت مقر بما هو مكتوب فيها، و معترف بصحته، أولا؟ قال الباب: اني مقر به، و معترف بصحته. قال رب البيت: هل أنت باق علي أنك أنت المهدي المنتظر قائم من آل محمد صلي الله عليه و سلم؟ قال الباب: نعم. فقال الحجة: الآن وجب قتلك، و هدر [ صفحه 215] دمك. قال هذا و نهض ليخرج من المجلس. فقال له الباب بالفارسية و أرسل يده يمسك طرف ردائه: «حجت شما هم بقتل من فتوي مي‌دهيد» و هذا تعريبه: «أيها الحجة أنت أيضا تفتي بقتلي». فانتهره الحجة بقوله: «أنت أنت أيها الكافر الذي أفتيت بقتل نفسك بكتبك و أقوالك و كفرياتك هذه» و خرج من المجلس. ثم أخذوهم الي بيت السيد علي الزنوزي المجتهد مربي الملا محمد علي ثالث هؤلاء الثلاثة، فسمع من الباب ما رأي فيه وجوب قتله، فأفتي به. و لكنه دبر أمرا رجا من ورائه فرجا لربيبه الملا محمد علي ذلك أنه ارتأي أن يقابله بزوجته و ابنته في هذا المشهد الرهيب عسي أن يؤثر مرآهما فيه فيرجع عن غوايته و يثوب الي رشده. و ما هي الا خلسة نظر حتي وقعت العين علي العين، فاستخرطت زوجته في البكاء. و علا نحيبها الي عنان السماء. و خاطبته بكلام يسترسل الشجون. و يستمطر الدموع من العيون. و دفعت نحوه البنت. و كانت لم تتجاوز الست. و قالت ان لم ترحم زوجتك. فارحم بضعتك وحشاشتك. و لا تجعل هذه الصغيرة يتيمة في الناس. فما في رجوعك الي الحق من عاب و لا باس. و كانت ابنته تعلقت بأذياله. و استمسكت بسلاسله و أغلاله. و قالت له بالتركية: «كل بابا او يمزه كيداق» و تعريبه: «هلم يا أبتاه نذهب الي بيتنا». فكان المنظر مشجيا. و المشهد محزنا مبكيا. يفتت الجماد. و يذيب القلوب و الأكباد. لكنه لم يحرك ساكنا من هذا اللعين. و لم يزحزحه قيد شبر عن ضلاله المبين بل التفت الي امرأته و قال. ما للنساء و شؤون الرجال. اذهبي با بنتي الي الدار. و دعيني و ما شاءت لي الأقدار. و ربيها تربية تنفعها الي الأبد. و لسان حاله ينشد هذا المفرد [ صفحه 216] كتب القتل و القتال علينا و علي الغانيات جر الذيول ثم انحني علي ابنته و لثمها مرارا. و جعل يشتم بدنها تكرارا. و دعاها أن تعود الي خدرها. فانه هو آت علي اثرها. فدهش القوم لهذا الثبات و العناد. و علموا أن ليس لما قضاه الله راد. و خاب أمل الزنوزي فيما ارتآه. فسلم الأمر لله حدث كل ذلك و السيد حسن اليزدي ثالث الثلاثة يرتجف من الوجل، و ينتفض من الهلع، لا يستقر علي حال من القلق، تعلو و جناته صفرة كصفرة الموت. و ما صدق أن كلف بالتبرؤ من الباب حتي أخذ يسبه، و يلعنه، و يفحش له في القول، حتي بصق في وجهه مرارا، وصفعه علي قفاه تكرارا، ففكوا قيوده، و أطلقوا سراحه يضرب في الأرض حيث يشاء. و لكن الشقي شقي الي الأبد فانه عاد بعد زمن الي البابية، و قتل في بعض الحوادث، لعنه الله ثم خرج الاذن من الأمير بتشهير الباب و رفيقه الملا محمد علي، فطافوا بهما السبل و الأسواق، و الباب حافي القدمين الا من الجوارب و رفيقه مقيد الرجلين مغلل العنق و اليدين بسلسلة واحدة من الحديد و ما زالوا يسيرون بهما علي هذه الصورة الشنعاء حتي انتهوا الي ميدان يسمي (سربازخانه‌ي كوچك) أي الثكنة العسكرية الصغيرة. فأدخلوا الخبيثين الي هذا الميدان، و ذهبوا بهما توا الي الثكنة، و أوقفوهما في مكان علي رأس السلم الموصلة الي الميدان حيث احتشد وجوه آذربايجان و سراتها ليشاهدوا مصرع هذين الكافرين و كان في الميدان و الثكنة ثلاثة أفواج (طوابير) من الجند: الأول - الفوج الرابع التبريزي، و هذا كان في الثكنة. الثاني - فوج الخاصة التبريزي، و قائده الأكبر (آقاجان بك الزنجاني) [ صفحه 217] و الثالث - الفوج الكلداني الآشوري المسيحي و يسمي (بهادران) و قائده الأكبر (سام خان). و هذان الفوجان كانا في الميدان علي قدم الاستعداد التام ثم دنا رئيس حجاب الأمير من قائد فوج الخاصة و أراه حكم القاضي باعدام الباب، فأبي الاذعان بدعوي أنه جندي لا يذعن الا لأحكام وزارة الحرب. فدنا رئيس الحجاب من قائد الفوج المسيحي و أراه الحكم، فلباه باطاعة، و فرز من فوره فرقة (مائة جندي) من الفوج يقودها (غوج علي سلطان) المسلم الطسوجي الخوئي، و هذا رتبها علي ثلاثة صفوف، و استاق الباب و رفيقه من أيدي الحراس الي حيث المصرع، و هو الركن الغربي من الثكنة حيث نصب وتدان من الحديد دقا في جدار بين حجرتين من حجراته المخصصة لسكني الجند، فعلقوا كلا منهما في وتد بحبل متين شد الي عاتقيه، و جعلوا وجهيهما الي الجدار و ظهريهما الي الجند، و بينهما و بين الأرض نحو ثلاثة أذرع. فتضرع الملا محمد علي أن يكون خده محاذيا لرجلي الباب، و وجهه الي الجنود ليتلقي الرصاص و هو ينظر اليه. فأجيب الي هذه، و لم يجب الي تلك ثم ان (سام خان) قائد الفوج المسيحي أمر بالنفير، و رفع السلاح علي هيئة السلام أي (سلام دور). فوجفت القلوب، و ارتعدت الفرائص، و سمع دوي كدوي النحل. و في النفير الثاني ساد السكوت علي الناس كأنما علي رؤوسهم الطير، و صارت أفئدتهم تخفض و تنبض حتي كادت تسمع دقاتها. ثم انظر القائد الي رئيس حجاب الأمير، و أشار بالنداء العسكري الي (غوج علي سلطان) قائد الفرقة، و ضرب النفير الثالث، و نادي قائد الفرقة باطلاق [ صفحه 218] الرصاص من الصف الأول، فدوي دويا شديدا، و اكفهر وجه الجو بالدخان، و أسفر عن اصابه الملا محمد علي و هو يصيح مخاطبا الباب بقوله: (مولاي! هل رضيت عني؟)... أما الباب فمس الرصاص حبله، فانقطع، فهوي الي الأرض، فاختبأ في حجرة من حجرات الثكنة تدنو منه. و قد منع تكاثف الدخان، و تراكمه ظلمات بعضها فوق بعض، أن يري الجند و الناس ما وقع تحت سحائبه من المقدور. فلما انجابت هذه الغيوم، و لم يك للباب من أثر تحتها الا الوتد و بقية الحبل، علا الضجيج من هنا و هناك، و توهم البعض: أن الباب امتنع علي المنون. فغاب عن العيون. أو طار الي الأجواء. و صعد الي السماء فاضطرب القواد، و خشوا أن نقع فتنة، و يهجم الناس حيث كان الباب، فتكون العاقبة شرا و وبالا. فأمر (سام خان) قائدهم الأكبر بعمل خط حربي مثلث الشكل يقطع سبيل الهجوم علي الناس. ثم انتهر القواد، و كلفهم بالبحث عن الباب في حجرات الثكنة. فعثر به (غوج علي سلطان) في الحجرة التي التجأ اليها، فسحبه الي الخارج عنوة و هو يصفعه و يلكمه، ثم شده الي الحبل كما كان و أمر باطلاق الرصاص عليه. فأصيب ببضع و عشرين رصاصة جعلت جسمه ثقوبا كالشباك. و صيرته جثة هامدة ما بها من حراك فسكن بذلك جأش الناس. و زال ما بهم من الاضطراب و الوسواس و علموا أن الباب لم يصعد الي السماء. و لم يطر الي آفاق الأجواء. و لم يغب عن النظر. الا في بعض الحجر. و خرجت روحه الي سقر و بئس المستقر ثم أنزلوا الجثتين، و ربطوا أرجلهما بالحبال، و طافوا بهما سحبا علي [ صفحه 219] الوجوه في السبل و الأسواق حتي ميدان (سربازخانه‌ي بزرك) أي ميدان الثكنة الكبري. ثم طرحوهما في الخندق، تجاه البرج الأوسط فكانتا طعاما للكلاب و الذئاب. و غذاء الجوارح من عقاب و غراب جزاء وفاقا بما اكتسبا من الاثم و العدوان. و افتريا علي الله من الزور و البهتان. و لجزاء الآخرة أدهي و أمر. (ان المجرمين في ضلال و سعر. يوم يسحبون في النار علي وجوههم ذوقوا مس سقر) و كان ذلك في يوم الاثنين 27 شعبان سنة 1265 من الهجرة و علي قول البابيين يوم الاثنين 28 شعبان سنة 1266 للهجرة

صفات الباب و تآليفه

(صفاته) كان ربعة من الرجال، حنطي اللون، عصبي المزاج صفراويه، طلق المحيا، مقرون الحاجبين، و لا يبدين ممتلي‌ء، و لا بنحيل ضئيل (تآليفه) أول كتاب وضعه تفسير لسورة يوسف، او شرح لها، جعله في مائة و عشرين فصلا أو سورة كما يقول، و أرسله في بدء أمره الي الحكام و العلماء مع الملا محمد علي البار فروشي الملقب بالقدوس و الملا صادق الخراساني، و ذكر فيه أنه نائب المهدي المنتظر، ثم ذكر أخرياته أنه هو المهدي المنتظر، و أنه أفضل من النبي صلي الله عليه و سلم، لأن مقامه مقام النقطة، و مقام النبي صلي الله عليه و سلم مقام الألف. الثاني، رسالة علي نسق (الصحيفة [ صفحه 220] السجادية) المعزوة لعلي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب رضوان الله عليهم. الثالث، شرح أو تفسير لسورة العصر كتبه في أصفهان بطلب من (مير سيد محمد) الملقب بسلطان العلماء. الرابع (نبوت خاصه) أي النبوة الخاصة، كتبه بطلب من والي أصفهان (منوجهر خان) و هو مخبوء بقصره. الخامس (قدوس أسماء) أي الأسماء القدسية، و هو من معضلات كتبه و أغمضها، سلك فيه منهجا غريبا تارة علي حساب الجمل و قواعد علم الحرف و سره كالزايرجات [20] و الجفر و الأوفاق و ما أشبه، و طورا بقواعد وضعها هو علي طرز اخترعه أدمج فيه مشتهياته و مبتدعاته. السادس (بيان) أي البيان، دون فيه الشريعة و الأحكام التي افتراها علي الله تعالي، و الألواح التي تقولها عليه عزوجل و هذه الكتب عربية كانت أو فارسية خالية من الجزالة و السلاسة و متانة التركيب، تري علي غير أساليب اللغة و ما لها من القواعد، ملفقة الأسجاع و القوافي التي لا ارتباط بينها. الا أن هناك شيئا يسيرا لا يكاد يذكر عليه مسحة من الانشاء المقبول و حسن السبك (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون - أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون - أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و أولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) [ صفحه 221]

ديانة الباب

يزعم الباب لعنه الله أنه جاء ناسخا لشريعة القرآن و أحكامها مطلقا و يقرر أن كل من كان يدين بها، و يعمل بأحكامها، فهو علي الحق حتي ليلة القيامة و يوم الساعة، أي ليلة قيامه بالدعوة و ساعة ظهوره بالأمر، و هي الساعة الثانية و الدقيقة الحادية عشرة لغروب شمس اليوم الرابع من جمادي الأولي سنة 1260 من الهجرة، و دخول دجي الليلة الخامسة من لياليه. فكل من لا يؤمن به من هذا الحين، و لا يعمل بشريعته و أحكامها، فهو كافر، جاحد، مهدور الدم و يزعم أن المراد من كل ما ورد في القرآن من ألفاظ: القيامة، و الساعة، و البعث، و الحشر، و النشر، و ما جري مجراها، انما هو ظهوره بالأمر، و قيامه بالدعوة. و أن الجنة، كناية عن الدخول في دينه. و النار، كناية عن الكفر به. و اليوم الآخر، كناية عن يوم ظهوره. و لقاء الله تعالي، كناية عن لقائه. و النفخ في الصور، كناية عن الجهر بدعوته و المناداة بها. و صعق من في السموات و الأرض، كناية عن نسخ الأديان بدينه و قيام أمته مقام الأمم. و هذا هو عين ما يقوله البهاء عن نفسه و دينه فتأمل.... فهما ينكران بتاتا ما نفهمه معشر المسلمين من معاني: الجنة، و النار، و الحشر، و النشر، و انقضاء الآجال، و النفخ في الصور، و بعثرة من في القبور، و نسف الجبال، و تزلزل الأرض، و انفطار السموات، و انتثار الكواكب، و تكوير الشمس، و ظلمة القمر، و اجتماع الشمس و القمر، و تبديل الأرض و السموات، الي غير ذلك [ صفحه 222] من أهوال الساعة، و ماوراء القيامة، مما لا يختلف في مفهومه الرسل و الأنبياء، و لا يناقض بعضهم بعضا في الدعوة اليه، و الايمان بتحتيم وقوعه، و صدق مفاهيمه التي نفهمها. و يزعمان أن للوحي تأويلات سامية، و اسرارا غامضة، و معاني دقيقة، و مفاهيم خفية، لا يجليها الا ربها، و هو الباب علي زعم البابيين، و البهاء علي دعوي البهائيين و هاك ما قاله في هذا المعني ابوالفضل الجرفادقاني كبير دعاة البابية البهائية في مصر في الصفحة 203 الي 205 من كتابه الدرر البهية الآنف الذكر. قال: لا يخفي علي أولي البصائر أن الله تعالي صرح في مواضع متعددة من القرآن أن لآياته تأويلات لا يعلمها الا الله تعالي كما يدلك عليه قوله تعالي: (و ما يعلم تأويله الا الله) (يريد البهاء). و قوله جل و علا: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله) (أي من قبل البهاء). و بيان ذلك: أنه لما نزل الكتاب المجيد و فيه اخبار و انباء عن الحوادث التي ستقع في العالم (يريد حوادث ظهور الباب و البهاء بالأمر و قيامهما بالدعوة) و يراها و يشاهدها جميع الأمم مما جاء قبله في التوراة و الانجيل، و تنبأ به أنبياء بني اسرائيل، من قبيل: تكوير الشمس، و ذهاب نورها، و ظلمة القمر، و انتثار الكواكب، و انفطار السموات، و تبديل السموات و الأرض، و امتلاء أقطار السماء بالدخان و تشققها بالغمام، و تزلزل الأرض، و نسف الجبال، و اجتماع الشمس و القمر، و غيرها من الآيات العظيمة التي تأباها العقول، و يصعب احتمال تحققها و الاذعان بها علي النفوس، بل يعد وقوعها من المستحيلات و الممتنعات، كما هو مقرر عندهم في الطبيعيات و الفلكيات. و أن العرب الصابئة الوثنية ممن كانوا ينكرون جميع الأنبياء الذين ظهروا من [ صفحه 223] ذرية ابراهيم عليه‌السلام من قبيل موسي و عيسي و سيدنا الرسول صلي الله عليهم أجمعين كانوا يتتبعون تلك الآيات و يناقشون فيها و يجادلون الصحابة رضي الله عنهم في امكان تحققها ليفتتنوا المؤمنين بها. و كانوا يقولون و يصرحون: بأن محمدا، يغرر بقومه، و يستهوي أصحابه بشبهه، و يعدهم بالممتنعات، و يمنيهم و يقنعهم بالمستحيلات فنزلت الآيات المذكورة مشعرة بأن القوم انما كذبوا آيات القرآن الكريم بسبب عدم احاطتهم بمعانيها، و جهلهم بمقاصدها، و الحال أنه ما نزلت بعد معاني تلك الآيات، و ما أتاهم تأويل تلك العبارات، ينبيها لهم أن لها معاني سامية، و مفاهيم معقولة، و تأويلات مقصودة يظهرها الله تعالي لهم في يوم مخصوص (هو يوم ظهور البهاء علي زعمه) و يبينها و يكشف عنها بعد انقضاء الأجل المسمي (أي حين قيامة ربه البهاء). كما يدلك قوله تعالي: (هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل. الخ الآية) و قال في الصفحة 117 الي 119 ما نصه: «انه اذا تدبر و تعمق الانسان النبيه فيما أخبر به كل رسول في كتابه عن مجاري حالات أمته و كيفية أدوارها و صعودها و هبوطها الي انقضائها و سقوطها يعرف بعد التفاسير الموجودة عندها عن حقيقة مقاصد كتابها كما صرحت به الأحاديث و الآثار النبوية في حالات الأمة الاسلامية فلا يبقي شك عند من لا يريد أن يغرر بنفسه أن تلك التفاسير علي ضخامتها و تطويلاتها و شقوقها و تفننها في أساليب البيان بعيدة عن المقاصد الأصلية زائغة عن الحقائق المودعة في الكتب الالهية مبعدة الأمم عن الموهبة الأخيرة الكبري (يريد بها ظهور ربه البهاء) و المنحة الجليلة الخطيرة العظمي التي صرح و نادي بها الأنبياء في البشارات [ صفحه 224] النبوية و تضمنتها و حفظتها جميع الصحف القديمة السماوية. و يكفي في اثبات شدة غموض تلك المعاني أي الأخبار الواردة عن الأمور الآتية أنه مع اشتمال الكتب السماوية علي جميع جزئياتها و كلياتها و ميعادها و ميقاتها أنكرتها الأمم و جهلها أهل العالم الا من خصهم الله بنور اليقظة و أيقظهم بروح النباهة و هم قليلون معدودون (يريد بهم البهائيين) و أما الأكثرون فجهلوا معانيها حتي ظنوا أن القيامة غير قيام روح الله (يعني البهاء) و الساعة غير ساعة مجي‌ء مظهر أمر الله (يعني البهاء أيضا) فخلقت أهامهم و ظنونهم في معني هذا اليوم العظيم أمورا مستحيلة مجهولة و حوادث عجيبة غير معقولة فكتبوا في تفاسيرهم في معاني «الصراط و الميزان و الحساب و الكتاب و الحشر و النشر و أمثالها» ما يتحير منه العالم اللبيب و يدهش منه النبيه الأريب. و ناهيك في بعدهم و غفلتهم عن حقائق الكتاب أن ابن‌خلدون المغربي شك في صحة أخبار ظهور المهدي الموعود (يعني الباب) و ظن أن خبر ظهوره متروك في القرآن، و ما نزلت به آية من آي الفرقان. و كفي ذلك جهلا منه بمعني القيامة، و حقيقة الرجعة، و المقصود من الساعة و المفهوم من الطامة، و المستفاد من الراجفة، و ما يتبعها من الرادفة فان كل تلك المفاهيم العظيمة حقائق فسرتها الأحاديث النبوية بظهور المهدي (يعني الباب) ثم قيام روح الله (يعني البهاء) و تجديد العالم و انقضاء آجال الأمم (يعني قيام أمة البهاء مقام الامم و نسخ شرائعهم بشريعته) و اشراق الأرض بنور الرب الكريم (يعني ربه البهاء) و خشوع الأصوات لدي ندائه العظيم» وقال في الصفحة 199 و التي تليها: «مثلا كيف يمكن للفلكي الذي عرف بالبراهين حقيقة الكرات الدائرة في الفضاء التي هي غير متناهية [ صفحه 225] من جميع جهاتها بأنها شموس ثابتة في مراكزها و سيارات دائرة حول تلك الشموس و أقمار سائرة حول تلك السيارات و أنه ليست هناك أجسام صلبة شفافة غير قابلة للخرق و الالتئام - أن يعترف بما جاء في التوراة و الانجيل و القران من انفطار السماء و تزعزعها و طيها و تبدلها و تجديد السماء و الأرض و احتراق عناصرها و ظلمة الشمس و القمر و انتثار الكواكب علي الأرض و امكان الصعود الي السماء و النزول منها و غير ذلك مما هو مباين للأصول المقررة في المعارف الفلكية و الطبيعية تمام المباينة، و هو لا يعرف من تلك الألفاظ النازلة في الكتب السماوية الا ظواهرها و لا يخطر بباله أنه ربما يكون لتلك الألفاظ معان هو جاهل بها و حقائق هو غافل عنها كما هو منصوص في الكتب السماوية و مصرح به في الكلمات النبوية» ا ه (ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) ثم ان الباب يزعم: أنه البرزخ المذكور في القرآن لأنه كان بين موسي و عيسي و محمد لا كما يقول المسلمون. فتأمل كيف كان بينهم!! و يزعم: أن النار و النور يطوفان حول كلامه دواما. و أنه علة العلل و أصل لظهور الأشياء قاطبة. و أن جميع الكائنات خلقت بقوله فلا يشبه قول قوله، اذ المخلوقات فطرت و تفطر بقول الشجرة الحقيقة أي هو. (قلت) و هذا عين ما يدعيه البهاء و يقوله عن نفسه و هو صريح في دعواهما الربوبية، أخزاهما الله فديناهما ضرب واحد، و نسيج غير مختلف، يدعوان الي تأليه البشر، و عبادتهم من دون الله، خلافا لدعوة الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام. ثم هما لا يستقر ان علي حال، و لا يستمر ان في طريق. فدين الباب يقول مرة بمهدويته،و آونة بنبوته و رسالته، [ صفحه 226] و تارة أنه مشخص لله، و طورا أنه رب خالق، و حينا أن وحدة اللاهوت مؤلفة من تسعة عشر أقنوما هي: الباب و هو الرئيس، و دعاته الثمانية عشر الملقبون بأصحاب حي أو بشهداء حي. و دين البهاء يقول مرة بمسيحيته، و آونة بألوهيته، و أخري أن وحدة اللاهوت مكونة من ثلاثة أقانيم هي: البهاء و هو الرئيس، و ابنه المرزا عباس الملقب بغصن الله الأعظم، و الباب. و أنهم هم المعبر عنهم في الانجيل (بالآب و الابن و الروح القدس) و في القرآن (ببسم الله الرحمن الرحيم) ثم هما يقرران أبدية العوالم، و خلود الكائنات. و لا يقولان بثواب و عقاب الا للأرواح دون الأبدان و لكن علي وجه يشبه الخيال فتلتذ النفوس الطيبة بأخلاقها و معلوماتها و تتألم النفوس الخبيثة بملكاتها الرديئة و جهالاتها الي أن تزول هذه الملكات عنها فتعود الي عالم الأجسام مرة ثانية. و هو ضرب من القول بالتناسخ المخالف لسائر الشرائع السماوية، لا يقوله الا عبدة الأوثان. لا عباد الرحمن ثم انهما يقولان بنبوءة «بوذا و كنفوشيوس و برهمة و زردشت» و أمثالهم من فلاسفة الهند و الصين و حكماء الفرس الأولي. و يوافقان النصاري و اليهود علي القول بصلب المسيح صلوات الله عليه خلافا لصريح القرآن. و يزعمان أن لآيات الكتب الموحاة مفاهيم غير التي يعلمها الناس. و أن معاجز الأنبياء و قصصهم، و الملائكة، و الجن، و الوعد، و الوعيد، و الحشر، و النشر، و اليوم الآخر، و أمثال ذلك مما سقناه في غير ما موضع من هذا الكتاب - ليست أيضا علي ما يعلمه الناس من مفاهيمها، و معاني كلماتها. و يؤولان كل ذلك تأويلا يذهب مذاهب شتي من الكفر و الضلال، و الزور و البهتان لا يقبله العقل، و لا يؤيده النقل، و لا ينطبق علي سياق التنزيل، [ صفحه 227] و لا معاني الألفاظ و الكلمات، ما أنزل الله به من سلطان. يتبرأ منه الدين و اللسان و كلا الدينين كما علمت يوجب الايمان بصاحبه، و يقول بنسخه لما بين يديه من الأديان، و أن صاحبه ظهر رحمة للعالمين، و جاءهم بشريعة ملائمة للزمان و المكان، كافلة مصالح بني الانسان، فمن لم يأخذ بها، و يعمل بأحكامها، و يؤمن بشارعها، فهو كافر، جاحد مهدور الدم علي أن العجب العجاب أن ينسخ البهاء دين الباب و قد صرح الباب مرارا و تكرارا أن دينه هذا يطول أمده أعواما قدرها حروف (المستغاث) حسابا بالجمل أي (2031) عاما. فكل من يدعي شيئا في غضون هذه المدة فلا يقبل منه مطلقا كائنا من كان. أما بعدها فطاعته واجبة، و عصيانه يغضب الباب!!... قال في (البيان): «كل من ادعي أمرا قبل سنين (المستغاث) فهو مفتر كذاب اقتلوه حيث ثقفتموه». فليت شعري ما معني هذه الجملة و ما تفسيرها عند البهاء؟؟ و كيف يتسني له القيام بأمر الدعوة ولاية كانت أو نبوه أو ربوبية أو ألوهية بعد هذا النص الصريح؟؟... ثم ماذا يقول البهائيون في ذلك؟؟... بل ماذا يقول نبيهم عباس، أو ربهم، أو ابن ربهم، كما يحبون أن يسموه؟؟... هذا و قد حرم الباب النظر و القراءة في كتب غير كتبه لا سيما كتب الشريعة الاسلامية المطهرة، و أوجب القتل عقابا علي اقتراف هذا الذنب كما أوجبه علي كل كافر به. فكان كل من يؤمن بالباب في عصره و من بعده يحرق القرآن و كتب العلم من فقه و غيره و يكتفي بكتب الباب حتي قام البهاء و نسخ هذا الحكم بما جاء في الصفحة 22 [ صفحه 228] من أقدسه قال: «قد عفا الله عنكم ما نزل في البيان من محو الكتب و اذنا كم بأن تقرأوا من العلوم ما ينفعكم لا ما ينتهي الي المجادلة في الكلام هذا خير لكم ان أنتم من العارفين». و جعل الباب الزواج برضاء الزوجين دون ولي أو وكيل، و رتب صيغة العقد هكذا: «انني أنا الله رب السموات و رب الأرض رب كل شي‌ء رب ما يري و مالا يري رب العالمين». و نسخ البهاء هذا الحكم بما ورد في الصفحة 23 من الأقدس و نصه: «انه حدد في البيان برضاء الطرفين انا لما أردنا المحبة و الوداد و اتحاد العباد لذا علقناه باذن الابوين بعدهما لئلا تقع الضغينة و البغضاء و لنا فيه مآرب أخري و كذلك كان الأمر مقضيا» و حظر الباب تحجب النساء،و استعمالهن للنقاب. و حلل المتعة و حرم التسري. و أباح العقد علي اثنتين فقط.. جعل المهر أدناه تسعة عشر مثقالا و أعلاه خمسة و تسعين فاذا ربا علي هذا المقدار ولو قيراطا واحدا بطل النكاح. و فرضه من الذهب علي أهل المدن و من الفضة علي أهل القري. و جعل الزيادة من أدناه الي أعلاه تسعة عشر فتسعة عشر لأن هذا العدد عند البابيين مقدس. فان وحدة اللاهوت مؤلفة علي زعمهم من تسعة عشر أقنوما كما علمت و جعل العصمة بيد الرجل فمن أراد طلاق زوجته هجرها سنة فان لم يعد الي حبها و لم يندم علي فراقها يطلقها. فاذا أراد ردها بعد ذلك فلا تحل له قبل تسعة عشر يوما و لا تحل له أبدا متي أوقع عليها تسع عشرة طلقة و قسم السنة الي تسعة عشر شهرا و جعل الشهر تسعة عشر يوما و سمي الأيام الباقية التي يتم بها الحول علي الحساب الشمسي 366 [ صفحه 229] يوما و هي خمسة أيام (أيام الهاء) و فرض الصوم شهرا من آخر «الحوت» بحيث يكون أول يوم من عيد فطرهم يوم «النيروز» أول «الحمل» الموافق لليوم الحادي و العشرين من مارس الافرنجي و سماه (عيد رضوان) و جعله تسعة عشر يوما. و فرض تلاوة هذا الثناء «شهد الله أنه لا اله الا هو المهيمن القيوم» 366 مرة في الليلة الأولي منه. و هذا الثناء (شهد الله أنه لا اله الا هو العزيز المحبوب) في صبيحتها 366 مرة أيضا. و حرم الصوم في اليوم الأول منه بتاتا و جعل قبل الدخول في شهر الصوم خمسة أيام خصها بالشهوات و الملذات سماها (الخمسة المباحة) يؤتي فيها من المنكرات و الموبقات مالا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر علي قلب بشر. و حد الصوم بأنه الامساك من شروق الشمس الي غروبها و فرض الصلاة ركعتين وقت الصباح. و صلاتين أخريين: صلاة الوضع، و صلاة الجنازة. فالأولي يصلي الأبوان حين نزول الجنين صلاة ذات خمس تكبيرات يتلي بعض أقواله في كل منها تسع عشرة مرة: ففي الأولي «انا بكل مؤمنون» و في الثانية «انا بكل موقنون» و في الثالثة «انا كل بالله محيون» و في الرابعة «انا كل بالله مميتون» و في الخامسة «انا كل بالله راضون». و الثانية يصلي علي الميت صلاة ذات ست تكبيرات يتلي بعض أقواله في كل منها تسع عشرة مرة: ففي الأولي «انا كل بالله عابدون» و في الثانية «انا كل لله ساجدون» و في الثالثة «انا كل لله قانتون» و في الرابعة «انا كل لله ذاكرون» و في الخامسة «انا كل لله شاكرون» و في السادسة «انا كل لله صابرون». و ذلك دون قيد بوضوء، أو طهر من طمث أو جنابة [ صفحه 230] و أوجب دفن الأموات في صناديق من خشب، أو بلور، أو حديد، أو نحاس، كما يتفق. و أبركها ما كان متخذا من البلور. و أن يكفن الميت بدون غسل في أتقي ملابسه البيضاء. و يجعل في أصبعه خاتم من العتيق الأحمر ينقش فيه اسم الباب. ثم يدفن بعد الصلاة في عمق بعيد من الأرض، أو يشق له في الصخر ان أمكن، و هو أبرك و جعل التراضي أساس المعاملات في البيع و الشراء و الأخذ و العطاء. و جعل الوحدة القصوي لوزن النقود الذهبية مثقالا واحدا يتألف من تسعة عشر (نخود) أي حمصة، و يتجزأ الي عشرة آلاف جزء يسمي كل منها (دينارا). و هذا المثقال يساوي الآن نحو عشرة فرنكات. و جعل وحدة النقود الفضية مثقالا من الفضة الخالصة مقسما الي ألف من هذا الدينار و افترض الزكاة خمسمائة دينار علي كل مثقال من الذهب و خمسين علي كل مثقال من الفضة متي مر الحول علي النصاب و قدره من الذهب 541 مثقالا و من الفضة ما يعادل ذلك. و أوجب أن تحمل اليه في حياته... ثم الي زعمائه بعد هلاكه و جعل بيته الذي وليد فيه بشيراز حرما آمنا. و بقعة مولده (كعبة) تولي الوجوه شطرها، و تفسد الصلاة بالانحراف عنها. و فرض حج هذا البيت علي الرجال دون النساء الا نسوة شيراز فحتمه عليهن و جعل طوافهن ليلا و حرم النيابة في حجه مطلقا. و جعل بدله أربعة مثاقيل من الذهب تدفع و لو مرة في العمر لتسعة عشر سادنا من سدنته و أوجب علي أتباعه أن يشيدوا حرم هذا البيت، و يقيموا معه ثمانية عشر مسجدا باسمه، و يكللوا الجميع بأنواع الجواهر، و يلبسوها لباس الزينة و الزخرف، و يجعلوا لكل منها خمسة و تسعين بابا من [ صفحه 231] الداخل و الخارج، و يضيئوا بها ما يستطيعون اضاءته من الأنوار ولو الي حد الافراط فان ذلك ليس من الاسراف و التبذير و حتم أن ترقم كتبه بمداد أحمر، و تكون في تسعة عشر مجلدا علي النمط الآتي: ثلاثة لآياته، و أربعة لمناجاته، و ستة لتفاسيره، و ستة لما دونه من العلوم و الفنون و جوز لبس الحرير و استعمال الذهب و الفضة للرجال و النساء و فرض علي كل فرد من أتباعه لبس خاتم من الفضة بفص من العقيق الأحمر منقوش فيه: «قل الله حق و ما دون الله حق و كل له عابدون» و حرم شرب الخمر و التبغ و القهوة علي عهده و حلله أتباعه من بعده [21] و ندب شرب الشاي ندبا مؤكدا حتي أن من شربه ينال الثواب الجزيل. و كان كثير الشرب له، لا يكاد يخلو مجلس له منه و كان ولعا بشربه معطرا بالآفاوية و المنبهات المفرحة كالمسك و العنبر و المعاجين و ما أشبه و جعل المطهرات (بكسر الهاء) خمسا: النار، و الهواء، و الماء، و التراب، و البيان. و كيفية التطهير بالبيان أن يتلي علي الشي‌ء المراد تطهيره ما تيسر من اسم النقطة أي الباب مع تلاوة كلمة التطهير و هي «الله أطهر» 66 مرة و حكم بطهارة المني، و الروث، و نزيف الدم، و الوحول التي بالطرق، و أجزاء الحيوانات المجترة و غيرها. و كذلك حكم بطهارة أبدان [ صفحه 232] البابيين و تطهيرها لكل نجس. فاذا اشتري بابي شيئا من كافر و هو من لم يؤم بالباب صار ذلك الشي‌ء بمجرد مشتراه طاهرا نقيا و من أحكامه أن أموال العالم و أعراضهم و أرواحهم مباحة له و للبابيين حتي يأمنوا به. و أنه يجب علي أي سلطان يكون من قومه أن يضع السيف في العالم فاما الدين و اما الموت و لا يجوز أخذ الجزية و منها أن شهداءهم الذين قتلوا في الحروب يجب أن تبني لهم مشاهد مزينة بأنواع الجواهر. و أنه يجب تدمير الكعبة، و الروضة المطهرة، و بيت المقدس، و قبور الأنبياء، و الأولياء، و المساجد، و الكنائس و البيع، و أمثالها، حتي لا يبقي منها حجر علي حجر، و لا لبنة علي لبنة و أنه يجب علي كل ملك يلي أمر أمته أن يشيد قصرا فخما يسميه باسم الباب يكون فيه مقر الملك علي الدوام و تكون أبوابه من الداخل تسعين و من الخارج خمسة و تسعين و منها أن كل بابي يجب أن يكون عنده كأس من الفضة، و ثوب نظيف نفي. أما الكأس فيتناول به الماء القراح الصافي، و أما الثوب فيتجمل به عند الفراغ. و منها أن الزكوات و الصدقات لا يجوز اعطاؤها لغير البابيين، فان فقد فقير في البابيين، فتصرف الي من بقي علي مذهب الشيخ «احمد زين الدين الأحسائي» الآنف الذكر ذلك لأن جل من تبع الباب هم من أهل هذا المذهب كما مر بك فهو يتقرب اليهم بهذه الكرامة طمعا في اجابتهم لدعوته، و تبليتهم لندائه و بالجملة فانه جعل لكل شي‌ء قواعد حتي التحية و السلام: فتحية البابي «الله أكبر» و جوابها «الله أعظم» و تحية البابية «الله أبهي» و جوابها «الله أجمل» ا ه. (و من يضلل الله فما له من هاد و من يهد الله فما له من مضل) [ صفحه 233]

وحي الباب

اشاره

ناتي هنا بمقتطفات مما تقوله الباب علي الله تعالي في (البيان) و غيره ليقف عليها القراء اتماما للفائدة و اكمالا لشؤون التأليف. و هي منقولة من كتاب (مفتاح باب الأبواب) و اليك هي بلحنها و كفرها:

لوح من ألواحه

(فاتحته) بسم الله الأبهي الأبهي. بالله الله البهي البهي. الله لا اله الا هو الأبهي الأبهي. الله لا اله الا هو البهي البهي. الله لا اله الا هو المبتهي المبتهي. الله لا اله الا هو المبهي المبهي. الله لا اله الا هو الواحد البهيان. و لله بهي بهيان بهاء السموات و الأرض و ما بينهما. و الله بهاء باهي بهي. و لله بهي بهيان بهية السموات و الأرض و ما بينهما. و الله بهيان مبتهي مبتهاه. و لله بهي بهيان ابتهاء السموات و الأرض و ما بينهما. و الله بهيان مبتهي مبتاه. قل الله أبهي فوق كل ذي البهاء لن يقدر أن يمتنع عن مليك سلطان ابهائه من أحد لا في السموات و لا في الأرض و لا ما بينهما انه كان بهاء باهيا بهيا. قل الله أبهي فوق كل ذي بهاء لن يقدر أن يمتنع عن بهي بهيانه من أحد لا في السموات و لا في الأرض و لا ما بينهما انه كان بهاء باهيا بهيا. قل الله أبهي فوق كل أبهة لن يقدر أن يمتنع عن بهي بهيان ابتهائه من أحد لا في السموات و لا في الأرض و لا ما بينهما انه كان بهيانا مبتهيا بهيا (الي أن يقول) قل ان بهاء ذلك الشي‌ء [ صفحه 234] تؤتين الذهب و تأخذنه بعلم الله علم البهاء لعلكم تتقون. هذا كتاب من عندالله المهيمن القيوم الي من يظهره الله انه لا اله الا أنا العزيز المحبوب، أن اشهد أنه لا اله الا هو و كل له عابدون. انا قد جعلناك جلالا جليلا للجاللين. و انا قد جعلناك جمالا جميلا للجاملين. و انا قد جعلناك عظيمانا عظيما للعاظمين. و انا قد جعلناك نورا نورانا نويرا للناورين. و انا قد جعلناك رحمانا رحيما للراحمين. و انا قد جعلناك تماما تميما للتامين (الي أن يقول) قل انا قد جعلناك بطشانا بطيشا للباطشين. قل انا قد جعلناك سكانا سكينا للساكنين. قل انا قد جعلناك رضيانا رضيا للراضين. قل انا قد جعلناك هدانا هديا للهادين. قل انا قد جعلناك نبلانا نبيلا للنابلين. قل انا قد جعلناك جهرانا جهيرا للجاهرين. قل انا قد جعلناك جردانا جريدا للجاردين. قل انا قد جعلناك سرجانا سريجا للسارجين. قل انا قد جعلناك طرازا طريزا للطارزين. قل انا قد جعلناك شمسا مضيئا للضائين، قل انا قد جعلناك قمرا منيرا للناورين. قل انا قد جعلناك كواكب مشرقة للشارقين (الي أن يقول) فلا تحزن قدر خردل فانا كنا لك ناصرين. و توكل علي الله بربك الرحمن الرحيم، و كل ما تشهد من ابتهاج قل هذا من عند الله العلي العظيم، و كل ما تشهد من دون ذلك فاستعذ بالله عمن لا يؤمن بالله العلي العظيم، و ان الله قد خلق لك في الفردوس ما لم يخلق لأحد من العالمين. و قدر لك في كل الجنان ما لم قدر لأحد من العالمين (خاتمته) تبارك الله من رب ممتنع منيع. و تبارك الله من ملك مقتدر قدير. و تبارك الله من سلط مستلط رفيع. و تبارك الله من وزر مؤتزر وزير. و تبارك الله من حكم محتكم بديع. و تبارك الله من [ صفحه 235] جمل مجتمل جميل. و تبارك الله من عظم معتظم عظيم. و تبارك الله من نور متنور نوير. و تبارك الله من رحم مرتحم رحيم. و تبارك الله من شمخ مشتمخ شميخ (الي أن يقول) هذا صراط الله لمن في السموات و الأرض و ما بينهما كل به يهتدون. هذا نصر الله لمن في السموات و الأرض و ما بينهما كل به ينتصرون. هذا فتح الله لمن في السموات و الأرض و ما بينهما كل به يفتحون. هذا سلط الله لمن في السموات و الأرض و ما بينهما كل به يستلطون. هذا قهر الله لمن في السموات و الأرض و ما بينهما قل كل به يقهرون (الي أن يقول) هذا من يظهر يوم القيامة من بعد أفأنتم بالله و آياته لا توقنون. قل ان من ظهر من يظهر ان أنتم في الظاهر فيهما تنظرون. قل ان من ظهر من يظهر ان أنتم بالباطن فيهما تنظرون. قل ان من ظهر من يظهر ان أنتم في الظاهر فيهما تنظرون. قل ان من ظهر من يظهر ان أنتم بالأول فيهما تنظرون. قل ان من ظهر من يظهر ان أنتم في الآخرة (يريد بالآخرة دينه) فيهما تنظرون. قل ان من ظهر و من يظهر ان أنتم بالناطق فيهما تنظرون. قل ان من ظهر و من يظهر ان انتم في القادر فيهما تنظرون. قل ان من ظهر و من يظهر ان انتم في العالي فيهما تنظرون. قل ان من ظهر كل من ظهر من أول الذي لا أول له و كل من يظهر الي آخر الذي لا آخر له أنتم اياي تنظرون. قل ان من يظهر كل من يظهر من أول الذي لا أول له و كل من يظهر الي آخر الذي لا آخر له أفآله غير الله أنتم اياه تعبدون. و ما من اله الا الله انا كل له عابدون. فلتعرفن مقعد ذلك الحرف و لتذكرن ذكر ذلك عدد (الهاء) في كل ليل و نهار لعلكم في القيامة الأخري (يريد بالقيامة الأخري من يظهر بعده) به تهتدون. ان تذكرن بعد ذكر الكلمتين عدد (الحي) يكفيكم عن ذلك و الله يريد أن يوسعن عليكم دينكم [ صفحه 236] لعلكم تشكرون. و من يتحجب عن عدد (الهاء) فليلزمنه عدد (الهاء) لعل صفر مالا عدل له لعلكم تتقون و لا تحتجبون. و ان تنسون فلا يسأل الله عنكم و لو أنتم في كل حياتكم تحتجبون. و لكن نعيد ما تذكرتم فلتذكرون. ثم في دين الله تشكرون

لوح آخر

(فاتحته) - «يا خليل» بسم الله الأقدم الأقدم. بسم الله الواحد القدام. بسم الله المقدم المقدم. بسم الله القادم القدام. بسم الله القادم القدوم. بسم الله القادم القدمان. بسم الله القادم المتقدم. بسم الله المقتدم المقتدوم. بسم الله القادم المتقادم. بسم الله المستقدم المستقدم. بسم الله القادم القيدوم. بسم الله الواحد المقادم ذي القدامين. بسم الله القدم ذي القدماء. بسم الله القدم ذي القدمات بسم الله القدم ذي الاقدام. بسم الله القدم ذي الأقادم. بسم الله القدم ذي القدام. بسم الله القدم ذي القدومين. بسم الله القدم ذي القدامين. بسم الله القدم ذي القديمين. بسم الله ذي المقاديم بسم الله القدم ذي المقادم. بسم الله القدم ذي المتقدمات. بسم الله القدم ذي التقدمات. بسم الله القدم ذي المستقدمات. بسم الله القدم ذي القدام. بسم الله القدم ذا القدادم (خاتمته) أن يا اسم الرحيم أن اشهد أنه لا اله الا أنا الرحام الرحيم لن يري في الأسماء الا الله انك رب العالمين. أن يا ابراهيم أن اشهد أن لا اله الا أنا رب العالمين. لم يكن لما خلقت من أول و لا آخر و كل بأمري قائمون. و لن يقدر أحد أن يحصي ظهورات ربك من أول الذي لا أول له الي آخر الذي لا آخر له، قل في كل [ صفحه 237] الظهورات لا اله الا الله و ان مظهر نفسه لحق لا ريب فيه كل بأمر الله من عنده يخلقون. أن اشهد أن يا ابراهيم أنت كنت في يوم عرش ظهور ربك و انا كنا من قبل ثم من بعد الظاهرين. انظر قد خلقناك و رزقناك و أمتناك و أحييناك الي حينئذ و ان الذين الصحف هم الي حينئذ محتجبون. فلما أنزلت علي الله ربك رب ما يري و ما لا يري رب العالمين. قد سمعت صوت ما يتبعن أمرك و هم يحبون أنهم في حبك يتعاليون. قل كلا ثم كلا انني قد حشرت و من اتبعني علي الله ربي في يوم الذي كنت بموسي عرش ظهور الله من المؤمنين. و ان هؤلاء لا يتبعوني و ان اتبعوني لآمنوا بموسي قبل عيسي ثم بمحمد بعد عيسي ثم بنقطة البيان يوم القيامة ثم بمن يظهره الله ثم الي ما شاء الله أن يعرفن عباده نفسه علي أنه لا اله الا أنا المهيمن القيوم. انظر في كل ظهور كيف يأخذ الله جواهر الخلق و يذر ما دونهم في حجابهم بأنهم يحسبون عند أنفسهم بأنهم يحسنون. مثل ما قدر و زرنا هؤلاء بعد أربع ظهور و انهم قد أخذ عنهم روح الحياة و هم علي أنفسهم يحسبون. انهم الله ربهم يعبدون. غير أن يبعثن الله من يدخلنهم بقهره في رضوان الله هم لا يتذكرون و لا ينتهيون. انظر مثل كل ظهور كمثل ظهور ما أظهره الله من قبل و ان يوم من يظهره الله الذين أوتوا البيان بمثل الذين أوتوا الكتب من قبل لمفتنون. ربما يظهره الله مظهر نفسه و انهم بأعلي تقويهم في البيان لمتقون. فاذا لا ينفعهم ما اكتسبوا الا و ان لا يؤمنون بمن يظهره الله يبدل الله نورهم بالنار و اذا هم يحتجبون. و ان يؤمنون يبدل الله نارهم بالنور اذا هم بالحق يؤمنون. أن يا خليلي في الصحف لم يكن لأعراش ظهور الله من حد، لا من قبل و لا من بعد، و لكن الناس عن السر محتجبون، و أن [ صفحه 238] يا ذكري في الكتب من بعد الصحف لم يكن في الأعراش الا ما يدني علي الله ربهم، قل كل من الله الي الله يرجعون. أن يا اسمي البيان انظر كيف نرقين أدلائي في كل ظهور و الي حينئذ ما فتحت باب الاسم في ظهور من قبل، هذا من فضل الله لمن في البيان و لكن الناس لا يعلمون

لوح ثالث

(يخاطب به الملا محمد علي البار فروشي) أن يا محمد قبل علي قد قضي عدد النفر في النفي لا اله، و حق علي كل نفس أن تثبتن ألف الاثبات يما أنتم فيه، و ان ذلك يومئذ عند الله كل الأمر للذين هم به يوقنون. فليتقين النفي و لتثبتن الاثبات علي حق أنتم عليه مقتدرون. قل انما الدين بعد الدين معرفة الله، و توحيده، و الاقرار بعدله، و اتباع ما نزل من عنده، و نفي الصفات عن ساحة قدسه، فان ما دونه من كل شي‌ء خلق له، قل أن يا خلقي اياي فاتقون. و ما قد خلق الله من شي‌ء في الكتاب، و ما فيه في الآية الأولي، و ما فيها في البسملة العظيمة، و ما فيها في الحرف الأول و انه لا اله الا أنا رب العالمين. (قلت) يريد بالحرف الأول من حروف البسملة أن يجعل نفسه مقام النقطة تحت الباء حتي سماه البابيون (بالنقطة الأولي) و هذا مستفاد مما يرويه الشيعة عن علي بن أبي‌طالب كرم الله وجهه أنه قال: ان كل ما يحتويه القرآن محصور في سورة الحمد، و كل ما تحتويه محصور في البسملة، و كل ما تحتويه البسملة محصور في حرف الباء، و كل ما في الباء محصور في النقطة، و أنا تلك النقطة تحت الباء [ صفحه 239] (رجع الي اللوح) قال: هذا أصل الدين.في الأول سبحوا الله، و في الآخر حمدوا الله، و في الظاهر وحدوا الله، و في الباطن كبروا الله، (يريد بالأول و الآخر و الظاهر و الباطن نفسه) و ان يومئذ ما دامت الشمس مشرقة كل الدين لا اله الا الله، ظاهرا و باطنا، أولا و آخرا، ثم محمد رسول الله، (يعني بذلك أنه هو المرسل الأول و أن محمد رسوله) ثم الأئمة و الورثة حجج الله، ثم الأبواب لظاهر التكبير، ذلك كلمة جامعة، و ان مقادير الفرع في حولها لتطوفون. فلتدخلن في الدين. و كنتم علي الأرض و من عليها قاهرين. و لتطهرن أراضي النفي بالله ربكم الرحمن ظاهرين. و لتراقبن أسماء الآية و لتسلمن عليهم من ربك (يعني بالرب نفسه) ثم علي الأسماء الحسني و الأمثال العليا و النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين (قلت) يعني بهم صحابته لأنه جعل كلا منهم مظهرا لاسم من الأسماء الحسني، أو مظهرا لنبي، أو صديق، أو صالح، أو شهيد فالملقبون بلفظة (حي) هم مظاهر الأسماء الحسني، و من دونهم هم مظاهر الأنبياء و الصديقين، و الشهداء و الصالحين. فتأمل!!... (رجع الي اللوح) قال: و من يرد أن يدخل في ظل الاثبات (يعني دينه) فان أولئك هم الوارثون. و ان كان عليا هناك فاذكره من عند ربك (يعني نفسه) و قل انك أنت يوم القيامة (يعني يوم قيامه بالأمر) من الفائزين. لا تحب أن تحضركن من حيث لا تعرف و أن تسلي أهل الحزن في الفاء (يعني بالفاء مازندران) أحب الي، و أرسلنا الألواح اليه و سيجمع الله بيني و بين من صدق الحق من عنده بأمره انه عليم قدير. و انما العجب يا اسم الأول و الآخر [ صفحه 240] و الظاهر و الباطن قد قضي من ليلة عرفانك ربك ما قد طال عدد النفي في لا اله خمسين ألف سنة و طلع أيام الاثبات و ان الي حنيئذ ما ذكر ما ينبغي في نفي النفي و اثبات الاثبات، هذا كل الدين يومئذ لا ما كان به الناس يفرحون. فلتراقبن اسمنا العظيم، و لتتلون كتاب الوهاب، فان لكل واحد أمثال ذلك الهيكل عند الله لمخزون ثم قال بالفارسية: أين آية همكي شب و روز 361 مرتبه تلاوت فرمائيد. و تعريبه: اقرأوا جميعا هذه الآية 361 مرة في كل يوم و ليلة و هي: «شهد الله أنه لا اله الا هو له الخلق و الأمر يحيي و يميت ثم يميت و يحيي و انه هو حي لا يموت في قبضته ملكوت كل شي‌ء يخلق ما يشاء بأمره انه كان علي كل شي‌ء قديرا» ثم قال: و من يؤمن بالله ثم بآياته فأولئك هم الفائزون. قل الله رب، و ما دون الله عبد، و كل له عابدون. بعض من حيث يعلمون و من حيث لا يعلمون. و ان شؤون التفسير شأن النبي، و المناجاة شأن الولي، و العلم شأن الأبواب،قد أظهرنا ذلك الشؤون. ثم قد نسبنا الي مظاهر الحي و اختصصنا الآيات بالله عز ذكره العالي اذ لا عليكها أحد الا اياه و لم يكن من بعد الله و آياته حديثا كان الناس به يؤمنون. قل ما قال علي (يعني ابن أبي‌طالب كرم الله وجهه) دليله آياته، وجوده اثباته، و الله عليم قدير. و لقد أرسلت هياكل أصحاب 313 في 224 عدد لو كان واحدا منه عند أحد مع الايمان يغلب علي العالمين. و ان عدد الباب في هياكل الكبري قد سخر فيها مراتب الأرض في خمس قطع التوحيد فاسرعوا فانكم بها غالبون. هو المتكبر المحسن الجميل (يعني بذلك نفسه) أول طرز لاح و لمع، ثم أشرق و طلع، ثم أضاء و لجلج، ثم أنار و أرفع من ساحة قدس [ صفحه 241] حضرة الكافور، و ساذج الطهور، و غيب الظهور، و طلعة المشهور، و قمص المستور، و ذكر المنشور، و علانية الغيور، الذاكر المذكور، و الساكن في (يعني بذلك أن الله تعالي ساكن فيه، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا) و المطلق علي الطور، و الداعي الي سر المستور، و الرمز المسطور، و البيت المعمور، حضرة النور، و ما حي الديجور، حجة الله مولاي «علي» الشجرة المباركة و أصلها و فرعها و أغصانها و أثمارها و أظلالها، بما تغردت الحمامة علي أغصان شجرة الطوبي في الفردوس، و بما تغنت الطيور علي أوراق سدرة المنتهي في ظلال الافريدوس، ثم اشكري الله (يخاطب بذلك قرة العين) فان كتابك ممهورا (أي أنه مختوم فان المهر بالفارسية الخاتم) قد لا حظته فخلصك الله بمنه مما تخافه و تحذره فاعلمي بأن من جواهر علمك قد ظهرت بواطن السنن و مواقع الفتن فصبرا صبرا في ذكر بحر العون و عين اليمن، و لقد نسبوا اليك رجالا بعض الأمور العرضية فأبطل بيانها بين العالي الجلي بأن حسين قد قتل و من زعم أنه لم يقتل فقد نسي حكم الله و ما شهدت به العقول، و ليس له ثارا أشد مما اعتقد و قال ان الجنة و النار مخلوقين و فيهما عباد لم يعلم عدتهم الا الله و ان قبل يوم القيامة لم يظهرا لأحد و كفي بالله عليهما و كفي به شهيدا (قلت) انه يعني بالجنة و النار: دينه و الكفر به، و بالعباد الذين فيهما: أهل هذا الدين و الكافرين به، و بيوم القيامة: يوم قيامه بالأمر و ظهوره بالدعوة. ثم لا أدري من (حسين) هذا، و لعله الحسين بن علي بن أبي‌طالب رضوان الله عليهما. فان البابيين كثيرا ما يأخذون كلم آل البيت ان صح صدوره عنهم، أو لم يصح، و يحرفونه عن مواضعه بما يوافق مشاربهم، و يلائم مذاهبهم [ صفحه 242] بل هم يتقولون علي جميع الناس، و يدمجون مفترياتهم طي مقالاتهم، طمعا في اثبات دعوتهم، و تحقيق ضلالتهم. و لا عجب أن يفتري علي المخلوق من يفتري علي الخالق. (و من أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين)؟!... (رجع الي اللوح) قال: ثم ان رجعة القائم عجل الله ظهور ذلك النور فاستغفر الله ذلك باب الهدي كل به يخلقون (يعني بذلك أنه خالق لجميع الكائنات). ما نزلنا في السنة الأولي قل انها أثمار جنة اسم الأول (يعني بالأول نفسه) في السورة التي أنتم في الصلاة لتقرأون. تمت أثمار شجرة الهوية ان أنتم موقنون. ثم أثمار شجرة الأحديد ان أنتم تشهدون. ثم أثمار شجرة الألوهية ان أنتم توقنون. ثم أثمار شجرة الصمدانية فيها تجري أنهار أربعة و لتجدن فيها لذة ما خلق الله في تلك الأنهار ما قد اختص الله بها نفسها ذلك من فضل الله و رحمته لعلكم تشكرون. قد قدرنا أثمار شجرة الأولي لمحمد رسول الله هذا عطاء ربك غير مقطوع و لا ممنوع، ثم لعلي امام حق محبوب، ثم لفاطمة ورقة من الشجرة الأولي كذلك أنتم تحشرون. ثم الحسن و الحسين اللذين قد جعلهما الله امامان من عنده علي العالمين (قلت) هنا جعل الباب نفسه مظهرا للنبي صلي الله عليه و سلم، و الملا محمد علي البار فروشي مظهرا لعلي كرم الله وجهه، و قرة العين مظهرا للزهراء رضي الله عنها، و صبح أزل مظهرا للحسن رضي الله عنه، و الهباء مظهرا للحسين رضي الله عنه. فتأمل هذا الخلط و احكم بما شئت (رجع الي اللوح) قال: قل تلك حروف تسعة بعد العشرة [ صفحه 243] (يعني بها الأقانيم التي تتألف منها وحدة اللاهوت علي ما يزعم) كل بما قد قدر الله فيهم «يخلقون». قل ان حروف تلك الخمسة (يريد بها حروف اسمه «الباب» بحساب الجمل) لواحد اذا تجعل كل واحد بابا لم تشهد الا مرات التي أنتم تقولون انا لله عابدون و لكن لو تري في «الباطن» ركن الذي أبواب الهدي به يظهرون! و لا في «الظاهر» ركن الذي به أئمة الدين علي الحق يقومون. و لا ركن «الآخر» ما أنتم به «ترزقون». و ان به أنتم لتشهدون علي أن «محمد رسول الله» من عند الله قبل خلق السموات و الأرض و ما بينهما «خلق العالمين». ثم في ركن الأولي به أنتم تشهدون. علي أنه لا اله الا هو ذلك رب العالمين (قلت) يشير بهذه الجمل المضطربة، الملحونة، الي أنه هو الله الذي لا اله الا هو، الأول، و الآخر، و الظاهر، و الباطن، رب العالمين، و باعث المرسلين، و مرشد الدعاة، و مرسل الهداة، و مظهر الحق، و خالق الخلق، و رازق الأمم، و ذاري‌ء الكائنات من العدم. تعالي الله عما يقول علوا كبيرا. فلسوف يصلي جهنم خالدا فيها لا يخفف عنه العذاب و لا يجد نصيرا (رجع الي اللوح) قال: من يريد الله أن يبتغ رضاء ربك فليجمعن كل ما نزلنا في الأولي في كتاب مسطور علي الأرض الأولي الذي قد قدرناها لمحمد ذلك من عطاء ربك الي يوم أنتم علي الله (يعني بلفظ الجلالة نفسه) تعرضون. الي أن ينتهن الي أثمار جنة الصمدانية فاذا أنتم علي الأرض التي كنتم من قبل عليه لتظهرون لا ينبغي الا أن ينفق خمسة نفسا من حق الله بما يسطر في الكتاب كل ما نزل الله الي ما ينفض عدة الخمس عنده ذلك من فضل الله و رحمته [ صفحه 244] لعلكم أنتم تشكرون. فلتخترن من تلك القطعات الخمسة خمسة نفس ليجمعن كل ما نزل الله و لينسبن الي الله الي يوم كل علي الله يعرضون. و انما الأرض الأولي انا كنا كاتبين. كذلك الي أن ينهي ذكر ربك قل انا كنا شاهدون. فلتصبرن حتي يأتي الله بأمره و أنتم علي ذلك تقدرون. ذلك من فضل الله و رحمته قد فصل في الكتاب مقادير كل شي‌ء ليوم أنتم علي الله تعرضون. سبحان الله يسجد له من في السموات و من في الأرض انا كل له ساجدون. هو الذي يقدر مقادير كل شي‌ء برحمته انه هو البر اللطيف. و لله يسبح من في السموات و من في الأرض و ما بينهما و انا كذلك له عاملين. و لله جنود السموات و الأرض و ما بينهما و انه لهو الحق اليقين. و الهل بدع السموات و الأرض و ما بينهما و انه لهو الفرد المنيع. ذلكم الله ربكم له الخلق و الأمر، قل كل له قانتون ثم ذكر بالفارسية جملة مسهبة قال في آخرها بالعربية: و ان ما ختمناه في يوم الواحد بعد العشرين من ذلك الشهر يسطر في ظلال شجرة الصمدانية رحمة من ربك انه هو العزيز الرحيم. ا ه

نتفة من البيان

و انني أنا القائم الذي كل ينتظرون يومه و كل به يوعدون. قد خلقني الله بأمره و جعلني قائما علي كل نفس بما قد أتاني الله من الايات و البينات انه هو المهيمن القيوم. و لعمري أول من سجدلي «محمد ثم علي» ثم الذين هم شهداء من بعده ثم أبواب الهدي أولئك الذين سبقوا الي أمر ربهم و أولئك هم الفائزون. و ان أول ذلك الأمر أول يوم القيامة (يريد به يوم قيامه بالدعوة و ظهوره بالأمر) [ صفحه 245] كل علي الله يعرضون (يعني يعرضون عليه هو فانظر هذا الخلط) ان الذين عرضوا علي و هم كانوا بالله و آياته مؤمنين، فأولئك هم أصحاب الرضوان قد جزيناهم في الكتاب بأحسن مما اكتسبت أيديهم و كذلك نجزي المخلصين. و ان الذين هم عرضوا علي و هم بي و آياتي لا يوقنون، و حسبهم ما اكتسبت أيديهم و ما هم يشهدون، علي ذلك ما قد شهد الله عليهم و جعلناهم و أعمالهم هباء ذلك ما قد نزلنا من قبل في القرآن لعلكم توقنون. كل شي‌ء هالك الا وجهه (يريد بوجه الله نفسه و من يظهر من بعده الي أبد الآبدين و دهر الداهرين، أعاذنا الله من هذا الكفر) كذلك يظهر الله صدق ما نزل لعلكم تتذكرون. و ان قد نزلنا في القرآن من قبل كلمة فيها كل أمر لعلكم بها تتقون. فبأي حديث بعد الله و آياته يؤمنون. و انا قد نزلنا من قبل انه لا اله الا أنا اياي فاتقون. لتوقنن أن لم يكن أولا قبلي و لا آخرا بعدي و لا ظاهرا غيري و لا باطنأ دوني و لا آية الا من عندي كذلك يمحص الله الناس كلهم أجمعون. و لعمري ان أمر الله في حقي أعجب من أمر محمد رسول الله من قبل لو أنتم فيه تتفكرون. قل انه ربي في العرب ثم من بعد أربعين سنة قد نزل الله عليه الآيات و جعله رسوله الي العالمين. قل اني ربيت في الأعجمين و قد نزل الله علي من بعد ما قد قضي من عمري خمسة بعد عشرين سنة آيات التي كل عنها يعجزون. و قد قضي يوم الدين (يعني يوم ظهوره) و انا بما قد وعدنا في القرآن انا كنا نستنسخ ما كنتم به تعملون. نريد أن نوفي به فلتقرأون آية الأولي 360 بالليل و النهار فانها خير عن كل الأعمال ان أنتم بها توقنون. ا ه [ صفحه 246]

تفسيره لسورة يوسف

و هو أول مفترياته علي الله نبذة من ذلك قال الله تعالي: (و اذ قال يوسف لأبيه يا أبت اني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين). قال الباب: و قد قصد الرحمن من ذكر يوسف نفس الرسول و ثمرة البتول حسين بن علي بن أبي‌طالب مشهودا. قد أراد الله فوق العرش مشعر الفؤاد أن الشمس و القمر و النجوم قد كانت لنفسه ساجدة لله الحق مشهودا. اذ قال حسين لأبيه يوما اني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم بالاحاطة لي علي الحق الله القديم سجادا. الحمد لله الذي قد عبر رؤيا الحسين بالحق علي أرض الفؤاد حول الحق مشهودا. و ان الله قد قدر شهادته التوحيد بنفسه عن نفسه عن الحق بالحق مقبولا. لأن الله قد أشهده بنفسه بشهادة التوحيد من نفسه علي الحق بالحق مشهودا. و لقد أخبر الحكم عن سر رؤيته فيما أنزل في القرآن علي حبيبه مستورا. ان قرآن الفجر كان مشهودا. و لقد سجدوا نجوم العرش في كتاب الله لقتل الحسين بالحق علي الحق و كان عدتهم في أم الكتاب احدي و عشر هو الله الذي قد جعل التوحيد في حقائق الأشياء من أشعته...(الي أن يقول) و ان الله قد أراد بالشمس فاطمة و بالقمر محمد و بالنجوم أئمة الحق في أم الكتاب معروفا. فهم الذين يبكون علي يوسف باذن الله سجدا و قياما. و ان الناس يبكون بمثل ظل الفي‌ء علي الحسين سجدا سواء... (الي أن [ صفحه 247] يقول) في تفسير قوله تعالي: (قال يا بني لا تقصص رؤياك علي اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) - اذ قال علي يا نبي لا تخبر مما أراك الله من أمرك لاخوتك ترحما علي الفهم و صبرا لله العلي و هو الله كان عزيزا حميدا. ان كنت تخبر من أمرك في بعض مما قضي الله فيك فيكيدوا لك كيدا بأن يقتلوا أنفسهم في محبة الله من دون نفسك الحق شهيدا. و ان الله لوجهك بدمك محمرا علي الأرض بالحق علي الحق صبيغا. و ان الله قد شاء كما شاء أن يراك مخضبا شعرك من دمك و نفسك علي الأرض علي غير الحق لدي الحق قتيلا. و جسمك علي الأرض عريانا. و ان الله شاء كما شاء بأن يري بناتك و حريمك في أيدي الكافرين أسيرا. و ان الله قد شاء كما شاء بأن يري وجوه شيعتك بين يديك محمرة بصبغ أنفسهم و أبدانهم علي الأرض مجرحة علي غير الحق مطروحا. فلا تظهر بشي‌ء مما قد شاء الله في كينونتك من السر المستسر علي السر شيئا علي الحق قليلا. هنالك يفدون أنفسهم بحب الله عن نفسك شوقا الي الله و كان الله بعباده علي الحق بالحق عطوفا... (الي أن يقول) في تفسير قوله تعالي: (و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الأحاديث و يتم نعمته عليك و علي آل يعقوب كما أتمها علي أبويك من قبل ابراهيم و اسحق ان ربك عليم حكيم) قال: طس. الله أنزل الفرقان علي ذكرنا ليكون للعالمين بشيرا علي خط الاستواء و نذيرا... (الي أن يقول) و كذلك قد اجتبيناك بالحق و علمناك من تأويل الكتاب مالا ينبغي لأحد من دونك انك قد كنت في الاجابة لله العلي سابقا علي الأبواب بالحق علي الحق مذكورا. و ان الله قد اجتبي الحسين من عباده [ صفحه 248] و قد جعله علي الحق بالحق اماما و شهيدا. و انه لما سبق آخرته من العلم الرحمن حرفا مقنعا علي بما كان في مستسر السطر من السر السر مستورا. و ان الله قد أتم نعمته علي الحسين و أوصيائه بأن جعل الله فضلهم كفضل «نفسه» بالحق علي العالمين جميعا. و هو الذي قد تقبل من زائرين بزيارة الحق لنفسه و قد دعي لمصرعه علي الحق بعرشه فلا اله الا هو من غير تشبيه علي الحق و ما قدر الله لسره علي حرف من الحروف تأويلا. و هو الذي قد وعد لزائريه لقاء نفسه (يعني في ذات الباب) و قد كان وعد الله بالحق مفعولا، و هو الذي قد قدر التربيع في التربيع من سبيل زيارته في الزائريه علي الحق بالحق و قد كان الأمر في أم الكتاب حول النار مقضيا. و هو الذي قد اختار ليوسف حرفا من السر ولايته من قبل حرفا من السطر حول السر مسطورا... (الي أن يقول) أيحسب الناس انا كنا عن الخلق بعيدا. كلا يوم نكشف الساق عن ساقهم ينظرون الي الرحمن و ذكره (يعني بالرحمن نفسه و بالذكر كتابه البيان) في أرض المحشر قريبا. فيقولون ياليتنا اتخذنا مع «الباب» سبيلا. يا ليتنا لم تتخذ دون «الباب» من الرجال علي الحق غير الحق مآبا. اه

البابية بعد مقتل الباب

اشاره

نذكر في هذا الفصل ما كان من ثورة السيد يحيي الدارابي علي الحكومة، و غدر البابيين بأهل القبلة، و تحفزهم لاغتيال الشاه ناصر الدين، [ صفحه 249] و ما كان من فتك الحكومة بهم، و نفي زعمائهم الي بغداد من العراق العربي، حتي ذهبت ريحهم من ايران، و اليك البيان:

ثورة الدارابي

لم تشهد البلاد الايرانية ثورة دموية بعد مقتل الباب سوي ثورة أثارها السيد يحيي الدارابي في عمالة فارس. و هو أكبر أبناء السيد جعفر الدارابي الملقب بالكشاف، أو الكشفي، أحد الفقهاء العاملين و العلماء المرتاضين. كان له (اعني السيد جعفرا) رأي خاص في تفسير الآيات القرآنية، و الأحاديث النبوية، ينافي آراء فقهاء الأصوليين في استنباط الأحكام، و رأي الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي في الفقه و حكمة الأئمة من آل البيت، و رأي الملا صدرالدين الشيرازي في الحكمة الالهية، و الفلسفة الاسلامية. و كان السيد يحيي هذا علي طرفي نقيض مع أبيه، و دونه في العلم بمراحل، فطرده أبوه، و أجبره علي مفارقته، فظعن الي طهران، و سمع فيها بالباب، فشخص اليه، و اجتمع به، و أجاب دعوته، و آب بأمره الي طهران داعية له،فلم ينجح في سعيه، فانتقل الي يزد، و دعا أهلها الي الباب، فلم يجد أذنا صاغية، فرحل الي شيراز، و منها الي بليدة «بسا» من عمالة فارس في ألفي رجل دججهم بالسلاح. و مرنهم علي أبواب القتال و الكفاح. أشعل بهم نار الثورة في تلك الاصواب أخذا بثار البابيين و الباب و كان عامل فارس آنذاك الأمير نصرة الدولة عم الشاه ناصرالدين فندب لقمع الدارابي، و اطفاء ثورته، نصير الملك المرزا فضل الله، و أمده بثلاثة من الأمراء هم: ولي خان سيلاخوري، و مهر علي خان [ صفحه 250] و مصطفي قلي خان. فأخمد هؤلاء الأبطال نيران هذه الثورة بعد منازلات شديدة في «بسا» و «ني ريز» قتل فيها الدارابي و 354 من أتباعه و 192 من الجنود. و أسر ثلاثون من عظماء البابيين قتلوا عن آخرهم في شيراز، و ولدان للدارابي عفي عنهما لانتسابهما الي البيت النبوي الكريم. و كان ذلك في سنة 1267 من الهجرة (و كفي الله المؤمنين القتال). و عجل بأرواح البابيين الي النار و بئس المآل

غدر البابيين بالمسلمين

لما قتل الباب. و استلمت روحه ملائكة العذاب. ساء من البابيين الحال. و آل أمرهم الي الوبال و الخبال. فان أحكام دينهم كانت فجة غير يانعة. متزلزلة الرسوخ في قلوبهم متزعزعة. لدي هؤلاء شذرات منسوخة. ولدي أولئك أخري ناسخة ممسوخة. و صار كل من كان قديم عهد الباب. يدعي النيابة عنه من وراء حجاب. و يدعو الناس خفية الي ذاته. و لا يدع الفرص تمر دون أن يقضي منها لباناته. فوقع النزاع بين الزعماء. و دب فيهم دبيب الحسد و البغضاء و كثرت بينهم المشاغبات و المشاحنات. و استفحلت المخاصمات و المناوآت و صار الأتباع كسفينة غاب ربانها. و تهشمت دفتها و شراعها. فهي تحت رحمة الأقدار. يدفعها الموج و يجتذبها التيار. و لكنهم كانوا عن بكرة أبيهم مولين وجوههم شطر نقطة واحدة هي الانتقام من المسلمين. و الأخذ بثار الباب و البابيين. فكانوا يمسون و يصبحون. و يغفون و يصحون. و يقومون و يقعدون. و هم يصيحون و ينادون: يالأخذ الثار! و جلاء العار! الانتقام الانتقام!! الثار الثار!!... [ صفحه 251] و جعلوا لذلك رموزا و اشارات علي ثلاث درجات: الأولي «سركوشي» أي الهمس، و الثانية «نوش» أي هنيئا، و الثالثة «تنه» أي الطعن. و هذه الدرجات الثلاث كناية عن: الذبح، و التسميم، و الطعن. فكانوا ينتقمون لأنفسهم من أهل القبلة باحدي هذه الطرق كما توحيه الجمعية السرية التي تألفت لهذا الغرض في طهران برآسة سليمان خان التبريزي من ذوي المناصب الكبري في ديوان التشريفات الشاهانية. و اليك نموذجا من أعمالهم هذه: كان المرزا عبدالكريم عم المرزا محمد التقي والد المرزا مهدي خان مؤلف كتاب (مفتاح باب الأبواب) يجهر ببغض البابية و يعدد مساويها و سيئاتهم. فبينا هو نائم ذات ليلة و قد انتصف الليل اذا الباب يقرع، و صوت من رتاجه يسمع، و قيل له من احدي الخادمات: ان بالباب صاحبك فلانا، و هو يلح في طلبك لأمر ذي بال طرأ عليه. فخرج المرزا الي الباب، و ما كاد يفتحه حتي تراءت له أشباح عديدة هجم عليه منها شبحان بأيدهما آلات القتل و الفتك و منها ما يسمونه بالفارسية «دشنه» و هو خنجر مستو ذو فقرتين ماضيتين. فلم يكن من المرزا و كان قوي العضل شديد الساعد الا أن ضرب بحد الطرف الوحشي من يمناه غضروف حنجرة أحدهما فصرعه و أخذا منه الخنجر ليغمده فيه فاذا الآخر قد عاجله بضربة علي لوح كتفه اليسري ليمنعه من الاجهاز عليه. فلم يمهله المرزا حتي ضرجه و زميله بالدماء. و اختبأ الباقون في ديجور الظلماء. و جاء الخدم فحملوا الجثتين. و نجاه الله من غدر ذينك الشريرين كان هذا حالهم من الغدر بمن يوجسون منه خيفة، أو يظنون به شرا، أو يتوهمون فيه أنه يومي‌ء بطعن في دينهم. أو يشير بسوء [ صفحه 252] الي معتقدهم. و كان المسلمون أيضا يكيلون لهم الصاع صاعين و يقابلون الضربة بضربتين. حتي ساد الهرج و المرج في البلاد و ارتاعت النفوس من غدر هؤلاء الأوغاد. لا سيما اذ أرادوا اغتيال الشاه. و قضوا الا أن يذوق من أيديهم رداه. فارتفع من كل ناحية صراخ الأمة. و رأت الحكومة الا أن تضع حدا لهذه الملمة. و قد عرفت بعد بحث شديد. و تنقيب ما عليه من مزيد. أن مثيري هذه المحن. و مضرمي نيران تلك الاحن. هما كبيرا الزعماء لهذه العصابة السوء، و رئيساها الأعليان: المرزا يحيي الملقب بصبح أزل، و أخوه المرزا حسين الملقب بالبهاء. فقبضت عليهما في اثنين و عشرين شخصا من آل بيتهما، و ألقتهم جميعا في غيابة السجن بطهران،حتي يخرج اذن الشاه بقتلهم، و تطهير الأرض من رجسهم و اراحة العباد من كيدهم و غدرهم و لكن قدر في الغيب أن الصدر الأعظم في ذلك الوقت و هو (المرزا آقاخان) النوري المازندراني كان ابن بلدتهم فسعي جهده لدي الشاه حتي خرج الاذن بنفيهم الي بغداد من العراق العربي. فأرسلوا اليها في حراسة الجند بعد لبثهم في السجن بضعة شهور، و دخلوها في اليوم الخامس من شهر جمادي الأولي سنة 1269 للهجرة جازي الله الصدر بما يستحق

محاولة البابيين اغتيال الشاه

علمت مما ذكرناه في الفصل السابق أن البابيين أرادوا أغتيال الشاه و قتله بأيديهم. و اليك الآن تفصيل هذه الواقعة: قضت جمعيتهم السرية بوجوب قتل الشاه ناصر الدين، أخذا [ صفحه 253] بثار الباب و البابيين، و عينت الزمان و المكان و كيفية القتل، و أناطت ذلك ببابيين وقع الاقتراع عليهما، الأول اسمه محمد صادق، و الثاني مختلف فيه و كان الشاه في ذلك الوقت يرتاض عند سفح جبل (شميران) و يكثر الاختلاف الي قصره في (نياوران) و هو يبعد عن طهران نحو اثني عشر ميلا. فتربص له البابيان في تلك الضواحي، و استأنسا من خدمة القصر بالحيلة و الخديعة، و علما منهم أوقات ذهاب الملك الي الصيد و رجوعه منه، و عرفوا مداخل الغياض و الآجام و مخارجها حتي اذا كان اليوم الثامن و العشرون من شهر شوال سنة 1268 للهجرة، و قد أطلق مدفع ايذانا بركوب الملك للصيد، أخذ الرجلان أهبتهما للعمل، و استعدا له تمام الاستعداد، و هما في خلقان رثة و أطمار بالية فلما دنا الشاه من مكمنهما و كان منفردا كدأبه علي الدوام في تلك الغياض و المروج - خرج الرجلان اليه، و وقفا أمامه في صورة المتظلم، باكيين، صارخين، الظلم الظلم! الغوث الغوث! فلقد أصابنا من عسف العمال، و جور الحكام، ما يطول شرحه باللسان، و قد كتبنا مظلمتنا الي الملك في هذا القرطاس فان أخذه و كشف ظلامتنا فبعدله، و ان أبي أبنا من حيث أتينا شاكرين لفضله فأوقف الملك جواده، و طلب منهما القرطاس. فأرس الأول يده الي منطقته أسرع من البرق و أخرج (طبنجة) أفرغها علي الملك، و كان الآخر قد وثب بالخنجر عليه، فقبض الشاه علي ساعده و ظل يدافع عن نفسه بما استطاع من قوة و كان الحرس قد سمعوا الطلق الناري فأقبلوا يتراكضون الي [ صفحه 254] جهته، فاذا الملك يقاوم هجمات المغتالين و هما علي و شك الفتك به فحال بينه و بينهما محمد مهدي خان التبريزي رئيس رواضه، و عاجل أولهما بضربة سيف قصير ذي حدين يسمي بالفارسية (قمه) قط به ذراعه كما يقط الكاتب القلم، و ثناها بأخري علي بطنه شقته و صيرته جثة بلا روح، ثم عطف علي الثاني و طعنه طعنة جندلته علي الأرض مضرجا بالدماء و فيه بقية رمق من الحياة فحمله الحراس و استدلوا منه علي زعماء الجمعية و رؤساء هذه العصابة السوء ثم أجهزوا عليه و رجعوا بالملك الي القصر و هم لا يدرون باصابته الا حينما طلب تغيير الثياب فاذا هو مجروح بالرصاص الرشاش في عاتفه و من تحت ابطه و لكنه جرح غير ذي خطر و قد وصل الخبر الي العاصمة أن الشاه قتله البابيون. فهاج الناس و ماجوا، و قاموا و قعدوا، و أغلقوا الدكاكين و الأسواق، و كادت تكون فتنة. فرأي الصدر الأعظم أنه لابد من ركوب الملك و مروره بشوارع المدينة و طرقها تسكينا للهياج و طمأنة للنفوس. فآب الشاه الي مقر ملكه من أشهر السبل و الجادات ممتطيا جوادا كميتا حتي دخل القصر. فسكن اضطراب الناس و هياجهم برؤيته سالما معافي ثم عقدوا مجلسا عاما مؤلفا من جميع طبقات الأمة قرر ابادة البابيين عن آخرهم، و استدلوا عليهم من صحيفة عثروا عليها في بيت سليمان خان التبريزي رئيس جمعيتهم السرية. فصدر الأمر بالقبض عليهم أينما ثقفوا، و حيثما وجدوا. فجاءوا بهم الي طهران فرادي و جماعات يلقونهم في غيابة السجن حتي اكتملت عدتهم فقسموهم علي طبقات الأمة من الأمراء و الوزراء و العلماء و التجار و الجنود وأهل الحرف و الصنائع و غيرهم. فأخذ كل مؤمن حصته من هؤلاء الكفرة يسومهم [ صفحه 255] الخسف، و سوء العذاب، ثم شهروهم في أسواق المدينة و فجاجها، و ذبحوهم ذبح الغنم في طهران و غيرها من البلاد الايرانية و أتوا بسليمان فخرقوا جسده برؤوس الخناجر و وضعوا في كل خرق شمعة موقدة، و سودوا وجهه بسخام الفرن، و ألبسوه (طرطورا) و أركبوه علي حمار معكوسا، و طافرا به الأسواق، و الأزقة، و الدروب، و الشقوق، علي هذه الهيئة الشنيعة، ثم شطروه بالسيف شطرين علقوا كلا منهما علي باب من أبواب طهران، و عجل الله بروحه الي النار، و بئس القرار و سليمان خان هذا هو أخو فرخ خان الذي قطع البابيون جسده اربا اربا و كووه بالنار في حادثة زنجان كما مر، فسبحان مقسم الأرزاق و الآجال، و وهاب العقول و الاحلام و قتل من البابيين في هذه الحادثة نحو اربعمائة، و عشرات من غير البابيين اتهموا بالبابية من خصومهم فصاروا في خبر كان. و من بعد هذه الحادثة لم تقم للبابية قائمة في طهران و قد انقضت تلك السنون و أهلها فكأنها و كانهم أحلام

سيرة البهاء

اشاره

هو المرزا حسين علي بن المرزا عباس المعروف (ببزرك) المازندراني النوري «نسبة الي بليدة - نور - من ضواحي عمالة مازندران». ولد في يوم الثلاثاء ثاني المحرم سنة 1233 للهجرة. و قد نظم أحد شعراء البابية تاريخ مولده بالفارسية فقال: [ صفحه 256] مستعد باشيد ياران مستعد جاء يوم غيب (لم يولد ولد) تقلب أبوه في مناصب الحكومة، و كان في آخر عهده أمينا لبيت المال في مازندران، و يسمي في اصطلاح الفرس (مستوفيا) و في اصطلاح مصر (مأمور المالية). و خلف من الأولاد سبعة ذكور: الأول - المرزا محمد حسن، و الثاني - المرزا حسين علي صاحب الترجمة، و الثالث - المرزا موسي الملقب عند البهائية بالكليم، و الرابع - المرزا تقي پريشان، و الخامس - المرزا رضي قلي الطبيب، و السادس - المرزا يحيي الملقب من الباب بصبح أزل، و السابع - المرزا محمد قلي. و كان الثاني، و السادس، و السابع، من أم واحدة نشأ البهاء و اخوته في حجر أبيهم بطهران، و تعلموا ما تيسر من مبادي‌ء العلوم المتداولة في ذلك العصر. و كان البهاء مع شقيقيه دون بقية اخوتهم مطمح أنظار أبيهم، و موضع حبه و عنايته، لحظوة أمهم عنده ترعرع البهاء و كلف بالتصوف، فأكثر من مخالطة الصوفية، و مطالعة ما دونوه في قراطيسهم، حتي أصبح معدودا من كبار المتصوفة، و شيوخهم في ذلك الزمان. ثم غلب حب الدنيا عليه فانقلب علي عقبيه. يتطلب المجد. و يتصيد السؤدد. لا يبالي من أي طريق بلغ غايته. و قضي لبانته. فدفعه حب الظهور الي الاندماج في سلك البابيين، و الايمان بالباب، و تصديق دعوته، و المجاهرة بها، و الأخذ بنصرته فيها و كان شقيقه المرزا صبح أزل قد فطر علي خلقه، و درج علي خلاله، و نسج علي منواله، و حذا حذوه في جميع خصاله، حذو القذاة للقذاة، و النعل النعل، فانضم معه الي هذه الفئة الباغية، [ صفحه 257] و أظهر من التغالي في حبها، و التفاني في تطلاب مجدها، ما دعا الباب الي تقديمه علي سواه، و العهد اليه بالخلافة من بعده (لطيفة) ان استنابة الباب للمرزا يحيي، و تلقيبه «بصبح أزل» مأخوذ مما ينسب الي سيدنا علي بن أبي‌طالب كرم الله وجهه لما سأله كميل ابن‌زياد عن الحقيقة فقال له علي: مالك و الحقيقة. قال كميل: أو لست بصاحب سرك؟ قال: نعم، يرشح عليك ما يطفح مني. فقال كميل: أو مثلك يخيب السائل؟ قال: الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة. قال: زدني بيانا. قال: محو الموهوم و صحو المعلوم. قال زدني بيانا. قال: جذب الأحدية لصفة التوحيد. قال: زدني بيانا قال: نور أشرق من (صبح الأزل) فلاح علي هياكل التوحيد و أناره. قال: زدني بيانا. قال كرم الله وجهه: أطفي‌ء السراج فقد طلع الصبح. اه أما تلقيب المرزا حسين علي نفسه (بالبهاء) فمأخوذ من دعاء يتلوه الشيعة في أوقات السحر من شهر رمضان. منه: أللهم اني أسألك من بهائك بأبهاه و كل بهائك بهي، أللهم اين أسألك ببهائك كله، أللهم اني أسألك من جمالك بأجمله و كل جمالك جميل، أللهم اني أسألك بجمالك كله. اه و كان أول ملتقاهما بالباب - علي قول الأكثرين - بين (قم و قزوين) و هو مسوق في حراسة الجند الي قلعة جهريق بآذربايجان فاستهويا بالصفراء و البيضاء رئيس حراسه و هو محمد بك چاپارجي، فجمعهما به دون رقيب و لا عتيد. فبايعاه علي الكفر، و عاهداه علي دعوة الناس اليه، و شخصا الي طهران يبثان في ملئها أضاليله و كفرياته ثم انحدر البهاء الي مازندران، و طاف ببلدانها يدعو الي هذا الافك، [ صفحه 258] مبتدئا من بلدة (نور) مسقط رأسه، ثم قفل راجعا الي طهران. و كان ذلك في آخر أيام الشاه محمد رحمة الله عليه و لما أن دبر البابيون المكيدة لاغتيال الشاه ناصرالدين في مصيفه (بنياوران) كان البهاء و اخوته آنذاك في قرية تدعي (كفچه) تدنو من مصيف الشاه. فتحقق للحكومة بعد دقة البحث أنه هو الذي دبر هذه المكيدة، و أوعز بها الي جمعيتهم السرية. فاستاقوه و آل بيته الي طهران، و أودعوهم أعماق السجن مغللين مقيدين ريثما يخرج الاذن بقتلهم، و اراحة الأرض من شرورهم. و لكن الصدر الأعظم شفع فيهم من القتل، و بذل جهده في ذلك لدي الشاه، حتي صدر الأمر بنفيهم الي بغداد، و أرسلوا اليها في حراسة الجند كما مر. ألا بعدا للصدر و سحقا فقد ضل ضلالا بعيدا و هنا لابد لنا من الالماع الي شي‌ء هو من الأهمية بمكان. ذلك أن المرزا يحيي صبح أزل، و حزبه المسمي بالازلية، و الايرانيين جميعا متفقون علي أن الباب استخلف المرزا يحيي قبل مقتله بمدة، و كتب خطه بذلك في قرطاس ختمه بخاتمه، و جعل أخاه الأكبر و هو البهاء وكيلا له، و أمره أن يحجبه عن عيون المؤالفين و المخالفين حتي لا يمسس بسوء، و لا يناله أحد بأذي. فلبي البهاء الأمر بالطاعة، و أخفي أخاه عن أعين الرقباء و الحلفاء، و صار يخاطب الناس و يكاتبهم بالنيابة عنه، و الناس يخاطبونه و يكاتبونه علي أنه وكيل له. و كان هذا حالهما في فارس، و العراق، و القسطنطينية و في أدرنة تنفس صبح أزل، و استيقظ من غفلته، و رأي أن الأمر خارج من يديه، و أن أخاه استبد دونه بالرأي، و جعل خلافة الباب لنفسه، فقاومه، و ناوأه، و ناقشه الحساب، حتي آل الأمر [ صفحه 259] بينهما الي المقاتلة و المجالدة. فاتفقت دولة الخلافة و سفير الشاه في القسطنطينية علي تغيير منفاهما، و التفريق بينهما. فنفت البهاء و حزبه الي عكاء، و صبح أزل و شيعته الي جزيرة قبرص. و سيأتي بيان ذلك مفصلا في غير هذا المكان فاقرأه في موضعه من هذا الفصل كل ذلك يقر به البهائيون، و لا ينكرون منه حرفا واحدا. و لكنهم يبررون عمل البهاء بدعوي أن استخلاف أخيه، و اعتزاله الأعمال و احتجابه عن الناس، و استنابة البهاء عنه - انما هو تدبير و سياسة من البهاء لدفع الأذي عن نفسه، لأنه هو الخليفة و صاحب الأمر و النهي اذ هو الذي بشر به الباب، بل هو الذي كان يربي الباب، بل هو الذي بعثه و أرسله ليبشر العالم بظهور (جمال القدم، و علة العلل) و من ذلك قوله بالفارسية: «كي أورا تربيت مي‌نمود». و تعريبه: «من الذي كان يربيه» أي يربي الباب. (قلت) فليستنتج القاري‌ء من هذه السياسة و التدبير بل الحيلة و الخدعة ما يستنتج، و ليختر لنفسه ما يحلو

البهاء في بغداد

كان وصول البهاء و حزبه الي بغداد في اليوم الخامس من جمادي الأولي عام 1269 للهجرة و يعرف عند البهائيين (بعام بعد حين) فاحتجب صبح أزل عن الأنظار كعادته، و صار البهاء يختلف الي (قهوة) بساحل الدجلة، فيجتمع به الناس، فيتجاذب معهم أطراف الحديث في شؤون شتي. و كان البابيون يفرون من ديارهم الي بغداد فرادي و جماعات. حتي بلغت عدتهم فيها بضع مئات. و كل عظيم يدعي لنفسه الزعامة. و يري أنه أحق من غيره بالامامة. و الأتباع حياري [ صفحه 260] لا يدرون ماذا يفعلون. و لا الي من ينتسبون كريشة في مهب الريح ساقطة لا تستقر علي حال من الفلق أما البهاء فكان ينظر اليهم شزرا. و يعد أوزارهم وزرا فوزرا لا يغفل لحظة عما كان يدور في خلده. و يفتدي تحقيقه بأهله و ولده ألا و هو القبض علي زمام القوم. و جعلهم تحت سلطانه المطلق ذات يوم. فكان ينكر عليهم ما يأتونه من الموبقات. و ما يدعونه من الرآسات و الزعامات. مظهرا لهم خلافة أخيه و مشروعيتها. و صحة استنابته عنه و حقيتها. باذلا جهده في اجتذابهم اليه. و اجتماع قلوبهم عليه و لكنه كان ينفخ في رماد، و يطرق في حديد بارد، فانهم لفظوه و أخاه لفظ المؤخر للعذرة، و رموهما رمي الرجل للنعل الخلقة. فاشتعلت بينهم نيران الشحناء و البغضاء، و صاروا يضمرون الشر لبعضهم البعض و ينسب كل فريق للآخر ما يخجل اليراع من كتابته. و اللسان من حكايته و دام الحال علي هذا المنوال نحو سنة حتي نووا الفتك بالبهاء، و كادوا يقضون و طرهم منه لولا أن فر الي كردستان، و لبث مختفيا بها في ضيعة تسمي (سركلو) تدنو من السليمانية المسماة قديما (شهر زور) ثم عاد الي بغداد بالحاح بعض أصحابه عليه بعد سنتين من اختفائه و كان وضع بالفارسية في هذا الاختفاء كتابه المعروف «بهفت وادي» و نظم قصيدته المسماة «ورقائية». فلما رجع الي بغداد تمكن بدهائه، و مساعدة بعض الوجوه من البابيين، و ثلاثة من اخوته و هم: المرزا موسي الملقب عند البهائيين بالكليم و المرزا محمد قلي، و المرزا يحيي [22] من التغلب علي من كان ينازعه [ صفحه 261] الأمر، و ينافسه فيه. و شرع يتسميل اليه كبراء البابية، و يردع طغامهم عما يأتونه من المنكرات، و يرتكبونه من قتل المسلمين، و الفتك بهم و كان يشير من طرف خفي في كتبه و أقواله الي العدول عن تعاليم الباب و ارشاداته، و يرمز فيها الي نفسه، و ألا يستمسك الا بذيله حتي كاد يبلغ غايته. و يقضي من الأمر لبانته. لولا حادث ذهب بأمانيه أدراج الرياح. و جعله يعض كفيه مساء صباح. و هو:

نفي البابيين من بغداد

الي القسطنطينية و غيرها من البلاد ذلك أنهم يحتفلون في أول المحرم من كل عام هجري بعيد مولد الباب، فيأتون من ضروب الملاهي و الملذات، و صنوف الشهوات و المنكرات، ما لم يسمع بمثاله، و لم ينسج علي منواله. و هو يوم حزن و مأتم عند الشيعة، يبتدئون فيه بندب الحسين بن علي بن أبي‌طالب رضوان الله عليهما، و يلبثون كذلك في نحيب و عويل الي اليوم الخامس عشر من المحرم علي الأقل، و الي مضي أربعين يوما من يوم عاشوراء علي الأكثر، و ذلك لمن أراد أن يقضي واجب الحزن و يكمل عدة أيامه ففي أول المحرم من سنة 1279 للهجرة احتفل البابيون بهذا العيد احتفالا فوق العادة. فاجتمعوا في حديقة تسمي في عرفهم (باغ رضوان) أي جنة الرضوان، و استباحوا ما اشتهت أنفسهم من الكبائر و الآثام و ظهروا بمظاهر من الفرح و السرور، و الجذل و الحبور، لم يظهروا بمثلها من قبل. فشق ذلك علي الشيعة، و خالوه اهانة لهم، و استهزاء [ صفحه 262] بدينهم، و ازدراء بمعتقدهم. فقاموا قومة رجل واحد، يطلبون الفتك بالبابيين، و الايقاع بهم عن بكرة أبيهم. و لولا تداخل الحكومة، و عقلاء الشيعة، لكان يوما مشهودا، و كانوا أفنوا البابيين عن آخرهم. و ياليته كان ثم وقع الاتفاق بين دولة الخلافة و دولة الشاه علي نفيهم من بغداد الي القسطنطينية. فسيقوا اليها تلك السنة في حراسة الجند المنصور عن طريق الموصل و حلب و اسكندرونة، و لبثوا بها نحو أربعة شهور في دار بجوار السفارة الايرانية، ثم خرج الأمر بنفيهم الي) (أدرنة) و تسمي عند البهائيين «أرض السر» فأرسلوا اليها سنة 1280 من الهجرة و كان ذلك بمسعي المرزا (حسين خان القزويني) سفير الشاه آنئذ في دار الخلافة. و مكث البهاء في العراق العربي عشرة أعوام و ستة أشهر و عشرة أيام منها عامان قضاهما مختفيا في جبال كردستان و هما عقب نفيه الي بغداد بسنة واحدة و في أدرنة جهر البهاء بالدعوة الي نفسه، و لفظ أخاه لفظ النواة، و لقب نفسه (ايشان) أي (هم) و هو لقب يتلقب به في تركستان مشايخ التركمان و زعماؤهم و أول لقب لقب نفسه به، ثم لقبها (بالذكر) و زعم أنه المراد من قوله تعالي: (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) ثم لقبها (بطلعت مبارك) أي الطلعة المباركة، ثم (بجمال مبارك) أي الجمال المبارك، ثم (بجمال القدم و الحق و البهاء) و هذا الأخير صار اسما له و علما عليه فوقع الشقاق بين الشقيقين، و انقسم الأتباع الي فئتين: فئة انحازت الي البهاء و تسمي (البابية البهائية) و فئة ظلت علي عهدها مع الأزل و تسمي (البابية الأزلية) معتقدة أنه هو خليفة الباب، و أن البهاء ليس له من الأمر شي‌ء الا أنه وكيل الأزل، و نائبه، يأتمر [ صفحه 263] بأمره، و ينتهي بنهيه، و لا يقطع أمرا من دونه، قد سلبه الخلافة ظلما و عدوانا فاحتدم الجدال بين الفريقين، و رأي صبح أزل أن الأمر أفلت من يده، فوقف في وجه أخيه يناقشه الحساب، و يقاومه بما استطاع من قوة، حتي أفضي الأمر بينهما الي أن صارا يدسان السم في طعام بعضهما البعض: فدس الأزل السم في طعام البهاء و أثر فيه و لكنه نجا منه كما يقول البهائيون، و دسه البهاء في طعام الأزل فنجا منه كذلك فطلب قتله بالشاطور فخلص أيضا من هذا الشرك كما يقول الأزليون ثم ان البهاء طرد الأزل من البيت الذي يسكنانه، و انفرد هو بالعمل بهمة لا تعرف الكلل و الملل، فبعث بالكتب الي البابيين يدعوهم فيها الي نفسه، و يبين لهم أنه هو (الحي) المنوه عنه في كتب الباب «بمن يظهره الله» بل هو المتكلم علي لسان الباب، بل هو الذي أرسله كما أرسل مظاهره (يعني مظاهر نفسه) من قبل مثل «زردشت» و ابراهيم و موسي و عيسي و محمد و «الباب» فتأمل!! ثم طفق يؤلف كتاب للتشريع سماه (أساس أعظم) أي الأساس الأعظم، و كتب رسالة الي الشاه ناصر الدين سماها (رسالة سلطانية) أرسلها اليه مع المرزا بديع الخراساني في السنة الرابعة من دخوله عكاء فمن سوء حظ. الرسول أن فاجأ الشاه حينما تمثل في حضرته بخطاب غير مألوف هو: «أيها السلطان! قد جئتك من سبأ بنبأ عظيم» فأمر بقتله للفور و عجل الله بروحه الي النار و بئس القرار و اليك شذرات من هذه الرسالة لتكون نموذجا للبقية و هي: يا سلطان اني كنت كأحد من العباد، و راقدا علي المهاد، مرت علي نسائم السبحان، و علمني علم ما كان، ليس هذا من عندي بل من [ صفحه 264] لدن عزيز عليم، و أمرني بالنداء، بين الأرض و السماء، بذلك ورد علي ما ذرفت به عيون العارفين، ما قرأت ما عند الناس من العلوم و ما دخلت المدارس فاسأل المدينة التي كنت فيها لتوقن بأني لست من الكاذبين، هذه ورقة حركتها أرياح مشيئة ربك العزيز الحميد (و منها) يا سلطان لو تسمع صرير القلم الأعلي، و هدير و رقاء البقاء علي أفنان سدرة المنتهي، في ذكر الله موجد الأسماء، و خالق الأرض و السماء، ليبلغك الي مقام لا تري في الوجود، الا تجلي حضرة المعبود و تري الملك أحقر شي‌ء عندك تضعه (هكذا في الأصل و لعلها تدعه) لمن أراد و تتوجه الي أفق كان بأنوار الوجه مضيئا (و منها) تالله يا ملك لو تسمع نفحات الورقاء التي علي الأقنان، بفتون الالحان، بأمر ربك الرحمن، لتدع الملك وراءك و تتوجه الي المنظر الأكبر الذي كان كتاب الفجر عن أفقه مشهودا، و تنفق ما عندك ابتغاء لما عندالله اذ تجد نفسك في علو العزة و الاستعلاء و سموا العظمة و الاستغناء كذلك كان الأمر في أم البيان من قلم الرحمن مسطورا، لا خير فيما ملكته اليوم فسوف يملكه غدا غيرك اختر لنفسك لما اختاره الله لأصفيائه انه يعطيك في ملكوته ملكا كبيرا. اه و لما أفضي الأمر الي الجدال بل القتال بين الأصيل و الوكيل أو بين الوكيل و الأصيل كما يقول الفريقان - خشيت دولة الخلافة أن تضطرم بأدرنة نيران الثورة، و يتكدر الصفاء بينها و بين دولة الشاه فاتفقت و سفيره في الآستانة علي تغيير منفي القوم، و التفريق بين الأخوين و حزبيهما. فنفت البهاء و من تبعه و عدتهم ثلاثة و سبعون الي عكاء، و سجنتهم في قلعتها، و جعلت عليهم رقباء من وجوه الأزليين يرصدون أعمالهم و يخبرون بها الدولتين، و هم: اسيد محمد الأصفهاني [ صفحه 265] الحكمي، و آقاجان بك المراغي الآذربايجاني، و عمر آغا، و الاستاذ محمد علي الخلاق الأصفهاني، و المرزا رضي قلي، و الاستاذ عبدالكريم الخراط الأصفهاني، و المرزا جعفر، و محمد ابراهيم. و نفت صبح أزل و أتباعه و عددهم ثلاثون و نيف الي جزيرة قبرص، و سجنتهم بها في قلعة ماغوسا، و بثت عليهم من وجوه البهائيين عيونا يرقبونهم كذلك، و هم: المرزا حسين الأصفهاني الخطاط الملقب بمشكين قلم، و آقا خليل النحاس الكاشاني، و الحاج جعفر التبريزي، و آقا عبدالله الأصفهاني، و المرزا علي المراغي الآذربايجاني الملقب بسياح. ثم أطلقت سراحهم بعد بضعة أشهر، و آتتهم الحرية الكاملة في الذهاب و الاياب، يخاطبون من شاءوا، و يخالطون من أرادوا، الا أن يغادر البهاء أو صبح أزل منفاه. و كان نفيهم من أدرنة في بداية سنة 1285 من الهجرة الموافقة لسنة 1869 من الميلاد و من العجب العجاب أن هذين الأخوين لم يقفا و هما في أدرنة عند هذا الحد من تكذيب بعضهما البعض، و مناداة كل منهما بالخلافة لنفسه، و انكار حق الآخر فيها، بل افتريا علي الله الكذب كاستاذهما الباب. فادعي كل منهما أنه رسول مستقل، لا خليفة الباب، و لا نائبه، و أن الله تعالي قد بعثه رحمة للعالمين بشريعة جديدة ناسخة لما بين يديها من الشرائع. و جاء الناس بكتاب زعم أنه وحي الله اليه بتصديق دعواه، و تكذيب دعوي أخيه، الي غير ذلك مما تقولاه علي الله، و كتباه بأيديهما الأثيمة. و قد نعت صبح أزل أخاه البهاء في (ألواحه) بالعجل، و نعته البهاء في (أقدسه) بالمشرك و الكافر. (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون) [ صفحه 266]

سؤال الي البهائيين و الأزليين

هنا لا نجد بدا من أن نسأل البابية الأزلية، و البابية البهائية، فنقول: أنتم يا من أعمي الله بصائرهم عن الهدي، و أضلهم سواء السبيل، تعتقدون نبوءة الباب، أوربوبيته و ألوهيته، و أنه صادق مصدق، معصوم من الكذب و الافتراء. ثم من كان منكم من الفرقة الأولي يعتقد صحة دعوي «صبح أزل» للنبوءة، و من كان من الثانية يعتقد صدق دعوي «البهاء» لها، أو للربوبية و الألوهية و العياذ بالله. علي أن الباب يقول صراحة: «ألا كامل آخر يظهر بعده الا بعد مضي 2031 سنة من يوم ظهوره» (راجع الصفحة 227 من هذا الكتاب). فكيف ساع لكم تكذيبه في هذا القول، و تصديق هذين الرجلين فيما أتيا به من البدع؟؟... فان قلتم: انهما أتيا بالبرهان القاطع علي صحة مدعاهما. قلت: ان في ذلك لأكبر دليل علي كذب الباب، و عدم عصمته، و من كان كذلك فما هو نبيا، فضلا عن أن يكون ربا و الها، و انما هو كذاب أشر، متقول علي الله. و اذا تقرر هذا، تقرر أيضا افك هذين الخاسرين في دعواهما، ولاية كانت، أو نبوة، أو ربوبية و ألوهية، فانهما يثبتان دعوي الباب، و من يحق دعوي الكذاب فهو كذاب نظيره... هذا فضلا عن أنهما يكذبان بعضهما بعضا علي رؤوس الاشهاد، و يتراميان بالضلال و الافتراء في الكتابين اللذين يدعيان أنهما وحي الله اليهما فأيهما الصادق اذا، و أيهما الكاذب، و ما الدليل الصحيح علي افك المبطل و صدق المحق، و قد قام البرهان الدامغ و الحجة البالغة علي كذب الاثنين، و تقولهما الأباطيل علي الله سواء بسواء؟؟... [ صفحه 267] فهل بعد هذا يعتقد من به ذرة من العقل، و فضلة من الادراك، الا بسخافة عقول هذه الشيعة، و ظلمة قلوبهم، و خروجهم من الملة الابراهيمية السمحاء، و الدين المحمدي الحنيف!!... و هلا يحكم من هداه الله بأن (الباب و البهاء و صبح أزل) لم يكونوا الا من طلاب الدنيا، قد اتخذوا الههم هواهم، و أضلهم الله علي علم، و ختم علي سمعهم و قلبهم، و جعل علي أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون!!... (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون)

رجع الي سيرة البهاء

لما استقر البهاء و حزبه في عكاء، و أطلقت الدولة حريتهم في الروحة و الجيئة، الا أن يغادر البهاء عكاء كما مر - رأي ألا نجاح لدعوته، و لا قيام لأمره، مادام الرقباء من حزب أخيه يعدون أنفاسه، و يرصدون حركاته و سكناته. فأوعز الي حزبه أن أبيدوا هؤلاء الرقباء ليخلو لنا الجو، و تلخص طريقنا من العقبات. فما هي الا كلمة خرجت من فمه حتي أبادوهم عن آخرهم في ليلة واحدة طعنا بالحراب، و ضربا (بالشاطور). فاضطربت الحكومة، و قبضت علي البهاء و حزبه، و كبلتهم بالحديد، و ألقتهم في ظلمات السجن يسامون الخسف، و سوء العذاب. ثم أطلقت سراح البهاء، و جعلته تحت الرقابة الدقيقة، بعد أن لبث في السجن 38 ساعة علي قول البهائيين، و أربعة أشهر علي قول الحكومة و الأزليين. و لبث أتباعه في سجنهم شهورا و أعواما حتي أطلق سراحهم بشفاعة الدرهم و وساطة الدينار علي قول الأزليين. و نعم الشفيع الدرهم، و الوسيط الدينار [ صفحه 268] لذلك تضعضع شأن الأزل، و خفت صوته، و ارتجت أركان دعوته، و قوي أمر البهاء، و انبسط نفوذه، و عظم سلطانه، و انتقل بتدرجه في النجاح من منصب خلافة الباب، الي المهدوية، فالولاية المطلقة، فالنبوة و الرسالة، فالمسيحية، فالربوبية و الألوهية، و العياذ بالله. و بث الدعاة خفية في بلاد الدولة، و فارس، و الهند، و جهرة في القوقاس من بلاد الروس، فأكرمت حكومتها مثواهم، و آتتهم الحرية المطلقة في نشر باطلهم و الدعوة اليه، حتي أنها صرحت لهم باقامة معبدين أحدهما في (باكو) و الآخر في (عشق آباد) اذ رأت أن مظاهرتها لهؤلاء الخسرة، و شدها لأزرهم، و تقويتها لأمرهم، ربما تحقق أمانيها التي تطمح اليها في فارس، و تبذل في سبيل نيلها كل مرتخص و غال، و حسبنا الله و نعم الوكيل و استمر البهاء يعمل لتأييد دعوته بما استطاع من قوة حتي أهلكه الله، و انتقل الأمر من بعده الي خليفته و ولده الأكبر المرزا عباس نزيل مصر الآن. و كان هلاكه في الساعة الثانية بعد نصف الليل من مساء يوم السبت ثاني ذي القعدة سنة 1309 من الهجرة الموافق 28 مايو سنة 1892 من الميلاد. و عاش 76 عاما و 10 أشهر و يوما واحدا. و خلف خمسة بنين، و أربع بنات. أما الأبناء فهم: المرزا عباس الملقب بغصن الله الأعظم و بالفرع الكريم المنشعب من الأصل القديم في حياة أبيه و بعبد البهاء بعد موته - ولد في 5 جمادي الأولي سنة 1265 من الهجرة، و المرزا مهدي الملقب بغصن الله الأظهر سقط من سطح البيت في بغداد فمات، و المرزا محمد علي الملقب بغصن الله الأكبر، و المرزا ضياء الله، و المرزا بديع الله، الملقبان بالغصنين. أما البنات [ صفحه 269] فاحداهن ماتت في بغداد، و أخري لم تتزوج بعد، و اثنتان متزوجتان: احداهما بالسيد علي بن الحاج السيد حسن الشيرازي الملقب بالافنان الكبير، و الثانية بالمرزا مجد الدين بن المرزا موسي أخي البهاء الملقب بالكليم. و المرزا عباس و المرزا مهدي و أختهما التي لم تتزوج من أم واحدة، و المرزا محمد علي من زوجة أخري، و ضياء الله و بديع الله من زوجة ثالثة. اه

تأليف البهاء

ألف البهاء كتبا جمة منها: كتاب (هفت وادي) بالفارسية، سلك فيه مسلك التصوف. و كتاب (الأقدس) نهج فيه علي زعمه منهج القرآن في ترتيب الآيات و السور، و دون فيه شريعته و أحكامها، و هو باللغة العربية. و كتاب (ايقان) بالفارسية، و سماه أولا (نسخه‌ي خال) أي نسخة الخال يعني خال الباب الذي وقف منه في أخريات أيامه علي مدعيات ابن أخته، ثم غيره باسم (ايقان). و كتاب (هيكل) بالفارسية و العربية. و كتاب (اشراقات). و كتاب (ألواح). و كتاب (عهد). و هذا الأخير آخر كتبه بين فيه وصاياه و جعل الأمر فيه من بعده لابنه الأكبر المرزا عباس الملقب بغصن الله الأعظم، و من بعده لابنه الثاني المرزا محمد علي الملقب بغصن الله الأكبر، و أغلق باب النبوة أو الربوبية و الألوهية الي ألف سنة من بعده كما قال في الصفحة الثالثة عشرة من (الأقدس) و هو: «من يدعي أمرا قبل اتمام ألف سنة كاملة انه كذاب مفتر، [ صفحه 270] نسئل الله بأن يؤيده علي الرجوع ان تاب هو التواب، و ان أصر علي ما قال يبعث عليه من لا يرحمه (أي يقتله) انه شديد العقاب، من يؤول هذه الآية أو يفسرها بغير ما نزل في الظاهر انه محروم من روح الله و رحمته التي سبقت العالمين، خافوا الله و لا تتبعوا ما عندكم من الأوهام اتبعوا ما يأمركم به ربكم العزيز الحكيم» اه (قلت) و لا أدري كيف جاز للمرزا عباس بعد هذا التصريح أن يغير و يبدل في أحكام أبيه، و يثبت منها ما شاء، و يمحو ما شاء، و يدعي نزول الوحي عليه بذلك، سواء كانت دعواه: ولاية، أو نبوة، أو رسالة، أو ربوبية و ألوهية، كما يشاء أن يسميها. حتي أن أخاه المرزا محمد علي و شيعته قد انكروا عليه ذلك أشد الانكار، و رموه بالكفر و المروق من دين البهاء!!... (راجع الصفحة السادسة عشرة من هذا الكتاب) ذلك ما نسأل عنه البهائية العباسية من جهة، و امامهم عباسا، أو نبيهم، أو رسولهم، أو الههم، أو ابن‌الههم، كما يحبون أن يسموه، أو كما يحب أن يسمي هو نفسه من جهة أخري... فهل من جواب؟؟... أللهم الا أن يقولوا جميعا: الولد سر أبيه، و لا تلد الحية الا حوية، و من يشابه أبه فما ظلم...

احكام شريعة البهاء

نورد في هذا الفصل ما يتسع له المقام مما دونه البهاء في كتابه (الأقدس) من أصول دينه و أحكام شريعته نقلا عن كتاب (مفتاح باب [ صفحه 271] الأبواب) الآنف الذكر [23] و اليك هو بنصه و فصه، و لحنه و الحاده: (في صلاتهم) قد كتب عليكم الصلاة تسع ركعات لله منزل الآيات حين الزوال و في البكور و الآصال، و عفونا عن عدة أخري أمرا في كتاب الله انه لهو الآمر المقتدر المختار (في قبلتهم) و اذا أردتم الصلاة و لوا وجوهكم شطري الأقدس المقام المقدس (أي عكاء) الذي جعله الله مطاف الملأ الأعلي و مقبل أهل مدائن البقاء و مصدر الأمر لمن في الأرضين و السموات (في صلاة ميتهم) قد نزلت في صلاة الميت ستة تكبيرات من الله منزل الآيات. و الذي عنده علم القراءة له أن يقرأ ما نزل قبلها و الا عفا الله عنه انه لهو العزيز الغفار. لا يبطل الشعر صلواتكم و لا ما منع عن الروح مثل العظام و غيرها، البسوا السمور كما تلبسون الخز و الديباج و ما دونهما انه ما نهي في الفرقان و لكن اشتبه علي العلماء انه لهو العزيز العلام (في أحكام صومهم و صلواتهم) قد فرض عليكم الصلاة و الصوم من أول البلوغ أمرا من لدي الله ربكم و رب آبائكم الأولين. من كان في نفسه ضعف من المرض أو الهرم عفا الله عنه فضلا من عنده انه لهو الغفور الكريم. قد أذن الله لكم السجود علي كل شي‌ء طاهر و رفعنا عنكم حكم الحد في الكتاب ان الله يعلم و أنتم لا تعلمون من لم يجد الماء يذكر خمس مرات «بسم الله الأطهر» ثم يشرع في العمل هذا ما حكم به مولي العالمين. و البلدان التي طالت فيها الليالي [ صفحه 272] و الأيام فليصلين بالساعات و المشاخص التي منها تحددت الأوقات انه لهو المبين الحكيم (في ابطال صلاة الآيات) قد عفونا عنكم صلاة الآيات اذا ظهرت أن اذكروا الله بالعظمة و الاقتدار انه هو السميع البصير. قولوا العظمة لله رب ما يري و ما لا يري رب العالمين (في ابطال صلاة الجماعة) كتب عليكم الصلاة فرادي قد رفع حكم الجماعة الا في صلاة الميت انه لهو الآمر الحكيم. قد عفا الله عن النساء حين يجدون الدم الصوم و الصلاة و لهن أن يتوضأن و يسبحن خمسا و تسعين مرة من زوال الي زوال «سبحان الله ذي الطلعة و الجمال» هذا ما قدر في الكتاب ان أنتم من العالمين. و لكم و لهن في الأسفار اذا نزلتم و استرحتم المقام الا من مكان كل صلاة سجدة واحدة و اذكروا فيها «سبحان الله ذي العظمة و الاجلال و الموهبة و الافضال» و الذي عجز يقول «سبحان الله» انه يكفيه بالحق انه لهو الكافي الباقي الغفور الرحيم. و بعد اتمام السجود لكم و لهن أن تقعدوا علي هيكل التوحيد و تقولوا ثمانية عشرة مرة «سبحان الله ذي الملك و الملكوت» كذلك يبين الله سبل الحق و الهدي و انها انتهت الي سبيل واحد و هو هذا الصراط المستقيم (في حجهم) قد حكم الله لمن استطاع منكم حج البيت (أي مدفنه بعكاء) دون النساء عفا الله عنهن رحمة من عنده انه لهو المعطي الوهاب (في أحكام نكاحهم) قد كتب الله عليكم النكاح اياكم أن تجاوزوا عن الاثنين، و الذي أقنع بواحدة من الاماء استراحت نفسه و نفسها، و من اتخذ بكرا لخدمته لا بأس عليه كذلك كان الأمر من قلم الوحي [ صفحه 273] بالحق مرقوما. تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي (يعني يذكره هو) هذا من أمري عليكم اتخذوه لأنفسكم معينا (الي أن يقول) انه قد حدد في البيان برضاء الطرفين (أي الزوج و الزوجة فقط) انا لما أردنا المحبة و الوداد و اتحاد العباد لذا علقناه باذن الأبوين بعد هما لئلا تقع بينهم الضغينة و البغضاء و لنا فيه مآرب أخري و كذلك كان الأمر مقضيا. لا يحقق الصهار، الا بالأمهار، قد قدر للمدن تسعة عشر مثقالا من الذهب الا بريز و للقري من الفضة، و من أراد الزيادة حرم عليه أن يتجاوز عن خمسة و تسعين مثقالا كذلك كان الأمر بالعز مسطورا. و الذي اقتنع بالدرجة الأولي خير له في الكتاب انه يغني من يشاء بأسباب السموات و الأرض و كان الله علي كل شي‌ء قديرا. قد كتب الله لكل عبد أراد الخروج من وطنه أن يجعل ميقاتا لصاحبته في أية مدة أراد ان أتي و وفي بالوعد انه اتبع أمر مولاه و كان من المحسنين من قلم الأمر مكتوبا. و الا ان اعتذر بعذر حقيقي فله أن يخبر قرينته و يكون في غاية الجهد للرجوع اليها و ان فات الأمران فلها تربص تسعة أشهر معدودات و بعد اكمالها لا بأس عليها في اختيار الزوج و ان صبرت انه يحب الصابرات و الصابرين، اعملوا أوامري و لا تتبعوا كل مشرك كان في اللوح أثيما. و ان أتي الخبر حين تربصها لها أن تأخذ المعروف انه أراد الاصلاح بين العباد و الاماء، اياكم أن ترتكبوا ما يحدث به العناء بينكم كذلك قضي الأمر و كان الوعد مأتيا. و ان أتاها خبر الموت أو القتل و ثبت بالشياع أو بالعدلين لها أن تلبث في البيت و اذا مضت أشهر معدودات لها الاختيار فيما تختار هذا ما حكم به من كان علي الأمر قويا. و ان حدث بينهما كدورة أو كره ليس له أن يطلقها و له أن يصبر سنة كاملة [ صفحه 274] لعله تسطع بينهما رائحة المحبة و ان كملت و ما فاحت فلا بأس في الطلاق انه كان علي كل شي‌ء حكيما. قد نهاكم الله عما عملتم بعد طلقات ثلاث فضلا من عنده لتكونوا من الشاكرين في لوح كان من قلم الأمر مسطورا. و الذي طلق له الاختيار في الرجوع بعد انقضاء كل شهر بالمودة و الرضاء ما لم تستحصن و اذا استحصنت تحقق الفصل بوصل آخر و قضي الأمر الا من بعد أمر مبين كذلك كان الأمر من مطلع الجمال في لوح الجلال بالاجلال مرقوما (يعني بمطلع الجمال نفسه) و الذي سافر و سافرت معه ثم حدث بينهما الاختلاف فله أن يؤتيها نفقة سنة كاملة و يرجعها الي المقر الذي خرجت عنه أن يسلمها بيد أمين و ما تحتاج به في السبيل ليبلغها الي محلها ان ربك يحكم كيف يشاء بسلطان كان علي العالمين محيطا. و التي طلقت بما ثبت عليها منكر لا نفقة لها أيام تربصها كذلك كان نيرالأمر من أفق العدل مشهودا. ان الله أحب الوصل و الوفاق، و أبغض الفصل و الطلاق، عاشروا يا قوم بالروح و الريحان، لعمري سيفني من في الامكان، و ما يبقي هو العمل الطيب و كان الله علي ما أقول شهيدا (في عدة الشهور عندهم) ان عدة الشهور تسعة عشر شهرا في كتاب الله قد زين أولها بهذا الاسم المهيمن علي العالمين (يعني اسمه هو). (قلت) اقتفي البهاء خطوات الباب في تقسيم السنة فجعلها تسعة عشر شهرا، و كل شهر تسعة عشر يوما، و سمي الأيام الباقية التي يتم بها الحول 366 يوما علي الحساب الشمسي و هي خمسة أيام «أيام الهاء» و هو مستفاد من طائفة الباطنية و لكن بتصرف يسير و جعل لكل شهر من شهور السنة اسما خاصا به: فالأول اسمه (بهاء) كما مر، و الثاني (جلال) و الثالث (جمال) و الرابع (عظمة) و الخامس [ صفحه 275] (نور) و السادس(رحمة) و السابع (كلمات) و الثامن (كمال) و التاسع (أسماء) و العاشر (عزة) و الحادي عشر (مشيئة) و الثاني عشر (علم) و الثالث عشر (قدرة) و الرابع عشر (قول) و الخامس عشر (سائل) و السادس عشر (شرف) و السابع عشر (سلطان) و الثامن عشر (ملك) و التاسع عشر (علاء) و به يتم الحول. و جعل لكل يوم من أيام الأسبوع اسما خاصا به أيضا: فالأول (جلال) و الثاني (جمال) و الثالث (كمال) و الرابع (فضال) و الخامس (عدال) و السادس (استجلال) و السابع (استقلال) و به تتم أيام الأسبوع و هذا مأخوذ عن قدماء الفرس اذ جعلوا لكل يوم من أيام الشهر الثلاثين اسما خاصا به فلا يعدون. ثم ان البهائيين يؤرخون و قائعهم هكذا: فيقولون - حدث ذلك في يوم كذا من ميلاد (حضرت أعلي، أو نقطة أولي، أو طلعت أعلي، أي المرزا علي محمد الباب) و كان ميلاده في أول المحرم سنة 1235، أوفي يوم كذا من بعثته (أي يوم قيامه بالدعوة الي الكفر) و كانت في 5 جمادي الأولي سنة 1260، أو شهادته (أي يوم هلاكه) و كانت في 28 شعبان سنة 1266 علي قولهم و في 27 شعبان سنة 1265 علي قول حكومة الفرس، أو ميلاد (جمال قدم، أو جمال مبارك، أي المرزا حسين علي البهاء) و كان في ثاني المحرم سنة 1233، أو ظهور (طلعت أبهي أي البهاء) و كان في 5 جمادي الأولي سنة 1269 المسماة (بعام بعد حين) أو هجرته (أعني نفيه) من دارالسلام (أي بغداد) و كنت في 15 ذي القعدة سنة 1279، أو وروده أرض السر (أي منفاه في أدرنة) و كان في أول رجب سنة 1280، أو وروده (أرض مقصود) أي معقله في عكاء و كان في 12 جمادي الأولي سنة 1285، أو صعوده (أي يوم هلاكه) و كان في الساعة الثانية بعد [ صفحه 276] نصف الليل من مساء يوم السبت ثاني ذي القعدة سنة 1309 الموافق 28 مايو سنة 1892 من الميلاد علي الحساب الغربي و 16 آيار سنة 1892 علي الحساب الشرقي. و هم ولعون ولعا شديدا بأن يوفقوا بحساب الجمل بين أسمائهم و الأسماء الحسني، أو بينها و بين أسماء الأنبياء و المرسلين، أو بين حوادثهم و بين الآيات و الأحاديث و أشعار المتصوفة ليستخلصوا منها ما يقيمون به الأدلة و البراهين علي صدق مزاعمهم و صحة دعاواهم، و يتباهون بذلك أشد المباهاة، كما يتباهون باستعمال الأسماء الغريبة المهجورة، و تسمية أنفسهم بها، كل علي قدره و مكانته، و هذا مأخوذ من اصطلاحات مجوس الفرس القدماء، و اليهود، و النصاري، و بعض المتصوفة، و الباطنية، و الدروز، و يعظمون العدد التاسع من طبقة الآحاد في الحساب و في التقسيم و في التسمية و غير ذلك، و هو مأخوذ عن قدماء الهنود و بعض متصوفة الاسلام فقد جاء في أشعارهم: (و كان ظهور الله في العدد الخمس) (و ان ظهور الحق بالعدد التسع). و لهم (أي البهائيين) في ذلك تفاسير عجيبة منها قولهم: «اذا ضربت عدد التسعة في العدد الخامس كان الحاصل خمسة و أربعين و اذا حسبت اسم آدم بالجمل كان مجموعه خمسة و أربعين أيضا، فجميع الأسماء التي علم الله آدم مندمجة تحت هذه الأعداد، و اذ كان اسم «البهاء» يبلغ بحساب الجمل تسعة فهو آدم الأول، و به ظهر الحق أو فيه ظهر الله» و هلم جرا. أعاذنا الله من هذا الكفر و الضلال (شهر صيامهم و عيد فطرهم) يا قلم الأعلي، قل يا ملأ الانشا، قد كتبنا عليكم الصيام أياما معدودات و جعلنا النيروز عيدا لكم بعد اكمالها كذلك أضاء شمس البيان (أي بيان الباب) من أفق الكتاب من لدن مالك المبدأ و المآب. و اجعلوا الأيام الزائدة عن الشهور قبل [ صفحه 277] شهر الصيام انا جعلناها مظاهر الهاء بين الليالي و الأيام. لذا ما تحددت بحدود السنة و الشهور. ينبغي لأهل البهاء أن يطعموا فيها أنفسهم و ذوي القربي ثم الفقراء و المساكين و يهللن و يكبرن و يسبحن و يمجدن ربهم بالفرح و الانبساط. و اذا تمت أيام الاعطاء قبل الامساك فليدخلن في الصيام كذلك حكم مولي الأنام. (قلت) يشير بهذه الجمل الي أنه أبقي حكم الباب في الصوم، و عيد الفطر، و أيام الهاء (و هي الأيام الخمسة المباحة) علي ما كان عليه بلا زيادة و لا نقص (راجع حكم الباب في الصفحة 229 من هذا الكتاب). (رجع) ليس علي المسافر و المريض و الحامل و المرضع من حرج، عفا الله عنهم فضلا من عنده انه لهو العزيز الوهاب. هذه حدود الله التي رقمت من القلم الأعلي في الزبر و الألواح. تمسكوا بأوامر الله و أحكامه و لا تكونوا من الذين أخذوا أصول أنفسهم و نبذوا أصول الله و راءهم بما اتبعوا الظنون و الأوهام. كقوا أنفسكم عن الأكل و الشرب من الطلوع الي الأفول اياكم أن يمنعكم الهوي عن هذا الفضل الذي قدر في الكتاب قد كتب لمن دان بالله الديان أن يغسل في كل يوم يديه ثم وجهه و يقعد مقبلا الي الله و يذكر خمسا و تسعين مرة «الله أبهي» كذلك حكم فاطر السماء (يعني بالسماء الدين) اذ استوي علي أعراش الأسماء بالعظمة و الاقتدار (في حكم الزاني و الزانية) قد حكم الله لكل زان و زانية دية مسلمة الي بيت العدل و هي تسعة مثاقيل من الذهب و ان عاد مرة أخري عودوا بضعف الجزاء، هذا ما حكم به مالك الأسماء في الأولي، و في الأخري قدر لها عذاب مهين. من ابتلي بمعصية فله أن يتوب و يرجع الي الله انه يغفر لمن يشاء و لا يسئل عما شاء انه لهو [ صفحه 278] التواب العزيز الحميد (في حكم السارق) قد كتب علي السارق النفي و الجبس و في الثالث فاجعلوا في جبينه علامة يعرف بها لئلا تقبله مدن الله و دياره، اياكم أن تأخذكم الرأفة في دين الله، اعملوا ما أمرتم به من لدن مشفق رحيم (في حكم القاتل و محرق البيوت عمدا) من أحرق بيتا متعمدا فأحرقوه. و من قتل نفسا عامدا فاقتلوه. خذوا سنن الله بأيادي القدرة و الاقتدار ثم اتركوا سنن الجاهلين. و ان تحكموا لها حبسا أبديا لا بأس عليكم في الكتاب انه لهو الحاكم علي ما يريد (في حكم الزكاة عندهم) و الذي يملك مائة مثقال من الذهب فتسعة عشر مثقالا لله فاطر الأرض و السماء اياكم يا قوم أن تمنعوا أنفسكم عن هذا الفضل العظيم (هذه هي الاتاوة التي يتقاضاها المرزا عباس سنويا من أتباعه) قد أمرناكم بهذا بعد اذ كنا أغنياء عنكم و عن كل من في السموات و الأرضين (الي أن يقول) يا قوم لا تخونوا في حقوق الله و لا تصرفوا فيها الا بعد اذنه (يعني اذنه هو) كذلك قضي الأمر في الألواح و في هذا اللوح المنيع (الي أن يقول) قد حضرت لدي العرش (يعني نفسه) عرائض شتي من الذين آمنوا و سألوا فيها الله رب ما يري و ما لا يري رب العالمين. لذا نزلنا اللوح بطراز الأمر لعل الناس بأحكام ربهم يعملون. و كذلك سئلنا من قبل في سنين متواليات، و أمسكنا القلم حكمة من لدنا الي أن حضرت كتب من أنفس معدودات في تلك الأيام، لذا أجبناهم بالحق بما تحيي به القلوب. (قلت) علق علي هذا مؤلف (مفتاح باب الأبواب) بقوله: «يظهر من هذه الأقوال أنه لولا الحاح المؤمنين به لما كان ينزل هذه الأحكام و ما كان يؤسس دينه و يلزم [ صفحه 279] عباده باتباعه. و هذا شأن بديع من الألوهية الجديدة يختلف عن شؤون الآلهة القديمة. عش رجبا ترعجبا» ا ه بحروفه (في تحريم زوجات آبائهم عليهم) قد حرمت عليكم أزواج آبائكم، انا نستحي أن نذكر حكم الغلمان، اتقوا الرحمن، يا ملأ الامكان، و لا ترتكبوا ما نهيتم عنه في اللوح، و لا تكونوا في هيماء الشهوات من الهائمين (قلت) علق مؤلف (مفتاح باب الأبواب) علي هذا بقوله: «ليت شعري هل التحريم واقع علي أزواج الآباء فقط دون سائر محرمات القرابة الأخري أم كيف؟ أو كما يقال في حقهم و العهدة عليهم من أنه لم يحرم عليهم غير الأم و زوج الأب، و يجوز عندهم نكاح ما لا يحوز عند اليهود و النصاري و المسلمين قاطبة من نكاح بناتهم و أخواتهم الخ. و تغيير هذا الحكم كان من ضمن أسباب الشقاق بين عباس افندي و شقيقه المرزا محمد علي اذ لم يرض الثاني ما أبطله الأول من أحكام أبيهما أو الههما فيما يتعلق بنكاح الأخت و غيرها من المحرمات و الله أعلم، فقاما يكفر بعضهما بعضا و انشقت بذلك عصا البابية البهائية و حلت عروة انفصامها. ثم لم نعلم سبب استحيائه عن ذكر حكم الغلمان بالتحليل أو التجويز أو التسويغ أو التقبيح أو التحريم حيث ان هذا الأمر الممقوت صار الآن في مقدمة آفات العمران و من أعظم مسودات وجه الانسانية و عمت بليته في الشرق و الغرب. فكيف يستحي عن التصريح بالتحليل أو التحريم به في هذا التشريع الجديد. ان كان قصده التحليل فأين مسوغاته و ان كان قصده التحريم. فأين أين توضيح العقاب و مجازاة الفاعلين. رضي الله عمن يحل لنا عن هاتين المشكلتين المعضلتين المذكورتين و يكون له الأجر و الثواب» ا ه بحروفه [ صفحه 280] (في شراب الخمر عندهم) ليس للعاقل أن يشرب ما يذهب به العقل و له أن يعمل ما ينبغي للانسان لا ما يرتكبه كل غافل مريب (قلت) يظهر من هذا التمويه أنه يحل الخمر ما لم تذهب بالعقل فتأمل... (في أن كل شي‌ء طاهر عندهم و لا نجاسة مطلقا) و كذلك رفع الله حكم دون الطهارة عن كل الأشياء و عن ملل أخري موهبة من الله انه لهو الغفور الكريم. قد انغمست الأشياء في بحر الطهارة في أول الرضوان اذ تجلينا علي من في الامكان باسمائنا الحسني و صفاتنا العليا هذا من فضلي الذي أحاط العالمين...!!! (في أن سماع الغناء مباح لهم) انا حللنا لكم اصغاء الأصوات و النغمات، اياكم أن يخرجكم الاصغاء عن شأن الأدب و الوقار، افرحوا بفرح اسمي الأعظم الذي به تولهت الأفئدة و انجذبت عقول المقربين. انا جعلناه مرقاة لعروج الأرواح الي الأفق الاعلي، لا تجعلوه جناح النفس و الهوي اني أعوذ أن تكونوا من الجاهلين (في اباحة أواني الذهب و الفضة لهم) من أراد أن يستعمل أواني الذهب و الفضة لا بأس عليه، اياكم أن تغمس أياديكم في الصحاف و الصحان، خذوا ما يكون أقرب الي اللطافة، انه أراد أن يربيكم علي آداب أهل الرضوان في ملكوته الممتنع المنيع (في تربية الأولاد عندهم) كتب علي كل أب تربية ابنه و بنته بالعلم و الخط و دونهما عما حدد في اللوح و الذي ترك ما أمر به فللأمناء أن يأخذوا منه ما يكون لازما لتربيتهما ان كان غنيا و الا يرجع الي بيت العدل (أي بيت‌المال) انا جعلناه مأوي الفقراء و المساكين. ان الذي ربي ابنه أو ابنا من الأبناء كأنه ربي أحد أبنائي عليه بهائي و عنايتي و رحمتي التي سبقت العالمين...!!! [ صفحه 281] (في بيت العدل عندهم) قد كتب الله علي كل مدينة أن يجعلوا فيها «بيت العدل» و يجتمع فيه النفوس علي عدد البهاء (أي تسعة أشخاص لاعتبارهم الهمزة واحدا) و ان ازداد لا بأس و يرون كأنهم يدخلون محضر الله العلي الأعلي و يرون من لا يري و ينبغي لهم أن يكونوا أمناء الرحمن بين الامكان و وكلاء الله لمن علي الأرض كلها و يشاوروا في مصالح العباد لوجه الله كما يشاورون في أمورهم و يختاروا ما هو المختار كذلك حكم ربكم العزيز الغفار. اياكم أو تدعوا ما هو المنصوص في النصوص في اللوح اتقوا الله يا أولي الأنظار (في أحكام الأوقاف عندهم) قد رجع الأوقاف المختصة للخيرات الي الله مظهر الآيات، ليس لأحد أن يتصرف فيها الا بعد اذن مطلع الوحي و من بعده يرجع الحكم الي الأغصان (أي أولاده) و من بعدهم الي بيت العدل ان تحقق أمره في البلاد (انه لفي شك من تحقيقه مريب، فما أجهل هذا الا له العجيب) ليصرفوها في البقاع المرتفعة في هذا الأمر و فيما أمروا به من لدن مقتدر قدير. و الا ترجع الي أهل البهاء الذين لا يتكلمون الا بعد اذنه و لا يحكمون الا بما حكم الله في هذا اللوح أولئك أولياء النصر بين السموات و الأرضين. ليصرفوها فيما حدد في الكتاب من لدن عزيز كريم (في الوصية عندهم) قد فرض بكل نفس كتاب الوصية و له أن يزين رأسه بالاسم الأعظم (يعني اسمه) و يعترف فيه بواحد نية الله في مظهر ظهوره (أي فيه و العياذ بالله) و يذكر فيه ما أراد من المعروف ليشهد له في عوالم الأمر و الخلق و يكون له كنزا عند ربه الحافظ الأمين (في أحكام الديات عندهم) قد أرجعنا ثلث الديات كلها الي مقر [ صفحه 282] العدل و نوصي رجاله بالعدل الخالص ليصرفوا ما اجتمع عندهم فيما أمروا به من لدن عليم حكيم. يا رجال العدل كونوا رعاة أغنام الله في مملكته، احفظوهم عن الذئاب الذين ظهروا بالأثواب كنا تحفظون أبناءكم كذلك ينصحكم الناصح الأمين. اذا اختلفتم في أمر فارجعوه الي الله (أي اليه) مادامت الشمس مشرقة من أفق هذا السماء (أي مادام حيا) و اذا غربت ارجعوا الي ما نزل من عنده انه ليكفي العالمين. قل يا قوم لا يأخذكم الاضطراب اذا غاب ملكوت ظهوري و سكنت أمواج بحر بياني ان في ظهوري لحكمة و في غيبتي حكمة أخري ما اطلع بها الا الله الفرد الخبير. و نريكم من أفقي الأبهي و ننصر من قام علي نصرة أمري بجنود من الملأ الأعلي (يعني أبناءه) و قبيل من الملائكة المقربين (يعني أتباعه و أهل ديانته) (في الأعياد عندهم) قد انتهت الأعياد الي العيدين الأعظمين: أما الأول أيام فيها تجلي الرحمن علي من في الامكان بأسمائه الحسني و صفاته العليا (أي يوم ميلاده) و الآخر يوم فيه بعثنا من بشر الناس بهذا الاسم (يعني اسمه) الذي قامت الأموات و حشر في السموات و الأرضين (أي يوم بعثه للباب) و الاخرين (؟) في يومين كذلك قضي الأمر من لدن آمر عليم (الي أن يقول) قل ان العيد الأعظم لسلطان الأعياد، اذكروا يا قوم نعمة الله عليكم اذ كنتم رقداء أيقظكم من نسمات الوحي و عرفكم سبيله الواضح المستقيم (قلت) سمي البهاء عيد ميلاده (عيد رضوان) و لا أعلم وجها لهذه التسمية، و هو يبتدي‌ء من عصر اليوم الثالث و الثلاثين لعيد النيروز عند الفرس و لعيد الفطر عند البابية و البهائية، و يمكث 21 يوما أجلها و أفضلها: اليوم الأول، و التاسع، و الثاني عشر، فقد حرم [ صفحه 283] عليهم فيها مباشرة أي عمل خلافا لغيرها من أيام العيد. أما عيد ميلاد الباب فهو في أول المحرم من كل عام هجري، و كانوا في أول نشأتهم يبجلون هذا العيد غاية التبجيل، ثم قل اعتبارهم له الآن. و للبهائيين عيدان آخران: الأول «عيد درويش» و يسمي «ليلة القدس» يقع كل عام في اليوم الثاني من شهر رجب الأصم و يمكث يوما و ليلة، و هو من مستحدثات البهاء، أحدثه تذكارا لنجاة (درويش) من وجوه أشياعه من سجن الحكومة، و تسلية له. و الثاني عيد استحدث بعد هلاك البهاء تذكارا لميلاد المرزا عباس، و يقع في اليوم الخامس من جمادي الأولي كل سنة، و لكنه لم ينتشر بين أفراد البهائيين حتي الآن. (في الحث علي بناء كعبتين له) و ارفعن البيتين في المقامين و المقامات التي فيها استقر عرش ربكم الرحمن (يعني نفسه) كذلك يأمركم مولي العارفين. اياكم أن تمنعكم شؤونات الأرض عما أمرتم به من لدن قوي أمين (في أنه واحد أحد ليس له شريك في الملك) ليس لمطلع الأمر شريك في العصمة الكبري، انه لمظهر يفعل ما يشاء، في ملكوت الانشاء، قد خص الله هذا المقام لنفسه و ما قدر لأحد نصيب من هذا الشأن العظيم المنيع هذا أمر الله قد كان مستورا في حجب الغيب أظهرناه في هذا الظهور و به خرقنا حجاب الذين ما عرفوا حكم الكتاب و كانوا من الغافلين...!! (في تصريحه بدعوي الألوهية) يا ملأ الانشاء، اسمعوا نداء مالك الأسماء، انه يناديكم من شطر سجنه الأعظم أنه لا اله الا انا المقتدر المتكبر المتسخر المتعالي العليم الحكيم، أنه لا اله الا هو المقتدر [ صفحه 284] علي العالمين. لو يشاء يأخذ العالم بحكمة من عنده، اياكم أن تتوقفوا في هذا الأمر الذي خضع له الملأ الأعلي، و أهل مدائن الأسماء، اتقوا الله و لا تكونن من المحتجبين. احرقوا الحجبات بنار حبي، و السبحات بهذا الاسم (يعني اسمه) الذي به سخرنا العالمين (قلت) و اقرأ تصريحه بالألوهية أيضا في الصفحة الرابعة عشرة من كتابنا هذا (في خطابه علماء أمته أو عباده أو مخلوقاته كما يقول) طوبي لكم يا معشر العلماء في البهاء، تالله أنتم أمواج البحر الأعظم و أنجم سماء الفضل و ألوية النصر بين السموات و الأرضين. أنتم مطالع الاستقامة بين البرية، و مشارق البيان لمن في الامكان، طوبي لمن أقبل اليكم ويل للمعرضين. ينبغي اليوم لمن شرب رحيق الحيوان، من يد ألطاف ربه الرحمن (يعني نفسه) أن يكون نباضا كالشريان، في جسد الامكان، ليحرك به العالم و كل عظم رميم. يا أهل الانشاء، اذا طارت الورقاء، عن أيك الثناء، و قصدت المقصد الأقصي الأخفي ارجعوا لما لا عرفتموه من الكتاب الي الفرع المنشعب من هذا الأصل القديم. (قلت) يريد بالورقاء نفسه، و بالفرع ابنه المرزا عباس، و بالأصل القديم، أنه رب العالمين، أعاذنا الله من هذا الضلال المبين (في خطابه علماء الاسلام) قل يا معشر العلماء لا تزنوا كتاب الله بما عندكم من القواعد و العلوم، انه لقسطاس الحق بين الخلق قد يوزن ما عند الأمم بهاذا القسطاس الأعظم و انه بنفسه لو أنتم تعلمون. تبكي عليكم عين عنايتي لانكم ما عرفتم الذي دعوتموه في العشي و الاشراق و في كل أصيل و بكور. توجهوا يا قوم بوجوه بيضاء، و قلوب نوراء، الي البقعة المباركة الحمراء (أي عكاء) التي فيها تنادي سدرة المنتهي: أنه لا اله الا أنا المهيمن القيوم (يعني نفسه) [ صفحه 285] يا معشر العلماء! هل يقدر أحد منكم أن يستن معي في ميدان المكاشفة و العرفان، أو يجول في مضمار الحكمة و التبيان، لا و ربي الرحمن، كل من عليها فان، و هذا وجه ربكم المحبوب (يعني نفسه). يا قوم: انا قدرنا العلوم، لعرفان المعلوم، و أنتم احتجبتم بها عن مشرقها (أي هو) الذي به ظهر كل أمر مكنون. لو عرفتم الأفق الذي أشرقت منه شمس الكلام لنبذتم الأنام و ما عندهم و أقبلتم الي المقام المحمود. قل هذه سماء فيها كنز أم الكتاب لو أنتم تعقلون (يريد بالسماء شريعته). هذا لهو الذي به صاحت الصخرة، و نادت السدرة علي الطور المرتفع علي الأرض المباركة: الملك لله الملك العزيز الودود (يعني نفسه و العياذ بالله) (في خطابه الملوك و السلاطين) يا معشر الملوك! قد اتي المالك و الملك لله المهيمن القيوم. ألا تعبدوا الا الله و توجهوا بقلوب نوراء الي وجه ربكم مالك الأسماء، هذا أمر لا يعادله ما عندكم لو أنتم تعرفون (قلت) يريد الله، و المالك، و المهيمن القيوم، و وجه الرب، نفسه أعاذنا الله من ذلك (قال) انا نراكم تفرحون بما جمعتموه لغيركم و تمنعون أنفسكم عن العوالم التي لم يحصيها الا الوحي المحفوظ. قد شغلتكم الأموال عن المآل هذا لا ينغبي لكم لو أنتم تعرفون. طهروا قلوبكم عن ذفر الدنيا مسرعين الي ملكوت ربكم فاطر الأرض و السماء (يعني نفسه) الذي به ظهرت الزلازل و ناحت القبائل الا من نبذ الوري و أخذ ما أمر به في لوح مكنون. هذا يوم فاز فيه الكليم بأنوار القديم و شرب زلال الوصال من هذا القدح الذي به سجرت البحور (قلت) يريد بالقديم نفسه، و بالبحور الأديان، و بتسجيرها فناءها تلقاء دينه الذي كني عنه بالقدح، و نسخها به (رجع) قل تالله الحق ان الطور يطوف حول مطلع الظهور (أي حوله) [ صفحه 286] و الروح ينادي من الملكوت هلموا و تعالوا يا أبناء الغرور. هذا يوم فيه «سرع كوم الله» (هكذا في الأصل) شوقا للقائه، و صاح «الصهيون» قد أتي الوعد و ظهر ما هو المكتوب في ألواح الله المتعالي العزيز المحبوب (قلت) يشير بهذه الجمل ال أن موسي و عيسي و جميع الأنبياء و المرسلين من آدم الي الخاتم صلوات الله عليهم أجمعين قد و عدوا به في كتبهم المنزلة و بشروا بظهوره في صحفهم الموحاة و أنه قد تحقق اليوم ما وعدوا به و بشروا (رجع) يا معشر الملوك! قد نزل الناموس الأكبر في المنظر الأنور (أي فيه) و ظهر كل أمر مستتر، من لدن مالك القدر، الذي به أتت الساعة و انشق القمر، و فصل كل أمر محتوم. يا معشر الملوك! أنتم المماليك، قد ظهر المالك با حسن الطراز، و يدعوكم الي نفسه المهيمن القيوم. اياكم أن يمنعكم الغرور، عن مشرق الظهور، أو تحجبكم الدنيا، عن فاطر السما، قوموا علي خدمة المقصود الذي خلقكم بكلمة من عنده، و جعلكم مظاهر القدرة لما كان و يكون (قلت) يعني نفسه بالمالك، و المهيمن القيوم، و مشرق الظهور، و مالك القدر، و فاطر السماء، و المقصود الذي خلقهم بكلمة من عنده. أعاذنا الله من هذا الكفر (رجع) تالله لا نريد أن نتصرف في ممالكم بل جئنا لتصرف القلوب. انها لمنظر «البهاء» يشهد بذلك ملكوت الأسماء لو أنتم تفقهون. و الذي اتبع مولاه (أي هو) انه أعرض علي الدنيا كلها و كيف هذا المقام المحمود. دعوا البيت ثم أقبلوا الي الملكوت (أي دينه) هذا ما ينفعكم في الآخرة و الأولي يشهد بذلك مالك الجبروت لو أنتم تعلمون. طوبي لملك قام علي نصرة أمري في مملكتي و انقطع عن سؤالي انه من أصحاب السفينة الحمراء التي جعلها الله لأهل البهاء، ينبغي لكل أن يعز زوه و يوقروه و ينصروه ليفتح [ صفحه 287] المدن بمفاتيح اسمي المهيمن علي من في ممالك الغيب و الشهود. انه بمنزلة البصر للبشر، و الغرة الغراء لجبين الانشاء، و رأس الكرم لجسد العالم، انصروه يا أهل البهاء بالأموال و النفوس... (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب)

طرف آخر من مفتريات البهاء

اشاره

تذكر في هذا الفصل نتفا من رسالة له في كتابه (الألواح يجيب بها علي كتاب أرسله اليه بعضهم، و يعترض علي البابية الأزلية، و يرميهم بالكفر و الضلال. و اليك هي منقولة عن كتاب (مفتاح باب الأبواب) الآنف الذكر. قال: بسم الله الأقدس الأعظم الأعلي ورد مكتوب ذلك «الجناب» الي المنظر الأكبر (أي الي محضره) و تضوع من قميص كلماته نفحات حب مالك الأسماء و الصفات. (يعني نفسه) (الي أن يقول) انهم (أي الأزل و أتباعه) أهمج من همح رعاع، و أغفل من كل غافل، و أبعد من كل بعيد، و أجهل من كل جاهل. ذروهم يا قوم بأنفسهم ليخوضوا في هوائهم، و يلعبوا بما عندهم (الي أن يقول) لعنهم الله فسوف يرجعهم الله الي مقرهم في الهاوية، و لا يجدن لأنفسهم من حميم (الي أن يقول) و أما ما سألت في رزق (كذا و لعلها فرق) «القائم و القيوم» فاعلم بأن الفرق بين الاسمين ما يري بين الأعظم و العظيم. و هذا ما بينه محبوبي [ صفحه 288] (أي الباب) من قبل (أي في كتابه المسمي بالأسماء القدسية) و ان ذكرناه في كتاب بديع. و ما أراد بذلك الا أن يخبر الناس بأن الذي «يظهر» انه أعظم عما «ظهر» و هو القيوم علي القائم و هذا لهو الحق يشهد به لسان الرحمن في جبروت «البيان» اعرف ثم استغن به عن العالمين. و اذا ينادي القائم عن يمين العرش و يقول يا ملأ البيان (أي البابية الأزلية) تالله هذا لهو القيوم (يعني نفسه) قد جاءكم بسلطان مبين. و هذا لهو الأعظم الذي سجد لوجهه كل أعظم و عظيم. و ما استعلي الاسم الأعظم الا لتعظيمه عند ظهورات سلطنته، و ما غلب القيوم الا لفنائه في ساحته، كذلك كان الأمر و لكن الناس هم محتجبون. هل يعقل أصرح مما نزل في «البيان» في ذكر هذا الظهور، مع ذلك فانظر ما فعل المشركون. قل يا قوم هذا لهو القيوم قد وقع تحت أظفاركم ان لا ترحموه فارحموا أنفسكم تالله الحق هذا الجمال المعلوم. و به ما ظهر هو المرقوم في لوح مسطور اياكم أن تتمسكوا الذي كفر بلقائه و آياته و كان من المشركين (يريد أخاه صبح أزل) في كتاب كان بأصبع الحق مرقوما. أيقن بأنه ما أراد الا أعظمية هذا الظهور، علي المذكور و المستور، و استعلاء هذا الاسم علي كل أسماء، و سلطانه علي من في الأرض و السماء، و عظمته و اقتداره علي الأشياء، و بظهوره (أي ظهوره هو) شهدت الممكنات بأنه هو الظاهر فوق كل شي‌ء، و ببطونه شهدت الذرات بأنه هو الباطن المقدس عن كل شي‌ء، و يطلق عليه اسم الظاهر لانه يري بأسمائه و صفاته و يعرف بأنه «لا اله الا هو» و يطلق عليه اسم الباطن لانه لا يوصف بوصف ولا يعرف بما ذكر، لأن ما ذكر هو احداثه في عالم الذكر فتعالي من أن يعرف بالذكر، أو يدرك بفكر [ صفحه 289] ظاهره نفس باطنه في حين يسمي باسمه الظاهر يدعي باسمه الباطن، و انه لأيعرف بالأفكار و لا يدرك بالابصار علي ما هو عليه من علو علوه و سمو سموه انه لبالمنظر الأعلي و الأفق الأبهي و يقول قد خسر الذين كفروا بالذي باسمه (أي باسمه هو) زينت الصحيفة المكنونة، و ظهرت طلعة الأحدية، و نصبت راية الربوبية، و رفع خباء الألوهية، و تموج بحر القدم، و ظهر السر المستسر المقنع بالسر الأعظم، فوعمره ان البيان قد عجز عن بيانه، و التبيان عن عرفانه، فتعالي هذا القيوم (يعني نفسه) الذي به خرق الحجاب الموهوم، و كشف المكتوم، و فك اناء المختوم، فو نفسه الرحمن ان البيان ينوح و يقول: أي رب! (يريد نفسه) نزلتني لذكرك و ثنائك و عرفان نفسك و الذي كان قائما بأمرك (أي الباب) أمر العباد بألا يحتجبوا بي و بما خلق عن جمالك القيوم. و لكن القوم حرفوا ما نزل في في اثبات حقك و اعلاء ذكرك و كفروا بك و بآياتك و جعلوني جنة لأنفسهم و بها يعترضون عليك بعد اذ ما نزلت كلمة الا و قد نزلت لاعلاء أمرك و اظهار سلطنتك و علو قدرك و سمو مقامك فياليت ما نزلت و ما ذكرت. و عزتك لو تجعلني معدوما لأحسن عندي أن أكون موجودا و يقرأني عبادك الذين قاموا علي ضرك و أرادوا في حقك ما أرادوا. أسألك بقدرتك التي أحاطت الممكنات أن تخلصني من هؤلاء الفجار (أي البابية الأزلية) لأحكي عن جمالك يا من بيده ملكوت القدرة و جبروت الاختيار... (الي أن يقول) فاعلم بأن الفرق في العدد «أربعة عشر» و هذا عدد «البهاء» اذ تحسب الهمزة ستة لأن شكلها ستة في قاعدة الهندسة (الستة بالرقم تكتب عند الفرس هكذا «ء» أي بشكل الهمزة). و لو تقرر القائم اذا تجد [ صفحه 290] الفرق «خمسة» و هي الهاء في البهاء. و في هذا المقام يستوي «القيوم» علي عرش اسمه «القائم» كما استوي «الهاء» علي «الواو» و في مقام لا تحسب همزة القائم ستة علي حساب الهندسة يصير الفرق «تسعة» و هو هذا الاسم أيضا. و بهذه التسعة أراد جل ذكره (أي المرزا حسين علي البهاء) ظهور التسع في مقام هذا ما تري الفرق في ظاهر الاسمين. و انا اختصرنا البيان لك و انك لو تفكر لتخرج مما ذكرناه لك و ألقيناه عليك ما تقر به عينك و عيون الموحدين. فوعمري ان هذا الفرق لآية عظمي للذين هم طاروا الي سماء البهاء (يريد بالسماء دينه) و بما استدللنا لك في الظاهر يحقق بأن المقصود في الباطن قيومية اسم القيوم علي القائم اعرف و كن من الحافظين. و انا سترنا هذا الذكر و غطيناه عن أبصار من في البيان (أي بيان الباب) اذا كشفناه لك لتكون من الشاكرين. و قل أن الحمد لله رب العالمين. (الي أن يقول)

جواب البهاء لبعض القساوسة

و في هذا المقام نذكر بعض ما نزل من سماء مشيئة الرحمن علي جواب سؤال أحد القسس من سكان المدينة الكبيرة (أي القسطنطينية) لعل بعض من العباد يطلع علي بعض الحكم البالغة الالهية المستورة عن الأبصار. قوله تعالي (أي قوله هو) قد حضر كتابك في ملكوت ربك الرحمن، و أخذناه بروح و ريحان، و أجبناك قبل السؤال، فكر لتعرف و هذا من فضل ربك العزيز المستعان. طوبي لك بما فزت بذلك و لو هو مستور، فسوف يكشف لك اذا شاء الله و أراد و تري ما لا رأت العيون. يا أيها المتغمس في بحر العرفان! و الناظر الي شطر ربك الرحمن (يعني نفسه) اعلم بأن الأمر عظيم عظيم. انظر ثم اذكر [ صفحه 291] الذي سمي «ببطرس» في ملكوت الله انه مع علو شأنه و جلالة قدره و عظم مقامه كاد أن تزل قدماه عن الصراط فأخذته يد الفضل و عصمه من الزلل و جعله من الموقنين. انك لو تعرف هذه النغمة التي هدرت بها الورقاء علي.فنان سدرة المنتهي لتوقن بأن ما ذكر من قبل (أي الوعد بظهوره علي ما يزعم) قد كمل بالحق، و اذا يؤكل في ملكوت الله من النعمة الباقية الأبدية و يشرب من كوثر الحقائق و سلسبيل المعاني و لكن الناس في حجاب عظيم. ان الذين سمعوا هذا النداء (أي نداءه) و غفلوا عنه انهم لو كانوا عدما لخير لهم من أن يتوقفوا في هذا الأمر و لكن ظهر ما ظهر و قضي الأمر من لدي الله المقتدر العزيز المختار. قل يا قوم قد جاء الروح (يعني نفسه) مرة أخري ليتم لكم ما قال من قبل (أي لما ظهر هو بصورة المسيح) كذلك وعدتم به في الألواح ان كنتم من العارفين. انه يقول كما قال و أنفق روحه كما أنفق أول مرة حبا لمن في السموات و الأرض. ثم اعلم بأن الابن اذ «أسلم الروح» قد بكت الاشياء كلها و لكن «بانفاقه روحه» قد استعد كل شي‌ء كما تشهد و تري في الخلائق أجمعين كل حكيم ظهرت منه الحكمة، و كل عالم فصلت منه العلوم، و كل صانع ظهرت منه الصنائع، و كل سلطان ظهرت منه القدرة، كلها من تأييد روحهه المتعالي «المتصرف» المنير. و نشهد بأنه حين اذ أتي في العالم تجلي علي الممكنات و به طهر كل أبرص عن داء الجهل و العمي، و بري‌ء كل سقيم الغفلة و الهوي، و فتحت عين كل عمي، و تزكت كل نفس من لدن مقتدر قدير. و في مقام يطلق البرص علي كل ما يحتجب به العبد عن عرفان ربه، و الذي احتجب انه أبرص و لا يذكر في ملكوت الله العزيز الحميد. و انا نشهد بأن من كلمة الله طهر [ صفحه 292] كل أبرص، و بري‌ء كل عليل، و طاب كل مريض، و انها المطهر العالم، طوبي لمن أقبل اليها بوجه منير (قلت) تري في هذه الجمل المفتعلة علي الله تعالي اقرارا واضحا جليا يخالف ضريح القرآن، و يوافق النصاري و اليهود علي القول بصلب المسيح صلوات الله عليه. بل اقرارا بنكران معاجزه التي أيده بها الديان. و تأويلها الي معان يتبرأ منها الكتاب و اللسان. بل اقرارا بأنه ولد الرحمن. بل مظهره المتصرف في الخلق و الاكوان. (تعالي جد ربنا ما اتخذ صاحبة و لا ولدا) تفرد بالوحدانية فكان فردا صمدا. فمن شبهه أو مثله فقد استحق عذابا رصدا. و من ألحد في آياته فلن تجد له من دونه ملتحدا (رجع) ثم اعلم بأن الذي صعد الي السماء قد نزل بالحق و به مرت روائح الفضل علي العالم و كان ربك علي ما أقول شهيدا. قد تعطر العالم برجوعه و ظهوره (يعني رجوعه هو و ظهوره هو) و الذين اشتغلوا بالدنيا و زخرفها لا يجدون عرف القميص و انا وجدناهم علي و هم عظيم. قل ان الناقوس يصيح باسمه و الناقور بذكره و يشهد نفسه لنفسه طوبي للعارفين. و لكن اليوم قد بري‌ء «الأبرص» قبل أن يقول له «كن طاهرا» و ان بظهوره (يعني ظهور نفسه) قد بري‌ء العالم و أهله من كل داء و سقم، تعالي هذا الفضل الذي ما سبقه فضل، و تعالت هذه الرحمة التي سبقت العالمين. انك يا أيها المذكور في ملكوت الله استقدر (هكذا في الأصل) من ربك قم و قل يا ملأ العالم: قد جاء محيي العالم، و مضرم النار في قلب العالم (يعني بذلك نفسه) و قد نادي المنادي في برية القدس باسم «علي قبل نبيل» [24] و بشر الناس بلقاء الله [ صفحه 293] (أي بلقاء البهاء) في جنة الأبهي و قد فتح بابها بالفضل وجوه المقبلين. و قد كمل ما رقم من القلم الأعلي في ملكوت الله رب الآخرة و الأولي و الذي اراده يأكله و انه لرزق بديع. قل قد ظهر للناس الأعظم و تدقه يد المشيئة في جنة الأحدية استمعوا يا قوم و لا تكونن من الغافلين. ا ه (فانها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور)

خزعبلات صبح أزل

اشاره

نذكر في هذا الفصل نبذا من مفتريات صبح أزل علي الله تعالي في كتابه الذي انتهج فيه منهج القرآن في ترتيب الآيات و السور علي ما يزعم ليعلم منها مدعيات الرجل و ترهاته. و اليك هي منقولة بنصها و فصها و كفرها و لحنها في كتاب (مفتاح باب الأبواب) قال: بسم الله الرحمن الرحيم - انا أعطيناك الحكم في كل شي‌ء علي أمر مستتر، و انه لكتاب مقدر نزل فيه أحكام كل شي‌ء و لدينا حكمه [ صفحه 294] مستقر، ينقل عليكم آيات الله لتعلموا أن الله يحكم بينكم علي لوح من قدر، و ان لكل أجل في كتاب ربك لا يتقدم نفس عنه و ما لنا حكم أن يتأخر، كذلك من أنباء القوي نقص عليكم لتعلم حكم الله كل أمر مستتر (و قال) بسم الله الرحمن الرحيم - قل لو نزلنا آية علي الجبال لرأيتموها مندكة من خشية الله و انكم تقرأون آيات الله و لا تؤمنون أن اتقوا الله و لا تشركوا بالله و أنتم تفلحون (و قال) و لقد جاءكم نورين من لدنا بالحق مصدقا لما معكم من الكتاب أن اتقوا الله و لا تتخذوا العجل (يعني أخاه البهاء) من بعده و أنتم تعلمون. خذوا ما أظهرنا بقوة ثم أعرضوا عن الاثم لعلكم ترحمون. انه الذين يتخذون العجل من بعد نور الله أولئك هم المشركون (و قال) بسم الله الرحمن الرحيم المر. قد ما نزلت عليك الآيات الا ليعلم الناس ان ربك لغني حليم. و ان من بدع آيات و ما نزل عليك من كتاب الله آيات لكل أواب عليم (وقال) بسم الله الرحمن الرحيم - سبحان الذي نزل الكتاب بالحق فيه آيات اللوح هدي و بشري لقوم يسمعون. أن اتبع حكم ربك لا اله الا هو كل اليه يرجعون. و ان في الحين قد خرجن الحوريات من قصر بحكم ربك العزيز الحميد. و ان من دعائهن قل هذا الحرف قلما جاء الرجال الذين يقاتلون من الله بالحق فانا نحن لفائزون و ان وعد الله المفعول. قل الحكم في اليوم الأمر كان من لدي لمشهودا، أن ارجعن و سبحن رب الخلق الذي بيده ملكوت كل شي‌ء، و انه لا اله الا هو الغني الحميد (و قال) قاتلوا الذين كفروا بنور الله حتي لا تكون بينكم فتنة و لعلكم لا تبتلون. و أن استعينوا بالله يوم البيان يوم التقاء الجمعاء حينئذ علي العرش استوي الرحمن اتقوا الله و ثم تتقون. ما يفصل الله بينكم بالحق فويلكم كيف [ صفحه 295] لا تعقلون، اتقوا الله و آمنوا بآيات الله لعلكم ترحمون، ان الله لم يك مغيرا نعمة حتي تغيروا ما بأنفسكم و انه شهيد علي ما كنتم تعملون. و حرض الذين آمنوا أن يقتلوا المشركين كافة و ينصرون الله و نوره لو كانوا موقنون. ان يكن منكم خالصا في الحق يغلب علي من في الأرض ان أنتم قليلا ما تشعرون. هذا اذن الله و لا توه (كذا في الأصل) و ذلك وجه الله طالعة في السماء لم يك فيه من خوف أفلا تذكرون. قاتلوا الذين كفروا حيث وجدتموهم و لا تقبلن منهم فدية و لا الجزية لعلكم بأمر الله تعملون. و ان تابوا و أنابوا الي الله من قبل يوم البطش ليغفر الله لهم بفضله و ليؤتهم ما كل به يشكرون. اه

شذيرة من تأبينه للباب عقب مقتله

بسم الله المقتدر المحبوب العزيز الشهيد، البهاء من الله عليك و من نفسك أيها الكينونة القدم، و الذاتية الأول... كيف أسميك يا سيدي بعد أني أعلم حد نفسي فانها معدومة تلقاء عرش قربك، و مفقودة لدي ظهور قدسك، فانني لم أقدر أذكرك قدر شي‌ء: لا بالوصف، و لا بالبيان، و لا بالذكر، و لا بالتبيان. فآه آه بكت السموات و ما فيهن. فآه آه بكت الأرضين و ما عليهن. فآه آه بكت ما في الملكوت العلي، و ما في الجنات و ما بينهن. فآه آه كيف أذكر ما جري عليك و قضي فيك ولديك، فوحقك يا سيدي انني لم أقدر أن أذكر كما جري فآه آه كيف أذكر طرزا من مخزونات سرك أو أشير الي مكنونات حكمك، تالله و حقك قد كال (هكذا في الأصل و لعلها كل) لساني عن البيان، فانما فوضت أمري الي الله ربي ذو الجود و الاحسان، فآه آه يا محبوب ان كنت مذنبا فالي أين مهربي. فآه آه يا مطلوب ان [ صفحه 296] كنت معصيا (هكذا في الأصل و لعله عاصيا) فالي أين ملجئي. فآه آه ان تطردني يا سيدي العلي فالي أين أفر من سطوتك، و ان أنت تخذلني يا محبوبي الوفي فالي أين أهرب من خشيتك، لا و حقك يا مقصدي ان تطردني و تخذلني لم أربابا مفتوحة غيرك، و لا محبوبا سواك، و لا مولي كريما دونك، استغفرك يا سيدي، و أتوب اليك فآه آه و كيف أذكر يا سيدي شقاوة نفسي فانها ما عملت الا خطاء، و كيف أعلن ما في ضميري فانني ما فعلت الا ذنبا و اثما. فآه آه، فواسوءتاه أين أهرب يا مليك ذاتيتي... فآه و ألف آه أين أفر يا سلطان كينونتي فآه آه سيدي مصيبتك أطفت نور ذاتي...فآه آه سيدي مصيبتك تضج المؤمنين اليك بالضجيج... فآه آه سيدي مصيبتك تصرخ المهتدين لديك بالصريح الخ. (من يهد فهو المهتدي و من يضلل فأولئك هم الخاسرون)

البهائية في أمريكا

(نقلا عن كتاب مفتاح باب الأبواب) بعد موت البهاء ببرهة و جيزة كان في مصر رجل سوري مسيحي اسمه «ابراهيم خير الله» و كان صديقا لنا (أي لمؤلف مفتاح باب الأبواب) منذ خمس و عشرين سنة، و كان يشتغل بالترجمة و التجارة ثم اشتغل بالزراعة، و كان النحس ملازما له في كل هذه الأحوال فتعرف أخيرا بالحاج عبدالكريم الطهراني أحد عمداء البابية البهائية بمصر، و مال الي البابية، و تشاورا مليا في طريق لخدمتها، و اتفقا [ صفحه 297] اخيرا بأن يذهب ابراهيم الي «نيويورك» و يدعو الناس الي دين البابية (أي البابية البهائية) علي أن يقوم الحاج عبدالكريم بمصاريف السفر، فبذل له الحاج عبدالكريم المال بعد استئذانه من العباس، و زوده بالتعاليم الجديدة. فذهب الرجل و قام بأعباء أمر الدعوة، اذ كان ذلق اللسان، قوي الجنان، فمالت اليه احدي الغنيات من العجائز الأمريكيات، فشوقها لزيارة قبر البهاء، و ملاقاة العباس بعكاء فسافرت الغنية الي عكاء، و وثقت ايمانها هناك، و تبرعت بخمسمائة ليرة انجليزية ليشيد بها قبر البهاء، و عرجت في عودتها علي مصر، و مكثت فيها ردحا من الزمن، و عرفناها حنيئذ، ثم سافرت الي بلدها، وسعت مع ابراهيم ببث تعاليم البهاء في الأمريكيين، فمال اليها عدد قليل، اذ قلما يدعو أحد الي شي‌ء فلا يجاب بالمرة. وعد ابراهيم قبولهم هذا اقبالا علي نفسه، فطفق يستغلهم، و يأخذ منهم الدنانير بكل اسم و رسم، و هم بين يديه كالميت بين يدي الغاسل. و لما جمع و ادخر نحو ثلاثة آلاف من الليرات، بلغ مسامع الحاج عبدالكريم خبر هذه التجارة الجديدة الرابحة، فطلب منه قسمته، فرفض ابراهيم المقاسمة، فتمكن الحاج عبدالكريم من اصدار أمر له من العباس بأن يسافر الي أمريكا، و يناقش الرجل الحساب. و لما وصل «نيويورك» و سمع ابراهيم. بما كان من الخلاف بين العباس و أخيه (راجع الصفحة السادسة عشرة من كتابنا هذا) اغتنم ذلك فرصة ثمينة لاختلاس النقود، فأظهر التشيع للمرزا محمد علي، و قام بتكفير العباس، و رماه بالمروق من الدين الجديد، و قام يدعو الناس الي المرزا محمد علي. فوقع الشغب بين البابية (أي البابية البهائية) و أرسلت الرسائل من المرزا محمد علي لابراهيم، و أظهر بها مساوي العباس [ صفحه 298] فانقسم القوم الي قسمين، و لاح بذلك نجم سعد الحاج عبدالكريم، اذ مال اليه نفر من أغنياء الأمريكانيين، و أخذ منهم نحو بضعة آلاف من الليرات لكي يستعين بها علي تقوية أمر العباس، فأخذها و عاد بها الي القاهرة. و لما طاب له المقام بها، رغب بغتة عن البابية (أي البابية البهائي) و دينها، و كفر بالباب و البهاء و العباس، و رجع الي الاسلام، و أخذ مع نجله محمد حسن يعددان مساوي‌ء البابية، و يظهران قبائح أعمالهم، اذ أنه من قدماء البابية و يعلم منها ما ظهر و ما بطن. فقامت قيامة البابية، و بذلوا كل مرتخص و غال لكي يعدل الرجل عن تعداد المساوي‌ء، أو يسكت عنها علي الأقل، و لم يزد الرجل الا هياجا، و لما يئسوا منه أشاعوا أنه قد جن. فمكث الرجل مسلما مع نجله الموجود الآن بمصر مدة حتي توفي أخيرا و له من العمر نحو مائة سنة. و كان انحراف ابراهيم عن العباس، و اسلام الحاج عبدالكريم، ضربة قوية علي البهائية. صبر العباس علي هذه الأحوال و الأهوال زمنا، ثم قام أخيرا يثير تعصب رجل يدعي بالحاج المرزا حسن الخراساني [25] . أحد عمداء [ صفحه 299] البابية بمصر، و يدفعه للسفر الي أمريكا لرأب هذا الصدع. فلبي الأمر بالطاعة و القبول، و أخذ حسين روحي بن الحاج الملا علي التبريزي مترجما له، و ذهب الي أمريكا، و مكث هناك مدة، و سعي أولا بارجاع ابراهيم الي العباس فلم ينجح في مسعاه، فتشاغل برهة باظهار و اثبات تقديس العباس لدي محبيه فخاب و لم يفلح، فقفل راجعا الي مصر، و أصيب بالذهول، و هو الآن تحت المعالجة بمصر (شفي بعد ذلك بزمن و عاد الي زعامته علي البهائية العباسية و لا يزال كذلك حتي اليوم) ثم أرسل العباس المرزا أسد الله، و علي قلي خان، و المرزا أباالفضل مؤلف كتابي «الدرر البهية و الفرائد» الي شيكاغو لا ذاعة أمر الدعوة [ صفحه 300] البابية (أي البابية البهائية العباسية) و أسسوا هناك حديقة سموها بما معناه «عكاء الخضراء» فهم يجتمعون فيها في أوقات معينة، و يرتلون ألواح البهاء، و يزمزمون بأقواله (قلت) و علي ذكر المرزا حسن الخراساني، و حسين روحي، و المرزا أبي‌الفضل الجرفادقاني، أدعوك أيها الأخ المؤمن بالله و رسوله أن تراجع الصفحات (21 و 22 و 23 و 24 و 25) من كتابنا هذا، لتكون علي حذر من مكرهم، أنجاك الله من كيدهم (رجع) قال مؤلف (مفتاح باب الأبواب): و لا يعتمد علي ما يزعمون من أنهم أمالوا بضع مئات أو ألوفا من الأمريكيين، لأن الحقيقة هي التي ذكرناها في كتابنا هذا بعد استقصاء عميق، و استقراء طويل. ا ه بحروفه (قلت) ذكر قبل هذا الفصل من كتابه المذكور أن «البابية الخلص» و هم الذين استمسكوا بأضاليل الباب، و رفضوا أباطيل سواه، يبلغون نحو مائتين، مقرهم في البلاد الايرانية دون غيرها. و أن «البابية الأزلية» و هم شيعة المرزا صبح أزل، يتجاوزون الألفين بقليل، و مقرهم في فارس و غيرها، و يزعمون أن الأزل هو مصداق ما ورد في «البيان» من قوله «من يظهره الله أن من يريده الله» و يؤيدون مزاعمهم بكتب لديهم بعث بها البهاء و الباب الي ضبح أزل، و يستدلون بها علي افك البهاء و بطلان دعواه، و هم يتظاهرون كالبهائيين بالاسلام، و تبرأون من الباب و البابية، و يعملون بالتقية، يصلون، و يصومون، و يقومون بجميع ما فرصه الدين الاسلامي رثاءا و نفاقا، و يكفرون البهاء و أتباعه و يلعنونهم في الظاهر و الباطن، و يستبيحون من المسلمين و البهائيين أموالهم و أرواحهم و أعراضهم ما وجدوا الي ذلك سبيلا، و يستعينون علي ادراك غاياتهم و قضاء [ صفحه 301] لياناتهم بالصبر و الكتمان و شدة الحذر، و لهم رموز و اشارات خاصة بهم لا يعلمها سواهم يعرفون بها بعضهم بعضا أما «البابية البهائية» و هم أتباع البهاء الدين يعتقدون ربوبيته و ألوهيته، و أنه هو الذي بعث الأنبياء و الرسل من آدم الي الخاتم مبشرين به و منذرين، و بعث الباب بين يديه مبشرا باقتراب ظهوره، و سطوع نوره - فقد قال في عدتهم مؤلف (مفتاح باب الأبواب) ما نصه حرفيا: «و يبلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف نفس في ايران، و نحو ألفي نفس في خارجها، و لا عبرة بما يدعونه من أنهم يبلغون الملايين من النفوس في البلاد الايرانية، و مئات الألوف في الممالك الروسية و الافرنجية و العثمانية، و مثلها في الممالك المتحدة الأمريكية لأن الاطراء و الاغراق و الغلو هي ديدنهم و دأبهم في تجسيم و تعظيم الأمور الراجعة اليهم، كشأنهم في بقية المسائل المختصة بهم» اه و الذي تحققناه نحن من أوثق المصادر أن «البهائيين» يبلغون وحدهم الآن ما يدنو من سبعة آلاف نسمة، منهم نحو خمسين مسلما مصريا (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم). أما هم فيقولون علي ما اعتادوه من تكبير شؤونهم، و تجسيم أمورهم، و جعلهم الحبة قبة في الأحوال الراجعة اليهم:انهم سبعة ملايين أو يزيدون. فغلوهم جعل الألف مليونا، و الواحد ألفا. فتأمل... و لا يغرنك ضعف عصبيتهم. و قلة عدتهم. فتحتقر من أمرهم و ترغب عن ذكرهم. و تدع ابادتهم للزمان. و استئصالهم لطوارق الحدثان. فالأمر فوق ما حسبت. و أكبر مما خلت. فقد كانوا منذ ثمان سنوات، خمسة آلاف يتخبطون في الظلمات، كما حققه صاحب [ صفحه 302] (مفتاح باب الأبواب). فأصبحوا الآن، سبعة آلاف انسان، كما حققناه في (الحراب). فالزيادة ألفان. في سنوات ثمان [26] أو خمسون و مائتان، في كل عام. أو شخصان، كل ثلاثة أيام. فاذا استمر الحال. علي هذا المنوال. و لا أراه الا كذلك. ما لم تسد في وجوههم المسالك. كان الخطب جسيما. و غضب الله علينا عظيما فالواجب اذا علي كل مسلم يؤمن بالله و رسوله و اليوم الآخر، و يأنس في نفسه القدرة علي رد مزاعم الملاحدة، و شبهات أهل الباطل - أن يشحذ قلمه في سبيل الله، فلا يدع ضلالة للبابيين الا مزقها. و لا شبهة الا أتي عليها و استأصلها. فيسكن البابية اللحد. و هي في المهد. و لا يذرها حتي يستفحل أمرها و يتطاير في الناس شررها فالنار صغيرة يسهل اخمادها. و الفتنة وليدة غير صلب عودا و كذلك يجب علي كل مسلم آتاه الله بسطة في العيش، و سعة في الرزق، أن يزدلف الي الله تعالي بما آتاه من خزائن كرمه وجوده، فلا يضن بفضلة من فضته و ذهبه تنفق في هذه السبيل: سبيل هدم البابية، و تمزيق دعاوي أتباعها، و رد مفتريات زعمائها، حتي تذهب ريحهم ذهاب أمس. و لا يعلق بهتانهم من المؤمنين بنفس. فيكتب الله جزاءه جنة و حريرا. (ان هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا) و أملنا في ساداتنا العلماء. في جميع البقاع و الأنحاء. و هم شموس [ صفحه 303] الهدي. و نجوم الاقتدا. و ورثة الأنبياء و المرسلين. و حماة الملة و الدين أن يكونوا في طليعة من يذب عن الحنيفية السمحاء. و يدرأ عن المسلمين شر هذه الفتنة العمياء. و يدمغ ما لهؤلاء الملاحدة من البطلان و يهدم ما أقاموه من صروح الافك و البهتان. فهم أبصر الناس بهذه المسالك. و أولي من أنقذ المسلمين من المهالك. و لا مهلك كالشرك بالرحمن. و عبادة الانسان للانسان. فاعملوا لنصرة الله و رسوله. و خذلان ابليس و جنوده. و اشحذوا أقلامكم تقطع دابر الأضاليل و تحق الحق و تزهق الأباطيل. فقد نصبكم الله أعلاما لشريعته. و دعاة للخير و هداة الخليقته. و الله يوفيكم أجوركم يوم الحساب. و ان لكم عنده لزلفي و حسن مآب بل أملنا في خاتمة المحققين. و امام المحدثين. و قدوة العلماء العاملين و شيخ الاسلام و المسلمين. مولانا الاستاذ الأكبر. الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر. أن يقول كلمته اللناس. في الباب و البهاء و الأزل و عباس. و من آمن بهم من العباد. و دعا الناس الي هذا الالحاد. فكلمته أنفذ الي القلوب. و حكمه منجاة من هذا الشرك المنصوب. بل أملنا أنه يستعمل نفوذه الديني. لدي حكومة مصر و العرش العثماني. فيطلب نفي المرزا عباس من مصر و ديار بني عثمان هو و من آمن به و كفر بما أنزل الله من الفرقان. حفظا لسياج الدين و حرصا علي عقائد المسلمين. حتي لا يتسرب اليها الباطل. و لا يختلط عليهم الحابل بالنابل. فوالله يا مولانا الامام، ما كانت فتنة في الاسلام، بأشد من هذه الفتنة. و لا محنة رمتنا بها الايام، في قديم الأعوام، بأكبر من هاته المحنة. لا سيما و أنهم يعملون بالتقية. و يخادعون أهل الحنيفية. فيتزيون بزي المسلمين. و يتظاهرون بأنهم من أهل [ صفحه 304] الايمان و اليقين. حتي اجتذبوا اليهم بهذه الحيلة. فئة من المؤمنين غير قليلة. و استاقوها معهم الي النار ذات الوقود. و بئس الورد المورود فالغوث الغوث يا مولانا الامام. فما بعد هذا ضرر علي المسلمين و الاسلام. و انا قد وكلنا الأمر اليك. و ألقينا زمامه بين يديك. و لا نراك يا مولانا الي فاعلا خيرا. تنال به عند الله جزاء و أجرا. قال تعالي: (و ما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عندالله هو خيرا و أعظم أجرا)

هدم أصول البابية و ازهاق أباطيلها

رد قولهم أمه للقرآنه باطنا غير ظاهره

اشاره

من المقرر الثابت في كل لغة أن ما يتفاهم به أهلها من الألفاظ الدالة علي تلك المعاني التي ينصرف اليها الذهن عن تلقف اللفظ - انما هو ما دل عليه عرف اللغة، و أثبته اللسان من تلك الألفاظ و مدلولاتها، فلا يخرج اللفظ مفردا كان أو مركبا عن مفهومه و معناه بوجه من الوجوه، و الا بطل الفهم و التفاهم، و ساء حال الناس، و كانوا حياري لا يدرون كيف يتفاهمون. فلا يقال مثلا: «سيف» فيفهم منه [ صفحه 305] «عصا» و لا «ليل» فيفهم «نهار» و لا «نحاس» فيفهم «ذهب» و لا «كتب محمد» فيفهم «قرأ خالد» و لا «بزغ القمر» فيفهم «أشرقت الشمس» و لا «أكل فلان خبزا» فيفهم «أنه شرب ماء». فان لكل من هذه الكلمات و الجمل معني خاصا، و مفهوما آخر، بمدلولات الألفاظ التي أثبتها العرف، و قررها الاستعمال ثم ان لكل لغة علوما و فنونا ذات قواعد راسخة، و أصول ثابتة، وضعها أهلها اقامة لوزن اللغة، و ابقاء لكيانها و معالمها، و دفعا لما عساه أن يتطرق اليها من الخلل و الفساد، و يتسرب الي معانيها و مبانيها من عبث العابثين و جهل الجاهلين، تسهيلا لمعرفتها، و التفاهم بعباراتها، و العلم بحقائقها، و الوقوف علي دقائقها، و ما تحويه من فنون البلاغة، و ضروب الفصاحة، الي غير ذلك مما لا يقع حصوله، و لا يمكن بلوغه، الا بتلك العلوم و الفنون: كالنحو، و الصرف، و المعاني، و البيان، و البديع، و ما أشبه، مما تحتاج اليه كل لغة من لغات العالم حسب ما تتحمله طاقتها، و تستلزمه حالتها، و تدعو اليه حاجتها، فيكون عصمة للسان و الجنان من الغلط و الشطط، مرجعا للطالب في تفهم ما استعصي عليه فهمه من الألفاظ و الجمل، قبانا له علي الدوام في اقامة وزن الكلام، و الاستدلال علي معانيه و مبانيه استدلالا صحيحا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. و الا فهو سالك مناهج الشطط. ضارب في وجوه الغلط. خابط خبط عشواء. في الليلة الظلماء فعلي ذلك وجب أن يكون تفسير الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية، أو تأويل معانيها، أو تبيين مفرداتها اللفظية و جملها التركيبية، موافقا لمدلولات ألفاظ اللغة مفردة كانت أو مركبة، مطابقا لقواعد النحو و الصرف، ملائما لفنون البلاغة من معان و بيان و بديع، غير [ صفحه 306] خارج عن ذلك بحال من الأحوال. أللهم الا ما بينه الرسول صلي الله عليه و سلم من مدلولات بعض الألفاظ الي تلك المفاهيم الشرعية المخصوصة: كيوم القيامة، و اليوم الآخر، و البعث، و الحشر، و النشر، و الجنة، و النار، و غير ذلك - فانه يرجع بها الي هذه المفاهيم قضية مسلمة، لثبوت رسالته صلي الله عليه و سلم، و عصمته من الكذب ثم ان علوم القرآن عندنا نحن معشر المسلمين ثلاثة أقسام: قسم استأثر الله به من معرفة كنه ذاته، و حقائق أسمائه، و علوم غيوبه التي لا يعلمها الا هو، فلا يجوز لا حد الخوض فيه بوجه من الوجوه اجماعا. الثاني - ما أطلع عليه نبيه من أسرار كتابه و اختصه به، فلا يجوز الكلام فيه الا له صلي الله عليه و سلم، أو لمن أذن له. قيل: و أوائل السور من هذا القسم، و قيل: من الأول. الثالث - ما علمه الله لنبيه من معاني كتابه الجليلة و الخفية، و أمره بتعليمها. فمنه ما لا يجوز الكلام فيه الا بالسمع: كأسباب النزول، و النسخ، و ألفاظ القراءات، و القصص، و أخبار الحوادث الكائنة، و أمور الحشر و المعاد، و من ادعي ذلك بغير تلق من السمع فهو كذاب آثم. و منه ما يؤخذ بطريق النظر و الاستنباط من فحوي الكلام أو لمن له أهلية ذلك باتفاق: كالأحكام الأصلية، و الفرعية، و الاعرابية، و فنون البلاغة، و ضروب المواعظ و الحكم. أو باختلاف و هو تأويل الآيات المتشابهات في الصفات.

الفرق بين التفسير و التأويل

التفسير لغة من الفسر و هو البيان و الكشف، و يقال هو مقلوب السفر، تقول: أسفر الصبح أي أضاء. و اصطلاحا علم يبحث فيه عن عوارض القرآن المجيد من حيث دلالته علي مراد الله تعالي قطعا [ صفحه 307] أو ظنا بحسب الطاقة البشرية، و يدخل في ذلك بيان كيفية النطق بألفاظه، و بيان مدلولاته الافرادية و التركيبية، و استخراج أحكامه و حكمه، و ما يتبع ذلك من سبب النزول و النسخ و غيره. و موضوعه القرآن من الحيثية المذكورة، لأن موضوع العلم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، أو ماله تعلق بالغرض الذاتي. فالمعروض هو الموضوع، و البحث عن العوارض هو المسائل. فالقضايا التي تبين كيفية النطق بألفاظ القرآن، و دلالتها علي معانيها، و نحو ذلك، هي مسائله. هذا معني التفسير لغة و اصطلاحا أما التأويل لغة فمن الأول و هو الرجوع فكأنه أرجع الآية الي ما تحتمله من المعاني، و قيل من الايالة و هي السياسة فكأن المؤول يسوس الكلام و يضعه في موضعه. و أما اصطلاحا فبمعني التفسير عند طائفة منهم أبوعبيدة. و أنكر عليهم آخرون حتي بالغ ابن‌حبيب فقال: نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير و التأويل ما اهتدوا اليه. و قال الراغب: التفسير أعم من التأويل لاشتماله في الكتب الالهية و غيرها و يغلب في الألفاظ و المفردات، و التأويل خاص بها و يغلب في المعاني و الجمل. و قال الماتريدي و القشيري و غيرهما: التفسير في معني لا يحتمل غيره فهو قطع و شهادة علي أن الله عني باللفظ هذا، و التأويل ترجيح أحد المحتملات بالدليل بلا قطع و شهادة. فالتفسير مقصور علي السماع، فما بين في الكتاب و السنة يسمي تفسيرا، و ليس لأحد أن يتعرض له باجتهاد و لا غيره، لأنه من باب الرواية. و التأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعاني الخطاب فهو من باب الدراية [ صفحه 308]

مآخذ التفسير و أصوله

اعلم وقفك الله أن من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن، فما أجمل أو اختصر في موضع فقد بين و بسط في آخر. فان أعياه ذلك طلبه من السنة فانها شارحة للقرآن و مبينة له. فان لم يجده فيها رجع الي اقوال الصحابة فانهم أدري به لما شاهدوه من القرائن عند نزوله، و لما اختصوا به من الفهم التام و العمل الصالح. و قد بين لهم النبي صلي الله عليه و سلم معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فيكانوا اذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتي يعلموا ما فيها من العلم و العمل، و لذلك كانوا يقيمون في حفظ القرآن مدة طويلة، و قد أقام ابن‌عمر علي حفظ البقرة ثماني سنين كما في الموطأ و أطلق الحاكم في «المستدرك» أن تفسير الصحابي الذي شاهد الوحي له حكم المرفوع أي فكأنه رواه عن النبي صلي الله عليه و سلم. لكن قيد في علوم الحديث بما اذا ذكر فيه سبب النزول و نحوه مما لا مجال للرأي فيه، و الا كان من الموقوف، و عليه ابن‌الصلاح و غيره من المتأخرين. و في المنقول عن التابعي روايتان عن أحمد، و أكثر المفسرين علي قبوله، لأن الغالب تلقيه عن الصحابة، و لذا كان الخلاف بين الصحابة في التفسير قليلا جدا، و كذلك بين التابعين و ان كان أكثر من الأول. و ربما نقل عنهم عبارات مختلفة الألفاظ فيحكيها من لا فهم عنده أقوالا و ليس كذلك، لأن غالب الخلاف المنقول عنهم يرجع الي اختلاف عبارة أو تنوع، لا اختلاف تضاد. ذلك كتفسير (الصراط المستقيم) بالقرآن، أو الاسلام، أو طاعة الله و رسوله، فهي عبارات مختلفة علي شي‌ء واحد، لأن كلا من [ صفحه 309] الطاعة و الاسلام هو اتباع القرآن، لكن ذكر كل منهم صفة من صفاته. و كآية (فمنهم ظالم لنفسه) فسر بعضهم: السابق بمن يصلي أول الوقت، و المقتصد في أثنائه، و الظالم بعد فواته. و بعضهم: بمؤدي الزكاة المفروضة مع الصدقة، و بمؤديها وحدها، و بمانعها. فذكر كل فردا من أفراد العام علي سبيل التمثيل لا الحصر. فهذا و أمثاله ليس خلافا و قد يرد عنهم تفسيران متضاد ان لكن القراءتين مختلفتان فيظن التعارض كما رواه ابن‌جرير عن ابن‌عباس و غيره من طرق في (انما سكرت أبصارنا) أي سدت، و من طرق بمعني أخذت. ثم أخرج عن قتادة: من شدد «سكرت» أراد سدت، و من خففها أراد سحرت، و هذا الجمع من قتادة نفيس بديع. و كذا (سرابيلهم من قطران) أخرج ابن‌جرير من طريق أنه الذي يدهن به الابل، و من طريق آخر أنه النحاس المذاب. و ليسا بقولين، بل الثاني تفسير لقراءة «قطر» بالتنوين و هو النحاس، و «آن» بالمد شديد الحرارة. و يجب التحرز عما نقل من ذلك ضعيفا أو مرفوعا فانه كثير، و قد تكفل علماء الحديث ببيانه. فان لم يجده (أي تفسير) في أقوال الصحابة و التابعين رجع الي لغة العرب لأن القرآن عربي قال ملك: لا أوتي برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله الا جعلته نكالا. و التفسير بمقتضي اللغة يتوقف علي أمور لابد منها: كمتن اللغة المبين مدلولات الألفاظ، و النحو لتفسير المعني بتفسير الاعراب، و الصرف لتعرف أبنية الكلم و صيغها. قال الزمخشري: من بدع التفسير من قال في قوله تعالي (يوم ندعوا كل أناس بامامهم) ان الناس في الآخرة يدعون بامهاتهم [ صفحه 310] لآبائهم مراعاة لعيسي، و اظهارا لفضل الحسن و الحسين، و سترا علي أولاد الزني. قال: و هذا غلط فاحش أوجبه الجهل بالتصريف، لأن الأم لا تجمع علي امام، و انما الامام هنا بمعني من يؤتم به من نبي أو مقدم في الدنيا، فيقال: يا أتباع فلان. و قيل: بكتاب أعمالهم. فيقال: يا أهل كتاب الخير، أو الشر. و قرأ الحسن بكتابهم و مما يتوقف عليه التفسير بمقتي اللغة: علم القراءات ببيان كيفية النطق بوجوه القرآن و بها يرجح بعض المعاني المحتملة علي بعض، و علوم البلاغة الثلاثة: المعاني و البيان و البديع: و هي أعظم أركان التفسير لأن اعجازه انما يعرف بها، و علم أسباب النزول و القصص ليعلم معني الآية بحسب ما نزلت به، و علم الناسخ و المنسوخ ليعلم المحكم من غيره، و حكم أصول الدين المبين للواجب و الجائز و المستحيل ليؤول الآيات الموهمة ما لا يجوز، و أصل الفقه لبيان كيفية الاستدلال و استنباط الأحكام و به يعرف الظاهر و المجمل العام، و غير ذلك أما ما يذكره بعض الصوفية في القرآن من المعاني البعيدة كقول بعضهم في قوله تعالي (من ذا الذي يشفع عنده) من ذل (من الذل) ذي (أي النفس) يشف (من الشفاء) ع (من الوعي)، و قول آخر في قوله تعالي (ان الله لمع المحسنين) لمع (فعل ماض بمعني أضاء) و أمثال ذلك، فالحاد كما أفتي البلقيني. قال ابن‌عباس في تفسير قوله تعالي: (ان الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا) هو أن يوضع الكلام علي غير موضعه. و قال النسفي في عقائده: العدول عن ظواهر النصوص الي معان يدعيها أهل الباطن الحاد. قال السعد: سموا باطنية لادعائهم أن النصوص ليست علي ظواهرها بأن لها معاني باطنية لا يعرفها الا «المعلم» و قصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية، [ صفحه 311] و أما ابقاء النصوص علي ظواهرها مما دلت عليه بعرف اللسان و مع ذلك فيها اشارات خفية الي دقائق تكشف عند الآيه أو الحديث لمن فتح الله قلبه فهو كمال الايمان و محض العرفان و مما يحتاج اليه المفسر «علم الموهبة» الذي دعا به النبي صلي الله عليه و سلم لابن عباس بقوله: (أللهم فقهه في الدين، و علمه التأويل). و ليس لك أن تقول: «هذا العلم ليس في قدرة الانسان تحصيله» لأن طريقة التزام حدود الشرع في العلم و العمل كما يشهد به حديث (من عمل بما عمل أورثه الله علم ما لم يعلم). قال الزركشي في البرهان: اعلم أنه لا يفهم معاني القرآن و لا تظهر أسراره لمن في قلبه بدعة، أو كبر، أو هوي، أو حب الدنيا، أو الاصرار علي ذنب، أو نحو ذلك، فهذه كلها حجب و موانع... قال تعالي: (سأصرف عن آياتي اذين يتكبرون في الأرض بغير الحق). قال ابن عيينة: معناه أنزع عنهم فهم القرآن فهذه مآخذ التفسير و أصوله، و ليس لأحد أن يقدم عليه بمجرد الرأي و الاجتهاد بلا أصل يعتمد عليه، قال تعالي: (و لا تقف ما ليس لك به علم). و قال صلي الله عليه و سلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار). و روي أبوداود و غيره: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» أي اذا كان رأيا بلا دليل يعتمد عليه فتكون اصابته اتفاقية لا عبرة بها كالصلاة مع جهل كيفيتها باطلة و ان صادفت الصحة. أما الرأي المسند الي دليل، فجائز بلا نكير. وفقنا الله الي سواء السبيل، انه نعم المولي و نعم النصير

اسباب التأويل

اعلم أن كل نص شرعي يجب علينا معشر المسلمين أن نعتمد [ صفحه 312] فيه معناه الظاهر المتبادر منه، و لا يسوغ لنا تأويله و صرفه الي معني آخر غير متبادر الا اذا قام دليل عقلي قطعي يناقض معناه الظاهر، فحينئذ يكون قيام هذا الدليل قرينة دالة لنا علي أن معناه الظاهر غير مراد الشارع بل مراده معني آخر غير ما يتبادر منه، فنؤول النص حينئذ و نصرفه الي معني آخر غير الظاهر المتبادر علي سبيل الاحتمال يكون قابلا له و غير متناق لذلك الدليل العقلي القطعي هذه هي القاعدة الكلية التي اعتمدها أهل السنة و الجماعة في تأويل النصوص الشرعية، لأن الأصل في التخاطب ارادة المعني الظاهر المتبادر دون خلافه، اذ ارادة غير الظاهر من غير داع و لا قرينة يكون خللا في الافادة و الاستفادة و في ذلك من المفاسد ما لا يخفي. و انما انحصر الداعي الي ترك الظاهر بمعارضة الدليل العقلي القاطع، لأن رفض هذا الدليل رفض للأصل الذي ثبت به صدق الرسول عليه الصلاة و السلام «و هو العقل» اذ لولاه لما أمكننا الاستدلال علي صدقه عليه الصلاة و السلام بدلائل المعجزات، و رفض العقل يوجب رفض الشرع أما معارضة الدليل العقلي الظني فلا تكون داعيا لترك الظاهر من معني النص، لأن رفض الدليل الظني لا يوجب رفض العقل كما هو واضح، لاحتمال أن هذا الظن باطل في نفس الأمر. فلو تركنا الظاهر من النص لأجل الدليل الظني لكنا في معرض أن يكون اعتقادنا خطأ لاعتمادنا علي الظن، و حينئذ لا نعذر في ذلك، اذ لا ضرورة تدعونا اليه كما تدعونا الضرورة عند معارضة الدليل العقلي القطعي. علي أن اتباع الدليل الظني و ترك ظواهر النصوص يوجب اختباطا و اختلاطا في الاعتقاد، فان الظنون كثيرة، و الاعتقاد في الشرائع انما [ صفحه 313] يعتقد فيه اليقين فالصواب أن يتمسك بظواهر النصوص اليقينية الورود و لا يتحول عنها لمجرد الظنون، اذ لا يجب علينا شرعا من الاعتقادات الا ما قام عليه الدليل العقلي القاطع الذي لا يتحمل النقيض، أو ما قام عليه الدليل الشرعي بأن نقل لنا عن الرسول عليه الصلاة و السلام آية قرآنية أو حديث متواتر أو حديث مشهور يدل علي ذلك. و لا يجب علينا تقليد غير الرسول المعصوم عليه الصلاة و السلام فيما ثبت عنه قطعيا أما اذا نقلت لنا مسئلة اعتقادية عن أكبر علماء الأمة الاسلامية من غير اظهار دليلها العقلي القاطع، أو دليلها الشرعي الثابت قطعيا عن الرسول عليه الصلاة و السلام، فلا يجب علينا تقليده في تلك المسئلة، لا سيما اذا كانت مناقضة لظاهر من ظواهر النصوص الشرعية التي تعتمد في الاعتقاد. نعم اذا أول بعض اللعماء الذين يعتمد عليهم في فهم النصوص الشرعية بعض تلك النصوص بتأويل مناسب موافق للقواعد الشرعية و الأصول العربية فالأخذ بتأويله سائغ غير مضر في عقيدتنا. و اذا ظهر لتأويله داع قوي مثل الدليل العقلي القاطع الذي يحمل علي التأويل و صرف النص عن ظاهر معناه فانه حينئذ يكون الأخذ بتأويله هو الصواب. و لا يقال اننا قلدنا ذلك العالم في الاعتقاد، و انما يكون اعتقادنا معتمدا علي النص، و قلدناه في فهم النص و تأويله، لأنه هو أعلم منا بذلك فمن هنا يظهر لك خطأ بعض المسلمين من أهل هذا العصر في تقليد: فلان الفلكي، أو فلان الجغرافي، أو الجيولوجي، المشهورين في فنونهم: في بعض مسائل ربما تكون مخالفة لظواهر نصوص الشريعة التي تعتمد في الاعتقاد. فهذا الحال ربما يوقع هؤلاء المقلدين في الخروج [ صفحه 314] من الدين و العياذ بالله و هم لا يشعرون. بل يسهل لهم الاعتقاد بما يزعمه البابيون من هذا القبيل فيحشرونهم في زمرتهم يعبدون البشر من دون الله. قال تعالي: (و من يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون) و الذي يوقع أولئك المقلدين في تقليد هؤلاء الناس في تلك المسائل أنهم وجدوا أدلتهم في بعض مسائل فنونهم يقينية قطعية كأدلتهم في المسائل الحسابية، و الهندسة، و بعض التجربات الطبيعية المحسوسة، فاغتروا بهم، و أوقعهم الوهم في اعتقاد أن كل ما يقوله أولئك الناس يقيني الثبوت، و أنهم لا يعتمدون في أدلتهم في جميع فنونهم الا علي اليقين. و لم يدروا أن هناك فرقا بين أدلة المسائل الحسابية و ما ذكر معها و بين أدلة كثير من المسائل الفلكية. فان تلك يقينية، و هذه قد يوجد بينها كثير من الظنون و التخمينات، و قياس الغائب علي الشاهد الذي قد يكون في نفس الأمر قياسا فاسدا فان قيل: ان بعض تلك المسائل التي يقلد بها المقلدون أولئك الناس تكون مجمعا عليها عندهم. قلنا: انا معشر المسلمين لسنا مأمورين في شريعتنا بتقليد اجماع الا اجماع هذه الأمة المحمدية، أعني اجماع علمائها الذين هم أهل الاجتهاد و فهم نصوص الشريعة، فقد شهد لهم الرسول صلي الله عليه و سلم: أنهم لا يجتمعون علي ضلالة. علي أن اجماع هؤلاء الناس علي بعض تلك المسائل قد يكون مبنيا علي دليل ظني فلا يفيد عصمة اجماعهم من الخطأ، لا سيما في المسائل التي تكون بعيدة الموضوعات عنهم، كما في المسائل الفلكية و الجوية، فان معظم أدلتهم فيها الحدس و التخمين، و قياس الغائب علي الشاهد، كما يعلم من الاطلاع علي كتبهم التي تقررت فيها تلك المسائل. و لنا عبرة فيما حدث [ صفحه 315] علي مذهب المتقدمين من الفلكين في وجود الأفلاك، و ما لها من الأحكام، فانه قد مرت عليه المئات من السنين و هم مجمعون عليه، و كم ألفوا فيه من الكتب، و كم دونوا من الأصول و القواعد، و كم صوروا صور الأفلاك، و ذكروا لها من الأحكام الطويلة العريضة، فجاء المتأخرون و أبطلوه من أصله، و صار يعد بينهم خرافة من خرافات البشر اذا تقرر هذا فاعلم أنه كان من حق أولئك المقلدين لهؤلاء الناس في بعض المسائل المخالفة لظواهر نصوص الشريعة الاسلامية - أن يبحثوا عن أدلتهم فيها و يطلعوا عليها، فان كانت ظنية فلا يلقون لها بالا، و لا يتركون الاعتقاد بظواهر النصوص القطعية الثبوت عن رسولهم الصادق المعصوم. و ان كانت أدلة يقينية، و لم يبق معها ريب في دلالتها علي ما يناقض ظواهر النصوص الشرعية، فحينئذ يسوغ لهم تأويل تلك الظواهر، و التوفيق بينها و بين تلك المسائل مثال ذلك. قال تعالي في قصة ذي القرنين: (حتي اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) فان ظاهره أن الشمس تغرب في عين من عيون الأرض، و كان يجب علينا الايمان بمعناه الظاهر، لكن قام الدليل العقلي القاطع علي أن الشمس أكبر من الأرض بكثير، و دخول الجسم الكبير في الصغير مع البقاء علي مقدارهما محال. و قام الدليل القاطع أيضا علي أن الشمس لا تغرب في نفس الأرض. لذلك صرف علماء الاسلام هذا النص عن ظاهره الي غير ما يتبادر منه، فقالوا: يحتمل و الله أعلم بمراده أنه تعالي أراد أن ذالقرنين لما بلغ ذلك المكان من بلاد المغرب و جد الشمس بحسب رؤية الرائي تغرب في عين حمئة، و ليس مراده أنها تغرب في عين يالفعل. و لذلك قال: وجدها تغرب. و لم يقل: فاذا هي تغرب، أو [ صفحه 316] ما في معناه من العبارات التي تقيد حكاية واقع الأمر نصا. و هكذا يقول الرجل منا: اني من المكان الفلاني وجدت الشمس تغرب في البحر، أو خلف الجبل، أو في الوادي، و اعتقاده أنها لم تغرب في واحد منها، و انما حكي صورة رؤيته. يؤخذ هذا التأويل من الرازي و الجلالين، و الكوشي، كما نقله عجائب المخلوقات. قال الرازي: «و ما قاله أهل الأخبار من أن الشمس حقيقة تغرب في العين كلام علي خلاف اليقين، و كلام الله تعالي مبرأ من هذه التهمة، فلم تبق الا أن يصار الي التأويل» ا ه أما نكران هؤلاء الفلكيين لوجود السموات السبع، و العرش، و الكرسي، و القلم، و اللوح، و الجنة، و النار، فهذا ليس لديهم دليل عليه، الا أنهم ما وجدوا هذه الأشياء و لا رأوها بمجاهرهم (أي نظاراتهم المعظمة). و نقول: ان عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود في نفس الأمر، و هذا مسلم عند جميع العقلاء، فانكارهم لا يعبأ به ثم اننا و اياهم متفقون علي وجود الفضاء الذي لا يتناهي، فما المانع من أن الله تعالي خلق تلك الأجسام وراء عالم الكواكب بعد تسليم أن الكواكب قائمة في الفضاء، و تلك الأجسام تكون بعيدة عنا بمسافات شاسعة لا تدركها مجاهرهم؟؟ فهم لم يروا الا جسمية الكواكب و لم يتحققوا سواها، فأنكروا تلك الأجسام و هي موجودة في الفضاء الواسع الشاسع. و بما أن ذلك جائز عقلا داخل تحت تصرف قدرة الله تعالي بأن يخلق تلك الأجسام و يقيمها في ذلك الفضاء كما أقام الكواكب، و قد أخبر بوجودها الصادق الأمين صلي الله عليه و سلم فنحن نؤمن بوجودها، و ليس لنا تأويل نصوصها الواردة فيها، اذ لا داعي ذلك، لعدم قيام دليل قاطع يناقض وجودها. و مجرد انكار [ صفحه 317] أولئك القوم ليس دليلا ظنيا فضلا عن أن يكون يقينيا. أما انكار البابيين لهذه الأجسام، و تأويلهم نصوصها الشرعية بما يأباه الدين و اللسان، فهو زور و باطل. و جدل عاطل. بل كفر و ضلال. و هوس و خبال. و ها هي حججنا ناطقة بافكهم. و براهيننا قاطعة ألسنة بهتهم. (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدي فانما يهتدي لنفسه و من ضل فانما يضل عليها و ما أنا عليكم بوكيل)

تأويل المتشابه

اعلم أنه ورد في نصوص الشريعة الغراء نسبة أشياء لله تعالي توهم ظواهرها مماثلته للحوادث و مشابهته لها، و سميت هذه النصوص بالمتشابهات. علي أن الدليل العقلي قد قام علي وجوب مخالفته تعالي للحوادث و استحالة مما ثلته لها، كما قام بذلك الدليل النقلي أيضا. قال تعالي: (ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير). فالاعتقاد في تلك النصوص أن لها معاني صحيحة تليق به تعالي خالية عن استلزام مماثلته للحوادث، و ليست هي المعاني المتبادرة من ظواهر تلك النصوص المستلزمة للمماثلة، و نفوض علم حقيقه تلك المعاني الصحيحة اليه تعالي، فنكون بذلك الاعتقاد منزهين لذاته العلية عن مماثلة الحوادث و مفوضين له في علم ما أراد من تلك النصوص. هذا كان اعتقاد السلف الصالح رضي الله تعالي عنهم لكن لما ظهر بعض الفرق المبتدعة، و تمسكوا بظواهر تلك النصوص المتشابهات، و اعتقدوا المعاني المتبادرة منها المستلزمة لمماثلته تعالي للحوادث، و خيف علي اعتقاد بعض الضعفاء في الدين من سريان بدعتهم اليه - تأول العلماء المتأخرون هذه النصوص المتشابهات [ صفحه 318] تاويلات مناسبة موافقه للأدلة العقلية علي ما ذكر في كتب التفاسير و شروح الأحاديث. و هم في تلك التأويلات عند التصدر لرد مذهب المبتدعة، أو تثبيت عقيدة الضعفاء، كأنهم يقولون: مادامت تلك النصوص المتشابهات محتملة لمعان صحيحة، موافقة للأدلة العقلية، جارية علي قواعد اللغة العربية، فبالحمل عليها احتمالا يحصل التوفيق بينها و بين الأدلة الدالة علي وجوب مخالفته تعالي للحوادث، و استحاله مماثلته لها، و نسلم من اعتقاد ما ربما يخرج به المرء عن الايمان و العياذ بالله و بيان الطريقتين في ذلك: أنه ورد قوله تعالي في القرآن المجيد (الرحمن علي العرش استوي) و قوله تعالي (و يبقي وجه ربك) و قوله تعالي (يد الله فوق أيديهم) و قوله تعالي (و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه) و قوله تعالي (و جاء ربك) الي غير ذلك من الآيات. و ورد في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة و السلام (ان الله خلق آدم علي صورته) و قوله عليه الصلاة و السلام (ينزل ربكم الي سماء الدنيا) الي غير ذلك من الأحاديث فالطريق الأسلم الذي درج عليه السلف الصالح رضي الله تعالي عنهم أن نقول في هذه النصوص: ان لها معاني غير ما يتبادر منها، و هي صحيحة موافقة للأدلة العقلية و النقلية الدالة علي وجوب مخالفته تعالي للحوادث، و انا نؤمن بها، و نفوض معرفة حقيقتها اي علم الله تعالي - و هذا القدر يكفي في صحة الايمان - فاستواؤه تعالي علي العرش هو صفة من صفاته تعالي اللائقة به ليس كاستواء الحادث المستلزم للجسمية و الجهة، و النزول الي سماء الدنيا صفة من صفاته تعالي اللائقة به ليس كنزول الحادث المستلزم الانتقال من حيز الي [ صفحه 319] حيز، و المجي‌ء كذلك. و نقول أيضا: ان له تعالي يدا و يمينا و قبضة ليست كأعضائنا، بل هي علي ما تليق به سبحانه لا تستلزم التجزؤ و المقدار، و هو سبحانه أعلم بحقيقة تلك المعاني التي أرادها من تلك النصوص. و هكذا القول في كل نص متشابه أما اذا تصدينا لرد مذهب المبتدعة، أو أردنا تثبيت عقيدة الضعفاء في الدين، فنقول علي طريق التأويل: ان تلك النصوص تحتمل معاني غير ما يتبادر منها لا تستلزم مماثلته للحوادث، و بالحمل عليها توافق الأدلة العقلية و النقلية الدالة علي تنزيهه تعالي عن المماثلة، و نأمن بذلك من الخطأ في الاعتقاد الذي ربما يؤدي الي الكفر و العياذ بالله فالاستواء علي العرش، محمول علي: الاستيلاء و القهر: كما قال الشاعر: قد استوي بشر علي العراق: أي استولي. و المراد بذلك بيان عظمته تعالي، و نفوذ حكمه علي كل شي‌ء من هذا العالم و النزول الي سماء الدنيا، يراد به: الاقبال علي عباده: و قد ورد في اللغة، النزول بمعني الاقبال. فالمعني: أن الله تعالي يقبل علي عباده في ذلك الحين. فعبر عن هذا الاقبال، بالنزول الي سماء الدنيا و المجي‌ء، هو الاقبال أيضا، و أن المراد: و جاء أمر ربك و سلطانه و الوجه، يطلق و يراد به الذات. فقوله تعالي: و يبقي وجه ربك: أي و تبقي ذات الله و الصورة، تطلق و يراد بها: الشأن، و الحكم، و الأمر. نقل الشعراني في (اليواقيت و الجواهر) عن (الفتوحات) لابن العربي: أن المراد هنا بالصورة أن الله تعالي جعل كلا من آدم و بنيه يأمر و ينهي و يعزل و يولي و يؤاخذ و يسامح و يرحم و نحو ذلك لكونه خليفة في الارض اذا الصورة تطلق و يراد بها الشأن و الحكم و الأمر [ صفحه 320] أي أن الله تعالي جعل آدم يفعل بأمره تعالي ما شاء الله له فهذا هو معني الصورة ا ه. ثم نقل عن الجلال السيوطي: أن الحديث وارد علي سبب، و ذلك أن رسول الله صلي الله عليه و سلم رأي شخصا يلطم مملوكه علي وجهه فقال (لا تفعل هذا فان الله خلق آدم علي صورته - أي صورة المملوك - فينبغي لك اكرام صورته). اه واليد، تطلق و يراد بها: النعمة، و القوة، و القدرة. قال الشاعر: و حملت زفرات الضحي أطقتها و مالي بزفرات العشي يدان فالمفهوم من قوله عزوجل (يد الله فوق ايديهم) هو ما نفهمه من قول العرب: يد فلان علي فلان في النعمة و القوة و القدرة و كذلك - القبضة، و اليمين، في قوله تعالي: (و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه) فقد نظر العقل بما يقتضيه الوضع فعرف من وضع اللسان العربي أن معني الآية، أن الوجود كله في قبضته تعالي عني تحت تصريفه. كما يقال: فلان في قبضة يدي، يريد أنه تحت حكمه، و ليس في يد جارحته منه شي‌ء البتة، و انما أمره و حكمه ماض فيه لا غير، مثل حكمه علي ما ملكته يده حسا و قبضت عليه. فلما استحالت الجارحة علي الله تعالي عدل العقل الي روح القبضة و معناها و فائدتها، و هو أن عالم الدنيا و الآخرة في قبضة تصريف الحق تعالي و أما قوله (بيمينه) فانما ذكرها لأن اليمين محل التصريف المطلق القوي، اذ اليسار لا تقوي في العادة قوة اليمين، فكني باليمين عن التمكن من الطي، فهو اشارة الي تمكن القدرة من الفعل ا ه. قاله ابن‌العربي و هكذا التأويل في كل ما ورد من المتشابهات، فليس شي‌ء منها الا وجد له العلماء تأويلا موافقا للأدلة العقلية علي قانون اللغة العربية، و قد أفردوا لذلك كتبا تكفلت ببيانه، فليرجع اليها من شاء، و الله الهادي الي سواء السبيل [ صفحه 321]

ختام هذه المحاكمة

اذا تقرر ما حققناه من أن الفهم و التفاهم في كل لغة موقوفان علي ما دلت عليه ألفاظها المفردة أو المركبة من تلك المعاني و المفاهيم التي ينصرف اليها الذهن عند تلقف الكلمة أو الجملة علي ما قرره اللسان و أثبته الاستعمال. و أن لكل لغة قواعد و أصولا حسب ما تحتمله طاقتها، و تستلزمه حالتها، تكون عصمة للسان و الجنان، مرجعا للطالب فيما استعصي عليه ادراكه من المعاني و المفاهيم. و أن تفسير القرآن، أو تأويل متشابهاته، أو ما يتعارض ظاهره مع الدليل العقلي القاطع - انما يكون موافقا لمدلولات الألفاظ العربية مفردة كانت أو مركبة، مطابقا لقواعد اللغة و أصولها، ملائما لفنونها و علومها، الا ما كان تلقيه بالسمع: كأحوال القيامة، و اليوم الآخر، و البعث، و الحشر، و النشر، و الجنة، و النار و الصراط و الميزان، و غير ذلك مما بينه المعصوم صلي الله عليه و سلم، فانه يرجع به الي مفاهيمه الشرعية قضية مسلمة، و من يدعي غير ذلك فهو كذاب أشر، مختلق مبتدع، ضال مضل، آثم قلبه، كافر بالله و رسوله، يضرب بقوله عرض الحائط اذا تقرر هذا، و ما وضحناه من الفرق بين التفسير و التأويل، و معني كل منهما و كيفية الأخذ بهما، و مصادرهما التي يرجع اليها، و أن العدول عن ظواهر النصوص الي معان باطنة كفر و الحاد، و نفي للشريعة بالكلية، الي غير ذلك مما حققناه في هذه المحاكمة، و قرره أئمة الدين، و جري عليه المسلمون خلفا عن سلف منذ نزول القرآن الي هذا الزمان - تقرر و لا شك كفر البابيين علي اختلاف فرقهم، و بطلان ما يزعمونه من تلك المعاني الباطنة في القرآن و غيره من [ صفحه 322] الكتب المنزلة، و قامت عليهم الحجة البالغة بفساد أديلنهم، و هدمها علي هامات رؤوسهم. فان الشرائع كلها انما نزلت بحسب ما وقع عيه التواطؤ في ألسنة الأمم، ليفهم الناس ما أنزله تعالي من أحكامه، و ما وعد به، و أوعد عليه. اذ لا يصح أن يخاطب الله الناس بما لا يفهمون، و الا سقطت التكاليف، و لم يكن للأمر و النهي من معني، و ليس ذلك من الحكمة الالهية في شي‌ء. قال تعالي: (و ما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) يعني يبين لهم بلغتهم ما هو الأمر عليه. و قد أبان لنا صلي الله عليه و سلم كما أمر الله تعالي، و لم يشرح لنا الألفاظ بشرح يخالف ما وقع عليه الاصطلاح، و أثبته لسان اللغة و الشرع و لكن البابيين أخزاهم الله قوم هانوا عليه تعالي، فأعمي بصائرهم عن الهدي، و أضلهم سواء السبيل، فاقتاتوا علي الكتب الموحاة و لا سيما القرآن: بما يتبرأ منه الدين و اللسان. و لم ينزل الله به من سلطان (انا جعلنا علي قلوبهم أكنة أن يفقهوه، و في آذانهم وقرا، و ان تدعهم الي الهدي فلن يهتدوا اذا أبدا) علي أنه لو كان صحيحا ما يزعمونه في القرآن من تلك المعاني الغامضة الباطنة، لما خفي ذلك علي رسول الله صلي الله عليه و سلم، و لكان بينه لأمته، و شرحه لها، عملا بقوله تعالي: (لتبين للناس). لذلك لم نجد بدا من أن نسأل هؤلاء الباطنية سؤالا لا جواب لهم عليه فنقول:

سؤال الي البابيين

هل كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يعلم تلك المعاني الباطنة التي تقولونها فيما أنزل الله علي قلبه من الكتاب المبين، أو كان صلوات [ صفحه 323] الله عليه يجهلها و لا يعلم شيئا منها؟؟ فان قلتم: انه كان يعلمها و لا يجهلها. قلت: هل بلغها للناس، أو كتمها عنهم؟؟ فان قلتم: انه بلغها. قلت: كيف و هي لم تصل الينا حتي و لا من سند ضعيف أو متروك، و قد وصلنا كل ما قاله صلي الله عليه و سلم، حتي لم تبق شاردة و لا واردة من كلامه المنيف الا جاءتنا، فكيف لم تبلغنا هذه المعاني و هي علي ما تزعمون بهذا المقدار من عظم الخطر و جلالة الشأن؟؟... و ان قلتم: انه كتمها. قلت هل كتمها من تلقاء نفسه، أو بأمر ربه؟؟ فان قلتم: من تلقاء نفسه. قلت: يشترط في حق الرسل العصمة في جميع ما يبلغونه عن الله عزوجل، و لا يجوز عليهم الخطأ في دين الله قطعا، و الا تطرق الشك الي ما جاءوا به، و بطل كونه شرعا موثوقا بصحته. و قد ثبتت رسالة نبينا صلي الله عليه و سلم بدلالة المعجزات، فوجبت له العصمة في التبليغ، و تبيين ما أنزل الله علي قلبه من الفرقان، عملا بقوله تعالي: (و أنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما أنزل اليهم). و قوله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته). و قد خطب صلي الله عليه و سلم في حجة الوداع في نحو مائة و عشرين ألفا من المسلمين، فحذر، و أنذر، و أوعد، و ما خص أحدا دون أحد، بل دعا الشاهد ليعلم الغائب، و قال: ألا هل بلغت؟ فقالوا: بلغت يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد. لذلك كله أجمعت الأمة علي أنه صلي الله عليه و سلم بلغ رسالة ربه بتمامها و كمالها، و أبان للناس كما أمره الله تعالي، فلم يترك شيئا من الكتاب الا بينه و فصله، و شرح غامضه و مجمله. فكيف اذا يقع أنه صلي الله عليه و سلم و هو الصادق المصدوق، و الأمين المأمون، و الرسول المعصوم، الصادع بما يؤمر [ صفحه 324] أن يكتم شيئا مما أمره الله بتبليغه، و دعاه الي توضيحه و تبيينه؟!... أليس في ذلك نفي للعصبة!!... أليس فيه تجويز الكذب، و الخيانة، و الكتمان، علي رسل الله، و أمنائه علي وحيه!!... أليس فيه عدم الثقة بالرسل، و ابطال شرائع الله بالكلية!!... أللهم انا نعوذ بك أن نرجع علي أعقابنا أو نفتن، فثبت اللهم ايماننا و توفنا مسلمين و ان قلتم: ان كتمها بأمر ربه. قلت: اذا كان ذلك - كان ما بينه لنا الرسول صلي الله عليه و سلم من تلك المعاني التي نفهمها معشر المسلمين مباينا لمقاصد الكتاب في الواقع و نفس الأمر. و اذا كان ذلك كذلك، أفلا يذهب عبثا قوله تعالي: (لتبين للناس). و قوله تعالي: (رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل). و قوله تعالي: (و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا) الي غير ذلك من آيات الهدي و الحق!!... أجل. يذهب كل ذلك عبثا، و يكون لا معني له مطلقا، فانه تعالي - علي ما يزعم هؤلاء الباطنية - يبعث الرسل بتلك الآيات الدالة ظواهرها علي شي‌ء لم يكن من مراده تعالي، و بواطنها علي آخر تنزلت الآيات من أجله، ثم يأمرهم بكتم هذا الشئ المراد من التنزيل، و تبيين سواه للناس، فلا يعرف المكلف مراده تعالي من القصص و الأحكام، و الأمر و النهي، و الوعد و الوعيد، و غير ذلك. فهلا يكون التشريع اذا عبثا محضا، و بعثة الرسل لعبا و لهوا؟؟... و هلا تقوم للناس الحجة علي الله يجهلهم مقاصد التنزيل، و يكون تعذيبهم علي ما لم يفقهوه من الظلم المبين؟؟... فان قلتم: هكذا أراد الله. قلت: يرده أنه تبارك و تعالي حكيم عادل منزه عن الظلم و العبث و اللهو و اللعب. قال تعالي: (ان الله لا يظلم مثقال ذرة). و قال تعالي: (و لا يظلم ربك أحدا). و قال [ صفحه 325] تعالي: (و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين، لو أردنا أن نتخذ لهوا لا تخذناه من لدنا انا كنا فاعلين، بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون). ثم أليس في ذلك تكذيب للكتب الموحاة، و للرسل عليهم الصلاة و السلام!!.. و هل يرضي الله التكذيب لكتبه و رسله، و قد قال تعالي في كتابه المبين: (لقد جاءت رسل ربنا بالحق). و قال تعالي: (و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا). و قال تعالي: (و ما نرسل المرسلين الا مبشرين و منذرين). و قال تعالي: (تلك آيات الله تتلوها عليك بالحق و ما الله يريد ظلما للعالمين) و قال تعالي: (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي‌ء و هدي و رحمة و بشري للمسلمين). و قال تعالي: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و أنزلنا اليكم نورا مبينا). و قال تعالي: (هذا بيان للناس و هدي و موعظة للمتقين). و قال تعالي: (و لقد جئناهم بكتاب فصلناه علي علم هدي و رحمة لقوم يؤمنون). و قال تعالي: (ان هذا لهو القصص الحق). و قال تعالي: (و من أصدق من الله حديثا). الي غير ذلك من الآي البواهر. النواطق بالحق و القواطع ألسنة المكابر!!... تالله ان ذلك لافك مبين، و بهتان عظيم. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) و ان قلتم: انه لا يعلمها. قلت: كيف علمتموها أنتم و لم يعلمها الرسول صلي الله عليه و سلم و هو أولي الناس بعلم ما نزل علي قلبه من الهدي و الحق؟؟...! فان قلتم: انكم علمتموها ممن تعتقدون عصمته و هو الباب، أو الأزل، أو البهاء، أو ابنه عباس. قلت: ان العصمة لا تكون الا لنبي، أو رسول، و قد انقطعت النبوة، و الرسالة [ صفحه 326] و التشريع، و نزول الوحي، بعد نبينا محمد صلي الله عليه و سلم، بدليل قوله تعالي: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين). و قوله عليه الصلاة و السلام: (لا نبي بعدي و لا رسول). فهم كذبة أفاكون، لا هداة معصومون، لتقولهم علي الله تعالي، و افتياتهم عليه، و تكذيبهم لكتبه و رسله، لا سيما و أنهم يدعون الربوبية، و يدعون الناس الي عبادتهم من دون الله. قال تعالي: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون، و لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد اذ أنتم مسلمون). و سندفع دعاواهم هذه بالحجج القاطعة، و البراهين اللامعة، في المحاكمات الآتية، ان شاء الله ثم هل كان العرب الذين نزل القرآن فيهم و بلغتهم يفهمون منه ما تدعونه أيها الباطنية من تلك الأباطيل، أو أنهم كانوا يفهمونه كما نفهمه نحن الآن من مدلولات الألفاظ و مفاهيم الجمل التي أقرها اللسان و أثبتها الاستعمال؟؟... فاذا كان العرب عن بكرة أبيهم - و هم أدري الناس بلغتهم، و أعرفهم بمعاني ألفاظهم، و تصريف كلماتهم - فقهوا من القرآن تلك المفاهيم التي سار عليها المسلمون من عهد التنزيل حتي الآن دون أدني اختلاف، فمن أين لكم هذا العلم الذي ينكره الكتاب و اللسان. و لم ينزل الله به من سلطان. و هذا حال بهائكم الكذاب. و صبح أزل و الباب. من الجهل بلغة الأعراب؟؟... (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان أنتم الا تخرصون) [ صفحه 327]

ابطال نبوة الباب و البهاء و الأزل

اعلم هداك الله أن دعواهم النبوة منقوضة من وجوه (الأول) قوله تعالي: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين). فهذه الآية نص صريح في أنه لا نبي بعده، و اذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولي، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فان كل رسول نبي و لا ينعكس. و قال صلي الله عليه و سلم: (مثلي و مثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه، و ترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه، الا موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان، و ختم بي الرسل). و قال عليه الصلاة و السلام: (لا نبي بعدي و لا رسول). فقد تحقق من الكتاب و السنة أنه لا نبوة، و لا رسالة، و لا تشريع، و لا وحي ينزل علي أحد بعده صلي الله عليه و سلم. فكل من ادعي ذلك بعده عليه الصلاة و السلام فهو كذاب، أفاك، دجال، ضال، مضل، كافر بالله و رسوله، جزاؤه القتل شرعا (الوجه الثاني) ان الله تعالي جعل لكل نبي من الأنبياء صلوات الله عليهم علائم بحسب الزمان و المكان تدل علي صدق دعواه و هي المعجزة الكبري التي يؤسس عليها دعوته: كالعصا و اليد البيضاء لسيدنا موسي، و ابراء الأكمه و الأبرص و احياء الموتي لسيدنا عيسي، و القرآن لسيدنا محمد، صلوات الله عليهم. ثم المعاجز الأخر التي تؤيد، [ صفحه 328] تلك المعجزة و تقويها، كالمعاجز التي ظهرت علي يد نبينا محمد صلي الله عليه و سلم: من كلام الحجر، و سجود الشجر، و رد عين قتادة، و نبع الماء من أصابعه الكريمة، الي غير ذلك، ليهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حي عن بينة و قد جاء موسي عليه‌السلام (بالعصا و اليد البيضاء) لأنه كان في زمن قد انتشر السحر فيه انتشارا عظيما، و كثرت السحرة فيه كثرة بالغة، فجاءهم بما يشبه السحر و يعجز عن مثله كبار السحرة، ليعلموا بعجزهم أنه لو كان سحرا لقدروا علي مثله، لاحاطتهم بوجوه السحر، فينقطع عذرهم. و جاء المسيح عيسي بن مريم عليه‌السلام «بابراء الاكمه و الابرص و احياء الموتي» أي بما يشبه الطب و الحكمة، و يعجز حذاق الاطباء و الحكماء عن الاتيان بمثله، لوفور الطب و الحكمة، و توافر أهلهما في ذلك الزمان، ليتحققوا أنه لو كان ما جاء به طبا صناعيا، أو حكمة نظرية، لقدروا علي مثله، لشمول علمهم لأنواع الحكمة و الطب، فينقطع عذرهم. و قد جاء خاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم «بالقرآن» أي بما يشبه كلام العرب، و يعجز مناطيق فصحائهم، و مصاقع بلغائهم، عن التكلم بمثله، لأن من بعث اليهم ابتداءهم أهل الفصاحة و أرباب البلاغة، ليتيقنوا أنه لو كان كلام رجل منهم لم يعجزوا عن الاتيان بمثله. لبلوغهم منتهي بلاغة كلام البشر، فينقطع عذرهم، و تقوم له الحجة البالغة عليهم، و علي الناس أجمعين فلو كان أحد من الباب و البهاء و الأزل مرسلا حقا للعالمين في هذا العصر و هو عصر الصنائع و الفنون - لجاءهم بآية تشبههما و يعجز حذاق أربلبهما القابضون علي زماميهما عن الاتيان بمثلها ليتحققوا [ صفحه 329] أنه لو كان ما جاء به أمرا صناعيا، أوفنا نظريا، لقدروا علي مثله، لشمول علمهم لأنواع الصناعة و الفنون، فينقطع العذر، و تقوم له الحجة البالغة علي العالمين. أو كان يجي‌ء بما شاء الله من آية أخري تؤيد مدعاه. و تبرهن علي صحة ما يتقوله علي الله. متحديا بها الناس. مناديا فيهم بمل‌ء القوة و الباس. يا أيها الناس! لم تعرضون عن الحق، و تقبلون علي الباطل، و قد جاءكم الهدي من ربكم، أفلا تعقلون؟... يا أيها الناس! أتستكبرون علي الله اذ يدعوكم اليه بالحق، و هو ربكم الذي خلقكم و ما عملت أيديكم و اليه ترجعون!... يا أيها الناس! أتنكرون أمري، و قد جئتكم ببينة من ربي، هذه آيتي التي بعثني بها الله، فهل أنتم بما بعثني الله به مؤمنون؟؟... ثم يظهر من الايات الأخر التي تكون مقوية لتلك الآية، و مؤيدة لها، ما يدفع الشكوك عن الأذهان. و تقوم له به الحجة و البرهان. شأن كل نبي صادق أرسله الله بالهدي و دين الحق في كل زمان و مكان لكنهم أصحاب أديان مختلفة، مفتعلة، كلها شر في شر، و خبث في خبث، فما وسعهم الا أن يفتاتوا علي قدرة الله تعالي، و ينكروا المعجزات بمعناها المفهوم، و يؤولوها الي تلك المعاني المعنوية التي ما أنزل الله بها من سلطان، و يأباها الدين و اللسان، حتي لا يطالبهم أحد باظهارها، و لا يؤاخذهم انسان بعدم قدرتهم عليها فهل بعد هذا كله يظل أحد في الوجود ممن أوتي و لو ذرة من العقل، و نذرا يسيرا من الفهم و الادراك، لا يقول ببطلان هذه الأديان و كذب أصحابها، و افترائهم الافك و البهتان علي الله تعالي؟!... و هل بعد هذا كله لا يزال أولئك الدواب الذين اتبعوهم مختوما علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون؟؟... تالله انهم لمن شر [ صفحه 330] الدواب. (ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون و لو علم فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا و هم معرضون) علي أن نكران أديانكم للمعاجز أيها الباطنية مبني أيضا علي أنها تقع خارقة لناموس الطبيعة، مباينة نظام الكون، مغايرة لسنن الفطرة، مخالفة لسير العادات. و أن الله تعالي لم يكن علي زعمها الفاسد ليظهر أمثال تلك الأشياء الخارقة لناموس خلقه، بعد أن سخر كل شي‌ء لما هو له، و فطره علي الخلقة التي طبعه عليها، لا يتحول عنها و لا يتغير، آبد الآباد و دهر الداهرين. فالنار مثلا قد خصها الله تعالي بالاحراق فهي محرقة أبدا لا تكون بردا و سلاما في حين من الاحيان. و السكين بالقطع فلا تكون غير قاطعة يوما ما دامت مهيئة للقطع. و الجماد بفقد الروح و عدم الحركة فلا تتقلب العصاحية تسعي تلقف ما يأفكون. و هذا افتيات علي الله تعالي، و جهل به، و تعجيز لقدرته التي وسعت كل شي‌ء في الأرض و السماء. و لا يقول به الا كل زنديق ملحد كافر لا يؤمن بالله و قدرته نعم أنه سبحانه و تعالي قد وضع في تكوين هذه الكائنات و تصوير تلك العوالم أسبابا و قوانين جرت عادته تعالي في احداث هذه الحوادث عندها، فجعل مثلا حدوث النبات بواسطة الماء و التراب و الحرارة، و حدوث الحيوان بواسطة انتقال مادته الأصلية من الذكر الي الأنثي و تنميته في جوف الأنثي بوسائط شتي مع مرور زمن مخصوص علي كل من هذين التكوينين. و لكن لدي تدقيق النظر و البحث في الأدلة العقلية، و ملاحظة عظيم قدرته تعالي، و كمال علمه، و تدبر عجائب صنعه، يظهر جليا: أن جميع تلك الأسباب و القوانين التي وضعها الله سبحانه و تعالي، و جرت عادته في احداث الحوادث عندها - ما هي [ صفحه 331] الا عادية، بمعني أن عادته تعالي جرت باحداث الحوادث عندها لا بتأثيرها، و أن الزمن الذي خصص لتكونها و حدوثها، ما هو الا عادي أيضا، و هو سبحانه و تعالي قادر علي احداث تلك الحوادث يدون تلك الأسباب و القوانين، و بدون مرور ذلك الزمن الذي يكون ظرفا لتكونها و حدوثها. و يظهر ذلك لمن تأمل أن المآء و التراب و الحرارة لا يظهر فيها أدني داع لأن تصور أنواع النباتات كل نوع منها علي لون و طعم و رائحة و شكل خاص، و ليس عندها قدرة و علم و ارادة تؤهلها للتصرف في أنواع النبات ذلك التصرف العجيب الغريب. و أيضا انا نجد بعض أنواع النباتات مشتملا علي دقائق من الصنعة و غرائب من الوضع قد يحدث في زمن قصير جدا، و نجد نوعا آخر بسيط التكوين ليس فيه تلك الدقائق و لا يحتوي علي تلك الغرائب قد يحدث في زمن طويل ممتد. و هذا تنبيه من الحق تعالي علي أن الزمن ليس شرطا متوقفا علي التكوين توقفا لازما عقلا. بل ان ذلك الزمن لم يحصل ظرفا للتكوين الا عادة جرت للحق تعالي من غير احتياج اليه. و الا فلو احتيج اليه لكان الشي‌ء الأغرب في الصنعة أطول زمنا من الشي‌ء الذي يكون دونه في الغرابة و بما تقرر صح أن الله تعالي الذي أحدث هذه الكائنات قادر علي احداثها بدون تلك الشروط و الأسباب و الأزمنة الموضوعة لتكونها. فيجوز أن يوجد الله تعالي نباتا في لحظة طرف أو أقل بدون تلك الأسباب التي جرت عادته أن يحدث النبات عندها، و قادر علي ايجاد حيوان كذلك، و علي قلب الجماد نباتا أو حيوانا في لمحة طرف، و احداث أعظم من ذلك من خوارق العادات. و لكن ذلك منه تعالي لم يكن مطردا، بل يجريه علي يد رسول من رسله معجزة [ صفحه 332] مصدقه له بدعوي الرسالة، كما قلب عصا سيدنا موسي عليه الصلاة و السلام ثعبانا ثم أعادها عصا في زمن يسير. و هكذا توجيه جميع خوارق العادات التي نقل لنا وقوعها معجزات للرسل عليهم الصلاة و السلام تصديقا لهم مثل: انفلاق البحر، و انشقاق القمر، و كلام العجماوات، و مجي‌ء عرش بلقيس في لمحة طرف، و جعل النار بردا و سلاما علي ابراهيم، و خروج ناقة صالح من الصخر، الي غير ذلك من المعجزات، فانها بمنزلة: صدق عبدي في كل ما يبلغه عني: و من يقل غير ذلك فهو من أهل البهتان. مكبل بقيود العناد و الخسران فلو كانت أديانكم حقة أيها الباطنية لما أنكرت معاجز الأنبياء و هي البرهان الجلي علي صدق الدعوي و صحتها، و لو قفت مع الله عند حد التأدب، و لعلمت أن قدرته تعالي صالحة لكل شي‌ء لا يعجزها أمر في الأرض و لا في السماء. بل لو كان فيكم ذرة من العقل، و فضلة من الادراك، و لم يختم الله علي قلوبكم و علي سمعكم و علي أبصاركم، لما كنتم في هذا الضلال المبين، و لما ألقيتم بايديكم الي التهلكة و أنتم لا تشعرون. بل لو كنتم ممن لم يهن علي الله من خلقه، و علم فيكم بعض الخير، لما أضلكم بعد الهدي، و أغواكم بعد الرشد، و أبدلكم الخير بالشر، و الجنة بالنار. بل لو كنتم ممن دخل الايمان قلبه، و عرف الله حق المعرفة، لعلمتم أنه تعالي لم يترك النبوة فوضي يتلاعب بها المتلاعبون، و ينتحلها المنتحلون، و يدعيها أولو البطل و البهت، و يفتريها أهل الكذب و الافك، بل جعل لها بينات يراها الناس فلا يلتبس الأمر عليهم فيفرقون بين الصادق و الكاذب من الذين يدعونها ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حي عن بينة (الوجه الثالث) ان الله تعالي اذا بعث نبيا الي قوم بعثه بلسانهم [ صفحه 333] ليفهموا أوامر الله و نواهيه. قال تعالي: (و ما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم). و هؤلاء الثلاثة الكذابون علي خلاف ذلك، فانهم جاءوا الأعاجم الذين نادوا ببعثتهم فيهم بكتب عربية لا يستطيعون فهمها، و لا يفقهون حديثها، و لا يدركون معانيها، و لا يدرون ما فيها. فاذا قال قائل ممن أصمهم الله، و أعمي بصائرهم: ان هؤلاء الأفاكين الم يبعثوا لأقوام معينين حتي يأتوهم بكتب بألسنتهم المخصوصة بهم، بل هم مبعوثون للناس كافة بلسان اختاره الله لهم كما اختاره لمحمد صلي الله عليه و سلم في ابتعاثه للعالمين. قلت: ان محمدا صلي الله عليه و سلم لم يبعث بكتاب عربي مبين الا لكونه عربيا، و لكونه بعث الي العرب أولا، حتي كانوا أعوانا له في تفهيم الناس كافة مقاصد الكتاب، و معاني الآيات الكريمة، فلا تبقي للناس من حجة علي الله. فلو كان صحيحا ما جاء به هؤلاء الدجالون، لاقتضي أن يجي‌ء أحدهم و هو الباب العجمي الأعجمي لمن بعث اليهم أولا و هم أبناء جلدته من أهل فارس، بكتاب بلغتهم التي يعرفونها، و يتكلمون بها، و التي فطروا عليها أبا عن جد، ليفهموا معاني الكتاب و آياته، و يكونوا أعوانا له في تبيين دين الله للناس، حتي ينقطع العذر و تسقط الحجج. و أن يجي‌ء الاثنان الآخران و هما البهاء و صبح أزل بكتابين تركيين، لأن من بعثا اليهم أولا هم أهل (أدرنة) و هم قوم من الأتراك، لا يتفاهمون الا بلغتهم، و لا يعلمون من معاني غيرها ما يعلمونه منها، كي يعاونوهما في نشر آيات الله في العالم، و تعليم الناس كتاب الله، و تفهيمهم ما غمض عليهم من معانيه، ليسقط العذر، و تقوم لهما الحجة علي الناس، فيهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حي عن بينة. أو أنهم كانوا يبعثون أولا بهذا اللسان العربي الذي يدعون أن الله اختاره [ صفحه 334] لهم الي أقوام من أهله، ثم الي سواهم من العالمين، بشرط أن تكون كتبهم علي خلاف ما هي عليه الآن، أي تكون: فصيحة اللفظ، بليغة المعني، بعيدة من الغلط و اللحن، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، مقرة بوحدانية الله، منزهة له عن العيوب و النقائص، داعية الي عبادته وحده لا شريك له، غير داعية الي عبادة البشر و تأليههم، مسلمة بمعجزات الانبياء، مؤمنة بالحشر و النشر، مصدقة بالجنة و النار واليوم الآخر، خالية من الزور و الافك، عارية عن الضلال و البهت، غير جامعة لشي‌ء من البطل، شأن الكتب السماوية في كل زمان و مكان. حتي يتسني القول بأنها تنزيل الرحمن. لا املاء الشيطان... و زد علي ذلك أنهم يكذبون بعضهم بعضا في الدعوة، و لم يجهروا بها بين أهل العربية جهرهم بها بين الاعاجم لا سيما و أن دعاتهم بتظاهرون بالاسلام في جميع المواطن الاسلامية حتي اذا آنسوا جانب الضعف من مسلم ظهروا له بمظهر التحاب، و أوقعوا في نفسه الشك في دينه، ثم دعوه اليهم، و حشروه في زمرتهم، و استاقوه معهم الي النار، و بئس القرار... علي أن الجهر بالدعوة من لوازم الرسالة و الا كان الارسال عبثا، كما أن تكذيب بعضهم البعض ليس من شيمة المرسلين، و لا من خلق النبيين. فاللهم لطفا بعبادك، و قهم شر هذا الضلال البعيد (الوجه الرابع) ان هؤلاء الباطنية يقولون: ان الباب جاءهم بالأمس بشريعة جديدة ناسخة لشريعة القرآن لطول الأمد عليها حتي أصبحت لا تصلح للزمان و المكان. ثم ان من اقتدي منهم بالبهاء، أو بصبح أزل، يزعم أن مقتداه جاءه اليوم بشريعة أخري ذات أحكام جديدة و تكاليف جديدة ناسخة لشريعة الباب و أحكامها و تكاليفها. علي أنه تعالي اذا بعث للناس رسولا مشرعا ثم قفي بعده [ صفحه 335] بالرسل و الأنبياء فلا يكونون الا محيين لشريعته لا ناسخين لها بشريعة غيرها. فاذا طال عليها الأمد، و تغيرت أحوال الاجيال بتغير الزمان، فأصبحت غير صالحة للمعاملات الدنيوية، و التكاليف البدنية، فحينئذ يبعث الله تعالي مشرعا آخر، بشريعة أخري، تلائم أحوال الزمان و المكان، تبقي ما بقيت صالحة لمعاملات الناس. و هكذا كل شريعة سماوية من لدن آدم عليه‌السلام حتي خاتم الرسل و الأنبياء سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم، سنة الله في الذين خلوا و لن تجد لسنة الله تبديلا. لا أنه تعالي يرسل اليوم رسولا بشريعة، ثم يرسل في غد رسولا آخر بشريعة أخري ناسخة لسابقتها، و مصالح المكلفين لم تك محتاجة ما بين الأمس و اليوم الي هذا التغيير العجيب، و التبديل الغريب، في الأوامر السماوية، و الأحكام الالهية، و التكاليف الربانية (تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا). و اذا كانت القوانين المدنية و هي من وضع البشر لا يقع فيها التغيير و التبديل بهذه السرعة الزائدة، و واضعوها يجوز عليهم الخطأ و الزلل، لأنهم لم يقفوا تمام الوقوف علي ما ينبغي للعباد من المصالح الحقة، و انما وضعوا ما وضعوا من طريق المزاولة بما اهتدت اليه عقولهم علي الظن بأنه كافل لمصالح الناس بالنسبة للزمان و المكان - فكيف بالقوانين السماوية الصادرة من القلم الأعلي من لدن حكيم عليم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء!!... ألا ما لكم لا تفقهون، قاتلكم الله أتي تؤفكون (الوجه الخامس) ان حكمة الله البالغة اقتضت أنه تعالي لا يرسل نبيين معا في آن واحد الي شخص واحد الا أن يكونا ينطقان في رسالتهما، بلسان واحد في وقت واحد كموسي و هرون صلوات الله عليهما، فقد قال تعالي لهما (اذهبا الي فرعون انه طغي فقولا له قولا [ صفحه 336] لينا) الي آخر النسق، فلم يكن لكل منهما عبارة تخصه دون الآخر. و هذان اثنان من هؤلاء الثلاثة الكذبة و هما: البهاء و صبح أزل: ادعيا في آن واحد و في جهة واحدة أنهما مرسلان الي الناس كافة، و أتياهم بدينين متغايرين، و كتابين متضادين، و جعلا يكذبان بعضهما البعض في هذين الكتابين، و يتراميان فيهما بالكفر و الضلال و التقول علي الله. فكيف اذا يكونان رسولين صادقين!!... فان كان أحدهما صادقا و الآخر كاذبا، فيكف نعرف الصادق من الكاذب منهما، و كلاهما يؤيد دعوي الباب و هو كذاب، و من يؤيد دعوي الكذاب فهو كذاب نظيره، فكلا الثلاثة أفاك كذاب متقول علي الله... (اقرأ السؤال المسطور في الصحفة 266 من هذا الكتاب) (فهذه) خمسة أوجه كلها حجج لامعة، و دلائل قاطعة، و براهين ساطعة، علي افك هؤلاء الدجالين، و افترائهم الكذب علي الله، و اختلاقهم لهذه الأديان الخبيثة، التي أملاها لهم الشيطان، و ما أنزل الله بها من السلطان، طلبا للشهرة و المجد، و طمعا في متاع الحياة الدنيا، و ما الحياة الدنيا الا متاع الغرور (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدي فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين)

رد دعوي البهاء للمسيحية

يزعم البهاء في بعض أقواله: أنه المسيح المنتظر من اليهود و النصاري و المسلمين. و أن عيسي بن مريم صلوات الله عليه قد مات صلبا، و مضي [ صفحه 337] لسبيله كمن مضي من الناس، و أن روحه الشريفة قد تقمصت به. فهو هو بمعناه دون مبناه، و بروحه دون جسده أيد هذه الدعوي عند تابعيه، لاهداهم الله، و لا أراهم من الخير شيئا - أن ديانتهم تقول بالتناسخ، و أن جلهم كانوا علي مذهب الامامية القائل بالرجعة، أي رجوع بعض الأئمة السابقين و تابعيهم. و كانت نفوسهم متشبعة بهذا المذهب تمام التشبع، مع ما فيها من بقايا القول بالتناسخ الذي تلقفه آباؤهم و جدودهم جيلا بعد جيل من طائفة «الباطنية» الذين تسلطوا في بلاد العجم مدة طويلة يبثون في النفوس آراءهم السخيفة، و معتقداتهم الباطلة علي أن دعوي الرجل منقوضة من وجوه: (أولا) كون التقمص منافيا للشرائع السماوية كل المنافاة، مغايرا لها تمام المغايرة، لما يقل به الا من تبع هواه، بغير علم أتاه، كعبدة الأوثان و أشباههم. أو من أضله الله علي علم كفرقة «الباطنية» و غيرها من الفرق الضالة و العياذ بالله (ثانيا) كون اليهود الذين ينكرون أن عيسي بن مريم صلوات الله عليه هو نفس المسيح المنتظر، و يرمونه في بني‌اسرائيل علي مسمع من العالم بما هو و أمه بريئان منه، و يزعمون صلبه بأيديهم لافترائه الكذب علي الله علي دعواهم، و ينتظرون للآن مجي‌ء «المسيح الصادق» المبشر به في توراتهم، و أقوال أنبيائهم - انما ينتظرونه من بني‌اسرائيل أنفسهم لا من غيرهم من العالمين (ثالثا) كون النصاري الذين يعتقدون في آن واحد ألوهية المسيح «عيسي بن مريم» و بشريته، و يزعمون صلبه بأيدي بني جلدته اليهود لافتداء البشر من الخطيئة التي يدعون وقوع الناس فيها بسبب [ صفحه 338] أبيهم «آدم» عليه‌السلام، و يقولون بقيامه بعد ثلاثة من صلبه و دفنه، و رؤية بعض الحواريين له قائما بينهم، و صعوده أمام أعينهم الي السماء - يعتقدون عودته الي الأرض ثانية هو بذاته و نفسه (رابعا) كون المسلمين الذين يقرون بنبوة عيسي و مسيحيته، و يعترفون بعبوديته لله، و وجاهته في الدنيا و الآخرة، و نسبته الي بني‌اسرائيل من جهة الأم، و الي كلمة الله تعالي من جهة التكوين، و ينكرون وقوع القتل و الصلب عليه، و يقولون بوقوعهما علي شبهه، و أنه صلوات الله عليه. قد رفعه الله اليه. دون أذي أصابه. أو سوء انتابه. يعتقدون نزوله الي الأرض هو بنفسه و ذاته في آخر الزمان. يؤم الناس بشريعة القرآن. و سنة سيد و لدعنان - فينتج من ذلك: (أولا) بطلان كون البهاء هو المسيح بطريق التقمص لمنافاة ذلك للشرائع الثلاث. بل بطلان كون ديانته شريعة سماوية لقولها بالتناسخ و مخالفتها في ذلك سائر الشرائع السماوية. و حاشا الله أن يخالف بين شرائعه الا في التكاليف البدنية و المعاملات الدنيوية (ثانيا) بطلان كونه المسيح من طريق النسب لأنه فارسي الأصل كما يعرفه الناس فيه و يعترف هو بنفسه به، و المسيح باتفاق المسلمين و النصاري و اليهود اسرائيلي المحتد لا عنصر له سواه (ثالثا) بطلان كونه المسيح بالروح دون الجسم أوبهما معا. بل بطلان كون المسيح مضي لسبيله كمن مضي من العالمين. لأن المسلمين و النصاري متفقون علي أنه صلوات الله عليه لم يمض لسبيله، بل رفع حيا الي السماء بجسده و روحه، و سينزل الي الأرض كذلك بجسده و روحه، و ان كانوا اختلفوا في كيفية الرفع، فقال المسلمون: انه عليه‌السلام رفع دون قتل و لا صلب. و قالت النصاري: انه رفع [ صفحه 339] بعد ثلاث من صلبه و قتله و دفنه. اذ لا يعتد أبدا بهذا الاختلاف في جوهر المسئلة، و لا هو مما يضعف شيئا من قوة برهاننا، و لا ما تشاب به حجتنا الناصعة بأدني شائبة. فعيسي صلوات الله عليه حي باتفاق أهل الديانتين، و مقيم في السماء الي اليوم المعلوم، فينزل يومئذ بالصفة التي كان فيها يوم صعد، أي بهيكله و هيولاه و ذاته و نفسه و اسمه و سنه. و البهاء و لا شك غير المسيح في كل هذه الصفات، فليس هو المسيح اذا باتفاق أهل الديانتين (رابعا) بطلان كونه المسيح من حيث ديانته، فانه أتي بدين مفتري كله شر في شر، و خبث في خبث، زعم أنه وحي الله اليه بشريعة جديدة ناسخة لأحكام القرآن. و المسيح باجماع الأمة عندنا معشر المسلمين اذا نزل الي الارض فانما ينزل مقررا لشريعة محمد صلي الله عليه و سلم، مجددا لها، يحكم بها بين الناس، و يعمل بها في نفسه، و تكون الكلمة واحدة، فلا يعبد في الأرض كلها الا الله وحده لا شريك له. قال صلي الله عليه و سلم: «كيف بكم اذا نزل ابن‌مريم فيكم و امامكم منكم فأمكم منكم»؟ قال ابن أبي‌ذؤيب: أتدرون ما أمكم منكم؟ يؤمكم كتاب الله عزوجل و سنة نبيكم صلي الله عليه و سلم. و قال عليه الصلاة و السلام: «و الذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن‌مريم حكما عدلا فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتي لا يقبله أحد حتي تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا و ما فيها» (انظر البخاري) قال بعض أهل البصائر: لما كانت قائدة الشرع، دعوة الخلق الي الحق، و ارشادهم الي مصالح المعاش و المعاد، و اعلامهم الأمور التي تعجز عنها عقولهم، و تقرير الحجج القاطعة، و ازالة الشبه الباطلة [ صفحه 340] و قد تكفلت هذه الشريعة الغراء بجميع هذه الأمور علي الوجه الأتم الاكمل بحيث لا يتصور عليه مزيد، كما يفصح عنه قوله تعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم الآية) فلم يبق بعده حاجة للخلق الي بعثة نبي، فلذلك ختمت النبوة به صلي الله عليه و سلم، فشرعه مستمر للحشر، أي لا يتوسط بينه و بين الحشر شرع آخر. و لا يلزم استمرار العمل به للحشر بالفعل، فان المؤمنين يموتون قبله «بالريح اللينة»، و تقوم الساعة علي أشرار الناس، و هذا من معاني اسمه صلي الله عليه و سلم «الحاشر». و نزول عيسي عليه‌السلام انما هو بالعمل بشريعة النبي صلي الله عليه و سلم، فهو تابع له، و ليست نبوة مبتدئة حينئذ، لأنه قد مضي ابتداؤها. و بهذا يندفع اشكال: أن مجي‌ء عيسي بشريعتنا كمجي‌ء أنبياء بني‌اسرائيل بشرع موسي عليه الصلاة و السلام، و قد عدوا أنبياء مستقلين، لقولهم انه لا يشترط في الرسول أن ينسخ شرع من قبله. و وجه السقوط: أن أنبياء بني‌اسرائيل مجيئهم هذا هو بدء نبوتهم. و لا ينافي تبعية عيسي لشريعة نبينا صلي الله عليه و سلم عدم قبوله الجزية و قد قبلها صلي الله عليه و سلم، لأن أخذها مغياة الي ذلك الزمن، فعدم قبولها تنفيذ لحكم نبينا صلي الله عليه و سلم. اه و يمكث صلوات الله عليه حين ينزل أربعين سنة علي أصح الروايات المعتمدة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه الي جانب سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم في الحجرة المطهرة و يدفنونه الي جانب سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم في الحجرة المطهرة علي بعض الروايات و ترفع في زمنه الشحناء و التباغض و التحاسد، و يقع العدل،و يرفع الجور، و تملأ الأرض من السلم كما يملأ الاناء من الماء، و تضع الحرب أوزارها، و تقع الامنة في الشرق و الغرب، و تخصب الأرض، و تظهر خيراتها، فلا تدع من نباتها شيئا الا أخرجته، حتي يتمني الأحياء العيش، [ صفحه 341] و حتي أن الحي ليمر بالميت فيقول: يا فلان! قم فانظر ما أنزل الله من البركة في الأرض و ينزل صلوات الله عليه عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرذدبتين أي ثوبين مصبوغين، واضعا كفيه علي أجنحة ملكين، و ان رأسه يقطر و لم يصبه بلل، اذا طأطأ قطر، و اذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، و قد وقعت يومئذ في الناس فتنة «مسيخ الضلالة الكذاب» فيهلكه الله علي يديه، و يكفي المؤمنين شره و فتنته (انظر حديث فتنة الدجال في البخاري). الي غير ذلك من حال المسيح صلوات الله عليه، و حال زمانه حين نزوله الي الأرض، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، و الأخبار الصريحة، مما لا ينطبق شي‌ء منه علي حال هذا الدجال الكذاب، و حال زمانه زمان الملاحم و الفتن و العياذ بالله. و من أراد الزيادة في هذا الباب فليطلبها من الصفحات 129 و 130 و 131 من هذا الكتاب و لو كان البهائيون ممن أراد الله بهم و لو بعض الخير، لما و كلهم الي السيئات أعمالهم، و شرور أنفسهم، فضلوا هذا الضلال البعيد. بل لو لم يكونوا من (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمي أبصارهم) لآتاهم و لو ذرة من العقل، و شمة من الادراك، و نذرا يسيرا من العلم و الحكمة فأنكروا علي هذا الافاك كل دعاواه، و ضربوا بجميع أقواله عرض الحائط، و لم يتشبثوا بأباطيله هذا التشبث، يستحثون قصار العقول، و ضعاف النظر، علي التمسك بها، و التعلق بأذيالها. و لكنهم كانوا أعداء للرحمن. أولياء للشيطان. فأضلهم الله طريق الصواب. و حقت عليهم كلمة العذاب. فأصبحوا لا يفقهون قيلا. كأنهم الأنعام بل هم أضل سبيلا. قال تعالي: (و ما يستوي الأعمي و البصير و لا الظلمات [ صفحه 342] و لا النور و لا الظل و لا الحرور و ما يستوي الأحياء و لا الأموات ان الله يسمع من يشاء و ما أنت بمسمع من في القبور)

رد دعوي الصلب

نحن معشر المسلمين لا ننكر أن هناك ذبيحة بشرية تمت علي تلك الخشبة المسماة «بالصليب» في زمن المسيح عيسي بن مريم صلوات الله عليه. لكننا ننكر نكرانا مجمعا عليه من المسلمين كافة أنها وقعت علي المسيح نفسه، و نعترف اعترافا صريحا لا يخالف مسلم فيه مسلما أن الذي صلب علي تلك الخشبة، و قتل فوقها، انما هو انسان آخر ألقي الله تعالي شبه رسوله عليه،و رفع مسيحه اليه. و أنه صلوات الله عليه سينزل الي الأرض في اليوم الموعود، هو بنفسه و ذاته، و جسمه و روحه، و هيكله و هيولاه، فيقتل المسيخ الدجال. و يطهر الأرض من الضلال. و يجمع الناس الي شريعة القرآن. فلا يعبد الا الواحد الديان. الي غير ذلك مما سبق بيانه. و مر بك تفصيله و تبيانه و انك و ممسك السماء. أن تقع علي الغبراء. مهما فتشت و نقبت. و فليت و قلبت. فما أنت بواجد مسلما خرق اجماع أمته. و شذ عن أهل دينه و ملته. فصدق النصاري فيما قالوه. و آمن بأن اليهود قتلوا المسيح و صلبوه. أو قال انه مات حتف أنفه. و سلك سبيل من مضي من سلفه. و قد جاء في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه: (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم، و ان [ صفحه 343] الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم الا اتباع الظن، و ما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه، و كان الله عزيزا حكيما. و ان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا) و انا لنسأل الآن. أولئكم الذين كانوا من أهل الايمان. فباعوا الحق بالباطل. و الحالي بالعاطل. و دينهم بدنياهم. و آخرتهم بأولاهم. و تبعوا البهاء في مفترياته. و آووا الي أباطيله و كفرياته. ماذا تعدون من البرهان الصحيح. علي صلب رسول الله المسيح. و قتله علي خشبة الصليب. و ذوقه من اليهود أمر التعذيب. و هذه آية الكتاب الكريم. تكذب هذا البهتان العظيم. و دينكم كما تقولون. و الله يشهد انكم لكاذبون. مقر بسيد الرسل و الأنبياء. مصدق بما نزل عليه من السماء. و الآية لا أرشدكم الله. و لا تولاكم بهداه. من المحكمات. لا المتشابهات. صريحة المعني. صحيحة المبني. جلية الاشارة. بينة العبارة. قائمة الحجة. واضحة المحجة. محفوظة من التغيير و التبديل. لا تقبل الاستنباط و التأويل. فأسرعوا بالجواب ان كنتم علي الصواب. و هاتوا برهانكم المبين. ان كنتم من الصادقين و الا لزمتكم حجتنا الدامغة. و حقت عليكم كلمتنا البالغة. أنكم قوم ضالون. عن الحق معرضون. و علي الباطل مقبلون. تسمعون و لا تعون. و تسئلون. فلا تجيبون. فلسوف تصلون عذاب الهون بما كنتم تكسبون. قال تعالي: (و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل و أولئك هم الغافلون) فان قلتم: لا يقوم لديكم الدليل. الا بالتأويل. و انكم تلقفتموه من فقهائكم. و هم يروونه عن لسان بهائكم. و ذهبتم في تأويل آية [ صفحه 344] الكتاب. ذلك المذهب العجاب. تلقيا عن بهائكم الكذاب. كما يقرره ذلكم الشيخ الفاني. داعيتكم أبوالفضل الجرفادقاني. فقلتم: ان المراد من قوله تعالي في الآية الكريمة (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم و ان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن) انما هو الاخبار بأن قاتلي المسيح - و العياذ بالله من هذا الافتراء - قد اشتبه عليهم الأمر فقالوا انهم بازهاق روحه الطيبة علي تلك الخشبة أزهقوا «علم الله» الذي كان هيكله الشريف مظهرا له يومئذ، و الحقيقة أنهم لم يتسلطوا «بالقتل و الصلب» الا علي ذلك الهيكل الشريف و لا جسد الكريم لاعلي «علم الله و أمره» كما خالوا و اشتبهوا، و ليس لأحد ممن اختلفوا في ذلك من علم بالحقيقة بل كلهم في شك منها يجرون وراء أوهامهم و لا يتبعون غير ظنونهم و أحلامهم، كاليهود في قولهم هذا، و النصاري في دعواهم قتل «الناسوت» فدية للبشر من «الخطيئة» التي وقعوا فيها بسبب أكلة أبيهم آدم من تلك الشجرة، و المسلمين في زعمهم وقوع القتل و الصلب علي «انسان آخر» ألقي الله تعالي شبه المسيح عليه. و ان المراد من قوله تعالي (و ما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه و كان الله عزيزا حكيما) انما هو تأكيد لعدم حصول ذلك القتل الموهوم من اليهود، و اثبات لحفظ الله علمه في العالم الغيب، و اظهار لقدرته علي قهر أعدائه و حكمته البالغة في أفعاله. و ان المراد من قوله تعالي في بقية الآية الكريمة (و ان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا) انما هو تحقيق مجي‌ء «علم الله» في هيكل آخر غير هيكل عيسي الذي سلك سبيل سواه يختاره [ صفحه 345] الله [27] لأمره و ارادته و اظهار كلمته في ذلك اليوم الموعود المعبر عنه «بيوم القيامة» أي «يوم قيام علم الله في مظهر أمره» فيشهد فيه علي أهل الكتاب من مسلمين و نصاري و يهود بأنهم كاذبون فيما زعموه في المسيح صلوات الله عليه و يبين لهم حقيقة الواقع و نفس الأمر فلا يبقي منهم من لا يؤمن به قبل موته أي قبل انقضاء أجل دينه فانه في مدته يؤمن به كل أهل الكتاب بل و غيرهم أيضا فلا ينقضي أمد دينه [28] الا و الناس كلهم أتباعه. و ها هو قد تم أمر الله، و تحقق قوله المقدس، فأشرقت شمس البهاء علي العالم، داعيا الي الحق، مبينا للناس، ما اختلفوا فيه من أمر المسيح، و ما خفي عليهم من أسرار الوحي، و معاني كلمات الله، حتي لا يبقي لأحد من الخلق، من حجة علي الحق. اه فان قلتم بذلك أيها الضالون. و هو ما لابد لكم من القول به، اذ هو رأي بهائكم و دعاته. قلت: ان هذا التأويل، أو التفسير، أو البيان، أو ما تحبون أن تسموه - لا ينطبق علي معني الألفاظ العربية، و لا سياق الرواية القرآنية، و لا مدلولات الكلمات الافرادية، و لا مفهومات الجمل التركيبية، مما دل عليه عرف اللسان، و جري عليه أهل اللغة. بل لا ينطبق علي لسان الشرع، و لا أصول النحو، و لا قواعد الصرف، و لا فنون البلاغة، و لا طرائق النظر و الاستنباط، [ صفحه 346] و لا امارات القرائن و الدلالات. فهو عاطل باطل من كل الوجوه، لا مأخذ له البتة من علوم اللغة و الدين، و لا يقول به الا كل جاهل مغرور، كافر مفتون، ضال مضل، طاغ باغ، آثم قلبه، لما يدخله الايمان، قد ختم الله علي سمعه و قلبه، و علي بصره غشاوة، و مثواه النار، و بئس القرار. قال تعالي: (و من كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا). و قال تعالي: (ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلي عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم). و قال تعالي: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله و عند الذين آمنوا كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار). ذلك لأنكم: (أولا) ترجعون الضمير في قوله تعالي (و ما قتلوه و ما صلبوه) الي مالا وجود له في السياق و هو ذلك الذي تسمونه «علم الله». علي أنهما لا يرجعان حسب قواعد الاعراب الا الي المسيح صلوات الله عليه بدليل قوله تعالي (و قولهم) أي اليهود (و ما قتلوه و ماصلبوه). و هذان معنيان عرضيان لا يقعان الا علي الحقائق الشخصية لا علي المعاني العرضية مثل ذلك الذي تسمونه «علم الله» و الا لزم قيام العرض بالعرض و وقوع المعني علي المعني و هو محال كما أثبته المنطق و قرره الفلاسفة و جري عليه أهل الكلام. فلم يبق اذا الا نفي «القتل و الصلب» عن ذات المسيح و نفس هيولاه. فما لكم لا تفقهون!!... (ثانيا) جعلتم مادة «شبه» في قوله تعالي (و لكن شبه لهم) بمعني «اشتبه» فزعمتم أن قاتلي المسيح - و العياذ بالله من هذا [ صفحه 347] البهتان - قد اشتبه عليهم الأمر فخالوا أنهم بقتله علي تلك الخشبة قتلوا أيضا «علم الله» الذي كان متقمصا به. علي أن هذه المادة لا تؤدي معني «اشتبه» مطلقا لأن مفهومها الذي قررته نصوص اللغة و دل عليه عرف اللسان انما هو: مثل و صور: فالمادتان مستقلتان في مبناهما متباينتان في معناهما، لا تنظر احداهما الي الأخري بوجه من الوجوه ثم ان اليهود لم يكونوا مقرين بنبوءة عيسي حتي يصح علي زعمكم أن يقال: انهم خالوا قتل «علم الله» حينما قتلوه. بل هم منكرون له حتي الآن، مكذبون لدعوته من قبل و من بعد، لما يذكروه الا بالسوء هو و العذراء التي أحصنت فرجها، فنفخ الله فيه من روحه، فجاءت به بشرا سويا. و رسولا نبيا. حفظه الله من أعدائه. و رفعه حيا الي سمائه. و ألقي شبهه علي سواه. و كاد له من خصومه و أعداه. (قيل) لما أجمعت اليهود علي قتله صلوات الله عليه أخبره الله بأنه يرفعه الي السماء و يطهره من صحبتهم. فقال لأصحابه: أيكم يرضي أن يلقي عليه شبهي فيقتل و يصلب و يدخل الجنة؟ فقال رجل منهم: انا. فقتل و صلب. (و قيل) كان رجل ينافق عيسي فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه. فدخل بيت عيسي فرفع الله عيسي و ألقي شبهه علي المنافق فقتلوه و هم يظنونه عيسي. (و قيل) دخل: طيطانوس: اليهودي بيتا كان عيسي فيه فلم يجده و ألقي الله عليه شبهه فلما خرج ظن اليهود أنه عيسي فأخذوه و قتلوه. (و مهما يكن) من أمر هذا الاختلاف في تعيي الشخص المقتول فما هو بضائر شيئا في جوهر المسئلة اذ لاخلاف في أنه غير «المسيح عيسي بن مريم رسول الله» تصديقا لكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و لا يشك في ذلك الا كل جاحد كافر لا يؤمن بالله و رسوله و النور [ صفحه 348] الذي أنزل علي قلبه بالحق الهدي و رحمة للعالمين. (فان قلتم) لا يصح اسناد «شبه» الي المسيح لأنه مشبه به و ليس بمشبه، و لا الي المقتول لأنه لم يجر له ذكر. (قلت) هو مسند الي الجار و المجرور و هو «لهم» فالمعني و لكن وقع لهم التشبيه. و يجوز أن يسند الي ضمير المقتول فان قوله (انا قتلنا) يدل عليه، فيكون المعني و لكن شبه لهم من قتلوا. و ليس بمستبعد علي قدرة الله وقوع هذا الخارق أو أكبر منه في زمان النبوة الصالح لوقوع كثير من الخوارق و المعاجز. لا سيما و أن المسيح صلوات الله عليه كان هو نفسه خارقا من خوارق الطبيعة في أشياء كثيرة: في ولادته بغير أب، في نطقه في المهد، في وقوع شبهه هذا، في صعوده الي المساء بجسمه و روحه، في بقائه حيا فيها الي يوم نزوله. و لا ينكر هذا الا من كان مثلكم آثما قلبه، لم يشرح الله صدره بالايمان، قد عميت بصيرته عن الهدي و ضل سواء السبيل، فحرف الكلم عن مواضعه حتي لا تلزمه حجة الله البالغة، و برهانه المبين، علي بطله و بهته، و افكه و كذبه، و افتياته علي قدرة الله تعالي التي وسعت كل شي‌ء في الأرض و السماء. و تعجيزه لمالك الملك عن التصرف في ملكه بما يشاء. و الله غالب علي أمره راد كيد عدوه في نحره (ثالثا) تزعمون في قوله تعالي: (و ان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن) أن المسلمين من هؤلاء المختلفين، الشاكين، الجاهلين، الظانين، لاعتقادهم أن المقتول انسان غير المسيح ألقي الله تعالي شبهه عليه و رفع مسيحه اليه. علي أن المسلمين لم يعتقدوا هذا الاعتقاد الجازم العام الا من الآية الكريمة نفسها تبعا لمدلولات الكلمات و سياق الألفاظ و المعاني. و ليس هناك [ صفحه 349] قرائن أو دلالات تنطبق علي قواعد اللغة و عرف اللسان تشير الي مفهوم غير هذا المفهوم. فالآية من محكمات الكتاب لا متشابهاته المحتملة لبعض المعاني الجائز فيها التأويل و الاستنباط و نحوهما. فهي صريحة العبارة، بينة الدلالة، قاطعة في مفهومها، لا تحتمل سواه بوجه من الوجوه. و قد علمتم أن القرآن المجيد قد حفظه الله تعالي من التحريف و التغيير و التبذيل و الزيادة و النقصان فهو هو كما تلقاه رسول الله صلي الله عليه و سلم عن جبريل عن رب العالمين. و أنه تعالي قد أبان فيه للمسلمين غير ذلك من أمر المسيح صلوات الله عليه في آيات كثيرة محكمة غير متشابهة لا تحتمل البتة وجها من وجوه التأويل و لا مذهبا من مذاهب النظر و الاستنباط لم تغادر صغيرة و لا كبيرة من أخباره الا أحصتها. فاذا يتعين حتما كون المسلمين ليسوا من المختلفين فيه، بل هم عن بكرة أبيهم عالمون بحقيقته كل العلم، واقفون علي جميع أحواله تمام الوقوف، لا يداخلهم في أمره شك، و لا ينازعهم و هم، و لا يتطرق اليهم ظن. و ان الذين اختلفوا فيه، و جهلوا حقيقته، و داخلتهم الظنون و الشكوك في حاله كله، من الولادة و الارسال و واقعة الصلب - لا هذه وحدها كما تزعمون - انما هم أهل الكتاب من النصاري و اليهود الذين كانوا في زمنه علي الخصوص، و الذين جاءوا من بعده و اقتفوا آثار أسلافهم فيما اختلفوا فيه علي العموم. و اختلافهم في الولادة ينحصر في: رمي اليهود للعذرآء بالسوء و الفحشاء، و قول بعض النصاري: انه ابن الله تكون في «أحشاء مريم»، و قول البعض الآخر: بل هو الله تمثل في صورة البشر و خرج من فرجها (تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا). أما في الارسال ففي: تكذيب اليهود له و نكرانهم لبعثته، و قول النصاري: انه لم يكن نبيا بل هو [ صفحه 350] الله عند البعض، و ابن الله عند البعض، و ثالث ثلاثة عند الجميع. و أما في الصلب فانه لما وقعت تلك الواقعة قال بعض اليهود: انه كان كاذبا فقتلناه حقا. و تردد آخرون فقال بعضهم: الوجه وجه عيسي و البدن بدن صاحبنا - يريدون الذي دلهم عليه فألقي الله شبهه عليه فأخذوه و قتلوه - و قال بعضهم: ان كان هذا عيسي فأين صاحبنا و ان كان صاحبنا فأين عيسي. و قال بعض النصاري: قتل الناسوت و رفع اللاهوت. و قال بعضهم و هم «الباسيليديون و السيرنتيون و الدوسيتيون و المرسيونيون و الفلنطانيائيون و المانيسيون و البارديسيانيون و الساطرنيوسيون و الكاربوكراتيون و المركيونيون و البوليسيون و البارسكاليونيون و التاتيانيسيون» و آخرون كثيرون، قالوا: بل رفع الناسوت و اللاهوت لانه اله لا يصح قتله و ان المقتول غيره. قال بعضهم: ان شبه عيسي ألقي علي «سيمون السيرناي» و هو ذاهب الي محل الصلب و ألقي شبه سيمون عليه فقتل سيمون و رفع عيسي. و قال بعضهم: ان شبه عيسي ألقي علي أحد الحواريين فقتل و رفع عيسي و قال بعضهم: ان عيسي رفع و ألقي شبهه علي أحد اليهود فقتل و صلب (هذا) و اذا قال معترض: ان الله تعالي وصف هؤلاء المختلفين بالشك و هو استوآء طرفي الحكم بلا ترجيح، ثم وصفهم بالظن و هو أن يترجح أحد طرفيه، فكيف يكونون شاكين ظانين في آن؟ قلت: ان المعني أنهم شاكون ما لهم من علم قط غير أنهم ان لاحت لهم امارة ظنوا (رابعا) ترجعون الضميرين في قوله تعالي: (و ما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه و كان الله عزيزا حكيما) الي ما تسمونه «علم الله» و هما لا يرجعان حسب قواعد الاعراب و سياق الآية الكريمة الا [ صفحه 351] الي المسيح صلوات الله عليه جسدا و روحا و هيكلا و هيولي. و قد مر مثل هذا فيما ذكرناه قريبا في قوله تعالي: (و ما قتلوه و ما صلبوه) فليراجعه في محله من شاء فهو غاية في الاحكام، فيه الكفاية في هذا الباب، يخنق المكابر بوتره، و يرد كيده في نحره. فلم يبق اذا الا أن الغرض من هذا القول الكريم انما هو - رد لقتل المسيح، و انكار لوقوع القتل، و تأكيد لعدم حصوله، و اثبات لرفعه صلوات الله عليه سليما معافي بجسمه و روحه و هيكله و هيولاه، و أنه تعالي لا يغلب علي ما يريده، حكيم فيما دبر لرسوله، لا كما تقولون من ذلك البطل و البهت (خامسا) تعودون بالضمير في قوله تعالي: (و ان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به) الي «علم الله» أيضا متقمصا هيكلا بشريا جديدا هو هيكل «البهاء» كما تزعمون. و بالضمير في قوله: (قبل موته) الي دين البهاء. ثم تعرفون «يوم القيامة» في قوله تعالي: (و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا) بأنه يوم مخصوص من أيام الدنيا يسمي «اليوم المشهود لقيامة الموعود» أي قيامة «علم الله هذا» في «مظهر أمره». علي أن الضميرين لا يعودان البتة الا الي نفس المسيح صلوات الله عليه جسدا و روحا و هيكلا و هيولي كما تقرر قبلا في أمثالهما من الضمائر تبعا لقواعد الاعراب و سياق الآية الكريمة ثم انه لا مفهوم «ليوم القيامة» عند المسلمين كافة الا ذلك «اليوم الآخر» أي يوم قيامة الناس الي البعث و النشور و نيلهم الجزآء بما كانوا يكسبون في هذه الحياة الدنيا كما بينه لهم المعصوم صلي الله عليه و سلم عن جبريل عن رب العالمين. بل لا مفهوم له في عرف الأديان السماوية الأخري غير هذا المفهوم مطلقا. فاذا يتعين حتما أن يكون المعني الصحيح لقوله تعالي: (و ان من أهل الكتاب الا ليؤمنن [ صفحه 352] به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا) أنه لا أحد من أهل الكتاب الذين يكونون في زمن نزول عيسي الا ليؤمنن بعيسي قبل موت عيسي ثم في اليوم الآخر يشهد علي اليهود بأنهم كذابون و علي النصاري بأنهم دعوه الله و ابن الله و ثالث ثلاثة (تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا). و من هنا يتضح وضوحا جليا أن عيسي صلوات الله عليه حي بروحه و جسمه، و أن نزوله الي الأرض في آخر الزمان، و ايمان أهل الكتاب به يومئذ، و رؤيتهم لهيكله و هيولاه رأي العين، مؤكد لا محالة فيه. و كل قول غير هذا فهو باطل هرآء. يخبط فيه صاحبه خبط عشوآء. لا يلتفت اليه بحال. و يصفع قائله بالنعال بل يبال علي محياه. و يخلع لسانه من قفاه. فان قلتم: ان هناك من المفسرين من أرجع الضمير في قوله تعالي: (قبل موته) الي أهل الكتاب فيتطرق الشك الي بقاء عيسي حيا. قلت: انا لنقبله علي الرأس و العين لأنه لم يخرج عن كونه تقريرا بايمان أهل الكتاب عن بكرة أبيهم «بالمسيح» صلوات الله عليه نفسا و ذاتا و جسدا و روحا قبل خروجهم من دار الدنيا سوآء كانوا في زمن نزوله فيؤمنون به رأي العين أو بعد نزوله فيؤمنون به تبعا لأسلافهم أو قبل نزوله فيؤمنون به عند الغرغرة حيث ترفع الحجب عن البصائر و الأبصار فيعلمون أنه عبدالله و رسوله خلقه الله من الكاف و النون لم يقع عليه قتل و لا صلب بل رفع الي السماء بجسمه و روحه سليما معافي لم يمسسه سوء فان قلتم: ما معني الايمان عند الغرغرة و قد سقطت التكاليف حينئذ فلا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل؟ قلت: ليس الغرض من هذا الايمان معناه الشرعي المفهوم بل المراد منه ايقانهم أجمعين بأنهم كانوا علي ضلال مبين في دار الدنيا تنكيلا من الله بهم عند الموت، [ صفحه 353] و اظهارا نكفرهم أمام أعينهم، و تبرئة السيد المسيح مما نسبوه اليه، و رموه به، فيموتون و في قلوبهم حسرة لم يك أعظم منها، و قد علموا أنهم كانوا في غفلة مطبقة أوجبت لهم سوء المنقلب و العياذ بالله. فارجاع الضمير الي أهل الكتاب. ليس بضائر في هذا الباب. و لا بمنقص من جوهر المسئلة قدرا. و لا بطاو لحججنا فيها نشرا. بل هو لو تعلمون أيها الظالمون. دليل آخر صحيح. علي حياة السيد المسيح. فلا وفقكم الله لفهمه. و لا محا عن قلوبكم ما غشيها من ختمه. و لا أبرأمن نفوسكم تلك العلة. و لا أطفأ من صدوركم ما بها من غلة. فهذه خمسة وجوه كخمسة قنابل من «الديناميت» ألقيت علي ماشدتموه من صروح أباطيلكم، و قصور أضاليلكم، فدكته دكا، و نسفته نسفا، فكان هباء منبثا، كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف فأصبح كأن لم يكن بالأمس شيئا (قل ان ربي يقذف بالحق علام الغيوب. قل جاء الحق و ما يبدي‌ء الباطل و ما يعيد)

اقوال النصاري في الصلب

اشاره

قياما بواجب التأليف، و اكمالا للبحث و التنقيب، و طلبا للفائدة المنشودة، نفتح هذه المحاكمة، فلا يكون بعدها ما يستمسك به المكابر المعاند. و نلجم النصاري و البهائيين بالحجة في آن واحد. و اليك البيان:

اختلاف نصوص الاناجيل

قل متي في 26: 47 و 48 «و فيما هو يتكلم اذا يهوذا واحد من [ صفحه 354] الاثني عشر قد جاء و معه جمع كثير بسيوف و عصي من عند رؤساء الكهنة و شيوخ الشعب. و الذي أسلمه أعطاهم علامة قائلا: الذي أقبله هو هو، أمسكوه». و قال في 1:27 و 2 «و لما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة و شيوخ الشعب علي يسوع حتي يقتلوه فأوثقوه و مضوا به و دفعوه الي بيلاطس النبطي الوالي». و قال لوقا في 23: 1 «فقام كل جمهورهم و جاءوا به الي بيلاطس». و قال يوحنا في 18: 12 و 13 و 14 «ثم ان الجند و القائد و خدام اليهود قبضوا علي يسوع و أوثقوه. و مضوا به الي حنان أولا لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيسا للكهنة في تلك السنة. و كان قيافا هو الذي أشار علي اليهود أنه خير أن يموت انسان واحد عن الشعب». و قال مرقس في 1:15 «و للوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة و الشيوخ و الكتبة و المجمع كله فأوثقوا يسوع و مضوا به و أسلموه الي بيلاطس». و قال في الفقرات 16 و 17 و 18 من هذا الاصحاح: «فمضي به العسكر الي داخل الدار التي هي دار الولاية و جمعوا كل الكتيبة. و ألبسوه أرجوانا و ضفروا اكليلا من شوك و وضعوه عليه و ابتدأوا يسلمون عليه قائلين: السلام يا ملك اليهود». و قال متي في 27:27 و 28 «فأخذ عسكر الوالي يسوع الي دار الولاية و جمعوا علي كل الكتيبة. فعروه و ألبسوه رداء قرمزيا». و قال لوقا في 11:23 «فاحتقره هيرودس مع عسكره و استهزأ به و ألبسه لباسا لامعا ورده الي بيلاطس». و قال يوحنا في 19: 1 و 2 «فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع و جلده. و ضفر العكسر اكليلا من شوك و وضعوه علي رأسه و ألبسوه ثوب أرجوان». اه. فتري من هذا التضارب البين، و الاختلاف الشديد، في كيفية تقديمه الي بيلاطس، و الاخبار [ صفحه 355] عن هيئة ثيابه و لونها - أن هذه الدعاوي باطلة، لا وجه لها من اليقين، و لا دليل علي صحتها بالمرة. و انا لو تتبعنا كل نقطة من هذا القبيل، في هذه الأناجيل، لما انتهينا من مواقع الاختلاف، فهي أكثر من أن تحصر. علي أن في هذا القدر كفاية (لمن كان له قلب، أو ألقي السمع و هو شهيد)

بيلاطس لم يصلب المسيح

من المعلوم أن بيلاطس كان علي غير دين اليهود، و كان من ألد أعداء دينهم، فكان من أقصي أمانيه، و أبعد غايات سروره، أن يري من يبكت اليهود علي تعاليمهم، و يندد علي أحوالهم. فلا يعقل اذا و هو الحاكم المطلق، ذو السلطان المطاع، أن يخضع لليهود، فيصلب انسانا يعتقد صلاحه و براءته... يؤيد ذلك ما جاء في لوقا 1:23 الي 16 «فقام كل جمهورهم و جاءوا به الي بيلاطس. و ابتدأوا يشتكون عليه قائلين اننا وجدنا هذا يفسد الأمة و يمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلا انه هو مسيح ملك. فسأله بيلاطس قائلا أنت ملك اليهود فأجابه و قال أنت تقول. فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة و الجموع اني لا أجد علة في هذا الانسان. فكانوا يشددون قائلين انه يهيج الشعب و هو يعلم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الي هنا فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل هل الرجل جليلي. و حين علم أنه من سلطنة هيرودس أرسله الي هيرودس اذ كان هو أيضا تلك الايام في أورشليم. و أما هيرودس فلما رأي يسوع فرح جدا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة و ترجي أن يري آية تصنع منه. و سأله بكلام كثير فلم يجبه بشي‌ء. و وقف رؤساء [ صفحه 356] الكهنة و الكتبة يشتكون عليه باشتداد. فاحتقره هيرودس مع عسكره و استهزأ به و ألبسه لباسا لا معا ورده الي بيلاطس. فصار بيلاطس و هيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما. فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة و العظماء و الشعب. و قال لهم قد قدمتم الي هذا الانسان كمن يفسد الشعب و ها أنا قد فحصت قد امكم و لم أجد في هذا الانسان علة مما تشتكون به عليه. و لا هيرودس أيضا لأني أرسلتكم اليه و ها لا شي‌ء يستحق الموت صنع معه. فأنا أؤدبه و أطلقه» ا ه فمن كل هذه العبارات تري أن بيلاطس تحقق براءته، و هيرودس وافقه علي ذلك، و ألبسه لباسا لامعا، و لا بد أن يكون هذا اللباس علامة رضاه عنه، و الا فما معني استهزائه به، و الانعام عليه بثوب لامع، خصوصا و أن امرأة بيلاطس أرسلت اليه تقول كما في متي 19:27 «اياك و ذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله» فلا يبعد بعد هذا بل يتحقق أن بيلاطس أخفي عليهم أمره، و صلب سواه، أوقع الله شبهه عليه، تصديقا لقوله تعالي: (و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم). و لا سيما ان الصلب كان ليلا كما أجمعت عليه الاناجيل

رأي فضلاء الفرنجة

قال صاحب السيوف البتارة [29] في الصفحة الخامسة و العشرين و التي تليها حتي التاسعة و العشرين من كتابه المذكور ما نصه: «كتب المسيو [ صفحه 357] رنان [30] في كتابه المشهور المسمي (حياة المسيح) حينما تكلم علي شكاية اليهود من عيسي بدعوي أنه غير التوراة و كان ذلك علي زعمهم يستوجب قتله، قال: «ان حاكم فلسطين المسمي بونسيوس الملقب بيلاطس أظهر عدم عنايته بمنازعات اليهود الداخلية و شكاواهم و خصوماتهم، و كان يعتبر أن هذه الأعمال صادرة عن عقول مختلة و أفكار معتلة. و بالاجمال كان يكره اليهود و هم يكرهونه أشد من كراهته لهم، لأنهم كانوا يجدونه قاسيا ذا أنفة و كبر غير مكترث لهم. و لقد رموه و عابوه بجنايات لا يسعها عقل عاقل. و المتمسكون بدينهم منهم رأوا أن غرض بيلاطس هذا سحق أثر الشريعة الموسوية سحقا و محوها محوا. و تعصهم الأعمي، و كراهتهم الدينية له، جعلاه يأنف من أفكارهم. فانه كان يميل كل الميل الي الأحكام الوضعية الرومانية التي كانت نهاية فخر كل روماني في ذلك الحين، و كان يري أفكار اليهود سخيفة تقهقرية، لأنه كلما هم بجلب النافع العام، و سن مشروع يضمن الراحة و الرفاهية، قام الأخبار عن آخرهم و عارضوه بتفسير التوراة التي كانت تسد في وجهه أبواب التحسين و التغيير. فاذا توجهت عزيمته مثلا الي بناء قصر شاهق، أو تنظيم طريق عامة النفع، أقاموا في وجهه موانع تأويل التوراة. فلم يعتن بجرح حواسهم، و مس شرفهم و معالمهم الدينية، و عاملهم بالقسوة، و الكبر، و عدم تنفيذ رغباتهم. فانشعب الأمر، و دام الفشل، و أخيرا اضطرت الحكومة الي اقالته من منصبه بسبب قيامة اليهود عليه. و لقد كانت نفس بيلاطس تضيق، و صدره يحرج، عند مجي‌ء شكوي ضد عيسي فكانت نفسه لا تسمح بتنفيذ أمر القتل عليه، و عيسي ضد اليهود، [ صفحه 358] و يعيب التوراة كما يقولون. و اذا كان ذلك وفق رغبة الحاكم، و جل ما يتمني، فكيف يكون هو الآمر و المنفذ لقتله، مع أنه كان قادرا علي تنفيذ رغباته المضادة لليهود علي خط مستقيم!!... فالحقيقة أن بيلاطس كان ميالا كل الميل لخلاص السيد المسيح من هؤلاء الظلمة و لعله رأي ما فيه من جميل الشيم و الأخلاق الكريمة الطاهرة، فراقه ذلك زيادة عن كراهته لليهود، فعمل لخلاصه من الصلب (كما يتضح من انجيل متي 24:27 و لوقا 12:23 و يوحنا 23:13). و في بعض آيات الاناجيل أن عيسي سوعد من زوجة بيلاطس الحاكم (القائلة كما هو مذكور في انجيل متي 19:27 اياك و ذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله). و لعلها رأته فبهرها كماله، و وقاره، و حشمته، و بلوغه الغاية في الأدب، و الشمائل الطاهرة. و الظاهر أنها رأت هذا الشاب البري‌ء المبجل.من احدي نوافذ قصرها المطلة علي أفنية هيكل سليمان فظهر لها بكماله الحقيقي، فاستفظعت هدر دم هذا البري‌ء الوقور. و كيفما كان السبب فالذي لا يشك فيه أحد أن بيلاطس كان محبا لعيسي حبا شديدا، و لذلك سأله بكمال اللطف و الأدب ليفرغ ما في وسعه لتبرئته» اه. ثم قال صاحب السيوف: فيؤخذ من كلام رنان أن الحاكم المناط بالأمر و التنفيذ كان مضادا للصلب فلا غرابة في عدم حصوله للمسيح عليه‌السلام و تبديله بآخر، و كراهة هذا الحاكم لليهود مشهورة لا تحتاج لزيادة ايضاح، حتي أن: ترتوليانوس: أحد آباء الكنيسة النصرانية جزم بأن بيلاطس الحاكم كان نصرانيا في الباطن. و في الجزء الأول من تاريخ الديانة النصرانية للعلامة: ملمن: أن تنفيذ الحكم كان في وقت الغلس، و اسدال ثوب الظلام. فيستنتج من ذلك أيضا امكان استبدال [ صفحه 359] السيد المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف و صدقهم القرآن. و لقد جري علي هذا الرأي جماعة من المؤرخين المهمين كالمسيوشارل بيكار، و ارنست دي بونسن، و غيرهما. فان الأول قال: ان مسألة صلب المسيح كلها مبتكرة مخترعة مفتعلة لتوافق اعتقادات قديمة مآلها «أن الله يسكن غضبه الا بسفك دم القران من بني‌آدم» و كانت الهيود تقدم أولادها قربانا للذبح لاسكان غضب الخالق و و استجلاب رضاه. و يقول: انهم ربما أكلوا لحم القربان الآدمي و شربوا دمه، حتي اذا قامت الأنبياء في بني‌اسرائيل و اضطهدت هذه العادة الشنعاء بدل «ذبح الآدمي قربانا» بذبح الحيوان. و أطال المسيو بيكار في شرح ارتباط تضحية سيدنا عيسي عليه الصلاة و السلام مع هذه العوائد القديمة، فأفاد أن نفس الصليب كان مستعملا رمزا عن شي‌ء عندهم اسمه: اللنجام: و هو عبارة عن خشبتين متصلبتين متلاصقتين ببعضهما. أما المسيو ارنست دي بونسن الألماني فانه قال في كتابه المسمي (الاسلام أي النصرانية الحقة) صفحة 142 ما معناه: ان جميع ما يختص بمسائل الصلب و الفداء، هو من مبتكرات و مخترعات بولس و من شابهه من الذين لم يروا المسيح، لا من أصول النصرانية الحقة» ا ه. فهل من متبصر؟؟....

شهادة انجيل برنابا

يشهد هذا الانجيل صراحة أن المصلوب يهوذا، لا عيسي عليه‌السلام كما يقول المبطلون، و اليك نص ذلك نقلا عن (اظهار الحق) قال المسيح صلوات الله عليه في هذا الانجيل: «و اني و ان كنت [ صفحه 360] بريالكن بعض الناس لما قالوا في حقي انه الله و ابن الله كره الله هذا القول و اقتضت مشيئته بألا تضحك الشياطين يوم القيامة علي ولا يستهزئوا بي فاستحسن بمقتضي لطفه و رحمته أن يكون الضحك و الاستهزاء في الدنيا بسبب موت (يهوذا) و بظن كل شخص أني صلبت لكن هذه الاهانة و الاستهزاء تبقيان الي أن يجي‌ء محمد رسول الله فاذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن علي هذا الغلط و ترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس» ا ه قال صاحب السيوف البتارة في الصفحة السابعة و الخمسين و التي تايها عند ذكره لانجيل برنابا ما نصه: «و هذا الكتاب أعني انجيل برنابا أثبته العلماء قبل الاسلام بنحو ثلاثمائة سنة حتي أن العالم الانجليزي (تولاند) قال: «و علي النصرانية السلام» بمجرد رؤيته هذا الكتاب في سنة 1718 حينما وجد في مكتبة البرنس (أو جين دي سافواي) و تلقفته أيدي العلماء، و قرر في كتابه المسمي (نزارينوس) أي الناصري، أن تبار تقدم النصرانية يقف من ذاك الحين، و أنها ستأخذ في التقهقر تدريجا حتي تنمحي من صحيفة الوجود (راجع كتاب العلامة سيوس المسمي بعقيدة المسلمين في بعض المسائل النصرانية صفحة 32). و لقد نشأ عن هذه الحادثة و ما شابهها أن دقق علماء الافرنج خصوصا الألمانيين النظر و البحث الشديد في مسألة تعدد الأناجيل، و كون النسخ الرسمية منه أربعة، و غير الرسمية كثيرة جدا، مع أنه في الأصل كتاب واحد، أوحي الي نبي واحد. فقال ايخ هورن في كتابه (مقدمة العهد الجديد): ان الانجيل الأصلي كتاب واحد، استنبطت منه ثلاثة أناجيل ليس منها انجيل يوحنا، و قد وافقه علي ذلك علماء كثيرون. و قال العلامة هيردر و جماعة [ صفحه 361] آخرون: ان الانجيل الأصلي كان واحدا أيضا الا أنه لم يكتب، بل قاله المسيح مشافهة، و رواه الحواريون عنه للناس شفو يا أيضا، فحفظ الخلق منه بعض أقوال أضافوا اليها ما استحسنوه من السير و القصص، و نقصوا منها ما لم يوافق أذواقهم، و ما زالت تنتقل الروايات المختلفة من شخص الي آخر، و من زمن الي غيره، حتي تشعبت، و كتب أخيرا منها أناجيل شتي، فاختارت الكنائس من ضمنها أربعة جعلتها الرسمية» ا ه فتأمل...

حادثة القيامة

لا دليل علي قيامة المسيح من قبره كما يزعمون الا مريم المجدلية و مريم الأخري، فهما اللتان أخبرتا بذلك، و هو دليل ساقط من نفسه، لتفرد امرأتين به من جهة، و لاختلاف نصوص الأناجيل فيه من أخري، و اليك البيان: جاء في انجيل متي 1:28 و 2 «و بعد السبت عند فجر أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية و مريم الأخري لتنظرا القبر. و اذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء و جاء و دحرج الحجر عن الباب و جلس عليه». و في انجيل مرقس 16: 1 الي 6 «و بعد ما مضي السبت اشترت مريم المجدلية و مريم أم يعقوب و سالومة حنوطا ليأتين و يدهنه. و باكرا جدا في أول الأسبوع أتين الي القبر اذ طلعت الشمس. و كن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر. فتطلعن و رأين أن الحجر قد دحرج لأنه كان عظيما جدا. و لما دخلن القبر رأين شابا جالسا عن اليمين لابسا حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن لا تندهشن، أنتن تطلبن يسوع [ صفحه 362] الناصري المصلوب، قد قام». و في انجيل لوقا 24: 1 الي 4 «ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين الي القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه و معهن أناس. فوجدن الحجر مدحرجا عن القبر. فدخلن و لم يجدن جسد الرب يسوع. و فيما هن محتارات في ذلك اذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة». و في يوحنا 18:20 «قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد الي أبي». و في متي 9:28 «فتقدمتا و أمسكتا قدميه و سجدتا له» اه. ففي انجيل متي: أن الملك دحرج الحجر عن الباب و جلس عليه و في انجيل مرقس: أن النسوة دخان القبر، و رأين شابا فيه، و قال قد قام يعني المسيح، و أن الحجر دحرج نفسه. و في انجيل لوقا: انهن وجدن الحجر مدحرجا عن القبر، و رأين رجلين بثياب براقة. و في انجيل يوحنا: لا تلمسيني فاني لم أصعد. و في انجيل متي: أمسكتا قدميه و سجدتا له، و انهما أتيتا القبر عند الفجر بلا حنوط. و في انجيل مرقس: انهما و أخري أتين عند طلوع الشمس و معهن حنوط. و في انجيل لوقا: ان ثلاثتهن أتين أول الفجر و معهن أناس فقد وقع الاختلاف في نصوص هذه الأناجيل برمتها زيادة و نقصا و تناقضا، فلا يمكن معه الركون اليها، اذ الاختلاف يلزم منه عدم التيقن و الثبوت، فالدعوي غير مسلم بصحتها، بل هي من الأدلة الناطقة بعدم وقوع الصلب علي المسيح صلوات الله عليه. قال باسيليدس الباسيليدي: «ان نفس حادثة القيامة المدعي بها بعد الصلب الموهوم هي من ضمن البراهين الدالة علي عدم حصول الصلب» ا ه قوله ثم ان ما ورد في القرآن من قوله تعالي: (اني متوفيك و رافعك الي) لا يكون دليلا علي الموت. فقد جاء في آية أخري قوله تعالي: [ صفحه 363] (الله يتوفي الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها) فجعل النوم وفاة، و كان سيدنا عيسي عليه‌السلام قد نام، فرفعه الله اليه و هو نائم لئلا يلحقه خوف، فمعني الآية: أني منيمك، و رافعك الي و قد ورد النوم بمعني الوفاة في التوراة و الانجيل. قيل في سفر أيوب 12:14 «لا يستيقظون حتي لا تبقي السموات و لا ينتبهون من نومهم». و قيل في انجيل يوحنا 11:11 و 12 و 13 «قال لهم لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه. فقال تلاميذه يا سيد ان كان قد نام فهو يشفي. و كان يسوع يقول عن موته، و هم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم» اه. فسفر أيوب و انجيل يوحنا عبرا بالنوم عن الوفاة، و كما صح هذا التعبير يصح كذلك التعبير بالوفاة عن النوم، و لا مشاحة في ذلك، و لا سيما انه مستعمل في لغة العرب معروف عندهم

نتيجة هذه المحاكمة

ينتج من كل ما تقدم أن الشخص المصلوب هو غير المسيح قطعا بل هو يهوذا الاسخر يوطي بشهادة انجيل برنابا، ذلك الانجيل الصادق الناطق صراحة لنبينا محمد صلي الله عليه و سلم بالنبوة و الرسالة. و أن الله تعالي رفع المسيح حيا الي سمائه. و انتقم له من خصومه و أعدائه. من دون أذي أصابه. أو سوء انتابه. و لا ينكر ذلك الا أهل المكابرة و العناد ممن يستبقون صراط الخسران و لا استباق الجياد. أولئك الذين (ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون. صم بكم عمي فهم لا يرجعون) فلو كان البهائيون ممن أسمعهم الله ولو قليلا. و لم يجعل في آذانهم و قرا ثقيلا. و رفع عن أعينهم بعض الغشاوة. و زحزح عن قلوبهم شيئا تلك الغباوة. لما شطوا هذا الشطط. و لا وقعوا في ذلك الغلط [ صفحه 364] بل كانوا يعلمون علم اليقين. فساد ما يزعمه البهاء من الافك المبين. فيضربوا بأقواله عرض الحائط. و يعرضوا عن متاعه الساقط. و لكنهم هاتوا علي الله تعالي فأضلهم الصراط المستقيم. (ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم)

ابطال الوهية البهاء و الباب

هذه الدعوي باطلة من وجوه: (الاول) ان الا له هو الموجود واجب الوجود لذاته، يجب ألا يكون جسما، و لا متحيزا، و لا عرضا. و البهاء أو الباب عبارة عن هذا الشخص البشري الجسماني الذي وجد بعد أن كان معدوما و هلك بعد أن كان حيا. و قد كانا طفلين أولا، ثم صارا مترعرعين، ثم صارا شابين، فقتل أحدهما في عنفوان شبابه رميا بالرصاص، و رد الآخر الي أرذل العمر، و مات حتف أنفه في قلعة عكاء سجينا ذليلا و كان كلاهما يأكل و يشرب، و يبول و يغوط، و ينام و يستيقظ، و بروح و يغدو، و يمرض و يشفي، و يحزن و يسر. و قد تقرر في بداهة العقول أن المحدث لا يكون قديما، و المحتاج لا يكون غنيا، و الممكن لا يكون واجبا، و المتغير لا يكون قديما، و المحتاج لا يكون غنيا، و الممكن لا يكون واجبا، و المتغير لا يكون دائما. فدعوا هما للالوهية باطلة من هذا الوجه (الثاني) ان الباب سجن و ضرب و شهر في الاسواق ثم قتل رميا بالرصاص. و الهباء سجن و أهين و مات حتف أنفه في قلعة عكاء سجينا ذليلا. فان كان أحدهما الها، أو كان الا له حالا فيه، [ صفحه 365] أو كان جزء من الا له حالا فيه - فلم لم يدفع عن نفسه، و لم لم يهلك هؤلاء الذين أهانوه و أذاقوه عذاب الهون!!... و والله انني لأعجب جد العجب أن يقول العاقل هذا القول، و بعتقد صحته، و بداهة العقل شاهدة بفساده!... (الثالث) اما أن يقال ان الا له هو هذا الشخص الجسماني المشاهد، و اما أن يقال: حل الا له بكليته أو حل بعضه و جزء منه فيه، و الأقسام الثلاثة باطلة (أما الأول) فلأن اله العالم لو كان ذلك الجسم، للزم القول بقتل اله العالم و موته، فكيف بقي العالم بعد ذلك من غير اله؟؟... (و أما) الثاني و هو أن الا له حل بكليته في، هذا الجسم فهو أيضا فاسد، لأن الا له ان لم يكن جسما و لا عرضا امتنع حلوله في الجسم، و ان كان جسما فحينئذ يكون حلوله في جسم آخر عبارة عن اختلاط أجزائه بأجزاء ذلك الجسم، و ذلك يوجب وقوع التفرق في أجزاء الاله، و ان كان عرضا كان محتاجا الي المحل وكان الا له محتاجا الي غيره، و كل ذلك باطل. (و أما) الثالث و هو أنه حل فيه بعض من أبعاض الاله و جزء من أجزائه، فهو أيضا محال، لأن ذلك الجزء ان كان معتبرا في الالوهية فعند انفصاله عن الا له وجب ألا يبقي الا له الها، و ان لم يكن معتبرا في تحقق الالوهية لم يكن جزء من الا له. فثبت فساد هذه الأقسام، فكان قول الباب و البهاء بألوهينهما باطلا، و كذلك قول المرزا عباس بألوهية نفسه، و قول النصاري بألوهية المسيح فان قالوا بألوهيتهم من جهتي الاتحاد، و انطباع الصورة في المرآة قلت: أما من جهة الاتحاد فباطل من أربعة وجوه (الأول) انه امتزاج و اختلاط كامتزاج اللبن بالماء و هو ظاهر البطلان، فان الامتزاج [ صفحه 366] انما يكون من جسمين حادثين، فأما القديم فلا يجوز امتزاجه بغيره، و علي هذا فيكون اتحاد اللاهوت بالناسوت محالا، و قول القائلين به باطلا. (الثاني) أن يكون اتحاد اللاهوت بالناسوت أنهما صارا شيئا واحدا كالجريدة اذا حميت بالنار و هذا محال، لان الحرارة الداخلة علي الجريدة عرض زائد دخل عليها بواسطة مجاورتها النار، و النار جسم. فالقول بمثل ذلك بين قديم و حادث محال. (الثالث) ان معناه المجاورة كالثوب علي اللابس، و الظل و الشمس علي الجدار، و هذا محال أيضا. فان ضوء الشمس أجزاء منتشرة منبسطة علي ما وقعت عليه، و الثوب و الجسم يتجاوران، و أما القديم و الحادث فلا يتجاوران و لا يمتزجان. (الرابع) أن يكون الاتحاد بمعني الاتصاف فيكون اللاهوت صار وصفا للناسوت كالقدرة و الارادة، و هذا محال. لأن الصفات لا تنتقل من موصوف الي موصوف، اذ يلزم من ذلك قيامها بنفسها في حالة من الحالات، و يلزم أيضا من انتقالها الي أحد هؤلاء خلوه تعالي منها، و اتصافها بنقيضها، و هو محال أيضا. و أما من جهة انطباع الصورة في المرآة فباطل كذلك. لأن الصورة المؤثرة في المرآة لم تنتقل ذاتها اختلاطا و لا مجاورة، و انما ينظر الانسان صورته في المرآة لأن النور ينعكس عليه فيري صورته فيها لصقالتها، و ليس ذلك بحلول و لا مجاورة و لا امتزاج فمما تقدم كله بطلت دعوي البهاء و الباب و المرزا عباس للألوهية، و بطل أيضا تأليه النصاري للمسيح صلوات الله عليه. ومن شاء الزيادة في هذا الباب فليطلبها من الفصل الذي عقدناه بعنوان (وجوب وجود الصانع عزوجل) في الصفحة 112 من كتابنا هذا (شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و اولوالعلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم) [ صفحه 367]

خاتمة: اثبات البعث و الحشر

اشاره

لما وردت نصوص الشريعة بوجوب اعتقاد البعث أي أن الله تعالي يعيد الأموات يوم القيامة و يحييهم، كان المشركون في عصر الرسول عليه الصلاة و السلام يوردون الشبه علي القول بالبعث، و يقولون كيف يحيي الله الموتي بعد مفارقتهم الحياة و فنائهم و تفرق أجزائهم بين أجزاء الأرض. فكان القرآن الكريم يرد عليهم تلك الشبه في آيات كثيرة بما معناه: ان الله تعالي تام القدرة، كامل العلم، لا يعجزه شي‌ء مهما كان عظيما، و لا يخفي علي علمه شي‌ء مهما كان دقيقا خفيا، و الذي أوجد الكائنات من العدم بذلك الاتقان و الاحكام هو قادر علي اعادة الأموات بعد الفناء و احيائهم للحساب و الجزاء، و يضرب لهم الأمثال التي تقرب ذلك لعقولهم بأن الله تعالي يحيي الأرض بعد موتها بانزال المطر عليها، فتصبح مخضرة مزهرة بهجة بعد أن كانت قاحلة يابسة لا يري فيها أثر للحياة، الي غير ذلك من الأمثال التي ترفع عنهم شبه البعث التي قامت عندهم ثم ان علماء الشريعة لما وجدوا للفلاسفة منكري البعث شبها أخري يزعمون فيها حصول محالات عقلية علي القول بالبعث قالوا: ان الواجب شرعا علي كل مكلف أن يعتقد حصول البعث و الاعادة، و أن ذلك يحصل علي وجه لا يستلزم محالا عقليا و الله أعلم بكيفية ذلك، و لا يلزمنا لصحة الايمان بالبعث أن نبين الكيفية التي يجريها الله [ صفحه 368] تعالي في أمر البعث، بل نفوض علمها اليه تعالي. و لكن محافظة علي أفكار الضعفاء في الدين من الاضطراب نقول: ان من يتدبر في هذا العالم تدبرا صادقا وجد أمورا كثيرة تشبه الحشر، و تدل علي امكانه. فمن ذلك: المني: فانه فضلة الهضم الرابع و مادته انما تولدت من الأغذية المأكولة، و هذه الأغذية تولدت من الأجزاء العنصرية، و هذه الأجزاء كانت متفرقة في أطراف العوالم، فجمعها الله، فتولد منها حيوان أو نبات، فأكله انسان، فتولد منه دم، فتوزع الدم علي أعضائه، فتولد منه أجزاء لطيفة، فكانت هذه الأجزاء متفرقة في آفاق أطراف الأعضاء كالطل المنبث. و لهذا تشترك الأعضاء كلها في الالتذاذ بالوقاع، و يحصل الضعف و الفتور في جميع البدن عند انفصالها. ثم سلط الله قوة الشهوة حتي جمعت مقدارا معينا من تلك الأجزاء الطلية في أوعية المني، ثم أخرجها ماء دافقا الي قرار الرحم، فتولد منه انسان. فالأجزاء التي تولد منها بدن الانسان كانت أولا متفرقة في البحار و الجبال و الهواء، ثم اجتمعت بالطريق المذكور، فتولد منها هذا البدن، فاذا مات تتفرق علي مثال التفرق الأول. فالقادر العالم الذي لا يعجز عن شي‌ء، و لا يغيب عن علمه مثقال ذرة، كما جمع تلك الأجزاء المتفرقة أولا، ثم جعلها منيا، ثم كون منه الشخص الذي تختلف صور أعضائه - مع كون المني متشابه الأجزاء - و أودع فيه القوة الناطقة و الفاهمة اللتين لا يقتضيهما المني، فكذلك يقدر أن يجمعها مرة أخري اذا افترقت بالموت، و يكون منها شخصا، و يعيد النطق و الفهم الي محل كانا فيه أولا. و اذا كان الأول محققا عند المنكرين، فما المانع من تحقق الثاني، و الفاعل واحد سبحانه، و ما يمكن حصوله في بعض [ صفحه 369] الأوقات ممكن الحصول في سائرها، و هو تعالي قادر، عالم بجميع الكائنات من الكليات و الجزئيات، يمكنه تمييز أجزاء بدن كل انسان عن أجزاء بدن سواه، و اعادة التركيب و الحياة اليه كما كانا أولا؟!... فأدلة المنكرين ضعيفة جدا، وأشهرها قولهم: ان اعادة الشي‌ء بعينه عبارة عن اعادته بجميع عوارضه، و رجوع الشي‌ء بعينه الي حاله الأصلي من غير زيادة و لا نقصان، و الوقت أيضا من العوارض، فالشي‌ء المعاد لا يكون معادا بعينه الا اذا أعيد الوقت أيضا، و اعادته محال (لأن التقدم و التأخر في أجزاء الزمان بالذات، فلا يتصور عود الزمان المتقدم) فاعادة الشي‌ء بعينه أيضا محال. (و جوابه) ان اللازم علي تقدير الاعادة انما هو اعادة عوارضه المشخصة، لا العوارض مطلقا، و الوقت ليس من العوارض المشخصة، ضرورة أن هذا الكتاب الموجود في هذه الساعة هو الموجود قبلها، حتي أن من زعم خلاف ذلك نسب الي السفسطة. روي أن بهمنيار تلميذ الشيخ أبي علي بن عبدالله بن سينا كان يعتقد أن الزمن من جملة العوارض المشخصة، و باحث الشيخ في هذه المسئلة، فقال الشيخ: ان كان الأمر كما زعمت لا يلزم علينا الجواب، لأني الآن غير من كان يباحثك، و أنت أيضا الآن غير من كان يباحثني. فبهت بهمنيار، و رجع الي الحق علي أن الانسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بما له من مزاج مخصوص، بل هو عبارة عن الجوهر المجرد كما هو المختار عند محققي الفلاسفة، و المحققين من علماء الاسلام، علي ما هو مصرح في الكتب الحكمية و الكلامية. و قد أشبع هذا الكلام الامام الهمام الفخر [ صفحه 370] الرازي في تفسيره، فمن شاء فليرجع اليه. و لما ثبت امكان تعلق هذا الجوهر المجرد بالبدن في المرة الاولي، وجب أن يكون تعلقه في المرة الثانية أيضا، ممكنا، و يكون هذا الانسان العائد عين الانسان الأول و دل كلام كثير منهم علي أن الله تعالي يخلق من الأجزاء الأصلية المتفرقة لذلك البدن بدنا، ثم يعيد اليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن. و لما كانت النفس و الأجزاء الأصلية من البدن باقية بعينها، لا يضركون ذلك البدن غير البدن الأول بحسب الشخص، لأن الاعتبار للنفس و الأجزاء الأصلية، لا الهيئات و الكمية. و لذلك يقال للشخص من الصبا الي الشيخوخة: انه هو بعينه، و ان تبدلت الصور و الهيئات. و لا يقال لمن جني في الشباب و عوقب في المشيب: انها عقوبة لغير الجاني ثم ان التكليف الذي أمر الله أنبياءه بتبليغه الي أمهم يستلزم المشقة، و تحميلها بغير عوض ظلم مناف للعدل، و المدح فقط علي الطاعة لا يقوم بعوضها، و الذم علي المعصية فقط لا يكفي في الزجر عنها لاستسهال أكثر الناس الذم بعد قضاء الوطر. فوجب بمقتضي العدل و الحكمة ترتب مثوبة علي الطاعة و معاقبة علي المعصية معتدا بهما، و لا يجوز اجتماع التكليف و جزائه في دار واحدة، لأدائه الي رفع الاختيار و الامتحان في التكليف، و ثبوت الجبر المنافي للحكمه فيه. فوجب لذلك جعل دار أخري تكون محلا للجزاء علي العمل هذا في الطاعة. و أما المعاصي فلما كانت الغاية من النهي عنها أمرين أحدهما أزالة الفساد، و الثاني تطهير المكلف نفسه عن دنس القبائح و أرجاس الفواحش - وجب للأول جعل عقوبات دنيوية لا ترفع اختيار المكلفين علي كل معصية بحسبها، و هي: الحدود [ صفحه 371] و التعذيرات الشرعية، و منها: مسخ بعض المكلفين، و الخسف، بهم، لردع الباقين عن ارتكاب القبائح، و اقتناء الرذائل. و للثاني اثبات عقوبة أخروية هي دخول النار الذي استحقه المكلف بعصيانه المنعم عليه و تدنيسه نفسه بأدناس الفواحش فثبت من الدليل وجوب المعاد الجسماني و تحقق الجنة و النار، فبطل بذلك قول من جحد عود المكلفين بعد الموت مطلقا: كالدهريين، و الوثنيين، و البابيين علي اختلاف فرقهم. و بطل به أيضا قول جماعة من الفلاسفة في انكارهم المعاد الجسماني خاصة، و انكارهم الجنة و النار الحسيتين، و اثباتهم المعاد الروحاني و الجنة والنار العقليتين فقط فتدبر قال المنجم و الطبيب كلاهما لا تحشر الأموات قلت اليكما ان صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما و الله نسأل أن يختم لنا بخاتمة الايمان. و يحرس قلوبنا من موارد الضلال و الطغيان. و أن ينفع بما كتبته اخواني أهل ملة الاسلام. و ينصرهم به في مجال الجدال و الخصام. و أن يؤجرني عليه أجرا غير ممنون. يوم لا ينفع مال و لا بنون. انه علي ما يشاء قدير. و باجابة الدعاء جدير. و صلي الله علي سيدنا محمد سيد الأولين و الآخرين. و خاتم الأنبياء و المرسلين. و علي آله و أصحابه و التابعين. و من تبعهم باحسان الي يوم الدين. آمين [ صفحه 372]

فتوي شيخ الاسلام بكفر المرزا عباس زعيم البهائيين

أوفدت جريدة (مصر الفتاة) الغراء أحد محرريها الأدباء، و هو الكاتب الجهبذ، الشيخ محمد مصطفي الهياوي - الي خاتمة المحققين و قدوة العلماء العاملين، مولانا الأستاذ الاكبر، الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، يستفتيه في المرزا عباس زعيم البهائيين. و قد نشرت فتواه في نسختها 692 الصادرة في يوم الثلاثاء 25 ذي الحجة سنة 1328 من الهجرة، الموافق 27 ديسمبر سنة 1910 من الميلاد. و اليك هي: (قال المحرر) و قد قابل فضيلته في مجمع من العلماء الأعلام: أرجو أن أري رأي فضيلتكم في هذا الزعيم الديني الجديد صاحب الديانة الجديدة (قال فضيلته) و قد أظهر شيئا من الدهشة: ان هذا الرجل الضال كان معتقلا في عكاء، فما الذي جاء به الي هذه البلاد؟ (قال المحرر) انه قد جاء يا مولانا، و هو الآن نزيل الثغر الاسكندري، و ما رأي فضيلتكم فيه؟ (قال فضيلته) انه كافر. اه (قلت) و اذا كان المرزا عباس كافرا بفتوي شيخ الاسلام و المسلمين في هذه الديار، فبالضرورة يكون الباب و البهاء و الأزل - و هم أصل البابية و البهائية و الأزلية - كفارا. و يكون دعاتهم، و أتباعهم، و من يرون آراءهم، و يقولون أقوالهم، كفارا كذلك. و ان الفتوي لتفقا عين المكابر. (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شي‌ء ذلك هو الضلال البعيد)

پاورقي

[1] كلمة فارسية معناها السيد يلقب بها الأشراف في فارس.
[2] هي صحيفة المؤيد، و قد انفردت من بين الصحف الاسلامية بغلوها في تمداح الرجل، و تبرئته مما هو ألصق به من جلده، و ألزم له من ظله، كأن صاحبها الشيخ المسلم الأزهري قد عاهده علي نشر دعوته بيننا، و اخراج الايمان من قلوبنا، و محو الاسلام من ربوعنا، فاقتفي آثاره في التغرير به، و التضليل فيه، و لا حول و لا قوة الا بالله. و لكن عسي أن يثوب الشيخ الي رشده، بعد أن يقرأ كتابنا هذا، فيتقرب الي الله بكلمة في مؤيده تكون في ميزانه يوم القيامة، يعرف الناس بها حقيقة هذا الرجل، فلا يقعون في شركه، و لا تجوز عليهم حيلته، و لا أراه الا فاعلا ان شاء الله. (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. و من يعمل مثقال ذرة شرا يره).
[3] هو هذا الكتاب الذي بين يديك.
[4] اقرأ تحقيق كلمة الفارقليط عقب هذا السهم.
[5] هذا الفاضل كان من كبار قساوسة البروتستنط، ثم عاد الي الاسلام دين أبويه، و جعل دأبه محاربة النصرانية، يرد شبهاتها، و يدفع مفتريات القسوس علي الدين الحنيف. فهو حجة ثقة، و لا ينبئك مثل خبير.
[6] وحدانية الله تعالي باعتراف الانحييل هي: «يا أبتاه! هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوا أنك أنت وحدك الا له الحق، و أن عيسي هو المسيح الذي أرسلته. (يو 3:17).
[7] في هذا المقام نسأل ذلك العجوز المفتون المكتني بأبي الفضل: هل شريعة ربك العاجز جاءت مصدقة لكتب الله و وحيه، مخبرة عن الأمور الآتية من علامات الساعة و آيها، و أهوال القيامة و ما ورائها، داعية دعوة الرسل الي توحيد الله، و تنزيهه عن النقائص، و عبادته وحده لا شريك له، و الايمان بملائكته، و قضائه و قدره، و الاعتراف باليوم الآخر، و الوعد و الوعيد، و المثوبة و العقوبة، الي غير ذلك من الأصول الأساسية التي لا تختلف الرسل في الدعوة اليها علي اختلاف مباعثهم، و طبقات وجدانهم، و تباين لغاتهم؟؟ أو هي علي النقيض من ذلك تدعو الي تأليه البشر، و تأمر بعبادتهم من دون الله، و تنكر الحشر و النشر، و الجنة و النار، و الحساب و العقاب، و أمثال ذلك مما تنكرونه و تدعون اليه، و لا ينطبق الا علي دعوة الشيطان، لا دعوة رسل الديان؟؟ فاذا كانت شريعة ربك العاجز أيها العجوز المضلل تدعو الي غير سبيل الله، فما هي من عندالله كما تزعمون. و ما الفارقليط رغم أنوفكم سوي محمد صلي الله عليه و سلم بدلالة اللفظ أولا، و الحنيفية السمحة ثانيا. لا ما تحاولون من اثبات دلالته علي البهاء أخزاه الله و أخزاكم.
[8] هنا أقول للعجوز الفاني أبي‌الفضل: اذا كان ربك العاجز الذي تعبده من دون الله ربا قديرا له ملك السموات و الأرض لا يعجزه شي‌ء في أرضه و لا في سمائه كما يزعم و تزعمون - فكيف عجز عن آية تؤيد دعواه، و تقوم بها حجته، و قد جاء مظاهر الأمر، و مهابط الوحي، بمعاجز مصدقة لهم، مؤيدة لدعاواهم، لينقطع بها العذر، و تقوم لهم الحجة علي الناس، فيهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حيي عن بينة؟؟... ان ربك العاجز أيها العجوز لم يكن الا عبدا مثلك، آبقا من سيده، مغضوبا عليه من ربه، لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا، سجن و ضرب، و مات و قبر، ليس له من الأمر شي‌ء، و قد علم أن الله جلت حكمته لا يؤيد الكاذب الفاجر، فافتات علي قدرة الله و أنكر المعاجز، و وافقتموه علي تأويلها الي معان ما أنزل الله بها من سلطان، حتي لا يطالب بمعجزة، فيؤاخذ علي عجزه عنها (فمن أظلم ممن كذب علي الله و كذب بالصدق اذ جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين).
[9] أينطبق الفارقليط بهذا الاعتبار أيها الهرم المغرور، علي ربك الميت المقبور، و قد كان يدعو الناس الي الكفر و الضلال، و يأمرهم بعبادته من دون الرب المتعال؟؟.... [
[10] قلت: أينصرف الفارقليط بعد هذا الاشتقاق الي البهاء، أم ما تدعونه زور و افتراء؟؟...
[11] نقول: هل أخبر البهاء بشي‌ء من ذلك، و حتم وقوعه، أو هو ينكر الساعة بمعناها المفهوم و يتأولها بيوم ظهوره، و لا يعترف بالبعث و النشور، و الجنة و النار، و كل ما هنالك في الحياة الثانية، و يؤوله الي معان ما أنزل الله بها من سلطان، مخالفا بذلك رسل الله و أنبياءه من آدم الي الخاتم صلوات الله عليهم أجمعين؟؟... ثم هل هو و بخ العاكفين علي الشرك و عبادة غير الله علي ذلك العكوف، أو هو يدعوهم الي هذا الشرك بعينه من تكليفهم بعبادته؟؟... فاذا كان هذا حاله من الضلال و البهتان، و الدعوة الي غير سبيل الله، فليس هو الفارقليط، بل هو كذاب أشر رغم أنفه، و أنف خليفته عباس، و داعيته أبي‌الفضل، و كل شيعته و أتباه. (ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).
[12] و لكون النبي انسانا وجوه أخر أيضا: (الأول) أن الجنس أميل الي الجنس (الثاني) أن البشر لا يطيق رؤية الملك علي ما هو في نفس الأمر و لو ظهر في صورة البشر فحاله كحال البشر عند المكلفين (الثالث) أن طاعات الملائكة قوية فيستحقرون طاعة البشر، و ربما لا يقبلون عذرهم في الاقدام علي المعاصي. و هذا علي ذوق المتكلمين.
[13] و لا يشترط في حصول العلم به عدد معين لجماعة المخبرين، بل يختلف هذا باختلاف الوقائع و المخبرين و السامعين. لأنه قد يحصل العلم في واقعة بعدد مخصوص، و لا يحصل بذلك العدد في واقعة أخري. و كذا قد يحصل العلم باخبار جماعة مخصوصة، و لا يحصل باخبار جماعة أخري تساوي الأولي في العدد. و كذا قد يحصل لبعض السامعين من عدد، و لا يحصل لبعض آخر من ذلك العدد.
[14] و أما نقلا فلا مجال لا نكاره، و لا استبعاد بحسبه. فان الملائكة باعتباره أجسام لطيفة، تظهر في صور مختلفة، و تقوي علي أفعال شاقة.
[15] يعني بالرب الجليل ربه البهاء كما يعني بالساعة و القيامة ساعة ظهوره و قيامه بالدعوة.
[16] نقلت ذلك بحرفه من الصفحة 358 من كتاب مفتاح باب الأبواب الآنف الذكر.
[17] يقال ان موت هذا العامل لعنه الله كان بتدبير بعض الحاشية غضبا لله و انتقاما للدين الحنيف.
[18] باب الاجتهاد لم يغلق عند الفرس فكل من كان من علمائهم حائزا لشروطه المدونة عندهم كان مجتهدا يقلد و لا يقلد.
[19] هاتان الكلمتان يعبر بهما البابيون عن المؤمن بدينهم و الكافر به.
[20] جمع زايرجة معرب (زاييجه) كلمة فارسية معناها المواليد و الطوالع.
[21] تحليل البابيين لشرب الخمر و التبغ و القهوة و هو محرم عليهم من فم من اعتقدوا عصمته لأعظم دليل علي أنهم قوم لاخلاق لهم من شرار الفجار المسرفين علي أنفسهم قد افتتنوا بالشهوات و ولعوا بالمنكرات.
[22] أما بقية اخوته و هم: المرزا محمد حسن، و المرزا تقي پريشان، و المرزا رضي قلي الطبيب، فكانوا علي طرفي نقيض معه.
[23] لكي تعرف مكانة (مفتاح باب الأبواب) من صحة الرواية و صدق النقل راجع الصفحة الرابعة عشرة و التي تليها من كتابنا هذا.
[24] علق صاحب (مفتاح باب الأبواب) علي قوله «علي قبل نبيل» بقوله: قد قلنا فيما سبق ان البابية لهم شغف زائد بتطبيق أسمائهم علي أسماء الله و الأنبياء و الأولياء و ذلك بحساب حروف الجمل. مثلا كل بابي اسمه محمد يلقب عندهم بالنبيل لأن الأعداد في حروف اسم محمد و النبيل واحدة. فقصده من اسم علي قبل نبيل هو المرزا علي محمد الباب. ا ه بحروفه (راجع أيضا الصفحة 276 من كتابنا هذا).
[25] المرزا حسن الخراساني هذا من كبراء التجار الايرانيين له دار فسيحة يسكنها قبالة ضريح الشيخ المنسي علي مقربة من شارع الظاهر. المعروف عنه أنه سني علي مذهب أبي‌حنيفة، و أنه من رعية مولانا الخليفة العثماني. يذيع ذلك و يقيم عليه الأدلة باقراء القرآن المجيد في بيته كل رمضان، و بتجهيزه زوجه عند وفاتها بجهاز المسلمات السنيات. كل هذا ليستطيع القيام بالدعوة الي البهائية سرا، و ليحتفظ بماله من العلاقة بالتجار و غيرهم. كأنه نسي أنه هو الذي أنفق المال في طبع ذلك الكتاب الخبيث: كتاب الدرر البهية: لمؤلفه أبي‌الفضل الجرفادقاني داعيه البابيه البهائية العباسية في مصر، و أن اسمه مخطوط عليه مع الاشارة الي أنه هو طابعه بماله، علي ما فيه من الدعوة الي عبادة البهاء، و تكذيب القرآن، و محاولته أن يفسد علي المسلمين دينهم. فلئن نسي ذلك فلنذكرنه به، و في كتابنا هذا (الحراب) قطع منه متفرقات استشهدنا بها علي زندقة أولئك الضالين. أما اذا رأيته فانك تحسبه من الغلاة في التشيع للسنيين من المسلمين، و هو علي نقيض ذلك كما علمت. و مما أخبرنا به بعض عارفيه أنه تزوج امرأة اخري علي مذهب أهل السنة من الأحناف و طلقها بعد ذلك، و الحمد لله. و له ابن‌بهائي (بالطبع) اسمه المرزا عبدالجواد، تاجر في النيلة، و السجاد، بيت تجارته في الخرنفش، زوجه من سنية منذ أكثر من خمس عشرة سنة، و لا يزال أهلها يعتقدون سنيته و مهما يكن عند امري‌ء من خليقة و ان خالها تخفي علي الناس تعلم.
[26] هي فسحة ما بين (مفتاح باب الأبواب) و (الحراب) فالأول مطبوع في غرة رجب سنة 1321 و الثاني طبعناه في أول رجب سنة 1329 فالمدة بينهما ثمانية أعوام كاملة.
[27] يريدون بلفظ الجلالة «البهاء» أيضا لتطرقه في دعواه من المسيحية الي الألوهية و العياذ بالله (اقرأ هذه الدعوي في كتابنا هذا من الصفحة 283 حتي 293 تر العجب).
[28] أمد هذا الدين كما يزعمون ألف عام (اقرأ ذلك في الصفحة 269 و 270 من هذا الكتاب).
[29] راجع الصفحة التاسعة و الخمسين من كتابنا هذا تعلم من هو صاحب السيوف البتارة.
[30] هو الكاتب الشهير ارنست رنان العضو في الأكادميه الفرنسية.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.