شهر رمضان شهر البناء والتقدّم

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: حسیني شیرازي، سیدمحمد، 1307 - 1380.

عنوان واسم المؤلف: شهر رمضان شهرالبناء واالتقدم/ السیدمحمد الحسیني الشیرازي؛ [برای] الشجرةالطیبه.

تفاصيل المنشور: قم : انتشارات دارالعلم، 1442ق.= 1399.

مواصفات المظهر: 78ص.؛ 21/5(عليه السلام)14/5س م.

ISBN : 978-964-204-603-4

حالة الاستماع: فاپا

لسان : العربية.

ملحوظة : الطبعة السابقة : موسسه الوعی الاسلامی للتحقیق والترجمه والطباعه والنشر: موسسه السیده زینب(علیهاالسلام) الخیریه، 1419ق. = 1998م. = 1377.

ملحوظة : کتابنامه : ص. [75] - 76 ؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : رمضان

Ramadan

تحسين الذات - الجوانب الدينية - الإسلام

Self-actualization (Psychology) -- Religious aspects -- Islam

روزه

Fasting

رقم تعريف إضافي: معهد شجر طيبة (قم)

ترتيب الكونجرس: BP188

تصنيف ديوي: 297/354

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7538050

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فاپا

ص: 1

اشارة

شهر رمضان شهر البناء والتقدّم

----------------

آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمة الله)

الناشر: دارالعلم

المطبوع: 10000

المطبعة: احسان

الطبعة الثانية 1442ه ق

إخراج: نهضة الله عظيمي

-----------

شابك 978-964-204-603-4

النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) للطلب 07826265250

كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي(عليه السلام)، مكتبة الإمام الحسين(عليه السلام) التخصصية

مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا(عليه السلام)، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5

طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردين، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، دوار روح الله، أول فرع 19، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

ص: 3

ص: 4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يطلّ علينا كل عام شهر رمضان بعطره الزاكي بنسيمه الفوّاح، الذي ما أن يلمس النفوس حتى يجعلها على أهبّة الاستعداد لتلقي كلمات الإنابة والتوبة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى.

شهر رمضان بلسمٌ يبعث الارتياح والطمأنينة إلى النفوس المعذّبة والقلوب المنكسرة والأجساد المنهكة، إنّه ضماد لجراحات القلب والجسد؛ يخفّف عنها عناء الحياة ومشاقّ العمل والكدّ، في لياليه المقمرة بالآمال وبأيامه الزاخرة بالعلاقات والزيارات وبالمحبّة المتبادلة.

شهر رمضان، شهر جديد من بين بقية الشهور لأنه يمتاز عنها بأشياء كثيرة، يريد للمؤمن أن يكون جديداً في كل أيامه، جديداً لا بملبسه حيث اعتاد البعض أنيرتدوا أجمل ما عندهم من الملابس.

جديداً لا بمأكله حيث اعتاد بعض الناس أن يأكلوا في هذا الشهر كل شيء جديد. فكل ما لم يعتادوا على أكله يبتاعونه في هذا الشهر ليتناولوه وكأنه ليس شهر الصيام بل شهر الطعام. وكأن الهدف ليس هو التدريب على الجوع والعطش ليتذكّر الإنسان المؤمن جوع وعطش

ص: 5

الفقراء والمساكين ليواسيهم، وليتذكّر جوع وعطش يوم القيامة بل الهدف هو التعوّد على تناول ألذّ الأطعمة!

فعلى المؤمن أن يصمّم في هذا الشهر مع نفسه أن يكون أفضل مما كان عليه، وأن يعاهد الله سبحانه وتعالى أن يكون لبنةً جديدة تُضاف إلى صرح الإسلام المتين، ليرتفع هذا الصرح شامخاً في سماء الدنيا باعثاً الهداية والأمل إلى كل البشرية.

والإنسان بحاجة في كل عام إلى وقفة مع نفسه ومع الحياة، لأنّ غبار الحياة قد يتراكم على قلبه فيجرّده عن رؤية الحقيقة وتحول بينه وبين طريق التقدم. فلابدّ من غربلة تمهّد الطريق إلى الدخول في شهر رمضان، لابدّ من نقضٍ لما علقبالإنسان من غبار الجهل واليأس والتخلف، والأخذ بشآبيب الأمل والتقدم للمضي في طريق راسخ نحو تجديد الحياة الفردية ليكون هذا التجديد هو السبيل لتقدم حياة الجماعة نحو الأمام.

ورسالة الإسلام هي التأكيد على هذين الأمرين الحيويين، كما قال سبحانه في كتاب الكريم: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ...»(1)، وقال أيضاً: «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً...»(2) فالبشر قد يتراجعون إلى الوراء وقد يقفون في مواقعهم دون حِراك.

ص: 6


1- سورة الأنفال، الآية: 24.
2- سورة النحل، الآية: 97.

أما المؤمن، إذا «تساوى يوماه فهو مغبون»(1)، فهو في تقدّم متواصل - في كل أبعاد الحياة - لا يعرف التراجع ولا يعرف التوقف ولا يعرف الكلل والملل، هكذا أراد الإسلام له.

يقول الشاعر:

وقال نبيّ المسلمين تقدّموا*** وأحبب إلينا أن نكون المقدّما(2)

في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة.

يتحول الإنسان إلى أمّة كإبراهيم(عليه السلام) حيث كان أمة قانتاً لله.

يكون أُمّة بتقدمه في هذا الشهر، فهو يعبد الله ما يعادل عبادة سنة، وهو في المجتمع ليس فرداً بل أفراداً متعاونين متآخين، وهو في الكون بذرة تبعث الحياة في كل ركن من أركان الدنيا.

فشهر رمضان شهر الحركة والبركة.

كل جسم ساكن إذا مسّهُ نسيم هذا الشهر يأخذ بالحركة، فالكثير يخرجون للتبليغ في هذا الشهر المبارك، والكثير يشتغلون في الليل والنهار، وإذا ما حاولنا أن نحصي إنتاج بعض الأفراد لوجدنا أنهم ينتجون ما يعادل العام.

شهر رمضان هو ربيع القرآن، ففيه أوّلاً نزل القرآن الكريم كاملاً ثم تنزّل على رسول الله(صلي الله عليه و آله) منجّماً ابتداءً من السابع والعشرين من شهر

ص: 7


1- من لا يحضره الفقيه 4: 382.
2- انظر شرح ابن عقيل 2: 157.

رجب في السنة الآتية؛ ومنالمعلوم أن نزول القرآن كان مقترناً ببدء البعثة.

وفي القرآن الكريم يجد الإنسان برنامج التجديد الذي يبتغيه ويسعى من أجل تحققه في هذا الشهر.

ف-«شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ» هو «هُدىً لِلنَّاسِ». هداية لإصلاح النفس والغير هداية معنوية ومادية، حيث تضمّن دستوراً لكل طريق صائب ولكل زاوية من زوايا الحياة.

«وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى» حيث إن لهذه الهداية أدلّة واضحة مأخوذة من هذا الجنس، فليس - مثلاً - من جنس المال ودليله، الشهود التي تثبت المال، بل هداية ودليل على الهداية، إذ الدليل يلزم أن يناسب المدلول، وإلاّ لم يكن دليلاً عليه، للزوم المناسبة بين عالمي الإثبات والثبوت كما يقوله علماء الكلام.

ويبقى هناك أمر ثالث هو «وَالْفُرْقانِ...»(1) أي ما يفرّق بين الحق والباطل، والرشاد والضلال، إذا قد يهتدي الإنسان إلى الحقلكنّه لا يملك حالة التميز بين الحق والباطل.

والقرآن هو كتاب هداية لجميع الناس «هُدىً لِلنَّاسِ»(2)، فهو ليس لقومٍ دون قوم، ولا لجماعة خاصة، لا لزمانٍ معين ولا لمكان محدد بل هو للناس أجمعين.

ص: 8


1- سورة البقرة، الآية: 185.
2- سورة آل عمران، الآية: 4.

فالإسلام ليس كاليهودية التي حصروها بقوم خاص هم الإسرائيليون، وليس كالمسيحية التي جاءت لفترة محددة من الزمن.

ثم تأتي جملة «هُدىً لِلْمُتَّقينَ»(1) في آية أخرى لتؤكد أن المستفيد من القرآن هم جماعة واحدة، هم (المتقون)، وإن كانت قابلية الهداية موجودة لدى جميع البشر بلا استثناء.

فلام (المتقين) هي للانتفاع لا للملك الخاص.

أما قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...»(2)، فالمراد ب-(القوم) المسلمين لا القومية بالمصطلح السياسي المتعارف كالقومية العربية والقومية الفارسية وغيرهما.ولذا قال سبحانه: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ...»(3)، وحرف (التاء) في صيغة اسم الفاعل تدلُ على العموم والمبالغة، وهي ليست المبالغة في قبال الحقيقة بل المبالغة في البلوغ للكل. وتقدُّم لفظ (كافة) على لفظ (الناس) للتأكيد على أن طبيعة الدين أنه للجميع. فالتقديم هنا لدلالة المرتبة، فهناك فارقٌ كبيرٌ بين أن نقول: (ما لنا إلاّ اتباع أحمد) وبين أن نقول: (ما اتباع أحمد إلاّ لنا) كما جاء في أشعار ابن مالك(4).

إذن نفحات هذا الشهر ستعمّ الجميع، فشهر رمضان هو للناس كافة

ص: 9


1- سورة البقرة، الآية: 2.
2- سورة الزخرف، الآية: 44.
3- سورة سبأ، الآية: 28.
4- من ألفية ابن مالك في بحث الابتداء: وخبر المحصور قدّم أبداً *** كما لنا إلاّ اتباع أحمداً

كما أن الدين الإسلامي للناس كافة، إذن لابدّ من استثمار هذا الموسم الروحي العظيم بأحسن وجه.

لابدّ أن نستفيد من كل لحظة في هذا الشهر.

لابدّ أن نستغل كل عطاء منعطاءات هذا الشهر المبارك.

لابدّ أن يسعى كل واحد منّا أن يكون مرحوماً في هذا الشهر فلابدّ للخير أن يقع فاستعد أنت أن تكون من أهل الخير(1).

فشهر رمضان آتٍ إلينا بخيراته وعطاءاته ومنحه، فليفكّر كل واحد أن يكون من أهل هذا الشهر، ومن المسجّلين في سجل الفائزين.

والفوز الأكبر في شهر الصيام هو إصلاح النفس والغير وتطوير الحياة إلى الأفضل.

وهما عجلتان لا يمكن السير في عباب الحياة المتلاطمة إلاّ بهما.

نسأل الله أن يوفقنا للاستفادة من شهره الكريم.

والله الموفّق المستعان

محمد الشيرازي

ص: 10


1- مثلاً: المساجد تبنى لكن هل أنا أبنيها أو غيري يسعد ببنائها؟

الفصل الأول: المهام العقيدية

اشارة

ص: 11

ص: 12

تصحيح العقيدة

الفطرة البشرية هي منبع العقيدة الصحيحة، فلإنسان يقرّ بوجود الخالق بالفطرة.

وبالفطرة عرف الإنسان أنّ الله واحد لترابط أجزاء هذا الكون ف-«لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا...»(1).

وبالفطرة توصّل الإنسان إلى معرفة صفات الخالق، فعرف أنه عادل لأن عدم العدل إما نابع من الجهل أو الحاجة أو الخبث، وكل ذلك يتنافى مع الصفات الأخرى للخالق.

فالله تعالى منزّه عن الصفات التي يتّصف بها المخلوق من خبث وجهل واحتياج فهو غني عن كل شيء، وهو عالمٌ بكل شيء، وعلمه وغناه ينفيان عنه الجهل والحاجة والخبث.

وبالفطرة يكتشف الإنسان أن لله سبحانه غرضاً في الخلق، وإلاّ لكان الخلق عبثاً، والعالم القادرالغني بمنأى من العبث، ولتحقيق هذا الغرض لابدّ من بعث الرسل وأوصيائهم لهداية البشر إلى ما يريده.

وبالفطرة يعرف الإنسان أن مقتضيات عدل الخالق أن وضع حساباً لهذا الكون، فكان لابدّ من إثابة المحسن بالإحسان ومعاقبة المسيء

ص: 13


1- سورة الأنبياء، الآية: 22.

لإساءته.

وينظر الإنسان فيرى المجرمين كيف يطول بهم المقام في هذا الحياة؟

وكيف يعيشون على جرائمهم؟ بل يزدادون إجراماً، وإنهم يموتون دون أن ينالوا العقاب العادل.

وبالعكس يرى المحسنين كيف يرحلون عن الدنيا دون أن ينالوا جزاء إحسانهم، وهنا توصلهم النظرة الثاقبة إلى ضرورة وجود حياة أخرى غير هذا الحياة التي نحياها وسيكون العقاب والثواب في انتظار أصحاب الأعمال في الدنيا في الخير أو الشر وبذلك يثبت المعاد.

هذه باختصار هي العقيدة الإسلامية.

وهذه هي أصول الدين والتي منبعها الفطرة البشرية «فِطْرَتَ اللَّهِالَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها»(1).

هذه هي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد في يوم القيامة، وخصوصيات هذه الأمور قد ثبتت في الشريعة، وبمقدور كل إنسان أن يحصل على هذه العقيدة وخصوصياتها بشرط أن يعيش صفاء الفطرة وشفافية الوجدان.

وشهر رمضان هو مناسبة جيّدة لإيجاد هذا الصفاء، ولخلق هذه الشفافية في النفوس، والتي من خلالها يصل الإنسان المؤمن إلى معين العقيدة.

وكلّما تأصّلت العقيدة في النفس الإنسانية طفحت في السلوك

ص: 14


1- سورة الروم، الآية: 30.

وانعكست في الأخلاق، وكل إناء بالذي فيه ينضحُ.

وشهر رمضان هو شهر تأصيل العقيدة وتقويتها وترسيخها وتركيزها في القلوب والأذهان. وستكون ثمرة هذه العقيدة هي الاستقامة في الحياة في القول والفعل.

ومن ثمار هذه الاستقامة هطول البركات والنِعم، وقد قال تعالى: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّريقَةِلَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»(1).

العترة الطاهرة ملاذنا

التمسك بأهل البيت عليهم آلاف التحية والسلام هو جزء من الدين، والاهتداء بهديهم من أهم الواجبات.

قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «إني تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»(2)، وعلّة ذلك؛ إن القرآن الكريم على عظمته فوق أن يفهم كل أحكامه وخصوصياته البشر. فكان لابدّ من مفسّر للقرآن الكريم ومبيّن لأحكامه.

وهذه هي مهمة الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) ومن بعده الأئمة من أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.

وليس هذه هي مهمة العترة الطاهرة فقط، فبالإضافة إلى تبيين الأحكام وتوضيحها يقوم الأئمة(عليهم السلام) بدور القدوة للمسلمين، فهم أول

ص: 15


1- سورة الجن، الآية: 16.
2- الإرشاد 1: 233.

من طبّق أحكام الإسلام فأصبحوا الأمثلة الحيّة لتطبيقه، فهُم الإسلام الناطق لذا كانوا أهلاً للاقتداء فيمختلف مناحي الحياة اقتصادية وسياسية وثقافية وتربوية وأُسرية وغيرها.

وشهر رمضان بما يتضمّن من ذكريات ترتبط بالعترة الطاهرة؛ كولادة الامام الحسن(عليه السلام)، وشهادة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وليالي القدر، حيث كان الأئمة(عليهم السلام) يتفرغون فيها للعبادة، لذا لابدّ وأن نتعايش مع شخصيات هذا الشهر، وأن نعيش تلك اللحظات التي عاشها أئمتنا الأطهار(عليهم السلام).

نعيش ذكرى بدر والبطولات التي سطّرها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) أثناء مبارزته لعمرو بن عبد ودّ العامري.

أن نعيش الرسالة والرسول والدور الأساسي الذي قام به أمير المؤمنين(عليه السلام) في فترة التأسيس مع الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) وفي فترة التصحيح بعد غياب رسول الله(صلي الله عليه و آله).

وأن نعيش الإمام الحسن(عليه السلام) ودوره في تحصين الرسالة عندما وقف ذلك الموقف الصلب من معاوية الطاغية الماكر الذي كان يريد إعادة دور الروم وإعادة المسلمين إلى الجاهلية الأُولى.

وأن نعيش الإمام الحسين(عليه السلام) في تلكاللحظات التي ضحّى فيها بالغالي والنفيس من أجل الدين، وبلغ الأمر به أن قدّم رضيعه ضحية من أجل أن لا يدع للطاغية يزيد أن يواصل تضليله للناس وتجهيله للأُمة.

ص: 16

وأن نعيش الصبر والعناء عند سيدة نساء العالمين الزهراء البتول(علیها السلام)، وأن نتذكر دائماً كيف يجب أن يكون دور المرأة الصالحة في كل زمانٍ ومكان.

فمن الواجب أن نكرّس حياتنا في هذا الشهر للعترة الطاهرة تأريخاً وفهماً لهم والأخذ بأقوالهم والاقتداء بأعمالهم وتمييزاً لمختلف أدوارهم وتشخيص مواقعنا لأدوارهم(عليهم السلام).

وقد تختلف الاجتهادات كما اختلف أدوار المعصومين(عليهم السلام)، فهناك من يقتدي بالإمام الحسن(عليه السلام) ويحاول أن يتمثل الدور الذي قام به هذا الإمام العظيم في صلحه مع معاوية حفاظاً على الدين والمؤمنين، وهناك من يحاول أن يتمثل الدور الذي قام به الامام الحسين(عليه السلام) في إعلان الثورة ضد الاستبداد والطغيان.

وهذا الاختلاف هو نتيجة حتميّة لسعة الأُمة التي تُعطي بوجودها مساحات كبيرة من العالم، ونتيجةمنطقية لتباين همومها ومشاكلها، وكذلك من التوسعة على الأُمة لا من الاختلاف في الجوهر.

مثلاً: هناك من تحتم عليه الأوضاع أن يقف موقفاً حسنياً في بقعة من العالم الإسلامي، وهناك إلى جانبه في بقعة أخرى يُحتم عليه أن يقف موقفاً حسينياً.

فكان لابدّ من التحديد نوع الاقتداء بنوع الظرف الذي يعيشه المسلم.

وهنا علينا مسؤولية أخرى هي أساس كل مسؤولية وهي التعرّف بأهل البيت(عليهم السلام) حتى يكتشف الناس مجالات الارتباط التي بينهم وبين

ص: 17

قادتهم الميامين.

كما ويجب علينا أن نعرّف العالم بالعترة الطاهرة(عليهم السلام) حتى يستضيء بأنوارهم ويجعلهم مناراً يهتدي بهم، «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(1).

الرغبة في الجنة والرهبة من النار

إنّ أكثر ما يستثير الهمم ويطلق العِنان للطاقات، هو التفكير بالجنة والنار فالجنة هي نهاية الصالحين والمؤمنين، والنار هيمصير الجبّارين والمتكبرين.

وإذا ما تمعنّا في الآيات التي نزلت على رسول الله(صلي الله عليه و آله) في مكة المكرمة لوجدنا أنها تركّز على هذه المسألة، وتطرح الجنة والنار كعامل مهم من عوامل دفع الناس إلى الإيمان وحثّهم على الانخراط في سلك المسلمين.

بالإضافة إلى هذه الآيات هناك المئات من الأحاديث والروايات المروية عن الرسول(صلي الله عليه و آله) والأئمة(عليهم السلام) الواردة بهذا الشأن، وقد جمعنا تلك الآيات في كتاب باسم: (الجنة والنار في القرآن).

وتكمن أهمية موضوع الجنة والنار في أثره في السلوك البشري، فالرغبة في الجنة تجعل الإنسان في الدنيا متّقياً وطيّباً وخلوقاً، كذلك تجعله خيّراً متعاوناً مع الآخرين، ويحب الخير للآخرين. أمّا رهبة النار فتجعل الإنسان يمتنع عن ارتكاب المنكرات ويبتعد عن الموبقات.

ولا يخفى أن مبدأ العقاب والثواب هو خير وسيلة للتربية الصالحة،

ص: 18


1- سورة النحل، الآية: 16.

هكذا كانت حياة الرسول(صلي الله عليه و آله) وسائر الائمة المعصومين(عليهم السلام) في كل حركاتهم وسكناتهم مصبوغةًبهذا الأمر «صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً...»(1).

وهكذا ربّى الرسول(صلي الله عليه و آله) أصحابه فكانوا في القمم السامقة، وهكذا كان أصحاب الأئمة(عليهم السلام).

هكذا كان أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) في يوم الطف، فكانوا يقاتلون والبسمة على شفاههم لأنهم كانوا يستعدّون للذهاب إلى الجنة، وعلى هدى هؤلاء الأئمة وأصحابهم سار الخيّرون من العلماء والصلحاء وسائر المتقين الذين كانوا يتحسّسون الجنة والنار كمن رآهما، كما قال سيد الأوصياء أمير المؤمنين(عليه السلام): «فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذّبون»(2)،

وشهر رمضان هو أفضل موسم لتركيز هذه الفكرة، حيث ينسلخ الإنسان - إلى حدّ ما - من عالم الماديّات ويزداد تحليقاً في سماء المعنويات فيقترب إلى فكرة الآخرة وما فيها من نعيم جعله الله للمتقين وللمؤمنين وما فيها من عذاب أعدّه الله للعاصين والمذنبين،وتكون حصيلة ترسّخ هذه الفكرة هي الاستقامة الدائمة في مختلف مناحي الحياة، فمن أعمال شهر رمضان طلب الغفران والجنة، والتعوّذ من نار جهنم؛ والباعث لهذا الدعاء هو الشوق الكبير إلى رياض الجنة والفرار

ص: 19


1- سورة البقرة، الآية: 138.
2- نهج البلاغة، الخطب الرقم: 193، من خطبة له(عليه السلام) يصف فيها المتقين.

من نار جهنم.

إن تفكير المؤمن بالجنة وما أعدّه الله له في الآخرة من الدرجات العليا يسبب السعادة له، فكيف ستكون سعادته في الآخرة إذا رأى الجنة بأمّ عينيه.

إن سعادة الدنيا تتوقف على الجنة والنار فكيف بالآخرة التي هي الحيوان.

إن أمراً واحداً هو الذي يضمن استقامة الإنسان واستمراره على الطريق الصحيح، وهذا الأمر هو الشعور المزدوج بالرجاء والخوف، فالرجاء بلا خوف يدفع الإنسان إلى الغرور، والخوف بلا رجاء يدفع الإنسان إلى اليأس، وكل خطوة يخطوها الإنسان في هذه الحياة هي بحاجة إلى الرجاء والخوف.

عندما تريد أن تقول كلمة ما بمحضر جمع من أصدقائك، وعندما تريد أن تقوم بعمل ما في داخل المجتمع، فأنت بحاجة إلى عاملمحفّز وعامل مثبّط؛ فالتحفيز يدفعك إلى عمل البرّ والخير، والتثبيط يمنعك من عمل الشر.

وهكذا تستقيم حياة الإنسان المؤمن.

وشهر الصيام هو مناسبة جيدة لتربية الإنسان على هذه القيم ليكون إنساناً مستقيماً.

ص: 20

الفصل الثاني: المهام التعليمية والسلوك

اشارة

ص: 21

ص: 22

تعلّم القراءة والتفسير

لا نغالي إن قلنا: إن أكثر المسلمين وحتى العرب منهم لا يعرفون قراءة القرآن، ولا يعرفون معاني ألفاظه.

فاللازم أن تشكّل في أيام شهر رمضان الميمون ولياليه في طول بلاد الإسلام وعرضها، وفي البلاد التي يتواجد فيها المسلمون من غير بلاد الإسلام هيئات تعليم القرآن، هيئات ليست خاصة بالرجال بل تعمم النساء والفتيان وحتى الأطفال، ومهمة هذه الهيئات تكون:

1- تعليم الناس القراءة الحسنة، حتى يستطيع المسلم أن يقرأ كتاب الله بسهولة وعذوبة.

2- تعليم معاني ألفاظ القرآن، فكلّما مرّت كلمة بحاجة إلى توضيح يقوم المعلّم بتوضيحها، وهكذا تتمّ العملية كل يوم وكل ليلة حتى نهاية شهر رمضان.

3- تفسير القرآن الكريم بما يناسب واقع الناس، أي ربط القرآن الحكيم بالحياة ويجعله منهاجاً للناس في شؤونهم المختلفة. وتخصيص كل ليلة أو كل يوم منأيام الشهر المبارك لبيان معنى جزء من أجزاء القرآن.

4- وبالإضافة إلى هذه المهام لابدّ لهذه الهيئات أن تقوم بأعمال اجتماعية مختلفة كمساعدة المحتاجين وطباعة الكتب الدينية والتوعويّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما أشبه ذلك من الأعمال

ص: 23

الضرورية.

إن تقدم الغرب مرهون بانفلاته من سطوة الكنيسة حيث كانت تحتكر كل شيء لنفسها، وتسيطر على عقول الناس وأفكارهم بمجموعة من الأوهام، وعندما تخلّص من هذه الأوهام تقدّم أشواطاً إلى الأمام. وبعض الذين درسوا في الغرب من أبناء المسلمين ولاحظوا تقدم الغرب وعرفوا أن تقدمه هو بسبب تركه للإنجيل، عاد هؤلاء المسلمون إلى بلادهم وهم يحملون فكرة التخلّص من القرآن الكريم، وساعد هؤلاء تبعية الحكام للغرب وجهلهم بأحكام الإسلام، وأخذت هذه النغمة تنتشر بين الشباب المتغرّبين، وقد تجاهلوا الفارق الكبير الموجود بين القرآن الذي حفظه الله تعالى من الدسّ والتحريف وبين الإنجيل المحرّف، وعلى فرض إنه لم يكن محرّفاً فقد نزل لفترة من الزمن فهو لا يصلح لكل زمان كما هو القرآن.

وقد أثّرت هذه الدعاية المضلّلة في عقول البعض الذين تركوا القرآن وراء ظهورهم فتأخروا وتراجعوا وانهارت حضارتهم ومدنيّتهم.

من هنا كان لزاماً على المسلمين أن يعودوا لكتابهم المقدّس في هذا الشهر المبارك وأن يحيطوا به من كل جانب ويتمسكوا به في كل بُعد من أبعاده في قرائته وحفظ آياته، وفي التجويد وتعلّم معاني ألفاظه وتفسيره تعليماً وتعلّماً وتأويلاً وعملاً واتباعاً، فالقرآن كالنور إذا أطفأه الإنسان عمّ الظلام، وإذا أشعله عمّ الضياء كل الأرجاء.

لابدّ من تعبئة كل الطاقات المتاحة لأجل إقامة الهيئات بعدد المساجد، بل إقامتها في البيوت أيضاً حتى يتحوّل جوّ هذا الشهر المبارك

ص: 24

إلى جوٍ قرآني، فلا تسمع إلاّ صوت تلاوة القرآن، ولا تقرأ إلاّ في علوم القرآن، وعندما يمتلأ الجوّ بالقرآن تستعد النفوس إلى تطبيقه والأخذ به كبرنامج للحياة الرغيدة.

هكذا فعل رسول الله(صلي الله عليه و آله)، في بداية الدعوة الإسلامية، فقد كان(صلي الله عليه و آله) يجعلهمفي جوّ القرآن، وبعد ذلك يدعوهم إلى التمسك به والعمل بهداه.

وشهر رمضان هو مناسبة لخلق هذا الجوّ الإيماني الصادق والذي سيكون مقدمة لتطبيق القرآن الكريم.

والسبيل الأفضل لذلك كما قلنا هو إقامة الهيئات الكثيرة في المساجد والبيوت بل كل أربعة أو خمسة أشخاص يشتركون في تكوين هيئة قرآنية. وهكذا سنقف أمام زحف الثقافاة الغربية والتيارات المنحرفة، وسيمكننا ذلك من العودة إلى تطبيق القرآن.

القرآن الكريم منهج للحياة

القرآن الحكيم كتاب للحياة ومصدر للنور ودستور للسلام، فعن الحياة يقول سبحانه: «إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ...»(1)، وعن النور يقول تعالى: «وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ»(2)، وعن السلام يقول جلّ ذكره: «يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ...»(3)، وهكذا

ص: 25


1- سورة الأنفال، الآية: 24.
2- سورة الأعراف، الآية: 157.
3- سورة المائدة، الآية: 16.

كان القرآن الكريم في بدو الإسلام، فهو الذي وضع المسلمين على طريقالحياة الرغيدة الشريفة من خلال حثّه على العمل والإنتاج، وعبر تحفيزه الناس على التعاون ومساعدة الغير، ومن خلال ما وضع أمام المسلم من مناهج اقتصادية واجتماعية نتيجتها هي الحياة الكريمة التي ترفرف أجنحتها بالسعادة والرخاء. وكذلك القرآن الكريم أرشد الناس إلى طريق الحياة السليمة من خلال الضوء الذي يسلّطه في طريقهم ليهتدوا في الظلمات إلى مواطن الخير فيتمسّكوا بها، وإلى مواطن الشرّ فيتجنبوها. وعرّفهم القرن الحكيم سُبل السلام في الدنيا قبل الآخرة، ويوم كان المسلمون يفهمون القرآن وتعاليمه ويتمسكون به ويأخذون بمنهجه كان لهم الخير والصلاح.

أمّا عندما تركوا القرآن جهلاً من بعضهم بآياته وعناداً منهم لِمنهجه انهالت عليهم المشكلات من كل حدبٍ وصوب.

عندما ترك المسلمون العمل بمضمون؛ آية الأُمّة: «وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً»(1).

وآية الأُخوة: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَإِخْوَةٌ»(2).

وآية الحريّة: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ»(3).

ص: 26


1- سورة المؤمنون، الآية: 52.
2- سورة الحجرات، الآية: 10.
3- سورة الأعراف، الآية: 157.

وآية النِعَم: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً»(1).

وآية النكاح: «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ»(2).

وآية التعاون على فعل الخير: «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ»(3).

وآية المسؤولية: «كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهينٌ»(4).

وآية الحكومة: «لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ»(5).

وآية تجنّب الظلم: «لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ»(6).

وآية تجنّب الخمر والميسر: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ... رِجْسٌ مِنْ عَمَلِالشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ»(7).

عندما ترك المسلمون العمل بهذه الآيات وغيرها من آيات القرآن الكريم انطفأت شعلة الحياة في نفوسهم واصبحوا كما قال تعالى: «لا يَمُوتُ فيها وَلا يَحْيى»(8) فلا هم بميّتين ولاهم بأحياء. أي إنهم في حالة

ص: 27


1- سورة البقرة، الآية: 29.
2- سورة النور، الآية: 32.
3- سورة المائدة، الآية: 2.
4- سورة الطور، الآية: 21.
5- سورة النساء، الآية: 105.
6- سورة البقرة، الآية: 279.
7- سورة المائدة، الآية: 90.
8- سورة طه، الآية: 74.

احتضار دائم، وهناك أُممٌ كثيرة في التاريخ عاشت هذه الحالة العصيبة لردح من الزمن.

هذا في مجال الحياة، أمّا في مجال النور الذي يسطع من آيات القرآن ليبعث على الهداية والصلاح؛ فقد أصبح الأمر عكسياً، فالظلام هو الذي عمّهم والموت هو الذي شملهم. فقد وصفهم القرآن بقوله: «يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ...»(1)، بعد أن أخرجهم القرآن من الظلمات إلى النور.

أما عن السلام الذي هو أُمنية الإنسان فقد تبدّلت وتحوّلت حياتهم إلى ضنك في ضنك: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً...»(2).هذا هو حال المسلمين اليوم، حياة تحتضر، وظلام دامس، واضطراب وضنك، فإذا أردنا الحياة السعيدة ذات العزّة والشرف والكرامة وإذا أردنا أن يرفرف السلام فوق رؤوسنا، فلابدّ أن نعود إلى كتاب الله، وبالأخص في هذا الشهر المبارك، لابدّ أن نقرّر العودة إلى القرآن عندما نجلس بين يدي الرحمن ونقرأ آياته.

علينا أن لا نكتفي بالقراءة فقط - بالرغم ما لقراءة القرآن من ثواب وأجر لا يعادله شيء - فإنّ القراءة وحدها «كالرامي بلا وتر»(3) كما ورد

ص: 28


1- سورة البقرة، الآية: 257.
2- سورة طه، الآية: 124.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 416.

في الحديث الشريف.

أمّا عندما يكون عمل الإنسان مناقضاً لما يقرأه من الآيات:

يقرأ آية الأُخوة: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...»(1) وهو يعمل على تفريق صفّ المسلمين.

يقرأ آية الحرية: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ»(2) وهو يعمل على تركيز الاستبداد وهكذا وهلم جرا.فإنه سينطبق علينا قول رسول الله(صلي الله عليه و آله): «ربّ تالٍ القرآن والقرآن يلعنه»(3).

وقد قال تعالى: «قُلْ هُوَ لِلَّذينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى»(4).

والقرآن مثله مثل كل ما أنعم الله على الإنسان من خيرات، فإذا لم يستفد منها بل عمل على العكس منها كانت عليه نقمة أرأيت كيف يتحوّل النفط الذي أسداه الله نعمة للإنسان إلى بلاء على الإنسان، يحرقه ويدمّر حياته عندما يحاول أن يعبث به ولا يحسن استخدامه.

فمن الضروري أن نجدد عهدنا بالقرآن العملي بعد القرآن العلمي، لعلّ الله يخلصنا من هذه الهوّة السحيقة التي سقطنا فيها يوم تركنا القرآن كمنهج للحياة.

ص: 29


1- سورة الحجرات، الآية: 10.
2- سورة الأعراف، الآية: 157.
3- بحار الأنوار 89: 184.
4- سورة فصلت، الآية: 44.

التفقّه

لابدّ من دراسة الفقه، دراسة تشمل صنوف الناس، فإن للفقه عرضاً عريضاً، حتى أن المظنون (في الفقه) يحتوي على نصف مليون مسألة شرعية، ومن الواضح أنالمسائل أكثر من ذلك.

نضرب مثالاً على ذلك: إن أحد الأصحاب سأل الامام الصادق(عليه السلام) عن مسائل الحج أربعين عاماً ولم تنته هذه المسائل.

فسأل الامام في تعجب: إني أسألك عن مسائل الحج مدة أربعين عاماً وأنت تجيبني.

فأجابه الامام(عليه السلام): «بيت حجّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(1).

ولا عجب من ذلك فإن سعة الحياة، وسعة ما خلق الله من البشر ومن الأحياء، وسعة ما في هذا الوجود من تنوّع، هو السبب وراء هذه المسائل الكثيرة.

وكثرة التفريعات في التشريع هو من مصلحة الإنسان حيث سيكون محاطاً بالأحكام ولن يكون متحيراً من أمره عندما يُبتلى بمسألة شرعية. فلابدّ لكل مسلم أن يطّلع على أحكام دينه. ولمّا لم يكن بمقدوره الإحاطة بجميع الأحكام فيكفي أن يتعلم المسلم المسائل التي يُبتلى بها في حياته العملية وسبيله في ذلك هو حضور الهيئات التي تقام في هذا الشهرالكريم، والتي تقدّم بالإضافة إلى تعليم القرآن تعليم المسائل الشرعية.

ص: 30


1- وسائل الشيعة 11: 12.

كما يجب على الخطباء والوعاظ وأئمة المساجد أن ينتهزوا فرصة شهر رمضان المبارك وإقبال الناس نحو المساجد إلى شرح الأحكام الشرعية بقدر المستطاع، فأكثر الخلل الذي نشاهده في المجتمعات الإسلامية منشأه عدم التزام المسلمين بالأحكام الشرعية، فلابدّ من سدّ الفُرج الناشئة من هذا الخلل.

وشهر رمضان هو المناسبة الجيّدة لتعميم هذه القضية وجعلها مسألة ملحّة عند عامة الناس، وجعلها مسؤولية أئمة المساجد والخطباء والمبلّغين الذين عليهم أن يخصصوا وقتاً معيناً في برنامجهم خلال هذا الشهر المبارك لتعليم الأحكام الشرعية.

وبهذه الوسيلة ستعمّ دراسة الفقه وتصبح من الأمور المألوفة في المجتمع كتعلّم قراءة القرآن وما أشبه.

الآيات المنسية

نظرة واحدة إلى واقع المسلمين تكشف لنا عن الخلل الكبير الذييُعاني منه المسلمون في حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويعود السبب الأكبر إلى تجزئة القرآن الكريم في التطبيق، فهناك آيات أخذ بها المسلمون وآيات أُخرى تركوها وراء ظهورهم، وسوف يسألون عن ذلك، قال تعالى: «كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمينَ * الَّذينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضينَ * فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ»(1).

وأي سؤال صعب سيكون أمام أُولئك الذين أخذوا جزءاً من القرآن

ص: 31


1- سورة الحجر، الآية: 90-93.

وتركوا جزءاً آخر؟

فماذا أعدّوا من الأجوبة لو سئلوا عن آياتٍ تركوها وراءهم. ومن هذه الآيات:

أ- آية الشورى: «وَالَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ»(1).

فقد جعل الله الشورى بين الصلاة والإنفاق، والصلاة هي ركن العبادة وعمود الدين، وهي السبيل لبناء الشخصية الإسلامية. أما الإنفاق فهوالسبيل لتقدم المجتمع وإقامة نظام اقتصادي أساسه العدل.

وبين الواجبين - واجب الصلاة وواجب الإنفاق - هناك واجب ثالث هو الشورى.

والشورى قاعدة في نظام الحكم وفي النظام الاجتماعي، وبدونه لا يقوم للمجتمع قائمة.

والشورى حلقة بين حلقتين لا يُبنى المجتمع الإسلامي إلاّ بهما؛ وللمجتمع ثلاثة أبعاد، بُعد روحي يتحقق من خلال العبادة، وبُعد سياسي يتحقق من خلال الشورى، وبُعد اجتماعي يتحقق من خلال الإنفاق.

ب- ومن الآيات المنسية آية الحرية: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ»(2)، الحرية في كل شيء إلاّ المحرمات، ومن مصاديق

ص: 32


1- سورة الشورى، الآية: 38.
2- سورة الأعراف، الآية: 157.

الحرية: حرية تكوين الأحزاب، وإقامة المؤسسات الدستورية، وسنّ القوانين المتناسبة مع أهداف المجتمع الإسلامي. وحرية التجارة وحرية ممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة من زراعة وصناعة وعمارة وطبع ونشر، واستفادة من المباحاتأرضاً كانت أو غيرها.

كذلك الحريات الشخصية التي لا تتعارض مع الأحكام الشرعية كحرية السفر والإقامة والعمل، وقد فصّلنا ذلك في بعض كتبنا(1).

ج- ومن الآيات المنسية آية السعي: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى»(2).

فلابدّ أن يكون اهتمام كل إنسان بالإنتاج؛ الفلاح في مزرعته يفكر بالإنتاج في الجانبين الكمّ والكيف، والعامل في مصنعه يفكر بالنتاج في الكمّ والكيف. وهكذا كل إنسان يعيش في المجتمع الإسلامي رائده الأول هو الإنتاج، وعندما يزداد الإنتاج ينتعش المجتمع، وعندما يتحسن الإنتاج يحصل الاكتفاء الذاتي، والحصيلة هي التقدم في كل المناحي وعدم الاحتياج إلى الأجانب.

د- ومن الآيات المنسية آية الأُمة الواحدة: «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةًواحِدَةً»(3) حيث لا حدود جغرافية بين بلاد المسلمين.

ص: 33


1- انظر كتاب: (الفقه: الحريّة) و(من أوليّات الدولة الإسلامية) و(الصياغة الجديدة) و(الحرية في الإسلام) للإمام المؤلف(رحمة الله).
2- سورة النجم، الآية: 39-40.
3- سورة الأنبياء، الآية: 92.

ه-- ومن الآيات المنسية آية عدم الضريبة - إلاّ الأربع، وهي الخمس والزكاة والجزية والخراج - حيث قال سبحانه: «فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ»(1).

و- ومن الآيات المنسية آية: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً»(2) حيث تفيد أن: «الأرض لله ولمن عمّرها»(3)

وتفيد: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)(4).

وبسبب تناسي هذه الآيات تراجع المجتمع بدل أن يتقدم، وانفضّ بعض المسلمين عن الإسلام ولم يرغب غير المسلمين في دخول الإسلام.

فسادَ الاستبداد عندما ترك المسلمون الشورى، وشلّ المجتمع عندما ترك المسلمون العمل بالحريات المتاحة لهم، وانخفضت إنتاجية المجتمع عندما ترك المسلمون السعي، وتشتّت المسلمون، تمزقوا عندما قطعت بلادهم، وأضحوافي ضنك عندما تركوا قانون (لكم)(5).

وشهر رمضان هو شهر القرآن، القرآن كلّه، وليس جزءاً من القرآن، فلابدّ من العودة إلى تلك الآيات المنسية، ولابدّ من العمل، وإدراك خطورة تركها وراء الظهور.

ص: 34


1- سورة البقرة، الآية: 279.
2- سورة البقرة، الآية: 29.
3- الكافي 5: 279.
4- انظر عوالي اللئالي 3: 480.
5- المستفاد من سورة البقرة، الآية: 29، حيث يفيد إنه للجميع كل بقدر حاجاته وسعيه بدون التعدي على حقوق الآخرين.

دراسة التاريخ

الإنسان ماضٍ وحاضر ومستقبل.

ولا حاضر بدون الماضي ولا مستقبل بدون الحاضر.

والتاريخ هو الماضي، وهو الوعاء الذي يخزّن تجارب الأُمم والدول. من هنا جاءت أهمية دراسة التاريخ باعتباره دراسة لتجارب الأُمم والشعوب.

والحياة ليست بتلك السعة التي يستطيع الإنسان فيها أن يكرر التجارب الفاشلة.

والعمر ليس بذلك العمر المديد بحيث يكون بمقدور الإنسان أن يعيد تجارب الماضين.

من هنا كان لابدّ من الاقتداء بالآخرين الصالحين وأخذ العِبر منتجاربهم والاستفادة من نتائج أعمالهم.

وفي شهر رمضان يحسن بالإنسان المسلم أن يدرس التاريخ ليطّلع على حياة الأُمم والحضارات ويتفهّم حياة العظماء والمصلحين الذين جاءوا إلى هذه الدنيا.

في شهر رمضان يتعطش المرء لدراسة السيرة النبوية ليعرف تاريخ المسلمين الأوائل، وكيف استطاعت الفئة القليلة من المسلمين أن تصنع أُمّة مترامية الأطراف.

إن تأثير الفكرة التي صدع بها الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) كتأثير الحجر عندما يُرمى في وسط الماء، فإنه يأخذ بالتموّج ويستمر هذا التموّج بقدر حجم الحجر، وشدة الرمية.

ص: 35

لقد استمرت الفكرة التي طرحها رسول الله(صلي الله عليه و آله) تتموّج وظلّت تبعث الموج بعد الموج على مدار الزمن، ومع كل موج كانت أجيال جديدة تدخل الإسلام وهي تتحول إلى واسطة لنقل الفضيلة والقيم الإسلامية إلى الأجيال الآتية.

وظلّت هذه الحالة هي السائدة - إلى حدّ ما - حتى قبل قرن من الزمن حيث توقفت نتيجة الغزوالاستعماري - عسكرياً وفكرياً - للبلاد الإسلامية، لتقوم مكانه زعامات موالية للغرب على البلاد الإسلامية وانتشار الأفكار المغلوطة والهدامة، إضافة إلى فهم الإسلام بالمقلوب.

وإذا ما تمعنّا في أسلوب انتشار الإسلام سنلاحظ بالتأكيد أنه لم ينتشر بالقوة والاستعمار والاستغلال، بل بالإرشاد والإقناع والتأثر بالفكرة والسلوك و«ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»(1) و(كونوا دعاة بغير ألسنتكم)(2).

فالفكرة هي القادرة على بعث الموج وليس السيف.

وهذه فكرة هامة نستنتجها من قراءة التاريخ خصوصاً في أيام شهر رمضان، وإذا ما أردنا العودة إلى قوة الإسلام ومنعته، لابدّ وأن نأخذ بأسباب القوة.

وإذا أردنا أن نخرج من دائرة الانحسار وننطلق في ميادين العمل المنتج لابدّ وأن نبدأ من حيث بدأ رسول الله(صلي الله عليه و آله)، فقد بدأ بالفكرة وليس

ص: 36


1- سورة النحل، الآية: 125.
2- انظر الكافي 2: 77.

بالسيف.

وهذا هو الطريق الذي يجب أن يسلكه المسلمون، فعليهم أن يوحدوا صفوفهم وينظّموا طاقاتهم وينبذوا العنف ويحملوا الفكر الذي حمله رسول الإسلام(صلي الله عليه و آله) إلى العالم وينشروه بالحكمة والموعظة الحسنة.

وبذلك ستتغيّر المعادلة، سيدخل الناس في دين الله أفواجاً بعد أن خرجوا منه، وما ذلك على الله بعزيز.

قال أمير المؤمنين(عليه السلام) ما مضمونه: (إن المسلمين يتركون العمل بالقرآن فيتركهم الله ثم يرجعون إلى القرآن فيرجع الله إليهم بعطفه ولطفه).

تطبيق الأحكام

ثلاثون يوماً كافية لتدريب المسلم على التقيّد بالأحكام الشرعية، فإذا ما قرر الإنسان المسلم أن يجبر نفسه على الالتزام بما يُملي عليه دينه فيعمل الواجبات وينبذ المحرمات كان تدريباً حسناً؛ وشهر رمضان هو أفضل مناسبة لهذا التدريب حتى يخرج الإنسان المسلم من هذه الجولة وقد اعتاد على التقيّد بالأحكامالإسلامية.

فمن البرامج التي يستطيع المسلم القيام بها في شهر رمضان أداء ما عليه من الصلاة الفائتة - لمعصية أو لغير معصية كالنوم والغفلة - .

كذلك يقوم بأداء بقية الواجبات المطلوبة منه، فإذا كان عليه صوم قضاء يبني على قضاء صيامه الفائت بعد شهر رمضان، فإن البناء على إتيان الواجبات لازم، وأن يبني على إتيانه بالحج الواجب عليه، وإذا

ص: 37

كان عليه دين فيجب أن يسرع في دفعه على عجل، وإذا كان عليه خمس أو حق شرعي من الحقوق عليه أن يسرع في إعادتها إلى أصحابها المستحقين.

وفي مجال ترك المحرمات يجب على المسلم أن يدرّب نفسه في شهر رمضان على ترك المعاصي، فإذا كان مدمناً على الخمور - لا سمح الله - عليه أن يقرر التخلص من هذه العادة الذميمة.

وإذا كان مُرابياً، عليه أن يطهّر أمواله من مال الحرام وأن يطهّر نفسه من أكل الحرام ثم يقرر أن يترك الربا، ويستثمر أمواله في الخير، وإذا كان مقامراً، عليه أنيعود إلى رشده في هذا الشهر الكريم وأن يترك هذا العمل تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، حتى لا يبقى عليه واجب لم يقم به، أو إذا ظلّ يعمل بالمحرمات ولم ينته منها فإن صومه لا ينفعه ولا يقبل منه - وإن كان مسقطاً للتكليف - على ما قررته الآيات والروايات، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقينَ»(1).

ومن الوهم أن يعتقد الإنسان أنه سيدخل الجنة ببعض الواجبات وأنه سينال غفران الله على كثرة عصيانه لله تعالى، فالعاصي سينال عقاب عصيانه.

ومن الغرور أن يعتقد الإنسان بأنه من أهل الجنة وهو يرتكب المنكرات، وقد قال تعالى: «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ

ص: 38


1- سورة المائدة، الآية: 27.

الْغَرُورُ»(1).

صحيح إن الله قادر على كل شيء وإنه قد يغفر له نتيجة عمل واحد قام به في الدنيا كمساعدة إنسان محتاج، لكن لا يمكن الاعتماد علىذلك وترك الأحكام الشرعية.

فمثل هذا الإنسان مثل ذلك الرجل الذي يذهب إلى ميدان السباع على أمل أن يجد هناك من يستطيع أن يدفع عنه أذى هذه السباع.

فعلى الإنسان المسلم أن يكمل نفسه كما أراده الله سبحانه وأن لا يبقّي على نفس أية نقيصة من عبادة أو دين أو معاملة، فالجنة للمؤمنين الذين اقترن إيمانهم بالعمل الصالح وبالإخلاص ولم يتركوا واجباً ولم يصرّوا على ارتكاب المعاصي.

التمسك بالأخلاق الفاضلة

كما إن المسلم يُلزم نفسه خلال شهر رمضان المبارك بالتقيّد بالأحكام الشرعية، يُلزم نفسه أيضاً بالتقيّد بالأخلاق الفاضلة، فالصوم ليس عن الأكل والشرب بل عن كل ما يخدش شخصية الصائم، من كلمة نابية يطلقها على صديق له أو على زوجته أو من فعل نابٍ يرتكبه بحق قريب له أو بحق المجتمع على العموم.

إن شهر رمضان فرصة للتدريب على الأخلاق الحميدة ونبذ الرذائل، والمراد بالأخلاق أعمّ من الأخلاق الواجبة كالصدق والأمانة والوفاءبالعهد وما أشبه ذلك، أو الأخلاق المستحبة كإطعام المساكين

ص: 39


1- سورة لقمان، الآية: 33.

والسلام على الناس والبُشر في وجوههم.

ولا يخفى أن هناك فرقاً بين الوعد والعهد.

فالعهد يتمّ من جانبين، وهو عقد من العقود قال سبحانه: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً»(1).

أما الوعد فهو من الإيقاع وإن كان - أحياناً - يطلق أحدهما على الآخر.

ومن الخطأ أن يكفر سيء الخُلق بأنه يستطيع في أيّة لحظة أن يُحسّن أخلاقه إذا أراد ذلك!!

فمن شبّ على شيء شاب عليه، فإن الأخلاق السيئة التي تتكرر عدة مرات تتحول على عادة وتتأصل في النفس فيصبح من الصعب جداً قلعها إلاّ بعد جهدٍ ورياضة نفسية عالية.

والأُسلوب الأمثل للتخلص من الصفات الذميمة والأخلاق السيئة ما يلي:

1- التذكر الدائم بنتائج الأخلاق الحميدة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يكون صاحب الأخلاق إنساناًمحترماً ناجحاً في المجتمع، محبوباً لدى الناس، وفي الآخرة يكون مصيره الجنة حيث الخلود والراحة الأبدية، أما صاحب الأخلاق السيئة فيكون على العكس ينفر منه الناس ويبتعدون عنه، ويفشل في كل خطوة يخطوها داخل المجتمع، وفي الآخرة يكون مصيره نار جهنم حيث العذاب الأبدي.

ص: 40


1- سورة الاسراء، الآية: 34.

2- مطالعة قصص ذوي الأخلاق الحميدة الذين نجحوا في الحياة بسبب أخلاقهم، ومطالعة من هم على العكس ممّن أخفقوا في حياتهم بسبب أخلاقهم السيئة.

3- الإيحاء الدائم بأنه يريد أن يكون إنساناً خلوقاً وإنه يريد نبذ الأخلاق السيئة.

فللإيحاء دورٌ كبير في ربط الإنسان المسلم بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة.

4- معايشة ذوي الأخلاق الحميدة وعدم التقرّب من ذوي الأخلاق السيئة.

وقد قال الشاعر:

عن

المرء لا تسأل وسل عن قرينه***

فكل

قرين بالمقارن يقتدي

وقال آخر:كالريح

آخذةٌ مما تمرُّ به

نتناً

من النتن أو طيباً من الطيب(1)

وخلاصة القول: أن العمل على تحسين الأخلاق هو نوع من الجهاد، وقد قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) لأصحابه عند عودتهم من سريّة: «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس»(2).

ص: 41


1- وقبله: عاشر أخا ثقة تحظى بصحبته فالطبع مكتسب من كل مصحوب
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 466.

وفي حديث آخر: «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك»(1)، وغير ذلك من الروايات والأحاديث.

ونقطة أخيرة أُوصي بها الأُخوة الكرام وهي أن يطالعوا كتب الأخلاق من أمثال: (جامع السعادات) وكتاب: (مكارم الأخلاق) لأن هذه الكتب تصنع جوّاً مناسباً فتسهل للإنسان المسلم عملية تغيير سلوكه وأخلاقه إلى الأحسن.

ص: 42


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 59.

الفصل الثالث: المسؤوليات التبليغية

اشارة

ص: 43

ص: 44

رحلات التبليغ

من عوامل انتشار الإسلام الرحلات التي كان يقوم بها المسلمون من مختلف الأجناس ولمختلف الأعمال، فقد كان المسلم يرى أنه مسؤول عن نشر دينه قبل أية مسؤولية أُخرى، حتى التجّار كانوا يستغلون رحلاتهم التجارية في الدعوة لدين الله، وحتى أولئك الذين كانوا يذهبون للاصطياف أو الاستجمام كان عملهم الأول هو الدعوة للإسلام.

فقد كانت الظروف السياسية يومذاك تساعد المسلم على القيام بالرحلات الطويلة فلم تكن هناك حدود مصطنعة ولا سدود وحواجز مانعة، ولم تكن هناك هويّات ولا جوازات وما أشبه ذلك، فقد كان المسلم يتمتع بكامل حريته - التي منحها الإسلام إياه - في الحركة والسفر والإقامة في بلاد الإسلام وغيرها، وكان المبلّغون ينطلقون حيث شاؤوا إلى أي مكان ويقيمون في أيّة مدة ويعيشون كما يشاؤون.

أما بعد كبت الحريات والابتعادعن تطبيق أحكام الله وقوانينه فقد أصبح من العسير جداً القيام بهذه الرحلات التبليغية، والتي انتشر الإسلام من خلالها في العهود السابقة، ومع جمود المسلمين وتضاعف الأُجور، وتفاقم المشكلات المعيشية أصبح السفر معها أمراً عسيراً جداً

ص: 45

بل ومحالاً في بعض الأحيان.

لذا أصبح من العسير أن يقوم المسلم بمفرده بتوفير مستلزمات السفر التبليغي إلاّ أن تقوم هيئات من الخيّرين وتتحمل مسؤولية هذا العمل. و«شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ»(1) لابدّ فيه من وجود أشخاص - يتحملون - مسؤولية هداية الناس، ويظهرون لهم البينات من الهدى والفرقان.

إذن هذه مسؤولية أُخرى يتحملها المسلم بالإضافة إلى العبادات التي يؤديها في هذا الشهر المبارك.

فمن يا ترى سيكون صاحب هذه المسؤولية؟

أليست هذه الأمة بأجمعهاتتحمّلها؟

فالذي يستطيع السفر للتبليغ يجب عليه ذلك، والذي لا يستطيع السفر يجب عليه أن يدفع ما يستطيع من المال ليساهم بقسط من إمكاناته في تحريك عملية التبليغ وقد قال تعالى: «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(2)، فالتبليغ بالرسالة مسؤولية إسلامية إنسانية وهو واجب كفائي، فيجب التعاون والمساعدة في تحقيقه.

والتبليغ نفسه يحلّ معضلة المبلِّغين، ففي أحيان كثيرة يعود المبلِّغ

ص: 46


1- سورة البقرة، الآية: 185.
2- سورة التوبة، الآية: 122.

ومعه ثلّة من المتطوعين الراغبين في ممارسة هذه المسؤولية وهم الناذرون أنفسهم لله، وهذه فائدة أُخرى من فوائد التبليغ.

استخدام الوسائل الحديثة في التبليغ

كل شيء في هذه الحياة في حالة تطور، تطور في الكم والكيف، ففيالسابق كانت رحلة الحج تستغرق أشهراً من المشقة والتعب، أما اليوم فهي لا تستغرق أكثر من سويعات، وحكم التطور يجري على كل الوسائل المادية التي يمتلكها الإنسان في هذه الحياة، ومن هذه الوسائل سبل التبليغ والهداية والرشاد، فبينما كانت الوسيلة التي يمتلكها الإنسان في القديم عندما يريد التبليغ هي الحنجرة، أصبح اليوم وهو يمتلك وسائل كثيرة من الكتاب والمجلة والجريدة والإذاعة والتلفزيون والفيديو والأقمار الصناعية والكمبيوتر والفاكس وما أشبه ذلك.

فلابدّ للمبلِّغ أن يستفيد من جميع هذه الوسائل وأن لا يبقى جامداً عند الوسائل القديمة، فالجمود يعني الموت والفشل في الحياة، ويمتلك المسلمون العلماء والخطباء والمثقفين والأموال للحصول على هذه الوسائل، فلم يبق إلاّ الربط بينها، فإذا كان المسلم يريد الثواب من إقامة منبر الوعظ والإرشاد فباستطاعته أن يستبدل محطة الإرسال من راديو وتلفزيون عوضاً عن ذلك بحكم تطوّر وسائلالحياة، وقد قال تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»(1)، فلابدّ أن يستفيد الإنسان المسلم من أسباب القوة في نشر الفضائل والقيم الإسلامية.

ص: 47


1- سورة الأنفال، الآية: 60.

وشهر رمضان خير مناسبة للاهتمام بهذا الأمر، فالذين كانوا يساهمون معاً لإقامة المجلس الحسيني في الحسينية أو المسجد بمقدورهم اليوم أن يوسعوا من دائرة عملهم ليساهموا معاً في شراء محطة للراديو حيث أصبحت في متناول مَنْ يريد في الكثير من بلدان العالم، بالإضافة إلى إقامة مجلسهم في الحسينية لأنهم سيحققون فوائد أُخرى من إقامة هذا المجلس في منطقتهم، مع وجود فارق كبير.

فالخطيب الذي يرتقي المنبر في الحسينية ويستخدم مكبرات الصوت لا يستطيع أن يوصل صوته إلاّ إلى جماعة محدودة لا تتعدى الآلاف، أما إذا تغيّرت الوسيلة إلى ما هو أفضل من مكبرّات الصوت فإنه حينذاك سيوصل صوته إلى الملايين من البشر، فإذا أردنا التقدم والازدهار لابدّ لنا من تطوير وسائلالتبليغ، وهذا أحد أسرار تقدم الغرب الذي استطاع أن يهيمن على العالم من خلال وسائل التبليغ مستخدماً الأقمار الصناعية في إيصال أفكارهم بالصورة والصوت إلى جميع أنحاء العالم.

وقد تناسى المسلمون؛ كيف أن دينهم هو دين الحضارة والعلم، وأول كلمة نزلت على نبيّهم(صلي الله عليه و آله) هي كلمة: «اقْرَأْ»(1) وإن أولى الكلمات التي نزلت بعد «اقْرَأْ» هي: (الرب، العلم، الإنسان، القلم) «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ»(2).

فهل هناك عامل أقوى من هذه الآية في استثارة همم المسلمين للأخذ

ص: 48


1- سورة العلق، الآية: 1.
2- سورة العلق، الآية: 3-5.

بتلابيب العلم والاستفادة من الوسائل الحضارية في تقديم الحياة.

إذن لابدّ من العمل على توفير وسائل التبليغ لتكون في متناول أيدي المبلّغين.

ولابدّ من توفير كل الوسائل التي يستطيع المسلمون من خلالها معرفة حقائق دينهم ودنياهم من كتاب وجريدة ومجلة وإذاعة إسلاميةوتلفزيون إسلامي، وهكذا كل الوسائل الممكنة والتي يمكن استثمارها في مجال الخير.

اتباع شورى الفقهاء المراجع

من مشاكل المسلمين في الحال الحاضر انفراد المراجع في العمل - على رغم إخلاصهم وصدقهم وتفانيهم في سبيل الحق والهداية - وإنما هي مشكلة الدنيا الحاضرة، ففي السابق كانت الدنيا انفرادية حيث اعتاد الناس على العمل الفردي والتفكير والتخطيط والتنفيذ الانفرادي فلم يكن بأس بالانفرادية في الجانب المرجعي، أما اليوم وقد نظّمت كل الفئات جهودها وإمكاناتها، يهودية كانت أو نصرانية أو غيرهما من الأديان والمذاهب التي لها أصل سماوي أو لا أصل سماوي لها.

والعمل الذي يقوم به الإنسان على انفراد مهما كان ناجحاً وجيّداً إلاّ أنه لا يتمتع بتلك الجودة إذا لم يكن متكاملاً مع الأعمال الأُخرى.

من هنا كانت مسؤولية المراجع (حفظهم الله تعالى) هي توحيد طاقات العمل وصبّها فيما هو خير وصلاح للأُمة، حتى تأخذ الأُمة عدّها التصاعدي بعد سقوط دام عقوداً منالزمن.

وعندما ننظر إلى الأُمم التي صعدت في سلّم الحياة لم نرَ ذلك إلاّ

ص: 49

نابعاً من عامل التنظيم للطاقات، فاليهودية والنصرانية وغيرهما تقدّموا لأنّهم وحّدوا صفوفهم وجمعوا طاقاتهم وتعاونوا فيما بينهم.

فالحاخام اليهودي الذي يعيش في مجاهل أفريقيا يمدّ يد التعاون إلى الحاخام الثاني الذي يعيش في أقاصي أمريكا اللاتينية، وأنهم محترمون لا يُهانون، ونفس الشيء نجده عند المسيحيين فإن أول أمر قام الغرب بتنظيمه هو تنظيم القيادة الدينية لديهم.

إن المرجعية الشيعية تختلف عن الزعامة الروحية في الفاتيكان وبالتالي فهي تختلف في طريقة التدرّج واختيار اعضاء المجالس وغيرها.

لكن مسألة التنظيم كأمر إسلامي مسلّم به، فقد ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): «ونظم أمركم»(1).

أما عن الشورى فقد وردت عدةنصوص منها: «وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ»(2)، وأمرهم هو شأنهم وهو كل ما يتعلق بأمور المسلمين.

وفي آية أُخرى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ...»(3).

وكلمة (أُمة) تعني جماعة لها هدف معين، أي جماعة منظمة تنظيماً دقيقاً(4).

ص: 50


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 47، من وصية له(عليه السلام) للحسن والحسين‘ لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.
2- سورة الشورى، الآية: 38.
3- سورة آل عمران، الآية: 104.
4- انظر مفردات ألفاظ القرآن: 86 حيث يقول الراغب الأصفهاني: الأُمة كل جماعة يجمعهم أمر ما.

وبالجمع بين أدلة الشورى وأدلة الأمّة نجد من الضروري جداً إقامة مجالس للشورى ابتداءً من المراجع وانتهاءً بعامة الناس، أو أن يُستبدل مجالس الناس بمجلس واحد يضم ممثّلين منتخبين عن الناس، فإن المجلس الواحد صحيح، والمجالس لكل من أراد أيضاً صحيحة.

إن الانفرادية في المرجعية هي سبب تغلب الغرب علينا ليس دينياً فقط بل ودنيوياً، فأصبح العلماء والمراجع يتعرضون للاعتقال والتعذيب والقتل ومصادرة الأموال و... ولا من منقذ ولا من مجير إلاّالله سبحانه وتعالى.

وروسيا الشيوعية والبهلوية في إيران، والجمهورية في العراق، والأتاتوركية في تركيا خير شاهد على ذلك. وشهر رمضان خير مناسبة للتفكير بهذا الأمر والدعوة إليه باعتباره السبيل إلى التقدم والانتصار على المشكلات.

ص: 51

ص: 52

الفصل الرابع: المهام الاجتماعية

اشارة

ص: 53

ص: 54

الزيارات

من الضروري على كل صائم في هذا الشهر الكريم أن يضع لنفسه برنامجاً لزيارات العتبات المقدسة - معصومين كانوا أو علماء أو صلحاء - ولتفقد ذوي الأرحام، فهذه الزيارات من أفضل الأعمال. وهناك متسعٌ من الوقت لأداء الأعمال الأُخرى.

كنّا في العراق - وقبل أن يشتدّ عليه الحكم الديكتاتوري - نقوم في شهر رمضان المبارك بالزيارات بعد الإفطار مباشرة، وفي أغلب الليالي كنّا نخرج من مدينة كربلاء المقدسة للقيام بزيارة إلى النجف الأشرف أو الكاظمين‘ أو سامراء، وكانت تتخلل زيارة العتبات المقدسة زيارة لبعض المؤمنين من الأرحام والأصدقاء، فزيارة الأرحام مندوبة في هذا الشهر المبارك لأنها تزيد المحبة وتطفئ الضغائن، كما أن زيارة المشاهد المقدسة فيها عظة وعبرة.

فإذا كان أصحاب هذه المشاهد من الشهداء فإنه بعمله هذا يعظّمالشهادة كقيمة في الحياة لا تساويها أيّة قيمة إذا كانت الشهادة من أجل الله وفي سبيل دين الله.

وإذا كان أصحاب هذه المشاهد هم علماء فإنه بعمله هذا سيعظّم العلم وأهله وإنه سيكون مثار سؤال وجواب، سؤال عن قيمة العلم وأهميته في الحياة.

ص: 55

سؤال عن تاريخ هذا العالِم وكيف بلغ هذه المرتبة السامية من القدسية؟ سؤال عن تاريخ هذا العالم الجليل الذي نزور قبره؟ وهل لهُ مؤلفات؟ فيحاول أن يحصل على كتبه ليتعرف من خلالها على آرائه وأفكاره.

الزيارات هي محطات يتزود فيها الصائم العلم والقيم، وتتوحد عبرها العلاقات الاجتماعية فتمهد الطريق لإقامة المجتمع الإسلامي القائم على العدل والصدق والوفاء.

ويوم تسقط فيه الحواجز الجغرافية ويرجع المسلمون إلى أُمتهم الواحدة بإذن الله تعالى يكون السبيل إلى توسّع دائرة الزيارات أرفق، حينها سيسافر المسلمون بين البلاد الإسلامية، ولن تقتصر الزيارات على المدن القريبة،وليس من المستبعد أن تتطور وسائل النقل لتختصر المسافة بشكل أكبر من السابق فيسهل تنظيم سفرات لأماكن بعيدة، مثلاً: قيام سفرات ليلية في ليالي شهر رمضان بين إيران والعراق والحجاز أو العكس، فكلما اقتربت المسافات اقترب أبناء الأُمة بعضهم من البعض الآخر وأصبحوا أقدر على حلّ مشاكلهم وأقدر على دفع عجلة المجتمع إلى الأمام.

إغناء الفقراء

يقول المثل: أعط الصياد ديناراً تعطه غذاء يومه، وأعطه شبكة تعطه غذاء العمر.

ويتطابق هذا المثل مع واقع الآلاف من العاطلين عن العمل، فمرّة نقدّم لهؤلاء العاطلين وجبة طعام تكفيهم لفترة من الوقت أو نقدّم لهم

ص: 56

مبلغاً من المال يكفيهم ليوم واحد أو أيام.

ومرة أخرى نقدم لهم ما يستطيعون به إشباع أنفسهم طيلة العمر، وذلك بأن تعطيهم رأس المال الذي يستطيعون بواسطته تأسيس محل صغير، أو أن نطلب منهم المشاركة في دورة تأهيلية تمكّنهم من العمل في مهنة شريفة.أو أن نشتري لهم ماكنة خياطة أو ماكنة تطريز ليقوموا بالعمل بأنفسهم.

إن نسبة كبيرة جداً من الشباب في البلاد الإسلامية يعانون من البطالة أو من البطالة المقنَّعة. فكان لابدّ من التفكير بهؤلاء لأنهم أولاً طاقة تُهدر بلا مبرر، وثانياً إن البطالة مفسدة وقد تسبب في انحراف المجتمع، وثالثاً يمكن أن نقدم هذه الطاقات لو استثمرت، الكثير من الفوائد المرجوّة للبلاد الإسلامية.

ولحلّ معضلة البطالة في العالم الإسلامي نقترح تحديد أسبوع باسم أسبوع العمل وهو شبيه لأسبوع الشهداء أو أسبوع النظافة أو أسبوع الصحة، الغاية من تحديد هذا الأسبوع هو لفت الأنظار إلى المشاكل التي تواجه المجتمع من خلال ظاهرة البطالة وطرح السبل الكفيلة بحلّ هذه المعضلة، فلابدّ أن تشكّل لجان لهذه الغاية، لجان تقوم بأعمال التوعية لحثّ العاطلين عن العمل، وحثّ أرباب العمل على توفير مستلزمات العمل لهؤلاء العاطلين.

ولجان أُخرى تقوم بتوفير السيولة المطلوبة والرأسمالالمطلوب والضروري لتفوير الأنشطة الاقتصادية لهؤلاء العاطلين.

ص: 57

ولجان أُخرى تقوم بتوفير أماكن العمل من مصانع ومتاجر يجد فيها العاطل عن العمل مناله الذي يطمح إليه، وبهذه الطريقة يمكن لهذه اللجان أن تنقذ ملايين العوائل من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة.

هذا هو العلاج المؤقت للمشكلة، أما العلاج الجذري لمشكلة الفقر فيمكن تلخيصها في أمرين:

الأول: العدالة في توزيع الثروة.

الثاني: تحطيم القوانين الكابتة للحريات، وإزالة المعوّقات عن طريق النشاط الاقتصادي.

وإني أتذكر قبل خمسين عاماً في العراق حيث لم تكن قوانين الكبت والإرهاب منتشرة هذا الانتشار الفضيع كيف كان كل إنسان يجد فرصة للعمل دون معوّق ومانع.

فالأرض لمن أحياها دون ضريبة يدفعها ودون أي قانون وضعي يمنعه عن استثمارها في الزراعة أو البناء والإعمار.

فقد كانت قوانين الله جارية علىقدم وساق.

قانون: «الأرض لله ولمن عمّرها»(1).

وقانون: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو له»(2).

وقانون: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً»(3).

ص: 58


1- الكافي 5: 279.
2- انظر عوالي اللئالي 3: 480.
3- انظر سورة البقرة، الآية: 29.

وقانون: «الناس مسلطون على أموالهم»(1).

وقانون: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»(2).

وقانون: «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى»(3).

وقانون: «كلكم لآدم وآدم من تُراب»(4)، وقانون... وقانون... .

وبسبب تطبيق هذه القوانين لم نكن نجد إنساناً بلا عمل أو عائلة بلا مسكن، ويندر أن نجد في طول البلاد وعرضها فقيراً واحداً يتكفف، فحتى المعتوهون كانوا يجدونفرصتهم للعمل(5).

أما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد جاء إلى حكم البلاد الإسلامية عملاء للغرب والشرق أخذوا يطبقون القوانين المخالفة للشريعة والكابحة لأنشطة المجتمع وطاقاته.

لقد غيّر هؤلاء الحكّام القوانين من قوانين إلهية إلى قوانين شيطانية، وبسبب هذه القوانين أصبح ثلاثة أرباع الشعب العراقي - مثلاً - يعاني الفقر والفاقة والحرمان، علماً بأنه من أغنى البلدان ومن أكثر مناطق العالم ثراء بالأرض والماء والأيدي العاملة.

ص: 59


1- انظر عوالي اللئالي 1: 457.
2- سورة الحجرات، الآية: 10.
3- سورة المائدة، الآية: 2.
4- انظر مشكاة الأنوار: 59.
5- تطرق الامام المؤلف(رحمة الله) إلى بعض مشاهداته في كتاب: (بقايا حضارة الإسلام كما رأيت) و(حياتنا قبل نصف قرن).

تزويج العزّاب

من الأعمال الموجبة للرحمة في هذا الشهر المبارك تزويج العزّاب والعازبات، فالعزوبة - بالمعنى اللغوي الشامل لمن لا زوج أو لا زوجة له إما أصلاً أو بسبب طلاق أو موت أو فسخ - هي مشكلة اجتماعية لابدّ من مكافحتها بأيّة وسيلةممكنة.

قد تكون العزوبة بداية للانحراف الجنسي والاجتماعي، وبداية لرحلة المجتمع العسيرة نحو السقوط الأبدي.

لسنا بحاجة إلى ذكر الأدلة بأن أكثر الجرائم التي تحدث وأكثر السجناء الذين يدخلون السجون هم بسبب الانحراف الجنسي أو النقص الجنسي، فأيّ عمل جبّار يقوم به الإنسان عندما يُقدم على حلّ هذه المشكلة من خلال إشاعة ظاهرة الزواج؟

والمطلوب طبعاً ليس فقط السعي لربط الزوج بالزوجة، بل تحمّل النفقات الزوجية من توفير السكن وتهيئة فرص العمل. وفي شهر رمضان يتحقّق التقارب بين العوائل فيسهل حلّ المعضلات الاجتماعية ومنها العزوبة، بالإضافة إلى أن البعض يبحثون عن فرص لتقديم الخدمة الممكنة. والبعض الآخر يتطوّع للمساهمة في حلّ مشكلة العزوبة من خلال ما يسديه من المال لهذا الغرض.

ولا ننسى أن القسم الأغلب من المشكلة هي نفسية وثقافية، فلابدّ من هيئات ولجان تثقيفية تقومبتوعية العزّاب والعازبات إلى أسباب هذه المشكلة وطرق علاجها، وإقناع المجتمع بتجاوز بعض الأعراف الخاطئة.

ص: 60

فمن أعراف بعض العوائل بقاء المرأة التي مات عنها زوجها عزباء، فلابدّ من توضيح مساوئ هذا العرف حتى يقلع المجتمع عنه.

وهناك شباب كثيرون يعزفون عن الزواج بسبب التجنيد أو الدراسة، فكان لابدّ من إقناعهم بعدم وجود التناقض بين الزواج والدراسة أو الزواج والجندية، بشرط أن يكون على أهبة الاستعداد لتحمّل مسؤولية الزواج أو تحمّل أقارب الزوج من الأب والأخ بعض نفقاته حتى ينتهي من انشغاله بالدراسة والجندية.

ومن الضروي أن تشكّل لجان تقوم بمهمة التزويج الجماعي لشباب أو يقوم الأقرباء والأرحام بتشكيل لجنة لتزويج العزّاب المتواجدين فيما بينهم ففي هذا العمل أجر وثواب(1).

ومن الأعمال المثاب عليها في شهر رمضان إصلاح ذات البين، فإصلاحذات البين هو أفضل من عامة الصلاة والصيام(2)، فكثير من المشاكل العائلية يمكن أن تحلّ في لحظة ربانية يتقرب فيها الزوج والزوجة إلى الله في هذا الشهر المبارك.

فكان لابدّ من السعي الدؤوب نحو تقريب الأزواج فيما بينهم وحلّ مشكلاتهم حتى المستعصية منها، فكل مشكلة لها حلّ، ومعظم المشاكل بين الأزواج هي نتيجة توقّع كل واحد منهما من الآخر أكثر من حقوقه.

ص: 61


1- انظر وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
2- انظر ثواب الأعمال: 148.

وإن الحلّ البسيط هو التنازل الذي يقدّمه كل من الزوجين للآخر.

علاج المرضى

الاهتمام بالمرضى ورعايتهم هو جزء من أعمال هذا الشهر المبارك وهو عمل يُنجز بقدر المستطاع، فهناك مَن يستطيع أن يقدّم الخدمات لمريض أو مريضين، وهناك من يمتلك الإمكانات التي تسمح له بأن يقدّم الخدمات لعدد كبير من المرضى وذلك من خلال بناء المستشفيات والمستوصفات، ومخازن الأدوية المجانية وإنشاء المختبرات التحليلية.

وهناك من يتمكّن أن يؤديالخدمات الإعلامية المطلوبة التي توفّر الوقاية من الأمراض، وقد يكون الإعلام بصورة أحاديث تُبث من خلال وسائل الإعلام أو مقالات تُكتب في الصحف أو كتب وقائية توزّع بين الناس أو ندوات تعقد.

أو عبر البوسترات التي تدعو الناس إلى الوقاية من بعض الأمراض التي يصعب علاجها كمرض (الإيدز) الناشئ عن الانحرافات الجنسية.

ومن الأعمال الممكنة في هذا الشهر الكريم جمع الأدوية الفائضة من البيوت وفتح مركز خاص لاستقبال هذه الأدوية ومن ثم توزيعها على المحتاجين بالمجّان.

وكنّا في - كربلاء المقدسة - قد استخدمنا هذا الأسلوب، فكان له أثر جيّد على مستوى الناس الذين يحتاجون لهذه الأدوية، وكان شعارنا في ذلك: «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(1).

ص: 62


1- انظر عوالي اللئالي 4: 58.

ومن برامج الوقاية من الأمراض هو الحفاظ على البيئة من كل ما يعبث بها سواءٌ كان في الهواء أو الأرض أو المياه.

إن المشكلة التي تهدد الكثيرمن البشرية اليوم هي مشكلة التلوّث التي تسبب تلوّث ما يؤكل وما يُشرب وما يُتنفس، وأغلب أسباب التلوّث ناتجة من رمي النفايات في غير أماكنها المخصصة، فالبعض يرمي بها في البحر والبعض الآخر يرمي بها في الشارع فتسبب تلوّث الماء والهواء، وهذان أمران محرّمان، لأنهما يتسببان في أذى الناس.

فكان لابدّ من التفكير الأساسي لهذه المشكلة، ووضع خطة لحلّ مشكلة التلوّث، وذلك بالأمور التالية:

أولاً: التوعية وتذكير الناس بأهمية النظافة، وإن «النظافة من الإيمان»(1)،

وإن عليهم أن يرموا بالنفايات في الأماكن المخصصة.

ثانياً: جمع هذه النفايات ووضعها في مراكز خاصة.

ثالثا: الاستفادة من هذه النفايات بفتح معامل تقوم بعملية تكرير لهذه الفضلات للاستفادة منها في الأسمدة، كما يحدث في الكثير من دول العالم.

وأهم مسألة في عدم تلوّث البيئةهو دعوة الناس إلى الاقتصاد في المأكل والملبس ومنح ما يفيض عن مصروفهم إلى الفقراء وإلى الجهات المحتاجة وبذلك نستطيع أن نقلل من النفايات إلى أقل ما يمكن وبالتالي خفض نسبة الأمراض في بلادنا الإسلامية.

ص: 63


1- بحار الأنوار 59: 291.

رعاية المهاجرين والمهجرين

لم يشهد التاريخ علاقة أخوية كالتي شهدتها المدينة المنورة عندما حلّ رسول الله(صلي الله عليه و آله) والمهاجرين للإقامة فيها.

فهؤلاء المهاجرون كانوا مُعْدَمين من كل شيء، فقد تركوا بيوتهم وأموالهم في مكة، حتى أنهم تركوا نساءهم وأولادهم وجاءوا إلى المدينة مهاجرين بدينهم.

وأول عمل قام به رسول الله(صلي الله عليه و آله) في المدينة هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكان وراء هذا العمل عدة أهداف هي:

أولاً: هدف نفسي حيث إن المهاجرين الذين تركوا عوائلهم كانوا أحوج ما يكونون إلى الرعاية النفسية، وإلى المحبة والعطف والاهتمام، وهذا ما تحققه الأُخوّة بينهم وبين الأنصار الذين لا يتحسسون بهذه المشكلة لأنهم فيوطنهم.

ثانياً: هدف اقتصادي فقد قسّم الأنصار أموالهم بينهم وبين المهاجرين، حتى إن بعضهم كان له زوجتان فخيّر أخاه المهاجر بأن يختار إحدى زوجاته ليطلقها ثم يتزوجها المهاجر، كما حدث لسعد بن الربيع(1).

ثالثاً: هدف تثقيفي، فالمهاجر هو أعرف بالإسلام من الأنصاري، فعبر هذه الأُخوّة تنتقل التجربة والخبرة والعلم والتربية من المهاجر إلى الأنصاري، وبذلك يسهل تثقيف الأنصار ويسهل تربيتهم، التربية

ص: 64


1- انظر المعجم الكبير 6: 26.

الإسلامية المطلوبة.

وظاهرة الهجرة والمطاردة واللجوء في العالم موجودة مادام هناك ظلم وظالم واستكبار ومتكبر. واليوم تعاني جماعات كبيرة في عالمنا الإسلامي من مشاكل الهجرة واللجوء، وقد قرأت في إحدى الصحف أن هناك مائة مليون لاجئ في العالم يمثل المسلمون ثمانين مليون منهم أي (80%) وأصبحت قضيتهم قائمة في كل بلدٍ إسلامي، وهؤلاء بحاجة إلى العمل وإلىالمأوى وإلى المال وإلى... .

فمن هو المسؤول؟

طبعاً كل المسلمين القادرين هم مسؤولون عن هؤلاء المهاجرين، فكما تحمّل أهل المدينة مسؤولية المهاجرين يجب أن يتحمل أصحاب الأموال والبيوت إليهم ويجب أن لا تقتصر المسؤولية على الجانب المالي فقط، بل يجب إسداء الاحترام والرعاية والاهتمام للمهاجرين لأنهم كانوا أعزاء في بلادهم، وقد قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «ارحموا عزيزاً ذلّ وغنياً افتقر وعالماً ضاع في زمان الجهّال»(1).

وإلى جانب هؤلاء المهاجرين والمهجرين هناك الآلاف ممن هم في السجون والمعتقلات وتعاني عوائلهم من الحرمان والضياع وهؤلاء أيضاً بحاجة إلى الرعاية والمحبة والعطف.

وهناك العشرات بل المئات من المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات التي هُدمت أو انهدمت وهي بحاجة إلى الخيّرين لبنائها.

ص: 65


1- الكافي 8: 150.

فصدّام وحده في مدينة كربلاء المقدسة وحدها هدم أكثر منخمسمائة مسجد وحسينية ومكتبة عامة ومدرسة، فإذا كان هذا حال بلد واحد تحت حكم طاغٍ واحد، فكيف يكون حال كل البلاد المبتلاة بعشرات الطواغيت؟

فكان لابدّ من مبادرات سريعة يقوم بها الأثرياء وأصحاب القلوب الرحيمة للتخفيف من مشاكل المنكوبين، والرفع من معاناة العوائل والأطفال.

وشهر رمضان هو شهر الرحمة والغفران، فلابدّ أن يملأ المسلمون قلوبهم بالشفقة على الآخرين حتى يرحمهم الله ويغفر لهم ذنوبهم، وقد قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «الراحمون يرحمهم الله»(1)

و«ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء»(2).

ص: 66


1- عوالي اللئالي 1: 361.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 379.

الفصل الخامس: تبيان محاسن القانون الإسلامي

ص: 67

ص: 68

يمتاز الدين الإسلامي بشموله لجميع القوانين التي يحتاجها البشر لإدارة أمورهم الحياتية، وقد سبق ذكر بعضها.

فقوانين الصناعة تدخل تحت عنوان المال والكسب والتجارة، كما أن قوانين الزراعة مذكورة في باب المزارعة والمساقاة، وأُمور الجيش مذكورة في باب الجهاد، وأمور الدولة في فقه الدولة الإسلامية، والقضاء له باب خاص في الفقه، والعلاقات الخارجية تدخل في نطاق الجهاد وغيره.

أما الشؤون الحيوية الأُخرى كالزواج وأمور العائلة فهي تبحث في عدة أبواب فقهية كالنكاح والطلاق وما إلى ذلك.

وإذا ما قارنّا بين هذه القوانين وقوانين الغرب للاحظنا أن القوانين الإسلامية تنتهي إلى العدالة وإلى المساواة وإلى توفير الحرّية للمسلم وغير المسلم.

فالقانون الإسلامي له غاية، وحتى لو تشعّب القانون وتفرّع إلى مختلف شؤون الحياة من زراعة وصناعةوتجارة، فهو لا يفقد أهدافه وهو بالطبع العدالة والمساواة والحريّة، بخلاف القوانين الوضعية التي توضع بصورة مجزئة ومنفصلة عن القوانين الأُخرى مما يفقدها إصالتها وأهدافها.

ومن ناحية أُخرى فإنّ القانون الإسلامي يمتاز بأصالته البشرية فهو

ص: 69

يتفق مع الفطرة الإنسانية، الأمر الذي يجعله قابلاً للتطبيق في كل عصر ومصر بخلاف القوانين الوضعية التي لا تمتلك رصيداً من الفطرة الإنسانية.

الميزة الثالثة للقوانين الإسلامية أنها قوانين من الله الذي لا يخطأ ولا يسهو، بينما القوانين الوضعية هي من صنع البشر الذي يخطئ ويسهو ويغفل، لذا كانت القوانين الوضعية متناقضة ومخالفة لأصولها في الكثير من الأحيان أو أنها لا تؤدي الهدف المرجوّ منها أو تصل إلى هدف آخر معاكس.

فكان لابدّ للنخبة المثقفة من أبناء الأُمة من أصحاب القلم والبيان أن يكرّسوا جهدهم في هذا الشهر الكريم لبيان محاسن القانون الإسلامي ومساوئ القانون الوضعي.ويكفي للمقارنة أن ينظروا إلى التجربة الإسلامية الأُولى في عهد الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله) والأئمة الطاهرين(عليهم السلام) وكيف كان وضع المسلمين عندما كانوا يطبّقون القوانين الإسلامية، وإلى ما لحق بالمسلمين اليوم جرّاء تنفيذهم للقوانين الوضعية المخالفة للفطرة الإنسانية.

كيف استطاع القانون الإسلامي أن يستأصل الجريمة من المجتمع الإسلامي، وكيف تتزايد الجرائم في مجتمعاتنا اليوم بسبب القوانين الوضعية التي ليست بقادرة على الحدّ من الجريمة وحسب بل تزيد في الجرائم من خلال السجون الطويلة المدى التي ترمي إليها بغير المجرمين ليتخرّجوا فيها متفننين في عالم الجريمة.

إن إظهار هذا التمايز بين القانون الإسلامي والقانون الوضعي كفيل

ص: 70

لإظهار عظمة الإسلام ورجعية المبادئ الوضعية التي لم تحلّ مشاكل البشرية وحسب بل أضافت مشاكل إلى مشاكلها.

وهنا تبرز قيمة الإسلام كمنهاج للحياة وكيف خسر المسلمون الكثير عندما تركوا الإسلام وراء ظهورهم.

إذن العودة إلى القوانينالإسلامية هو عامل مهم من عوامل التقدم في الأُمة، أما العامل الثاني فهو الجوّ العام الذي يُعتبر بمثابة الأوكسجين الذي يتنفسه الإنسان.

فإنه عندما جاء الإسلام أوجد مناخاً فاعلاً في المجتمع يمتاز بكل المواصفات الضرورية لإقامة حضارة إنسانية، وهذه المواصفات هي؛ الاعتناء بالذوق والجمال، النظافة الروحية والنفسية والجسدية، التنظيم في مختلف الشؤون، والفضيلة في مختلف الأبعاد، الشورى في مختلف الأنشطة السياسية والاجتماعية والتعاون في مختلف الاتجاهات المقبولة، وضمان الأمن والاستقرار، والتفكير بالإنسانية وليس بجماعة خاصة، الاتجاه إلى الدنيا والآخرة معاً فلا تغلب الدنيا على الآخرة ولا الآخرة على الدنيا والتوجّه نحو العالم وعدم التقوقع.

ونتيجة لهذا المناخ الإيجابي الذي أوجده الإسلام في بداية الرسالة أقبل الناس على الدخول في دين الله أفواجاً، فوجدوا فيه ما كانوا يحملون به، ووجدوا الجمال بأروع صوره، ووجدوا الحريّة بأبهى أشكالها، ووجدوا العدالةفي أفضل صورها، ووجدوا المساواة على أحلى ما يمكن، ووجدوا الرفاه والأمن والطمأنينة. وعندما دخلوا الإسلام تمسّكوا به أشدّ ما يمكن، وبعض هؤلاء الذين عرفوا الإسلام

ص: 71

- وإن لم يدخلوا إليه - حاربوا ملوكهم وأهل ملّتهم إلى جانب المسلمين كما يُبيّن لنا التاريخ ذلك لما لمسوا فيه من الرفاه والحريّة والأمن.

أما بعد أن انقلب المسلمون على أعقابهم وسيطر عملاء الغرب على بلاد الإسلام، وتركوا شرع الله وتمسّكوا بشريعة الهوى، أخذت بلادهم بالتراجع، وانهارت حضارتهم التي بنوها لقرون من الزمن.

وعلى العكس أخذت الحضارة الغربية تتقدم أشواطاً إلى الأمام لأنهم أدركوا قوّة المسلمين فبدؤوا يأخذون بأسباب هذه القوّة، وقد حذّر أمير المؤمنين(عليه السلام) المسلمين عندما خاطبهم قبل قرابة أربعة عشر قرناً: «الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم»(1).

لقد سبقنا الغرب في العمل بجزءمن القرآن فأعطوا لشعوبهم جزءاً من الحريات الممنوحة في الإسلام وشرعوا قانون الضمان الاجتماعي الذي يعود في جذوره إلى الإسلام، واحتضنوا العلماء وأهل العلم، واندفعوا نحو الإنتاج في الكم والكيف.

وأهم من ذلك وحّدوا بلدانهم في دولة واحدة بعد أن أزالوا الحواجز الجغرافية والنفسية والاقتصادية، وكانت نتيجة ذلك أن المسلمين يضطرون لأن يلجأوا إلى الدول الغربية لينعموا بالحريّة التي حُرموا منها في بلادهم، ولينعموا بالثروة التي حرموا منها في بلادهم، ولينعموا بالمساواة التي حرموا منها في بلادهم، ولينعموا بالكرامة والأمن اللذين حُرموا

ص: 72


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 47، من وصية له(عليه السلام) للحسن والحسين‘ لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.

منهما في بلادهم، ولينعموا بالدراسة في الجامعات التي حُرموا منها في بلادهم، ولينعموا - في آخر المطاف - بالحياة التي حُرموا منها في بلادهم.

وفي شهر رمضان لابدّ وأن نتذكر ما لحق بنا عند المقايسة؛ كيف كنّا وبما كان عليه الغرب في العصور المظلمة، وكيف أصبحناوكيف أصبحوا هم اليوم.

إن الفارق بيننا وبينهم في ثلاثة أُمور لابدّ أن نعمل من أجلها:

الأمر الأول: المبدأ الصالح.

الأمر الثاني: الإنسان الصالح.

الأمر الثالث: الجوّ الصالح.

فعندنا مبدأ هو أرقى المبادئ وقد جُرّب فعلاً وأثبت جدارته وصدارته.

والإنسان عندنا هو إنسان ممتلئ بالإيمان والأخلاق، هاجسه الأول والأخير هو عمل الخير.

والجوّ الصالح من مسؤولية الأُمة بأن توفر الأجواء الصالحة من شورى وحريّة ومساواة وأُخوّة لكي يمكن إعادة الحضارة الإسلامية مجدداً.

والله الموفق والمستعان

سُبحان ربِّك ربِّ العزَّةِ عمّا يصفونَ وسلامُ على المرسَلينَ والحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين.

محمد الشيرازي

ص: 73

ص: 74

فهرس المصادر

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة (تحقيق صبحي صالح)، جَمَعَه الشريف الرضي، ت406ه ق.

3. الإرشاد، الشيخ المفيد، ت413ه ق، مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413ه ق.

4. الأمالي، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، كتابجي، طهران، 1376ه ش.

5. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ت1110ه ق، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403ه ق.

6. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ورّام بن أبي فراس، ت605ه ق، مكتبة فقيه، قم المقدسة، 1410ه ق.

7. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، دار الشريف الرضي، قم المقدسة، 1406ه ق.

شرح ابن عقيل، ابن عقيل الهمداني، ت769ه ق، المكتبة1. التجارية الكبرى بمصر، 1384ه ق.

2. عوالي اللئالي العزيزية، ابن أبي الجمهور الأحسائي، كان حياً

ص: 75

حتى 901ه ق، دار سيد الشهداء(عليه السلام) للنشر، قم المقدسة، 1405ه ق.

10. الكافي، الشيخ الكليني، ت329ه ق، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407ه ق.

11. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الشيخ علي بن حسن الطبرسي، ت600ه ق، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1385ه ق.

12. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني، ت360ه ق، دار إحياء التراث العربي، القاهرة.

13. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ت502ه ق، دار القلم، الدار الشامية، بيروت - دمشق، 1412ه ق.

14. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1413ه ق.

15. وسائل الشيعة، الشيخ الحر العالمي، ت1104ه ق، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، قم المقدسة، 1409ه1. ق.

ص: 76

الفهرس

مقدمة المؤلف.... 5

الفصل الأول: المهام العقيدية

تصحيح العقيدة.... 13

العترة الطاهرة ملاذنا... 15

الرغبة في الجنة والرهبة من النار 18

الفصل الثاني: المهام التعليمية والسلوك

تعلّم القراءة والتفسير.... 23

القرآن الكريم منهج للحياة.. 25

التفقّه... 30

الآيات المنسية.... 31

دراسة التاريخ.... 35

تطبيق الأحكام... 37

التمسك بالأخلاق الفاضلة.... 39

الفصل الثالث: المسؤوليات التبليغية

رحلات التبليغ... 45

ص: 77

استخدام الوسائل الحديثة في التبليغ 47

اتباع شورى الفقهاء المراجع. 49

الفصل الرابع: المهام الاجتماعية

الزيارات... 55

إغناء الفقراء.... 56

تزويج العزّاب... 60

علاج المرضى... 62

رعاية المهاجرين والمهجرين.. 64

الفصل الخامس: تبيان محاسن القانون الإسلامي

فهرس المصادر... 75

الفهرس... 77

ص: 78

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.