سلسلة المسائل الفقهية [الحج]

اشارة

نام‌كتاب:سلسلة المسائل الفقهية
نام مؤلف:السبحاني، جعفر
موضوع:الفقه الاستدلالي
زبان:عربي
تعداد جلد:1

متعة الحج‌

التمتّع بمعني التلذّذ، يقال: تمتّع واستمتع بكذا ومن كذا: انتفع وتلذّذ به زماناً طويلًا، والمتعة في مصطلح الفقهاء يستعمل في موارد ثلاثة:
1. متعة الحجّ الواردة في قوله سبحانه: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ). «1» وسيوافيك توضيحها.
2. متعة الطلاق، وهي ما تصل إلي المرأة بعد الطلاق من قميص وإزار وملحفة، وإليه يشير قوله سبحانه: (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَي الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَي الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُحْسِنِينَ). «2»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 6
وهل هذه المتعة لخصوص من لم يسمّ لها صداق؟ أو لكلّ مطلقة سوي المختلعة والمباراة والملاعنة؟ أو لكلّ مطلقة سوي المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فانّ لها نصف الصداق ولا متعة لها خلاف. «1» 3. متعة النساء ويسمّي بالزواج المؤقت، وهي عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها و بين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية بمهر مسمّي إلي أجل مسمّي بالرضا والاتّفاق، فإذا انتهي الأجل تبين منه من غير طلاق، ويجب عليها مع الدخول بها إذا لم تكن يائسة أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض، وإلّا فبخمسة وأربعين يوماً. والأصل فيه قوله سبحانه: (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 7
بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً). «1» والمتعة بالمعني الأوّل والثاني مورد اتّفاق بين الفقهاء، واختلفوا في المتعة بالمعني الثالث؛ فالشيعة الإمامية علي حلّيّتها وعدم منسوخيتها، وأكثر الجمهور علي التحريم، والتفصيل في محلّه.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 8

أقسام الحج الثلاثة

ينقسم الحجّ إلي أقسام ثلاثة: تمتع، وقران، و إفراد.
فلنبيّن هذه الأقسام علي ضوء المذهب الإمامي ثمّ نردفه بتوضيحها وفقاً لمذهب أهل السنّة.
أمّا التمتع في الفقه الإمامي فهو عبارة عن إحرام المكلّف من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلي الحجّ، ثمّ يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت، ويصلّي ركعتي الطواف بالمقام، ويسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثمّ يقصّر، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ من كلّ شي أحرم منه، فله التمتّع بأي شي شاء من الأُمور المحلّلة بالذات إلي أن ينشئ إحراماً آخر للحجّ.
ثمّ ينشئ إحراماً آخر للحج من مكة يوم التروية وإلّا فيما يعلم معه إدراك الوقوف، ثمّ يمضي إلي عرفات
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 9
فيقف بها إلي الغروب، ثمّ يفيض إلي المشعر الحرام فيقف به بعد طلوع الفجر، ثمّ يفيض إلي مني و يرمي جمرة العقبة، ثمّ يذبح هديه، ثمّ يحلق رأسه، ثمّ يأتي مكة ليومه أو من غده، فيطوف للحج ويصلّي ركعتين، ثمّ يسعي سعي الحجّ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه، ثمّ يعود إلي مني ليرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث، يوم الحادي عشر، والثاني عشر. «1» وأمّا الإفراد فهو أن يحرم من الميقات أو من حيث يصحّ له الإحرام منه بالحجّ، ثمّ يمضي إلي عرفات فيقف بها، ثمّ يقف بالمشعر الحرام، ثمّ يأتي مني فيقضي مناسكه بها، ثمّ يأتي إلي مكة يطوف بالبيت للحج ويصلّي ركعتين ويسعي للحجّ ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتين، فيخرج من الإحرام فيحل له كلّ المحرمات.
ثمّ يأتي بعمرة مفردة من أدني الحلّ.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 10
وأمّا القِران فهو نفس حجّ الإفراد إلّا أنّه يضيف إلي إحرامه سياقَ الهدي، وإنّما يسمّي بالقِران لسوقه الهدي فيقرن حجّه بسوقه. فالقران والإفراد شي لا يفترقان إلّا في حال واحدة، وهي انّ القارن يسوق الهدي عند إحرامه، وأمّا من حجّ حجّة الإفراد فليس عليه هدي أصلًا.
إنّ التمتع فرض من نأي عن المسجد الحرام وليس من حاضريه، ولا يجزئه غيره مع الاختيار.
وأمّا القران والإفراد فهو فرض أهل مكة وحاضريها.
وحدّ حاضري المسجد الحرام الذين لا متعة عليهم من كان بين منزله ومكة دون 48 ميلًا من كلّ جانب، ويعادل 88 كيلومتراً. «1» والحاصل: انّ من نأي عن مكة أكثر من 48 ميلًا لا يجوز له إلّا التمتع.
وأمّا القران والإفراد فهما فرض أهل مكة ومن كان
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 11
بينه و بينها دون 48 ميلًا أو دون 12 ميلًا، ولا يجوز لهما غير هذين النوعين.
ثمّ إنّ من وظيفته التمتع لا يجوز أن يعدل إلي غيره، إلّا لضيق وقت أو حيض، فيجوز العدول حينئذ إلي الإفراد علي أن يأتي بالعمرة بعد الحجّ. وحدّ الضيق هو انّه إذا اعتمر لا يتمكّن من الوقوف بعرفة عند الزوال.
ولا يجوز لمن فرضه القران أو الإفراد كأهل مكة وضواحيها أن يعدل إلي التمتع إلّا مع الاضطرار، كخوف الحيض المتوقّع. هذه هي صور أقسام الحجّ الثلاثة، ويتلخص الكلّ في الأُمور التالية:
1. انّ حجّ التمتع للنائي عن مكة وحجّ الإفراد والقران لغير النائي.
2. لا يجوز للمتمتع أن يعدل إلي غيره إلّا عند الضرورة، وهكذا للمفرد والقارن إلّا عند الضرورة.
3. انّ حجّ الإفراد والقران شي واحد يفترقان في
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 12
سوق الهدي وعدمه.
4. لا يجوز التداخل بين إحرامين، فلا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراماً آخر حتّي يكمل أفعال ما أحرم له.
5. ويشترط في حجّ التمتع وقوعه في أشهر الحجّ وهي: شوال، وذوالقعدة، وذوالحجّة وأن يأتي بالحجّ والعمرة في سنة واحدة، ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتع بها. «1» إلي هنا تمّ بيان صور الأقسام الثلاثة علي مذهب الإمامية، وإليك بيان أقسام الحجّ وفق مذهب أهل السنّة، فنقول:
قالوا: من أراد الحجّ والعمرة جاز له في الإحرام بهما ثلاث كيفيات.
الأوّل: الإفراد، وهو أن يحرم بالحجّ وحده، فإذا فرغ؛؛
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 13
من أعماله أحرم بالعمرة وطاف وسعي لها ويأتي بأعمال العمرة.
الثاني: القران، وهو الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد حقيقة أو حكماً (وسيوافيك تفصيلهما).
الثالث: التمتع، وهو أن يعتمر أوّلًا ثمّ يحجّ من عامه.
هذا إجمال الأقسام الثلاثة عند مذهب أهل السنّة، وفي تفاصيلها اختلاف بينهم.
فالذي يهمنا أمران:
الأوّل: تفسير القِران، فالقِران عند أهل السنّة هو الجمع بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد، وصفة القران عندهم أن يُهل بالعمرة والحج معاً من الميقات ويقول: اللّهم إني أريد الحجّ والعمرة فيسِّرهما لي وتقبّلهما مني، فهي عندهم كحجّ التمتع إلّا أنّه يهلّ بالعمرة والحجّ بنيّة واحدة ولا يتحلّل بين العمرة والحجّ.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 14
وفي «المغني» لابن قدامة: إنّ الإحرام يقع بالنسك من وجوه ثلاثة:
1. تمتع، وإفراد، وقران.
فالتمتع أن يُهلَّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ، فإذا فرغ منها أحرم بالحجّ من عامه.
والإفراد أن يهل بالحجّ مفرداً.
والقران أن يجمع بينهما في الإحرام بهما أو يحرم بالعمرة ثمّ يدخل عليها الحجّ قبل الطواف، فأي ذلك أحرم به جاز.
وأمّا الأفضل، فاختارت الحنابلة انّ الأفضل هوالتمتع ثمّ الافراد ثمّ القران، وممّن روي عنه اختيار التمتع: ابن عمر و ابن عباس وابن الزبير وعائشة وحسن وعطاء وطاووس ومجاهد و جابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي.
وروي المروزي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل، لأنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قرن
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 15
حين ساق الهدي ومنع كلّ من ساق الهدي من الحل حتّي ينحر هديه. «1» هذا إجمال ما عليه المذاهب الأربعة، ولعلّ الاختلاف بين المذهب الإمامي وسائر المذاهب في ماهية النسك الثلاثة، قليل، ولو كان هناك اختلاف فإنّما هو في موضعين:
1. في تفسير القران، فحجّ القران عند الإمامية هو نفس حجّ الافراد، غير انّ المفرد لا يسوق الهدي والقارن يسوق.
وسوق الهدي شأن غير النائي عن مكة بالمقدار المذكور.
2. انّهم بتفسير القران بالجمع بين العمرة والحج، جوّزوا ذلك بالصورتين التاليتين:
أ. أن يهلّ بالعمرة والحجّ معاً من الميقات بنيّة الأمرين معاً، وهو الجمع الحقيقي.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 16
ب: أن يهلّ بالعمرة فقط ثمّ بالحجّ قبل أن يطوف للعمرة أكثر الطواف.
قال ابن رشد: أمّا القران فهو أن يهلّ بالنسكين معاً أو يهلّ بالعمرة في أشهر الحجّ ثمّ يردف ذلك بالحجّ قبل أن يحل من العمرة والقارن يلزمه الهدي إن كان آفاقيّاً وإلّا فلا.
وربّما يقال ويصحّ العكس عند أكثر الفقهاء بأن يحرم بالحجّ ثمّ يدخل العمرة عليه، لكنّه مكروه عند الحنفية. «1» وأمّا الشيعة الإمامية فلا تجوّز القران بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة، ولا إدخال أحدهما علي الآخر، ولا بنيّة حجّتين ولا عمرتين في سنة واحدة.
إذا عرفت ذلك فتحقيق المقام رهن البحث في أُمور:
؛؛؛
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 17

[البحث في أُمور]

الأوّل: في بيان الأحكام الواردة في الآية

اشارة

يقول سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). «1» الآية المباركة تتضمن أحكاماً نشرحها حسب مقاطع الجمل.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 18

1. إتمام الحج والعمرة للّه‌

يقول سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ) فما هو المراد من الإتمام؟
إنّه سبحانه يأمر بإتمام الحجّ والعمرة، والمراد من الإتمام في المقام وغيره هو إنجاز العمل كاملًا لا ناقصاً، كما أنّ المراد من كون الإتمام للّه، كون العمل بعيداً عن الرياء والسمعة، والذي يعرب عن كون المراد من الإتمام هو الإكمال، أمران:
أ: أُطلق الإتمام في القرآن الكريم وأُريد به الإكمال، كقوله سبحانه: (وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) «1» وقوله سبحانه: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ) «2» وقوله سبحانه: (وَ يَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) «3» وقوله سبحانه: (وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 19
وَ عَلي آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلي أَبَوَيْكَ). «1» ب: قوله سبحانه: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) أي منعكم حابس قاصر عن إتمام الحجّ فعليكم بما استيسر من الهدي، فالجملة قرينة علي أنّ المراد من الإتمام، الإكمال.
وعلي ذلك جري المفسرون في تفسير الجملة الآنفة الذكر، قال الشيخ الطوسي: يجب أن يبلغ آخر أعمالها بعد الدخول فيها، ثمّ عزاه إلي مجاهد والمبرد وأبي علي الجبائي. «2» وقال الرازي: إنّ الإتمام يراد به فعل الشي كاملًا وتامّاً، فالمراد الإتيان به بما جاء في ذيل الآية من حكم الحصر. «3» هذا هو المفهوم من الآية، وأمّا تفسير الآية بإفراد كلّ واحد منهما بإنشاء سفر مستقل، فممّا لا تدلّ عليه الآية.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 20
نعم انّ العرب في عصر الجاهلية كانوا يفرّقون بين الحجّ والعمرة، فكانوا يأتون بالعمرة في غير أشهر الحج وبالحجّ في أشهره، وكانوا يفردون كلًّا عن الآخر، وكانت سيرتهم علي ذلك إلي أن أدخل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) العمرةَ في الحجّ حتّي أمر من لبّي بالحج في أشهر الحجّ وأحرم له، أن يجعله عمرة ثمّ يتحلّل ويحرم للحج ثانياً، وقال (صلي الله عليه وآله وسلم): «دخلت العمرة في الحجّ إلي الأبد» كما سيوافيك تفسيره.
نعم روي ذلك مرفوعاً عن أبي هريرة، كما روي أنّ عمر كان يترك القران والتمتع ويذكر أنّ ذلك أتمّ للحجّ والعمرة وأن يعتمر في غير شهور الحجّ، فانّ اللّه تعالي يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) وروي نافع عن ابن عمر أنّه قال: «فرّقوا بين حجِّكم وعمرتكم». «1» كما روي ذلك القول عن قتادة أنّه قال: «الاعتمار في غير أشهر الحج» «2»، ولعلّه أراد العمرة المفردة لا عمرة
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 21
التمتّع التي لا تنفكّ عن الحجّ.
فظهر ممّا ذكرنا انّ المراد بإتمام الحجّ والعمرة للّه هو إكمالهما علي النحو المقدور، فإن لم يمنع حابس يكمله بإتيان عامّة الأجزاء وإن حُصِر، يخرج من الإحرام علي النحو الذي سيوافيك، وهو أيضاً نوع من الإتمام.
وأمّا تفسير الإتمام بإنشاء السفر لكلّ من العمرة والحجّ، فغير مفهوم من الآية ومخالف لسيرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حيث أمر أصحابه بإدخال العمرة في الحجّ وتبديل النيّة من الحجّ إلي العمرة، و قد كان ذلك شاقّاً علي أصحابه، لأنّهم كانوا قد احرموا للحجّ علي النحو الرائج في العصر السابق، فمن حاول تفسير الآية بتفكيك العمرة عن الحجّ بإنشاء سفرين: أحدهما في أشهر الحجّ والآخر يعني: العمرة في غيره، فقد فسَّر الآية برأيه أوّلًا، وخالف سنّة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ثانياً.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 22

2. إذا أُحصر بالعدو أو المرض‌

لمّا أمر سبحانه حجاج بيته بإتمام الحجّ والعمرة وإكمالهما، حاول بيان وظيفة المحصر الذي يمنعه حابس عن إكمال الحجّ والعمرة، فقال: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
أصل الحصر، الحبس، ومنه يقال للّذي لا يبوح بسرّه «حَصِر» لأنّه حبس نفسه عن البوح، و المعروف انّ لفظ الحصر مخصوص بمنع العدو إذا منعه عن مراده وضيّق عليه، وربما يستعمل في مطلق المانع ويقال: أُحصر بالمرض وحُصر بالعدو.
وعلي ذلك فالمحصِر عليه التحلّل بالذبح، ولا يتحلّل قبل الذبح كما قال سبحانه: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أي ما تيسّر منه، وقيل الهدي جمع الهدية كالتمر جمع التمرة، والمراد من الهدي ما يهدي إلي بيت اللّه عزّ وجلّ تقرّباً إليه، أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأيسره شاة.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 23

3. لا يتحلّل قبل الذبح‌

إنّ المحصر يتحلّل بالذبح، فلا يتحلّل من الإحرام حتّي ينحر أو يذبح. قال سبحانه: (وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) وأمّا ما هو المراد من المحل؟ فهناك أقوال ثلاثة:
أ: الحرم فإذا ذبح به في يوم النحر أحل.
ب: الموضع الذي يُصد فيه، لأنّ النبي نحر هديه بالحديبية وأمر أصحابه ففعلوا مثل ذلك، وليست الحديبية من الحرم.
ج: التفصيل بين المحصِر بالعدو، والمحصر بالمرض. فالأوّل يذبح في المحل الذي صُدّ فيه، وأمّا الثاني ينتظر إلي أن يذبح في يوم النحر.

4. حكم المريض ومن برأسه أذي‌

لمّا منع سبحانه حلق الرأس قبل بلوغ الهدي محلّه
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 24
رخّص لطائفتين وإن لم يذبحوا: أحدهما: المريض الذي يحتاج إلي الحلق للمداواة.
والثاني من كان برأسه أذيً.
وقال: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فالمحرم المعذور يحلق رأسه قبل الذبح، وفي الوقت نفسه يكفِّر بأحد الأُمور الثلاثة، وكلّ واحد منها فدية، أي بدل وجزاء من العمل الذي تركه لأجل العذر، وهو أن يصوم أو يتصدّق أو يذبح شاةً. وأمّا الصوم فيصوم ثلاثة أيّام، وأمّا الصدقة فيتصدّق علي ستة مساكين أو عشرة، وأمّا النسك فيذبح شاة، وهو مخيّر بين الأُمور الثلاثة.

5. التمتّع بالعمرة إلي الحج‌

يقول سبحانه: (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، كان كلامه سبحانه في المحصر، والكلام في المقام في غير المحصر ومن حصل له
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 25
الأمن وارتفع المانع كما يدلّ عليه قوله سبحانه: (فَإِذا أَمِنْتُمْ)، فعلي قسم من المكلّفين «1» إذا أتوا بالعمرة ثمّ أحرموا للحج فعليه ما تيسّر من الهدي في يوم النحر في أرض مني.
المراد من التمتع في (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ) هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقي متحلّلًا متمتِّعاً إلي أن يحرم للحج، وعندئذ يجب عليه ما تيسّر من الهدي.
والآية تصرح بأنّ صنفاً من المكلّفين، وهم الذين فرض عليهم حجّ التمتع يحلّ لهم التمتع بعامة المحظورات إلي زمن إحرام الحجّ، فاستنكار التمتع بين العمرة والحجّ لأجل استلزامه تعرّس الحاج بين العمرة والحج ورواحه إلي المواقف ورأسه يقطر ماءً إطاحة بالوحي وتقديم للرأي علي الوحي، كما سيوافيك تفصيله.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 26
وإنّما ذكر من أعمال الحجّ الكثيرة خصوصَ الهدي، فقال: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) مع أنّ من تمتّع بالعمرة إلي الحجّ فعليه الاحرام أوّلًا ثمّ الوقوف في عرفة، ثمّ الافاضة إلي المشعر والمزدلفة، ثمّ منها إلي مني ورمي الجمرات والذبح والحلق إلي غير ذلك.
أقول: إنّما خصّ ذلك بالذكر لاختصاص الهدي بحكم خاص، وهو سبحانه بصدد بيان حكمه، وهو انّه إذا عجز عن الهدي فله بدل، بخلاف سائر الأعمال فانّ ذاتها مطلوبة وليس لها بدل، فقال سبحانه مبيّناً لبدل الهدي.

6. الفاقد للهدي‌

بيّن سبحانه حكم من لم يجد الهدي (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) أي انّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلي موطنه علي وجه يكون الجميع عشرة
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 27
كاملة، وأمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي اليوم السابع والثامن والتاسع.

7. التمتع بالعمرة إلي الحجّ وظيفة الآفاقي‌

إنّه سبحانه أشار بأنّ التمتع بالعمرة إلي الحجّ فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقال: (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي ما تقدّم ذكره حين التمتع بالعمرة إلي الحجّ ليس لأهل مكة و من يجري مجراهم وإنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكة، وأمّا الحاضر فهو من يكون بينه و بينها دون 48 ميلًا، وعلي قول آخر أقلّ من 12 ميلًا من كلّ جانب علي الاختلاف.
ثمّ إنّه سبحانه أتمّ الآية بالأمر بالتقوي، أي العمل بما أمر والنهي عمّا نهي، وذلك لأنّه سبحانه شديد العقاب، فقال: (وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 28
هذا هو تفسير الآية المباركة جئنا به ليكون قرينة واضحة علي تفسير ما سنسرد من الروايات والأحاديث من احتدام النزاع بين النبي وأصحابه في كيفية الحجّ ودام حتّي بعد رحيله (صلي الله عليه وآله وسلم).
والمهم في المقام في إفادة المقصود هو الجملتان التاليتان:
1. (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ).
2. (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ).
فالأُولي تدلّ علي إكمالهما دون افرادهما في الزمان، كما أنّ الثانية تدلّ علي لزوم التحلّل والتمتّع بين العملين.
***
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 29

الثاني: متعة الحجّ سنّة أبدية

تضافرت الروايات الصحاح علي أنّ متعة الحجّ سنّة أبدية إلي يوم القيامة لا تتغيّر ولا تتبدّل، بل تبقي بحالها إلي أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، ونذكر في ذلك ما رواه الشيخان ولا نتجاوز عنهما.
1. روي مسلم عن عمرة قالت: سمعت عائشة- رضي اللّه عنها- تقول: خرجنا مع رسول اللّه لخمس بقين من ذي القعدة ولا نري إلّا أنّه الحج حتّي إذا دنونا من مكة أمر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل .... «1» 2. أخرج مسلم عن جابر) (رضي الله عنه) انّه قال:
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 30
أقبلنا مهلِّين مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) بحجّ مفرد، وأقبلت عائشة- رضي اللّه عنها- بعمرة، حتّي إذا كنّا بسَرِف عركت حتّي إذا قدمنا طُفنا بالكعبة والصفا والمروة، فأمرنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يُحل منّا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حلُّ ماذا؟ قال: الحلّ كلّه، فواقعنا النساء وتطيّبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلّا أربع ليال، ثمّ أهللنا يوم التروية ... «1» 3. أخرج مسلم عن جابر) (رضي الله عنه) قال: خرجنا مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) مهلّين بالحج معنا النساء والولدان، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، فقال لنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): من لم يكن معه هدي فليحلل، قال: قلنا: أيّ الحل؟ قال: الحلّ كلّه، قال: فأتينا النساء ولبسنا الثياب ومسسنا الطيب، فلمّا كان يوم التروية أهللنا بالحج. «2»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 31
4. أخرج مسلم عن عطاء، قال: حدّثني جابر بن عبد اللّه الأنصاري انّه حجّ مع رسول اللّه عامَ ساق الهدي معه، وقد أهلُّوا بالحجّ مفرداً، فقال رسول اللّه: أحلُّوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت و بين الصفا والمروة وقصّروا وأقيموا حلالًا، حتّي إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به فانّي لولا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به ولكن لا يحلّ منّي حرام حتّي يبلغ الهدي محله، فافعلوا. «1» 5. أخرج مسلم عن جابر بن عبداللّه قال: قدمنا مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) مهلِّين بالحجّ، فأمرنا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أن نجعلها عمرة ونحل، قال: وكان معه الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة. «2» 6. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه في حديث
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 32
مفصّل انّه قال: لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّي إذا أتينا البيت معه استلم الركن إلي أن يقول: حتّي إذا كان آخر طوافه (النبي) علي المروة، فقال: لو انّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليُحلّ وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جُعشم فقال: يا رسول اللّه، ألعامنا أم لأبد؟ فشبّك رسول اللّه أصابعه واحدة في الأُخري، فقال: دخلت العمرة في الحج مرتين: لا، بل لأبد أبد. «1» هذا بعض ما رواه مسلم، وتركنا البعض الآخر وربّما يأتي لمناسبة خاصة.
وإليك ما رواه البخاري في صحيحه.
1. أخرج البخاري عن عائشة زوج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، قالت: خرجنا مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع فأهللنا بعمرة،
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 33
قال النبي: من كان معه هدي فليهل بالحجّ مع العمرة، ثمّ لا يحلّ حتّي يحلّ منهما جميعاً. «1» 2. أخرج البخاري عن ابن عباس انّه سئل عن متعة الحجّ، فقال: أحلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي في حجّة الوداع وأهللنا فلمّا قدمنا مكة، قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة إلّا من قلّد الهدي، طفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب. «2» هذا بعض ما رواه البخاري ويأتي بعضه الآخر، وما رواه الشيخان يدلّ علي أُمور:
1. انّ حجّ التمتع فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
2. انّ التمتّع بين العمرة والحجّ سنّة فيها وليس
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 34
لأحد أن يعترض علي التمتع بين الأمرين.
3. انّ العرب في الجاهلية والإسلام كانوا يُحرمون بالحجّ في أشهر الحجّ لا للعمرة، ولذلك أحرم أصحاب النبي وأزواجه للحجّ تبعاً للسيرة السائدة بين العرب من اختصاص أشهر الحجّ بالحجّ فلمّا دنوا من مكة «1» أو قضوا أعمال العمرة أمرهم النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) بجعل الإحرام عمرة والعدول إليها، وقد كان ثقيلًا عليهم، كما ستوافيك الروايات في هذا الباب.
4. انّ التمتع بين العمرة والحجّ سنّة أبدية لا تختص بعام دون عام ولا بقوم دون قوم.
5. انّ من ساق الهدي معه ليس له أن يتحلّل ولا يخرج من الإحرام إلّا إذا بلغ الهدي محلّه وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ممّن ساق الهدي، ولذلك لم يخرج حتّي أبلغ هديه محله، وقد كان عمل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مظنة سؤال للصحابة حيث
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 35
أمرهم بالتحلّل وبقي نفسه علي إحرامه فنبّههم النبي بأنّه ساق الهدي ولكنّه لو وُفّق للحجّ في المستقبل لما ساق الهدي، وإلي ذلك يشير قوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي».
إنّ في هذا الموضوع روايات في السنن الأربع اقتصرنا بما ذكرنا، وللقارئ أن يرجع إلي السنن والمسانيد فانّه يجد أمثال ما ذكرناه بوفرة.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 36

الثالث: سيرة العرب قبل الإسلام في الحج‌

يظهر ممّا سردناه من الروايات وما سيوافيك انّ العرب لم تكن تعرف العمرة في أشهر الحجّ وإنّما تأتي بها في غيرها، ولذلك تعاظم عليهم إدخال العمرة في الحجّ، ولأجل إيقاف القارئ علي تلك الحقيقة عن كثب، نذكر بعض ما ورد:
1. أخرج البخاري عن ابن عباس) (رضي الله عنه) قال: كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، ويجعلون محرم صفراً ويقولون: إذا برأ الدَّبرَ، وعفا الأثر، وانسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر. قدم النبي وأصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللّه أي
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 37
الحل؟ قال: الحلّ كلّه. «1» والحديث يدلّ بوضوح علي أنّ إفراز العمرة عن الحجّ كان سنّة جاهلية سادت علي الحج لأسباب غير معلومة وكانوا يصرون علي أنّ العمرة بعد انقضاء صفر وفي الحقيقة بعد انقضاء محرّم، ولكن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قام بوجه هذه البدعة مدة إقامته في المدينة، فقد اعتمر ثلاث عُمَر في ذي القعدة الحرام كما أتي بعمرة رابعة في حجّه في شهر ذي الحجّة في حجة الوداع، وإليك العُمر التي أحرم لها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته:
الأُولي: عمرة الحديبية، وهي أوّلهنّ سنة ست، فصدّه المشركون عن البيت، فنحر البُدْن وحلق هو وأصحابه رؤوسهم وحلُّوا من إحرامهم ورجعوا إلي المدينة.
الثانية: عمرة القضاء في العام المقبل في نفس ذلك الشهر.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 38
الثالثة: عمرته من الجعرّانة لما خرج إلي حنين ثمّ رجع إلي مكة فاعتمر من الجعرانة داخلًا إليها.
الرابعة: عمرته التي قرنها مع حجته.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 39

الرابع: احتدام النزاع بين الصحابة في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)

قد عرفت أنّ العرب في العصر الجاهلي يفرزون العمرة عن الحجّ ويأتون بها في غير أشهر الحجّ، وقد كان الجمع بينهما من أفجر الفجور، وقد ترسخت تلك الفكرة عند العرب في العصر الجاهلي حتّي أضحت جزءاً من كيانهم، فالدعوة إلي إدخال العمرة في الحج كانت دعوة علي خلاف ما شبّوا وشاخوا عليه، ولذلك لمّا أمرهم النبي بإدخال العمرة إلي الحجّ وجعل الإهلال للحجّ عمرة، تعاظم أمرهم وثارت ثورتهم، وقاموا بوجه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي نحو أثاروا غضبه، وإليك بعض ما روي في المقام:
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 40
1. أخرج مسلم عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد اللّه في ناس معي قال: أهللنا أصحاب محمد بالحجّ خالصاً وحده، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صبح رابعة مضت من ذي الحجّة فأمرنا أن نحل، قال عطاء: قال: حلّوا وأصيبوا النساء، قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهنّ لهم، فقلنا: لما لم يكن بيننا و بين عرفة إلّا خمس، أمرنا أن نفضي إلي نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكرنا المني.
قال: يقول جابر بيده كأنّي أنظر إلي قوله «بيده» يحركها، قال: فقام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فينا فقال: قد علمتم انّي أتقاكم للّه وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلّوا، فحللنا وسمعنا وأطعنا.
قال عطاء: قال جابر: فقدم عليّ من سعايته فقال: بم أهللت، قال: بما أهلّ به النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول اللّه:
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 41
فأهد، وامكث حراماً، قال: وأهدي له علي هدياً، فقال سراقة بن مالك بن جُعشم: يا رسول اللّه: ألعامناهذا أم لأبد، فقال: لأبد. «1» 2. روي مسلم عن جابر بن عبد اللّه) (رضي الله عنه) قال: أهللنا مع رسول اللّه بالحجّ، فلمّا قدمنا مكة أمرنا أن نحلّ ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فما ندري أشي بلغه من السماء أم شي من قبل الناس، فقال: أيّها الناس أحلّوا فلولا الهدي الذي معي، فعلتُ كما فعلتم، قال: فأحللنا حتّي وطئنا النساء وفعلنا ما يفعل الحلال حتّي إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر، أهللنا بالحج. «2» 3. أخرج مسلم عن عائشة انّها قالت: قدم
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 42
رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس فدخل عليَّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول اللّه، أدخله اللّه النار؟ قال: أو ما شعرت انّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون، ولو اني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتّي اشتريه ثمّ أحلّ كما حلّوا. «1» هذا غيض من فيض ممّا يحكي عن حالة عصيان بين الصحابة في ذلك الموضوع وانّهم لم يستجيبوا بادئ بدء لأمر الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي أغضبوه، فأين عملهم هذا من قوله سبحانه: (وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) «2» وقوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). «3» أي لا تتقدّموا علي اللّه ورسوله، ولا تقدّموا قولكم علي قولهما.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 43

الخامس: عودة التقاليد الجاهلية

اشارة

حجّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه وعلّمهم مناسك الحجّ ومواقفه وسننه وطقوسه فأعاد كلّ ما حُرّف إلي محله، ولكن للأسف انّ عمر بن الخطاب، قدم الاجتهاد علي النص ومنع من متعة الحج وشدد النكير عليه وتبعه عثمان ودام الأمر عليه إلي العهود التالية، وكفي في ذلك ما رواه الشيخان وغيره.
1. روي مسلم عن أبي موسي قال: قدمت علي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: فقد أحسنت طف بالبيت
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 44
وبالصفا والمروة وأحلّ «1» قال: فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثمّ أتيت امرأة من بني قيس فَفَلَتْ رأسي ثمّ أهللت بالحج، قال: فكنت أفتي به الناس حتّي كان في خلافة عمر.
فقال له رجل: يا أبا موسي أو يا عبد اللّه بن قيس، رويدك بعض فُتياك فانّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعدك، فقال: يا أيّها الناس ما كنّا أفتيناه فتيا فليتَّئد «2» فانّ أمير المؤمنين قادم عليكم فيه فائتَمُّوا.
قال: فقدم عمر فذكرت ذلك له، فقال: إن نأخذ بكتاب اللّه فانّ كتاب اللّه يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) فانّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يحلّ حتّي بلغ
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 45
الهدي محله. «1» والعجب من أبي موسي مع أنّه كان يفتي الناس بما جرت عليه سيرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولكنّه في خلافة عمر عدل عن هدي الرسول وأمر الناس بالتأنّي مع أنّه سمع من السائل بأنّه حدث جديد في النسك.
نعم استدلّ عمر علي إخراج العمرة عن الحجّ بأمرين:
الأوّل: ما في كتاب اللّه حيث أمر سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ).
الثاني: سيرة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) حيث لم يحل حتّي بلغ الهدي محله.
وكلا الاستدلالين من الوهن بمكان.
أمّا الاستدلال بالكتاب فقد عرفت أنّ معني إتمام الحجّ والعمرة إكمالهما في مقابل المحصر الذي لا يستطيع الإكمال، وأين هو من إخراج العمرة عن الحجّ؟!
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 46
وأمّا سيرة النبي فقد كشف قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) النقاب عن عدم إحلاله، لأنّه ساق الهدي وكلّ من ساق الهدي لا يحلّ إلّا أن يبلغ الهدي محله.
2. أخرج مسلم عن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس) (رضي الله عنه) يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه، فقال: علي يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه، فلمّا قام عمر قال: إنّ اللّه كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وانّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحجّ والعمرة للّه كما أمركم اللّه وابتّوا نكاح هذه النساء. «1» 3. وروي أيضاً بالاسناد السابق انّ عمر قال: فافصلوا حجّكم من عمرتكم فانّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم. «2» ويدلّ الحديث علي أنّ فصل الحج عن العمرة ظهر في عصر عمر، وقد عرفت أنّ استدلاله بقوله
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 47
سبحانه (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ) لا يمتّ إلي هذا الباب بصلة، و قوله في ذيل الحديث الثاني (فافصلوا حجكم من عمرتكم) صريح في فصل الحجّ من العمرة والإتيان بها في غير أشهر الحجّ، و قد مرّ انّ العرب في العصر الجاهلي تري الجمع بينهما من أفجر الفجور فكأنّ الرجل تأثر مما رسب في ذهنه فحرّم متعة الحج.
4. أخرج مسلم عن أبي موسي انّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فُتياك فانّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعدُ حتي لقيه بعدُ فسأله، فقال عمر: قد علمت أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ في الأراك «1»، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم. «2» الحديث يكشف عن أنّه اجتهد أمام النص، لأنّه يكره أن يذهب الحاج إلي عرفة ورأسه يقطر ماءً. وصار ذلك سبباً للمنع عن السنّة القطعية. «3»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 48
وقد استنكر الخليفة متعة الحجّ إلي حدّ كان الأعاظم من الصحابة علي خوف من أن يتفوّهوا بجوازه وكانوا يوصون أن لا ينقل عنهم ماداموا علي قيد الحياة، وهذا هو عِمْران بن حصين يوصي بعدم إفشاء كلامه مادام حيّاً.
أخرج مسلم عن قتادة، عن مطرِّف قال: بعث إلي عِمْران بن حُصين في مرضه الذي توفّي فيه، فقال: إنّي محدِّثك بأحاديث لعل اللّه ينفعك بها بعدي، فإن عشتُ فأكتُم عني وإن مُتُّ فحدِّث بها إن شئت، انّه قد سُلِّم عليَّ وأعلم انّ نبي اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) قد جمع بين حج وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبيّ اللّه قال رجل فيها برأيه ما شاء. «1»

صورة ثانية

وأخرج أيضاً عن مطرِّف بن عبد اللّه بن الشّخّير،
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 49
عن عِمران بن حُصَين قال: اعلم أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) جمع بين حجّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنهما رسول اللّه، قال فيها رجل برأيه ما شاء. «1»

صورة ثالثة

وأخرج أيضاً عن مطرِّف، قال: قال لي عمران بن حصين انّي لأُحدّثك بالحديث اليوم ينفعك اللّه به بعد اليوم، وأعلم أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتّي مضي لوجهه، ارتأي كلّ امرئ بعد ما شاء أن يرتئي. «2»

صورة رابعة

وأخرج البخاري عن قتادة، قال: حدّثني مطرف عن عمران قال: تمتّعنا علي عهد رسول اللّه فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء. «3» فانّ قول عمران بن حصين فإن
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 50
عشت فاكتم عنّي وإن مُت فحدث بها إن شئت، أو قوله: «قال رجل فيها برأيه ما شاء» يعرب عن وجود ضغط وكبت من جانب الخليفة في المسألة.
ثمّ إنّ السبب لنهي الخليفة عن متعة الحجّ أحد أمرين:
الأوّل: كراهته أن يكون الحجّاج معرسين بهن في الأراك ثمّ يروحون إلي الحج ورؤوسهم تقطر ماء.
قال أبو حنيفة عن حمّاد، عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد قال: بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة، فإذا هو برجل مرجّل شعره، يفوح منه ريح الطيب، فقال له عمر: أمحرم أنت؟ قال: نعم، فقال عمر: ما هيأتك بهيئة محرم، إنّما المحرم، الأشعث، الأغبر، الأذفر، قال: إنّي قدمت متمتّعاً وكان معي أهلي وإنّما أحرمت اليوم، فقال عمر عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الأيام، فإنّي لو رخصت في المتعة لعرسوا بهنّ في الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجاجاً. «1»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 51
روي سعيد بن المسيب: انّ عمر بن الخطاب نهي أنّ المتعة في أشهر الحجّ، وقال: فعلتها مع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهي عنها، وذلك أنّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نَصَباً معتمراً في أشهر الحج وإنّما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثمّ يقدم فيطوف بالبيت ويحلّ ويلبس ويتطيّب ويقع علي أهله إن كانوا معه حتّي إذا كان يوم التروية أهلّ بالحج وخرج إلي مني يلبّي بحجة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلّا يوماً، والحجّ أفضل من العمرة، لو خلّينا بينهم و بين هذا لعانقوهنّ تحت الأراك مع أنّ أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع، وإنّما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم. «1» الثاني: خوف تسرب الفقر إلي سكان البيت حيث ليس لهم ضرع ولا زرع فمنع عن الجمع بين العمرة والحجّ حتّي يتقاطر الحاج في عامة الشهور إلي البلد الأمين،
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 52
ولأجل هذه الغاية منع عن الجمع حتّي يكون الحجّ في عام والعمرة في عام آخر.
روي أبو نعيم في «حلية الأولياء»: انّ عمر بن الخطاب نهي عن المتعة في أشهر الحجّ، وقال: فعلتها مع رسول اللّه وأنا أنهي عنها وذلك: انّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً أشهر الحجّ وإنّما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثمّ يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيّب ويقع علي أهله إن كانوا معه حتّي إذا كان يوم التروية أهلّ بالحج وخرج إلي مني يلبي بحجّة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلّا يوماً، والحجّ أفضل من العمرة، لو خلّينا بينهم وبين هذا لعانقوهن تحت الأراك وإنّ أهل هذا البيت (أي أهل مكة) ليس لهم ضرع ولا زرع وإنّما ربيعهم في من يطرأ عليهم. «1» و قد مرّ ما يؤيّده من رواية سعيد بن المسيب.
هذا وانّه سبحانه نقل دعاء الخليل حيث سأله
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 53
سبحانه أن يرزق سكنة مكة من الثمرات وقال: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). «1» وقد استجاب سبحانه دعاء أبيهم إبراهيم، يقول سبحانه: (وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدي مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبي إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ). «2» وعندئذ فلا حاجة للمنع عن السنّة النبوية بُغية توفير أرزاقهم.
ولعمر الحقّ انّ هذه الأعذار لا تبرّر تغيّر الشريعة وتبديلها والمنع من المناسك التي شرعها سبحانه وبلغها نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم)، وصاحب الشريعة أعرف بمصالح المسلمين ومصالح سدنة مكة وسكنتها.
وقد بلغ منع الخليفة عن متعة الحجّ حتّي قال في
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 54
بعض خطبه: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّه وأنا أنهي عنهما وأُعاقب عليهما: متعة الحجّ ومتعة النساء» و في لفظ الجصاص: لو تقدمت فيها لرجمت. وفي رواية أُخري: أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحجّ. «1»

حجّ التمتع علي عهد عثمان‌

وقد اتّبع عثمان سلفه فيما أبدع وأحدث في المناسك فقد منع من الجمع بين العمرة والحجّ.
روي ابن حزم انّ عثمان بن عفان سمع رجلًا يُحلّ بعمرة وحجّ فقال: عليَّ بالمهلّ، فضربه وحلقه. «2»؛؛؛
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 55

السادس: الصحابة وتحريم متعة الحج‌

اشارة

قد استنكر لفيف من الصحابة عمل الخليفة وتحريمه متعة الحج بحماس نذكر منهم بعضهم:

1. الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قد كان الإمام أمير المؤمنين يكافح البدع والمحدثات الطارئة علي الشريعة بحماس ولا يعير أهمية لنهي الناهي مهما كان له السطوة والشوكة.
1. روي البخاري عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً، وعثمان ينهي عن المتعة وأن يجمع بينهما؛ فلمّا رأي علي، أهلّ بهما، لبّيك بعمرة وحجة، قال: ما كنت لأدع سنّة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لقول أحد. «1»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 56
2. أخرج البخاري عن سعيد بن المسيب قال: اختلف عليّ وعثمان وهما بعُسفان، في المتعة، فقال علي: ما تريد إلّا أن تنهي عن أمر فعله النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فلمّا رأي ذلك عليّ أهلّ بهما جميعاً. «1» 3. روي مالك في «الموطأ»: انّ المقداد بن الأسود دخل علي عليّ (عليه السلام) بالسهَيا وهو يُنجع بكَرات له دقيقاً وخَبطاً، فقال: هذا عثمان بن عفان ينهي أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي (عليه السلام) وعلي يديه أثر الدقيق والخبط فما أنسي أثر الدقيق والخبط علي ذراعيه، حتّي دخل علي عثمان فقال: أنت تنهي عن أن يقرن بين الحجّ والعمرة، فقال عثمان: ذلك رأيي، فخرج علي (عليه السلام) مغضباً وهو يقول: لبيك اللّهم لبيك بحجة وعمرة معاً. «2» 4. عن سعيد بن المسيب قال: حجّ علي و عثمان فلمّا كنّا ببعض الطريق نهي عثمان عن التمتع، فقال
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 57
علي: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبّي علي وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان». «1» 5. روي عبد اللّه بن الزبير، قال: أنا واللّه لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري، إذ قال عثمان وذكر له التمتع بالعمرة إلي الحجّ: أن أتمّوا الحجّ وخلّصوه في أشهر الحجّ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتي تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فانّ اللّه قد وسع في الخير.
فقال له علي: «عمدت إلي سنّة رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) ورخصة رخّص للعباد بها في كتابه، تضيق عليهم فيها وتنهي عنها، وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار»، ثمّ أهلّ بعمرة وحجّة معاً، فأقبل عثمان علي الناس.
فقال: وهل نهيت عنها؟ إنّي لم أنه عنها إنّما كان رأياً أشرت به، فمن شاء أخذ به، ومن شاء تركه.
؛ سلسلة المسائل الفقهية، ص: 58
قال: فما أنسي قول رجل من أهل الشام مع حبيب ابن مسلمة: انظر إلي هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟ واللّه لو أمرني لضربت عنقه، قال: فرفع «حبيب» يده فضرب بها في صدره و قال: اسكت فانّ أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أعلم بما يختلفون فيه. «1»

2. عبد اللّه بن عمر

اشارة

ولم يكن عليّ (عليه السلام) هو الوحيد بين الصحابة في الاستنكار و إن كان وحيداً في شدة استنكاره بل كان هناك من يستنكر التحريم بين الفينة والأُخري، روي القرطبي في تفسيره عن سالم قال: إنّي لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة إلي الحجّ، فقال ابن عمر: حسن جميل، قال: فإنّ أباك كان ينهي عنها، فقال: ويلك فإن كان أبي نهي عنها
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 59
وقد فعله رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمر به أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)؟! قم عنّي. «1» وسئل عبد اللّه بن عمر عن متعة الحج؟ قال: هي حلال، فقال له السائل: إنّ أباك قد نهي عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهي عنها وصنعها رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أأمر أبي يتبع أم أمر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)؟! فقال الرجل: بل أمر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: لقد صنعها رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم). «2»

صورة ثانية

قال سالم: سئل ابن عمر عن متعة الحجّ فأمر بها فقيل له: إنّك تخالف أباك؟ قال: إنّ أبي لم يقل الذي تقولون إنّما قال: أفردوا العمرة من الحجّ، أي انّ العمرة لا تتم في شهور الحجّ إلّا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحجّ، فجعلتموها أنتم حراماً وعاقبتم الناس
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 60
عليها، وقد أحلّها اللّه عزّ وجلّ وعمل بها رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: فإذا أكثروا عليه. قال: أفكتاب اللّه عزّ وجلّ أحقّ أن يُتبع أم عمر؟! «1»

صورة ثالثة

قال سالم: كان عبد اللّه بن عمر يفتي بالذي أنزل اللّه عزّ وجلّ من الرخصة في التمتع وسنّ فيه رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فيقول ناس لعبد اللّه بن عمر: كيف تخالف أباك وقد نهي عن ذلك؟! فيقول لهم عبد اللّه: ويلكم، ألا تتقون اللّه؟ أرأيتم إن كان عمر نهي عن ذلك يبتغي فيه الخير ويلتمس فيه تمام العمرة فلم تحرّمون وقد أحلّه اللّه وعمل به رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ أفرسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أحقّ أن تتّبعوا سنّته أو عمر؟! إنّ عمر لم يقل لك: إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام ولكنّه قال: إن أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحجّ. «2»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 61

3. استنكار ابن عباس‌

وممّن استنكر عمل الخليفة ومن لفّ لفّه، حبر الأُمّة عبد اللّه بن عباس) (رضي الله عنه). روي سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تمتّع رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال عروة: نهي أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: ما يقول عريّة؟! «1» قال: نقول نهي أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) ويقولون: قال أبو بكر وعمر. «2»

4. استنكار أُبي بن كعب‌

وممّن استنكر تحريم المتعة ولم ير نهي الخليفة صالحاً للأخذ هو الصحابي العظيم: أُبي بن كعب أخرج السيوطي عن مسند ابن راهويه وأحمد انّ عمر بن الخطاب همّ أن ينهي عن متعة الحجّ فقام إليه أُبي بن
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 62
كعب فقال: ليس ذلك لك، قد نزل بها كتاب اللّه واعتمرناها مع رسول اللّه، فنزل عمر. «1»

5. استنكار سعد بن أبي وقاص‌

إنّ سعد بن أبي وقاص كان ممّن يعظِّمه عمر بن الخطاب ويحترمه وكان يأمر ابنه عبد اللّه باتّباعه، وقد أنكر تحريم متعة الحجّ. أخرج الإمام مالك عن محمد بن عبد اللّه بن حارث، أنّه حدّثه: أنّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وممّا يذكر انّ التمتع بالعمرة أي الحج، فقال الضحاك بن قيس: لا يفعل ذلك إلّا من جهل أمر اللّه عزّ وجلّ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فانّ عمر بن الخطاب قد نهي عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول اللّه وصنعناها معه. «2»؛
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 63
عن محمد بن عبد اللّه بن نوفل قال: سمعت عامَ حجّ معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلي الحجّ؟ قال: حسنة جميلة، قال: قد كان عمر ينهي عنها فأنت خير من عمر؟! قال: عمر خير مني وقد فعل ذلك النبي وهو خير من عمر. «1»

6. عمران بن حصين‌

قد استنكر عمران بن حصين تحريم متعة الحج وأوصي في أُخريات عمره وفي المرض الذي توفّي فيه أن يُحدَّث عنه: انّ نبي اللّه جمع بين حجّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبي اللّه وإنّما نهي عنها رجل برأيه، دون دليل في كتاب اللّه وسنّة رسوله. «2» وقد توالي الاستنكار في العهود اللاحقة وإن كان المرتقون علي صهوات الحكم مصرّين علي اتّباع السلف
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 64
إلي أن زالت الحكومة الأُموية وأخذ بنو عباس بزمام الحكم، فانتشر القول بجواز التمتع بالعمرة إلي الحجّ، وذلك لأنّ الجواز موقف جد العباسيّين فرفعوا الحرج عن المسلمين، وتبنّي أحمد بن حنبل في عهدهم دخولها في الحج، وذاع القول به إلي يومنا هذا بين المذاهب خصوصاً بين الحنابلة.

التمتّع بالعمرة إلي الحج وشروطه‌

قد عرفت أنّ حجّ التمتّع عبارة عن الإهلال بالعمرة ثمّ الإهلال بعد الإتيان بها ثمّ الإحرام إلي الحجّ، وإليه يشير قوله سبحانه: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
قال القرطبي: التمتّع بالعمرة إلي الحجّ عند العلماء علي أربعة أوجه منها وجه واحد مجتمع عليه، والثلاثة مختلف فيها.
فأمّا الوجه المجتمع عليه فهو التمتع المراد بقول اللّه
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 65
جلّ وعز: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وذلك أن يحرم الرجل بعمرة في أشهر الحجّ وأن يكون من أهل الآفاق، وقدم مكة ففرغ منها ثمّ أقام حلالًا بمكة إلي أن أنشأ الحجّ منها في عامه ذلك قبل رجوعه إلي بلده، أو قبل خروجه إلي ميقات أهل ناحيته، فإذا فعل ذلك كان متمتعاً وعليه ما أوجب اللّه علي المتمتع، وذلك ما استيسر من الهدي يذبحه ويعطيه للمساكين بمني أو بمكة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام، وسبعة إذا رجع إلي بلده، وليس له صيام يوم النحر بإجماع من المسلمين واختلف في صيام أيّام التشريق.
فهذا إجماع من أهل العلم قديماً وحديثاً في المتعة، ورابطها ثمانية شروط:
الأوّل: أن يجمع بين الحجّ والعمرة.
الثاني: في سفر واحد.
الثالث: في عام واحد.
الرابع: في أشهر الحجّ.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 66
الخامس: تقديم العمرة.
السادس: لا يمزجها، بل يكون إحرام الحجّ بعد الفراغ من العمرة.
السابع: أن تكون العمرة والحجّ عن شخص واحد.
الثامن: أن يكون من غير أهل مكة.
وتأمّل هذه الشروط فيما وصفنا من حكم التمتع تجدها. «1» وهذا هو الذي مُنع عنه بعد رحيل الرسول، لا غير.
ونهي عنه عمر بن الخطاب و تبعه عثمان ومعاوية ومن بعدهم.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 67

السابع: التبريرات المختلقة للحظر المفروض‌

اشارة

لمّا كان النهي عن متعة الحجّ، يضاد صريح الكتاب، وعمل النبي وسنّته، وعمل أكابر أصحابه، حاول غير واحد تأويل النهي، بوجوه نذكر منها وجهين:

1. فسخ الحجّ إلي العمرة

ربما يقال: انّ المنهي، هو فسخ الحجّ إلي العمرة التي يأتي بعدها فمن أحرم للحجّ، فله أن يأتي بأعماله ثمّ ينشئ إحراماً آخر للعمرة، فليس له أن يعدل عن حجّ القران إلي حجّ التمتع، وهذا هو الذي ينقله بدر الدين العيني الحنفي عن بعضهم، وإليك نصّه: قال عياض وغيره جازمين بأنّ المتعة التي نهي عنها عمر و عثمان هي
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 68
فسخ الحجّ إلي العمرة، لا العمرة التي يحجّ بعدها.
ولمّا كان التأويل بمكان من الوهن حيث تدفعه النصوص السابقة عن جابر و ابن عباس وعمران بن حصين و سعد بن أبي وقاص، كما تدفعه نصوص العلماء علي أنّ المنهي عنه هو الجمع بين العمرة والحجّ ردّ عليه بدر الدين الحنفي و قال: قلت يرد عليهم ما جاء في رواية مسلم في بعض طرقه التصريح بكونه متعة الحجّ، وفي رواية له انّ رسول اللّه أعمر بعض أهله في العشر، وفي رواية: جمع بين حج وعمرة، و مراده التمتع المذكور و هو الجمع بينهما في عام واحد. «1» قلت: ويخالف هذا التأويل، كلمات المحرِّم:
الف: أنّي أخشي أن يعرّسوا بهن في الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حجاجاً.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 69
ب: انّي لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجاجاً.
ج. كرهت أن يكونوا معرسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.
د: انّ أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنّما ربيعهم في من يطرأ عليهم.
فانّ هذه الكلمات صريحة في أنّ النهي عن الجمع بين العمرة والحج، بل ليس للوافد إلّا الحجّ، ثمّ الإتيان بالعمرة في العام المقبل، لاستكراهه التعرس بالنساء بين العملين أو ليفيض الزائر في عامة الشهور إلي مكة المكرمة.

2. اختصاص التمتّع بالصحابة

إنّ في الفقه الإسلامي باباً باسم خصائص النبي والأُمور أو الأحكام المختصة به، وقد ذكرها العلّامة الحلّي برمّتها في كتاب «تذكرة الفقهاء» أوائل كتاب النكاح ولم تسمع إذن الدنيا، خصائص الصحابة وانّ لهم خصائص كخصائص النبي مع أنّ حكمه (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الأوّلين كحكمه
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 70
علي الآخرين، وحلال محمّد حلال إلي يوم القيامة، وحرامه حرام إلي يوم القيامة.
لكن لما كان تحريم التمتع، و المنع عن الجمع بين العمرة والحجّ، يضاد الكتاب والسنّة القطعية حاول بعضهم تأويله قائلًا بأنّ الجمع بينهما من خصائص أصحاب النبي، حتّي عزوه إلي أبي ذر، حسب ما رواه مسلم.
أخرج مسلم عن أبي ذر انّه قال: كانت متعة الحجّ لأصحاب محمد خاصّة. «1» وفي رواية أُخري: لا تصلح المتعتان إلّا لنا خاصة يعني: متعة النساء ومتعة الحجّ. «2» وقد أيّدوه ببعض الآثار التي قال في حقّها ابن القيم الجوزية: إنّ تلكم الآثار الدالّة علي الاختصاص بالصحابة بين باطل لا يصحّ عمّن نُسب إليه ألبتة، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 71
المشرِّع المعصوم. «1» وفي صحيح الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال: متعتنا هذه يا رسول اللّه لعامنا هذا أم لأبد؟ قال: لا بل لأبد أبد.
وفي صحيحة أُخري عن سراقة: قام رسول اللّه خطيباً فقال: ألا إنّ العمرة قد دخلت في الحجّ إلي يوم القيامة. «2» وقد مرّ نقل البخاري انّ العرب كانت تعدّ العمرة في أشهر الحجّ قبل الإسلام من أفجر الفجور، وقد نهض النبي بأمر من اللّه بإعادة السنّة الإبراهيمية إلي الساحة، فاعتمر أربع عمر كلّها في أشهر الحجّ.
3. عزوه إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وطروء النسيان علي الصحابة قد تعرفت علي مدي صحة التأويلين السابقين؛
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 72
وبُعدهما عن النصوص الواردة في الموضوع فهلمَّ معي نقرأ ما انتحله ابن أبي سفيان حيث نسب النهي عن الجمع بين العمرة والحجّ إلي رسول اللّه، ولما سأل أصحاب النبي عن هذا النهي و واجه استنكارهم له، رماهم بالنسيان.
أخرج أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان انّه قال لأصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هل تعلمون انّ رسول اللّه نهي عن كذا أو كذا، وركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم، قال: فتعلمون انّه نهي ان يقرن بين الحجّ والعمرة؟ فقالوا: أمّا هذا فلا، فقال: أما إنّها معهن ولكن نسيتم. «1» ولو كان المسؤول شخصاً أو شخصين من أصحاب النبي لكان احتمال تطرق النسيان إليه أو إليهما مبرر، ولكنّه سأل أصحاب النبي، الظاهر في أنّ المسؤول كان جماعة كثيرة، فهل يحتمل أن يتسرب النسيان إلي هؤلاء، الذين طالت صحبتهم مع النبي ولا يذكره إلّا ابن
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 73
أبي سفيان الذي أسلم عام الفتح وقصرت صحبته وقلّ سماعه؟! كيف و قد كان مع النبي أُلوف من الصحابة رأوا بأُمّ أعينهم عمل النبي وقوله وحثّه وترغيبه إلي الجمع بين العمرة والحجّ، والإحلال بينهما من المحظورات.
قال ابن القيم: لما عزم رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الحج علم الناس انه حاج فتجهّزوا للخروج معه وسمع بذلك مَنْ حول المدينة فقدموا يريدون الحج مع رسول اللّه ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، فكان من بين يده ومن خلفه و عن يمينه وشماله مدّ البصر. «1»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 74

خاتمة المطاف‌

في أُمور:
الأوّل: اتّفقت كلمة شرّاح الصحيحين علي أنّ المراد من «رجل» في قوله: «وقال رجل برأيه» هو عمر بن الخطاب، قال القسطلاني في شرح قوله: «قال رجل برأيه ما يشاء» هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان، لأنّ عمر أوّل من نهي عنها فكان من بعده تابعاً له في ذلك.
ففي صحيح مسلم انّ ابن الزبير كان ينهي، وابن العباس يأمر بها فسألوا جابراً فأشار إلي أنّ أوّل من نهي عنها عمر. «1» وقال النووي في شرح صحيح مسلم: هو عمر بن الخطاب، لأنّه أوّل من نهي عن المتعة، فكان من بعده من
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 75
عثمان وغيره تابعاً له. «1» الثاني: أخرج مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسي قال: كان رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) بعثني إلي اليمن فوافقته في العام الذي حجّ فيه، فقال لي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): يا أبا موسي كيف قلت حين أحرمت؟ قال: قلت: لبّيك إهلالًا كإهلال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: هل سقت هدياً؟ فقال: لا، قال: فانطلق فطف بالبيت وبين الصفا والمروة ثمّ أحل. «2» هنا سؤال هو انّ علي بن أبي طالب و أبا موسي علّقا أحرامهما بإحرام النبي، فأمر عليّاً بالدوام علي إحرامه، وأمر أبا موسي بجعله عمرة فما هو الفارق بين الإحرامين؟
أقول: قد أجاب عنه النووي في شرحه و قال: إنّ
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 76
عليّاً كان معه هدي كما كان مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الهدي فبقي علي إحرامه كما بقي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وكلّ من معه هدي، وأبوموسي لم يكن معه هدي فتحلّل بعمرة كمن لم يكن معه هدي ولولا الهدي مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لجعلها عمرة. «1» الثالث: انّ في حظر متعة الحجّ لعبرة لمن سبر التاريخ، وحاول الوقوف علي الوقائع التي جرت فيه، فهذا هو النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد حجّ ومعه آلاف من أصحابه و من تبعه من الأعراب حيث أمر فيه بإدخال العمرة في الحجّ والاحلال بينهما و قد شهد به الكبير والصغير والداني والنائي، وبالرغم من ذلك فقد غلب منطقُ القوة علي قوة المنطق عُقْب رحيله حتي صار التمتع بالعمرة إلي الحجّ من المحرمات التي يعاقب عليها مرتكبها أشدّ العقوبة، مع أنّ هذه المسألة لم تكن مصدر تهديد
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 77
للسلطات الحاكمة.
فإذا كان هذا هو حالها فما ظنك بالمسائل السياسية التي تهدِّد المنافع الشخصية للبعض، فلا غرو في أن يقف أصحاب الآراء والأهواء بوجه الحقّ الذي أمر به النبي.
وبذلك يسهل علي القارئ الكريم الوقوف علي مغزي مخالفة بعض الصحابة للحقّ المشروع لعلي (عليه السلام) في الخلافة.
إنّ كثيراً من الباحثين من أهل السنّة يأوّلون ما ورد من النصوص حول خلافة الإمام أمير المؤمنين في أوائل البعثة وأواسطها وأواخرها ويفسرونها بالدعوة إلي نصرة علي ومحبّته، يقول الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر في وقته في رسالته إلي السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي:
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 78
إنّ أُولي البصائر النافذة والرؤية الثاقبة ينزّهون الصحابة عن مخالفة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في شي من ظواهر أوامره ونواهيه ولا يجوّزون عليهم غير التعبّد بذلك، فلا يمكن أن يسمعوا النص علي الإمام ثمّ يعدلوا عنه أوّلًا وثانياً وثالثاً، وكيف يمكن حملهم علي الصحّة في عدولهم عنه مع سماعهم النصّ عليه؟ ما أراك بقادر علي أن تجمع بينهما. «1» وما ذكره شيخ الأزهر نابع من حسن ظنه بالصحابة كافة، ولكن لو سبر أخبارهم لوقف علي أنّهم خالفوا النصوص في موارد كثيرة، ومنها متعة الحجّ علي الرغم من أنّها لم تشكّل تهديداً لمصالحهم بل كانت مجرد استهجان للتحلّل بين العمرة والحجّ.
وأمّا النصوص التي تتعرض لمصالحهم الشخصية،
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 79
فقد كانوا يخالفونها في حياته فكيف بعد رحيله؟! والموارد التي لم يتعبّد السلف من الصحابة بالنصوص فيها أكثر من أن تذكر في ذلك المجال، وكفانا في ذلك ما قام به السيد شرف الدين العاملي في كتابه القيم «النص والاجتهاد» فقد جمع شطراً وافراً من اجتهادات الصحابة مقابل النص، وقد أنهاها إلي 66 مورداً، نقتصر منها علي هذا النموذج:
رزية يوم الخميس التي حيل فيها بين النبي وما كان يرومه من كتابة أمر بالغ الأهمية، فانّها من أشهر القضايا وأكبر الرزايا أخرجها أصحاب الصحاح والسنن ونقلها الإمام البخاري في صحيحه، بسنده إلي عبيد اللّه بن عتبة ابن مسعود عن ابن عباس، قال: لمّا حضر رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 80
اللّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): قوموا، فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. «1» ويكشف عن ذلك الحوار الذي جري بين الخليفة وابن عباس الذي نقله علي وجه التفصيل شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد في شرحه، يقول:
قال عمر بن الخطاب لابن عباس: يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين.
قال: لكنّي أدري.
قال: ما هو، يا أمير المؤمنين؟
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 81
قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، فتُجْحفوا الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، ووفقت فأصابت. «1» وبما انّ المقام لا يقتضي التبسّط فلنقتصر علي ذلك.
الرابع: المعروف انّ الخليفة حرم متعة الحجّ لاستلزامه التحلّل بين العمرة والحجّ، وهذا ممّا كان يستهجنه الخليفة ويعرب عنه قوله:
«إنّي أخشي أن يعرّسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حجّاجاً»، وقوله: «كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم».
وعلي ذلك فقد رخص في الإفراد والقران، أمّا الفارد فلأنّ العمرة يؤتي بها بعد الحجّ، وأمّا القران فانّ الحاج بما انّه يهل بالعمرة والحجّ معاً فلا يتحلّل بين العملين.
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 82
ولكنّه بالنسبة إلي سائر أقواله فقد منع عن حجّ القران أيضاً، وذلك لأنّه كان يصر بفصل الحجّ عن العمرة مستدلًا بأنّه ليس لأهل هذا البلد ضرع ولا زرع. «1» وكان ينادي بقوله: «فافصلوا حجّكم عن عمرتكم فانّه أتم لحجّكم وأتمّ لعمرتكم» «2» ومعني ذلك حرمان أكثر الناس من العمرة التي دعا إليها سبحانه بقوله: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ)، إذ ربما لا تتهيّأ الأسباب لإقامة الآفاقي في مكة المكرمة حتّي يحول الحول فيأتي بالعمرة نزولًا لنهي الخليفة.
وما أبعد عمل الخليفة وما يرويه ابن عباس، ويقول: واللّه ما أعمر رسول اللّه عائشة في ذي الحجّة إلّا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، وقال كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض. «3»
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 83
الخامس: قد روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما مرّ من احتدام النزاع بين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولفيف من صحابته في إدخال العمرة في الحجّ والتحلّل بعد الأُولي.
روي الشيخ الطوسي بسند صحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «لمّا فرغ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) من سعيه بين الصفا والمروة أتاه جبرئيل (عليه السلام) عند فراغه من السعي وهو علي المروة، فقال: إنّ اللّه تعالي يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلّا من ساق الهدي. فأقبل رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الناس بوجهه، فقال: يا أيّها الناس هذا جبرئيل و أشار بيده إلي خلفه يأمرني عن اللّه عزّ وجلّ أن آمر الناس أن يحلّوا إلّا من ساق الهدي ف آمرهم بما أمر اللّه به.
فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) نخرج إلي مني ورؤوسنا تقطر من النساء. وقال آخرون: يأمرنا بشي ويصنع هو غيره. فقال: يا أيّها الناس لو استقبلت من
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 84
أمري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس، ولكنّي سُقت الهدي ولا يحلّ من ساق الهدي حتّي يبلغ الهدي محلّه. فقصر الناس وأحلّوا وجعلوها عمرة. فقام إليه سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال يا رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم): هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد إلي يوم القيامة وشبّك بين أصابعه. وأنزل اللّه تعالي في ذلك قرآناً: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) «1». «2» السادس: انّ رسول اللّه أقام بالمدينة عشر سنين فلما نزل قوله سبحانه: (وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلي كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) «3» أمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلي أصواتهم بانّ رسول اللّه يحجّ في عامه هذا
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 85
فاتبعه من حضر المدينة وأهل العوالي والاعراب.
واختلفت كلمة أهل السنة في كيفية حجّه إلي أقوال ووجوه:
1. انّه (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قارناً لا مفرداً. وهذا خيرة ابن قيم الجوزية، وأقام علي مختاره ما يربو علي 21 دليلًا. «1» 2. انّه (صلي الله عليه وآله وسلم) حجّ حجّاً مفرداً لم يعتمر فيه واحتجّوا برواية عائشة في الصحيحين انّ رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أهل بالحجّ.
3. انّه (صلي الله عليه وآله وسلم) حجّ متمتّعاً تمتعاً حلّ فيه من إحرامه ثمّ أحرم يوم التروية بالحجّ مع سوق الهدي.
4. حجّ متمتعاً تمتعاً لم يحل منه لأجل سوق الهدي. هذه الوجوه ذكرها ابن قيم الجوزية وبسط الكلام في أدلّة القائلين ونقدها. «2» وأمّا ما هو الحقّ حسب
سلسلة المسائل الفقهية، ص: 86
روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فموكول إلي محلّه وقد استدلّ صاحب الحدائق علي أنّه لم يكن متمتعاً بقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي. «1» (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْري لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَي السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ). «2»

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.