سلامه القرآن من التحريف

اشارة

سرشناسه : محمدي، فتح الله، - 1337

عنوان و نام پديدآور : سلامه القرآن من التحريف. و تقنيد الافتراآات علي الشيعه الاماميه: عرض و نقد لاراآ الدكتور ناصربن علي القفاري، احسان الهي ظهير، محمدمال الله و آخرين/ تاليف فتح الله المحمدي (نجارزادگان)

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1382.

مشخصات ظاهري : ص 758

شابك : 964-7635-31-1

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : چاپ قبلي: پيام آزادي، 1378

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه

عنوان ديگر : تنقيد الافتراآات علي الشيعه الاماميه

موضوع : قرآن -- تحريف

موضوع : قرآن -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : فقاري، ناصر -- Qafari, Nasirنقد و تفسير

موضوع : ظهير، احسان الهي -- Zahir, Ihsan Ilahiنقد و تفسير

موضوع : مال الله، محمد -- Mal Allab, Muhammadنقد و تفسير

رده بندي كنگره : BP89/2/م 3س 8 1382

رده بندي ديويي : 297/15

شماره كتابشناسي ملي : م 82-9116

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كلمة المؤلف

ص: 5

الإهداء إلى الرسول الأعظم خاتم النبيّين وسيّد المرسلين محمّد صلّى اللَّه عليه وعلى آله وسلّم

ص: 6

ص: 7

الحمد للَّه الّذي تحيرت العقولُ في كنهِ معرفتِهِ، وانحسرتِ الأَبصارُ دونَ التطلُّع الى غَيبِ مَلكوتِهِ، وكلّتْ عن بيانِ نعوتِهِ تعابيرُ اللغاتِ، وضلّت هنالكَ تصاريفُ الصفاتِ. والصلوة والسلام على شهيد الشهداء وشفيع الشفعاء محمّد خاتم النبيين صلّى اللَّه عليه وعلى أهل بيته الّذينَ طهّرهم من الدنسِ وأذهبَ عنهمُ الرجسَ وعلى صحبه الأخيار.

(وبعد) ففي فجر سعادة البشر، وتبلج صبح الهدى ورسالته، أشرق نور القرآن الكريم من افق الوحي على الرّسول الأمين، الصادع بأمر ربّه، فكان بإعجازه الباهر حجّة على صدق وحيه، وبفضائله الفائقة دليلًا على فضله، وبسَناه الوضّاح هادياً إلى اتّباعه. يخبرك كلّ باب من أبواب معارفه السّامية أنّه تننزيل من رب العالمين وبقاءه على مرّ الدهور مصوناً عن الزيادة والنقيصة والتغيير والتبديل. كما أخبر به تبارك وتعالى في قوله: «... وإنّه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» (سورة فصلت: الآية 41- 42).

ولما للقرآن من القداسة والحب في قلوب المسلمين مما يعجز عن وصفه البيان، ولَعلم بعض الناس بالحساسية الكبيرة لدى المسلمين تجاه تلك المسألة، قرّروا أن يضربوا على الوتر الحسّاس ويستغلوا هذه المسألة، ليظهروا للمسلمين أنّ الشيعة- والعياذ باللَّه- يقولون بالتّحريف والتغيير في كتاب اللَّه، وعندهم «مصحف سرّي» يتداولونه، وإذا تكلموا عن صيانة القرآن عن التّحريف فانّما يتكلمون به «تقية» وغير ذلك من الدعاوى الباطلة والبعيدة عن العدالة والانصاف، والتي يظهرونها بقوالب مختلفة كل يوم.

ولا يخفى أنّ تلك الدعاوى توجد الشبهات تلو الشبهات في أذهان المسلمين،

ص: 8

وتحدث بغضاً وحقداً في قلوب بعضهم على البعض الآخر، وهي في النتيجة تلفت أنظار غير المسلمين إلى مسألة في غاية الخطورة، وهم يرون أنّ الشيعة الذين يمثلون ما يقارب ثلث المسلمين يقولون بتحريف كتابهم السماوي، وبالتالي تسري الآثار السيئة لهذا الحكم على عامة المسلمين وقرآنهم المنزل من السماء.

فنرى لزاماً علينا أن ننصر الحقيقة بالبيان ونجلو غبار الشكوك بالحجة ونقول كلمتنا كلمة الحق لإلجام الخصماء وازالة الأوهام لئلا يثيروا الفتنة من جديد، وحتى يعرف المسلمون لا سيما الشباب الواعي لحقيقة الأمر.

وهنا يلزم علينا بيان بعض النقاط في طريقة دراستنا هذه:

1- قلّ من تعاهد تلك المسألة بالدراسة- أي قول الشيعة الإمامية في القرآن- إلّا وقد خلط الأمور بعضها ببعض مما جعل من الصعب معرفة الرأي النهائي للشيعة- بل ولا رأي أهل السنة- في القرآن بشكل واضح. ولذا قمت في دراستي بتقسيم البحث إلى مقامين رئيسيين:

المقام الأوّل: جعلته تحت عنوان «سلامة القرآن من التّحريف» في نظر الفريقين مع قطع النظر عن آراء وافتراءات بعض الناس، وحاولت أن أبيّن آراء الفريقين في الموضوع من مصادرهم، وهو في الواقع مقدمة ضرورية للدراسة والنقد لما ادعوه على الشيعة في الباب الثاني.

والمقام الثاني: جعلته تحت عنوان «تفنيد الافتراءات على الشيعة في قضية تحريف القرآن».

وفي هذا المقام أوردنا كلّ كتاب- لا سيما الكتب التى أُلفت في العقد الأخير- إتَّهم الشيعة بتحريف القرآن ودرس الموضوع مستقلًا أو ضمناً، وبعد تعريف الكتاب ومؤلفه اجمالًا قمنا بالدراسة والنقد للمنهج العلمي.

ومن تلك الكتب- الجديدة- كتاب «اصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني

ص: 9

عشرية» لمؤلفه، الدكتور ناصر علي القفاري، فإنّه قد توسّع في البحث وأورده مفصّلًا وجمع آراء من كان قبله، بحيث صار تأليفه مصدراً لكلّ من حاول البحث والدرّاسة بعده، حتى نصح بعضهم الشيعة إلى قراءة كتابه لهدايتهم (1)!! فلذا قد حاز كتاب الدكتور القفاري النصيب الأوفر في دراستنا هذه.

2- لقد استخدمتُ في نقدي هذا المقايسة والموازنة بين آراء الشيعة وأهل السنة في أكثر الاحيان، لكي يتمكن القارئ المحترم من الحكم والقضاء بسهولة وبساطة.

3- وحيث كان عملي في المقام الثاني هو الدرّاسة والنقد، فقد لزمني الاتيان بدعاويهم واحدةً واحدة ودراستها، فقمت ابتداءً بنقل الرّوايات والنصوص من كتابهم، وبعد ذلك قمت بمقابلتها وتطبيقها مع مصادرها بدقة حتى يتّضح المراد بشكل جيد، ثمّ نحكم عليها بشكل عام.

وكلمتي الأخيرة هي: إنّ الواجب على كلّ فرد منا تنبيه المسلمين على مواضع الزلل وموارد الشبهات، وواجبنا هو أن نتحد ونكون يداً واحدة، لا سيما ونحن في وقت تكالب فيه علينا الأعداء، فكلّنا مسلمون من حيث المبدأ، فربّنا واحد ورسولنا واحد وكتابنا واحد ولكننا متفرقون عملًا، وما أجدر بمن يمتلك السلطة والأموال من المسلمين بالابتعاد عن ضرب المسلمين بعضهم ببعض ظانّاً أنّ ذلك هو السبيل الوحيد لنشر أفكاره، غير ملتفت إلى أنّ ذلك أدعى لفشلهم ونهايتهم.

وليعلم الذين رَفعوا عَلَم الفتنة وسعوا إلى التفريق بين المسلمين علماً جازماً حاسماً لكلّ وهم وشبهة، أنّ اليد التي أصبحت تضرب بهم المسلمين اليوم سوف تضربهم غداً فلينتبهوا ولينتهوا قبل أن يغوصوا أكثر في مستنقع أعداء اللَّه ومهاويهم العميقة ...

وفي ختام هذه المقدمة لا يسعني إلّاأن أُسجل مزيد شكري وتقديري


1- كمحمد عبد الرحمن السيف في كتابه «الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 90.

ص: 10

لأساتذتي الفضلاء سماحة الأستاذ الشيخ نصر اللَّه صالحي وسماحة الأستاذ محمّد هادي معرفة وسماحة الأستاذ الدكتور السيد محمّد باقر الحجتي، لعناياتهم الخاصة لي ولما لهم من فضل كبير عليّ منذ سنوات في المجالات الأخلاقية والعلمية ولتوجيهاتهم القيّمة التي أتحفوني بها لإتمام هذا الموضوع على الوجه المطلوب.

وأدعو اللَّه سبحانه أن يجزي بالخير كل من قدّم لي مساعدة في هذه الدراسة ...

وبحول اللَّه أعتصم، وبقوته وعونه أفتتح وأختتم، وإيّاه أسأل الهداية إلى التي هي أقوم، وما توفيقي إلّاباللَّه عليه توكلت وإليه أُنيب.

ص: 11

خطة البحث

المقام الأوّل: سلامة القرآن من التحريف

الفصل الأوّل: أدلّة سلامة القرآن من التّحريف عند الإمامية

الفصل الثاني: دراسة روايات تحريف القرآن في كتب الشيعة

الفصل الثالث: كتاب «فصل الخطاب» ونقاط مهمّة

الفصل الرابع: شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف

الفصل الخامس: دراسة أحاديث تحريف القرآن في كتب أهل السنة

الفصل السادس: نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن روايات تحريف القرآن

الفصل السابع: نظرة عابرة إلى أجوبة الإمامية عن روايات أهل السنة

المقام الثاني: تفنيد الافتراءات على الشيعة الإمامية

1- دراسة ونقد آراء الدكتور ناصر بن عليّ القفاري

نظرة إجمالية إلى كتاب «اصول مذهب الشيعة» للدكتور القفاري

وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري

دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد

تذييل: دراسة ادّعائي الدكتور القفاري الآخرَيْن

2- دراسة ونقد آراء إحسان إلهي ظهير

نظرة إلى كتاب «الشيعة والقرآن» لإحسان إلهي ظهير

دعاوى إحسان إلهي ظهير في ميزان النقد

3- دراسة ونقد آراء محمد مال اللَّه

كتاب «الشيعة وتحريف القرآن» في سطور

دعاوي محمد مال اللَّه في ميزان النقد

4- دراسة ونقد آراء الآخرين

ص: 12

ص: 13

المقام الأوّل سلامة القرآن من التّحريف

الفصل الأوّل أدلة سلامة القرآن من التّحريف عند الإمامية

ضرورة الدراسة وتحرير محلّ النزاع

اشارة

ص: 14

ص: 15

إنّ موضوع نفي التّحريف عن القرآن الكريم يعتبر من القضايا التي تحظى بأهمية فائقة، لأنّنا إذا لم نستطع اثبات صيانة القرآن من التّحريف والذي يشمل (النقص، الزيادة، التغيير والتبديل في الآيات والكلمات والسور) عندها سيكون أي استدلال أو استنباط مشوباً بالشكّ والتردّد، لأنّه- ومع احتمال كون الآيات التي استفيد منها في الاستدلال آيات محرفة- سيكون الاستنباط مغايراً للإرادة الإلهية، ومع هذا الاحتمال يكون الاستدلال ذا نتيجة غير مطلوبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هناك علاقة وثيقة بين «إعجاز القرآن» و «عدم التّحريف»؛ ذلك لأنّ القرآن الكريم يشتمل على نظم ومضمون يفوقان قابلية الإنسان وأيّ عمل من شأنه الاخلال بهذا النظم والمضمون، سيمكّن من الاتيان بمثل القرآن، وسيكون هذا العمل دون الإعجاز، ومن هنا فإن الإذعان لمسألة تحريف القرآن يتطلب انكار الإعجاز القرآني، ويترتب على هذا نفي نبوّة الرّسول الأكرم صلى اللَّه عليه

ص: 16

وآله وسلّم؛ لأنّ نبوّته صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم منوطة بالاعجاز القرآني.

وبغضّ النظر عما تقدم، فإن اعتبار الرّوايات الواردة عن الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلّم والأئمة الاطهار عليهم السلام ناشئ من موافقتها للقرآن، وبالأخصّ في حال تعارض هذه الرّوايات مع غيرها فاننا نعتمد على القرآن، فإذا كان هناك تحريف في القرآن فإن اعتبار الرّوايات سيكون مخدوشاً تبعاً لذلك، باعتبار أنّ القرآن ألقى تفسير وبيان الوحي على عاتق السنة الشريفة حيث ورد: «وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم ...» (1) «... ويعلّمهم الكتاب والحكمة ...» (2)

، وعلى هذا الأساس تكون حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً معتمدة على القرآن (3).

التّحريف وتحرير محل النزاع

تحريف الشي ء لغةً: إمالته والعدول به عن موضعه إلى جانب، وهذا مأخوذ من حرف الشي ء بمعنى طرفه وجانبه. يقال حَرَفتُ الشي ء وحرّفته أي أخرجته عن مواضعه واعتداله ونحّيته عنه إلى جهة الحرف وهو الطرف للشي ء (4). وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين (5).

وإذا أردنا تقسيم التّحريف تقسيماً اجمالياً، فإنّ تحريف الكلام ومن ضمنه تحريف القرآن ينقسم إلى قسمين:

1- التّحريف المعنوي

2- التّحريف اللفظي


1- سورة النحل 16: الآية 44.
2- سورة الجمعة 62: الآية 22.
3- سوف يأتي لاحقاً توضيح أكثر لهذه النقطة.
4- التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج 2، ص 197 مادة «حرف».
5- مفردات الفاظ القرآن: ص 228.

ص: 17

والمراد من التّحريف المعنوي هو، التحليل والاستنتاج الخاطئ والتفسير والتبرير لكلام معين بما يخالف المقصود الحقيقي للمتكلم، وبالتأكيد فإن القرآن الكريم قد تعرض لمثل هذا النوع من التّحريف، إذ نرى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة يشكو إلى اللَّه سبحانه وتعالى من حدوث مثل هذا التّحريف فيقول عليه السلام:

«إلى اللَّه اشكو من معشر يعيشون جُهّالًا ويموتون ضُلّالًا ليس فيهم سلعة أبورُ من الكتاب إذا تُلي حقَّ تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حُرّف عن مواضعه» (1).

وقد أخبر عليه السلام عن وقوع مثل هذا التّحريف في المستقبل فقال:

«وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ... وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته ولا أنفق منه اذا حُرّف عن مواضعه» (2).

والقرآن الكريم كذلك يذكر بأنّ هناك نوعاً من هذا التّحريف تعرضت له الكُتب السماوية السابقة، فيقول: «يُحرفون الكلم عن مواضعه» (3). و «يحرفونه من بعد ما عقلوه» (4). وآيات اخرى نظير الآية الحادية والأربعين من سورة المائدة.

اما التّحريف اللفظي وموضع الخلاف ليس في ترتيب الآيات والسور حسب نزولهما أو بإشارة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في المصحف الموجود فإنّ تأليف


1- نهج البلاغة، الخطبة 17 والكافي: ج 1، ص 151.
2- نهج البلاغة: الخطبة 147.
3- سورة النساء 4: الآية 46.
4- سورة البقرة 2: الآية 75.

ص: 18

الآيات والسور في القرآن لا مساس له بالتحريف وموضع النزاع.

كما إنّ القرآن الذي نزل على الرسول الأكرم محمّد صلى اللَّه عليه وآله وسلّم من زمان النزول وإلى وقتنا الحاضر لم يضف إليه أي شي ء ولم يفقد بالمرة، بل ان المسلمين قاموا بحفظه وكتابته وقد قُرئ بشكل لا مثيل له من التواتر من جيل إلى جيل حتى وصل إلى أيدينا بهذه الصورة، وهذا الموضوع من مُسلمات التاريخ أيضاً، ومن الموضوعات التي تحظى باجماع واتفاق كلّ المسلمين وحتى غير المسلمين من المفكرين والعلماء.

فموضع الخلاف في التّحريف اللفظي، هو التغيير في إعراب الكلمات، أو تغيير الآيات والكلمات، أو حذف بعض الآيات أو الكلمات والحروف من القرآن الكريم.

ولأجل اثبات نفي التّحريف بهذا المعنى عن القرآن الكريم استُدل بالآيات والرّوايات والشواهد التاريخية والأدلة العقلية ... وغيرها.

ص: 19

أ- آيات القرآن

1- الآية الكريمة «إنّا نحن نزّلنا الذكر وانّا له لحافظون» (1).

وهذه الآية تتكون من جملتين:

الأولى: نزول القرآن من اللَّه سبحانه وتعالى بتأكيدين «انّ» و «نحن»، والاستفادة من ضميري الجمع «نا» و «نحن» والتأكيد يدل بشكل مُسلّم وقطعي على عظمة هذا الأمر، ويزيل الشك والتردّد عند بعض الأشخاص الذين قد أشارت الآيات السابقة إليهم (2). فذاك البعض يشك أو ينكر أنّ اللَّه سبحانه وتعالى له دخلٌ في القرآن الكريم ويذهب إلى أن بعض القُدُرات غير الإلهية لها يدٌ في ذلك، فنرى أنّ اللَّه سبحانه وتعالى يستفيد من ضمير الجمع والتأكيد وينفي تدخل أية قوة غيره في ذلك، وينصّ على نفي التّحريف وصيانة القرآن حال التنزيل.

الثانية: ونرى فيها أنّ الآية المباركة تتحدّث- بأداة التوكيد «إنّ» ولام التوكيد وضمير الجمع ووصف الجمع- عن أنّ اللَّه سبحانه وتعالى حافظ وحارس للقرآن بشكل أكيد بعد نزوله، وسياق هذه الجملة يدل على عظمة الموضوع وقطع الشك والترديد، ولأنّ حفظ القرآن بعد النزول ذُكر بشكل مطلق، فهذا الإطلاق يشمل حفظ القرآن من التّحريف اللفظي أيضاً، ومعلوم أنّ أهمية أيّ حفظ لا يرقى إلى درجة حفظ القرآن من هذا النوع من التّحريف. هذا وظاهرُ الآية يدلُّ على حفظِ القرآن الكريم باعتباره كلام اللَّه ورسالته دون فرق بين آية وآية أو سورة وسورة.

وعلى هذا الاعتبار يكون حفظ القرآن بأجمعه هو المقصود من الآية الكريمة، ولا دليل على صحّة ما ذهب إليه بعضهم من أن هذه الآية تشير إلى حفظ مجموعة


1- سورة الحجر 15: الآية 9.
2- «وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون* لو ما تأتينا بالملائكة ان كنت من الصادقين* ماننزّل الملائكة الا بالحق وما كانوا اذاً منظرين» سورة الحجر 15: الآية 6- 8.

ص: 20

خاصة من الآيات، مثل الآيات التي نزلت إلى زمان نزول هذه الآية (أي الآية التاسعة من سورة الحجر) ولا يخفى خلاف هذا الرأي لظاهر الآية الشريفة.

وإذا كان المقصود من الحفظ هو الصيانة والحراسة، فحمل الحفظ على علم واطلاع اللَّه سبحانه وتعالى بالقرآن خلاف ظاهر الآية الشريفة، لأنّ أيّاً من علماء اللُّغة لم يتبَنَّ هذا الرأي، إضافة إلى أنّ ظاهر الآية الكريمة يشير إلى الحفظ من كلّ جهة، أما أن نخصّ بالحفظ القدرة على تحدي الشبهات التي يطرحها المعاندون والنسخ أو الإتيان بمثله فإنّ ذلك مجرد ادّعاء، حيث لا يمكن ان نقصر الآية على ذلك.

وهناك ادّعاء يذهب إلى أنّ كلمة «الذكر» الواردة في الآية الكريمة تطلق على الرّسول الأكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلّم، وهذا الادّعاء غير مدعوم بدليل وذلك:

أوّلًا: إنّ كلمة «الذكر» الواردة في القرآن تطلق بشكل صريح على القرآن، حيث ورد في الآية الكريمة «وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم» (1).

ثانياً: الآية السادسة من سورة الحجر تمثل قرينة سياقية واضحة على أنّ المقصود من الذكر في الآية التاسعة من هذه السورة القرآن العظيم، لأنّ كلمة الذكر الواردة فيها «وقالوا يا أيّها الذي نزّل عليه الذكر إنّك لمجنون» تدلّ دلالة قاطعة وصريحة على أنّ المراد من الذكر هو القرآن.

2- قوله تعالى: «إنّ الذين كفروا بالذكر لمّا جاءهم وانّه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» (2).

ولا يوجد أي شك في كون المقصود من «الذكر» في هذه الآية هو الكتاب العزيز، حيث وصفته بأوصاف ثلاثة «العزيز»، «لا يأتيه الباطل» و «تنزيل من


1- سورة النحل 16: الآية 44.
2- سورة فصلت 41: الآية 41- 42.

ص: 21

حكيم حميد» وفي الوصفين الأولين دلالة قاطعة على عدم تحريف القرآن، أمّا الصفة الثالثة فتشير إلى منشأ هذه الصفات وسرّها.

و «العزيز» مشتق من العزّة، بمعنى الذي لا يُغلَب ولا يُقْهر من قولهم أرضٌ عَزاز، أي: صُلْبَةٌ (1).

و «الباطل»: نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه (2)، وبطل الشي ء بطلاناً: فَسَدَ أو سقط حكمه (3).

وصفة العزيز تدل على نفي التّحريف عن القرآن، لأنّ التّحريف يستلزم قبول الغلبة والتجاوز، وهذا الأمر لا ينسجم مع «عزة» القرآن الكريم.

وكذلك نستفيد من الصفة الثانية للدلالة على نفي التّحريف لأنّه مع أخذ اعجاز القرآن الكريم بنظر الاعتبار- حيث نرى الانسجام والمتانة في العلوم والمعارف القرآنية وسيادة الحق المقرون بالنظم، الذي اتصفت به الآيات والجمل القرآنية في كلّ سورة حاكماً على كافة أجزاء القرآن- فيكون كلّ تغيير أو تبديل من شأنه أن يلحق خللًا بإعجاز القرآن ومعارفه، ويكون القرآن حينئذٍ مصداقاً للفاني والفاسد. في حين أنّ الآية تنفي هذا الأمر عن القرآن في أيّ زمان وأيّ شكل من الأشكال وحيث إنّ الباري تعالى إذا أراد أن يجعل المعارف القرآنية في متناول يد الإنسان فإنّه يضعها من دون أيّ نقص أو خلل، والتّحريف يمثّل نقصاً كبيراً ويمثل مصداقاً بارزاً لدخول الباطل على القرآن، ويكون نقضاً لغرض الباري لا ينسجم مع حكمته سبحانه وتعالى الواردة في قوله تعالى «تنزيل من حكيم حميد»، وذكرنا سالفاً أنّ هذا التعبير دليل وحكمة على حصانة القرآن ومنعته وعزته.


1- مفردات الفاظ القرآن: ص 564، مادة «عز».
2- نفس المصدر: ص 129، مادة «بطل».
3- مصباح المنير: ج 1، ص 51، مادة «بطل».

ص: 22

وعند مقارنة هذه الآية بالآية التاسعة من سورة الحجر، مع الأخذ بنظر الاعتبار المفاد والبيان نرى أنّ القرآن الكريم منيع مستحكم من الخارج عزيز مُصان ومُحصن من الداخل بسبب حراسة اللَّه سبحانه وتعالى وصيانته له من كلّ طارئ حيث ضمن الباري تعالى ذلك.

توجد بعض المناقشات للاستدلال بالآيات المذكورة وسيأتي ذكرها وأجوبتها في مبحث «فصل الخطاب ونقاط مهمّة».

نعم هناك شبهة أخرى تذهب إلى احتمال أن الآيات التي نستند إليها في نفي التّحريف هي آيات محرفة وهي ليست من القرآن، وهذه الشبهة لا أساس لها باعتبار أن احتمال التّحريف لا يسقط النصّ عن الاعتبار، وصرف احتمال التّحريف يقتضي ضرورة التحقيق في التّحريف أو عدمه عن ذلك النص، وإذا لم نعثر على دليل على التّحريف فهذا يعني أنّ اعتبار النص يبقى ثابتاً ولا يوجد أي خلل في الاستدلال به.

وعندما نقيس تلك الآيات التي يستدل بها على نفي التحريف مع سائر آيات القرآن لا نجد أيّ فرق بينهما في الأوصاف الإعجازية الّتي تتعلّق بجميع آيات القرآن.

هذا مضافاً إلى عدم عدّ أحد من مُدّعي التحريف لهذه الآيات ضمن الآيات المحرّفة في نظرهم وممّا يدعم قولنا الرّوايات التي وردت في شأن نزول الآية (1).

هذا، فإنّ علماء الإمامية وبالأخصّ المفسرين للقرآن، يهتمون بهاتين الآيتين اهتماماً خاصاً- وأحياناً بآيات أُخرى- من أجل إثبات نفي التّحريف ومن بين


1- مثل: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يهتمّ لعشرة أشياء فآمنه اللَّه منها وبشّره بها ... منها عدم تبديل القرآن بعده وبشارته تعالى بحفظ القرآن بإنزاله: «إنّا نحنُ نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» بحار الأنوار: ج 43، ص 34.

ص: 23

هؤلاء:

* شيخ الطائفة الطوسي (ت 460 ه.) (1).

* أمين الإسلام الطبرسي (ت 548 ه.) (2).

* أبو الفتوح الرازي (كان حيّاً في سنة 552 ه. وتوفّى قبل 556 ه.) (3).

* الشيخ ابن ادريس الحلّي (ت في القرن السادس الهجري) (4).

* محمّد بن الحسن الشيباني (من أعلام الشيعة في القرن السابع) (5)* كمال الدين الكاشفي (ت في القرن التاسع الهجري) (6).

* ملّا فتح اللَّه الكاشاني (ت 988 ه.) (7).

* محمّد بن عليّ النقي الشيباني (ت قبل 994 ه.) (8)* الشيخ أبو الفيض الناكوري (ت 1004 ه.) (9).

* شيخ الإسلام محمّد بن الحسين الحارثي الشهير ببهاء الدين العاملي (ت


1- التبيان في تفسير القرآن: ج 6، ص 320.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 6، ص 509 بالرغم من كون امين الإسلام استند إلى قول قتادة وابن عباس وكتب: ومثله «... لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...» ولكنه في تفسير «جوامع الجامع» والذي ألفه بعد تفسير مجمع البيان قد أعرب عن رأيه بصراحة وقال: «وانه- سبحانه وتعالى- حافظه من كل زيادة ونقصان وتغيير وتحريف بخلاف الكتب المتقدمة ...» جوامع الجامع: ص 236.
3- روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن: ج 1، ص 31.
4- المنتخب في تفسير القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان: ج 2، ص 246.
5- نهج البيان عن كشف معاني القرآن: ج 3، ص 184.
6- المواهب العلية أو التفسير الحسيني: ج 2، ص 336 هذا التفسير تم تأليفه سنة 899 ه راجع مقدمة الكتاب، ص 79.
7- منهج الصادقين: ج 5، ص 154 وأيضاً خلاصة منهج الصادقين: ج 4، ص 59.
8- مختصر نهج البيان عن كشف معاني القران: ص 262.
9- سواطع الالهام: ج 3، ص 214.

ص: 24

1030 ه.) (1).

* صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي الملقّب بصدر المتألّهين (ت 1050 ه.) (2).

* العلّامة التوني (ت 1071 ه.) (3).

* الملّا محمّد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه.) (4).

* الشريف اللاهيجي (ت حدود 1097 ه.) (5).

* نور الدين محمّد بن مرتضى الكاشاني (ت 1115 ه.) (6).

* محمّد بن محمّد رضا القمي المشهدي (من أعلام القرن الثاني عشر الهجري) (7).

* الشيخ جعفر الكبير (ت 1228 ه.) (8).

* السيد عبد اللَّه شبر (ت 1242 ه.) (9).

* السيد حسين الكوه كمري (ت 1299 ه.) (10).


1- عن آلاء الرحمن: ص 26.
2- تفسير القرآن الكريم: ج 5، ص 19.
3- الوافية في الاصول: ص 148 عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 23.
4- تفسير الصافي: ج 3، ص 102 وتفسير الأصفى: ج 1، ص 626.
5- تفسير الشريف اللاهيجي: ج 2، ص 658.
6- تفسير المعين: ج 2، ص 650.
7- كنز الدقائق وبحر الغرائب: ج 7، ص 104.
8- كشف الغطاء: كتاب القرآن، ص 229.
9- الجوهر الثمين: ص 64.
10- بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول: بحث حجية ظواهر الكتاب نقلًا عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 27.

ص: 25

* المحقق التبريزي (ت 1307 ه.) (1).

وأخيراً في كثير من كتب المفسرين والمحققين من متأخري علماء الشيعة الإمامية (2).

3- ومن الآيات التي تؤيّد نفي التّحريف، آيات تنزيه القرآن من الرّيب وقد أشارت هذه الآيات إلى نزول القرآن من الباري تعالى، وكذلك نفت الرّيب عنه في نزوله وحدوثه، قال تعالى: «تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين» (3).

وكذلك تؤكد كون القرآن كتاب هداية ومنزهاً عن الرّيب في هدايته وبقائه، قال تعالى: «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين» (4).

ومن الواضح أنّ أي تحريف وتغيير في القرآن يوجب ورود الريب عليه ويستلزم الشك والتشويش الدائم في النفس، بأنّ الكتاب الذي يجب أن يكون مصدراً للهداية قد تغير وحُرف وبُدل. وهذا ينافي انكار الرّيب مطلقاً في القرآن في جميع وجوهه لوجود النكرة في سياق النفي في الآية الكريمة.

4- وهناك آية اخرى نستدل بها على نفي التّحريف، قال تعالى: «وقال الرسول يا ربّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً» (5).

وهذه الشكوى من الرسول الاكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلّم تكون قائمة إذا كان


1- التعليق على فرائد الاصول، منقول من صيانة القرآن عن التّحريف: ص 69.
2- مثل: حجة التفاسير وبلاغ الاكسير: ج 4، ص 5- روان جاويد: ج 3، ص 245- مخزن العرفان- اطيب البيان: ج 11، ص 441- تفسير أحسن الحديث: ج 5، ص 332- الفرقان في تفسير القرآن: ج 13، ص 127- البيان في تفسير القرآن: ص 207- الميزان: ج 12، ص 104 وما بعدها- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 403 والتحقيق في نفي التّحريف: ص 30.
3- سورة السجدة 32: الآية 32.
4- سورة البقرة 2: الآية 2.
5- سورة الفرقان 25: الآية 30. هناك آيات اخرى في هذا المجال تركوها رعاية الاختصار.

ص: 26

القرآن مصوناً من أي نوع من التّحريف، حيث يعتبر القرآن الحبل المتين الممتد من قبل الباري تعالى بين هؤلاء ليتعلقوا به فيكون سبيلًا لنجاتهم، وإذا تركوه ولم يعملوا بتعاليمه يصير مهجوراً، وأمّا إذا كان محرفاً فهذه الشكوى تصبح لغواً لأنَّ القرآن حينئذٍ لا يوصف بأنّه الحبل المتين الممتد ليتعلقوا به وينجوا، ولانّ الرسول الاكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلّم لم يشتك من احتمال تغيير وتحريف القرآن الكريم بل اشتكى من عدم العمل به وهجره، وهذا يدل على أن القرآن سيظل مصوناً من أيّ نوع من التّحريف والتبديل إلى يوم القيامة.

ص: 27

ب- الأحاديث

استدلّ العلماء بطوائف من الأحاديث لنفي تحريف القرآن:

1- أحاديث الثقلين: الثقلان هما الكتاب والعترة اللّذان خلّفهما النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم في أُمته وأخبر أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وأمر الأمة بالتمسك بهما. وهذه الأخبار متظافرة من طرق الفريقين (1).

والاستدلال بها على عدم التّحريف في الكتاب هو: إنّ القول بالتحريف يستلزم عدم وجوب التمسك بالكتاب المنزل، لضياعه على الامّة بسبب وقوع التّحريف، ولكن وجوب التمسك بالكتاب باق إلى يوم القيامة لصريح أخبار الثقلين، فيكون القول بالتحريف باطلًا جزماً (2).

2- أحاديث كثيرة مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، تدلّ على صيانة القرآن من التّحريف إمّا تصريحاً أو تلميحاً؛ فمنها ما جاء في أدعية كتاب «الصحيفة السجادية» وهذا بلا نزاع أول كتاب في الإسلام وصل إلينا بعد القرآن من سيد الساجدين الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام (استشهد الإمام سنة 94 ه.) وفيه وصف الإمام القرآن بأوصاف (3) لا يمكنها أن تتعلّق بقرآن محرَّف. وشهادة الإمام


1- انظر مصادر هذه الرواية في: كتاب «كتاب اللَّه وأهل البيت في حديث الثقلين من مصادر أهل السنة» والهوامش التحقيقية لكتاب المراجعات للامام عبد الحسين شرف الدين للشيخ حسين الراضي: ص 327، فقد أنهى طرق اسناده إلى خمسة وثلاثين صحابياً من رواة حديث الثقلين مع ذكر مصادر الرواية من الصحاح والسنن والتفسير وغيره كسنن الترمذي الجامع الصغير: ج 5، ص 621، ح 3786 قال الترمذي: «وفي الباب عن أبي ذرّ وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد» ومصابيح السنة للبغوي: ج 2، ص 278 ومسند أحمد: ج 3، ص 17، 26، 59، 14 وج 4، ص 118، ح 11561، وص 54، ح 11211 ومسند عبد بن حميد: ص 108، ح 204 ومستدرك الحاكم: ج 3، ص 533 و ...
2- لمزيد من التفصيل حول الاستدلال بحديث الثقلين في نفي التّحريف وإبطال الشبهات راجع كتاب: البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي: ص 211 وما بعدها.
3- كالدعاء الثاني والأربعين.

ص: 28

أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام بقوله عليه السلام:

«... ما بين الدفتين قرآن

[لا زيادة فيه ولا نقصان

(1).

وأيضاً قول الإمام أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السلام في رسالته إلى أهل الأهواز، فقد كتب عليه السلام:

«اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أنّ القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل اللَّه مهتدون ...» (2).

ومنها ما جاء في رسالة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام إلى سعد الخير:

«... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ...» (3).

قال الاستاذ محمّد هادي معرفة:

«وهذا التصريح بأنّ الكتاب العزيز لم ينله تحريف في نصّه؛ لأنّه قال عليه السلام «أقاموا حروفه» وإن كانوا قد غيّروا من أحكامه «حرفوا حدوده» والمراد من «تحريف الحدود» هو تضييعها، كما ورد في الحديث

«... ورجل قرأ القرآن فحفظ حدوده ...» (4).

وعليه فالمراد من إقامة الحروف هو حفظها عن التغيير والتبديل كما في هذا الحديث أيضاً» (5).

ومنها صحيحة أبي بصير قال:


1- الأصول الستة عشر: ص 111.
2- بحار الأنوار: ج 2، ص 225 وج 5، ص 68.
3- فقد أوردها الكليني باسناد صحيح، الكافي: ج 8، ص 53 رقم 16. وبمعناه في كتاب فضائل القرآن لابن الضريس: ص 26.
4- الكافي: ج 2، ص 627 رقم 1.
5- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 50 وما بعدها.

ص: 29

«سألت الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: «أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ...»

وما يقوله الناس: ما باله لم يُسمّ عليّاً وأهل بيته. قال: «إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم هو الذي فسّر لهم ذلك ...» (1).

فقد قرّر عليه السلام أنّه لم يأت ذكرهم في الكتاب نصّاً وإنْ كانوا مقصودين بالذات من العمومات الواردة في القرآن كثيراً، وقد نبّه على ذلك الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلّم في كثير من المواقف أوّلها حديث يوم الإنذار، وآخرها حديث الغدير، والآيات في جميع هذه الموارد كثيرة، جمع جلّها الحاكم الحسكاني في كتابه «شواهد التنزيل» وغيره، وهذه الصحيحة حاكمة على جميع الرّوايات الّتي تدلّ على ذكرهم في الكتاب. ونحن نعلم أنّ ذكرهم عليهم السلام في الكتاب بالنعوت والأوصاف لا بالتسمية المتعارفة.

3- الرّوايات الّتي بصدد بيان علوّ القرآن ومقامه ومعرفة شأنه في حياة الإنسان.

منها ما عن الإمام الحسن عليه السلام عن جدّه الأطهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم:

«... هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم ... وهو الفصل ليس بالهزل ...» (2).

وعن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام:


1- الكافي: ج 1، ص 286 والآية 59 من سورة النساء.
2- تفسير العياشي: ج 1، ص 3، رقم 2 وص 6 رقم 11.

ص: 30

«فالقرآن آمرٌ زاجر وصامت ناطق، حجّة اللَّه على خلقه ...» (1).

وفي خطبة فاطمة عليها السلام في أمر فدك:

«... ومعنا كتاب اللَّه بيّنة بصائره، وآي فينا منكشفة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره ... فيه بيان حجج اللَّه المنورة، وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيّنانه الجالية و ...» (2).

وعن الإمام الحسن بن علي عليهما السّلام:

«إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النّور وشفاء الصدور ...» (3).

وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام:

«إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدّجى و ...» (4).

وروايات اخرى عن أهل البيت عليهم السلام وهي كثيرة جداً تركناها خوف الإطالة (5).

4- الرّوايات الواردة في عرض الأخبار على الكتاب مطلقاً وترك العمل بما لم يوافقه أو لم يشبهه وستأتي جملة منها.

5- الرّوايات المتظافرة في أبواب الفقه وغيره في آداب تلاوة القرآن وغيرها الّتي جمعت في أبواب عديدة كروايات «باب الاستشفاء بالقرآن»، «باب التوسل بالقرآن»، «باب حفظ القرآن»، «باب حملة القرآن»، «باب قراءة القرآن»، «باب استماع القرآن»، «باب كتابة القرآن»، «باب الحلف بالقرآن» و ... ويشمل كلّ باب


1- نهج البلاغة: الخطبة 181.
2- كتاب بلاغات النساء: ص 28، وكتاب السقيفة، للجوهري، كما عنه في كشف الغمة: ص 483.
3- الكافي: ج 2، ص 600.
4- نفس المصدر.
5- كما ورد في عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 87 وما بعده والأمالي للطوسي: ج 2، ص 193 وما بعده. وقد جمع كثير منها في كتاب «عدّة الداعي» لابن فهد الحلي: ص 327- 364 وكتاب «الحياة»: الباب السادس: ج 2، ص 41 وما بعدها.

ص: 31

منها عشرات الرّوايات (1).

فمجموع هذه الرّوايات على اختلاف أصنافها يدلّ دلالة قاطعة على أنّ القرآن الموجود هو القرآن النازل على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم من دون أي تغيير أو تحريف. ولو كان القرآن الموجود محرّفاً- نعوذ باللَّه- لما بقي أثر لهذه الأبواب وما شابهها.

فعلماء الإمامية من المتقدّمين والمتأخرين قد استدلّوا بالطوائف المذكورة من الرّوايات التي قد تَنُوف على الآلاف من الأحاديث المعتبرة لجهتين:

الجهة الاولى: إثبات صيانة القرآن عن التّحريف.

الجهة الثانية: إسقاط الرّوايات الّتي تدلّ بظاهرها على التّحريف إذ لم يوجد لها تأويل صحيح، لأنّ في مقام تعارض الرّوايات، يسقط ما هو أضعف دلالة وسنداً وما هو مخالف للقرآن الكريم- وهي روايات موهمة لتحريف القرآن- لا محالة، وإليك أسماء جماعة منهم:

فمن المتقدمين:

* الشيخ أبو جعفر الصدوق (ت 381 ه.) (2).

* شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460 ه.) (3).

* أبو المكارم قوام الدين الحسني (توفي في القرن السابع) (4).

* المحقق الثاني علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 ه.) (5).


1- انظر: بحار الأنوار؛ كتاب القرآن: ج 92، ص 13- 34 وص 175- 372 وأيضاً ج 93 كتاب القرآن، والحياة: الباب السادس: ج 2، ص 41 وما بعدها.
2- الاعتقادات: ص 103.
3- التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 3 و 4.
4- تفسير البلابل والقلاقل: ج 1، ص 244 و 258.
5- عن آلاء الرحمن: ص 26.

ص: 32

* محمّد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي الملقب بصدر المتألّهين (ت 1050 ه.) (1).

* السيد محمّد مهدي الطباطبائي (ت 1212 ه.) (2).

* الشيخ جعفر الكبير (ت 1228 ه.) (3).

* السيد حسين الكوه كمري (ت 1299 ه.) (4).

ومن المتأخرين:

* العلّامة السيد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه.) (5).

* آية اللَّه السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ه.) (6).

* الاستاذ مير محمّدي زرندي «مُدَّ ظلُّه» (7).

* الاستاذ محمّد هادي معرفة «مُدَّ ظلُّه» (8).

وغيرهم (9).

قال العلامة الطباطبائي في عِداد أدلة عدم تحريف القرآن:

«ويدل على عدم وقوع التّحريف الأخبار الكثيرة المروية عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم من طرق الفريقين الآمرة بالرجوع إلى


1- شرح الكافي: ص 199 و 202 و 205.
2- الفوائد في علم الاصول، مبحث حجية الكتاب، عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 25.
3- كشف الغطاء؛ كتاب القرآن: ص 229.
4- بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 27.
5- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 107.
6- البيان في تفسير القرآن: ص 221 وما بعدها.
7- بحوث في تاريخ القرآن وعلومه: ص 30.
8- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 51 وما بعدها.
9- راجع آراء حول القرآن الكريم للفاني: ص 113 وحقائق هامة حول القرآن الكريم للسيد جعفر مرتضى: ص 95 وما بعدها وتدوين القرآن للشيخ علي الكوراني: ص 446 ومابعدها.

ص: 33

القرآن عند الفتن، وفي حلّ عقد المشكلات.

وكذا حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين.

وكذا الأخبار الكثيرة الواردة عن النبيّ والأئمة عليهم السلام الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب ... وأخبار العرض كالصريح أو هو الصريح في أنّ الأمر بالعرض إنّما هو لتمييز الصدق عن الكذب والحقّ عن الباطل مطلقاً ولا يختص برواية دون رواية.

وكذا الأخبار التي تتضمن تمسك أئمة أهل البيت بمختلف الآيات القرآنية في كلّ باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا ...

وكذا الرّوايات الواردة عن الإمام أمير المؤمنين وسائر الأئمة من ذريّتهم عليهم السلام في أنّ ما في أيدي الناس قرآن نازل من عند اللَّه سبحانه ...

فمجموع هذه الرّوايات على اختلاف أصنافها يدلّ دلالة قاطعة على أنّ الّذي في أيدينا من القرآن هو القرآن النازل على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم من غير أن يفقد شيئاً من أوصافه الكريمة وآثارها وبركاتها» (1).


1- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 107- 108.

ص: 34

ج- الشواهد التاريخية

إنّ الشواهد التاريخية الكثيرة تدلّ على أنّ القرآن الكريم متواتر بجميع أجزائه تواتراً قطعياً، فالمسلمون اعتنوا عناية فائقة على مدى التأريخ بحفظ القرآن الكريم وضبطه وقراءته ورسمه، لأنسهم العظيم به ولقداسته في نفوسهم ولحساسيتهم الشديدة تجاه حصول أيّ تغيير فيه، كلّ هذا منع من حصول أي تغيير أو تبديل فيه على مدى التاريخ.

فبالاضافة الى استدلال علماء الإمامية بالأدلة القرآنية والحديثية؛ اعتمدوا على الشواهد التاريخية، وإليك بعضهم:

* الشريف المرتضى علي بن الحسين علم الهدى (ت 436): قال في كتابه «الذخيرة في علم الكلام»:

«قد بيّنا صحّة نقل القرآن في المسائل الطرابلسيات، وأنّه غير منقوص ولا مبدَّل ولا مغيَّر وأن العلم بأنّ هذا القرآن الذي في أيدينا هو الذي ظهر على يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المصنّفة المشهورة والأشعار المدوّنة.

وذكرنا أنّ العناية اشتدت بالقرآن، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم تبلغه في نقل الحوادث والوقائع والكتب المصنّفة ... وانّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه كالعلم بجملته وأنه يجري في ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة ككتاب سيبويه والمزني ... ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ...» (1).


1- الذخيرة في علم الكلام: ص 361- 364 وأيضاً المسائل الطرابلسيات عن مجمع البيان: ج 1، ص 15.

ص: 35

* الشيخ سديد الدين محمود الحِمصي الرازي (1) (ت اوائل المائة السابعة)

* جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر العلامة الحلّي (2) (ت 726 ه.).

* الشيخ زين الدين أبو محمّد العاملي البياضي (3) (ت 877 ه.).

* المولى المحقق الأردبيلي (ت 993 ه.) قال:

«... ولمّا ثبت تواتره- أي القرآن- فهو مأمون من الإختلال مع أنّه مضبوط في الكتب حتى أنّه معدود حرفاً حرفاً وحركة حركة وكذا طريق الكتابة وغيرها ممّا يفيد الظن الغالب بل العلم بعدم الزيادة على ذلك والنقص ...» (4).

* الشيخ حسن بن زين الدين (5) (ت 1011 ه.).

* الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (6) (ت 1104 ه.).

* السيد محمّد الطباطبائي (7) (ت 1242 ه.).

* المحقق التبريزي (8) (ت 1307 ه.).


1- المنقذ من التقليد: ص 477- 478.
2- أجوبة المسائل المهنائية: ص 121.
3- الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم: ج 1، ص 45.
4- مجمع الفوائد والبرهان: ج 2، ص 218.
5- معالم الدين وملاذ المجتهدين: ص 147- 148.
6- كما في الفصول المهمة للسيّد عبد الحسين شرف الدين: ص 166 هذا ويبدأ الشيخ الحرّ العاملي عند ذكره لمؤلفاته ب «رسالة تواتر القرآن». راجع وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج 1، ص 86، 30 مجلّداً، طبع مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
7- مفاتيح الاصول، «مبحث في بيان احوال الكتاب الكريم»: ص 322.
8- أوثق الوسائل بشرح الرسائل: ص 91.

ص: 36

* السيد شرف الدين العاملي (1)«1» (ت 1377 ه.).

* الإمام روح اللَّه الموسوي الخميني (ت 1409 ه.). قال:

«... فإنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه وقراءته وكتابته يقف على بطلان تلك المزعومة- أي مزعومة التّحريف- وأنّه لاينبغي أن يركن إليه ذو مسكة ...» (2).

* السيد أبو القاسم الخوئي (3) (ت 1413 ه.).


1- أجوبة مسائل جار اللَّه: ص 28 والفصول المهمة: ص 163.
2- تهذيب الاصول: ج 2، ص 165.
3- البيان في تفسير القرآن: ص 123- 124.

ص: 37

د- الدليل العقلي

يستنتج بعض الأعلام من الدليل الآتي الذي يعتمد على بعض المقدمات، صيانة القرآن عن التّحريف:

1- إنّ اللَّه عزّ وجلّ بحكمته أنزل القرآن لهداية الناس.

2- إنّ هذا الكتاب هو خاتم الكتب السماوية، كما أنّ المرسل به هو خاتم الأنبياء.

3- إذا ثبت التّحريف في القرآن ولم ينزل كتاب آخر أو يأتي رسول آخر يبين للناس الطريق الصحيح، فهو ممّا يؤدي بالأجيال الآتية بعد التّحريف الى التيه والضياع وهو طبعاً ليس بتقصير منهم.

4- لا يمكن نسبة هذا الضياع والإهمال إلى اللَّه عزّ وجلّ، لأنّه يؤدي إلى نقض الغرض الذي من أجله بعث اللَّه الانبياء لهداية البشرية.

إذن فالقرآن يجب أن يكون مصوناً من كلّ تحريف (1).

وقد قرّر هذا الدليل بأشكال مختلفة ينتج منها بالبداهة حكم العقل بمخالفة وقوع التّحريف في القرآن الكريم (2).

ملحوظة:

مع وجود الأدلّة المتقدمة في نفي وقوع التّحريف، والاطلاع على آراء علماء الإمامية حول هذا الموضوع يمكن الاذعان لهذه النكتة، وهي أنّ صيانة القرآن عن التّحريف هو مذهب محققي الشيعة واجماع الطائفة، ويندر وجود مخالف في هذا الأمر، وإليك بعض من ادعى الاجماع بصيانة القرآن عن التّحريف عبر القرون:


1- هذا من تقريرات حضرة الاستاذ الجوادي الآملي «مدّ ظله» في رسالة «نزاهة القرآن عن التّحريف» مخطوط.
2- ومن علماء الإمامية الذين ذكروا هذا الدليل: المحقق التبريزي في «اوثق الوسائل بشرح الرسائل»: ص 91 والنهاوندي في تفسيره «نفحات الرحمن في تفسير القرآن وتبيين الفرقان»: ج 1، ص 11 والسيد أبو القاسم الخوئي في «البيان في تفسير القرآن»: ص 27.

ص: 38

* في القرن الخامس: الشريف المرتضى علم الهدى (ت 436 ه.).

«... وقد بيّنا ... أنّ القرآن كان على عهد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ... غير منثور ولا مبثوث وذكرنا أيضاً أنّ من يخالف هذا الباب من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم و ...» (1).

* في القرن السادس: أمين الإسلام الطبرسي (المتوفّى في 548 ه.). قال رحمه اللَّه تعالى:

«... أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنَّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ...» (2).

* في القرن الحادي عشر: الشهيد السعيد القاضي نور اللَّه التستري (3) (ت 1019 ه.).

* في القرن الثالث عشر: الشيخ جعفر الكبير (كاشف الغطاء) (4) (ت 1228 ه.).

قال في كتابه القيّم «كشف الغطاء»:

«... لا زيادة فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها ولا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين مما يتلى كلام اللَّه تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين وأخبار النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم والأئمة الطاهرين عليهم السلام وإن خالف بعض من لا يعتدّ


1- الذخيرة في علم الكلام: ص 363.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، الفن الخامس، ص 15.
3- عن آلاء الرحمن: ج 1، ص 25 عن كتابه «مصائب النواصب».
4- كشف الغطاء: كتاب القرآن: ص 299.

ص: 39

به ...».

وأيضاً المولى أبو القاسم الجيلاني (1) (ت 1231 ه.) والسيد محمّد الشهشهاني (2) (ت 1289 ه.).

* وفي القرنين الأخيرين:

الشيخ محمّد حسن الآشتياني (3) (ت 1319 ه.).

السيد محسن الأمين العاملي (4) (ت 1371 ه.).

الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء (5) (ت 1373 ه.).

الشيخ عبد الحسين أحمد الاميني النجفي (6) (ت 1390 ه.).

والإمام روح اللَّه الموسوي الخميني (7) (ت 1409 ه.).

v

v

v


1- قوانين الاصول: ص 99 عن «البرهان» للبروجردي: ص 112.
2- عن «البيان في تفسير القرآن»: ص 200.
3- بحر الفوائد في شرح الفرائد: ص 99.
4- نقض الوشيعة: ص 160.
5- أصل الشيعة وأصولها: ص 133.
6- الغدير في الكتاب والسنة والادب: ج 2، ص 101.
7- انوار الهداية: ص 243.

ص: 40

ص: 41

الفصل الثاني دراسة روايات تحريف القرآن في كتب الشيعة

النقطتان الأساسيّتان

اشارة

إنّ التحريف الذي تسرّب إلى الكتب السماوية السابقة (سواء أكان ذلك التحريف في معانيها ثمّ أخذ طريقه إلى نصوصها فيما بعد، كما نسب ذلك إلى ابن عباس (1)، أو كان التحريف في ألفاظها مباشرة) واضح من خلال نصوصها، حينما ينظر الإنسان إلى كتب العهدين يمكنه ادراك التحريف فيها بسهولة (2)، لكن ليس بوسع أحد التحدّث عن تحريف القرآن بالاستناد إلى النص القرآني، وهذا نفسه أفضل شاهد على تحقّق الوعد الالهي في حفظ القرآن من التحريف، وكلّ النزاعات المتعلّقة بتحريف القرآن تدور حول الرّوايات التي جاءت بهذا الصدد في كتب الفريقين، وكلّ من قال بتحريف القرآن كان مستنده هذه الرّوايات فقط، وليس


1- صحيح البخاري: كتاب التوحيد، ج 9، ص 195.
2- انظر على سبيل المثال: قاموس الكتاب المقدس: مادة انجيل، والرحلة المدرسيّة: 4- 68، والهدى إلى دين المصطفى: ج 1، ص 35- 38، 71- 306.

ص: 42

بمقدوره التشبث بالنص القرآني نفسه، فلهذا ينبغي أن يتركز البحث حول هذه الرّوايات، فنلاحظ أولًا ما مقدار اعتبار هذه الرّوايات؟ وهل بالإمكان تأييدها من قبل القرآن نفسه أو لا؟

وثانياً، ما هو معنى المفاهيم الأساسية التي تورد في مضامين الرّوايات ويدور مفاد الرّوايات في الواقع على تلك المفاهيم.

النقطة الاولى: مدى اعتبار روايات تحريف القرآن
اشارة

إذا اخذنا هذا بنظر الاعتبار علمنا أنّ حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً تعتمد على القرآن إذ إنّ القرآن نفسه أرشد إلى السنة في تبيينه وتفسيره وهذا يعني أنّ حجية أيّ رواية تدور مدار إمضاء القرآن لها وعدمه فان أمضى صارت الرواية حجة وإلّا فلا، وبناءً على هذا فاذا كان نصُّ الرّوايات- بعد الفراغ من صحة السند- موافقاً للقرآن فبها؛ وإلّا وجب طرحه كما هو حال السيرة المتلقاة عن المعصومين عليهم السلام. وهنا عندنا طائفتان من الرّوايات:

الاولى تثبت التّحريف في القرآن والاخرى تنفيه فاذا عرضناهما على القرآن رأينا بوضوح ان القرآن ينفي الاولى ويثبت الثانية، فاسقاط روايات التّحريف أمر لابد منه.

بل ان روايات التّحريف مخالفة للسنة القطعية أيضاً اذ كيف يمكن للعترة التي هي مبيّنة للوحي ووارثة للكتاب وعدل القرآن- بدليل حديث الثقلين (1)- أن تكون على خلاف الهدف الذي نزل من أجله القرآن وتخالف تعاليمه صراحةً، ونظراً للأهمية الكبرى لهذه المسألة (أي إثبات التّحريف في القرآن) فقد لزم أن تكون الرّوايات في هذا الموضوع نصوصاً صريحة واضحة الدلالة على المراد، وإلّا


1- سيبحث عن حديث الثقلين بالإجمال في المقام الثاني.

ص: 43

صارت مُضِلّةً ومضيّعة للإنسان ومبعدة له عن القرآن وعن السنّة الصحيحة؛ إذ كيف يمكن لنا الهداية إذا كان القرآن محرّفاً والسنة غير صحيحة؟ ذلك لأنّ القرآن إذا كان محرّفاً فلا يمكن اعتباره معياراً لمعرفة صحيح الأحاديث من سقيمها كي يتمّ الاعتماد على الصحيح منها.

وبهذه المقدّمة اتّضح أنّ ذلك العدد القليل من المحدّثين الذين يصرفون همهم إلى زيادة عدد الرّوايات دون التحرّي عن صحتها وسقمها، قد اعتمدوا على تلك الرّوايات- التي تشعر بظاهرها على التحريف- نتيجة غفلتهم عن النكتة آنفة الذكر، وبالتالي صارت الرّوايات عندهم حاكمة على القرآن في حال كونها مقابلة للنصوص الصريحة الواردة عن المعصومين عليهم السلام في حاكمية القرآن، ومخالفة صراحة لظاهر القرآن الذي أوكل الى السنّة الشريفة تبيين الوحي وتفسيره، ومعنى هذا الإيكال هو أنّ الرّوايات في مدار تبيين الوحي صارت حجة فقط لا غير.

نعم ان هذا النوع من المحدثين لإفراطهم في التعلّق بالروايات دون القرآن ابتعدوا- من حيث لا يشعرون- عن النسج والنهج القرآني وصدر منهم كل غريب (1). فيستحيل مثلًا على كلّ من له حظّ من المعرفة بالنسج القرآني- مهما كان قليلًا- أن يقول: انّه لا يوجد تناسب بين الجملتين في قوله تعالى: «... وإنْ خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ...» (2)

وانه قد سقط شي ء


1- يوجد هذا النوع من تعلق الخاطر بين العامّة والخاصّة، فقد كتب القاضي عياض في البحث عن اسطورةالقاء الشيطان في الوحي والذي روي في بعض تفاسير أهل السنة كتفسير الطبري وغيره: «ان هذا حديث لم يخرجه احد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وانما اولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم» الشفاء بتعريف حقوق المصطفى: ج 2، ص 750.
2- سورة النساء 4: الآية 3.

ص: 44

بينهما؛ وذلك لأنّه بأقل تأمل يتضح وجود ارتباط وثيق وتناسب دقيق بين الجملتين، حيث إنّ الخطاب في الآية السابقة يتعلّق بأموال اليتامى والنهي عن التجاوز على حقوقهم، فقال تعالى عزُّه: «وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً» (1)

فالآية واقعة موقع الترقي بالنسبة إلى النهي الواقع في هذه الآية فالمعنى- واللَّه أعلم- اتقوا أمر اليتامى، ولا تتبدلوا خبيث أموالكم بطيب أموالهم، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم حتى إنّكم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمات منهم ولم تطب نفوسكم للخوف من عدم القسط فلا تنكحوهن وتتزوجوا بهن، فدعوهن وانكحوا نساءً غيرهن ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع والشاهد عليه الآية 127 من السورة نفسها، قال تعالى:

«يستفتونك في النساء قل اللَّه يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهنَّ ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط ...».

وعلى هذا كيف تقبل رواية تقول؛ «سقط بين هاتين الجملتين المتقدمتين من الآية الشريفة ثلث القرآن» (2)، وهذه الرواية بالاضافة إلى كونها مرسلة فهي مخالفة للنص القرآني الصريح فتكون ساقطة عن الاعتبار من حيث الدلالة، ولو أضفنا إلى ذلك كون المخاطب بهذا الكلام هو أحد الزنادقة الذي أحتج واستدل على تحريف القرآن بهذه الآية، فكيف يصحّ من الإمام عليّ- عليه السلام- أن يجيبه بما يدلّ على سقوط ثلث القرآن بين جملتي الآية؛ وهذا يكون دليلًا ضد


1- سورة النساء 4: الآية 2.
2- الاحتجاج: ج 1، ص 377- 378. لا يخفى انه لم يخرج احد هذه الرواية الّا صاحب كتاب الاحتجاج مرسلة.

ص: 45

القرآن لا له، ثمّ هل يعقل أساساً أنّ ثلث القرآن قد سقط بين جملتين؟!! (1) ومع هذا كله نرى بعض المحدثين قد تلقفوا الحديث وأخذوه بنظر الاعتبار!! لانهم- كما قلنا- قد ابتعدوا عن النسج والنظم القرآني، بل الروح القرآني ولم يفهموا الدين الّا من خلال روايات مبعثرة ومتضاربة دون ان تكون لهم رؤية واضحة أو يلجأوا إلى ركن وثيق.

وهلمّ معي وانظر إلى روايات أهل السنة الموجودة في كتبهم المتعددة والتي نقلت بأسانيد مختلفة عن ابي بن كعب أنّه قرأ من سورة البينّة:

«لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فاعطيه لسأل ثانياً فاعطيه لسأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّاالتراب ويتوب اللَّه على من تاب وان ذلك الدين القيم عند اللَّه الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ...».

وفي رواية عن «أبي واقد الليثي» قال: أنزل اللَّه تعالى:

«انا انزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبَّ أن يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون لهما ثالثٌ ولا يملأ جوف ابن آدم إلّاالتراب ثم يتوب اللَّه على من تاب».

ونقلت روايات أُخرى بصور مختلفة (2).

ولنقرأ معاً الردّ الجميل الذي ذكره العلامة البلاغي المفسّر:

«هب أنّ المعرفة والصدق لا يطالبان المحدثين «ولا نقول القصاص»


1- قد أجاد وأتقن الشريف الرضي ت/ 406 ه. في دفع شبهة عدم التناسب بين جملتين في الآية الكريمة. انظر: حقائق التأويل في متشابه التنزيل: ص 291- 296.
2- ستأتي هذه الرّوايات وروايات أُخر مع ذكر مصادرها في فصل: دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة.

ص: 46

ولا يسألانهم عن هذا الاضطراب الفاحش فيما يزعمون أنه من القرآن ولا يسألانهم عن التمييز بين بلاغة القرآن وعلوّ شأنه فيها وبين انحطاط هذه الفقرات، ولكن أليس للمعرفة أن تسألهم عن الغلط في قولهم «غير المشركة» فهل يوصف الدين بأنّه مشركة وفي قولهم «الحنيفية المسلمة» وهل يوصف الدين أو الحنيفية بأنه مسلمة وقولهم «ان ذات الدين» وفي قولهم «انا انزلنا المال لاقام الصلاة» ما معنى انزال المال وما معنى كونه لاقام الصلاة!؟ و ...» (1).

والحق أن سبب كلّ تلك المشكلات هو فكرة حاكمية الرّوايات على القرآن وعدم فهم طريقة القرآن في عرض تعاليم السماء من جهة، وميل القلوب الى أصحاب وأرباب كتب الحديث بدل تعلقها وانسها بالكتاب السماوي من جهة أخرى، وكلّ ذلك إنّما يحكي عن وجود فاصلة كبيرة بينهم وبين قدسية القرآن الكريم.

وما أروع ماسطّره بنان الشيخ كاشف الغطاء إذ يقول:

«يا للعجب من قوم يزعمون سلامة الأحاديث وبقاءها محفوظة وهي دائرة على الألسن ومنقولة في الكتب في مدّة ألف ومئتي سنة، وأنّها لو حدث فيها نقص لظهر واستبان وشاع!! لكنهم يحكمون بنقص القرآن وخفي ذلك في جميع الأزمان!!» (2).

نعم، فالمحققون لم يصرفوا همّهم وجهدهم إلى جمع الرّوايات فقط بل اعتنوا بأمر القرآن والسنّة بخصوص التدبّر في الآيات والدرّاية في الرّوايات (3). وبناءً عليه


1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج 1، ص 20.
2- عن كتاب «الحقّ المبين»: ص 11، عن صيانة القرآن عن التّحريف: ص 66.
3- في نهج البلاغة: «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل». باب الحكم، الرقم 98. وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: يابُنّي! اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم، فانّ المعرفة هي الدرّاية للرواية وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان ...». بحار الأنوار: ج 1، ص 106. وروى الخطيب باسناده عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن أبيه عن جدّه عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «كونوا دراة ولا تكونوا رُواة، حديث تعرفون فقهه خير من ألف حديث تروونه» مجموعة رسائل في علوم الحديث للنسائي والخطيب البغدادي: ص 125.

ص: 47

فالاكثرية الساحقة منهم يرون أنّ تلك الرّوايات لا تتفق وروح القرآن وتعاليمه فلم يميلوا إلى القول بالتحريف قط وذلك انهم انصتوا لما أوصانا أئمتنا المعصومون عليهم السلام في رواياتهم بعرضها على القرآن.

روايات العرض وميزانية تعاليم الوحي

الرّوايات التي تسمى بروايات العرض وردت في أزمان مختلفة وبشكل متواتر، وصارت تعتبر كقاعدة قطعية من المعصومين عليهم السلام، كرواية «الميثمي» (1) و «عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه» (2) و «الحسن بن الجهم» (3) و «عمر بن حنظلة» (4) وغيرها على ما هو الظاهر من مفادها.

وأيضاً الرّوايات الواردة في عرض الأخبار على الكتاب مطلقاً وترك العمل بما لا يوافقه أو لم يشبهه وما يقرب من ذلك، كرواية «السكوني» عن أبي عبد اللَّه عليه


1- راجع وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج 27، باب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 21.
2- نفس المصدر: الحديث 29.
3- نفس المصدر: الحديث 40.
4- نفس المصدر: الحديث 40.

ص: 48

السلام، قال:

«قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم: إن على كلّ حقّ حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فدعوه» (1).

والمراد بالموصول مطلق الكلام والرأي وغيرهما، وعلى هذا يعدّ الكتاب ميزاناً للمخاطبين مشخصّاً لهم الحقّ والباطل والصواب والخطأ.

ومثلها رواية «عبد اللَّه بن أبي يعفور» (2) ورواية «أيّوب بن راشد» (3) ورواية «أيّوب بن الحرّ».

قال أيّوب بن الحرّ:

«سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: كلّ شي ء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب اللَّه فهو زخرف» (4).

وأيضاً رواية «هشام بن الحكم وغيره» عن أبي عبد اللَّه عليه السلام عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم (5). و «جميل بن درّاج» عن أبي عبد اللَّه عليه السلام (6) و «جابر بن يزيد الجعفي» عن أبي جعفر عليه السلام (7) و «سدير الصيرفي» عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام (8) ورواية جعفر بن محمّد بن مسعود عن أبيه عن


1- الكافي: ج 1، ص 69، الرقم 1 وتفسير العياشي: ج 1، ص 8، الرقم 2 والأمالي للطوسي: ج 2، ص 227، الرقم 4.
2- الكافي: ج 1، ص 69، الرقم 2.
3- نفس المصدر: ج 1، ص 69، الرقم 4.
4- نفس المصدر: ج 1، ص 69، الرقم 3 وتفسير العياشي: ج 1، ص 8، الرقم 4.
5- الكافي: ج 1، ص 69، الرقم 5 وتفسير العياشي: ج 1، ص 9 الرقم، 1.
6- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج 27، باب 9 من أبواب صفات القاضي، ص 86، الرقم 35.
7- الامالي للطوسي: ج 1، ص 236.
8- تفسير العياشي: ج 1، ص 9، الرقم 6.

ص: 49

أبي عبد اللَّه عليه السلام عن أبيه عن آبائه الكرام عليهم السلام قال:

«قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم: ... فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدَّق من جعله أمامه قاده إلى الجنّة» (1).

نستفيد من هذه الأخبار أن القاعدة هى إرجاع الأخبار والآراء الى الكتاب وجعل الميزان فيها هو الكتاب مطلقاً (2)، وطرح ما خالفه أو لا يشبهه حتّى ما لم يكن يوافقه ولا يخالفه إذا لم تكن مستجمعة لشرائط الحجّية، والعجب ممّن عكسوا الأمر، فلم يأخذوا بالكتاب نفسه أصلًا بل جعلوا الحديث ميزاناً للكتاب.

نعم إذا كان القرآن ميزاناً فيجب أن يكون متواتراً مقطوعاً به لا يدنّسه التّحريف، لأنه المقياس الفارق بين الحقّ والباطل ولا موضع للشكّ في المقياس نفسه وإلّا سقطت فائدة عرض الرّوايات وغيرها عليه.

وهذا الميزان قد حاز الاهمية العظمى لدى علماء الإمامية في تمييز صحيح الأخبار من سقيمها وفي مقام الإفتاء وغير ذلك.

قال ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني (ت 329) في حلّ تعارض الرّوايات:

«فاعلم يا أخي- أرشدك اللَّه- أنّه لا يسع أحداً تمييز شي ء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلّاعلى ما أطلقه


1- نفس المصدر: ج 1، ص 2، الرقم 2 وص 6، الرقم 11 وبحار الأنوار: ج 19، ص 17.
2- يوجد مضمون هذه الرّوايات في الكتب المعتبرة للامامية عن النبيّ الاعظم صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم والإمام علي عليه السلام والصادقين وأبي الحسن الأوّل والثاني والثالث عليهم السلام. وهذا يدل على اهتمام ائمة الهدى عليهم السلام بهذا المقياس في جميع الاعصار والظروف، فمن الكتب غير ما ذكر، الأمالي للصدوق: ص 300، الرقم 16 وعيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 20، الرقم 45 والتوحيد للصدوق رحمه اللَّه: ص 110، الرقم 9، نهج البلاغة: ص 436، باب الحكم، الرقم 52 و ...

ص: 50

العالم (1) بقوله عليه السلام:

«اعرضوها على كتاب اللَّه فما وافق كتاب اللَّه

عزّ وجلّ فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فردّوه» (2).

وأسقط شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460 ه.) في مقام الإفتاء روايتين صحيحتي الاسناد لتعارضهما مع كتاب اللَّه، ففي كتاب الديات، روايتان صحيحتا السند عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام:

«... إنّ خطأ المرأة والعبد مثل العمد ...» (3).

«... إنّ خطأ المرأة والغلام عمد ...» (4).

قال الشيخ رحمة اللَّه عليه:

«... إن خطأ المرأة والعبد عمد وفي الرواية الاخرى: إنّ خطأ المرأة والغلام عمد فهو مخالف لقول اللَّه تعالى؛ لأنّ اللَّه عز وجل حكم في القتل الخطأ بالدية دون القود ولا يجوز أن يكون الخطأ عمداً ...» (5).

وعلماء الإمامية «رضوان اللَّه عليهم» لم يألوا جهداً لمعرفة هذا المقياس الوحيد فلذا دوّنوا كتب أحكام القرآن ليمهّدوا إلى معرفة حكم اللَّه من كتابه وعرض الرّوايات عليه، فمن كتب القدماء «فقه القرآن» لقطب الدين هبة اللَّه الراوندي (573 ه.) و «كنز العرفان في فقه القرآن» لمقداد بن عبد اللَّه السيوري (836 ه.) و ... وكتب المتأخرين في هذا المجال كثيرة جداً.

فالمستفاد على كل حال من هذه الأحاديث هو أنّ القرآن ميزان ومقياس


1- أي: الإمام الكاظم عليه السلام.
2- الكافي؛ خطبة الكتاب: ج 1، ص 8.
3- التهذيب: ج 2، ص 513، الكافي: ج 2، ص 324، الفقيه: ص 386.
4- نفس المصدر السابق.
5- الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار: ج 4، ص 287.

ص: 51

مطلقاً، وحينئذٍ فروايات التّحريف عند العرض على كتاب اللَّه ساقطة لا محالة، كما قال المحقق قاضي القضاة علي بن عبد العالي الكركي (ت 940 ه.) في رسالة نفي النقيصة:

«... فقد وجب عرض الأخبار على هذا الكتاب وأخبار النقيصة إذا عرضت عليه كانت مخالفة له، لدلالتها على أنه ليس هو، وأيّ تكذيب يكون أشدّ من هذا» (1)«1».

أمّا المبنى الشائع عند بعض أهل السنّة في العقائد والفقه فقد كان وما يزال على خلاف ذلك، فقد عقد الدارمي في سننه باباً بعنوان: السنة قاضية على كتاب اللَّه (2) بل لقد قال عبد الرحمان بن مهدي:

«الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث، يعنى ماروي عنه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أنه قال: ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب اللَّه فان وافق كتاب اللَّه فأنا قلته وان خالف كتاب اللَّه فلم أقله وإنما أنا موافق كتاب اللَّه وبه هداني اللَّه» (3).

وقد حكى زكريا الساجي، عن يحيى بن معين أنه قال:

«هذا حديث وضعته الزنادقة» (4).

وقال أبو بكر البيهقي:

«الحديث الّذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح،


1- نقلًا عن شرح الوافية للسيد الاعرجي: باب حجية الكتاب من أبواب الحجج في الاصول، ص 90، ومثل المحقق الكركي رحمه اللَّه صدر المتألهين ت 1050 في شرح الكافي: ص 202- 205 والسيد محمّد مهدي الطباطبائي الملقب ببحر العلوم ت 1155 في كتابه فوائد الاصول، بنقل البروجردي في البرهان: ص 118- 120.
2- سنن الدارمي: ج 1، ص 145 وتأويل مختلف الحديث: ص 199.
3- جامع بيان العلم: ج 2، ص 233.
4- عون المعبود فى شرح سنن أبي داود: ج 4، ص 429.

ص: 52

وهو ينعكس على نفسه بالبطلان فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن ...» (1).

وكيف يقول البيهقي لا يوجد في القرآن دلالة على ذلك؟! ألم يمرّ على سمعه قوله تعالى: «... فإن تنازعتم في شي ء فَردّوه إلى اللَّه والرسول ...» (2)

فالراد إلى اللَّه الأخذ بمحكم كتابه (3) وأيضاً قوله تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» «4»(4)

. فالقرآن هو الذي اوكل تبيينه إلى الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، والرّوايات حاكية عن سنّته الشريفة، فالسنة تكتسب من القرآن حجيتها والصحيحة المرتبطة بالقرآن والتي تدور مداره وترتبط به وما سواها لا عبرة به.

نعم في كنز العمال عن الطبراني في الكبير عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قال:

«اعرضوا حديثي على كتاب اللَّه فإن وافقه فهو مني وأنا قُلته» (5).

وفي سنن الدارمي بسنده عن أبي هريرة قال: «... فكان ابن عباس إذا حدّث قال إذا سمعتموني أحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم تجدوه في كتاب اللَّه وحسناً عند الناس فاعلموا أنّي قد كذبت عليه» (6).

ونسب إلى عائشة أمّ المؤمنين:

«انها ترد كل ما روي مخالفاً للقرآن وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع أو سوء الفهم.» (7)


1- دلائل النبوة: ج 1، ص 26.
2- سورة النساء 4: الآية 59.
3- انظر نهج البلاغة، الخطبة 53.
4- سورة النحل 16: الآية 44.
5- كنز العمال: ج 1، ص 179، ح 907.
6- سنن الدارمي: ج 1، ص 146، باب تأويل حديث رسول اللَّه.
7- اضواء على السنة المحمدية: ص 430.

ص: 53

بل ظاهر كلام بعض أهل السنة انهم اعتنوا بميزانيّة القرآن كمحمد عبده حيث قال:

«فن الحديث على شرط ان يؤخذ مفسِّراً للقرآن مبيّناً له مع اطراح ما يخالف نصّه من الأحاديث الضعيفة، والاجتهاد لإرجاع الأحاديث الصحيحة إليه ان كان ظاهرها يوهم المخالفة.» (1) وعلى كل حال فلعلّ قلّة اهتمام بعض أهل السنة بجعل القرآن مقياساً في علاج الرّوايات التي تدلّ بظاهرها على التّحريف الّتي وردت في كتبهم، لزعمهم بطلان روايات عرض الأخبار على القرآن وهو كما ترى!

النقطة الثانية: دراسة تحليلية عن مفاهيم «الإقراء»، «التنزيل» و «التأويل» في الرّوايات:
اشارة

إنّ البحث عن مفاهيم هذه الألفاظ يسهّل لنا كثيراً من الصعوبات التي تواجهنا في فهم روايات التّحريف، فنحن اليوم نفهم كثيراً من هذه الألفاظ بمعنى مغاير لما اصطلح عليه قديماً، وعلى أساس هذا الفهم الخاطى ء نضع الرّوايات موضع البحث والنقد، بينما كانت هذه الألفاظ في عصر صدورها بعيدة عن معانيها المستحدثة بل أجنبية، ويبدو لي أنّ السبب الرئيس في ما يستدل به المثبتون للتحريف- من خلال هذه الرّوايات- هو غفلتهم عن هذه المسألة.

فأكثر الألفاظ والتعابير استعمالًا في الصدر الأوّل في لسان الرّوايات: «كنا نقرأ كذا» «تنزيله كذا» «هكذا نزلت» «تأويله كذا». فماذا يراد من هذه الألفاظ أو التعابير؟


1- تاريخ الاسناد: ج 2، ص 516 نقلًا عن اضواء على السنة المحمدية: ص 411، ومثله عن «رشيد رضا» في «المنار»: ج 2، ص 288 وهو ظاهر قول من صرّح بان ما يخالف النص القاطع من الكتاب يعلم كذبه كالشيرازي في «اللمع» والغزّالي في «المستصفى» نقلًا عن «توجيه النظر» للجزائري: ص 81- 82.

ص: 54

دراسة عن مفهوم الإقراء

ففي اللّغة حيث يقال: «أقرأه الرجل» بمعنى جعله يَقْرأ فهو مُقرِىٌ ويقال: أقْرأَه القرآن. وللسيد مرتضى العسكري «مدّ ظلّه» في مورد اصطلاح «اقراء» والتطور التأريخي لهذه اللفظة بحث قيّم إليك خلاصته:

«كان معنى الاقراء على عهد الرسول إلى سنوات قليلة من بعده تعليم تلاوة اللفظ مع تعليم معناه (اصطلاحاً)، والمقرئ من يعلّم تلاوة لفظ القرآن مع تعليم معنى اللفظ ... وأصبح بعد انتشار تعلم القرآن يستعمل الإقراء في أحد المعنيين وهو تعليم معنى الآيات التي تحتاج إلى تفسير ومن تلك الموارد ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه قال: «كنت أُقرى ء رجالًا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجّها ... الحديث» (1).

وإذا علمنا أنّ إسلام عبد الرحمن بن عوف كان في السنة الثالثة من البعثة حسب ما يذكر ابن هشام من أخبار السابقين إلى الإسلام من المهاجرين (2) وأن آخر حجة حجَّها عمر كانت سنة 23 وقتل في الشهر نفسه في المدينة، عرفنا أنّ المدة بين الزمانين أكثر من اثنتين وثلاثين سنة ولم يكن كبراء المهاجرين أمثال عبد الرحمن بن عوف أطفال كتاتيب ليقرئهم ابن عباس تلاوة ألفاظ القرآن، وإنما كان


1- صحيح البخاري: من الزنا إذا أحصنت من كتاب الحدود: ج 8، ص 208.
2- ذكر ابن هشام إسلام عبد الرحمن بن عوف وآخرين من المهاجرين قبل مباداة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في السنة الثالثة من البعثة، راجع سيرة ابن هشام: ط. الحلبي بمصر سنة 1355 ه: ج 1، ص 268.

ص: 55

يعلمهم تفسير القرآن» (1).

وقال الشيخ المفيد من أعلام الإمامية (ت/ 413 ه.) وهو في مقام دفع الإشكال فيما حذف من القرآن الموجود وهو ثابت في مصحف الإمام عليّ من تأويل القرآن وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، قال:

«وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً، قال اللَّه تعالى «ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربّ زدني علماً» فسمّى تأويل القرآن قرآناً وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف» (2).

وقال أبو جعفر النحاس من أعلام أهل السنّة (ت/ 338 ه.) وهو في مقام دفع الإشكال عن حديث ابن عباس حيث قال: «خطبنا عمر بن الخطاب قال: كنّا نقرأ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من الشهوة» قال النحاس:

«واسناد الحديث صحيح إلّاأنّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة .. وقد يقول الإنسان كنت أقرأ كذا لغير القرآن ...» (3).

وعلى هذا فينبغي التوجه إلى انّه حينما تذكر الرّوايات أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كان يقرأ الآية كذا، فالمراد قراءة ألفاظها مع تفسير معانيها التي كان النبيّ يتلقّاه من الوحي. فعلى سبيل المثال كان عبد اللَّه ابن مسعود يقول:

« «يا أيّها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربّك- إن عليّاً مولى المؤمنين- وإن لم تفعل فما بلغت رسالته» هكذا كنا نقرأُ الآية على عهد رسول


1- القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 1، ص 291.
2- أوائل المقالات والمذاهب المختارات: ص 81.
3- كتاب الناسخ والمنسوخ: ص 11.

ص: 56

اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم.» (1) فليس مراده من لفظ «إن علياً مولى المؤمنين» انه جزء من الآية القرآنية، بل مراده هو اننا فى مقام تعليم الآية الشريفة: كنا نقرأها هكذا لأنّ التعليم والتفسير لهما دور مباشر في فهم الآية، وهما مما يحتاجه قارى ء القرآن (2).

فعلى هذا يكون معنى الرواية التي تقول: «أُبي أقرأنا» (3) فيما لو أغمضنا النظر عن سندها صحةً وسقماً: أن أُبي بن كعب كان يعرف قراءة القرآن ويدرك معاني ألفاظه، وكذلك يعرف «بيان وتفسير» النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم للآيات الشريفة، وتمييزه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم للوحي القرآني النازل للاعجاز، عن الوحي غير القرآني النازل بعنوان البيان والتفسير، ويعرف أيضاً الناسخ من المنسوخ اكثر من غيره (4).

وعلى أي حال فهذه كانت هي السنة الشائعة في زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في تفسير وتبيين آيات الوحي، ولكنّ بعض الخلفاء جرّدت القرآن من التفسير والتبيين مما كان منشأً لحصول الاختلاف في فهم الآيات القرآنية لأنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كان يبيّن الآيات النازلة عليه تدريجاً ويفسرها (5) ولكن


1- الدرّ المنثور: ج 3، ص 117 وكشف الغمة- لعلي بن عيسى الإربلي من أعلام الإمامية ت/ 693 ه.: ج 1، ص 219.
2- ولمزيد التوضيح لاحظ: آلاء الرحمن: ج 2، ص 77.
3- الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 1، ص 131 والجامع الصحيح للترمذي: ج 5، ص 666 ومجمع الزوائد: ج 9، ص 312.
4- الشاهد على هذا الأمر أيضاً كلام عمر بن الخطاب حيث يقول: «أُبي اقرؤنا وأقضانا علي [عليه السلام] وانّا لندع من لحن ابي وذلك ان ابيّاً يقول: لا ادع شيئاً سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وقد قال اللَّه تعالى: «ما ننسخ من آية أو ننسها ...». نفس المصادر التي سبقت بالرقم 3.
5- قال ابن الجزري: «كانوا [أي الصحابة] ربما يدخلون التفسير في القراءة أيضاً وبياناً لأنّهم محققون لما تلقوه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قرآناً فهم آمنون من الإلتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه». النشر: ج 1، ص 32

ص: 57

لم يوفق كل الناس لسماعها منه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وكذلك غاب عن الكثير أسباب النزول ممّا ادى الى حصول الاختلاف في تنزيل الآيات القرآنية الشريفة وتفسيرها وتأويلها.

ذكر أبو عبيد القاسم بن سلّام (ت 224) بإسناده عن إبراهيم التيمي:

«خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمّة ونبيّها واحد؟

فأرسل إلى ابن عباس، فقال: كيف تختلف هذه الأمّة ونبيّها واحد وقِبلتها واحدة؟! فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين! إنّا انزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيما نزل، وانّه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لهم فيه رأي فاذا كان لهم فيه رأي اختلفوا فاذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزبره عمر وانتهره. فانصرف ابن عباس ونظر عمر فيما قال فعرفه فأرسل إليه، فقال: أعد عليّ ما قلت، فأعاده عليه فعرف عمر قوله وأعجبه» (1).

فابن عباس حسب هذه الرواية لا يرى اختلافاً في نصّ القرآن الكريم، ولكنه يرى الاختلاف في عدم معرفة سبب نزول الآيات وشرائط وظروف نزولها وهذا ما أدى الى ان تثور ثائرة عمر، ولكن هذا من الواقع الذي لا يمكن إخفاؤه، والسبب يعود الى تجريد بعض الخلفاء للقرآن الكريم من التبيين والتفسير والظروف التي


1- فضائل القرآن: ص 45، ورواه البيهقي والخطيب، انظر الجامع الكبير للسيوطي نقلًا عن هامش فضائل القرآن.

ص: 58

نزلت فيها الآيات الكريمة (1).

وهناك عبارات اخرى في هذا المجال كعبارة: «هكذا تأويله»، «هكذا تنزيله»، «هكذا نزلت».

ولابد من توضيح المقصود من هذه الألفاظ، التي وردت في القرآن الكريم ولسان الرّوايات وتحديد دلالتها:

دراسة عن مفهوم التأويل:

«التأويل» في اللغة مصدر مزيد فيه وأصله «الأَوْل- بمعنى الرجوع» ومنه قولهم: «أوّل الحكمَ إلى أهله أي ردّه إليهم.» وقد يستعمل التأويل ويراد منه العاقبة وما يؤول إليه الأمر وعلى ذلك جرت الآيات الكريمة:

«ويعلمك من تأويل الأحاديث ...» (2)

، «... هذا تأويل رؤياي ...» (3)

، «ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً» (4)

. وغير ذلك من موارد استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم، وعلى هذا فالمراد بتأويل القرآن ما يرجع إليه الكلام، وما هو عاقبته، سواء أكان ذلك ظاهراً يفهمه العارف باللغة العربية، أم كان خفيّاً لايعرفه إلّا الراسخون في العلم ولا يختص بما اصطلح عليه عند المتأخرين من إطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ حملًا له على خلاف ظاهره فقط.


1- مسألة تجريد القرآن، اصبحت كالشعار عند الخلفاء لا سيما في عصر الخليفة الثاني حيث قال: «... جرّدوا القرآن واقلوا الرواية عن محمّد صلّى اللَّه عليه وأنا شريككم». انظر: تاريخ الطبري: ج 4، ص 204، ط. مصر، سنة 1963 م. الطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتذكرة الحفاظ: ج 1، ص 7.
2- يوسف 12: الآية: 6.
3- نفس السورة: الآية: 100.
4- الكهف 18: الآية 82.

ص: 59

دراسة عن مفهوم التنزيل:

«التنزيل» فهو أيضاً مصدر مزيد فيه، وأصله النزول، وقد يستعمل ويراد به ما نزل مطلقاً لا ما اصطلح عليه المتأخرّون من إطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآناً فقط.

وهذا المعنى العام من «التأويل» و «التنزيل» ورد في الرّوايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام. وأما ما اصطلح عليه المتأخرون فلا عين له في اللغة ولا أثر.

وعلى هذا فإن ما ورد في الرّوايات بتعبير «هكذا تنزيلها» في شأن بعض الآيات معناه: مفادها ومعناها أنّه نزل من عند اللَّه على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم سواء كان آية أو بياناً لآية، قال تعالى: «لا تحرك به لسانك لتعجل به* إنّ علينا جمعه وقُرآنَه* فإذا قرأناهُ فَاتّبع قرآنه* ثم إنّ علينا بيانه» (1)

فبيان القرآن- على أحد الاحتمالات- أي شرحه وتفسيره وهو على اللَّه تعالى.

كما انّه يستفاد من اطلاق الآيات الشريفة: «وما ينطق عن الهوى* ان هو الّا وحي يوحى» (2)

أنّه نزلت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم تفسير الآيات وتبيينها كما نزلت عليه القرآن وهكذا يستفاد من بعض الأخبار: كما في سنن الدارمي بسنده عن حسان بن ثابت قال:

«كان جبرئيل ينزل على رسول اللَّه صلّى الله عليه [وآله]

وسلّم بالسنّة كماينزل عليه بالقرآن.» (3)

وعلى هذا نستطيع أن نقول إنّ جميع ما قاله النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم من


1- سورة القيامة 75: الآيات 16- 19 هذا على ان الخطاب في هذه الآيات موجه إلى الرسول الاعظم صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم والضمير في «بيانه» عائد إلى القرآن الكريم.
2- سورة النجم 53: الآية 3 و 4.
3- سنن الدارمي، باب: السنة قاضية على كتاب اللَّه: ج 1، ص 145.

ص: 60

تفسير القرآن وتبيينه تنزيل أو تأويل من اللَّه. لأنّه قد يطلق على بيان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم الّذي أخذه من اللَّه في شرح الآيات، التأويل أيضاً؛ لأنّ تأويل القرآن- كما قلنا- ما يرجع إليه الكلام، سواء أكان ما يرجع إليه الكلام شرحاً للمراد من الوحي- غير القرآني- أم لا. وعلى هذا سمّي تأويل القرآن، قرآناً، لا بمعنى القرآن المنزل بعنوان المعجز بل بعنوان أنه مقروء على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم؛ قال الشيخ المفيد رحمه اللَّه (ت 413) في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام:

«... حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله [أي القرآن] وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله. وذلك كان مثبتاً مُنزلًا وإن لم يكن من جملة كلام اللَّه تعالى الّذي هو القرآن المعجز. وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً قال اللَّه تعالى: «ولا تَعْجَل بالقرآن مِنْ قَبلِ أنْ يُقضى إليك وَحيُه وقُلْ رَبِّ زِدْني عِلْماً» فسمّى تأويل القرآن قرآناً. وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف.» (1) ويؤيده ما جاء عن الإمام علي عليه السلام في شأن مصحفه:

«أتى بالكتاب كملًا مشتملًا على التأويل والتنزيل ...» (2).

وقول «محمّد بن سيرين»:

«فلو أُصيب ذلك الكتاب- أي مصحف الإمام علي عليه السلام- لكان فيه علم.» (3) فانه لو كان ما كتبه الإمام مجرداً عن التأويل والتفسير- مأخوذاً عن النبيّ صلّى


1- أوائل المقالات والمذاهب المختارات: ص 81.
2- مقدمة تفسير الصافي: المقدمة السادسة، ص 11.
3- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.

ص: 61

اللَّه عليه وآله وسلّم- لما خصّ ابن سيرين القول في ما كتبه الإمام بأنّ فيه علماً.

ففي ضوء ما تقدم يتبين لنا المراد الواقعي من الرّوايات كرواية الكليني عن ابن فضيل قال:

«سألت ابا الحسن الماضي عليه السلام عن قوله تعالى: «يريدون ليطفئوا نور اللَّه بافواههم واللَّه متمّ نوره»؟ (1)

قال: يريدون ليطفئوا ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام بافواههم!

قلت: واللَّه متم نوره؟

قال: متمّ الامامة. لقوله عزّ وجلّ: «فَآمِنوا باللَّه ورسوله والنور الذي انزلنا» (2)

والنور هو الإمام عليه السلام.

قلت: «هو الذي أرسَل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّينِ كلّه» (3).

قال: ليظهره على الأديان عند قيام القائم لقوله عزّ وجلّ: «واللَّه مُتمُّ نوره» ولاية القائم «ولو كره الكافرون» بولاية علي.

قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم، اما هذا الحرف فتنزيل، وامّا غيره فتأويل» (4).

فقوله هذا الحرف فتنزيل، صريح في أرادة معنى الآية المساوق للتفسير، واما سائر المعاني فهي من التأويل وما يؤول إليه الكلام لمعنى الآية.

وأيضاً ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزّ وجلّ:

«فستعلمون من هو في ضلالٍ مُبين» (5)

، قال: يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم


1- الصف 61: الآية 8.
2- التغابن 64: الآية 8.
3- الصف 61: الآية 9.
4- الكافي: ج 1، ص 432، رقم 91.
5- الملك 67: الآية 29.

ص: 62

رسالة ربّي في ولاية علي عليه السلام والأئمة من بعده، من هو في ضلالٍ مبين، قال:

كذا انزلت (1).

فإنه عليه السلام لم يرد أن هذا البيان والتفسير نزل جزءاً من الوحي القرآني؛ بل انه المقصود من النزول.

وقال العلامة المجلسي- بعد تضعيف الخبر-: «وأوّل بأنّها نزلت هكذا، تفسيراً للآية» (2).

والشاهد لذلك: الرّوايات المتعددة التي وردت في تفسير آية من الآيات. ففي بعضها يقال: «انماعنى بذلك كذا» وفي بعض «انما معناها كذا» وفي بعض آخر «انما انزلت كذا».

فعلى سبيل المثال: رأينا في تفسير الآية الشريفة «كلُّ شي ء هالك إلّاوجهه له الحكم وإليه ترجعون» (3)

روايات: ففي رواية الكليني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:

قال:

«... إنّما عنى بذلك وجه اللَّه الذي يؤتى منه» (4)

وفي رواية ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«... معناه كل شئ هالك إلّادينه والوجه الذي يؤتى منه» (5)

وفي رواية الصفّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال:

«إنّما عنى بذلك كلّ شي ء إلّاوجهه الذي يؤتى منه» (6)

وفي رواية الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:


1- الكافي: ج 1، ص 421، رقم 45.
2- مرآة العقول: ج 5، ص 57.
3- سورة القصص 28: الآية 88.
4- الكافي: ج 1، ص 143.
5- التوحيد: ص 149.
6- بصائر الدرّجات: ص 19.

ص: 63

«... فانما انزلت كلّ شي ء هالك إلّادينه» (1).

فعلى هذا يكون معنى قوله «فانما انزلت ...» بقرينة روايات أخرى، تفسيره ومعناه ومراد اللَّه عزّ وجلّ.

والشاهد الآخر، الأخبار التي تتضمّن تمسّك الأئمة من أهل البيت عليهم السلام بمختلف الآيات القرآنية في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتّى في الموارد الّتي فيها آحاد من الرّوايات بالتحريف؛ فإنّ هذه الأخبار تشهد أن المراد فى كثير من روايات التّحريف من قولهم عليهم السلام؛ كذا انزل، هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل الباطن والتأويل.

هذا، وقد يقال أيضاً: نزلت الآية في كذا أي سبب نزولها كذا أو مدلولها وشرحها كذا.

ففي التفسير المنسوب إلى القمي: قوله تعالى: «يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك» نزلت هذه الآية في عليّ «وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته ...» (2)

. وهذا يعني ليس في نفس الآية «في عليّ» بل شأن نزولها وتفسيرها في ولاية عليّ وإمرته عليه السلام.

وبعد بيان تلك المقدمة الهامة نرجع إلى صلب البحث وهو «دراسة روايات التحريف في مصادر الشيعة»


1- الاحتجاج: ج 1، ص 598.
2- تفسير [المنسوب إلى] القمي: ج 1، ص 171 والآية من سورة المائدة 5: الآية 67.

ص: 64

مضامين أحاديث التحريف في كتب الشيعة:

اشارة

ويمكن تقسيم تلك الرّوايات إلى عدة أقسام تسهيلًا للمراد.

1- الرّوايات التي وردت في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام.

2- أحاديث جاء فيها لفظ «التّحريف».

3- قراءات منسوبة إلى بعض الأئمة.

4- روايات الفساطيط.

5- الرّوايات التي دلّت على ان بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكر فيها أسماء الأئمة.

6- الرّوايات التي دلّت على التّحريف في القرآن بالنقيصة.

الطائفة الاولى: الرّوايات التي وردت في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام
اشارة

ويقع البحث هنا في أصل وجود هذا المصحف ثمّ في مضمونه:

أ: أصل وجود هذا المصحف:

إنّ وجود هذا المصحف من الأمور الثابتة المتفق عليها بين الفريقين.

فمن كتب الخاصة التي أشارت إليه:

«كتاب سليم بن قيس» (1) و «الكافي» (2) لثقة الإسلام أبي جعفر الكليني (ت 329 ه.).

ففي الكافي:

«... أخرجه [أي المصحف] عليّ عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب اللَّه عزّ وجلّ كما انزل على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ...».


1- ص 581، 582، 660، 665 وبمضمونه في التفسير [المنسوب إلى] القمي: ص 745.
2- الكافي، كتاب فضل القرآن: ج 2، ص 633، رقم 29.

ص: 65

وأيضاً «كتاب التفسير» (1) للعياشي (ت 313 ه.)- المعروف بتفسير العياشي- و «الاعتقادات» (2) لأبي جعفر الصدوق رحمه اللَّه تعالى (ت 381 ه.) و «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب (ت 588 ه.) فقد أخبر رحمه اللَّه عن مصحف الإمام علي عليه السلام من طرق عديدة من الفريقين فلاحظ (3).

ومن كتب أهل السنة:

«الطبقات الكبرى» (4) لمحمد بن سعد (ت 230 ه.) و «الفضائل» لابن الضريس (5) (ت 294 ه.) و «كتاب المصاحف» (6) لابن أبي داود (ت 316 ه.) و «كتاب الفهرست» (7) للنديم عن أحمد بن جعفر بن محمّد المنادي (المعروف بابن المنادي، ت 332 ه.) و «المصاحف» لابن اشتة (8) (ت 360 ه.) و «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» (9) و «الأربعين» (10) لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 ه.) و «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (11) لابن عبد البرّ (ت 463 ه.) والذي رواه بطريقين، و «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس، فقد


1- تفسير العياشي: ج 2، ص 307- 308.
2- الاعتقادات: ص 93.
3- مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 50.
4- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.
5- نقلًا عن الاتقان: ج 1، ص 58.
6- كتاب المصاحف: ص 16.
7- كتاب الفهرست: ص 31 و 32.
8- نقلًا عن الاتقان: ج 1، ص 58.
9- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: ج 1، ص 67.
10- نقلًا عن مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 50.
11- الاستيعاب، القسم الثالث: ص 974.

ص: 66

أورد خبر المصحف بعدة أسانيد (1) و «مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار» (2) لعبد الكريم الشهرستاني (ت 548 ه.) و «المناقب» (3) للموفق خطيب خوارزم (ت 568 ه.) و «التسهيل في علوم التنزيل» (4) لابن جزي الكلبي (ت 741 ه.) و ...

ب: مضمونه:

إن وجود مصحف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بشكل يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء من الفريقين على وجوده اغنانا عن التكلف لاثباته.

وقد أشار الشيخ المفيد (ت 413 ه.) من قدماء الإمامية إلى ذلك وقال:

«قد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من اوله إلى آخره والذي بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكّي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شي ء منه في موضعه ولذلك

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: اما واللَّه لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمّي من كان قبلنا ...» (5).

وقد صرح المتأخرون بذلك ك «أبي عبد اللَّه الزنجاني» (6) و «النهاوندي» (7)


1- شواهد التنزيل: ج 1، ص 36- 38.
2- مفاتيح الأسرار و مصابيح الأنوار: ج 1، ص 121. و قد فصل القول فى مصحف الإمام على عليه السلام.
3- المناقب: ص 94، رقم 93.
4- نقلا عن علوم القرآن عندالمفسرين: ج 1، ص 351.
5- المسائل السروية: المسألة التاسعة: ص 79.
6- تاريخ القرآن: ص 76.
7- نفحات الرحمن: ج 1، الورقة 12.

ص: 67

و «العلّامة الطباطبائي» (1).

وقد ذكر أبو عبد اللَّه الزنجاني فهرساً في ترتيب سور ذلك المصحف (2)، ومن علماء أهل السنة الذين عملوا هذا الفهرس الذي كتب بحسب ترتيب السور في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام: «عبد الكريم الشهرستاني» في مقدمة تفسيره (3).

ومن جملة الرّوايات التي تدل على هذا النوع من الترتيب؛ روايات يمكن تسميتها ب «روايات الفساطيط» وسيأتي البحث فيها إن شاء اللَّه في الطائفة الرابعة.

كما ان اشتمال قرآنه على زيادات وإن كان صحيحاً، إلّاأنّ هذه الزيادات ليست من القرآن بعنوان الوحي المعجز، بل الصحيح هو أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من اللَّه شرحاً للمراد، وتدل على هذا الرّوايات التي وردت في شأن هذا المصحف من الفريقين إمّا بالنص كما في «تفسير الصافي» عن الإمام علي عليه السلام قال:

«أتى بالكتاب كملًا مشتملًا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف» (4).

وإمّا بالتأمّل والدرّاية كما في روايتي جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«ما ادّعى احد من الناس انه جمع القرآن كلّه كما أنزل الّا كذّاب وما جمعه وحفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلّاعليّ بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده» (5).


1- الميزان فى تفسير القرآن: ج 12، ص 119.
2- تاريخ القرآن: ص 77- 78.
3- مفاتيح الأسرار و مصابيح الأنوار: ج 1، ص 125.
4- تفسير الصافى، المقدمة السادسة: ص 11.
5- الكافى: ج 1، ص 228.

ص: 68

وقال عليه السلام:

«ما يستطيع احد ان يدَّعي ان عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء» (1).

قال العلّامة الطباطبائي في حاشيته على الكافي:

«قوله عليه السلام

«إنّ عنده جميع القرآن كلّه»

الجملة، وإن كانت ظاهرة في لفظ القرآن المشعرة بوقوع التّحريف فيه لكن تقييدها بقوله: «ظاهره وباطنه» يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة على الفهم العادي ومعانيه المستبطنة على الفهم العادي وكذا قوله في الرواية السابقة:

«وما جمعه وحفظه الخ»

حيث قيد الجمع بالحفظ فافهم» (2).

فعلى هذا لا دلالة في شي ء من الرّوايات على ان الزيادات في مصحف الإمام علي عليه السلام من القرآن نفسه، بل هي- كما قلنا- بعنوان التنزيل من اللَّه شرحاً للمراد. وعلى هذا يحمل ما ورد من ذكر أسماء المنافقين في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام (3) فانّ ذكر اسمائهم لابد وان يكون بعنوان التفسير، والشاهد عليه سيرة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وحسن اخلاقه، فانّ دأبه تأليف قلوبهم والإسرار بما يعلمه من نفاقهم، فكيف يمكن أن يذكر أسماءهم في القرآن ويأمرهم بلعن أنفسهم ويأمر سائر المسلمين بذلك ويحثهم عليه ليلًا ونهاراً؟! وهل يقاس ذلك بذكر أبي لهب المعلن بشركه ومعاداته للنبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم مع علم النبيّ بأنه يموت على شركه؟ وهذا واضح لمن له أدنى اطّلاع على سيرة النبيّ صلّى


1- نفس المصدر: ج 1، ص 228 وبصائر الدرّجات: ص 193.
2- نفس المصدر: ج 1، ص 228.
3- كرواية الكافي: ج 2، ص 631 ويأتي تمام الكلام في تلك الرواية وما شابهها في المقام الثاني.

ص: 69

اللَّه عليه وآله وسلّم.

نظرة إلى آراء العلماء في مصحف الإمام علي عليه السلام:

يعتقد بعض كبار العلماء أنّ ما يوجد في المصحف زيادة على المصحف الموجود، هو من جنس الأحاديث القدسية ومنهم الشيخ أبو جعفر الصدوق (ت 381 ه.) حيث قال:

«وقد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ... وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام جمعه فلما جاء به قال هذا كتاب ربّكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف» (1).

وبعض آخر- وهو قول الغالب- يرى بأنّ هذه الزيادات وإن كان من الوحي لكن ليست من سنخ آيات القرآن بل من سنخ تأويل الوحي وتنزيله بعنوان شرح المراد، وحذفها من المصحف الموجود لا يخلّ بصيانة القرآن عن التّحريف.

ومبتكر هذه النظرية عميد الطائفة الشيخ المفيد (ت 413 ه.) إذ يقول:

«... وحذف [من المصحف الموجود] ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتاً وإن لم يكن من جملة كلام اللَّه تعالى الذي هو القرآن المعجز ...» (2).

ويؤيّد هذه النظرية شواهد كثيرة، وقد لاقت استقبال علماء الإمامية، وكلّ من ذكر منهم أنّ الاختلاف بين مصحف الإمام علي عليه السلام والمصحف الموجود لا ينحصر في ترتيب السور، بل يتعداه إلى امور أُخر منهم: «المحدث الفيض


1- الاعتقادات: ص 92.
2- اوائل المقالات ومذاهب المختارات: ص 93.

ص: 70

الكاشاني» (1) و «المحقق الكاظمي البغدادي» (2) و «الشيخ جعفر الكبير» (3) و «السيد الخوئي» (4) و «العلامة الطباطبائي» فاستدل العلامة الطباطبائي على هذا القول بما نصُّه:

«... ولو كان مخالفته في بعض الحقائق الدينية لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه» (5).

نعم خالف في هذا المعنى شرذمة قليلة من الأخباريين كالمحدّث النوري الذي أصرّ- كعادته- على ان الاختلاف كان في نفس القرآن حقيقة (6). وجاء بالرّوايات من الفريقين من دون تأمل وتدبر في مفادها ومعناها، وسيأتي إن شاء اللَّه في المقام الثاني انّ اكثر هذه الرّوايات لا مساس له بمسألة مصحف الإمام عليه السلام وما ورد في شأنه. فبعضها مطعون في طرقها، وبعضها محمول على ما قلنا وإلا فمع معارضتها بأدلّة صيانة القرآن عن التّحريف ساقطة لا محالة.

وأما قول علماء أهل السنة في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام فقد قال محمّد بن سعد:

«فزعموا أنّه [أي الإمام عليّ عليه السلام] كتبه على تنزيله، وقال محمّد بن سيرين: فلو اصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم» (7).


1- الصافى فى التفسير القرآن: ج 1، ص 46 والوافى: ج 9، القسم الثالث من الجزء الخامس: ص 1779.
2- شرح الوافية فى علم الاصول نقلا عن فصل الخطاب: ص 120.
3- كشف الغطاء: ص 274.
4- البيان: ص 223.
5- الميزان فى تفسير القرآن: ج 12، ص 116.
6- فصل الخطاب: ص 97.
7- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.

ص: 71

وقال ابن اشته:

«كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ» (1).

وقال ابن عبد البرّ بسنده عن محمّد بن سيرين أنّه قال:

«فبلغني أنّه كتب على تنزيله ولو اصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم» (2).

وقال ابن جزي:

«فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد» (3).

وأخيراً قال السيوطي:

«جمهور العلماء اتفقوا على أنّ ترتيب السُّور كان باجتهاد الصحابة، وأنّ ابن فارس استدلّ لذلك بأنّ منهم من رتّبها على النزول وهو مصحف علي [عليه السلام] كان أوله إقرأ ثم نون ثم المزّمّل هكذا ذكر السور إلى آخر المكي ثمّ المدني» (4).

فنلاحظ أنّ مضامين هذه الرّوايات تتحد مع روايات الشيعة في الدلالة على أنّ مصحف الإمام علي عليه السلام علاوة على أنّ سوره وآياته مرتبة كما أنزله الوحي، فإنه يشتمل على حقائق كثيرة من تبيين وتفسير للآيات الشريفة، فما قاله «ابن سيرين» فيه: «كتبه على تنزيله» مع التنبه إلى أنّ اصطلاح «التنزيل» عند القدماء؛ كان بهذا المعنى، فذلك المصحف يشتمل على حقائق شرح وتفسير مراد اللَّه عزّ وجلّ، وفيه كنز عظيم من العلم وهذا ما أكَّدته الرّوايات كقوله: «لو أُصيب


1- نقلًا عن الاتقان:، ج 1، ص 58.
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: القسم الثالث، ص 974.
3- نقلًا عن علوم القرآن عند المفسرين: ج 1، ص 351.
4- الاتقان: ج 1، ص 66.

ص: 72

ذلك الكتاب لكان فيه علم» طبعاً إذا تنبهنا إلى الشخصية العظيمة للامام علي عليه السلام الذي لم يصل أحد إلى ما وصله غير النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ومكانته من القرآن- فيما لو دققنا في مفاد حديث الثقلين وغيره (1)- فسنقطع بأنّ أمر تدوين القرآن الكريم وترتيبه لم يعرف علمه عند غير علي عليه السلام. يقول عبد الكريم الشهرستاني:

«ومن المعلوم أنّ الذين تولّوا جمع القرآن كيف خاضوا فيه ولم يراجعوا أهل البيت عليهم السلام في حرف بعد اتفاقهم على أن القرآن مخصوص بهم وانهم أحد الثقلين في قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي، وفي رواية، أهل بيتي إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا وإنّهما لن يفترقا» (2).

وسنتعرض في المقام الثاني لتفصيل الكلام في مصحف الإمام علي عليه السلام.

الطائفة الثانية: الأحاديث التي جاء فيها لفظ «التّحريف»

يتبين من مضامين الرّوايات والقرائن والشواهد التي فيها أنَّ لفظة «التّحريف» في نوع تلك الرّوايات بمعنيين: أحدهما حمل الآيات على غير معانيها وهو التّحريف المعنوي، والآخر بمعنى اختلاف القراءات، وواضح أن التّحريف بهذين المعنيين بعيد عن محلّ النزاع الذي هو التّحريف بمعنى وجود النقص أو الزيادة في القرآن.

فمن القسم الأوّل ما عن كامل الزيارات عن عبد الأعلى. قال:


1- كقول الإمام علي عليه السلام: «كانت لي منزلة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم لم تكن لأحد من الخلائق ...» خصائص أمير المؤمنين للحافظ أحمد بن شعيب النسائي: ص 162 وقد أخرج الحديث جمع كثير من الحفاظ والعلماء انظر: التعليق على كتاب الخصائص: ص 159- 164 وسنذكر بعض أدلة أُخَرَ في المقام الثاني.
2- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 125.

ص: 73

«قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: أصحاب العربية يحرفون كلام اللَّه عزّ وجلّ عن مواضعه» (1).

قال السيد الخوئي في شأن هذه الرواية:

«إنّ الظاهر من الرواية تفسير التّحريف باختلاف القرّاء، وإعمال اجتهاداتهم في القراءات. ومرجع ذلك إلى الاختلاف في كيفية القراءة مع التحفظ على جوهر القرآن وأصله ... فهذه الرواية لا مساس لها بمسألة التّحريف بالمعنى المتنازع فيه» (2).

ومن القسم الثاني على سبيل المثال:

ما عن الكليني والصدوق باسنادهما عن عليّ بن سويد. قال:

«كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام وهو في الحبس كتاباً إلى أن ذكر جوابه عليه السلام بتمامه وفيه قوله عليه السلام: اؤتمنوا على كتاب اللَّه فحرّفوه وبدّلوه» (3).

وعن ابن شهر آشوب باسناده عن عبد اللَّه في خطبة أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وفيها:

«إنّما أنتم من طواغيت الأمّة، وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب، ونفثة الكتاب، وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب» (4).

قال السيد الخوئي في شأن هذه الرّوايات أيضاً:

«فهي ظاهرة في الدلالة على أنَّ المراد بالتحريف حمل الآيات على


1- نقلًا عن البيان في تفسير القرآن: ص 228.
2- البيان في تفسير القرآن: ص 229.
3- خصال الصدوق: باب الثلاثة، ص 174.
4- مناقب آل أبي طالب: ج 4، ص 119.

ص: 74

غير معانيها الذي يلازم انكار فضل أهل البيت- عليهم السلام- ونصب العداوة لهم وقتالهم. ويشهد لذلك صريحاً نسبة التّحريف إلى مقاتلي أبي عبد اللَّه- عليه السلام- في الخطبة المتقدمة ورواية الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام حيث قال عليه السلام:

«وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده» (1).

وقال الاستاذ الشيخ محمّد هادي معرفة:

«إنّ التّحريف في اللغة وفي مصطلح الشرع «في الكتاب والسنة» يراد به التّحريف المعنوي، أي تفسيره بغير الوجه المعبّر عنه بالتأويل الباطل وهو المراد في هذه الرّوايات ... ويشهد لذلك ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في تقسيم القارئين للقرآن:

«ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده ...»

فجاء استعمال التضييع موضع التّحريف وتضييع حدود القرآن هو تركها وعدم العمل وفقها، كما كان المراد من تحريفها: عدم وضعها في مواضعها، لأنّه مأخوذ من الحرف بمعنى الجانب ...» (2).

وقد استنبط هذا المعنى من تلك الرّوايات أيضاً العلّامة الشيخ محمّد جواد


1- البيان في تفسير القرآن: ص 229، إنّ ما قاله السيد الخوئي: «يشهد لذلك صريحاً نسبة التّحريف إلى مقاتلي أبي عبد اللَّه ...» يعنى أنّ أبا عبد اللَّه عليه السلام استشهد في سنة 61 ه. وفي ذلك الزمان انتشر القرآن في أرجاء العالم فكيف يمكن أن يكون مقاتلوه انقصوا من القرآن أو زادوا فيه؟ بل إنهم خالفوا قول القرآن بوجوب مودة ذوي القربى وغيره وقتلوه صبراً وهذا تحريف كتاب اللَّه بعينه لكنه تحريف معنوي لا لفظيٌّ».
2- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 259.

ص: 75

البلاغي (1) والشيخ عبد الحسين الأميني (2) والسيد محمّد هادي الميلاني (3). ولمزيد من التفصيل حول مفاد تلك الرّوايات ورفع الشبهات الدائرة حولها راجع كتاب «صيانة القرآن عن التّحريف» (4).

الطائفة الثالثة: قراءات منسوبة إلى بعض الأئمة عليهم السلام:

فمن تلك الرّوايات التي دلّت على قراءات منسوبة هي:

1- ما روى شيخ الطائفة في «التهذيب» عن الشيخ المفيد باسناده عن غالب بن الهذيل، قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى «وامسحوا بِرُؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين» (5)

على الخفض هي أم على النصب؟ قال: بل هي على الخفض (6).

2- ما روى الكليني من طريق علي بن إبراهيم باسناده عن حريز، أن الإمام الصّادق عليه السلام قرأ: «فليس عليهنَّ جناح أن يضعن- من- ثيابهن» (7)

بزيادة «من» (8).

3- وروى باسناده عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قرأ قوله


1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج 1، ص 26.
2- الغدير: ج 3، ص 101.
3- نقلًا عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 32.
4- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 259 وما بعدها.
5- سورة المائدة 5: الآية 6.
6- تهذيب الأحكام: ج 1، ص 71.
7- سورة النور 24: الآية 60.
8- الكافي: ج 8، ص 200 الرقم 241.

ص: 76

تعالى: «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق» (1)

قرأها: «يُنْطَق» (مبنياً للمفعول من باب الافعال. والقراءة المشهورة: «ينطق ثلاثياً مبنيّاً للفاعل»)

قال عليه السلام في توجيه هذه القراءة:

«ان الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم هو الناطق بالكتاب ... قال: هكذا واللَّه نزل به جبرائيل على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ولكنّه ممّا حرّف من كتاب اللَّه.» (2)

وروايات اختلاف القراءة التي جاءت في «الكافي» ربّما تنوف على الخمسين اقتصرنا على نماذج منها خوف الاطالة.

هذه القراءات المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام طريقها آحاد وهي قد تخالف الجمهور وقد تكون موافقة لبعض القراءات المعتبرة (3) أو الشاذة في مصطلحهم، وهي ليست بحجّة؛ أولًا: لأنّ القرآن انما يثبت بالتواتر لا بالآحاد، وثانياً: إنّ الاختلاف في القراءة ليس دليلًا على الاختلاف في نصّ الوحي، لأنَّ القرآن شي ء والقراءات شي ء آخر فلا يصلح ذلك مستمسكاً للقول بالتحريف.

ويقول الشيخ المفيد في «المسائل السروية»:

«فان قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفتين هو كلام اللَّه تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان، وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام انهم قرأوا «كنتم خير أئمة اخرجت للناس» «وكذلك جعلناكم أئمة وسطاً» وقرأوا «يسألونك الأنفال» وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس.

قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو أنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على اللَّه تعالى بصحتها، فلذلك وقفنا فيها ولم


1- سورة الجاثية 45/ 29.
2- الكافي: ج 8، ص 50 الرقم 11.
3- كقراءة «ارجلكم» بالخفض، فقد قرأ بالخفض ثلاثة من القراء السبعة وهم: ابن كثير وأبو عمرووحمزةوعاصم أيضاً برواية شعبة فقد نصّ عليه شيخ الطائفة في التهذيب: ج 1، ص 72.

ص: 77

نعدل عما في المصحف الظاهر على ما امرنا به حسب ما بينّاه، مع انه لا ينكر ان تأتي القراءة على وجهين منزلين احدهما ما تضمّنه المصحف والآخر ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتّى ...» (1).

ولم يحمل أحد من علماء الإمامية تلك الرّوايات على التّحريف بمعنى التغيير في نصِّ الوحي سوى المحدِّث النوري الذي جاء بهذه الرّوايات دليلًا- حسب زعمه- على ورود التّحريف في القرآن (2). والحال أنَّ مفاد تلك الرّوايات لا علاقة له بمسألة التّحريف كما هو معلوم.

الطائفة الرابعة: روايات الفساطيط

هي روايات وردت بشأن فساطيط تضرب ظهر الكوفة، ايام ظهور الحجة المنتظر عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف لتعليم الناس قراءة القرآن وفق ما جمعه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه خلاف الترتيب المعهود، نذكر جملة منها:

1- روى الشيخ المفيد رواية مرسلة عن جابر الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

«إذا قام قائم آل محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن، على ما أنزل اللَّه. فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه يخالف فيه التأليف» (3).

2- روى الكليني بإسناده إلى سالم بن مسلمة قال:


1- المسائل السروية: المسألة التاسعة، ص 78.
2- فصل الخطاب: ص 280.
3- الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: ج 2، ص 386.

ص: 78

«قرأ رجل على أبي عبد اللَّه عليه السلام وأنا استمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس، فقال عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فاذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب اللَّه عزّ وجلّ على حدِّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام.» (1)

وبهذا المعنى وردت روايات اخرى (2).

ان مفاد هذه المجموعة من الرّوايات له ارتباط وثيق بالروايات الواردة في مصحف الإمام علي عليه السلام، وقد سردنا عليك آراء علماء الإمامية فيه، وسيأتي أيضاً البحث عن ذلك المصحف بنظر الفريقين، وسوف نلاحظ من خلال تلك الرّوايات انّ مصحف الإمام علي عليه السلام لا يختلف بجوهره عن نصوص آيات القرآن وانما هو موضح ومفسّر لها، كما يقول الاستاذ الشيخ معرفة بعد ذكر مجموعة من تلك الرّوايات:

«هذه الرّوايات ان دلت على شئٍ فانما تدل على اختلاف ما بين مصحفه عليه السلام والمصحف الحاضر أما ان هذا الاختلاف يعود في نصّه أم في نظمه أم في أمر آخر، فهذا مما لا تصريح به في تلكم الأحاديث سوى الحديث الذي هو صريح في وجه الاختلاف، وانه ليس في سوى النظم والتأليف لا شي ء غيره، فهو خير شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الرّوايات ... وقد ألِفَ الجمهور هذا النسج الحاضر، واعتادوا عليه خلفاً عن سلف طيلة عشرات القرون، فيصعب عليهم التعوّد على خلافه كما أشار إليه


1- الكافي: ج 2، ص 631 رقم 15.
2- راجع الكافي: ج 2، ص 619 رقم 2 وج 2، ص 633 رقم 23 والبحار: ج 52، ص 339 رقم 85 وص 364 رقم 139 و 140 و 141 وغيرها.

ص: 79

الحديث وصحّ قوله عليه السلام في حديث آخر: «قرأ كتاب اللَّه على حدّه» أي على نسجه الأوّل الاصيل وفق ما انزل اللَّه تماماً من غير تحوير، وعدم فوت شي ء من خصوصيات النزول، زماناً ومكاناً ومورداً وغير ذلك من الوجوه التي يتضمنها مصحف أمير المؤمنين عليه السلام. ومما يدل على أن القرآن الذي يأتي به صاحب الأمر ليست فيه زيادة على هذا الموجود، ما رواه العياشي باسناده عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» (1)

أي أنّ هذا الموجود بأيدينا فيه آيات صريحة في قيامه وظهوره وبسطه العدل في الأرض، اذ لو كان ما دلّ على صدقه هي زيادات فيما لديه «عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف» ممّا لم يعهدها المسلمون من ذي قبل لكان ذلك من الدور الباطل، اذ لا يعرف الشي ء من قبل نفسه ...» (2).

الطائفة الخامسة: ذكر بعض أسماء الأئمة- عليهم السلام- في القرآن

ومن الروايات التي دلّت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكر فيها أسماء الأئمة- عليهم السلام- هي:

1- ما عن الكافي باسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال:

«ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف الأَنبياء، ولن يبعث اللَّه رسولًا الّا بنبوّة محمّد وولاية وصيّه، صلى اللَّه عليهما وآلهما» (3).

ومضمون هذا الحديث ورد في كتب أهل السنّة أيضاً:


1- تفسير العياشي: ج 1، ص 13، رقم 6.
2- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 269 وما بعدها.
3- الكافي: ج 1، ص 437، الرقم 6.

ص: 80

كما رواه الحاكم الحسكاني بسنده عن عبد اللَّه بن مسعود، قال ابن مسعود:

«قال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم: يا عبد اللَّه أتاني الملك فقال: يا محمّد

«واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا»

على ما بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب» (1).

ورواه أيضاً الحاكم أبو عبد اللَّه النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين في كتابه «معرفة علوم الحديث» (2).

وهكذا رواه عنه ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ مدينة دمشق (3).

ورواه الخوارزمي في مناقب «أمير المؤمنين» (4).

والثعلبي في تفسير الآية الكريمة من تفسيره (5).

ومنها:

2- رواية العياشي باسناده عن الصادق عليه السلام:

«لو قرئ القرآن- كما أنزل- لألفيتنا فيه مسمّين» (6).

3- ورواية الكافي وتفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام وكنز الفوائد بأسانيد عديدة عن ابن عباس وتفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بأسانيد متعددة أيضاً عن الأصبغ بن نباتة، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: القرآن نزل على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم


1- شواهد التنزيل: ج 2، ص 222.
2- معرفة علوم الحديث: آخر النوع 24: ص 96.
3- ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق: ج 2، ص 97، الرقم 602.
4- مناقب الخوارزمي: الفصل 19، ص 221.
5- الكشف والبيان المخطوط: ج 4، الورقة 335، والمطبوع: ج 8، ص 338.
6- كتاب التفسير تفسير العياشي: ج 1، ص 13، رقم 4.

ص: 81

القرآن» (1).

وممّن روى هذا الحديث من أهل السنّة:

ابن المغازلي الشافعي بسنده عن ابن عباس عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله:

«... فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله

[لاصحابه

] مم تعجبون، إن القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، واللَّه أنزل في عليّ كرائم القرآن» (2).

والقندوزي الحنفي في «ينابيع المودة» (3).

وفي «حبيب السير» لغياث الدين بن همّام (ت 930 ه.): قال: «روى الحافظ أبو بكر بن أحمد بن موسى بن مردويه بسنده عن علي كرم اللَّه وجهه مثله» (4).

والحاكم الحسكاني الحنفي في «شواهد التنزيل» (5).

وهذه الرّوايات لا تدلّ أبداً على التّحريف في ألفاظ القرآن ولكنّها مع التنبّه الى المفاهيم المتقدمة وهي: «التنزيل» و «الإقراء» و «التأويل» وكذا بالنظر إلى سبب النزول والجري والتطبيق ومعرفة مصداق الآيات مع التنبّه الى كلّ ذلك، يتضح ان الإمام حينما يقول: «فيه مُسمَّيْن» أو «ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة» أو «ربع فينا ...» فلا يريد التسمية بهذا الاسم، بل بذكر السمات والنعوت الدالة على فضيلة


1- الكافي: ج 2، ص 627 وكتاب التفسير: ج 1، ص 19.
2- مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي [وهو أبو الحسن علي بن محمّد الشافعي الشهير بابن المغازلي ت 483 ه. ق.]: ص 328، ح 375 وأخرج الحديث الحافظ أبو نعيم الاصبهاني في «ما نزل من القرآن في علي» على ما ذكره السيد أحمد بن طاووس في كتابه «بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية» وقال: روى أيضاً أبو الفرج الاصبهاني الاموي ت 356 ه. ق. في كتابه «ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام».
3- ينابيع المودة: ص 126، ط. اسلامبول وص 148 ط. الحيدرية في النجف.
4- حبيب السير: ج 2، ص 13.
5- شواهد التنزيل: ج 1، ص 44 و 45 و 47.

ص: 82

الاختصاص بحيث لا يبقى عليه غبار عند ذي حجى.

ويدل على ذلك ما رواه الكليني باسناده عن أبي بصير قال:

«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله تعالى: «أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم» (1)

قال: نزلت في علي والحسن والحسين، قلت: ان الناس يقولون: فما باله لم يسمّ علياً وأهل بيته في كتاب اللَّه! قال عليه السلام: فقولوا لهم: ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ له ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله الذي فسّر لهم ذلك» (2).

قال السيد الخوئي رحمه اللَّه تعقيباً على ذلك:

«هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الرّوايات وموضّحة للمراد منها: أي ان ذكرهم عليهم السلام في الكتاب انما كان بالنعوت والاوصاف، لا بالتسمية المتعارفة» (3).

وأخيراً قال الإمام الخميني رحمه اللَّه في ردّ من تمسك بهذه الرّوايات لإثبات التّحريف اللفظي للقرآن، ما ملخّصه:

«لو كان الأمر كذلك أي كون الكتاب الالهي مشحوناً بذكر أهل البيت وفضلهم وذكر أمير المؤمنين واثبات وصايته وامامته بالتسمية، فلم لم يحتجّ بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين


1- سورة النساء 3: الآية 59.
2- الكافي: ج 1، ص 286. ومن الواضح ان الإمام عليه السلام بذكره مثالًا في جواب الراوي من باب الجدال بالّتي هي احسن وإلّا فلو كان الإمام في مقام بيان حكمة عدم ذكر الإمام علي وأهل بيته عليهم السلام في القرآن، لاتخذ جوابه شكلًا آخر.
3- البيان في تفسير القرآن: ص 231.

ص: 83

القاطعة من الكتاب الالهي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وسائر الأصحاب الذين كانوا لا يزالون يحتجّون على خلافته عليه السلام.

ولِم تشبّث عليه السلام بالاحاديث النبوية والقرآن بين اظهرهم ...» (1).

وعلى أي حال فلو لاحظنا الرّوايات التفسيرية عند الفريقين بشكل جيد لَاتضح لنا انّ نزول كثير من الآيات وتأويلها إنّما هو في عترة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وبالأخص أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه النكتة ليست بخافية على أهل التحقيق. فعلى سبيل المثال:

أخرج ابن عساكر عن ابن عباس؛ قال:

«ما نزل في احد من كتاب اللَّه تعالى ما نزل في علي» (2).

وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:

«ما أنزل اللَّه يا أيّها الذين آمنوا إلّاوعليّ أميرها وشريفها ولقد عاتب اللَّه أصحاب محمّد في غير مكان وما ذكر عليّاً إلّابخير» (3).

وروايات أخرى سيأتي ذكر شطر منها. ويكفي أن نستمع إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وهو يقول:


1- انوار الهداية: ص 243- 247.
2- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق: ج 2، ص 428، رواه ابن عساكر بطرق خمسة عن ابن عباس بالرقم 935- 940.
3- المعجم الكبير: ج 11، الرقم 11687 وأيضاً: الفضائل لأحمد من زيادة القطيعي: الرقم 236، ومناقب الإمام أمير المؤمنين لاحمد بن سليمان من أعلام القرن الثالث: ج 1، الرقم 67 و 81 وشواهد التنزيل: ج 1، ص 53 وحلية الاولياء: ج 1، ص 64 والمناقب للخوارزمي: ص 179 وغيرها.

ص: 84

«إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» (1).

ليتضّح لنا جلياً أنّ وقوف بعض الناس صفاً لمواجهة أمير المؤمنين عليه السلام يعتبر تأويلًا لبعض الآيات. والإمام علي عليه السلام نفسه وجيشه أيضاً نوع آخر من تأويل القرآن، وهذا يؤيد ما رووا من «ان ربع القرآن في اعداء الأئمة عليهم السلام» لأنّ العدوّ لأحدهم عدوّ لجميعهم.

الطائفة السادسة: التّحريف بالنقيصة:

توجد في كتب الشيعة روايات دلّت على تحريف القرآن بالنقيصة، وهي أقسام:

فقسم منها يدلّ بصراحة على أنّه شرح وتفسير للآية كما روى الكليني باسناد رفعه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قرأ: «وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل» (2)

وعقبّها بقوله: «بظلمه وسوء سريرته» (3).

فانه عليه السلام يفسّر كيفية الاهلاك بأنه بسوء سريرته وظلمه لا بعامل آخر.

ومثله ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام في قوله تعالى:


1- خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: لاحمد بن شعيب النسائي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: «كنّا جلوساً ننتظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله، فرمى بها إلى علي فقال: «ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» فقال أبو بكر: أنا؟ قال: «لا» قال عمر: أنا؟ قال: «لا». ولكن صاحب النعل»: ص 217، الرقم 156. قال محقق الكتاب: واخرجه ابن أبي شيبه في المصنف 12: 64 وأحمد في المسند 3: 31، 33، 82 والقطيعي في زوائد الفضائل 107 وأبو نعيم في الحلية 1: 67 وابن المؤيد الجويني في فرائد السمطين 1: 159، 160، 161، 280 وابن عساكر 12: 180 و ... ثم شرع في وهم ابن الجوزي الذي أدخل هذا الحديث في العلل المتناهية وتعقب الذهبي في تلخيص العلل المتناهية 18 ق. في خطأ ابن الجوزي وبيان وجه الصحيح ... «خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص 167».
2- سورة البقرة 2: الآية 205.
3- الكافي: ج 8، ص 289، برقم 435.

ص: 85

«وإن تَلووا أو تُعرِضوا» قال: وإن تلووا الأمر وتُعرِضوا عمّا امرتم به «فإنّ اللَّه كان بما تعملون خبيراً» (1).

وقسم منها قد ورد فيها ألفاظ «التنزيل» و «التأويل» وغيرهما.

كما روى الكليني باسناده إلى محمّد بن خالد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قرأ: «وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها- بمحمد» قال: هكذا واللَّه نزل بها جبرائيل على محمّد عليهما السلام (2).

وأيضاً ما رواه عن الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: «فأبى أكثرُ الناسِ» (3)

قال: بولاية علي ثم تلا «إلّاكُفوراً» ثم قال عليه السلام: هكذا نزل جبرائيل بهذه الآية (4).

وما رواه بسنده عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال تعالى بشأن علي عليه السلام: «أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون- ان محمّداً رسول اللَّه- والذين لايعلمون- ان محمّداً رسول اللَّه وانه ساحر كذّاب- انما يتذكر اولوا الالباب» ثم قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: هذا تأويل يا عمّار (5)».

فهذه الأحاديث وامثالها لا دلالة فيها على ان هذه الزيادات كانت من القرآن وقد اسقطت بالتحريف بل الصحيح ان تلك الزيادات جاءت بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من اللَّه شرحاً للمراد ولا يلزم كلّ ما نزل من اللَّه ان يكون من الوحي القرآني وقد مضى تحقيقه فراجع.


1- نفس المصدر: ج 1، ص 421، الرقم 45 والآية 135 من سورة النساء 4.
2- نفس المصدر: ج 8، ص 183، رقم 208.
3- الإسراء 17: الآية 89.
4- الكافي: ج 1، ص 425، رقم 64.
5- نفس المصدر: ج 8، ص 204- 205 رقم 246 والآية 9 من سورة الزمر 39.

ص: 86

وقد حملها السيّد علي بن طاووس (ت 664 ه.) على التأويل أيضاً قال:

روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب باسناده إلى جابر بن عبد اللَّه الانصاري قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله بمنى- وقد ذكر حديثاً طويلًا- إلى ان قال: ثم نزل: «فاستمسك بالذي اوحي إليك في امر علي انك على صراط مستقيم وان عليّاً لعلم الساعة وذكر لك ولقومك وسوف تسألون عن علي بن أبي طالب».

ثم قال ابن طاووس:

«كان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بعضه قرآن وبعضه تأويل» (1).

وقسم منها لبيان أبرز المصاديق وأكملها:

كالرواية التي رواها الكليني باسناد مقطوع، قرأ رجل عند أبي عبد اللَّه عليه السلام: «وقل اعملوا فسيرى اللّهُ عملكم ورسوله والمؤمنون» (2)

فقال:

«ليس هكذا هي، إنّما هي: والمأمونون، فنحن المأمونون» (3).

فقوله: «ليس هكذا هي»- على فرض صدور الرّواية- أي لا يذهب وهمك إلى إرادة عموم المؤمنين وإنما هم المؤمنون الكاملون المراد بهم المسؤولون خاصة.

قال المجلسي رحمه اللَّه تعالى- في الشرح-:

«أي ليس المراد بالمؤمنين هنا ما يقابل الكافر ليشمل كلّ مؤمن، بل المراد بهم الكمّل من المؤمنين وهم المأمونون عن الخطأ المعصومون


1- نقلًا عن مرآة العقول: ج 5، ص 58.
2- التوبة 9: الآية 40.
3- الكافي: ج 1، ص 424 الرقم 62.

ص: 87

عن الزلل وهم الأئمة عليهم السلام» (1).

وقسم منها وردت في مقام تحديد الآيات القرآنية:

كما رواه الكليني باسناده عن هشام بن سالم (أو هارون بن مسلم- كما في بعض النسخ) عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال:

«إن القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى اللَّه عليه وآله سبعة عشر ألف آية» (2).

جاءت الرواية في بعض نسخ الكافي سبعة الاف (3) وتكون الرواية حينئدٍ في مقام بيان الكثرة والتقريب لا تحقيق العدد لأنّ عدد آي القرآن بين الستة والسبعة آلاف (4).

وأرى أنّه لا يمكن إطلاقاً الالتزام بمفاد هذا الحديث- القائل بأنّ في القرآن سبعة عشر ألف آية- والذي يقتضي وقوع التّحريف في القرآن بالنقيصة، والدليل على ذلك أنّ طريقة الأئمة الطاهرين عليهم السلام مشهودة للجميع، فإنّهم لا يتكلمون عن أمر عظيم- وهو تحريف القرآن- بشكل مبهم بدون ذكر دليله وبيان


1- مرآة العقول: ج 5، ص 79.
2- الكافي: ج 2، ص 634، رقم 28.
3- من جملة نسخ الكافي نسخة عند المرحوم المحدث الفيض الكاشاني، والتي كتب الوافي بموجبها شرحاًللكافي، فقد أخرج المحدث المذكور ذاك الحديث هكذا: «ان القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم سبعة آلاف آية» الوافي: ج 1، ص 274 وأيضاً رواه في هامش تفسيره المسمى «بتفسير الصافي» عن الكافي بلفظ «سبعة آلاف» الصافي: ج 1، ص 49. ويرى العلماء الكبار أن نسخ الكافي التي عند الفيض الكاشاني هي أصح وأكثر اتقاناً من غيرها. راجع مقدمة الوافي بقلم العلامة أبي الحسن الشعراني: ج 1، ص 2.
4- وقد جزم العلامة أبو الحسن الشعراني في تعليقه على شرح الكافي للمولى صالح المازندراني بان لفظة «عشر» من زيادة النساخ أو الرواة والأصل هي سبعة آلاف عدداً تقريبياً ينطبق مع الواقع نوعاً ما ... انظر: شرح جامع: ج 11، ص 76.

ص: 88

أحد مصاديقه في الاقل، وإلّا لأوقعونا في حيرة كبيرة.

ونحن نتحداكم ان تأتوا برواية من أيّ مصدر من مصادر الشيعة المعتبرة وغير المعتبرة تثبت أنّ القرآن الموجود قد حذفت منه آية بتمامها- سوى بضع روايات تسربت من كتب أهل السنة في بعض مصادر الشيعة- حتى يكون ذلك مصداقاً لحذف ما يقارب ثلثي القرآن، بل انّ كلّ روايات هذا الباب، كما لاحظنا في الطوائف المختلفة من الرّوايات، إن دلّت على شي ء فإنّما تدلّ على حذف كلمات أو حروف من الآية، لا حذف آية أو آيات بتمامها، وتلك الرّوايات أيضاً مع التنبّه إلى أدلّة صيانة القرآن عن التّحريف، والشواهد والقرائن الداخلية والخارجية تعتبر من جنس المصداق، أو بيان سبب النزول أو التأويل أو التنزيل (أي شرح المراد) أو القراءات وغير ذلك.

ثم كيف يمكن الاعتماد على خبر الواحد في اثبات نقص اكثر من عشرة آلاف آية من القرآن الكريم بدون اثبات ولو مصداقٍ واحد من هذا النقص (1)، وعدم وجود مصداق واحد من هذا النقص خير شاهدٍ على أن نحكم بوضع هذا الخبر أو خطأ الراوي. وعلى فرض صحة صدوره وعدم خطأ الراوي فإنّ الإمام الصادق عليه السلام في مقام تحديد كل ما نزل من اللَّه من الوحي القرآني وغير القرآني، وهذا ما احتمله أيضاً الشيخ أبو جعفر الصدوق، إذ قال في رسالة «الاعتقادات»:

«اعتقادنا أن القرآن الذي انزله اللَّه تعالى على نبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس وليس بأكثر


1- يمكن القول بأن آيات سورة «الولاية» المزعومة يمكن أن تكون مصداقاً لتلك الآيات المحذوفة، وسيأتي بحث ذلك مفصلًا في المقام الثاني وأنّ هذه السورة لم ترد في أيٍّ من المصادر الشيعية- المعتبرة وغير المعتبرة- وأول من افترى على الشيعة ونسب ذلك إلى مصادرهم هو الآلوسي صاحب تفسير «روح المعاني».

ص: 89

من ذلك ... ومن نسب إلينا أنّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب ...

بل نقول انه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية وذلك مثل قول جبرائيل للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: ان اللَّه تعالى يقول لك يا محمّد، دارِ خلقي و ... ومثل ذلك كثير، كله وحي ليس بقرآن ولو كان قرآناً لكان مقروناً به موصلًا إليه غير مفصول عنه ...» (1).

ومن هنا نقول: كان بعض أهل السنّة ابتدع نظرية «نسخ التلاوة» لتوجيه رواياتهم، لأنّ رواياتهم في هذا المجال تتفاوت جوهرياً مع روايات الشيعة، فروايات أهل السنة فيها- وبشكل صريح- آيات مزعومة، تقول بأنّها كانت آيات قرآنية ولكن نسيت بعد ذلك أو نسخت!! بينما روايات الشيعة- وكما رأيت- تتحدث فقط عن حذف كلمات وحروف، وعلى فرض صدورها فبعضها قابلة للحمل على التفسير والتأويل والمصداق والخ.

فالحاصل يعتقد المحققون من الإمامية أنّنا لو تأملنا نصوص تلك الروايات، لتبيّن بشكل جيد أنّ أكثرها وردت في المجالات الآتية: التفسير، ذكر المصداق، بيان سبب النزول، الوحي غير القرآني (الأحاديث القدسية)، القراءات القرآنية الواردة، التحريف المعنوي (لا اللفظي الذي هو محل النزاع) والخ. ولو لم تكن تلك الروايات- بعد الفراغ عن صحة سندها- صالحة لحملها على المعاني المتقدمة، فهي ساقطة لا محالة، لمخالفتها للنصوص القرآنية الصريحة، والأدلّة الروائية، والأدلّة العقلية، والشواهد التاريخية، التي كلّها تدلّ على سلامة القرآن من التحريف، هذا، وإنّ الاضطراب في نصوص الروايات وعدم تجانسها مع عذوبة كلام اللَّه وفخامته، خير شاهد على كونها غريبة عن الوحي القرآني.


1- الاعتقادات: ص 84.

ص: 90

نعم يحتمل أنّ الروايات الساقطة وجيهة في أصل صدورها ولها محامل مقبولة، لكن يحتمل أنّ الراوي قد غيّر فيها سهواً أو عمداً بحيث يجعل حملها على المحامل الصحيحة صعباً؛ فمثلًا حينما قال الإمام نزلت هذه الآية في كذا أي شأن نزولها أو تفسيرها كذا، حذف الراوي كلمة «في» وقال نزلت الآية كذا.

هذا، والمعصومون عليهم السلام قد حدّدوا المعيار ووضعوا الميزان كي نقيس به صحيح الروايات من سقيمها، وهو عرضها على كتاب اللَّه، وطرح ما خالف الكتاب منها؛ وهذا المعيار منقول لنا بشكل متواتر، الأمر الذي يتفرد به الشيعة، ويجعلهم بحمد اللَّه مستغنين عن أيّ توجيه للرواية المخالفة للكتاب (1)، بخلاف بعض أهل السنة الذين اعتبروا المعيار المتقدم من وضع الزنادقة- كما رأيتم-، وهو مما يوجب انهم يلجأون إلى النظرية المزعومة «نسخ التلاوة» (2) ليصونوا كتبهم من الصحاح والسنن وغيرهما التي ذكر فيها تلك الروايات، أضف إلى ذلك كلّه أنّ أكثر تلك الروايات بل كثير منها ضعيفة السند، ومن اطّلع على أسانيدها لا يشكّ في عدم حجيتها، لأنّها من جهة الطرق أخبار آحاد، وإن كان بعض العلماء يعبرون عنها بقولهم: «إنّها كثيرة أو متواترة معنى» (3) إلّاأنّهم لم يريدوا خصوص روايات التحريف بالمعنى المراد- هنا- أي التحريف بالنقيصة وتغيير كلمات القرآن- بل أرادوا بهذا القول ما يعم الاختلاف في القراءة والتحريف المعنوي- المساوق للتفسير بالرأي-، والمخالفة في تأليف الآيات من حيث التقديم والتأخير و ...

وواضح أنّ هذا المعنى من التحريف أعم من المدّعى، وهذه النكتة ستأتي إن شاء اللَّه بتفصيل أكثر مع ذكر القرائن والشواهد.


1- كما لاحظت وستلاحظ فإنّ محققي الإمامية يطرحون أمثال تلك الأحاديث عند عدم امكان حملها على المعاني المتقدمة.
2- وسيأتي البحث حول نظرية «نسخ التلاوة» مفصّلًا.
3- كالمجلسي في مرآة العقول: ج 12، ص 526.

ص: 91

ومن جهة السند أنّ أكثر تلك الروايات مرسلة أو موضوعة، ورواتها بين ضعفاء وغلاة ومجاهيل، ومع التتبع يتضح أيضاً أنّ أكثر الروايات المرسلة هي نفس الروايات المسندة بإسناد ضعيف لا غير، وهذا يعني قلّة عدد هذه الروايات في الواقع، غاية الأمر أنّها مكررة مرّة بإسناد ضعيف وأخرى بدونه.

ومن جهة المصادر أنّ أكثر مصادر تلك الروايات غير معتبرة عند الإمامية فبعض تلك المصادر لا يعلم مؤلفها وبعضها مقطوع الإسناد وسنوافيك إن شاء اللَّه في بحثنا القادم حول كتاب فصل الخطاب بالمزيد من التوضيحات حول هذه الروايات، وذلك لأنّ كتاب فصل الخطاب للمحدث النوري في الواقع مجمع كل تلك الأحاديث الواردة في هذا المضمار وقد استلّها من مصادر كثيرة شتّى.

v

v

v

ص: 92

ص: 93

الفصل الثالث: كتاب «فصل الخطاب» ونقاط مهمة

«فصل الخطاب» في سطور

اشارة

يشتمل كتاب «فصل الخطاب» لمؤلفه الميرزا حسين النوري (ت 1320 ه.) على ثلاث مقدمات وبابين، وقد تحدث النوري في المقدمة الأولى عن النصوص الواردة في جمع [تأليف] القرآن، وأن هذا الجمع مخالف لتأليف مصحف الإمام عليّ، كما تحدّث في المقدمة الثانية عن أنواع التغيير في القرآن سواء في ذلك الممكن تحققه أو الممتنع كذلك، أما المقدمة الثالثة فذكر الميرزا النوري فيها جملة من أقوال علماء الشيعة الواردة حول مسألة تغيير القرآن وعدمه.

وعقيب المقدمات الثلاث خصص النوري الباب الأول من كتابه لعرض الأدلّة المزعومة- وهي اثنا عشر دليلًا- لإثبات ما توهمه من وقوع التغيير والنقصان في القرآن الكريم، فيما ركز في الباب الثاني جهوده على مناقشة أدلة القائلين بسلامة القرآن عن التحريف بعد ذكرها دليلًا دليلًا.

وقد أورد المحدث النوري في كتابه هذا نصوصاً عديدة من كتب الفريقين الشيعة

ص: 94

والسنة وذكر جملة من الروايات المشتركة، كروايات تشابه الأمم، ومصحف الإمام عليّ وغيرهما، وسجّل في هذا الكتاب نصوصاً اختصت بها مصادر أهل السنة كمصحف ابن مسعود، ومصحف أبي بن كعب، والنصوص المتعلقة بكيفية جمع القرآن بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، ونظرية نسخ التلاوة، وجمع عثمان، واختلاف القراء السبعة أو العشرة، والأخبار الدالة- وفق ظاهرها- على وقوع التحريف ... كما تعرض من جهة أخرى لمجموعة من النصوص التي اختصت بها من ناحية أخرى مصادر الشيعة من قبيل النصوص التي تذكر أسماء أوصياء خاتم النبيين في الكتب السالفة، والأخبار الدالة على وقوع النقصان والتبديل في القرآن إما بعمومها أو بدلالة نصية صريحة فيها تحدد الموضع الذي وقع فيه التحريف في القرآن الكريم.

وقد انتخب النوري في كتابه طريقاً لم يسلكه غيره من العلماء، ولذلك لما رأى انفراده بهذه المزعومات قال:

«فالمتبع هو الدليل وإن لم يذهب إليه إلّاالقليل ... ولا يجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهبين إليه، والعاثر عليه، بل ينبغي أن لا يوحش منه ...» (1).

بيد أن هذا الكلام منه قابل للمناقشة فكتابه محشو بالروايات الضعيفة وبتلك المصادر التي لا إسناد لها في الغالب، ومن ثمّ فلا معنى لقوله «فالمتبع هو الدليل».

نعم، إذا بنينا على اتباع الدليل الواقعي فالواجب علينا اتباع أدلة القائلين بعدم وقوع التحريف في القرآن؛ أي تلك الأدلة التي ذكرها المحدث النوري نفسه أيضاً في الباب الثاني من كتابه ووقف عاجزاً عن الإجابة عنها لقوتها ومتانتها، وكل ما قاله في نقد هذه الأدلة المتينة ليس له قيمة علمية، بل إنّ كلامه يناقض بعضه بعضاً كما سيأتي توضيحه إن شاء اللَّه تعالى في النقاط الآتية:


1- فصل الخطاب: ص 35.

ص: 95

النقطة الأولى: نظرة إجمالية لمزاعم المحدث النوري وأجوبتها
اشارة

سوف نسعى في هذه النقطة إلى بيان تلك المزاعم التي أثارها المحدث النوري، ونردفها بمناقشات وإجابات موجزة ومقتضبة، مهيبين بالقراء الأعزاء الراغبين بالمزيد من التفصيل والتعمّق العودة إلى الكتب العديدة المختصة بمعالجة قضية التحريف في القرآن الكريم، لا سيما تلك المعنية منها بالردّ على كتاب فصل الخطاب نفسه والتي سنشير إلى بعضها في النقطة الرابعة الآتية إن شاء اللَّه تعالى.

ففي المقدمة الأولى تحدث الميرزا النوري عن مصحف الإمام عليّ عليه السلام الذي ورثه الأئمة المعصومون عليهم السلام، وسيأتي استيفاء البحث حول هذا المصحف لدى التعرض ل «مصحف الإمام عليّ» في المقام الثاني إن شاء اللَّه تعالى.

أما المقدمة الثانية، فقد تعرض فيها المحدث النوري لأنواع التحريف وأشكاله مميزاً- وفق زعمه- بين أشكال التحريف التي تعرض لها القرآن الكريم وتلك التي كان مصوناً منها، يقول الميرزا النوري في هذا الصدد ما نصّه:

«إنّ زيادة السورة وتبديلها بأخرى أمر ممتنع، وزيادة آية على القرآن أو تبديل آية بأخرى هو أيضاً منتف بإجماع، أما زيادة كلمة في القرآن، ممكنة كزيادة «عن» في قوله تعالى: «يسألونك عن الأنفال ...». ونقصان كلمة في القرآن ككلمة «في عليّ» في كثير من الآيات وتبديل الكلمات، مثل تبديل آل محمد، بآل عمران وتبديل حرف وكنقصان «همزة» من قوله تعالى: «كنتم خير أمّة ...»» (1).

أقول: إن زيادة كلمة «عن» في قوله تعالى: «يسألونك عن الأنفال ...» قراءة واردة بإجماع الفريقين (2) وليست من التحريف في شي ء كما زعمه النوري، كما أنّها


1- فصل الخطاب: ص 23.
2- جامع البيان تفسير الطبري: ج 2، ص 176؛ التبيان: ج 5، ص 86.

ص: 96

ليست من اختلاق الروافض ولا من وحي الشيطان كما ادّعاه الدكتور القفاري (1)، وزيادة «في عليّ» أو غيره- إن صحت أسانيد النصوص التي جاءت فيها هذه القضية- إنّما هي من باب الإقراء والتفسير، وبيان النزول، أو مورده، وقد أوردنا على ذلك أدلة قويمة، كما أن الشواهد على هذا الأمر من كتب الفريقين كثيرة هي الأخرى، وسوف نفصل القول فيما سيأتي في قضية تبديل آل محمّد بآل عمران، وخير أئمة، بخير أمة، وسيرى القارئ الكريم أنّ هذه الحالات لا علاقة لها بما ادّعاه المحدث النوري على الإطلاق (2)، بل إنها ليس سوى تفسير وبيان لأتم المصاديق، فالقرآن الموجود اليوم ما بين الدفتين هو الذي أنزله اللَّه تعالى على رسولنا محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، لا يزيد عن ذلك ولا ينقص، وذلك للأدلة القطعية على سلامته من الدس والتحريف.

وأما المقدمة الثالثة، فقد عقدها النوري لذكر أقوال علماء الطائفة في تغيير القرآن وعدمه.

وقد استعرضنا حرفياً أقوال علماء الشيعة بنصوصهم حول هذا الموضوع في المقام الأول، ممّا تبيّن أن الإمامية مجمعة على القول بصيانة القرآن من التحريف والتغيير، والإشكالية التي وقع فيها المحدث النوري تكمن في نسبته القول بتحريف القرآن إلى طائفتين:

الأولى: أصحاب الكتب الروائية والتفسير بالمأثور مثل محمد بن يعقوب الكليني (3)، محمد بن إبراهيم النعماني، عليّ بن إبراهيم القمي، محمد بن مسعود


1- أصول مذهب الشيعة: ص 1011 و 1007 في الهامش رقم 2.
2- انظر: المقام الثاني، مبحث «هل انكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية».
3- سيأتي البحث تفصيلًا عن «موقف عليّ بن إبراهيم القمي ومحمد بن يعقوب الكليني عن روايات التحريف» في المقام الثاني، مبحث «شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة» وستلحظ البحث عن تفسير العياشي وتفسير فرات الكوفي و ... في النقطة الثانية بحث «مصادر وأسانيد روايات كتاب فصل الخطاب».

ص: 97

العياشي وفرات الكوفي و ...

الثانية من ذكر كلمة التحريف في عنوان كتابه كمحمد بن حسن الصيرفي فعنوان كتابه: «التحريف والتبديل» (1) وأحمد بن محمد السياري (ت 276 ه.) عنوان كتابه: «كتاب القراءات» (2) (وفي بعض الكتب سمّي بكتاب «التنزيل والتحريف») وأحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 276 ه.) عنوان كتابه: «كتاب التحريف» (3) وعلي بن حسن بن فضال (ت أواخر القرن الثالث) عنوان كتابه «كتاب التنزيل من القرآن والتحريف» (4).

لكن اسناد التحريف لكلّ من الطائفتين ليس بصحيح.

فأمّا الطائفة الأولى فإنّما كان غرضها من كتبها الروائية جمع الأحاديث فحسب، دون أن يكون لهم أدنى تعرض للبحث في دلالة الحديث ومضمونه أو علاج تعارض تلك الأحاديث مع الأحاديث الكثيرة في نفس الكتب الدّالة على سلامة القرآن من التحريف، ومن الواضح عدم اختصاص الإمامية بمثل هذه الكتب التي فيها بعض الأحاديث التي تدل بظاهرها على التحريف ولذا يقال لهذه الكتب، الكتب الروائية والتفسيرية بالمأثور.

وأمّا إسناد القول بالتحريف للطائفة الثانية فليس صحيحاً أيضاً. فإنّ المحدث النوري استفاد من عناوين هذه الكتب وذهاب أصحابها إلى القول بالتحريف لكن


1- الفهرست للطوسي: ص 183، الرقم 661.
2- رجال النجاشي: ص 80، الرقم 192.
3- نفس المصدر: ص 76، الرقم 182.
4- نفس المصدر: ص 257- 258 الرقم 676.

ص: 98

ومع غض النظر عمّا قاله علماء الرجال في بعض أصحاب تلك الكتب مثل أحمد بن محمد السيّاري حيث اتفق علماء الفريقين على تضعيفه (1) واحمد بن محمد بن خالد البرقي وهو قد نقل عن الضعفاء واعتمد على المراسيل (2)، نقول:

أولًا: لا يجزم باستفادة القول بالتحريف في خصوص ألفاظ القرآن من مجرد هذه العناوين خصوصاً عنوان كتاب الصيرفي وهو «التحريف والتبديل»، وكتاب البرقي وهو «كتاب التحريف».

وثانياً: بعض عناوين الكتب المتقدّمة ليس بثابت، فقد اختلف أصحاب الفهارس في عناوينها، مثل كتاب احمد بن محمد بن خالد البرقي، فقال الشيخ الطوسي بأنّ اسمه «كتاب المعاني والتحريف» (3) وذكره ابن النديم بأسم «كتاب معاني الأحاديث والتحريف» (4).

وثالثاً: ليس مراد اصحاب تلك الكتب من كلمة التحريف، التحريف في ألفاظ القرآن، حيث وإن لم يصل إلينا سوى كتاب السياري فأنّه مع التأمّل بما جاء في كتاب السيّاري من الأحاديث وما جاء من الأحاديث المختلفة في كتب المتأخرين، نستطيع الجزم بأنّ مراد أصحاب تلك الكتب من كلمة التحريف هو التحريف في معاني القرآن لا التحريف بمعنى التغيير والتبديل في ألفاظ القرآن، ومع ملاحظة طبقة أصحاب تلك الكتب وإنّ منهجهم كان غالباً في تنسيق وتنظيم وتصنيف الروايات فإنّ عناوين كتبهم تقتبس من ألسن الأحاديث، وما كان في الأحاديث من لفظ «التحريف» ينصرف وبعدة قرائن إلى التحريف بالمعنى، أو- على الأقل-


1- الفهرست للطوسي: ص 51 ورجال النجاشي: ص 80، معجم رجال الحديث: ج 2، ص 282، الرقم 871 ولسان الميزان: ج 1، ص 382، الرقم 800.
2- الفهرست للطوسي: ص 48 ورجال النجاشي: ص 76.
3- الفهرست للطوسي: ص 49.
4- الفهرست للنديم: ص 277.

ص: 99

أنّ عنوان التحريف منتزع من القدر المتيقن من الأحاديث المختلفة بحيث يكون شاملًا للتحريف والحذف في الوحي التفسيري، وحمل الآيات على خلاف مراد اللَّه سبحانه، واختلاف تأليف الآيات، واختلاف القراءات و ...

هذا ونرى المحدّث النوري في المجال ولأجل رسالة «ناسخ القرآن ومنسوخه» نسب التحريف إلى سعد بن عبد اللَّه القمي، ولأجل رسالة «صنوف آيات القرآن» نسب إلى محمد بن إبراهيم بن النعمان التحريف، مع إنّ الرسالتين في الواقع واحدة ولا يعرف من صاحبها بل تلك الرسالة بنفسها قد تسمى باسم «رسالة في المحكم والمتشابه» ونسبت لأشخاص آخرين وعلى ذلك لا يمكن نسبة التحريف إلى سعد بن عبد اللَّه القمي، أو إلى محمد بن إبراهيم النعمان.

إلى هنا كان البحث في المقدمات الثلاث لكتاب فصل الخطاب. وقد تعرض المحدث النوري في الباب الأول لما زعمه من الأدلة على إثبات ما ادّعاه من التحريف وهي:

الزعم الأول: تشابه الأمم

قال النوري:

«إن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده فهذه الأمة أيضاً لا بدّ وأن يغيروا القرآن بعد نبينا صلّى اللَّه عليه وآله لأن كل ما وقع في بني إسرائيل لا بدّ وأن يقع في هذه الأمة على ما أخبر به الصادق المصدق صلوات اللَّه عليه ...» (1).


1- فصل الخطاب: ص 35، وقد ورد في الروايات من طريق الشيعة والسنة أن كل ما وقع في الأمم السابقة لا بدّ وأن يقع مثله في هذه الأمة، انظر: مسند أحمد بن حنبل طبع المحقق: ج 18، ص 322، رقم 11800، فالمحققون قد صرحوا في الهامش بصحة سند حديث تشابه الأمم؛ وبحار الأنوار، باب افتراق الأمة بعد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم على ثلاث وسبعين فرقة: ج 28، ص 8 وج 51، ص 128.

ص: 100

والجواب عن ذلك:

أولًا: إنّ هذا الدليل لو تم لكان دالًا على وقوع الزيادة في القرآن أيضاً كما وقعت في التوراة والإنجيل، ومن الواضح بطلان ذلك.

ثانياً: إنّ كثيراً من الوقائع التي حدثت في الأمم السابقة لم يقع مثلها في هذه الأمة، كعبادة العجل، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة، ومسخ كثير من السابقين قردة وخنازير، وغير ذلك ممّا لا يسعنا إحصاؤه، وهذا أدل دليل على عدم إرادة التشابه في كل الجهات فلا بدّ من إرادته في بعض الوجوه.

ثالثاً: يكفي لتشابه هذه الأمة في وقوع التحريف في كتابها، عدم اتباعهم لحدود القرآن، وإن أقاموا حروفه، أي تفسيرهم له برأيهم، كما كان الحال في التحريف على مستوى العهدين حيث تم تحريفهما تحريفاً معنوياً وتفسيرهما تفسيراً على غير وجهه.

رابعاً: إن كان المقصود من المشابهة، إرادة التشابة في تمام الجهات، إذاً فتلك الروايات مخالفة للأدلة القطعية التي تؤكد على سلامة القرآن من التحريف- وقد تقدّم ذكرها- فلا بدّ من تأويلها أو استثناء تحريف ألفاظ القرآن منها (1).

الزعم الثاني: كيفية جمع القرآن

قال النوري:

«إن كيفية جمع القرآن وتأليفه [بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله] مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه ...» (2)


1- لمزيد من التفصيل حول زعم المحدث النوري هذا ينبغي مراجعة: كشف الإرتياب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب: ص 164؛ الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب: ص 75؛ البيان في تفسير القرآن: ص 220- 222؛ صيانة القرآن من التحريف: ص 151.
2- فصل الخطاب: ص 97.

ص: 101

إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الأحاديث الواردة في كيفية جمع القرآن بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله، لكن يستفاد من الأدلة القطعية والشواهد الكثيرة أن القرآن كان مجموعاً أيام حياة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وكلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير.

وقد بحث جملة من علماء الشيعة هذا الموضوع قديماً وحديثاً وحققوا ما يتعلق به من الروايات المختصة بجمع القرآن الكريم أيضاً (1).

ونحن نكتفي هنا بذكر ما أورده السيد الخوئي في المقام إجمالًا، حيث ذكر- رحمه اللَّه- إحدى وعشرين رواية من روايات جمع القرآن من صحاح ومسانيد أهل السنة، وبعد البحث فيها وصل إلى هذه النتيجة وهي أنّ تلك الروايات متناقضة تناقضاً داخلياً فيما بينها، وسجل السيد الخوئي اثني عشر مورداً من موارد التناقض هذا عند مقايسة بعضها مع بعض، كما ولاحظ تعارضها مع الكتاب ومخالفتها حكم العقل والإجماع (2)، وبعد الاستدلال وتفصيل الكلام في هذه الموارد كافة، قال (قده) في نهاية المطاف:

«وخلاصة ما تقدم، أنّ إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل، فلا يمكن القائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه، ولو سلّمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في


1- من القدماء كالشريف المرتضى ت/ 436 ق. في كتابه الذخيرة في علم الكلام: ص 364- 365؛ وابن شهرآشوب ت/ 588 ق. في مثالب النواصب المخطوط: الورق 468 من نسخة لكنهو 471 من نسخة سپهسالار، وحديثاً شرف الدين العاملي ت/ 1381 ق. في أجوبة مسائل جار اللَّه: ص 25؛ وجعفر مرتضى العاملي في حقائق هامة حول القرآن الكريم: ص 20- 50.
2- انظر: البيان: ص 239- 257.

ص: 102

الروايات المتقدمة مكذوبة، وأن جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر إن الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر» (1).

وعليه فينتفي زعم المحدّث النوري انتفاء موضوعياً بل- كما قال السيد الخوئي نفسه- إن هذه الروايات لو صحت وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص لكان اللازم على النوري أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة أيضاً لأن كيفية الجمع المذكور- على حد زعم النوري- تستلزم ذلك، والقول بالزيادة خلاف إجماع المسلمين، كما اعترف به النوري نفسه قائلًا: «زيادة الآية وتبديلها منتفيان بالإجماع ...» (2).

الزعم الثالث: منسوخ التلاوة وبطلانها

قال النوري:

«إن أكثر العامة وجماعة من الخاصة ذكروا في أقسام الآيات المنسوخة ما نسخت تلاوتها دون حكمها وما نسخت تلاوتها وحكمها معاً ... وحيث إن نسخ التلاوة غير واقع عندنا فهذه الآيات والكلمات لا بدّ أن تكون ممّا سقطت من الكتاب جهلًا أو عمداً لا بإذن اللَّه ورسوله وهو المطلوب» (3).

والجواب عن ذلك:

أولًا: لا يوجد في روايات الإمامية آية منسوخة التلاوة إلّاآية الرجم، وهي


1- نفس المصدر: ص 257.
2- فصل الخطاب: ص 23.
3- فصل الخطاب: ص 95.

ص: 103

خبر واحد سنداً، معارض للروايات الأخرى متناً كما سيأتي تفصيله (1).

ثانياً: إن نظرية نسخ التلاوة دون الحكم أو مع الحكم سراب لا حقيقة له، كما سترون واعترف به بعض علماء أهل السنة قديماً وحديثاً وفنّدها بأدلة قويمة، لكن هذا لا يعني أن تلك الآيات والكلمات المنسوخة مما سقط أو كان سقوطه من الكتاب جهلًا أو عمداً، بل إن نفس الروايات التي حملت هذه المضامين ساقطة لا ينبغي الركون إليها، وسيأتي تفصيل هذه النكتة إن شاء اللَّه تعالى في مبحث «دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة».

الزعم الرابع: مصحف الإمام عليّ ومخالفته لهذا القرآن

قال النوري:

«إنّه كان لأمير المؤمنين عليه السلام قرآن مخصوص جمعه بنفسه بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ... وهو مخالف لهذا القرآن الموجود من حيث التأليف وترتيب السور ... ووجود الزيادة فيه من نفس القرآن حقيقة لا من الأحاديث القدسية ولا من التفسير والتأويل ...» (2).

وبدورنا، ونظراً للأهمية التي تحظى بها دراسة هذا المصحف، والاهتمام الزائد الذي أبداه ويبديه الآخرون إزاءه على صعيد نقد الشيعة وموقفهم منه، عالجنا قضية هذا المصحف وبشكل مفصل في موضعين وخرجنا بنتائج أثبتنا من خلالها الأمور التالية:

أولًا: إن أصل وجود هذا المصحف أمر ثابت وفقاً لمستندات الطرفين السنة


1- في مبحث: «وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري» في المقام الثاني.
2- فصل الخطاب: ص 135.

ص: 104

والشيعة ومصادرهما.

ثانياً: إن التفاوت الحاصل ما بين مصحف الإمام عليّ عليه السلام والمصاحف الموجودة بين أيدينا إنما يكمن في ترتيب السور وشرح الآيات وتفسيرها.

ثالثاً: إن الزيادة الواقعة في مصحف الإمام عليّ عليه السلام إنما هي من نوع التفسير والتأويل ليس إلّا.

رابعاً: إن الشبهات والاتهامات التي أثارها ويثيرها الآخرون حول هذا المصحف ليست سوى جهل أو عناد (1).

الزعم الخامس: مخالفة مصحف عبد اللَّه بن مسعود للمصحف الموجود

قال النوري:

«إنّه كان لعبد اللَّه بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن الموجود مستلزم لعدم مطابقته لتمام ما نزل على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله إعجازاً ...» (2).

ثم يذكر المحدث النوري موارد كانت موجودة في مصحف عبد اللَّه بن مسعود، غير موجودة اليوم فيما بأيدينا من مصاحف، معقباً ذلك بالإقرار ب:

«إن تلك الأخبار أكثرها ضعاف وكون بعضها من طرق أهل السنة» (3).

والجواب عن ذلك:

أولًا: إن اختلاف مصحف ابن مسعود مع سائر المصاحف إنما كان في قراءته الزيادة التفسيرية أحياناً، وتبديله كلمات غير مألوفة إلى نظيراتها المألوفة لغرض


1- انظر مبحث «مصحف الإمام علي» في المقام الثاني.
2- فصل الخطاب: ص 135.
3- نفس المصدر: ص 136. لقد نقل المحدث النوري سبعة وعشرين مورداً عن مصحف ابن مسعود، تسعة منها من كتب أهل السنة وثمانية منها من كتب الشيعة. انظر المصدر السابق: ص 136- 139.

ص: 105

الإيضاح، وهذه المسألة تصبح مستساغة حينما نرجع إلى الأبحاث التي تتعلق بمفردات من قبيل «الإقراء» و «التنزيل» و «التأويل»، وكذلك حينما نراجع المستندات التي تحكي عن أن الصحابة كانوا يقومون بشرح الآيات القرآنية في مصاحفهم- كما يشير إليه ابن الجزري في قوله: «كانوا [أي الصحابة] ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً لأنّهم محققون لما تلقوه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله قرآناً فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه» (1)- وإذا لم يكن الأمر كما قلناه آنفاً- بل كان الاختلاف على صعيد نفس القرآن والآيات القرآنية- فإن هذا الاختلاف الحاصل بين مصحف ابن مسعود وبقية المصاحف يستدعي تجاهل مصحف ابن مسعود نفسه ورده دون الأخذ به نظراً إلى كونه من أخبار الآحاد، بينما القرآن الذي بين أيدينا إنما نقل لنا بالتواتر، وهذا يعني معارضة مصحف ابن مسعود مع الأدلة القطعية التي دلّت على سلامة القرآن من التحريف.

ثانياً: لقد أنكر ابن مسعود- كما تزعم مصادر أهل السنة- قرآنية المعوذتين بدعوى أنهما عوذتان لا أكثر، ولم يثبت سورة الفاتحة في مصحفه نظراً لكونها عدل القرآن لا منه.

لكن ذلك منه لا ينم عن قصد لتحريف الكتاب، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى موقف علماء أهل السنة من هذا الإنكار، واتفاق الإمامية على بطلان موقفه من المعوذتين.

الزعم السادس: مخالفة مصحف أُبي بن كعب للمصحف الموجود

قال النوري:

«إن هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن


1- النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 32 وبمضمونه عن القاضي أبي بكر في الانتصار، نقل عنه الزركشي في البرهان: ج 1، ص 235.

ص: 106

كعب فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً لصحة ما في مصحف أُبي واعتباره» (1).

حصيلة ما أثاره المحدث النوري هنا هو:

أولًا: إن هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن كعب.

ثانياً: إن ما في مصحف أُبي معتبر.

لقد اشتمل مصحف أُبي على دعائين للقنوت وقد حسبهما سورتين، سورة الخلع وسورة الحفد، وكانت له زيادات تفسيرية وقراءات واردة على غرار زيادات مصحف ابن مسعود، ومعناه أن هذه الزيادات لا تشكل دليلًا على أن ما في مصحفه من سنخ ما نزل إعجازاً وإلّا- كما قلناه فيما يتعلق بمصحف ابن مسعود- فإذا لم نتمكن من تقديم تأويل وتبرير لهذا الاختلاف الموجود بين مصحف أبي والمصحف الموجود بين أيدينا اليوم فإن ذلك يشكل دليلًا على بطلان مصحف أُبي نفسه، ذلك أنّه مصحف ثبت بخبر الواحد، ومن ثم فهو يعارض الأدلة القطعية الدالة على صيانة القرآن من التحريف والتزوير.

أما قول المحدث النوري بأن ما في مصحف أُبي معتبر، فهو كلام قابل للمناقشة من حيث تعارضه مع المنقول عن أهل البيت عليهم السلام من أمرهم بالقراءة المشهورة المتداولة بين الناس حيث قالوا:

«... اقرأ كما يقرأ الناس» (2)

و

«اقرءوا كما علمتم» (3)

وعليه فلا حجة للنوري فيما ادّعاه.


1- فصل الخطاب: ص 149.
2- الكافي: ج 2، ص 633، الرقم 23.
3- نفس المصدر: ج 2، ص 631، الرقم 14 ومثله في: ج 2، ص 619، الرقم 2.

ص: 107

الزعم السابع: جمع عثمان للمصحف وتمزيق سائر المصاحف

قال المحدث النوري:

«إن ابن عفان لما استولى على الأمة جمع المصاحف المتفرقة واستخرج منها نسخة بإعانة زيد بن ثابت ... وأحرق ومزق ساير المصاحف ...

مما لزم منه سقوط بعض الكلمات والآيات ...» (1).

إن الروايات التي تحدثت عن جمع عثمان للمصاحف المتفرقة بإعانة من زيد بن ثابت، وعن قيامه بتمزيق المصاحف الأخرى وإحراقها ومن ثم إسقاط بعض الأشياء منه وقول عثمان بوجود الخطأ واللحن في المصحف الموجود ... كلها روايات مدرجة في مصادر أهل السنة، وهي بأجمعها لا اعتبار لها وإن وردت في مصادر وكتب معتبرة في حد نفسها! كيف يمكن لعالم منصف واعتماداً على مثل هذه الروايات أن يحتمل وقوع التحريف من طرف عثمان والحال كما يقول السيد المرتضى (ت 436 ه.) أحد قدماء الإمامية:

«إذا جاز فيما أداه النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله نيفاً وعشرين سنة وتداوله الناس ونشروه أن يتم فيه لعثمان النقص والحذف جاز ذلك فيما جمعه عثمان نفسه، وهذا حد لا يبلغ إليه محصل» (2).

أو كما قال من المتأخرين السيد الخوئي رحمه اللَّه:

«1- لأن الإسلام قد انتشر في زمان عثمان على نحو ليس من إمكان عثمان أن ينقص من القرآن شيئاً ولا في إمكان من هو أكبر شأناً من عثمان.

2- ولأن تحريفه إن كان للآيات التي لا ترجع إلى الولاية، ولا تمس


1- فصل الخطاب: ص 149.
2- الذخيرة في علم الكلام: ص 363.

ص: 108

زعامة سلفه بشي ء، فهو بغير سبب موجب وإن كان للآيات التي ترجع إلى شي ء من ذلك فهو مقطوع بعدمه، لأن القرآن لو اشتمل على شي ء من ذلك وانتشر بين الناس لما وصلت الخلافة إلى عثمان.

3- ولأنّه لو كان محرّفاً للقرآن لكان في ذلك أوضح حجة وأكبر عذر لقتلة عثمان في قتله علناً، ولما احتاجوا في الاحتجاج على ذلك إلى مخالفته لسيرة الشيخين في بيت مال المسلمين وإلى ما سوى ذلك من الحجج.

4- ولكان من الواجب على الإمام عليّ عليه السلام بعد عثمان أن يردّ القرآن إلى أصله ... ولكان ذلك أبلغ أثراً في مقصوده وأظهر لحجته على الثائرين بدم عثمان ولا سيّما إنّه عليه السلام قد أمر بإرجاع القطائع التي أقطعها عثمان (1).

... هذا أمر عليّ عليه السلام في الأموال فكيف يكون أمره في القرآن لو كان محرّفاً فيكون إمضاؤه عليه السلام للقرآن الموجود في عصره دليلًا على عدم وقوع التحريف فيه ...» (2).

ثمّ قال السيّد الخوئي في نهاية المطاف:

«نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه، [لكن] لا بمعنى إنّه جمع الآيات والسور في مصحف بل بمعنى إنّه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف» (3).


1- انظر: نهج البلاغة: الخطبة 15، قول الأمام عليّ عليه السلام: «واللَّه لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته ...».
2- البيان: ص 218.
3- نفس المصدر: ص 257- 258.

ص: 109

ومن وجهة نظرنا، فإن الدافع الذي حدا بعثمان لتوحيد المصاحف، لم يكن اختلافاً في متن آيات الوحي المنزل إذ الآيات كانت متواترة، وإنما الاختلاف في تفسيرها حيث سجّل كل واحدٍ من الصحابة في مصحفه أحياناً ما سمعه في محضر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وما رزقه من التوفيق في السماع منه، وبناء عليه فما أقدم عليه عثمان لم يكن سوى طرح ما زاد على القراءات المعروفة عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وإلقاء التأويلات التي كانت موجودة في المصاحف لا النص القرآني نفسه.

الزعم الثامن: الأخبار الكثيرة في كتب أهل السنة

قال النوري:

«الأخبار الكثيرة التي رواها المخالفون زيادة على ما مرّ في المواضع السابقة الدالة صريحاً على وقوع التغيير والنقصان في المصحف الموجود ...» (1).

وقد أورد النوري هنا ما يقرب من مئة حديث من مصادر أهل السنة، وسيأتي موقف علماء أهل السنة من أسانيد هذه الروايات ومضامينها، فقد ناقشوها بضعف السند تارة وبكون مضامينها من باب التفسير والقراءة الواردة والمنسوخ التلاوة و ... تارة أخرى، وقد أورد النوري هنا «سورة مكذوبة» تسمى بسورة النورين أو الولاية سنفصل الكلام حولها عندما نصل إلى البحث المعنون ب «هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه» في المقام الثاني فلاحظ إن شئت.

الزعم التاسع: ذكر أسماء أوصياء النبيّ في الكتب السالفة

يقول المحدث النوري:

«إنّه تعالى قد ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيين وابنته الصديقة


1- فصل الخطاب: ص 171.

ص: 110

الطاهرة عليهم السلام وبعض شمائلهم وصفاتهم في تمام الكتب المباركة التي أنزلها على رسله ... فكيف يحتمل أن يهمل اللَّه تعالى ذكر أساميهم في كتابه المهيمن على جميع الكتب الباقي على مر الدهور الواجب التمسك به إلى قيام الساعة ...» (1).

ونحن مسبقاً درسنا هذا الادّعاء في مناقشة الطائفة الخامسة من طوائف روايات التحريف في كتب الشيعة دراسة تحليلية نقدية، وحيث أوردنا هناك روايات الفريقين على هذا الصعيد، وتمّ نقدها وتسجيل الملاحظات عليها (2) ولا حاجة بنا لتكرار ذلك البحث.

لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا والتعرض لبحثه هو التناقض الذي وقع فيه المحدث النوري من حيث لا يشعر.

فقد ذكر أنّه لا بدّ من وجود أسماء الأوصياء في القرآن الكريم، معترفاً بأن هذا القرآن مهيمن على جميع الكتب الباقية، مر الدهور، والتمسك به واجب إلى قيام الساعة، وانطلاقاً من ذلك رأى بأن أسماء الأوصياء قد جرى إسقاطها من القرآن الكريم في عملية تحريف مسبقة، وفي هذه الحالة لا يعود القرآن مهيمناً على الكتب السابقة الأخرى ولا واجب التمسك والأخذ، بل في هذه الحالة- على الأقل- تصبح تلك الكتب السماوية الأخرى واجبة التمسك لتأخذ من ثم موقع الهيمنة الذي كان للقرآن وتكسبه لنفسها ولتحدد بنفسها تكليف القرآن في هذا المجال وهذا الكلام لا يستبطن سوى التناقض بل هو مخالف لصريح القرآن الكريم نفسه؛ وبناء عليه فمضافاً إلى الآيات التي تردّ التحريف في القرآن العظيم، تثبت هذه الآية الشريفة


1- نفس المصدر: ص 183.
2- انظر: مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة» وللتفصيل انظر: صيانة القرآن عن التحريف: ص 214- 219.

ص: 111

هذا الأمر بعينه، وهي قوله تعالى: «وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه» (1)

نعم، إن الكتب السابقة- كما أقرّه المحدث النوري نفسه في هذا الفصل على تقدير تمامية السند- لم تتعرض سوى لأوصاف الأوصياء وشمائلهم كما هو الحال في القرآن تماماً، ولو حصل أن صرحت هذه الكتب باسم من أسماء الأوصياء فإنما ذلك من باب التفسير الذي قام به الأنبياء لأممهم لا جزءاً من النص الكتابي نفسه.

الزعم العاشر: اختلاف القراء السبعة أو العشرة

قال النوري ما حاصله:

«إنه لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام في تطرق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته من ناحية القراء السبعة أو العشرة بما فيه من الاختلاف وحيث أن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف كان جميع ما ذكروه غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه غير مطابق لما أنزل على الرسول صلّى اللَّه عليه وآله إعجازاً وهو المقصود».

ثم قال:

«وهذا الدليل وإن كان غير وافٍ لإثبات نقصان سورة بل آية والكلمات أيضاً لعدم شمول تلك اختلاف القراءات لها إلّاأنه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل ...» (2).

إن ما ذكره المحدث النوري في هذا الدليل بعضه حق وبعضه باطل، ولذلك وقع في هذا البحث- كما في مزعوماته الأخرى- في تناقض فاحش نتيجة ذلك.


1- المائدة 5: الآية 48.
2- فصل الخطاب: ص 209.

ص: 112

فإنّ أصل وجود الاختلافات الكثيرة والتغييرات غير المحصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته من ناحية القراء السبعة أو العشرة حق لا ريب فيه، كما هو مشهور، لأن منشأ بعض تلك الاختلافات يعود إلى تقصير أو قصور في أنفسهم، لا إلى إذن ورضا من نبيهم صلّى اللَّه عليه وآله، وهذا هو قول المحققين من علماء الفريقين، فإنهم يقولون: إن تلك القراءات متواترة إلى نفس القراء لا إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله، قال الزركشي:

«... التحقيق أن القراءات متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبيّ ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر ...» (1).

ومثله ابن الجزري في «النشر» (2) وقال أبو شامة في كتابه «المرشد الوجيز»:

«إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء ...» (3).

وغيرهم كثير (4).

وعليه فإذا كانت القراءات غير متواترة وإنما تثبت بخبر الواحد وتنقل إلينا عن هذا الطريق، فهذا يعني أن احتمال القصور أو التقصير من جانب القراء أنفسهم هو احتمال وارد، لكن الكلام كل الكلام في أنه هل ثمة تلازم ما بين تواتر القراءات وتواتر القرآن أو لا؟ وبالتالي فهل يستلزم تواتر القرآن تواترها وبالعكس أو لا يستدعي ذلك؟


1- البرهان: ج 1، ص 319.
2- النشر: ج 1، ص 13- 14.
3- المرشد الوجيز: ص 178 ومثله عن كتابه «البسملة» كما نقل عنه التبيان للجزائري: ص 102.
4- انظر: البيان: ص 153- 156 فقد أورد- رحمه اللَّه- تصريحات علماء أهل السنة الذين نفوا تواتر القراءات السبعة.

ص: 113

يرى البعض من أمثال أبي سعيد فرج بن لب مفتي البلاد الأندلسية أن:

«من زعم أنّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة» (1).

فحكم بكفر جمع كثير من المحققين بلا هوادة.

أما البعض الآخر- من أمثال المحدث النوري- فيرى بأن القراءات حيث لم تثبت بالتواتر عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فهذا معناه أن القرآن ليس له وجوه عديدة في التلاوة، فتكون جميع تلك القراءات- عدا وجه واحد مجهول ومردد- غير مطابقة لما أنزل على الرسول صلّى اللَّه عليه وآله.

لكن في الحقيقة، لا ما ذكره أبو سعيد فرج بن لب صحيح، ولا مقولة النوري هي الأخرى تامة، بل الصائب ما صرح به سيدنا الخوئي في قوله:

«ليست بين تواتر القرآن وبين عدم تواتر القراءات أية ملازمة، لأن أدلة تواتر القرآن وضرورته لا تثبت بحال من الأحوال تواتر قراءته كما أن نفي تواتر القراءات لا تتسرب إلى تواتر القرآن بأي وجه، لأن القرآن تتوافر الدواعي لنقله لأنه الأساس للدين الإسلامي والمعجز الإلهي وكل شي ء تتوفر الدواعي لنقله لا بدّ وأن يكون متواتراً فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعاً ...» (2).

«فالواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم، وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين وبنقل الخلف عن


1- عن مناهل العرفان: ص 428. وقال أبو شامة: «وظنّ جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبّر عنها النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله: «انزل القرآن على سبعة أحرف ...» وقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنّه قال ذلك». المرشد الوجيز: ص 146.
2- البيان: ص 124.

ص: 114

السلف ... ولذلك فإن القرآن ثابت بالتواتر، حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلًا، وعظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين» (1).

ويعقب السيد الخوئي كلامه هذا ببحث موسع نسبياً ليقيم أفضل الأدلة على عدم تواتر القراءات، مرفقاً ذلك بالشواهد التاريخية والمستندات التي تتحدث عن ترجمة القراء أنفسهم، وهو- مع ذكره التصريحات التي أدلى بها النافون للتواتر في القراءات من كبار علماء أهل السنة- ركز جهوده على مناقشة الأدلة التي قدمها القائلون بتواتر القراءات السبع، بحيث لا يستغني قارئ عن الرجوع إلى هذا البحث (2).

وعليه فرأي المحدث النوري باطل من أساسه، أي القول بأن الاختلافات الكثيرة الواقعة من ناحية القراء حصلت دون إذن ورضا من نبيهم صلّى اللَّه عليه وآله مما يوجب الخلل ويعرض أساس القرآن نفسه للنقصان، ليجعله غير مطابق لما أنزل على الرسول إعجازاً، ذلك أنّ للقرآن حقيقة ثابتة أما الاختلاف عند بعض القرّاء في كيفية أداء كلماته فهو حقيقة أخرى.

وعلاوة على هذا الرأي، يبدو المحدث النوري هنا متناقضاً أيضاً حيث يقول:

«... إن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف فكان جميع ما ذكروه [أي من وجوه الاختلاف في القراءات] غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه ... فكان غير مطابق لما أنزل على الرسول إعجازاً وهو المقصود ... وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان سورة بل آية والكلمات أيضاً لعدم شمول


1- نفس المصدر: ص 158.
2- انظر: نفس المصدر، بحث «أضواء على القراء»: ص 121- 168.

ص: 115

تلك الاختلاف القراءات لها إلّاأنه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل ...» (1).

إن هذا الكلام من المحدث النوري يناقض كلامه السالف الذكر فيما يخص مصحف ابن مسعود ومصحف أبي بن كعب، فهو يقول في زعمه الخامس والسادس إن قراءة عبد اللَّه بن مسعود وقراءة أُبي بن كعب معتبرتان، ويعدهما معاً من قبل اللَّه تعالى، وكان يقول بأن كلتا القراءتين ترجعان إلى حقيقة القرآن الكريم نفسه (2) لا إلى كيفية أداء كلمات القرآن، والحال أن ثمة اختلافات كثيرة بين قراءة هذين الشخصين، وطبقاً لتوهم النوري لا بدّ أن تكون جميع هذه الاختلافات الواقعة بين هذين المصحفين من جانب اللَّه عزّ وجلّ ذلك أن كلتيهما مرتبطتان بالقرآن الكريم نفسه، إلّاأنه هنا يعود فيكرر القول ب: «أن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف»، أليس هذا تناقضاً واضحاً وجلياً في مواقفه وكلماته؟!

ومع غض النظر عن كل ذلك، فإن ما يثير تعجب الإنسان هو ذاك الادّعاء الخطير الذي يطرحه المحدث النوري فيما يتعلق بعدم القول بالفصل بين نقصان السورة والآية والكلمات واختلاف القراءات في الهيئات وأداء الكلمات نفسها، إذ


1- أي كل من رأى بنقصان حروف القرآن واختلاف هيئات الكلمات رأى بنقصان سورة وآية ونفس الكلمات فلا يفصل بينهما!!
2- قال النوري في مصحف عبد اللَّه بن مسعود: «تمام ما جمع ابن مسعود في مصحفه معتبر ومطابق لما نزل على النبيّ» فصل الخطاب: ص 136. وقال في مصحف أُبي بن كعب: «إنّ ما في مصحف أُبي صحيح ومعتبر وحيث إنّ هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن كعب فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً» فصل الخطاب: ص 144.

ص: 116

كيف يدعي المحدث النوري أمراً من هذا القبيل دون تقديم دليل على مدعاه هذا؟! بل ودون أن يرشدنا حتى لشخص واحد ذهب إلى هذا التلازم بين الأمرين، والأعجب من هذا الادعاء تلك السخافة الواضحة في كلماته حيث يقول هنا:

«... والظاهر أن المصحف الموجود غير مطابق لما أنزل عليه صلّى اللَّه عليه وآله إعجازاً».

وهذا الكلام يعني سقوط القرآن عن مستوى الإعجاز، ومن ثم فتحديه يصبح لغواً، ونتيجة ذلك قدرة الآخرين على الإتيان بمثله، والحال أنّ التاريخ على امتداده يحكي عن عدم قدرة أحد على الإطلاق على تقديم نموذج كالنموذج القرآني أو حتى سورة من مثل سوره الكريمة، بل إن نفس المحدث النوري يقرّ بهذا الأمر قائلًا:

«التحريف بزيادة السورة وتبديلها ممتنع لقوله تعالى: «وإن كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ...» بل زيادة الآية وتبديلها أيضاً منتفيان» (1).

الزعم الحادي عشر والثاني عشر: أخبار تحريف القرآن بالنقيصة

قال النوري:

«الأخبار الكثيرة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن ... من غير اختصاصها بآية أو سورة» (2).

وقال أيضاً:

«الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور وهي كثيرة جداً» (3).


1- فصل الخطاب: ص 32.
2- نفس المصدر: ص 234.
3- نفس المصدر: ص 250.

ص: 117

أقول: أورد النوري للزعم الحادي عشر إحدى وستين رواية، وللزعم الثاني عشر اثنتين وستين وألف رواية، زعمها دالة على تحريف الكتاب العزيز، إمّا دلالة عموم أو ناصة على موضع التحريف بالخصوص، وقد جعل النوري من النوع الأول دليله الحادي عشر، ومن النوع الثاني دليله الثاني عشر. وفي الواقع فإنّ الأحاديث المذكورة هنا هي نفس الأحاديث التي أوردها النوري في مزاعمه العشرة السابقة ليس إلّا، وفيها أحاديث متكررة كثيرة جداً، قد نقلها بالإسناد تارة وبالإرسال أخرى.

وقد ناقش الأستاذ السيد مرتضى العسكري لدى نقده كتاب «الشيعة والقرآن» للأستاذ إلهي ظهير هذه الروايات كافة وبالتفصيل، سواء على صعيد المضمون والمحتوى أم على صعيد السند، ثم كتب عقب ذلك وتحت عنوان «نتائج البحوث» قائلًا:

«استشهد الشيخ النوري والأستاذ ظهير على حد زعمهما بتلك الروايات التي بعضها مشتركة في كتب الفريقين على التحريف والنقصان في آيات كتاب اللَّه العزيز الحكيم، وقمنا بفضل اللَّه تعالى بدراستها رواية بعد رواية سنداً ومتناً ...».

ثم قال مدّ ظله:

«فلم يصح سند رواية واحدة منها [إلّا رواية عن الكافي التي مضى دراستها] (1) بل كان في إسنادها من وصفه علماء الرجال بضعيف الحديث! فاسد المذهب! مجفو الرواية! يروي عن الضعفاء! كذّاب! متّهم في دينه! غال!


1- وهي رواية الكليني بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، انظر: الكافي: ج 2، ص 634، رقم 28.

ص: 118

ولم يكن المراد مما جاء في متون الروايات ما زعم بأن في نصوص القرآن الذي بأيدينا اليوم تبديل وتحريف والعياذ باللَّه بل المراد أن المخاطبين لم يعلموا بها ... ويفسرونها على غير ما أنزل ولا يكون في متن الرواية إلّابياناً وتفسيراً للآية الكريمة خلافاً لما زعما بأنها نص محذوف منها وكثيراً ما اجتمع الأمران المذكوران في ما استدلا به من رواية، وهكذا انتج البحث لهما في كل رواية استدلا بها صفراً، وصدق عليهما المثل القائل: تمخض الجبل فولد فأراً» (1).

أقول: إن ما قاله الأستاذ في مضامين تلك الروايات في محلّه؛ لأنّنا حينما نعمد إلى القيام بفرز وتقسيم تلك الروايات فسنجد مضامينها غير خالية من إحدى طائفة من الطوائف الستّ، التي مضت دراستها، ولاحظتم أنها بعيدة كل البعد عن التحريف بالمعنى المتنازع فيه.

وأما ما ذكره الأستاذ حول أسانيد ومصادر تلك الروايات فهو عين مقالة المحققين من علماء الإمامية، وسترونها في النقاط الآتية.


1- القرآن الكريم ورواية المدرستين: ج 3، ص 231 و 847.

ص: 119

النقطة الثانية: دراسة في مصادر وأسانيد روايات كتاب فصل الخطاب

كلّ من يتصفّح كتاب فصل الخطاب يصل إلى النتائج الآتية:

أولًا: إن هذا الكتاب مشحون بروايات ضعاف أكثرها من كتب المراسيل.

يقول العلامة محمد جواد البلاغي النجفي:

«إن المحدّث المعاصر جهد في كتاب «فصل الخطاب» في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل عن الأئمة عليهم السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد ... فإن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيدها إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلًا منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية، وإما بأنّه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء، وإما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً وأنه معروف بالوقف وأشد الناس عداوة للرضا عليه السلام. وإما بأنه كان غالياً كذاباً. وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين.

وإما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو. ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً ...» (1).

وقال العلّامة الشعراني في هذا الصدد أيضاً:

«قد تتبعت الكتاب- كتاب فصل الخطاب- صدره وذيله وجميع ما فيه فلم نجد فيه ما يصلح مستنداً للقول بالتحريف سوى بضع روايات ضعاف الأسناد وفيها من المناكير مما لا يقول به أشياخه ولا


1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ص 26.

ص: 120

سائر علمائنا حيث مخالفتها مع أصول المذهب ...» (1).

وتقدّم أيضاً كلام الأستاذ السيد مرتضى العسكري بعد دراسته لروايات فصل الخطاب رواية بعد رواية.

وكلام هؤلاء العلماء والمحققين تام ناجم عن تحقيق دقيق لا شبهة فيه، لأن مجموع الروايات التي نقلها المحدث النوري- ويزعم أنها اختصت بكتب الإمامية- يصل إلى 1602 رواية موزعة على النحو الآتي:

* 350 رواية (يعنى حدود ثلث الروايات التي جمعها) من كتاب القراءات لأحمد بن محمد السياري، وهذا الكتاب لا قيمة له عند الإمامية ومؤلفه ضعيف الحديث عند الفريقين (2).


1- الوافي: ج 2، حاشية ص 232- 234. ومن جملة علماء الإمامية الذين أبدوا رأيهم في سند روايات التحريف وعدّوها بين الآحاد، الضعيف، المرسل وغير المعتبر و ...: الشيخ محمد بن محمد النعمان المفيد ت 413 ه. في المسائل السروية: ص 78. السيد الشريف المرتضى علم الهدى ت 436 ه. في كتاب «الذخيرة في علم الكلام»: ص 364. الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ت 460 ه. في كتاب «التبيان في تفسير القرآن»: ج 1، ص 3. الشيخ محمد بن الحسين الحارثي الشهير ببهاء الدين العاملي 1030 ه. عن آلاء الرحمن: ص 26. الشيخ جعفر الكبير ت 1228 ه. في كتاب «كشف الغطاء»: ص 277. السيد محمد الطباطبائي ت 1242 ه. في «مفاتيح الأصول». السيد شرف الدين العاملي ت 1377 ه. في «الفصول المهمة»: ص 126. الميرزا مهدي الشيرازي في «المعارف الجلية»: ص 18. العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ت 1402 ه. في تفسيره «الميزان»: ج 12، ص 104 وما بعدها. الإمام روح اللَّه الخميني ت 1409 ه. في «أنوار الهداية»: ص 243 وما بعدها. و «تهذيب الأصول»: ج 2، ص 165. والأستاذ محمد هادي معرفة في «صيانة القرآن من التحريف»: ص 235.
2- قال النجاشي: «أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد اللَّه الكاتب بصري: ... ضعيف الحديث، فاسد المذهب ... له كتب ... كتاب القراءات»: ج 2، ص 865. وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي: «أحمد بن محمد بن سيار ... ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية، كثير المراسيل ... وصنف كتباً كثيرة ... كتاب القراءة» ص 411. وقال ابن الغضائري: «أحمد بن محمد بن سيار ... ضعيف متهالك، غال، محرف ...». وقال أبو جعفر ابن بابويه في فهرسته حين ذكر كتاب النوادر: استثني منه ما رواه أحمد بن محمد بن سيار، وقال: لا أعمل به ولا أفتي به لضعفه ...». انظر معجم رجال الحديث: ج 2، ص 282، رقم 871 وراجع أيضاً: «أعيان الشيعة»: ج 2، ص 448، «تنقيح المقال»: ج 1، ص 87 و «لسان الميزان»: ج 1، ص 382، رقم 800.

ص: 121

* 129 رواية من تفسير «مجمع البيان»، وهو وإن كان من الكتب القيمة لدى الإمامية إلّاأن جميع رواياته مرسلة، علاوة على أن الروايات المنقولة عنه تقع كلها في مجال القراءات، دون أن يكون لها أدنى علاقة أو ارتباط بمسألة تحريف القرآن بمعناه المتنازع فيه، كما أن صاحب مجمع البيان أورد هذه الروايات في مبحث القراءة. وقد ذكر الشيخ الطبرسي رأيه في هذه المسألة في مقدمة كتابه وصرح (1) بعدم وقوع التحريف في القرآن، ومضافاً إلى ذلك فإن المحدث النوري نفسه نقل اعتقاد الشيخ الطبرسي في مسألة عدم التحريف (2).

* 88 رواية من كتاب تفسير العياشي، وروايات هذا التفسير إما مرسلة أو مقطوعة، ولا تصمد في الدلالة على المدعى لأن أكثرها من باب التحريف بالمعنى الأعم (أي التحريف المعنائي، واختلاف القراءات، والتأليف في الآيات).

* 86 رواية من تفسير عليّ بن إبراهيم القمي، وسيوافيك الكلام في هذا التفسير المنسوب إلى القمي حيث ستتحقق من أنه ليس من صنعه، ومقدمته من شخص قد جمع هذا التفسير، وهو مجهول.

* 83 رواية من كتاب الكافي، وهي في الأساس من «باب النكت والنتف» وقد حكم المجلسي رحمه اللَّه بتضعيف كل ما في الباب إلّاستة أحاديث (3).

* 69 رواية من كتاب «الناسخ والمنسوخ» المنسوب إلى سعد بن عبد اللَّه الأشعري، منها 3 روايات فقط مسندة، والبقية كلها مرسلة ومرفوعة.


1- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 83.
2- فصل الخطاب: ص 34.
3- مرآة العقول: ج 5، ص 60- 161، وأرقام الأحاديث كالتالي: 17، 72، 74، 76، 78 و 83.

ص: 122

وأما بقية الأحاديث فهي من كتب أخرى أيضاً.

وقد اعتمد المحدث النوري على روايات كثيرة من كتب أهل السنة في هذا المجال، كما قلنا، لكن لا قيمة لهذه الروايات عند أهل السنة أنفسهم، فيما إذا لم يكن يوجد لها تأويل صحيح.

ثانياً: إن أغلب روايات كتاب «فصل الخطاب» ينتابها مشكل التكرار، وهي بين مرسلة ومسندة، والمرسل منها عين المسند، فالناظر إليها من بعيد قد يلحظ كثرة فيها بيد أنّ هذه الكثرة تؤول في النهاية إلى روايات قليلة، غاية الأمر أن سندها قد حذف تارة وذكر أخرى، وهذا يعني قلة عدد هذه الروايات في الواقع.

ثالثاً: لم يذكر المحدث النوري في هذا الكتاب أبداً أن المصادر التي اعتمد عليها في رواياته مصادر معتبرة، وهو من دأب النوري الذي يعتبر من المحدثين المجدين في التتبع للشواذ، وقد ضمن كتابه روايات من مصادر لا وزن لها علمياً ليحقق ضالته المنشودة، ك «تفسير أبي الجارود» وهو زياد بن المنذر السرحوب (ت 150 ه.) وتفسيره هذا يرويه عنه أبو سهل كثير بن عياش القطان وإليه ينتهي طريق الشيخ الطوسي والنجاشي إلى تفسيره، وقد قال الشيخ الطوسي عنه: «...

وكان ضعيفاً» (1).

وكتاب «الاستغاثة» لعلي بن أحمد أبي القاسم الكوفي (ت 325 ه.) ولا اعتداد بالرجل وكتابه عند العلماء (2).

و «التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام»، وهو تفسير منقول برواية «عليّ بن محمد بن سيار» وزميله «يوسف بن محمد بن زياد» وكلاهما


1- معجم رجال الحديث: ج 7، ص 322.
2- قال النجاشي: علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي ... غلا في آخر أمره وفسد مذهبه وصنف كتباً كثيرة أكثرها على الفساد» وقال الشيخ الطوسي رحمه اللَّه مثله. معجم رجال الحديث: ج 11، ص 246- 247.

ص: 123

مجهول الحال (1)، مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع، لا يناسب مستوى عالم محقق فضلًا عن الإمام العسكري عليه السلام (2)، وكتاب مشارق الأنوار للحافظ رجب البرسي (3) وكتاب دبستان مذاهب، لمؤلفه آذر كيوان الزردشتي (4) ورسالة مجهولة المؤلف، حيث نسبت إلى سعد بن عبد اللَّه الأشعري (ت 301 ه.) باسم «رسالة الناسخ والمنسوخ» ومحمد بن إبراهيم النعماني (ت 360 ه.) باسم «ما ورد في صنوف آيات القرآن» وإلى السيّد المرتضى (ت 436 ه.) باسم «رسالة في المحكم والمتشابه» (5).

رابعاً: روى النوري روايات من الغلاة والمتهمين في دينهم، كأحمد بن محمد السياري الذي تقدمت ترجمته آنفاً، وسهل بن زياد الآدمي (6)، وإبراهيم بن إسحاق النهاوندي (7)، والحسين بن حمدان الخصيبي (الحصيني) (8)، ومحمد بن عليّ أبو سمينة الكوفي (9)، ومحمد بن سليمان الديلمي (10)، والحسن بن عليّ بن أبي حمزة (11) وغيرهم.

هذا بالنسبة إلى مصادر وأسانيد الروايات الواردة في كتاب فصل الخطاب.


1- معجم رجال الحديث: ج 17، ص 157.
2- المصدر السابق: ج 12، ص 147.
3- قال المجلسي: يشتمل الكتاب على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع، بحار الأنوار: ج 1، ص 10.
4- سيأتي البحث عنه أكثر في المقام الثاني.
5- انظر تفصيله: صيانة القرآن عن التحريف: ص 222- 234.
6- رجال النجاشي: ص 185، رقم الترجمة 490.
7- نفس المصدر: ج 1، ص 71.
8- رجال النجاشي: ص 67، رقم الترجمة 159.
9- معجم رجال الحديث: ج 17، ص 319- 321.
10- رجال النجاشي: ص 365، رقم الترجمة 987.
11- معجم رجال الحديث: ج 11، ص 299- 340.

ص: 124

أما بالنسبة إلى مدلول الروايات ومضامينها، فيقول العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي:

«أكثر الروايات التي أوردها المحدث النوري هي من باب اختلاف القراءات- مثل ما جمعه من تفسير «مجمع البيان» وهو ينيف على مئة وعشرين حديثاً كلها مراسيل ومن باب اختلاف القراءات- أو يكون من باب تفسير الآيات أو تأويلها أو بيان لما يعلم يقيناً شمول عموماتها له لأنّه أظهر الأفراد وأحقها بحكم العام، أو ما كان مراداً بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل، أو ما كان هو المورد للنزول أو ما كان هو المراد من اللفظ المبهم.

ويحمل كلمة «التحريف» فيها على تحريف المعنى ويشهد لذلك نفس الروايات والقرائن الداخلية والخارجية منها مكاتبة أبي جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي:

«وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده» (1).

كما يحمل ما في الروايات مما كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام أو ابن مسعود وينزل على أنّه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل» (2).

أقول: ما ذكره العلّامة محمد جواد البلاغي رحمه اللَّه هو ما يقتضيه التحقيق، لا سيما إذا لاحظنا معاني كلمات «التنزيل»، و «التأويل»، و «الإقراء» و «التحريف» الواردة في الروايات، وقد مرّ تفصيل ذلك في المقام الأول، وجملة القول إن ما أورده المحدث النوري من روايات الإمامية ينقسم من حيث المحتوى والمدلول إلى


1- عن البيان: ص 229.
2- آلاء الرحمن: ج 1، ص 27.

ص: 125

طوائف:

1- الروايات التي وردت في شأن مصحف الإمام عليّ عليه السلام.

2- الروايات التي جاء فيها لفظ «التحريف».

3- قراءات منسوبة إلى بعض الأئمة عليهم السلام.

4- روايات الفساطيط.

5- الروايات التي دلّت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكر فيها أسماء الأئمة.

6- الروايات التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة.

وقد تكلمنا في تلك الطوائف وما اقتضاه التحقيق فيها عند الحديث عنها في الفصل الثاني.

ص: 126

النقطة الثالثة: تفنيد مناقشات النوري في أدلّة سلامة القرآن
اشارة

لقد عقد المحدث النوري الباب الثاني من كتابه في بيان أدلة سلامة القرآن من التحريف والمناقشة فيها، والآن ننظر ما هي مناقشاته وكيف يجاب عنها.

1) تفنيد المناقشات في دلالة الآيات

أ- قال المحدث النوري في جواب المستدلين على صيانة القرآن من التحريف بالآية الشريفة: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (1):

«الذكر قد أطلق في القرآن كثيراً على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ومن الجايز أن يكون هو المراد منه هنا أيضاً ... ولو سلمنا فإن المراد بالحفظ، حفط معاني القرآن ومداليله عن تطرق شبه المعاندين بحيث لا يوجد فيه مدخل إلى القدح فيه، ولا الجامع من حفظ معاني القرآن وحفظ ألفاظه عن الإسقاط، بل فالحفظ عند محمد وآله صلوات اللَّه عليهم يكفي في تحقق مفهوم الآية ومعه لا مانع لتغيره عند غيرهم».

ثمّ قال:

«التحقيق في الجواب أنّ ظاهر الآية- واللَّه أعلم- أنّه تعالى يحفظ القرآن في الموضع الذي أنزله فيه ... وموضعه الذي أنزله تعالى فيه ووعد حفظه هو قلب النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم لا الصحف والدفاتر ولا غير صدره من الضمائر» (2).

وجوابنا عن ذلك:

أولًا: إن كلمة «الذكر» الواردة في القرآن تطلق كثيراً بشكل صريح على القرآن


1- سورة الحجر 15: الآية 9.
2- فصل الخطاب: ص 359- 360.

ص: 127

الكريم كقوله تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم» (1).

ثانياً: إن الآية السادسة من سورة الحجر تمثل قرينة سياقية واضحة على أن المقصود من «الذكر» في الآية التاسعة من هذه السورة هو القرآن العظيم؛ لأن كلمة الذكر الواردة فيها وهي: «وقالوا يا أيّها الذي نزل عليه الذكر إنّك لمجنون» تدل دلالة قاطعة وصريحة على أنّ المراد من الذكر هو القرآن، وفي الواقع إنّ كلمة الذكر الواردة في قوله تعالى: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» تمثل جواباً قاطعاً عن شبهات المعاندين التي أوردها في الآية السادسة فالألف واللام في كلمة «الذكر» هنا للعهد الذكري.

ثالثاً: إن نفس الادعاء القائل بأن المراد من حفظ القرآن هو حفظه قبال شبهات المعاندين هو ادعاء بلا دليل، بل إنّه مخالف لإطلاق الآية نفسها، ذلك الإطلاق الشامل لمطلق أنواع التحريف والذي من جملته الإسقاط والتغيير، وليس ثمة نوع من أنواع الحفظ أكثر أهمية من هذا النوع، بل إنّ الآية الكريمة- وأخذاً بعين الاعتبار الأرضية التي تتحرك فيها- تبدو أكثر ظهوراً في هذا النوع من الحفظ منه في الأنواع الأخرى، ذلك أنّ الشبهات والتشكيكات التي يثيرها الكافرون هنا تتعلق بتدخل القوى غير الإلهيّة لإسقاط القرآن ونسبته إلى غير اللَّه سبحانه، وليس لها أية علاقة باختلاق الشبهات على صعيد المعارف والمضامين القرآنية، والقرآن ينبئنا بنفسه- عبر تأكيداته المتواصلة- عن حفظه من أي مساس حين نزوله وبعد النزول أيضاً.

رابعاً: كيف يمكن أن تصمد المعارف القرآنية ومحتويات الكتاب العزيز أمام الشبهات المقامة من قبل المعاندين والحال أنّه- ووفقاً لتصورات المحدث النوري


1- سورة النحل/ 44.

ص: 128

نفسه والمستندة إلى الرواية التي يوردها في كتابه والقاضية بأن ما يزيد على ثلثي القرآن قد تم إسقاطه منه عبر عملية تحريف مسبقة- لا يمكن، أخذاً بعين الاعتبار الإتساق القائم بين المضامين، والتصديق بهذه المزعمة فيما إذا أدّت إلى زيادة أو نقصان حرف واحد أو كلمة واحدة مفضية إلى تبديل مطلب بأكمله من حق إلى باطل، أو إسقاط تعبير من التعبيرات الواردة في الآية، يؤدي إلى خدش الفصاحة والمساس بالبلاغة القرآنية بشكل كامل وكلّي.

خامساً: كيف يتم للمحدث النوري القول بأنّ تحقق مفهوم الآية يكفي فيه حفظ القرآن ولو نسخة واحدة بيد المعصوم عليه السلام؟! ويقدم لذلك جواباً عميقاً حين يقول: بأن الوعد بحفظ القرآن يمكن تحققه بالحفظ في قلب الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلم!! أليس الهدف من نزول القرآن الكريم يتطلب بيان الآيات الشريفة؟ فالمطلوب هو أن يحفظ القرآن النازل على النبيّ الأكرم صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في يد الناس حتى يمكنهم عبر الوصول إليه الوصول إلى العلم والتصديق والعمل بما جاء فيه وهل يتحقق هذا النوع من الهداية من خلال حفظ القرآن الكريم ولو بنسخة واحدة في يد المعصوم فيما يصبح القرآن المحرف هو المتداول في أيدي الناس؟! وفي هذه الحالة هل هناك من ضرورة لكل هذا التأكيدات الواردة في الآية الكريمة على كلّ هذه الأهمية والعظمة؟ وإذا كان الحال كما يقوله المحدث النوري من أنّ القرآن المحرف لا يسقط عن سمة الهداية ومقام الإرشاد بل يقوم- كما كان- بمهمة إيصال الناس إلى الهدف المنشود، فلماذا لا بدّ له أن يحفظ في قلب النبيّ؟ أليس قادراً- على تقدير تعرضه للتحريف في هذه المرحلة- على الهداية وتحقيق الغاية من أخذ يد البشر إلى طريق الغاية والهدف المقصود، ومن ثم فليس بحاجة إلى كلّ هذا الوعد الإلهي بالحفظ في قلبه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم. وعليه فإنّ الوعد بالحفظ الذي أعطاه اللَّه سبحانه وتعالى إنّما هو ليبقى هذا القرآن حجة على الناس أجمعين، وهو أمر لا يتسنى تحققه إلّاعن طريق

ص: 129

حفظه في تمام المراحل والمقامات بدءاً من تلقي الوحي ومروراً بإبلاغ الآيات ووصولًا إلى مرحلة البقاء في يد الناس على نفس الصورة، وهذا الوعد وعد مستمر متواصل إلى يوم القيامة في حق القرآن الكريم، ذاك الكتاب السماوي الخالد ذي الهيمنة على الكتب التي سبقته، وميزان حقانية معارفها وعلومها (1)؟

ب: ناقش المحدث النوري الاستدلال بالآية الشريفة: «... وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» (2)

على سلامة القرآن من التحريف بقوله:

«إنّ الحذف والتغيير والتبديل وإن كان باطلًا لكن ليس المراد من الآية ذلك لأنّه:

أولًا: فلأن ظاهرها أنّه لا يجوز أن يحصل فيه ما يستلزم بطلانه من تناقض في أحكامه أو كذب في إخباراته وقصصه [وأنّه لا يعلو عليه شي ء ولا يمكن نسخه أو إبطال محتواه].

ثانياً: فلأنّه منقوض بمنسوخ التلاوة والحكم أو التلاوة فقط بناء على مذهب الجمهور من وقوع القسمين في الآية.

وثالثاً: يكفي في انتفاء الباطل عنه انتفاؤه عن ذلك الفرد المحفوظ عند أهل البيت عليهم السلام» (3).

وللرد على هذه المناقشات نقول:

أولًا: إنّ سياق الآية مطلق، ولا يوجد أي قيد يخصص ذلك، وتخصيصها بهذا النوع من الصيانة والحفظ يحتاج إلى دليل، بل كيف يمكن مع وقوع كل هذا التغيير


1- انظر: سورة المائدة 5: الآية 48.
2- سورة فصل 41: الآية 41- 42.
3- فصل الخطاب: ص 361- 362.

ص: 130

في ألفاظ القرآن الكريم وعباراته وعلى هذا النطاق الواسع- بحسب ما يزعم المحدث النوري- بقاء العلوم والمعارف القرآنية على حقيقتها، لا سيما- كما أشرنا سابقاً- إذا ما أخذنا بعين الاعتبار فصاحة وبلاغة القرآن والدقة التي توخاها، بحيث إننا لو أضفنا أو اختزلنا حرفاً واحداً فإنّ المضمون القرآني سوف يصاب بالتغيير، مما يصحح في بعض الأحيان انقلاب الباطل حقاً والحق باطلًا.

بل نضيف للمحدث النوري قائلين: أليس عدم وجود مدخل إلى شبه المعاندين وما يستلزم بطلانه من التناقض في الأحكام أو الكذب في إخباراته وقصصه ...

أليس هذا أدل دليل على صيانته عن التحريف بإسقاط ألفاظه؟!

ثانياً: إن كان منسوخ التلاوة والحكم أو دون الحكم، باطلًا- يعني إن الآيات التي نسخت تلاوتها ليست في الواقع آية قرآنية كما هو الحق- فالآن لا يوجد آيات منسوخة في القرآن فلم يدخل الباطل فيه، وإن كانت تلك الآيات آيات قرآنية في الواقع ووقع نسخها فهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، بل إن الأدلة دالة على عدم كونها آيات قرآنية، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى البحث في هذه النقطة. وإن كانت تلك الآيات آيات قرآنية في الواقع ونسخت حقيقة فلا يدخل الباطل في القرآن، والشبهة منتفية موضوعاً.

ثالثاً: قلنا سابقاً إن حفظ نسخة كاملة من القرآن الكريم فقط عند أهل البيت عليهم السلام دون عامة الناس لا يلبي الغاية التي أنزل من أجلها القرآن.

2) تفنيد المناقشات في دلالة روايات العرض

قلنا إنّ المستفاد من أحاديث عرض الأخبار على القرآن، والتي وردت في كتب الفريقين متواترةً هو:

أولًا: إنّ القرآن الكريم يمثل الميزان والمقياس الكلي والمطلق، وإذا كان القرآن ميزاناً فيجب أن يكون متواتراً مقطوعاً به، لا يدنسه التحريف؛ لأنّه المقياس

ص: 131

الفارق بين الحق والباطل.

ثانياً: إن الروايات الدالة بظاهرها على التحريف- إذا لم يوجد لها تأويل صحيح- تتحول بنفسها عند عرضها على الكتاب إلى روايات ساقطة غير ممكنة القبول، ذلك أنها تشكل مصداقاً لما خالف القرآن فيجب طرحه.

والمحدث النوري وبعد اعترافه بتواتر تلك الأخبار عن النبيّ والأئمة عليهم السلام وإنّ العرض على المحرَّف المبدَّل لا وجه له وعلى المنزل المحفوظ لا يستطاع، قال:

«والجواب: إنّ ما ورد عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في ذلك فلا ينافي ما ورد في التغيير بعده وما جاء عنهم عليهم السلام فهو قرينة على أن الساقط لم يضر بالموجود وتمامه من المنزل للإعجاز، فلا مانع من العرض عليه، مضافاً إلى اختصاص ذلك بآيات الأحكام ...» (1).

لكن مناقشات المحدث النوري هذه باطلة من حيثيات متعددة:

أولًا: لماذا نقيِّد أحاديث النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في هذا المجال بما قبل وفاته؟ وما هو دليلنا على هذا التقييد؟ والحال أننا لو رجعنا إلى كلماته لوجدناها مطلقة في اعتبار القرآن الكريم معياراً وميزاناً يرجع إليه عند الفتن ويحتمى به عند الشبهات.

ثانياً: إن المحدث النوري يخالف مدلولات هذه الأخبار مخالفة صريحة، ذلك أنّ روح مناقشته في الحقيقة تؤول إلى أنّ القرآن لا بدّ له أن يكون محكوماً للأخبار بما فيها تلك الأخبار الدالة على وقوع التحريف فيه، ومن ثم فتحريف القرآن يصبح أمراً ثابتاً نتيجة قيام أخبار التحريف نفسها، ولأجل إدراك مقدار التحريف الحاصل لا بدّ لنا مجدداً من العودة إلى عرض القرآن الكريم على أخبار العرض،


1- فصل الخطاب: ص 363.

ص: 132

حتى تحدد تلك الأخبار وظيفة القرآن نفسه، فتعين بالتالي ما هو المقدار الساقط من القرآن الكريم، وهل أنّ هذا المقدار الساقط يضر بمرجعية القرآن وكونه ميزاناً ومعياراً أم لا؟! أليس هذا النوع من المحاكمة مخالفاً لأخبار العرض نفسها؟ ألا تعتبر أخبار العرض كتاب اللَّه تعالى- وبشكل قطعي وواضح- الميزان والحاكم والمعيار؟ وعليه كيف يعطي المحدث النوري هذه المعيارية وهذه السلطنة والمحورية الممنوحة للقرآن الكريم للروايات فيجعل القرآن محكوماً لها بدل أن يكون حاكماً عليها؟ ومن الطبيعي أن محورية الحديث بالنسبة لشخص كالمحدث النوري الذي تحكمه ثقافة الحديث ومركزيته ليست بالأمر الغريب حينما توضع قبال المركزية التي يمثلها القرآن الكريم.

ثالثاً: ما هو الدليل الذي يجعل أخبار العرض محصورة في دائرة آيات الأحكام؟ والحال أن المعصومين عليهم السلام كانوا بصدد تقديم ضابطة كلية وعامة، كما أن تعبيراتهم في هذا المجال اتسمت بالإطلاق والشمولية.

ص: 133

النقطة الرابعة: نبذة من ردود الإمامية على كتاب «فصل الخطاب»

لقد انهمك علماء الإمامية وعقب تأليف المحدث النوري لكتابه «فصل الخطاب» بدراسات موسعة وشاملة تثبت سلامة القرآن من التحريف وتناقش الأفكار التي أثارها النوري وتبطل مقولة التحريف، وهي دراسات ما تزال متواصلة، نورد هنا بعضاً من منجزاتها من الكتب التي ألفت بهذا الصدد:

1- كشف الارتياب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب، تأليف محمود بن أبي القاسم، المشتهر بالمعرب الطهراني (ت/ 1313 ه.)، وقد كتبه رحمه اللَّه في سنة 1303 أي بعد أقل من أربع سنوات على نشر كتاب فصل الخطاب.

2- حفظ الكتاب الشريف على شبهة القول بالتحريف، تأليف هبة الدين السيد محمد حسين الشهرستاني (ت/ 1315 ه.).

3- تنزيه التنزيل، تأليف عليّ رضا حكيم خسرواني، تأليف سنة 1371 ه.

4- الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب، تأليف عبد الرحمن المحمدي الهيدجي، تأليف سنة 1372 ه.

5- البرهان على عدم تحريف القرآن، تأليف الميرزا مهدي البروجردي، تأليف سنة 1374 ه.

6- آلاء الرحيم في الردّ على تحريف القرآن، تأليف الميرزا عبد الرحيم المدرس الماهر الخياباني، تأليف سنة 1381 ه.

7- بحر الفوائد في شرح الفرائد (في ضمن بحث حجية ظواهر القرآن)، تأليف الميرزا محمد حسن الآشتياني (ت/ 1319 ه.).

8- آلاء الرحمن في تفسير القرآن (مقدمة الكتاب)، تأليف الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (ت/ 1352 ه.).

9- البيان في تفسير القرآن (مقدمة الكتاب)، تأليف آية اللَّه السيد أبو القاسم

ص: 134

الخوئي (ت/ 1413 ه.).

10- تهذيب الأصول (ضمن بحث حجية ظواهر القرآن) وأنوار الهداية، تأليف الإمام روح اللَّه الخميني (ت/ 1409 ه.).

11- صيانة القرآن عن التحريف، تأليف الأستاذ محمد هادي معرفة ط. 1416 ه.

12- القرآن الكريم وروايات المدرستين (ثلاث مجلدات)، تأليف آية اللَّه السيد مرتضى العسكري ط. 1420 ه.

13- حقائق هامة حول القرآن الكريم، تأليف السيد جعفر مرتضى العاملي.

14- التحقيق في نفي التحريف، تأليف السيد علي الميلاني ط. 1415 ه.

15- أكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنة، تأليف رسول جعفريان، ط.

1413 ه.

v

v

v

ص: 135

الفصل الرابع شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف

وفي ختام هذا البحث نذكر شهادات علماء الإمامية عليهم الرحمة بنزاهة القرآن عن التّحريف ليكون تذكرة لأولي الألباب وحجةّ على المتعصبين، وقد مضى في أدلة صيانة القرآن عن التّحريف جمّ غفير، وهاهنا نذكرهم على النحو التالي:

1- أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت 381 ه.) في رسالة «الاعتقادات» (1) وقد سبق كلامه آنفاً. وقال أيضاً في كتابه «معاني الأخبار»:

«جمعت الفرق على أنّ القرآن صحيح لم يغيّر ولم يبدّل ولم يزد فيه ولم ينقص منه» (2).

2- السيد الشريف الرضي (ت 406 ه.) قال:

«... لا يوجد شي ء من الزيادات والنقائص في كتاب اللَّه ... وإذا كان


1- الاعتقادات: ص 84.
2- معاني الأخبار: ص 133.

ص: 136

الكلام المتناهي الفصاحة، العالي الذروة البعيد المرمى والغاية، إذا قيس إليه القرآن شال في ميزانه وقصر عن رهانه وصار بالاضافة إليه قالصاً بعد السبوغ وقاصراً بعد البلوغ، ليصدق فيه قول أصدق القائلين سبحانه إذ يقول: «... وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد»» (1).

3- عميد الطائفة، محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413 ه.) فقد سبق شطر من كلامه رحمه اللَّه حيث قال:

«... إنّ الأخبار التي جاءت بذلك- أي الأخبار التي بظاهرها تدل على التحريف- أخبار آحاد لا يقطع على اللَّه تعالى بصحتها ...» (2).

وسيأتي تمام كلامه في المقام الثاني ان شاء اللَّه.

4- الشريف المرتضى علي بن الحسين علم الهدى (ت 436 ه.): وقد ذكرنا فيما مضى بعض عباراته في موضوع صيانة القرآن، يقول:

«... إنّ العناية اشتدت بالقرآن والدواعي توفرت على نقله وحراسته ... وإنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه كالعلم بجملته وإنّه يجري في ذلك مجرى ما علم ضرورة ...»

وفي تتمة كلامه يقول:

«إنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم فان الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على


1- حقائق التأويل في متشابه التنزيل: ص 168.
2- المسائل السّرويّة «المسألة التاسعة»: ص 78 وما بعدها.

ص: 137

صحته ...» (1).

5- شيخ الطائفة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه.)

قال في مقدمة تفسيره الخالد «التبيان في تفسير القرآن» بعد القول بحراسة القرآن من الزيادة والنقصان:

«... غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شي ء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملًا والأولى الاعراض عنها ...» (2).

6- أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه.)

قال في مقدمة التفسير:

«والكلام في زيادة القرآن ونقصانه، مما لا يليق بالتفسير، أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء» (3).

7- أبو الفتوح الرازي (كان حيّاً في سنة 552 وتوفّي قبل 556 ه.) قال في تفسير الآية التاسعة من سورة الحجر في قوله تعالى: «... إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» ما معرّبه:

«إنا نحن نحفظ القرآن من الزيادة والنقصان والبطلان كما قال تعالى:


1- الذخيرة في الكلام: ص 361- 364.
2- التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 3 وسيأتي بحث آراء الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي رحمة اللَّه عليهم أجمعين في المقام الثاني بشكل مفصّل.
3- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 83. وتفسير جوامع الجامع: ص 236.

ص: 138

«لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...»» (1).

8- نصير الدين أبو رشيد عبد الجليل القزويني (ت بعد 560 ه.) قال:

«قال تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون». فعلى هذا لا يستطيع أحد أن يتصرّف في عباراته [أي القرآن] وكلماته وحروفه ...» (2).

وقال في موضع آخر:

«... وعقيدة الشيعة بصحة القرآن وصدق قراءته صحيحة لقوله تعالى: «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...»» (3).

9- قطب الدين الراوندي (ت/ 573 ه.)

قال:

«فإذا ... تدبّرت مقاطعه ومفاتحه (أي القرآن) وسهولة ألفاظه واستجماع معانيه وان كل لفظة منها لو غيّرت لم يمكن أن يؤتى بدلها بلفظة هي أوفق من تلك اللفظة وأدلّ على المعنى منها وأجمع للفوائد والزوائد منها.

وإذا كان كذلك فعند تأمل جميع ذلك يتحقق ما فيه من النظم اللائق والمعاني الصحيحة التي لا يكاد يوجد مثلها على نظم تلك العبارة وإن اجتهد البليغ والخطيب» (4).

10- محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (ت 588 ه.)


1- روض الجنان وروح الجنان: ج 11، ص 311.
2- نقض المعروف ب «بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض»: ص 526.
3- نفس المصدر: ص 527 وانظر أيضاً: ص 135- 136.
4- الخرائج والجرائح: ص 1004.

ص: 139

قال بعد أن أثبت بالدليل ان القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله ما نصُّهُ:

«... والصحيح [أنّ] كل ما يروى في المصحف من الزيادة إنّما هو تأويل، والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد.» (1) 11- الشيخ محمّد بن ادريس الحلي (ت 598 ه.) قال:

«وقوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر ...» المراد بالذكر القرآن و «إنّا له لحافظون» من الزيادة والنقصان» (2).

12- محمد بن الحسن الشيباني (من أعيان الشيعة في القرن السابع) قال:

«يريد بالذكر في قوله تعالى: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» القرآن، يحفظه من الشياطين وغيرهم من أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه ...» (3).

13- رضي الدين علي بن طاووس (ت 664 ه.) قال:

«لا يتوجه الطعن والقداح على الإمامية بوجود نقصان وتبديل وتغيير في القرآن لأنّهم يقولون بعدم التحريف مطلقاً» (4).

وقد حمل ابن طاووس الروايات التي تدل بظاهرها على النقيصة في القرآن بأنها من باب تأويل الآيات وتفسيرها كما ذكرنا عبارته في علاجه الروايات في مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة».

14- سديد الدّين محمود الحمصي الرازي (توفّي أوائل القرن السابع)


1- متشابه القرآن ومختلفه: ج 2، ص 77. ونحوه في كتابه المخطوط مثالب النواصب، الورقة 468 ويأتي نص كلامه في المقام الثاني، بحث «هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟».
2- المنتخب في تفسير القرآن: ج 2، ص 246.
3- نهج البيان: ج 3، ص 184.
4- سعد السعود: ص 144.

ص: 140

وقد (سلك رحمه اللَّه) مسلك السيّد المرتضى في أنّ العناية اشتدت بالقرآن والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ... ثم قال:

«هذا، على أنه وعد اللَّه بحفظ القرآن من التغيير بقوله: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» فصحّ وتحقق أن ما قالوا بالتحريف غير ممكن وهو من الجهالات لا غير.» (1) 15- أبو المكارم قوام الدين الحسني (توفي في القرن السابع) قال:

«القرآن مصون من التغيير والزيادة والنقصان كما قال تعالى: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون»» (2).

16- جمال الدين، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (ت 726 ه.) قال رحمه اللَّه:

«اتفقوا على أنّ ما نقل إلينا متواتراً من القرآن فهو حجة- واستدلّ بأنّه سند النبوّة ومعجزتها الخالدة فما لم يبلغ حدّ التواتر لم يمكن حصول القطع بالنبوّة- وحينئذٍ لا يمكن التوافق على نقل ما سمعوه منه على فرض الصحة بغير تواتر؛ والراوي الواحد إن ذكره على أنّه قرآن فهو خطأ، وإن لم يذكره على أنّه قرآن متردداً بين أن يكون خبراً عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أو مذهباً له (أي الراوي)، فلا يكون حجة ...» (3).

17- جمال الدين المقداد السيوري (ت/ 826 ه.) قال:

«فإن القرآن ... علومه لا تعدّ ولا تحصى ولا تستقصى ... والقرآن ستة


1- المنقذ من التقليد: ص 477- 478.
2- البلابل والقلاقل: ج 1، ص 244 و 258.
3- نهاية الوصول إلى علم الاصول؛ نقلًا عن صيانة القرآن عن التّحريف: ص 38.

ص: 141

آلاف آية وستمائة آية وست عشرة آية ...» (1).

وهذا يعني أنّ القرآن لا زيد فيه ولا نقص.

18- الشيخ زين الدين أبو محمّد العاملي البياضي (ت/ 877 ه.) قال:

«... علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله، وكان التشديد في حفظه أتم حتى نازعوا في أسماء السور والتعشيرات ... ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كل عاقل وإن لم يحفظه، لمخالفة فصاحته وأسلوبه، وإنكار ابن مسعود مع جلالته كون المعوذتين والفاتحة منه، لا يقدح مقالته في تواتره لوحدته ...» (2).

19- كمال الدين الكاشفي (توفي في القرن التاسع الهجري) قال:

«لن يمكن للشياطين أن يزيدوا في القرآن أو ينقصوا منه من الباطل لأنّه تعالى قال: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون»» (3).

20- الشيخ علي بن عبد العالي الكركي العاملي، الملقب بالمحقق الثاني (ت 940 ه.) ألّف رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم واعترض في الرسالة على نفسه فيما يدلّ على النقيصة من الأخبار فأجاب:

«بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل والسنة المتواترة أو الاجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه، وجب طرحه» (4).

21- ملا فتح اللَّه الكاشاني (ت/ 988 ه.) قال في تفسير قوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر ...»:


1- كنز العرفان: ص 2- 5 وهذا العدد قد نقل عن ابن عباس. انظر: فضائل القرآن لابن الضريس: ص 34.
2- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: ج 1، ص 45.
3- المواهب العلية: ج 2، ص 336.
4- نقلًا عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 22.

ص: 142

«حفظ اللَّه تعالى كتابه من التحريف والزيادة والنقصان من الشياطين وغيرها» (1).

22- المحقق المولى أحمد الأردبيلي (ت 993 ه.) وقد سبق نص كلامه رحمه اللَّه (2).

23- أبو المحاسن الحسين بن الحسن الجرجاني (من علماء الإمامية في القرن التاسع أو العاشر) قال:

«قوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» معناه: إنا له لحافظون من الزيادات والنقصان والزوال والبطلان لأنّه تعالى يقول:

«لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...»» (3).

24- محمد بن عليّ النقي الشيباني (ت/ قبل 994 ه.) قال:

«الذكر في قوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» بمعنى القرآن يحافظونه من الشياطين وغيرهم أن يبدّلوه أو يزيدوا فيه أو ينقصوا منه» (4).

25- الشيخ أبو الفيض الناكوري (ت/ 1004 ه.) قال:

«الذكر في قوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» الكلام المرسل وإنّا له لحافظون الحول والوكس والإكراع أو عمّا همّه الأعداء حسداً وعِداءً» (5).


1- منهج الصادقين: ج 5، ص 154.
2- انظر: أدلة سلامة القرآن من التّحريف، دليل مساعدة الاعتبار.
3- جلاء الأذهان وجلاء الأحزان: ج 5، ص 128.
4- مختصر نهج البيان في مختصر القرآن: ص 262.
5- سواطع الالهام: ج 3، ص 214، جدير بالذكر هذا التفسير من القرآن من أوله إلى آخره، أُلّف مع حروف المهملة فقط.

ص: 143

26- الشهيد السيد قاضي نور اللَّه التستري (ت/ 1019 ه.) قال:

«ما نسب إلى الشيعة الإمامية من القول بالتحريف ليس مما قال به جمهور الإمامية وإنّما قال به شرذمة قليلة لا اعتداد بهم ...» (1).

27- شيخ الإسلام محمّد بن الحسين الحارثي الشهير ببهاء الدين العاملي (ت 1030 ه.):

«لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا تطرق إليه التغيير في ذاته ولا وصفه ...» (2) وفي تفسير آلاء الرحمن نقل عنه:

«اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان في القرآن والصحيح ان القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة كان أو نقصاناً ويدل عليه قوله تعالى «... وإنّا له لحافظون» وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع فهو غير معتبر عند العلماء» (3).

28- الفاضل التوني الملّا عبد اللَّه بن الحاج محمّد البشروي الخراساني (ت 1071 ه.):

«المشهور أنه محفوظ ومضبوط كما أنزل، لم يتبدّل ولم يتغير، حفظه الحكيم الخبير قال اللَّه تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون»» (4).


1- مصائب النواصب نقلًا عن تفسير آلاء الرحمن: ج 1، ص 25.
2- العروة الوثقى تفسير سورة الحمد: ص 16.
3- آلاء الرحمن: ص 26.
4- الوافية في الاصول: ص 148 والآية 9 من سورة الحجر 15.

ص: 144

29- المحدث محمّد بن المحسن المشتهر بالفيض الكاشاني (ت 1091 ه.)

فهو بعد نقل روايات توهم وقوع التّحريف في كتاب اللَّه، قال:

«على هذا لم يبق لنا اعتماد بالنص الموجود ... وأيضاً يتنافى مع روايات العرض على القرآن، فما دلّ على وقوع التّحريف مخالف لكتاب اللَّه وتكذيب له، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله ...

ولا يبعد أن يقال: إن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرّفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به. فمعنى قولهم عليهم السلام كذا نزلت أنّ المراد به ذلك، لا أنّها نزلت مع هذه الزيادة في لفظها فحذف منها ذلك اللفظ ...» (1).

وسيأتيك تفصيل كلامه في المقام الثاني في «بحث شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة» عند استعراض نظر المحدّث الكاشاني واستيفاء كلامه من كتبه الاخرى.

30- الشريف اللاهيجي (ت حدود 1097 ه.) قال في تفسير قوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» ما معرّبه:

«يريد تعالى حفظ القرآن الشريف من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان» (2).

31- الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت/ 1104 ق.)

له رسالة مخطوطة في تواتر القرآن وعدم نقصه وتحريفه (3).


1- تفسير الصافي: المقدمة السادسة، ج 1، ص 46. وأصرح منه قوله في كتابه «المحجة البيضاء»، كتاب القرآن: ج 2، ص 263. وفي تفسير الأصفى في تفسير قوله تعالى: «... وإنّا له لحافظون» قال: «من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان»: ص 626.
2- تفسير الشريف اللاهيجي: ج 2، ص 658.
3- انظر: فهرست النسخ الخطية لمكتبة جامعة طهران فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه مركزى و اسناد دانشگاه تهران: ج 16، ص 153.

ص: 145

32- القاضي سعيد محمد بن محمد مفيد القمي (ت 1107 ه.) قال:

«وإذا وقع هنا [أي في القرآن] تغيير وتحريف من بعض الأمة يلزم منه عدم حجية ذلك الكتاب ووقوع الإرتياب وهو شنيع في الخطاب» (1).

33- نورالدين محمد بن مرتضى الكاشاني (ت/ 1115 ق.) قال:

«اللَّه تبارك وتعالى يحفظ كتابه من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان لأنّه تعالى قال: «... إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون»» (2).

34- محمد بن محمد رضا القمي المشهدي (من أعلام القرن الثاني عشر) قال في تفسير قوله تعالى: «... إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون»:

«حفظه من التحريف والزيادة والنقصان ... ونفى تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له» (3).

35- الشيخ جعفر الكبير (المشتهر بكاشف الغطاء ت 1228 ه.) قال:

«لا زيادة فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها، لا كلمة ولا حرف وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام اللَّه تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين واجماع المسلمين وأخبار النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وإن خالف بعض من لا يعتد به ...»

وقال:


1- الأربعينيات لكشف أنوار القدسيات: ص 58.
2- تفسير المعين: ج 2، ص 650.
3- كنز الدقائق وبحر الغرائب: ج 7، ص 104.

ص: 146

«وكذا لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ...

فإنّه لو كان ذلك لتواتر نقله لتوفّر الدواعي عليه ... ثم كيف يكون ذلك وكان المسلمون شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه ...»

ثم قال:

«فلا بدّ من تأويل هذه الأخبار بأحد وجوه:

النقص في اصله قبل النزول بمعنى أنه كان مقدراً ولم ينزل.

النقص مما أنزل إلى السماء لا مما وصل إلى خاتم الانبياء صلّى اللَّه عليه وآله.

النقص في المعاني.

إنّ الناقص من الأحاديث القدسية لا من الوحي القرآني.

فأمّا ما كان للاعجاز وشاع في الحجاز وغير الحجاز فهو مقصور على ما اشتهر بين الناس لم يغيّره شي ء من النقصان من زمن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله إلى هذا الزمان» (1).

36- السيد محسن الاعرجي الكاظمي (ت 1227 ه.) قال:

«وإنّما الكلام في النقيصة، وبالجملة فالخلاف انما يعرف صريحاً من علي بن إبراهيم في تفسيره وتبعه على ذلك بعض المتأخرين تمسّكاً بأخبار آحاد رواها المحدثون على غرّها ...» (2).

37- المحقق المتتبع السيد محمد جواد الحسيني العاملي (ت 1228 ه.) قال بعد


1- كشف الغطاء: ص 277.
2- شرح الوافية في علم الاصول، مخطوط نقلًا عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 26.

ص: 147

نقل كلمات الأعلام بهذا الشأن:

«والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن ... فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شكّ في المقام» (1).

38- السيد محمّد الطباطبائي (ت 1242 ه.) قال:

«لا خلاف [في] أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه ... لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ممّا توفر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً» (2).

39- الشيخ إبراهيم الكلباسي (ت 1262 ق.) قال:

«إنّ النقصان في الكتاب ممّا لا أصل له ...» (3).

40- محمد صادق الموسوي الخوانساري (ت بعد 1294 ه.) قال:

«القرآن محفوظ من تطرق التغيير والتحريف في كل عصر وزمان لأنّه تعالى ضمن بحفظه» (4).

41- السيد حسن الكوه كمري (ت 1299 ه.) قال:

«واستدل بعدم التحريف بأمور:

الأصل (لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه)، الاجماع، منافاة التحريف لكون القرآن معجزاً، الآيات القرآنية، أخبار الثقلين والأخبار الناطقة بالأمر بأخذ هذا القرآن» (5).


1- مفتاح الكرامة: ج 2، ص 290.
2- مفاتيح الاصول، مبحث حجية ظواهر الكتاب، عن التحقيق في نفي التّحريف: ص 26.
3- اشارات الأصول، نقلًا عن التحقيق في نفي التحريف: ص 26.
4- ضياء التفاسير: ج 1، ص 465.
5- بشرى الوصول إلى أسرار علم الأصول، نقلًا عن التحقيق في نفي التحريف: ص 27.

ص: 148

42- الميرزا محمد بن سليمان التنكابني (ت 1302 ه.) قال:

«اختلفوا في وقوع التحريف في القرآن ... وعدم التحريف أقوم في البين بلا شين ومين ... ولا ريب أنّ الكثرة في الأخبار [الدالّة بظاهرها على التحريف] مع إعراض الأحبار الأخيار الأصحاب الأبرار مع اطلاعهم على تلك الآثار يعرب عن منقصة وقصور وفتور في تلك الأخبار ولا يحصل منها الظنّ والاعتبار» (1).

43- المحقق التبريزي (ت 1307 ه.) قال:

«القول بالتحريف هو مذهب بعض الأخباريين والحشوية خلافاً لأصحاب الأصول الذين رفضوا احتمال التحريف في القرآن رفضاً قاطعاً وهو الحق للوجوه التالية» (2).

ثمّ استدل رحمه اللَّه بالآيات والعقل والاجماع ثمّ ذكر وجوهاً لتأويل ما دلّ بظاهره على الخلاف (3).

44- الشيخ محمد حسن الآشتياني (1319 ه.) قال:

«المشهور بين المجتهدين والأصوليين، بل أكثر المحدثين، عدم وقوع التغيير في القرآن مطلقاً بل ادعى غير واحد الاجماع على ذلك وهو القول المختار» (4).

45- الشيخ العلامة محمّد جواد البلاغي النجفي (ت 1352 ه.)

لقد سبق شطر من كلامه في أسانيد روايات التّحريف ثم قال رحمه اللَّه:


1- توشيح التفسير في قواعد التفسير والتأويل: ص 4- 5.
2- أوثق الوسائل بشرح الرسائل: ص 91.
3- نفس المصدر.
4- بحر الفوائد في حاشية الفرائد، مبحث حجية ظواهر الكتاب: ص 99.

ص: 149

«... ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الرّوايات المتعددة أن ننزلها على أنّ مضامينها تفسير للآيات أو تأويل أو بيان لما يعلم يقيناً شمول عموماتها له لانه أظهر الافراد وأحقّها بحكم العام.

أو كان مورداً بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل.

أو كان هو المورد للنزول.

أو كان هو المراد من اللفظ المبهم.

وعلى أحد الوجوه الثلاثة الاخيرة يحمل ما ورد فيها أنه تنزيل وأنه نزل به جبرئيل كما يشهد به نفس الجمع بين الرّوايات كما يحمل التّحريف فيها على تحريف المعنى ويشهد لذلك مكاتبة أبي جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي ففيها: «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده».

وكما يحمل ما فيها على أنه كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام وابن مسعود وينزل على أنه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل ...» (1).

46- الشيخ العلامة محمّد حسين كاشف الغطاء (ت 1373 ه.):

«... ومن ذهب منهم- أي من الشيعة- أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ بنصِّ الكتاب العظيم «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملًا فامّا أن تؤوّل بنحوٍ من الاعتبار أو


1- آلاء الرحمن: ص 26- 27.

ص: 150

يضرب بها الجدار» (1).

47- السيد محسن الأمين العاملي (ت 1371 ه.) قال:

«لا يقول أحد من الإمامية لا قديماً ولا حديثاً إنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلًا عن كلّهم، بل كلّهم متفقون على عدم الزيادة ومن يعتد بقولهم من محققيهم متفقون على أنّه لم ينقص منه ...» (2).

48- الشيخ محمد النهاوندي (ت 1371 ه.) قال:

«الحق الذي لا ينبغي أن يعرض عنه هو أنّ جمع القرآن كان في عصر النبيّ وبأمره لشهادة الآثار وحكم العقل ومساعدة الاعتبار ... وإنّ الكتاب كان جميعه مُعيناً معلوماً مشهوراً بين الأصحاب» (3).

49- السيد شرف الدّين العاملي (ت 1377 ه.):

«... ظواهر القرآن- فضلًا عن نصوصه- من أبلغ حجج اللَّه تعالى وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم البداهة الاوّلية من مذهب الإمامية ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والاصول صريحة بما نقول، والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل


1- أصل الشيعة وأصولها: ص 133.
2- أعيان الشيعة: ج 1، ص 41.
3- نفحات الرحمن: ج 1، ص 40.

ص: 151

تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوة ...» (1).

50- مير جعفر العلوي الحسيني (توفي بعد 1379 ه.) قال ما معرّبه:

«هذا القرآن نفس الكتاب المنزل على رسول اللَّه ولا يوجد فيه أيّ تغيير وتبديل حتى في حروفه ومن اعتقد بأنّ القرآن نقص منه أو زاد فيه فقوله مردود ولا يعتنى به» (2).

وكذلك غير هؤلاء من علماء الإمامية طيلة القرون كالعلامة الاميني «ره» في ردّ افتراءات ابن حزم (3) ومن بعدهم العلامة محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره القيّم الميزان حيث بحث مسألة تحريف القرآن بحثاً وافياً، ذكره في سبعة فصول في استدلال قوي وبرهان حكيم، لا يستغني الباحث عن الرجوع إليه (4). وقد أوردنا بعض كلامه في دليل الأحاديث على عدم التحريف.

وأخيراً: آية اللَّه السيد الخوئي في كتابه القيم «البيان في تفسير القرآن» (5) الذي استفدنا من كلامه كثيراً ويأتي آنفاً حاصل كلامه في المقام إن شاء اللَّه، والإمام الخميني في «تهذيب الاصول» (6) و «أنوار الهداية» حيث قال بعد الدرّاسة والتثبت في المسألة ما حاصله:


1- الفصول المهمة: ص 162 وبمعناه في أجوبة مسائل جار اللَّه: ص 28.
2- كشف الحقائق عن نكت الآيات والدقائق: ج 4، ص 80.
3- الغدير: ج 3، ص 101. وسيأتي تفصيل كلامه في مبحث «الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين».
4- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 104- 133.
5- البيان في تفسير القرآن: ص 197 وما بعدها
6- تهذيب الاصول: ج 2، ص 165.

ص: 152

«عدم التحريف هو مذهب المحققين من علماء العامة والخاصة والمعتبرين من الفريقين ... وفساد هذا القول القطيع والرأي الشنيع- أي القول بالتحريف- أوضح من أن يخفى على ذو مسكة ...» (1).

والسيد العسكري في «القرآن الكريم وروايات المدرستين» (2) والاستاذ الشيخ محمّد هادي معرفة في «صيانة القرآن عن التّحريف» والسيد جعفر مرتضى العاملي في «حقائق هامة حول القرآن الكريم» والسيد علي الميلاني في «التحقيق في نفي التّحريف» والشيخ علي الكوراني في «تدوين القرآن» وغير ذلك.

هذا غيض من فيض من آراء ونظرات كبار علماء الإمامية الذين بحثوا تلك الرّوايات بحثاً وافياً صائباً وهؤلاء في الحقيقة، يمثلون وجهة نظر الإمامية بشكل عام في تلك المسألة.

نعم يوجد في مقابل هؤلاء ثلة قليلة من علماء الإمامية ممن اعتمد على ظاهر بعض الرّوايات ولكن رأي هؤلاء لا يعبأ به ولا يمثل رأي الإمامية في مسألة التّحريف.

ونحن- في نهاية المطاف- نحذو حذو السيد الخوئي، فإنّه رحمه اللَّه بعد سرد ادلّة صيانة القرآن عن التّحريف والدرّاسة والتثبت في روايات التّحريف قال:

«ومما ذكرناه قد تبين للقارى ء أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ولا يقول به إلّامن ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حبّ القول به والحب يعمي ويصم وأمّا العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته» (3).

هذا، وهناك نكتة أخرى ينبغي التذكير بها في ختام هذا الفصل، وهي أنّه من


1- أنوار الهداية: ص 243- 247.
2- القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 2، ص 22 وما بعدها.
3- البيان: ص 259.

ص: 153

المعلوم لدى كل منصف أنّ أصحاب كتب الحديث والتفسير بالمأثور كان قصدهم الوحيد هو جمع تلك الرّوايات في مجموعة مدوّنة- وإن كانوا ملتزمين بذكر الرّوايات المعتبرة عندهم- فانه لا يجوز اتهامهم بتحريف القرآن بمجرد ذكرهم الرّوايات في كتبهم نقلًا عمّا وقع في أيديهم من المصادر، لان ذكر الرواية مسألة- وهو شأن أصحاب كتب الحديث والتفسير بالمأثور- وفقه الرواية وحلّ المعضلات الناشئة في مقام التعارض وغيرها واعطاء النتيجه النهائية مسألة أخرى- وهو شأن الفقيه والمحقق (1)- وهذه النكتة غير خافية على أهل التحقيق لكنّ الدكتور القفاري وإحسان الهي ظهير وغيرهما تجاهلوها ولجأوا- عمداً وتكراراً- إلى اتهام أصحاب كتب الحديث والتفسير بالمأثور بالقول بالتحريف، فالدكتور القفاري وهو الزائغ عن العدل والانصاف قال:

«يقول (أي السيد الخوئي): بأنّ القول بعدم التّحريف هو قول علماء الشيعة ومحققيهم في حين ان مذهب جملة من اساطين شيوخهم المجاهرة بهذا الكفر كالكليني والقمي والطبرسي صاحب الاحتجاج وغيرهم من رؤوس هذا الكفر وهم يعدون عندهم من كبار شيوخهم ومحققيهم أليس هذا خداعاً» (2).

إنّ كتاب الكليني (يعني الكافي) هو كتاب حديثيّ، وكتاب القمي هو كتاب للتفسير بالمأثور، والاحتجاج كتاب حديثي أيضاً، ولو بنينا نحن على مبنى الدكتور القفاري- البعيد عن الانصاف- القاضي بأنّ كلّ من يورد في كتابه أحاديث تقول بتحريف القرآن فهو متهم بالكفر، وبالتالي فانّ السيد الخوئي يعتبر- بقول الدكتور


1- لأنهم اعتنوا بفقه نصوص الأحاديث من نواحي معانيها ولغتها وحكم العقل والشرع فيها وتعارضها مع غيرها من وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار، ومن ثم استشكلوا كثيراً من الأحاديث حتى صحيحة الأسانيد، فكم من حديث ليس في اسناده الّا ثقة ثبت وهو معلول واه عند التحقيق.
2- اصول مذهب الشيعة ...: ص 1054- 1055. وفي الأصل «خداع» وهو خطأ.

ص: 154

القفاري- مخادعاً لأنه ينفي عن علمائنا القول بالتحريف؛ لأرجعنا كلام الدكتور القفاري نفسه على كتب أهل السنة؛ فصحاحهم ومسانيدهم وكتب التفسير بالمأثور لا يخلو من الروايات الدالة بظاهرها على التّحريف، وإن كان علماء أهل السنة ينفون عنهم القول بالتحريف، وعلى هذا صار أصحاب الكتب من القائلين بالتحريف والعلماء الذين نفوا عنهم التّحريف مخادعين، لأن حكم الامثال فيما يقاس وما لا يقاس واحد.

وفيما يلي وهو الفصل الخامس نستعرض بعض الرّوايات من كتب أهل السنة في خصوص مسألة التّحريف.

v

v

v

ص: 155

الفصل الخامس دراسة أحاديث تحريف القرآن في كتب أهل السنة

المدخل:

اشارة

أرى أنّ ذكر هذه الرّوايات ضروري من عدّة جهات:

1- لو أجرينا موازنة بين الآيات القرآنية ومضامين تلك الرّوايات لظهر لنا جلياً سموّ وعلوّ القرآن على تلك الرّوايات، وارتقاؤه عليها، وظهر لنا أن أيّاً من مضامين تلك الرّوايات ومعانيها لا يمكن ان يقابل القرآن الكريم، وذلك لوجود اضطراب واضح في نصوصها وخلوها من الفخامة والعذوبة التي تتجلى في القرآن وهذا ما يؤدي إلى تمييز كل ما هو من غير القرآن وإسقاطه.

2- انّ ذكر هذه الرّوايات وموازنتها مع روايات الشيعة، تجعلنا ندرك الأمر جيداً ونحيط به بشكل أعمق، وخصوصاً فيما يرتبط بنظرية «نسخ التلاوة» و «الإنساء» الذي هو الجواب العامّ الذي يجيب به أكثر علماء أهل السنّة، والذي يعتبر محلّ انكار وردّ من قبل أكابر علماء الإمامية وبعض أهل السنّة أنفسهم أيضاً.

وسيتضح لك ذلك لاحقاً إن شاء اللَّه.

ص: 156

3- أعتقد أن دراسة ونقد ادّعاءات وأحكام من اتّهم الشيعة بتحريف القرآن رهينة بذكر تلك الرّوايات والموازنة بين أجوبة الفريقين عنها.

فمثلًا نجد الدكتور القفاري يفرّق بين مضامين تلك الرّوايات الموجودة في كتب أهل السنة ومضامينها في كتب الشيعة، بأنّ ما في كتبهم يعدّ من قبيل «القراءة الواردة» أو «نسخ التلاوة» وكلاهما من اللَّه عزّ وجلّ بخلاف روايات الإمامية حيث يقول:

«فلا تكاد تقرأ كتاباً من كتب هذه الطائفة (أي الشيعة) ويأتي الحديث عن هذه الفرية (التّحريف) إلّاوتجدهم يبررون ما شاع من أساطير في كتبهم بالأخبار المنسوخة عند أهل السنة ولا شك في ان حجتهم داحضة، ذلك ان النسخ من اللَّه سبحانه قال تعالى: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» اما التّحريف فمن فعل البشر وشتان بين هذا وذاك ... فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف؟ ان ذلك الّا ضلال مبين وكيد معتمد» (1).

ويضيف قائلًا:

«لعله من الممكن لو كان لهؤلاء أرادة خير لمذهبهم واتباعهم ان يحملوا ذلك على منسوخ التلاوة ... ولكن شيخ الشيعة اليوم «الخوئي» مرجعها الأكبر- وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن- يرى ان القول بنسخ التلاوة هو قول بالتحريف وكأنّه أراد أن يوصد هذا الباب ويرد هذه القاعدة الثابتة ليثبت بطريق ملتوٍ عقيدة في نفسه يكاد يخفيها» (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1119- 1120.
2- نفس المصدر: ص 248 و 1040 و 1053.

ص: 157

فدراسة الأحكام والفتاوى الصادرة عن الدكتور القفاري رهينة بذكر روايات أهل السنة التي حملها الدكتور على منسوخ التلاوة واعتبر ذلك من اللَّه ودعا الشيعة إلى قبول نظريته.

لا يخفى أنّ الدكتور القفاري لم يأت ابداً بالدليل الذي ساقه السيد الخوئي (قده) على أنّ نسخ التلاوة هو عين القول بالتحريف كي يحكم القارى ء بنفسه على ذلك، بل بدلًا من الإتيان بدليل السيد الخوئي (قده) وابطاله بالطريق العلمي لجأ إلى الفاظ بذيئة واتهامات فارغة. وسترى قريباً دليل السيد الخوئي (قده) وردّه وابطاله على أهل السنة من مصادرهم فيما يخص نظريتهم في «نسخ التلاوة».

ص: 158

مضامين روايات تحريف القرآن في كتب أهل السنة:
اشارة

ويمكن تقسيم روايات أهل السنّة في هذا المجال إلى عدّة طوائف:

الطائفة الاولى: الرّوايات التي تدل على وجود اللحن والخطأ في القرآن الكريم.

الطائفة الثانية: الرّوايات التي تدل على نقصان كلمات أو حذفها أو تبديلها في المصحف الموجود.

الطائفة الثالثة: الرّوايات التي تدل على التّحريف بالزيادة من السور والآيات والكلمات في المصحف الموجود.

الطائفة الرابعة: الرّوايات التي تدل على إلقاء الشيطان بعض الآيات ونسخها فيما بعد من اللَّه.

الطائفة الخامسة: الرّوايات الكثيرة التي تدل على التّحريف بالنقيصة من السور والآيات.

الطائفة السادسة: الرّوايات التي تدل على تغيير بعض الكلمات في المصحف الموجود من قبل بعض الحكّام.

انّ هذه الرّوايات غير الرّوايات التي أوردها أهل السنة في مسألة نزول القرآن على سبعة أحرف يوجد في ألفاظها تهافت، وفي مفادها ومعناها اختلاف كبير جدّاً، ويتّضح بطلانها عند التحقيق فيها (1)، هذا وغير الرّوايات التي أوردوها في مسألة جمع القرآن في عصر الخلفاء؛ وهي الرّوايات التي يوجد فيها تناقض واضطراب وتعارض مع القرآن وحكم العقل والاجماع، ولمزيد من التفصيل في ذلك راجع كتاب «البيان في تفسير القرآن» لأننا لو أردنا الدخول في بيان هذا المطلب لاحتجنا إلى مجال أكبر، وخرجنا عن أصل البحث.


1- انظر البيان في تفسير القرآن: ص 171 وما بعدها، ونزول قرآن ورؤياى هفت حرف نزول القرآن ورؤيا السبعة أحرف.

ص: 159

الطائفة الأولى: وجود اللحن والخطأ في القرآن الكريم

توجد الروايات التي تدلّ على وجود اللحن والخطأ في القرآن وهو يوجب نوعاً من التبديل في ألفاظه وهذا لا يرضى به أحد.

عن ابن سلّام بسنده عن ابن عروة عن ابيه قال:

«قد سألت عائشة عن اللحن الوارد في قوله تعالى «إنْ هذانِ لَساحران» (1)

وقوله عزّ وجلّ «والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكاة» (2)

و «ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون» (3)

. فقالت:

هذا من عمل الكتّاب، اخطأوا في الكتاب» (4).

وقال ابن الخطيب:

«وقد ورد هذا الحديث بمعناه باسناد صحيح على شرط الشيخين» (5).

وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي خلف مولى بني جمح أنّه دخل على عائشة، فقال: «جئت أسألك عن آية في كتاب اللَّه كيف يقرؤها رسول اللَّه صلّى اللَّه


1- سورة طه 20: الآية 62.
2- سورة النساء 4: الآية 162.
3- سورة المائدة 5: الآية 69.
4- فضائل القرآن: ص 161- 164 لابي عبيد القاسم بن سلّام وهو الإمام المجتهد البحر اللغوي الفقيه صاحب المصنفات ت: 224 ه.. انظر: تذكرة الحفاظ: ص 417. وتاريخ المدينة المنورة لابن شبّة: ص 1014 ومحاضرات الادباء، للراغب الاصبهاني: ج 2، ص 435، وقال ابن جزي الكلبي في تفسيره: «والصابئون قراءة السبعة بالواو وهي مشكلة، حتى قالت عايشة: هي من لحن كتّاب المصحف». وابن جزي الكلبي المالكي وصفه الداودي في طبقات المفسرين: ج 1، ص 101 بقوله: كان شيخاً جليلًا ورعاً زاهداً عابداً متقلّلًا من الدنيا وكان فقيهاً مفسّراً وله تفسير القرآن العزيز، توّفي في حدود العشرين وستمائة. وقال الخطيب الشربيني في تفسيره، مثله. انظر: السراج المنير: ج 1، ص 345، وهو محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني الفقيه الشافعي المفسّر، توفي سنة 977، له ترجمة في الشذرات: ج 8، ص 384 وهما أوردا تلك الأحاديث من غير جواب أو تأويل.
5- الفرقان: ص 42.

ص: 160

عليه وسلّم، قالت: أيّة آية؟ قال: «الذين يأتون ما أَتَوا ...» أو «الذين يُؤتُون ما آتَوا ...»؟ قالت: ايتهما احب إليك؟ قال: والذي نفسي بيده لإحداهما احب الي من الدنيا جميعاً قالت: أيتهما؟ قال «الذين يأتون ما أَتَوا ...» فقالت: أشهد ان رسول اللَّه صلّى اللَّه تعالى عليه وسلّم كذلك يقرؤها، وكذلك أُنزلت، ولكن الهجاء حرّف» (1).

وعن ابن عباس في قوله تعالى: «... حتّى تستأنسوا وتسلّموا ...» قال: «انما هي خطأ من الكتّاب، حتّى تستأذنوا وتسلّموا» (2).

وعنه في قوله تعالى: «أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء اللَّه ...» قال: «أظن الكاتب كتبها وهو ناعس» (3).

وفي الدّر المنثور: أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى: «وإذ أخذ اللَّه ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ...» قال: هي خطأ من الكاتب وفي قراءة ابن مسعود: ميثاق الذين اوتوا الكتاب وأخرج ابن جرير عن الربيع أنه قرأ: «واذ أخذ اللَّه ميثاق الذين اوتوا الكتاب».

قال: وكذلك كان يقرؤها أُبيّ بن كعب (4). واذعن سعيد بن جبير وأبان بن عثمان و ...

بوجود لحن في موارد أُخر (5).

وروي عن عثمان انه نظر في المصحف، فقال: «أرى فيه لحناً وستقيمه العرب


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 95، والآية 60 من سورة المؤمنون 23.
2- جامع البيان: ج 18، ص 87 والمستدرك للحاكم وصححه على شرط الشيخين: ج 2، ص 396 والإتقان: ج 1، ص 36، والآية 27 من سورة النور 24.
3- الإتقان: ج 1، ص 316 والآية 32 من سورة الرعد 13. قال ابن حجر: «هذا الحديث رواه الطبري باسناد صحيح، كلهم من رجال البخاري» انظر: فتح الباري: ج 8، ص 282.
4- الدّر المنثور: ج 2، ص 47 والآية 81 من سورة آل عمران 3.
5- راجع الإتقان: ج 1، ص 316 وما بعدها.

ص: 161

بألسنتها» (1).

ولعله لرسوخ تلك التهمة الباطلة وهي وجود اللحن في القرآن- في أذهان البعض ساغ لبعضهم الاجتهاد في مقابل النص القرآني كالضحاك بن مزاحم حيث قيل في قوله تعالى: «وقضى ربُّك ألّا تعبدوا إلّاإياه وبالوالدين إحساناً»، إنّ الذي أنزل على لسان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم «ووصّى ربك ...» غير أن الكاتب استمدّ مداداً كثيراً فالتزقت الواو بالصاد (2) ... قال الضحاك:

«ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد، ومثله عن ابن عباس فيما نسب إليه» (3).

الطائفة الثانية: نقصان الكلمات وحذفها وتبديلها في القرآن

فمن النقيصة ما في صحيح البخاري بسنده عن ابن عباس أنّه قرأ: «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ- ولا محدّث- إلّاإذا تمنّى ...» (4).

وفي سنن النسائي والمصاحف لابن أبي داود، عن أبي ادريس الخولاني قال:

«كان ابيّ يقرأ: «اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية- ولو حميتم كما حموا أنفسهم لفسد المسجد الحرام- فانزل اللَّه سكينته


1- التفسير الكبير: ج 22، ص 74 وانظر أيضاً: تاريخ المدينة المنورة: ج 2، ص 1013.
2- معالم التنزيل: ج 3، ص 110، والآية 23 من سورة الاسراء 17.
3- الاتقان: ج 1، ص 185. ولكنه نظر فاسد لان القضاء على نحوين، قضاء تكوين وقضاء تشريع فالذي لايمكن ردّه هو قضاء في التكوين: «وإذا قضى أمراً أن يقول له كن فيكون» البقرة: 117. وامّا القضاء التشريعي فهو عبارة عن التكليف أمراً ونهياً، بعثاً وزجراً، والعباد مختارون في الاطاعة والعصيان، قال تعالى: «إذا قضى اللَّه ورسوله أمراً ...» أي حكم حكماً إلزامياً باتّاً.
4- صحيح البخاري مع فتح الباري: ج 7، ص 51 وقال ابن حجر «اسناده صحيح» والدرّ المنثور: ج 6، ص 65 والآية 52 من سورة الحج 22.

ص: 162

على رسوله)» (1).

وفي الفضائل لابن سلّام بسنده عن ابن عباس انه قرأ: «فما استمتعتم به منهن- إلى أجل- فآتوهن اجورهن ...» (2).

وأيضاً بسنده عن [الإمام] علي [عليه السلام] انه قرأ: «والعصر- ونوائب الدهر لقد خلقنا الإنسان في خسر وانه فيه إلى آخر الدهر ...» (3).

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال:

«أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً قالت: وإذا بلغت هذه الآية فآذنّي «حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى و ...» فلمّا بلغتها أذنتها فأملت عليّ: «حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وصلاة العصر و ...» قالت عائشة سمعتها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بزيادة صلاة العصر» (4).

ومن التبديل في الألفاظ ما في مسند أحمد وصحيح الترمذي والمستدرك بسندهم عن ابن مسعود قال:

«أقرأني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، انّي أنا الرزّاق ذو القوة المتين» (5).


1- عن كنز العمال: ج 2، ص 568 و 594، الرقم 4745 و 4815. وانظر أيضاً: تاريخ المدينة المنورة: ص 709 وتاريخ مدينة دمشق: ج 68، ص 101. وفي تفسير النسائي بسند آخر: ج 2، ص 308 والسنن الكبرى للنسائي: ج 6، ص 461.
2- الفضائل: ص 169 والآية 22 من سورة النساء 4.
3- نفس المصدر: ص 189 والمصاحف لابن أبي داود: ص 55.
4- صحيح مسلم: باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ج 1، ص 437- 438.
5- مسند أحمد: ج 1، ص 394، صحيح الترمذي: ج 5، ص 191 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وأيضاً المستدرك: ج 2، ص 234.

ص: 163

والآية (58) من سورة الذاريات هي: «ان اللَّه هو الرزاق ذو القوة المتين».

ومن الزيادة في الكلمة ما في الإتقان بسنده عن ابن مسعود انه قرأ: «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والانثى» (1). والآيات هكذا: «والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلّى* وما خلق الذكر والانثى» سورة الليل (92) الآيات 1- 3.

وفي قراءة ابن عباس: «ليس عليكم جُناح- في مواسم الحج (2)- أن تبتغوا فضلًا من ربّكم ...» (سورة البقرة (2): الآية 198).

فمثل هذه الرّوايات كثيرة جداً، فراجع تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة (3) وفضائل القرآن لابي عبيد القاسم بن سلّام باب «الزوائد من الحروف التي خولف بها الخط في القرآن» (4).

الطائفة الثالثة: التّحريف بالزيادة من السور والآيات في المصحف:

أ- زيادة سورتي المعوذتين والفاتحة على ما زعمه عبد اللَّه بن مسعود.

قال السيوطي في الدّر المنثور:

أخرج أحمد والبزاز والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود، انه كان يحكّ المعوذتين من المصحف ويقول:

«لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، إنّهما ليستا من كتاب اللَّه، إنّما أمر النبيّ أن يتعوذ بهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما» (5).


1- الاتقان: ج 1، ص 80، تأويل مشكل القرآن: ص 48، ومثله مارووه عن أبي الدرّداء. انظر: صحيح البخاري: ج 2، ص 210 وصحيح الترمذي: ج 5، ص 191 وصحيح مسلم: ج 1، ص 565.
2- صحيح البخاري: ج 3، ص 82.
3- تاريخ المدينة المنورة: ص 707.
4- فضائل القرآن: ص 189 وما بعدها.
5- الدرّ المنثور للسيوطي: ج 8، ص 683. البزاز: الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو ت: 292 ه. ق. له مسندان: كبير وصغير، انظر ترجمته في تاريخ بغداد: ج 4، ص 334 وتذكرة الحفاظ: ص 204. وابن مردويه: الحافظ الثبت أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني صاحب تفسير المسند للقرآن والتاريخ وغير ذلك (ت: 410 ه. ق.) انظر: تذكرة الحفاظ: ص 1051 وهدية العارفين: ج 1، ص 71.

ص: 164

وقال في الإتقان: مثله.

ثم قال:

«وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صح عن ابن مسعود انكار ذلك- أي انكار أنهما من القرآن- فأخرج أحمد وابن حبّان عنه أنه لا يكتب [أو يحكّ] المعوذتين في مصحفه ... وأخرج البزاز والطبراني من وجه آخر عنه أنّه كان يحك المعوذتين من المصحف ... وأسانيدها صحيحة» (1).

وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير، فإنّه روى ذلك عن الحافظ أبي يعلى وعبد اللَّه بن أحمد (2).

وفي فضائل القرآن لابن سلّام بسنده عن ابن سيرين قال:

«كتب ابن كعب في مصحفه «فاتحة الكتاب» و «المعوذتين» و «اللهم إنّا نستعينك واللّهم إياك نعبد» وتركهن ابن مسعود، وكتب عثمان منهن: «فاتحة الكتاب» و «المعوذتين» (3).

وقال ابن الضريس بسنده عن زرّ بن حبيش:


1- الإتقان: ج 1، ص 79 وفتح الباري: ج 8، ص 571 وعمدة القاري للعيني: ج 20، ص 11، ابن حبّان: الحافظ العلامة أبو حاتم محمّد بن حبّان البستي، ت: 354 ه. ق. انظر: تذكرة الحفاظ: ص 920.
2- تفسير المعوذتين بتفسير ابن كثير: ج 4، ص 71. أبو يعلى: هو أحمد بن علي التميمي ت: 307 ه. ق. الحافظ، الثقة. صاحب المسند الكبير، انظر: تذكرة الحفاظ: ص 707- 709.
3- فضائل القرآن: ص 189- 190 وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ص 42.

ص: 165

«قال زرّ، قلت لأبي بن كعب: إنّ ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال: أشهد أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم أخبرني أنّ جبريل قاله له: «قل أعوذ بربّ الفلق ...» فقلتها ثمّ قال: «قل أعوذ بربّ الناس ...» فقلتها فنحن نقول لكم كما قال رسول اللَّه صلىّ عليه وسلم» (1).

وفي الإتقان أيضاً:

«أخرج أبو عبيد بسند صحيح أن ابن مسعود أسقط الفاتحة من مصحفه ...» (2).

ب- زيادة آية بسم اللَّه الرحمن الرحيم على حدّ زعم بعض الصحابة:

في صحيح مسلم وسنن النسائي ومسند أحمد عن قتادة عن أنس بن مالك، قال:

«صلّيت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم».» (3).

ومثل ما رواه الثلاثة- أيضاً- عن أنس أنه قال:

«صلّيت خلف النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد للّه ربّ العالمين لا يذكرون «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» في أول القراءة ولا في آخرها» (4).


1- فضائل القرآن: ص 124.
2- الاتقان: ج 1، ص 80.
3- صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، الحديث رقم 50 و 52 وسنن النسائي: باب ترك الجهر بالبسملة من كتاب افتتاح الصلاة: ج 1، ص 144 ومسند أحمد: ج 3، ص 177 و 273 و 278.
4- صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، الحديث رقم 52، وسنن النسائي، كتاب افتتاح الصلاة، باب 20 ومسند أحمد: ج 3، ص 230 و 205 و 223 و 255 و 278 و 286 و 289.

ص: 166

ومثله ما رواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده عن يزيد بن عبد اللَّه ... (1).

هذا ونحن نجد في كتب الحديث روايات صحيحة وموثقة وصريحة تناقض تلك الرّوايات، أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم والخلفاء وجمعاً من الصحابة والتابعين جهروا بقراءة البسملة في الصلاة وقالوا إنها جزء من الحمد وأمروا بقراءتها إلى زمن فقهاء الحرمين، ومن هذه الروايات الصحيحة ما روي عن عبد اللَّه بن عباس قال:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم» آية (2).

وقال:

«استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن، وهي «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»» (3).

وعن طلحة بن عبيد اللَّه قال:

قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:

«من ترك

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم»

فقد ترك آية من كتاب اللَّه» (4).

بل قد روي عن الصحابي أنس نفسه، أنّه قال:

«بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ قال:

انزلت عليّ آنفاً سورة، فقرأ:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم* إِنّا أعطيناك


1- سنن الترمذي: ج 2، ص 43 ومسند أحمد: ج 4، ص 85 والمصنف لعبد الرزاق: ج 2، ص 88.
2- فضائل القرآن لابن الضريس: ص 39، رقم الحديث 28 ونقل عنه السيوطي في الدرّ المنثور: ج 1، ص 7.
3- الإتقان: ج 1، ص 80 والدرّ المنثور: ج 1، ص 20 ومثله عن المصنف لعبد الرزاق: ج 2، ص 88.
4- الدرّ المنثور: ج 1، ص 7. عن الثعلبي.

ص: 167

الكوثر ...»» (1).

وعن ابن عباس قال:

«كان المسلمون لا يعرفون انقضاء السورة حتّى تنزل: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»، فاذا نزلت عرفوا أن السورة قد انقضت» (2).

وعن أُمّ سلمة قالت:

«إنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقرأ «بسم اللَّه الرحمن الرحيم* الحمد للّه ربّ العالمين* الرحمن الرحيم ...» إلى آخر سورة الحمد» (3).

وعن عائشة، أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم كان يجهر ب «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» (4).

ومثله عن أبي الطفيل وأنس بن مالك وأبي هريرة (5).

والرّوايات في هذا الشأن كثيرة جداً إلى حد التواتر كما قال الرازي:

«أن النقل المتواتر ثابت بانّ «بسم اللَّه ...» كلام أنزله اللَّه على محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم وبأنه مثبت في المصحف بخط القرآن، وكل ما ليس من القرآن غير مكتوب بخط القرآن ... ولمّا أجمعوا على كتابتها


1- صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب حجة من قال: إنّ البسملة آية من كل سورة سوى براءة الحديث 53، واللفظ له، وسنن النسائي: كتاب الافتتاح، باب قراءة البسملة وسنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب من لم ير الجهر بالبسملة، ج 1، ص 208 ومسند أحمد: ج 3، ص 102 وسنن البيهقي: ج 1، ص 43.
2- المستدرك للحاكم: ج 1، ص 231- 232 وسنن البيهقي: ج 2، ص 43 والدرّ المنثور: ج 1، ص 7.
3- المستدرك للحاكم وتلخيصه: ج 2، ص 232 ولفظه: يقرأ: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم* الحمد للّه ربّ العالمين ...» يقطعها حرفاً حرفاً ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأيّده الذهبي في تلخيصه والرازي، فانه أخرجها بسندين في تفسيره: ج 1، ص 19.
4- الدرّ المنثور: ج 1، ص 8 عن الدار قطني.
5- راجع: الدرّ المنثور: ج 1، ص 8- عن البزاز والدار قطني والبيهقي- والمستدرك للحاكم: ج 1، ص 232.

ص: 168

بخط القرآن علمنا أنّها من القرآن.» (1) بل أفرد عدّة من العلماء كتباً في وجوب قراءة البسملة (2).

ومع هذا يؤدي تناقض الرّوايات الآنفة في شأن البسملة إلى اختلاف أهل السنة في وجوب قراءة البسملة أو عدمه، وفي الجهر بها أو عدمه (3).

الطائفة الرابعة: إلقاء الشيطان في الوحي ونسخه بعد

هناك بعض الأحاديث التي تدلّ على إلقاء الشيطان بعض الآيات- نعوذ باللَّه- ونسخها بعد من اللَّه.

ففي تفسير الطبري (4) بسنده: عن محمّد بن كعب القرظي ومحمّد بن قيس قالا:

«جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذٍ أن لا يأتيه من اللَّه شي ء فينفروا عنه فأنزل اللَّه عليه «والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبُكم وما غوى» فقرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى إذا بلغ «أفرأيتم اللّات والعزّى* ومناة


1- تفسير الكبير: ج 1، ص 197.
2- مثل كتاب البسملة لابن خزيمة ت: 311 ه. وكتاب الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي ت: 463 ه. وكتاب الجهر بالبسملة لأبي سعيد البوشنجي ت: 536 ه. وكتب الدارقطني ت: 385 ه. جزءاً في البسملة وصحّحه.
3- فقد قال الشافعي: إنها آية من أول سورة الفاتحة ويجب قراءتها معه. وقال مالك والاوزاعي: إنّه ليس من القرآن ولا يقرأ لا سرّاً ولا جهراً الّا في قيام شهر رمضان وقال أبو حنيفة: تقرأ ويستر بها ولم يقل: إنّها آية من السورة أم لا. راجع أقوال العلماء المذكورين في بحوث من التفسير الكبير: ج 1، ص 194 وكتاب الامّ للشافعي: ج 1، ص 107 والعُدّة للصنعاني: ج 2، ص 410 والبيان للسيد الخوئي: ط 3، ص 467 و 468 و 552، والمنتقى: ج 1، ص 151.
4- جامع البيان في تأويل آي القرآن: ج 17، ص 131.

ص: 169

الثالثة الاخرى» (1)

. ألقى عليه الشيطان كلمتين: «تلك الغرانيق العلى (2) وإنّ شفاعتهن لترجى» فتكلّم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً ... قالا: فلّما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللّتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: افتريت على اللَّه وقلت على اللَّه ما لم يقل، فأوحى اللَّه إليه «وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ...» (3)

فما زال مغموماً مهموماً حتى نزلت عليه «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلّاإذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيّته» (4).

وفي صحيح البخاري بسنده عن ابن عباس قال: سجد النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس وفي رواية أخرى بمضمونه (5). ولا يخفى أنّ عبارة سجد المشركون بالنجم تدلّ على تأييد حديث البخاري لاسطورة الغرانيق.


1- سورة النجم 53: الآيتين 19- 20. واللات: صنم كان لقريش أو ثقيف. والعزى: سمرة كانت لغطفان تعبدها. ومناة: صخرة كانت خزاعة وهذيل تعبدانها والثالثة الاخرى؛ بمعنى المتأخرة الاصنام للكلبي
2- الغرانيق: جمع غرنوق أو غرنيق؛ وهو طير من طيور الماء كبير طويل العنق أبيض استعير للأصنام.
3- سورة الاسراء 17: الآيتين 73- 74.
4- سورة الحج 22: الآية 52.
5- صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة النجم: ج 6، ص 177 وتفسير ابن كثير: ج 7، ص 444 وتفسير القرطبي: ج 7، ص 124 وج 12، ص 82، وقد نقل القرطبي كلام القاضي عياض بنصه هناك.

ص: 170

الطائفة الخامسة: الرّوايات التي تدل على التّحريف بالنقيصة

توجد أحاديث كثيرة في كتب أهل السنة تدل على التحريف بالنقيصة من السور والآيات في القرآن.

فمنها:

إسقاط سورتي الحفد والخلع.

ففي فضائل ابن الضريس بسنده عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن أبيه قال: في مصحف ابن عباس قراءة ابيّ وأبي موسى:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك».

وفيه: «اللّهم إيّاك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونخشى عذابك ونرجو رحمتك إنّ عذابك بالكفار ملحق» (1).

وفي الإتقان عن الطبراني ما ملخّصه:

«إنه روي عن عبد اللَّه بن زرير قال: لقد علّمني عليّ بن أبي طالب سورتين علّمهما إيّاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم: «... اللّهم إنّا نستعينك ...» الحديث.

وقال:

روي عن البيهقي وأبي داود عن خالد بن أبي عمران: «أن جبرئيل نزل بذلك على النبيّ وهو في الصّلاة ...» الحديث.


1- فضائل القرآن: ص 157 وعنه الإتقان: النوع التاسع عشر في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه: ج 1، ص 67. و «ابن الضريس» الحافظ أبو عبد اللَّه محمّد بن أيوب البجلي، ت: 294 ه. من تصانيفه تفسير القرآن وفضائل القرآن انظر: هدية العارفين: ج 1، ص 21.

ص: 171

وقال:

وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال: (أمَّنا أمية بن عبد اللَّه بن خالد بن اسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين: «إنّا نستعينك و ...» (1) أي: إنّ أميّة كان يقرأ في الصّلاة سورتي الحفد والخلع.

كما جاء التصريح بهذه التسمية في الأحاديث الآتية في تفسير الفاتحة من الدرّ المنثور:

أخرج عبد بن حميد ومحمّد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن الإنباري في المصاحف عن محمّد بن سيرين، أنّ ابيّ بن كعب كان يكتب «فاتحة الكتاب» و «المعوذتين» و «اللّهم إيّاك نعبد» و «اللّهم إيّاك نستعين» ولم يكتب ابن مسعود شيئاً منهن، وكتب عثمان بن عفان الفاتحة والمعوذتين (2).

ونقل الزركشي عن ابن المنادي في «الناسخ والمنسوخ» أنّه قال:


1- الإتقان: النوع التاسع عشر، ج 1، ص 67. و «الطبراني» أبو القاسم، سليمان بن أحمد اللخمي الشامي من كبار المحدثين، اصله من طبرية الشام، له المعاجم الثلاثة: الكبير والصغير والاوسط في الحديث وكتاب التفسير وغيرها. ت: 360 ه..
2- الدرّ المنثور: ج 1، ص 3 والإتقان: ج 1، ص 67 وفضائل القرآن لابي عبيد القاسم بن سلّام: ص 189 وتاريخ المدينة المنورة: ص 712. وعبد بن حميد بن نصر الكِسِّي وقيل اسمه عبد الحميد، صاحب المسند والتفسير، أحد أئمة الحديث ت: 249 ه. راجع: تذكرة الحفاظ: ص 534. ومحمّد بن نصر، أبو عبد اللَّه المروزي، الفقيه الشافعي، له تصانيف كثيرة، منها: تعظيم الصلاة. راجع: هدية العارفين: ج 2، ص 21. وابن الانباري، الحافظ العلامة محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشار، شيخ الأدب، صنّف التصانيف الكثيرة، منها المصاحف ت: 328 ه. راجع: تذكرة الحفاظ: ص 842- 844 والعبر: ج 2، ص 214.

ص: 172

«ولا خلاف بين الماضين الغابرين أنّهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى ابيّ بن كعب وأنّه ذكر عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنّه أقرأه إيّاهما، وسمّيتا سورتي الخلع والحفد» (1).

فكثرة الأحاديث المروية في شأن السورتين المزعومتين أدّت بالسيوطي إلى أن يدونهما في تفسيره الدرّ المنثور بعد سورة الناس (2).

ومنها:

ذهاب أكثر القرآن!!

في الإتقان وكنز العمال عن الطبراني في الأوسط وابن مردويه وأبي نصر السجزي في الإبانة عن الخليفة عمر ابن الخطاب أنه قال:

«القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف» (3) أي ذهب أكثر من ثلثي آي القرآن.

بينما نقل الزركشي:

«انهم عدّوا حروف القرآن فكانت ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألفاً وسبعمائة وأربعون حرفاً» (4).


1- البرهان في علوم القرآن: ج 2، ص 37. وابن المنادي هو الحافظ أبو الحسين أحمد بن جعفر، من كبار القراء، من تآليفه الناسخ والمنسوخ ت: 334 أو 336 ه. راجع: تذكرة الحفاظ: ص 849 وكشف الظنون: ج 2، ص 1921 في مادة الناسخ والمنسوخ.
2- الدرّ المنثور: ج 8، ص 695.
3- الإتقان: ج 1، ص 72 في آخر النوع التاسع عشر والدرّ المنثور: ج 6، ص 422 وكنز العمال: ج 1، ص 460، الحديث 2309 وص 481، الحديث 2427. الحافظ أبو نصر السجزي، هو عبيد اللَّه بن سعيد بن حاتم الوابلي ت: 444 ه. له تصانيف كثيرة، منها، الابانة الكبرى في الحديث، راجع: تذكرة الحفاظ: ص 1118 وهدية العارفين: ج 1، ص 248.
4- البرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 249.

ص: 173

وفي فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلّام بسنده عن عبد اللَّه بن عمر أنّه قال:

«لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ما يدريه ما كلّه، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه» (1).

وروى ابن أبي داود عن ابن شهاب، قال:

«بلغنا أنه كان أُنزل قرآن كثير، فقتل علماؤه يوم اليمامة، الذين كانوا قد وعوه، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب ...» (2)!

ومنها:

إسقاط سورة كانت تعادل براءة وأخرى تشبه المسبّحات:

روى مسلم في صحيحه أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرّاء البصرة فدخل عليه ثلاثمئة رجل، فقال لهم فيما قال:

«إنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدة ببراءة، فأُنسيتها غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّاالتراب».

وقال:

«كنّا نقرأ سورة نشبّهها باحدى المسبّحات فأنسيتها غير أنّي حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيمة».

وفي لفظ مسلم أيضاً عن أنس وابن عباس الآية المزعومة في السورة المنسيّة


1- فضائل القرآن: ص 190 وانظر أيضاً: الإتقان: ج 3، ص 72 والدرّ المنثور: ج 1، ص 106 فقد أورد الرواية عن ابن الضريس وابن الانباري.
2- عن الإتقان: ج 3، ص 72.

ص: 174

هكذا: لو كان لابن آدم واديان (1).

وفي الاتقان:

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى قال: «كنّا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبّحات ...» (2).

وفي مسند أحمد بسنده عن أبي واقد الليثي قال:

«... فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم لنا ذات يوم: إنّ اللَّه عزّ وجلّ قال إنّا أنزلنا المال لإقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبّ أن يكون له ثان ...» (3).

ومنها:

ما ورد في شأن سورة التوبة

ففي تفسير التوبة من الدرّ المنثور للسيوطي قال: أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة (رض) قال:

«التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب واللَّه ما تركت أحداً إلّا


1- صحيح مسلم: كتاب الزكاة، الحديث 119، ص 726 وعنه الاتقان: ج 2، ص 25 في النوع السابع والاربعين في ناسخه ومنسوخه وفي الدرّ المنثور: ج 1، ص 105 بتفسير سورة البقرة الآية 106، ذكر أنه أخرجه جماعة عن أبي موسى. وفضائل القرآن لابن سلام: ص 192، فتح الباري: ج 11، ص 219 وشرح معاني الآثار للطحاوي: ج 2، ص 429 وتاريخ المدينة المنورة: ص 707 و 712.
2- الإتقان: ج 2، ص 25؛ الدرّ المنثور: ج 6، ص 378 والحديث موزع في مستدرك الحاكم وملخص اوله بترجمة ابيّ: ج 2، ص 224 وآخره بتفسير سورة البينة: ج 2، ص 531 وصحّحه الحاكم والذهبي في تلخيصه. والمسبحات من السور هي ما افتتح ب «سبحان» و «سبَّح» و «يُسبِّح». وابن أبي حاتم، حافظ الري وابن حافظها، كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال ت: 327 ه. راجع: تذكرة الحفاظ: ص 829 وهدية العارفين: ج 1، ص 512.
3- مسند أحمد: ج 5، ص 219.

ص: 175

نالت منه، ولا تقرؤون منها ممّا كنّا نقرأ إلّاربعها» (1).

وفي رواية أخرى عن حذيفة، قال:

«ما تقرأون ثلثها، يعني سورة التوبة» (2).

وفي الاتقان قال:

قال مالك: «إنّ أولها لما سقط، سقط معه البسملة، فقد ثبت إنّها كانت تعدل البقرة» (3).

وأورد الذهبي في تاريخه:

«إنّ عقبة بن عامر عرض سورة البرائة على عمر بن الخطاب، فبكى عمر ثمّ قال: ما كنت أظنّ أنّها نزلت ...» (4).

على احتمال أن يكون الضمير في «نزلت» عائداً إلى آيات من السورة استغربها عمر.


1- تفسير سورة التوبة من الدرّ المنثور: ج 4، ص 120 والمستدرك للحاكم وتلخيصه للذهبي: ج 2، ص 331 وصحّحا اسناده. وبمعناه في صحيح مسلم: ج 4، ص 2322. وابن أبي شيبة الإمام الحافظ أبو بكر، عبد اللَّه بن محمّد بن شيبة العبسي ت: 235 ه. له المصنف، راجع: تذكرة الحفاظ: ص 432 وكشف الظنون: ج 2، ص 1711. وأبو الشيخ: الحافظ عبد اللَّه محمّد بن جعفر بن حيان، الانصاري الاصبهاني ت: 369 ه. مسند زمانه، من مؤلفاته: التفسير. راجع: لباب الأنساب لابن الاثير: ج 1، ص 331 وكشف الظنون: ص 1406 و ...
2- الدرّ المنثور: ج 4، ص 121.
3- الاتقان: ج 1، ص 67. وفي الدرّ المنثور قال: أخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي اللَّه عنه قال: قلت لابن عباس رضي اللَّه عنهما: سورة التوبة؟ قال: التوبة! بل هي الفاضحة، مازالت تنزل [منّا] ومنهم حتى ظننا ان لن يبقى منا احد الّا ذكر فيها.» الدرّ المنثور: ج 4، ص 120.
4- تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات 41- 60 ه.: ص 272- 273.

ص: 176

ومنها:

ما ورد في شأن سورة الأحزاب

نقل السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور عن تاريخ البخاري، عن حذيفة بن اليمان أنّه قال:

«قرأت سورة الأحزاب على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها» (1).

وعن عائشة قالت:

«كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مئتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّاعلى ما هو الآن» (2).

وعن حذيفة قال:

قال لي عمر بن الخطاب: «كم تعدّون سورة الأحزاب قلت: اثنتين أو ثلاثاً وسبعين آية قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة وإن كان فيها لآية الرّجم» (3).

وقال ابن سلّام بسنده في فضائله (4) والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه (5)


1- الدرّ المنثور: ج 5، ص 180.
2- فضائل القرآن لابن سلّام: ص 190 والدرّ المنثور عن أبي عبيد وابن الانباري وابن مردويه: ج 5، ص 180 والاتقان: ج 2، ص 40. وقال الراغب في المحاضرات: قالت عائشة: «كانت الأحزاب تقرأ في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم، مائة آية فلما جمعه عثمان لم يجد إلّاما هو الآن وكان فيه آية الرجم» المحاضرات: ج 2، ص 434.
3- الدرّ المنثور: ج 5، ص 180 وقال: «وأخرج ابن مردويه عن حذيفة، الحديث» وبمعناه في مسند أحمد: ج 5، ص 132.
4- فضائل القرآن: ص 191.
5- المستدرك: ج 2، ص 415.

ص: 177

وصحّحاه، والضياء المقدسي في «المختارة في الحديث» (1) عن زر عن أُبي بن كعب قال:

«كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).»

ومنها:

ما ورد في شأن سورة البيّنة:

روى أحمد، والحاكم والترمذي وصحّحاه، والسيوطي، واللفظ للترمذي:

عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: انّ اللَّه أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه: «لم يكن الذين كفروا ...» وفيها: [إنّ ذات الدين عند اللَّه الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيراً فلن يكفره] وقرأ عليه: [لو أنّ لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً ولو كان له ثانياً لابتغى إليه ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّاالتراب ويتوب اللَّه


1- عن الاتقان للسيوطي: النوع السابع والاربعون في ناسخه ومنسوخه، ج 2، ص 25 وكنز العمال: ج 2، ص 567. والضياء المقدسي: الإمام العالم، الحافظ الحجة ضياء الدّين أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد الواحد المقدسي من تأليفه «المختارة في الحديث» التزم فيه الصحة ت: 643 ه. ق.. انظر: تذكرة الحفاظ: ص 1405. وقال الآلوسي في تفسيره: «أخرج عبد الرزاق في المصنف، والطيالسي، وسعيد بن منصور وعبد اللَّه بن أحمد في زوائد المسند والنسائي والحاكم وصححه، والضياء في المختارة، وآخرون عن زر بن حبيش قال: قال لي ابي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنه كائن أي كم تقرأ سورة الأحزاب أو كائن تعدها؟ قلت: ثلاثاً وسبعين آية فقال: أقط أي أحسب لقد رأيتها وانها لتعادل سورة البقرة ...» روح المعاني: ج 12، ص 216. وقال ابن حزم في إسناد حديث زر بن حبيش عن ابي بن كعب: «هذا إسناد صحيح لا مغمز فيه» المحلى: ج 11، ص 23.

ص: 178

على من تاب].

قال الترمذي: هذا حديث حسن وقال- أيضاً- في باب مناقب ابيّ:

«هذا حديث حسن صحيح» (1) وروى في الدرّ المنثور في رواية أخرى عن مسند أحمد عن ابن عباس بعد [فلن يكفره]، قال:

«ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ: لو أنّ لابن آدم ...» (2).

وقال الراغب الأصبهاني:

وأثبت ابن مسعود في مصحفه: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ ...» (3).

ومنها:

إسقاط آيات الرضاع والجهاد والرجم

روى مالك في الموطأ بإسناده عن عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة قالت:

«كانت فيما انزل من القرآن «عشر رضعات معلومات يحرمن» ثم نسخن ب «خمس معلومات» فتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهن فيما يقرأ من القرآن» (4).


1- سنن الترمذي: ج 13، ص 203- 204، باب مناقب: معاذ وزيد وابيّ وص 263، باب مناقب ابيّ؛ وحديث ابيٍّ بمسند أحمد: ج 5، ص 131 و 132 وحديث ابن عباس عن ابيّ ص 117 منه والاتقان: ج 2، ص 25 والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه بتفسير سورة «لم يكن»: ج 2، ص 531 وصححاه، وراجع: مجمع الزوائد: ج 7، ص 140 وتاريخ المدينة المنورة لابن شبّة: ص 707 و 712 وفضائل القرآن لابن سلّام: ص 192 والطحاوي في شرح معاني الآثار: ج 2، ص 429.
2- الدرّ المنثور: ج 6، ص 378 وبمعناه في مسند أحمد: ج 5، ص 117 ومجمع الزوائد: ج 7، ص 141.
3- المحاضرات: ج 2، ص 433.
4- تنوير الحوالك: ج 2، ص 118، آخر كتاب الرضاع، الحديث 625؛ الموطأ: ص 608، كتاب الرضاع، الحديث 17.

ص: 179

وهكذا روى مسلم في صحيحه عن طريق مالك وعن طريق يحيى بن سعيد (1).

وهكذا في مسند أبي يعلى الموصلي بسنده عن عائشة وزاد:

«... فلما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تشاغلنا بموته فدخل داجن البيت فأكلها» (2).

وروى السيوطي في الدرّ المنثور عن عمر بن الخطاب أنّه قال لابن عوف:

«ألَم تجد فيما أنزل علينا «إنْ جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة» فإنّا لا نجدها؟ قال: اسقطت فيما اسقط من القرآن» (3).

وفي صحيحي البخاري ومسلم والمصنف لابن أبي شيبة بسندهم عن عمر بن الخطاب واللفظ للأخير، أنّه قال:

«فكان مما كنّا نقرأ من القرآن، ولا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أنْ ترغبوا عن آبائكم، ونزلت آية الرجم، فرجم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجمنا معه والذي نفس محمّد بيده لقد حفظتها وعلمتها وعقلتها، ولولا أن يقال كتب عمر في المصحف ما ليس فيه لكتبتها بيدي كتاباً ...» (4).


1- صحيح مسلم: ج 4، ص 167 والدارمي: ج 2، ص 157 وأبو داود: ج 1، ص 224 وسنن النسائي: كتاب النكاح، ج 2، ص 82.
2- اخرجه أبو يعلى في مسنده بطريقين: ج 8، ص 64، الرقم 231 و 232 وأيضاً ابن ماجة في كتاب النكاح بالرقم 1944 باب رضاع الكبير.
3- الدرّ المنثور: ج 1، ص 106.
4- كتاب المصنف في الأحاديث والآثار: ج 7، ص 431، ح 37032 وصحيح البخاري: ج 8، ص 208- 211 وصحيح مسلم: ج 4، ص 167 وج 5، ص 116 وفي الموطأ لمالك بن انس- امام المالكية- عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب «... فقد رجم رسول اللَّه ورجمنا والذي نفسي بيده: لولا ان يقول الناس: زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانا قد قرأناها» الموطأ: ج 2، ص 824/ 10.

ص: 180

ومزعومات أخرى ... راجع كتاب الفضائل لابن سلّام (1) والإتقان والدرّ المنثور للسيوطي (2) وتاريخ المدينة المنورة لابن شبّة (3).

هذا وقال ابن سلّام بعد ذكر بعض تلك الرّوايات التي نحو مائة وأربعة وعشرين مورداً جمعها في باب «الزوائد من الحروف التي خولف بها الخط في القرآن قال: «وأشباهٌ له كثير» (4) وقال السيوطي بعد بيان آية الرجم المزعومة وغيرها: «وأمثلة هذا الضرب كثير» (5) وقال الآلوسي بعد بيان نماذج من تلك الرّوايات: «وهي اكثر من أن تحصى» (6).

الطائفة السادسة: روايات تذكر تغيير بعض كلمات القرآن

ففي «كتاب المصاحف» لابن أبي داود السجستاني في «باب ما كتب الحجّاج بن يوسف في المصحف» قال:

قد غيّر الحجّاج بن يوسف الثقفي في المصحف اثني عشر موضعاً:

1. لم يتسَنَّ (البقرة/ 259) فغيّرها لم يتسنَّه

2. شريعة ومنهاجاً (المائدة/ 48) فغيّرها شرعة ومنهاجاً

3. هو الذي ينشركم (يونس/ 22) فغيّرها يسيّركم

4. أنا آتيكم بتأويله (يوسف/ 45) فغيّرها أنا انبئكم بتأويله

5. سيقولون للّه (المؤمنون/ 87) فغيّرها سيقولون اللَّه

6. سيقولون للّه (المؤمنون/ 89) فغيّرها سيقولون اللَّه


1- الفضائل: ص 167.
2- الإتقان: ج 3، ص 84 والدرّ المنثور: ج 1، ص 106 وج 3، ص 175.
3- تاريخ المدينة المنورة: ج 2، ص 707 و 712.
4- فضائل القرآن: ص 195.
5- الإتقان: ج 1، ص 88.
6- روح المعاني: ج 1، ص 46.

ص: 181

7. من الُمخرَجينَ (الشعراء/ 116) فغيّرها من المرجومين

8. من المرجومين (الشعراء/ 167) فغيّرها من المخرجين

9. نحن قسمنا بينهم معايشهم (الزخرف/ 32) فغيّرها ... مَعيشتهم

10. من ماءٍ غير ياسِنْ (محمّد/ 5) فغيّرها من ماء غير آسن

11. فالذين آمنوا منكم واتّقوا (الحديد/ 7) فغيّرها ... وأنفقوا

12. وما هو على الغيب بظنين (التكوير/ 24) فغيّرها ... بضنين (1)

فبعض ما غيره الحجّاج بزعمهم الباطل قرأه بعض من القراء السبعة مثل قراءة «لم يتسنّ» في قراءة حمزة والكسائي وخلف، وبعضها لم يقرأه أحد من القراء ك «شريعة ومنهاجاً».

والعجب من صاحب الفرقان حين قال: «ولم يصنع الحجّاج ما صنع إلّابعد اجتهاده وبحثه مع القراء والفقهاء المعاصرين له، وبعد إجماعهم على أنّ جميع ذلك قد حدث ... لجهلهم باصول الكتابة وقواعد الإملاء، والبعض الآخر لخطأ الكاتب في سماع ما يملى عليه والتباسه فيما يتلى عليه، ولا ينافي هذا مع قوله جل شأنه: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (2)

لأنّ المراد بالحفظ مفهوم الألفاظ لا منطوقها.»

وهذا منه في غاية الوهن ويكفي في وهنه وبشاعة قوله ونقضاً لكلامه ما قاله في الكتاب نفسه:

«إنّ الإنسان لينقضي عمره في تهذيب كلمة له أو قصيدة ولا يفتأ يقول: لو وضعت هذه الكلمة مكان هذه لكان أليق، ولو وضعت هذا الحرف مكان هذا لكان أليق، إلّاالقرآن الكريم فإنّك لو وضعت كلمة


1- كتاب المصاحف لابن أبي داود: ص 49- 50 ومناهل العرفان: ص 257.
2- سورة الحجر 15: الآية 9.

ص: 182

منه وعرضت مكانها سائر الكلام العربي لما حلّ محلّها، ولو استعوضت عن حرف من حروفه بسائر الحروف لما تيسَّر وذلك لأنّه بلغ غاية الجمال المطلق وغاية البلاغة العالية» (1).

مضافاً إلى ذلك أنّ هذه القصة الخيالية من مصاحف السجستاني، برواية عبّاد بن صهيب عن عوف، وعبّاد هذا متروك الحديث لدى أئمة الفن مغموز فيه، ضعيف الحديث وكانت القدرية تنتحله ... (2).

وفي عصر الحجّاج وقوع هذا الأمر محال عادة لأنّ القرآن في ذلك الوقت قد انتشر في الآفاق في الكتب والصدور وشدة اهتمام المسلمين بكتاب اللَّه أيضاً تمنع وقوع هذا الأمر في القرآن، بل إن كان تغيير الحجّاج واقعياً فاصلاحه لخطأ كتاب الوحي أولى بالتغيير، تغيير موارد اللحن والخطأ في القرآن على طبق أحاديث الصحابة والتابعين التي مضت في الطائفة الأولى من أحاديث أهل السنة.

ذلك غيض من فيض من الرّوايات التي نقلناها من كتب أهل السنة من الصحاح والمسانيد والتفاسير و ... وهي- كما رأيت- تدل على وجود النقص أو الزيادة أو الخطأ في القرآن أو إلقاء الشيطان في نص الوحي وغيرها من الرّوايات، وقد تجاوزت من حيث المقدار حدّ الإحصاء باعتراف أهل السنة أنفسهم، والحال إنّ مؤلفي هذه الكتب يعدّون من كبار علماء أهل السنة، ترى هل يمكن لنا القول بأن هؤلاء الأعلام- علماً بأن أكثرهم ملتزم بنقل الصحيح، كمالك بن أنس (3) ومحمّد بن


1- الفرقان، لابن الخطيب: ص 17.
2- فراجع في ترجمته، كتاب الجرح والتعديل: ج 6، ص 81 والضُعفاء الكبير: ج 3، ص 144 والتاريخ الكبير: ج 6، ص 43.
3- قال الحافظ ابن حجر: «كتاب مالك صحيح عنده» وقال الشافعي: «ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك» مقدمة ابن الصلاح: ص 14 وهدى الساري: ص 10.

ص: 183

اسماعيل البخاري (1) ومسلم بن الحجّاج (2) وأحمد بن شعيب (3) وابن ماجة القزويني (4) والحاكم النيسابوري (5) والضياء المقدسي (6) وغيرهم- متهمون بالقول بالتحريف! هل إنّ التقوى العلمية توجب ذلك!

وإذا كان الأمر كذلك فهل يسوغ لنا أن نحمّل أهل السنة بأجمعهم مسؤولية القول بالتحريف لأجل هذه الرّوايات؟ ولماذا كلّ هذه الاهانات والاتهامات الصادرة من مجموعة من الوهابية بحقّ الشيعة فقط؟ في حين أنّ رأي أئمة الشيعة كالإمام الحسن بن محمّد العسكري عليه السلام في قوله: «اجتمعت الأمّة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أنّ القرآن حقٌ لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل اللَّه مهتدون ...» (7) يشهد بنزاهة القرآن عن التّحريف عند المسلمين كلهم أجمعين، كما وجدنا أنّ محققي الفريقين


1- روى عنه الاسماعيلي أنه قال: «لم أخرج في هذا الكتاب إلّاصحيحاً» هدى الساري: ص 4 وقال ابن الصلاح: «أول من صنف في الصحيح: البخاري وتلاه مسلم ... وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب اللَّه العزيز» مقدمة ابن الصلاح: ص 13- 14 وهدى الساري: ص 10.
2- قال الحافظ أبو علي النيسابوري: «ما تحت اديمِ السماء كتاب أصح من كتاب مسلم وتبعه بعض شيوخ المغرب» تدريب الراوي: ج 1، ص 93 وهدى الساري: ص 10.
3- عن الحاكم وأبي علي الحافظ والخطيب: «... للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم» مقدمة تحفة الاحوذي: ص 131.
4- قال ابن ماجة: «عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع أو أكثرها ...» تذكرة الحفاظ: ج 2، ص 636 وقال المباركفوري: «سنن ابن ماجة فهو سادس الصحاح الستة» مقدمة تحفة الاحوذي: ص 134.
5- «كتاب المستدرك على الصحيحين ذكر فيه ما فات البخاري ومسلماً ممّا دلّ على شرطهما أو شرط أحدهما أو هو صحيح» فيض القدير في شرح الجامع الصغير: ج 1، ص 36.
6- قد التزم الحافظ الضياء المقدسي الصحة في كتابه «المختارة» كما قاله السيوطي في تدريب الراوي ج 1، ص 144 وقد أثنى عليه كل من ترجم له، تذكرة الحفاظ: ج 2، ص 1406.
7- بحار الأنوار: ج 2، ص 225.

ص: 184

يعتبرون تلك الرّوايات- إذا لم يوجد لها محمل صحيح- باطلة، ويعتقدون بأنّ القرآن الموجود الآن بين الدفتين هو هو القرآن الذي أُنزل على نبينا الأكرم محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بلا زيادة ولا نقيصة، ولو طفنا كلّ أرجاء المعمورة لوجدنا هذا القرآن هو هو بلا زيادة ولا نقص، ولو بحثنا عن مصحف كلّ مسلم أيّاً كان مذهبُه وفرقته التي ينتمي إليها لوجدنا أنّ مصحفه هو المصحف الموجود لدى سائر المسلمين، ولوجدنا أنّ هذا القرآن هو العامل المشترك الذي يجمع بين المسلمين، ولا يوجد أحد منهم- ممّن يُعتدّ بقوله- ينظر بريبة إلى سلامة القرآن الكريم من التّحريف.

ولنعم ما قاله في هذا الموضوع محمّد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية إذ كتب يقول:

«وأمّا الإمامية فمعاذ اللَّه أن يعتقدوا نقص القرآن، وإنّما هي روايات رُويت في كتبهم كما رُوي مثلها في كتبنا وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها وبيّنوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنه ليس في السنّة من يعتقده.

ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الإتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الرّوايات التي نضرب عنها صفحاً.

وقد ألّف أحد المصريين في سنة 1948 م كتاباً اسمه «الفرقان» ملأه بكثير من أمثال هذه الرّوايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلًا إيّاها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بيّن بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً، فحكم

ص: 185

القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.

أفيقال: إن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان؟ فكذلك الشيعة الإمامية، إنّما هي روايات في بعض كتبهم كالرّوايات التي في بعض كتبنا ...» (1).

ثمّ شرع بالاستشهاد بأقوال علماء الإمامية بنزاهة القرآن كالطبرسي في مجمع البيان، فمن شاء فليراجع.

وبناءً على هذا فليس من الانصاف الاشارة إلى الرّوايات المخالفة لنصّ القرآن الكريم والتي حكم بردّها المحققون، وجعل ذلك إشكالًا على كلّ من الخاصة والعامّة، وإنّما يجب علينا أن نأخذ جواب الفريقين ونرى إن كان دليلهم غير تامّ وغير صحيح فإنّا نجعله ضمن الأحاديث الموضوعة لأنّنا من جهة نمتلك الأدلة القطعية على صيانة القرآن من التّحريف، ومن جهة اخرى فإنّ من البديهي أنّ روايات تحريف القرآن- لم تستثن من سائر الرّوايات وهي- لم تسلم من الكذب والوضع بل يمكن وجود الكذب والدّس في الرّوايات التي هي من ضروريات الدين لا يختص بمذهب، إذ أنّ أعداء الإسلام حينما عجزوا عن النيل من القرآن عمدوا إلى وضع الرّوايات القائلة بتحريفه للنيل من ساحته القدسية.

وفي الفصل القادم سنسلط الضوء على أجوبة أهل السنّة عن تلك الروايات.

v

v

v


1- مقال الاستاذ محمّد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر، مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة، ص 382 و 383.

ص: 186

ص: 187

الفصل السادس نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن روايات تحريف القرآن

اشارة

لقد تنوعت أجوبة علماء السنّة عن تلك الرّوايات بين النفي والاثبات وهما على طرفي نقيض وعلى النحو التالي:

أ: الجواب عن روايات اللحن والخطأ في القرآن

وقد أورد بعضهم مجموعة تلك الرّوايات بدون أن يردّها أو يؤولها، وهذا الموقف مع التنبّه إلى المواقف الآتية يشعر بقبولهم لهذه الرّوايات.

من هؤلاء «إبن جزي الكلبي» (1) و «الخطيب الشربيني» (2) فقد نقلا قول عائشة وأبان بن عثمان في مورد اللحن والخطأ في كلمات: «الصابئون» و «المقيمين» و «إن هذان لساحران»، وأورد الشربيني رأي عثمان بن عفان بأنّه قال: «أرى فيه لحناً ...» وعلق عليه قائلًا: «وعامة الصّحابة وأهل العلم على أنّه صحيح» (3).

وقال «الراغب الأصبهاني»:


1- التسهيل: ج 1، ص 4.
2- السراج المنير: ج 1، ص 345.
3- المصدر السابق.

ص: 188

«كان القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة فلذلك وضعت احرف على غير ما يجب ان تكون عليه، وقيل: لما كتبت المصاحف وعرضت على عثمان وجد فيه حروفاً من اللّحن في الكتابة فقال: لا تغيّروها فإنّ العرب ستغيرها أو ستعبرها. ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف» (1).

والفخر الرازي يردّ هذه الروايات ويقول:

«وأمّا قوله: «والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة» ففيه أقوال، ثم روى الحديث عن عثمان وعائشة وقال: واعلم ان هذا بعيد؛ لأنّ هذا المصحف منقول بالنقل المتواتر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكيف يمكن ثبوت اللّحن فيه؟» (2).

وقال بمثله في رواية ابن عباس في شأن الآية «... حتى تسأنسوا ...» وأضاف:

«وفتح هذين البابين يطرق الشك في كل القرآن وانه باطل» (3).

وقال في الآية «إن هذان لساحران»:

«منهم من ترك هذه القراءة ثم قال: هذه القراءات لا يجوز تصحيحها، لأنّها منقولة بطريق الآحاد ...» (4).

وهكذا قال النيسابوري:

«روي عن عثمان وعائشة أنّهما قالا: «إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها» ولا يخفى ركاكة هذا القول، لأنّ هذا المصحف منقول


1- محاضرات الادباء: ج 2، ص 436.
2- التفسير الكبير: ج 11، ص 105- 106.
3- التفسير الكبير: ج 23، ص 196.
4- نفس المصدر: ج 22، ص 74.

ص: 189

بالتواتر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه؟!» (1) وقال ابن كثير في «... حتى تسأنسوا ...» بعد نقل قول ابن عباس:

«وهذا غريب جدّاً عن ابن عباس» (2).

ومثله عن الخازن في تفسيره (3)، وقال ابن الأنباري:

«وما روي عن عثمان لا يصح لأنّه غير متصل ومحال أن يؤخِّر عثمان شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ...» (4).

وقال الآلوسي في «والمقيمين»:

«ولا يلتفت إلى من زعم أنّ هذا من لحن القرآن ... وأمّا ما روي عن عثمان ... فقد قال السخاوي: إنّه ضعيف والإسناد فيه اضطراب وانقطاع.» (5) وقال الطبري بعد ذكر مختاره:

«وإنّما اخترنا هذا على غيره؛ لأنّه قد ذكر أنّ ذلك في قراءة أُبي بن كعب (والمقيمين) وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا ... مع أنّ ذلك لو كان خطأ من جهة الخطّ لم يكن الذين اخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلِّمون من عَلّموا ذلك من المسلمين على وجه اللّحن ... وفي نقل المسلمين جميعاً ذلك- قراءة على ما هو به في الخط مرسوماً- أدلّ دليل على صحة ذلك وصوابه وأن لا صنع في


1- غرائب القرآن ورغائب الفرقان: هامش تفسير الطبري: ج 6، ص 23.
2- تفسير القرآن العظيم: ج 3، ص 280.
3- تفسير الخازن: ج 1، ص 422.
4- عن فتح البيان: ج 6، ص 407- 408.
5- روح المعاني: ج 6، ص 13- 14.

ص: 190

ذلك للكتّاب» (1).

وقال الداني بعد ما روى عن عثمان:

«هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ولا يصح به دليل من جهتين ...» ثم بدأ بتأويل الرواية وقال: «أراد عثمان باللّحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم» (2).

وقال الزمخشري:

« «المقيمين» نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحناً في خطّ المصحف ...» (3).

وقال في الآية «... حتى تستأنسوا ...» بعد نقل الرّواية عن ابن عبّاس فيها:

«ولا يعوّل على هذه الرواية» (4).

هذه هي كلماتهم في ردّ تلك الأساطير، وفي «الإتقان» عن ابن الانباري أنّه جنح إلى تضعيف هذه الرّوايات (5)، وعليه الباقلاني في «نكت الانتصار» (6) وجماعة.

وجماعة ذهبوا إلى أبعد من كل هذا، وقالوا بوضع هذه الأحاديث واختلاقها من قبل أعداء الإسلام ...


1- جامع البيان: ج 6، ص 19.
2- تاريخ القرآن لمحمد طاهر الكردي: ص 65.
3- الكشاف: ج 1، ص 582.
4- نفس المصدر: ج 3، ص 59.
5- الإتقان: ج 2، ص 329.
6- نكت الانتصار: ص 127.

ص: 191

فيقول الحكيم الترمذي (1):

«... ما أرى مثل هذه الرّوايات إلّامن كيد الزنادقة ...» (2).

ويقول أبو حيّان الأندلسي:

«ومن روى عن ابن عباس ... وانه قرأ (حتّى تستأذنوا) فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين وابن عباس بري ء من هذا القول» (3).

ومثل هذا الموقف قاله بعض العلماء المعاصرين كصاحب المنار (4) ومحمّد أبو زهرة (5).

هذا وقد اغتاظ من هذا الموقف جماعة واستنكروه بشدّة ... ومن أشهرهم الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي تحامل على الزمخشري ومن كان على رأيه قائلًا بعد الحديث عن ابن عباس- كتبها وهو ناعس:

«وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتدّ انكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحته، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته- إلى أن قال:- وهي واللَّه فرية بلا مرية وتبعه جماعة بعده، واللَّه المستعان.

وقد جاء عن ابن عباس نحو ذلك في قوله تعالى: «وقضى ربك ألّا تعبدوا إلّاإيّاه» أخرجه سعيد ابن منصور باسناد جيّد عنه، وهذه الأشياء- وإن كان غيرها المعتمد- لكنّ تكذيب المنقول بعد صحّته


1- وهو الحافظ أبو عبد اللَّه محمّد بن علي، صاحب التصانيف، من ائمة علم الحديث، له ترجمة في تذكرة الحفاظ: ج 2، ص 645 وغيرها.
2- نوادر الاصول: ص 386.
3- البحر المحيط: ج 6، ص 445.
4- المنار: ج 6، ص 64 و 478.
5- المعجزة الكبرى: ص 43 واستشهد بكلام الرافعي القائل: «... نحسب أن أكثر هذا ممّا افترته الملحدة».

ص: 192

ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق» (1).

لكن ابن حجر وهو بصدد الدفاع عن هذه الأحاديث لم يذكر أيّ تأويل لائق على حدّ تعبيره!! (2)


1- فتح الباري: ج 8، ص 301.
2- انظر: التحقيق في نفي التّحريف: ص 228 وما بعدها.

ص: 193

ب: الجواب عن روايات التّحريف بالزيادة:

اختلف العلماء من أهل السنّة في حديث إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين ففي الإتقان، عن الفخر الرازي:

«نقل في بعض الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنّا إن قلنا إنّ النقل المتواتر كان حاصلًا في عصر الصّحابة يكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا لم يكن حاصلًا في ذلك الزمان فيلزم أنّ القرآن ليس بمتواتر في الأصل، قال: والأغلب على الظن أنّ نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة. وعن القاضي أبي بكر: «لا يصحُّ عنه- أي ابن مسعود- أنها ليست من القرآن ولا حفظ عنه». وعن النَّووي في شرح المهذّب:

«أجمع المسلمون على أنَّ المعوذتين والفاتحة من القرآن، ومن جحد منها شيئاً كفر وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح» وقال ابن حزم: «هذا كذب على ابن مسعود وموضوع ...» (1).

وقال الباقلاني في ذلك:

«أمّا دعوى من ادّعى أن ابن مسعود أنكر أن تكون المعوذتان قرآناً منزلًا وجحد ذلك، فإنّها دعوى تدل على جهل من ظنَّ صحتها وغباوته وشدة بُعده عن التحصيل ...» (2).

لكن ابن حجر استنكر هذا الموقف وردّه بشدة حيث قال في شرح البخاري:

«قد صح عن ابن مسعود انكار ذلك وبعد سرد الرّوايات قال: فقول


1- عن الإتقان: ج 1، ص 79- 80.
2- عن حاشية «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة: ص 43.

ص: 194

من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الرّوايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرّوايات صحيحة والتأويل محتمل ... ثم ذكر تأويل القاضي وغيره في هذا المجال مع اشكال وجواب» (1).

وبعد تنازع أهل السنّة في سند حديث انكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين بين كذب موضوع وصحيح مقبول، تنازعوا في تأويل هذا الانكار، فقال القاضي أبو بكر:

«... إنّما حكها واسقطها من مصحفه انكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً ...»

ثم قال ابن حجر بعد ذكر تأويل القاضي:

«هو تأويل حسن إلّاأنّ الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها؛ ويقول: انهما ليستا من كتاب اللَّه، قال ويمكن حمل لفظ كتاب اللَّه على المصحف فيتم التأويل المذكور، لكن قال: من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع قال: وقد أجاب ابن الصبّاغ ... انهما كانتا متواترتين في عصره لكنهما لم يتواترا عنده» (2).

وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن:

«... ظن ابن مسعود أنّ المعوذتين ليستا من القرآن؛ لأنّه رأى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوذ بهما الحسن والحسين (3)... فأقامه على ظنّه ولا نقول: إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار ...، وأمّا


1- عن الإتقان: ج 1، ص 80.
2- عن الإتقان: ج 1، ص 80.
3- أخرجه البخاري في كتاب الانبياء: باب قول اللَّه تعالى «واتخذ اللَّه إبراهيم خليلًا»: ج 6، ص 292- 293 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: ج 4، ص 2080- 2081.

ص: 195

إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنّه أنّها ليست من القرآن معاذ اللَّه ... ولكنّه ذهب إلى أنّ القرآن انما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان ورأى أن ذلك مأمون في سورة الفاتحة لقصرها ... ووجوب تعلمها على كلِّ أحد» (1).


1- تأويل مشكل القرآن: ص 42- 49 وعنه في جامع الأحكام للقرطبي: ج 20، ص 251 والإتقان للسيوطي: ج 1، ص 80.

ص: 196

ج: الجواب عن روايات إلقاء الشيطان في الوحي

فبعضهم ردّ الاسطورة وحكم بضعف إسنادها:

ومن هؤلاء: «القاضي عياض» قال:

«إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواهُ ثقة بسند سليم متصل وإنّما اولِعَ به وبمثله المفسرون والمؤرّخون المولعون بكلّ غريب، المتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم ...» (1).

ثمّ بحث القاضي عياض طرق هذا الحديث، وانتهى إلى أنّ اضطراب متنها وانقطاع سندها واختلاف كلماتها دليل على ضعف تلك الرّوايات.

وقال أبو جعفر النحاس: «الحديثان منقطعان» (2).

وبعضهم قَبِل تلك الاسطورة وعزاها إلى المفسرين. كالشيخ عبد القادر أبي صالح الجيلاني قال:

«قال أهل التفسير ... نعس النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فألقى الشيطان على لسانه: الغرانيق العلى عندها الشفاعة ترتجى يعني الأصنام ففرح المشركون بذلك» (3).

وممّن تابع عبد القادر الجيلاني في رأيه، الخفاجي في «نسيم الرياض» فهو لم يقبل قول القاضي عياض، وكذا أبو بكر بن العربي الذي يقول: «إنّ طرق هذا الحديث كلّها باطلة» يقول الخفاجي:

«فإنّ له طرقاً متعددة كثيرة متتابعة المخارج وكل ذلك يدل على أنّ له أصلًا، وقد ذكرنا له ثلاثة أسانيد منها ما هو على شرط


1- الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 2، ص 750.
2- كتاب الناسخ والمنسوخ: ص 13.
3- الغنية: ج 1، ص 195- 196.

ص: 197

الصحيح ...» (1).

وقد سار «ابن حجر» على هذه العقيدة فقال:

«... فإنّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنّ لها أصلًا وقد ذكرت أنّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح ... وإذا تقرر ذلك تعيّن تأويل ما وقع فيها ممّا يستنكر ... فإنّ ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنّه يستحيل عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ان يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته وقد سلك العلماء في ذلك مسالك ...» (2).

ثمّ ذكر محامل العلماء في هذه المسألة- وأورد بحث ونقد القاضي عياض- تلك المحامل التي لا تسمن ولا تغني من الحقّ شيئاً، ومن شاء فليرجع إلى فتح الباري (3).

وظاهر كلام ابن تيمية أنّه قبل اسطورة الغرانيق حيثُ قال- وهو بصدد معنى المحكم والنسخ من آيات القرآن-:

«فإنّ الكلام هنا فيما يلقي الشيطان ممّا نسخه اللَّه ثم يحكم اللَّه آياته، وجعل المحكم ضد الذي نسخه اللَّه مما ألقاه الشيطان ولهذا قال طائفة من المفسرين المتقدمين: إنّ المحكم هو الناسخ والمتشابه هو المنسوخ أرادوا واللَّه أعلم قوله: «فينسخ اللَّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته» (4)

والنسخ هنا رفع ما ألقاه الشيطان لا رفع ما شرعه اللَّه» (5).


1- نسيم الرياض: ج 4، ص 100.
2- فتح الباري كتاب التفسير، تفسير سورة الحج: ج 8، ص 439.
3- نفس المصدر: ج 8، ص 439.
4- سورة الحج 22: الآية 52.
5- التفسير الكبير: ج 2، ص 90.

ص: 198

د: الجواب عن الرّوايات التي تدلُّ على التّحريف بالنقيصة

1- البحث في أسانيد الأحاديث:

وهذه الأحاديث محلّ اختلاف وتنازع كثير جدّاً من ناحية السند؛ إذ إنّ بعض أهل السنّة يقول: إنّه من وضع الملاحدة واختلاقهم في كتب أهل السنة، وبعض آخر حكموا بصحة تلك الرّوايات وجلالة رواتها ووثاقتهم:

1- إسقاط آية: «لو أنّ لابن آدم وادياً» من سورة البينة:

قال ابن الانباري: «ان هذا باطل عند أهل العلم، لأنّ قراءتي ابن كثير وأبي عمرو متصلتان بابيّ بن كعب لا يفرقان فيهما هذا المذكور في: لم يكن» (1). لكن قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» (2).

2- إسقاط آية الحمية من سورة الفتح:

فقال بعضهم في آية الحمية المزعومة في سورة الفتح: «... فهذه وما يشبهها أحاديث لم تشتهر بين نقلة الحديث، وإنّما يرغب فيها من يكتبها طلباً للغريب» (3).

وقال في عدد سورة الأحزاب: «يحمل- إن صحّ، لأنّ أهل النقل ضعّفوا سنده- على أنّ تفسيرها ...» (4).

لكنّ ابن حزم الاندلسي قال: «هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه ...» (5).

والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه صحّحاه (6)، والضياء المقدسي في «المختارة في الحديث» يرى أنّه صحيح حيث التزم في المختارة أحاديث


1- مقدمتان في علوم القرآن: ص 85.
2- سنن الترمذي: ج 3، ص 203- 204.
3- مقدمتان في علوم القرآن: ص 92.
4- نفس المصدر.
5- المحلى: ج 11، ص 23.
6- المستدرك مع تلخيصه: ج 2، ص 415.

ص: 199

صحاحاً (1).

3- إسقاط آية الرّضاع:

قال الطحاوي في «آية الرّضاع»:

«هذا ممّا لا نعلم أحداً رواه كما ذكرنا، غير عبد اللَّه بن أبي بكر، وهو عندنا وَهْم منه، أعني ما فيه ممّا حكاه عن عائشة أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم توفي وهُنّ مما يقرأ من القرآن» (2).

وقال النحّاس بعد ذكر حديث الرضاع:

«فتنازع العلماء [في] هذا الحديث لما فيه من الإشكال، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس وهو راوي الحديث ... وممّن تركه أحمد بن حنبل وأبو ثور ...» (3).

وقال السرخسي: «... حديث عائشة لا يكاد يصحّ» (4).

وقال صاحب المنار:

«... إنّ الرواية عن عائشة مضطربة ... وردّ هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السّلف والخلف بها ...» (5).

واعترف بعضهم بوضع الملاحدة في كتب القوم، فمنهم صاحب الكشاف، حيث قال:

«... وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أنّ ذلك ضاع بأكل الداجن من غير


1- نقلًا عن روح المعاني: ج 12، ص 216.
2- مشكل الآثار: ج 3، ص 7- 8.
3- الناسخ والمنسوخ: ص 12.
4- الاصول: ج 2، ص 78.
5- المنار: ج 4، ص 472.

ص: 200

نسخ» (1).

ومثله عن الدكتور مصطفى زيد حيث قال:

«نحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار- أي منسوخ التلاوة باقي الحكم- بالرغم من ورودها في الكتب الصّحاح ... وفي بعض هذه الرّوايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر ولا عائشة، ممّا يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسّها على المسلمين» (2).

هذا وقال ابن حزم في آيتي الرضاع الكبير والصغير أيضاً:

«هذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع أحداً الخروج عنها!» (3).

ورواه مسلم في صحيحه عن طريق مالك وعن طريق يحيى بن سعيد وما جاء في صحيح مسلم، صحيح لا محالة عنده (4).

2- البحث في متون الأحاديث:
اشارة

فالمعروف في هذه الأحاديث- بعد اعترافهم بأنّها أكثر من أن تحصى (5)-، حملها على القراءة الواردة أو نسخ التلاوة، لئلّا يلزم ضياع شي ء من القرآن ولا الطعن فيما أخرجه الشيخان وما رواه الأئمة الأَعيان وسوف نبحث حول نسخ التلاوة إن شاء اللَّه تعالى، لكن أوردنا هنا وجوهاً أُخر من التأويلات، منها:


1- الكشاف: ج 3، ص 518.
2- النسخ في القرآن: ج 1، ص 283.
3- المحلي: ج 10، ص 14- 16.
4- صحيح مسلم: ج 4، ص 167.
5- روح المعاني: ج 1، ص 46.

ص: 201

1- الحمل على التفسير والتأويل:

قال ابن سلّام بعد أن أخرج شطراً من تلك الرّوايات:

«فهذه الحروف وأشباهٌ لها كثيرة، قد صارت مفسرة للقرآن ... وإنّما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللّوحين ويكون دلائل على معرفة معانيه وعلم وجوهه» (1)، وقد حمل بعضهم على التفسير عدداً من الأحاديث بخصوصها

ومن ذلك: ماورد حول آية المحافظة على الصلوات عن عائشة وحفصة من الحاق كلمة «وصلاة العصر» بقوله تعالى: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى» بأن الكلمة ادرجت على سبيل التفسير والايضاح» (2).

ومن ذلك: ماورد عن أبي موسى الأشعري حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة، فقد ذكر بعضهم له وجوهاً منها:

«إنّه يجوز أن يكون تفسيراً، وحفظ منها أي من تفسيرها ومعناها» (3).

ومن ذلك: ماورد حول ما أسميناه بآية الجهاد:


1- فضائل القرآن: ص 195.
2- البرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 215، مباحث في علوم القرآن: ص 112.
3- مقدمتان في علوم القرآن: ص 97 ومن الجدير ذكره: أن هاتين المقدمتين، احداهما عن ابن عطية الاندلسي، والاخرى عن مقدمة كتاب «المباني لنظم المعاني» الذي لم يعرف مؤلّفه في البداية حتّى تصحيح وتحقيق كتاب «زين الفتى» فحينئذ تبيّن أنّ مؤلِّفهما واحد وهو: الحافظ أحمد بن محمّد بن أحمد العاصمي، المولود سنة 378 ه.، إذ يقول في مواضع مختلفة من كتابه «زين الفتى»: «وقد بيّنت وجوه الاحتجاج التي في هذا الفصل في كتاب المباني لنظم المعاني» انظر: زين الفتى تحقيق محمّد باقر المحمودي: ج 1، ص 85، 96 و 102 وج 2، ص 8.

ص: 202

«يحمل على التفسير، والمراد من «أسقط من القرآن» أي: أسقط من لفظه فلم تنزل الآية بهذا اللفظ، لا أنها كانت منزلة ثم اسقطت، وإلّا فما مَنَعَ عمر وعبدالرحمن من الشهادة على أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه» (1).

وفي الفرقان:

«وقد ذهب بعضهم إلى أن أغلب ما وجد من الخلاف إنّما هو من وضع بعض كلمات بين الأسطر تفسيراً لما في المصحف فظنّها القارئ من جنس القرآن خطأً وليست من القرآن» (2).

ومن ذلك: ماورد عن زرّ بن حبيش، عن ابيّ بن كعب، أنه قال له:

«كم تقرأ سورة الأعراف- كذا، والذي نقلنا سابقاً عن مصادرهم كم تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثاً وسبعين آية ...» فقد قيل: «يحمل إنْ صحّ- لأنّ أهل النقل ضعفوا سنده- على أن تفسيرها كان يوازي سورة البقرة وإن في تفسيرها ذكر الرجم الذي وردت به السُّنة» (3).

2- الحمل على السنّة:

وهذا وجه آخر اعتمد عليه بعض العلماء بالنسبة لعدد من الأحاديث:

ومن ذلك: قول أبي جعفر النحّاس وبعضهم في آية الرجم:

«إسناد الحديث صحيح، إلّاأنّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنّها سُنّة ثابتة ... وقد يقول الإنسان: «كنت أقرأ كذا» لغير القرآن، والدليل على هذا أنّه قال: ولولا أنّي أكره أن


1- مقدمتان في علوم القرآن: ص 100.
2- الفرقان: ص 110.
3- مقدمتان في علوم القرآن: ص 83.

ص: 203

يقال: زاد عمر في القرآن، لزدته» (1).

ومن ذلك: قول بعضهم حول آية: «لو كان لابن آدم ...»:

«إنّ هذا معروف في حديث النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، على أنّه من كلام الرسول لا يحكيه عن ربّ العالمين في القرآن ... ويؤيّده حديث روي عن العبّاس بن سهل، قال: سمعت ابن الزُّبير على المنبر يقول:

قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أنّ ابن آدم اعطي واديان ...» (2).

وهو قول العلّامة الزبيدي حيث ذكره في كتابه في الأحاديث المتواترة وقال:

«الحديث الرابع والأربعون: «لو أنّ لابن آدم وادياً من ذهب لأحبَّ ...» رواه من الصّحابة خمسة عشر نفساً ...» (3).

ويؤيد هذا الحمل ما قد روى مسلم بعدة أسانيد، أنّه من حديث الرسول (4) وهكذا في رواية أبي نعيم الأصبهاني (5).

3- الحمل على الحديث القدسي:

وعليه حمل ابن قتيبة إذ قال:

«يجوز أن يكون أنزله وحياً إليه كما كان تنزل عليه أشياء من أمور الدين ولا يكون ذلك قرآناً ... كقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: يقول اللَّه تعالى: إنّي خلقت عبادي جميعاً حنيفاً ...» (6)


1- الناسخ والمنسوخ: ص 8.
2- مقدمتان في علوم القرآن: ص 85.
3- المصدر السابق: ص 87- 88.
4- صحيح مسلم: ج 3، ص 100.
5- حلية الاولياء: ج 3، ص 316.
6- تأويل مختلف الحديث: ص 292.

ص: 204

وهكذا حمله الحافظ أحمد العاصمي (المولود 378 ه.) فقال:

«إنّ هذا من جنس ما كان نزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأمر والنهي وغير ذلك على جهة التبليغ لا على جهة أنّه قرآن يُتلى ويكتب في المصاحف؛ لأنّه لو كان من القرآن المتلوّ المكتوب في المصاحف لما بطل بأكل الداجن ولما سقط بالنسخ، واللَّه عزّ وجلّ يقول: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» وقال: «لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه»، ولو كان من القرآن لما اجتمع الناسخ والمنسوخ في آية واحدة بل كانت الآية الناسخة تتأخر عن المنسوخ كما لا يجوز أنْ يجتمع حكمان مختلفان في وقت واحد وحال واحدة.

وكيف يجوز أن يكون قرآناً يُتلى على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما أخبرت به عائشة رضي اللَّه عنها ولا يحفظه واحد من الصحابة ولا كاتب الوحي الذي جمع القرآن في زمن أبي بكر وعثمان وهو زيد بن ثابت رضي اللَّه عنهم، ولو كان من القرآن لما احتمل ما يذكرون حدوثه من السَّهو والإغفال والتفريط حتّى أكله الداجن أو سقط من المصحف مع شدة حرص الصّحابة رضي اللَّه عنهم على جمعه وحفظه كما لم يحدث في غيره من الآي، يدل على أنّه من جنس ما كان ينزل عليه على جهة التبليغ والرِّسالة لا على جهة أنّه قرآن يتلى أو يكتب. ومن نحو هذا ما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال حكاية عن ربّه عزّ وجلّ: «كل عمل ابن آدم له إلّاالصوم فإنّه لي وأنا أجزي به» وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» وما نحوها، أخبار كثيرة ... وقولها (أي عائشة) «كانت في صحيفة» تجوز أن تكون من السنة المكتوبة في

ص: 205

الصحيفة لأنّهم كانوا يكتبون السنن في الصحيفة.

ويحتمل- إن صحت هذه اللفظة- أن يكون من القرآن متأوَّلًا مفسّراً من حكمه لا متلواً من لفظه ونظمه ولولا أنه كذلك لما كانت الأمّة تجمع على إسقاط ما ضمّن اللَّه» (1).

ويظهر ذلك- أي الحمل على الحديث القدسي أيضاً- من رواية أبي واقد اللَّيثي حيث قال:

«كنّا نأتي النبيَّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا انزل عليه، فيحدثنا فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لنا ذات يوم: إنّ اللَّه عزّ وجلّ قال: انا أنزلنا المال لإقام الصلوة وايتاء الزَّكاة ولو كان لابن آدم وادٍ لأحبّ أن يكون إليه ثان ...» (2).

وقال ابن حزم:

«قد قال قوم في آية الرجم: إنّها لم تكن قرآناً وفي آية الرضعات كذلك، ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنّها كانت قرآناً متلوّاً في الصلوات ولكنّا نقول: إنّها كانت وحياً أوحاه إلى نبيّه كما أوحى إليه من القرآن فقرئ المتلوّ مكتوباً في المصاحف والصلوات، وقرئ سائر الوحي منقولًا محفوظاً معمولًا به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط» (3).

4- الحمل على الدعاء:

وهذا ما قاله بعضهم في ما سمّي بسورة «الحفد» وسورة «الخلع» فقال:


1- المباني لنظم المعاني: المخطوط، الورقة 62، 63، 64 وعنه في: «مقدمتان في علوم القرآن»: ص 85- 86.
2- مسند أحمد: ج 5، ص 219.
3- الأحكام في أصول الأحكام: ج 1، ص 93 وعنه فتح المنان في نسخ القرآن: ص 226- 227.

ص: 206

«وأمّا ما ذكر عن ابي بن كعب انه عدّ دعاء القنوت: اللّهم انا نستعينك ... سورة من القرآن، فانه- إن صحّ ذلك- كتبها في مصحفه لا على أنّها من القرآن بل ليحفظها ولا ينساها احتياطاً، لأنّه سمع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان يقنت بها في صلاة الوتر ...» (1).

5- الحمل على الوضع أو الخطأ في الفهم:

قال الآلوسي فيما أخرج أبو عبيد في الفضائل وابن الانباري وابن مردويه، عن عائشة حيث قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مئتي آية، فلمّا كتب عثمان رضي اللَّه عنه المصاحف لم يقدر منها إلّاعلى ماهو الآن:

«وهو ظاهر في الضياع من القرآن، ومقتضى ما سمعت أنّه موضوع، والحق ان كل خبر ظاهره ضياع شي ء من القرآن إمّا موضوع أو مؤوَّل» (2).

وقال الرافعي:

«ولا يتوهمن أحد أنّ نسبة بعض القول إلى الصحابة نصّ في أنّ ذلك المقول صحيح البتة؛ فإن الصحابة غير معصومين وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم من فهم أشياء من القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذلك العهد هو ما هو. ثم بما ذَهَلَ عنه بعضهم مما تحدثوا من أحاديثه الشريفة فأخطأوا في فهم ما سمعوا ...» (3).


1- مقدمتان في علوم القرآن: ص 75.
2- روح المعاني: ج 12، ص 217.
3- اعجاز القرآن: ص 44.

ص: 207

6- القول بالتحريف:

وهو ظاهر قول أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي (ت/ 328 ه.) قال:

«إنّ عثمان قد أسقط من القرآن خمسمائة حرف وإنّه والصحابة زادوا في القرآن ما ليس فيه ... والمصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيرة» (1).

وأيضاً قول الشعراني حيث قال:

«ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان» (2).

وفي القرن الأخير محمد الخطيب حيث ألّف كتاب الفرقان في سنة 1948 م.

وحشاه بتلك الروايات وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب (3).

وعلى هذا قد تبيّن زلة أخرى من الدكتور القفاري حيث اتّهم محمّد مهدى الآصفي بأنّه كذب على علماء أهل السنة حيث قال:

«شذّ عن اجماع الفريقين على سلامة القرآن من التحريف بعض الشيعة وبعض أهل السنة» (4).


1- انظر: تفسير القرطبي: ج 1، ص 45 وتاريخ بغداد: ج 1، ص 280 والمرشد الوجيز: ص 186 وسيأتي تفصيل البحث عنه في المقام الثاني مبحث «بداية هذا الافتراء كما تقوله مصادر أهل السنة».
2- الكبريت الاحمر المطبوع بهامش اليواقيت والجواهر: ج 1، ص 143 والشعراني هو الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني ت 973 ه.، من فقهاء الحنفية له مؤلفات كثيرة في الحديث والمواعظ وغيرها من العلوم. انظر: شذرات الذهب: ج 8، ص 372 وغيرها.
3- انظر مقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر، مجلة رسالة الإسلام، العدد الرابع من السنة الحادية عشرة: ص 382 و 383.
4- أصول مذهب الشيعة: ص 216.

ص: 208

إلى هنا تبيّن أن بعض أهل السنة اعتمد تلك الرّوايات للاستدلال بها على وجود لحن وخطأ في القرآن- نعوذ باللَّه- في الوقت الذي يعتبر فيه جمع آخر منهم أنّ هذه الرّوايات مردودة، وذهب جمع إلى أنّ تلك الرّوايات التي يستفاد منها سقوط آيات من سورة الأحزاب وسورة لم يكن، ووجود سورة شبيهة بسورة براءة و ...، حملوها على أنّها من التفسير أو السنة، وقد حمل بعضهم وجود بعض السورة كسورتي الحفد والخلع بأنّهما من باب الدعاء، بينما عدّ جمع آخر هذه الرّوايات باطلة. وجمع آخر قَبِل هذه الرّوايات بالاجمال وقال: إنّها تحمل على التأويل بيد أنّه لم يذكر نوع التأويل، كما عدّ قسم آخر هذا التأويل من باب الحديث القدسي.

ولكن المحصل من آراء الكثير من علماء أهل السنة هو اعتبار هذه الرّوايات صحيحة وأن الآيات المذكورة فيها نسخت وسمّوا ذلك «نسخ التلاوة دون الحكم أو مع الحكم» وإليك تفصيلها:

ص: 209

دراسة في نسخ التلاوة:

اشارة

استدلّ بعض علماء أهل السنة بوجود آيات منسوخة التلاوة على وجه العموم بآيتين كريمتين:

أ- آية «ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها» (1).

فيكون المعنى- على حدّ زعمهم- ما ننسخ من آية من آيات القرآن أو نمحها من الأَذهان، نأت بآيات قرآنية خير منها أو مثلها.

ب- آية «وإذا بدّلنا آية مكان آية ...» (2).

فيكون المعنى فيها أيضاً: إذا بدّلنا آية من آيات سور القرآن مكان آية أخرى.

وقد استشهد علماء السنة بالآيتين (3) وأوردوا في تفسيرهما الرّوايات السابقة


1- البقرة 2: الآية 106.
2- سورة النحل 16: الآية 101.
3- بعض العلماء اعتقدوا أنّ هاتين الآيتين لا تدلان على نسخ التلاوة اطلاقاً وذلك لامور، نلخص جملةمنها: فأوّلًا: ان لفظ «آية» في قوله تعالى «ما ننسخ من آية ...» إذا ورد في القرآن الكريم بصيغة المفرد فانه يراد به الأمر العظيم الخارق للعادة لا الفقرة القرآنية. ثانياً: ولو سُلِّمَ، ان قوله تعالى «ما ننسخ من آية ...» قد ورد في مقام التعريض باهل الكتاب والمشركين فلابد وان يراد به نسخ ما ورد في الشرايع السابقة لاجل هذه القرينة السياقية. فانظر إلى سياق الآيات فانها كما يلي: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها الم تعلم ان اللَّه على كل شي ء قدير* الم تعلم ان اللَّه له ملك السموات والأرض وما لكم من دون اللَّه من وليّ ولا نصير* ام تريدون ان تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل و ...». فمع وجود هذه القرائن التي قبل الآية وبعدها نعلم ان المقصود من الآية هاهنا هو تبديل استقبال بيت المقدس في الصلاة بحكم استقبال الكعبة فيها، ومن ثمّ ندرك انّ المقصود من تبديل آية مكان آية في قوله تعالى: «وإذا بدّلنا آية مكان آية ...» تبديل حكم استقبال بيت المقدس في الصلاة بحكم استقبال الكعبة فيها، أو نظائره. فانظر «القرآن الكريم وروايات المدرستين»: ج 2، ص 351 وما بعدها و «حقائق هامة حول القرآن الكريم»: ص 314.

ص: 210

التي تتحدث عن نقصان القرآن (1). وبتفسيرهم هذا وجدوا حلّاً لمعضلة تلكم الرّوايات وقالوا: إنّها نسخت تلاوتها، أي إن اللَّه سبحانه كان قد أنزل على نبيّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم تلكم الآيات والسور ثم نسخها مع حكمها أو بدون حكمها.

فقال ابن حزم:

«فأمّا قول من لا يرى الرجم أصلًا فقول مرغوب عنه، لأنّه خلاف الثابت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد كان نزل به القرآن ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه» (2).

وعلى ذلك حمل «أبو شامة» وكذا «الطحاوي» فقال:

«لكنّ عمر لم يقف على النسخ فقال ما قال ووقف على ذلك غيره من الأصحاب» (3).

وقال السيوطي:

«وأمثلة هذا الضرب كثيرة».

ثمَّ حمل قول ابن عمر: «لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كلَّه ... قد ذهب منه قرآن كثير ...». وكذلك ما روي عن عائشة في شأن سورة الأحزاب (4).

وفي «المحلّى» بعد أن روى قول ابي بن كعب في عدد آيات- مزعومة من- سورة الأحزاب قال:

«هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه ... ولو لم ينسخ لفظها


1- أورد «الطبري» بتفسير آية «ما ننسخ ...» قليلًا منها: ج 1، ص 378- 383 و «السيوطي» كثيراً منهافي «الدرّ المنثور»: ج 1، ص 104- 106.
2- المحلى: ج 11، ص 234.
3- المرشد الوجيز: ص 42.
4- الاتقان في علوم القرآن: ج 2، ص 81.

ص: 211

لأقرأها أُبي بن كعب زِرّاً بلا شك ولكنّه أخبره بأنّها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له: إنّها تعدل الآن؛ فصح نسخ لفظها» (1).

وقال «الآلوسي»:

«اسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة ...»

ثمّ ذكر طائفة من الآثار الدّالة على نقصان القرآن عن كتبهم وقال:

«ومثله كثير وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر أنّه قال: «لا يقولَنَّ أحدُكم ...» والرّوايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلّا أنّها محمولة على ما ذكرنا» (2).

ووافق «الزرقاني» على حمل هذه الأحاديث على النسخ لورود ذلك في الأحاديث (3)، وكذا ذكر غيرهم.

وقد عدّ الدكتور القفاري أيضاً كل هذه الطوائف من الرّوايات من باب «القراءة الواردة» أو «منسوخ التلاوة» تبعاً لغيره، ودافع عن هذه النظرية بشدّة قائلًا:

«إنّ تلك الآثار كان قرآناً ثمّ رفع في حياة الرسول والوحي ينزل، ولهذا وضعت من باب النسخ من مباحث علوم القرآن عند أهل السنة ...» (4).

ونسب هذا النسخ إلى اللَّه تعالى ودافع عنه وقد أصرّ على أن نظر السيد الخوئي رحمه اللَّه تعالى في ردّ هذه النظرية يوصد باب نسخ التلاوة الذي هو بمثابة القاعدة


1- المحلى: ج 11، ص 234.
2- روح المعاني: ج 1، ص 45.
3- مناهل العرفان: ج 2، ص 225.
4- اصول مذهب الشيعة: ص 1019. أورد الدكتور القفاري مزعومة نسخ التلاوة في مواضع عديدة من كتابه انظر: ص 1031، 1052 و ...

ص: 212

الثابتة من اللَّه تعالى؛ ولهذا نراه يتهم السيد الخوئي بالتظاهر بالدفاع عن القرآن، فيقول:

«... وكأنّه أراد [السيد الخوئي] ان يوصد هذا الباب ويرد هذه القاعدة الثابتة [أي نسخ التلاوة] ليثبت بطريق ملتو عقيدة في نفسه يكاد يخفيها ...» (1).

وأخيراً فإن الدكتور القفاري يجعل من نظرية نسخ التلاوة أمراً مشتركاً بين الفريقين (2)، مع أنّه لا يخفى أنّ من يقول بنسخ التلاوة في آيات القرآن لا يحتاج إلى التواتر في اثبات آيات الوحي (3)، أو التواتر في نسخها؛ لأنّا نرى أنّ من روى تلك الآيات المزعومة هم ثلة قليلة لا تبلغ حد التواتر ك «عائشة»، «عمر بن الخطاب»، «عبد اللَّه بن عمر»، «ابي بن كعب» و «أبو موسى الأشعري» ولو كانت متواترة لكثر الراوون لها، بل انهم قرأوا تلك الآيات المزعومة ولا يعلمون أنّها منسوخة (4) ومع ذلك يعتبر أكثر علماء أهل السنة أنها من آيات الوحي أولًا ونسخها ثانياً.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 247- 248 وج 3، ص 1053، وقد تقدم نص كلام الدكتور القفاري بتمامه.
2- هذا جهل أو تجاهل وسيأتي في المقام الثاني ان شاء اللَّه تعالى نص عبارات علماء الإمامية وهم يقولون بامكان نسخ التلاوة في عالم الامكان والثبوت في ردّ من أنكر وقال انه محال ذاتاً- وهو شاذ من المعتزلة- لا في عالم الوقوع والاثبات إلّافي آية الرجم ولا يخفى على ذي حجىً البون الشاسع بين مقام الثبوت ومقام الاثبات.
3- وان كانوا يقولون: «لا خلاف ان كل ما هو من القرآن يجب ان يكون متواتراً في اصله واجزائه، واما في محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققي أهل السنة للقطع بان العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله.» الاتقان: ج 1، ص 77- 78.
4- كما صرح به الآلوسي وقال: «... اسقط زمن الصديق ما لم يتواتر ... وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ ...» روح المعاني: ج 1، ص 45.

ص: 213

هل نسخ التلاوة واقع أم خيال؟

نأتي هنا إلى بحث الجانب التطبيقي لنظرية «نسخ التلاوة»، يعني أننا لو فرضنا أن هذه الأنواع الثلاثة من النسخ ممكنة ثبوتاً، وأيضاً على فرض أن هاتين الآيتين «ما ننسخ من آية أو ننسها ...» و «وإذا بدلنا آية مكان آية» ناظرتان إلى نسخ التلاوة، مع هذه الفرضيات نقول: إنّ هذه الرّوايات التي تتحدث عن نقصان القرآن هل يمكن أن يشملها نسخ التلاوة أم أنها في مقام التطبيق تواجه اشكالات كثيرة جداً؟ وهنا لسنا بحاجة إلى أدلة علماء الإمامية، في ردّهم على تلك النظرية، بل يكفي الاعتماد على أدلّة جماعة من متقدمي أهل السنّة ومتأخريهم في ردّهم لتلك النظرية- نسخ التلاوة- في مقام التطبيق.

وأدلتهم تلك تنقسم الى أقسام ثلاثة:

1- إنّ هذه الرّوايات أخبار آحاد ومن البديهي أنه لا يمكن اثبات آية قرآنية أو إثبات نسخها اعتماداً على خبر الواحد:

قال الزركشي في مورد آية الرضاع المزعومة:

«حكى القاضي أبو بكر (ت 403) في «الانتصار» عن قوم إنكار هذا الضرب لأنّ الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على انزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها» (1).

وقد ردّ «أبو جعفر النحّاس» (ت 338) منسوخ التلاوة دون الحكم بقوة وأورد في جملة كلامه حديث الرجم عن عمر بن الخطاب وقال:

«واسناده صحيح إلّاأنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله جماعة عن الجماعة ولكنّه سنة ثابتة ...» (2).


1- البرهان في علوم القرآن: ج 2، ص 39- 40 وأيضاً حكى عنه الاتقان في علوم القرآن: ج 2، ص 85.
2- الناسخ والمنسوخ: ص 10- 11.

ص: 214

وقال أبو عبد اللَّه بن ظفر صاحب كتاب «الينبوع في التفسير»:

«خبر الواحد لا يثبت القرآن وقد صرّحوا- أي العلماء- بعدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ونسبه «القطّان» إلى الجمهور» (1).

وقال الشوكاني:

«لقد اختلف في المنقول آحاداً هل هو قرآن أم لا، فقيل: ليس بقرآن لأنّ القرآن ما تتوفر الدواعي على نقله ... فما لم يتواتر فليس بقرآن (2).

وقال في موضع آخر: منع قوم من نسخ اللّفظ مع بقاء الحكم وبه جزم «شمس الدين السرخسي» لأنّ الحكم لا يثبت بدون دليل» (3).

وقال ابن الجزري:

«... فما عدا مصحف عثمان- وهو المصحف الموجود- لا يقطع عليه وإنّما يجري مجرى الآحاد» (4).

وهكذا غيرهم من العلماء (5).

ومن المعاصرين «رشيد رضا» (6) و «صبحي الصالح» و «الرافعي» (7) و «مصطفى زيد» (8) وغيرهم حيث أنكروا نظرية نسخ التلاوة، فقال صبحي الصالح:

«والولوع باكتشاف النسخ في آيات الكتاب أوقع القوم في أخطاء


1- عن «صبحي الصالح» مباحث في علوم القرآن: ص 265.
2- ارشاد الفحول: ص 30.
3- المصدر السابق: ص 180- 190.
4- النشر في القراءات العشر: ص 32.
5- انظر: الموافقات للشاطبي: ج 3، ص 105- 106، البرهان للزركشي: ج 2، ص 35 وما بعدها ونواسخ القرآن لابن الجوزي: ص 8.
6- المنار: ج 1، ص 413- 415.
7- اعجاز القرآن: ص 44.
8- النسخ في القرآن الكريم: ج 1، ص 283.

ص: 215

منهجية كان خليقاً بهم أن يتجنبوها لئلّا يحملها الجاهلون حملًا على كتاب اللَّه ... لم يكن خفياً على أحد منهم أنّ الآية القرآنية لا تثبت إلّا بالتواتر، وأنّ أخبار الآحاد ظنية لا قطعية وجعلوا النسخ في القرآن- مع ذلك- على ثلاثة أضرب: نسخ الحكم دون التلاوة، نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم والتلاوة جميعاً ... ففي الضربين الثاني والثالث اللّذين نسخت فيهما بزعمهما تلاوة آيات معينة أمّا مع نسخ أحكامها وأمّا دون نسخ أحكامها والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركّباً وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على انزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها ...» (1).

وفي تفسير «المنار»:

«ان عائشة نقلت آية خمس رضعات معلومات يحرمن نقل قرآن لا نقل حديث ... [لكن] لو صحّ أن ذلك قرآناً يتلى لما بقي علمه خاصاً بعائشة بل كانت الرّوايات تكثر فيه ويعمل به جماهير الناس ويحكم به الخلفاء الراشدون وكل ذلك لم يكن ...» (2).

2- نصوص الآيات المزعومة لا تتفق مع سنخ آيات القرآن:

من البديهي أنّ الآيات التي أُوردت بعنوان «منسوخ التلاوة» يجب ان تتوافق مع بقية الآيات القرآنية من حيث الاسلوب والفصاحة والبلاغة في حدّ الإعجاز، فإن الآيات المزعومة طبقاً لهذه النظرية كانت ممّا نزل من اللَّه تعالى في الأصل، لكنّها نسخت بعد ذلك، ولكن لو نظر إليها أيّ شخص له أدنى معرفة بآيات القرآن


1- مباحث في علوم القرآن: ص 265- 266.
2- المنار: ج 4، ص 471- 474.

ص: 216

الكريم لأذعن بأنّها خزعبلات ليس فيها من طلاوة وعذوبة آيات القرآن الكريم من شي ء، بل على العكس يظهر منها ولأوّل وهلة التناقض والاختلاف، ولو كانت من عند اللَّه لم يرد فيها هذا الاضطراب والتناقض، يقول عزّ وجلّ: «ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً» (1).

قال في الفرقان:

«... ومن ذلك أيضاً ما يدّعونه من نسخ تلاوة «إنا أنزلنا المال لاقام الصلوة وإيتاء الزكاة ولو أنّ لابن آدم وادياً لأحبّ ...» ونسخ تلاوة «وان اللَّه يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم» ونسخ تلاوة «يا أيّها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم ...» وكثير غير هذا يضيق المقام عن ذكره ويعلم العقلاء انه ليس بكلام الخالق تعالى وليست له طلاوة وليست به حلاوة وعذوبة وليست عليه بهجة بل ويتبرأ من ركاكته المخلوقون فكيف برب العالمين» (2).

وقال «صبحي صالح»:

«ومما يدل على اضطراب الرواية، أنّ في صحيح ابن حبان ما يفيد أن هذه الآية التي زعموا نسخ تلاوتها كانت في سورة الأحزاب لا في سورة النور ...» (3).

وأخيراً قال «العلامة البلاغي» من علماء الإمامية:

«هب ان المعرفة والصدق لا يطلبان المحدثين «ولا نقول القصاص» ولا يسألانهم عن هذا الاضطراب الفاحش فيما يزعمون انه من


1- سورة النساء 4: الآية 64.
2- الفرقان: ص 157- 158.
3- مباحث في علوم القرآن: ص 266.

ص: 217

القرآن ولا يسألانهم عن التمييز بين بلاغة القرآن وعلو شأنه فيها وبين انحطاط هذه الفقرات، ولكن أليس للمعرفة ان تسألهم عن الغلط في قولهم «لا المشركة» فهل يوصف الدين بأنّه مشركة؟ وفي قولهم «الحنيفة المسلمة» وهل يوصف الدين أو الحنيفة بأنّه مسلمة؟ ...» (1).

ثمّ تطرق إلى الاضطراب والغلط في قولهم «انا انزلنا المال لاقام الصلوة ...» فقال:

«أو لم يكونوا عرباً أو لهم إلمام باللغة العربية ... وها أنت ترى روايات عائشة وجابر وأنس وابن عباس تجعل حديث الوادي والواديين من قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وتمثله فهي بسوقها تنفي كونه من القرآن الكريم ومع ذلك فقد نسب إلى كلام الرسول صلّى اللَّه عليه وآله ما يأتي فيه بعض من الاعتراضات المتقدمة مما يجب ان ينزّه عنه ودع عنك الاضطراب الذي يدع الرواية مهزلة» (2).

3- إنّ نسخ الآيات إنّما يختص بزمن نزول الوحي وبعض تلك الأخبار توحي بأنّ النسخ كان بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وانقطاع الوحي:

وهذا اشكال متين لأنّ موضوع النسخ والإنساء بعد انقطاع الوحي بوفاة الرّسول صلّى اللَّه عليه وآله منتف موضوعاً كما هو معلوم، ولكن كلام بعض الناقلين الذين رووا هذه الآيات المزعومة يوحي بأنّها كانت تتلى حتّى بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وليست من النسخ في شي ء.

فهذه عائشة تقول في آية الرضاع المزعومة:


1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ص 20.
2- المصدر السابق: ص 21.

ص: 218

«فتوفي رسولُ اللَّه وهنّ مما نقرأ من القرآن» (1).

وأيضاً قولها:

«كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مأتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّاعلى ما هو الآن» (2).

وذاك عمر بن الخطاب القائل:

«واللَّه لولا أن يقول القائلون زاد عمر في كتاب اللَّه لأثبتها كما انزلت» (3).

وقول حميدة بنت أبي موسى قالت:

«قرأ عليّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: «إنّ اللَّه وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليماً وعلى الّذين يصلون الصفوف الأول، قالت قبل أن يغير عثمان المصاحف» (4).

أليس هذا القول صريحاً في عدم النسخ في عصر نزول الوحي؟ بل إنّ عائشة لم


1- سبق ذكر مصادره، منها الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع، ص 605.
2- فضائل القرآن لابن سلام: ص 190 و الدرّ المنثور: ج 5، ص 180.
3- فضائل القرآن لابن سلام: ص 191. أو في هذه الرواية التي يقول فيها عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: «الم تجد فيما انزل علينا، ان جاهدوا كما جاهدتم اوّل مرّة فأنا لا اجدها، قال: اسقطت فيما اسقط من القرآن» فاذا كانت هذه الآية قد نسخت في زمن الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فهل يعبّر عنها بقوله: «اسقطت فيما ...» أو يجب التعبير ب «نسخت فيما نسخ من القرآن»؟ ورواية أبو بكر بن أبي داود عن ابن شهاب الزهري قال: «بلغنا أنّه كان انزل قرآن كثير فقتل علماءُه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب ...» المصاحف لأبي داود: ص 31 ولم يوجد في عبارته نسخ القرآن.
4- الاتقان: ج 2، ص 718.

ص: 219

تقرأ به باعتباره قرآناً فحسب، وإنّما عملت بمضمون آية الرضاع طيلة حياتها وقد جاء في «الموطأ» (1) و «صحيح مسلم» (2):

«فأخذت بذلك- أي رضاع خمس رضعات لنشر الحرمة- عائشة امّ المؤمنين فيمن كانت تحبّ أن يدخل عليها من الرِّجال فكانت تأمر اختها امَّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات اختها أن يُرضعْنَ من احبّت أن يدخل عليها من الرِّجال، وأبى سائر أزواج النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس».

ولا ننسى أنّ هذه الوقعة كانت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم.

هذا عجيب وأعجب منه تشبّثهم ببعض الآيات التي فيها كلمة «النسخ» أو «الانساء» حتى يضفوا على نظريتهم طابعاً قرآنياً.

وقد تفطن جمع من علماء أهل السنة إلى هذه النكتة فقال أبو جعفر النحاس (338 ه.):

«وفي الحديث- الرضاع- لفظة شديدة الاشكال وهو قولها- أي عائشة- فتوفي رسول اللَّه وهن مما نقرأ في القرآن» (3).

وقال السرخسي:

«والدليل على بطلان هذا القول قوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر ...» وبه يتبين أنّه لا يجوز نسخ شي ء منه بعد وفاته صلّى اللَّه عليه، وما ينقل من أخبار آحاد شاذ لا يكاد يصح شي ء منها» (4).


1- الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع، ص 605.
2- كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير، الأحاديث 26 و 27 و 28 ومن طريق آخر الأحاديث 29 و 30 و 31.
3- الناسخ والمنسوخ: ص 13.
4- الاصول: ج 2، ص 78، نقلًا عن الاتقان: ج 3، ص 85.

ص: 220

والحاصل أنّه هل يجب على كلّ عالم تقبّل هذه الرّوايات مع انها أخبار آحاد أولًا، ومضطربة المتن ثانياً، وبعيدة كلّ البعد عن فصاحة القرآن وتعاليمه ثالثاً، وكون تلك الآيات نسخت بعد وفاة النبيّ رابعاً؟

وأيّ معنى ل «نسخ التلاوة» بعد كلّ هذه الأمور؟ ومع كلّ هذا انظر كيف يسوغ للدكتور القفاري أن يجعل من ردّ نظرية «نسخ التلاوة» من أهل السنّة وغيرهم محتجاً بهذه الإشكالات مكذّباً لربّ العالمين، فيقول:

«من يزعم أنّ نسخ التلاوة من الباطل يكذّب ربّ العالمين وقد وقع [هذا النسخ] في كتاب اللَّه فانظر ما أعظم جرمه؟!» (1).

والطريف أنّ الدكتور القفاري نفسه أورد نصَّ عبارة أبي جعفر النحّاس قائلًا:

«إنّ النسخ ارتفع بموت النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم» ثم قال: إنّ من زعم أنّ النسخ يمكن وقوعه بعد النبيّ فهو من أصناف الغلاة (2).

والحاصل أنّ علماء السنة لم يتخذوا موقفاً واحداً من تلك الرّوايات، بل اختلفت آراؤهم في ردّ وقبول وتأويل وتوجيه هذه الرّوايات، وسبب هذا الاختلاف هو التباين في محور التفكر وهل هو القرآن أو الحديث؟ فالذاهبون إلى أنّ القرآن هو المحور الاساس، رأوا أنّ الرّوايات وإن بلغت ما بلغت من أعلى درجات الصحّة، إذا كانت مخالفة للقرآن، ولم يوجد محمل تحمل عليه، فإنّها تضرب عرض الجدار، ذلك لأنّ ساحة القرآن المقدسة أعلى وأعظم من هذا النوع من الرّوايات المزعومة، وكان أصل هذا التفكير معرفة عمق الرسالة والقرآن الكريم، وهذا يعني أنّه وقف على أنّ حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً منوطة بالقرآن الكريم؛ لأنّ القرآن نفسه عهد إلى السنة أمر تبيينه وتوضيحه والرّوايات حاكية


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1044.
2- المصدر السابق: ص 149.

ص: 221

عن السنة. وعلى هذا فان هذه الرّوايات إن لم تكن ممضاة من قبل القرآن فلا دليل على حجّيتها، وصحّة سندها لا تكفي لاعتبارها كما لا يخفى.

وفي مقابل هذا الاتجاه، اتجاه من تمسّك بالصّحاح والمسانيد والسنن إلى الحدّ الذي لم يسمح لنفسه بتجاوز هذه الرّوايات وصحّتها، فأوقع نفسه في الحيرة، فإذا أراد أن ينأى بنفسه عن تلك المشكلة دخل في مشكلة أخرى، كاللجوء إلى نظرية نسخ التلاوة مع ما فيها من اشكالات عديدة لا مفرّ منها.

وعلى هذا ينبغي لنا حفظ حريم القرآن كما هو حقه تبعاً لمسلك القرآن نفسه في صيانة حريمه عن التّحريف وأن نبتعد عن التعصب الأعمى حيال الرّوايات وأصحابها ونجلّ ساحة القرآن عن الابتذال والتوهين.

ص: 222

شهادة علماء أهل السنة بنزاهة القرآن عن التحريف:

قلنا مسبقاً إنّ سلامة القرآن من التحريف موضع اتفاق علماء أهل السنة كما هو موضع اجماع علماء الشيعة ومن شذّ من الفريقين لا يعبأ برأيه، فههنا نشير إلى بعض أسماء علماء أهل السنة الذين صرّحوا بنزاهة القرآن من التحريف تتميماً للفائدة:

الثعلبي (1) (ت/ 437 ه.)، ابن حزم الأندلسي (2) (ت/ 456 ه)، الواحدي النيسابوري (3) (ت/ 468 ه.)، البغوي (4) (ت/ 516 ه.)، جار اللَّه الزمخشري (5) (ت/ 528 ه.)، القاضي عياض (6) (ت/ 544 ه.)، ابن عطية الأندلسي (7) (ت/ 546 ه.)، الفخر الرازي (8) (ت/ 606 ه.)، ابن عربي (9) (ت/ 638 ه.)، محمد بن أحمد القرطبي (10) (ت/ 671 ه.)، أبو البركات النسفي (11) (ت/ 710 ه.)، أبو الفداء ابن كثير الدمشقي (12) (ت/ 774 ه.)، البيضاوي (13) (ت/ 791 ه.)، ابن الجزري (14)


1- الكشف والبيان: ج 5، ص 331.
2- الفصل: ج 5، ص 40 وص 251.
3- الوسيط في تفسير القرآن المجيد: ج 3، ص 40.
4- معالم التنزيل تفسير البغوي: ج 3، ص 44.
5- الكشاف: ج 2، ص 572.
6- الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 3، ص 763.
7- المحرر الوجيز: ج 3، ص 352.
8- التفسير الكبير تفسير الفخر الرازي: ج 19، ص 160.
9- تفسير القرآن الكريم: ج 2، ص 444.
10- الجامع لأحكام القرآن: ج 10، ص 5.
11- تفيسر النسفي: ج 2، ص 179.
12- تفسير القرآن العظيم تفسير ابن كثير: ج 2، ص 547.
13- تفسير البيضاوي: ج 1، ص 526.
14- النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 4.

ص: 223

(ت/ 833 ه.)، جلال الدين السيوطي (1) (ت/ 911 ه.)، الشوكاني (2) (ت/ 1250 ه.)، محمود الآلوسي (3) (ت/ 1270 ه.)، السيد قطب (4) وغيرهم كثير.

vvv


1- تفسير الجلالين: ص 344.
2- فتح القدير: ج 3، ص 122.
3- روح المعاني: ج 1، ص 45.
4- في ظلال القرآن: ج 4، ص 2128- 2129.

ص: 224

ص: 225

الفصل السابع نظرة عابرة إلى أجوبة الإمامية عن روايات أهل السنَّة

إنّ علماء الإمامية لم يترددوا أبداً في بطلان تلك الرِّوايات إلّاإذا وجدوا التأويل الصحيح لها. ويمكنك مشاهدة أجوبتهم عن تلك الرّوايات في كتب التفسير وعلوم القرآن والكلام وغيرها، ونحن هنا نكتفي بذكر عدد من علماء الإمامية:

1- من القدماء:

الفضل بن شاذان (ت 260)

السيد المرتضى علم الهدى (ت 436)

الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548)

رضي الدّين علي بن طاووس (ت 664)

الحسن بن يوسف بن المطهر- العلامة الحلّي- (ت 726)

2- من المتأخرين:

الشيخ محمّد جواد البلاغي النجفي (ت 1352)

السيد محمّد حسين الطباطبائي- العلامة الطباطبائي- (ت 1402)

ص: 226

السيد الخوئي (ت 1413)

السيد مرتضى العسكري (مدّ ظله)

الأستاذ محمّد هادي معرفة (مدّ ظله)

ولابن شاذان في بطلان تلك الرّوايات الموهومة بحث مفصّل نسبياً، وممّا جاء فيه قوله:

«... ثم رويتم عن ابن مسعود أنّ المعوذتين ليستا من القرآن وانّه لم يثبتهما في مصحفه وأنتم تروون أنه من جحد آية من كتاب اللَّه عزّ وجلّ فهو كافر باللَّه وتقرّون انّهما من القرآن ... فان لم تكن المعوذتان من القرآن لقد هلك الذين اثبتوهما في المصاحف ولئن كانتا من القرآن لقد هلك الذين جحدوهما ولم يثبتوهما في المصاحف- إن كان ما رويتم عن ابن مسعود حقّاً ... فايّ وقيعةٍ في أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله اشدّ من وقيعتكم فيهم ...» (1).

وللسيد المرتضى في ردّ توهّم الخطأ في الفاظ القرآن الكريم بيان عميق واستدلال متين ولولا مخافة الاطالة لذكرته حرفيّاً (2)، وأمّا الشيخ الطبرسي فقد كتب في بطلان هذه الرّوايات في عدّة مواضع من تفسيره، ومنها ما ذكره حول توهّم اللحن في الآيات وخطأ كتّاب الوحي قال:

«وامّا ما روي عن عروة عن عائشة ... فقالت يا ابن اختي هذا عمل الكتّاب أخطاوا في الكتاب وما روي عن بعضهم ان في كتاب اللَّه اشياء ستصلحها العرب بألسنتها ... فمما لا يلتفت إليه لانه لو كان


1- الايضاح: ص 229. وقال السيد محمّد جواد الحسيني العاملي من أعلام الإمامية في القرن الثالث عشر: «المعوذتان من القرآن بلا خلاف بين أهل العلم كافة» مفتاح الكرامة: ج 2، ص 387.
2- انظر: غرر الفوائد ودرر القلائد- المعروف بالامالي لعلم الهدى السيد المرتضى: ج 1، ص 205- 206.

ص: 227

كذلك لم يكن لتُعلّمه الصحابةُ الناسَ على الغلط وهم القدوة والذين أخذوه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله» (1).

وكذلك ابن طاووس في مناظرته مع أبي علي محمّد بن عبد الوهاب الجبّائي- من علماء العامّة- حول آية البسملة فإنّه قال:

«... قد رأينا في تفسيرك ادعيت ان «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» ما هي من القرآن الشريف ولا تروونها آية من القرآن وهي مائة وثلاث عشرة آية في المصحف الشريف تزعمون انها زائدة وليست من القرآن فهل هذا الاعتراف منك يا أبا علي بزيادتكم في المصحف الشريف ... [وهذا باطل] لأنّ القرآن مصون من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع» (2).

ثمّ فصّل الكلام في مقام هذه التوهمات، ومن أراد المزيد فليراجعه (3).

وللعلامة الحلّي أيضاً في ابطال سورتي الخلع والحفد كلام متين في كتابه «تذكرة الفقهاء» (4).

وقال العلّامة البلاغي في مقدمة تفسيره بعد أن ذكر شطراً من تاريخ القرآن ما نصُّه:

«فلم يتفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء مثل ما اتفق للقرآن الكريم كما وعد جلّت آلاؤه بقوله في سورة الحجر: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (5)».


1- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 2، ص 214- 215 وأيضاً ج 1، ص 90.
2- سعد السعود: ص 144- 145.
3- المصدر السابق: ص 144 وما بعدها.
4- تذكرة الفقهاء: ج 3، ص 262- 263.
5- سورة الحجر 15: الآية 9.

ص: 228

ثمّ شرع بذكر روايات أهل السنّة حول جمع القرآن، وكشف عن تعارضها واضطرابها، ثمّ نبّه إلى ما ورد في روايات أهل السنة حول سورة «لم يكن» وبعد بيان الاضطراب والانحطاط والغلط في فقرات تلك الرّوايات قال:

«... ودع عنك الاضطراب الذي يدع الرواية مهزلة» (1).

وأشار أيضاً إلى أنواع اخر من تلك الرّوايات التي من جملتها اكذوبة الغرانيق فقال:

«وإنّ كثيراً من كتب التفسير قد لهج باكذوبة شنيعة وهي ما زعموا من أنّ الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قرأ سورة النجم في مكة في محفل من المشركين حتى إذا قرأ قوله تعالى: «أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى» قال صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في تمجيد هذه الأوثان وحاشا قدسه: «تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى» فأخبره جبرائيل بما قال فاغتمّ لذلك فنزل عليه في تلك اللّيلة آية تسليه ولكن بماذا تسليه بزعمهم تسليه بما يسلب الثقة من كلّ نبيّ وكل رسول في قراءته وتبليغه، والآية هي قوله تعالى في سورة الحجّ:

«وما أرسلنا من قبلك من نبيّ ولا رسول إلّاإذا تمنّى ألقى الشيطان في امنيته» (2)

فقالوا معنى ذلك إذا تكلّم أو حدّث أو تلا وقرأ أدخل الشيطان ضلاله في ذلك.

اذن فما حال الامم المسكينة؟ وما حال هداهم مع هذا الإدخال الذي لم يسلم منه بزعمهم نبيّ أو رسول؟ ولم يسلم منه شي ء من كلامهم أو حديثهم أو تلاوتهم على ما يزعمون «ما هكذا تورد يا سعدُ الابل»


1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ص 15.
2- سورة الحج 22: الآية 51.

ص: 229

أفلا صدّهم من ذلك على الأقل أنّ سورة الحج مدنية امر فيها بالأذان بالحج (1) واذن فيها بالقتال (2) وامر فيها بالجهاد (3) ولم يكن هذا الأمر وهذا الاذن إلّابعد الهجرة بأعوام وإنّ الذي بين ذلك وبين الوقت الذي يجعلونه لخرافة الغرانيق وخرافة نزول هذه الآية في ليلتها يكون أكثر من عشرة أعوام» (4)؟

وقد ذكر أيضاً نحو هذا في الجزء الأوّل من كتاب الهدى صفحه 123- 129 فلا بأس بمراجعته.

وقال أيضاً في نقد محتوى السورتين المزعومتين وهما «الخلع» (5) و «الحفد» (6) اللّتين سبق نصّهما:

«لا نقول لهذا الراوي إنّ هذا الكلام لا يشبه بلاغة القرآن ولا سياقه فإنّا نسامحه في معرفة ذلك ولكنّا نقول له: كيف يصح قوله «يفجرك» وكيف تتعدى كلمة يفجر وأيضاً ان الخلع يناسب الاوثان اذن فماذا يكون المعنى وبماذا يرتفع الغلط؟».


1- سورة الحج 22: الآية 27.
2- نفس السورة: الآية 40.
3- نفس السورة: الآية 77.
4- آلاء الرحمن: ص 13- 14. والهدى إلى دين المصطفى: ج 1، ص 123، ط صيدا. وقد سبق منا القول بان آية الحفظ «انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون» تتكون من فقرتين، ففقرتها الاولى- وهي انا نحن نزلنا الذكر- مع عدة تاكيدات فيها تدل دلالة قاطعة على نفي تدخل ايّة قوة غير اللَّه سبحانه وتعالى في تنزيل القرآن وتنص على صيانة القرآن حال تنزيله.
5- وهي «بسم اللَّه الرحمن الرّحيم اللّهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك».
6- وهي «بسم اللّه الرحمن الرحيم. اللّهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد ان عذابك بالكافرين ملحق».

ص: 230

وقال في نقد سورة الحفد المزعومة:

«ولنسامح الراوي أيضاً فيما سامحناه فيه في الرواية الاولى، ولكنّا نقول له: ما معنى «الجدّ» هنا أهو العظمة أو الغنى أو ضد الهزل أو هو حاجة السجع؟ نعم في رواية عبيد «نخشى نقمتك» وفي رواية عبد اللَّه «نخشى عذابك» [أو ليس هذا الاختلاف دليلًا على إنّه من عند غير اللَّه] وما هي النكتة في التعبير بقوله: «ملحق» وما هو وجه المناسبة وصحة التعليل لخوف المؤمن من عذاب اللَّه بان عذاب اللَّه بالكافرين ملحق؟ بل ان هذه العبارة [لا] تناسب التعليل؛ لأن لا يخاف المؤمن من عذاب اللَّه لأنّ عذابه بالكافرين ملحق.» (1) وللعلّامة الطباطبائي بحث مفصّل بعنوان «كلام في أنّ القرآن مصون عن التّحريف» ضمن عدّة فصول، الفصل الثالث منها في بيان الأخبار المروية من طرق الشيعة وأهل السنّة في تحريف القرآن، وتبعها بأجوبة متينة وأدلّة قوية حول بطلان تلك الرّوايات وإليك بعضاً ممّا جاء في كلامه:

«... وبالجملة احتمال الدس- وهو قريب جداً مؤيد بالشواهد والقرائن- يدفع حجية هذه الرّوايات- أي روايات التّحريف- ويفسد اعتبارها فلا يبقى معه لها لا حجية شرعية ولا حجية عقلائية حتى ما كان صحيح الاسناد فان صحة الاسناد وعدالة رجال الطريق انّما يدفع تعمدهم الكذب دون دس غيرهم في اصولهم وجوامعهم ما لم يرووه ...

وبعض هذه الرّوايات تذكر آيات وسوراً لا يشبه نظمها النظم القرآني بوجه فهو ظاهر لمن راجعها فانه يعثر فيها على شي ء كثير من


1- آلاء الرحمن: ص 24.

ص: 231

ذلك كسورتي «الخلع» و «الحفد» ...

وليت شعري هل يسعنا أن ندعي أنّ ذاك الجمّ الغفير من الآيات التي يرون سقوطها ... كانت خفية مستورة عن عامة المسلمين لا يعرفها إلّا النزر القليل منهم مع توفر دواعيهم وكثرة رغباتهم في أخذ القرآن كلّما نزل، وتعلمه وبلوغ اجتهاد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في تبليغه وإرساله إلى الآفاق وتعليمه وبيانه ...»

ثم بدأ ببحث نظرية «نسخ التلاوة» و «الإنساء» وبعد ذكر الأدلة على بطلانها قال:

«فالحق إن روايات التّحريف المروية من طرق الفريقين وكذا الرّوايات المروية في نسخ تلاوة بعض الآيات القرآنية مخالفة للكتاب مخالفة قطعية» (1).

وكان السيد الخوئي بعد بيان أدلّة صيانة القرآن من التّحريف وابطال شبهات القائلين بالتحريف ونقد الرّوايات سنداً ومتناً قد قال في شأن روايات أهل السنة وروايات التّحريف ما نصّه:

«إنّ الإلتزام بصحة هذه الرّوايات التزام بوقوع التّحريف في القرآن ...

لأنّ القول بنسخ التلاوة- الذي هو عمدة جواب [فريقٍ من أهل السنة] لتلك الرّوايات- هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط، وبيان ذلك:

ان نسخ التلاوة هذا إمّا أن يكون قد وقع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وإمّا أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فهو


1- الميزان: ج 12، ص 117.

ص: 232

أمر يحتاج إلى الاثبات وقد اتفق العلماء اجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الاصول وغيرها (1) بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في أحد الروايتين عنه بل ان جماعة ممن قال بامكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه (2) وعلى ذلك كيف تصح نسبة النسخ إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بأخبار هؤلاء الرواة؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم تنافي جملة من الرّوايات التي تضمنت أن الإسقاط قد وقع بعده.

وان أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فهو عين القول بالتحريف ... نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة (3)» (4).

وأما السيد مرتضى العسكري فقد عرض تلك الرّوايات بأبعادها التأريخية والسندية والدلالية مع التنبّه لشرائط زمان ومكان صدورها ومن جملة ما بحثه:

* روايات البسملة وتناقضها ومنشأها.

* روايات جمع القرآن وتناقضها.

* روايات اختلاف المصاحف والزيادة والنقصان في القرآن.

* دراسة نظرية النسخ والإنساء في ضوء القرآن الكريم.


1- الموافقات لابي اسحاق الشاطبي: ج 3، ص 106، طبعة المطبعة الرحمانية بمصر، الخوئي رحمه اللَّه.
2- الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: ج 3، ص 217 الخوئي رحمه اللَّه.
3- الإحكام في أُصول الأحكام، للآمدي: ج 3، ص 201- 203 الخوئي رحمه اللَّه.
4- البيان في تفسير القرآن: ص 206.

ص: 233

وقد قسّم روايات اختلاف المصاحف والزيادة والنقص إلى أربعة أقسام:

أ: ما لم يفهم معنى الرواية فيه لتغيير معنى المصطلح الاسلامي في عصرنا عن معناه في عصر الصحابة.

ب: ما افتري بها على اللَّه وكتابه ورسوله صلّى اللَّه عليه وآله وأصحابه، أو ما زيد في الرواية الصحيحة من تحريف.

ج: ما لم يفهم منها معنى كلام الصحابي، وبعض ممّا لم يرو بلفظ الصحابي نسياناً أو تعمداً.

د: ما افتري بها على كتاب اللَّه أحد وُلاة الجور.

وقد بحث الاستاذ بعمق كلّاً من تلك الأنواع مع ذكر الشواهد المتعددة ولأجل الفهم الصحيح والكامل لشرائط زمان ومكان صدور ذلك النوع من الرّوايات فقد كتب بحثاً تاريخياً حول القرآن من عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلى زمن العباسيين.

ونحن هنا بلحاظ رعاية حجم البحث نكتفي بذكر بعض الموارد منها:

ذكر في شأن الآية الشريفة «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» روايات كثيرة من كتب أهل السنة وبعد دراستها بعمق (1) توصَّل إلى النتيجة الآتية:

«تواترت الرّوايات الصحيحة بأنّ البسملة كانت تنزل في ابتداء كل سورة من القرآن، وأنّ الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم والخلفاء كانوا يقرؤونها جهراً في السورتين من الصلاة، غير أنَّ معاوية كان لا يقرؤها في الصّلاة ولمّا اعترض عليه الصحابة في مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قال: نسيتها (2).


1- انظر القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 2، ص 35- 67 وص 671.
2- الدرّ المنثور: ج 1، ص 21.

ص: 234

ويظهر أنّه ترك قراءتها عندما عاد إلى مقرّ خلافته في الشام وتبعه على ذلك عمّاله مثل والي المدينة، ثم رويت روايات نسبت الى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله تفيد أن الرسول صلّى اللَّه عليه وآله لم يقرأها في الصلوات ورويت روايات أخرى للدفاع عن الخليفة، مثل رواية أبي هريرة نسيان الرّسول صلّى اللَّه عليه وآله ركعتين من الصلاة وأمثالها. ونرى أنّ كل تلكم الرّوايات رويت احتساباً للخير ودفاعاً عن كرامة خليفة المسلمين معاوية.» (1) وقال في إسناد اسطورة الغرانيق:

«لقد بينّا زيف هذه الاسطورة السخيفة بتفصيل وافٍ في الجزء الثاني من أحاديث أمّ المؤمنين عائشة بما بهرج الباطل وأزاحه وأظهر الحق وأجلاه، فقد برهنّا- مثلًا- على أن أسانيد الاسطورة تنتهي إلى كلّ من:

أ- عبد اللَّه بن عباس؛ ولد في السنة الثالثة قبل هجرة الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلى المدينة.

ب- أبي العالية رفيع بن مهران؛ اسلّم بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بسنتين ويعد من الطبقة الثانية من التابعين (ت: 90 أو 93 أو 110، أو 126 ه).

ج- عبد الرحمن بن الحارث؛ ولد في عصر عمر (ت: 94 ه).

د- أبي الحجّاج، مجاهد بن جبر المكّي. ولد سنة 21 ه (ت: 103 أو 104 أو 105 ه).

ه- محمّد بن سعد من سلالة يهود بني قريظة، ولد سنة 40 هجرية.


1- القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 2، ص 67.

ص: 235

و- سعيد بن جبير، قتله الحجّاج سنة 90 أو 94 أو 95، وعمره تسع وأربعون سنة.

ز- ضحّاك بن مزاحم (ت: 105 أو 106 ه) ويعدّ من الطبقة الخامسة من الرّواة.

ح- محمّد بن قيس (ت: 126 ه).

ط- أبي محمّد اسماعيل بن عبد الرحمن السدّي (ت: 127 ه) ويعدّ من الطبقة الرابعة من الرواة (1).

وهؤلاء ليس فيهم من شهد الواقعة المفتراة ليخبرنا عنها وأقدمهم ولادة ابن عباس الذي ولد لثلاث سنين قبل هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فأنّى له أن يشهد الواقعة ليخبرنا عنها؟

نقول هذا ونحن نعلم أنّ القصة مفتراة من أساسها وافتري على الصحابة روايتها، وقد اختلقت في عصر نشاط الزّنادقة في أواخر القرن الأوّل وأوائل القرن الثّاني الهجري ...» (2).

وحول القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة (أي ما افتري بها على كتاب اللَّه وعلى أحد ولاة الجور) يقول:

«وذلك ما رووا أن الحجّاج بدّل من مصحف عثمان اثني عشر حرفاً فنقول بالاضافة إلى ما ذكرناه آنفاً: مرّ بنا في ذكر تاريخ الحجّاج: انه


1- قال: «ذكرنا مصادر التحقيق لأسانيد هؤلاء الرواة في الجزء الرابع من قيام الأئمة باحياء السنة: ص 409، 416.
2- القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 2، ص 630- 631، ثم قال: «نظير هذه الاسطورة المفتراة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وعلى الوحي والقرآن، الخبر المفترى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في كيفية تلقّيه اول وحي نزل عليه بغار حراء وقد كشفنا عن زيف الخبرين في الجزء الثاني من أحاديث ام المؤمنين عائشة».

ص: 236

رمى الكعبة بالمنجنيق واحرقها وقتل ابن الزبير ومن معه وبعث برؤوسهم إلى الشام واستخف ببقايا الصحابة في المدينة وختم ايديهم واعناقهم وأساء السيرة في ولايته على الكوفة ... وقد قال سعيد بن جبير فى حق الحجّاج: واللَّه ما خرجت عليه حتى كفر وقالوا في حقه:

أ- كان الحجّاج ينقض عرى الإسلام.

ب- لم يبق حرمة إلّاارتكبها.

ج- الشيخ الكافر.

أمثل هذا الخبيث اللحنة يقبل منه المسلمون تبديل كلمات من القرآن في مصحف انتشر إلى أقاصي أفريقيا وبلاد الهند وجميع بلدان العالم ...

ان كل ما أشرنا إليه من الامور المستحيلة عادة.

اذاً فمن اين انتشرت تلك الرّوايات المختلقة في كتب الحديث والسيرة والتفسير في مدرسة الخلفاء؟

ثم بيّن أصل وجود تلك الرّوايات قائلًا:

يتضح لنا بجلاء ووضوح أمرها ومصادرها بالتدبّر في ما مرّ بنا من قيام الزنادقة بوضع الحديث، ودسّها في كتب الحديث ...

ثمّ ذكر- مستدلًا بالشواهد والقرائن المتعددة- محنة الزنادقة وآثارهم التخريبية في كتب الحديث وغيرها، واستمر قائلًا:

«وقد كشفنا في المجلدات الأربعة من كتاب (عبد اللَّه بن سبأ والاسطورة السبئية) وكتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق) عن آلاف المختلقات التي اختلقها الزنديق سيف بن عمر تحت غطاء نشر فضائل ذوي السلطة من الصّحابة والدفاع عنهم ...»

ونورد هنا من باب المثال نصّ كلامه فيما افترى الزنادقة على ابن مسعود

ص: 237

الصحابي، قال:

«افتري على ابن مسعود لتحقيق ثلاث غايات للزنادقة:

1- تهديم شخصية صحابي من خواص أصحاب الرّسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم.

2- الدفاع عن ولاة من أمثال الوليد الفاسق السكّير.

3- والأهم من كلّ ذلك نشر التشكيك بثبوت النصِّ القرآني.

واتقنوا عملهم التخريبي بنشر نسخ باسم مصحف ابن مسعود كما أخبر عن ذلك ابن النديم في فهرسته فقال:

قال محمّد بن اسحاق (ت: 385 ه) رأيت عدة مصاحف ذكر نُسّاخها انها مصحف ابن مسعود، ليس فيها مصحفان متفقان وأكثرها في رقٍّ كثير النسخ، وقد رأيت مصحفاً قد كتب منذ مائتي سنة فيه فاتحة الكتاب (1).

ترى من نسخ تلك المصاحف المختلقة ونسبها إلى ابن مسعود غير الزنادقة الذين كانوا يحاربون الإسلام ويشكّكون المسلمين في عقايدهم ولم يقتصر عملهم في التهديم بما افتروا به على الصحابة بل افتروا على وال جائر مثل الحجّاج وقالوا انّه بدّل اثنى عشر حرفاً من مصحف عثمان ...» (2).

ولننتقل الآن إلى بيان ما خطته أنامل الاستاذ محمّد هادي معرفة في كتابه الموسوم ب «صيانة القرآن عن التّحريف» حيث خصص أحد فصوله وهو بعنوان «التّحريف عند حشوية العامّة» وبحث تلك الرّوايات التي لا تعتمد على أساس، ثمّ


1- الفهرست: ص 29.
2- القرآن وروايات المدرستين: ج 2، ص 670- 699.

ص: 238

بحث بطريقة استدلالية في إسناد ودلالة هذه الرّوايات مع التأويل الصحيح لها أو إبطالها من الأساس فقال:

«... قام أهل الحشو بشحن حقائبهم من شواذ الأخبار وغرائب الآثار ... وهكذا نجد في بضائعهم حشداً من أخبار التّحريف سجّلتها المجاميع الحديثية الكبرى أمثال الصحاح الستّة وغيرها من المدوَّنات المعروفة عند أهل السنة وقد اغتّر بها جماعات، كانوا حسبوا من تلك الرّوايات حقائق مرهونة، فلابد من تأويلها أو علاج آخر، ممّا ابتدعه أهل الاصول باسم «نسخ التلاوة» فغيّروا من عنوان «التّحريف» إلى عنوان آخر تمويهاً لواقع الأمر.

وقد بحثنا فيما سلف أن تغيير العبارة لا يحلّ مشكلة الواقع وإنّما يزيد في صلب الاشكال، لا سيما وأنّ بعض تلك الرّوايات تنّص على أن الآية (المزعومة) كانت مما تتلى حتّى بعد وفاة الرسول صلّى اللَّه عليه وآله.

نعم، كانت المشكلة محلولة عند أصحابنا الإماميين، بسبب رفضهم الباتّ لتلكم الأَراجيف السخيفة ...» (1).

ويقول حول إبطال الآيات المزعومة: «الرجم» «الرغبة» «الجهاد» «الفراش»- التي تقدم ذكرها-:

«تلك آيات أربع زعمهنّ عمر بن الخطاب محذوفات من القرآن، ولم يتوافق مع زعمه أحد من الأصحاب لا زيد ولا أُبيّ ولا غيرهما، وإلّا لسجلوها في مصاحفهم ... وهذا الاتفاق على رفض مزعومة ابن الخطاب جعله أيضاً يشكّ في نفسه، ومن ثم لم يجرأ على الأمر بثبتها في


1- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 158.

ص: 239

المصحف حتى في أيّام سلطته على الحكم ... ولو كان قاطعاً بالأمر لم يكن يمنعه شي ء ...

وللإمام بدر الدين الزركشي هنا كلام طويل في توجيه ما صدر عن ابن الخطاب بما لا يغني ولا يسمن من جوع ... (1)» (2).

وقال حول الآيتين من سورة البيّنة:

«نسب إلى ابيّ بن كعب أنه كانت آيتان من سورة البيِّنة فأسقطتا من المصحف ... والحديث مكذوب على ابيّ قطعاً، إذ لو كان كما زعم لوجد في مصحفه وقد كان هو المملي للقرآن على عهد عثمان في لجنة توحيد المصاحف- على ما أسلفنا في الجزء الأوّل من التمهيد- ...

والغريب أنهم ذكروا حديث عدم مل ء جوف ابن آدم على أشكال وتعابير، ونسبوه (تارة) إلى كلام الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كما في الرواية عن أنس (3) وقد أخرجه أبو نعيم الاصبهاني من حديث ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنّه سمع النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله هكذا: «لو أن لابن آدم ...» قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح متفق عليه (4).

و (اخرى) إلى كونه من القرآن كما في رواية عن أبي موسى وابن كعب و (ثالثة) إلى الحديث القدسي- ولعلّه الأصح- كما في الرواية عن أبي واقد الليثي ...» (5).


1- نفس المصدر: ص 162.
2- البرهان في علوم القرآن: ج 2، ص 36- 37.
3- صحيح مسلم: ج 3، ص 99- 100.
4- حلية الاولياء: ج 3، ص 316 في ترجمة عطاء برقم 244.
5- مسند الإمام أحمد: ج 5، ص 219.

ص: 240

وقد بحث الأستاذ معرفة أيضاً في بعض الرّوايات الأخرى- أمثال مزعومات الخطأ واللّحن في القرآن- الزيادة في سور وآيات القرآن الكريم، وإسقاط السور والآيات وأورد بحثاً مفصلًا تضمن نقدها، وإن أردت الوقوف على حقيقة الأمر فعليك بمراجعة كتاب «صيانة القرآن عن التّحريف» (1).

vvv


1- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 159- 187.

ص: 241

المقام الثاني: تفنيد الإفتراءات على الشيعة الإمامية

اشارة

ص: 242

ص: 243

دراسة ونقد آراء الدكتور ناصر بن علي القفاري

نظرة اجمالية لكتاب أصول مذهب الشيعة للدكتور القفاري

وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري

دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد

تذييل: دراسة ادعائي الدكتور القفاري الآخرين

ص: 244

ص: 245

نظرة إجمالية إلى كتاب «اصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية»

كتاب اصول مذهب الشيعة الاثني عشرية- الذي سميناه اختصاراً ب «اصول مذهب الشيعة»- من تأليف الدكتور ناصر بن عبد اللَّه بن علي القفاري، وهو في الأصل رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة «الدكتوراه» من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمّد بن سعود الاسلامية بإشراف الدكتور محمّد رشاد سالم (1) وقد اجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الاولى مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات (2). وقد طبعت مرّتين كانت ثانيتهما عام 1415 ه. في ثلاثة أجزاء وقد بلغ مجموع صفحاتها: 1380 صفحة.

اشتمل الكتاب على تمهيد وخمسة أبواب:


1- هو شيخ القفاري واستاذه الذي غمر الدكتور القفاري بفضله وخلقه. حصل على شهادة الدكتوراه على كتابه الموسوم ب «موافقة العقل للشرع عند ابن تيمية». ويعتبر رشاد سالم من نوّاب ابن تيمية في عصرنا الحاضر، وقد اهتمّ بنشر تراثه، وكرّس عمره لدراسة آرائه، وتحقيق كتبه ك «درء تعارض العقل والنقل» و «منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية» و «الصفدين» وغيرها، وابتلي بالسجن مرّتين في حياته، وتوفي في القاهرة عام 1407 ه. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 26- 27.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 4.

ص: 246

وقد تناول في التمهيد: التعريف بالشيعة ونشأتها وجذورها التاريخية وفرقها وألقاب الاثني عشرية وفرقها

الباب الأوّل: اعتقاد الشيعة في مصادر الإسلام: القرآن والسنة والاجماع.

الباب الثاني: اعتقاد الشيعة في اصول الدين من التوحيد والأسماء والصفات، واعتقاد الشيعة في الإيمان وأركانه.

الباب الثالث: يتعلق بعقائد الشيعة واصولها التي تفردوا بها- بزعم المؤلف- وهي الإمامة، العصمة، التقية، المهدوية والغيبة، الرجعة، الظهور، البداء والطينة.

الباب الرابع: يتصل بالشيعة المعاصرين وصلتهم بأسلافهم

الباب الخامس: يتعلق بالحكم عليهم واثرهم في العالم الإسلامي

ومن ثم الخاتمة: وفيها عرض لأهم النتائج التي توصل إليها البحث (1).

ومن أبرز ظواهر كتاب الدكتور القفاري هو تتبعه الشاسع والاعتماد على كثير من مصادر الشيعة وأهل السنّة، فهو يريد أن يثبت للقارئ أنّه توصّل إلى نتائجه بعد مطالعة المصادر ودراستها وبحثها، وأنه ليس أمثال الآخرين الذين يحكمون على غيرهم دون الرجوع إلى مصادرهم (2). ولعله لهذه الميزة إضافة إلى المميزات الأخرى التي ادعاها الدكتور القفاري في بداية تأليفه وهي:

الموضوعية الصادقة. أن ننقل من كتبهم بأمانة!

أن نختار المصادر المعتمدة عندهم!


1- يتّضح جليّاً من أبواب هذا الكتاب أن مراد الدكتور القفاري من «اصول مذهب الشيعة» ليس الاصول فحسب بل ما يعم الفروع والمسائل السياسية والاجتماعية وغيرهما.
2- كشمس الدين الذهبي الّذي عرّف الشيخ المفيد بأنه صاحب فنون وكلام واعتزال وادب، ثم اتهمه بأنه رافضي يُضّل الناس، مع ذلك كلّه يقول عنه: بلغت تآليفه مئتين؛ لم أقف على شي ء منها وللّه الحمد!!! فإذا كان الذهبي غير مطّلع على أيّ من كتب المفيد فكيف ساغ له اتهامه بما ذكر؟ انظر سير أعلام النبلاء: ج 17، ص 344، رقم الترجمة 213.

ص: 247

أن نعدل في الحكم!

أن نحرص على الرّوايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم- مهما أمكن- كما أنني أحياناً أناقشهم على وفق منطقهم وبمتقضى مقرراتهم وقواعدهم وعلى ضوء رواياتهم» (1).

تلك المميزات التي طالما كررها الدكتور القفاري في كتابه (2)، وتعهد لنا بالالتزام بها ليوحي للقارئ بأن كتابه يكون بمثابة مصدر له قيمة علمية في بيان آراء الشيعة، كما أن المؤلف- كما يدّعي- نأى بنفسه عن التعصّب والحقد المرير وتحرّى الأمانة والدقّة والعدالة ومراعاة أُصول التحقيق والنقد عند دراسة آراء الشيعة، ويتراءى من قوله أنه كشف في رسالته تلك القناع عن كثير من الحقائق الخافية لدى الشيعة وابرزها بحيث صارت رسالته صالحة للتداول بين المجامع العلمية والتحقيقية ولذا يطالعك في أول رسالته بالقول:

«وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات» (3).

فهل يصمد هذا المدّعى أو لا؟

إنّ من يمتلك أدنى علم بهذا الكتاب يتّضح له جليّاً عدم صحّة هذا المدّعى


1- أصول مذهب الشيعة: ص 15- 16.
2- قال في آخر مقدمة الكتاب: «والخلاصة أنني لم أعمد إلّاإلى كتبهم المعتمدة عندهم في النقل والاقتباس لتصوير المذهب، ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلّاما استفاضت أخبارهم به وأقرّه شيوخهم ... وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الرّوايات بمقتضى مقاييسهم ... واهتممت بالنقل «الحرفي» في الغالب رعاية للموضوعية وضرورة الدقة في النقل والعزو ...» المصدر نفسه: ص 23- 24، وانظر أيضاً: ص 133، 280، 508، 550، 558، 653 وغيرها كثير.
3- أصول مذهب الشيعة: ص 4.

ص: 248

بالمرة، فإنّ الدكتور القفاري لم يراع إطلاقاً في رسالته «التقوى العلمية»؛ إذ إنّ ادّعاؤه الأمانة العلمية، فالمتتبع لما نقله الدكتور القفاري من المصادر يرى أنّه قد خان الأمانة العلمية مرّات، فالخيانة واضحة لكلّ من يلقي نظرة فاحصة على كتابه، ويرى عدم الدقة في النقل في كثير من الأحيان.

وأمّا العدالة في الحكم، فقد حاد الدكتور القفاري عنها كثيراً وجار، وهو ما لا يليق برجل يدّعي العلم والمعرفة.

وأمّا اختياره المصادر المعتمدة والرّوايات المستفيضة والموثقة عندنا فهذا أيضاً ممّا لم يفِ به الدكتور القفاري في كثير من الأحيان كما ستراها، ووقع الدكتور في كثير من الأحيان تحت تأثير الأفكار السلفيّة ومبانيها، التي هي في الغالب كانت محلّ كلام ونقاش بين أهل السنّة أنفسهم (1)، كما رأينا بأنّ مقاييسه في صحّة آراء الشيعة وسقمها لا تخرج عن التعصّب، والحكم اعتماداً على الآراء المسبقة عند مذهبه.

ولإثبات صحّة ما ذكرناه مما تقدّم، نقدّم لك هذا المبحث «مبحث هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب اللَّه نقصاً أو تغييراً» الذي كتبه الدكتور القفاري مع دراسته ونقده وهو في الحقيقة غيض من فيض، ونترك الحكم لك أيها القارئ على سائر مباحث كتاب الدكتور القفاري.


1- كآرائهم في توحيد الالوهية والربوبية، مسألة الزيارة والشفاعة والتوسل والتبرك و ... انظر: الردودعلى آراء ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب ككتاب «شفاء السقام» للسبكي؛ «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية» للشيخ سليمان بن عبد الوهاب؛ و «أوضح الإشارة في الردّ على من أجاز الممنوع من الزيارة»، أحمد بن يحيى النجمي؛ و «الأجوبة النعمانية عن الأسئلة الهندية» لنعمان بن محمود الشهير بابن الآلوسي البغدادي الحنفي؛ «اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام»، أحمد بن إبراهيم السروطي الحنفي و ... وبعض الباحثين قد عمل فهرساً لهذه الكتب في آخر كتاب «نقض الفتاوى الوهابية» لكاشف الغطاء.

ص: 249

مؤلف الكتاب وغرضه من التأليف:

إنّ الدكتور القفاري يعتبر من متعصّبي الوهابيّة (1)، وله إيمان كبير بآراء ابن تيمية، ويمكننا القول بجرأة إنّ رسالته في الواقع ما هي إلّاشرح لدعاوى ابن تيمية في كتابه «منهاج السنّة»، فالدكتور القفاري في أكثر فصول الكتاب حينما يصل إلى المقاطع الحسّاسة من بحثه أو ما يسمى ببيت القصيد أو صلب البحث؛ تراه يأتي برأي ابن تيمية ويحاول جاهداً باذلًا أقصى طاقته لإثبات صحَّته ولكن في بعض الأحيان- مع الأسف- عن طريق اعتماده على تقطيع وتحريف العبارات وصرفها عن وجهها الحقيقي ليصل إلى غايته.

ألّف الدكتور القفاري- اضافة إلى اصول مذهب الشيعة- كتابه الموسوم ب «مسألة التقريب بين أهل السنّة والشيعة» وهي في الواقع رسالته في الماجستير، والتي يعتبرها الدكتور القفاري البذرة الأولى في معرفته بالشيعة حيث يقول:

«ولقد كانت صلتي بقضية الشيعة تعود إلى مرحلة «الماجستير» حيث كان موضوعها «فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة» (2).

والحقيقة أنّ الدكتور القفاري في كتابيه هذين- وخصوصاً في كتابه أُصول مذهب الشيعة- قد بزّ غيره ممن سبقه في الاتهام والافتراء والسبّ والشتم مستعملًا أقبح الألفاظ وأكثرها فحشاً، بحيث لا تخلو صفحة من كتابه من هذه الألفاظ المبتذلة.

ومثل هذا النوع من الحديث المبتذل والكلام الفاحش يجعل القارئ الذي لا يعرف مصدر علوم الدكتور القفاري يعجب من أمره لأنّه قلّ وجود مثل هذا النمط من الكلام في الأبحاث العلمية، إلّاانّ الشخص العارف بمسلك الدكتور القفاري


1- انظر على سبيل المثال: اصول مذهب الشيعة: ص 478- 479.
2- أصول مذهب الشيعة: ص 8.

ص: 250

وأتّباعه المتشدد إلى حدّ التعبّد لمسلك ابن تيمية المعروف بألفاظه القبيحة يزول عنه هذا العجب.

فانّ كتاب منهاج السنّة لابن تيمية الذي كتبه ردّاً على الشيعة مملوء بهذه الألفاظ البذيئة، بل إنّ ساحة أمير المؤمنين المقدّسة لم تسلم من لسان ابن تيمية الفاحش، وهو ما حدا بابن حجر لأن يقول:

«... وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي اللَّه عنه» (1).

ويمكننا القول بكلّ جرأة إننا لو جمعنا شتائم الدكتور القفاري في هذا الكتاب فقط لبلغت الخمس من حجمه، بل إنّ مجرّد عمل فهرس لهذا الموضوع يحتاج إلى بضع الصفحات، وهذا ممّا يزيد من عجب القارئ، ذلك لأنّ الدكتور القفاري ادّعى الدفاع عن الدّين، وإحياء سنّة السلف باعتباره فرداً من المسلمين وقد اعتبر مسلكه مسلك السنة والجماعة!! فقال في طليعة كتابه في معرض بيان غرضه من التأليف:

«ولا شكّ بأنّ بيان حال الفرق الخارجة عن الجماعة والمجانبة للسنّة ضروريّ لدفع الالتباس وبيان الحقّ للناس ونشر دين اللَّه سبحانه، وإقامة الحجّة على تلك الطوائف؛ ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة. فإنّ الحقّ لا يكاد يخفى عن أحد، وإنّما يضلّل هؤلاء أتباعهم بالشبهات والأقوال الموهمة، ولذلك فانّ اتباع تلك الطوائف


1- لسان الميزان: ج 7، ص 530، رقم الترجمة 9465، وفي سنن ابن أبي عاصم بسنده عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ... فلو أنّ رجلًا صف بين الركن والمقام فصلى وقام ثمّ لقى اللَّه عزّ وجلّ وهو ينقص أهل بيت محمّد دخل النار» كتاب السنة: ص 628، رقم الحديث 1546.

ص: 251

هم ما بين زنديق أو جاهل، ومن الضروري تعليم الجاهل وكشف حال الزنديق ليعرف ويحذر» (1).

فهل إن بيان الحقّ للناس ونشر دين اللَّه وإقامة الحجّة تقتضى اعتماد الألفاظ الفاحشة والأقوال السخيفة؟

ولعلّ الدكتور القفاري سلك هذا المسلك- أي مسلك السبّ والشتم- لاعتقاده بأنه نوع من وجوب إنكار المنكر وتبيينه دون غموض، ولذا يقول:

«وأمّا إنكار ما أقف عليه من منكر وبيان فساده فهذا ليس خروجاً عن الموضوعية بل هو جزء من واجب كلِّ مسلم، فمن يتعرّض لكتاب اللَّه سبحانه ويدّعي فيه نقصاً وتحريفاً أو يقول بأن علياً هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وأمثال هذه الكفريات الظاهرة لا تملك إلّاأن تصمه بما يستحقّه، وأن تظهر فداحة جرمه وشناعة معتقده، وإلّا كان في الأمر خداع وتغرير بالقارئ المسلم» (2).

فلو سلّمنا أنّ الشيعة متلبّسة بالمنكرات والفساد والصدّ عن دين اللَّه (3)، كما


1- أصول مذهب الشيعة: ص 6.
2- أصول مذهب الشيعة: ص 15. سترى في دراستنا هذه ان قول الدكتور القفاري بان الشيعة تتعرض لكتاب اللَّه وتدّعي فيه نقصاً وتحريفاً، كذب أو سوء فهم وقوله بان الشيعة تقول ان عليّاً هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن. خيانة الدكتور القفاري العُظمى وبلوغ امانته العلمية أوجاً حيث قطّع الرواية التي وردت في هذا المجال ولم يوردها كاملة كي يتضح معناها الواقعي، انظر: مبحث: «بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة، بحث أخطر آراء السبئية في كتاب سليم بن قيس».
3- أصول مذهب الشيعة: ص 1190. ولا بد- في نظر الدكتور القفاري- ان يكون أحد المصاديق البارزةلهذا الصدّ الحكم المشهور للامام الخميني رحمه اللَّه تعالى بقتل المرتد سلمان رشدي والذي أصدره دفاعاً عن الحريم القدسي للنبي الاكرم محمّد صلّى اللَّه عليه وآله، ودينه المقدس، واعتبره حكماً أبديّاً غير قابل للنقض.

ص: 252

ادّعى ذلك الدكتور القفاري زوراً وبهتاناً، ولكن لنسأل الدكتور القفاري هل إنّ طريقته تتفق وطريقة القرآن والأنبياء سيما خاتمهم وأفضلهم نبينا محمّد صلّى اللَّه عليه وآله الذين هم في طليعة المنكرين للمنكر والدافعين للفساد والآمرين بالمعروف؟

فهل وجب على أنفسهم تلويث ألسنتهم بالكلمات البذيئة لأجل انكار المنكر (1).

أخرج الكليني بسنده عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال:

«قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: إن اللَّه حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيٍّ قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ...» (2).

وعلى هذا فكتاب الدكتور القفاري الذي يحمل تلك الصفات المشينة لا يستحق النشر في المجامع العلمية فكيف يكون محلًا للدراسة والنقد؟ ولكننا انما تعرضنا لنقد بعض دعاويه كي لا يترك أثراً سلبياً على عقول بعض الناس.

ودعاوى الدكتور القفاري هذه التي ذكرها لتوجيه عدم عفّته وبُعده عن الخلق العلمي، يمكن ان يخدع بها كثيراً من المسلمين فيتصوّرون أن الشيعة تتعرّض لكتاب اللَّه وتدّعي- والعياذ باللَّه- أن فيه نقصاً أو تحريفاً، أو تقول بأنّ علياً هو الأوّل والآخر و ... وهذا مما يؤدّي إلى إثارة مشاعر المسلمين ضدَّ الشيعة ويجعل قلوبهم تمتلي غيظاً وحنقاً على الشيعة، وبالنهاية يؤدي إلى حصول التفرقة بين


1- لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله فاحشاً ولا متفحشاً. انظر: صحيح البخاري، كتاب المناقب، ص 23، كتاب الادب، ص 38- 39، وصحيح مسلم: كتاب الفضائل: ص 68، وكتب سيرة الرسول صلّى اللَّه عليه وآله كجوامع السيرة النبوية لابن حزم باب اخلاقه صلّى اللَّه عليه وآله: ص 32، وغاية السؤول في سيرة الرسول لعبد الباسط الحنفي، ذكر أخلاقه عليه السلام: ص 38، والسيرة النبويّة لمحمد بن حبّان البسّي: ذكر وصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: ص 410 وغيرها من المصادر.
2- الكافي: ج 2، ص 322، الرقم 3.

ص: 253

المسلمين ونفرة بعضهم من بعض، وهو بالضبط ما يريده أعداء الإسلام. لكن يخفى عليهم أن أساس هذه الدعاوى من الدكتور القفاري مبتنٍ على الافتراء والبهتان والخيانة العلمية وظلم الغير.

نعم فالدكتور القفاري طفق ينقل كلمات متناثرة من هنا وهناك ويتفوّه بألفاظ بذيئة يصم بها علماء الشيعة فهو يصفهم ب «شرذمة الكذّابين، مصدّقي الخرافات معقودين بالهوى والغرض (1)، يشايعون الشيطان (2)».

ولكن الدكتور القفاري لا يعلم- أو يتجاهل بأنّ تلك الألفاظ طبقاً لمعاييره تنطبق على علماء وكبار وحفاظ أهل السنة بلا شك أمثال: محمّد بن سعد، ابن أبي داود، محمّد بن أيوب بن الضريس، ابن المنادي، أبو نعيم الاصبهاني، ابن عبد البر، عبد الكريم الشهرستاني و ... (3).

وإذا كان الدكتور القفاري قد اتّهم الشيخ الصدوق وغيره من الشيعة بأنّهم لم تسلم كتبهم من «الإلحاد»، فإنّنا لو اعتمدنا على مقياسه لحكمنا بعدم سلامة كتب أحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور والطبراني والديلمي من الإلحاد (4).

وإذا كان الدكتور القفاري قد اتّهم جمعاً من علماء الشيعة الذين أتوا بأدلّة قويّة على إبطال نظرية نسخ التلاوة فاتهمهم بأنّهم مكذّبون لربّ العالمين قائلًا: «ما أعظم جرمهم!!» هذا الحكم نفسه منطبق على مجموعة كبيرة من علماء أهل السنة قديماً وحديثاً الذين أنكروا نسخ التلاوة بأدلّتهم ورأيتم نص آرائهم كأبي جعفر النحّاس وشمس الدين السرخسي وأبي عبد اللَّه ظفر والقطّان وصبحي الصالح


1- اصول مذهب الشيعة: ص 226.
2- نفس المصدر: ص 1010.
3- انظر: «مبحث مصحف عليّ عليه السلام» في هذا المقام.
4- انظر بحث: «ابن بابويه وإنكاره لما ينسب لطائفته» من هذا الكتاب، وأصول مذهب الشيعة: ص 287.

ص: 254

والرافعي (1) و ...

وإذا كان الرافضة بزعم الدكتور القفاري لغرض إشباع أهوائهم وميولهم يلجأون إلى جعل القراءات بما يطيب لأنفسهم فابن جرير الطبري وغيره أولى بذلك (2).

وإن كان الرافضة وارثين للتأويلات المنحرفة فالقرطبي والسيوطي والآلوسي بل عائشة وغيرهم هم أيضاً ممّن ورث ذلك بلا شك (3).

وإن كان ...

وإن كان ...

vvv


1- انظر مبحث «دراسة في نسخ التلاوة» في المقام الأول واصول مذهب الشيعة: ص 1044.
2- انظر: مبحث «مضامين روايات التحريف في كتب الشيعة»: في هذا المقام واصول مذهب الشيعة: ص 1011.
3- انظر: مبحث «شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة»: في هذا المقام.

ص: 255

وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري

اشارة

قال الدكتور القفاري في مدخل مبحثه «هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب اللَّه نقصاً أو تغييراً»:

«... ومن قال بأن في القرآن نقصاً وتحريفاً فليس من أهل القبلة وليس من الإسلام في شي ء ... فإن الباحث المسلم يعاني بلا شك من قراءة تلك السوداء ومن الاستماع لُاولئك الأقزام الذين يتطاولون على كلام اللَّه سبحانه ويعاني من ذلك أبلغ المعاناة ... ثم ما أسهل الادعاء الكاذب على حاقد موتور ومن ثم فليس علينا ان نتتبع كل دعوى كاذبة لنردها.

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان كل مثقال بدينار (1)

كما ان إهمال القول الكاذب قد يكون أحرى لأماتته وانصراف الانظار عنه ما لم يتفش هذا القول ويشتهر وتحمله طائفة وتسير به


1- كذا جاء في كتاب الدكتور القفاري ولعلّ صحيحه: لو كل كلب عوى ألقمته حجَراً لأصبح الصخر مثقالًا بدينار

ص: 256

كتب فحينئذٍ يجب كشف المبطل وباطله ... ومن حاول المساس بكتاب اللَّه والنيل من قدسيّته فإنّه بعيد عن الإسلام وإن تسمّى به، وإنّه يجب كشفه لتعرف الأمّة عداوته لأنّه يحارب الإسلام عن أصله العظيم وركنه المتين ...» (1).

لابدّ أن نيّة الدكتور القفاري هي فقط الدفاع عن حريم القرآن وحفظ قداسته ولهذا تراه مضطرب البال مكسور الخاطر كثير المعاناة، وحكم بكفر أصحاب الكتب الذين أوردوا فيها روايات التّحريف!

ثمّ ذكر انّه ينبغي الاحتياط أشدّ الاحتياط في هذه المسألة قائلًا:

«ومن هنا فإن العدل يقتضي ان نحتاط في دراستنا لهذه المسألة أبلغ الاحتياط وان نعدل في القول، فلا نرمي طائفة بهذه المقالة الّا بعد الدرّاسة والتثبت ...» (2).

وأخيراً، وبعد الدرّاسة والبحث في أطراف هذه المسألة توصل إلى النتيجة الآتية:

«فرية التّحريف ابتدأ القول بها الروافض في القرن الثاني ونسبت إلى هشام بن الحكم وشيطان الطاق ... وإنّ بعض أهل العلم ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أنّ الباطنية لم تخص بهذه المقالة والذي تولى كبرها وأكثر الوضع فيها هم الاثنا عشرية، وقد سجلت هذه المقالة في ... كتاب سليم بن قيس ...» (3).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 200- 201.
2- نفس المصدر السابق.
3- نفس المصدر: ص 1281، وقوله: «قد سجلت هذه المقالة ....» لان سليم أورد في كتابه خبر مصحف علي عليه السلام وسيأتي الكلام فيها مفصلًا.

ص: 257

وقد بلغ احتياطه وعدالته في الحكم أوجَه!! حين حكم على كتب حديث الشيعة كالكافي وتفسيرهم بالمأثور كتفسير علي بن إبراهيم بقوله:

«أنّ أصحاب هذه المقالة والكتب التي حوت هذا الكفر- أي تحريف القرآن نعوذ باللَّه- هي محل تقدير عند هؤلاء [أي الإمامية] وصدق الموقف يقتضي البراءة من معتقديها كالكليني وكتابه الكافي والقمّي وتفسيره وغيرهما ممّن ذهب إلى هذا الكفر» (1).

وبالتالي فإنّ في كتابه مواضع من هذه الأحكام والقضايا ليست بالقليلة وكنموذج لذلك قوله:

«إنّه لا ثقة برواياتهم بعد هذا وإنّ كتبهم هي المحرفة المفتراة ... وقد انكشف أمرها بهذه الفرية ...

وكثرة الأخبار في هذا الباب تدل على أن دين الشيعة سداه ولحمته الكذب والكيد للإسلام بمحاربة ركنه العظيم وأصله الذي يقوم عليه وهو القرآن ...» (2).

وقال أيضاً:

«... وهذا بلا شك دليل بطلان أخبارهم كلِّها ... وكان من أعظم الأدلة والبراهين على سقوط أخبارهم وتهافت رواياتهم ...» (3).

بعد كلّ هذا نسأل:

هل أنّ الدكتور القفاري عادل في احكامه تلك؟


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1001 وقال أيضاً: «الصفار وإبراهيم القمي والكليني هم من الغلاة الذين يجب اعتبارهم خارج الصف الاسلامي لنقلهم اساطير نقص القرآن وتحريفه»، ص 671 ومثله ص 697 و 751 و 993.
2- نفس المصدر: ص 1039 وقال بعده: «... وإذا لم تستح فاصنع ما شئت وليس بعد الكفر ذنب».
3- نفس المصدر: ص 1050.

ص: 258

وهل أنّ الدكتور القفاري يراعي الموازين العلمية في هذا البحث الذي يعد من البحوث المهمة جداً عند المسلمين؟

وهل أنّ الدكتور القفاري تحلّى بالأمانة العلمية في نقل روايات وعبارات الشيعة من مصادرهم؟

وهل؟

وهل؟

وسيأتيك عن قريب الجواب الشافي عن كلّ تلكم الأسئلة، وأنت تحكم بنفسك عليه، وقبل أن نبحث في أجوبة تلك الأسئلة، علينا أن نقف وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري ونسأل السؤال الذي يدور في الخاطر، وهو: ماذا يقول الدكتور القفاري في روايات أهل السنّة في هذا المقام؟ إذ أنّه لابدّ أن يكون قد اطلع على الأنواع المختلفة لتلك الرّوايات في كتب أهل السنة، من حيث العدد (حيث يقول الآلوسي إنّها أكثر من أن تحصى (1)، ويقول السيوطي وأمثلة هذا الضرب كثير (2)) ومن حيث كيفية المصادر (فهي من كتب الصّحاح والكتب الأخرى المعتبرة عندهم) ومن حيث قوّة متونها وتنوع مدلولها (بأنها من خطأ الكتّاب، وإلقاء الشياطين في الوحي، وتغيير الحجّاج في كلمات القرآن، والرّوايات الدالة على الزيادة والنقيصة في القرآن، وإسقاط آيات بعد وفاة الرّسول الأكرم صلّى اللَّه عليه وآله) والدكتور القفاري يعلم علم اليقين أنّهم رووا بمثل ما رواه الكليني وغيره وبعضه أكثر صراحة وأشدّ ظهوراً في التّحريف وأصح سنداً وأقوى حجة وأبعد عن التأويل الظاهر والمقبول وقد لاحظ هو بنفسه أجوبة علماء أهل السنة


1- روح المعاني: ج 1، ص 45.
2- الاتقان: ج 1، ص 81 وقد عبّر ابن سلّام بعد ذكر بعض تلك الرّوايات: «فهذه الحروف واشباهٌ له كثير» فضائل القرآن: ص 195.

ص: 259

المتناقضة عن تلك الرّوايات ومع ذلك فقد أصدر تلك الأحكام على الشيعة مع كونه محتاطاً أبلغ الاحتياط حسبما ادّعى!!

فإذا كان الدكتور القفاري عادلًا في حكمه وبقصد الدفاع عن الدين وقد توصل إلى تلك النتائج الموهومة على طبق الموازين العلمية، فيجب عليه أن يطبق النتائج التي توصل إليها في كتب الشيعة على كتب أهل السنة: كموطأ مالك، صحيحي البخاري ومسلم، سنن الترمذي والنسائي وأبي داود والبيهقي، ومسند أحمد والطيالسي، ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني ومصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة والمحلى لابن حزم الأندلسي وفضائل القرآن لابن سلام وتفسير الطبري والدرّ المنثور والقرطبي وغير ذلك من كتب الحديث وعلوم القرآن والتفسير من تأليف كبار العلماء والأئمة من أهل السنة.

فعلى الدكتور القفاري أن يتبرأ من هذه الكتب والمؤلفات ويحكم بأنّ كثرة الأخبار في هذا الباب يدل على الكيد والكذب على الإسلام والمحاربة لركنه العظيم- وهو القرآن- وفي نهاية المطاف ليقل: «لا ثقة بروايات أهل السنة بعد هذا ...»!! حتّى يثبت عدالته ونثق بكلامه وإلّا فالتعصب في المجال العلمي لا يؤدّي إلّاإلى التفرقة وتضييع الحقائق وإضلال العباد كما لا يخفى.

ص: 260

اتهام مفضوح

الدكتور القفاري وهو ينكر روايات أهل السنة قد اتّهم الشيخ الطوسي بالكذب حيث قال الشيخ الطوسي:

«رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شي ء منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد لا توجب علماً، فالأوْلى الاعراض عنها ... لأنّه يمكن تأويلها» (1).

فقال الدكتور القفاري:

«إنّ ما زعمه الشيخ الطوسي أنّ العامة قد شاركوا طائفته في رواية هذا الكفر، كذب ...» (2).

وتعليقاً على كلام الطبرسي الذي قال:

«روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ...» (3).

قال الدكتور القفاري:

«يحاول الطبرسي- كعادة هؤلاء- أن يشرك بعض أهل السنة الذين عبر عنهم «بحشوية العامة» في هذا الكفر كنوع من الدفاع عن المذهب وحفظ ماء الوجه ولون من النقد المبطن لاهل السنة» (4).

ولكنّ انكار الدكتور القفاري واتهامه للطوسي والطبرسي لا وجه له فإنّ روايات أهل السنة التي أوردنا شطراً منها تصدّق قولهما.


1- التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 3.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 292.
3- مجمع البيان: ص 83.
4- اصول مذهب الشيعة: ص 295.

ص: 261

محاولة فاشلة

نعم الدكتور القفاري يقول في موضع آخر في مقام قبوله لتلك الرّوايات: إنّ الرّوايات الموجودة في كتب أهل السنة من جنس «روايات القراءات» أو «نسخ التلاوة» بخلاف روايات الشيعة التي هي من جنس التّحريف، وقد كرّر الدكتور القفاري هذا القول عشرات المرات ودافع عنه دفاعاً مريراً، فمثلًا تراه يقول:

«فكيف يجعل نسخ التلاوة كالقول بالتحريف إنْ ذلك إلّاضلال مبين وكيد متين ... لان غاية ما تدل عليه تلك الآثار ان ذلك كان قرآناً ثمّ رفع في حياة الرسول والوحي ينزل ...» (1).

وقال أيضاً:

«فمن يقل من الشيعة إنّ رواياتهم الواردة في كتبهم من جنس روايات القراءات ونسخ التلاوة فهو يتستر على هذا الكفر ويساوي بين الحق والباطل» (2).

ولكن كيف يمكن حمل كل روايات أهل السنة- التي أوردناها في المقام الأوّل «مبحث دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة»- على القراءات أو نسخ التلاوة؟ وإذا كانت نظرية نسخ التلاوة من عند اللَّه، وتعطي جواباً شافياً لقسم من الرّوايات، فلماذا هذا الترديد والإنكار من أهل السنة أنفسهم لهذه النظرية؟ وكيف تبطل نصوص تلك الرّوايات تلك النظرية؟ وإشكالات متعددة اخر ذكرناها في المقام الأوّل، وعلى فرض المحال فلو قبلنا بأن القراءات أو نسخ التلاوة كلها من عند اللَّه فإن الرّوايات الموهومة التي تقول بوجود اللّحن في القرآن والزيادة في القرآن وإلقاء الشياطين في الوحي القرآني وتغيير بعض الحكام في كلمات القرآن


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1019 وأيضاً ص 1044، 1054.
2- اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 300 وأيضاً ص 248.

ص: 262

وغيرها من الرّوايات هل هي من جنس القراءات أو من جنس نسخ التلاوة؟؟

والأعجب من هذا، الإدّعاء الآخر الذي ذكره الدكتور القفاري بقوله:

«الإقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين وهو شي ء آخر غير التّحريف» (1).

أولًا: من هو الذي أقرّ بنظرية نسخ التلاوة المزعومة من الأساطين الإمامية؟

ذكر الدكتور القفاري أسماء ثلاثة من علماء الإمامية وهم «شيخ الطائفة الطوسي» و «الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي مؤلف مجمع البيان» و «الشريف المرتضى علم الهدى» وقال: الاقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين ...».

ثانياً: ما المقصود من «نسخ التلاوة» في عبارة الدكتور القفاري هل هو نسخ التلاوة دون الحكم أو نسخها مع الحكم؟ فالأول ورد مرّة واحدة وهي آية الرجم، والشيخان الطوسي والطبرسي قبلا هذا المورد فقط، ولكنّ تمام الرّوايات المزعومة والتي هي أكثر من أن تحصى- ما عدا هذا المورد- هي من باب نسخ التلاوة مع الحكم، ولا يوجد أحد من الإمامية يشترك مع غير الإمامية في هذا الأمر البيّن الغيّ وإليك تفصيل ذلك: قال شيخ الطائفة:

«ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم فإنّ وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله: «الشيخ والشيخة إذا زنيا ...» (2).

وفي موضع آخر يقول شيخ الطائفة:

«وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن وفيما ذكرناه دليل على بطلان


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1021، وتابع الدكتور القفاري في ادّعائه هذا أفراد آخرون أمثال: «محمّد عبد الرحمن السيف» في كتابه «الشيعة الاثني عشرية وتحريف القرآن»: ص 22.
2- التبيان: ج 1، ص 13.

ص: 263

قولهم» (1).

وهذه العبارات بعينها ذكرها الدكتور القفاري عن الشيخ ولم يورد ما بعده.

فالشيخ الطوسي حينما ذكر جواز النسخ فإنّما أراد به الاستدلال على جواز النسخ في عالم الثبوت والإمكان- مقابل قول بعض المعتزلة بعدم جواز النسخ حتى في عالم الثبوت (2)- ولم ينظر الشيخ في كلامه إلى عالم الإثبات والوقوع، فقال الشيخ بعد استدلاله: «وفيما ذكرنا دليل على بطلان قولهم».

ثم قسّم الشيخ رحمه اللَّه النسخ في الشّرع إلى ثلاثة أقسام، وقال في القسم الثالث (نسخ التلاوة مع الحكم) ما نصّه:

«الثالث- هو مجوّز وإن لم نقطع بأنّه كان. وقد روي عن أبي بكر أنّه


1- التبيان: ج 1، ص 394.
2- اتفق أكثر الاصوليين على جواز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس ونسخهما معاً في عالم الثبوت والامكان واستدلوا على ذلك بدليل العقل والنقل وخالفهم شواذٌّ من المعتزلة حيث نسب إليهم بأنه لا يجوز نسخ الحكم وبقاء التلاوة لانّه يبقى الدليل ولا مدلول معه فحكى الزرقاني عن جماعة في منسوخ التلاوة دون الحكم أنّه مستحيل عقلًا. مناهل العرفان: ج 2، ص 125. وقال بعض: لا يجوز نسخ التلاوة مع بقاء حكمها لان الحكم تابع لها فلا يجوز ارتفاع الأصل وبقاء التّابع. انظر: الأحكام للآمدي: ج 3، ص 128، اللُّمع: ص 58، شرح اللّمع: ج 1، ص 495- 496. الذريعة للسيد المرتضى: ج 1، ص 428- 429 والمنخول: ص 297. وامّا حديث آية الرجم ونسخ تلاوتها وبقاء حكمها فقد أخرجه الشيعة والسنة في كتبهم الحديثية في أبواب الحدود. والأصل في هذه القضية هي تفرد عمر بن الخطاب بنقله فالخبر واحد لا يثبت به نص القرآني ولا نسخه وإنَّ مقارنة الخبر بسياق بقيّة الآيات القرآنيّة واسلوبها تؤدي إلى انكار كونها قرآناً، هذا فضلًا عن أنّ عليّاً عليه السلام قد أنكر- بالملازمة وليس بالصراحة- كونها آية قرآنية فانه عليه السلام لمّا جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال: «حددتها بكتاب اللَّه ورجمتها بسنّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم.» انظر: جواهر الكلام: ج 41، ص 30، عوالي اللآلي: ج 2، ص 152 وج 3، ص 553 ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم فلو كان عليه السلام يرى أن حكم الرجم ثابت بآية قرآنية قد نسخت تلاوتها كما رأى عمر لم يقل ذلك.

ص: 264

كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» (1).

ولو دققنا في قول الشيخ: «هو مجوّز» فإنه يعني امكان حدوث النسخ ثبوتاً لكنّه في مقام الإثبات قال: «لم نقطع بأنّه كان» أي لم يثبت النسخ في عالم الإثبات والوقوع، وما ورد في الرّوايات ليس آية قرآنية حتى يمكن اعتبارها قسماً من النسخ وإنما هي روايات آحاد لا حجّة فيها في المقام.

هذا الكلام كان في مورد شيخ الطائفة، وأمّا الشيخ الطبرسي فهو كالشيخ الطوسي ذهب إلى أنّ الآية الوحيدة التي جرى فيها نسخ التلاوة دون الحكم هي آية الرجم (2).

أمّا السيد المرتضى رحمه اللَّه فهو منكر لكلا هذين القسمين من النسخ؛ ولا أدري من أين جاء الدكتور القفاري بهذه النسبة للسيد المرتضى إذ يقول:

«وهو (أي السيد المرتضى) يقرّ بنسخ التلاوة ففي كتابه الذريعة قال:

«فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه ثم تكلّم عن ذلك» (3).

ونحن نعجب من الدكتور القفاري كيف فهم من عبارة المرتضى القول بجواز نسخ التلاوة في عالم الوقوع والإثبات، والحال إنا ننقل لك نصّ عبارته لتتضح لك واقعية الدكتور القفاري. قال السيد المرتضى:

«فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه ... مثال نسخ الحكم دون التلاوة نسخ الاعتداد بالحول وتقديم الصدقة أمام المناجاة ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به لأنّه من جهة


1- التبيان: ج 1، ص 398.
2- مجمع البيان: ج 1، ص 180.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1021.

ص: 265

خبر الآحاد ... وهكذا مثال نسخ الحكم والتلاوة معاً موجود- أيضاً- في أخبار الآحاد ...» (1).

فالسيد المرتضى- كالشيخ الطوسي- في مقام بيان أنّ نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه ثبوتاً جائز أو لا، فمثال نسخ الحكم دون التلاوة هنا موردان من الآيات يمكن الاتيان بهما لأنّه مقطوع به وأمّا في مقام نسخ التلاوة دون الحكم أو معه فهو غير مقطوع به لانّ طريقه هو خبر الواحد، إذ ان نسخ الآيات القرآنية- كالآيات القرآنية نفسها- يجب أن يكون متواتراً ومقطوعاً به، وعلى هذا يكون نسخ التلاوة بكلا قسميه مردوداً عنده لأن أخبارهما آحاد وبناء على هذا فكيف يمكن للقفاري أنْ يقول بأنّ السيد المرتضى يذهب إلى قبول نسخ التلاوة؟

على هذا فإنَّ كل ما عند الدكتور القفاري من جواب لروايات أهل السنَّة هو نسخ التلاوة أو القراءة الواردة فنسخ التلاوة موهوم لا غير وادّعاؤه بأنّه مشترك بين الفريقين كذب لا غير وأمّا القراءة الواردة فإنّها من عند اللَّه إذا كانت تلك الرّوايات في كتب أهل السنة فقط لا في كتب الآخرين. قال الدكتور القفاري:

«الأحاديث الصريحة الدلالة في أنّ كلّ واحد من القرّاء قد أخذ قراءته من الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي مخالفة لقراءة صاحبه وأنّ النبيّ أقرّ كلًا منهم وأخبر بأنها هكذا نزلت فبان أنّ الجميع نازل من عند اللَّه» (2).


1- الذريعة إلى اصول الشريعة: ج 1، ص 429. وهما آيتان، الاولى من سورة البقرة: الآية 240 وهي آية نسخ الاعتداد بالحول، والاخرى من سورة المجادلة: الآية 12 وهي آية نسخ الصدقة أمام المناجاة. فعلى هذا فإمكان النسخ وجوازه، أمر متفق عليه بخلاف وقوعه ووروده، والمنقول من جمهور الاصوليين هو الجواز ونسب بعض الخلاف إلى شاذ من المعتزلة. انظر: البيان: ص 206 و 279 و 284.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1035.

ص: 266

فعلى هذا كل قراءة في زعم الدكتور القفاري من عند اللَّه لكن إذا كانت نفس تلك الرّوايات في كتب الشيعة فإنها من باب كذب وافتراء.

فعلى سبيل المثال جاءت في بعض مصادر الشيعة (1) قراءة الآية بدون كلمة «عن» في الآية الشريفة «يسألونك عن الأنفال ...»

فقال الدكتور القفاري:

«وغرض الرافضة من هذا الزعم أنّ الأنفال كانت خاصة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم هي للأئمة الاثني عشر المعصومين من بعده والصحابة إنما كانوا يسألون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعطيهم منها على سبيل الصدقة ولم يكن سؤالهم عن حكمها وهذا لا يتأتى للرافضة إلّابحذف كلمة «عن» (2).

لكن هذه القراءة توجد في مصادر أهل السنة عن كثير من الصحابة والتابعين (3) بل نقل «ابن جرير» عن بعض انهم قالوا:

«نزلت الآية لأنَّ أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم اللَّه أنَّ ذلك للّه ولرسوله دونهم» (4).


1- وردت هذه القراءة عن ائمة الهدى عليهم السلام: الإمام علي بن الحسين والصادقين عليهم السلام. انظرالتبيان للطوسي: ج 5، ص 86- 87.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1011. ورأى في موضع آخر أن قراءة الآية بدون كلمة «عن» من وحي الشيطان وحقد على الإسلام وأهله. اصول مذهب الشيعة: ص 1007، الهامش رقم 2.
3- كابن مسعود و سعد بن ابي وقاص وزيد بن علي وعطاء والضحاك وغيرهم راجع: الاعراب للنحاس: ج 1، ص 664، البحر المحيط: ج 4، ص 456، التبيان للشيخ الطوسي: ج 5، ص 86- 87 وجامع البيان للطبري: ج 6، ص 176.
4- جامع البيان: ج 6، ص 174.

ص: 267

فهل يريد الدكتور القفاري أصرح من هذا، فلماذا افترى على الشيعة وقال:

«وهذا لا يتأتّى للرافضة إلّابحذف كلمة «عن».

ومثله كثير وسيأتي بعضه (1).

وهنا نستعرض نكاتاً قصيرة في أصل وجود روايات أهل السنة، وموقف الدكتور القفاري منها، ونقف هنا وقفة قصيرة لمقارنة «أجوبة» أهل السنة- عن رواياتهم- بمعايير الدكتور القفاري وموازينه.


1- انظر على سبيل المثال مبحث: «مضامين روايات التّحريف في كتب الشيعة» و «هل انكار المنكرين لهذا الكفر من قبيل التقية».

ص: 268

نظرة إلى أجوبة أهل السنّة وموازين الدكتور القفاري

لو وازنّا بين أجوبة علماء أهل السنة ومعيار الدكتور القفاري لتوصّلنا إلى نتائج عجيبة غريبة، فمثلًا حينما قال العلّامة البلاغي (ت/ 1352 ه.) في أسانيد روايات الشيعة التي ظاهرها يدل على وقوع التّحريف في القرآن ما نصّه:

«منها ما لا يتيسر احتمال صدقها ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول إلى التناقض والتعارض ... هذا مع أنّ القسم الوافر من الرِّوايات ترجع أسانيدها إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلّاً منهم إمّا بأنّه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية وإمّا بأنّه مضطرب الحديث والمذهب ... وإمّا بأنّه كذّاب متهم ... وإمّا بأنّه ضعيف لا يلتفت إليه و ...» (1).

وهو ما ذهب إليه الميرزا مهدي الشيرازي (ت/ 1381 ه.) في مجال هذه الأخبار (2).

ردّ عليهم الدكتور القفاري بعد نقل عباراتهم بقوله:

«هذا قول البلاغي والشيرازي في رجالهم وأسانيدهم.

ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه ومحاولتهم التستر على مذهبهم أو نفي هذا الكفر والعار الذي ألحقه بالطائفة شيوخهم الأوائل» (3).

أقول: إذا كان تقييم الدكتور القفاري صحيح ومنصف بالنسبة لحكم العلماء


1- اصول مذهب الشيعة: ج 3، ص 1038 عن آلاء الرحمن: ص 26 وقد أوردنا سابقاً تمام عبارة العلّامة البلاغي في المقام الأوّل.
2- المعارف الجلية: ص 18.
3- اصول مذهب الشيعة: ج 3، ص 1039.

ص: 269

المعاصرين من الشيعة كالبلاغي والشيرازي على رواة وروايات التّحريف فهل يمكن للدكتور القفاري تطبيق هذا الحكم- العادل والصائب!!- على بعض العلماء المعاصرين من أهل السنة الذين حكموا بضعف رواة وروايات التّحريف ووضعها وجعلها ويقول:

«هذا قول الآلوسي ومصطفى زيد ورشيد رضا ومحمد أبو زهرة و ...

في رجال أهل السنة وأسانيدهم ... نذكرها لبيان تناقض أقوالهم وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه ومحاولتهم التستر على مذهبهم أو نفي هذا الكفر والعار الذي الحقه بأهل السنة شيوخهم الأوائل ...» (1).

وهل أذعن الدكتور القفاري إلى أنّ ما حكم به على جواب العلّامة الطباطبائي من الإمامية قد شمل أجوبة بعض علماء أهل السنة إذ يقول العلّامة:

«المراد في كثير من روايات التّحريف من قولهم عليهم السلام كذا انزل، هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل ...» (2).

فقال الدكتور القفاري:

«فهذا تأكيد للُاسطورة وليس دفاعاً عنها، ذلك أنّ من حرّف وردّ وأسقط النصوص النازلة من عند اللَّه والتي تفسر القرآن وتبيّنه هو لردّ وتحريف الآيات أقرب ...» (3).

ألم يكن هذا هو نفس جواب علماء أهل السنّة عن رواياتهم؟ ألم يعدّ جمع من علمائهم أمثال «أبو عبيد القاسم بن سلّام» و «الحافظ أحمد العاصمي» و «ابن حزم الاندلسي» و «بدر الدين الزركشي» وغيرهم تلك الرّوايات من باب التفسير


1- انظر المقام الأوّل: أجوبة أهل السنّة عن روايات التّحريف.
2- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 108.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 998.

ص: 270

والسنّة؟

ففي هذه الصورة وطبق معيار الدكتور القفاري أليست أقوال هؤلاء أقرب إلى رد وتحريف الآيات، وتأكيداً للُاسطورة ...!؟

فلو ركنّا إلى معيار وموازين الدكتور القفاري في البحث والدرّاسة عن تلك الرّوايات لصار علماء كلٍّ من الفريقين ممّن يقول بالتحريف بحسب نظره، وسنشير لاحقاً الى بعض المقاييس الاخر للدكتور القفاري.

هذا، ولو اتّبع الدكتور القفاري وأضرابه الموازين العلمية وابتعدوا عن التعصبات ثمّ وَلَجوا في مثل هذه الأبحاث لتوصلوا قطعاً إلى النتيجة التي تستفاد من روح تعاليم الوحي والتي اعترف بها محققو الفريقين واستدلوا عليها، وهي:

«إذا وجدنا لهذه الرّوايات تأويلًا صحيحاً متّفقاً مع السليقة القرآنية فهذا أمر مقبول لا محالة وإلّا فيجب تبرئة ساحة القرآن المقدسة عن هذه الأوهام لوجود الأدلة القاطعة على صيانة القرآن عن التّحريف؛ سيّما وأنّ نصوص بعض تلك الرّوايات يعتبر خير شاهد على أنّها أجنبية بالمرّة عن كلام اللَّه تعالى.»

فلا ينبغي لاحد نسبة القول بتحريف القرآن لأيّة طائفة بسبب وجود بعض الرّوايات في كتبهم أو وجود عدّة قليلة ممّن قبلت هذه الرّوايات، والقاء مسؤولية تلك الرّوايات والقائلين بها على عهدة تلك الطائفة بأجمعها.

ص: 271

حديث مصحف الإمام علي عليه السلام في سطور:

وهناك مطلب آخر ذكره الدكتور القفاري في مدخل موضوع بحثه، يرتبط بمصحف الإمام علي عليه السلام حيث قال:

«ومن أمر هذه الدعوى والتي وجدت في محيط الشيعة ... أنّها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها وبراهين زيفها وكذبها ... فهي تقوم على دعوى أنّ القرآن ناقص ومغير ... وان القرآن الكامل المحفوظ من أي تغيير هو عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم أورثه الأئمة من بعده ...

ولو كان لدى أمير المؤمنين غيره لأخرجه للناس ولم يجز أن يتعبّد اللَّه بكتاب محرّف وناقص، ولتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة؛ لأن من أقرّ الخائن على خيانته كان كفاعلها ...

لم يجد أصحاب هذا الافتراء ما يجيبون به عن هذا السؤال الكبير الذي ينسف بنيانهم من القواعد سوى قولهم على لسان عالمهم نعمة اللَّه الجزائري ...

كما أنّهم ربطوا- والكلام للقفاري- وجود المصحف بإمامهم المنتظر ... والإمام الغائب والمصحف الغائب كلاهما وهم وخيال ...» (1).

فالدكتور القفاري في موارد متعددة تحدّث عن مصحف الإمام علي عليه السلام، وكل مرة يستعمل أقبح الألفاظ وأهجنها، التي هي في الواقع بعيدة كلّ البعد عن ذوق كلّ محقق يطلب الحقيقة والدفاع عن دين اللَّه.


1- اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 202.

ص: 272

بل إنّه يفرد بحثاً مستقلًا (1) تحت عنوان «مصحف [الإمام] علي» يستنتج في نهايته أنّ:

«... أوّل كتاب تعرض لهذه الفرية هو كتاب سليم بن قيس حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين ...

وفيها «أن عليّاً لزم بيته حتى جمع القرآن وكان في المصحف والرِّقاع ...» (2).

وهذا الخبر لمصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب سليم بن قيس، يوجب عند الدكتور القفاري أن يحكم ويقول:

«وقد سجلت هذه المقالة- أي تحريف القرآن- في أول كتاب ظهر لهم ... وهو كتاب سليم بن قيس» (3).

ونحن قد تكلمنا عن جميع الخطوط العامة لمسألة مصحف الإمام علي عليه السلام من مصادر الفريقين في المقام الأوّل، وسترى قريباً «في مبحث مصحف الإمام عليّ» أن خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتب أهل السنة فاق روايات الشيعة وبعضها وردت بأسانيد صحيحة ومتضافرة.

وعلى هذا، فقول الدكتور القفاري بأنّ خبر هذا المصحف وجد منحصراً في محيط الشيعة وهذا المصحف وَهم وخيال وكذلك قوله بأنّ هذا المصحف في نظر الشيعة خال من التغيير والتّحريف بخلاف المصحف الموجود، وكذلك قوله: الوحيد الذي أجاب عن ذلك السؤال الكبير- وهو إذا كان عند الإمام علي عليه السلام مثل هذا المصحف فلماذا لم يخرجه للناس- السيد نعمة اللَّه الجزائري، كل هذه


1- اصول مذهب الشيعة: ص 339 و 1022 و ...
2- نفس المصدر: ص 235- 236.
3- نفس المصدر: ص 1281.

ص: 273

الدعاوي من سوء الفهم والتجاهل من الدكتور القفاري لأنّه:

أولًا: إن خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين ورد متواتراً معنى.

ثانياً: إن المصحف الموجود عند المسلمين عامّة بنظر علماء ومحققي الإمامية مصون عن كل نوع من التغيير والتّحريف وقد عرضنا عليك في المقام الأوّل أقوالهم وأدلتهم، وقلنا: إنّ مصحف الإمام علي عليه السلام عند محققي الإمامية- وهم أكثرهم- مشتمل على التنزيل الذي هو بمعنى شرح المراد من اللَّه والتأويل وما يرجع إليه الكلام من المعاني ظاهراً وباطناً وكذا بيان شأن النزول والناسخ والمنسوخ و ... وبيّنا هناك أنّ هذه الامور لا مساس لها بمسألة التّحريف اطلاقاً.

ثالثاً: ذلك السؤال الذي هو في الواقع متوجه لكلا الفريقين لا الى الشيعة فقط، أجاب عنه كلّ علماء الإمامية- ما عدا قلّة من الأخباريين- بقولهم:

«لو كانت مخالفة مصحف الإمام في بعض الحقائق الدينية متعلقة بالوحي القرآني لعارضهم بالاحتجاج ودافع عنه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه» (1).

وعلى هذا فلم يكن المحدث الجزائري هو الوحيد الذي أجاب عن السؤال.

هذا، ولنا في مبحث مصحف الإمام علي عليه السلام في هذا المقام بحث مفصّل نسبياً فانتظر.

إلى هنا كانت وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري لمدخل مبحثه «هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب اللَّه نقصاً أو تغييراً» والآن نشرع بإذن اللَّه في أصل المبحث وهو تحت عنوان «دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد».


1- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 116.

ص: 274

ص: 275

دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد

اشارة

قال الدكتور القفاري بعد مدخل الموضوع:

«وفيما يلي نبدأ بدراسة هذه القضية عند الشيعة ومتى بدأت وكيف امتدت، ومن الذي تولى كبر وضعها، وهل تقول الشيعة كلها بذلك أم فيها من أنكر وتبرأ؟ وسنذكر أولًا ما تقوله كتب السنة ثم نرجع لتحقيق ذلك من كتب الشيعة الإثني عشرية نفسها» (1).


1- اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 203- 204.

ص: 276

بداية هذا الافتراء كما تقوله مصادر أهل السنة

يتّضح لنا من هذا العنوان أنه يحاول كشف نقطة البداية في تحريف القرآن من وجهة نظر الإمامية في مصادر أهل السنة، فهو في تفحصه، يتشبث بقول ابن الانباري (ت 328) إذ يقول:

«يقول الإمام أبو بكر محمّد بن القاسم الانباري: «لم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون شرف القرآن وعلو منزلته ... حتى نبغ في زماننا هذا زائغ عن الملة بما يحاول به ابطال الشريعة فزعم ان المصحف الذي جمعه عثمان باتفاق أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله على تصويبه فيما فعل لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف ... (ثم ذكر ابن الانباري) ان هذا الزنديق اخذ يقرأ القرآن على غير وجهه زندقة والحاداً فكان يقرأ: (ولقد نصركم اللَّه ببدر بسيف علي وأنتم أذلة)» (1).

وكما ترى فان ابن الأنباري لم يبين هويّة هذا الشخص ومذهبه، وكذا القرطبي الذي نقل كلام ابن الأنباري لم يذكر شيئاً فيما يتعلق بهذا الناقل، ولكن الدكتور القفاري تمكن من معرفة هوية القائل حين قال:

«هذا النص قاله ابن الانباري المولود سنة (271 ه) والمتوفى سنة (328 ه) وهو يشير إلى ان هذا الافتراء بدأ في زمنه ... ويدل النص المذكور على أن مصدر هذا الافتراء من طائفة الشيعة كما تفيده تلك الزيادة المفتراة (بسيف علي) ... وكأنّ ابن الانباري بهذا يشير إلى شخص بعينه إلّاانه لم يذكره باسمه ... ولكن بدت هويته المذهبية من


1- اصول مذهب الشيعة: ص 204 عن القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن»: ج 1، ص 80- 81.

ص: 277

خلال افتراءاته» (1).

فهل أصاب الدكتور القفاري الحقيقة في اكتشافه هذا؟؟

لنرجع الآن إلى كلام «القرطبي» في تفسيره الذي نقل لنا كلام «ابن الانباري» كي نعرف هوية مذهبية هذا الشخص من خلال «افتراءاته» الاخرى ونعرف صحة دعاوى الدكتور القفاري في هذا المجال.

قال القرطبي أيضاً فيما ينقل عن «ابن الانباري»:

«فزعم- هذا الزائغ- ان المصحف الذي جمعه عثمان رضي اللَّه عنه لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف ... فمنها:

«والعصر ونوائب الدهر» ومنها: «حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلًا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس- وما كان اللَّه ليهلكها إلّا بذنوب اهلها-» وادعى أنّ عثمان والصحابة زادوا في القرآن ما ليس فيه ... وادعى أنّ المصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيّرة ...

وقال هذا القائل: لي ان اخالف مصحف عثمان كما خالفه أبو عمرو بن العلا فقرأ: «انّ هذين لساحران» ... (2) وقد مرّ عليك في المقام الأوّل أن قائل هذا القول ... «ان المصحف الذي جمعه عثمان لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف» في الأصل هي «عائشة» أمّ المؤمنين فقد نقل عنها «مصعب بن الزبير» أنها قالت:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 204.
2- الجامع لاحكام القرآن: ج 1، ص 80- 81.

ص: 278

«كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّاعلى ما هو الآن» (1).

وأيضاً ما قاله ابن الانباري عن ذلك الشخص في قراءة سورة «العصر» لم يرد في مصادر الشيعة قط بل جاء في كتاب «فضائل القرآن» (2). لأبي عبيد القاسم بن سلّام من أهل السنة وما قاله «ابن الانباري» بقوله: «وذكر هذا الإنسان أنّ ابي بن كعب هو الذي قرأ ... «كأن لم تغن بالأمس- ما كان اللَّه ليهلكها إلّابذنوب أهلها-» هذا الاختلاف في القراءة أيضاً يوجد في مصادر أهل السنة (3) لا الشيعة، كما أن أصل اختلاف القراءة في قراءة «ان هذان لساحران» أيضاً عن عائشة حيث قالت:

«هذه الآية- وآيات أخرى- من عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة ورأت أنّ الصحيح قراءتها بالنصب (4).

وأمّا ما قاله «ابن الانباري»: «... وحكى لنا آخرون عن آخرين أنّهم سمعوه يقرأ: «ولقد نصركم اللَّه ببدر- بسيف علي- وأنتم أذلة ...» فهذه القراءة لا توجد في كتب التفسير بالمأثور من الشيعة كتفسير «البرهان» و «نور الثقلين» وتفسير «القمي» و «العياشي» وغيرها. فلو كان هذا الشخص شيعياً لَوُجِدَت قراءته في أحد هذه الكتب وما شابهها على أقلّ تقدير، نعم يوجد نحوها في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي النيسابوري وهو من كبار المحدثين في القرن الخامس من أهل السنة بأسانيد عن عبد اللَّه بن مسعود وابن عباس، ومثله (5) في تفسير الدرّ المنثور للسيوطي عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود:


1- انظر: مبحث «دراسة روايات التّحريف في مصادر أهل السنة».
2- فضائل القرآن: ص 189.
3- المصدر السابق: ص 173.
4- انظر: المقام الأوّل، مبحث «دراسة روايات التّحريف في مصادر أهل السنة»، الطائفة الاولى.
5- شواهد التنزيل: ج 2، ص 7- 18.

ص: 279

إنّه كان يقرأ الآية: «كفى اللَّه المؤمنين القتال- بعلي بن أبي طالب-» (1).

ومع هذا كلّه كيف يدّعي الدكتور القفاري إنّه كشف عن هوية هذا الشخص الشيعية!! وهذه الرّوايات في مصادر أهل السنة والقائلون بها منهم، بل إن كان الدكتور القفاري وغيره يريدون أن يعرفوا هذا الرجل بشخصه، فهذه هو الخطيب البغدادي صرّح بأبلغ التصريح بأنّ هذا الشخص لا يكون إلّا «أبا الحسن محمّد بن أحمد المقري» المعروف «بابن شنبوذ» وهو من كبار علماء أهل السنة (2) (ت 328) قال:

«كان قد تخيّر لنفسه حروفاً من شواذ القراءات تخالف الاجماع فقرأ بها، فصنّف أبو بكر بن الأنباري وغيره كتباً في الردّ عليه» (3).

وهذا أبو شامة المقدسي في كتابه «المرشد الوجيز» قال:

«هذا الشخص المشار إليه هو «أبو الحسن محمّد بن أحمد بن أيوب المقري» المعروف «بابن شنبوذ البغدادي» في طبقة ابن مجاهد ...» (4).


1- الدرّ المنثور: ج 6، ص 590.
2- فابن شنبوذ ت 328 هو شيخ الإقراء بالعراق، وعاش في عصر ابن الانباري ت 328 والذي يقول عنه ابن الانباري: «حتى نبغ في زماننا هذا زائغ عن الملّة ...» ونسب بعض تلك القراءات إلى ابن شنبوذ ثم تاب عن تلك القراءات، ولعلّ لتوجيه امر الوزير بضربه سبع درر عليه نسب إليه قراءات أخرى اتهاماً وإلّا ليس الضرب لأجل القراءات فقط بل سببها الأصلي على ماذكره ابن الجزري هو: «ان أصل الإستتابة والضرب لان ابن شنبوذ كان يحط من قدر ابن مجاهد ويقول: هذا العطشى أي ابن مجاهد لم تغبر قدماه في طلب العلم أي لم يرحل من بغداد» انظر: غاية النهاية في طبقات القراء: ج 2، ص 52- 56 ومعرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: ص 157، ومعجم الأدباء: ج 6، ص 300.
3- تاريخ بغداد: ج 1، ص 280، رقم الترجمة 122.
4- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: 187. ونقل أبو شامة هذه أيضاً عن إسماعيل الخطبي إسماعيل بن عليّ بن إسماعيل أبو محمد في كتابه التاريخ، وانظر أيضاً: النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 17.

ص: 280

فهل يريد الدكتور القفاري إعلاماً أصرح من هذا. والعجيب انّ الدكتور القفاري مع علمه (أو على الأقل على ظنّه) بذلك لاشتهار قضية ابن شنبوذ وأنّه عاش في عصر ابن الانباري- ووجود كتاب «المرشد الوجيز» لابي شامة في دليل المراجع من كتابه (1) وغيره من القرائن- اختلق هذه الأقاويل!

واعجب من هذا أنّ الدكتور القفاري لإدامة مسرحيته كان قد جعل ذلك الشخص هشام بن الحكم متشبثاً بكلام الملطي فقال:

«بينما نجد الملطي (ت 377) يشير إلى هذا الشخص صاحب الفرية هو هشام بن الحكم فانه زعم أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيام عثمان، وأما القرآن فقد صعد به إلى السماء لردّة الصحابة بزعمه ...» (2).

واذاً نسأل الدكتور القفاري: كيف يمكن أن يكون هذا الشخص هشام بن الحكم الذي توفي قبل ولادة ابن الانباري ب 190 سنة حيث أن ابن الانباري ولد في (271 ه.)، وقد ذكر «ابن الانباري» أنّ هذا الشخص حيّ يرزق في زمانه وعصره حيث قال «... حتى نبغ في زماننا هذا زائغ عن الملة ...» قال الدكتور القفاري اعتماداً على اكتشافه!!

«... إذا لاحظنا أن هذه الفرية مرتبطة أشد الارتباط بمسألة الإمامة والأئمة عند الشيعة ... إذاً أدركنا ذلك فإنّه لا يبعد أن يكون ما قاله «الملطي» في أن هشاماً هو الذي تولى كبر هذا الافتراء ...» (3).

ثمّ يضيف بضرس قاطع:


1- فقد ذكره في دليل مصادره، بالرقم 278.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 205.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 205.

ص: 281

«لا يبعد أن يكون هذا واقعاً، لا سيما أنّ هشاماً كان أول من تكلّم في الإمامة حتى قال ابن النديم: إن هشام بن الحكم ممّن فتق الكلام في الإمامة ... وقال ابن المطهر الحلّي: وكان ممّن فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذهب بالنظر ...» (1).

أقول: أما كان ينبغي للدكتور القفاري أن يتأمل ولو يسيراً في كلام الملطي؟! فإنّ الملطي يرمى هشام بن الحكم (2) بالافتراء وقال: إنّ عقيدته في القرآن هي: «...


1- المصدر السابق. وقال الدكتور القفاري في موضع آخر من كتابه: «إنّ قول هشام بفرية دعوى التحريف للقرآن، استشرى داؤها في مذهب الاثنى عشرية». المصدر نفسه: ص 530.
2- انظر ترجمة «هشام بن الحكم» في معجم رجال الحديث: ج 19، ص 271، الرقم 13329، واقوال العلماء في جلالة امره. قال الشيخ المفيد رحمه اللَّه تعالى: «هشام بن الحكم كان من اكبر أصحاب أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليه السلام وكان فقيهاً، وروى حديثاً كثيراً وصحب ابا عبد اللَّه عليه السلام وبعده ابا الحسن موسى عليه السلام وكان يكنّى ابا محمّد وابا الحكم، وكان مولى بني شيبان وكان مقيماً بالكوفة وبلغ من مرتبته وعلوّه عند أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليه السلام انه دخل عليه بمنى وهو غلام اول ما اختطّ عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن اعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الاحول وغيرهم فرفعه على جماعتهم وليس فيهم إلّامن هو اكبر سنّاً منه. فلما رأى أبو عبد اللَّه عليه السلام ان ذلك الفعل قد كبر على أصحابه قال: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ...». الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ص 50- 52. اما حديث اتهام هشام بن الحكم وغيره من خواص أصحاب الأئمة فامر عادي لا يبعث على العجب، فالمخالفون بدلًا من مقابلة الاستدلال القويم والقوي بمثله، ونتيجةً لعجزهم عن الجواب وعدم ركونهم إلى الحقّ فانهم يلجأون إلى الخدش في هشام بن الحكم وامثاله مريدين اطفاء النور من مشكاتهم حتى يصموا اسماع الناس عن الحقائق ويسقطوا قيمة اولئك العلماء في نفوسهم فيتهمونهم بشتّى التهم كقولهم، هو يقول: «القرآن فقد صعد به إلى السماء» تارةً وأخرى يتهمونه أيضاً بأنه يقول: «انه تعالى جسم» وأكثر تلك الشائعات لا أساس لها من الصحّة وهي في الحقيقة مجرّد اتهامات لا صلة لها بالواقع، وتوسعت رقعة الاتهامات بشكل كبير حتى ان بعض أصحاب الأئمة الطاهرين أيضاً وقعوا تحت تأثير تلك الشائعات واصبحوا في مقام الاستفسار من الأئمة الطاهرين حول وضع أصحاب الأئمة والاشاعات والتهم التي تحاك ضدّهم، والدكتور القفاري هنا- كما هو شأنه دائماً- لم يأت بجميع الرّوايات المرتبطة بهشام بن الحكم والتي تتحدث عن خلقه العالي واخلاصه للأئمة وتفانيه في الدين وذبّه عن حمى الإسلام مقابل الزنادقة والمبتدعة، نعم ترك الدكتور القفاري كل ذلك واعتمد على روايات أخذ منها مقطعاً وترك أوله وآخره ممّا يوهم ان هشاماً يقول بالتجسيم وأسس على ذلك عنوان مبحث في عقائد الشيعة وطبل وزمّر لها كثيراً لما أسماه الغلو في الاثبات والتجسيم عند الشيعة وهو مما يعتبر خيانة عظمى للعلم والمعرفة، وسيأتيك توضيح اكثر لهذه النقطة وسنعرض عليك رواية هشام بكاملها لتتضح لك الخيانة العلمية للقفاري في عدم النقل الصحيح من مصادرنا ومصادرهم والذي اخذ به على نفسه في أول الكتاب. حيث قال: «الموضوعية الصادقة ان تنقل من كتبهم بأمانة» اصول مذهب الشيعة: ص 15. ونكتفي هنا بكلام فذّ عن السيد المرتضى رحمه اللَّه. قال السيد المرتضى علم الهدى ت 436 في معرض ردّه على اتهامات القاضي عبد الجبار حيث قال: «وبيّن شيخنا أبو علي ... ان هشام بن الحكم قال بالتجسيم وبحدوث العالم ...». الشافي: ج 1، ص 82. فقال السيد المرتضى في جوابه: «ونحن مبيّنون عمّا في كلامه من الخطأ والتحامل. فاما ما رمى به هشام بن الحكم رحمه اللَّه بالتجسيم فالظاهر الحكاية عند القوم بالجسم لا كالاجسام ولا خلاف في ان هذا القول ليس تشبيهاً ولا ناقضاً لاصل ولا معترضاً على فرع وانه غلط في عبارة يرجع في اثباتها ونفيها إلى اللغة. واكثر اصحابنا يقولون: انه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة، فقال لهم: إذا قلتم ان القديم تعالى شي ء لا كالاشياء فقولوا: انه جسم لا كالأجسام. وليس كل من عارض بشي ء وسأل عنه يكون معتقداً له متديناً به ...». الشافي: ج 1، ص 83- 84. ثمّ بدأ بعرض الاتهامات الموجّهة الى هشام واحداً واحداً، وأجاب عنها جواباً قاطعاً لا يقبل الجدال وان شئت فراجع الشافي في الامامة لتتضح لك الصورة أكثر. وطبيعي أنَّ مثل جواب السيد المرتضى لا يشفي قلب الدكتور القفاري واضرابه وهو «انه أورد ذلك على سبيل المعارضة» لأن ذلك نقله أكثر علماء الإمامية، ولكننا نحيل الدكتور القفاري إلى مصدر معتمد عنده وهو الملل والنحل للشهرستاني حيث يقول: «وذلك انه [أي هشام بن الحكم] الزم العلاف فقال: انك تقول: الباري تعالى عالم بعلم ... فلِمَ لا تقول: انه جسم لا كالاجسام ...». الملل والنحل: ج 1، ص 185.

ص: 282

ص: 283

القرآن فقد صعد به إلى السماء لردّة الصحابة بزعمه» فمع صعود القرآن الواقعي إلى السماء؛ أولًا: كيف يدّعي ذاك الشخص الذي يعيش في عصر ابن الانباري بأنّه يأخذه ويقرأ به. وثانياً: إنّ الشخص الذي يعيش في زمن ابن الانباري قد زعم:

«إنّ المصحف الذي جمعه عثمان لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف ...» ولكن الملطي يقول في مورد هشام ما نصه: «زعم أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيّام عثمان» وهذا يعني أن هوية هذا القرآن الموجود تختلف جوهرياً عن القرآن الصاعد إلى السّماء لا أنّه نفس هذا القرآن الموجود ونقص شي ء منه. وعلى هذا كيف يمكن نسبة ذاك القول إلى هشام وأنّى له ذلك؟

ثالثاً: تعبير «سيف علي» ما ربطه بمسألة الإمامة، حتى يعتبره الدكتور القفاري مرتبطاً أشدّ الارتباط بمسألة الامامة والأئمة عند الشيعة»؟ فتعبير «سيف علي» في الرواية على فرض صدورها يمكن أن يكون شرحاً وتفسيراً للآية وبياناً لمنقبة من مناقب الإمام التي لا تحصى، وقد ورد نحوها في تفسير «الدرّ المنثور»،- كما تقدّم- ويدعم ذلك الشواهد التأريخية (1). علماً ان هذا التعبير لم يستدل به أحد من علماء الإمامية المتقدمين والمتأخرين على مسألة النص على إمامة الإمام عليّ عليه السلام.

رابعاً: أي شخص من الخاصة أو العامة ذكر أن هشام بن الحكم لاجل مسألة الإمامة تمسك بهذا النوع من التعبير؟


1- انظر: السيرة النبوية لابن هشام [فصل] «ذكر من قتل المشركين يوم بدر»: ج 1، ص 527 وما بعدها. فقد ذكر ابن هشام انّ نصف القتلى ببدر كان على يد الإمام علي عليه السلام أو مع حمزة عمه.

ص: 284

وخامساً: نسأل الدكتور القفاري ما علاقة قراءة سورة «العصر» بذاك الشكل وقراءة «إنّ هذين لساحران» بمسألة الإمامة؟

وأخيراً لا بدّ أن نذكر أنّ «ابن النديم» قال في هشام بن الحكم: من متكلمي الشيعة ممن فتق الكلام في الامامة وهذب المذهب بالنظر» (1).

وقد أورد هذه العبارة أيضاً «العلامة الحلّي» لكنّ الدكتور القفاري لم يورد عبارة «هذب المذهب بالنظر» من عبارة ابن النديم كي تصبح عبارة ابن النديم مطابقة لإرادته. والحال ان مراد «ابن النديم» وكذلك «العلامة الحلّي» هو أن هشام بن الحكم طرح مسألة الإمامة بشكل استدلالي وبرهاني، كما في محاجّته المعروفة مع عمرو بن عبيد، وإلّا فمسألة الإمامة سابقة على زمان هشام بن الحكم (2).

ولعلّ الدكتور القفاري استوحى هذا الاكتشاف العجيب من «الدكتور الرافعي» ويحتمل أن يكون الرافعي أيضاً قد سلك خطّ غيره فهو حينما يعجز عن إيراد الدليل على قوله يلجأ إلى سلاح العاجز وهو الشتم والاتهام والقول الفاحش.

فان الرافعي يقول:

«أمّا الرافضة- أخزاهم اللَّه- فكانوا يزعمون ان القرآن بدّل وغيّر وزيد فيه ونقص منه وحرّف عن مواضعه وان الأمّة فعلت ذلك بالسنة أيضاً وكل هذا من مزاعم شيخهم وعالمهم (هشام بن الحكم) لاسباب لا محل لشرحها هنا وتابعوه عليها جهلًا وحماقة» (3).

وما عسانا أن نقول في مقام الكلام عن تلك التعابير البعيدة عن التقوى


1- الفهرست: ص 223.
2- ولمعرفة أول من تكلّم في الإمامة في الشيعة، انظر الغدير للشيخ عبد الحسين الاميني رحمه اللَّه: ج 2، ص 191.
3- اعجاز القرآن والبلاغة النبوية: ص 143 ط. التاسعة 1393.

ص: 285

والانصاف إلّاان نذكر قول الأستاذ الشيخ معرفة:

«كلّ كلمة من تعابيره هذه كذب فظيع وفرية شنيعة وإن شئت فقل كلّها سباب وشتائم لاذعة لا تليق بقلم كاتب أديب له شأن في امته وبلاده اللّهم إلّاإذا استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر اللَّه والعياذ باللَّه ولا حول ولا قوة إلّاباللَّه العلّي العظيم والعاقبة للمتقين» (1).

وبعد أن أتمّ الدكتور القفاري قوله في هشام انتقل الدور إلى «مؤمن الطاق» فَلْنَرَ ماذا كتب الدكتور القفاري عنه بعد التتبع والبحث. يقول:

«فتشير القرائن- كما ترى- إلى هشام وشيعته فهذا يدل على أقل الإفتراضات ان هذه «الفرية» وجدت في عصر هشام وممّا يدل على وجود هذه الدعوى في تلك الفترة ما ذكره ابن حزم عن الجاحظ قال: أخبرني أبو اسحاق النظّام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: «ويحك أما استحيت من اللَّه أن تقول في كتابك في الإمامة ان اللَّه تعالى لم يقل قط في القرآن: «ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللَّه معنا» قالا:

فضحك واللَّه شيطان الطاق طويلًا حتى كأنا نحن الذي [كذا في المصدر والصواب الذين] أذنبنا» ... وشيطان الطاق هو محمّد بن عليّ ابن النعمان أبو جعفر الأحول (ت 160 ه) ... فقد يكون أحد الشركاء في هذه «الجريمة» مع هشام بن الحكم فهو شريك في التأليف حول مسألة الإمامة والتي هي السبب والأصل للقول بهذا الافتراء ...» (2).


1- صيانة القرآن عن التّحريف: ص 92.
2- اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 207.

ص: 286

ويعلم من كلام الدكتور القفاري في مؤمن الطاق (1)- الذي سموه: شيطان الطاق- أنّ مؤمن الطاق بزعم هؤلاء يقول بتحريف القرآن بالزيادة لا النقيصة، يعني أنّ مؤمن الطاق بناء على قول هؤلاء يعتبر قوله تعالى: «ثاني اثنين ...» ليس من القرآن في الأصل، وإنّها اضيفت فيما بعد إليه، وستعرف قريباً بأنّ أحداً من علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين لم يقل بتحريف القرآن بالزيادة إطلاقاً وهو ممّا يعترف به الدكتور القفاري نفسه (2) وكل أهل السنّة من أمثال «الأشعري» (3) وآخرين أيضاً اعترفوا بذلك.

وبناءً على ذلك فكيف يمكن ل «مؤمن الطاق» الذي هو في معرض الاتهام- وحتى سمّوه بشيطان الطاق- أن يورد أمراً كهذا في كتابه «الإمامة» ولم يطلع عليه أحد؟؟! والحال أنّه لو فرضنا أنّه كتب واقعاً في موضوع تحريف القرآن بالزيادة لذاع خبره وانتشر صيته وعرفه القاصي والداني لكثرة أعدائه والمخالفين له الذين يترصّدون منه أقل خطأ للايقاع به فكيف بمثل هذه المسألة الخطيرة؟ ولم يكن الراوي الوحيد لهذه المسألة هو الجاحظ الذي يعتبر متهماً في الرواية وغير موثوق به عند أهل السنة حتى قال ابن قتيبة عنه:

«إنّه [أي الجاحظ] من أكذب الأمة وأوضعهم للحديث ...» (4).

وهذا معلوم لمن له أدنى تأمل.


1- انظر ترجمته في: معجم رجال الحديث: ج 17، ص 32، الرقم 11360، قال السيد الخوئي بعد ذكر ماروي فيه من المدح والذم: «الرّوايات المادحة على انها متضافرة، فيها ما هو صحيح السند فلا ينبغي الشك في عظمة الرجل وجلالته وقد عرفت من شيخ الطائفة توثيقه صريحاً والروايتان اللتان عدّهما الكشي من الذامة فلا تعارضان ما تقدم من روايات المدح لضعف الاسناد وعدم تمامية الدلالة على الذم.»
2- اصول مذهب الشيعة: ص 208.
3- مقالات الاسلاميين: ج 1، ص 119- 120.
4- تأويل مختلف الحديث: ص 58.

ص: 287

وعلى فرض صحة المحاورة بين مؤمن الطاق وأبي اسحاق النظّام وبشر بن خالد، فلعلّ مؤمن الطاق ضحك على زعم الشخصين اللّذين حاجّاه، واتّهماه بالتحريف بالقول بالزيادة في القرآن! ولم يرهما أهلًا للبحث والجدل فاكتفى بالسخرية من كلامهما وفارقهما.

والحاصل بداية هذا الافتراء كما تقول مصادر أهل السنة لا يكون إلّارجل من علماء أهل السنة وهو «ابن شنبوذ شيخ الاقراء ببغداد».

ص: 288

شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة:

اشارة

تحت هذا العنوان جمع الدكتور القفاري وحشّد كثيراً من الأقوال التي يندرج بعضها تحت الاتهام المحض الخالي عن الدليل أو أنهم اعتمدوا في أقوالهم تلك على مصادر لا وزن لها في نظر الشيعة حتى يعتمدوا عليها، أو أنهم اعتمدوا على روايات من دون أن ينظروا في أجوبة العلماء عنها، وإليك بعضاً من تلك الأقوال:

1- ادعاء ابن حزم الاندلسي (ت 456) ونقده:

لقد نسب ابن حزم القول بالتحريف إلى الإمامية قاطبة من دون الاتيان بدليل على كلامه إلّاأنّه استثنى من الإمامية ثلاثة أشخاص من القول بالتحريف، وتعرف سوء فهمه من عبارته نفسها بقوله:

«من قول الإمامية كلّها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدّل منه كثير حاشا علي بن الحسن بن موسى ... وكذلك صاحباه» (1).

ولذلك- وكما أشرنا سابقاً- فإنَّ من المقطوع به أنّ الإمامية من الذين كانوا قبل زمان ابن حزم، والذين عاصروه والذين جاءوا بعده لم يذكروا رواية واحدة تقول بالتحريف بالزيادة في القرآن الكريم، وأيضاً لم يقل أحد من علماء الإمامية ب «أن القرآن زيد فيه ما ليس منه» وهذا القول مجمع على بطلانه إطلاقاً كما يقول الطبرسي (ت 548) في «مجمع البيان» (2) و «الأشعري» من علماء السنة في «مقالات الاسلاميين» (3) بل حتى المحدّث النوري صاحب «فصل الخطاب» الذي جمع من الرّوايات كل ما يتعلق بهذا الموضوع، صحيحها وسقيمها، ومع هذا قال في


1- الفصل: ج 5، ص 40.
2- مجمع البيان: ج 1، ص 8.
3- مقالات الاسلاميين: ج 1، ص 119- 120.

ص: 289

المقدمة الثانية من كتابه المذكور:

«... التّحريف بمعنى زيادة السورة، ولا ريب في امتناعها ... وتبديل السورة كالاوّل ... وزيادة الآية وتبديلها منتفيان بالاجماع وليس في أخبار التغيير ما يدل على وقوعهما بل فيها ما ينفيهما ...» (1).

نعم اتّهم الأشعري (ت 330 ه) طائفة من الإمامية بأنها قالت قد نقص منه فقط، وجاء ابن حزم بعده (ت 456 ه) وقال زوراً وبهتاناً: كلّ الإمامية قالوا بأن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدّل منه كثير إلّاثلاثاً» يعني على قول ابن حزم في هذه الفترة (بين وفاة الأشعري وابن حزم) أي في قرنٍ وربع قرن؛ كان الإمامية كلّهم يعتقدون بالتحريف بالزيادة والنقيصة والتبديل لكنّ أساطين الإمامية في هذه الفترة معروفون، وكتبهم موجودة، كالشيخ الصدوق (ت 381) والشيخ المفيد 413) والشريف المرتضى (ت 436) وشيخ الطائفة الطوسي (ت 460) وغيرهم وقد ذكرنا آراءهم في المقام الأوّل وسنذكر شيئاً من التفصيل عند بيان آرائهم في نقد دعاوى الدكتور القفاري.

نعم هذا ابن حزم الظاهري مع رأيه هذه: «القول بأنّ بين اللوحين تبديلًا كفر صحيح وتكذيب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» (2) قَبِل القول بالنقيصة والتبديل في القرآن واعترف به صريحاً- من حيث علم أو لا يعلم- فيما رواه بإسناده عن أُبي بن كعب حيث قال:

«كم تعدون سورة الأحزاب؟ قيل له: ثلاثاً أو أربعاً وسبعين آية، قال: إن كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها، وإن كان فيها لآية الرجم وهي: «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالًا


1- فصل الخطاب: ص 33.
2- الفصل: ج 5، ص 40.

ص: 290

من اللَّه واللَّه عزيز حكيم».

قال ابن حزم:

«هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه.»

ثمّ قال:

«ولكنها مما نسخ لفظها وبقي حكمها (1)»؟!!

وهذا تعليل عليل كما اعترف به جماعة من أهل السنة أنفسهم كما رأيتم في المقام الأوّل.

وأشنع من هذا قوله في الآية المزعومة في عدد الرضعات المحرمة التي نقلتها عايشة، قال ابن حزم بعد ذكرها:

«هذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع الخروج عنهما ... ثم اعترض على نفسه وقال: قول الراوي: «فمات عليه الصلاة والسلام وهو مما يقرأ من القرآن»؛ قول منكر وجرم في القرآن ولا يحل أن يجوز أحد سقوط شي ء من القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

فاعتذر بأنه مما يقرأ من القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف وبقي حكمه كآية الرجم سواء بسواء» (2).

ولعمري إنَّ هذا لقولٌ عجيب يناقض بعضه بعضاً: إذ لو كان القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف قرآناً منزلًا من اللَّه فلماذا بطل أن يكتب؟ وإن لم يكن قرآناً أو قرآناً منزلًا لكن مع هذا بطل ونسخ فلماذا قرأته عائشة وقالت: «توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وهي مما يقرأ من القرآن» وعملت بمضمونها إلى آخر


1- المحلى: ج 11، ص 23.
2- نفس المصدر: ج 10، ص 14- 16.

ص: 291

حياتها (1)؟ وكيف عائشة- كما رأينا في ترجمته- وهي عالمة لو جمع علمها إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل (2)، لم تكن تعرف الناسخ من المنسوخ!!

2- ادعاء ميرزا مخدوم الشيرازي ونقده:

و «ميرزا مخدوم الشيرازي» (من القرن العاشر) الذي ادّعى- على ما نقل الدكتور القفاري- إنه قد عاش بين الشيعة وقرأ كثيراً من كتبهم ولم يطلع أحد على تفصيل كتبهم وأقوالهم وشروح عاداتهم وأعمالهم كما اطلع عليه، قال فيما قال:

«إنّهم ذكروا في كتب حديثهم وكلامهم أنّ عثمان نقص من آيات القرآن» ويشير إلى أمثلة ممّا قال الشيعة- بزعمه- إنّه كان في سورة «ألم نشرح» بعد قوله سبحانه «ورفعنا لك ذكرك» «وعليّاً صهرك». والطريف هذه الرواية أوردها أسعد بن إبراهيم بن الحسن الإربلي من مشاهير الحنابلة كما سترون ترجمته ولا توجد في كتب الشيعة الروائية والكلامية بل هي من متفردات كتاب «مشارق الأنوار» (3) الذي لا اعتبار له عند الإمامية كما قاله «المجلسي» في مقدمة بحار الأنوار:

«كتاب مشارق الأنوار وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي ولا اعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع وإنّما أخرجنا منهما ما يوافق الأخبار المأخوذة من الاصول المعتبرة» (4).

وقال السيد محسن الأمين العاملي في شأن الحافظ رجب البرسي:


1- انظر: الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع باب «ما جاء في الرضاعة بعد الكبر»، ص 605 وصحيح مسلم كتاب الرضاع باب رضاعة الكبير: ح 26 و 27 و 28 و 29 و 30 و 31.
2- تهذيب الكمال: ج 35، ص 236.
3- عن البرهان: ج 4، ص 475. ولعلّ صاحب كتاب مشارق الأنوار أخذ تلك الرواية من كتاب أسعد بن إبراهيم الحنبلي.
4- بحار الأنوار: ج 1، ص 10.

ص: 292

«في مؤلفاته خبط وخلط وشي ء من المغالاة لا موجب له ولا داعي إليه» (1).

ومثله في «روضات الجنات» للخوانساري (2) وغيرهم.

نعم- وكما قلنا- قد ذكر تلك الرواية أسعد بن إبراهيم بن الحسن الإربلي من علماء أهل السنة في أربعينه بإسناده عن المقداد بن الاسود الكندي وسيأتي إن شاء اللَّه تمام الكلام في مبحث «الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين».

هذا وما زعم ميرزا مخدوم من أنّ عثمان نقص من آيات القرآن، يوجد في مصادر أهل السنة برواية عائشة أمّ المؤمنين صريحاً كما سبق.

3- ادعاء صاحب كتاب «تكفير الشيعة» ونقده:

الذي ألفّه سنة (990 ه) يذكر ما صنعه شيعة زمانه من إحراق المصاحف واهانتها واختراعهم مصحفاً محدثاً على ما نقله الدكتور القفاري (3).

سبحانك اللّهم، ما هذا إلّابهتان عظيم، ولماذا لم ير أحد من الشيعة وغير الشيعة هذا المصحف لا قديماً ولا حديثاً ولا خبر لهذا المصحف في كتب السير والتاريخ التي دوّنت في ذاك العصر وما بعده. والعجيب من هذا المصحف المخترع المزعوم والذي كان عند صاحب «تكفير الشيعة» معلناً ومتداولًا ولكنه قد خفي بمرور الزمان وصار المصحف السرّيّ إلى زماننا هذا إلى أن قام الدكتور القفاري بالبحث فيه وسبر أغواره تحت عنوان: «هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟» وسيأتي


1- أعيان الشيعة: ج 6، ص 466.
2- روضات الجنات: ج 3، ص 329.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 210. وهذه الأباطيل والتهم لا تستبعد من ذاك الرجل الذي عقد فصلًا في كتابه- على ما نقل الدكتور القفاري- بعنوان «فصل في أحوال طهماسب الزنيم وزندقته وبيان كفره والحاده» فقد اتهم الناس بالزنيم والزندقة و ... اصول مذهب الشيعة: ص 210.

ص: 293

البحث فيه إن شاء اللَّه تعالى.

4- ادعاء محمّد بن عبد الوهاب ونقده:

وقس على هذا محمّد بن عبد الوهاب (ت 1204) وما ذكره عن كتب الشيعة من القول بنقص القرآن، وأورد الدكتور القفاري نصّ كلامه وقال:

ويذكر بأنّ شيعة زمنه- على ما قيل- أظهروا سورتين مزعومتين أنهما من القرآن الذي أخفاه عثمان كل سورة مقدار جزء وألحقوهما بآخر المصحف احداهما سورة النورين والاخرى سورة الولاية.

أيُّ مصحف في آخره تلكما السورتان؟ وأين تلك السورتان في كتب الشيعة؟

نعم لا أثر لهما في أي كتاب من كتب الشيعة بل إن المحدث النوري مع كثرة تتبعه قال:

«لم أجد لها- أي لسورة الولاية- أثراً في كتب الشيعة سوى ما يحكى عن كتاب «المثالب» للشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني.» (1) فترى إنّ المحدث النوري يقول: «سوى ما يحكى عن كتاب المثالب» والحاكي عنه هو الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني ومفتي الدولة العثمانية ببغداد، وقد نسب الآلوسي ذلك إلى ابن شهرآشوب والحال أن كتاب «المثالب» لابن شهرآشوب لا يوجد فيه مما قال الآلوسي عين ولا أثر! وسيأتي البحث في تلك السورة قريباً في مبحث «هل لدى الشيعة مصحف سرّي يتداولونه» إن شاء اللَّه.

ولعلّ محمّد بن عبد الوهاب يقول «إن شيعة زمنه- على ما قيل- أظهروا سورتين» قال ذلك تحت تأثير السيوطي الواقع تحت تأثير كثرة روايات أهل


1- فصل الخطاب: ص 179- 180.

ص: 294

السنة لسورتي الحفد والخلع المزعومتين، وقد سجّل السيوطي تلكماالسورتين تحت هذا العنوان في آخر تفسيره، ويحتمل أن ذلك الشخص الذي ذكره ابن عبد الوهاب- بقوله على ما قيل- اختلط عليه الأمر بين سورتي الحفد والخلع وهاتين السورتين.

5- ادعاءات الآلوسي البغدادي (ت 1270) ونقدها

قال الدكتور القفاري عن الآلوسي:

«لعل الآلوسي أول من كتب بالعربية عن هذه القضية بذلك الاستيعاب (النسبي) حيث عرض لهذه الفرية مقرونة بالاستشهاد المباشر من كتبهم وعرض أحاديثهم كما جاءت في اصول الكافي وغيره وذكر الجناح الآخر من الشيعة الذي أنكر هذه الفرية واستشهد بكلامه وناقشه».

وقال الآلوسي بعد ذكر روايات من الكافي وغيره:

«ولما تفطّن بعض علمائهم- أي علماء الشيعة- لما من قولهم هذا- أي تحريف القرآن!- من الفساد جعله قولًا لبعض أصحابه قال الطبرسي في مجمع البيان: أما الزيادة فيه- أي القرآن- فمجمع على بطلانها وأما النقصان فقد روى قوم من أصحابنا وقوم من حشوية العامة والصحيح خلافه وهو الذي نصره المرتضى واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات».

ثم أورد كلام السيد المرتضى بتمامه وعقّبه بالقول:

«وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للأطفال ... إلّا إن الرجل- أي السيد المرتضى- قد دسّ في الشهد سماً، وأدخل الباطل في حمى حق الأحمى، فلأنّ نسبة ذلك إلى قوم من حشوية

ص: 295

العامة (الذين يعني بهم أهل السنة والجماعة) فهو كذب أو سوء فهم ...

نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأ من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة ...».

وبعدها أورد من موارد اختلاف مصحف عائشة مع المصحف الموجود وقال:

«إنّ ذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف و ...» (1).

ثم يعرّج الآلوسي على أساطير أهل السنة للروايات التي نسبت إلى أُبي بن كعب في شأن سورة «البيّنة» واسقاط آيات منها وما روي عنه أيضاً أنه كتب في مصحفه سورتي الخلع والحفد- وأورد السورتين بتمامهما- وقال:

«فهو من ذلك القليل ومثله كثير وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر قال: لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر والرّوايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلّاإنها محمولة على ما ذكرناه ...» (2).

وللآلوسي هنا عدّة ادّعاءات:

أ- إن وجود روايات تدلّ على التّحريف في بعض كتب الحديث كالكافي وغيره يدلّ على أن صاحب الكتاب أيضاً يقول بالتحريف.

ب- إن جميع علماء الشيعة قالوا بالتحريف إلى القرن السادس زمان المرحوم الطبرسي (ت 542)- أو القرن الخامس زمان المرحوم السيد المرتضى (ت 438)- وحيث تفطن إلى فساد هذا القول ولعدم وجود الحيلة والمخرج نسبوا القول بالتحريف إلى عدّة من الإمامية- لا إلى جميعهم- حتى ينأوا بأنفسهم عن هذا


1- روح المعاني: ج 1، ص 43- 47 وعنه اصول مذهب الشيعة: ص 211- 213.
2- روح المعاني: ج 1، ص 43.

ص: 296

المأزق.

ج- ما قال الطبرسي تبعاً للسيد المرتضى من أن قوماً من حشوية العامة نقلوا أخباراً ضعيفةً ظنوا صحتها، فهو كذب أو سوء فهم لانهم أجمعوا على عدم وقوع النقص فيما تواتر قرآناً كما هو موجود بين الدفتين اليوم.

د- اسقط زمن أبي بكر ما لم يتواتر من القرآن وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة.

ه- الرّوايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلّاأنه محمول على نسخ التلاوة.

الجواب عن ادعاءات الآلوسي:

أ- من الواضح لدى كل محقق منصف أنّ وجود روايات يمكن حملها على التّحريف في كتب الحديث أو التفسير بالمأثور هو غير القول بالتحريف، فأصل الرواية شي ء، ودراية الرواية وفقهها شي ء آخر، وعلى هذا لو فرضنا جدلًا أننا نحكم على كل راوٍ لروايات التّحريف بأنّه متهم بالقول بالتحريف لتحتَّم علينا القول بأنّ أهل السنّة هم أول من يُتّهم بتحريف القرآن وفساد القول، ودليلنا على ذلك الرّوايات الكثيرة المبثوثة في كتبهم بل الأدهى من ذلك أن بعضهم أورد هذه الرّوايات وهو معتقد بصحّتها وملتزم بها، وعلى هذا فادعاء الآلوسي خطأ محض، وهو ادعاء انّ علماء الشيعة كلهم متهمون بالتحريف بمحض وجود روايات التّحريف في كتبهم.

ب- في بيان كذب ادعاء الآلوسي نكتفي بذكر فحوى كلام فضل بن شاذان (260 ه) فهو قد أنكر على أهل السنة قولهم بالتحريف وعدّ ذلك من المطاعن عليهم وهذا يعني براءة الشيعة من تلك الفرية في عصره بالفحوى (1).


1- الايضاح، لابن شاذان: ص 213 وما بعدها. ولو ان الشيعة كانوا يقولون بذلك، لما استقام ذلك للفضل، ولا لغيره ولكان قد واجه هجوماً عنيفاً ويقولون له: انك لترى الشعرة في عين غيرك ولاترى الخشبة في عينك.

ص: 297

وعلى الأقل نذكر رأي أبي جعفر الصدوق (ت 381) والذي أجاب عن هذه المسألة قبل الشيخ الطبرسي رحمه اللَّه بحوالي قرنين حيث كان في جملة جوابه ردّاً على تلك الرواية التي نقلها الآلوسي من الكافي قال: «روى الكليني منهم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه، ان القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعة عشر ألف آية».

قال الصدوق رحمه اللَّه ضمن بيان قسم من آرائه:

«... بل نقول انه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر ألف آية و ...» (1).

وعلى هذا فان قول الآلوسي بأن علماء الإمامية وحتى القرن السادس تقول بالتحريف مدفوع بما ذكرنا وفاسد من أصله. فالصدوق سبق الطبرسي بعشرات السنين وهو صراحةً ينكر التّحريف. وهذا إن دلّ على شي ء فانما يدل على جهل الآلوسي بآراء الشيعة وعلمائها في هذا المجال أو تعصبه المرير ضدهم (2). وإن شئت


1- الاعتقادات: ص 82. وطبعاً هذه الاجوبة في حال ما لو قبلنا تلك الرّوايات مع نسخة «سبعة عشر ألف آية» وإلّا ففي نسخة اخرى من الكافي: «سبعة الف آلاف» وهو مطابق تقريباً لعدد آي القرآن الكريم، وسنبحث في ذلك فيما بعد.
2- فمثلًا في تفسير آية «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ...» يقول: «ان الإمامية يجوزون فعل المحظورات بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس». روح المعاني: ج 2، ص 101 ولست ادري إلى ماذا استند في هذه النسبة وهو مفتي بغداد عاصمة العراق مقرّ الشيعة قديماً وحديثاً.

ص: 298

فعليك بمراجعة الغدير للعلامة الاميني في جزئه الأوّل لتطلع على حقيقة الآلوسي واضرابه، ومن اللافت للنظر بل المضحك للثكلى أنّ الآلوسي أورد روايات التّحريف من كتب الشيعة وانتقدها بشدّة والحال انّها بعينها في كتب السنّة وهذا دليل آخر على جهله أو تعصّبه ومن جملتها «وكفى اللَّه المؤمنين القتال- بعلي بن أبي طالب-» (1)

. أو «وقفوهم إنّهم مسؤولون- عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام-) (2) وأمثالهما التي لو فرضنا صحة سندها لكانت في مقام التبيين والتفسير للآية الشريفة أو بيان شأن النزول، ولا مساس لها بمسألة تحريف القرآن بالمرّة، ولا تتوافق مع مزعومة «نسخ التلاوة»، أو من جملتها ما مرّ عليك من رواية حول سورة الأحزاب، وقد ذكرناها من كتب أهل السنة بروايات عديدة، بل إنّ الآلوسي نفسه ذكر تلك الرّوايات- روايات التّحريف- في مطلع تفسير سورة الأحزاب من مصادر أهل السنة، ولجأ إلى الاعتراف بأن الملاحدة وضعوا ايديهم في كتب أهل السنة، ثمَّ أعطى قاعدة كلية مفادها: «والحق انّ كل خبر ظاهره ضياع شي ء من القرآن امّا موضوع أو مؤول» (3).

فلنقف الآن مع الآلوسي في قاعدته تلك ونسأله: إن كانت تلك القاعدة صحيحة لا غبار عليها برأيكم فلماذا تطبقونها فقط على روايات السنة ولا تطبقونها على روايات الشيعة!؟ وحكم الامثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد. وبهذا يتضح أن أقوال الآلوسي في الشيعة لا قيمة علمية لها عند أهل التحقيق، فاذا قال السيد المرتضى: «... إن قوماً من حشوية العامّة نقلوا أخباراً ضعافاً ظنّوا صحّتها» إتَّهمه الآلوسي بدون تدبّر وقال: «فهو كذب أو سوء فهم!» ونقول: أيّها الآلوسي


1- السيوطي عن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر، الدرّ المنثور: ج 6، ص 590.
2- شواهد التنزيل: ج 2، ص 160.
3- روح المعاني: ج 12، ص 217.

ص: 299

- ومن حذا حذوه- ألم تعترف سلفاً بوجود أخبار كثيرة في التّحريف وقلت بأنّها من وضع الملاحدة عندما ضاق عليك الدليل؟ فلماذا تنقض هنا ما قلته سابقاً وتتهم السيد المرتضى بالكذب؟!

وكذلك نسب الآلوسي وغيره (1) سورة الولاية إلى كتاب المثالب لابن شهرآشوب وهو كذب محض، وستعرف عمّا قريب بأنّ الشيعة لم يذكروا هذه السورة أبداً لا في هذا الكتاب ولا في غيره، وإنّما مصدرها فقط وفقط كتاب «دبستان مذاهب» فمؤلف هذا الكتاب- وهو من القرن الحادي عشر- ذكر هذه السورة والحال أنّ المؤلف من الزردشتيين (أي يعبدون النار) ولا يعلم من أين أخذ تلك الرّواية، حيث إنّه لم يشر إلى أيّ مصدر في كتابه، ولذلك فهو محكوم بالافتراء والكذب عندنا أيّاً كان مذهبه، فيكون الكتاب المذكور المصدر الوحيد لكل من نقل ذلك من الشيعة وغيرهم.

ج- لا بدّ أن الآلوسي في ادّعائه الثالث من قوله «فهو كذب أو سوء فهم» يريد أنّ الطبرسي تبعاً للسيد المرتضى فى قوله: «إنّ قوماً من حشوية العامة نقلوا أخباراً ضعيفةً ظنّوا صحّتها» يقصد أنّ الناقل لهذه الأخبار ليس الحشوية فقط وإنّما أهل السنَّة عامة، وانّ هذه الأخبار ليست ضعيفة بل قويّة- واعترفوا هم أنفسهم بقوتها أيضاً- ولكن في رأي الآلوسي أولًا: إنّ هذه الأخبار في مورد الآيات التي ليست متواترة. وثانياً: إنّ تلك الآيات منسوخة. وثالثاً: الأشخاص الذين كانوا يقرأونها لا يعلمون أنها منسوخة التلاوة. فالآلوسي يظنّ أن طرح نظرية «نسخ التلاوة» و «عدم التواتر» في بعض آيات القرآن يحلّ مشكلة كل تلك الرّوايات، ولكنّه غفل عن انه كالمستجير من الرمضاء بالنار حيث لاحظت في المقام الأوّل بأنّه لا يمكن


1- مثل رشيد رضا في رسالته «السنة والشيعة»: ص 43 ومحب الدين الخطيب في «الخطوط العريضة»: ص 10- 19.

ص: 300

حمل تلك الرّوايات على نسخ التلاوة وقد تفطّن لهذا الأمر عدد كبير من علماء أهل السنّة أيضاً قديماً وحديثاً واعترفوا به. واضافة إلى ذلك فقول الآلوسي: «وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ» قد فضح أمره أكثر؛ لأنّ هذه الصورة توجب أن نقول: إن عائشة التي قالوا في حقها: «أفقه الناس وأعلم الناس ...» وأيضاً قالوا: «لو جمع علم عائشة ... إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل» (1) و «كانت سألها الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله» (2) أو مثل «عمر بن الخطاب الخليفة» الذي نقل في حقّه «لو وضع علم احياء العرب في كفة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر ولقد كانوا يرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم ...» (3) و ... ومثل ولده «عبد اللَّه بن عمر» الذي قالوا فى حقّه: «يُعَدُّ من فقهاء الأحداث» (4) و «أفضل مئة ضِعف من سعيد بن المسيّب الذي يُعدّ افضل أهل المدينة في عصره» (5) أو مثل «أُبي بن كعب» الذي قال في حقّه النبيّ الاكرم صلّى اللَّه عليه وآله: «أقرأهم أُبي بن كعب» أو قال: «أقرأ امتي ابي» (6) كل هؤلاء الأفراد يعتبرون غير مطّلعين على آيات القرآن ولا يعرفون أيّاً من آيات القرآن متواتر وأيّاً منها آحاد، ولا يعرفون المنسوخ من الآيات ولذلك يقرأون الآيات المنسوخة، والأعجب من ذلك كلّه أنّ كل واحد منهم بقي إلى آخر عمره غير مطّلع على هذا الموضوع؛ ذلك لأنّه لم يقل أحد منهم أبداً: إن هذه الآيات منسوخة، والأدهى من


1- تهذيب الكمال: ج 35، ص 236.
2- المصدر السابق: ص 235 والطبقات الكبرى: ج 2، ص 374.
3- المصدر السابق: ج 21، ص 325.
4- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 373.
5- تاريخ مدينة دمشق: ج 31، ص 114.
6- تهذيب التهذيب: ج 1، ص 188، اسد الغابة: ج 1، ص 49 وغيرهما.

ص: 301

ذلك كله أنه يعمل بمضمون الآية، فدونك موطأ مالك (1) وصحيح مسلم (2) اللّذين أوردا آية الرضاع المزعومة وقالا: «فأخذت بذلك عائشة ام المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أختها أن يرضعن من احبت أن يدخل عليها من الرجال». فهل يلتزم الآلوسي بهذه النتائج الغريبة العجيبة؟ وعلى كل حال فإنّ للآلوسي ادعاءات اخر غير ما ذكرنا، وتعقبها نتائج أغرب من تلك (3)، وسنأتي على بعضها عند البحث حول مصحف الإمام علي عليه السلام.

د- الادعاء الخامس: ذكر الآلوسي أنّ هذه الرّوايات كثيرة، بل إنّها أكثر من أن تحصى، ولكنّها جميعاً تحمل على نسخ التلاوة ونحن نقول: إنّ الشطر الأوّل من ادعائه صحيح- كما لاحظت في المقام الأوّل- فإنّ أيّ شخص يسبر كتب الحديث والتفسير والتأريخ وغيرها من كتب أهل السنة يرى كثيراً من تلك الرّوايات وبصور مختلفة، ولكن الشطر الثاني باطل لأنّ «نسخ التلاوة» سراب ليس إلّا.

وعلى هذا فإذا لم نجد جواباً شافياً عن تلك الرّوايات، فإنّها ستكون ساقطة لا محالة


1- الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع باب «ما جاء في الرضاعة بعد الكبر» ص 605.
2- صحيح مسلم، كتاب الرضاع: باب «رضاعة الكبير»، ح رقم 26 و 27 و 28 و 29 و 30.
3- مثل هذا الجواب في مورد زيد بن ثابت يقول: «ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ... فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللَّه عليه» ألحقناها في سورتها في المصحف. قال الآلوسي: فانه بظاهره يستدعي أن في المصاحف العثمانية زيادة لم تكن في هاتيك الصحف والأمر في ذلك هين، اذ مثل هذه الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يُعبأ بها ... ولا تقدح أيضاً في الجمع السابق اذ يحتمل أن يكون سقوطهما منه من باب الغفلة ... وذكره من تكفّل بحفظ الذكر- أي اللَّه تبارك وتعالى- فتدارك ما نساه» وهذا يعني بنظر الآلوسي أن زيادة آية من القرآن أمر يسير ليس فيه اشكال!! فعلى هذا سقطت في الفترة الواقعة بين جمع أبي بكر للقرآن وجمع عثمان بحدود 10 سنوات لكن لا اشكال فيه لانه من باب الغفلة!! واللَّه تعالى يذكرهم!! فانظر واعجب!

ص: 302

رغم أنّ أصحاب الصّحاح عدّوها صحيحةً.

6- ادعاء الشيخ موسى جار اللَّه (ت 1369) ونقده:

ومن مدّعياته في هذا المقام قوله:

«عاش بين الشيعة فترة وتجوّل في مدنها وحضر حلقات دروسها في البيوت والمساجد والمدارس وقرأ في العديد من امّهات كتبها.» (1) ثمّ يقول في مسألة التّحريف عند الشيعة:

«القول بتحريف القرآن باسقاط كلمات وآيات قد نزلت، وبتغيير ترتيب الكلمات والآيات أجمعت عليه كتب الشيعة ...» (2) «وأخبار التّحريف مثل أخبار الإمامة متواترة عند الشيعة ومن ردّ أخبار التّحريف أو أوّلها يلزم عليه ردّ أخبار الإمامة والولاية، ونسب إلى المجلسي وصاحب الوافي، أنّ أخبار التّحريف متواترة مثل أخبار الولاية وأخبار الرّجعة» (3).

ولمعرفة تفصيل أجوبة تلك المسائل والأكاذيب للشيخ جار اللَّه يمكنك مراجعة كتاب «نقض الوشيعة» (4) و «أجوبة مسائل جار اللَّه» (5) ونحن نتعرض هنا لمسألتين منها على نحو الاختصار:

أ: إذا كان مراد «موسى جار اللَّه» أنّ تلك الرّوايات موجودة في جميع كتب الشيعة، فاضافة إلى أن دعواه هذه باطلة فإنّ هذه الرّوايات موجودة في كتب


1- الوشيعة: ص 25- 26.
2- المصدر السابق: ص 104.
3- المصدر الاسبق: ص 62- 63.
4- نقض الوشيعة للسيد محسن الامين العاملي: ص 159.
5- أجوبة مسائل جار اللَّه للسيد عبد الحسين شرف الدين: ص 28.

ص: 303

العامة والخاصّة على حدّ سواء، وسبق أن قلنا إنهم إن أرادوا أن يعدلوا في قولهم فعليهم أن يُجروا تلك الأحكام على كتب أهل السنّة أيضاً، وإذا كان مراد جار اللَّه هو أنّ علماء الشيعة أجمعوا على القول بالتحريف- والعياذ باللَّه- فهذا كذب أشنع من الأوّل، لأنّ الشيخ موسى جار اللَّه نفسه قد قرأ كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق، وقد أورد رأي الصدوق حول الغلاة المفوضة في الصفحة 132 من كتابه «الوشيعة»، والحال أنّه تجاهل رأي الصدوق في صيانة القرآن عن التّحريف الذي ذكره في كتاب «الاعتقادات» نفسه (1).

ب: إنّ الشيخ موسى يقول: «أخبار التّحريف مثل أخبار الإمامة متواترة عند الشيعة ...» ونسب هذا إلى «المجلسي» و «صاحب الوافي» وهذا يعد خيانة في البحث العلمي إذ الأمانة تقتضي نقل العبارة حرفيّاً من غير تلاعب. وقد تابع جار اللَّه في طريقته الفاسدة آخرين (2). وإليك نصّ عبارة المجلسي قال:

«وعندي أنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى ...» (3) ومثله في «الوافي» (4)، إنّ من الواضح الفرق الشاسع بين لفظ «متواتر» بصورة مطلقة، ولفظ «متواتر» مع قيد «معنى» فالمجلسي وصاحب الوافي يقولان بأنّ أخبار التّحريف متواترة معنى، وهو يعني أنّ جميع تلك الأخبار في معنى مشترك متواتر، وهذا المفهوم المشترك أعم من: «اختلاف القراءات» و «التّحريف في المعنى» و «تفسير وتأويل الآيات» و «نقل الشي ء عن موضعه وتحويله إلى غيره» وكلّ تغيير، وواضح أنّ تلك المعاني المشتركة بعيدة عن محلّ النزاع، وسيأتيك توضيح


1- وقد تقدم بعض كلامه رحمه اللَّه تعالى وسيأتي تفصيله.
2- انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 273.
3- مرآة العقول: ج 2، ص 526.
4- الوافي: ج 5، ص 220.

ص: 304

أكثر لهذه النقطة مع شواهدها فيما بعد.

وقد سار على هذه الشاكلة «احسان إلهي ظهير» و «محمّد مال اللَّه» وغيرهما، إذ قال أولهما:

«إنّ الشيعة كلَّها على هذا الكفر ... ويعدّ إنكار المنكرين لهذه المسألة تقية لا حقيقة» (1).

وجاء الدكتور القفاري ليعضد «احسان الهي» فتشبث بكلام صاحب «فصل الخطاب» وقد حرّف في الواقع كلام النوري وقال:

«وعزا- أي صاحب «فصل الخطاب»- إنكار التّحريف من شيوخه السابقين إلى التقية أو إلى عدم توفّر المصادر عندهم- كما سيأتي- فذهب احسان الهي إلى مذهب صاحب «فصل الخطاب» نفسه» (2).

وقال محمّد مال اللَّه:

«إنّ شيوخ الشيعة اتفقوا على القول بهذه الفرية ...»

وعلّق عليه الدكتور القفاري:

«لم يشر محمّد مال اللَّه إلى وجود خلاف بينهم في هذا مع أنّ طائفة من شيوخهم أنكروه» (3).

وقال الدكتور القفاري في موضع آخر:

«إنّ فيها- أي في الرّوايات التي جمعها مال اللَّه من كتب الشيعة في هذا الباب- ما ليس بصريح في هذا الأمر، بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل كما انه وقع- كما وقع إحسان من قبله- بذكر بعض


1- نقلًا عن كتاب اصول مذهب الشيعة: ص 214.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 214.
3- المصدر السابق: ص 214.

ص: 305

الرّوايات للشيعة والتي ذكر فيها قراءة للآية مروية عن السلف واعتبرها بجهل من قبيل التّحريف، والسبب في ذلك هو اعتمادهم بدون تدبّر على كتاب فصل الخطاب» (1).

أقول: وهذا أدلّ دليل على سوء فهم وجهل- على حد تعبير الدكتور القفاري- محمد مال اللَّه وإلهي ظهير وأمثالهما وسيأتي البحث حول آراءهما.

ويبقى هذا السؤال وهو: هل المحدث النوري، صاحب كتاب «فصل الخطاب» اعتقد بأنّ جميع علماء الشيعة إلى عصره يقولون بالتحريف وانكارهم لذلك من قبيل التقية؟ كما نسب إليه الدكتور القفاري تبعاً لمحب الدين الخطيب واحسان الهي ظهير وهل النوري عزا إلى الشيوخ السابقين بعدم توفر المصادر عندهم وسيأتي إن شاء اللَّه نصّ كلام المحدث النوري وحينئذٍ يتبين لك مدى أمانتهم وصدقهم في دعاويهم.

نستنتج من مجموعة البحوث المتقدمة في هذا القسم إنّ هذه المجموعة من الباحثين لو سلكوا العدالة والانصاف لوصلوا إلى نفس ما توصل إليه «محمّد المديني» عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، والجدير بالذكر ان الدكتور القفاري لم ينقل عن المديني حرفاً واحداً، وإليك خلاصة كلامه:

«وأمّا الإمامية فيعتقدون نقص القرآن فمعاذ اللَّه وإنّما هي روايات رويت في كتبهم كما روي مثلها في كتبنا وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها وبيّنوا بطلانها ... ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الاتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الرّوايات التي نضرب عنها


1- اصول مذهب الشيعة: ص 289. ولا يخفى ان الدكتور القفاري في كلامه هذا يعترف بان الرّوايات في فصل الخطاب لم تكن باجمعها في التّحريف بل قسم منها من قبيل التأويل والقراءة الواردة.

ص: 306

صفحاً».

ثم ذكر قضية تأليف أحد المصريين في سنة 1498 كتاباً اسمه «الفرقان» والذي حشاه بكثير من أمثال هذه الرّوايات السقيمة المدخولة المرفوضة ناقلًا لها عن كتب ومصادر أهل السنة ورفض العلماء لذلك ومصادرة الحكومة هذا الكتاب وقال:

«أفيقال إنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان، فكذلك الشيعة الإمامية، إنّما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا ...» (1).

لقد خلا الآن الميدان للدكتور القفاري ليصول فيه ويجول فهو بعد أن جمع أطراف البحث في آراء أهل السنة عرّج على بعض مصادر الشيعة فقال:

«وبعد هذا نرجع إلى مصادر الشيعة المعتمدة عندها نستنطقها علّنا نعرف جلياً الخبر عندها ... والعدل والانصاف واجب ولازم «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» «ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»».

فيتعهد لنا الدكتور بأنّ مبناه هنا أيضاً هو الاعتماد على المصادر المعتمدة عند الشيعة، وسيسلك طريق العدل والإنصاف، فهل هو وعد بقوله أم لا؟ فيصدر بحثه بالعنوان «ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية».


1- مقال الاستاذ المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الازهر، مجلة رسالة الاسلام، العدد الرابع من السنة الحادية عشرة، ص 382- 383.

ص: 307

ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية:

اشارة

ثم يُتبع ذلك بقوله:

«وقبل أن نأخذ بيد القارئ في رحلة تبدأ من نقطة الصفر من أول كتاب وضعه الشيعة وألّفوه، نعرض لصوتين مختلفين ومتعارضين، هذان الصوتان المتعارضان كان لهما- في الغالب- وجود وصدى في كل الكتب الشيعية التي تعرضت لهذه القضية فلنستمع إليهما ليتسنى إدراك وتصور هذه المسألة عند هؤلاء حتّى لا يحصل غبش في تصورها ...

يقول شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمِّي [الشيخ الصدوق] (ت 381 ه.): اعتقادنا ان القرآن الذي انزله اللَّه تعالى على نبيه محمّد وهو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ... ومن نسب إلينا أنا نقول اكثر من ذلك فهو كاذب.

هذا ... ويقول المفيد [محمّد بن محمّد بن النعمان] (ت 413 ه.): «إن أخباراً قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الطاعنين فيه من الحذف والنقصان» ويقول: «واتفقوا- أي الإمامية- على أنّ أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم».

هذا قولان مختلفان ومتعارضان صدرا من شيخين من شيوخهم يجمعهما وحدة الزمان والمكان! فمن نصدِّق منهما؟ وأيّ القولين يعبّر عن مذهب الشيعة؟ ... والتعرف على الحقيقة وسط هذا الركام من الاقوال المتعارضة والمتناقضة ليس بسهل المنال ... وإذا لاحظنا أن

ص: 308

من أركان الدين عند هؤلاء التقية ولا دين لمن لا تقية له أدركنا أنّ الحقيقة محجوبة بغيوم من الكذب والتزوير وركام من التناقضات والتعارضات ...» (1)

الدكتور القفاري وتحريفه لكلام الشيخ المفيد:

أوردنا كلام الدكتور القفاري برغم طوله ليتبين للقارئ، تحريف الدكتور القفاري فهل هذا القول الذي نسبه الدكتور القفاري إلى الشيخ المفيد رحمه اللَّه حقّ، أم أنّ الدكتور القفاري- مع الأسف- خان الأمانة وحذف ما قبل وما بعد كلام الشيخ المفيد؟ ثم حمله على ما أراد وعقّبه بما قال مع بشاعة قوله وما يليق بسوء أدبه، كما سبق منه.

قال الشيخ المفيد رحمه اللَّه ما نصُّهُ:

«إنّ الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمَّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأمّا القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدّم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني لم يرتب بما ذكرناه.

وأمّا النقصان فإنّ العقول لا تحيله ولا تمنع وقوعه وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتاً منزلًا وإن لم يكن من جملة كلام اللَّه تعالى الذي هو القرآن المعجز ...

وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس


1- اصول مذهب الشيعة: ص 219- 220.

ص: 309

القرآن على الحقيقة دون التأويل وإليه أميل واللَّه أسأل توفيقه للصواب.» (1) هذا نصّ كلام الشيخ رحمه اللَّه في كتابه «أوائل المقالات» وقال في موضع آخر من الكتاب نفسه:

«اتّفقوا- الإمامية- على أنّ أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية» (2).

هل أراد الشيخ المفيد رحمه اللَّه من قوله «... خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل ...»، تحريف القرآن ونقصانه؟ فهذا ما أراد الدكتور القفاري لكن خاب في صفقته، فكلام الشيخ في قوله السابق يفسّر كلامه هنا حيث قال:

«فأمّا القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني لم يرتب بما ذكرناه».

وهذا لا مساس له بمسألة التّحريف اطلاقاً والشيخ المفيد نفسه اعترف بصيانة القرآن عن التّحريف مطلقاً وقال: «عندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل وإليه أميل» كما رأيتم في عبارته السابقة.

ولمزيد من التوضيح نقول:


1- اوائل المقالات ومذاهب المختارات: ص 80- 81.
2- اوائل المقالات: ص 46.

ص: 310

أ- ما معنى كلمة «التأليف» هل هو بمعنى التّحريف والنقصان في القرآن؟ هذا ما لا يقول به أحد من أهل اللغة وغيرهم، قال «ابن حجر»:

«تأليف القرآن أي جمع آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف» (1).

فمراد الشيخ المفيد رحمه اللَّه من مخالفتهم في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل أي في ترتيب آيات القرآن من جهة التقديم والتأخير والناسخ والمنسوخ وغير ذلك على حسب نزول الوحي، فانهم لا يرتّبون الآيات على حسب نزولها والقرآن الموجود شاهد عليه (2).

وتأليف القرآن على غير تأليف المصحف الموجود لا تستغرب فإنّ مصاحف بعض الصحابة مغايرة للمصحف الموجود من حيث التأليف، قال شمس الدين الذهبي في ترجمة عُقبة بن عمر:

«قال أبو سعيد بن يونس: مصحف عقبة بن عامر الآن موجود بخطه، رأيته عند عليّ بن الحسين بن قُديد على غير التأليف الذي في مصحف عثمان ... ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون: إنّه مصحف عقبة ...» (3).

ب- في مصنّفات الشيخ المفيد رحمه اللَّه رسالة مشهورة باسم «تصحيح الاعتقادات» وهذه الرسالة مشتملة على تعليقات قيّمة على رسالة «الاعتقادات»


1- فتح الباري: ج 9، ص 8.
2- فعلى سبيل المثال، آية اعتداد الحول قد نُسخت بآية تربص أربعة أشهر وعشراً، والآية المنسوخة هي الآية 240 من سورة البقرة والآية الناسخة هي الآية 234 من سورة البقرة وهما متقدمة ومتأخرة لان الناسخة لابد وان تكون بعد المنسوخة لا قبلها. وهل ذاك الترتيب توقيفي أو اجتهادي. فالشواهد تدل على أنه اجتهادي من الصحابة، لمزيد التفصيل انظر تفسير الميزان: ج 12، ص 127 وما بعدها.
3- تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات 41- 60 ه.: ص 272- 273.

ص: 311

لاستاذه ابن بابويه الصدوق- رحمه اللَّه- فالشيخ المفيد رحمه اللَّه في كل أمر يخالف استاذه يعلّق على كلامه. ومع هذا فهو عند رأي استاذه فيما قال: «اعتقادنا ان القرآن الذي انزله اللَّه تعالى على نبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وهو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس باكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنّا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب ...» لم يعلق عليه وقَبِله من غير أيّ تعليق أو تصحيح ولا ننسى أنّ رسالة «تصحيح الاعتقادات» وضعت لبيان عقائد الإمامية في اصول المذهب وغيره.

ج- المحدّث النوري الذي ذكر عبارة الشيخ المفيد (1) لم يوردها بعنوان تحريف القرآن، وفي الواقع فان الدكتور القفاري إنّما نقل تلك العبارة من «فصل الخطاب» لكنه حذف ما قبل العبارة وما بعدها لكي يصل إلى مقصوده، ويُضلّ الآخرين.

والآن حيث وصلنا إلى هذه النقطة اسمحوا لي أن أبحث أيضاً مع الدكتور القفاري في هذا المجال، فالدكتور في عدّة مواضع من كتابه أورد عبارة الشيخ المفيد معلقاً عليها بألفاظ يأباها البحث العلمي، وإليك هذه المواضع مرتبة وفق ما جاء في كتابه، ففي الصفحة «230» يقول:

«نرى شيخهم المفيد (ت 413 ه) سجّل في كتابه «اوائل المقالات» إجماع طائفته على هذا المنكر ونقل بعض أخباره في بعض كتبه كالارشاد وهو من كتبهم المعتبرة»

لاحظت بيان الشيخ المفيد الذي يؤكد إجماع الإمامية على مخالفة «تأليف القرآن» لا «تحريف القرآن»، ورأيت توضيح الشيخ المفيد نفسه، اما إخبار الدكتور القفاري عن كتاب الارشاد، فالذي جاء فيه:

«روى جابر، عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: إذا قام قائم آل محمّد


1- فصل الخطاب: ص 42.

ص: 312

عليه السلام ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما انزل اللَّه جلّ جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنّه يخالف فيه التأليف» (1).

فمتن هذه الرواية واضح لا يحتاج إلى تبيان فهي تقول: «فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف» أي قد الِفَ الجمهور هذا النسج الحاضر، واعتادوا عليه خلفاً عن سلف طيلة عشرات القرون، فيصعب عليهم التعوّد على خلافه كما أشار إليه الحديث. فتأليف القرآن غير تحريفه وهذا لا يخفى على ذي مسكة من عقل وقد سبق لنا في المقام الأوّل أن ذكرنا، روايات الفساطيط وبسطنا الكلام فيها فراجع إن شئت.

وكتب الدكتور القفاري أيضاً في الصفحة 269:

«كانت دوائرُ الغلاة في القرن الثالث تعمل على الإكثار من صنع الرّوايات في هذا حتّى أنّ شيخهم المفيد الذي يلقبونه بركن الإسلام ...

يشهد باستفاضتها عند طائفته فيقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان».

وهذه الاستفاضة هي ثمرة الكذب ... على يد شرذمة من شيوخهم.

فكيف يعقل أنّ المفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته رغم أنّ شيخه ابن بابويه يقول: إن من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب ...»

هذا بعض كلام الدكتور القفاري المحرّف والمبعثر أورده تحت عنوان «حجم


1- الارشاد: ص 386.

ص: 313

أخبار هذه الاسطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم» وسنبحث ذلك إن شاء اللَّه مفصلًا ونبيّن دعاوي الدكتور القفاري فيها، ولكن ينبغي لنا التذكير بهذه النكتة وهي أن الشيخ المفيد هل أراد من كلامه، استفاضة الرِّوايات في باب التّحريف، أو استفاضة القائلين بالتحريف؟ فهذه عبارة الشيخ: «إن الأخبار قد جاءت مستفيضة» ورأيتم تتمّة هذه العبارة، بأنّ في رأي الشيخ المفيد ما حذف ونقص من القرآن لا يرتبط بمتن القرآن ولكن بتأويله وتفسير معانيه التي توجد في مصحف الإمام علي عليه السلام.

وقال في كتاب «المسائل السروية» ما نصّه:

«فإن قال قائل كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفتين هو كلام اللَّه تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام أنّهم قرأوا: «كنتم خير أئمة اخرجت للناس» و «كذلك جعلناكم أئمة وسطاً».

وقرأوا: «يسألونك الأنفال» وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟

قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو أنّ الأخبار التي جاءت بذلك؛ أخبار آحادٍ لا يقطع على اللَّه تعالى بصحّتها، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أُمرنا به حسب ما بيّناه مع أنه لا ينكر أن تأتي القراءة [يأتي بالقرآن] على وجهين منزلين:

أحدهما: ما تضمنه المصحف.

الثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتّى ...» (1).


1- المسائل السروية: ص 83- 84.

ص: 314

وعلى هذا فهناك تفاوت كبير بين «استفاضة الأخبار» و «استفاضة القائلين بالتحريف» والشيخ المفيد نفسه عالج تلك الأخبار المستفيضة والشيخ الصدوق يقول أيضاً: هذه الرّوايات كثيرة، ولكن في مقام علاجها يقال: إنها وحي غير قرآني.

قال الصدوق ما نصّ كلامه:

«... بل نقول إنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية- ثم ذكر نماذج منه وقال- ومثل هذا كثير، كلّه وحي ليس بقرآن» (1).

وتلك العبارة ادامة لنفس عبارة الصدوق في كتاب الاعتقادات والتي أوردها الدكتور القفاري دون أن يذكر تتمتها. وهي تقول بأنّ أخبار الوحي الذي ليس بقرآن لو جمع مع آي القرآن صارت سبعة عشر ألف وهذه الأخبار هي التي توحي بعضها بتحريف القرآن.

اذن نستنتج أنه لا تفاوت بين آراء هذين العلمين اللّذين يعتبران من أركان التشيع وهما المفيد والصدوق رحمة اللَّه عليهما في مسألة صيانة القرآن عن التّحريف، فكلاهما يقول باستفاضة أخبار الباب وكلاهما يقول بصيانة القرآن عن التّحريف لكنّ الدكتور القفاري الذي رأى تلكما العبارتين- على ما ادّعاه- حذف بعضهما كي يتمكن من اثبات مدّعاه، فحرّف استفاضة الأخبار الواردة في قول الشيخ المفيد إلى استفاضة القائلين بالتحريف فكتب قائلًا:

«هذا والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته رغم أن شيخه ابن بابويه [الشيخ الصدوق رحمه اللَّه] يقول إن من نسب إلى الشيعة مثل


1- الاعتقادات: ص 81.

ص: 315

هذا القول فهو كاذب ...» (1).

وإذا ذهبنا إلى نفس مبنى الدكتور القفاري في تلك المسألة وقبلنا استبدال استفاضة الأخبار بالتحريف باستفاضة القائلين بالتحريف، فهذا سيكون حجّة عليه دامغة، حيث أنّ أهل السنّة رووا كثيراً من روايات التّحريف في كتبهم، بل إنّ الآلوسي يقول: «وأخبار تلك الباب أكثر من أن تحصى» وعلى هذا نستطيع ابدال العبارة بالشكل الآتي «عدد القائلين بالتحريف من علماء أهل السنّة أكثر من أن يحصى» ترى هل يقبل الدكتور القفاري بهذا؟ أم له مع الشيعة حسابات اخرى خارجة عن المنطق والاستدلال؟

وأخيراً قال الدكتور القفاري في الصفحة 275 بعد أن أورد كلام الشيخ المفيد رحمة اللَّه تعالى عليه باتفاق الإمامية على ان أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن ...- وقد سبق نصّ كلامه- إذ قال:

«وهذه شهادة مهمة واعتراف صريح من مفيد الشيعة بأن سائر الفرق الإسلامية لم تقع في هذا الكفر الذي وقعت فيه طائفته وهي شهادة تلجم اولئك الروافض الذين يحاولون من منطق جبان أن يصموا أهل السنة بشي ء من هذه الفرية. وعصمة أهل السنة من هذا الضلال لا تحتاج إلى هذا الاعتراف ولكن ذكرناه هنا لأنه صادر من المخالف وانصاف المخالف أشد وقعاً من انصاف الموافق، ولأنّ في هذا وأمثاله مايسكت اولئك المفترين الذين يفترون الكذب ولا يؤمنون.

كما أنّ مفيدهم يعترف أيضاً بأن اجماع طائفته قائم على هذا الكفر البين ولم يذكر مفيدهم وجود خلاف بين علمائهم في هذا!! مع إن


1- اصول مذهب الشيعة: ص 269.

ص: 316

شيخه ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق (ت 381 ه) قد أنكر هذا في رسالته «الاعتقادات» ... هل تجاهُلُ المفيد لذلك من قبيل اقتناعه بأن مخالفته بسبب التقية أم ماذا ...».

يظن الدكتور القفاري بأنّ استعماله للألفاظ البذيئة- التي لا تليق بأيّ باحث- يسدل الستار على الحقائق فإنّ اللَّه تعالى يقول: «ما يلفظ من قول إلّالديه رقيب عتيد) فإنّه يكتب من غير خوف من اللَّه، وليت الدكتور القفاري عمل بهذه النكتة التي سقطت من لسانه: «انصاف المخالف أشد وقعاً من انصاف الموافق».

ونريد أن نحكّمك أنت أيها القارئ فيما إذا قال شخص بأنّ ترتيب القرآن الآن ليس على طبق النزول، ولكن يوجد فيه تقديم وتأخير كما هو نص كلام الشيخ المفيد:

«فأمّا القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني، لم يرتب بما ذكرناه» (1).

فهل هذا الشخص «كافر» أو «مفتر كاذب» أو «متجاهل» أو ...

وجدير بالذكر أن نغمة الدكتور القفاري بعنوان «التقية» التي تكرّر سماعها في


1- قد اختلف العلماء في ترتيب السور والآيات هل هو اجتهادي أو توقيفي، فادعى «الآلوسي» ان الجمهور على ان ترتيب السور توقيفي، روح المعاني: ج 1، ص 26- 27، وفي ادعائه نظر يعرف من قول «القاضي أبي بكر بن طيّب» راجع: المحرر الوجيز: ج 1، ص 66 و «ابن جزي» في التسهيل لعلوم التنزيل: ج 1، ص 4 ونقل «ابن عطيه» عن «الباقلاني» راجع: التحرير والتنوير: ج 1، ص 86- 90 وغيرهم. بل ادّعى «عياض» بان جمهور العلماء اتفقوا على ان ترتيب السور وقع باجتهاد الصحابة راجع؛ التحرير والتنوير: ج 1، ص 87. وأمّا في مجال ترتيب الآيات، فقد اصرّ أهل السنّة على أن ترتيبها توقيفي، فآيات المصحف المتداول اليوم وهو المصحف العثماني مرتبة على ما رتبها عليه النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم باشارة من جبريل، لكن رواياتهم في كيفية نزول البسملة وروايات الجمع الأوّل تدفع هذه الدعوى دفعاً صريحاً، ولمزيد من التوضيح انظر: الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 126- 132.

ص: 317

كلّ موضع من طنبوره والتي من جملتها ما أورده الدكتور في طليعة هذا الفصل بعد تقطيعه عبارتي الشيخ الصدوق والشيخ المفيد رحمهما اللَّه وقال:

«... والتعرف على الحقيقة وسط هذا الرُّكام من الأقوال المتعارضة ...

ليس بسهل المنال ... وإذا لاحظنا أنّ من أركان الدين عند هؤلاء- أي الشيعة- التقيّة ... أدركنا أنّ الحقيقة محجوبة بغيوم من الكذب والتزوير ...» (1).

وهذا ليس بشي ء لأنّك سترى قريباً إنّ مَن له معرفة بأركان التقيّة ومفهومها، يتجلّى له أنّ الأقوال المتقدِّمة لا يمكن حملها على التقية بأيّ وجه من الوجوه، فإذا كانت مصادر لا تخلو من الروايات التي تدل بظاهرها التّحريف بل إنّه يوجد حتى القائل بالتحريف من بينهم، فاين هو موضع التقية؟ وسيأتي تفصيل أكثر لهذه المسألة فيما بعد إن شاء اللَّه.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 219.

ص: 318

بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة

اشارة

الدكتور القفاري قبل ولوج هذا البحث- وكما فعل من قبل- ادّعى التزام كمال الصدق والأمانة العلمية في نقل الأقوال، وفي موقف الناصح المشفق والفقيه الناسك ليوحي إلى الآخرين صدق أقواله، وقال:

«سنبدأ بدراسة هذه القضية من بدايتها، والتحري في صدق الأقوال من تقيتها بتحليل الاقوال ... وأسأل اللَّه سبحانه أن يعصمنا من اتهام الآخرين بما ليس فيهم ... وسنتناول هذه القضية الخطيرة التي يترتب على رمي الشيعة بها انفصالها عن المسلمين لمفارقتها للأصل الذي يتفقون عليه ...» (1).

ثمّ قال:

«أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية- أي فرية التّحريف- هو «كتاب سليم بن قيس» الذي رواه عنه أبان بن أبي عيّاش، لم يرو عنه غيره وهو «أول كتاب ظهر للشيعة» كما يقول ابن النديم وغيره.

وقد أكثر الشيعة من مدحه وتوثيقه والثناء على كتابه رغم إنني لم أجد لمؤلفه ذكراً فيما رجعت إليه من مصادر ... بل ان من متقدمي الشيعة من قال: «إنّ سليماً لا يعرف ولا ذكر في خبر» وإن كان هذا ليس بمرضي عند متأخري الشيعة. ورغم أنّ الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه علي [عليه السلام] ووصفه بأوصاف لا يوصف بها إلّاربّ العالمين ... وسليم الذي يزعمون أنّه مؤلف الكتاب مجهول. وقد لا يكون له وجود إلّافي خيالات الشيعة ...

وجاء في الكتاب «إنّ الأئمة ثلاثة عشر» وهذه طامة كبرى تهدد


1- اصول مذهب الشيعة: ص 220.

ص: 319

بنيان الاثنى عشرية بالسقوط ... ولهذا كفونا مؤنة نقض هذا الكتاب ...» (1).

فالدراسة التحليلية ل «كتاب سليم بن قيس» المتداول بين الناس واسعة النطاق جداً وخارجة عن اطار بحثنا هذا، وما يتراءى من اختلاف آراء العلماء في هذا الكتاب يرجع أساساً الى اختلاف نسخه- شأنه شأن كل كتاب لم يوفّق المصنف لنشره بنفسه بل يقوم الآخرون بنشره بعد وفاته- ويقسم بعض الأفاضل نسخ الكتاب إلى ستّة أنواع وبيان طرقها ونذكر من جملة طرقها، طريق علماء أهل السنة إليه (2). وجملة القول عند علماء الإمامية رحمة اللَّه عليهم أجمعين في شأن الكتاب:

«إنْ تأيّد ما فيه بدليل من الخارج فهو وإلّا فلا اعتبار بما يتفرد به» (3).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 224.
2- وهي النسخة المروية عن طريق محمّد بن صبيح بن رجاء (المترجم له في تاريخ مدينة دمشق: ج 53، ص 274 بالرقم 6464) عن عصمة بن أبي عصمة البخاري (المترجم له في تاريخ دمشق: ج 40، ص 351، بالرقم 4700) عن أبي بكر أحمد بن المنذر (المترجم له في تاريخ الإسلام: وفيات 221- 230 ه.، ص 55) عن عبدالرزاق بن همام (مؤلف كتاب المصنف، المترجم له في تهذيب الكمال: ج 18، ص 52، بالرقم 3415) عن معمر بن راشد البصري 152 ه. المترجم له في تهذيب الكمال: ج 28، ص 303 بالرقم 6104) عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي انظر كتاب سليم بن قيس: تحقيق الشيخ محمّد باقر الانصاري: ج 1، ص 151 و 318.
3- ومن اللازم ان نتوقف عند رأي العلامة أبي الحسن الشعراني- من أعلام الإمامية ت 1392- في كتاب سليم بن قيس، لأنّ الدكتور القفاري بعد تقطيع وتحريف رأي الشعراني، استنتج ما يحلو له فيقول: «ان الزيادة امر ميسور عندهم كما بدا لنا ذلك في كتاب سليم بن قيس والذي اعترف بوضعه والتغيير فيه شيوخهم» اصول مذهب الشيعة: ص 287، ومراده من «شيوخهم» هو العلامة الشعراني كما نصّ عليه ثم جعل ذلك- زوراً وبهتاناً- معياراً لنقد جميع كتب الشيعة وخصوصاً الكتب الاربعة التي سنبحث فيه مع دعاوي الدكتور القفاري بشي ء من التفصيل في «التذييل» وقال مرّات: «إنّ الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس» انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 291 و 294 و 286 و 289 فهل الشعراني اعترف بوضع وتغيير في كتاب سليم بن قيس، انظر نص كلام الشعراني: «... الحق ان هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية وطرائف ابن طاووس والرحلة المدرسية للبلاغي وامثاله وان واضعه جمع اموراً مشهورة وغير مشهورة ولما لم يكن معصوماً أورد فيه اشياء غير صحيحة ... وبالجملة ان تأيّد ما فيه بدليل من خارج فهو وإلّا فلا اعتبار بما يتفرد به والغالب فيه التأيد وعدم التفرّد» حواشي الشعراني على شرح جامع الكافي: ج 2، ص 373- 374. هذا ومعلوم لدى كل مصنف ان مراد الشعراني في قوله «هذا الكتاب موضوع»- مع التنبه إلى القرائن في كلامه وأمثلته- بمعنى أنّ هذا الكتاب صُنف لغرض صحيح وليس بمعنى أنَّ هذا الكتاب مختلق مكذوب، قد تغيّر ما فيه كما استفاد الدكتور القفاري بعد ان قام بتقطيع عبارة الشعراني ووزّعها في كتابه. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 384 و 224.

ص: 320

بعد هذه المقدمة الموجزة حول كتاب سليم بن قيس نبحث في صحة أقوال الدكتور القفاري الذي ادّعى:

أ- إنّ سليم بن قيس غير موجود إلّافي خيالات الشيعة (1).

ب- أول كتاب فيه هذه الفرية- وهي فرية تحريف القرآن- هو كتاب سليم بن قيس.

ج- إنّ الكتاب يحمل اخطر آراء السبئية وهو تأليه علي [عليه السلام].

د- جاء في الكتاب «إنّ الأئمة ثلاثة عشر» وهذه طامة كبرى ...

سليم بن قيس شخص واقعي أم خيالي؟

هل أن سليماً موجود خيالي (2)؟ كيف يمكن للدكتور القفاري ادعاء أن سليم بن قيس مختلق؟ فهل يريد اخفاء جريمة الامويين- وسقوط الدولة الاموية التي


1- اصول مذهب الشيعة: ص 234.
2- اصول مذهب الشيعة.

ص: 321

يعتبره بعضهم سقوطاً لعزة الإسلام- (1) وكذا التستر على جرائم الحجّاج ابن يوسف (2).

قال الدكتور القفاري:

«رجعت في البحث عنه إلى مصادر كثيرة من كتب أهل السنة فلم أجد له ذكراً ...»

ولكنك لو رجعت إلى كتاب «الجرح والتعديل» للحافظ شيخ الإسلام الرازي (327) لوجدت ما يلي:

«سليم بن قيس العامري روى عن سحيم بن نوفل روى عنه أبان سمعت أبي يقول ذلك» (3).

وسليم بن قيس هذا شهد صفين على ما نقله ابن عساكر إذ قال في كتابه «تاريخ مدينة دمشق» بسنده عن عبداللَّه بن اذينة البصري عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليمان بن قيس العامري، قال:

«رأيت اوَيساً القَرَني بصفين صريعاً بين عمّار وخزيمة بن ثابت» (4).

هذا، و «سليمان بن قيس العامري» تصحيف «سليم بن قيس العامري» قطعاً، لقرينة اللّقب (العامري) والراوي (أبان ابن أبي عيّاش) وعدم وجود شخص


1- منهاج السنة: ج 4، ص 210 والمنتقى مختصر منهاج السنة: ص 523.
2- وكذلك يقول «ابن النديم» و «العقيقي»: «كان سليم هارباً من الحجّاج لانه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عياش فآواه» وكذا أبان بن أبي عياش نفسه يقول: «لما قدم الحجّاج العراق سأل عن سليم بن قيس فهرب منه ...» الفهرست لابن النديم: ص 275 وخلاصة الاقوال: ص 83.
3- الجرح والتعديل: ج 4، ص 214، رقم الترجمة 930 وشيخ الإسلام الرازي هو: أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال الذهبي في التذكرة: «الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام الرازي ... كتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالمرتبة المتقنة في الحفظ» وقال في الميزان: «الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت» انظر مقدمة كتاب «الجرح والتعديل»: ص «ز».
4- تاريخ مدينة دمشق: ج 9، ص 455.

ص: 322

مسمى ب «سليمان بن قيس العامري» في كتب التراجم والرِّجال من العامة والخاصة.

و «سليم بن قيس» هذا، يوجد في طريق كثير من الرّوايات، فمن روى عنه من علماء الإمامية فكثير جداً (1) ومن علماء أهل السنة:

1. الفاضل المحدّث القاضي أبو القاسم عبيد اللَّه بن عبد اللَّه النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني (ت 483) في كتابه «شواهد التنزيل» (ص: 41، 129، 202، 345، 794).

2. الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد المكّي الحنفي المعروف بخطيب خوارزم (568) في كتابه «مقتل الحسين» (ج 1، ص 146).

3. الشيخ أبو اسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمّد بن محمّد المعروف بالحمويني (722) في كتابه «فرائد السمطين» (ج 1، ص 312، باب 58 ح 250).

4. المحدّث علي بن شهاب الدّين بن محمّد الهمداني (ت 786) في كتابه «مودة القربى» ورواه عنه «القندوزي» في «ينابيع المودة» (ص 114، 168، 258، 445، 492). وفيه كفاية ومثل هذا كثير (2).

ثمّ قام الدكتور القفاري تأييداً لآرائه التي قد سبقت- بأن لا يكون لسليم بن قيس وجود إلّافي خيالات الشيعة- قال:

«بل إن من متقدمي الشيعة من قال: ان سليماً لا يُعرف ولا ذُكر في خبر» (3).

هذا الادعاء نقل عن «أبي عبد اللَّه الحسين ابن الغضائري» (ت 411) عن بعضٍ


1- انظر: كتاب سليم بن قيس: تحقيق الشيخ محمّد باقر الانصاري، ص 122 وما بعدها.
2- انظر كتاب سليم بن قيس، تحقيق الشيخ محمّد باقر الأنصاري: ص 126 وما بعدها.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 222.

ص: 323

- على ما نقل عنه العلّامة الحلّي رحمه اللَّه في «خلاصة الأقوال في معرفة الرجال»- ثم قال ابن الغضائري ردّاً عليه: «وقد وجدت ذكره- أي سليم بن قيس- في مواضع من غير جهة كتابه ولا رواية أبان بن أبي عيّاش وقد ذكر «أبو العباس بن عقدة» في رجال أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث عنه» (1).

وبناء على هذا فإن الدكتور القفاري- وكعادته السالفة- قام بتقطيع عبارة ابن الغضائري وترك ما بعدها ليضفي على آرائه وخيالاته طابع الصحة.

فرية التّحريف في كتاب سليم بن قيس:

أمّا ما ادّعاه الدكتور القفاري بأنّ فرية التّحريف سجّلت في أول كتاب ظهر للشيعة وهو «كتاب سليم بن قيس». لا يكون إلّابوجود خبر مصحف الإمام عليّ- الذي جمعه الإمام بعد وفاة النبيّ- في كتاب سليم بن قيس.

هذا الادعاء ذكره الدكتور القفاري في أول الكتاب (2)، ثم ذكره أيضاً في الخلاصة في خاتمة كتابه (3)، وكذلك كرره في مواضع أُخر.

وقد تكلّمنا في مدخل بحثنا هذا بعض الشي ء عن هذا الموضوع، وعرفنا ماهيّة تلك الاقاويل.

هذا وما ذكره الدكتور القفاري بعنوان بداية فرية التّحريف فلم تكن إلّاثلاث روايات- وإن ذكر الدكتور القفاري أنّها روايتان اشتباهاً- في كتاب «سليم بن قيس» حول مصحف الإمام علي عليه السلام، وذكرنا أنّ مضمون هذه الرّوايات هو أنّ الإمام عليّاً عليه السلام بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم جمع القرآن وجاء به إلى المسجد، ولكنّهم لم يقبلوا به، وقد وردت هذه القضية في كتب أهل


1- رجال العلامة الحلي المعروف ب «خلاصة الاقوال في معرفة الرجال»: ص 83.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 14.
3- المصدر السابق: ص 1281.

ص: 324

السنة بشكل مستفيض، وبعضها جاء بروايات صحيحة، ودلالتها واضحة لا إبهام فيها. وسنورد موضوع «مصحف الإمام عليّ عليه السلام» بشكل تفصيلي وندرس أسانيد تلك الروايات ومحتواها إن شاء اللَّه وسوف ترون أن تلك الروايات لا علاقة لها بمسألة التحريف إطلاقاً.

وعلى هذا فعلى قبول كلام الدكتور القفاري، الذي مؤداه أنه لمجرّد وجود خبر عن مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب من الكتب يحكي عن فكرة السبئية، وتحريف القرآن، والطعن في كتاب اللَّه، فيكون جميع كتب أهل السنة التي تحدثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام وهي إلى القرن العاشر أربعة عشر كتاباً محكومة بهذه الأحكام.

نعم، الدكتور القفاري وهو في تفحصٍ لآثار السبئية قال:

«هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنّها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية [أي فرية تحريف القرآن] إذ أنّنا نلاحظ ان الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس ...» (1).

ولكنّه وبعد السعي اليائس والبحث الفاشل أقرّ قائلًا:

«فإذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد» (2).

ولو سألنا الدكتور لِمَ لم تنجح في اكتشافك؟ لوجّه كلامه بتوجيه يضحك الثكلى، حيث يقول:

«وقد تتبعت الآراء المنسوبة إلى ابن سبأ وطائفة السبئية فلم أجد أن هذه المقالة [أي تحريف القرآن] قد نقلت عن ابن سبأ لأنّها- فيما


1- اصول مذهب الشيعة: ص 225.
2- المصدر السابق.

ص: 325

يبدو- لم تخطر على باله لوضوح بطلانها امام الجيل الذي عاصر التنزيل ولأنّها وسيلة سريعة لانكشاف كذبه فلم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية ...» (1).

عجبا! كيف تجرّأ ابن سبأ- على فرض وجوده في العالم- وادعى النبوّة وزعم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو اللَّه- تعالى اللَّه وتقدّس- واستتابه الإمام علي عليه السلام فلم يتب فَأحرقه بالنار (2)، لكن مع هذا، لم يتجرّأ على اظهار القول بهذه الفرية- أي فرية التّحريف-؟ هل هذا الادعاء اسرع لانكشاف كذبه أم دعوى النبوة وألوهية الإمام علي عليه السلام ...؟؟

أظنّ أنّ الدكتور القفاري في الواقع- ويحتمل علمه بذلك- أعدّ مسرحية ثرثارة عرضها بصور مختلفة ليُوهم الناس صحّة ادعائه ولينال على هذا الاكتشاف الكبير وهو وجود قصّة السبئية في كتب الشيعة استحسان الجمهور!!

والطريف في الأمر أنّ الدكتور القفاري بعد علمه بفشله في هذا الاكتشاف وعدم الحيلة للخروج من هذا المأزق لجأ إلى اختراع عدّة ادعاءات اخر، وهي كما سترى فاقدة لأيّ دليل، يقول:


1- اصول مذهب الشيعة.
2- أورد الدكتور القفاري تلك القضية في كتابه: ص 75 ونحن هنا لسنا في مقام البحث حول شخصية عبداللَّه بن سبأ وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة وجوده أو عدم وجوده أصلًا بل وقد ظهر كتاب نفيس اسمه «عبد اللَّه بن سبأ» من تأليف السيد مرتضى العسكري اثبت فيه بأدلة قويّة مقنعة ان هذا الاسم لا حقيقة له. وقبله الدكتور طه حسين في كتابه «الفتنة الكبرى»: ج 2 «علي وبنوه» قال:- وهو يتحدث عن وقعة صفين وبعد ذكر الادلّة القويمة على أن عبد اللَّه بن سبأ لم يكن إلّاوهماً قال: انما هو شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ليدخلوا في اصول هذا المذهب عنصراً يهودياً امعاناً في الكيد لهم والنيل منهم ...» ولم يشر الدكتور القفاري إلى كلام طه حسين مطلقاً ولا إلى أدلة السيد مرتضى العسكري بل ظلّت سجيته الشتم واستعمال الألفاظ البذيئة للوصول إلى مراده بدل الاستدلال العلمي المتين. اصول مذهب الشيعة: ص 72.

ص: 326

«فاذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد، أمّا من هو الذي تولّى كبر وضع هذا الكفر بين الشيعة؟ فإن الاجابة المحددة قد لا تكون ميسرة ولا يجدي في هذا تتبع أسانيد روايات التّحريف لأنّ في أخبارها ماهو عار من السّند كالروايات التي جاءت في كتاب الاحتجاج للطبرسي، ولأنّ مسألة الإسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن- كما سيأتي- التي تدل على انها صنعت متأخرة، كما ان من أساليبهم وضع الأسانيد الصحيحة لمتون مكذوبة فلا يؤدي سلوك هذا المنهج لنتيجة جازمة» (1).

إنّ ما قاله الدكتور القفاري: «ان مسألة الاسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن كما سيأتي ...» إلى آخر كلامه. هذه دعوى ذكرها الدكتور القفاري بدون ذكر أيّ دليل وبدون بيان الموضع الذي وعدنا بذكره في قوله كما سيأتي وهو أيضاً من الاشكالات المنهجية الواضحة في كتاب الدكتور القفاري.

ولكن نقول للدكتور القفاري على وجه المماشاة:

إن كان في روايات التّحريف ما هو عارٍ من السند فهي غير معتبرة وغير صالحة لأن تعتمد أنت وغيرك عليها، ولكنّك حينما يقول الشيعة بعدم اعتبارها تقول:

قولهم «تقية»؟! واختلط الحابل بالنابل.

وأما كتاب «الإحتجاج» للطبرسي الذي أشار إليه الدكتور القفاري، فهو من القرن السابع الهجري فقد ذكر مؤلّفه في مقدمة كتابه علة عدم ذكره الإسناد (2).

أخطر آراء السبئية في كتاب سليم بن قيس

هل الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية؟


1- اصول مذهب الشيعة: ص 226.
2- مقدمة الاحتجاج على أهل اللجاج: ص 4.

ص: 327

وهو مانصّ عليه الدكتور القفاري بقوله:

«إنّ كتاب سليم بن قيس يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه علي ووصفه بأوصاف لا يوصف بها إلّاربّ العالمين فجاء في بعض روايات الكتاب مخاطبة علي بهذه الالقاب «يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شي ء عليم» ... وهذه الأوصاف هي من الآثار السبئية التي تؤلّه علياً والتي ورثتها الاثنا عشرية ... وهذه أوصاف لرب العالمين قال تعالى: «هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شي ء عليم»» (1)

هذا أيضاً كذب عظيم وأسوأ من الاكاذيب المتقدمة، فانظر أصل الخبر ومصدره:

قال محقق كتاب سليم بن قيس، في مقدمة الكتاب:

«الفائدة الخامسة: فيما أورده العلماء من الأحاديث المروية عن سليم ممّا لا يوجد في كتاب سليم بن قيس، ما رواه الشيخ عبد الوهاب بإسناده عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال:

سمعت أبا ذرّ جندب بن جنادة الغفاري. قال: رأيت محمّداً صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وقد قال لأمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة إذا كان غداً اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز من الأرض فإذا بزغت الشمس فسلّم عليها فان اللَّه تعالى قد أمرها أن تجيبك بما فيك فلمّا اطلعت الشمس قرنيها قال عليه السلام: السلام عليك يا خلق اللَّه الجديد المطيع له. فسمعوا دويّاً من السماء وجواب قائل يقول:

وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شي ء


1- اصول مذهب الشيعة: ص 224.

ص: 328

عليم، فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار كلام الشمس صعقوا ثمّ أفاقوا بعد ساعات وقد انصرف أمير المؤمنين عليه السلام عن المكان فوافوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم من الجماعة وقالوا أنت تقول أنّ علياً بشر مثلنا وقد خاطبته الشَّمس بما خاطب به الباري نفسه فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وما سمعتموه منها؟ فقالوا: سمعناها تقول: السلام عليك يا أوّل. قال: صدقت هو أول من آمن بي، فقالوا: سمعناها تقول: يا آخر قال: صدقت هو آخِرُ الناس عهداً بي يغسّلني ويكفّنني ويُدخلني قبري، فقالوا: سمعناها تقول: يا ظاهر، قال: صدقت ظهر علمي كلُّه له، فقالوا: سمعناها تقول: يا باطن قال: صدقت بَطُنَ سري كلُّه له قالوا: سمعناها: تقول يا من هو بكلّ شي ء عليم، قال: صدقت هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسُّنن وما شاكل ذلك فقاموا كلهم ...» (1).

على هذا، فإنَّ الرواية ليست من كتاب سليم بن قيس، بل من كتاب عيون المعجزات بسند مؤلفه الشيخ حسين عبد الوهاب- المعاصر للسيدين الرضيّ والمرتضى «رحمهما اللَّه» في القرن الخامس- عن سليم بن قيس عن أبي ذر جُندب بن جنادة. وعلى فرض اعتبار كتاب عيون المعجزات وصحَّة تلك الرواية، فلا علاقة لها بتأليه الإمام علي عليه السلام.

فالدكتور القفاري- مع الأسف- خِلوٌ من الأمانة العلمية، وقد بلغت خيانته العلمية أوجها حينما اقتطع من الرّوايات ما لو ذكره لبطل استدلاله بها، فتتمة الرّواية تكمل المعنى المقصود منها، ولا يتم بذكر الصدر فقط، فانظر وتعجب!

وعلى هذا لا توجد في كتاب سليم بن قيس روايات تشتمل على طعن في كتاب


1- مقدمة كتاب سليم بن قيس: 38- 39 ط. دار الفنون وعيون المعجزات: ص 14- 15.

ص: 329

اللَّه، ولا توجد رواية في تأليه الإمام علي عليه السلام.

الطامة الكبرى!

5- وأخيراً ما ذكره الدكتور القفاري مسمّياً إيّاه ب «الطامة الكبرى التي تهدد بنيان الاثني عشرية بالسقوط» وهو ما جاء في بعض نسخ «كتاب سليم بن قيس» بأنّ «الأئمة ثلاثة عشر» فنرجى ء تفصيل الكلام فيه إلى مبحث «الإمامة» ونكتفي هنا بذكر ملخّص ما قاله محقق «كتاب سليم بن قيس»:

1- النصوص التي وردت في «كتاب سليم» نفسه في حصر عدد الأئمة الطاهرين في اثني عشر، واحد وعشرون مورداً (1)، وموارد كثيرة أخرى فيها تلويحات واشارات إلى الموضوع عينه، وعلى هذا لا مجال للتمسك بمورد واحد.

2- ورد في بعض نسخ «كتاب سليم بن قيس» مورد واحد هذا نصه:

«سليم بن قيس بسنده [عن سلمان] عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: «... الا وان اللَّه نظر إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين أحدهما أنا ... والآخر علي بن أبي طالب ... ألا وإن اللَّه نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيّاً من أهل بيتي فجعلهم خيار أُمتي واحداً بعد واحد ...» (2).

وترتكز المناقشة في رجوع الضمير في «بعدنا» إلى رسول اللَّه وأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليهما وذكر «اثني عشر» بعدهما.

قال: الاجابة على هذه الشبهة بوجوه:


1- فقد أورد محقق الكتاب نص كل مورد على حدة فراجع مقدمة «كتاب سليم بن قيس»: ص 173 ومابعدها، وإليك أرقام الأحاديث: 1، 10، 11 في الرقم 11 جاء في اربعة موارد، 14، 16، 21، 25 في الرقم 25 جاء خمسة موارد، 37، 42 في الرقم 42 جاء موردان، 49، 61 في الرقم 61 جاء موردان، 67 و 77.
2- كتاب سليم بن قيس: ص 245. ط. دار الفنون، وص 857 ط. الهادي، قم، رقم الحديث: 45.

ص: 330

«الأوّل: إنه لا اشكال في العبارة بأن تكون فاطمة الزهراء عليها السلام داخلة في الاثني عشر وذلك ان موضوع الحديث من اختارهم اللَّه وليّاً لنفسه عند ابتداء خلقه من بين جميع أهل الأرض والذين جعلهم خيار امة الرسول صلّى اللَّه عليه وآله ... فانا نعتقد عصمتها وانها صاحبة الولاية الإلهيّة إلّاانها ليست بامام.

ويؤيد ذلك ما في الحديث 25 من كتاب سليم في تفسير آية التطهير حيث قال صلّى اللَّه عليه وآله:

«انما نزلت فيّ وفي أخي عليّ وابنتي فاطمة وابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني خاصة ليس معنا غيرنا» (1).

الثاني: ان «بعدنا» تصحيف «بعدي» على تقدير ان يكون المراد عدد الأئمة وقد وجدنا في بعض النسخ «بعدي» من دون تصحيف، خاصة وان الكلمة مما يقبل التصحيف مطمئنّين إلى وقوع ذلك من الراوي أو الناسخ عند الكتابة أو السماع.

ويؤيد ذلك استعمال ضمير المتكلم بعد ذلك في قوله «أهل بيتي» و «امتي» وكذلك يحتمل تصحيف كلمة «احد عشر» إلى «اثني عشر» كما أشار العلّامة المجلسي إلى ذلك في البحار (2) ويؤيد ذلك انّ هذا الحديث بعينه مذكور في الحديث 14 من الكتاب أيضاً بهذه العبارة:

«ان اللَّه نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيّاً من أهل بيتي وهم خيار امّتي، منهم احد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد ...»

وأورد في آخر الحديث ذكر أسمائهم بقوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم:

«أول الأئمة عليّ خيرهم ثم ابني الحسن ...».

الثالث: إذا علمنا باشتهار كتاب سليم بن قيس في التنصيص على الأئمة الاثني


1- كتاب سليم بن قيس: ط الهادي، ص 761.
2- بحار الأنوار: ج 22، ص 150.

ص: 331

عشر عليهم السلام وذكر أسمائهم في كثير من موارده وعلمنا أيضاً ان هذه العبارة المبحوث عنها ليست نصّاً في الثلاثة عشر بل فيه ايهام لذلك يحصل اليقين من جميع ذلك انها من قبيل سوء تعبير الرواة في النقل ... يعني ان الراوي لم يُرد إلّاذكر التنصيص على الاثني عشر فعبّر ب «الإثني عشر» وغفل عن كلمة «بعدنا» التي ذكرها قبله ونظائر هذا في الكتب كثيرة (1).

أقول: اضف إلى ذلك ما جاء في الكتب المعتبرة عند أهل السنة من روايات كثيرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، بان الأئمة إثنا عشر وفي بعضها كلهم من قريش.

فمن تلك الكتب: صحيح البخاري: ج 2، ص 101 وصحيح مسلم: ج 3، ص 1453 وسنن الترمذي: ج 4، ص 501 وسنن أبي داود: ج 4، ص 472 والبزّاز وغيرهم. وفي «الصواعق المحرقة» أورد ثمانية من هذه الأحاديث، والسيوطي في «تاريخ الخلفاء»: ص 11 وقد أورد السيوطي آراء العلماء حول الحديث المذكور.

فإن كان حديث كتاب سليم بن قيس يهدد بنيان الإثنا عشرية، فإنّه يهدد أيضاً بنيان هذه الكتب ومؤلفيها حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.


1- كتاب سليم بن قيس: ص 180- 182. وقد تعرّض محقق كتاب سليم في مقدمته لشبهة اخرى أثارها بعضهم وهي أنه: كيف وعظ محمّد بن أبي بكر أباه وتكلّم معه عند موته مع صغر سنه؟ الأمر الذي ورد ذكره في الحديث بالرقم 37 من كتاب سليم، ثم أدّى في الجواب عنها ما ملخصّه: «ان رواية تكلّم محمّد بن أبي بكر مع أبيه عند موته قد وردت في كتب أهل السنّة أيضاً، فقد أورد الغزالي في اوائل كتابه «سر العالمين»: ص 11 وسبط ابن الجوزي في «تذكرة خواص الامّة»: الباب الرابع: ص 62. ثم قال: إنّ تاريخ ولادة محمّد بن أبي بكر ممّا اختلف فيه أصحاب السير والتواريخ، ففي بعض الرّوايات انه ولد في حجة الوداع، وفي بعضها انه ولد في سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها ما يدلُّ على ان ميلاده كان قبل ذلك. ثم أورد دليل كل منها وقال في آخر المطاف: ان سن محمّد بن أبي بكر كان في حد يمكن معه صدور الكلام منه عند موت ابيه.» مقدمة كتاب سليم: ص 187 وما بعدها.

ص: 332

شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة:

اشارة

إن جميع الكتب التي اعتمد عليها الدكتور القفاري في هذا الفصل هي كتب الحديث والتفسير بالمأثور لدى الشيعة، وقد سبق أن ذكرنا وأكدنا مراراً وتكراراً بما لا يقبل الشك بأنّ الكتاب الذي جمع الرّوايات من مصادر شتى شي ء، وتمحيص تلك الرّوايات والحكم عليها بالصحّة والفساد شي ء آخر، وهذا الأمر لا يخصّ مذهب الشيعة بل يشمل جميع المذاهب الاسلامية، فاننا لا نحكم على طائفة بحكم مّا لمجرّد وجود رواية في كتبهم الروائية، وإلّا فما الفائدة من وجود علم الرّجال وعلم الدرّاية وفقه الرّوايات وغيرها؟ فهل هو إلّاللتأكُّد من صحّة وفساد الراوي والرّواة وصحّة مدلول الرواية؟ فكيف يحقّ للدكتور القفاري وأضرابه الحكم على الشيعة بحكم ما وتكفيرهم؟ في حين أنّ الشيعة أنفسهم لا يصحّحونها بل يعتبرونها باطلة الدلالة، وهذا هو الإنصاف، فما يحكم به الدكتور القفاري علينا من خلال كتب حديثنا عليه أن يحكم به على سائر الفرق لوجود نفس تلك الرّوايات قال تعالى: «إنّ اللَّه يأمركم بالعدل ...» ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام هو أن الدكتور القفاري- تعمّداً أو جهلًا- كثيراً ما يخلط بين مدلول الرواية وفقهها، ولذا وقع في أخطاء عديدة أشرنا إلى بعضها وسنشير إلى بعضها الآخر.

كما ينبغي الاشارة إلى أن الدكتور القفاري كثيراً ما يبتعد عن فقه الرواية بل عن الرواية نفسها وينشغل بالألفاظ البذيئة البعيدة كل البعد عن روح البحث العلمي، وإذا ضاقت به السبل وتعذّر عليه الدليل تشبث بفكرة التقية التي في هذا المبحث لا معنى معقول- كما ستعرف بعد ذلك- ولأن مباحث هذا الفصل تكرّر بعضها، فنحن هنا نوجز مناقشة آراء الدكتور القفاري في هذه المسألة ضمن عدّة نقاط. قال الدكتور القفاري:

«إن البداية لهذه الفرية كانت بكتاب سليم وبدأت القضية بروايتين

ص: 333

فقط ... ولم يكثر الوضع والكذب حولها ... وجاء في القرن الثالث من تلقف هذه الاسطورة وزاد عليها ... [وهو] علي بن إبراهيم القمِّي وحشا تفسيره بهذه الاسطورة وصرّح بها في مقدمة تفسيره؛ ولهذا قال شيخهم الكاشاني: «فإنّ تفسيره مملوء منه وله غلو فيه» وكذلك قال شيخهم الآخر النوري الطبرسي ... ومع أنّ الكتاب قد مُلى ء بهذه الزندقة فإن كبير علماء الشيعة اليوم «الخوئي» يوثّق روايات القمّي كلّها- كما سلف-» (1).

ثم أورد الدكتور القفاري عدة روايات من تفسير القمّي وقال:

«تلك على سبيل المثال وغيرها كثير».

قد مرّ عليك سابقاً قول الدكتور القفاري حول كتاب سليم في هذا المقام وأنّه لا علاقة له بمسألة تحريف القرآن. وأمّا تفسير القمّي واسطورة تحريف القرآن.

تفسير القمّي واسطورة تحريف القرآن:

إن هذا التفسير منسوب الى القمّي من غير ان يكون من صُنعه، وإنّما هو تلفيق من املاءاته على تلميذه «أبي الفضل العباس بن محمّد العلوي» من سورة الفاتحة والبقرة وشطر قليل من سورة آل عمران (الآية 45) وقسط وافر من تفسير أبي الجارود، ضمّه إليها أبو الفضل وأكمله بما رواه هو عن سائر مشايخه تتميماً للفائدة.

اذن فهذا التفسير بهذا الشكل، هو من صنع أبي الفضل العلوي وإنّما نسبه إلى شيخه القمّي لأنه الأصل من روايات هذا التفسير (2). والشاهد عليه تصريح مؤلف هذا التفسير في بعض الموارد بأنّ ما أورده في تفسيره ليس في رواية عليّ بن إبراهيم


1- اصول مذهب الشيعة: ص 226.
2- انظر تفصيل الكلام كتاب «كليات في علم الرجال» للشيخ جعفر السبحاني: ص 309- 320.

ص: 334

القمّي (1). فعلى هذا نقول:

أولًا: إن ما قاله الدكتور القفاري بأنّ «عليّ بن إبراهيم صرّح في مقدمة تفسيره بهذه الفرية» خطأ، فان مقدمة التفسير ليست من صنع عليّ بن إبراهيم لأنّا نجد في آخر المقدمة هذا الكلام: «أقول: تفسير بسم اللَّه الرحمن الرحيم. حدثني أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم العلوي قال حدثنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم القمّي قال حدّثني أبي رحمه اللَّه عن ...» (2).

فمقدمة التفسير ليست لعلي بن إبراهيم رحمه اللَّه كي نتهمه بالتحريف بل ان المقدمة من شخص قد جمع هذا التفسير وهو مجهول. أي الشخص الذي روى عن أبي الفضل العباس بقوله: «حدثني»، فهو غير معلوم شخصه وأوصافه كما أنّ أبا الفضل العباس أيضاً لا يوجد له أثر في الاصول الرّجالية أصلًا.

ثانياً: إذا أردنا أن نأخذ بما قاله سيّدنا الخوئي رحمه اللَّه بتوثيق روايات تفسير القمي، لَزمَنا حينئذٍ توثيق ما روى القمّي بسنده في تفسيره لا ما روى جامع تفسير علي بن إبراهيم- وهو أبو الفضل العباس- عن مشايخه، فان شهادة القمّي تكون حجّة في ما يرويه نفسه لا ما يرويه تلميذه عن مشايخه. وما يرويه علي بن إبراهيم عن المعصومين باسناده قليل جداً أي لا يتجاوز «17» رواية.

فذاك خطأ آخر من الدكتور القفاري الذي ينسب وثاقة روايات القمي كلها إلى السيد الخوئي رحمه اللَّه. ولو سلمنا بذلك، فان وثاقة الرواة عند السيد الخوئي لا تساوق قبول متن الرواية واعتبارها عنده مطلقاً (3). هذا وقد أخطأ الدكتور


1- كعبارته هذه: «... فيه زيادة أحرف لم تكن في رواية عليّ بن إبراهيم»: ج 2، ص 360.
2- التفسير [المنسوب إلى] القمي: ج 1، ص 5.
3- وهذا معلوم من منهج السيد الخوئي فقد صرح رحمه اللَّه باسقاط روايات التّحريف وقال في جملة ما قال: «ان حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال لا يقول به إلا من ضعف عقله ...» البيان: ص 259 فهذا منه رحمه اللَّه يعني عدم كفاية وثاقة الرواة في قبول مضمون الرّوايات وهذه قاعدة علمية لدى كل محقق، فَوثاقة الراوي لا توجب قبول متن روايته بدون الدرّاية والفحص عن معارضها والتطبيق مع الموازين القطعية وغيره ... وهذا معلوم بأدنى تأمل.

ص: 335

القفاري أيضاً حيث يقول: «هذا التفسير يحظى بتقدير الشيعة كلّها» (1).

ثالثاً: ما أورده الدكتور القفاري على سبيل المثال (2) من تفسير [منسوب الى] القمي لتأييد اتهاماته، ينقسم إلى أربعة اقسام:

القسم الأوّل: ما جاء في التفسير بدون إسناد، فبعضه من آراء كاتبه- وهو شخص غير معلوم كما سبق- كقوله: قال اللَّه «فبدّل الذين ظلموا قولًا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا- آل محمّد حقّهم- رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون» (3).

وبعضه عن علي بن إبراهيم كما في قوله تعالى: «... وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّا فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن» قال- أي علي بن إبراهيم- نزلت لمّا رأى النبيّ في نومه كأنّ قروداً تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّاً شديداً فأنزل اللَّه:

«وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّافتنةً للناس- ليعمهوا فيها- والشجرة الملعونة في القرآن» قال: كذا نزلت وهم- أي الشجرة الملعونة- بنو امية (4).

وقد قال الدكتور القفاري عن ابن تيمية ما لفظه:

«جاء تأويلها- أي تأويل الشجرة الملعونة- عند الاثني عشرية بانها بنو أمية في أكثر من اثنتي عشرة رواية ... وهذا من التأويلات


1- اصول مذهب الشيعة: ص 269.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 226، وقد ذكر الدكتور القفاري في الحاشية أرقام تلك الرّوايات.
3- تفسير [المنسوب إلى] علي بن إبراهيم: ج 1، ص 48؛ والآية 59 من سورة البقرة 2.
4- نفس المصدر: والآية التي أوردها 60 من سورة الاسراء 17.

ص: 336

المنحرفة التي ورثتها طائفة الاثني عشرية» (1).

وإذا كانت تلك التأويلات وردت في بعض مصادر الشيعة بدون أسانيد (2) فإنّها في كتب أهل السنة وردت بأسانيدها (3).

ولابدّ أن يكون أهل السنة- بناءً على زعم الدكتور القفاري وابن تيمية- قد ورثوا تلك التأويلات المنحرفة أيضاً، بل قد ورثتها عائشة التي قالت لمروان:

«سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لأبيك وجدّك: إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن» (4).

القسم الثاني: ما جاءت في التفسير وهي مرسلة، كالرواية التي رويت عن العالم عليه السلام في ذيل الآية «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» وقال العالم عليه السلام: نزل: «وآل عمران وآل محمّد على العالمين» فاسقطوا آل محمّد من الكتاب (5).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 155.
2- تفسير العياشي: ج 2، ص 298.
3- انظر: شواهد التنزيل: ج 2، ص 457 والدرّ المنثور: ج 5، ص 308 و 309 و 310 والجامع لاحكام القرآن تفسير القرطبي: ج 10، ص 283 و 286 وروح المعاني: ج 9، ص 155 وتاريخ مدينة دمشق: ج 57، ص 340- 342 وتاريخ ابن الاثير: ج 3، ص 407. والعجب من ابن جرير الطبري، فانه بدل كلمة «بني امية» في رواية سهل بن سعد- بقوله ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرى بني اميّة ينزون على منبره تفسير القرطبي: ج 10، ص 283 وروح المعاني: ج 9، ص 155- ب «بني فلان»!! جامع البيان: ج 15، ص 77 واعجب منه توجيه الآلوسي الضعيف لتلك الرّوايات للدفاع عن بني امية، لكن العلامة الطباطبائي ردّ كل تلك الدفاعات الهزيلة بجواب متين واستدلالي. انظر: تفسير الميزان: ج 12، ص 63- 64. ولمزيد من التفصيل حول تلك المسألة عليك بمراجعة الغدير للشيخ العلامة الاميني: ج 8، ص 49 وما بعدها.
4- الدرّ المنثور: ج 5، ص 310 وروح المعاني: ج 9، ص 155 وبهذا المعنى كذلك في تفسير القرطبي: ج 10، ص 281.
5- تفسير [منسوب إلى] علي بن إبراهيم: ج 1، ص 100 والآية 31 من سورة آل عمران 3.

ص: 337

وهذه الرواية مضطربة المتن، وقد جاءت بعدّة طرق في كتب أهل السنة وسيأتي تحقيقها ان شاء اللَّه في بحث «الطبرسي وانكاره لهذه الفرية».

ومنها ما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام مرسلة أيضاً في قوله تعالى: «ولقد نصركم اللَّه ببدر وأنتم أذلة» قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ما كانوا أذلة وفيهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وإنّما نزل «لقد نصركم اللَّه ببدر وأنتم ضعفاء» (1).

فعلى فرض صحّة الرواية، يحتمل انّه عليه السلام يفسّر أنتم أذلّة، بأنتم ضعفاء في هذا المكان للعلّة التي ذكرها عليه السلام.

القسم الثالث: الرّوايات التي لا تمتُّ إلى مسألة التّحريف بصلة على الإطلاق بل من باب المخالفة في التأليف.

فمنها: ما أورد في شأن نزول الآية: «إنّما المؤمنون الذين آمنوا باللَّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ...» قال: «بأنها نزلت في حنظلة بن أبي عامر واستئذانه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ثم عقّب بقوله: فهذه الآية في سورة النور وأخبار احد في سورة آل عمران فهذا دليل على ان «التأليف» على خلاف ما انزله اللَّه» (2). وقد قلنا فيما سبق ان التأليف غير التّحريف كما هو واضح.

ومنها ما أورده أيضاً في شأن نزول الآية: «وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين» وقال: «فهذه الآية في سورة النّحل وكان يجب ان تكون في هذه السورة التي فيها أخبار احُد (وهي سورة آل عمران)» (3).

القسم الرابع: روايات مسندة في ظاهرها:


1- تفسير [منسوب إلى] علي بن إبراهيم: ج 1، ص 122 والآية 123 من سورة آل عمران.
2- المصدر السابق: ج 1، ص 118.
3- المصدر السابق: ج 1، ص 123.

ص: 338

فمنها: ماروي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال:

«قرأت عند أبي عبد اللَّه عليه السلام «كنتم خير أُمّةٍ اخرجت للناس» فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام «خير أمّة» يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟ فقال القاري جعلت فداك كيف نزلت؟ قال: نزلت «كنتم خير أئمة اخرجت للناس» ألا ترى مدح اللَّه لهم «تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللَّه» (1).

ومنها: ما روي أيضاً بسند علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام؛ قال:

« «ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك- يا علي- فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللَّه تواباً رحيماً» هكذا نزلت» (2).

ومنها: ما روي أيضاً بسند علي بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام؛ قال:

«انما انزلت «لكن اللَّه يشهد بما أنزل إليك- في علي- أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللَّه شهيداً» (3).

ومنها: ما روي أيضاً بسند علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بهذه الآية هكذا: «وقال الظالمون- لآل محمّد حقّهم- إن تتبعون إلّارجلًا مسحوراً* انظر كيف ضربوا لك الأمثال ...» (4).

صحيح أنّ تلك الرّوايات مسندة في الظاهر، ولكنها- كما ذكرنا سابقاً- تعتبر مقطوعة الاسناد؛ لأنَّ الراوي عن علي بن إبراهيم في هذا التفسير مجهول، وأمّا من


1- تفسير [منسوب إلى] علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 110 والآية 110 من سورة آل عمران 3.
2- المصدر نفسه: ج 1، ص 142 والآية 64 من سورة النساء 4.
3- المصدر السابق: ج 1، ص 159 والآية 166 من سورة النساء 4.
4- المصدر الاسبق: ج 2، ص 111 والآيتان 8- 9 من سورة الفرقان 25.

ص: 339

جهة المتن فإنه يوجد بعض مضامينه في كتب أهل السنّة (1) أيضاً، ولكن عند التنبّه إلى التعابير الواردة فيها ك «نزلت هكذا» والقرائن الاخرى، حمل على المعنى التفسيري والتأويلي أو بيان شأن نزول أو مصداق أتم و ...- كما فصّلنا ذلك في المقام الأوّل- وإذا لم نستطع حمل تلك الرّوايات على المعاني المتقدمة فانّا نحكم بسقوطها أيضاً لمعارضتها الأدلة القطعية على صيانة القرآن عن التّحريف.

وعلى كلّ حال فإنّا أوردنا نصوص تلك الرّوايات التي أوردها الدكتور القفاري كنموذج للتحريف من تفسير علي بن إبراهيم، أوردناها بكاملها لتكون مقدّمة لفهم كلام المحدّث الكاشاني الذي يقول:

«فإنّ تفسيره- [منسوب إلى] علي بن إبراهيم- مملوء منه وله غلوٌّ فيه» (2).

والدكتور القفاري حين أورد هذا القول بوصفه شاهداً على كلامه (3)؛ قد غفل تماماً عن أنّ مراد المحدث الكاشاني منه هو أن تفسير علي بن إبراهيم ملي ء بروايات التّحريف بمعناه الأعم (يعني الشامل لكلّ أنواع التغيير كالاختلاف في القراءة أو الاختلاف في التأليف وغيره) واشتمل هذا المعنى الأعم- على الأقل- على أربعة أقسام من الرّوايات التي أوردناها، ويؤيد ما نذهب إليه من كلام المحدّث الكاشاني رحمه اللَّه نصّ كلامه حيث قال:

«... إن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى ... فمعنى «كذا انزلت» ان المراد به التفسير والبيان لا انها نزلت مع هذه الزيادة في لفظها


1- انظر: شواهد التنزيل: ج 1، ص 152 و 153.
2- تفسير الصافي: ج 1، ص 47.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 226.

ص: 340

فحذف منها ذلك اللفظ، ومما يدل على هذا ...» (1).

وكذلك المحدّث النوري القائل:

«وقوع التغيير والنقصان في القرآن وهو مذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي وملأ كتابه من أخباره ...» (2).

كان مراده أعمّ من كل نوع من انواع التغيير والنقصان والتغيير في التأليف والقراءة و ...، ومعلوم أنّ التغيير والنقصان في تلك المعاني أعمّ من التّحريف بمعنى النقصان في نصوص آيات الوحي القرآني الذي هو محلّ البحث والنزاع.

وشاهد كلامنا ان ما أورده المحدث النوري من روايات تفسير القمي كلها تندرج ضمن المعاني المتقدمة اجمع ولا تختص بالتحريف بمعنى النقصان في نصوص آيات الوحي (3).

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«ومن بعد القمّي جاء تلميذه الكليني (ت 328) الملقّب عند الشيعة ب «ثقة الإسلام» ... فقد روى الكليني في الكافي من أخبار هذه الاسطورة الشي ء الكثير مع أنّه التزم الصحّة فيما يرويه ولهذا قرر الكاتبون عنه من الشيعة: «انه كان يعتقد التّحريف والنقصان في القرآن، لانه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع إنه ذكر في أول كتابه انه يثق بما رواه» ... ولكن يلاحظ ان ابن بابويه القمي حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع


1- تفسير الصافي: ج 1، ص 46 والوافي: ج 7، ص 1778.
2- فصل الخطاب: ص 25.
3- وقد اعترف الدكتور القفاري نفسه بانّ الرّوايات التي أوردها المحدث النوري شاملة للقراءات الواردة، وتفسير الآيات أيضاً. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 214.

ص: 341

وجودها في الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف.

وقد رجعت إلى مرآة العقول للمجلسي فرأيته يحكم على بعض أحاديث الكافي بالضعف ولكنه حكم على روايات في التّحريف بالصحّة وكذلك الشافي في شرح اصول الكافي» (1).

فنقول: لو دققنا النظر في قول الدكتور القفاري لتبادرت إلى أذهاننا الأسئلة الآتية:

1- هل الكليني يعتقد بالتحريف والنقصان في القرآن؟

2- هل يوجد تهافت بين رأي ابن بابويه (الشيخ الصدوق) وروايات الكافي؟

3- هل إنّ العلامة المجلسي وكذا صاحب كتاب «الشافي» حكما على روايات التّحريف ب «الصحّة»؟

وإليك الجواب.

موقف الكليني من روايات التّحريف

هل إنّ الكليني رحمه اللَّه قائل بالتحريف- بالمعنى المتنازع فيه- أو لا؟

إننا لو فتّشنا الكافي من أوّله إلى آخره لم نعثر على قول صريح للشيخ الكليني بتحريف القرآن، ومن قال- وهو المحدّث النوري- بإنّ الكليني يقول في كتابه بتحريف القرآن الكريم ينحصر دليله في طريقين لا ثالث لهما:

أ- إنّه روى روايات في معنى التّحريف في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها، مع التزامه بأنه يثق بما رواه كما قاله المحدّث الكاشاني (2) وأوردها الدكتور القفاري هنا تأييداً لرأيه.

ب- استظهار هذا المعنى من عناوين أبواب الكافي فمنها: باب «انه لم يجمع


1- اصول مذهب الشيعة: ص 227- 228.
2- تفسير الصافي: ج 1، ص 47.

ص: 342

القرآن كله إلّاالأئمة عليهم السلام» كما استظهر المحدث النوري ذلك تبعاً لشارح كتاب الوافية (1).

لكن نقول: هذه الاستفادة غير تامّة.

أولًا: انه مرّ عليك مكرراً بما لا مزيد عليه بأنّ ذكر الراوي لرواية في كتابه لا يعني أنه يقول بها، فكثير من الرواة يروون روايات معتبرة، ولكن لا من حيث الدلالة بل من حيث السند، واعتبار سند الرواية لا يعني اعتبار متنها مطلقاً، وخصوصاً إذا كان متن هذه الرّوايات متعارضاً مع روايات اخرى اقوى منها سنداً ومتناً، وإلّا لصار أصحاب الصحاح الستّة وكتب التفسير بالمأثور من أهل السنة والذين ختموا على كتبهم بخاتم الصحّة صاروا جميعهم متهمين بالقول بالتحريف وهذا تكرر كثيراً.

ثانياً: على فرض ان هذه المجموعة من روايات الكافي وردت في التّحريف بالمعنى المتنازع فيه فإنها معارضة بروايات اخرى في كتاب الكافي نفسه وهي أكثر عدداً وأقوى متناً ووردت تحت عناوين أكثر وضوحاً حول القرآن من تلك (2).

وهناك قاعدة قطعية أخذها الكليني من الأئمة الطاهرين وجعلها في بداية كتابه وهي اننا حينما تتعارض الرّوايات ولا يوجد لها محمل صحيح يمكن حمل الرواية عليه أي ان التعارض من نوع التعارض المستقر، فهنا نعرض الروايتين على القرآن الكريم، فما وافق القرآن اخذ به وما خالفه ضرب عرض الجدار وسقط عن الحجية، قال ثقة الإسلام الكليني:


1- فصل الخطاب: ص 25.
2- مثل باب فضل حامل القرآن، باب من يتعلّم القرآن بمشقة، باب من حفظ القرآن ثم نسيه، باب ثواب قراءة القرآن، باب قراءة القرآن في المصحف، باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن و ... انظر: الكافي: كتاب فضل القرآن، ج 2، ص 596 وما بعدها.

ص: 343

«فاعلم يا أخي- أرشدك اللَّه- إنّه لا يسع أحداً تمييز شي ء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلّاعلى ما أطلقه العالم عليه السلام [أي الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام] بقوله:

اعرضوهما على كتاب اللَّه فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فردّوه ...» (1).

والكليني رحمه اللَّه وان لم يكن دأبه من كتابه الردّ والقدح في الرّوايات، بل كان قصده ذكر الرّوايات المعتبرة فقط وهو ملتزم قطعاً وبشكل لا يقبل الشكّ بقاعدة عرض الرّوايات المتعارضة على القرآن وعلى هذا تكون روايات التّحريف ساقطة عنده عن الحجّية.

ونقصد بما ذكرنا أنّ كلام المحدّث الكاشاني الذي يقول في المرحوم الكليني: «إنّه كان يعتقد التّحريف والنقصان لأنّه روى روايات في هذا المعنى» ... غير تام إن كان مراده من لفظة «التّحريف والنقصان» المعنى المتنازع فيه- يعني إسقاط آيات القرآن- وإلّا فانّ الكاشاني في تتمة كلامه المتقدّم قال:

«إنّ بعض المحذوفات- التي سقطت من القرآن- كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرَّفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به.

ومما يدل على هذا مارواه في الكافي باسناد صحيح عن أبي جعفر عليه السلام، أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير:

«وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ...»


1- الكافي: ج 1، ص 8.

ص: 344

الحديث.

وما رواه العامة من أنّ علّياً عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ. ومعلوم ان الحكم بالنسخ لا يكون إلّامن قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزءاً من القرآن ...» (1).

وهذا يدلّنا على ان مراد المحدث الكاشاني من لفظة التّحريف والنقصان في عبارته المتقدمة غير المعنى المتنازع فيه.

ومن هذا المنطلق، فإنّ أحداً من كبار علماء الشيعة كالشيخ الصدوق رحمه اللَّه والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي رحمة اللَّه عليهم أجمعين وقد كان لديهم كتاب الكافي (2) ووقع نظرهم على عناوين أبوابه لكنهم لم يستنتجوا من هذه الرّوايات والأبواب تحريف القرآن في رأي الكليني، بل إنّك تراهم أوّلوا ما ورد في التّحريف بأنه إمّا «حديث قدسي» أو «تأويل الآيات» أو «القراءة الواردة» كما ذكرنا نصوص عباراتهم فيما تقدم.

ب- استظهار معنى التّحريف من عناوين أبواب الكافي:

لو أننا تمكنّا من استظهار عناوين أبواب الكافي لأمكن القول بأنّ المرحوم الكليني معدود في القائلين بالتحريف (3) ولكن قبل البحث في عناوين الكافي يتحتم علينا الجلوس مع القدامى من العلماء لنسألهم عن معنى التّحريف والتنزيل و ... ما


1- تفسير الصافي: ج 1، ص 67.
2- جميع هؤلاء العلماء الكبار رأوا كتاب «الكافي» كالصدوق رحمه اللَّه حيث ذكره في «من لا يحضره الفقيه»: ج 4، ص 51. وأيضاً ج 4، ص 165 ذيل الحديث: 578 من الباب 115. والسيد المرتضى علم الهدى حينما سئل عنه: «حول الحديث المروي في الكافي في قدرة اللَّه تعالى» فاجابه قدس سره راجع: رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الاولى، ص 409. والشيخ الطوسي رحمه اللَّه راجع: الفهرست للشيخ الطوسي: ص 161.
3- لان الظاهر من طريقته انه انما يعقد الباب لما يرتضيه وهو مذهب القدماء غالباً.

ص: 345

هو؟ فانهم سيقولون لنا: إنّ «التّحريف» يقصد به الأعم من التغيير في المعنى واللفظ، و «التنزيل» أيضاً بمعنى مطلق ما نزل من الوحي من آيات القرآن أو تفسيره وبيانه (1)- ومع تلك الحال فلو فتشنا الكافي من أوله إلى آخره، لما وجدنا باباً تحت عنوان «تحريف القرآن» أو شيئاً من هذا القبيل، والذين أرادوا الايقاع بالكليني رحمه اللَّه واتهامه بفرية التّحريف لم يجدوا إلّاعنواناً واحداً ليتشبثوا به في دعواهم وهو باب «لم يجمع القرآن كلّه إلّا الأئمة عليهم السلام وإنّهم يعلمون علمه كلَّه» (2) ولكن هذا العنوان لا يدلُّ على التّحريف بالمعنى المتنازع فيه وشاهد ذلك وجود (6) روايات في ذيل ذلك العنوان.

ورد في هذه الرّوايات أنّ جميع القرآن ظاهره وباطنه عند الأئمة الطاهرين عليهم السلام، فالروايتان الأوليان مجملتان والأربعة الباقيات في مقام شرح وتفصيل الأوليين (3)، وقد يعطي نفس عنوان الباب، الاجمال والتفصيل (4)، وفي المجموع فإنّ هذه الأحاديث تثبت أنّ القرآن الكريم من جهة تنزيله وتأويله وعلوم ظاهره وباطنه عند الأئمة الطاهرين (5)، ولا غرو في ذلك فإنّهم أحد الثقلين اللّذين أوصى بهما النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله، وهما إمامان لا يختلفان وأخوان لا يتخاذلان ومجتمعان لا يفترقان.


1- قد بحثنا هذه النكتة في المقام الأول.
2- وهو المحدث النوري في فصل الخطاب: ص 25 وعنوان الباب من الكافي، كتاب الحجة: ج 1، ص 228.
3- انظر الرواية الثالثة حيث قال: «... ان من علم ما اوتينا تفسير القرآن واحكامه» والرّوايات الرابعةوالخامسة والسادسة حيث فسّر فيها «من عنده علم الكتاب» بالائمة عليهم السلام. الكافي: ج 1، ص 229.
4- وهو قوله: «لم يجمع القرآن كله ... وانهم يعلمون علمه كله».
5- وهو ما افادهُ العلامة الطباطبائي في حاشية الكافي: ج 1، ص 228.

ص: 346

التهافت بين حكم الشيخ الصدوق وروايات الكافي:

هل يوجد تهافت بين رأي ابن بابويه (الشيخ الصدوق ت 386) وروايات كتاب «الكافي»؟

إنّ القفاري في كلّ موضع يحاول وبألفاظ رنّانة طنّانة أن يثبت وجود تعارض بين رأي الصدوق وأحاديث الكافي واستنتج من هذا التباين المزعوم نتائج غريبة سيأتي بعضها، قال الدكتور القفاري:

«فقد روى الكليني في الكافي: «إنّ القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، سبعة عشر ألف آية» ... وهذا يقتضي سقوط ما يقارب ثلثي القرآن فما أعظم هذا الافتراء!

وقال ابن بابويه: «... إنّه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية وذلك مثل قول جبرائيل ... عش ما شئت فإنّك ميت ...»

فانظر إلى هذا الاختلاف والتباين بين نصّ الكليني ونصّ ابن بابويه ... ان ابن بابويه يقول: ان النقص في غير القرآن والكليني يصرح بأن النقص في القرآن» (1).

أنا في الواقع لا أدري لماذا يتجاهل الدكتور القفاري نفسه، وما هو غرضه في الحقيقة؟ فقد قطّع فيما مضى كلام الشيخ المفيد وحرّفه ليحصل له ما يريد، ثمّ بدأ يقارن ويوازن بين قولي الصدوق والكافي، وظلّ يعزف على هذا الوتر ولا أدري ماذا سيحصل له بعد ذلك، هل أنّ الدكتور القفاري حقاً لا يفرق بين الكتاب الحديثي الذي غرض مؤلفه وصاحبه جمع الأحاديث من المصادر المعتبرة (كالكافي) وهو يهتمّ بأن يودع في كتابه من الأحاديث ما هو معتبر السند، ويكون


1- اصول مذهب الشيعة: ص 246- 247.

ص: 347

أميناً في نقله ومتثبتاً فيما يرويه- والكتاب الذي أُلّف لبيان الاعتقادات و «دراية الحديث» (كرسالة الاعتقاد للشيخ الصدوق رحمه اللَّه) الذي يهتم بتحصيل العقائد ويعطي رأيه في فقه الرّوايات مع الدرّاسة والتّأني وحل المتعارضات والأجوبة للمناقشات وغير ذلك فلا يجد الدكتور القفاري فرقاً بين هذين النوعين من الكتب؟

وإذا كان في كتب الشيعة تباين وتناقض بين كتب الحديث وكتب دراية الحديث، فهذا الاختلاف والتناقض أيضاً موجود في كتب أهل السنة.

فعلى سبيل المثال انظر إلى التباين والاختلاف بين ما روى مالك في الموطأ (1) ومسلم (2) في صحيحه وغيرهما من قول عائشة: «كانت فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ...» وهذا صريح بحصول النقص في القرآن لأنّها قالت:

كانت فيما انزل من القرآن، وقد اجتهد لحلّ تلك المعضلة بعض العلماء كالحافظ العاصمي (المولود سنة 378) وابن قتيبة وغيرهما، قال العاصمي:

«إنّه- أي عشر رضعات معلومات- من جنس ما كان ينزل عليه على جهة التبليغ والرسالة لا على جهة أنّه قرآن يتلى أو يكتب ومن نحو هذا ما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنّه قال حكاية عن ربِّه عزّ وجلّ أنّه قال: كلّ عمل ابن آدم له إلّاالصوم فانه لي وأنا أجزي به. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا عند ظن عبدي بي فليظنّ بي ما شاء وما نحوها أخبار كثير» (3).


1- الموطأ: كتاب الرضاع: ص 608، الحديث: 17.
2- صحيح مسلم: ج 4، ص 167.
3- المباني لنظم المعاني المخطوط: الورقة 62، 63، 64، ومقدمتان في علوم القرآن: ص 85- 86، عن المباني، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ص 292 فقد أوردنا نص كلامه في المقام الأوّل وقد عزا ابن حزم أيضاً هذا القول في آية الرجم والرضاع إلى قوم: عن فتح المنان في نسخ القرآن: 226- 227.

ص: 348

وهذا تصريح بأنّ النقص في غير القرآن وذاك- أي قول مالك في موطأه ومسلم في صحيحه- تصريح بأنّ النقص في القرآن!! ومثل هذا التباين والاختلاف كثير جداً (1).

وعلى كلّ حال يبدو أنّ الدكتور القفاري يرى التفاوت بينهما ولكنّه يتجاهل هذه المسألة، بل يلجأ إلى الكذب ويقول: «انّ ابن بابويه القمّي حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في الكافي الذي هو عند شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحّة» (2).

والحال إنّ ابن بابويه لم يقل قط، أولًا: إنّ تلك الرواية من الكافي وثانياً: إنّها موضوعة، بل لم يتعرض لصحّة سندها أو سقمه، فابن بابويه عالج متن الرواية فقط وقال: «إنّه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ...» (3).

موقف المجلسي من روايات التّحريف:

هل إنّ العلامة المجلسي رحمه اللَّه وصاحب كتاب «الشافي» قد حكما بصحّة روايات تحريف كتاب «الكافي»؟ هذا بعض ما ادّعاه الدكتور القفاري قائلًا:

«وقد رجعت إلى مرآة العقول للمجلسي فرأيته يحكم على بعض أحاديث الكافي بالضعف ولكنّه حكم على روايات في التّحريف بالصحَّة وكذلك الشافي في شرح اصول الكافي» (4).

هذا كتاب «مرآة العقول» للمجلسي رحمه اللَّه، فعمدة ما في الباب على ما صرّح به الدكتور القفاري الرّوايات التي توجد في باب «فيه نكت ونتف من التنزيل في


1- انظر: المقام الأوّل، فصل: أجوبة أهل السنة لروايات التّحريف.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 227- 228.
3- الاعتقادات: ص 85.
4- اصول مذهب الشيعة: ص 228 و 353.

ص: 349

الولاية» من كتاب الكافي ففيه اثنتان وتسعون رواية- مع غضّ النظر عن مكرراتها- حكم المجلسي بالصحّة والحسن في ثمانية منها (1) وهي لا علاقة لها بمسألة التّحريف أصلًا، بل هي صريحة في بيان تأويل الآيات وتفسيرها، ثمّ إنّها لا تتطابق مع الأرقام التي ذكرها الدكتور القفاري في الهامش- وهي 14 رواية- (2) وعدّها من أخبار اسطورة التّحريف، والحال إنّ المجلسي حكم بتضعيفها- أي الروايات الأربع عشرة التي ذكرها الدكتور القفاري بأرقامها كلّها- إلّارواية واحدة فيها قال انها مجهولة (3).

وأورد الدكتور القفاري أيضاً ستّ روايات من الجزء الثاني من كتاب «الكافي» ونصّ على أرقامها في الهامش (4).

وهذه الروايات أيضاً لم يحكم المجلسي عليها بالصحّة- كسابقاتها- بل وثّق روايتين منها فقط وحكم على الباقي بالضعف والإرسال (5).

نعم ممّا وثقه العلّامة المجلسي رحمه اللَّه الخبر المتقدّم ذكره في عدد آي القرآن وقال تعليقاً عليه:

«وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن مسلم فالخبر صحيح حينئذٍ» (6).


1- أرقام هذه الرّوايات: 17، 65، 67، 72، 74، 78، 80، 83 و 89 انظر: مرآة العقول: ج 5، ص 2- 160.
2- وهي ما ذكرها في حاشية كتابه بالارقام: 8، 23، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 45، 47، 58، 59، 60، 64، راجع: اصول مذهب الشيعة: ص 227.
3- وهي الرواية رقم: 28، انظر مرآة العقول: ج 5، ص 160- 161.
4- باب ان القرآن يرفع كما انزل: ص 619، رقم 2 وباب النوادر: ص 627 وما بعدها رقم: 2، 3، 4، 23، 28، انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 227.
5- انظر: مرآة العقول: ج 12، ص 506 وص 516 وما بعدها، فكل ما في الباب ثمان وعشرون رواية، ثلاث موثقات وثلاث حسنات والباقيات بين ضعيفة ومرسلة ومجهولة.
6- مرآة العقول: ج 12، ص 525.

ص: 350

فعلى كل حال، في تلك الأخبار التي نصّ عليها الدكتور القفاري بأرقامها وعدّها من اسطورة التّحريف لا يوجد خبر صحيح عند المجلسي رحمه اللَّه إلّاهذا الخبر إن كان على رواية «هشام بن سالم» وإلّا فموثّق إن كان راويه «هارون بن مسلم» وهذه عثرة أخرى من الدكتور القفاري.

وأمّا صاحب كتاب «الشافي» فقد حكم بصحّة ستّ روايات فقط (1) من اثنتين وتسعين رواية وكلُّ هذه الستّ لا تتطابق مع الأرقام التي ذكرها الدكتور القفاري وقال هنّ من أخبار اسطورة التّحريف (2).

إذن لماذا يفتري الدكتور القفاري على العلامة المجلسي وكذلك عبد الحسين المظفّر قائلًا: إنّهما حكما بصحّة روايات التّحريف، بل انه يذكر ارقاماً لروايات يدعي صحّتها، في حين لم يحكم أحدٌ منّا بصحتها، فهل هذه طريقة المحقق الذي يبغي الحقيقة ويلازم التقوى ليصل إلى مطلوبه أم حَنَّ قِدْحٌ ليس منها!

وبعد أن أتمّ الدكتور القفاري بحثه حول كتاب الكافي انتقل إلى البحث حول «تفسير العياشي» و «تفسير فرات» و «كتاب الغيبة» لمحمد بن إبراهيم النعماني و «الاستغاثة» لأبي القاسم الكوفي، وقد اعترف بنفسه بأن «تفسير العياشي» عارٍ عن السند، وأبرز أيضاً رأي كبار علماء الشيعة في أبي القاسم الكوفي مؤلف كتاب «الاستغاثة» كالنّجاشي الذي قال: «إنه اصيب آخر عمره بالغلو وفساد المذهب» (3) ولا يوجد أيضاً في كتاب «الغيبة» شي ء يدلّ على


1- وهي الرّوايات بالرقم: 17- 72- 74- 75- 80- 83 وقد حكم على اثنتين منها بالمجهول كالصحيح وهما، الروايتان: 6 و 65، انظر «الشافي في شرح الكافي»: ج 7، ص 227. وقال تعليقاً على خبر عدد آي القرآن بعد حكمه بأنه «موثق» وقال: لعلّ الاختلاف من قبل تحديد الآيات: ج 7، ص 227.
2- انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 228، هامش رقم 3 وهي نفس الاربع عشرة رواية التي ذكر ارقامها قبلًا.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 229. انظر: معجم رجال الحديث: ج 11، ص 246- 247.

ص: 351

التّحريف (1) ما عدا صفحة واحدة (2) أشار إليها وهي قسم من رواية طويلة عن أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام والتي استدل فيها الإمام الرِّضا عليه السلام على مسألة الإمامة بعدّة آيات؛ وهي لا ربط لها بمسألة التّحريف، فماذا أراد الدكتور القفاري في بحثه حيث خلط الصحيح بالسقيم والحابل بالنابل وقال:

«ومن بعد هؤلاء نرى شيخهم المفيد (ت 413) سجل في كتابه «اوائل المقالات» اجماع طائفته على هذا المنكر ونقل بعض أخباره عن بعض كتبه كالارشاد وهو من كتبهم المعتمدة» (3).

أوردنا مسبقاً تلك العبارة عن الدكتور القفاري في بحث آراء الشيخ المفيد، ولاحظنا أنّ الدكتور القفاري قام بتقطيعها وهي خيانة واضحة لاتخفى على من له حظ من العلم، ومن ثمّ نسب الاتهام العظيم إلى الشيخ المفيد، وقد صرح الشيخ المفيد بأنّ القرآن الموجود بين أيدينا من جهة «ترتيب الآيات» من حيث التقديم والتأخير والناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني، خلاف ما نزل، وفي رأي الشيخ المفيد أن الإمامية اتفقوا على ذلك، ولكنّ الدكتور القفاري زوراً وبهتاناً أبدل «تأليف الآيات» ب «تحريف الآيات» ثم قال: «سجّل الشيخ المفيد اجماع طائفته على هذا المنكر» فقد مرّ ذلك منه كثيراً؛ إذ وعدنا بالأمانة فخان وعده بل حرّف.

وأمّا رواية كتاب الارشاد التي أشار إليها الدكتور القفاري أوردناها في المقام الأوّل تفصيلًا تحت عنوان «روايات الفساطيط» فإنّها كما لاحظتم لا تمت إلى التّحريف بصلة لا من قريب ولا من بعيد بل تؤيّد الرّواية نفسها، القرآنَ الموجود.


1- المصدر السابق: ص 230.
2- وهي الصفحة 218 من كتاب الغيبة. في الواقع ان الدكتور القفاري اخذ هذه المطالب من صاحب «مرآة الأنوار» وأورد نفس الفاظه حول هذه الكتب ولا يخفى ان صاحب مرآة الأنوار أخباري المسلك وهو يذهب إلى تحريف القرآن.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 230.

ص: 352

وعلى كلّ حال فان الدكتور القفاري تابع البحث لكي يصل إلى مقصوده الواقعي وهو استخدام أبشع الألفاظ وأهجنها وأقذرها واتهام الإمامية بأبشع الاتهامات قائلًا:

«وهذا الزخم! من المصنفات وغيرها لتأييد هذا الكفر واثباته لا يشك مسلم انه كيد زنديق حاقد على كتاب اللَّه ودينه واتباعه ...

فادعوا- أي علماء الإمامية- أنّ في كتاب اللَّه نقصاً وتغييراً ... ولكنَّهم فيما يبدو لم يحسبوا لهذه الدعوى حسابها فارتدت عليهم بأسوأ العواقب فقد فضحتهم أمام الملأ وكشفت عن وجوههم وأبانت عن عداوتهم ونفاقهم وقطعت صلتهم بالإسلام والقرآن وأهل البيت» (1).

وبعد هذا تطرّق إلى كتاب «الاحتجاج» للطبرسي واعترف أيضاً بأنّ رواياته مجردة عن كلّ إسناد، وهذا الاعتراف يعنى عدم اعتبار الكتاب في مقام الاحتجاج بلا شك ولا سيما في المسألة الخطيرة التي تمس قداسة القرآن الكريم.

وإن ذكر صاحب الاحتجاج أنّ الرّوايات التي أوردها في كتابه مما اشتهر بين الإمامية، وقوله هذا على الرأس والعين، ولكنّه لا يمكن الركون إليه في مجال التحقيق اعتماداً على هذا القول كما لا يخفى.

ثم قال الدكتور القفاري:

«في ظلّ الحكم الصفوي الذي شهد إثارة لهذه الاسطورة واختراع روايات لها وترويجها أشد مما كان في القرن الثالث ... حتى يلاحظ ان هذه الاسطورة التي بدأت بروايتين في كتاب سليم بن قيس أصبحت كما يعترف شيخهم نعمة اللَّه الجزائري أكثر من ألفي رواية، حيث إن شيوخ الدولة الصفوية كالمجلسي في بحاره والكاشاني في تفسير


1- اصول مذهب الشيعة: ص 231.

ص: 353

الصافي والبحراني في البرهان ونعمة اللَّه الجزائري في الأنوار النعمانية وما سواها من كتبه وأبي الحسن الشريف في مرآة الأنوار والمازندراني في شارح الكافي وغيرهم تولوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظل الحكم الصفوي الذي ارتفعت فيه التقية إلى حدّ ما» (1).

الحكم الصفوي وفرية التّحريف:

إنّ حكومة الصفويين بدأت سنة 906 واستمرت إلى سنة 1134، وقد كان هناك في هذه الفترة مجموعة كبيرة من العلماء الذين عاصروا الحكومة الصفوية ولكنّهم ذهبوا جمعياً إلى صيانة القرآن عن التّحريف وهم:

1- قاضي القضاة علي بن عبد العالي المعروف بالمحقق الكركي (ت 940) في «رسالة نفي النقيصة» (2).

2- ملا فتح اللَّه الكاشاني (ت 988) في تفسيره «منهج الصادقين» وخلاصة تفسيره المسمى ب «خلاصة المنهج» (3).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 233. ونلاحظ ان الدكتور القفاري نفسه متردد أيضاً ولا يعلم ماذا يقول إلّاانه أضاف كذبة على كذبه قائلًا في الصفحة 291: «... والزيادات التي تصرح بالتحريف هو من جعل شيوخ الدولة الصفوية، لكن يرد على ذلك ان تلك الرّوايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم كتفسير القمي والعياشي وفرات، إلّاإذا قلنا ان الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب «سليم بن قيس». وقد بحثنا ادعاء الدكتور القفاري هذا- يغيرون في كتب قدمائهم- في مبحث «بداية الإفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة» فراجع، وسيأتي تفصيلها في «التذييل».
2- عن آلاء الرحمن: ص 26 وصيانة القرآن عن التّحريف: ص 72.
3- منهج الصادقين: ج 5، ص 154 وخلاصة المنهج: ج 4، ص 59.

ص: 354

3- المحقّق المولى أحمد الاردبيلي (ت 993) في «مجمع الفوائد والبرهان» (1).

4- محمّد بن عليّ النقي الشيباني (ت قبل 994 ه.) (2).

5- الشيخ أبو الفيض الناكوري (ت 1004) في «سواطع الالهام» (3).

6- السيد نور اللَّه التستري (ت 1019) في «مصائب النواصب» (4).

7- شيخ الإسلام عصر الصفوية محمّد بن الحسين الشهير ببهاء الدين العاملي (ت 1030) في «العروة الوثقى» (5).

8- محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المعروف بملّا صدرا (ت 1050 ه.) في شرحه على «اصول الكافي» و «تفسير القرآن» (6).

9- الملا عبد اللَّه البشروي الخراساني (المعروف بالفاضل التوني ت 1071) في «الوافية في الاصول» (7).

10- الشريف اللّاهيجي (ت 1097) في تفسيره المشتهر ب «تفسير شريف اللاهيجي» (8).

11- الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104) في «رسالة تواتر القرآن وعدم نقصه وتحريفه» (9).

12- القاضي سعيد محمد بن محمد مفيد القمي (ت/ 1107 ه.) في كتابه


1- مجمع الفوائد والبرهان: ج 2، ص 218.
2- مختصر نهج البيان عن كشف معاني القرآن: ص 263.
3- سواطع الالهام: ج 3، ص 214.
4- نقلًا عن الشيخ رحمة اللَّه الدهلوي في كتابه اظهار الحق: ج 2، ص 89.
5- عن آلاء الرحمن: ص 26 والعروة الوثقى في تفسير سورة الحمد: ص 57.
6- تفسير القرآن الكريم: ج 5، ص 19.
7- الوافية في الاصول: ص 148.
8- تفسير شريف اللاهيجي: ج 2، ص 658.
9- انظر: فهرس النسخ المخطوطة لمكتبة جامعة طهران: ج 16، ص 153.

ص: 355

«الأربعينيات لكشف أنوار القدسيّات» (1).

13- نور الدين محمّد بن مرتضى الكاشاني (ت 1115) في «تفسير المعين» (2).

فإذا ارتفعت التقية في العصر الصفوي- على حد مزعومات الدكتور القفاري- فكيف يحكم هؤلاء بصيانة القرآن عن التّحريف وهم يستطيعون أن يكشفوا الستر ويعلنوا عما في ضمائرهم من القول بتحريف القرآن في ظلّ الحكم الصفوي.

وعلى هذا فإن في ذلك دلالة على أن الدكتور القفاري تجاهل في معنى التقية ويريد أن يشغل القارئ بمسرحيته ولو بهذه الكلمات وبذلك ينهدم بنيانه الذي أسسه.

نعم في ظلّ الحكومة الصفوية فسح مجال كبير لعلماء الشيعة في ان يجمعوا روايات الشيعة من الكتب المتفرقة، وراج في ذلك العصر تدوين الحديث وعلومه والتفسير بالمأثور وغيرها من العلوم. ولكننا ذكرنا مراراً بأن الروايات وتدوينها شي ء، وفقه الرّوايات وبيان مدلولها شي ء آخر.

وعلى أية حال فالدكتور القفاري عاد مرّة أخرى وأخرى إلى التمسّك بروايتي سليم بن قيس، واللّتين اثبتنا بالدليل القاطع بعدهما الشاسع عن مسألة التّحريف.

ولو بنينا على ما قال الدكتور القفاري أي أنّنا ننظر إلى حجم الرّوايات فقط بغض النظر عن مداليلها وعلاجها، لحكمنا على روايات أهل السنة، وقلنا: «ان هذه الاسطورة- أي اسطورة التّحريف- بدأت برواية في كتاب «الموطأ» لمالك بن أنس (3) (ت 179 ه) ثم أصبحت كما يعترف به «قاسم بن سلّام» (م 224 ه) «بأنّها


1- الأربعينيّات لكشف أنوار القدسيّات: ص 58.
2- تفسير المعين: ج 2، ص 650. فقد تقدم نص كلام هؤلاء الاعلام في مبحث «شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التّحريف» في المقام الأوّل فراجع.
3- الموطأ، كتاب الرضاع: ص 608، الحديث 17، وهي مارواه في مزعومة الرضاع.

ص: 356

كثيرة» (1) واشتدّ اختراع الرّوايات وترويجها حتى قال الآلوسي (م 1270) «بأنها أكثر من أن تحصى» (2).

فهل هذا الحكم صحيح وعادل؟

أمّا قول الدكتور القفاري: «يعترف شيخهم نعمة اللَّه الجزائري أكثر من ألفي رواية» فإن مراد السيد نعمة اللَّه الجزائري هو جميع الرّوايات التي تحدّثت عن التّحريف بمعناه العام الشامل لكل نوع من انواع التغيير أمثال اختلاف القراءات المخالفة في التأليف، والتّحريف المعنوي و ... وأيضاً الشامل للأعمّ من الرّوايات المسندة والمرسلة والضعيفة والمجهولة، والأعم من روايات أهل السنة والشيعة، والحقيقة إنّ تلك الرّوايات التي ادّعاها السيد الجزائري هي الرّوايات التي ذكرها المحدّث النُّوري في فصل الخطاب، وقد فصّلنا فيها القول في المقام الأوّل في بحث «كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة» فراجع إن شئت.

وأمّا فيما يخصّ قول الدكتور القفاري في بحار الأنوار فنقول:

إذا لاحظنا أنّ مصادر «بحار الأنوار» الذي الّف في العصر الصفوي- وهو أكبر موسوعة حديثية عند الشيعة- تصل إلى أربعمائة كتاب من كتب الشيعة وخمسة وثمانين كتاباً من كتب أهل السنة (3). ومصنّف هذا الكتاب لمّا رأى أنّ كثيراً من كتب الحديث- لصغر حجمها وقدمها- سيكون مآلها إلى التلف، أخذ في جمعها وتدوينها في كتابه «بحار الأنوار» وإن كان لا يلتزم بصحّة كل ما في هذه الكتب (4). إذا لاحظنا


1- فضائل القرآن: ص 195.
2- روح المعاني: ج 1، ص 45.
3- وهذا هو المقدار الذي صرح به العلامة المجلسي رحمه اللَّه في المقدمة وغير هذا كثير، قد أشار المجلسي إلى ذلك بقوله: «وان اخرجنا من غير هذه الاصول والكتب- المذكورة في المقدمة- فنصرّح في الكتاب عند ايراد الخبر» انظر: بحار الأنوار: ج 1، ص 24.
4- كشف الأسرار: ص 319.

ص: 357

ذلك يسهل لنا الخطب بأن تكون في كل باب من أبواب البحار عشرات الروايات المزيدة على روايات أبواب «الكافي» مثلًا، وهذا مثل كتاب «كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال» لعلاء الدين علي المتقي الهندي (ت 975) فان الرّوايات في كلّ باب منه أكثر من الرّوايات التي في المصادر أخذ عنها كلًا على انفراد ولا غرو.

وعلى هذا المنوال جرت كتب التفسير بالمأثور التي يهتمّ مؤلفوها بأن تجمع فيها الأخبار من مصادر شتّى، فمن الطبيعي أن يوردوا في تفسير كلّ آية روايات كثيرة ربّما بلغ بعضها إلى عشرات الرّوايات- من غير تحري الصحّة- كتفسير «البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم البحراني رحمه اللَّه (ت 1107) و «الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور» لجلال الدين السيوطي (ت 911).

فعلى هذا، لا مجال لتوجيه الدكتور القفاري الاتهام في المقام بقوله: «تولّوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظلّ الحكم الصفوي ... إلى آخر اتهاماته» فوجود الحكم الصفوي وعدمه سيّان في المقام، طبعاً جمع الأخبار من مصادر شتّى مع تأليفه وتنسيقه من جديد في كتاب واحد، يقتضي كمّية هائلة وحجماً واسعاً. ولا علاقة له بالدولة الحاكمة فسواء حكم الصفويون أم غيرهم ممن هو مضادّ للشيعة فالمسألة تبقى ثابتة وهي أنّ استخراج جميع الأخبار من مجموعة كتب تزيد على خمسمائة كتاب وجمعها في كتاب واحد يحتاج إلى عشرات المجلدات.

والطريف في الأمر أن الدكتور القفاري أورد مثالًا عدّه قطرة من بحر من كتاب «بحار الأنوار» لإثبات مطلوبه في فرية التّحريف فأشار إلى: «باب تأليف القرآن وإنه على غير ما أنزل اللَّه عزّ وجلّ» (1). وهذا الباب في الواقع لا علاقة له بتحريف القرآن، بل العلّامة المجلسي- وكما هو واضح من عنوان بحثه الذي هو تأليف القرآن


1- اصول مذهب الشيعة: ص 233 قال: انظر: بحار الأنوار، كتاب القرآن، باب تأليف القرآن وانه على غيرما انزل اللَّه، ج 92، ص 66 وما بعدها.

ص: 358

لا تحريفه- في صدد إثبات انّ ترتيب الآيات القرآنية الشريفة هو اجتهادي لا توقيفي، وضرب لذلك عدّة امثلة: من جملتها الآية 234 من سورة البقرة «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير اخراج» فالعلّامة المجلسي يقول بانّ الآية 240 منسوخة (1)، والآية 234 ناسخة، والمنسوخ لابد أن يأتي قبل الناسخ، وهذا يدلّ على أنّ تأليف الآيات- لا تحريف الآيات- هو على غير ما أنزل اللَّه، ثمّ ذكر أمثلة اخر في هذا المقام، وبيان مذهب الشيخ المفيد (2)، وبالتالي ذكر قصّة جمع القرآن بواسطة زيد بن ثابت من مصادر أهل السنة (3).

وليت شعري كيف فهم الدكتور القفاري مسألة التّحريف من هذا الباب؟

واما رأي الدكتور القفاري في تفسير الصافي لمؤلفه المحدّث الكاشاني فأقول:

فإنّ المرحوم المحدّث الكاشاني (ت 1091 ه.) مؤلف «تفسير الصافي» ذكر بشكل صريح لا يقبل الجدل بأنّ القرآن مصون من التّحريف والتغيير (4)، ولكنَ


1- قال المجلسي رحمه اللَّه: «لانّ العدة في الجاهلية كانت سنة فانزل اللَّه في ذلك قرآناً في العلة التي ذكرناها في باب الناسخ والمنسوخ واقرّهم عليها ثم نسخ بعد ذلك فانزل آية اربعة اشهر وعشراً ...» بحار الأنوار: ج 92، ص 67.
2- في كتابه «المسائل السروية» وقد تقدم نص كلامه بطوله.
3- كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.
4- انظر: «علم اليقين في اصول الدين»: ج 1، ص 565، تفسير الصافي: ج 3، ص 102. قال في تفسير الآيةالكريمة ما نصّه: «انا نحن نزّلنا الذكر» رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه «وانا له لحافظون» من التّحريف والتغيير والزيادة والنقصان، الآية 9 من سورة الحجر. ومثله قال في تفسيره الآخر المسمّى ب «الأصفى في تفسير القرآن»: ج 1، ص 626. وأصرح من ذلك في كتابه «الوافي» حيث قال: «لو كان تطرّق التّحريف والتغيير في الفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شي ء منه اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما انزله اللَّه فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه. ثم أورد كلام الشيخ الصدوق بتمامه». الوافي: ج 2، ص 273 ط. القديم وج 7، ص 1778 من الطبعة الحديثة وكتابه «المحجة البيضاء»: ج 2، ص 263- 264.

ص: 359

الدكتور القفاري زعم- كما ذكره في الهامش- أنَّ الصافي ذكر التّحريف في مقدمة تفسيره وبعض من رواياته المنقولة فيه (1).

إن هذه الرّوايات عددها أربع لا أكثر، وقد نقلها من الكتب الروائية الشيعية مثل «الكافي» و «تفسير العياشي» و «التفسير المنسوب إلى القمّي». ولكنّ هذه الرّوايات أيضاً باعتقاد المحدّث الكاشاني نفسه رحمة اللَّه عليه في مقدمة تفسيره أنّها من باب التفسير والتأويل، وفي غير هذه الصورة فهي ساقطة.

إنّ المرحوم الفيض الكاشاني في ابتداء تفسيره كغيره من المفسّرين، رتّب مقدّمات، ومن جملتها «المقدمة السادسة» ذكر فيها مسألة «جمع القرآن وتحريفه وزيادته ونقصه وتأويله». ثمّ عرض الرّوايات الخاصة بالتحريف في هذا المقام وأدلّة الموافقين والمخالفين لها، وناقش (2) كلا الرأيين، والذي يعتبر حقّاً لكلّ باحث وطالب للحقيقة، وليس معنى مناقشته الدليل على قبوله أو عدم قبوله للطرف الآخر، وقد افترض جدلًا في البداية وجود التّحريف في القرآن لوجود أدلّة روائية، ولكنه ما لبث أن ردّ هذا الفرض قائلًا:

«ويرد على هذا كلّه إشكال؛ وهو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شي ء من القرآن اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان يكون محرفاً ومغيراً ويكون خلاف ما أنزل اللَّه فلم يبق لنا في القرآن حجّة أصلًا فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك.

هذا وقد قال اللَّه عزّ وجلّ: «وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». وقال: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» فكيف يتطرق إليه التّحريف والتغيير.


1- تفسير الصافي: ص 136- 163- 399- 420.
2- تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 46.

ص: 360

اضافة إلى أنّه قد استفاض عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب اللَّه ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض؟ مع أنّ خبر التّحريف مخالف لكتاب اللَّه مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله.

ثم بقي رحمه اللَّه متردداً في صحّة أسانيد الأخبار التي تدلُّ بظاهرها على التّحريف والتغيير فقال:

ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال والعلم عند اللَّه أن يقال: إنْ صحّت هذه الأخبار- أي أخبار التّحريف- فلعلّ التغيير إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال ...

ولا يبعد أيضاً أن يقال: إنّ بعض هذه المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن، فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرَّفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به.

وممّا يدلّ على هذا ما رواه الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام؛ إنّه كتب في رسالته إلى سعد الخير:

«... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه ...»

وما رواه العامة أنّ عليّاً عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، ومعلوم أنّ الحكم بالنسخ لا يكون إلّامن قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزءاً من القرآن فيحتمل ان يكون بعض المحذوفات أيضاً كذلك» (1).


1- تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 46- 47.

ص: 361

أوردنا كلام المحدّث الكاشاني رحمه اللَّه تعالى على رغم طوله لكي يعرف صدوف الدكتور القفاري وغيره عن احكام الشرع وسنن الاخلاق لأنهم ذكروا شطراً من كلام المحدث الكاشاني وحذفوا بقية كلامه لكي يتهموه بالتحريف والتغيير.

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«وفي القرن الثالث عشر وقعت الفضيحة الكبرى للشيعة في هذا الباب فقد ألّف شيخهم حسين النوري الطبرسي ... مؤلفاً في هذا الكفر جمع فيه كل ما لهم من «اساطير» في هذا الباب وسماه «فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الارباب» فاصبح هذا الكتاب عاراً على الشيعة أبد الدهر ... وقد كشف بهذا الكتاب ما كان خفيّاً وأبان ما كان مستوراً. لقد وضع «المجهر» الذي كشف ما في زوايا كتب القوم وخباياهم من كيد حاقد وعداوة مبيتة للقرآن وأهله.

وبعد هذه الفضيحة والخزي قام فئة من شيوخ الشيعة المعاصرين يتبرأون من هذه المقالة وينكرونها كالبلاغي في آلاء الرحمن، ومحسن الأمين في الشيعة بين الحقائق والاوهام، وعبد الحسين شرف الدين في أجوبة مسائل جار اللَّه، والخوئي في تفسيره البيان، ومحمّد حسين آل كاشف الغطاء في أصل الشيعة واصولها، ومحمّد جواد مغنية في الشيعة في الميزان، وفي عدد من كتبه وغيرهم وسنتوقف في مناقشة أقوالهم في فصل «الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلافهم» (1).

نحن لا ننكر، أنّ بعض محدّثي الشيعة قد جرى له ما جرى لبعض أهل السنة


1- اصول مذهب الشيعة: ص 234- 235. وسنرى إن شاء اللَّه مناقشات الدكتور القفاري في هذا المجال وأجوبتها في مبحث «الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين».

ص: 362

أيضاً، حيث ان بعض علماء أهل السنة قد خدع برواياتهم التي شحنت بها صحاحهم وزخرت بها مجاميعهم الحديثية المعتمدة عندهم، ككتاب «الفرقان» (1) الذي أثار في وقته ضجّة عارمة في القطر المصري وقام الأزهر في وجهه موبّخاً ومؤنّباً وأبان وجه البطلان والفساد فيه ومن ثمّ طلب إلى الحكومة مصادرته، فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرته لكن بقيت منه نسخ كثيرة منتشرة في أرجاء العالم الاسلامي وغيره.

هذا، ومحاولة الدكتور القفاري- وغيره- نسبة ما في كتاب فصل الخطاب إلى الشيعة بأجمعهم، محاولة يائسة وبعيدة عن الانصاف، وقد اعترف هو نفسه بأنّ جلّة علماء الشيعة قد أنكروا على هذا المحدّث فعله وقبّحوا صنيعه وردّوه بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة.

بل في الوقت نفسه كتب الردّ عليه بعض معاصريه، كالفقيه المحقق الشيخ محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني (2) (ت 1313) والسيد محمّد حسين الشهرستاني (3) (ت 1315) وغيرهما وما تزال الردود تترى عليه إلى الآن. وقد رأيتم فهرس الكتب التي ألّفها علماء الشيعة للردّ على مزعومات المحدث النوري في النقطة الرابعة في بحث «كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة».

وعلى هذا فقول الدكتور القفاري:

«لقد وضع «المجهر» الذي كشف ما في زوايا كتب القوم وخباياهم من كيد حاقد وعداوة مبيتة للقرآن واهله»


1- وهو، لِ «محمّد محمود عبد اللطيف بن الخطيب» احد المصريين الّف كتابه المفضوح سنة 1948 م؛ وقال في مقدمته «كلمة حق، ان اغضبت مخلوقاً قد ارضت خالقاً وان ساءت جاهلًا، فقد سرت عالماً وان اضرت بعض المقرئين فقد نفعت سائر المسلمين».
2- وهو «كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب» فرغ منه في 17 ج 2- 1302 ه. ق..
3- وهي رسالة أسماها «حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف».

ص: 363

بعيد عن الورع والدين.

وليت شعري ما هذا الكيد الحاقد والعداوة المبيتة من الشيعة للقرآن؟

فكم من كتب كتبت وهي لا تعبر في الحقيقة إلّاعن رأي كاتبها ومؤلفها ويكون فيها الغث والسمين والحق والباطل وتحمل في طيّاتها الخطأ والصواب، ونحن نجد ذلك عند كلّ الفرق الاسلامية وليس هو أمر يختصّ بالشيعة دون سواهم، أفيجوز لنا أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسؤولية كلّ مكتوب في عالم أهل السنة؟ أفيجوز لنا أن نقول قول الدكتور القفاري بالنسبة إلى كتاب «الفرقان»: «لقد وضع المجهر الذي كشف ما في زوايا كتب القوم ... الخ»؟

بل كيف يشنع أهل الشقاق على الشيعة من أجل كتاب النوري الذي- على الأقل- نصف رواياته المبثوثة في فصوله هي مصادر أهل السنة، فهل يسوغ لنا أن نقول كما قال الدكتور القفاري لقد وضع المحدّث النوري «المجهر» الذي كشف ما في زوايا كتب أهل السنة وخباياهم من ... الخ. ونحن بحمد اللَّه في المقام الأول بحثنا تحت عنوان «فصل الخطاب والنقاط الهامة» ما هو الحق في المقام الذي لا يستغني عنه كلّ محقق منصف فراجع إن شئت.

ص: 364

مضامين روايات التّحريف في كتب الشيعة

لم يكتب الدكتور القفاري تحت هذا العنوان شيئاً يستحق الذكر سوى الألفاظ الفاحشة البذيئة التي تدلّ على عدم العفّة والنزاهة، وسوى بعض الأمور المكررة، ومن جملتها خبر مصحف الإمام عليّ عليه السلام في كتاب سليم بن قيس، وسنعقد ان شاء اللَّه فصلًا مستقلًا للكلام حول هذا المصحف ونذكر الرّوايات الواردة فيها من كتب أهل السنّة، لنبين أنّ ادعاءات الدكتور القفاري هنا مبنية على أساس هش، وستسقط بمجرد هبوب نسمة خفيفة.

المسألة الاخرى هنا هي ذكر مضامين روايات التّحريف في كتب الإمامية، وجواب هذه الرّوايات أيضاً مرّ عليك في السابق ولا حاجة لاعادته وهو بحمد اللَّه واضح لكلّ منصف، وأكتفي هنا بذكر بعض النكات:

1- ان طريقة الدكتور القفاري هي ذكر المصادر المختلفة لرواية واحدة ليبيّن كثرتها، مثلًا: في هذه الرواية «لو قرئ القرآن كما انزل لألفينا فيه مسمّين» ذكر أربعة مصادر هي: «تفسير العياشي» (1)، «بحار الأنوار» (2)، «تفسير الصافي» (3)، «اللوامع النورانية» (4)، والحال انّ هذه الرواية هنا في مصدر واحد هو «تفسير العياشي» وجاءت مرسلة، وأمّا الكتب الاخرى التي ذكرها الدكتور القفاري فقد صرحت بأنّها نقلت الرواية من «تفسير العياشي»، وعدم إشارة الدكتور إلى أنّه نقل الرّوايات من مصدر واحد- وهو «تفسير العياشي»- يعدّ مخالفاً للطريقة العلمية الصحيحة في البحث، ولم تكن طريقته هذه مع هذا الفصل فقط بل سبق له


1- تفسير العياشي: ج 1، ص 13.
2- بحار الأنوار: ج 92، ص 55.
3- تفسير الصافي: ج 1، ص 41.
4- اللوامع النورانية: ص 547.

ص: 365

أن فعلها مراراً وتكراراً (1)

2- إنّ الرّوايات التي ذكرها وجمعها الدكتور القفاري عن مضامين التّحريف في كتب الشيعة أكثرها ترجع في الأصل إلى التفسير المنسوب للقمّي، ليسوغ له الحكم بتكفير الآخرين ونفاقهم مستعملًا في ذلك أقبح الألفاظ وأشنعها، وهلمّ معي إلى بعض ما قاله في هذا المقام:

«إن الكلمات المفتراة التي يقدمها اولئك المفترون أمثلة للآيات الساقطة بزعمهم قد كشفت القناع عن كفرهم كما إنها فضحت كذبهم وكشفت افتراءهم ...» (2)

في حين أنّ أكثر الرّوايات التي ذكرها الدكتور بعنوان المثال موجودة في كتب أهل السنة أيضاً، ولذلك أوّلها الدكتور القفاري بأنّها من باب «القراءة الواردة» أو «تفسير الآيات» أو «نسخ التلاوة»، وهي كلّها- بزعم الدكتور القفاري- من اللَّه، ولهذا بقي الدكتور القفاري يناقض نفسه بنفسه من دون أن يجد حلًا.

وإليك ما جاء من تلك الرّوايات في بعض كتب أهل السنة أيضاً. ففي الآية الشريفة: «يا أيُّها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلَّغت رسالته ...» (3)

أخرج السيوطي في «الدرّ المنثور» عن ابن مردويه بسنده عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ الآية على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم هكذا:

«يا أيُّها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربّك- أن علياً مولى المؤمنين- وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ...» (4).


1- كما في فصل «حجية القرآن عند الشيعة» وغيره.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 243.
3- سورة المائدة 5: الآية 67.
4- الدرّ المنثور: ج 5، ص 117، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 249 وابن عساكر في تاريخ دمشق: ج 2، ص 85 الرقم 588 ط. بيروت.

ص: 366

وقد تقدم منّا في دراسة كلمة «الإقراء» بأنّ تعبير «أنّ علياً مولى المؤمنين» من قبيل تعليم الآية وتفسيرها، لا من باب التّحريف كما زعمه بعض، ولا من باب الكفر والكذب و ... على ما افتراه الدكتور القفاري.

ومثله: الآية «كفى اللَّه المؤمنين القتال» أخرج السيوطي عن ابن مردويه وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن مسعود أنّه كان يقرأ «كفى اللَّه المؤمنين القتال- بعلي بن أبي طالب). والحاكم الحسكاني بأسانيد متعددة عن ابن مسعود (1)، وأيضاً عن ابن عبّاس وقال، قال ابن عبّاس: «وكفى اللَّه المؤمنين القتال- يوم الخندق بعلي ابن أبي طالب-» (2).

ومثله ما ورد في قراءة الآية الاولى من سورة الأنفال؛ قال الدكتور القفاري:

«الأحاديث الصريحة الدلالة في أنّ كل واحد من القرّاء قد أخذ قراءته من الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي مخالفة لقراءة صاحبه وأنّ النبيّ أقرّ كلّاً منهم وأخبر بأنها هكذا نزلت فبان أنّ الجميع نازل من عند اللَّه» (3).

فعلى هذا إنّ كل قراءة في زعم الدكتور القفاري من عند اللَّه، إلّاأنّ الدكتور القفاري نفسه تغافل عن هذا حينما عثر بروايات من مصادر الشيعة حيث جاءت في بعضها على سبيل المثال قراءة الآية بدون كلمه «عن» في الآية الشريفة «يسألونك عن الأنفال ...» (4).


1- شواهد التنزيل: ج 2، ص 7.
2- المصدر السابق: ج 2، ص 10.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1035.
4- وردت هذه القراءة عن أئمة الهدى عليهم السلام: الإمام علي بن الحسين والصادقين عليهم السلام. ومن ابن مسعود، سعد بن أبي وقاص، زيد بن علي، طلحة بن مصرف، عكرمة مولى ابن عباس، عطاء وضحاك، راجع: الإعراب للنحاس: ج 1، ص 664، البحر المحيط: ج 4، ص 456، التبيان لشيخ الطائفة الطوسي: ج 5، ص 86- 87، جامع البيان للطبري عن ابن مسعود: ج 6، ص 174، وعنه في الكشاف للزمخشري: ج 2، ص 112 والتفسير الكبير للرازي: ج 4، ص 343.

ص: 367

فقال الدكتور القفاري:

«وغرض الرافضة من هذا الزعم أن الأنفال كانت خاصة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم هي للأئمة الاثني عشر المعصومين من بعده، والصحابة إنّما كانوا يسألون الرَّسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعطيهم منها على سبيل الصَّدقة ولم يكن سؤالهم عن حكمها وهذا لا يتأتى للرافضة إلّابحذف كلمة «عن».» (1).

لكن هذه القراءة توجد في مصادر أهل السنة عن كثير من الصحابة والتابعين، بل نقل «ابن جرير» عن بعض أنّهم قالوا:

«نزلت الآية لأنّ أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم اللَّه أنّ ذلك للَّه ولرسوله دونهم» (2).

فهل يريد الدكتور القفاري أصرح من هذا، فلماذا افترى على الشيعة وقال:

«وهذا لا يتأتى للرافضة إلّابحذف كلمة «عن»».

ومثل هذا كثير سيأتي بعضه (3) والمتتبع في كتب التفسير بالمأثور يجد كثيراً منه.

ومثله ما أورده الدكتور القفاري عن «بحار الأنوار» مع تقطيع لكلام المجلسي فقال:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1011.
2- جامع البيان في تأويل آي القرآن: ج 6، ص 174.
3- انظر فصل: «هل انكار المنكرين لهذا الكفر من قبيل التقية».

ص: 368

«إنّ هذه المحاولات الغبية! لاقحام كلام البشر في كلام اللَّه سبحانه، عملت شرذمة من هذه الطائفة قروناً متواصلة ... وهناك أمثلة عديدة لهذه المحاولات، ذكر المجلسي جزءاً منها في باب عقده بعنوان (باب التّحريف في الآيات التي هي خلاف ما انزل اللَّه عز وجلّ ممّا رواه مشايخنا ...)» (1).

لكن نصّ كلام المجلسي رحمه اللَّه هكذا:

«وجدت في رسالة قديمة سنده هكذا:

جعفر بن محمّد بن قولويه عن سعد الأشعري القمّي أبي القاسم رحمه اللَّه وهو مصنفه، روى مشايخنا عن أصحابنا عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: وساق الحديث إلى أن قال: باب التّحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل اللَّه عزّ وجلّ ممّا رواه مشايخنا رحمة اللَّه عليهم عن العلماء من آل محمّد صلوات اللَّه عليه وعليهم ...» (2).

فقوله «مما رواه مشايخنا» كلام «سعد الأشعري القمّي» لا «المجلسي»- كما زعم الدكتور القفاري- ولا اعتبار للرسالة لإرسال سندها، والمجلسي رحمه اللَّه أورد الرّسالة بتمامها- وهي تستوعب ستّ صفحات من بحار الأنوار- لتحقيق هدفه في «بحار الأنوار» لجمع الأخبار وعدم ضياعها.

وأمّا متن الرسالة- وهو المهم في المقام- فأكثر رواياته من باب اختلاف القراءات، وهذا يدلّنا على انّ كلمة التّحريف في عنوان «باب التّحريف في الآيات ...» تعمّ كل التغيير والتبديل ولو من باب القراءة لا إسقاط الكلمات


1- اصول مذهب الشيعة: ص 244.
2- بحار الأنوار: ج 92، ص 60.

ص: 369

والآيات فقط، وكثير من هذه القراءات التي في تلك الرسالة توجد في مصادر أهل السنة أيضاً كقراءة «يسألونك الأنفال ...» (1)، «ما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي- ولا محدث-» (2)، «فليس عليهنّ جناح أن يضعن- من- ثيابهن غير متبرجات» (3)، «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى- صلاة العصر-» (4) و «وكان وراءَهم ملك يأخذ كلّ سفينة- صالحة- غصباً» (5)

ومثلها كثير ... وإن شئت فراجع «فضائل القرآن» لأبي عبيد القاسم بن سلّام، باب «الزوائد من الحروف التي خولف بها الخط في القرآن» (6) وقارن مع روايات تلك الرّسالة.

3- إنّ عمدة هذا البحث من الدكتور القفاري تختصُّ برواية: «إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم سبعة عشر ألف آية» وقد بحثناها سنداً ومدلولًا فيما تقدم فلا نعيد. وبعد ذكره هذه الرّواية قال الدكتور:

«فهذا يقتضي سقوط ما يقارب ثلثي القرآن فما أعظم هذا الافتراء!» (7).

ثمّ بين رأي الإمامية في سند تلك الرواية وخلط تلك الاقوال بالتقية!! وبتقطيعه لعبارة المجلسي عاد مرة أخرى إلى مقولة علماء العصر الصفوي، ثمّ استمر بمزاعمه بالمقايسة بين رأى ابن بابويه ورواية الكليني حتى وصل إلى بيت القصيد قائلًا:


1- جامع البيان في تأويل آي القرآن: ج 6، ص 174، والآية 1 من سورة الأنفال 8.
2- صحيح البخاري مع فتح الباري: ج 7، ص 51. وقال ابن حجر: «اسناده صحيح» والموطأ، كتاب الصلاة، باب صلوة الوسطى: ج 1، ص 157 و 158، سنن النسائي، كتاب الصلاة، باب المحافظة على صلاة العصر: ج 1، ص 82- 83، الدرّ المنثور: ج 6، ص 65، والآية 52 من سورة الحج 22.
3- الدرّ المنثور: ج 5، ص 57 والآية 60 من سورة النور 24.
4- فضائل القرآن: ص 165 والآية 238 من سورة البقرة 2.
5- المصدر السابق: ص 169 والآية 79 من سورة الكهف 18 والدرّ المنثور: ج 4، ص 247.
6- المصدر الاسبق: ص 162 وما بعدها.
7- اصول مذهب الشيعة: ص 244.

ص: 370

«وأقول هل لرواية الكليني وجه يمكن قبوله خلافاً لما يراه ويفتريه المجلسي والمازندراني وأضرابهما؟ لعله من الممكن لو كان لهؤلاء أرادة خير لمذهبهم وأتباعهم أن يحملوا ما زاد على عدد آيات القرآن على منسوخ التلاوة إذا لم يكن لديهم الشجاعة على ردّ هذه الرواية وأمثالها ...

ولكن شيخ الشيعة اليوم «الخوئي» ومرجعها الأكبر- وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن يرى أنّ القول بنسخ التلاوة هو قول بالتحريف وكأنه أراد أن يوصد هذا الباب ويردّ هذه القاعدة الثابتة ليثبت بطريق ملتوٍ عقيدة في نفسه يكاد يخفيها ... والفرق واضح ...

فالتحريف من صنع البشر وقد ذمّ فاعله اللَّه والنسخ من اللَّه قال تعالى: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» (1)

وهو لا يستلزم مسّ كتاب اللَّه سبحانه بأي حال» (2).

وقد ناقشنا فيما تقدم هذه الرواية سنداً ومتناً، وبينّا آراء علماء العهد الصفوي في مسألة التّحريف وبحثنا أيضاً في الموازنة بين كلام ابن بابويه ورواية الكليني وهنا نقول:

عجباً! كيف يقول الدكتور القفاري: «لم يكن لدى الشيعة الشجاعة على ردّ هذه الرواية وأمثالها» والحال إنّ أول من ردّ تلك الرواية بشجاعة هو الشيخ أبو جعفر الكليني رحمه اللَّه الذي جاء بالرواية فهو- كما لاحظت- ذكر في مقدمة كتابه معيار قبول وردّ الرّوايات المتعارضة؛ وهو عرضها على كتاب اللَّه، وطرح ما يخالفه (3)،


1- البقرة 2: الآية 106.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 247- 248.
3- انظر مقدمة الكافي: ص 8 وقد ذكرنا نص كلامه فيما تقدم.

ص: 371

وعلى هذا فالرواية مردودة- إنْ كانت على نسخة سبعة عشر ألف آية (1)- حسب رأي الكليني، وكذا غيره من علماء الشيعة الذين يصحّحون الرّوايات المتواترة في عرضها على القرآن، ومن علماء الشيعة في هذا القول السيد الخوئي قدس اللَّه سره فهو بعد أن ذكر عدّة محامل في مقام علاج مثل هذا النوع من الرّوايات قال:

«إذا لم تتم هذه المحامل في تلكم الرّوايات فلابدّ من طرحها لأنّها مخالفة للكتاب والسنة» (2).

وكلام السيد الخوئي- كماترى- ينطوي على شجاعة فائقة.

والآن تعال معي لنناقش الدكتور القفاري ونرى شجاعته العلمية، فهو لم يذكر مناقشات أهل السنة أنفسهم لنظرية نسخ التلاوة- التي أراد لنا أن نتقبلها- بل إنه لم تكن لديه الشجاعة ليورد أدلّة السيد الخوئي لردّ تلك النظرية أوّلًا ومن ثم يقوم بردّها، بل ادّعى أنّ نسخ التلاوة ثابت بين الفريقين، وأقصى ما فعله هو ايهام القارئ بأنّ السيد الخوئي رحمه اللَّه يقول بأنّ نسخ التلاوة هو عين القول بالتحريف وإنّه- أي الخوئي- لم يأت بدليل لاثبات مدّعاه. ولكننا ننقل لك الآن نصّ دليل السيد الخوئي ومناقشته لنظرية نسخ التلاوة لتحكم أنت بنفسك فيما إذا كانت عين القول بالتحريف أم لا، قال السيد الخوئي:

«إن نسخ التلاوة إما أن يكون قد وقع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وإما أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فهو


1- لأنا قلنا مسبقاً: جاءت الرواية في بعض نسخ الكافي سبعة آلاف وتكون الرواية حينئذٍ في مقام بيان الكثرة والتقريب لا تحقيق العدد. انظر: المقام الأول، «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة»، الطائفةالسادسة.
2- البيان: ص 231- 233.

ص: 372

أمر يحتاج إلى الاثبات وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد وقد صرّح بذلك جماعة فى كتب الاصول وغيرها (1) بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه بل إن جماعة ممّن قال بامكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه (2) وعلى ذلك كيف تصح نسبة النسخ إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بأخبار هؤلاء الرواة [وأخبارهم آحاد]؟ مع إن نسبة النسخ إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم تنافي جملة من الرّوايات التي تضمنت أن الإسقاط قد وقع بعده.

وإن أرادوا إن النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فهو عين القول بالتحريف ... نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة (3)» (4).

فالدكتور القفاري والآخرون من أمثاله (5) بعد أن رأوا عجزهم عن الاستدلال لم يوردوا أدلّة السيد الخوئي في ردّ نظريتهم بل إنّه بدل ذلك قام باتّهام السيد الخوئي بالنفاق وقال:

«كأنه أراد أن يوصد هذا الباب ويردّ هذه القاعدة الثابتة ليثبت بطريق ملتوٍ عقيدة في نفسه يكاد يخفيها ...» (6).


1- الموافقات لابي اسحاق الشاطبي: ج 3، ص 106، ط. مصر منه رحمه اللَّه.
2- الإحكام في اصول الأحكام للآمدي: ج 3، ص 217. منه رحمه اللَّه
3- المصدر السابق: ج 3، ص 201- 203 منه رحمه اللَّه.
4- البيان في تفسير القرآن: ص 206.
5- كمحمد عبد الرحمن السيف! في كتابه «الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 95.
6- اصول مذهب الشيعة: ص 247.

ص: 373

وعلى أية حال فما ذكره الدكتور القفاري في القسم الآخر من هذا الفصل، وأشبع فيه القول في هذه المسألة بأقبح الألفاظ وأشنعها إنّما هو تشبث ببعض عبارات كتاب الاحتجاج وقد فصّلنا القول فيه بما لا حاجة معه إلى الإعادة.

ص: 374

هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟

اشارة

أحسب لا حاجة بنا في هذا الفصل إلى بحث الاقوال للدكتور القفاري وافتراءاته وأوهامه، فهو نوع من اللّهو، ذلك لأن مسألة «المصحف السري» كان قد طرحها الأجانب وأعداء الإسلام، والآخرون لعبة- من حيث لا يشعرون- في أيدي أعداء الدين فإنهم ذكروا هذه المسائل كالمصحف السري وغيره على لسانهم حتى يلهو المسلمون بها عن مسائلهم الأساسية ويفسح المجال لأعداء الدين لبثِّ روح العداء والتفرقة بين المسلمين.

فقد اعتمد بعض الناس على المكر والحيلة ليوحي للقارئ بأنّ الشيعة بعيدون عن هذا القرآن الموجود، وأنّ لهم مصحفاً سرّياً خاصاً بهم يتداولونه بينهم، لتحصل التفرقة بين المسلمين وليحقق أعداء الإسلام غرضهم. وعلى هذا آثرت هنا مضطراً- رغم عدم رغبتي في ذلك- أن أناقش ادّعاءات الدكتور القفاري تلك وأبين خطأها وفسادها.

قبل كلّ شي ء ينبغي الالتفات إلى حقيقة غير قابلة للانكار، حتى يتّضح كلّ شي ء وهي:

إن كان للشيعة مصحف سرّي متداول بينهم، فكيف ألّفوا عبر القرون مؤلفات كثيرة في تفسير هذا القرآن وعلومه؟ ونكتفي هنا بما قال الشيخ علي الكوراني:

«إذا لاحظنا إن نسبة عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كانت خُمس عدد الأمّة الإسلامية وبقية المذاهب السنية أربعة أخماس ... فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الاخرى خمس مجموع مؤلفات إخوانهم السنة ...

وإذا لاحظنا ظروف الاضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون، نكون منصفين إذا توقعنا من علمائهم عُشر ما ألّفه إخوانهم السنة

ص: 375

حول القرآن بل نصف العشر ... بينما نجد أنّ مؤلفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث. وقد أحصت دار القرآن الكريم في قم التي أسسها مرجع الشيعة الراحل السيد الكلبايكاني رحمه اللَّه، مؤلفات الشيعة في التفسير فقط في القرون المختلفة، فزادت على خمسة آلاف مؤلّف ...

فكيف يصح أن نعمد إلى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الاسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه ... ونتهمهم بعدم الإيمان بالقرآن أو بأنّ عندهم قرآناً آخر!!» (1).

إننا لو سألنا الدكتور القفاري؛ إذا كان للشيعة مصحف سريّ يعملون به، فماذا تقول في كلّ هذه الرّوايات المذكورة في كتب الشيعة حول فضيلة القرآن وقراءته وحفظه وتعليمه ...؟ وعندها سيبقى الدكتور القفاري حائراً، وهذا هو سبب لجوئه إلى طريقته في تزوير الحقائق فقال مشيراً إلى بعض تلك الرّوايات من الكافي (2):


1- تدوين القرآن: ص 39- 40. بل كيف يصح ذاك الاتهام وقد وردت في كتب الشيعة الوف الرّوايات في أبواب متعددة في شأن هذا القرآن وتعليمه وقراءته وحفظه و ... فعلى سبيل المثال انظر بحار الأنوار: كتاب القرآن: ج 92 و 93. وعلى الأقل انظر إلى كتاب: «تذكرة الحفاظ من الشيعة» في جزأين فقد جمع السيد علي النقي النقوي اللكهنوي فيه من حفاظ القرآن من الشيعة. الذريعة: ج 26، ص 179 وفاته خلق كثير، أشار إلى بعضهم العلامة آغا بزرك الطهراني. المصدر نفسه.
2- قال الدكتور القفاري: «وقد جاءت نصوص أخرى عندهم تدعو لتعلم هذا القرآن وحفظه وتذكر ثواب من فعل ذلك كقول أبي جعفر [عليه السلام] لاحد اصحابه ويدعى سعد الخفاف: «يا سعد تعلموا القرآن» اصول الكافي: ج 2، ص 596 وعقد صاحب الكافي أبواباً بهذه العناوين: «باب من حفظ القرآن ثم نسيه» وذكر فيه ست روايات ... اصول الكافي: ج 2، ص 607- 609 «باب في قراءته» اصول الكافي: ج 2، ص 609 «باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن» المصدر السابق: ج 2، ص 610 «باب ثواب قراءة القرآن» وجاء فيه سبع روايات تتحدث عن عظيم ثواب من قرأ القرآن وتعلمه المصدر السابق: ج 2، ص 611- 612 «باب قراءة القرآن في المصحف» وذكر فيه خمس روايات تبين ثواب القراءة في المصحف المصدر السابق: ج 2، ص 613- 614 وأبواب أخرى في هذا الموضوع» أقول: وقد ذكرنا في المقام الأوّل بعض هذه الأبواب وقلنا إن عدد هذه الرّوايات قد ينوف على المئات من الأحاديث المعتبرة، فقد أورد بعض منها في «بحار الأنوار» كتاب القرآن: ج 92، ص 13- 43 وص 175- 372 وأيضاً: ج 93 كتاب القرآن: ص 2- 193 وبعض آخر في كتاب «الحياة»: ج 2، الباب السادس، ص 40- 147.

ص: 376

«وهذه تنقض تلك الرّوايات بل تثبت من كتبهم زيف وكذب ما يفترونه على آل البيت من تلك «الأكاذيب» إذ كيف يأمرون بقراءة القرآن ويذكرون الثواب العظيم لمن قرأه، وإنّه ينبغي للمسلم أن يقرأه في كلّ يوم وأن ينوّر بيته به. وهم يقولون إنّه مغيّر مبدل؟ أليس هذا يدلّ على عظيم التناقض في هذا المذهب؟» (1).

ما أبعد هذا الكلام عن الانصاف!

اين التناقض العظيم؟

من هم الذين يقولون بأنّ القرآن مغيّر مبدّل؟

وهل أن موضوع الكلام هو في التغيير والتبديل في القرآن الموجود بين ايدينا أيُّها الدكتور القفاري؟! أم الكلام في المصحف السرّي؟ وهل إنّ كلّ تلك الرّوايات لا تعتبر حجّة لكلّ محقق حتّى يحسم القول باسطورة المصحف السرّي- التي وضعها في الأصل أعداء الدين- وكذلك القول بتحريف وتبديل القرآن؟

ولكنَّ الدكتور القفاري- وبهدف حرف الافكار عن الموضوع- عدل إلى


1- اصول مذهب الشيعة: ص 259- 260.

ص: 377

الكلام عن التغيير والتبديل في القرآن في حين أنّ البحث في هذا الفصل كان تحت عنوان «المصحف السري» لا التغيير والتبديل في القرآن الموجود.

من هنا فإنّ الإنسان يقطع بأنّ الدكتور القفاري- من حيث يشعر أو لا يشعر- يسهل السبيل لأعداء الإسلام ليزرعوا بذور التفرقة والاختلاف بين المسلمين وليستمر أعداء الإسلام في سرقة وسلب ثروات المسلمين أكثر فأكثر.

وإلّا فإنّ علماء أهل السنة في علوم القرآن يعلمون يقيناً أنّ أحكام الدكتور القفاري هذه لو كانت صادقة لكان الحكم على روايات أهل السنّة أشد وأمرَّ وأدهى، ذلك لأننا لو قارنا بين روايات الإمامية الواردة حول تلاوة القرآن وحفظه وقراءته و ... لوجدناها أكثر بكثير من روايات أهل السنة في هذا الباب من حيث العدد، وأقوى من حيث الدلالة وفيما يرتبط بروايات التّحريف والتبديل سيّان على الأقل.

وعلى كلّ حال، فالدكتور القفاري أورد في هذا الفصل عدة مسائل بعضها أجنبي عن بعض- لكنّه وانسجاماً مع طريقته في تقطيع وتحريف العبارات- لفّقها ليمرّر مؤامرته وإلّا المحور الأصلي لكلامه في هذا الفصل فهو اسطورة «سورة الولاية» لا غير وسيأتيك بحثها عن قريب، وأمّا المسائل الأخرى التي طرحها في هذا الفصل فهي عبارة عن:

1- وجود مصحف عند الإمام المهدي عجَّل اللَّه تعالى فرجه الشَّريف، وهو مصحف الإمام علي عليه السلام كما في الرّوايات (1) وصرّح به أعلام الإمامية وستأتي في الفصل القادم دراسة حول مصحف الإمام علي عليه السلام، ولا ندري إن كان هذا المصحف عند الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف، كيف صار مصحفاً سريّاً عند الشيعة يتداولونه على وجه خفي؟!


1- الكافي: ج 2، ص 631، الرقم 15.

ص: 378

2- روايات الفساطيط وتعليم الناس القرآن على ما أنزل اللَّه عزّ وجلّ في عصر ظهور قائم آل محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وقد سبق منّا في «المقام الأوّل» البحث في تلك الرّوايات ومن جملتها ما أورده الدكتور القفاري هنا وهي الرواية التي رواها الشيخ المفيد مرسلًا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال:

«إذا قام قائم آل محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ضرب فساطيط ويعلم الناس القرآن على ما أنزل اللَّه عزّ وجلّ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنّه يخالف فيه التأليف» (1).

فهذا الحديث ونظائره صريح في وجه الاختلاف في المصحف الذي يكون عند المهدي عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف- وهو مصحف الإمام علي عليه السلام- والمصحف الموجود لا يختلف عنه إلّافي النظم والتأليف لا شي ء غيره فقد ألِف الجمهور هذا النسج الحاضر، واعتادوا عليه خلفاً عن سلف طيلة عشرات القرون فيصعب عليهم التعوّد على خلافه كما أشار إليه الحديث: ومما يدّل على أن القرآن الذي يأتي به صاحب الأمر عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف ليست فيه زيادة على هذا الموجود ما روي عن أبي جعفر عليه السلام،

قال: «ولو قد قام قائمنا- عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف- فنطق صدّقه القرآن» (2). ولو كان ما دلّ على صدقه هي زيادات في المصحف الذي لديه عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف ممّا لم يعهدها المسلمون من ذي قبل لكان ذلك من الدور الباطل إذ لا يعرف الشي ء من قبل نفسه.

هذا وقد صرّح جملة من أعلام أهل السنة بأن مصحف الإمام علي رتب على وفق النزول وهذا يعني مخالفته في تأليف القرآن الموجود وسيأتي نصّ كلامهم.

لكنّ الدكتور القفاري حرّف الكلام وجاء باتّهام قبيح وقال:

«وهذه النصوص ... تدعو باسلوب «مقنَّع» وغير صريح إلى إهمال


1- الارشاد: ج 2، ص 386.
2- تفسير العياشي: ج 1، ص 13، الرقم 6.

ص: 379

حفظ القرآن لأنّه مغيّر بزعم الشيعة ومن حفظه على تحريفه يصعب عليه حفظه إذا جاء به منتظرهم» (1).

فحرّف الدكتور نصّ الرّواية وكلام الفريقين وقال: «... لأنّه مغيّر ... ومن حفظه على تحريفه ...» بدل «يخالف فيه التأليف» والاختلاف في التأليف لا مساس له بمسألة التّحريف إطلاقاً، كما أنّ ذكر التنزيل بعنوان شرح المراد والتأويل وما يؤول إليه الكلام- وإن كان من الوحي الّا أنّه غير قرآني- في مصحف الإمام علي عليه السلام لا علقة له بمسألة التّحريف وسيأتي نص كلام الفريقين في فصل «مصحف الإمام علي عليه السلام» حول ذاك، بحول اللَّه تعالى وقوته.

إلى هنا ثبت أنّ البحث لا علاقة له بمسألة المصحف السري، وقد انتبه الدكتور القفاري نفسه إلى هذا الأمر، ولذا تراه غيّر شكل البحث قائلًا:

«فهل يقوم الشيعة بجمع أساطيرهم في مصحف ليسهل حفظ المصحف الموعود حين ظهوره؟ يقول المجلسي نقلًا عن المفيد: «نهونا عليهم السلام عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنّها لم تأت على التواتر وإنّما جاءت بالآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله ولأنّه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف ...

فهذا يعني أن الآيات المفتراة والمتفرقة في كتبهم والمخالفة لكتاب اللَّه لم تصل عندهم إلى وضعها في مصحف متداول بينهم لسببين، أحدهما:

الخوف [من أهل الخلاف] من المسلمين. والآخر: انّ الطريق لثبوتها عندهم طريق آحاد ...» (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 257.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 258.

ص: 380

كيف عبّر الدكتور القفاري عن كلام المجلسي نقلًا عن المفيد ب «الآيات المفتراة» في حين أن كلام الشيخ المفيد حول «أحرف تزيد على الثابت في المصحف» وهذه الأحرف هي القراءات بعينها، وشاهد ذلك هو نفس تتمة كلام الشيخ المفيد- الذي حذفه الدكتور القفاري فخان الأمانة العلمية- حيث ذكر الشيخ في تتمة كلامه:

«ولا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين أحدهما ما تضمنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتّى فمن ذلك قوله تعالى: «ما هو على الغيب بضنين» يريد به ببخيل وبالقراءة الاخرى «بظنين» يريد بمتّهم ...

و «يسألونك الأنفال» و ...» (1).

وعلى هذا فإنّه إذا كان بزعم الدكتور القفاري:

أولًا: إن هذه القراءات هي آيات مفتراة.

ثانياً: إنّ الشيعة جعلوا هذه الآيات المفتراة في مصحف مع أنّها خبر الواحد ليسهل حفظ المصحف الموعود.

ثالثاً: ان الإخباريين من الشيعة يعتبرون جميع أخبار الآحاد من قسم الصحيح (2).

فتكون النتيجة كما زعم الدكتور:


1- المسائل السروية: ص 83 نقل عنه «بحار الأنوار»: ج 92، ص 75.
2- نسب الدكتور القفاري ذلك إلى الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب «وسائل الشيعة» ولكننا بمراجعة هذا الكتاب اتضح لنا ان مراد صاحب «وسائل الشيعة» ليس كما ادعى الدكتور القفاري حيث قال: «اما الأخباريون من الشيعة فانهم يرون صحة ما رواه شيوخهم عن الأئمة في العشرات من الكتب التي صنفوها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت احاديثها عن أهل العصمة». اصول مذهب الشيعة: ص 259 بل ان مراد صاحب «وسائل الشيعة» هو ان الكتب التي اعتمدها في تأليف «وسائل الشيعة» فقط. انظر: وسائل الشيعة: ج 20، ص 61.

ص: 381

«إنّ مسألة التداول السرّي لمصحف مفترىً من الإخباريين أمر وارد» (1).

فلو فرضنا- جدلًا- أنّ الدكتور القفاري توصّل إلى هذه النتيجة بعد بحث وتحقيق علمي صحيح، فإننا نطبق تلك المزاعم على روايات أهل السنة لتكون النتيجة أشدّ وقعاً واكثر وخامة، وذلك بأن نقول:

أولًا: ان القراءات المتعددة في كتب أهل السنة التي تبلغ العشرات تكون من سنخ الآيات المفتراة والأساطير.

ثانياً: أكثر أهل السنة يحكمون بصحّة روايات التّحريف في القرآن مع أنها أخبار آحاد عندهم وهم يزعمون أنها من آيات القرآن- وإن كانت منسوخة التلاوة عند بعضهم- بل تردّد الاصوليّون منهم في جواز مس المحدث تلك المزعومات (2)- مع ان اضطراب متونها خير شاهد على اجنبيّتها عن آيات القرآن الكريم- وعلى هذا يحق لنا الحكم بهذه النتيجة وهي: إنّهم جعلوا هذه الآيات المفتراة وتلك القراءات المتعددة في مصحف و «إنّ مسألة التداول السري لمصحف من قِبَلِ أكثر أهل السنة أمر وارد!!» بل إنّ الدكتور القفاري يعترف أكثر من ذلك فيقول:

«وقد وصلني مصحف من باكستان طبعه الشيعة وقد حشّاه طابعه بتلك المفتريات ولكن لم تمتد أيديهم إلى الأصل فقد طبع كطبعة تفسير الجلالين حيث وضع نص القرآن في الوسط والتفسير في الحواشي» (3).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 260.
2- الإحكام في اصول الأحكام للآمدي: ج 3، ص 201- 203.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 260.

ص: 382

فأيدي الشيعة لم تمتدَّ إذاً إلى الأصل، لكن تعال معي إلى روايات أهل السنة لتجدها تقول: إنّ الآية الشريفة «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» ليست من القرآن وهذا معناه زيادة 112 آية في أصل القرآن الكريم، بل ذكرت أن يد الحجّاج قد حرّفت القرآن وغيّرت منه!! بل ادّعت أن «المعوذتين» ليستا من القرآن وإنما اضيفتا إليه و ... (1).

فهل يجوز اقتفاء أثر بعض الرّوايات التي هي من نوع خبر الواحد، والتي يمكن احتمال تعرضها للوضع والخطأ والنسيان والتغيير، ولا يلتفت إلى قول المحققين من الفريقين حتى نصل إلى تلك النتائج المشؤومة والبعيدة عن الانصاف، ونشغل المسلمين بهذه الألاعيب الخطيرة السخيفة؟

جواب ذلك يقع على عاتق الدكتور القفاري ومن لفّ لفّه!

مصحف سري أم اسطورة سورة الولاية (والنورين)

؟! والآن نرجع إلى صلب البحث:

إنّ أصل هذا البحث من رأسه إلى قدميه يدور حول مسألة «سورة الولاية» المزعومة، فالدكتور القفاري بدأ بحثه بذكر هذه السورة، ونقل ذلك عن محبّ الدين الخطيب، وقال:

«للشيعة مصاحف خاصة تختلف عن المصحف المتداول وقد نشر الخطيب صورة «لسورة مفتراة» يسمونها سورة «الولاية» وقال بأنّها مصورة من مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق مستر براين وقبل ذلك أثبتها شيخ الرافضة في كتابه «فصل الخطاب» ومن قبل قال صاحب [كتاب] تكفير الشيعة أنهم أحدثوا مصحفاً ...» (2).


1- انظر: مبحث «دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة» في المقام الأول.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 255.

ص: 383

وفي نهاية بحثه قال:

«إنّ مسألة التداول السرّي لمصحف مفترى من الإخباريين أمر وارد ولعلّ هذا يفسر ما نشره محبّ الدين الخطيب وأحمد الكسروي (الشيعي الأصل) من صورة «لسورة» تسمى «الولاية» مأخوذة من مصحف ايراني» (1).

وينبغي هنا القول:

إذا كان الدكتور القفاري يمتلك الإنصاف فيتحتَّم عليه أن لا يعتمد على قول أمثال محب الدين الخطيب في الخطوة الاولى من بحثه، إذ كيف يقول الخطيب «مصاحف خاصّة» بصيغة الجمع- لا «مصحف خاص»- «ومصحف إيراني!!» متداول عند الشيعة بدون ذكر أي دليل ولا مستمسك لهذه المصاحف، وكذلك صاحب تكفير الشيعة فهو لم يأت بشي ء من المصحف الجديد عدا سورة باسم «سورة الولاية»!

أفلا يكفي تسمية سورة واحدة ب «مصحف أو مصاحف خاصّة» لاثبات زلّة هؤلاء؟ ثمّ إنّه لو كان ثمّة شي ء آخر غير سورة الولاية عند «مستر براين» لذكره وأشاعه وطبّل له وزمّرَ لكي يحطّ من قدر وقيمة القرآن وكذا الحال في «الكسروي» الملحد الذي أنكر البعثة والرّسالة والخالقية (2)- ومع الأسف تعتبر


1- المصدر السابق: ص 260.
2- قال الكسروي ما ترجمته: «زعم المسلمون أن اللَّه قد بعث بشراً وأوحى إليه بواسطة جبرائيل والناس يطلبون منه المعجزة فان أتى بها قبلت دعواه وإلّا فلا، فهذا الزعم باطل من الأساس لأنّه نشأ من الحمق» در پيرامون اسلام أي حول الإسلام: ص 9 و 82 و 83. وقال أيضاً: «إن المسلمين ادّعوا ان النبوة قد ختمت برسالة محمّد [صلّى اللَّه عليه وآله] وهو جهل فاضح وفي الواقع انهم أنكروا قدرة اللَّه على ارسال رسول بعده»!! المصدر نفسه: ص 11. ثم قال: «هذه ضلالات تتراءى بعضها أقبح وأخسر من بعض» المصدر السابق: ص 12. وقال في موضع آخر: «نعلم كلّنا ان المسلمين اليوم من الشيعة وأهل السنة هم أرذل الناس وأذلّهم» المصدر السابق نفسه: 63. هذه بعض دعاويه في أحد كتبه ولا نحتاج إلى كتبه الاخرى، ولا غرو، فانه نشأ في أحضان الاستعمار الغربي وترعرع على أفكارهم وجاهد لاطفاء نور اللَّه وتشتيت صفوف المسلمين.

ص: 384

آراؤه كالوحي المنزل عند الدكتور القفاري (1)- وأمثاله.

هذا وقد تورّط الدكتور القفاري في خلط واضح بين سورة النورين وسورة الولاية، فما نشره محبّ الدين الخطيب وأعمل معول النقد فيه الدكتور القفاري، إنّما هو سورة الولاية المزعومة من سبع (آيات)، فيما كانت تلك السورة الأخرى التي أوردها المحدث النوري في كتابه فصل الخطاب نقلًا عن كتاب «دبستان مذاهب»، سورةَ النورين المكوّنة من 41 (آية).

وبدورنا سوف نقوم- بغية استيفاء البحث كاملًا- بدراسة هاتين السورتين، وتسجيل ما عندنا من نقد متعلق بهما.

نظرة إلى بنية السورتين (الولاية والنورين):

إنّ البنية الداخلية واللّحن العام الذي يحكم هاتين السورتين هو إمامة ووصاية أهل البيت عليهم السلام لا سيما الإمام عليّ عليه السلام، وكذلك ما يتعلق بانحراف المخالفين لهم، وما ينتظرهم من عذاب وعقاب إلهيين.


1- فقد أورد الدكتور القفاري آراءه مرّة بعد أخرى وقال- زوراً وبهتاناً- وشهد شاهد من أهلها!! انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 479 و 508 و 515 و 752 و 855 و 1094 وغيرها.

ص: 385

إنّ البنية المغلوطة والمضمون الساذج والفقير لهاتين السورتين يمثلان دليلًا واضحاً وجلياً لكلّ باحث قرآني أو من له أدنى اطلاع على المحتوى القرآني والبلاغة والفصاحة القرآنيين على تدخّل يد الجعل فيهما، وكلّ من ينظر إليهما بعين الإنصاف والعدل لا يتردد في الحكم عليهما بالوضع والجعل (1).

أ- وكنموذج، المقطع الأول من سورة النورين حيث نقرأ «يا أيّها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب ...»، ففي هذا المقطع يتم أمر المؤمنين بالإيمان بالنورين اللذين أنزلا ليتلوا آيات الكتاب و ...، من هو المراد بالنورين المنزلين لتلاوة كتاب اللَّه وتحذير الناس من العذاب والعقاب؟

هل يمكن استنتاج معنى معقول ومحصل من وراء هذه الجمل؟!

ب- وكذلك نقرأ في مقطع آخر من السورة نفسها: «واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه ...» فلماذا اصطفى من الملائكة وجعل المؤمنين، وما معنى أنهم في خلقه؟

ج- وهكذا في مقطع ثالث نجد: «ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل» فما معنى هذه العبارة التي لا أول لها ولا آخر؟!

د- وفي موضع آخر جاء: «ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون»، ما معنى أننا آتيناك كلمات لعلهم يرجعون؟ وما هو مرجع الضمير في لعلهم يرجعون؟


1- مثل العلامة السيد محمد حسين الشهرستاني ت 1315 ه في رسالة أسماها «حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف»، والشيخ محمود الشهير بالمعرب الطهراني ت 1312 ه في رسالة «كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب» والمحقق الميرزا محمد حسن الآشتياني ت 1319 ه في كتاب «بحر الفوائد في شرح الفرائد»، ص 101، وعبد الرحمن المحمدي الهيدجي في كتابه «الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب» ألّفه سنة 1372 ه، ص 144، والعلّامة الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره القيّم «آلاء الرحمن» ص 24، و ...

ص: 386

ه- وفي موضع آخر يقول: «يا أيّها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين»، كيف يتسنى للنبيّ أن يأخذ عهداً وضع في ذمة المؤمنين وتحت إرادتهم واختيارهم، ومن ثم يكون شاكراً على ذلك؟!

لعل هذه العبارة مستقاة- عن تقليد- من الآية الشريفة 144 من سورة الأعراف، وأُريد لها أن تجعل على نسقها، فقد ورد في هذه الآية ضمن خطاب موجّه إلى موسى عليه السلام: «يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين* وكتبنا له في الألواح من كلّ شي ء»، وهذه الآيات تشير إلى أن اللَّه سبحانه يطلب من موسى أخذ الألواح، والشكر على إعطائه التوراة، وهو أمرٌ يمكن فهمه وتعقله.

و- وفي موضع آخر أيضاً: «إنّ عليّاً قانت في الليل ساجد يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربّه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون»، ما هو معنى جملة «قل هل يستوي الذين ظلموا» في هذا النصّ؟ وما هي المناسبة الموجودة بين هذه الجملة وما بعدها؟

لعلّ من اختلق هذه الآية حاول محاكاة الآية 11 و 12 من سورة الزمر التي كانت آنذاك في ذهنه، والتي جاء في نهايتها: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، فأراد استخلاص أنموذج من هذه الآية دونما معرفة بسياقها ونسقها، غافلًا عن كونها في مقام الاستفهام الإنكاري، فالقرآن الكريم يقوم هنا بمقايسة ما بين أولئك الذين اتخذوا- جهلًا وعناداً- شريكاً للَّه تعالى، وذلك لإضلال الناس عن الطريق السوي، وأولئك العاكفين في محاريب الليل في محضر اللَّه تعالى خاضعين له وخاشعين، يرجون رحمته ويخافون عذابه، «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، لكن هل للاستفهام الإنكاري في تلك العبارة المجعولة السخيفة من معنى؟!

ص: 387

ز- وفي سورة الولاية، جاء في المقطع السابع: «يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبيّ وبالولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم* نبي وولي بعضها من بعض وأنا العليم الخبير* إنّ الذين يوفون بعهد اللَّه لهم جنات النعيم* والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين* إن لهم في جهنّم مقاماً عظيماً إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون المرسلين* ما خلقهم المرسلين إلّابالحق وما كان اللَّه لينظرهم إلى أجل قريب* وسبّح بحمد ربّك وعليّ من الشاهدين».

ففي هذه السورة المختلقة، ثمّة أغلاط فاحشة وجمل لا معنى لها، من قبيل كلمة «وليّ» التي جاءت في المقطع الأول، ومسألة عدم خلق المرسلين إلّابالحق، وعدم إعطاء اللَّه سبحانه المهلة لهم إلى أجل قريب، وتوجيه أمر مركّب من تسبيح اللَّه تعالى وشهادة عليّ عليه السلام في المقطع الأخير و ... كلّ ذلك شاهد جليّ على جعل هذه السورة واختلاقها من جانب مجموعة من الأفراد الجاهلين بالمحتوى والنسيج القرآنيين.

وعلى أية حال، فكلّ شخص يدرك ويعرف أدلة سلامة القرآن من التحريف، وينظر ويجول في تلك العبارات التي لا أول لها ولا آخر من هاتين السورتين، يحكم- بوضوح- بكونهما مجعولتين، ولا يجد نفسه مضطراً للولوج في بحث آخر، وهذه القضية لا تختص بهاتين السورتين المختلفتين، بل المسألة أوسع من ذلك وأشمل؛ فبعد نزول القرآن الكريم كل شخص يسعى جاهداً للإتيان بمثله وعلى شاكلته ويعمل على تكوين سورة على نسق سور القرآن الكريم فإن مآل جهده هذا لن يكون سوى الاستهزاء والسخرية، وليس ذلك إلّالأنّ القرآن الكريم غير قابل للإتيان بمثله، ومن ثم لا يمكن قياس مضامينه السامية وبنيته الرائعة الجمال مع أيّ نصّ آخر على الإطلاق.

ص: 388

دراسة مستندات أسطورة سورتي النورين والولاية:

ما نلحظه ونركز نظرنا عليه هنا هو دراسة المستندات التاريخية لهاتين السورتين، وذلك ليقف الباحثون القرآنيون- كل في دائرة اختصاصه- على مبدأ ظهورهما، ولتتبدّى لهم سخافة ادعائهم أننا بهاتين السورتين يمكننا اتهام الشيعة بالقول بالتحريف، أو ادعاء أنهما جزء من مصحف الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ومن ثَمّ لندلل لهم على أن هاتين السورتين لم يكن لهما عين ولا أثر قبل القرن الحادي عشر الهجري في كافة المصادر الشيعية وغير الشيعية أيضاً، ولتظهر أمام الجميع كذلك ركاكة ذاك التوهم الذي عاشه جماعةٌ مالوا إلى القول بتحريف القرآن.

سورتي النورين والولاية في قراءات وتقارير المستشرقين:

لقد اهتم المستشرقون- بغية إيجاد التفرقة بين المسلمين- بهاتين السورتين، وقاموا بنشرهما في كتبهم ومجلاتهم، وقد كانت نتائج دراساتهم وتقاريرهم حولهما على الشكل التالي:

1- نولدكه (1836- 1931 م، Noldeke) (1): يذكر سورة النورين في كتاب تاريخ القرآن نقلًا عن كتاب «دبستان مذاهب» (2).

2- غولدتسيهر (1850- 1920 م، Ignas Goldziher): إنه يقرأ هذا الموضوع بمزيد من التفصيل فيقول:


1- يعد نولدكه- على حد تعبير عبد الرحمن بدوي- شيخ المستشرقين الألمان، المصاحف للسجستاني، المقدمة، ص 4، طبعة مصر وكذلك يعبر عنه غولدتسيهر ب «الرائد الكبير» انظر مذاهب التفسير الاسلامي: ص 40 ولمزيد من التعرف على شخصية نولدكه العلمية وآثاره يمكن الرجوع إلى موسوعة المستشرقين، ص 595، وآراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره: ج 2، ص 496 وما بعدها.
2- تاريخ القرآن: ص 144.

ص: 389

«وهم في الحق لا يأتون بالأجزاء الناقصة من النص، وبدلًا من ذلك جاءوا بسور ناقصة بالكلية من القرآن العثماني، أخفتها الجماعة التي كلّفها عثمان بكتابته، عن سوء نية، في زعمهم، إذ هي تشتمل على تمجيد لعليّ، وقد نشر جارسان دي تاسي Garcin de Tassy ومرزا كاظم بك، لأول مرّة، في المجلة الآسيوية Journal Asiatique (1842)، سورة من هذه السور المتداولة في دوائر الشيعة.

وحديثاً وجدت في مكتبة بانكيبور (بالهند) نسخة من القرآن تشتمل، فضلًا عن هذه السورة، على سورة «النورين» (41 آية)، وسورة أخرى شيعية أيضاً (ذات سبع آيات)، وهي سورة الولاية، أي الموالاة لعليّ والأئمة، كما تشتمل على تفسيرات مذهبية كثيرة في بقية السور المشتركة.

وكل هذه الزيادات الشيعية نشرها كلير تسدال Tisdall W. st. Clair باللغة الإنجليزية.

وكل ذلك يدل على استمرار افتراض الشيعة حصول نقص غير قليل في نص القرآن العثماني بالنسبة إلى المصحف الأصلي الصحيح» (1).

هذا هو ما استنتجه وتخرج به غولدتسيهر، وهو أن تلك السورة التي نشرها كل من «دي تاسي» و «كاظم بيك» كانت متداولة في الأوساط الشيعية، وهاتين السورتين غير تلك السورتين الموجودتين في تلك النسخة من القرآن التي عثر عليها في بلاد الهند، ويردف غولدتسيهر ادعاءاته هذه- ودونما دليل- معتبراً أن أولئك الذين عنوا بتدوين المصحف العثماني بأمر من عثمان بن عفان قاموا- وفقاً لمنطق التفكير الشيعي- بإلقاء هاتين السورتين من القرآن، نظراً لاشتمالهما على


1- مذاهب التفسير الإسلامي: ص 294- 295.

ص: 390

فضائل عليّ عليه السلام.

والأسئلة التي لا بدّ من إثارتها أمام المستشرقين هي:

1- ما هو المصدر الذي استند إليه دي تاسي وكاظم بيك فيما يخص هاتين السورتين؟

2- هل أن هاتين السورتين اللتين تحدّث عنهما دي تاسي وكاظم بك غير تلك السورتين المعروفتين باسم النورين والولاية؟

3- هل أن ما نقله كلير تسدال- الذي يدعي غولدتسيهر بأنه جمع كل الموارد التي ادعي فيها أنها حرّفت من القرآن الكريم- من سور ناقصة كان أزيد من هاتين السورتين؟

إن الجواب عن هذه الأسئلة يمكن استحصاله عن طريق الرجوع إلى المصادر التي ارتكز عليها غولدتسيهر في هذا الموضوع.

ففي عام 1842 م قام دي تاسي- ولأول مرّةٍ- بنشر النص العربي لسورة النورين في مجلة (1)

Journal Asiatique مرفقاً إياه بترجمة فرنسية له، ويذكر دي تاسي بأن المصدر الذي استقى منه هذه السورة إنما هو أثر فارسي يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي (11 هجري) واسمه «دبستان مذاهب»، وهو من تأليف شخص إيراني زرادشتي يقطن الهند (2)، وبعد سنة واحدة من ذلك، أي عام 1843 م، وفي نفس المجلة، قام كاظم بيك بإيراد هذه السورة طبقة لنسخة تجعل آياتها 43 آية، ونشرها مقدّماً ترجمة أكثر دقّةً عنها، بيد أن كاظم بيك لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى تلك النسخة التي اعتمد عليها (3).


1- May, 2481, pp, 134, 63.
2- نفس المصدر: ص 433.
3- Decembsr, 3481, pp, 414, 91

ص: 391

وبمقايسة متن «سورة النورين» في كلتا المجلتين، نرى أنه ليس هناك أي تفاوت ما بين ألفاظهما، الأمر الذي يدلل على أن كاظم بيك إنما أخذ هذه السورة عن نفس الكتاب، أي عن «دبستان مذاهب» (1)، وبالتالي عن نفس ذاك المصدر الذي كان دي تاسي قد أخذ السورة عنه.

وفي تموز من عام 1913 م كتب كلير تسدال) Clair Tisdall (في مجلة (2)

The Moslem World وفي مقالة حملت عنوان «إضافات الشيعة على القرآن» addions to the koran () shiah يقول:

«إن هناك علاوةً على سورة النورين المكونة من 42 آية، سورةً أخرى هي سورة الولاية، المؤلفة من سبع آيات، كما قام هو بنفسه بترجمة السورتين إلى اللغة الإنجليزية، وتحدث عن مصدره الذي اعتمده في هاتين السورتين فقال: «إن هاتين السورتين مأخوذتان من نسخة خطية للقرآن تعود إلى القرن السادس عشر أو السابع عشر الميلادي موجودة في بانكيبور في الهند» (3).

لكن تسدال يذعن- فيما يتعلق بنص هاتين السورتين- بأن:

«الأشخاص العارفين باللغة العربية، يمكنهم اكتشاف وضع واختلاق


1- الجدير ذكره أن كاظم بيك ذكر رأي الشيخ الصدوق فيما يخص بعدم تحريف القرآن في إطار ذكره لرأي الشيعة دفاعاً عنه. نفس المصدر: 401.
2- 111, July, pp, 132, 43.
3- نفس المصدر: ص 228، والعنوان الوحيد الذي يشير له فيما يخص هذه النسخة من القرآن الكريم هو أن هذه النسخة عثر عليها في حزيران من عام 1912 م في بانكيبور في الهند، وقد قال مسؤول مكتبة بانكيبور بأن هذه النسخة قد تمّ شراؤها قبل عشرين سنة من شخص يدعى نواب في مدينة لكنهوي الهندية، وأن تاريخ هذه النسخة يعود في الأكثر إلى 200 أو 300 سنة سابقة، انظر المصدر نفسه: ص 228.

ص: 392

هاتين السورتين عدا تلك الأجزاء التي وجدت فيهما، مما هو من القرآن نفسه، والتكوين الجعلي لهذه الإضافات لم يكن ليمنحها مجالًا لتحظى بالتوفيق أبداً، بل لقد احتوت على أخطاء نحوية أيضاً، والنص الموجود بين يديَّ لسورة النورين يختلف في كثير من المواضع عمّا هو الموجود في النص الذي نشره كانون سيل (Canon Sell)، وقد كان «سيل» أخذ النص الذي عنده عن مقالة المرزا كاظم بيك المنشورة في المجلة الآسيوية» (1).

وبناء عليه، فهاتان السورتان لا تعودان إلى مرحلة زمنية أسبق من القرن السادس عشر الميلادي- هذا على فرض أن تلك النسخة من القرآن قد دوّنت في ذلك القرن- والحالات التي يتحدث فيها تسدال عن وجود اختلاف بين نسخته والنسخة التي كانت عند كانون سيل، إنما هي من باب الاختلاف ما بين النسخ الخطية، والذي هو أمرٌ طبيعي.

لكن محمد صبيح، ذكر خمس عشرة (آية) من آيات سورة النورين دونما إشارةٍ إلى المصدر الذي اعتمد عليه، مطلِقاً على ما أتى به سورة النورين (2)، مدعياً- ودون اتكاءٍ على مستند- بأن هذه السورة كانت في مصحف الإمام عليّ عليه السلام، ولكن عثمان قام بتنحيتها جانباً؟! (3) ويكتب محمد جواد مشكور أيضاً فيقول:

«لقد تمّ العثور في الهند على نسخة مختلقة من القرآن تشتمل على سورة ثالثة غير سورتي الولاية والنورين، تحتوي على سبع آيات،


1- نفس المصدر: ص 232.
2- تاريخ القرآن: ص 28.
3- نفس المصدر: ص 29.

ص: 393

وهي في زعم غلاة الشيعة سورة ولاية عليّ والأئمة» (1).

لكن مشكور يقع هنا في خطأ واشتباه، ذلك أنه لا توجد سورة باسم سورة ولاية الأئمة غير هاتين السورتين، أي سورة النورين وسورة الولاية، ومقايسة نص هاتين السورتين اللتين أوردهما الدكتور مشكور مع السورة التي ذكرها اللاهيجي (2) وكلير تسدال (3) باسم سورة الولاية، يرشد إلى أنهما سورة واحدة، ومستند الجميع ليس سوى تلك النسخة المجهولة الاسم والعنوان للقرآن الكريم التي ادعى العثور عليها في الهند.

والحاصل أن مصدر ومرجع المستشرقين، ومشكور، والآخرين حول سورتي النورين والولاية، ليس سوى كتاب «دبستان مذاهب»، ونسخة من القرآن يقال إنها مكتوبة في القرن السابع عشر الميلادي، ولم يقدّم أحد أي مصدر ومستند آخر لهما.

أسطورة سورتي الولاية والنورين في كلمات السلفيين:

ثمّة الكثير من التمسك بهاتين السورتين في كلمات وكتابات السلفيين (الوهابية) لاتهام الشيعة بتحريف القرآن، ونهاية الخيط في ذلك تعود إلى رأسهم، محمّد بن عبد الوهّاب (ت 1206 ه)، فهو يقول:

«... يقال إن الشيعة في هذا العصر أبرزت سورتين من القرآن، يظنون أن عثمان بن عفان أخفاهما، وقد أضافوهما في نهاية المصحف، إحداهما سورة النورين والأخرى سورة الولاء» (4).


1- تاريخ شيعه وفرقهاى اسلامى تا قرن چهارم: ص 155.
2- تذكرة الأئمة: ص 19- 20.
3- The Moslem World, 111, p. 432
4- رسالة في الرد على الرافضة: ص 14- 15.

ص: 394

وعقب محمد بن عبد الوهاب، ركّز أنصاره على هذا الاتهام، وكان من بينهم، الشاه عبد العزيز الدهلوي (1)، وعلي أحمد السالوسي (2)، ومحب الدين الخطيب (3)، وموسى جار اللَّه (4)، ومحمد مال اللَّه (5)، وإحسان إلهي ظهير (6)، والدكتور أحمد الجلي (7)، و ...

وكما لاحظنا، فإن الدكتور القفاري يدّعي وجود هاتين السورتين في المصحف السرّي المتداول بين الأخباريين (8).

ويكتب محب الدين الخطيب أيضاً قائلًا:

«ونتيجة البحث حول السورتين (النورين والولاية) هو أن هناك قرآنيين رائجين بين الشيعة، أحدهما هذا القرآن، والآخر قرآن خاص مخفي موجود عندهم» (9).

إن المصادر الذي اعتمد عليه كل هذا الفريق، وكذلك أحمد كسروي (10)، ليس سوى كتاب «دبستان مذاهب» وتاريخ القرآن لنولدكه، ومذاهب التفسير الإسلامي لغولدتسيهر، وفصل الخطاب للمحدث النوري، وتذكرة الأئمة لمحمد


1- مختصر التحفة الاثني عشرية: ص 33.
2- مع الشيعة الاثني عشرية: ص 104.
3- الخطوط العريضة: ص 12.
4- الوشيعة: ص 104.
5- الشيعة وتحريف القرآن: ص 152.
6- السنة والشيعة: ص 113.
7- دراسة عن الفرق: ص 226.
8- أصول مذهب الشيعة: ص 260.
9- الخطوط العريضة: ص 12.
10- در بيرامون اسلام: ص 30.

ص: 395

باقر اللاهيجي، وقد عالجنا بالبحث والتحقيق المصدر الذي اعتمد عليه غولدتسيهر، أمّا اللاهيجي فإنه يذكر السورتين دونما تعرض لمصدر كلامه ومستنده (1) وسيأتي البحث في اللاهيجي وكتابه أكثر، (وإذا ما لاحظنا النص الذي يذكره اللاهيجي، وقارناه بالنص المذكور في كتاب «دبستان مذاهب»، نجد أن الاختلاف بسيط جداً، لا يعدو كونه اختلافاً في النسخ ليس إلّا)، أمّا البقية، فالمصدر الوحيد الذي اعتمدوا عليه في نقلهم هذا، إنما هو كتاب «دبستان مذاهب»، وحتى المحدث النوري، ينقل سورة النورين عن نفس هذا الكتاب أيضاً، ثم يكتب المحدث النوري:

«إن الظاهر من كلام دبستان مذاهب هو أنه أخذ هذه السورة من كتب الشيعة، لكنني لم أجد لهذه السورة عيناً ولا أثراً في كتبهم، ولم أعثر على خبر عنها فيها، عدا بناء على ما ينقل عن محمد بن شهرآشوب المازندراني في كتاب المثالب، من أن المخالفين طرحوا من القرآن سورة الولاية، ولعل مراده هذه السورة» (2).

ومع الأسف، فإن المحدث النوري لم يدقق جيداً في نقل دبستان مذاهب،، وكذا في كلام من نسب ذلك إلى ابن شهرآشوب، بل قام- وعوضاً عن ذلك- بالاعتماد على هذا النقل دون تحقيق، كما سترى ذلك سريعاً، إن شاء اللَّه تعالى.

ومن وجهة نظرنا، فإن تاريخ ظهور سورة النورين ليس سوى كتاب «دبستان مذاهب» الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، وتذكرة الأئمة الذي جاء بعد حوالي القرن منه استقى منه هذه الفكرة، أمّا النسخة المجهولة التي عثر عليها في بلاد الهند في القرن السابع عشر الميلادي، وادعى كلير تسدال بأن هذه السورة موجودة فيها، فثمّة احتمال قوي- عندما نلاحظ تاريخ كتابة هذه النسخة- في أن


1- تذكرة الأئمة: ص 19- 20.
2- فصل الخطاب: ص 180.

ص: 396

تكون مأخوذة من كتاب «دبستان مذاهب» نفسه أيضاً، وبالتالي فقبل هذا الكتاب ليس ثمة مصدر أو مستند يرجع إليه فيما يخص سورة النورين.

أمّا سورة الولاية، فلم يعثر عليها إلّافي تلك النسخة المجهولة من القرآن في القرن السابع عشر الميلادي.

وعليه، فلا يوجد أي أثر عن هاتين السورتين في أي مصدر من مصادر الشيعة على الإطلاق، من الكتب الأربعة المتقدمة، وكذلك الكتب المتأخرة، لا سيما في المصادر التي تقع في مظانّ بحثٍ كهذا، ككتاب سليم بن قيس الهلالي (ت 90 ه)، وكتاب القراءات (والذي سمي اشتباهاً بكتاب التنزيل والتحريف) لأحمد بن محمد السياري (ت 256 ه)، والتفسير المنسوب إلى عليّ بن إبراهيم القمّي، وكذلك في مطاوي كلمات الذين يميلون إلى فكرة تحريف القرآن، من أمثال، أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي (ت 328 ه)، من علماء أهل السنة، الذي كان يعتقد بهذا الوهم السخيف القائل بالتحريف، حيث كان يرى بأن عثمان أسقط خمسمائة حرف من القرآن (1)، وكذلك في كلماتهم التي تعرضت- قبل القرن الحادي عشر الهجري- لمعتقدات الشيعة حول القرآن، كأبي الحسن الأشعري (2)، أو التي نقدت العقائد الشيعية، واتهمتها بالقول بتحريف القرآن، من أمثال ابن حزم الأندلسي (3)، والميرزا مخدوم الشيرازي (4) (ت في القرن العاشر الهجري)، والمطهر


1- انظر الجامع لأحكام القرآن: ج 1، ص 80، وتاريخ بغداد: ج 1، ص 280، والمرشد الوجيز: ص 186، وقد بحثنا قبل- وبالتفصيل- حول ابن شنبوذ في مبحثنا عن «بداية هذا الافتراء في كتب أهل السنة» في المقام الثاني.
2- مقالات الإسلاميين: ج 1، ص 119.
3- الفصل: ج 5، ص 119- 120.
4- النواقض، مخطوط، الورقة 103، نقلًا عن كتاب اصول مذهب الشيعة: ص 210.

ص: 397

بن عبد الرحمن (1) (توفي في القرن العاشر الهجري).

وعليه، فكل من تعرض لبحث صيانة القرآن من التحريف أو كان بصدد الدفاع عن المعتقدات الشيعية ورفع اتهام التحريف عنها، والإجابة عن الشبهات والاشكالات الموجّهة إليها، وهم جمع غفير من علماء الإمامية، الذين لاحظنا كلماتهم في المقام الأول لدى البحث عن «أدلة سلامة القرآن من التحريف» ... لا يعثر في كل آثارهم وكلماتهم على أي اسم أو رسم لهاتين السورتين، لا لإثباتهما ولا لنفيهما، وكما أذعن المحدث النوري- الذي يصنف كواحدٍ ممّن قل نظراؤهم في مجال التتبع والاستيعاب الشامل والاطلاع الواسع على كتب الفريقين- لم يعثر على أثر لهاتين السورتين في الكتب الشيعية.

ونتيجةً لكل ذلك، فإن المصدر الأول لسورة النورين ليس سوى كتاب «دبستان مذاهب»، الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، فالآن ننظر ما هو كتاب دبستان مذاهب وحقيقته.

كتاب دبستان مذاهب واسطورة سورة النورين:

كتاب «دبستان مذاهب» الذي هو مجهول المؤلف (وسيأتي البحث عن تشخيص هوية المؤلف طبقاً لتفحص محقق الكتاب)، فقد قال:

«انّ بعض الشيعة يقولون انّ عثمان احرق المصاحف التي تتضمن سوراً في شأن علي وفضله، ومن تلك السور سورة الولاية»

ثم أورد متن تلك الاسطورة الغريبة المزعومة التي ملأت ما يقارب الصفحة (2).

وهو بدوره لم يذكر أيّاً من الشيعة الذين نسب إليهم ذلك القول وفي أيّ كتاب ورد ذلك، وما سنده و ...؟ لم يذكر لنا شيئاً عن ذلك.


1- تكفير الشيعة، مخطوط، الورقة 58، نقلًا عن أصول مذهب الشيعة: ص 210.
2- دبستان مذاهب: ج 1، ص 246.

ص: 398

وقد نقل المحدث النوري في كتابه «فصل الخطاب» هذه السورة المزعومة عن كتاب «دبستان مذاهب» فقط وفي نهاية المطاف قال:

«قلت: ظاهر كلامه [أي كلام مؤلف دبستان مذاهب] أنه أخذها من كتب الشيعة ولم أجد لها أثراً فيها غير أنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلّها هذه السورة واللَّه العالم» (1).

أقول:

أولًا: إنّ ما قاله المحدّث النوري بأنّ الظاهر من كلام صاحب دبستان مذاهب أنّه أخذها من كتب الشيعة؛ خطأ كبير، لأنّ نفس صاحب دبستان مذاهب قال في الفصل الأوّل الذي عقده تحت عنوان «در [أي في] ذكر مذهب إثنا عشرية» ما ترجمته: «ما سمعته من جماعة في سنة 1053 في لاهور فأوردته» (2).

ثمّ ذكر تلك السّورة المزعومة بكاملها، وعلى فرض أنّه لم يحدث دسّ ووضع في كتاب دبستان مذاهب فيما بعد- وهو ما نحتمله قوياً وسنورد شواهد عليه فيما بعد- فإنّ المؤلف لم ينقل هذه السورة من كتب الشيعة، بل صرّح بأنّه سمعها من جماعة بلاهور وأنّ المحدّث النوري نفسه يقول: «لم أجد لها أثراً فيها- أي في كتب الشيعة-».

ثانياً: إنّ ما قاله المحدّث النوري: «إنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه ...» هذه النسبة أيضاً بتمامها لا أساس لها من الصحّة، ولا يبعد أنّ المحدث النوري انطلت عليه خديعة الاعداء- كما خُدع في تأليفه لكتاب «فصل الخطاب»- لأنّ كتاب «المثالب» اليوم موجود بين أيدينا وقد


1- فصل الخطاب: ص 180.
2- دبستان مذاهب: ج 1، ص 244- 247.

ص: 399

بيّن مؤلفه (أي ابن شهرآشوب ت 588 ه.) وبصراحة رأيه في مسألة صيانة القرآن عن التّحريف، وهو يذهب- كما هو رأي السيد المرتضى علم الهدى (ت 436)- في الأساس إلى أنّ القرآن قد جمع ودوّن في عصر النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ومع هذا كيف يمكن لعثمان أن يحذف منه شيئاً؟! ولنستمع إلى نصّ كلام ابن شهرآشوب في التعريض بأهل السنّة:

«... وزعمتم أنه- أي عثمان- جمع القرآن وقال اللَّه تعالى «إنّ علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتّبع قرآنه» على أنّ لفظة القرآن تدل على خطابه لأنّ القرآن هو المجموع من الأمثال والحكم والوعد والوعيد وأمثالها ... ورويتم أنه لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء وكيف يجمع من لم يحفظ أو يحفظ غير المجموع ...؟ وقد ثبت أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قرأ القرآن وحصره وأمر بكتابته ... وكان يقرأ على جبرئيل كلّ سنة مرّة إلّاالسنة التي قبض فيها فانه قرأ عليه مرتين ولا يمكن قراءة ما ليس بمجموع ومؤلف ومرتب ...» (1).

كما أنّك لاحظت نصّ عبارة «ابن شهرآشوب» في كتاب آخر أي «متشابه القرآن ومختلفه» فقد ذكر هناك وبصراحة؛ حفظ القرآن من التّحريف وقال- بعد أن ثبت بالدليل أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-:

«... والصحيح كل ما يروى في المصحف من الزيادة إنما هو تأويل، والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد» (2).

وعلى هذا يكون المحدّث النوري قد أخطأ باعتماده على قول الآخرين بقوله:

«... إنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب ذكر في كتاب المثالب على


1- مثالب النواصب: المخطوط، الورق 468 من نسخة لكنهو و 471 من نسخة سبهسالار.
2- متشابه القرآن ومختلفه: ج 2، ص 77.

ص: 400

ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ...».

وأمّا من هو الشخص الذي حكى عن «ابن شهرآشوب» هذا القول؟ فقد توصلنا بعد البحث إلى أنه «محمود الآلوسي» في «روح المعاني» حيث قال:

«وذكر ابن شهرآشوب المازندراني في كتاب المثالب له أنّ سورة الولاية اسقطت بتمامها ...» (1).

ويحتمل قوياً أنّ المحدّث النوري اعتمد على قول الآلوسي، لأنّ الآلوسي توفي سنة (1270 ه) والمحدّث النّوري توفي سنة (1320 ه) وأمّا «فصل الخطاب» فقد طبع في سنة (1298 ه.) بل قد ينقل النوري عن تفسير روح المعاني في كتاب فصل الخطاب (2) ولم يحك أحد هذا القول عن ابن شهرآشوب سوى الآلوسي.


1- روح المعاني: ص 44. والمحقق ميرزا محمّد حسن الآشتياني ت 1319 بعد أن فنّد مزاعم تحريف القرآن، أورد تلك السورة من كتاب «دبستان مذاهب» وقال: «لم اقف عليها من غير الكتاب المذكور نعم عن الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني المعروف، في كتاب المثالب، أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولا يبعد أرادة هذه السورة ولكنك خبير بانها ليست من القرآن المنزل اعجازاً قطعاً إذ يقدر كل عارف بلغة العرب أن يأتي بمثلها مع أنه قال سبحانه «لئن اجتمعت الإنس والجن ...»: بحر الفوائد في شرح الفرائد: ص 101. وظاهر عبارة المحقق الآشتياني رحمه اللَّه الذي يقول: «نعم عن الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب في كتابه المثالب ...» يدل انّه لم ير كتاب «المثالب» ولكنه اعتمد على قول الآخرين كالآلوسي حيث صرح الآلوسي قائلًا: «ذكر ابن شهرآشب المازندراني ...». وطبيعي أن لا يتوهّم أحد أنّ «المحدث النوري» نسب سورة الولاية المزعومة إلى «ابن شهرآشوب» اعتماداً على قول المحقق الآشتياني، ذلك لأنّ المرحوم المحقق الآشتياني ألّف كتابه «بحر الفوائد» في سنة 1315 ه، أي بعد عدّة سنوات من طبع كتاب «فصل الخطاب». انظر: بحر الفوائد في شرح الفرائد: ج 4، ص 68 فإنه صرّح بتأريخ تأليف كتابه في سنة 1315 ه. بل ربّما اعتمد على كلام النوري في فصل الخطاب.
2- مثل قوله: «قال المحمود الآلوسي المعاصر في الفائدة السادسة من مقدمات تفسيره ...» فصل الخطاب: ص 162.

ص: 401

2- كتاب «تذكرة الأئمة» وهو المصدر الثاني الذي وردت فيه «سورة النورين» المزعومة لمحمد باقر بن محمّد تقي اللاهيجي، وقد فرغ من هذا الكتاب في سنة 1085 ه.

وقد أورد المؤلف تلك السورة المزعومة تماماً وهي بنفسها ما وردت في كتاب دبستان مذاهب.

من هو مؤلف كتاب تذكرة الأئمة؟

لقد عدّ بعض جهلًا هذا الكتاب من مؤلفات «العلامة محمّد باقر المجلسي رحمه اللَّه» (1)، بلحاظ التشابه الاسمي بين المجلسي ومؤلف الكتاب، ولكنّ الناظر للصفحات الأولى من هذا الكتاب يتبادر له أنّ مؤلفه من الطائفة الصوفية، وليس هناك ولو علقة بسيطة بين طريقة مؤلفه وطريقة الشيخ المجلسي (2)، ولم يوجد في موسوعة «بحار الأنوار» الذي ألّفه المجلسي لجمع الأخبار وفي المجلّدين اللّذين خصصهما لذكر الروايات حول القرآن الكريم، يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد في مؤلفات المجلسي كتاب بهذا الاسم (3) وإنّه ممّا لا يخفى على من راجع فهرست مؤلفات العلّامة المجلسي، كما إنّ كلّ من كتب حول حياة العلّامة المجلسي كالسيد مصلح الدين المهدي في كتابه «حياة العلامة المجلسي» لم يذكر هذا الكتاب له، هذا وقد قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني حول كتاب «تذكرة الأئمة»:

« (تذكرة الأئمة) في تواريخ الأئمة المعصومين عليهم السلام من


1- كصاحب كتاب اللؤلؤة على ما حكي عنه في «الفيض القدسي»: ص 53.
2- على سبيل المثال؛ انظر: الصفحة الاولى من هذا الكتاب ففيها حديث عن «كعب الاحبار» وحكايته عن قصته أمام معاوية بن أبي سفيان وهي من الاسرائيليات.
3- انظر: ريحانة الأدب: ج 5، ص 195، روضات الجنات: ج 1، ص 118- 124، الاعلام للزركلي: ج 3، ص 868، أعيان الشيعة: ج 9، ص 182- 184، الذريعة: ج 23، ص 319 وما بعدها، رياض العلماء: ج 5، ص 39 والفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي.

ص: 402

ولادتهم ووفياتهم وبيان سائر حالاتهم وما يتعلق بذلك، للمولى محمّد باقر بن محمّد تقي اللاهيجي، فارسي ... فرغ من تأليفه في (1085) حكى شيخنا في الفيض القدسي، تصريح صاحب الرياض بأنّ مؤلفه كان معاصراً للعلّامة المجلسي مشاركاً معه في الاسم واسم الأب وكان مائلًا إلى التصوف، ومع هذا التصريح من صاحب الرياض وهو تلميذ العلّامة المجلسي وخرّيت الصناعة فتكون نسبة الكتاب إلى المجلسي توهم منشأه الاشتراك الإسمي ...» (1).

فلو كان هذا الكتاب للعلّامة المجلسي لما قال «المحدّث النوري» في «فصل الخطاب» حول السورة المزعومة: «لم أجد لها أثراً في كتب الشيعة» (2)، بل إنّ محمد حسين الخاتون آبادي سبط العلامة محمد باقر المجلسي في رسالته التي ألّفها لبيان عدد تأليفات جدّه وعدد أبيات كل واحدة منها لم يذكر هذا الكتاب في سلسلة مؤلفات المجلسي (3) والمحدث النوري أيضاً ألّف كتاباً بعنوان «الفيض القدسي في أحوال العلّامة المجلسي» وقال هناك بعد بيان فهرست جميع مؤلفات العلامة المجلسي ما نصّه:

«قال الفاضل المعاصر المحقق سلّمه اللَّه تعالى في الروضات بعد ذكر كلام اللؤلؤة في نسبة كتاب «تذكرة الأئمة» إليه:

قلت:- أي صاحب الرَّوضات- وهذا باطل من وجوه، أخصرها وأمتنها عدم تعرض ختنه (أي العالم محمّد حسين الخاتون آبادي رحمه اللَّه) الذي هو بمنزلة القميص على بدنه في كراسه التي وضعها


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 4، ص 26.
2- فصل الخطاب: ص 180.
3- رسالة في در بيان عدد تأليفات العلامة المجلسي.

ص: 403

لخصوص فهرس مصنفات المجلسي أصلًا مع أنّه كان بصدد ضبط ذلك جدّاً بحيث لم يدع رسالة تكون عدد أبياتها خمسين بيتاً فما دونها».

ثم قال المحدث النوري رحمه اللَّه:

«إنّ أمتن الوجوه بل الشاهد على كذب النسبة قطعاً أنّ تلميذه الفاضل الميرزا عبد اللَّه الاصفهاني قال في الرياض في الفصل الخامس المعدّ لذكر الكتب المجهولة وقد كتب هذا الموضع منه في حياة استاذه كما يظهر من مطاوي الفصل ما لفظه: كتاب تذكرة الأئمة من تأليفات بعض أهل عصرنا ممن كان له ميل إلى التصوف.

وكيف يخفى عليه مؤلَّف شيخه وهو جذيلها المحكك وعذيقها المرّجب.» (1) هذا ويقوي احتمال أنّ هاتين السورتين قد وضعتا وجعلتا من قبل مجموعة من الصوفية لأن سجعما ووزنهما ومفادهما شبيه بأذكار وأوراد الصوفية التي يصوغونها تقليداً لكلمات القرآن الكريم، ويحتمل أنهما لم تسمّا بادئ ذي بدء «بسورة الولاية والنورين» أي لم يطلق عليهما كلمة «سورة» ولكنّ بعضاً ممّن جاء فيما بعد وبالتدريج كمؤلف «تذكرة الأئمة» توهم أن هذه سورة من سور القرآن الكريم.


1- الفيض القدسي، المطبوع في بحار الأنوار: ج 105، ص 53- 54.

ص: 404

حصيلة القول في مصدر السورتين المزعومتين:

إنّ المصدر الوحيد لسورة الولاية ليس إلّانسخة مخطوطة من القرآن يقال قد كتبت في القرن السابع عشر الميلادي ولم يقدم أحد أي مصدر ومستند آخر لها ومصدر سورة النورين هو كتاب «دبستان مذاهب» ولم يكن لهذه الاسطورة قبله من أثر وقد أخذهما مؤلف تذكرة الأئمة منهما.

ولو حقّقنا في مؤلف كتاب «دبستان مذاهب» وقضية تأليفه والأفراد الّذين نقل عنهم المؤلف ومكان التأليف والذين اهتمّوا بنشره و ...؛ لاتَّضح لنا بما لا يقبل الشك أنَّ هذه السورة المزعومة لم تكن إلّامؤامرة من قِبَلِ أعداء الدين، أو هي من أذكار وأوراد الصوفيين الجهلة، والآن نذكر لك بعضاً ممّا خطّته أنامل المحقق البارع لكتاب «دبستان مذاهب» الذي بذل جهداً كبيراً في تحقيق هذا الكتاب (1) حيث قال في مقام مؤلف هذا الكتاب ما ترجمته:

«الخلاصة إنّ المحققين صبّوا جلّ اهتمامهم حول مؤلف هذا الكتاب؛ فبعضهم نسب هذا الكتاب إلى الشيخ محمّد محسن فاني الكشميري، وهي نسبة لو تنبّهنا إلى الأدّلة المتعددة لثبت لدينا أنّ هذه النسبة غير مطابقة للواقع» (2).

ثمّ ذكر أدلّته، وبعد التنبه إلى القرائن والشواهد المتعددة كتب:

«إنّ كلّ هذه القرائن والشواهد الكافية تجعلنا نعتقد ونقول بضرس قاطع: إنَّ مؤلف «دبستان» هو أحد الأتباع الخلّص لآذركيوان وآيين دساتيري، الذي هو مورد احترام سائر الآذركيوانيين» (3).


1- وهو رحيم رضازاده ملك.
2- دبستان مذاهب: ج 2، ص 22.
3- المصدر السابق: ص 46.

ص: 405

وبعد البحث والمطالعة توصّل إلى: «أنّ مؤلف «دبستان مذاهب» لا يكون إلّا موبد كيخسرو اسفنديار ولد آذركيوان» (1).

وأمّا ما يتعلّق بالمصادر التي اعتمد عليها مؤلف «دبستان مذاهب» فقد قال المحقق- بعد ذكر القرائن والشواهد-:

«الذي أعتقده أن مؤلف «دبستان» لم يراجع إلّارسائل وكتب آذركيوان وبعض كتب ورسائل الزردشتية مباشرة، إلّاأنّ قسماً من الكتب والرسائل المتعددة التي ذكرها في متن كتابه لم يرها أصلًا» (2).

وأمّا ما يتعلق بأغراض وأهداف المؤلّف فقد قال محقق الكتاب:

«إنّ مؤلف الكتاب وإن حاول أن يوحي للقارئ بأنه التزم الحياد، ولم يعدّ نفسه من أيّة فرقة أو دين، بل أظهر أنه يقبل بكلّ الاديان والمذاهب، ويأخذ بقول المعتقدين بالأديان والفرق لتمجيد وتعظيم وتحسين وتكريم وحاول إثبات أحقية كل المذاهب والفرق ... ولكنه [في الحقيقة] سعى أن يحصر جميع الأديان والمذاهب في مبدأ واحد ومنشأ فرد، وحاول تضليل القارئ لقبول فكرة ان أول المسلك هو مسلك «بارسيان» وآخر المذهب هو مذهب «الآذركيوانيين» وانه جامع لجميع جهات الحسن والصحة» (3).

وأخيراً كتب حول بعض مضامين كتاب دبستان قائلًا:

«إنّ قسماً كبيراً من المستندات التي ذكرت حول الأديان والمذاهب المختلفة ومن جملتها المسلمون وخصوصاً الشيعة منهم، باطلة


1- دبستان مذاهب: ص 58.
2- دبستان مذاهب: ج 2، ص 124.
3- المصدر السابق: ج 2، ص 124- 125.

ص: 406

ومغرضة حيث يمكن للقارئ أن يلاحظ أنّ أكثر مستنداته بل جميعها قد أخذها عن أفواه جمع من السفلة والأوباش، كما أن مؤلف دبستان وإن أظهر نفسه بأنه حيادي، ولكننا نعلم بأنه من الدعاة إلى المسلك المجعول والكاذب وغرضه الاساس- وإن كان قد أخفاه علينا- هو إبطال اعتقاد المتدينين بالأديان وجرّهم إلى زمرة المعتقدين بمسلكه.

وفي مقام هذه المطالب السخيفة التي وردت في دبستان لنا احتمال آخر يمكن أن نذكره وهو:

«إنّ كتاب «دبستان» ترجم لأول مرّة من قِبَلِ الانجليز، وطبعه بالفارسية أول مرة «ويليام صاحب»! ومن ذلك يظهر أنه ليس ببعيد أن الانجليز طبقاً لقانونهم. Divide And Rule [أي فرّق تسد]. قد دسّوا في هذا الكتاب كثيراً من المطالب الخاطئة والمغرضة والموضوعة، ولأنّ تلك المطالب الموضوعة لا سابقة لها وهي دالّة على حمقهم بوضوح فقد نسبوها إلى أفواه الناس» (1).

وعلى أية حال فماذا ننتظر من كتاب هذه قصته، وهذا مؤلفه وماهيته؟ وماذا ينبغي أن نقول في رجل جعل من نفسه- من حيث يعلم أو لا يعلم- «حمّالة الحطب» لأعداء الإسلام بنشر أفكاره المجعولة تلك؟ وماذا يريد الدكتور القفاري وغيره في تشبثه بسورة النورين بالاعتماد على كتاب ألّفه كافر أراد منه هدم الكيان الاسلامي.

أفلا يتحتّم علينا تنزيه ساحة القرآن المقدّسة من مثل هذه المصادر كدبستان


1- دبستان مذاهب: ص 140. وان أردت مزيد تفصيل فعليك بمراجعة الجزء الثاني من «دبستان مذاهب»: ص 131 وما بعدها، مبحث «مؤلف دبستان كيست» «موضوع دبستان» «نسخ خطّي وچاپي دبستان».

ص: 407

مذاهب، وما من يوم إلّاوينشر فيه المستشرقون المغرضون- كما رأيتم- اسطورة سورة الولاية وسورة النورين اعتماداً على كتاب دبستان مذاهب ونسخة مخطوطة مجهولة من القرآن.

نعم إذا كان في الماضي قد حيكت تلك المؤامرة لأنّ الإنجليز قد ملأوا جيوبهم من الباوندات الإنجليزية، فإنه في الحاضر يمكن له الحصول على المزيد من الدولارات الأمريكية بواسطة زمرة من بعض الناس ليحصل له ما يريده من الكيد والتفرقة بين المسلمين.

والحاصل أنّ قصة المصحف السرّي ليست إلّاسراباً طبّل وزمّر له الدكتور القفاري كثيراً، وجذور هذه القصّة تمتد إلى كتاب «دبستان مذاهب» ونسخة مجهولة من القرآن لا غير، هذا من حيث السند وما أقبحه من سند.

وأمّا لو غضضنا الطرف عن سند تلكما السورتين المزعومتين وألقينا نظرة خاطفة على مضامينهما لوجدنا لأول وهلة أنّ تعابيرهما رديئة كلّ الرداءة ومضطربة، وهي ممّا يتبرأ المخلوقون منه لركاكته فكيف بربّ الخلق وخالق اللّسان والقلم؟! كما رأيتم مسبقاً وبالتأكيد أنّ علماء الإمامية لا سيّما الذين ردّوا على كتاب «فصل الخطاب» قد فنّدوا جملهما وبيّنوا زيفهما وبطلانهما.

ص: 408

مصحف [الإمام] عليّ [عليه السلام]

اشارة

لاحظت في الأبحاث المتقدمة أن الدكتور القفاري لم يترك الكلام عن مصحف علي بمناسبة أو بغير مناسبة، فانّه افتتح مبحثه هذا بخبر مصحف الإمام علي عليه السلام، وقد عدّ هذا المصحف من الأمور الموجودة في وهم الشيعة وخيالهم، ولا حقيقة له في الواقع، وانّه وُلد في محيط الشيعة فقط، وقال:

«ومن هذه الدّعوى والتي وجدت في محيط الشيعة ... أنّها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها وبراهين زيفها وكذبها ... فهي تقوم على دعوى أنّ القرآن ناقص ومغيّر ... وأنّ القرآن الكامل المحفوظ من أيّ تغيير هو عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم أورثه الأئمة من بعده ...

ولو كان لدى أمير المؤمنين غيره لأخرجه للناس ولم يجز أن يتعبّد اللَّه بكتاب محرّف وناقص ولتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة، لأنّ من أقرّ الخائن على خيانته كان كفاعلها ...

وأنهم- أي الشيعة- ربطوا وجود المصحف بإمامهم المنتظر ... والإمام الغائب والمصحف الغائب كلاهما وهم وخيال ...» (1).

ثم ربط خبر مصحف الإمام علي عليه السلام بالأيدي السبئية وحاول اكتشافها فقال:

«هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية إذ أنّنا نلاحظ أن


1- اصول مذهب الشيعة: ص 202 وانظر أيضاً: 339، 1022، قال الدكتور القفاري: «ذاك المصحف من رواسب روايات اسطورة التّحريف خرافة ... ويعدُّ من النقض على قول من قال بصيانة القرآن عن التّحريف» انظر: المصدر نفسه: ص 285.

ص: 409

الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس ...» (1).

ومراد الدكتور القفاري من بدء فرية التّحريف واثر الأيدي السبئية في كتاب سليم بن قيس، خبر مصحف الإمام علي عليه السلام فيه. حيث قال:

«وأول كتاب تعرض لهذه الفرية هو كتاب سليم بن قيس حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين ...

وفيها «إنّ عليّاً لزم بيته حتى جمع القرآن وكان في الصحف والرقاع» (2).

وبالتالي فإنّ الدكتور القفاري حكم من خلال هاتين الروايتين على مصحف الإمام علي عليه السلام بهذا الحكم:

«وقد سجلت هذه المقالة- أي مقالة تحريف القرآن- في أول كتاب ظهر لهم ... وهو كتاب سليم بن قيس» (3).

ونكتفي بهذا المقدار من الكلام لأن نذعن بأنّ مصحف الإمام علي عليه السلام برأي الدكتور القفاري- وغيره (4)- يكتسب أهمية كبرى، فإنّ هذا المصحف سراب ويعتبرونه في الأصل من أفكار «عبد اللَّه بن سبأ»، ومجرّد وجود خبر هذا المصحف- بقطع النظر عن محتواه- يشير إلى نقطة الصفر في تحريف القرآن في عقيدة الشيعة، وخبر هذا المصحف يعتبر مبرراً للحملة الشرسة التي قام بها الدكتور


1- اصول مذهب الشيعة: ص 229.
2- المصدر السابق: ص 235- 236.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1281. كما ذكر سابقاً فان الدكتور القفاري يعد خبر مصحف الإمام علي عليه السلام أحد الاكتشافات الكبيرة في عالم التحقيق ويعتبره نقطة بداية تحريف القرآن في عقيدة الشيعة!!
4- انظر: «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة»: ص 112 و «الثورة الايرانية في ميزان الإسلام»: ص 200 و «الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 50 و ...

ص: 410

القفاري وأضرابه ضدّ الشيعة مستخدمين أشنع الألفاظ وأقبحها.

ونحن هنا نرى أنّ من واجبنا البحث حول هذا المصحف وذلك من خلال ثلاث مسائل:

المسألة الاولى: البحث عن مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين.

المسألة الثانية: البحث عن محتوى هذا المصحف ومضمونه.

المسألة الثالثة: دراسة الشبهات والمناقشات التي أثارها الدكتور القفاري في هذا المقام ونقدها.

المسألة الاولى: مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين:

اشارة

إنّ وجود هذا المصحف من الامور الثابتة المتفق عليها بين الفريقين، وهنا نشير إلى بعض مصادر الفريقين:

مصحف الإمام عليّ في مصادر الشيعة:

1- كتاب سليم بن قيس (سليم بن قيس الهلالي ت 76 ه.): في هذا الكتاب ذكرت مسألة مصحف الإمام علي عليه السلام ضمن ثلاث روايات؛ هي الرابعة، والحادية عشرة والثانية عشرة. وقد فصّلت الرواية الرابعة القول في هذا المصحف (1).

2- كتاب التفسير (المعروف بتفسير العيّاشي) لمحمد بن مسعود العيّاشي (المتوفى نحو 320 ه.) (2).

3- الكافي لثقة الإسلام أبي جعفر الكليني (ت 329 ه.) (3)


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 581- 582 و 660 و 665.
2- كتاب التفسير: ج 2، ص 307.
3- الكافي، كتاب فضل القرآن: ج 2، ص 633، الرقم 29.

ص: 411

4- الاعتقادات لأبي جعفر الصدوق (ت 381 ه.) (1).

5- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب (ت 588 ه.).

وقد نقل ابن شهرآشوب خبر مصحف الإمام علي عليه السلام من طرق الفريقين، فمن طرق الشيعة نقله عن أبي رافع، ومن طرق أهل السنة عن قول «الشيرازي» (2) في كتابه «نزول القرآن» و «أبي يوسف يعقوب» (3) في تفسيره، باسنادهما عن «ابن عباس» وعن «الخطيب البغدادي» في كتابه «الأربعين» باسناده عن عبد خير وأيضاً بسنده عن «أبي العلاء العطار» (4) و «الموفق خطيب خوارزم» (5) باسنادهما عن «علي بن رباح» (6).

والقدر المتيقن من تلك الرّوايات في جميع هذه المصادر هو: أنه «لمّا توفي النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم لزم الإمام علي عليه السلام بيته وجمع القرآن في مصحف».


1- الاعتقادات: ص 81.
2- الشيرازي: هو «محمّد بن عبيد اللَّه أبو بكر بن مؤمن» من مشايخ الحاكم الحسكاني مع الواسطة، فالحسكاني فى كتابه «شواهد التنزيل» قد أورد منه عشرات الرّوايات، انظر: أهل البيت في المكتبة العربية: لعبد العزيز الطباطبائي: ص 451.
3- وهو «يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي» من اكابر علماء الحديث والرجال. انظر: تهذيب التهذيب: ج 11، ص 338 وشذرات الذهب: ج 2، ص 171.
4- وهو «محمّد بن سهل العطار الهمداني» محدث، حافظ، نحوي، لغوي من آثاره «زاد المسافر». انظر: تذكرة الحفاظ: ج 4، ص 114- 117.
5- «الموفق بن أحمد بن محمّد المكي، خطيب خوارزم» اديب، فاضل، غزير العلم فقيه ... انظر: انباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي: ج 3، ص 332 رقم الترجمة 779 وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي: ج 2، ص 308.
6- مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 50- 51. من علماء الإمامية: كمولى محسن الفيض الكاشاني في كتابه «تفسير الصافي»: ج 1، ص 24 والمحدث القمي في «سفينة البحار»: ج 2، ص 414 و ... ممن ذكروا مصحف الإمام علي عليه السلام قد اخذوا عن المصادر المذكورة.

ص: 412

مصحف الإمام عليّ في مصادر أهل السنة:

1- الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد (ت 230 ه.) فقد أخرج ابن سعد بسنده عن «محمّد بن سيرين»:

«نبئت أنّ عليّاً أبطأ عن بيعة أبي بكر وقال ... آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلّاإلى الصلاة حتّى أجمع القرآن» (1).

2- الفضائل، لمحمد بن أيوب بن الضريس (ت 294) بسنده عن «محمّد بن سيرين» عن «عكرمة مولى ابن عبّاس» عن [الإمام] علي [عليه السلام] قال:

«فحدّثت نفسي أن لا أرتدي ردائي إلّالصلاة حتّى أجمع القرآن ...» (2).

3- كتاب المصاحف، لابن أبي داود (ت 316) إذ أورد مثل ما أورده «ابن الضريس» وأضاف:

«لمّا توفي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أقسم عليّ أن لا يرتدي برداء إلّا لجُمُعة حتّى يجمع القرآن في مصحف ففعل» (3).

وبمضمونه في:

4- كتاب الفهرست للنديم، عن أحمد بن جعفر بن محمّد المنادي (المعروف بابن المنادي ت 332 ه.) (4).

5- المصاحف لمحمد بن عبد اللَّه بن أشته (ت 360) (5).

6- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الإصبهاني (ت 430 ه.) بسنده


1- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.
2- عن الاتقان: ج 1، ص 58.
3- كتاب المصاحف: ص 16.
4- كتاب الفهرست: ص 31- 32.
5- عن الاتقان: ج 1، ص 58.

ص: 413

عن «عبد خير» (1).

7- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البرّ (ت 463 ه.) بسنده عن «محمّد بن سيرين» وأيضاً عن «عكرمة مولى ابن عباس» (2).

8- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس، فقد ذكر خبر المصحف بأسانيد متعددة (3).

9- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار، لعبد الكريم الشهرستاني (ت 548 ه.) وقد ذكر هذه المسألة بتفصيل أكثر من بين علماء أهل السنة فقال:

«وهو عليه السلام لمّا فرغ من تجهيز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وعلى آله وتغسيله وتكفينه والصلوة عليه ودفنه، آلى أن لا يرتدي برداء إلّا لجمعة حتى يجمع القرآن، إذ كان مأموراً بذلك أمراً جزماً فجمعه كما انزل من غير تحريف وتبديل وزيادة ونقصان وقد كان أشار النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله إلى مواضع الترتيب والوضع والتقديم والتأخير ...

ويروى أنّه لمّا فرغ من جمعه أخرجه هو وغلامه قنبر إلى النّاس وهم في المسجد ... وقال لهم هذا كتاب اللَّه كما أنزله على محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم جمعته بين اللّوحين فقالوا: ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه، فقال واللَّه لا ترونه بعد هذا أبداً إنّما كان عَلَيَّ أن اخبركم حين جمعته. فرجع به إلى بيته قائلًا «يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً» (4)

وتركهم على ما هم عليه كما ترك هارون عليه السلام


1- حلية الاولياء وطبقات الاصفياء: ج 1، ص 67.
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: القسم الثالث، ص 974.
3- شواهد التنزيل: ج 1، ص 36- 38.
4- سورة الفرقان 25: الآية 30.

ص: 414

قوم أخيه موسى بعد إلقاء الحجَّة عليهم واعتذر لأخيه بقوله: «إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي» ...» (1).

9- المناقب، لخطيب خوارزم (ت 568 ه.) (2).

10- التسهيل في علوم التنزيل، لابن جزي الكلبي (ت 741 ه.) (3).

وغيرهم من العلماء.

فكثرة المصادر في هذا المقام تحكي لنا عن اهتمام علماء الإسلام بهذا المصحف واتفاقهم على وجوده.

فعلى هذا لو بنينا على قول الدكتور القفاري بأن مجرّد وجود خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب يحكي عن وجود «الأيدي السبئية» في هذا الكتاب، وأن خبر المصحف يدلّ على وجود «التّحريف في القرآن»، فإنّ قصّة الأيدي السبئية قد ذكرتها جميع المصادر المتقدّمة لأنّها تكلّمت عن المصحف ولأنهم قد تكلّموا عن هذا المصحف لتحقق لنا أنهم يعتقدون بفرية التّحريف لا محالة!!

مع أننا لا نحتاج إلى بحث سند هذه الرّوايات لنصدر هذه الأحكام بالضبط كما أصدرها الدكتور القفاري جزافاً لأنّ الدكتور نفسه صرّح بأنَّ «أبان بن أبي عيّاش» راوي كتاب سليم بن قيس ضعيف باتفاق علماء رجال الفريقين، ومع هذا ترى الدكتور القفاري يقول:


1- مفاتيح الأسرار ومصابيح الابرار: ج 1، ص 121، والشهرستاني هو «أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم عبد الكريم الشهرستاني» الفيلسوف المتكلم على مذهب الاشعري من كتبه «الملل والنحل» وقد كتب عنه «ابن السمعاني» وأشاد بذكره وعظم صيته ... انظر: مقدمة كتاب «الملل والنحل» لمحققه الشيخ أحمد فهمي محمّد، ص ل.
2- المناقب: ص 94.
3- التسهيل في علوم التنزيل: ج 1، ص 4 نقلًا عن علوم القرآن عند المفسرين: ج 1، ص 351.

ص: 415

«وهذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية، إذ إنّنا نلاحظ أنّ الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس فترد هذه المسألة في اثناء روايتين ... وفيها «أنّ عليّاً [عليه السلام] لزم بيته حتّى جمع القرآن ...» (1).

دراسة في أسانيد خبر مصحف الإمام عليّ في مصادر أهل السنة:

ونحن نريد هنا أن نبحث في اسناد هذا المصحف من وجهة نظر علمية في كتب أهل السنّة من حيث صحّته واستفاضته، ذلك أن بعضاً من علماء أهل السنّة ناقش في إسناد هذا الخبر ومن جملتهم ابن أبي داود حينما أورد الخبر بسنده عن محمّد بن فضيل عن أشعث عن محمّد بن سيرين قال:

«لمّا توفي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أقسم عليّ أن لا يرتدي برداء إلّا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل» (2).

ثم قال:

«لم يذكر المصحف أحد إلّاأشعث وهو ليّن الحديث وإنّما رووا حتّى أجمع القرآن يعني أتمّ حفظه فإنّه يقال للذي يحفظ القرآن قد جمع القرآن» (3).

فعلى هذا يكون خبر مصحف الإمام علي عليه السلام مخدوشاً عند ابن أبي داود من عدّة جهات:

أ: لم يذكر المصحف أحد إلّاأشعث.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 229.
2- كتاب المصاحف: ص 16.
3- المصدر السابق.

ص: 416

ب: اشعث ليّن الحديث.

ج: جمع القرآن يعني أتم حفظه لا بمعنى جمعه في مصحف.

لكنّ كلّ مناقشاته لا تتم. وإليك تفصيل ذلك:

أ: إنّ ما قاله ابن أبي داود من أنه «لم يذكر أحد إلّاأشعث» خطأ منه لأنّ من روى الخبر ليس أشعثاً فقط، بل هو كما قال السيوطي:

«قد ورد من طرق أخرى، أخرجه ابن الضريس في فضائله بسنده عن عون عن محمّد بن سيرين عن عكرمة عن علي «... فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلّالصلاة حتى أجمعه ...» قال محمّد بن سيرين: فقلت لعكرمة الّفه كما انزل الأوّل فالأول، قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلّفوه هذا التأليف ما استطاعوا» (1).

وقال أيضاً:

«واخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وابن سيرين قال: «تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه» (2).

ب: وأمّا قوله بأنّ «أشعث» ليّن الحديث:

فإنّ «الأشعث» في سند أبي داود بقرينة الراوي- وهو محمّد بن فضيل- والمروي عنه- وهو محمّد بن سيرين- هو «الأشعث بن سوّار الكنديّ النجّار» وتضعيفه ليس مورد اتفاق الجميع، فإنّ يحيى بن معين عدّه من الثقات، وكذا العجلي وابن شاهين والبزّاز أيضاً قَبِلَ قول ابن عدي في حقِّ الأشعث إذ يقول:


1- الاتقان: ج 1، ص 58.
2- المصدر السابق.

ص: 417

«وفي الجملة يكتب حديثه» (1).

ج: وأمّا قوله أجمع القرآن يعني أتمّ حفظه، وإنّما رووا حتى أجمع القرآن يعني أتمّ حفظه الخ فهذا منه ادّعاء خالٍ من الدليل بل هو مجازفة؛ ذلك لانّه لم ترد رواية بهذا التعبير، بل فيما نحن فيه لا يجوز جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدر كما سنتكلم عنه.

هذا وقد قال ابن حجر في المقام:

«ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين قال:

«قال علي: لمّا مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، آليت أن لا آخذ عليَّ ردائي إلّالصلاة جمعة حتى أجمع القرآن، فجمعه» فاسناده ضعيف لانقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظاً فمراده بجمعه حفظه في صدره والذي وقع في بعض طرقه حتّى جمعته بين اللّوحين، وَهم من راويه.» (2) وقد أورد العيني في عمدة القاري نفس مضمون عبارة ابن حجر (3).

والآلوسي لم يتأخّر عن قافلة العلماء في اقوالهم تلك، إذ تبع ابن حجر بقوله:

«وما شاع أنّ عليّاً كرّم اللَّه وجهه لمّا توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخلّف لجمعه، فبعض طرقه ضعيف (4) وبعضها موضوع (5) وما


1- تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج 3، ص 269. وقال الدكتور بشار في تعليقه على الكتاب: «يظهر ان الرجل لم يكن ضعيفاً بالمرة بل اختلفت الاقوال فيه فانه لا يحسن اطلاق صفة الضعف عليه» ثم استند إلى أقوال علماء الرجال.
2- فتح الباري بشرح البخاري: ج 9، ص 12- 13.
3- عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ج 20، ص 17.
4- وهو ما اخرجه أبو داود من طريق ابن سيرين. منه.
5- وهو ما اخرجه غير واحد من رواية أبي حيان التوحيدي، احد زنادقة الدنيا. منه.

ص: 418

صحّ (1) فمحمول كما قيل على الجمع في الصدور وقيل كان جمعاً بصورة أخرى لغرض آخر ويؤيده أنه قد كتب فيه الناسخ والمنسوخ لكتاب علم» (2).

وبالتالي فانّ الدكتور القفاري قد ألقى بنفسه في ذلك الخضم فقال:

«مثل هذه الدعوى- أي تأليف القرآن وجمعه من الإمام علي عليه السلام- وردت في بعض كتب أهل السنة ولكنّها لم تثبت بسند صحيح».

ثم وضع يده بيد ابن حجر مستنداً إلى قوله الموهوم بأنّ المصحف من نسج الخيال (3).

وبناء على هذا فإنّ وجود مثل هذا المصحف في نظر ابن حجر والآخرين أمر غير مقبول للأدلة الآتية:

أ: إنّ سند الرّوايات الواردة حول مصحف الإمام علي عليه السلام ضعيف لانقطاعها.

ب: وعلى تقدير أن يكون الاسناد محفوظاً فقول الإمام علي عليه السلام، «حتى أجمع القرآن» يعني حفظه في صدره.

ج: الذي وقع في بعض طرقه بقوله عليه السلام «حتى جمعته بين اللّوحين» وَهم من راويه.

وإليك ما في هذه الإيرادات من الوهن والضعف:

فأمّا الاشكال الأوّل: فان انقطاع السند ب «محمّد بن سيرين»- الذي هو من


1- كرواية أبي الضريس في فضائل علي [عليه السلام]. منه.
2- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: ص 41.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 236.

ص: 419

التابعين- إنما هو في بعض الطرق، ولكنّه في بعضها الآخر غير مقطوع، إذ أنَّ أحد طرقه ما ذكره «ابن الضريس» حيث نقله عن محمّد بن سيرين عن عكرمة عن الإمام علي عليه السلام (1) وعكرمة يعتبر من الموثوقين عند ابن حجر (2). وهذا وقد اعتبر الآلوسي نفسه طريق «ابن الضريس» صحيحاً (3). مضافاً إلى ذلك أنّ «محمّد بن سيرين» ذكر له علماء الرجال عدة أوصاف منها: ثقة، عابد، كبير الشأن ولا يرى الرواية بالمعنى (4)، وقد ثبت لديه وجود هذا المصحف.

وقد سأل عكرمة عن خصوصيات المصحف. وفي رواية أخرى حول بحثه عن ذلك المصحف يقول:

«تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه» (5).

والاشكال الثاني لابن حجر سببه حذف بعض الرواية الواردة ثمّ إيراد الاشكال وهو ما لا يتفق والأمانة العلمية، فان رواية ابن أبي داود هكذا: «... أقسم عليّ [عليه السلام] أن لا يرتدي برداء إلّالجُمُعة حتّى يجمع القرآن في مصحف ففعل». فقال ابن حجر عن ابن أبي داود: «... أقسم عليّ ... حتّى أجمع القرآن فجمعه». فحذف ابن حجر عبارة «يجمع القرآن في مصحف ففعل» ثمّ بنى عليه اشكاله وقال: «حتى أجمع القرآن فجمعه مراده حفظه في صدره».

وهذا من مثل ابن حجر غريب جداً.

وأمّا الاشكال الثالث: فإنّه غير وارد أيضاً وهو ما ذكره ابن حجر حيث قال:


1- ومحمّد بن سيرين يعدّ من رواة عكرمة، انظر: تهذيب الكمال: ج 20، ص 268.
2- تحرير تقريب التهذيب: ج 3، ص 32، الرقم 4673.
3- روح المعاني: ج 1، ص 41.
4- تهذيب الكمال: ج 25، ص 344. وقال ابن تيمية في شأنه: «محمّد بن سيرين من اورع الناس في منطقه، ومراسيله من اصح المراسيل». منهاج السنة، تحقيق رشاد سالم: ج 6، ص 237.
5- الاتقان: ج 1، ص 58.

ص: 420

«والذي وقع في بعض طرقه حتّى جمعته بين اللّوحين وَهْم من راويه».

أيّ حكم هذا من ابن حجر؟ والحال أنّ راويه الذي اتهمه ابن حجر بالوهم والخطأ مما يوجب تضعيفه هو «عبد الخير»

وعبد الخير نفسه ورد في رواية اخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المقام وأوردها ابن حجر قائلًا:

«... وأصحّ منه- أي من حديث جمع الإمام المصحف- وهو المعتمد ما أخرجه ابن أبي داود باسناد حسن عن عبد الخير؛ قال: «سمعت علّياً يقول أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة اللَّه على أبي بكر هو أول من جمع كتاب اللَّه» (1).

فالراوي واحد وقد اتهمه ابن حجر هناك بالوهم والخطأ أمّا هنا فقد جعله محلّ اعتماده وثقته، فهل هذا من العدل؟!

والعجب من الآلوسي حيث صحّح رواية ابن الضريس، والتي ورد في متنها أنّ ابن سيرين سأل عكرمة عن خصوصيات ذلك المصحف بقوله:

«فقلت لعكرمة ألَّفه كما انزل الأوّل فالأوّل ...؟».

ومع هذا الوصف يقول الآلوسي:

«وما صحّ فمحمول كما قيل على الجمع في الصدر».

فلا بدّ أن يكون مراد الآلوسي هو أنّ الإمام علياً عليه السلام الّف القرآن في صدره كما انزل الأوّل فالاول!! وما عشت أراك الدهر عجبا!

هذا ولا يخفى أنّ الآلوسي والآخرين لم يسلكوا الطريقة العلمية في هذه الأحاديث؛ لأنّ مضمون تلك الأحاديث واحد، وهو في اصطلاح علم الدراية


1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ج 9، ص 12.

ص: 421

يسمّى بالحديث «المتابع» أو «الشاهد» (1). وهذا يعني أنّ الرّوايات التي هي في نظر الآلوسي ضعيفة أو موضوعة؛ تعطي القوة للحديث الصحيح لموافقتها الصحيح في المضمون، ولذا يكتسب الصحيح صفة الاستفاضة لا أنها تعزل عن الصحّة وتؤوّل بما يلائم الاذواق.

ولندع ذلك جانباً ونقول: إنّ القول بأنّ تعبير «جمع القرآن»- الذي ورد في بعض الرّوايات- لا يمكن حمله هنا على معنى الجمع في الصدر- أي الحفظ في الصدر- لأنّ الإمام بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وتعيين الخليفة في السقيفة لم يشتغل بشي ء فما الحاجة لجلوسه في البيت وتفرغه لحفظ القرآن في صدره؟

وإن كان هذا ممّا حدا بالبعض إلى توجيه كثرة المعارف والرّوايات والعلوم الصادرة عن الإمام علي عليه السلام بذلك فقال:

«معظم ما روي من التفسير عن الخلفاء الراشدين هو من علي كرم اللَّه وجهه وذلك لبعده عن مهام الخلافة إلى نهاية عثمان ...» (2) وهذا التوجيه هزيل لا أساس له من الصحّة كما ترى، وذلك:

أولًا: إنّ الإمام عليّ عليه السلام ذكر في عصر خلافته كثيراً من تفسير القرآن والرواية عن النبيّ الأكرم صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- خصوصاً في خطبه-.


1- حديث «المتابع» أو «الشاهد» هو الحديث المؤيد بمضمونه لحديث آخر بغض النظر عن سنده. فحديث «المتابع» ما وافق راويه راوياً آخر وفيما نحن فيه، المتابع كان تاماً لانه جاءت المتابعة فيه للراوي نفسه. واما حديث «الشاهد» فهو اعم من التابع، يشهد للمعنى تارة وللفظ والمعنى كليهما تارة أخرى، وفي المقام من الحديث «الشاهد المعنوي» أي الذي يعزّز معنى الحديث الآخر لا لفظه. ولا يرى بعض المحدثين بأساً في اطلاق المتابع على الشاهد وان كان بينهما فرق دقيق. انظر: علوم الحديث ومصطلحاته: ص 241- 243.
2- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ج 1، ص 13.

ص: 422

ثانياً: إنّ مثل عثمان بن عفان أيضاً كان بعيد عن مهام الخلافة في عصر الخليفتين الأوّل والثاني ومع ذلك لم يرو عنه سوى تسع روايات في التفسير فقط- ولو قبل هذا التوجيه- فنحن نسأل: إذا كان الإمام بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قد تفرّغ عن كل شغل لبعده عن مهام الخلافة، فما الحاجة إلى الجلوس في البيت والإيلاء على نفسه بأنه لا يرتدي برداء حتّى يحفظ القرآن في صدره؟ وعلاوة على ذلك فان الآلوسي نفسه ذكر في ذيل الآية «ولنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية» قال:

«في الخبر أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال لعلي كرم اللَّه وجهه: «إني دعوت اللَّه تعالى ان يجعلها اذنك يا عليّ» قال علي كرّم اللَّه تعالى وجهه: فما سمعت شيئاً فنسيته وما كان لي ان انسى» (1).

بهذه الخصوصية حفظ الإمام علي القرآن بل السنة والسيرة وكلّ العلوم التي أودعها النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في صدره الشّريف، ولا يحتاج إلى الجلوس في البيت وحفظ القرآن في صدره. نعم جمع عليّ عليه السلام القرآن في مصحف بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كما أشارت مجموعة من الرّوايات إلى أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قد أمره بذلك، وقام الإمام علي عليه السلام بجمع القرآن تنفيذاً لأمره صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ولا أحد غير الإمام علي عليه السلام كان يمتلك صلاحية القيام بذلك العمل الخطير (2)، وعلى هذا فالرواية التي ذكرها ابن


1- روح المعاني: ج 16، ص 73، والآلوسي الذي بناؤه في التفسير على نقد وبحث الرّوايات التفسيرية لم ينتقد هنا بشي ء فيما يرتبط بهذه الرواية، والجدير بالذكر ان طرق هذا الحديث بلغت 30 طريقاً وجاءت الرّوايات متواترة بهذا المعنى، واكثرها عن أهل السنة. راجع: سعد السعود: ص 108.
2- هذه النكتة غير خافية على أحد وقد ذكرها الشهرستاني في مفاتيح الأسرار ومصابيح الابرار، وسنذكرتوضيحاً اكثر لها فيما بعد ان شاء اللَّه تعالى.

ص: 423

حجر وجعلها محلّ اعتماده هي خبر الواحد (1) في مقابل تلك الرّوايات المستفيضة والتي جاء بعضها بسند صحيح، ولا يمكن الاعتماد على الحديث الذي يسمّى «شاذّاً» (2) في اصطلاح علم الحديث.

علاوة على هذا إنّ هذه الرواية لا تتلاءم والواقع التأريخي، حيث إنّ أبا بكر لا يمكن عدّه أول من جمع القرآن بل كان قبله مصحف ابن مسعود وابي بن كعب وآخرين، رغم أنّهم حاولوا توجيه المسألة قائلين: إن هذه المصاحف كانت شخصية (3) وأمّا صحائف أبي بكر فهي للُامّة، ولكننا نستطيع ردّ ذلك بالاعتماد على نفس كتب أهل السنة، فاننا على فرض قبول ذلك في عصر خلافة أبي بكر، حيث أمر زيد بن ثابت بجمع تلك الصحائف كما تذكر بعض رواياتهم (4)، ولكنّ تلك الصحائف لم تستنسخ للُامة، ولم تصل إلى يد أحد من أبناء الأمّة، بل إنّها بقيت في


1- رغم انّ ابن أبي داود ذكر هذه الرواية في كتابه المصاحف بخمسة وجوه إلّاان الطريق فيها كلّها هو سفيان عن السدي عن عبد خير عن الإمام علي عليه السلام، وفي هذه الصورة تكون من خبر الواحد.
2- الحديث الشاذ هو الرواية الصحيحة التي تتعارض مع الأرجح منها. وقال ارتور جفري: «روي ان غير واحد من الصحابة جمع القرآن في مصحف ومنهم علي بن أبي طالب، وزعم بعض ان المراد بالجمع في هذا الحديث، الحفظ ولكننا لا نوافق على قولهم ...» مقدمة كتاب المصاحف: ص 5.
3- اعترف الدكتور القفاري أيضاً بهذا الأمر، وأورد نفس التوجيه المتقدم بان هذه المصاحف كانت شخصية. اصول مذهب الشيعة: ص 1025.
4- ان وقوع هذه الحادثة في عصر أبي بكر كانت مورد شكّ لدى المحققين، بل انهم استدلوا من القرآن والسنةوالعقل على ان القرآن الموجود الآن هو نفسه الذي جُمع في زمان النبيّ الاكرم صلّى اللَّه عليه وآله ومن جملة دلائل شكّ وترديد المحققين في قبول تلك الرّوايات هو اختلاف الأخبار واضطراب متونها. ومن هؤلاء المحققين: السيد المرتضى في «الذخيرة في علم الكلام»: ص 364 وما بعدها والنهاوندي في مقدمة «نفحات الرحمن وتبيين الفرقان»: ص 6 والعلامة الشيخ محمّد جواد البلاغي في «آلاء الرحمن»: ص 19 والسيد الخوئي في «البيان في تفسير القرآن»: ص 240 وغيرهم.

ص: 424

يد أبي بكر، ثمّ انتقلت إلى عمر، ومن بعد ذلك صارت لحفصة وانقطع خبرها، وأغلب الظنّ أنّ عثمان لم يطلب تلك الصحائف من حفصة ولم يستنسخها بل بقيت محفوظة في أعقاب عمر لو لم يخبر حذيفة بن اليمان عثمان باختلاف قراءات الصحابة في حرب أرمينية (1).

فحاصل القول في المسألة الاولى: إنّ مصحف الإمام علي عليه السلام أمر ثابت وواقع موقع القبول لدى الفريقين، والخدش في رواياته يعدّ مكابرة، وكما قال أحد الكتّاب المعاصرين:

«لعلّ إعراض القوم عن مصحف علي عليه السلام هو السبب في قدح ابن حجر العسقلاني ومن تبعه كالآلوسي في الخبر الحاكي له ...

مع أنّ هذا الأمر من الامور الثابتة المستغنية عن أيّ خبر مسند ...» (2).

والعجيبُ من الدكتور القفاري أن يدّعي أنّ خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب سليم بن قيس يعتبر من آثار الأيدي السبئية، وهي نقطة البداية في القول بتحريف القرآن عند الشيعة!!

وكما هو حال البعيدين عن القيم القرآنية فأنت تراه قد طرحها بأقبح الألفاظ وفي غاية الإساءة للأدب في حق أمير المؤمنين عليه السلام (3)، وبالتالي حكم على من نقل خبر المصحف بهذا الحكم الجائر حيث قال:

«وكيف يصدق مثل هذا الافك الذي نقله شرذمة الكذّابين ... إنّها


1- الغالبية العظمى من كتب علوم القرآن بحثت تلك المسألة فراجع على سبيل المثال، الاتقان: ج 1، ص 135.
2- التحقيق في نفي التّحريف: ص 278.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 202.

ص: 425

خرافات لا يصدقها عقل بري ء من الهوى والغرض، ولا تدخل قلباً خالطته بشاشة الايمان» (1).

فهل إنّ الدكتور القفاري يعي لوازم كلامه هذا؟ وهل إنّ جميع علماء أهل السنة الذين نقلوا خبر مصحف علي عليه السلام لا ينطبق عليهم هذا الحكم؟ أفليسوا والحالُ هذه من «شرذمة الكذابين» و «مصدقي الخرافات» و؟! ... أفهل يدري الدكتور القفاري ما يقوله؟

وعلى أية حال فمع إحراز وجود هذا المصحف في كتب الفريقين يبقى هذا السؤال مطروحاً بين الفريقين لا الشيعة وحدها وهو أنه لماذا لم يظهر الإمام علي عليه السلام في زمان خلافته هذا المصحف للناس (2)؟ وسوف ترى جوابه إن شاء اللَّه، ولكن قبل الإجابة عن ذلك نودّ أن نبيّن ماهية هذا المصحف.

المسألة الثانية: دراسة في محتوى ومضمون مصحف الإمام عليّ:

أ: محتوى المصحف في مصادر أهل السنة:

توجد لدينا عدّة روايات من كتب أهل السنّة تدور حول مضمون مصحف الإمام علي عليه السلام، نشير إلى بعضها:

قال محمّد بن سعد بعد أن أورد الخبر:

«فزعموا أنّه كتبه على تنزيله، وقال محمّد بن سيرين فلو اصيب


1- المصدر السابق: ص 262.
2- يرى «الفضل بن شاذان ت 260» أنّ هذا السؤال أجاب عنه أهل السنة فيقول: «ثم رويتم بعد ذلك كله ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله عهد إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ان يؤلف القرآن فالّفه وكتبه ورويتم أنّ ابطاء عليّ على أبي بكر البيعة [على ما] زعمتم لتأليف القرآن فاين ذهب ما الّفه علي بن أبي طالب عليه السلام حتى صرتم تجمعونه من افواه الرجال ...». الايضاح: ص 222، وهذا الجواب يدل على قدم مسألة وجود مصحف الإمام علي عليه السلام في كتب أهل السنة بشكلٍ لا يقبل الانكار.

ص: 426

ذلك الكتاب لكان فيه علم ...» (1)

وقال ابن عبد البرّ بسنده عن محمّد بن سيرين مثله (2)

وقال ابن جزي:

«فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنّه لم يوجد» (3)

وقال ابن اشته:

«كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ» (4)

وقال ابن الضريس بسنده عن عكرمة:

«... لو أجمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا» (5)

وأخيراً قال السيوطي:

«جمهور العلماء اتفقوا على أنّ ترتيب السور كان باجتهاد الصحابة وان ابن فارس استدل لذلك بان منهم من رتبها على النزول وهو مصحف علي كان أوله إقرأ ثمّ نون ثم المزّمّل هكذا ذكر السور إلى آخر المكّي ثم المدني» (6)

وقد ذكر عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة تفسيره فهرساً لترتيب السور في


1- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.
2- الاستيعاب، القسم الثالث: ص 976.
3- التسهيل: ج 1، ص 4.
4- نقلًا عن الاتقان: ج 1، ص 58.
5- نقلًا عن الاتقان: ج 1، ص 66.
6- الاتقان في علوم القرآن: ج 1، ص 66.

ص: 427

مصحف الإمام علي عليه السلام (1).

فنلاحظ ان مضامين هذه الرّوايات تتحد مع روايات الشيعة- الآتي ذكرها- في الدلالة على ان مصحف الإمام علي عليه السلام علاوة على أنّ سوره وآياته مرتبة كما أنزلها الوحي، فهو يشتمل على حقائق كثيرة من تبيين وتفسير للآيات الشريفة. فعلى هذا فإنَّ ما قاله ابن سيرين في شأن المصحف: «كتبه على تنزيله»- مع التنبه إلى اصطلاح «التنزيل» عند القدماء- كان بهذا المعنى أي إنَّ ذلك المصحف يشتمل على حقائق شرح وتفسير مراد اللَّه عز وجل بحيث صار كنزاً عظيماً من العلم وهذا ما اكدته الرّوايات بقوله: «لو اصبت ذلك الكتاب لكان فيه علم» ولو كان التفاوت بين مصحف الإمام علي عليه السلام وهذا المصحف الذي هو الآن في أيدينا هو الترتيب والتأليف في الآيات والسور فقط لما قال عنه ابن سيرين وآخرون: «لكان فيه علم كثير» وهذا ممّا لا شكَ فيه لأنّا إذا تنبَّهنا إلى عظمة شخصية الإمام علي عليه السلام ومكانته من القرآن والنبيّ- فيما لو أمعنّا في مفاد حديث الثقلين وأنه عدل القرآن- لقطعنا بأنّ أمر تدوين القرآن الكريم لم يعرف علمه عند غير الإمام علي عليه السلام، ولو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يؤلّفوه هذا التأليف لما استطاعوا.

ب: محتوى المصحف في مصادر الإمامية:

لقد ذكرت روايات الخاصّة أيضاً شيئاً عن مضمون هذا المصحف، ولأنّ هذا المصحف موجود لدى الأئمة الطاهرين وراثة عن أمير المؤمنين عليه السلام فيجب ان نبحث هذه المسألة أكثر تفصيلًا، لأنّ الدكتور القفاري ادّعى بأنّ هاتين الرّوايتين فيما يتعلق بهذا المصحف (2) وكلاهما تدلان على التّحريف اولاهما عن


1- مفاتيح الأسرار: ج 1، ص 125.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 261.

ص: 428

الباقر عليه السلام يقول:

«ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما انزل إلّاكذّاب وما جمعه وحفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلّاعلي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده.» (1).

وفي الحديث الآخر عن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً يقول:

«ما يستطيع أحد ان يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء» (2).

ولكنَّ هاتين الروايتين مع غض النظر عن سندهما (3) لا تدلان على تحريف القرآن إطلاقاً وهذا ما يستفاد من القرائن الداخلية في تلكما الروايتين كما قاله العلّامة الطباطبائي:

«قوله عليه السلام «إنّ عنده القرآن كلّه» الجملة وإن كانت ظاهرة في لفظ القرآن ومشعرة بوقوع التّحريف فيه لكن تقييدها بقوله: ظاهره وباطنه يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة الفهم العادي ومعانيه الخافية على الفهم العادي وكذا قوله في الرواية السابقة «وما جمعه وحفظه» الخ، حيث قيد الجمع بالحفظ فافهم» (4).

وقرينة «الاوصياء والأئمة من بعده» في هذه الرّوايات هي أيضاً خير شاهد على أنّ المراد من جمع القرآن كله ظاهره وباطنه، هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة والباطنة وعلى الرغم من أنّ الدكتور القفاري قد تجاهل ذلك قائلًا:


1- الكافي: ج 1، ص 228.
2- المصدر السابق وأيضاً بصائر الدرّجات: ص 193.
3- يقول العلامة المجلسي في سند الحديث الأوّل: انه مختلف فيه، والثاني ضعيف، مرآة العقول: ج 3، ص 30.
4- تعليق على اصول الكافي: ج 1، ص 228.

ص: 429

«ثم هم يقولون في رواياتهم وأبوابهم «من ادعى إنّه جمع القرآن غير الأئمة فهو كذّاب» مع أنهم زعموا أن القرآن كان مدوّناً مجموعاً من عهد النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويستدلّون على هذا برواية جاءت في البحار فهل كان الحسن والحسين وبقية الأئمة هم الذين يتولّون جمعه في عهد النبيّ صلّى اللَّه عليه؟» (1).

أقول: من فمك ندينك ايها الدكتور فإنّ نفس الرواية التي جاءت في بحار الأنوار ورواية سليم القائل: «جمع تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ» وأيضاً الرّوايات الاخرى بعنوان قرائن خارجية وقرائن داخلية في نفس تلك الرّوايات تدل على ان المراد من «الجمع»- في الحديث ما ادّعى أحد إنّه جمع القرآن كلّه ...- هو نفس المعنى الذي ذكرناه يعني جميع علومه ظواهرها وبواطنها عند الأئمة عليهم السلام فعلى أساس تلك الرواية والدراية في مفادها تسالم كبار علماء الشيعة من متقدمين ومتأخرين على وجود تفاوت بين مصحف أمير المؤمنين والمصحف الموجود، بعد أن اتّفقوا على ان هذا التفاوت ليس من سنخ الآيات والوحي القرآني، ومن هؤلاء العلماء اعتقدوا بأنّ هذا الاختلاف في الزيادة والنقصان من نوع الأحاديث القدسية كالشيخ الصدوق رحمة اللَّه عليه إذ يقول:

«وقد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لبلغ مقدار سبع عشرة ألف آية ... كما كان أمير المؤمنين عليه السلام جمعه، فلمّا جاء به قال: هذا كتاب ربّكم كما انزل على نبيّكم، لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف ...» (2).

وبعضهم اعتقدوا بان هذا الاختلاف هو من ناحية التأويل والتفسير كالشيخ


1- اصول مذهب الشيعة: ص 262.
2- الاعتقادات: ص 92.

ص: 430

المفيد حيث يقول:

«... ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً وإن لم يكن من جملة كلام اللَّه تعالى الذي هو القرآن المعجز ...» (1).

وكذلك المحدّث الكاشاني (2)، والشيخ جعفر الكبير (3)، والمحقّق الكاظمي (4)، والسيد الخوئي في «البيان» قال:

«... لا دلالة على أنّ هذه الزيادات كانت من القرآن وقد اسقطت بالتحريف، بل الصحيح أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل، وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من اللَّه شرحاً للمراد» (5).

ويرى بعض آخر من العلماء أنّ هذا التفاوت إنّما هو ترتيب وتأليف الآيات كالشيخ المفيد في موضع آخر إذ يقول:

«... قد جمع أمير المؤمنين عليه السّلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره بحسب ما وجب من تأليفه فقدّم المكّي على المدنيّ والمنسوخ على الناسخ ووضع كلَّ شي ء منه في موضعه ولذلك قال جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام: أما واللَّه لو قرئ القرآن كما انزل لألفيتمونا فيه مسمَّين كما سمّي من كان قبلنا ...» (6).


1- اوائل المقالات: ص 93.
2- تفسير الصافي: ج 1، ص 43 وعلم اليقين: ص 130. والمحجّة البيضاء: ج 2، ص 264.
3- كشف الغطاء؛ كتاب القرآن: ص 274.
4- شرح الوافية في علم الاصول نقلًا عن فصل الخطاب: ص 31.
5- البيان: ص 223.
6- المسائل السروية: المسألة التاسعة، ص 133.

ص: 431

ومنهم ابن شهرآشوب في «المناقب» (1) والنهاوندي في «نفحات الرحمن» (2) وأبو عبد اللَّه الزنجاني في «تاريخ القرآن» (3) والعلّامة الطباطبائي في تفسيره «الميزان» مستدلًا بالآتي:

«... ولو كان مخالفته في بعض الحقائق الدينية لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عمّا جمعه واستغنائهم عنه» (4).

والشخص الوحيد من الإمامية الذي ادّعى أنّ التفاوت بين مصحف الإمام علي عليه السلام والمصحف الموجود بين أيدينا هو تفاوت في جوهر القرآن- بحسب علمي- هو المحدّث النوري تابعاً للمحدّث الجزائري في فصل الخطاب على عادته!! فهو في اثبات توهماته يقول:

«إنّها- زيادات- من أعيان المنزل اعجازاً أي نفس القرآن حقيقة لا من الأحاديث القدسية ولا من التفسير والتأويل» (5).

لقد كان بعض أدلّة المحدث النوري في هذا المقام من روايات أهل السنة، ولكن لو تأمّل أيُّ منصف أدلة المحدّث النوري وهي عبارة عن روايات عن العامة والخاصة لرأى أنها من حيث السند ساقطة، ومن حيث المتن فبعضها لا ربط له بمصحف الإمام علي عليه السلام وبعضها الآخر لا يدل تماماً على مراده، واليك تفصيله:

إنّ المحدث النوري توهم أنّ هذه الرّوايات تدل على ما ادّعاه وهي:


1- مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 49.
2- نفحات الرحمن: المخطوط، الورقة 12.
3- تاريخ القرآن: ص 76.
4- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 119.
5- فصل الخطاب: ص 97.

ص: 432

1- ما رواه السياري عن هشام عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى:

«والملائكة حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم ولا يفترون ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين» قلت ما هذا جُعلتُ فداك، قال: هذا القرآن كما انزل على محمّد بخطّ عليّ صلوات اللَّه عليهما قلت، إنّا نقرأ «... ويستغفرون لمن في الأرض ...» قال:

ففي الأرض اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاوثان أفَترى أن حملة العرش يستغفرون لهم ...؟ (1) ففي سند هذه الرواية السياري يعني أحمد بن محمّد السياري الذي اتفق علماء الرجال من الشيعة والسنة على فساد مذهبه وتضعيفه، واتفقوا أيضاً على سقوط كتابه «القراءات» بالاتفاق (2).

وأمّا من جهة المتن فلا دلالة فيه على مدّعى النّوري، لأنّنا نجد في القرآن في هذا المقام آيتين إحداهما الآية الثامنة من سورة غافر وهي قوله تعالى: «الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شي ء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم» والاخرى هي الآية الخامسة من سورة الشورى وهي قوله تعالى:

«... والملائكة يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض إنّ اللَّه هو الغفور الرحيم»، وآية سورة الشورى عامة وآية سورة غافر خاصّة، وحمل العام على الخاص هو مطابق للمحاورات العرفية، وقد ذكر سلفاً بأنّه في مصحف الإمام علي عليه السلام شخصت الآيات العامة والآيات الخاصّة، وعلى فرض صدور هذه الرّوايات فإنّ الإمام الصادق عليه السلام استفاد من هذه الطريقة في «تفسير


1- فصل الخطاب: ص 124.
2- معجم رجال الحديث: ج 2، ص 282، قال النجاشي فيه: «أحمد بن محمّد السياري ضعيف الحديث، فاسد المذهب» وأضاف الشيخ الطوسي أنه مجفو الرواية، كثير المراسيل و ...». المصدر نفسه، ولسان الميزان: ج 1، ص 382، رقم 800.

ص: 433

الآية».

2- الرّوايات التي وردت حول سورة «لم يكن» واستند إليها الدكتور القفاري أيضاً وسيأتيك الكلام عنها قريباً إن شاء اللَّه.

3- الرّوايات التي وردت في باب القراءة وجاءت في كتب الفريقين (1) مثل زيادة كلمة «وصلاة العصر» في قوله تعالى: «... والصلاة الوسطى» (2)

وزيادة كلمة «ولا محدّث» في قوله تعالى: «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ...» (3)

وزيادة «إلى آخر الدهر» بعد قوله تعالى: «إن الإنسان لفي خسر» (4)

ومثل تعبير «آل محمّد» في آية «ان اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران- وآل محمّد- على العالمين» وهي تعدّ من القراءات الواردة و ... (5).

4- الرواية التي تقول: «إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلّى اللَّه عليه وآله سبعة عشر ألف آية». وقد فصلنا القول في هذه الرواية في المقام الأول في مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة».

المسألة الثالثة: دراسة ونقد شبهات الدكتور القفاري حول مصحف الإمام عليّ:

اشارة

إنّ الدكتور القفاري بعد أن جعل فكرة وجود مصحف الإمام علي عليه السَّلام من الامور الخيالية، وبنى على ذلك اكتشافه وهو أن القول بفكرة وجود هذا المصحف يعني بداية وجود التّحريف في القرآن والتي وضع لبنتها- بحسب رأي


1- فصل الخطاب: ص 105.
2- فضائل القرآن: ص 165 والآية 238 من سورة البقرة 2.
3- الدرّ المنثور: ج 6، ص 65 والآية 52 من سورة الحج 22.
4- فضائل القرآن: ص 189 والآية 2 من سورة العصر 103.
5- مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 735، والآية 33 من سورة آل عمران 3 وشواهد التنزيل ذيل الآية 31 وهكذا تفسير الثعلبي، وروى نحوه أو ما يؤيده السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. وسيأتي البحث فيها مفصلًا.

ص: 434

الدكتور القفاري- عبد اللَّه بن سبأ، والآن وليضفي الدكتور القفاري الصبغة العلمية على اشكالاته فقد طرح عدة مناقشات على النحو الآتي:

المناقشة الاولى:

قال الدكتور القفاري:

«نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها ... التي يرويها أبان بن أبي عياش المتفق على ضعفه- كما اسلفنا- عن سليم وفيها: «إنّ عليّاً لزم بيته حتى جمعه وكان في الصحف والرقاع ...» وهذه الدعوى وردت في بعض كتب أهل السنة ولكنها لم تثبت بسند صحيح» (1).

ثم ذكر الدكتور القفاري رأي ابن حجر تأييداً لمذهبه.

لقد اثبتنا في المسألتين الاولى والثانية أن وجود المصحف أمر مستفيض لدى الخاصة والعامة ورأيت:

أولًا: ان مصدره ليس هو فقط كتاب سليم بن قيس برواية أبان بن أبي عياش.

ثانياً: لا يوجد في الرواية ما يدل على التّحريف والطعن في كتاب اللَّه بل يؤكّد حجّية القرآن الموجود.

وقد ذكرنا لك سابقاً عبارة سليم وبحثناها باختصار وعرضنا عليك جواب مناقشات ابن حجر وأمثاله.

وأمّا الآن فنحن نقف مع الدكتور القفاري حول هذه النقطة وهي: إنّ الدكتور القفاري تعهّد في كتابه أن ينقل الأحاديث من الكتب المعتبرة لدى الشيعة ويعتمد على الرّوايات الموثقة (2)، ولكنه نسي ولعلّ تناسى تعهده في هذه المسألة العظيمة،


1- اصول مذهب الشيعة: ص 236.
2- نفس المصدر: ص 15 و 23 و 219.

ص: 435

فنسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن وحكم بتكفيرهم (1) مستدلًا برواية أبان بن أبي عياش الذي أقرّ الدكتور القفاري نفسه بأنّه متفق على ضعفه.

المناقشة الثانية:

قال الدكتور القفاري:

«تصف رواية سليم جمع علي القرآن بأنه لم يكن كلّه قرآناً بل جمع تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ منه وهذا رغم أنّه لا يصحّ من أصله إلّاأنه يدل على أنه ليس وفق الاصول التي أمر بها النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لجمع القرآن ومنها قوله: «لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن» (2) فقد أمر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره خشية أن يختلط بشي ء آخر» (3).

أولًا: إنّ رواية سليم ليست وحدها التي ذكرت أنّ في هذا المصحف التنزيل والتأويل والناسخ، بل إنّ ذلك ورد في روايات أهل السنة أيضاً.

ثانياً: إنّ الدكتور القفاري نفسه يدّعي أنه:

«كان لابن مسعود وأبي بن كعب وعائشة وسالم مولى حذيفة مصاحف ... وقد يكتبون تفسيراً لبعض الآيات في نفس المصحف ...

وربما كتبوا ما نسخت تلاوته ...» (4).

فهل انّ جميع هؤلاء نسوا أمر النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بعدم كتابة شي ء سوى القرآن؟ أم انّ رواية «لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن» في الأساس إمّا


1- اصول مذهب الشيعة: ص 200.
2- وردت رواية بمضمونها عن ابي هريرة، انظر: تقييد العلم: ص 34.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 236.
4- نفس المصدر: ص 1025.

ص: 436

صادرة في مورد خاص أو انها موضوعة ومختلقة كما هو الاقوى.

ثالثاً: ان رواية «لا تكتبوا عنّي شيئاً سوى القرآن» لم ترد من طريق أهل البيت ولا من طريق من يركن إليه، وهي من الحديث الموقوف (1) والمعارض (2) بزخم من الرّوايات، وما هو في الواقع إلّاتوجيه لحفظ عمل الخلفاء وامراء بني امية الذين منعوا كتابة- وحتى نشر- روايات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلى النصف الأوّل من القرن الثاني (3)، فهم لم يجدوا حيلة يدافعون بها عن اجتهاد الخلفاء وحكام الجور إلّاالاستناد إلى رواية هي على أضعف الفرضيات موقوفة وعلى أكثر الشواهد مختلقة. بل إنّ الخلفاء أنفسهم قد منعوا من كتابة ونشر حديث النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله لم يستندوا إلى هذه الرواية.

رابعاً: كما ان سنة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله لم تكن على منع كتابة الحديث، إذ هل يعقل ان المولى عزّ وجلّ امر النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله بتبيين وتعليم آيات الوحي للناس في جميع ابعادها من الاصول والفروع ولكن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وهو معلِّم الوحي (4) ومبيّنه (5) منع عن كتابة كلامه؟! والحال ان دين الإسلام هو الدين العالمي ويجب أن يصل صوته إلى جميع أرجاء المعمورة إلى يوم القيامة الأمر الذي يقع على عاتق الكتاب والسنة.

خامساً: إنّ مسألة منع كتابة الحديث ليست بالأمر الهيّن إذ هي محل ابتلاء


1- عدّ البخاري هذا الحديث موقوفاً. نقلًا عن تقييد العلم: ص 31.
2- فهي معارض لسنّة وسيرة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم والرّوايات الصريحة المنقولة عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، كما سيأتي.
3- المنع من كتابة الحديث حتى النصف الأوّل من القرن الثاني من المسلّمات التأريخية، وهناك شواهدومصادر كثيرة تدلّ على ذلك. انظر مثلًا: أضواء على السنّة المحمّديّة: ص 47.
4- سورة الجمعة 62: الآية 2.
5- سورة النحل 16: الآية 46.

ص: 437

الناس وهم في أمسِّ الحاجة إليها فعلى هذا كيف ترد في تلك المسألة العظيمة ومحل الابتلاء، رواية أو روايتان فقط وتتعارض مع روايات عديدة (1).

والطامة الكبرى هي أنّ كثيراً من الصحابة خالفوا هذا الأمر الخطير فهذه الرواية المنقولة عن عائشة أمّ المؤمنين وفيها:

«جمع أُبي الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً قالت: فغمّني، فقلت:

أتتقلّب لشكوى أو لشي ء بلغك؟ فلمّا أصبح قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرّقها ...» (2).

وهكذا الأمر بالنسبة إلى عمر بن الخطاب الخليفة، إذ بلغه انه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها وقال:

[ «أيها الناس ... فلا يبقين أحد عنده كتاب إلّاأتاني به، فأرى فيه رأيي فظنوا انه يريد ينظر فيها، ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ...»] (3).

سادساً: ثم كيف يمكن أن ينهى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله عن الكتابة والحال انّ الرّوايات الاخرى الكثيرة تنقل عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أمره بالكتابة والتعليم والتعلم، وحتى الأمر بكتابة الحديث، فعلى سبيل المثال:

إن النهي عن الكتابة يخالف ما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في كتاب وصيته في حادثة يوم الخميس التي روتها أهل السنة والشيعة (4)، ولوضوح موقفه


1- ان كانت المسألة عظيمة وكثيرة الابتلاء ومع هذا لم ينقل عنها إلّاعدد قليل، فهذا دليل على انها موضوعة أو خطأ من راويها.
2- تذكرة الحفاظ: ج 1، ص 5.
3- الطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتقييد العلم: ص 52.
4- وهي الحادثة التي وصف فيها ابن عباس بالرزية وقال: «الرزّية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ...»، انظر صحيح البخاري مع فتح الباري: ج 8، ص 32، كتاب المغازي الرقم 4432، النص والاجتهاد: ص 151، صحيح مسلم: ج 3، ص 1259، كتاب الوصية: الرقم 22، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي و ... وغيرها كثير من روايات أهل السنة التي أوردت هذه الحادثة المرّة، ولغرض استيفاء سند ومتن كتابة الوصية انظر الهوامش التحقيقية الملحقة بكتاب «المراجعات»: ص 446 وما بعدها.

ص: 438

صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم من كتابة الحديث وأمره به، فانّ ثلّة من علماء أهل السنّة اعتمدوا على ذلك في جواز كتابة العلم في عصر النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم منهم «ابن حجر» في فتح الباري (1) ورفعت فوزي «في توثيق السنّة في القرن الثاني الهجري» (2).

وأمّا التوجيه الذي ذكره بعضٌ وتبعه الدكتور القفاري في نهي النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم عن الكتابة وهو: «نهى أن يكتب معه- أي مع القرآن- غيره خشية أن يختلط بشي ء آخر» فهو غير مقبول ولا مسموع، وإنّ ما ذهب إليه الدكتور القفاري مستفاد من قول النووي في شرحه على صحيح مسلم حيث يقول النووي:

«اختلفوا- أي المسلمون- في فهم المراد بهذا الحديث: لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن الوارد في النهي»

وبعد أن أورد وجوهاً في تعيين المراد من هذا الحديث قال:

«قيل: إن حديث النهي منسوخ بالأحاديث الواردة في جواز الكتابة، وكان النهي حيث خيف اختلاطه بالقرآن، فلمّا أمن ذلك أذن في الكتابة و ...» (3).


1- فتح الباري: ج 4، ص 210.
2- توثيق السنّة في القرن الثاني الهجري: ص 47.
3- صحيح مسلم بشرح النووي: ج 18، ص 130. وأوردها أيضاً في فتح الباري: ج 1، ص 206 وما بعدها بهذا الاختلاف.

ص: 439

لكن إعجاز القرآن ينفي وجود مثل هذا الاختلاط، وخاصة في حياة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وعلى مرأىً منه، إذ إنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم سيمنع من وقوع أي اختلاط، ومع جواز هذا الاحتمال الباطل فان الخوف من الاختلاط إنّما يتأتّى في أوائل البعثة يعني الزمان الذي لم يدوّن فيه القرآن كما ذهب إليه كثير من أهل السنة قديماً (1)وحديثاً (2)، فهناك يكون خوف الاختلاط أمراً وارداً، لكن الاشكال حينئذٍ يصبح أشدّ صعوبة حيث ان الراويين للحديث اثنان فقط أحدهما:

«أبو سعيد الخدري» (3) والآخر «أبو هريرة» (4). فأمّا أبو سعيد فكان عُمره يوم احُد ثلاث عشرة سنة، وأبو هريرة دخل الإسلام في السنة السابعة من الهجرة في المدينة، فكيف يتسنّى لهما نقل رواية كهذه في أوائل البعثة.

نعم، إنّ مسألة منع كتابة الحديث في زمن الخلفاء لها جذور تمتد إلى عصر الرسالة، حيث انّ صدى الرسالة لم يصل إلى أعماق نفوسهم، فجوّزوا لأنفسهم الاجتهاد في مقابل النص، وإليك ما ذكر «عبد اللَّه بن عمرو بن العاص» شاهداً على ما ذكرناه، فقال:

«كنت أكتب كلّ شي ء سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنّك تكتب كلّ شي ء تسمعه من رسول


1- كابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ص 266 وابن القيم، كما في تهذيب سنن أبي داود: ج 5، ص 245، وقد عزا الخطيب البغدادي هذا القول الى عدّة من الناس. تقييد العلم: ص 57.
2- كمحمد أبو زهرة في كتابه «الحديث والمحدثون»: ص 124 وصبحي الصالح في «علوم الحديث ومصطلحاته»: ص 20.
3- انظر: كتب التراجم والرجال ك «سير أعلام النبلاء»: ج 2، ص 168.
4- أسلّم أبو هريرة قبل وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بثلاث سنين في وقعة خيبر. انظر: اضواء على السنة المحمدية: ص 202 وشيخ المضيرة: ص 45.

ص: 440

اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بشر يتكلّم في الغضب والرّضا، فأبيت عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلّاالحقّ» (1).

والمؤسف أنَّ هذه الفكرة استمرت إلى ما بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وتركت آثاراً مضرّة ومخرّبة، ودراسة تلك الأضرار، من فتح الطريق لدخول الاختلاق والوضع في الأحاديث ونشر الاسرائيليات بشكل واسع، وابتعاد الناس عن المنبع الثاني في التشريع وهم أهل البيت عِدل القرآن- ونقدها وتقويم آراء العلماء في هذه المسألة يحتاج إلى مجال آخر.

المناقشة الثالثة:

قال الدكتور القفاري:

«على أي الأحوال فإنّ قصارى ما في هذه الدعوى أن يكون لعليّ [عليه السلام] مصحف مثل بعض الصحابة كابن مسعود وغيره ...

وهذا لا يتضمن الطعن في كتاب اللَّه سبحانه ...» (2).

سبحان اللَّه!! هل أنّ في روايات الشيعة أو في آراء كبار علماء الشيعة رأي كهذا؟

فمن من عظماء الشيعة يذهب إلى وجود مصحف للإمام عليّ عليه السلام ويطعن في كتاب اللَّه؟! ثمّ إنّ الدكتور القفاري ليدّعي ويقول:

«قد أكثر القوم في الحديث عن مصحف [الإمام] علي [عليه السلام] المزعوم والذي يحتوي كما يزعمون على زيادات في كتاب اللَّه» (3).


1- تقييد العلم: ص 80- 81 والمستدرك على الصحيحين: ج 1، ص 105 و 106 ومسند أحمد: ج 2، ص 162، 192 وسنن الدارمي: ج 1، ص 125 وسنن أبي داود: ج 2، ص 126 وبمضمونه في تقييد العلم: ص 68 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: ج 1، ص 85.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 237.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 261.

ص: 441

وقد ذكرنا لك عزيزي القارئ روايات كتاب سليم فهل وجدت فيها موارد للطعن في كتاب اللَّه أم العكس هو الصحيح؟ فإنّ الرّوايات توكّد حجّية هذا القرآن الموجود، وأنَّ الأخذ به موجب للنجاة من النار ودخول الجنة، ففيها يقول الإمام علي عليه السلام لطلحة حينما سأله عليه السلام: «ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن؛ ألا تظهره للناس؟! قال عليه السلام: ياطلحة! عمداً كففت عن جوابك.

قال: فاخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كلُّه أم فيه ما ليس بقرآن؟

قال عليه السلام: بل هو قرآن كلّه إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة فإنّ فيه حجّتنا وبيان [أمرنا و] حقّنا وفرض طاعتنا، فقال طلحة، حسبي، أما إذا كان قرآناً فحسبي» (1).

ونحن قد ذكرنا أنه لا يوجد مصحف كمصحف الإمام علي عليه السلام من حيث احتوائه على كافة علوم الوحي كما دلّت على ذلك روايات الفريقين.

على هذا فإن ما قاله الدكتور القفاري: «والذي يحتوي كما يزعمون على زيادات في كتاب اللَّه ...» إذا كان المقصود من الزيادات ما ورد بعنوان التأويل والتفسير و ...

كما هو عليه اتفاق علماء الإمامية فهذا مالا يوجب الطعن في القرآن، وإن كان المراد من الزيادات هو الزيادة في نصوص آيات الوحي والقرآن المُنزل، فما هو دليل الدكتور القفاري على ذلك؟ لا دليل لديه سوى عدّة روايات من خبر الواحد، ولو غضضنا النظر عن سندها ومتنها وفرضنا صحّة سندها وقوّة متنها، وغمضنا أيضاً عن أن ما يرتبط بنفس آيات الوحي والقرآن المنزل، يحتاج إلى روايات متواترة لفظياً لا معنوياً ولا اجمالياً- لو أغمضنا النظر عن كل ذلك- لما وجدنا فيها دلالة على وجود زيادات في نصوص الآيات القرآنية كما هو واضح لدى كل منصف.


1- كتاب سليم بن قيس، ص 581- 582.

ص: 442

المناقشة الرابعة:

وهي التّي أثارها الدكتور القفاري مستنداً إلى بعض الرّوايات في كتب الشيعة.

فالدكتور القفاري في بحثه تلك الرّوايات بدأ بالنقل على «كتاب الاحتجاج» لكن روايات كتاب الاحتجاج خالية من السند كما يعلم بذلك الدكتور القفاري، ورغم أن المؤلف ألزم نفسه بأنه لا يذكر في احتجاجه إلّاالرّوايات المعتبرة، ولكنه- كما قلنا- بحذفه الاسناد سقط كتابه الاحتجاج في مقام الاحتجاج والاستدلال وهو غير قابل للاعتماد في البحث العلمي، بل هناك ترديد لدى بعض علماء الشيعة في المؤلف الحقيقي لكتاب الاحتجاج (1)، ومع هذه الأوصاف التي يحملها كتاب الاحتجاج فلننظر إلى ماتمسك به الدكتور القفاري من كتاب الاحتجاج؟ فيقول:

«فإذا كانت رواية سليم تقول بأنهم ردّوا مصحف عليّ حينما جاء لأوّل وهلة فإن رواية الطبرسي تشير إلى أنهم أخذوه؛ فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فضائح القوم؛ وهي هنا تقدم لنا موضوعاً من موضوعات مصحف علي وهو فضائح القوم يعني الطعن في صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم».

وقام بعد ذكر هذه العبارة كما هو شأنه وشأن غيره كابن تيمية بكيل السباب والألفاظ البذيئة ضد الشيعة (2).

فنحن نقول:

أولًا: إنّ هذا حسب قولك هو طعن في الصحابة لا طعناً في كتاب اللَّه، فالكلام


1- كالاستاذ الشيخ معرفة في صيانة القرآن عن التّحريف: ص 231.
2- كهذه العبارة: «لا يطفئ الحقد الذي اكل قلوب هذه الزمرة الحاقدة تجاه الرعيل الأوّل الذين فتحوا ديارهم ونشروا الإسلام بينهم بل لا تتغذى قلوبهم الحاقدة إلّاعلى موائد سب الصحابة، ولا ترتوي نفوسهم السوداء إلّابالطعن فيه». اصول مذهب الشيعة: ص 237.

ص: 443

هنا ليس في الزيادات في متن آيات الوحي.

ثانياً: إنّ وجود المنافقين من الصحابة في عصر الوحي وقبيل وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أمر مسلَّم به دلّ عليه القرآن والسنّة، ومن البديهي أيضاً أنّه في خلافة أبي بكر لم يكن جميع هؤلاء قد ماتوا، وليس جميعهم قد دخل نور الإيمان في قلوبهم، بل ان بعضهم قد بقي حياً بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم واستمر في نفاقه، ودليل ذلك قوله تعالى: «يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ اللَّه مخرج ما تحذرون» (1)

وكذلك قوله تعالى: «وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرّتين ثمّ يردون إلى عذاب عظيم» (2). وقال السيوطي: نقلًا عن «ابن المنذر» و «ابن حاتم» و «أبي الشيخ» عن «قتادة»:

«كانت هذه السورة تسمى الفاضحة، فاضحة المنافقين وكان يقال لها المثيرة، أنبأت بمثالبهم وعوراتهم» (3).

وعلى هذا فإنّ وجود المنافقين في أوساط صحابة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أمر بديهي، واللَّه تبارك وتعالى ذكر في سور القرآن الكريم ومن ضمنها سورة التوبة الأوصاف الروحية للمنافقين، وخططهم وبرامجهم التي أعدّوها للكيد للإسلام والمسلمين، ولكن طريقة القرآن الكريم لم تكن ذكر المنافقين بأسمائهم، وهو أيضاً سنة وسيرة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم التي استقاها من السّماء، «فانّ سيرة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله مع المنافقين تأبى ذلك فان رأيه تأليف قلوبهم


1- سورة التوبة 9: الآية 64.
2- السورة نفسها: الآية 102.
3- الدرّ المنثور: ج 3، ص 209.

ص: 444

والأسرار بما يعلمه من نفاقهم» (1) وطريقة أمير المؤمنين ليست إلّاطريقة الكتاب والسنة، فهو لم يذكر أسماء المنافقين أبداً وأئمتنا عليهم السلام علّمونا بأنّ كلما خالف الكتاب والسنة الصحيحة هو زخرف من القول (2).

وعلى هذا فلو تغاضينا عن سند تلك الرّوايات ونظرنا إلى دلالتها فما دلّ منها على ذكر أوصاف المنافقين فقط لا أسمائهم فهذا ممّا لا سبيل إلى ردّه وإنكاره، وما كان مصحوباً بذكر أسمائهم فإننا نردّه أيّاً كان سنده لمخالفته الكتاب والسنة الصحيحة.

والرواية الاخرى ذكرها الدكتور عن كتاب «قرب الإسناد نقلًا عن بحار الأنوار» عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال:

«دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام فأخرج إليّ مصحفاً، قال: فتفحصته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان يعني الاولين» (3).

كيف يسوغ للدكتور القفاري الاعتماد على هذا الخبر في إثبات وجود الزيادة في القرآن، والحال ان هذا الخبر من حيث السند خبر الواحد، ومن حيث المتن «مدرج» وبالتالي فهو ساقط عن الاعتبار؟ وأمّا أنّه مدرج فان هذا المصحف الّذي ادّعى الراوي أنّه أخذه من الإمام الصادق عليه السلام لو كان هو مصحف الإمام علي عليه السلام، فإنّ الإمام علياً دوّنه في زمان خلافة أبي بكر ولمّا يحكم عمر بعد، حتّى يصدق عليهما عنوان الأولين وهذا ممّا يثبت إدراج عبارة «يعني


1- البيان: ص 225.
2- هذه الرواية جاءت بصورة متواترة وقد تعرّضنا إلى سندها ومتنها في المقام الأوّل.
3- بحار الأنوار: ج 92، ص 48.

ص: 445

الاولين» في متن الرواية- التي نسبها الدكتور القفاري اشتباهاً إلى المجلسي- فالإدراج كما رأيت من الراوي فكيف يمكن إثبات الزيادة في متن القرآن بتلك الرواية والحال ان متن القرآن لا يثبت إلّاعلى خبر متواتر باجماع الفريقين.

الرواية الثالثة هي رواية الكافي بسند مرسل وقد ذكرت في كتاب بصائر الدرّجات واختيار معرفة الرجال بمضمون آخر، ففي بصائر الدرّجات بسنده عن البزنطي قال:

«... ففتحت المصحف لأقرأ فيه، فلما نشرته نظرت فيه في «لم يكن» فاذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه فقدمت على قراءتها فلم أعرف منها شيئاً، فأخذت الدواة والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها، فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها بشي ء ومعه منديل وخيط فقال، مولاي يأمرك أن تضع المصحف في منديل وتختمه وتبعث إليه بالخاتم ففعلت ذلك.» (1).

وفي الكافي أورد عن البزنطي نفسه:

«دفع الي أبو الحسن مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه «لم يكن الذين كفروا» فوجدت فيها اسم سبعين رجلًا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف.» (2).

وفي «اختيار معرفة الرجال» أيضاً عن البزنطي قال:

«لما أُتي بابي الحسن عليه السلام اخذ به على القادسية ولم يدخل الكوفة واخذ به على البِّر إلى البصرة قال، فبعث إليّ مصحفاً وانا بالقادسية، ففتحته فوقعت بين يدي سورة «لم يكن» فإذا هي أطول وأكثر مما يقرأها الناس، قال فحفظت منه أشياء قال، فأتاني مسافر ومعه منديل وطين وخاتم فقال، هات! فدفعته إليه فجعله في المنديل ووضع عليه الطين وختمه فذهب عنّي


1- بصائر الدرّجات: ص 246 وبحار الأنوار: ج 92، ص 51.
2- الكافي: ج 2، ص 631.

ص: 446

ما كنت حفظت منه وجهدت أن أذكر منه حرفاً واحداً فلم أذكره.»

وهذه الرواية أيضاً من حيث السند خبر الواحد، ومن حيث المتن مضطربة، ولا يمكن إطلاقاً الاعتماد عليها في هذا الموضوع المهم جدّاً، وعلى فرض صدورها واعتبار متنها فهي لم تصرّح بزيادة أسماء سبعين رجلًا من قريش أو أشياء أخرى كانت في متن السورة، وهو كما ذكره المحدث الفيض الكاشاني بقوله:

«لعلّ المراد انّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي، لا أنها كانت من أجزاء القرآن» (1).

ولكن الكلام هنا مع الدكتور القفاري كيف طوعت له نفسه الاعتماد على مثل هذا الحديث الضعيف سنداً والمضطرب متناً مع إنّه لاحظ ذلك الحديث وقال:

«نصوص متناقضة كالعادة في كلّ اسطورة وإذا كان يصعب كتابة شي ء منه أو حفظ جزء منه، فكيف حفظت وكتبت تلك الأساطير؟

وإنّها أوهام يناقض بعضها بعضاً» (2).

ثم استفاد من هذا التناقض بطلان المذهب بقوله:

«والتناقض أمارة بطلان المذهب» (3).

وعلى هذا يمكن لنا أن نستنتج أنّ كلّ رواية من روايات كتب أهل السنة مضطربة المتن- وهو ما يوجب عدم اعتبارها- فإنها في نظر أهل الشقاق دليل على التناقض وعلامة بطلان المذهب!! وهكذا يستمر الدكتور القفاري ويقول:

«... هذا المصحف يشير إلى أنّ من موضوعاته تكفير صحابة رسول


1- الوافي: ج 5، ص 273.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 264.
3- نفس المصدر: 268.

ص: 447

اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو ليس كتاب اللَّه الذي انزل للناس كافّة والذي أثنى على الصحابة في جمل من آياته ... بل هو مصحف تتداوله الأيدي الباطنية بصفة سرية وتنسب بعض الأخبار لأهل البيت لتسي ء لهم».

ورجماً بالغيب يقول:

«وإنّ ما حفظ من سبعين اسماً يتعلق بأعداء الأئمة من قريش» (1).

هذه الخرافة نسبها الدكتور القفاري إلى رواية البزنطي، والحال أنّ سورة «لم يكن» لم تكن في الأصل تخص المنافقين، وإنّما هي حول أهل الكتاب والمشركين وفي الواقع إن تلك الثورة العاصفة والغضب الصاعق والاتهامات الصادرة من الدكتور القفاري إنّما سببها في الحقيقة هو بحسب زعم الدكتور القفاري إنّ مصحف الإمام علي طعن في الصحابة وكفّر بعضهم والصحابة بأجمعهم أعلى وأجلّ من الكفر والنفاق في حين أنّ المنافقين كانوا في أوساط الصحابة. فهذا ابن تيمية يقول في «حذيفة بن اليمان»:

«وأما حديث حذيفة فقد ثبت في الصحيح ان حذيفة كان يعلم السر الذي لا يعلمه غيره وكان ذلك ما أسرّه إليه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عام تبوك من أعيان المنافقين، فإنّه روى أن جماعة من المنافقين أرادوا أن يحلّوا حزام ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل ليسقط من بعيره فيموت وإنّه أوحي إليه بذلك وكان حذيفة قريباً منه فأسرّ إليه أسماءَهم» (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 264.
2- التفسير الكبير، ابن تيمية: ج 2، ص 69- 70، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمار وحذيفة- رضي اللَّه عنهما- الرقم 3743.

ص: 448

وعلى هذا فإنّه بزعم الدكتور القفاري ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه يكون- والعياذ باللَّه- أول من طعن بالصحابة لأنّه ذكر بعضاً من المنافقين من الصحابة وعرّف حذيفة أسماءهم.

وعلى أية حال فإنّا نقول: ساحة القرآن المقدسة أعلى وأعظم شأناً من أن تمس بوجود أمثال هذه الرّوايات أو الافتراءات التي لفقّها الدكتور القفاري، وإلّا فهذا النوع من الرّوايات يوجد أمثالها في كتب أهل السنة في مقام نفس هذه السورة «لم يكن» أيضاً- كما مرّ علينا في المقام الأوّل- فهل يجب علينا الركون إلى معايير الدكتور القفاري وتعصّبه مع تلك الرّوايات المتعددة والتي بعضها صحيح السند، يعني أنّه بدلًا من أن يجعل الاضطراب في متن هذه الرّوايات وبُعدها عن الفخامة والعذوبة دليلًا على أجنبيتها عن القرآن وكونها ليست منه، بدلًا عن ذلك يستنتج من التناقض الذي فيها بطلان المذهب، أو يستدل بهذه الرّوايات المزعومة على وجود مصحف سرّي في أيدي الباطنية، فاي من هذين الطريقين يمكن عدّه من الطريقة التحقيقية السليمة المتصفة بالإنصاف والحكم بالعدل لبيان الحقائق؟

وعلى هذا فماذا يريد أن يثبته الدكتور القفاري من ادّعائه هذا يا ترى؟ طبعاً الشيعة تقول- كما هو قول كبار علماء أهل السنة أيضاً- إنّنا لو كان هذا المصحف- أي مصحف الإمام علي عليه السلام- في متناول أيدينا لحصلنا على معلومات أكثر عمقاً فيما يرتبط بالآيات وتفسيرها وتأويلها وشأن نزولها وغير ذلك ممّا هو في أيدينا الآن، وهذه النكتة غير خافية على المحققين. وأظنّ انّ هذا المصحف الذي لم ير النور بين أوساط المسلمين بالنظر إلى مؤلفه الذي يمتلك تلك الشخصية العظيمة؛ هو باتفاق الفريقين

«باب مدينة علم النبيّ» (1)

و

«لم يسبقه الاوّلون ولم يدركه


1- استقصى مؤلف كتاب «نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار» أسانيد هذا الحديث وقال: هذاالحديث من الأحاديث المتواترة بين المسلمين: انظر: نفحات الازهار: ج 10 وأيضاً راجع: فتح الملك العلي بصحة أحاديث باب مدينة العلم عليّ، أحمد بن محمد الغماري والسيوطي قد حكم بأنّه حديث حسن! تاريخ الخلفاء: ص 159.

ص: 449

الآخرون بعلم» (1)

و

«علي مع القرآن والقرآن مع علي» (2). ومن أخبر عن نفسه بأنّه:

«واللَّه ما نزلت آية إلّاوقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ...» (3)

وقال:

«سلوني عن كتاب اللَّه فإنّه ليس من آية إلّاوقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل» (4)

وشواهد ذلك كثيرة جداً، نعم، لو كان لدينا ذلك المصحف، لما كان وضع علم التفسير كما هو عليه الآن، ولما قال أحمد بن حنبل: «ثلاثة ليست لها أصل، التفسير والملاحم والمغازي» (5).

وكذلك ابن تيمية بعد ذكره الوضع والاختلاق في الأحاديث إذ يقول:

«وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة ... والموضوعات في كتب التفسير كثيرة» (6).


1- هذا مقطع من خطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، والتي نقلهاالفريقان، فمثلًا راجع: حلية الاولياء: ج 1، ص 65.
2- المستدرك للحاكم: ج 3، ص 124 والصواعق المحرقة: ص 76- 77 والمعجم الاوسط والصغير للطبراني نقلًا عن تاريخ الخلفاء: ص 162، للسيوطي وقال: «وزاد في المعجم: لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض» نفس المصدر.
3- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338 والصواعق المحرقة: ص 12 وانساب الأشراف: ج 2، ص 98 وتاريخ دمشق: ج 2، ص 485 والمحرر الوجيز: ج 1، ص 13.
4- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 328 وتفسير الطبري: ج 13، ص 221 وشواهد التنزيل بعدّة أسانيد: ج 1، ص 40 و 45 والمستدرك للحاكم: ج 2، ص 466، حلية الاولياء: ج 1، ص 67، والاستيعاب: ج 4، ص 1107.
5- نقلًا عن مقدمة في اصول التفسير لابن تيمية: ص 4.
6- مقدمة في اصول التفسير: ص 19. بواسطة كعب الاحبار وابن منبه وسواهما من اليهود الذين أسلموا تسربت إلى الحديث لا سيما في التفسير طائفة من اقاصيص التلمود- الاسرائيليات- وما لبثت هذه الرّوايات ان أصبحت جزءاً من الأخبار الدينية والتاريخية. فعلى سبيل المثال انظر: الدرّ المنثور: ج 5، ص 347 و ... واستمع بعد ذلك إلى كلام ابن كثير فانه بعد أن روى عدة روايات عن كعب الاحبار في تفسير الآيات 102- 107 من سورة الصافات قال: «وهذه الاقوال واللَّه اعلم كلّها مأخوذة عن كعب الأحبار فانه لما اسلّم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي اللَّه عنه عمّا في كتبه قديماً فربما استمع له عمر رضي اللَّه عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمّة واللَّه اعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده». تفسير القرآن العظيم: ج 4، ص 17.

ص: 450

ولو كان لدينا ذلك المصحف، لما فسح المجال لدخول الاسرائيليات في كتب التفسير أو لكانت قليلة، تلك الاسرائيليات التي بدأت في عصر الصحابة، ثم توسعت في عصر التابعين، وكما يقول الذهبي:

«إنّ دخول الاسرائيليات في التفسير أمر يرجع إلى عهد الصحابة رضي اللَّه عنهم ... وسبق لنا القول بأن الرجوع إلى أهل الكتاب كان مصدراً من مصادر التفسير عند الصحابة ... وأما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب فكثرت على عهدهم الرّوايات الإسرائيلية في التفسير ...» (1).

فإنّ عمدة هذه المصائب هو تجريد القرآن من تبيين وتفسير النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم له، والفراغ الحاصل لدى المسلمين في تفسير القرآن لوجود فاصلة بين المجتمع الاسلامي والأشخاص الذين جعلهم النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم عدل القرآن وورّاثه (2)، ولَنِعْمَ ما قاله عبد الكريم الشهرستاني في المقام:


1- التفسير والمفسرون: ج 1، ص 169.
2- وهو مفاد حديث الثقلين.

ص: 451

«كيف لم يطلبوا جمع علي بن أبي طالب أَوَ ما كان أَكتَب من زيد بن ثابت؟! أَوَ ما كان أَعرَب من سعيد بن العاص؟! أَوَ ما كان أقرب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جَمعَه واتخذوه مهجوراً ونبذوه ظهرياً وجعلوه نسياً منسياً ...

ومن المعلوم إنّ الذين تولوا جمعه كيف خاضوا فيه ولم يراجعوا أهل البيت عليهم السلام في حرف، بعد اتفاقهم على أنّ القرآن مخصوص بهم وإنّهم أحد الثقلين في قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي وفي رواية أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ...» (1).


1- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 125. أقول: ما قاله الشهرستاني قولٌ في محله، فانّ القرآن مخصوص بهم وهم حملة تراثه، وإنّا- كما قال بعض المحققين- إذا أخذنا بنظر الاعتبار السؤال الذي يطرح عادةً وهو السؤال عن حدود التفسير الذي مارسه الرسول الاعظم صلّى اللَّه عليه وآله ومداه، فهل شمل القرآن كله بان كان يفسّر الآيات تفسيراً شاملًا؟ أم اقتصر على جزء منه؟ أم كان يتناول الآيات التي يستشكل الصحابة في فهمها ويسألون عن معناها وحسب؟ فهناك من يعتقد ان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله لم يفسر إلّاآيات من القرآن ويستند أصحاب هذا القول في ذلك إلى روايات تنفي ان يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وآله قد فسّر القرآن كلّه تفسيراً شاملًا وعلى رأس هؤلاء السيوطي في الاتقان ج 4، ص 196- 200. فمن تلك الرّوايات ما أخرجه البزاز عن عائشة قال: «ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يفسر ... إلّاآياً بعدد ...» التفسير والمفسرون، للذهبي، ج 1، ص 51. وأهم ما يعزز هذا القول هو طبيعة الأشياء والوقائع المشهودة وإلّا لكثرت روايات الصحابة عنه في هذا الشأن، ولما وجدنا الكثرة الكاثرة منهم أو كبار رجالاتهم يتحيرون في معنى آية أو كلمة من القرآن ويغيب عنهم حتّى المدلول اللفظي للنص. ولكن توجد في مقابل ذلك أدلّة وشواهد من القرآن وغيره تشير إلى ان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله كان يقوم بعملية تفسير شامل للقرآن كله، ولعل في طليعة ذلك قوله تعالى: «كما أرسلنا فيكم رسولًا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون» البقرة 2/ 151 وقوله تعالى: «... وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون» النحل/ 44. وطبيعة الأشياء حين ننظر إليها من زاوية أخرى غير الزاوية السابقة ... تدلّ على أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله قد فسّر القرآن تفسيراً شاملًا كاملًا لأنّنا عرفنا: من ناحية أنّ الفهم الاجمالي للقرآن لم يكن كافياً لكي يفهم الصحابة القرآن فهماً شاملًا دقيقاً ... ومن ناحية أخرى نحن نعرف: أنّ القرآن لم يكن في حياة المسلمين نصاً أدبياً أو أشياء ترتل ترتيلًا في عباداتهم وطقوسهم وانما كان الكتاب الذي أُنزل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتزكيتهم وتثقيفهم والارتفاع بمختلف مستوياتهم وبناء الشخصية الاسلامية الواعية للفرد والاسرة والمجتمع. ومن الواضح أنّ هذا الدور العظيم لا يمكن للقرآن الكريم أن يؤديه بصورة كاملة شاملة ما لم يفهم فهماً كاملًا شاملًا ... وهكذا نجد أنفسنا أمام تناقض بين قولين لكلّ منهما شواهده ومعززاته وهذا التناقض بحاجة إلى حلّ. وقد لا نجد حداً منطقياً أقرب إلى القبول من القول: بأنَّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله فسّر القرآن الكريم على مستويين: فقد كان يفسّره على مستوى العام في حدود الحاجة ومتطلبات الموقف الفعلي ولهذا لم يستوعب القرآن كله. وكان يفسّره كذلك على مستوى خاص تفسيراً شاملًا كاملًا بقصد ايجاد من يحمل تراث القرآن ويندمج به اندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تتيح له ان يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الأُمة للقرآن ... ونحن إذا فسّرنا الموقف في هذا الضوء، وجدنا أنّه يتّفق مع طبيعة الأشياء من كل ناحية. فندرة ما صح عن الصحابة من الرّوايات عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله في التفسير مردها إلى أنّ التفسير على المستوى العام لم يكن يتناول جميع الآيات بل كان يقتصر على قدر الحاجة الفعلية. ومسؤولية النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله في ضمان فهم الأُمة للقرآن وصيانته من الانحراف يعبّر عنها المستوى الخاص الذي مارسه من التفسير ولا يكفي المستوى العام لحصول هذا الضمان ... وهذا الحلّ المنطقي للموقف تدعمه النّصوص المتواترة الدالة على وضع النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله لمبدأ مرجعية أهل البيت عليهم السلام في مختلف الجوانب الفكرية للرسالة ووجود تفصيلات خاصة لدى أهل البيت تلقوها عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله في مجالات التفسير والفقه وغيرهما. أما النصوص التي تمثل مبدأ مرجعية أهل البيت عليهم السلام في الجوانب الفكرية للرسالة فهي كثيرة ...» ثم ذكر عدة نصوص، منها حديث الثقلين وحديث الامان وهو قوله صلّى اللَّه عليه وآله: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف» انظر: مستدرك الصحيحين: 3/ 149 والصواعق: 140 وحديث السفينة وهو قوله صلّى اللَّه عليه وآله: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق»، راجع لمصادره، فضائل الخمسة: ج 2، ص 44- 66 وحديث الحق وهو قوله صلّى اللَّه عليه وآله: «علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» انظر: تاريخ بغداد، ج 14، ص 321 وتفصيل الرواة في فضائل الخمسة: ج 2، ص 122- 124 وغيرها من النصوص ... علوم القرآن: السيد محمّد باقر الحكيم، ص 252- 257.

ص: 452

ص: 453

المناقشة الخامسة:

وهي ما زعمه الدكتور القفاري بقوله:

«إذا كان لعلي [عليه السلام] مصحف يخالف المصحف الإمام فما يخالف المصحف الذي أجمع عليه المسلمون لا اعتداد به ...» (1).

إن كان مراد الدكتور القفاري من مخالفة مصحف الإمام علي عليه السلام للمصحف الموجود المجمع عليه من حيث عدم اشتماله على تبيين وتفسير النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ولكنَّ مصحف الإمام علي عليه السلام كان مليئاً بالتفسير والتبيين، فعلى هذا يجب الرجوع إلى المصحف المجمع عليه وغيره لا اعتبار له. هذا التفاوت في المصحف لا يوجد خللًا في جوهر القرآن، رغم ان المصادر والشواهد اثبتت بان تجريد المصاحف من تبيين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كان في الحقيقة اجتهاد في مقابل النصّ، وهو استمرار لشعار «حسبنا كتاب اللَّه» (2) وتنفيذ سياسة منع كتابة ونشر حديث النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وقد بحثنا ذلك آنفاً.

ورغم أنّ القرائن والشواهد المتعددة تفيد بأنّ الصَّحابة- باقتضاء حضورهم


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1022.
2- وهو شعار الخليفة الثاني عند وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. وللوقوف على سند ومتن هذا الحديث راجع: الهوامش التحقيقية الملحقة بكتاب المراجعات: ص 446 وما بعدها.

ص: 454

حول النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- كانوا يكتبون تأويل وتبيين النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في القرآن، فكانوا يشخّصون بشكل جيد الوحي القرآني من الوحي التبييني، قال ابن الجزري:

«كانوا- أي الصحابة- ربما يدخلون التفسير في القراءة أيضاً وبياناً لأنهم محققون لما تلقوه عن النبيّ قرآناً فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه» (1).

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني وهو في بيان قصد عثمان لتوحيد المصاحف:

«أخذه بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل اثبتت مع التنزيل ...» (2).

ولكنّ سياسة تجريد القرآن من السنّة حدثت بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم. يقول الطبري في سيرة عمر ما نصّه:

«كان عمر إذا استعمل العمّال خرج معهم يشيعهم فيقول جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن محمّد صلّى اللَّه عليه وأنا شريككم» (3).

والحقيقة أنّ ذلك الموقف السلبي من كتابة سنة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله تمتد جذوره إلى عصر الرسالة كما ظهر جليّاً في موقف قريش من عبد اللَّه بن عمرو بن العاص (4)- الذي مرّ ذكره- ولذا فالنبي صلّى اللَّه عليه وآله لعلمه بالغيب وما


1- النشر: ج 1، ص 33.
2- عن البرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 235.
3- تاريخ الطبري: ج 4، ص 204، طبعة مصر سنة 1963 م وطبعة اوروبا: ج 1، ص 274. وانظر أيضاً: فضائل القرآن لابن سلام: ص 32 رقم 15 والطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتذكرة الحفاظ: ج 1، ص 7.
4- قد تقدم آنفاً حديث نهي قريش عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، حين كتب كل شي ء سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وقالوا: انك تكتب كل شي ء تسمعه من رسول اللَّه وهو بشر يتكلم في الرضا والغضب الخ ...

ص: 455

سيحصل بعد وفاته قد حذّر المسلمين بقوله:

«أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن اللَّه لم يحرم شيئاً إلّاما في هذا القرآن، الا وانّي وَعظت وأمرتُ ونهيتُ عن اشياء انها لمثل القرآن أو أكثر» (1).

ويتحصّل من ذلك أن عمل الإمام علي عليه السلام في مجال القرآن الكريم منطبق تماماً مع سنة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وأما عمل الآخرين الذين جرّدوا القرآن عن التفسير والتبيين فهو مخالف للسنة، ولان التفاوت بين مصحف الإمام علي عليه السلام والمصحف الموجود بين أيدينا هو في تفسير وتبيين الآيات لا في متن الوحي- كما اتفق عليه تقريباً كل علماء الإمامية- فلا يوجد أيّ تناقض واختلاف غير قابل للجمع بالنسبة للروايات التي تحدّثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام والرّوايات التي تحدثت عن أن القرآن الموجود هو ما أنزل اللَّه على نبينا محمّد صلّى اللَّه عليه وآله لا زيادة فيه ولا نقص- ولا بالنسبة للروايات التي تتصل بالقراءات السبعة إلى الإمام علي عليه السلام- فهذا التناقض والاختلاف الموهوم من دعاوي الدكتور القفاري مبنيّ على رأيه بأنّ في مصحف الإمام علي عليه السلام آيات من الوحي القرآني وقد حذفت من المصحف الموجود والحال أن الدكتور القفاري لم يأت بدليل لاثبات ادعائه إلّاما مرّ من أخبار الآحاد الضعيفة السند والناقصة الدلالة والتشبث بقول المحدّث النوري وقد بحثنا ذلك فيما


1- المعجم الكبير: ج 18، ص 258، الرقم 645 وسنن البيهقي: ج 9، ص 204 وسنن أبي داود: ج 3، ص 166، الرقم 3034 وج 4، ص 200، الرقم 4604 وبمضمونه: المستدرك للحاكم: كتاب العلم: ج 1، ص 108 وسنن الدارمي: 1/ 140.

ص: 456

تقدم.

وإذا كان كلام الدكتور القفاري إلى هنا شبيهاً بالتحقيق العلمي إلى حدّ ما، فإنّ كلامه من الآن فصاعداً لا يخلو من صخب وثرثرة، ولهذا لا يستحق المناقشة والبحث لكن حتى تزول الشبهة من الاذهان نقف معه قليلًا. فالدكتور القفاري في البداية أورد من كلام عبد الصبور شاهين ومحمّد بلتاجي ما نصّه:

«ويلاحظ أنّ من بين القراء المشهورين ما يرجع سند قراءته إلى أئمة أهل البيت ولهذا استدل الدكتور عبد الصبور شاهين على براءة أهل البيت وزيف ادعاءات الشيعة، إن من بين القراء السبعة المشهورين حمزة الزيات وسند قراءته هو: حمزة الزيات عن جعفر الصادق [عليه السلام] وهو قرأ على محمّد الباقر [عليه السلام] وهو قرأ على زين العابدين [عليه السلام] وهو قرأ على أبيه الحسين [عليه السلام] وهو قرأ على أبيه عليّ بن أبي طالب [عليه السلام] فهؤلاء الأبرار من آل البيت لم يخرجوا على إجماع المسلمين على المصحف الإمام، آية رضاهم به إقراؤهم الناس بمحتواه دون زيادة أو نقص أو ادعاء يمس كمال كتاب اللَّه سبحانه.

وقال الدكتور محمّد بلتاجي: ونضيف إلى ذلك أن قراءة علي بن أبي طالب [عليه السلام] للقرآن قد رويت بطريق زيد بن علي أخي الإمام الباقر وعمّ الإمام الصادق [عليهما السلام] وهذا ما يسلم به الإمامية الاثنا عشرية أنفسهم» (1).

بعدها أضاف الدكتور القفاري قائلًا:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 266 نقلًا عن تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين: ص 170 ومناهج التشريع الاسلامي لمحمد بلتاجي: ج 1، ص 189.

ص: 457

«قلت: أضيف- أيضاً- اقراراً واعترافاً آخر من شيخ الشيعة المجلسي حيث يقول: «القراء السبعة إلى قراءته (يعني قراءة علي [عليه السلام]) يرجعون» ... والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ...» (1).

ثم أورد دليل العلامة المجلسي على كلامه هذا قائلًا:

«بل يقولون- كما ذكره شيخهم علي بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي في كتابه سعد السعود- ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب» (2).

وبالتالي توصّل الدكتور القفاري إلى النتيجة التي كان يترصّدها؛ وهي:

«أليس هذا كلّه ينقض كل ما ادعوه ويهدم كل ما بنوه ... وهو دليل على اختلاف أخبارهم وتناقضها والتناقض أمارة بطلان المذهب ...» (3).

نحن نسأل الدكتور القفاري ما هو ادعاء الشيعة الّذي نقضه الآن؟ وأي بناء كان لهم والآن هدموه؟ وأي تناقض في أخبارهم أدّى إلى بطلان المذهب؟

أين التناقض؟ هل رأى الدكتور القفاري التناقض في الرّوايات حول أصل وجود مصحف الإمام علي عليه السلام- والذي توجد أخباره في كتب أهل السنة بصورة أكثر- والمصحف الموجود بين أيدينا فليس في تلك الرّوايات تناقض كما رأيتم، أم هل ان الرّوايات التي تتحدث عن محتوى مصحف الإمام علي عليه السلام تكشف عن وجود تناقض بينه وبين المصحف الموجود حينما نقارن بينهما؟


1- اصول مذهب الشيعة: ص 266.
2- المصدر السابق.
3- المصدر نفسه: ص 267.

ص: 458

وقد لاحظتم أنّ شيئاً من هذا لم يكن، والرّوايات القليلة التي هي مورد اعتماد الدكتور القفاري متشبثاً بقول المحدّث النوري أيضاً إضافة إلى أنها خبر الواحد ممّا يؤدي إلى سقوطها من حيث السند فإنّها ناقصة الدلالة على المراد، وعلى هذا فلا بدّ أن يكون التناقض في نظر الدكتور القفاري هو الحاصل بين آراء كبار علماء الشيعة حول المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام، ولكنّك لاحظت آراء كبار علماء الشيعة وتبين لك انهم لا يرون تفاوتاً في جوهر آيات الوحي في كلا المصحفين عند المقايسة بينهما.

ولابدّ أن الدكتور القفاري يرى التناقض في كلام المجلسي إذ يقول المجلسي:

«القراء السبعة إلى قرائته يرجعون ... والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى الإمام علي عليه السلام ...»

لكن ما ذكره المجلسي صرّح بأنه نقله من كتاب «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب (1). واخبر ابن شهرآشوب نفسه بسنده عن أهل السنّة بعدّة طرق عن مصحف الإمام علي عليه السلام من جملتها:

«حدثني أبو العلاء والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح: أن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر عليّاً [عليه السلام] بتأليف القرآن فالّفه وكتبه» (2).


1- لا ننسى أن ابن شهرآشوب المتوفّى سنة 588 ه ذكر أن اسناد القراءات السبعة يرجع كلّه إلى الإمام علي عليه السلام، أيضاً العلامة المجلسي رحمه اللَّه تعالى الذي نقل قوله هذا توفّي سنة 1111 ه أي قبل ولادة المحدّث النوري بعشرات السنين. وعلى هذا فان المحدّث النوري لم يكن قبل ابن شهرآشوب والمجلسي رحمهما اللَّه تعالى حتّى يبني على وقوع التّحريف في القرآن ليأتي من بعده ابن شهرآشوب وغيره ليهدموا ما ذكره، ثم يأتي لنا الدكتور القفاري ويقول: «أليس هذا كلّه ينقض كلّ ما ادّعوه، ويهدم كلّ مابنوه»!!
2- المناقب: ج 2، ص 51.

ص: 459

أو يحتمل أن الدكتور القفاري استنتج التناقض من قول علي بن محمّد بن طاووس في كتابه سعد السعود بقوله: «ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب» لكن الدكتور القفاري- وكما هو دأبه- لم ينقل تمام عبارة ابن طاووس التي ذكرها أبو عبد اللَّه الزنجاني في كتاب تأريخ القرآن، ونقلها الدكتور القفاري من هذا الكتاب نفسه- أي كتاب تاريخ القرآن- كي لا يتضح القائل الأصلي لهذا القول والذي هو «أبو جعفر محمّد بن منصور» من كبار علماء الزيدية (1) لا من الاثني عشرية،- ولو كان كلام هذا القائل مسنداً وصحيحاً فإنّه لا يلزم منه التناقض أيضاً-، فانظر إلى عبارة أبي عبد اللَّه الزنجاني:

«ذكر علي بن محمّد بن طاووس العلوي الفاطمي في كتابه سعد السعود نقلًا عن كتاب أبي جعفر محمّد بن منصور ... ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه» (2).

إذاً قائل هذا القول هو: أبو جعفر محمّد بن منصور وهو من الزيدية ولكن الدكتور القفاري قال:

«بل يقولون (أي الإمامية الاثنى عشرية) كما ذكره ...»

ومن ثم يكتشف التناقض!!

والحق أنّ أبا عبد اللَّه الزنجاني- ناقل هذا القول- في هذا الكتاب نفسه يرى أن الاختلاف بين المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام فقط في الترتيب، وقد كتب فصلًا تحت عنوان: «في ترتيب السور في مصحف الإمام علي عليه السلام» (3) وعلى هذا فإنّ رأيه أيضاً لا يكون موجباً للتناقض وهدم البناء


1- انظر ترجمته في كتاب «مجمع البحوث ومطلع البدور» الّف في طبقات الزيدية.
2- تاريخ القرآن: ص 75.
3- المصدر السابق.

ص: 460

و ... ممّا ادّعاه الدكتور القفاري.

هذا، وينتقل الدكتور القفاري في تتمة حديثه إلى كتاب «المعارف الجلّية» فيقول عنه:

«إنّه ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن عثمان بن عفان طلب من علي عليه السلام مصحف فاطمة الذي كانت هي سلام اللَّه عليها دوّنته باشارة من أبيها وطابقه مع المصاحف الاخرى التي كانت بيد الصحابة فما طابق منها مصحف فاطمة نشره وما لم يطابقه أحرقه ...» (1).

ثمّ يصل إلى هذه النتيجة:

«ويبدو من خلال النصّ أنّ ذلك محاولة منهم للرجوع عن تلك المقالة بعد ما جلبت عليهم العار وأورثتهم الذلّ والشماتة وضرت مذهبهم ولم تنل من كتاب اللَّه شيئاً ... ولعلهم وضعوا المقالة الأخيرة التي تقول إنّ عثمان قابل القرآن على مصحف فاطمة المزعوم وضعوها للخروج من هذا المأزق لكن هذا مخالف أخبارهم التي تقول أن مصحف فاطمة غير القرآن» (2).

وتلك المقالة التي جلبت عليهم العار و ... لا تكون في الواقع إلّالدى أمثال الدكتور القفاري الذي يسعى جاهداً لإخفاء الحقائق، فهم يعدّون مصحف الإمام علي عليه السلام من الخرافات والأوهام على الرغم من أنّ كثيراً من مصادر الفريقين قد نقلته. ويذهبون إلى أنّ وجود ذكر لهذا المصحف في الكتب دليل على بداية القول بالتحريف وأنّه من آثار السبئية.


1- المعارف الجلية في تبويب أجوبة المسائل الدينية: ص 19.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 268.

ص: 461

وأخيراً اختلق «تلك المقالة الموهومة» وأضاف إليها الموهومات الاخرى، وإلّا فإنّكم لاحظتم أقوال محققي الشيعة في مقام نزاهة القرآن وأيضاً مصحف الإمام علي عليه السلام عن التّحريف فما الذي قاله الشيعة يا ترى حتى ساغ للدكتور القفاري القول: «جلبت عليهم العار وأورثتهم الذل و ... والآن يحاولون الرجوع عن تلك المقالة»؟!!

وارتكب الدكتور القفاري هنا زلّة كبيرة وعلى إثرها كتب:

«مصحف فاطمة المزعوم وضعوها للخروج من هذا المأزق ...»

لكن مصحف فاطمة في عبارة كتاب «المعارف الجلية»- على فرض صحة خبره- غير مصحف فاطمة المشهور في لسان روايات الشيعة، ذاك المصحف كما قال صاحب «المعارف الجلية» دونته فاطمة بإشارة من أبيها وهو في عصر حياة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله كسائر مصاحف الصحابة والمصحف في الروايات هو من تحديثات جبرائيل للأمور الآتية على فاطمة سلام اللَّه عليها- لأنّ فاطمة محدَّثة (1)- بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وهو غير القرآن،- وسيأتي البحث عنه أكثر في دراسة ونقد آراء محمد مال اللَّه- فعلى هذا كلمة مصحف مشترك لفظي وهما مصحفان كما لا يخفى على ذي الحجى.

وهنا يلزمنا إضافة هذه النكتة وهي أنّ مؤلّف «المعارف الجلية» بعد أن كتب:

«وقد سبق البحث في حفظ الكتاب الشريف عن السقط والتّحريف».


1- ولا غرو فيه، لأنّ فاطمة سيدة النساء على ما صرّحت به أحاديث الفريقين، انظر: الخصائص للنسائي، باب «ذكر الأخبار المأثورة بأنّ فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سيدة النساء» وقد قام محقق الكتاب بتخريج مصادر الأحاديث: ص 177- 182. ونزول جبرائيل عليها أيضاً لا ينكر لأنّ المتفق بين العلماء أنّ جبرئيل لم ينزل بوحي الرسالة على امرأة لا بمطلق الوحي، انظر: أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها لمحمد بن أبي بكر الرازي الحنفي: ص 211.

ص: 462

وقال في مقام مصحف الإمام علي عليه السلام:

«... وأمّا ردّهم لمصحف علي عليه السلام حين جمعه وأتى به إليهم في المسجد فمن القريب جداً أنه كان مشتملًا على التفسير والتأويل الوارد عن اللَّه تعالى وعن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وممّا كان لا يمكنهم إنكاره فأراد عليه السلام إلزامهم به على الحق ...» (1).

وعلى هذا فإنّه- صاحب المعارف الجلية- أيضاً لا يرى تفاوتاً في جوهر الآيات بين المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام، ولا ينطبق على رأيه ما قاله الدكتور القفاري بقوله: «جلبت عليهم العار وأورثتهم الذل و ...» بالإضافة إلى أنّ صاحب «المعارف الجلية» نقل هذا القول: أي «إنّه ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنّ عثمان بن عفان طلب من عليّ عليه السلام مصحف فاطمة ...» عن كتاب «ديوان دين» (2)، ومؤلفه نقل هذا القول عن كتاب «تاريخ طبرستان» (3) ولكنني لدى تصفّحي كتاب «تاريخ طبرستان» لم اعثر على هذا المطلب ودليله، وعلى فرض وجوده- مع احتمالي عدم رؤيتي له- فانّ مطالب هذا الكتاب خالية عن المصدر والسند، ولم يقل أحد من الشيعة اطلاقاً بأنّ مصحف فاطمة عليها السلام اعطي إلى عثمان على أنه باتفاق الآراء والرّوايات الواردة عن أهل البيت فإنّ مصحف فاطمة هو غير القرآن (4).

والآن تصل مرحلة الجواب عن هذا السؤال المهم؛ وهو أنه: لِمَ ظلّ مصحف الإمام علي عليه السلام مخفيّاً؟ وهذا السؤال طبّل له الدكتور القفاري مراراً


1- المعارف الجلية: ص 19.
2- ديوان دين: ص 52.
3- تأليف: محمّد بن محمود آملي من مؤرخي القرن السابع وقد الّف كتابه هذا في سنة 613 ه. ق. باللغة الفارسية.
4- انظر: بحار الأنوار: ج 26، ص 41- 48.

ص: 463

وتكراراً، ودار حوله ونسج فيه القول بأبشع الألفاظ وأخسّها وأبعدها عن روح البحث العلمي، فتراه يقول:

«... وكيف يصدّق مثل هذا الافك الّذي نقله شرذمة الكذّابين» (1).

وأمثال هذه العبارات السخيفة، حتى أنّه وبكل وقاحة وبصورة ضمنية نسب تهمة الخيانة- والعياذ باللَّه- إلى ساحة الإمام علي عليه السلام القدسية فقال:

«ولو كان شي ء ممّا يدّعون لأخرج عليّ القرآن الكامل الّذي جمعه ...

لأنّ من أقرّ الخائن على الخيانة كان كفاعلها ...» (2).

وقد اتّضح من الأبحاث السابقة أنّ هذا السؤال قد طرح في أوساط أهل السنة والشيعة على حدّ سواء؛ لأنهم جميعاً قد رووا في كتبهم الحديثية ما يرتبط بوجود هذا المصحف.

ومن المسلَّم به- كما قلنا مراراً- أنّ مصحف الإمام علي عليه السلام يشتمل على زيادات غير ما في القرآن الموجود، وجميعها من قبيل التفسير والتأويل وبيان الناسخ والمنسوخ والترتيب على أساس النزول و ... فانّ الإمام علياً عليه السلام احتفظ بهذا المصحف وأخفاه عن القوم بعد أن رفضوه، وصار هذا المصحف من مواريث الامامة يتلقّاه الإمام تلو الإمام حتى صار إلى يد الإمام المهدي روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء. ورغم إخفاء الإمام عليه السلام لهذا المصحف فانه بإظهاره للقوم أتمّ عليهم الحجّة إلى يوم القيامة، وهذا العمل؛ (وهو اخفاء المصحف) لهو أعظم دليل على أن الزيادات الموجودة فيه ليست كآيات القرآن النازلة بعنوان الاعجاز، ولو كان بين مصحفه والمصحف الموجود تفاوت جوهري إذن لما جاز له السكوت عن هذا الأمر، لأن الثقل الأصغر وهم العترة


1- اصول مذهب الشيعة: ص 262.
2- المصدر السابق: ص 202.

ص: 464

الطاهرة عليهم السلام قد ابعدوا عن ساحة الخلافة التي هم أحقّ بها والثقل الأكبر الذي هو القرآن لو اشتمل على التّحريف، لما بقي من الثقلين شي ء تلجأ الأمّة إليه، فتبقى تائهة في غياهب الظلمات ولما بقي شي ء من ميراث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في أمر الثقلين، وقد لاحظت في الرّوايات أنّ الإمام علياً عليه السلام اعتبر هذا القرآن الموجود حجّة (1). واستدلّ علماء الفريقين على هذا ورأيتم آراءهم كشيخ المحدّثين الصدوق عليه الرحمة من الإمامية حيث قال ما نصّه:

«ولو كان- ما زاد فيه- قرآناً لكان مقروناً به، وموصولًا إليه غير مفصول عنه» (2).

والشهرستاني من أهل السنة الذي ذكر في مقدمة تفسيره:

«... إنّه كان في مصحفه المتن والحواشي، ويروى أنّه لمّا جمعه أخرجه هو وغلامه قنبر إلى الناس وهم في المسجد ... وقال لهم: هذا كتاب اللَّه كما انزله على محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم جمعته بين اللوحين فقالوا:

ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه فقال: فواللَّه لا ترونه بعد هذا أبداً، إنّما كان عليّ أن اخبركم حين جمعته، فرجع به إلى بيته قائلًا «يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً» وتركهم على ما هم عليه كما ترك هارون عليه السلام قوم أخيه موسى بعد القاء الحجّة عليهم، واعتذر


1- تلاحظ هذه النكتة في رواية سليم التي ذكرناها آنفاً، وللشهرستاني في مقدمة تفسيره كلام ظريف يقول: «لم ينقل عنه عليه السلام انكار ما جمعه الصحابة رضوان اللَّه عليهم لا كما قال عثمان: أرى فيه- أي في القرآن- لحناً، وستقيمه العرب، ولا كما قال ابن عباس: انّ الكاتب كتبه وهو ناعس، بل كان يقرأ من المصحف بخطّه من الإمام، وكذلك الأئمة من ولده عليهم السلام ... واللَّه تعالى أكرم وأمجد من ان يدع كتابه الكريم المجيد على لحن حتى تقيمه العرب ...». مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: المخطوط، الورقة 5. والمطبوع: ج 1، ص 120.
2- الاعتقادات: ص 92.

ص: 465

إلى أخيه بقوله: «إنّي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي»» (1).

وعلى هذا فإذا لم يكن تفاوت جوهري بين المصحف الموجود ومصحف الإمام علي عليه السلام، وقد أخبر الإمام عليه السلام أنّ القرآن الموجود تامّ الحجّة، فما الداعي لأن يشهر الإمام عليه السلام سيفه كي يظهر قرآنه وهل حصل هذا العمل من الإمام عليّ؟ وكل شخص له أدنى إلمام بسيرة الإمام علي عليه السلام يعلم ويعتقد بأنه عليه السلام كرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كانت سيرته لمّ شعث المسلمين وتوحيدهم وإبعاد كلّ ما يؤدّي إلى تفرّقهم، فمثلًا كان موقف الإمام في قضية قتل عثمان معروفاً. فقد اتّهمه عثمان بأنه وكاتبُ عثمان كتبوا كتاباً بقتل الثوّار (2)، ولكن الإمام عليه السلام ظلّ إلى آخر لحظة يسعى جاهداً لإخماد الفتنة وحقن دماء المسلمين، وبعث الحسنين عليهما السلام للدفاع عن الخليفة وهذا ما يظهر جلياً من رسالة الإمام عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري إذ يقول فيها:

«... وليس رجلٌ- فاعلم- أحْرَص على جماعة امّة محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأُلفتها منّي ...» (3).

وبناءً على هذا فإنّ الدكتور القفاري وأضرابه كتبوا وكرّروا أنّ الإمام كان أسد اللَّه وأسد رسوله، فلماذا لم يظهر قرآنه بسيفه؟ فالدكتور القفاري بهذا السؤال إمّا أن يكون جاهلًا بوضع المجتمع الاسلامي، وسيرة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله والإمام عليه السلام، أو يتجاهل ذلك.

فبعد توحيد المصاحف من قبل عثمان- بعد ان اخبره حذيفة بن اليمان بوجود


1- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار، المخطوط، الورقة 5 آ والمطبوع: ج 1، ص 121.
2- تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة: ص، 1155، 1167، 1168.
3- نهج البلاغة: باب الكتب: الرقم 78.

ص: 466

اختلاف بين الصحابة في قراءة القرآن وتكفير بعضهم لبعض (1)- وحسم الاختلاف فما الدّاعي لان يوجد الإمام علي عليه السلام اختلافاً جديداً بين الأمّة الاسلامية. وقد ذكرنا فيما مضى انه لو كان بين مصحف الإمام علي والقرآن الموجود اختلافٌ جوهريٌّ لاتخذت المسألة منحى آخر.


1- انظر: الإتقان؛ ج 1، ص 64.

ص: 467

حجم أخبار هذه الاسطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم:

اشارة

ماذا يريد الدكتور القفاري من هذا العنوان؟ أيريد الكلام عن أصل وجود هذه الرّوايات وحجمها في كتب الشيعة؟ أم يريد علاج الإمامية لهذه الأخبار وأجوبتهم عنها؟ لأنّ هناك- كما قلنا مراراً- بوناً شاسعاً بين إثبات وضبط هذه الأخبار في الكتب وبين البحث في فقهها وعلاجها، فالدكتور القفاري في مقام مناقشته لجأ كعادته- كما حصل منه في مسائل اخرى كالتواتر المعنوي والتواتر اللفظي- إلى خلط الامور بعضها ببعض، مع تقطيعه للعبارات بما يحلو له، واستعمل في بحثه الألفاظ البذيئة الفاحشة اكثر فاكثر كعادته ولأنّ مطالب هذا البحث في العمدة تدور حول آراء كبار علماء الإمامية وسنتكلم عنها بشكل موسع فيما بعد.

فهنا نبحث ادعاءات الدكتور القفاري مختصراً:

أ: يقول الدكتور القفاري في بداية بحثه بعد عدة أسطر مليئة بالأقوال البذيئة:

«لقد لاحظنا أنّ هذه الاسطورة بدأت بروايتين اثنتين في كتاب سليم بن قيس ... فما لبثت أن أخذت بعداً أكبر وزادت أخبارها.» (1) وهذا الاتهام ذكره الدكتور القفاري فيما سبق وكرّره وأعاده كثيراً كما لاحظت والحال أن روايتي سليم بن قيس لا علاقة لهما بمسألة التّحريف، لانّهما وردتا في مقام الحديث عن مصحف الإمام علي عليه السلام، ومثل هاتين الروايتين في كتب أهل السنّة كثير، كما أن محتوى مصحف الإمام علي عليه السلام لا علاقة له بمسألة التّحريف، وقد قدّمنا فيما مضى أنّنا بحسب مقاييس الدكتور القفاري يتحتم علينا تعدية الحكم بالتحريف إلى كتب أهل السنّة ومؤلفيها. تلك الكتب التي ملئت بروايات مصحف الإمام علي عليه السلام، وهذا ما لا ينطبق مع المنهج العلمي!

ب: قال الدكتور القفاري:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 268.

ص: 468

«وقد تولى كبر هذه الفرية ووزر هذا الكفر شيخ الشيعة علي بن إبراهيم القمّي فقد أكثر من الرّوايات ... وتلقف هذه الرّوايات عن كل أفّاك أثيم وسجلها في تفسيره الذي يحظى بتقدير الشيعة كلها» (1).

وقد تكلمنا في مبحث «شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة» حول هذا الكتاب وقيمته لدى الإمامية، وكمية وكيفية رواياته، وذكرنا بأنّ هذا الكتاب هو من التفسير بالمأثور؛ وهو مثل أي كتاب في التفسير بالمأثور فإنّه يشتمل على عدّة روايات بعضها سقيم وبعضها صحيح كما هو الحال في «تفسير الطبري» و «الدرّ المنثور» والتي ذكر فيها من أمثال تلك الرّوايات الشي ء الكثير، وأمّا قول الدكتور القفاري: «إنّ هذا التفسير يحظى بتقدير الشيعة كلّها» فهو كذب محض فراجع بحث:

شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة.

ج: قال الدكتور القفاري:

«كانت دوائر الغلاة في القرن الثالث تعمل على الاكثار من صنع الرّوايات في هذا حتى أن شيخهم المفيد يشهد باستفاضتها عند طائفته (الاثني عشرية)».

ثم أورد الدكتور القفاري عبارة الشيخ المفيد رحمه اللَّه تعالى التي تقول: «إنّ الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى ...» وبعد عدّة أسطر عاد إلى ألفاظه البذيئة قائلًا:

«إنّ ديناً يستفيض فيه الباطل باطل، والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته رغم أن شيخه ابن بابويه يقول: إنّ من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب- كما سبق- وسُلالة أهل البيت الشريف المرتضى وهو من معاصري المفيد بل من تلامذته يقول إنّ


1- اصول مذهب الشيعة: ص 269.

ص: 469

أخبارهم في هذا لا يعتد بها لأنها أخبار ضعيفة لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته» فهل كل شيخ من هؤلاء يمثل مدرسة ونحلة والتشيع يجمعهم. أم هم يتلونون تلون الحرباء بحكم التقية، أم أنهم قد أحكموا خطتهم، وأزمعوا أمرهم على أن يظهر منهم حسب المناسبات والظروف صوتان مختلفان متعارضان حتى لا يتمكن أحد من الوقوف على حقيقة المذهب ...» (1).

وقد تكلمنا في أول هذا المقام عن رأي الشيخ المفيد بالتفصيل، وهنا نرى أنّ الدكتور القفاري الذي يدعي الصدق والانصاف في التحقيق ارتكب خيانة علمية كبرى، وذلك أن الشيخ المفيد يقول:

«إنّ الأخبار قد جاءت مستفيضة ...».

ولكن الدكتور القفاري استند إلى قول الشيخ المفيد بأنّ الحكم بالتحريف مستفيض لدى علماء الإمامية، ومن ثمّ قارن بين رأي الشيخ المفيد ورأي ابن بابويه والسيد المرتضى رحمة اللَّه تعالى عليهم أجمعين لينتج تلوّن الشيعة وطبّل بالقول بالتقية و ...

هل الحكم باستفاضة أخبار التّحريف- كما قاله الشيخ المفيد- هو عين الحكم باستفاضة القول بالتحريف لدى الإمامية- كما نسب الدكتور القفاري إلى الشيخ المفيد زوراً وبهتاناً؟

وأمّا رأي ابن بابويه، فإنّه صرّح في مقام بيان كمّية تلك الأخبار:

«إنّه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية».

وبعد ذكره عدّة روايات قال:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 270.

ص: 470

«ومثل هذا كثير، كلّه وحي ليس بقرآن» (1).

والسيد المرتضى أيضاً يقول:

«توجد تلك الأخبار لكنها ضعيفة لا يعتد بها» (2).

فعلى هذا، فإنّ الكلام إذا كان يرتبط باصل وجود الرّوايات فهؤلاء الأعلام اعترفوا جميعهم بوجودها وأمّا إذا كان الكلام في مقام علاج هذه الرّوايات فهؤلاء الأساطين من الإمامية يصرّحون بنفي القول بالتحريف. فمنهم من حمل الرّوايات على الحديث القدسي كالشيخ الصّدوق ومنهم من حملها على الوحي التنزيلي غير القرآني كالشيخ المفيد- الذي مرّ نصُّ عبارته في مبحث «ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية»- ومنهم من حكم بتضعيف الرّوايات بالمرة وسقوطها للمبنى الذي اتخذوه- وهو أنّ القرآن قد جمع ودوّن بشكله الموجود الآن في زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- كالسيد المرتضى رحمة اللَّه تعالى عليهم أجمعين.

فمع هذا، ما هذه الأقاويل من الدكتور القفاري بقوله: «يتلونون تلوّن الحرباء بحكم التقية ... صوتان مختلفان متعارضان و ...» إلى آخر دعاياته.

قال الدكتور القفاري:

«في ظل الدولة الصفوية كثر الوضع لأخبار هذه الأسطورة ...

وتجاوزت الحجم الذي سجلته هذه الزمرة إلى درجة أن شهد شيخهم المجلسي صاحب بحار الأنوار بأنّ أخبارهم في هذا أصبحت تضاهي أخبار الإمامة يقول: «وعندي أنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب تقصر عن أخبار الامامة» هذه


1- الاعتقادات: ص 95.
2- الذخيرة في علم الكلام: ص 361- 364.

ص: 471

شهادة من المجلسي المتوفى سنة (1111 ه.) على تضخّم أخبار هذه الاسطورة والتي كانت ... عند ابن بابويه القمّي المتوفي (381 ه.) لا تكاد توجد ... والشيخ الطوسي أنكر نسبة هذا إلى الشيعة ...» (1).

نلاحظ هنا أنّ الدكتور القفاري ارتكب في هذه العبارة عدّة أخطاء عمداً أو سهواً:

أولًا: مرّ عليك إنّ علماء العصر الصفوي صرّحوا بعدم التّحريف في القرآن بالاتفاق.

ثانياً: إنّ الدكتور القفاري بقوله: «في ظل الدولة الصفوية كثر الوضع لأخبار هذه الاسطورة ...» تنبّه إلى خطأه ولم يجد من حيلة للخلاص إلّاالاعتراف بقوله:

«لكن يرد على ذلك أنّ تلك الرّوايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم كتفسير القمّي والعياشي وفرات إلّاإذا قلنا أن الشيعة يغيّرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس» (2).

ثالثاً: قلنا آنفاً ان المجلسي اعتمد في كتابة موسوعته الحديثية (أي بحار الأنوار) على أربعمئة كتاب من كتب الشيعة، وخمسة وثمانين كتاباً من كتب أهل السنّة، وعليه فمن الطبيعي أن يضم كل باب من أبواب البحار مجموعة كبيرة من الأحاديث تفوق ما يضمّ غيرها من الكتب، ويكون حاله كحال كتاب «كنز العمال» الذي يضمّ كل باب منه أضعاف ما يحويه أي كتاب آخر من الأحاديث.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 270.
2- المصدر السابق: ص 291. فإنّ الدكتور القفاري في اعترافه هذا أضاف وَهْماً إلى وَهم فادّعى: «أن الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم ...» وهذا الادعاء سيفصح بطلانه في بحث بعنوان «تذييل» وأما ما استند في قوله إلى كتاب سليم عثرة أخرى منه كما لاحظتم في مبحث «بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة».

ص: 472

رابعاً: يقول العلامة المجلسي:

«إنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى».

ألا يُعلَم الفرق بين «المتواتر» بصورة مطلقة و «المتواتر مع قيد المعنى» (1) أم يتجاهل ذلك؟ إنّ نصَّ عبارة المجلسي هو «المتواتر» بقيد «المعنى» وكما ذكرنا سابقاً فانّ التعبير بهذا اللفظ معناه: وجود عدّة روايات في هذا المقام كلها تتفق على معنى كلّي مشترك بينها، وهو عبارة عن التغيير بالمعنى الأعمّ، وهو بهذا المعنى يشمل التّحريف بالمعنى المتنازع فيه- أي التّحريف بمعنى النقيصة- والتغيير في تأليف الآيات، ونقل آية من القرآن من موضع إلى موضع آخر، والاختلاف في القراءات، وتأويل وتفسير الآيات على حسب تنزيل الوحي غير القرآني، والجري، وتطبيق الآيات على المصاديق وغير ذلك. وعلى هذا فإنّ حجم الرّوايات الواردة في خصوص التّحريف بمعنى النقيصة هو أقل بقليل ممّا يدّعون، وإذا كان المحدث الجزائري يقول: «إنّ الأخبار الدالّة على ذلك تزيد على ألفي حديث» (2) فمراده أنّ الأحاديث التي تشمل كل هذه الأقسام المتقدمة من التّحريف تبلغ هذا العدد، وهي الشاملة للتغيير بمعناه الأعم، هذا بحسب مداليل تلك الرّوايات، أما بحسب أسانيدها وروايتها فهي شاملة لكل أقسام الرّوايات من ضعيفة ومرسلة وصحيحة ومجعولة والتي رواتها ضعاف أو مجاهيل من العامة أو الخاصّة، فهما- أي المحدثان المجلسي والجزائري- يخبران فقط عن كمية هذه الأحاديث لا نوعيتها،


1- قال صبحي الصالح: «... اما المتواتر المعنوي فمن الواضح انه لا يشترط في روايته المطابقة اللفظية، وانمايكتفى فيه بأداء المعنى ولو اختلفت رواياته ... والقدر المشترك تواتر باعتبار المجموع ... ومن علماء الحديث من لا يرى بأساً في ان يكون المتواتر المعنوي في اوّله آحاديّاً ثم يشتهر بعد الطبقة الاولى ويستفيض، فسيكون حديث «انما الأعمال بالنيات» في عداد ما تواتر معنى، مع ان لم يروه إلّاعمر بن الخطاب». علوم الحديث ومصطلحاته: ص 150.
2- نقلًا عن اصول مذهب الشيعة: ص 272.

ص: 473

وهذه الأحاديث هي نفس الرّوايات التي أوردها المحدّث النوري في فصل الخطاب، وقد تكلمنا عنها مفصلًا في مباحث «كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة»، ولاحظت كيف أنّ مراسيلها تلحق بمسانيدها، وأنّها على طوائف متعددة، وأكثرها- على فرض صحّة إسناده ودلالته- بعيد عن محلّ النزاع.

خامساً: انّ ابن بابويه رحمه اللَّه لم يقل إطلاقاً «تلك الأخبار لا تكاد توجد» كما نسب إليه الدكتور القفاري ولكنه- أي ابن بابويه- في مقام «علاج» الرّوايات يقول:

«لم يذهب أحد من الشيعة إلى القول بالتحريف اعتماداً على هذه الأخبار، وقال: هذه الأخبار تحمل على الحديث القدسي».

أمّا نصّ عبارته في مقام كميّة الأخبار فهي:

«... ومثل هذا كثير،- أي هذه الأخبار- كثير كلّه وحي ليس بقرآن.»

سادساً: ادّعى الدكتور القفاري قائلًا:

«والشيخ الطوسي أنكر نسبة هذا إلى الشيعة».

ثم قارن بين هذا القول وقول العلامة المجلسي:

«إنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى ...».

وقد خلط الدكتور القفاري كما هو واضح بين كلامين أحدهما في مقام بيان كمية هذه الرّوايات وهو قول العلّامة المجلسي، والثاني في مقام علاج هذه الرّوايات وهو قول الشيخ الطوسي، ومن ثم أثبت التناقض بين القولين والحال أنه لا تناقض اطلاقاً بين قولي العلمين لأنّ من شروط التناقض وحدة الموضوع، أمّا هنا فالموضوع مختلف، فالأول يتحدث عن كمية الرّوايات، والآخر عن علاجها.

ودليلنا على ما ذكرنا قول الشيخ الطوسي بعد ذلك والذي حذفه الدكتور

ص: 474

القفاري من كلامه:

«ورويت روايات كثيرة من جهة العامّة والخاصّة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شي ء من موضع الى موضع ...» (1).

فحذف الدكتور القفاري هذه العبارة عمداً واكتفى بالجملة الاولى التي ذكرناها ليثبت التناقض الموهوم بين القولين في حين أنّ قول الشيخ الطوسي «رويت روايات كثيرة» يتفق مع قول المجلسي «الأخبار في هذا الباب متواترة معنى» تماماً (2).

شهادة هامة أو موهومة!

هذا، والآن انظر إلى «الشهادة الهامة» و «الوثيقة التاريخية» التي حصل عليها الدكتور القفاري بعد جهده، يقول الدكتور القفاري حول المحدّث النوري:

«وقد أرهق النُّوري صاحب فصل الخطاب ليجد وسيلة يتخلص بها من كلام الطوسي فقال: والطوسي في إنكاره- يعني إنكار التّحريف- معذور لقلّة تتبعه الناشى ء من قلّة تلك الكتب عنده» (3).

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«لكن الطوسي هو شيخ الشيعة في زمنه وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة المعتمدة في الحديث وكتابين من كتبه المعتمدة في الرّجال فلا يتصور أن يوصف بقلة التتبع أو بقلة الكتب عنده كما يقوله هذا


1- التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 6 وقد نقل الدكتور القفاري هذه العبارة في صفحة 289 عن شيخ الطائفة ولكنه لم يذكرها هنا ليمرّر خدعته على الناس.
2- لا سيما إذا لاحظنا بالدقة قول الطوسي وهو في مقام بيان كميّة طائفتين من تلك الرّوايات فقط وهما، نقصان آي القرآن، ونقل شي ء من موضع إلى موضع.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 271.

ص: 475

النوري الطبرسي. بل نحن نأخذ من قول الطبرسي هذا شهادة هامة أو وثيقة تاريخية تثبت أن الوضع لهذه الاسطورة لم يتسع ويصل إلى هذا المستوى الموجود اليوم إلّافي ظل الحكم الصفوي ولا يستبعد أن تضاف روايات من هذه الرّوايات إلى شيوخهم القدامى لخدمة هذه الاسطورة ...» (1).

فما نسبه الدكتور القفاري إلى المحدث النوري وأخذ منه: «شهادة هامّة» و «وثيقة تاريخية» هو نوع من الجهل أو الخيانة في نقل العبارة ليس إلّا؛ فإنّ المحدث النوري في ردّ رأي المحقق البغدادي (ت 1227) قال ذلك (2)، ولا علاقة له أساساً برأي وعبارة شيخ الطائفة الطوسي، حتى يتوصل الدكتور القفاري إلى نتائجه تلك. انظر وتعجّب!

وبعد هذه الشهادة الهامّة والوثيقة التاريخية يستمر الدكتور القفاري في عثراته قائلًا:

«... الشواهد قائمة على أن الكذب في الشيعة كثير كما تشهد بهذا كتب أهل السنة وتقر بذلك كتب الشيعة نفسها» (3).

أيٌّ من كتب أهل السنة يشهد بأن الكذب في الشيعة كثير؟ لم يأتِ الدكتور


1- اصول مذهب الشيعة.
2- قال المحدث النوري نقلًا عن المحقق البغدادي: «إنّه لم ينقل تلك الأخبار- أي أخبار التّحريف- في كتبهم سوى المحدثين الذين رووا أخبار الجبر والتفويض والسهو والبقاء على الجنابة ونحوها وهي مطوية على غيرهم». ثم قال النوري في ردّه: «وقوله وهي مطوية على غيرهم، ففيه انها موجودة في كتب جميعهم إلّامن شذّ- حتى الصدوق المنكر للتغيير والشيخ كما تقدم- ولكنّه [أي المحقق البغدادي] معذور لقلة تتبعه الناشئ من قلة تلك الكتب عنده.» فصل الخطاب: ص 350.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 271.

ص: 476

القفاري بأي دليل على قوله كي يتسنى لنا بحثه، ثمّ إنّه ترقّى ليدّعي: «وتقرّ بذلك كتب الشيعة نفسها ...» وهذا أيضاً كذب فاضح وسيأتي البحث عنه.

والحاصل إنّ من تكلّم من الإمامية قديماً وحديثاً في مقام حجم وكمّية هذه الأخبار إذا كان ناظراً إلى المفهوم الجامع من مدلول تلك الرّوايات يعني التغيير بمعنى الاعم (المشتمل على كلِّ نوع من التغيير من اختلاف في تأليف الآيات والقراءات، والتّحريف المعنوي ونقص في الوحي بعنوان التنزيل أو التأويل، وتطبيق الآيات على غير شأن نزولها والنقص في الوحي بعنوان الحديث القدسي وأخيراً النقص في الفاظ آيات الوحي القرآني- وهو محل النزاع- و ...) فصحّ أن يعبّر عنه ب «روايات كثيرة»، «أخبار متواترة معنى»، «تزيد على ألفي رواية»، «ضرورة المذهب» و ... وأقوى شاهد على ذلك كتاب فصل الخطاب فقد ذكر تمام تلك الرّوايات وبحثنا عنه في عدة نقاط ولاحظت عزيزي القارئ أن أكثر ما ذكره المحدث النوري خارج عن محلّ النزاع وهو ما اعترف به الدكتور القفاري نفسه بقوله:

«إنّ في الرّوايات التي جمعها «محمّد مال اللَّه» من كتب الشيعة في هذا الباب ما ليس بصريح في هذا الأمر بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل كما إنه وقع- كما وقع احسان الهي ظهير من قبله- بذكر بعض الرّوايات للشيعة والتي جمعها فيها ذكر قراءة للآية مروية عن السلف واعتبرها- بجهل- من قبيل التّحريف» (1).

وإنّ من الإمامية من ذكر في مقام حجم أخبار التّحريف بمعناه الأخص- يعني التّحريف باسقاط الآيات من وحي القرآن وهو المعنى المتنازع فيه- أن هذه التعابير: «أخبار آحاد»، «أخبار ضعيفة»، وهذا لا يختص بماضي الشيعة


1- اصول مذهب الشيعة: ص 214.

ص: 477

وحاضرهم والعصر الصفوي وغيره.

ومن هذا المنطلق قسَّم السيد الخوئي كذلك روايات هذا الباب إلى عدّة طوائف، ولكن الدكتور القفاري- مع الأسف- أخذ من عبارة السيد الخوئي رحمه اللَّه بعضها وترك بعضها الآخر ممّا يوهم الآخرين ويسند ادّعاءاته، فقد نقل الدكتور القفاري بعض عبارة السيد الخوئي رحمه اللَّه وهو قوله:

«إنّ كثرة الرّوايات (رواياتهم) من طريق أهل البيت تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر» (1).

والآن ننقل إليك نصّ عبارة السيد الخوئي رحمه اللَّه- التي قالها في مقام علاج هذه الرّوايات- ليتضح لك مراده:

«إنّ هذه الرّوايات لا دلالة فيها على وقوع التّحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه، توضيح ذلك: إنّ كثيراً من الرّوايات وإن كانت ضعيفة السند فإنّ جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمّد السيّاري الذي اتفق علماء الرّجال على فساد مذهبه وإنّه يقول بالتناسخ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال إنّه كذّاب وإنّه فاسد المذهب، إلّاأنّ كثرة الرّوايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر ... وعلينا أن نبحث عن مداليل هذه الرّوايات وايضاح أنها ليست متحدة في المفاد وأنها على طوائف» (2).

ثم يقسّم رحمه اللَّه الرّوايات إلى أربع طوائف، ويعالج كل طائفة على حدة، وقال


1- البيان: ص 226 واصول مذهب الشيعة.
2- المصدر السابق: ص 226.

ص: 478

في البحث عن مداليلها ما حاصله، منها: من قبيل القراءات والتّحريف المعنوي أي حمل الآيات على غير معانيها، ومنها: من قبيل التنزيل بعنوان التفسير، ومنها من قبيل التّحريف بالزيادة في القرآن؛ وهي باطلة باجماع الفريقين ومعلوم أنَّ كل هذه الطوائف خارج عن محلّ النزاع.

ومنها: من قبيل التّحريف في القرآن بالنقيصة- وهو محلّ النزاع- وعالجه بالتفصيل فراجع إن شئت (1).

فقول السيد الخوئي «إن كثرة الرّوايات ...» شامل لكلّ هذه الطوائف برغم أنّ الدكتور القفاري خان الأمانة في نقله للعبارة، ولم يورد ما قبل عبارة السيد الخوئي وما بعدها.

ونقول الآن إذا كان منهج الدكتور القفاري علمياً وأن ما أورده في المقام حقّ، فهل نحن من حقّنا سلوك هذه الطريقة العلمية نفسها حيال حجم الرّوايات التي تتحدث عن موضوع التّحريف في كتب أهل السنة، بطوائفها المختلفة التي أشرنا إليها؟ ومن ثمّ نتشبّث باعتراف قدماء أهل السنة مثل «قاسم بن سلّام» (ت 224) الذي صرّح بكثرة هذه الرّوايات (2) ومتأخري أهل السنة مثل «السيوطي» الذي قال بعد ذكر طائفة من هذه الرّوايات: «ومثله كثير» (3) وأيضاً العلماء المعاصرين مثل «الرافعي» الذي يقول: «ليست بقليل» (4) وكذلك نتمسّك باعتراف «الآلوسي» بقوله: «لا تحصى كثرة» (5) وبتقطيع هذه العبارات من أماكنها- كما فعل الدكتور القفاري- تحصل لنا النتيجة الآتية: إنّ عدد القائلين بالتحريف من بين أهل


1- البيان: ص 233.
2- فضائل القرآن: ص 195.
3- الاتقان: ج 2، ص 81.
4- اعجاز القرآن: ص 49.
5- روح المعاني: ج 1، ص 45.

ص: 479

السنّة قديماً وحديثاً ليس بقليل، بل إنّه أكثر من أن يحصى. أو نأخذ كلام الشوكاني القائل: «هذه الرّوايات قليلة» دون النظر إلى الطوائف المختلفة من هذه الرّوايات ثم نقارنه بكلام «الآلوسي» ونقول بعده: هذه هي الشهادة الهامّة والوثيقة التاريخية ونغض النظر عن علاج علماء أهل السنة لهذه الأخبار ولإثارة احساسات وعواطف القراء ننقل عين الفاظ الدكتور القفاري مع تطبيق ما توصّلنا إليه:

«وبعد هذا الاعتراف من أساطين أهل السنة وشيوخهم، هل يشك أحد يقرأ هذه الدعاوي العريضة في أنّ القوم قد وقعوا في درك مظلم وفي مستنقع آسن ...

وكم يتألم المسلم وهو يقرأ مثل هذه الكلمات المظلمة وكم يشفق على قوم اعتمدوا في دينهم على كتب حوت هذا «الغثاء» وركنوا في أمرهم إلى شيوخ يجاهرون بهذا الكفر، قد باعوا أنفسهم للشيطان وجعلوا نواصيهم بيده ... (1).

ولقد لاحظنا إنّ هذه الاسطورة قد بدأت برواية واحدة في كتاب «الموطأ» لمالك بن أنس (2) وما لبثت أن أخذت بعداً أكبر وزادت أخبارها حتى قال شيوخهم بتواتر هذه الفرية عندهم واستفاضتها في كتبهم إلى أن قيل إنّها أكثر من أن تحصى، وهذا بلا شك دليل بطلان أخبارهم كلها فما دام الكذب عندهم يصل إلى حد لا يحصى كثرة فلا ثقة بسائر أخبارهم وكل من يذهب هذا المذهب فإنّه ليس من الإسلام في شي ء ... وإنّ أخبارهم التي نسبوها زوراً وكذباً للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قد ظهر كذبها واستبان زيفها بهذا الكفر المعلن» (3).

وإنّ الكذابين على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كما تقول كتب أهل السنة قد


1- اصول مذهب الشيعة: ص 274.
2- الموطأ، كتاب الرضاع: ص 608، الحديث 17، وهو ما رواه عن عائشة؛ انها قالت: «كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم وهو فيما يقرأ من القرآن».
3- اصول مذهب الشيعة: ص 273.

ص: 480

كثروا في صفوفهم وكان الوهابيون مطية لكل من أراد الكيد للاسلام واهله، كما أثبتته الأحداث والوقائع» (1).

فهل هذا من القضاء العادل والمنهج التحقيقي؟ وجواب ذلك يكون بعهدة الدكتور القفاري!!


1- اصول مذهب الشيعة: ص 269.

ص: 481

هل إنكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية؟

نظرة إلى التقية

إنّ البحث والتحقيق في موضوع التقية له مجال آخر غير هذه الرّسالة، إلّاأنه ينبغي لنا ذكر بعض النكات الأساسية في هذا الموضوع بما يرتبط بنقد مقالة الدكتور القفاري:

1- إنّ الآيات القرآنية نفسها هي أساس تشريع التقية (1).

2- إنّ التقية ليست بكذب ولا نفاق كما يدّعي بعض الوهابيين أمثال «احسان الهي ظهير» الذي يقول:

«لا تصدقوهم- أي لا تصدقوا الشيعة- فإنّهم يعتقدون بالتقية والتقية هي الكذب والخداع وعلماء الشيعة يكذّبون ولا يعتقدون بالقرآن بل عندهم قرآن آخر» (2).

أو الدكتور القفاري القائل:

«إنّ التقية عندهم هي الكذب والنفاق ومع هذا يعتبرون ذلك من الدين بل هو الدين كلّه» (3).

ثم إنّه إن كانت التقية نفاقاً فلقد استعمل أحمد بن حنبل هذا النفاق بعينه لما احضر للمرّة الاولى فقال له الوالي: ما تقول في القرآن؟ قال: «هو كلام اللَّه قال:

أمخلوق هو؟ قال: هو كلام اللَّه لا أزيد عليها» (4).

ولكنه زاد بعد ما علا نجمه في عصر المتوكّل، وكفّر من لم يزد فكان يقول


1- سورة آل عمران 3: الآية 28 والنحل 16: الآية 16 وغافر 40: الآية 28.
2- نقلًا عن تدوين القرآن: ص 51.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 819.
4- تاريخ الطبري: ج 8، ص 639.

ص: 482

ويكتب في رسائله:

«ومن زعم أنّ القرآن كلام اللَّه ووقف، ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأوّل» (1).

يعني أخبث من القول بخلق القرآن نفسه.

وقال أيضاً في الفرق الثلاث التي ينبزها بلقب الجهمية:

«وقالت طائفة، القرآن كلام اللَّه وسكتت (كما سكت ابن حنبل في ذاك المجلس تقية) وهي الواقفة الملعونة» (2).

بل إن عامة أهل الحديث قد استعملوا هذا النفاق أيضاً حيث أجابوا المأمون بما يريد في محنة خلق القرآن، ما عدا أفراداً معدودين منهم «محمّد بن نوح» و «أبو نعيم» و «البويطي» (3).

هذا وإذا فتّشنا زوايا كتب القوم نجد أكثر من تلك الموارد (4).

3- في موضوع التقية هنالك اختلاف بين وجهات نظر علماء الشيعة، ولكن المحققين من الإمامية رحمة اللَّه عليهم أجمعين يتفقون على أنّه:


1- طبقات الحنابلة: ج 1، ص 29.
2- الرد على الجهمية، لابن حنبل في كتاب الدومي: ص 28.
3- نقلًا عن بحوث مع السلفية: ص 184.
4- كتقية أبي حنيفة عند أبي العباس وعدّ من كان قبل العباسيين من حكام الجور والظلمة بقوله وهو حاضر عند أبي العباس: «الحمد للّه ... امات عنّا جور الظلمة وبسط السنتنا بالحق ...» انظر: أخبار أبي حنيفة واصحابه: ص 28 وأيضاً تقية المغيرة بن شعبة عند معاوية بن أبي سفيان: حيث قال لصعصعة بن صوحان العبدي: «... انك تظهر شيئاً من فضل علي [عليه السلام] علانية فانك لست بذاكر من فضل علي شيئاً اجهله بل انا اعلم بذلك ولكن هذا السلطان- أي معاوية- قد ظهر وقد اخذنا باظهار عيبه- أي عيب الإمام علي عليه السلام- للناس فنحن ندع كثيراً مما امرنا به ونذكر الشي ء الذي لا نجد منه بدّاً ندفع به هؤلاء القوم عن انفسنا تقيّة ...» تاريخ الطبري: ج 2، ص 38، ط اوربا وابن الاثير: ج 3، ص 171 ط مصر.

ص: 483

«لا تقية فيما يرجع بفساد في بيضة الإسلام وهدم لحصن الإسلام ولا في عظائم الامور الدينيّة ... وكذلك لا تقية في الدماء المحقونة ... إنّما التقية فيما الخطب فيه سهل من الأعمال والأقوال لمن خاف على نفسه أو على اهله وأصحابه» (1).

ورغم اختلاف آراء العلماء في حدّ التقية وحدودها، ولكن القدر المتيقّن المتّفق عليه هو أن التقية تشرع في الحالات التي يعتقد فيها الإنسان اعتقاداً حقاً في الواقع ولكنه باطل بنظر المخالف، ويعاقب عليه، فعلى الإنسان أن يدفع الخطر والخوف عن نفسه ويتّقي المقابل، هذا هو القدر المتيقن من التقيّة، وبدونه تصبح التقية لغواً وموضوعها منتفياً.

وعلى هذا فإذا كان المنكرون لتحريف القرآن من الشيعة يقولون بذلك تقيّة يعني أنهم في باطنهم يعتقدون بوجود التّحريف في القرآن الكريم، ولكنهم يظهرون خلاف ما بدا لهم، أليس لهم مدرك يعتمدون عليه في معتقدهم هذا؟ والمستمسك الوحيد للاعتقاد بتحريف القرآن هو الرّوايات قطعاً ليس إلّا. وإذا كان لهم دليل آخر فمنشأه أيضاً هو الرّوايات كما رأيتم في مبحث «دراسة روايات التحريف في مصادر الشيعة وأهل السنة» فنقول متسائلين:

ألا توجد مثل هذه الرّوايات في كتب أهل السنة (والتي يجب حملها على التقية في فرضنا)؟

أليست رواياتهم من حيث مصادر وقوة سندها أقوى من روايات الشيعة؟

أليست المصادر التي تذكر هذا النوع من الرّوايات من الكتب المعتبرة؟

أوَ لم يعتمد القائلون بالتحريف من علماء الشيعة أمثال «المحدث النوري»


1- شرح اصول الكافي؛ لصدر الدين الشيرازي ملا صدرا: ص 378 وبحار الأنوار: ج 8، ص 138 وج 72، ص 130 وج 75، ص 393- 444 وتلخيص المحصل: ص 422.

ص: 484

و «سيد نعمة اللَّه الجزائري» وبعض آخر على روايات أهل السنّة من أجل إثبات أوهامهم؟

ألا يوجد بين علماء أهل السنة أفراد مثل «ابن شنبوذ» و «الشعراني» و «ابن الخطيب» وغيرهم ممّن يتمسك ببعض هذه الرّوايات ويقولون بتحريف القرآن؟ (1) وعلى هذا لا وجه للتقية في مسألة تحريف القرآن اطلاقاً.

والآن وبعد هذه المقدمة نلقي نظرة على هذا الفصل، فالدكتور القفاري بادئ ذي بدء تشبّث بأوهام «المحدث الجزائري» و «المحدث النوري» فالمحدث الجزائري يقول:

«إنّ هذا القول- أي القول بعدم تحريف القرآن- إنّما صدر منهم- أي من أجلّاء علماء الإمامية كالصدوق والشيخ الطوسي والشريف المرتضى- لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليهم بأنّه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التّحريف لها.» (2) وأمّا «المحدث النوري» فقد قال:

«ثمّ لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان ان طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين فإنّك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن جريح والجبائي والزجاج وابن زيد وامثالهم ... ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلّاقليلًا ... وهو بمكان من القرابة لو لم يكن على وجه


1- انظر: المقام الأوّل، مبحث «نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن الروايات» وفي المقام الثاني، مبحث «بداية الافتراء كما تقوله مصادر أهل السنة».
2- الأنوار النعمانية: ج 2، ص 358.

ص: 485

المماشاة فمن المحتمل أن يكون هذا القول- أي الإعراض عن روايات كثيرة رويت من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن منه- أي من الشيخ الطوسي رحمه اللَّه- فيه- أي في تفسير التبيان- على نحو ذلك ومما يؤكد كون وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاووس في سعد السعود وهذا لفظه: ونحن نذكر ما حكاه أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في كتاب التبيان وحملته التقية على الاقتصار عليه من تفصيل المكّي من المدني والخلاف في أوقاته الخ» (1).

وبعد بيان عبارتي المحدّثَين قال الدكتور القفاري:

«انهما- أي المحدث الجزائري والنوري- ممن يجاهر بهذا الكفر ويعلنه ومن يفعل ذلك فليس من الإسلام في شي ء وإذا كنّا نتثبت في خبر الفاسق فما بالك بأخبار هؤلاء ... وأرى خطأ من يأخذ كلام هذا الجزائري ومن على شاكلته باطلاق ...

وإذا كنا لا نأخذ بكلام هؤلاء الأفاكين الآثمين فهذا لا يعني أيضاً أن نأخذ بسذاجة ظاهرة وبسطحية غافلة ما يقوله أصحاب الرأي الآخر باطلاق ونحن نعلم ان التقية من اصولهم ...

وعلى هذا فلابد من دراسة متأنّية وأمينة لهذه القضية فاقول كما نقل شيخهم المفيد اجماع طائفته على هذا الكفر كما أسلفنا ...» (2).

نحن الآن لسنا في صدد أن هذا النوع من الاتهامات، وارد في شأن المحدثين الجزائري والنوري أم لا؟ وإنما نريد أن نبين أنّ الدكتور القفاري شرط على نفسه في


1- فصل الخطاب: ص 34.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 280.

ص: 486

أول بحثه أن تكون دراسته لمذهب الإمامية «متأنّية!!» و «أمينة!!!».

والآن لنأتِ ونحاكم الدكتور القفاري على «تأنيه!» و «أمانته!» وهل أنه وفى بهما أم لا؟

فهو ومن أول وهلة لدراسته قد خان وقطّع عبارة الشيخ المفيد فأخذ صدرها وترك ذيلها، وحرّف كلمة «تأليف» الواردة في كلام الشيخ المفيد إلى «تحريف» لتصل (أمانته) العلمية إلى أوجها، وبعد ذلك قام بالافتراء على الشيخ المفيد وقال زوراً وبهتاناً «نقل إجماع طائفته على هذا الكفر!!» فأين ادّعى المفيد ذلك؟ وفي أي كتاب؟

أيّها الدكتور ضاعت الأمانة التي تعهدت بالتزامها في بداية بحثك!

والآن ينبغي لنا الوقوف على بعض النكات التي ذكرها الدكتور القفاري لرفع الشبهات التي فيها.

إنّك لو تتبعت هذا الفصل من أوله إلى آخره لما وجدت شيئاً مما قاله الدكتور القفاري يستحق الذكر سوى هاتين العبارتين من المحدث النوري والجزائري اللتين لا سابقة قبلهما أي لم يقل أحد من الشيعة بأن القول بسلامة القرآن هو التقية عند الشيعة، فإن كان عند الدكتور القفاري عدالة في الحكم يكفيه اعتراف «المحدّث النوري» بانفراده من بين الشيعة بالقول بالتحريف وقد أورد الدكتور القفاري نصّ كلامه (1)، وأيضاً إقرار المحدّث الجزائري الذي يقول: إنّه لا يقين عنده بأنّ علماء الإمامية قالوا ذلك تقية، وقد أورد الدكتور القفاري أيضاً نصّ عبارته قائلًا:


1- قال النوري: «لا يجب ان يوحش من المذهب قلة الذاهب إليه والعاثر عليه بل ينبغي ألّايوحش منه ...» اصول مذهب الشيعة: ص 281 نقلًا عن فصل الخطاب: ص 38- 39، فهذه العبارة تدل على ان المحدث النوري منفرد في قوله وعلماء الإمامية الذين يجمعون على صيانة القرآن عن التّحريف لم يستعملوا التقية في هذا المورد إذ لو كانوا مع المحدث النوري في رأيه لما قال النوري «لا يجب ان يوحش من المذهب ...».

ص: 487

«وحتّى نعمة اللَّه الجزائري الذي قال: إن إنكارهم تقيّة لم يكن على يقين من هذا ...» (1).

نعم تكفي هذه الاعترافات من المحدثين النوري والجزائري لِطيّ صفحة التقية وإقرار الدكتور القفاري بأنّ وعوده للقرّاء في أكثر فصل كتابه وإحالته لهم إلى هذا الفصل سراب ليس إلّا (2).

لكن يبدو أنّ الدكتور القفاري ذكر كل تلك المقدمات لكي يمكن له الخدشة في كلمات ونصوص أجلاء علماء الإمامية في نزاهة القرآن عن التّحريف حتى يصل أخيراً إلى اتّهام جلّ الإمامية بالقول بالتحريف ولذا تراه يقول:

«والذي تولى كبر عقيدة التّحريف وأكثر من الوضع فيها هم الاثنا عشرية» (3).

واستنتج أيضاً من بحث هذه الادعاءات، شيوع الكذب والدس في كتب الشيعة فقال:

«وفي النهاية أقول: ... تبين شيوع الكذب والدس في كتبهم ...» (4).

ويحتمل أنّ الدكتور القفاري يريد ان يوجد جواباً نقضياً لقول أكثر علماء أهل السنة- مع التنبيه إلى مناقشات أهل السنة أنفسهم في نسخ التلاوة والأدلة على عينية نسخ التلاوة مع التّحريف- لأنك لاحظت أنّ الدكتور القفاري في مقابل هذه الأدلة- من السيد الخوئي وغيره- لم تكن لديه جواب ونقد، بل إنّه تحفّظ على أدلّة


1- اصول مذهب الشيعة: ص 282 نقلًا عن الأنوار النعمانية: ج 2، ص 356.
2- كقوله في فصل: «ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية»: ص 219 وأيضاً في فصل: «شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة»: ص 226 وما بعدها وغيرهما من الفصول.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1281.
4- المصدر السابق: ص 299.

ص: 488

السيد الخوئي ولم يأت بها (1) مستبدلًا إيّاها بوابل من الكلمات الفاحشة وغضَّ الطرف عن مناقشات أهل السنة أنفسهم لنسخ التلاوة.

وإلّا فإنّ قول الدكتور القفاري هذا بأنّه: شاع الكذب والدس في كتب الشيعة- وخصوصاً في العهد الصفوي دسّ الشيعة في كتب قدمائهم- معناه في الواقع أنّ الرّوايات لم تكن موجودة في كتب القدماء حتّى يستعمل أمثال الشيخ الصدوق وشيخ الطائفة الطوسي التقيّة في هذا المجال، وأساساً يجب أن ينتفي موضوع التقية في نظر الدكتور القفاري.

هذا وإنّ توهم المحدث الجزائري في احتماله التقيّة ليس بصحيح وهذه المشكلة وقع فيها المحدث الجزائري بلحاظ مسلكه الأخباري الذي يقبل بكل رواية في هذا الباب من غير النظر إلى الأسانيد والمداليل، ويعدّهامن روايات التّحريف والحال إنّ أكثر روايات هذا الباب في نظر أعلام الإمامية روايات مرسلة، أمّا من حيث المدلول فهي أجنبية عن التّحريف بالمعنى المتنازع فيه- وهو التّحريف بالنقيصة- ولعلّ المحدّث الجزائري مع تفطّنه لهذه النكتة انصرف عن هذا التوهم وتردّد في نسبة التقية لهؤلاء الاعلام في هذه المسألة كما رأيتم نصَّ كلامه.

وعلاوة على ذلك فإن كان أعلام الإمامية- بزعم المحدث الجزائري- قد قالوا بعدم التّحريف في القرآن لسد باب الطعن عليهم من قبل المخالفين، لتوجّه الطعن أولًا وقبل كل أحد إلى المخالفين أنفسهم، فهذا «الفضل بن شاذان» (ت 260) الذي كان قبل الشيخ الصدوق (ت 386) والسيد المرتضى (ت 436) والشيخ الطوسي 460) يقول في التعريض بأهل السنَّة:


1- وقد أوردنا تمام كلام السيد الخوئي في المقام الأول في مبحث «نظرة عابرة إلى أجوبة الإمامية عن روايات أهل السنة»، راجع إن شئت.

ص: 489

«رويتم أنّ الشاة جاءت فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة ... ورويتم أنّ عمر بن الخطاب قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآناً كثيراً لا يقرؤه غيرهم فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر ... ورويتم أن أبا موسى الأشعري ... قال «واللَّه لقد كنا نقرأ سورة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله كنا نشبّهها ببراءة تغليظاً وتشديداً فنسيناها غير إني أحفظ حرفاً واحداً منها أو حرفين: لو كان لابن آدم ...» ورويتم أن سورة الأحزاب كانت ضعف ما هي فذهب منها مثل ما بقي في أيدينا، ورويتم أن سورة «لم يكن» كانت مثل سورة البقرة قبل أن يضيع منها ما ضاع ... فلئن كان الأمر على ما رويتم لقد ذهب عامة كتاب اللَّه عز وجل الذي أنزله على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله ... فأيّ وقيعةٍ تكون أشد ممّا تروونه ...» (1).

ومع وجود مثل هذا التعريض بكتب أهل السنة لا يبقى مجال للطعن في كتب الشيعة. وعلى أية حال فالدكتور القفاري- حسبما قال- يريد من هذه التمهيدات إنّه لا يقبل بسذاجة ظاهرة وسطحية غافلة آراء أعلام الإمامية كالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، والشيخ الطوسي (ت 460)، والسيد المرتضى (ت 436)، والطبرسي (ت 548) صاحب مجمع البيان في صيانة القرآن عن التّحريف، وإنما يريد مع «دراسة متأنية وأمينة» البحث في هذه القضية، فيقول:

«ولكن بقي أن ندرس البرهان الذي قدمه نعمة اللَّه الجزائري في أنَّ إنكار هؤلاء المنكرين كان على سبيل التقية بدليل أنهم «رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الامور في القرآن ...» فهل هذا حقيقي بالنسبة لأولئك المنكرين؟».


1- الايضاح: ص 211- 222.

ص: 490

ثم قال:

«نبدأ بابن بابويه القمي «الصدوق» (ت 381) باعتباره أول من أنكر على هؤلاء الغلاة وأعلن أنّ هذا لا يمثل مذهب الشيعة» (1).

ابن بابويه وانكاره لما ينسب لطائفته:

لم تكن الأبحاث التي ذكرها الدكتور القفاري في الواقع إلا تكراراً لما ذكره أولًا ونحن هنا نورد أهم البحوث التي أوردها مع نقدها:

أ: يقول الدكتور القفاري في مقام بيان الرأي الصريح لابن بابويه الصدوق رحمه اللَّه في نزاهة القرآن عن التّحريف:

«في قوله- أي قول ابن بابويه الصدوق رحمه اللَّه-: «ومن نسب إلينا إنا نقول بأن القرآن أكثر من ذلك- أي أكثر ممّا هو بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ... ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة- فهو كاذب» فقوله تكذيب للكليني صاحب الكافي وشيخه القمي صاحب التفسير والنعماني صاحب الغيبة وغيرهم الذين يجاهرون بهذا المعتقد ويعدونه من مذهب الإمامية أو كأنه يعتبر من يقول بهذا ليس في عداد الشيعة» (2).

أقول: إنّ من الخطأ الفادح أن يقارن الدكتور القفاري بين قول «ابن بابويه» ورواية «ثقة الإسلام الكليني» و «تفسير النعماني» ليصل إلى النتائج التي توخّاها


1- اصول مذهب الشيعة: ص 283. وإذا كان دليل المحدث الجزائري كافياً لدى الدكتور القفاري للقول بوجود التقية عند علماء الشيعة في هذه المسألة فحينئذٍ نقول: ان ادّعاء مؤلفي أهل السنة الذين توجد في كتبهم روايات كثيرة في تحريف القرآن بصيانة القرآن عن التّحريف تقيّة!
2- اصول مذهب الشيعة: ص 285.

ص: 491

وهي تكذيب ابن بابويه، للكليني، والقمي وخروج الكليني والنعماني من دائرة التشيّع، ... بل إن هذا يعتبر في الحقيقة تزويراً للحقائق، وقد مرّ منّا إنّ الدكتور القفاري يخلط بين كتب الحديث والتفسير بالمأثور وهي التي في صدد جمع الرّوايات وبين الكتب الاعتقادية التي هي في صدد علاج الرّوايات، ولو قبلنا مقارنة الدكتور القفاري الباطلة تلك وطبقناها على كتب أهل السنة لأوقعنا الدكتور القفاري في مصيبة عظمى لا يمكن له الخلاص منها، وقد أشرنا الى ذلك في مبحث «شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة، التهافت بين حكم الشيخ الصدوق وروايات الكافي».

ب: يقول الشيخ الصدوق في مقام مصحف الإمام علي عليه السلام:

«ومثل هذا كثير كلّه وحي ليس بقرآن ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولًا إليه غير مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين لما جمعه فلما جاء به فقال لهم هذا كتاب اللَّه ربكم كما انزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف فقالوا لا حاجة لنا فيه عندنا مثل الذي عندك فانصرف ...» (1).

وقد توصل الدكتور القفاري بعد بيانه خبر مصحف الإمام علي في كلام ابن بابويه إلى النتائج الآتية: «ذلك من رواسب روايات الاسطورة في ذهن ابن بابويه»، «خرافة يفتح باب التقية»، «النقض على قول ابن بابويه بصيانة القرآن عن التّحريف»، «عدم تمكن ابن بابويه من الخلاص النهائي عن تلك السموم» (2).

فإذا كانت تلك النتائج- التي لابد أن يكون الدكتور القفاري قد توصّل إليها بعد «دراسة متأنّية» كما يدّعي- علمية وصحيحة، فإذن تكون جميع روايات وكتب


1- اصول مذهب الشيعة: ص 285 نقلًا عن الاعتقادات للصدوق: ص 101- 102.
2- المصدر السابق: ص 285- 286.

ص: 492

أهل السنة التي تحدّثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام- وهي كما رأيت أكثر بكثير من كتب وروايات الشيعة- متصفة بهذه الأحكام الموهومة والنتائج الخاطئة، يعني إنها كلّها من رواسب روايات الاسطورة، وإنها خرافة، وإنّها تنقض قولهم بصيانة القرآن عن التّحريف إلى آخر المدّعيات التي أوردها الدكتور القفاري، وقد تقدّم البحث مفصلًا حول مصحف الإمام علي عليه السلام وتوصلنا إلى أنّ ذلك المصحف- كما صرّح به ابن بابويه وغيره من أجلاء الإمامية- لا يختلف عن المصحف الموجود جوهرياً فكيف تصحّ ادعاءات الدكتور القفاري؟

ج: إنّ مقارنة الدكتور القفاري بين كتابي «التوحيد» لابن بابويه و «الاحتجاج» للطبرسي- في قسم من رواية احتجاج الإمام علي عليه السلام مع الزنديق- بعد التشبث بقول المحدّث النوري أوصلته إلى هذه النتيجة:

«ألا يحتمل أن يكون الأصل هو ما في كتاب التوحيد وان تلك المفتريات المتعلقة بالتحريف زيادة بعد الصدوق من صاحب الاحتجاج أو غيره وهذا الاحتمال وارد ...» (1).

كيف يمكن مقارنة كتاب «التوحيد» الذي هو من الكتب المسندة والقيمة لدى الإمامية مع كتاب «الاحتجاج» ذي الرّوايات المرسلة وغير القابلة للاحتجاج، واستحصال نتيجة كهذه؟ كما انّ كلمة «أو غيره» كذب، فانه لا توجد هذه الزيادة في غير كتاب «الاحتجاج» وقد ناقشنا أيضاً في المقام الأوّل شيئاً من تلك الزيادة الموهومة، بالاضافة إلى ذلك أنّه لو كانت تلك المفتريات بزعم الدكتور القفاري زيادة من صاحب الاحتجاج، لما كانت تلك الرّوايات في السابق حتى يستعمل الصدوق التقية.

ثمّ ذكر الدكتور القفاري بعد هذه المناقشات- المتكررة- ما يلي:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 287.

ص: 493

«ولكن لم تسلم كل كتب الصدوق من هذا «الإلحاد» فقد جاء في كتابه «ثواب الأعمال» ... ان سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرّفوها.

وفي كتاب «الخصال» جاء برواية تقول: «يجي ء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى اللَّه عز وجل: المصحف، والمسجد، والعترة يقول المصحف: يارب حرقوني ومزقوني ...» (1).

وقد وردت فى بحار الأنوار «حرفوني» وهي أدل على الوقوع في هذا الكفر ولكنها خلاف الأصل».

أولًا: إنّ تلك الرواية في شأن سورة الأحزاب، كانت قد وردت في كتاب «ثواب الأعمال» فقط وفي سندها «محمّد بن حسّان» (2) الذي لم تثبت وثاقته و «ابن أبي حمزة البطائني» الذي هو واقفي، ضعيف جداً متهم (3). فإن كان ذكر تلك الرواية آية الالحاد كما يزعم الدكتور القفاري فمضونها مع عدّة طرق عن عائشة وحذيفة وأُبي بن كعب وبعضها بسند صحيح وردت في عدة من كتب أهل السنة (4) فعلى هذا كل من هؤلاء ومن خرّج الرواية معقود بهذا الالحاد وموصوف بما قاله الدكتور القفاري من الأوصاف.

لا سيّما أمثال «الآلوسي» حيث تحيّروا في المقام فتارة قالوا: إنه موضوع قد وضعه الملاحدة وتارة قالوا: مُؤوّل، بدون بيان وجه تأويله (5) لكن إن كنا نحن في


1- المصدر السابق: ص 288- 289.
2- معجم رجال الحديث: ج 15، ص 191.
3- المصدر السابق: ج 11، ص 214.
4- انظر: المقام الأول مبحث «دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة»، الطائفة الخامسة من الروايات.
5- روح المعاني: ج 12، ص 217.

ص: 494

موقف التحقيق والدرّاسة نقول: إنّ تلك الرّوايات تضرب عرض الجدار لا محالة.

ثانياً: إنّ الشيخ الصدوق اعتبر ما زاد على آيات القرآن من نوع الحديث القدسي، وقد اجاب علماء السنة كما رأيتم في علاجهم لروايات التحريف بنفس هذا الجواب على هذه الرّوايات وأمثالها.

والآن هل يوجد تهافت بين ذكر أصل الرواية وبيان جوابها؟ وهل أنّ ذكر هذه الرواية دليل على الدس والزيادة في كتب الشيعة؟ وكيف يدّعي الدكتور القفاري إنّ دراسته متأنية؟! ولو كان ما يقوله الدكتور القفاري صحيحاً لصدق هذا الحكم نفسه على كتب أهل السنة التي تحمل تلك الرّوايات، لأنّ حكم الامثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، نعم إذا كان مبنى الدكتور القفاري الخدش في جواب الشيخ الصدوق، فهذا شي ء، وإلّا لماذا هذا النوع من الأحكام؟!

وأما الرواية التي أخرجها الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتابه «الخصال» فقد رواها بسنده عن جابر بن عبد اللَّه الانصاري، ونفس هذه الرواية التي سمّاها الدكتور القفاري برواية «الالحاد» رويت في كتب أهل السنة عن أبي امامة الباهلي، وعن جابر نفسه. ففي كنز العمال عن مسند أحمد ومعجم الطبراني وسنن سعيد بن منصور عن أبي امامة الباهلي (صدى بن عجلان الصحابي) وأيضاً عن الديلمي عن جابر عن النبيّ صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم:

«يجي ء يوم القيامة المصحف والمسجد والعترة فيقول المصحف: يا رب حرّقوني ومزقوني ويقول المسجد: يارب خربوني وعطلوني وضيعوني وتقول العترة: يارب طردونا وقتلونا وشردّونا وأجثو بركبتي للخصومة فيقول اللَّه: ذلك إليَّ وأنا أولى بذلك» (1).


1- جمع الجوامع: ج 3، ص 993 وكنز العمال: ج 11، ص 193 الرقم: 31190. وقد أورده أيضاً عليّ بن طاووس في كتابه «اليقين»: ص 329 عن أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من علماء أهل السنة، وبمعناه في محاضرات الادباء للراغب الاصبهاني: ج 2، ص 333.

ص: 495

أيّها الدكتور: هل إن أحمد بن حنبل والحافظ أحمد الطبراني والحافظ سعيد بن منصور (1) والحافظ شيرويه الديلمي جاءوا بالالحاد في كتبهم؟؟

بالرغم من أنّ هذه الرواية إذا كانت بصورة «حرّفوني- بالفاء-»- وهي الأصحّ ظاهراً (2)- فلا تتأتّى أيّة مشكلة أيضاً.

نحن في المقام الأوّل بحثنا في الرّوايات التي وردت في متنها لفظة «تحريف» واتّضح آنذاك أن المراد من التّحريف هناك هو التّحريف المعنوي المساوق للتفسير بالرأي لا اللفظي. ولكن طائفة كبيرة من الباحثين تشبّثوا بلفظة «تحريف» ليثبتوا مقصودهم- وهو إنّ الشيعة تقول بتحريف القرآن- بغض النظر عن الشواهد والقرائن الداخلية والخارجية لهذه الرّوايات، وعدّوا هذه الرّوايات من باب التّحريف بالزيادة أو النقيصة في ألفاظ الآيات القرآنية، ويحتمل كثيراً أنّهم يفهمون المقصود من هذه الرّوايات إلّاأنهم أغمضوا أعينهم وتجاهلوا هذا الأمر لحاجة في نفوسهم.

وإن مجي ء القرآن يوم القيامة وشكايته إلى اللَّه قائلًا: «ياربّ حرفوني [أو حرقوني] ومزقوني»- هذه الشكاية الموجودة في كتب الفريقين- وهي شكوى النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يوم القيامة إذ يقول: «يا رب إنّ قومي اتخذوا هذا


1- انظر ترجمته في مقدمة كتابه «سنن سعيد بن منصور» لحبيب الرحمن الاعظمي وأيضاً: تهذيب الكمال: ج 11، ص 77 الرقم، 2361.
2- في حديث حذيفة بن يمان- وقيل في سنده انقطاع- قيل له حدِّثنا يا أبا عبد اللَّه، قال: «لو حدّثتكم أنّكم تحرّفون كتاب ربّكم، صدقتموني أنّ ذلكم كذلكم» ذم الكلام وأهله: ج 2، ص 23.

ص: 496

القرآن مهجوراً» (1)

. كلّ ذلك بمعنى هجر القرآن وتركه جانباً ومخالفة أوامره ونواهيه وتحريف معاني آياته وحملها على غير ما أراد اللَّه، وهذا النوع من التّحريف موجود منذ صدر الإسلام وإلى الآن وسيظل بعد هذا كما في حديث ابن مسعود عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قال:

قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:

«يأتي على الناس زمان يكون عامتهم يقرؤون القرآن ... يأكلون الدنيا بالدين هم أتباع الدجال الأعور. قلت: يا رسول اللَّه كيف ذلك وعندهم القرآن؟ قال: يحرفون تفسير القرآن على ما يريدون كما فعلت اليهود والنصارى ...» (2).

ويدلّ على هذا أيضاً روايات كثيرة وردت عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كروايات «الحوض»:

ففي صحيح البخاري بسنده عن عبد اللَّه بن عباس:

قال النبيّ صلّى اللَّه عليه

[وآله

] وسلّم: «أنا فرطكم على الحوض ... فأقول:

يا ربِّ أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (3).

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم مثله باضافة:

«... إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى» (4).


1- سورة الفرقان 25: الآية 30.
2- ذم الكلام وأهله: ج 1، ص 79، الرقم 66، وأورده الديلمي في مسند الفردوس: ج 5، ص 443 مختصراً.
3- صحيح البخاري، كتاب الدعوات: ج 8، ص 149 باب الحوض، وبمعناه عن حذيفة وانس وسهل بن سعد و ...
4- المصدر السابق: ص 150.

ص: 497

وهذا المضمون ورد بطرق كثيرة جداً (1) واعترف ابن حجر بأنّها متواترة (2).

أليس ارتداد بعض الصحابة، والأحداث السيئة التي حصلت بعد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلّاالتّحريف المعنوي في القرآن والانفصال عن أحكام الوحي وليست شيئاً آخر؟

ثمَّ انظر بعد هذا كله ما قاله الدكتور القفاري:

«إنّ الزيادة أمر ميسور عندهم كما بدا لنا ذلك في كتاب «سليم بن قيس» والذي اعترف بوضعه والتغيير فيه شيوخهم- كما سلف- وكما زادوا في روايات كتاب: «من لا يحضره الفقيه» لابن بابويه نفسه اكثر من الضعف كما سيأتي في فصل: «اعتقادهم في السنة» (3).

وقد بحثنا مسألة وضع كتاب «سليم بن قيس» الذي كررها الدكتور القفاري مراراً، ولاحظت- مع الأسف- أنّ الدكتور القفاري حينما نقل عبارة «العلّامة الشعراني» حول كتاب سليم قطّعها وحذف منها ما طاب له (4)، وأدهى منه قوله هنا، بأنهم- أي الشيعة- زادوا أكثر من الضعف في روايات كتاب «من لا يحضره الفقيه»، وأحال الكلام في ذلك إلى فصل «اعتقادهم في السنّة» إلّاأنّه في ذلك الفصل لم يورد أي شي ء عن هذا الموضوع، فيتعجب الإنسان ممّن يدّعي إحياء سنّة السلف!!


1- انظر: صحيح مسلم: ج 7، ص 66 و 67 و 68 و 70، السنن للترمذي: ج 5، ص 329 والسنن للنسائي: ج 1، ص 94 وج 2، ص 95 ومستدرك الحاكم: ج 1، ص 93 وج 3، ص 124 والسنن الكبرى: ج 1، ص 83 وج 4، ص 79 ومجمع الزوائد: ج 1، ص 17 وج 3، ص 183 وج 4، ص 279 وج 9، ص 165 وغيرها من المصادر.
2- فتح الباري: ج 11، ص 474.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 289.
4- انظر: المقام الثاني، مبحث «بداية الإفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة».

ص: 498

وحاصل القول: إنّ «ابن بابويه» هو ممّن يقولون بصيانة القرآن عن التّحريف، وليس هناك محل للشك والشبهة فيه، وإذا كان «المحدّث الجزائري» قد ذكر بعنوان الاحتمال أنّ القول بعدم التّحريف تقية من علماء الشيعة فهذا توهّم منه ناشئ من مشربه الأخباري ليس إلّا، كما بينّا لك سابقاً.

الطوسي وانكاره للتحريف:

بعد أن أورد الدكتور القفاري نصّ كلام الشيخ الطوسي وهو واضح بشكل لا يقبل الشك، وقف حائراً لا يدري ماذا يقول أمام المنطق الاستدلالي القوي والمتين للشيخ في مسألة صيانة القرآن من التّحريف، ولذا نراه بعد نقله قول الشيخ يسأل نفسه:

«هذا كلام شيخهم الطوسي صاحب كتابين من كتبهم المعتمدة في الحديث عندهم وكتابين من كتبهم المعتمدة في الرجال فهل هذا الإنكار تقيّة ...؟» (1).

ثم يخرج بالبحث عن موضوعه الأصلي ويتكلم عن امارات التقية دون إقامة دليل عليها أو إمكان تطبيقها على رأي الشيخ الطوسي، ثمّ لم يلتفت إلى أنّ لازم كلامه هو أمر لا يقبله هو ولا من سار على خطّه لأنه قال:

«إنّ التقية من اماراتها التناقض والاختلاف في الرّوايات والآراء، وقضية الاختلاف هي ظاهرة لكل دين ليس من شرع اللَّه «ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً»» (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 290.
2- المصدر السابق. ان معيار الدكتور القفاري فاسد من أساسه إلّاان استدلاله بهذه الآية «ولو كان من عند غير اللَّه ...» خطأ آخر، لأنّ احتمال الخطأ في الرّوايات وارد كخطأ الراوي، ونسيانه، والنقل بالمعنى، وعدم ذكر شرائط وظروف صدور الرواية و ... ممّا يؤدي إلى اختلاف نقل الرواية الواحدة، فليزم حينئذ وجود معيار للصحة والسقم كما هو الحال في الأخبار العلاجية. بخلافه في آيات القرآن التي تكفل اللَّه تعالى بحفظها فلا ينطبق هذا المعيار عليها.

ص: 499

فإن كانت التقية من اماراتها التناقض والاختلاف الخ فهذا المعيار أشد وأوضح تطبيقاً في أخبار أهل السنة ولا سيّما الرّوايات التي دلت على التّحريف، ويكفينا في المقام النظر إلى أجوبة أهل السنَّة عن رواياتهم في باب التّحريف وشعورهم بتناقض آرائهم.

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«لقد لوحظ أنّ الطوسي هذا نقل في تهذيبه لرجال الكشّي بعض روايات هذه الاسطورة كنقله للرواية التي تقول: «لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فإنّك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين ...

الذين اؤتمنوا على كتاب اللَّه جلّ وعلا فحرّفوه وبدّلوه ...»

كما إنّه نقل بعض أخبار هذه الاسطورة على أنّها قراءة في تفسير التبيان، [ثم قال الدكتور القفاري في الهامش] كما في تفسيره لقوله تعالى: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» قال: وفي قراءة أهل البيت «وآل محمّد على العالمين» وهذا تلطف في التعبير أو محاولة للتغيير في أساطيرهم ... وهذا التغيير قد يكون الهدف منه التستر على الفضيحة ...» (1).

وقد مرّ عليك بحث هذه المسألة وهي أن المراد من لفظة «تحريف» هو التّحريف المعنوي في الآيات والمساوق للتفسير بالرأي وحمل الآية على غير المعنى الظاهري لها لا ما توهّمه الدكتور القفاري وغيره.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 290- 291.

ص: 500

وأمّا قراءة «وآل محمّد على العالمين» فسنبحثها في فصل «الطبرسي وانكاره لهذه الفرية».

وعلى فرض أنّ هذه الرواية وأمثالها تدل على التّحريف بمعنى الاسقاط فإنّ الشيخ الطوسي صرّح بأنّ هذه أخبار آحاد، وهي ساقطة لتعارضها مع الرّوايات المتضافرة التي توجب العمل بالقرآن، وكذلك الرّوايات التي أعطتنا ميزان قبول الأخبار. والطريف أنّ الدكتور القفاري نقل عبارة شيخ الطائفة المتضمنة للمعنى المتقدم وقال:

«ولكن يرى الشيخ الطوسي أنّ كل هذه الرّوايات من قبيل روايات الآحاد التي لا يعتمد عليها ولا تدفع ما تضافر من رواياتهم التي توجب العمل بالقرآن والرجوع إليه عند التنازع» (1).

وعلى هذا فإنّ الدكتور القفاري بعد ما رأى بأنّ هذه الرّوايات لم تنفعه في كشف التناقض في كتب وآراء شيخ الطائفة لم يبق له إلّاان يتشبث بقول «المحدث النوري» أي صاحب فصل الخطاب- رغم اعتراف الدكتور القفاري نفسه باختلاف رأي المحدث النوري في هذا المقام حيث قال:

«أمّا صاحب فصل الخطاب فقد اختلفت أقواله في توجيه هذا الانكار ...» (2).

ومع هذا فالدكتور القفاري قد تشبّث بقول المحدِّث النوري وهو قوله: إنّ الشيخ الطوسي استعمل التقيّة، فتعال معي ندقّق في عبارة «المحدّث النوري» لنرى ما الذي أراد:

أولًا: انّ «المحدّث النوري» أورد هذا القول في توجيه كلام شيخ الطائفة على نحو


1- اصول مذهب الشيعة: ص 291.
2- المصدر السابق.

ص: 501

«الاحتمال» لا القطع وقال:

«فمن المحتمل إعراض شيخ الطائفة عن الرّوايات الكثيرة التي رويت من جهة العامّة والخاصّة بنقصان كثير من آي القرآن يكون على نحو المماشاة ونهاية المداراة مع المخالفين ...» (1).

إذاً فالمحدّث النوري أورد هذا القول بعنوان الاحتمال، ولو أردنا استفادة قطعية القول بالتقية من هذا الكلام ثم نسبنا ذلك- أي استعمال التقية في مسألة التّحريف- إلى جلّ علماء الطائفة لابتعدنا عن جادّة الحقّ وجانبنا الطريقة العلمية في البحث.

ثانياً: ان «المحدث النوري» أخطأ حتى في احتماله نسبة التقية إلى الشيخ الطوسي، فإنّه لا يمكن لنا تقبل فكرة استعمال الشيخ للتقية في مسألة التّحريف، والدليل على ذلك أنّ الشيخ نفسه قد صرّح بأنّ الرّوايات الدالة على التّحريف بنقصان القرآن رويت بكثرة من جهة العامة (أي أهل السنة) بالاضافة إلى الخاصة، بل ان نفس «المحدث النوري» قال بعد ذكر روايات كثيرة من أهل السنة في باب التّحريف ما نصُّه:

«ويوجد في كتب العامّة أخبار كثيرة غير ما نقلناه» (2).

فمع وجود هذه الرّوايات عند أهل السنة وكون المتمسكين بها قد عاشوا قبل ولادة الشيخ الطوسي ك «ابن شنبوذ» (ت 328) ينتفي موضوع التقية عند الطوسي بالمرّة.

ثالثاً: ما الحاجة إلى التقية مع وجود الدليل؟ فالشيخ استدلّ في ردّ هذه الأخبار بقوله:

«... لكنّ طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ... ويمكن تأويلها،


1- فصل الخطاب: ص 34.
2- نفس المصدر: ص 34.

ص: 502

ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسّك بما فيه، وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار ...» (1).

واستمرّ بذكر أدلّة «السيد المرتضى» في مقام صيانة القرآن عن التّحريف مؤيداً لها، فمع وجود الدليل والاعتراف بردّ ما يرد من اختلاف الأخبار أيّة حاجة للتقية في هذه المسألة؟ وعلاوة على ذلك فإننا أثبتنا أنه لا إشكال ولا شبهة في أنّ مسلك شيخ الطائفة هو التمسُّك بصيانة القرآن عن التّحريف ولم يأت بهذا الرأي لإسكات الخصم إذ إنّه يعتبر القرآن هو المعيار لصحّة أو سقم الرّوايات المتعارضة فيقول:

«... ورد عنهم عليهم السَّلام ما لا خلاف فيه من قولهم:

«إذا جاءكم عنّا حديث فاعرضوه على كتاب اللَّه، فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وإن خالف فردّوه ...»

وذلك صريح بالمنع عن العمل بما يخالف القرآن» (2).

كما أنّه في مقام الافتاء يُلزم نفسه بهذا المعيار، فمثلًا فتواه في «دية القتل» التي هي في ظاهر تلك الرّوايات مخالفة لظاهر القرآن فأسقط تلك الرّوايات (3).

وقال في باب «نسخ السنّة بالقرآن»:

«... والذي يعتمد في ذلك، جواز نسخ السنة بالقرآن والذي يدل على ذلك انه قد ثبت أنّ القرآن أقوى في باب الدلالة من السنة على الأحكام فإذا كان أقوى منها جاز نسخها» (4).

فإذا كان الشيخ الطوسي معتقداً بالتحريف فكيف يمكن أن يقول ذلك؟

وهل من الممكن أن يعتبر شيخ الطائفة القرآن مقياساً وميزاناً في صحة وسقم


1- التبيان: ج 1، ص 3.
2- العدّة في الاصول: ج 2، ص 350.
3- انظر المقام الأوّل، مبحث مزعومة التّحريف وروح تعاليم الوحي.
4- العدّة في الاصول: ج 2، ص 552.

ص: 503

الرّوايات مع أنّه يعتقد بوجود التّحريف في القرآن؟

رابعاً: إنّ المحدّث النوري أخطأ في نسبة التقية إلى الشيخ الطوسي في مسألة التحريف زاعماً- أي المحدث النوري- أنّ «علي بن طاووس» يذهب إلى أنّ الشيخ يستعمل التقية في مسألة التّحريف، والحال إنّ «علي بن طاووس» صرّح بأنّ «طريقة» شيخ الطائفة في تفسير التبيان هي أنه:

«يقتصر فيه من تفصيل المكّي من المدني والخلاف في أوقاته و ...»

وفي هذه الطريقة مماشاة مع أهل السنة ولم يذكر- أي علي بن طاووس- شيئاً عن رأي الشيخ الطوسي في مورد صيانة القرآن عن التّحريف، فالمحدّث النوري أخطأ في احتماله هذا، ولا يمكن الاعتماد على قوله، ورغم خطأ المحدث النوري في احتماله فإنه أهون بكثير من ادعاءات الدكتور القفاري التي من جملتها إنه نسب إلى النوري القطع بأنّ شيخ الطائفة استعمل التقية في مسألة التّحريف، بل نسب إلى النوري بأنّ جميع علماء الإمامية الذين نفوا التّحريف- أمثال السيد المرتضى وابن بابويه القمّي والطبرسي وغيرهم- استعملوا التقية بنظر المحدث النوري، وهو افتراء على المحدث النوري، ولنستمع إلى نص الدكتور القفاري في هذا المقام:

«من أعظم مصائب الشيعة وبلاياها: أساطير نقص القرآن وتحريفه والتي سرت في مذهبهم وفشت في كتبهم وحينما تصدى لذلك شيخهم المرتضى وابن بابويه القمي والطبرسي و ... ونفوا عن مذهب الشيعة هذه المقالة حمل ذلك طائفة من متأخري شيوخهم كنعمة اللَّه الجزائري والنوري الطبرسي حملوا ذلك على التقية» (1).

فنعمة اللَّه الجزائري كما رأيتم نصّ كلامه متردد في القول بالتقية، والمحدث النوري لم يقل بحمل أقوال السيد المرتضى وابن بابويه الصدوق والطبرسي


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1123.

ص: 504

صاحب مجمع البيان والآخرين على التقية، وإنّما نسب قول الشيخ الطوسي فقط إلى التقية بعنوان الاحتمال.

والآن ينبغي أن نتأمل في عدّة نقاط حتى نتعرّف وبصورة أوسع على «الدرّاسة المتأنية والبرهانية» للدكتور القفاري:

أ: يقول الدكتور القفاري عن «المحدِّث النُّوري»:

«يقول- أي المحدث النوري- إنّ الطوسي معذور في انكار التّحريف لقلة تتبعه الناشئ من قلة الكتب عنده.» (1).

فقد اعتبر الدكتور القفاري هذا القول «شهادة هامّة» أو «وثيقة تأريخية» وقال:

«بل نحن نأخذ من قول الطوسي هذا شهادة هامة أو وثيقة تاريخية تثبت أنّ الوضع لهذه الاسطورة لم يتسع ويصل إلى هذا المستوى الموجود ...» (2).

والحال إن هذه العبارة ذكرها المحدّث النوري حول «المحقق البغدادي» (1227) وقال فيه: إنه «لقلة تتبعه الناشئ ...» ولكن الدكتور القفاري عمداً أو جهلًا جعل هذا القول في حقّ شيخ الطائفة (ت 460) واعتبره «شهادة هامّة» أو «وثيقة تاريخية» (3).

ب: يقول الدكتور القفاري:

«يشير النوري إلى أنّ في كلام الطوسي تناقضاً يشعر أنه تقية، فقال النوري: «إنّ إخباره- أي إخبار الشيخ الطوسي- بأنّ ما دلّ على


1- اصول مذهب الشيعة: ص 292 نقلًا عن فصل الخطاب: 315.
2- المصدر السابق: ص 271.
3- مرّ تفصيل هذه النكتة في بحث «حجم أخبار هذه الاسطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم».

ص: 505

النقصان روايات كثيرة يناقض قوله لكنَّ طريقه الآحاد إلّاأن يحمل على ما ذكرنا» أي من التقية.» (1).

فهل في كلام الشيخ الطوسي تناقض يشعر أنه تقية؟

هل المراد من كلام النوري «إلّا ان يحمل على ما ذكرنا» حمل الكلام على التقية؟

هذا ما أراده الدكتور القفاري نفسه فحمل كلام النوري على المعنى الذي لا يرضى به صاحبه، فإنّ المراد من كلام النوري «إلّا أن يحمل على ما ذكرنا» أي يحمل كلام شيخ الطائفة على أنّ «النزاع في قرآنية ما روي بالآحاد لا في أصل وجود النقص» كما صرح به النوري نفسه (2)، وهذا غير حمل كلامه على التقية على حد زعم الدكتور القفاري.

ج: قد أصرّ الدكتور القفاري على أن روايات التّحريف هي من جعل شيوخ الدولة الصفوية (3)، ولكنّه تنبّه إلى فساد كلامه فاستدرك قائلًا:

«ولكن يرد على ذلك أن تلك الرّوايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم كتفسير القمّي والعياشي وفرات» (4).

ولكي لا يفتضح أمره بشكل أكبر فإنّه لجأ إلى دعاية أخرى قائلًا:

«إلّا إذا قلنا أنّ الشيعة يغيّرون في كتب قدمائهم».

وقد تكلمنا مسبقاً «في دراسة رأي الشيخ الصدوق» عن وضوح الفساد فلا نعيد.

د: والآن بدأ الدكتور القفاري بتوجيه عدّة اتهامات مستعملًا أخس الألفاظ،


1- اصول مذهب الشيعة: ص 290.
2- فصل الخطاب: ص 34.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 271- 272.
4- المصدر السابق: ص 291.

ص: 506

واستمر في عثراته قائلًا:

«والطوسي كما يلاحظ في إنكاره قد دس في الشهد سمّاً، وتناقض في حكاية مذهبه كما لا يخفى، من ذلك زعمه أنّ العامّة- يعني بهم أهل السنّة- قد شاركوا طائفته في رواية هذا الكفر، وهذا كذب، وقد شهد شيخهم المفيد بتفرّد طائفته بهذا البلاء» (1).

ثمّ أورد الدكتور القفاري آراء علماء التفسير من أهل السنّة حول الآية: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (2)

وقولهم بصيانة كتاب اللَّه عزّ وجلّ وسلامته من التّحريف.

وحينئذ يحقّ لنا أن نسأل الدكتور القفاري هل إنّ شيخ الطائفة الذي يقول:

«ورويت روايات كثيرة من جهة العامّة والخاصّة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شي ء منه من موضع إلى موضع ...» كاذب في قوله- والعياذ باللَّه- حتّى يتّهمه الدكتور القفاري بالكذب؟!! إذاً فماذا يقول الدكتور في الرّوايات الكثيرة المختلفة في كتب أهل السنة التي نقلت هذا «الكفر!!» والتي قد ذكرنا بعضاً منها في المقام الأوّل؟

وعلى هذا فانكار ما هو واقع، واتّهام الآخرين لا يجدي شيئاً، وإذا أردنا أن نحكم كما حكم الدكتور القفاري فيجب علينا القول: هذه «شهادة هامّة» و «وثيقة تأريخية» لأنّه بناءً على قول الدكتور القفاري، لو تنزّلنا وقلنا بصدق مدّعاه بانه في عصر الشيخ الطوسي لم توجد رواية واحدة في كتب أهل السنة تقول بالتحريف، وأنّ الشيخ- وحاشاه من ذلك- كذب في ادعائه حيث قال «رويت روايات كثيرة من جهة العامّة»، فاننا نرى كتب أهل السنة الآن مشحونة بهذه الرّوايات، وهذا


1- اصول مذهب الشيعة: ص 292.
2- سورة الحجر 15: الآية 9، وإن كان بعض أهل السنّة قد شكّك في الاستدلال بالآية الشريفة بأنه يلزم منه الدور، راجع مفاتيح الغيب للفخر الرازي: ج 1، ص 161.

ص: 507

يدلّ على أنّ تلك الرّوايات دسّت وجعلت في كتب أهل السنة الحديثية والتفسيرية بعد زمان الشيخ الطوسي، ممّا يعني أن أهل السنة قد دسّوا وحرفوا في كتب قدمائهم، فهل يقبل الدكتور بهذا القضاء؟!

وعلاوة على ذلك، فلو كانت آراء علماء التفسير وغيرهم من أهل السنة حول الآية الكريمة: «إنّا نحن نزّلنا الذكر ...» يختم كلّ شي ء في مسألة التّحريف، فإذاً لماذا لا يتعامل الدكتور القفاري مع آراء علماء الإمامية بنفس هذا التعامل ويريد اخفاء الحقائق على الآخرين حيث إنّ آراء علماء الإمامية حول هذه الآية- التي ذكرت بعضها في المقام الأوّل- لم يقع موقع القبول لدى الدكتور القفاري وأضرابه، وإنّما لجأوا إلى الاستناد إلى بعض روايات الإمامية الضعيفة في نظرهم أو آراء بعض علماء الأخباريين ليعمموا الحكم بكفر الشيعة!! فهل هذا من الانصاف؟

وأمّا ما ذكره الدكتور القفاري حول شهادة الشيخ المفيد، فقد فصلنا القول فيه سابقاً وقلنا بأنّ الدكتور القفاري قام بتقطيع عبارة الشيخ المفيد، ثم حرّفها وإلّا فنحن قد عرضنا عليك نصّ عبارة الشيخ المفيد وبيّنا ما هو الحق فيها (1).

وعلى أية حال فالنص الذي ذكره الشيخ الطوسي حول صيانة القرآن من التّحريف كلام وزين واستدلال قويم ويثبت بشكل واضح لا غبار عليه موقف الشيخ من التّحريف ورفضه له رفضاً قاطعاً، ولا ينفع الدكتور القفاري التشبث بقول النوري والآخرين لإثبات مطلوبه السقيم.

الشريف المرتضى وإنكاره لهذه الفرية:

لقد أثبت السيد المرتضى علم الهدى (ت/ 436 ق.) رحمه اللَّه صيانة القرآن عن التّحريف مستدلًا بالعقل والشواهد التاريخية مستوفياً لاطراف البحث، وقد نقل


1- انظر: مبحث «ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية».

ص: 508

الدكتور القفاري لنا نصّ عبارته وأتبعها بمناقشات سخيفة، وحينما عجز عن ردّ الكلام المتين للسيد المرتضى عمد إلى تخريج كلام المرتضى بانّه استعمل التقية وطبعاً من دون أن يذكر دليلًا على قوله، وإليك بعض ما ورد في كلام السيد ومناقشاته.

أ: قال السيد المرتضى بعد بيان استدلاله على نفي التّحريف ما نصّه:

«إن من خالف ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فان الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحتها لا يرجع مثلها عن المعلوم المقطوع على صحته» (1).

فاستنتج الدكتور القفاري من هذه العبارة:

«وكأن الجملة الأخيرة تشير إلى ما ذهب إليه الإخباريون من الشيعة من القول بهذا الضلال» (2).

فهل إنَّ اصطلاح «الحشوية» غير معلوم لدى الدكتور القفاري؟ إنّه يريد وبأيّ شكل من الأشكال انكار وجود أية رواية من روايات التّحريف في كتب أهل السنّة، فعمد هنا إلى تحريف معنى كلام السيد المرتضى؛ فاصطلاح «الحشوية» الذي ذكره السيد المرتضى حرّف الدكتور القفاري معناه إلى الإخباريين من الشيعة، كما فعل حرّف كلام الشيخ الطوسي.

وعلى أية حال فان اصطلاح «الحشوية» معلوم لدى العلماء، كقول القاضي عبد


1- نقلًا عن مجمع البيان: ج 1، ص 31.
2- علق الآلوسي على عبارة السيد المرتضى بقوله: «وهو كذب أو سوء فهم». روح المعاني: ج 1، ص 24- 25، وقد فصلنا القول في ذلك وأوضحنا للملأ اتهام الآلوسي وردّه، فراجع ان شئت مبحث «شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة».

ص: 509

الجبّار في كتابه:

«الحشوية، النوابت من الحنابلة» (1).

فأراد الشريف المرتضى اولئك القوم من أهل السنة بلا شك، فإنّهم حشدوا النقول والحكايات في حقائبهم حشداً، ونقلوا أخباراً ضعيفة في المقام متوهّمين صحّتها كما فعل ثلّة من محدّثي الإمامية (2).

ب: قال الدكتور القفاري في مصدر كلام السيد المرتضى:

«لم يقع لنا هذا الكتاب، ولم أجد منه- فيما اطّلعت عليه- إلّاهذا النص الّذي حفظه الطبرسي في مجمع البيان ... ولو كانت هذه عقيدة الرجل لكثر حديثه عنها» (3).

فاعتبر الدكتور القفاري ذلك الاشكال أساسياً، واستنتج منه:

«فإمّا أن يكون هذا النص مدسوساً عليه ... وإمّا أن يكون ...» (4).

أقول:


1- ص 527. وقال بعض: «وسميت الحشوية حشوية؛ لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية، والجميع يقولون بالجبر والتشبيه، وأنّ اللَّه موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر وقالوا: كلّ ثقة من العلماء يأتي بخبر مسند عن النبيّ صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم هو حجّة. المنية والأمل لابن المرتضى: ص 11، وتعريفات الجرجاني: ص 341. ويعتقد «الصفدي» بأن غالب الحنبلية من الحشوية. الغيث المسجم: ج 3، ص 47.
2- وامّا مصطلح «الأخباريون» فقد ظهر في عصور متأخرّة، وأول من سمّوا أنفسهم بهذا الاسم المحدّث الجزائري ت 1112 في رسالته «منبع الحياة»: ص 32، ط. بغداد. والدكتور القفاري نفسه أورد عبارة البحراني وقال: «محمّد امين الاسترآبادي ت 1023 ه هو اول من قسّم الفرقة ... إلى أخباري ومجتهد». اصول مذهب الشيعة: ص 118، فعلى هذا كيف يقول الدكتور القفاري ان الأخباريين موجودون في عصر السيد المرتضى ت 436 ه؟!
3- اصول مذهب الشيعة: ص 294.
4- المصدر السابق.

ص: 510

أولًا: هذا النص منقول عنه أيضاً في تفسير ملا فتح اللَّه الكاشاني (ت 988 ه.) المسمى بتفسير «منهج الصادقين» بل موجود بعينه في كتاب «الذخيرة في علم الكلام» للشريف المرتضى نفسه، جواباً عن إشكال من قال: «الإمامية تدّعي التغيير في القرآن نقصاناً، وكذلك حشوية أصحاب الحديث» حيث قال:

«قلنا: قد بيّنا صحّة نقل القرآن في المسائل الطرابلسيات وانه غير منقوص ولا مبدّل ولا مغيّر ... وذكرنا ان العناية اشتدت بالقرآن ...

وقد كنا ذكرنا في جواب المسائل المتقدم ذكرها عند الكلام في صحة نقل القرآن ... وقد بينا في الموضع الذي أشرنا إليه ... وذكرنا أيضاً أن من يخالف هذا الباب من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ...» (1).

ثانياً: إن كان هذا النصّ مدسوساً على السيد المرتضى فيما بعد كما زعم الدكتور القفاري فكيف يقول ابن حزم (ت 456) الذي كان معاصراً للسيد المرتضى:

«... وكان الشريف المرتضى إمامياً يظاهر بالاعتزال، ومع ذلك كان ينكر هذا القول- أي تحريف القرآن- ويكفّر من قاله وكذلك صاحباه» (2).

فعلى زعم الدكتور القفاري إما أن يكون كتاب «الفصل» لابن حزم قد دسّ فيه فيما بعد، أو أن ابن حزم قال ذلك من دون الاعتماد على مستمسك ودليل، وفي هاتين الحالتين لا يبقى مجال للاستدلال بكتب «ابن حزم»!

ج- زعم الدكتور القفاري وجود التناقض في كلام السيّد المرتضى واستنتج منه «التقية» في رأي السيد المرتضى رحمه اللَّه. قال الدكتور القفاري:


1- الذخيرة في علم الكلام: ص 364- 365، وقد أوردنا في المقام الأوّل نص عبارة السيد المرتضى رحمه اللَّه بتمامها.
2- الفصل في الملل والاهواء والنحل: ج 5، ص 40.

ص: 511

«ولكن قيل إنّ هذا الانكار- من السيد المرتضى- تقية لأنّه كما قال صاحب فصل الخطاب: «قد عدّ هو في الشافي من مطاعن عثمان ومن عظيم ما أقدم عليه جمع الناس على قراءة زيد واحراقه وابطاله ما شك أنه من القرآن».

وهذا بلا شك يناقض انكاره لهذه الفرية، وبيانه بالدليل العقلي والتاريخي استحالة حصولها؛ فإمّا أن يكون هذا النص مدسوساً عليه ... وإمّا أن يكون الإنكار على سبيل التقية ... وهذا النص علاوة على إنّه طعن في كتاب اللَّه سبحانه فهو حكم بالضلال على الأمّة بما فيهم علي- رضي اللَّه عنه- من قوم يزعمون التشيع له وموالاته ...

إنّ هذا لبهتان عظيم بل الحق إنّ عمل عثمان هذا من أعظم مناقبه ووقع باجماع من الأمّة ...» (1).

لابد للقارئ الكريم أن يتساءل ماذا يريد الدكتور القفاري أن يقول هنا؟ وعمّن يريد أن يدافع أعن «عثمان» أم عن «القرآن»؟! فإحراق المصاحف بأمر عثمان وكراهة جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أمر لا شك فيه (2)، والآن إمّا أن نعدّ ذلك من عظيم مثالب عثمان أو من عظيم مناقبه، لكنّ السؤال الوارد هنا إنّه إذا كان إحراق المصاحف يعد من المطاعن فكيف يوجب ذلك التناقض في كلام السيد المرتضى ويتحصل من قوله التقية، ولابد أن يكون بزعم الدكتور القفاري إنه إذا كان عمل عثمان من عظيم المناقب فهو تأييد لكلام السيد المرتضى ولا مجال للمناقشة في كلامه!!


1- اصول مذهب الشيعة: ص 294.
2- قال ابن شبّة في تاريخه: «مسألة احراق المصاحف وكراهة جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم امر لا شك فيه». تاريخ المدينة المنورة: ج 3، ص 1004.

ص: 512

وعلاوة على هذا فإنّ هذه العبارة للسيد المرتضى من كتابه «الشافي» منقولة من كتاب «المغني» (1) للقاضي عبد الجبار الهمداني (2)، وليست من السيد المرتضى نفسه حتى يحرّفها الدكتور القفاري ويقول: «هذا بلا شك يناقض إنكاره ... وإنه طعن في كتاب اللَّه و ...» إن السيد المرتضى ذكر في كتابه «الشافي» (3):

«ثم ابتدأ- أي القاضي عبد الجبار- بذكر أحداث عثمان قال: فمن ذلك قولهم: إنّه ولّى المسلمين ما لا يصلح لذلك ... ومن ذلك انه اقدم على كبار الصحابة بما لا يحل نحو اقدامه على ابن مسعود عندما أحرق المصاحف ... ثم من عظيم ما أقدم عليه من جمعه الناس على قراءة زيد واحراقه المصاحف وابطاله ما شك [لما شك- ن] انه منزل من القرآن وانه مأخوذ عن الرسول عليه السلام ولو كان مما يسوغ لسبق إليه الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ولفعله أبو بكر وعمر ...» (4).

وبعد هذه العبارة قال صاحب المغني في مقام الدفاع عن عثمان في احراقه للمصاحف:

«إنّ فيه- أي في إحراق المصاحف- تحصين القرآن وقطع المنازعة


1- المغني: ج 20، ق 2/ 38- 44.
2- انظر ترجمته في: طبقات المعتزلة المسمى بالمنية والامل: ص 16 وطبقات الشافعية للسبكي: ج 3، ص 469 ولسان الميزان لابن حجر: ج 3، ص 386 وتاريخ بغداد: ج 11، ص 18 وغيرها من الكتب.
3- لا يخفى ان كتاب «الشافي في الامامة» ردّ على القاضي عبد الجبار، فقد الّف علي بن الحسين الموسوي المشتهر بعلم الهدى السيد المرتضى، ذاك الكتاب وابطل حجج القاضي ونقض كتابه باباً باباً بروح علمية وادب في التعبير يتجلى واضحاً لمن قارن بين الكتابين.
4- الشافي في الامامة: ج 4، ص 229.

ص: 513

والاختلاف فيه.» (1) ثم إنّ السيد المرتضى في مقام الحكم بين كلام القاضي عبد الجبار ومخالفيه بصورة المجادلة بالتي هي أحسن، قال:

«لا شك في أنّ ابن مسعود كره احراق المصاحف كما كرهه جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وتكلموا فيه، وذكر الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك بالتفصيل ...

فأمّا اختلاف الناس في القراءة والأحرف فليس بموجب لما صنعه عثمان لأنّهم يروون أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف» فهذا الاختلاف في القرآن مباح مسند عن الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسّع في الحروف وهو مباح؟ فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن كما ادّعى، لما أباح النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في الأصل إلّاالقراءة الواحدة لأنّه أعلم بوجوه المصالح من جميع امّته من حيث كان مؤيداً بالوحي مُوَفّقاً في كلّ ما يأتي ويذر ...» (2).

وهكذا استمر بدراسة ونقد استدلالات القاضي عبد الجبار في كتابه «الشافي».

والسيد المرتضى هنا- كما قلنا- في مقام الجدال بالتي هي أحسن، وقد أثبت بالأدلة القاطعة أنّ القرآن الموجود زمان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله هو القرآن الموجود هنا، وروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر إضافة إلى أنّ روايات توحيد المصاحف في زمان عثمان متعارضة مع هذا الأمر القطعي ولذا تكون ساقطة عن


1- المصدر السابق: ص 284.
2- الشافي في الامامة: ص 285 وما بعدها.

ص: 514

الاعتبار، قال السيد المرتضى في بعض استدلالاته:

«... إنّ القرآن كان على عهد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ... ولا يقطع من قال غير ذلك. على ان هذا القرآن الموجود بيننا هو الذي جمعه عثمان وأن لا يأمن ان يكون بعضه قد وقع فيه تغيير وتبديل عما سطره عثمان وجمعه بعده، لانه إذا جاز فيما أدّاه النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله نيفاً وعشرين سنة وتداوله الناس ونشره أن يتم فيه لعثمان النقص والحذف، جاز ذلك فيما جمعه عثمان نفسه، وهذا حدّ لا يبلغ إليه محصّل.» (1) فمن أراد تمام استدلال الشريف المرتضى ودفع الشبهات فليراجع «الذخيرة في علم الكلام» (2) ومقدمة تفسير مجمع البيان فان الطبرسي أورد استدلال السيد المرتضى بتمامه نقلًا عن كتاب المسائل الطرابلسيات (3).

والحاصل أنّ الدكتور القفاري قد القم حجراً مرة أخرى، وانتفى بانتفاء موضوعه سعيه لكشف التناقض في كلام السيد المرتضى واخذه النتائج من ذلك كقوله:

«هذا النص مدسوس عليه ... انكاره على سبيل التقية ... انه طعن في كتاب اللَّه سبحانه ... هذا بهتان عظيم.»

وجميعها لا مورد لها.

الطبرسي وانكاره لهذه الفرية:

قال الدكتور القفاري بعد ذكر كلام الطبرسي في مورد صيانة القرآن عن التّحريف:


1- الذخيرة في علم الكلام: ص 363.
2- المصدر السابق: ص 361 وما بعدها.
3- مجمع البيان: ج 1، ص 15.

ص: 515

«فهو يشير هنا إلى أنّ جماعة من أصحابه رووا روايات في نقص كتاب اللَّه وتغييره، وأنّ مذهب محققي الشيعة على خلافه ويحاول- كعادة هؤلاء- أن يشرك بعض أهل السنة الذين عبر عنهم «بحشوية العامة» في هذا الكفر كنوع من الدفاع عن المذهب وحفظ ماء الوجه ولون من النقد المبطن لاهل السنة وهو كما قال الآلوسي كذب أو سوء فهم» (1).

ثم أورد الدكتور القفاري كلام الآلوسي وقال:

«وقد ناقش الآلوسي ما قاله الطبرسي وبيّن أوهامه» (2).

إنّ الدكتور القفاري أنكر الواقعيات هنا وتخيل أنّه بهذه الألفاظ البذيئة والاتهامات الساذجة- المبتنية على أنّ الطبرسي لحفظ ماء وجه المذهب أو الدفاع عنه قد نسب ذلك إلى بعض من «حشوية العامّة»- أو بالتشبث بقول الآلوسي يمكن له اظفاء الطابع العلمي على انكاره، والحال انّ كتب السنّة موجودة بين يديك، ويمكنك الآن مراجعتها وقد أوردنا نحن قسماً منها في المقام الأوّل، وهي بخلاف ما يدعيه الدكتور القفاري تماماً، وأمّا فيما يرتبط ب «الآلوسي» واتهاماته فقد فصلنا القول في ذلك فيما مضى، ولاحظت أن الآلوسي جانب الانصاف بشكل كبير، وحكم علينا حكماً جائراً. بل وقع في التناقض في كلامه من حيث لا يشعر (3)، وعلى هذا فانكار ما هو واقع، أو التشبث بأقوال الآلوسي لا ينفع الدكتور القفاري شيئاً في هذا المقام.

نعم. الحل الناجع لهذه المشكلة هو أن نقول ان المرحوم الطبرسي ذهب إلى أنه


1- اصول مذهب الشيعة: ص 295.
2- المصدر السابق.
3- انظر نقد مبحث: «شيوع هذه المقالة عند الشيعة كما تقول أهل السنة» من هذه الرسالة.

ص: 516

توجد روايات في المقام رواها بعض الإمامية وأيضاً قوم من حشوية أهل السنة، ولكنّها في نظر المحققين لا محل لها من الصحّة، وقد أبطلها محققو الفريقين بأدلّة دامغة.

ثم قال الدكتور القفاري:

«وقد اكتشفت أثناء قراءتي في مجمع البيان أنّ الطبرسي قد قام بحيلة أو محاولة لستر هذا العار فأتى إلى بعض روايات أصحابه في هذه الاسطورة والتي فيها أنّ الآية كذا ثم غُيِّرت إلى كذا، فغير صورة عرضها بما ينخدع به أهل السنَّة أو بما لا تتضح به صورة هذا الخزي فعبّر عن بعض هذه الأساطير بأنها قراءة واردة.

جاء في تفسير القمّي في قوله سبحانه: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» قال العالم [عليه السلام] نزل: «وآل عمران وآل محمّد على العالمين» فأسقطوا آل محمّد من الكتاب.

وفي تفسير فرات عن حمران قال: سمعت أبا جعفر يقرأ هذه الآية: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل محمّد على العالمين» قلت ليس يقرأ هكذا قال: أُدخل حرف مكان حرف.

وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه عن قوله تعالى: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» قال: هو آل إبراهيم وآل محمّد على العالمين فوضعوا اسماً مكان اسم.

والهدف من هذا الافتراء والتزوير هو محاولة اثبات قولهم باثني عشر إماماً من كتاب اللَّه ...

نلاحظ أنّ صاحب مجمع البيان يعبر عنها بقوله: «وفي قراءة أهل

ص: 517

البيت وآل محمّد على العالمين» وكذلك فعل في عدة من مفترياتهم جعلها قراءات. كما في قوله سبحانه: «يا أيّها النبيّ جاهد الكفار والمنافقين» [التوبة، آية: 73] فان الطبرسي قال: «وروي في قراءة أهل البيت جاهد الكفار بالمنافقين» وهي اسطورة وضعت لتوافق مذهب الرافضة في الصحابة من رميهم بالنفاق ... ولم يقم الجهاد في الإسلام بالمنافقين ...» (1).

لماذا يتهم الدكتور القفاري الشيخ الطبرسي ب «الحيلة» و «الافتراء» و «التزوير» و «خدعة أهل السنة» والحال

أولًا: إنّ هذه القراءة وردت أيضاً في كتب أهل السنة أنفسهم، ولعلّ الطبرسي استند إلى كتب الفريقين في هذه الرّوايات، فعلى هذا لا يكون قول الدكتور القفاري إلّا مجرد اتهام. فعلى سبيل المثال:

روى «الحاكم الحسكاني» بسنده عن شقيق قال: قرأت في مصحف عبد اللَّه بن مسعود

«إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمّد على العالمين» (2).

وروى بسند آخر له مثله (3).

وروى «الثعلبي» أيضاً بسنده عن «أبي وائل» قال: قرأت في مصحف ابن مسعود مثله (4).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 296.
2- شواهد التنزيل: ج 1، ص 152.
3- المصدر السابق: ص 153.
4- الكشف والبيان، وأهل البيت في تفسير الثعلبي: ص 46، والبحر المحيط: ج 2، ص 435، وهكذا رواه عن تفسير الثعلبي «يحيى بن الحسن المعروف بابن البطريق الاسدي» في الفصل الخامس من كتابه خصائص الوحي المبين: ص 54.

ص: 518

ثانياً: إنّ الرّوايات التي استشهد بها الدكتور القفاري على موضوعه- وكذلك الرّوايات الاخرى في هذا المقام- هي روايات مضطربة متناً، وعلى فرض صحّة سندها فلا صلاحية فيها لإثبات وجود الوحي القرآني.

ثالثاً: إنّنا يمكن لنا- مع الاخذ بنظر الاعتبار القرائن والشواهد- أن نستفيد من تلك الرّوايات لمعنى الآية وبيان مصداق تعبير «آل إبراهيم» وخصوصاً إنّ بعض التعابير الواردة في هذه الآية يستفاد منها أنّ الإمام عليه السلام في مقام «الإقراء»- وذكرنا بأنّ الإقراء معناه القراءة مع تعليم المعنى وتفسير الآية- وبيان أنّ مصداق آل إبراهيم في هذه الآية شامل ل «آل محمّد» قطعاً، فهم داخلون في الآية، ولكن لا بصورة الوحي التنزيلي القرآني وإنّما بصورة الوحي التنزيلي التفسيري.

ويؤيده ما أخرجه السيوطي عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي [عليه السلام] عن ابن عباس في قوله تعالى: «... وآل إبراهيم وآل عمران» قال: «هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين، وآل محمّد» (1).

وفي أمالي الصّدوق رحمه اللَّه باسناده إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام. قال: قال محمّد بن أشعث بن قيس الكندي للحسين عليه السلام: يا حسين بن فاطمة! أيَّة حرمة لك من رسول اللَّه ليست لغيرك؟ فتلا الحسين عليه السلام هذه الآية «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» قال واللَّه إنّ محمّداً لمن آل إبراهيم والعترة الهادية لمن آل محمّد ...» (2).

وفي «عيون الأخبار» في باب ذكر مجلس الإمام الرضا عليه السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل وفيه: فقال المأمون هل فضّل اللَّه العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: ان اللَّه تعالى أبان فضل


1- الدرّ المنثور: ج 2، ص 179- 180.
2- المجلس الثلاثون، الحديث الأوّل: ص 221- 222.

ص: 519

العترة على ساير الناس في محكم كتابه فقال له المأمون: أين ذلك من كتاب اللَّه تعالى؟ فقال الرضا عليه السلام: «في قوله تعالى: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» (1)

أي العترة من آل إبراهيم».

ومثله كثير (2).

وعلى أساس هذه الرّوايات قال الشيخ الطبرسي في تتمة كلامه:

«وقالوا (أي أهل البيت) أيضاً: إنّ آل إبراهيم هم آل محمّد الذين هم أهله ويجب أن يكون الذين اصطفاهم اللَّه تعالى مطهّرين معصومين منزّهين عن القبائح لأنه تعالى لا يختار ولا يصطفي إلّامن كان كذلك ويكون ظاهره مثل باطنه في الطهارة والعصمة. فعلى هذا يختص الاصطفاء بمن كان معصوماً من آل إبراهيم وآل عمران سواء كان نبيّاً أو إماماً» (3).

رابعاً: قول الدكتور القفاري في مقام قراءة «جاهد الكفّار بالمنافقين» الذي صاحبه الغضب والانكار ففي الواقع ليست من أجل القراءة الواردة، فهي لو صحّت فإنّما تمس بعقيدة الدكتور القفاري وتحط من قدر بعض الصحابة الذين لا مجال للطعن فيهم عند الدكتور القفاري والسلفيين جميعاً ولعلّه هو ما جعل الدكتور القفاري يستشيط غضباً فيقول:

«وهي اسطورة وضعت لتوافق مذهب الرافضة في الصّحابة من


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1، باب 45، ص 448.
2- راجع «تفسير نور الثقلين»: ج 1، ص 328 وما بعدها، وأيضاً انظر: الرّوايات الواردة في ذيل الآية الشريفة «ام يحسدون الناس على ما آتاهم اللَّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكاً عظيماً» النساء 4: الآية 54؛ في نور الثقلين: ج 1، ص 49، وشواهد التنزيل: ج 1، ص 187.
3- مجمع البيان: ج 1، ص 735.

ص: 520

رميهم بالنفاق وزعمت أنّ اللَّه يأمر رسوله بالاعتماد على المنافقين في الجهاد وجعلت الجهاد في الإسلام قائماً على أكتاف المنافقين فهي جهل فاضح بالإسلام وتاريخ المسلمين وتفسير القرآن أو زندقة والحاد ...» (1).

كيف يمكن أن تكون أحكامٌ كهذه- من الدكتور القفاري بقوله: «جهل فاضح بالإسلام وتاريخ المسلمين و ...»- علمية وبعيدة عن التعصب؟! وهل يكفي للقفاري قوله تعالى: «إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون باللَّه الظّنونا* هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديداً* وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللَّه ورسوله إلّاغروراً» (2).

فالمنافقون في صفوف المسلمين يوم الأحزاب.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قال المنافقون يوم الأحزاب حين رأوا الأحزاب قد اكتنفوهم من كل جانب فكانوا في شك وريبة من أمر اللَّه ...

فأنزل اللَّه «وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللَّه ورسوله إلّا غروراً» (3)

وأيضاً في معركة تبوك وهو تصريح محمّد بن اسماعيل البخاري في صحيحه أيضاً بحضور أعيان المنافقين في جيش المسلمين في معركة تبوك، وهو ما ذكره ابن تيمية أيضاً وأمضاه بقوله:

«... فقد ثبت في الصحيح أنّ حذيفة كان يعلم السرّ الذي لا يعلمه غيره وكان ذلك ما أسرّه إليه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عام تبوك من أعيان المنافقين فانه روى أنّ جماعة من المنافقين أرادوا أن يحلوا


1- اصول مذهب الشيعة: ص 297.
2- سورة الأحزاب 33: الآية 10- 12.
3- الدرّ المنثور: ج 6، ص 577.

ص: 521

حزام ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل ليسقط من بعيره فيموت وإنّه اوحي إليه بذلك وكان حذيفة قريباً منه فأسرّ إليه أسماءهم» (1).

وهذا مثال واحد فقط من حضور المنافقين في جيش المسلمين وشاهد مقالي على أنّ قراءة: «وجاهد الكفار بالمنافقين» ليست اسطورة وضعت لتوافق مذهب الرافضة. وهناك شواهد اخر لا تخفى على من سبر التاريخ والسير وراجعهما وما ذكرناه فيه الكفاية.


1- التفسير الكبير: ج 2، ص 69- 70 عن صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمار وحذيفة، الرقم 3743.

ص: 522

الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين

اشارة

قد تصدى الدكتور القفاري في هذا البحث، دراسة آراء المعاصرين من الشيعة حول موضوع تحريف القرآن. وبعد أن أفصح الدكتور القفاري عن هدفه من ذكر هذا الفصل قال:

«لا بدّ من الاستماع لما يقوله شيوخ الشيعة المعاصرون في عقائدهم الخطرة التي تفصل بينهم وبين المسلمين» (1).

فلننظر الآن على أيِّ العقائد الخطرة التي تفصل الشيعة عن المسلمين تلك التي وضع الدكتور اصبعه عليها فكتب تحت عنوان «المبحث الأوّل: عقيدة المعاصرين في كتاب اللَّه»:

«المجال الأوّل ... فماذا يقول شيعة العصر الحاضر عن هذه القضيّة [أي: إنّ في كتاب اللَّه نقصاً وتحريفاً] التي تحول بينهم وبين الإسلام وهم ينشطون في الدعوة إلى التقارب مع أهل السنّة، ويرفعون شعار الوحدة الإسلامية» (2)؟

ثمّ قسّم- بزعمه- آراء المعاصرين حول فرية التحريف إلى أربعة أوجه:

الوجه الأول- إنكار وجودها في كتبهم أصلًا.

الوجه الثاني- الاعتراف بوجودها ومحاولة تبريرها.

الوجه الثالث- المجاهرة والاحتجاج على هذا الافتراء.

الوجه الرابع- التظاهر بإنكار هذه الفرية، ومحاولة إثباتها بطرق ماكرة خفية.

ولنبدأ الآن بمناقشة الدكتور القفاري في الأوجه الأربعة فنقول:


1- اصول مذهب الشيعة: ص 988.
2- المصدر السابق: ص 990.

ص: 523

الوجه الأول: إنكار وجودها في كتبهم أصلًا

قال الدكتور القفاري:

«لقد اتّجه صنف من شيوخهم إلى إنكار وجودها أصلًا، ومن هؤلاء عبد الحسين الأميني النجفي في كتابه الغدير ... وعبد الحسين شرف الدين ... ولطف اللَّه الصافي» (1).

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«إنّ إنكار ما هو واقع لا يجدي شيئاً في الدفاع، و سيؤوّل من جانب المطّلعين على كتبهم من أهل السنّة بأنّه تقيّة ... وهذا المسلك في الإنكار يسلكونه في كلّ مسألة ينفردون بها عن المسلمين ... وبهذا المبدأ هدموا كلّ الروايات التي تتفق مع المسلمين، وعاشوا مع المسلمين بالخداع والتزوير» (2).

أقول: وهل إنّ الأميني رحمه اللَّه منكر لأصل وجود هذا النوع من الروايات في كتب الشيعة أم إنّه منكر لوجود قائلين بالتحريف من علماء الشيعة الذين يقيم لهم المجتمع وزناً، لأنّه فرق واضح بين وجود الروايات ووجود القائلين بها.

إنّ المرحوم الأميني في معرض الردّ على الاتهام الذي نسبه ابن حزم للشيعة من غير دليل والذي جاء فيه: «من قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً إنّ القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدّل منه كثير» قال: «إنّ أيّاً من كبار علماء الإمامية- القدامى منهم والمتأخرين- لم يُعِرْ هذه الروايات اهتماماً، ولا اعتقد بتحريف القرآن» ليقول ابن حزم: «من قول الإمامية ...» ولكنّه لم ينكر الأميني


1- اصول مذهب الشيعة: ص 992.
2- المصدر السابق: ص 993- 994.

ص: 524

أصل وجود هذه الروايات في كتب الإمامية (1).

وعلى هذا فماذا يقصد الدكتور القفاري من ترديد نغمته البالية بقوله: «هذه هي التقية» ويتشبّث بكلام شيخ الطائفة لإثبات نظريته (2)، في حين إننا فصّلنا القول في هذا المجال وأصبح من الواضح أنّه لا محل للتقية هنا، كما- قلنا مراراً وتكراراً- إنّ أصل وجود الروايات في الكتب شي ء، والإقرار بمحتواها شي ء آخر. وعلى هذا لو أردنا أن نماشي الدكتور القفاري في معاييره هذه إذ يقول:

«فالأميني النجفي الذي طلب في ردّه على ابن حزم أن يثبت دعواه بكلام أيّ فرد من أفراد الشيعة؛ هل يجهل ما جاء في كتاب الكافي والبحار، وما صرّح به شيوخهم في هذا الضلال ممّا مضى ذكره ...» (3).

للزمنا القول بأنّ الدكتور القفاري الذي ادّعى في مواطن كثيرة من كتابه أنّ صيانة القرآن موضع إجماع أهل السنّة، ولا يوجد منهم من يقول بهذه الفرية؛ هل يجهل ما جاء في الصحيحين والكتب الأخرى، وما صرّح به شيوخ أهل السنة في


1- وقد سبق نقد دعاوي ابن حزم، انظر: مبحث: «شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة». قال الأميني: «ليت هذا المجترى ء أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به أو حكاية عن عالم من علمائهم يقيم لهم المجتمع وزناً أو طالب من روّاد علومهم ... لكن القارى ء إذا فحص، ونقّب لا يجد في طليعة الإمامية إلّانفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقائده، والشيخ المفيد وعلم الهدى ...». الغدير في الكتاب والسنة والأدب: ج 3، ص 101.
2- يقول الدكتور القفاري: «وقال شيخهم الطوسي في الاستبصار في أكثر من موضع بأنّ ما كان في موضع إجماع من أهل السنة تجري فيه التقية». اصول مذهب الشيعة: ص 994، وشيخ الطائفة بالنسبة لبعض الروايات الفقهية الفرعية- التي كان الأئمة الأطهار عليهم السلام يفتون بها شيعتهم في الظروف الحرجة لإنقاذهم من حكام الجور- كان يقول: يمكن حمل هذه الروايات على التقية. فما علاقة التقية في هذه المسائل الفرعية بأمر عظيم جداً كتحريف القرآن؟!
3- اصول مذهب الشيعة: ص 994.

ص: 525

هذا الضلال مما مضى ذكره؟ (1) فهل ينبغي لنا أن نكتب نفس قوله ونقول الدكتور القفاري وأتباعه قد عاشوا مع المسلمين بالخداع والتزوير؟!

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«ومن العجيب أنّه- أي الأميني- وهو ينكر وجود تلك المقالة في كتبهم في الجزء الثالث من كتابه، نراه في الجزء التاسع من الكتاب نفسه يصرّح هو بهذا الكفر حيث قال- وهو يتحدّث عن بيعة المهاجرين والأنصار لصدّيق هذه الأمة ...: «بيعةٌ عمّت شؤمها الاسلام، وزرعت في قلوب أهلها الآثام ... وحرّفت القرآن وبدّلت الأحكام»، بل أورد آية مفتراة في الكتاب نفسه وهي: (اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته [أي بإمامة عليّ عليه السلام]، فمن لم يأتمّ به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ... وفي عليّ نزلت سورة: والعصر ...) وهي واضحة الافتراء لركاكة لفظها ومعناها ومع ذلك يزعم هذا الرافضي أنّ رسول اللَّه قال: إنّها نزلت في عليّ، وحاول أن يموّه ويخدع القرّاء فنسب هذا الافتراء إلى محمد بن جرير الطبري السنّي وهو محمد بن جرير الطبري الرافضي إن صحّت النسبة إليه ... فالرجل- أي الأميني- افترى على اللَّه وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين» (2).

ومن المؤسف أنّ الدكتور القفاري هنا لم يتخلّ عن عادته البذيئة التي درج عليها في عدم الأمانة العلمية في النقل وفي الابتعاد عن التقوى التحقيقية حيث:

أولًا- إنّ المرحوم الأميني نفسه قد أوضح قصده من قوله: «بيعة ... حرفت


1- انظر مبحث: «دراسة روايات التحريف في كتب أهل السنّة» في المقام الأول.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 994.

ص: 526

القرآن» بقوله:

«وإن دارت بين شدقي أحد من الشيعة كلمة التحريف فهو يريد بها التأويل بالباطل بتحريف الكلم عن مواضعه، لا الزيادة والنقيصة، ولا بتبديل حرف بحرف» (1).

مثل هذا التحريف (تحريف المعنى) موجود في القرآن، وإنّ البيعة كذلك قد أصبحت موجباً لتحريف معنى آيات اللَّه، لأنّ الآيات التي وردت حول ولاية أمير المؤمنين عليه السلام- ومنها آية الولاية: «إنّما وليكم اللَّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون»- قد أهملت وحملت على التأويل بالباطل وقد سبق منّا التحقيق آنفاً في تحريف المعنى لآيات القرآن.

ثانياً- أين ذكر المرحوم الأميني أنّ: «اليوم أكملت لكم ... بإمامته فمن لم يأتمّ به ...» آية قرآنية ليقول الدكتور القفاري: فالرجل افترى على اللَّه وكتابه ورسوله؟

فانظر إلى نصّ عبارة الأميني- التي نقلها بالنصّ من «كتاب الولاية» لابن جرير الطبري- ولاحظ- مع الأسف- عدم أمانة الدكتور في النقل.

الأميني رحمه اللَّه يكتب قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم عن كتاب الولاية بقوله:

«اللّهمّ إنّك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ، اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته فمن لم يأتم به ...» (2).

لماذا يخون الدكتور القفاري الأمانة العلمية في النقل فيحذف صدر كلام الأميني الذي نقل عن الرسول صلّى اللَّه عليه وآله بقوله صلّى اللَّه عليه وآله:

«اللّهمّ إنّك أنزلت عند تبيين ذلك ...».


1- الغدير: ج 3، ص 101.
2- نفس المصدر: ج 1، ص 215.

ص: 527

ترى هل أنّ معنى

«اللّهمّ إنّك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ»

في قول الرسول صلّى اللَّه عليه وآله غير معلوم لدى الدكتور القفاري؟!

ثالثاً- كيف يقول الدكتور القفاري: «وحاول أن يموّه ويخدع القرّاء فنسب هذا الافتراء لمحمد بن جرير السنّي وهو محمد بن جرير الطبري الرافضي إن صحّت النسبة إليه ...» ثمّ يستنتج منه افتراء الأميني على أئمّة المسلمين؟

فانظر إلى نصّ كلام الأميني فهو بعد أن أورد آية: «يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ...» قال: هذه الآية نزلت في ولاية عليّ بن أبي طالب يوم غدير خمّ، ثمّ قال:

«إنّا نحتجُّ في المقام بأحاديث أهل السنّة في ذلك فإليك البيان:

1- الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (المتوفى 310 ه.) أخرج بإسناده في كتاب الولاية (أو الفضائل) في طرق حديث الغدير عن زيد بن أرقم ... لمّا نزل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بغدير خم ...

فخطب خطبة بالغة إلى أن قال صلّى اللَّه عليه وآله: إنّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والإمام بعدي ... اللّهمّ إنّك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته ...».

فنسب الأميني كتاب الولاية لابن جرير السني وهذا ما لا طريق إلى إنكاره إلّا من غمض عينيه عن الحق، فاستمع الآن لاعترافات كبار علماء أهل السنّة لما نسب إلى ابن جرير الطبري السنّي في المقام:

قال ياقوت في ترجمة محمد بن جرير الطبري السنّي من معجم الأدباء عند عدّ مؤلفاته:

«وكتاب فضائل عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه تكلّم في أوله بصحة

ص: 528

الأخبار الواردة في غدير خم ثم تلاه بالفضائل ولم يتمّ» (1).

وقال في موضع آخر في سبب تأليف محمد بن جرير الطبري السنّي لهذا الكتاب:

«وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم!! ... ولما بلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل عليّ بن أبي طالب وذكر طرق حديث خمّ فكثر الناس لاستماع ذلك ...» (2).

وذكر الذهبي في ترجمة الطبري من تذكرة الحفاظ وحكى عن الفرغاني أنّه قال:

«ولمّا بلغه أنّ ابن أبي داود تكلّم في حديث غدير خم! عمل كتاب الفضائل وتكلّم على تصحيح الحديث».

ثمّ قال الذهبي:

«قلت: رأيت مجلّداً من طريق هذا الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق!» (3).

وقال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الطبري:

«وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين


1- معجم الأدباء: ج 18، ص 80، طبعة دار الفكر.
2- المصدر السابق: ص 84.
3- تذكرة الحافظ: ج 2، ص 710- 713، رقم الترجمة 728. قال المحقق الطباطبائي: «يظهر من كلام الذهبي هذا إنّ الكتاب في أكثر من مجلد، وإنّما رأى الذهبي مجلداً منه وكان فيه من الطرق الصحيحة كثرة هائلة بحيث أدهش حافظاً مثل الذهبي. ويظهر من رسالة الذهبي في حديث: «من كنت مولاه ...» إنّه حصل فيما بعد على المجلد الثاني من كتاب الطبري، فقد جاء فيها في الحديث 61: «قال محمّد بن جرير الطبري في المجلد الثاني من كتاب غدير خمّ له ...» وروى الذهبي في رسالته عن كتاب الطبري هذا في الأرقام: 20، 33، 41، 72، 108. الغدير في التراث الإسلامي: ص 35- 37.

ص: 529

ضخمين» (1).

وقال في موضع آخر من كتابه:

«وقد اعتنى بأمر هذا الحديث [أي حديث غدير خمّ] أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع في مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه ...» (2).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو يتكلّم عن حديث الغدير:

«وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر [أي ابن عقدة] وصحّحه» (3).

فعلى هذا تبيّن صدق قول الأميني فيما نسب إلى ابن جرير الطبري السنّي وكشف عدم صدق الدكتور القفاري في أمانته ودعاياته.

رابعاً- إنّ الذي نقله المرحوم الأميني من كتاب «الولاية» لابن جرير الطبري «في عليّ نزلت سورة والعصر» قد أورده السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن عباس حيث قال:

«أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله [تعالى]: «والعصر* إنّ الإنسان في خسر» يعني أبا جهل «إلّاالّذين آمنوا وعملوا الصالحات» ذكر عليّاً وسلمان» (4).

وبمثله أخرج الحاكم الحسكاني عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه


1- البداية والنهاية: المجلّد السادس، الجزء الحادي عشر، ص 146.
2- المصدر السابق: المجلّد الثالث، الجزء الخامس، ص 184.
3- تهذيب التهذيب: ج 7، ص 288، رقم الترجمة 4925.
4- الدرّ المنثور: ج 8، ص 622.

ص: 530

وآله وسلّم، قال:

« «إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ...» هم عليّ وشيعته».

وبسند آخر عن ابن عباس قال:

«جمع اللَّه هذه الخصال كلّها في عليّ: «إلّاالّذين آمنوا» كان واللَّه أوّل المؤمنين إيماناً «وعملوا الصالحات» وكان أوّل من صلّى وعَبَدَ اللَّه من أهل الأرض مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم» (1).

هذا وادّعى الدكتور القفاري دعاوي خطرة أُخرى في المجال، انظر وتعجّب قال:

«إنّ الروافض استغلّوا التشابه في أسماء بعض أعلامهم مع بعض أعلام أهل السنّة وقاموا بدس فكري رخيص يضلل الباحثين عن الحق ... حيث ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنة فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا حديث رواية ذلك الشيعي أو قوله إليه.

ومن ذلك محمّد بن جرير الطبري الإمام السنّي المشهور صاحب التفسير والتاريخ فإنّه يوافقه في هذا الإسم محمّد بن جرير بن رستم الطبري من شيوخهم ... وقد استغلّ الروافض هذا التشابه فنسبوا للإمام ابن جرير بعض ما يؤيد مذهبهم مثل: كتاب المسترشد في الإمامة مع أنّه لهذا الرافضي وهُم إلى اليوم يسندون بعض الأخبار التي تؤيّد مذهبهم إلى ابن جرير الطبري الإمام كالأميني النجفي في الغدير (ج 1/ ص 214- 216).

ولقد ألحق صنيع الروافض هذا- أيضاً- الأذى بالإمام الطبري في حياته وقد أشار ابن كثير إلى أنّ بعض العوام اتّهمه بالرفض ومن


1- شواهد التنزيل: ج 3، ص 482- 483.

ص: 531

الجهلة من رماه بالإلحاد وقد نسب إليه كتاب عن حديث غدير خم يقع في مجلّدين ونسب إليه القول بجواز المسح على القدمين في الوضوء.

ويبدو أنّ هذه المحاولة من الروافض قد انكشف أمرها لبعض علماء السنة من قديم، قد قال ابن كثير: ومن العلماء من يزعم أنّ ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك وينزهون أبا جعفر من هذه الصفات» (1).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1197. قال الدكتور القفاري في المقام في هامش كتابه: «ومثل ابن جرير آخرون ... كابن قتيبة فإنّهما رجلان: أحدهما عبد اللَّه بن قتيبة رافضي غال وعبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة ... وقد صنّف كتاباً سمّاه بالمعارف فصنف ذلك الرافضي كتاباً وسمّاه بالمعارف قصداً للإضلال وقد احتار الباحثون في نسبة كتاب الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة السني لما فيه من أباطيل ... وفيه المسحة الرافضية جلية واضحة حيث الطعن في الصحابة ودعوى أنّ عليّاً رفض بيعة أبي بكر، لأنّه- كما يزعم- أحق بالأمر وغاب عنهم الدسائس الرافضية وإنّ ابن قتيبة رجلان وكتاب الإمامة والسياسة هو لذلك الرافضي، بل لم أر من نبّه على ذلك مع أهميّته». أصول مذهب الشيعة: ص 1197. الدكتور القفاري المبتلى بالتعصب الهدّام يسعى لانكار الحقائق بأي ثمن كان وهو هنا يقوم بحيلة عجيبة فيُنشأ شخصيات خيالية لإضلال الآخرين، فهو يختلق من عنده شخصية باسم «عبد اللَّه بن قتيبة» الشيعي- أو بقول الدكتور القفاري الرافضي- وينسب إليه كتاب «المعارف» وكتاب «الإمامة والسياسة» المعروف بكتاب تاريخ الخلفاء ولكن في كتب التراجم والرجال لا وجود خارجي لشخصية عبد اللَّه بن قتيبة الشيعي. انظر في كتب التراجم والرجال عدة أشخاص باسم «ابن قتيبة»: أ: أحمد بن عبد اللَّه بن مسلم قاض القضاة بمصر مترجم له في «سير أعلام النبلاء» ج 14، ص 565، الرقم 324 بقوله: وهو مالكي. ب: محمد بن الحسن بن قتيبة مترجم له فيه أيضاً بقوله: «الإمام الثقة المحدث الكبير ...» ج 14، ص 292، الرقم 189. ج: عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الدينوري مترجم له في كثير من كتب التراجم، ك «سير أعلام النبلاء» بقوله: «العلامة الكبير ذو فنون» ج 13، ص 296، الرقم 137 وقال أبو بكر الخطيب في تاريخه: «كان ثقة دَيّناً فاضلًا» ج 10، ص 170. ولترجمته في كتب أخرى، انظر: هامش كتاب «تاريخ الإسلام» للذهبي جزء حوادث الوفيات، عام 271- 280، ص 381- 382. وهذا ابن قتيبة هو صاحب كتاب «المعارف» المعروف ذكره عند جمهرة كبيرة من المؤرخين الذين ترجموا له كالخطيب تاريخ بغداد: ج 10، ص 170، الرقم 5309 والذهبي في تاريخه جزء حوادث الوفيات، عم 271- 280، ص 382، الرقم 432 وابن خلكان وفيات الأعيان: ج 2، ص 42، الرقم 328 وابن كثير البداية والنهاية: 11/ 48 وغيرهم كثير، انظر مقدمة كتاب المعارف: ص 63، 71، 72 ومقدمة كتاب المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير: ص 13- 15، فقد أنهى خمسين كتاباً فيه ترجمة عبد اللَّه بن مسلم ابن قتيبة. د: إبراهيم بن قتيبة الأصفهاني ت/ بعد 300 المترجم في أعيان الشيعة: ج 2، ص 199 فأين عبد اللَّه بن قتيبة الشيعي؟ ما هو إلّافي وهم الدكتور القفاري واختلاقه- كأسلافه، صاحب مختصر التحفة الاثنى عشرية: ص 32- ومع هذا عدّه الدكتور القفاري من اكتشافاته القيّمة بقوله: «لم أر من نبّه على ذلك مع أهميّته»!!

ص: 532

وإن كانت مناقشة هذه الدعاوي يطول بها المقام ولكنها ضرورية ليتعرف القارى ء على الحقائق، لذلك سنتابع هذا البحث خلال عدّة فقرات:

1- مَنْ مِن علماء الشيعة استغلّ تشابه الأسماء، وعلى سبيل المثال نَسَب كتاب (المسترشد في الإمامة) لابن جرير الطبري السني ليخدع الآخرين ويضللهم بالشكل الذي يدعيه افتراءاً الدكتور القفاري؟

ثمّ ما هي حاجة الشيعة لاستغلال تشابه الأسماء؟ هذه أسماء بعض كبار الإمامية ممن صرّحوا أنّ محمد بن جرير الإمامي صاحب كتاب المسترشد هو غير محمد بن جرير السني صاحب كتاب التاريخ، فمَن قال من متقدميهم:

أ: الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن عليّ النجّاشي (ت/ 450 ه.) قال:

ص: 533

«أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري إنّه جليل من أصحابنا الإمامية كثير العلم ... له كتاب المسترشد» (1).

ب: شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت/ 460 ه.) قال:

«محمد بن جرير بن رستم الطبري يُكنى أبا جعفر فاضل وليس هو صاحب التاريخ فإنّه عامي المذهب [أي من أهل السنة]، وله كتب ...

منها كتاب المسترشد» (2).

ج: ومحمد بن عليّ بن شهرآشوب (ت/ 588 ه.) قال:

«أبو جعفر محمد بن رستم الطبري ديّن فاضل وليس هو صاحب التاريخ، من كتبه المسترشد» (3).

وغيرهم كمحمد بن الحسن الشهير بابن اسفنديار في تاريخ طبرستان (4) المؤلف عام (613 ه.). والعلّامة الحسن بن عليّ بن داود الحليّ (ت/ 707) (5) و ...

وهذا من متقدمي الإمامية وأمّا من المتأخرين:

محمد باقر الخوانساري (6) (ت/ 1314 ه.) والسيد حسن الصدر (7) (ت/ 1354 ه.) والسيد محسن الأمين (8) (ت/ 1371 ه.) والسيد الخوئي (9) (ت/ 1413 ه.) وغيرهم ... فإنهم كلّهم أجمعين قديماً وحديثاً صرّحوا بأبلغ تصريح بأن


1- رجال النجاشي: ص 376، رقم الترجمة 1024.
2- الفهرست: ص 191، رقم الترجمة: 711 ومثله في كتابه الرجال: ص 514.
3- معالم العلماء: ص 106، رقم الترجمة 716.
4- تاريخ طبرستان: ص 130.
5- كتاب الرجال: باب الثقات، ص 167، رقم الترجمة 1330.
6- روضات الجنات: ج 7، ص 293.
7- تأسيس الشيعة: ص 96.
8- أعيان الشيعة: ج 9، ص 199.
9- معجم رجال الحديث: ج 15، ص 148.

ص: 534

محمد بن جرير الإمامي صاحب كتاب المسترشد غير محمد بن جرير السني صاحب كتاب التاريخ.

فأين استغلال الروافض- على حد تعبير الدكتور القفاري- التشابه في الأسماء ونسبتهم لابن جرير السني كتاب المسترشد في الإمامة؟

نعم ذكر ابن النديم في الفهرست- عند عدّ مصنفات محمد بن جرير الطبري السني- كتاب المسترشد فلعلّه وَهمٌ منه ولم يركن لقوله أحد من الإمامية.

2- هل إنّ العلّامة الأميني- وبالشكل الذي يقوله الدكتور القفاري متشبثاً بكلام ابن كثير- يُسند كذباً بعض الأخبار التي تؤيد مذهب الإمامية لابن جرير الطبري السني؟

لاحظنا أن الأميني ما كان ينسبه إلى ابن جرير هو عين الصدق والحقيقة، ورأينا اعتراف كبار علماء أهل السنة ك «ياقوت» و «الذهبي» و «ابن كثير» و «ابن حجر» أن محمد بن جرير الطبري السني له كتاب في مجلدين وهو المسمى بكتاب الولاية أو كتاب فضائل عليّ وأورد فيه طرق حديث الغدير وقد شاهدوه بأنفسهم.

وبناءً على ذلك فما هو قصد «ابن كثير» عندما يقول عبارته التالية: «ومن العلماء من يزعم إنّ ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك ويُنزّهون أبا جعفر من هذه الصفات»؟

إذا كان قصده أنّ محمد بن جرير السني لم يكن له كتاب يتعلق بغدير خم ولم يقل بجواز مسح القدمين في الوضوء، فإن ذلك متناقض مع نصّ عبارة ابن كثير نفسه الذي كان يقول: إنه رأى كتاب ابن جرير السني الذي تناول فيه حديث الغدير وكذلك يتناقض مع عبارة ابن جرير فيما يخص جواز المسح في الوضوء- اضافة إلى ذلك فإنه لا يوجد كتاب يخص غدير خم بين مصنفات ابن جرير الأمامي، وجواز المسح على القدمين ممّا أجمع عليه الإمامية وليس من مختصات ابن جرير الإمامي

ص: 535

- وهذا تفسير جامع البيان لابن جرير الطبري السني الذي كتب فيه بعد أن نقل أحاديث تخص جواز المسح على القدمين- ما يلي:

«والصواب من القول عندنا في ذلك: أنّ اللَّه أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم» (1).

والعجيب أن الدكتور القفاري لم يراعِ الأمانة حتى في نقل عبارة ابن كثير ويكتب مستنداً لكلام ابن كثير بأنّ: «الروافض قد آذوا الإمام الطبري السني في حياته، في الوقت الذي (ابن كثير) نفسه فيما يخص ابن جرير الطبري السني يقول:

(ظلمته الحنابلة ونسبوه إلى الرفض) انظر نص عبارته:

«ولقد ظلمته الحنابلة ... ودفن في داره لأنّ بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا من دفنه نهاراً ونسبوه إلى الرفض ومن الجهلة من رماه بالإلحاد» (2).

إلى هنا كانت مناقشة دعاوي الدكتور القفاري فيما يخص العلّامة الأميني، والآن نرجع إلى أصل البحث.

ونرى ماذا يقول الدكتور القفاري فيما يخصّ عبد الحسين شرف الدين؟ في بداية هذا البحث عندما نقلنا عبارة الدكتور القفاري لوحظ إنه عدَّ عبد الحسين شرف الدين من ضمن الإتجاه الأوّل وقال:

«لقد اتّجه صنف من شيوخهم إلى انكار وجودها [أي فرية التحريف] أصلًا ومن هؤلاء عبد الحسين الأميني النجفي في الغدير و ... عبد الحسين شرف الدين ...» (3).


1- جامع البيان: ج 6، ص 130.
2- البداية والنهاية: ج 11، ص 157.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 992.

ص: 536

ثم كتب الدكتور القفاري فيما يخص عبد الحسين شرف الدين ما يلي:

«أما أسلوب عبد الحسين في نفيه لهذه الاسطورة ففيه شي ء من المكر والمراوغة قد لا يتنبّه له إلّامن اعتاد على أساليبهم وحيلهم ... تأمل قوله: «فإنّ القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته» ماذا يعني بالقرآن المتواتر من طرقهم هل هو القرآن الذي بين أيدينا أم القرآن الغائب مع المنتظر كما يدعون ...

إنّ تخصيصه بأنّه متواتر من طرقهم يلمس منه الإشارة للمعنى الأخير ذلك أنّ القرآن العظيم كان من أسباب حفظه تلك العناية التي بذلها عظيما الإسلام أبو بكر وعمر وأتمّها أخوهما ذو النورين عثمان بن عفان في جمعه وتوحيد رسمه تحقيقاً لوعده عزّ وجلّ ومعتقد الشيعة في الخلفاء الثلاثة معروف فهذا القرآن إذاً غير متواتر من طرقهم» (1).

مع الأسف إنّ الدكتور القفاري لا زال ملتزماً بأسلوبه الخياني في نقل العبارات، لا بل فإنّه هنا يكيد القرآن هذه المرة إضافة إلى كيده المسلمين، وذلك:

أولًا: فإن العلّامة عبد الحسين شرف الدين غير منكر مطلقاً لأصل وجود هذه الروايات في كتب الفريقين- بالشكل الذي كتب عنه الدكتور القفاري- لقد اتّجه صنف من شيوخهم إلى إنكار وجودها، وإليكم نصّ عبارته:

«نعم لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها مما لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا لضعف سندها ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً وأكثر عدداً وأوضح دلالة، على أنّها من أخبار الآحاد ... فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ولا سيما بعد معارضتها لقوله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له


1- اصول مذهب الشيعة: ص 995.

ص: 537

لحافظون»» (1).

ثانياً: يقصد السيد شرف الدين من القرآن المتواتر، القرآن الموجود نفسه ولا شك، والدكتور القفاري مع الأسف خان في كلام شرف الدين وقطّعه، بالشكل الذي يوقع القارى ء في اشتباه، وهذا نص عبارة شرف الدين:

«فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام لا يرتاب في ذلك إلّامعتوه وأئمة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم عن اللَّه تعالى وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه ...

وكان القرآن مجموعاً أيّام النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير ... وقد عرضه الصحابة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وتلوه عليه من أوّله إلى آخره ...».

إلى أن قال (رحمه اللَّه تعالى):

«وكيف كان فإنّ رأي المحققين من علمائنا الإمامية أنّ القرآن العظيم إنّما هو بين الدفتين الموجود في أيدي الناس ...» (2).

ثالثاً: إن القرآن الغائب مع الإمام المهدي «عج» ليس إلّامصحف الإمام عليّ عليه السلام والذي تثبته روايات الفريقين وقد تحدّثنا عن ذلك مفصّلًا ونتيجة الكلام فيما يخص مصحف الإمام عليّ عليه السلام كما قاله عبد الكريم الشهرستاني


1- أجوبة مسائل جار اللَّه: ص 29.
2- المصدر السابق: ص 28- 30.

ص: 538

- مؤلف الملل والنحل- وكذلك آخرون الذين سبق ذكرهم كان كالآتي:

الإمام عليّ عليه السلام جمع القرآن بعد وفاة الرسول الأكرم صلى اللَّه عليه وآله، بعد ذلك أراه الصحابة وقد أعرضوا عنه فقال لهم: سوف لن تروه أبداً ...

وبناءً على ذلك فكيف يقول الدكتور القفاري «القرآن الغائب متواتر من طرقهم- أي من طرق الشيعة-»؟!

في أي مكان من هذه المصادر والأدلة جاء أن الإمام عليّ عليه السلام جمع القرآن من طرق الشيعة بجميع آياته وكلماته و ...؟ هل ان الدكتور القفاري منتبه إلى التناقض الواضح في كلامه؟

رابعاً: هنا الدكتور القفارري مع الأسف يغمض العين عن القواعد الواضحة في «علم الحديث» ومن ذلك يقول: «... ومعتقد الشيعة في الخلفاء الثلاثة معروف فهذا القرآن إذاً غير متواتر من طرقهم» على فرض أن اعتقاد الشيعة فيما يخص الخلفاء الثلاثة هو ما قاله الدكتور القفاري فمن القائل من علماء الحديث إن وثاقة الأفراد شرط في الخبر المتواتر؟

قال في شرح النخبة:

«إنّ المتواتر ليس من مباحث الإسناد، إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحّة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء، والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحثه» (1).

هذا والشخص الآخر الذي أورده الدكتور القفاري ضمن الاتجاه الأول هو الشيخ لطف اللَّه الصافي، الذي لا ينكر بدوره وجود تلك الأخبار في كتب الفريقين وإليكم نصّ عبارته، فقد قال الشيخ الصافي بعد ذكره لشطر من الأخبار:


1- شرح النخبة: ص 4، وعن الدكتور صبحي الصالح في كتابه «علوم الحديث ومصطلحه»: ص 151.

ص: 539

«وهذه الأخبار وإن كانت مطروحة لا يجوز الاتكال عليها وقامت الضرورة والاجماع من الفريقين على خلافها ... إلّاأنّ المنصف يعرف منها أنّه لو جاز نسبة القول بوقوع النقص في القرآن بوجود تلك الأخبار لكان أهل السنة أولى بها فإنهم نقلوا في كتبهم المعتبرة وتفاسيرهم ذلك» (1).

الوجه الثاني: الاعتراف بوجودها ومحاولة تبريرها

قال الدكتور القفاري:

«وقد اتخذ هذا الاعتراف صوراً متعددة، فصنف منهم يعترف بأن عندهم بعض الروايات في تحريف القرآن ولكنه يقول إنها «ضعيفة شاذة وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملًا فإمّا أن تؤول بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار.

وصنف يقول بأنها ثابتة، ولكن «المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل.

وصنف ثالث يقول بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس فيه تحريف ولكنه ناقص قد سقط منه ما يختص بولاية عليّ وكان الأولى أن يعنون المبحث تنقيص الوحي أو يصرح بنزول وحي آخر وعدمه.

وصنف رابع يقول: نحن معاشر الشيعة نعتقد بأن هذا القرآن الذي بين أيدينا الجامع [يعني المجموع] بين الدفتين هو الذي أنزله اللَّه تعالى على قلب خاتم الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله وسلم من غير أن يدخله شي ء بالنقص أو بالزيادة ... على أنّنا معاشر الشيعة نعترف بأن هناك


1- مع الخطيب في خطوطه العريضة: ص 86.

ص: 540

قرآناً كتبه الامام عليّ عليه السلام بيده الشريف بعد أن فرغ من كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وتنفيذ وصاياه ... وهو محفوظ عند الامام المهدي «عج».

واتجاه خامس يقول: «وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم كما لهم اجتهادهم ... غير أنّا حينما فحصنا ذلك ثبت لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه».

وفريق سادس: يقول بأن هذه الفرية إنّما ذهب إليها من لا تمييز عنده بين صحيح الأخبار وسقيمها من الشيعة وهم الأخباريون أما الأصوليون فهم ينكرون هذا الباطل».

أقول: قبل أن أبدأ بنقد دعاوي الدكتور القفاري لا بدّ أن أوضح أنّ التقسيم الذي ذكره يقوم- وكما هو دأبه- على أساس تقطيع العبارات وتحريف آراء علماء الامامية، لأنّه في الواقع إن جميع الأصناف الستة التي ذكرها في هذا الاتجاه ما هي إلّا صنف واحد لا غير، وهي تقريباً مما اتفقت عليها الإمامية- بالشكل الذي نقلناه في مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة» في المقام الأول- هؤلاء عند تناولهم أسانيد تلك الروايات قالوا: أكثرها ضعيفة شاذة وأخبار آحاد وعند تناولهم المضمون (فقه الرواية) يقولون: بناء على القرائن والشواهد الكثيرة إن قصد المعصومين عليهم السلام بقولهم: «كذا أنزل» هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل ولأن هذا التنزيل من اللَّه حسب الأدلة الثابتة والشواهد الكثيرة من الفريقين، فإنهم أسموه بنزول وحي آخر، وهؤلاء أنفسهم أيضاً يعتبرون مصحف الإمام عليّ عليه السلام أمراً ثابتاً بالاستناد إلى روايات الفريقين واختلاف ذلك المصحف عن الموجود بين أيدينا فقط في ترتيب السور وبيان حقائق تفسيرية وتأويلية وذلك بالاستناد إلى الأدلة والقرائن، ونفس

ص: 541

هؤلاء المحققون من الامامية قالوا: بعض الإمامية- كالأخباريين- وكذلك الحشوية من أهل السنة اعتبروا روايات التحريف صحيحة، لتعلقهم أكثر من المعقول بالروايات، مما أدى أن يقولوا بالتحريف، في حين أنّها ساقطة، لعدم احتواءها المعنى الصحيح والمعقول، ومخالفتها الأدلة القطعية لصيانة القرآن من التحريف.

بناءاً على ذلك فإن الأصناف الستة التي ذكرها الدكتور القفاري ما هي إلّا صنف واحد، ولو كان الدكتور قد جاء بكل عبارات وآراء هؤلاء فإن هذا الأمر لكان واضحاً بشكل جيد.

على سبيل المثال لاحظوا كل العبارة التي أوردها الدكتور القفاري عن العلامة الطباطبائي باعتباره من الصنفين الثاني والسادس، العلامة الطباطبائي يقول:

«ذهب جماعة من محدثي الشيعة والحشوية وجماعة من محدثي أهل السنة إلى وقوع التحريف بمعنى النقص والتغيير ...».

وفيما يخص أسانيد روايات التحريف يقول:

«إنّ أكثرها ضعيفة والسالم منها من هذه العلل أقل قليل ... وعلى تقدير صحّة إسنادها مخالفة للكتاب مخالفة قطعية حسب ما قررناه ...

وإن ما جمعه الإمام عليّ عليه السلام القرآن وحمله إليهم [أي إلى أصحاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله] وعرضه عليهم لا يدل على مخالفة ما جمعه لما جمعوه في شي ء من الحقائق الدينية الأصلية أو الفرعية ...

ولو كان كذلك لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرّد إعراضهم عمّا جمعه ...» (1).

بناءاً على ذلك فإن العلّامة الطباطبائي سيكون ضمن الأصناف الستة جميعها،


1- الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 112- 116.

ص: 542

وكذلك المرحوم محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي عَدّهُ الدكتور القفاري ضمن الصنف الأول فقط، وكذلك المرحوم آغا بزرك الطهراني الذي قال عنه الدكتور القفاري إنه من الصنف الثالث، حتى أولئك الذي أوردهم الدكتور القفاري ضمن الاتجاه الأول- المرحوم شرف الدين والأميني والصافي- هم كذلك من هذه المجموعة، وقد لاحظتم نص عباراتهم، بل سترون عما قريب أنّ أولئك الذين يقول عنهم الدكتور القفاري بعنوان «الاتجاه الرابع» هم كذلك جزءاً من المجموعة التي نتناولها حالياً.

وعلى هذا فإن الحق هو ما قدمناه: الإمامية في هذا المجال ليسوا إلّاصنفاً واحداً لا غير، فهؤلاء يعترفون بوجود الروايات التي تدلّ بظاهرها على التحريف في كتب الإمامية- كما في كتب أهل السنّة- ولكن في مقام فقه الرواية يقومون بمعالجة أسانيد ومضامين تلك الروايات.

الآن لنرى ما هي مناقشات الدكتور القفاري للأصناف الستة- الموهومة-؟

فهو هكذا يكمل:

«نبدأ في مناقشة الآراء السابقة على حسب ترتيب عرضها:

أولًا: إنّ القول بأن تلك «الأساطير» هي في مقاييس الشيعة روايات ضعيفة شاذة، يرد عليه ما ردده طائفة من شيوخهم من القول باستفاضتها وتواترها كالمفيد والكاشاني ونعمة اللَّه الجزائري وغيرهم، بل إنّ المجلسي جعل أخبارها كأخبار الإمامة في الكثرة والاستفاضة كما سلف ...» (1).

أقول: لقد تم البحث بالتفصيل سابقاً في هذا الموضوع ولا يوجد تناقض في القول بين أولئك الذين يقولون إن الأخبار في هذا المجال ضعيفة شاذة وبين أولئك


1- أصول مذهب الشيعة: ص 997.

ص: 543

الذين يقولون إنها متواترة ومستفيضة (1) لأنّ كلًا من هؤلاء نظروا إلى الموضوع من زاوية معينة فأولئك الذين حكموا بشذوذ تلك الروايات، نظروا إلى روايات التحريف بالمعنى الأخص- أي التحريف بمعنى النقيصة في متن آيات القرآن- أما أولئك الذين يقولون بتواتر الروايات واستفاضتها فإنهم نظروا إلى التحريف بمعناه الأعم- يشمل التحريف في معنى الآيات، اختلاف القراءات، الاختلاف في تأليف الآيات و ...- ومن هنا فإن هؤلاء حكموا عن كميّة تلك الروايات بعنوان «متواتر معنىً» مع قيد «معنى» وواضح أنّ أكثر الروايات حينئذ خارجة عن النزاع، من هنا نرى إن العلامة المجلسي في حين أنّه يعد تلك الأخبار مستفيضة كأخبار الإمامة لكن في موسوعته العظيمة (بحار الأنوار) في بداية كل بحث يأتي بالآيات المناسبة مع البحث ثم يشرع بالبحث مستنداً بالآيات ومستشهداً بها بالشكل الذي يمكن القول معه وبجرأة إن كل آيات القرآن هي مورد استناد المجلسي في بحار الأنوار، وقد قال بكلّ صراحة في طليعة «كتاب القرآن» من موسوعة بحار الأنوار:

«باب فضل القرآن وإعجازه وأنّه لا يتبدل بتغير الأزمان» (2).

والشيخ المفيد الذي يعد تلك الأخبار مستفيضة، يصرح بأنّ تلك الأخبار، هي أخبار آحاد وأكثرها في باب القراءات أو في باب تأليف الآيات- لا التحريف بمعنى النقيصة- قال رحمه اللَّه:

«إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على اللَّه بصحّتها ... مع إنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين ... كما


1- انظر: مبحث «حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة» في المقام الثاني.
2- بحار الأنوار: ج 92، ص 1، وقد استدلّ لدعواه بآيات القرآن ومنها آية: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» وآية: «لا يأتيه الباطل من بين يديه ...». نفس المصدر: ج 92، ص 5.

ص: 544

يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتّى» (1).

كذلك المحدث الكاشاني ونعمة اللَّه الجزائري، حيث لاحظتم نص كلامهما من قبل (2)، والعجيب إن الدكتور القفاري نفسه أورد في مكان آخر بعض عبارات هؤلاء كالمفيد والكاشاني (3). ولا بدّ أن يكون قد فهم مقصوده الحقيقي ولكنه هنا تجاهل الحق وكتب ما يلي:

«فإن هذا الحكم من كبير علماء الشيعة على تلك الروايات بالشذوذ مع كثرتها التي اعترف بها شيوخهم تدل على شيوع الكذب في هذا المذهب بشكل كبير ...» (4).

إذا كان معيار الدكتور القفاري صحيحاً فيحق لنا بدورنا أن ننسج على منواله ونقول: بأنّ الحكم من كبار علماء أهل السنة على تلك الروايات بالشذوذ والآحاد- كفخر الرازي والسرخسي ومصطفى وزيد و ...- مع كثرتها في كتب أهل السنة بحيث اعترف بها شيوخهم- كابن سلّام والسيوطي والآلوسي- يدلّ على شيوع الكذب في هذا المذهب بشكل كبير ... (5).

هل إن هذا الحكم صحيح، الجواب بعهدة الدكتور القفاري وأمثاله؟! مع أنا نعلم- والقفاري أيضاً يعلم لو تخلّى عن هواه- أن كثرة الأحاديث ووقوعها في كتب


1- المسائل السروية: ص 83- 84 وقد مضى تفصيل الكلام حول رأي الشيخ المفيد في صيانة القرآن عن التحريف. انظر مبحث «ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية» في المقام الثاني.
2- انظر مبحث: «حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة» في المقام الثاني.
3- اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 301.
4- المصدر السابق: ص 997.
5- انظر مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب أهل السنة» في المقام الأول.

ص: 545

الفريقين شي ء، وبيان معالجة تلك الأسانيد ومضامينها في الأمور المختلفة شي ءٌ آخر.

ثم قال الدكتور القفاري في مناقشته للصنف الثاني:

«ثانياً: أمّا القول بأن المقصود بروايات الشيعة في هذا هو تحريف بعض النصوص التي نزلت لتفسير آيات القرآن فهذا تأكيد للأسطورة وليس دفاعاً عنها، ذلك إنّ مَن حرّف وردّ وأسقط النصوص النازلة من عند اللَّه والتي تفسّر القرآن وتبيّنه هو لردّ وتحريف الآيات أقرب ...» (1).

مع الأسف فإنّ الدكتور القفاري لم يراع الأمانة في وصفه للصنف الثاني كذلك، لأنّ هؤلاء لم يقولوا: «إنّ المقصود ... هو تحريف بعض النصوص التي نزلت لتفسير آيات القرآن» ولكن قالوا: «المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل، هو التفسير ...».

هذه هي نص عبارة هؤلاء وقد نقلها نفس الدكتور القفاري في ابتداء بيان «الوجه الثاني» من الصنف الثاني من الأصناف عند تناولها- ونحن قمنا بالنقل عنه- والملاحظ إنّه هنا لم يراع الأمانة ومن ثم بناءاً على عمله هذا تتخذ المناقشات.

أما أصل جواب هذا الحكم وادعاء الدكتور القفاري فقد لوحظ من قبل على أنه:

أولًا: جواب علماء الشيعة الذين يقولون: (المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم كذا نزل هو التفسير) هو نفسه الذي تقول بصحته الشواهد والقرائن الكثيرة، علماً أن بعضاً من كبار أهل السنة مثل (أبو عبيد القاسم بن سلّام) و (ابن حزم الأندلسي) قالوا بذلك أيضاً (2).

ثانياً: إنّ الدكتور القفاري بحكمه هذا أوقع نفسه في التناقض في القول لأنه


1- اصول مذهب الشيعة: ص 998.
2- انظر: مبحث «أجوبة أهل السنة عن روايات التحريف» في المقام الأول.

ص: 546

يعترف في مكان آخر من كتابه «إنّ الصحابة قد كتبوا نصوص نازلة من عند اللَّه والتي تفسّر لبعض الآيات في نفس مصحفهم» (1)، ولكن بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فإنهم جرّدوا القرآن من تلك النصوص، فبناءاً على ذلك إذا كان قول الدكتور القفاري «إنّ مَن أسقط النصوص النازلة من عند اللَّه هو لردّ وتحريف الآيات أقرب» صحيح، فإن الخلفاء يُتهمون بالتحريف، لأنّ قصد عثمان من توحيد المصاحف كما قال به القاضي أبو بكر الباقلاني هو:

«أخذه بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل اثبت مع التنزيل ...» (2).

وخاصة الخليفة الثاني حيث كان يُظهر إصراره على ذلك برفع شعار «جرّدوا القرآن» (3).

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«على أن هذا (التأويل لنصوص الاسطورة) لا يتلائم مع كثير من تلك الروايات إذ إنّ في رواياتهم «المفتراة» التصريح بأنّ النص القرآني قد شابه- بزعمهم- تغيير ألفاظه وكلماته فهذا التأويل ليس بمخرج سليم من هذا العار والكفر ... والموقف الحق هو ردّها وردّ مرويات من اعتقدها لأنّه ليس من أهل القبلة ...» (4).

الدكتور القفاري نفسه يقصّ ويخيط، فاقرؤا نص عبارة الإمامية- والذي أورده


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1025.
2- عن البرهان للزركشي: ج 1، ص 235.
3- تاريخ الطبري: ج 4، ص 204، طبعة مصر سنة 1963 م وطبعة اوربا: ج 1، ص 274 وانظر أيضاً: فضائل القرآن لابن سلام: ص 32، رقم 15 والطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتذكرة الحفاظ: ج 1، ص 7.
4- اصول مذهب الشيعة: ص 994.

ص: 547

الدكتور القفاري نفسه- هم لم يقولوا مطلقاً بوجود تأويل لكل الروايات ولكنهم قالوا: «المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو التفسير ...» معنى ذلك كما يظهره نص كلامهم أنه يخص «الكثير» من الروايات التي استعمل فيها تعبير «كذا أنزل» (1).

ولكن فيما يتعلق بكل الروايات التي تخلو من التأويل الصحيح فإنهم أسقطوها وردوها بشكل قطعي، وهذه تكملة عبارة العلامة الطباطبائي التي أوردها الدكتور القفاري في الصنف الثاني، وموقف الدكتور القفاري وحديثه هنا أيضاً عن الصنف الثاني، قال العلامة الطباطبائي:

«... فالحق إن روايات التحريف المروية من طرق الفريقين- إن لم يكن لها معنىً صحيح- مخالفة للكتاب مخالفة قطعية فهي ساقطة لا محالة» (2).

بناءاً على ذلك فكيف يشغل الدكتور القفاري نفسه والآخرين بالمسرحية التي أنتجها؟


1- الملاحظ إن من بين التعابير التي تستعمل في بيان القصد وتفسير الآيات أن تعبير «كذا نزل»- وما شابه ذلك- من أدقها، فهي تستعمل في موارد للتأكيد على أنّ معنى الآية هو هذا لا غيره، مع إنه، عندما تتبعنا في تراجم الرواة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام عرفنا في حالهم أنهم- أحياناً- لا ينقلون ما يسمعون بعين ألفاظه، وإنّما يروون المعاني وما يتصوّرونها ويستفيدونها وإن كانوا قد يخطئون في ذلك. انظر تمام الكلام مبحث: دراسة تحليلية في مفاهيم «الإقراء»، «التنزيل» في المقام الأول.
2- الميزان: ج 12، ص 116. لابد أن نذكر أن الدكتور القفاري يقول: «على أنّ التأويل لا يتلائم مع كثير من تلك الروايات» خطأ آخر منه لأن تلك الروايات التي أورد الدكتور القفاري ثلاثة نماذج منها في هامش كتابه، ليست ضمن الروايات التي فيها عبارة «كذا أنزل» ومن حيث الحجم فإنها ليست كثيرة كذلك، وقد وردت تلك الروايات في كتب أهل السنة أيضاً، وقد بحثنا عنها في عنوان «الطبرسي وإنكاره لهذه الفرية» في المقام الثاني.

ص: 548

ثمّ قال الدكتور القفاري في مناقشة الصنف الثالث:

«ثالثاً: أمّا القول بأن القرآن ناقص وليس بمحرف فهذا كسابقه ليس بدفاع ولكنه تأكيد لأساطيرهم وطعن في كتاب اللَّه بما يشبه الدفاع فكيف تهتدي الأمة بقرآن ناقص ... وهذا هو مبلغ دفاعه عن القرآن والإسلام، سبحانك هذا بهتان عظيم» (1).

ربما يتعجب القارئ إذا قلنا إن الدكتور القفاري لم يراع الأمانة مرّة أخرى هنا، فالقائل بذلك هو المرحوم آغا بزرك الطهراني فنصّ عبارته هنا فيما يخص ب «تنقيص الوحي» لا «تنقيص القرآن»، فالوحي عنده شكلان وحي تنزيلي قرآني، ووحي تنزيلي تفسيري وقال: فالمنقوص من القرآن الموجود هو الوحي التنزيلي التفسيري لا الوحي القرآني المعجز، وواضحٌ إن التنقيص في الوحي التفسيري لا يُصيب القرآن بخلل وتحريف. وهذه نصّ عبارة الشيخ آغا بزرك الطهراني انظر:

«إنّ ما بين الدفتين الذي وصل بأيدينا بالتواتر إلى اليوم بلا شك لأحد من المسلمين ولا ارتياب ... فالقرآن المجيد الذي هو بأيدينا ليس موضوعاً لأي خلاف يذكر فمحل الخلاف إنزال وحي آخر غير ما بين الدفتين ...» (2).

ونحن سابقاً في «دراسة تحليلية عن مفاهيم «الاقراء» و «التنزيل» تحدثنا عن ذلك مفصلًا وقلنا بوجود نوعين من الوحي استناداً إلى الأدلة والقرائن الموجودة عند الفريقين وهو أمرٌ ثابت ولا يختص بالشيعة، بل يُصرّح به عدد من كبار أهل


1- اصول مذهب الشيعة: ص 999- 1000.
2- الذريعة: ج 3، ص 313 فقال رحمه اللَّه: وقد كتبنا في إثبات تنزيه القرآن الكريم مؤلفاً سمّيناه ب «النقد اللطيف في نفي التحريف عن القرآن الشريف». الذريعة: ج 3، ص 312- 313.

ص: 549

السنة مثل «ابن قتيبة» (1) و «أحمد العاصمي» (2) و «ابن حزم» (3) و «أبو جعفر النحاس» (4) و «أبو زهوة» (5) وغيرهم، وتقدّم كلامهم في بحث: «نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن رواياتهم».

بناءاً على ما تقدم وطبقاً لقول الدكتور القفاري هل يصح أن نقول لابن حزم وأبو جعفر النحاس وأمثالهما: وهذا هو مبلغ دفاعهم عن القرآن والإسلام، سبحانك هذا بهتان عظيم؟!!

قال الدكتور القفاري في صنف آخر:

«رابعاً: إنّ ما قاله الصنف الرابع بوجود قرآن آخر عند منتظرهم ...

فهذا يعني إنّ الدين لم يكمل وإنّ مسألة وجود قرآن آخر ومسألة الطعن في كتاب اللَّه سبحانه هما في كتب الشيعة الإمامية واحدة ... فهم يزعمون إنّ عليّاً جمع القرآن بتمامه وجاء إلى الصحابة فردّوه وألّفوا قرآناً حذفوا منه ما يتصل بولاية عليّ ... فهذا الرافضي ومَن على منهجه أراد الخداع والتلبيس ...» (6).

إنّ كل نوع من الاتهام والسب الذي أورده الدكتور القفاري فيما يتعلق بمصحف الإمام عليّ- وكرر ذلك عدّة مرات- يُصيبُ أكثر علماء أهل السنة، فلقد سمعتم أقوالهم الخاصة بمصحف الإمام عليّ، فمن خلال تتبعنا النسبي إلى القرن الثامن وجدنا بحدود عشرة أشخاص من كبار أهل السنة يُخبرون عن مصحف الإمام


1- تأويل مختلف الحديث: ص 292.
2- المباني لنظم المعاني: المخطوط، الورقة 62- 64.
3- الإحكام في أصول الأحكام: ج 1، ص 93.
4- الناسخ والمنسوخ: ص 8- 9.
5- الحديث والمحدثون: ص 11.
6- اصول مذهب الشيعة: ص 1000.

ص: 550

عليّ بأسانيدهم (1).

على سبيل المثال لاحظوا حديث العلّامة عبد الكريم الشهرستاني صاحب الملل والنحل فلقد تحدّث عن المصحف مفصلًا وكان يقول: بعد أن أرى الإمام عليّ عليه السلام المصحف للصحابة وقال «هذا كتاب اللَّه» فقالوا:

«ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه فقال: واللَّه لا ترونه بعد هذا أبداً ...

فرجع به إلى بيته قائلًا: «يا ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً»».

إلى أن قال الشهرستاني:

«كيف لم يطلبوا جمع عليّ بن أبي طالب أَوَ ما كان أكتبَ من زيد بن ثابت؟ أَوَ ما كانَ أعرَبَ من سعيد بن العاص؟ أَوَ ما كان أقربَ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جَمعَهُ واتخذوه مهجوراً ونبذوه ظهرياً وجعلوه نسياً منسياً ...» (2).

الآن نسأل الدكتور القفاري هل إن هؤلاء العلماء لا زالوا يعتقدون «إنّ الدين لم يكمل»؟ هل إن هؤلاء «أرادوا الخداع والتلبيس»؟ إلى آخر الألفاظ البذيئة والاتهامات الفارغة والتي تكرّرت في مواضع متعددة صدرت وهي بعيدة عن الأخلاق العلمية (3) فضلًا عن الإنسان المسلم.

أما ما يتهم به الدكتور القفاري ويقول «حذفوا منه ما يتصل بولاية عليّ» فهو مجرد اتهام ولم يشر إلى المصدر أو القائل لنرى مدى صحّة ذلك.

وفي الصنف الخامس قال الدكتور القفاري:


1- انظر مبحث «مصحف الإمام عليّ» في المقام الثاني.
2- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ص 121- 125.
3- انظر أيضاً: اصول مذهب الشيعة: ص 202، 285، 339، 1022 و ...

ص: 551

«أما الفئة الخامسة الذين يقولون بأنّ القول بالتحريف رأي خاطي ء وضلال سابق وكنا نذهب إليه ثمّ تبيّن لنا الحق فعدلنا عنه ... فإنه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا المذهب الفاسد ... ولكن هذا القول قد يكون للتقية أثرٌ فيه ... ذلك إن أصحاب هذه المقالة والكتب التي حوت هذا الكفر، هي محلّ تقدير عند هؤلاء وصدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كالكليني وكتابه الكافي والقمّي وتفسيره وغيرهما».

مرة أخرى عدم أمانة القفاري تجعل الإنسان يتعجب حقاً فلأي سبب وباعث يبتعد الدكتور القفاري عن الأمانة وإلى هذا الحدّ؟! لماذا يحرّف الدكتور القفاري كلام الآخرين في كل جملة من كتابه متصوراً إنه سيجُر القارى ء إلى الهدف والمقصد الذي يريده؟

انظر عبارة القائل وهو صاحب كتاب الشيعة والسنة في الميزان هل إنه يقول:

«إنّا نذهب إلى القول بالتحريف ثم تبيّن لنا الحق فعدلنا عنه» بالشكل الذي ينقل عنه الدكتور القفاري ثم يكمل «فإنّه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا ...» أو ذلك الذي يقول: «وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم، كما لهم اجتهادهم غير إنا حينما فحصنا ذلك ثبتَ لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه» (1).

أما طبل التقية فإن الدكتور القفاري يقرعه في أي مكان اشتهاه، ومع ذلك فليس له أي مكانة في بحثنا هنا، كيف يعملون الشيعة التقية في الوقت الذي ملئت كتب السنة من هذه الروايات؟ بل في أوساطهم من يزعم بالتحريف ونحن قد قمنا بدراسة هذه تفصيلًا في مبحث «هل انكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل


1- الشيعة والسنة في الميزان: ص 48.

ص: 552

التقية» فراجع إن شئت.

والعجيب من القفاري استدلاله هنا على استعمال التقية في كتب الحديث مثل الكافي، وكتب التفسير بالمأثور مثل تفسير القمي، مع أنّ وجود روايات التحريف (بالمعنى المقصود في البحث) في تلك الكتب لو كان دليلًا على استعمال التقية لكان ذلك دليلًا على استعمال التقية لدى علماء السنة أيضاً. بل كان ذلك أولى بمراتب، حيث وجود روايات التحريف الكثيرة في كتبهم الحديثية مثل الصحيحين، والتفاسير بالمأثور مثل تفسير الطبري والدرّ المنثور- مع اعتراف علماء السنة بعدم قلة هذه الروايات- وهو أمر مشهور، حتى إن بعض علمائهم لحفظ مكانة هذه الكتب لديهم التجأ بجعل تلك الروايات تحت عنوان نسخ التلاوة، وحتى يسلم أصحابها من طعنات النقص الحتمية. فيتضح أن لو كان ميزان الدكتور القفاري منصفاً لتبرأ من هذه الكتب وأصحابها أيضاً، ولقال: «وصدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كمالك وكتابه الموطأ، والبخاري ومسلم وصحيحيهما، والطبري والسيوطي وتفسيريهما، وغيرهم».

ثمّ ذكر الدكتور القفاري جواباً نقضياً فقال:

«ثمّ إن القول بأن الاثنا عشرية أجمعهم رجعوا عن هذا منقوض بصنيع عالمهم المعاصر حسين النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب، والذي ألّفه لاثبات هذه الفرية، وهو منقض أيضاً بكتاب تحريف القرآن لسيدهم على تقي بن السيد أبي الحسن النقوي اللكنهوي- المعاصر المولود سنة (1323 ه) وهو بالأردية وغيرهما من مؤلفاتهم في هذا الضلال وهو معارض بما قدمناه عن آغا بزرك الطهراني والأميني النجفي وغيرهما ...» (1).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1001.

ص: 553

وجوابه النقضي هذا ليس إلّاضرب من الحيلة، لأنّ الذي قال: «وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم» إنما هو صاحب كتاب الشيعة والسنة في الميزان، وهو من المعاصرين الأحياء، ومراده من علمائنا المتقدمين الشيخ حسين النوري الطبرسي صاحب فصل الخطاب المتوفى سنة 1320 ه. أو السيد على تقي النقوي- إذا كان المراد من كتابه تحريف القرآن ما قاله الدكتور القفاري (1)-.

وإذا كان نفس صاحب الشيعة والسنة في الميزان يعترف بأن هؤلاء يقولون بالتحريف (2) فكيف ينقض عليه الدكتور القفاري وأمّا نقض الدكتور القفاري بآغا


1- قد يوهم عنوان تحريف القرآن بأن المراد منه القول بالنقص في آيات القرآن، إلّاأن المقصود منه ما ذكره الشيخ آغا بزرك الطهراني عندما تعرض لتحريف الكتاب في الذريعة حيث قال: «إنزال وحي آخر وعدمه لكنهم عبروا عن الانزال وعدمه بالتحريف وعدمه من باب التعبير عن الشي ء بلوازمه». الذريعة: ج 3، ص 313.
2- لاحظ كتاب الشيعة والسنة في الميزان: ص 48، والطبعة الأولى له في عام 1397 ه 1977 م، وقد أهداه إلى الشيخ جعفر السبحاني حفظه اللَّه تعالى. وحيث ان الدكتور القفاري لم يراع الأمانة في نقله العبارة من هذا الكتاب على خلاف ما ألزم به نفسه، فلذا نذكر عبارة هذا الكتاب، قال: «الفرق بيننا وبين غيرنا إنّا لم نقل بعدم التحريف إلّابعد دراسة وتمحيص ولذلك وقع بعض علمائنا المتقدمين بالاشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم كما لهم اجتهادهم وإن أخطئوا بالرأي، والذي أوقعهم في ذلك ما روي عن الطرفين أي [الشيعة والسنة] ما يوهم ذلك؛ غير إنّا حينما فحصنا ذلك ثبت لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا عليه ... ومن أراد أن يعرف كيف قلنا بعدم التحريف فليطالع كتبنا في مقدمة التفاسير ومنها ... كتاب مرجع العصر الحاضر الخوئي. وأمّا غيرنا- وهنا البلية- فلم يقل بعدم التحريف إلّاتقليداً ...». الشيعة والسنة في الميزان: ص 48- 49. وفي ختام كتابه كتب: «أختم كتابي هذا بهذه الرسالة المرسلة إلى إحسان الهي ظهير صاحب كتاب الشيعة والسنة ...» وبعد أن أورد رسالته قال مخاطباً لإحسان ظهير: «وإذا كان أنت عندك جرأة أدبيّة فانشر تلك الرسالة بمجرّد وصولها لك ...» ص 146.

ص: 554

بزرك الطهراني والشيخ الأميني فإنّه مجرد محض اتهام، وقد ذكرنا فيما تقدّم نص كلامهما الواضح في عدم قولهما بالتحريف.

وقال الدكتور القفاري في الصنف الأخير:

«سادساً: أما ما ذهبت إليه الطائفة الأخيرة من أنّ هذه المقالة لم يقل بها كلّ الاثنى عشرية وإنّما هي مقالة لفرقة منهم وهم الأخباريون الذين لا يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه فهذا قولٌ قاله أيضاً بعض شيوخ الشيعة وهو الشريف المرتضى حيث قال: «من قال في ذلك من الإمامية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة وظنّوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته.

كما إنّ القول بأن هذه الفرية خاصة بالاخبارية قالها وأكدها مرجع الشيعة الأكبر في عصره جعفر النجفي المتوفى سنة (1227 ه). ولكنه من الاصوليين يذهب في روايات التحريف الواردة في كتب الشيعة مذهباً لا يقل خطورة عن رأي إخوانه الأخباريين، حيث قال بعد أن ذكر أن تلك الفرية هي رأي للأخباريين وهو باطل بدلالة العقل والنقل وما علم من الدين بالضرورة» (1).

ثمّ ذكر الدكتور القفاري رأي الشيخ جعفر النجفي، وقد ذكرنا كلامه بأكمله عند


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1001- 1002.

ص: 555

تعرضنا لأقوال الإمامية (1)، وحاصل قوله (قده): «إنّ الناقص من الأحاديث القدسية لا من الوحي القرآني، وهذا القسم أخفاه النبي ولم يظهر عليه أحد سوى أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ منه إلى باقي الأئمة عليهم السلام».

ويلاحظ على الدكتور القفاري بعدم ذكر تمام عبارة ما استشهد به من أن بعض الإمامية القائلين بنسبة القول بالتحريف إلى الأخبارية منهم، حيث إنّهم لم يقتصروا بنسبة هذا القول للأخبارية من الشيعة فقط بل شمل الحشوية من أهل السنة، قالوا: «إنّما هي مقالة لفرقة من بعض اخباريين الإمامية والحشوية العامة، ولا يعتمد على قولهم، وقد تقدم من الدكتور القفاري محاولة حمل الحشوية في عبارة السيد المرتضى على أصحاب الحديث من الإمامية- على الرغم من تصريح علماء السنّة بأن الحشوية فرقة من الحنابلة (2)-، وهنا لم يذكر كلمة الحشوية بالمرة من عبارة السيد المرتضى.

وما نقله الدكتور القفاري عن الشيخ جعفر النجفي من نقص بعض الأحاديث القدسية التي من غير الوحي القرآني فهو خارج عن بحث تحريف القرآن، والقول به لا يقدح في سلامة القرآن من التحريف، وقد تقدّم منّا تكراراً بأن القول بوجود قسمين للوحي لا يختص بالإمامية، وأن الوحي قسم منه قرآن وهو المعجز، وقسم منه غير قرآن.

وأما تخصيص النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام بإظهار قسم من الأحاديث التي من الوحي التفسيري- وقد يعبر عنه بالحديث القدسي- فتوجد عليه شواهد وأدلة من الفريقين وقد فصلنا البحث هذا في محلّه (3)، والقول به لا


1- انظر: مبحث «شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف».
2- انظر: تعريفات الجرجاني: ص 341، الغيث المنسجم: ج 3، ص 47.
3- انظر: مبحث «مصحف الإمام عليّ» في المقام الثاني، المسألة الثالثة «دراسة ونقد شبهات الدكتورالقفاري».

ص: 556

ينافي القول بسلامة القرآن من التحريف كما هو واضح.

فما قاله الدكتور القفاري في الشيخ جعفر من أنّه:

«تاه في بيداء التكلفات والتمحلات حتى وقع مما فر منه أو كاد» (1).

مبتنٍ على عدم التفريق بين الوحي التفسيري أو الحديث القدسي وبين الوحي القرآني، إلّاإنّ الفرق بينهما أوضح من الشمس لدى كافة العلماء من الفريقين، وكلام الدكتور القفاري ناشي ء عن جهله أو تجاهله للحقيقة.

الوجه الثالث: المجاهرة بهذا الكفر والاستدلال به

قال الدكتور القفاري:

«والذي تولى كبر هذا البلاء هو المدعو حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320 ه. الذي ألّف كتابه «فصل الخطاب» لاثبات هذه الأسطورة ...» (2).

الدكتور القفاري مرات ومرات- ومع الأسف- لم يتوان عن كيل اتهاماته وافتراءاته على الشيعة ورميهم بأقبح وأسوء الألفاظ، وهنا حصل على ذريعة حتى يزداد في تماديه ويكثر من سقطاته والتهجّم على الآخرين، وعلى الرغم من أنّ المنهج العلمي وتقوى اللَّه يفرضان عليه الدفع بالتي هي أحسن، إلّاأنّه استعمل ألدغ الألفاظ والاتهامات والشتائم.

وبعد أن أفرغ ألفاظه القارصة وعباراته المشينة تحت العنوان المتقدم، أخذ على نفسه كشف ملابسات فصل الخطاب وبحث شبهاته، قال:

«فكان من الواجب أن تكشف ترهاته وأن تدك شبهاته ... وفيما يلي عرض موجز لمحتويات الكتاب ... مع نقده وكشف شبهاته


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1002.
2- المصدر السابق: ص 1003.

ص: 557

وأغاليطه» (1).

وقد فصل الدكتور القفاري في ردّه نظر المحدث النوري وكشف شبهاته في ما يقارب من الخمسين صفحة، إلّاأنه في أغلب الموارد لم يأت إلّابما ذكره الإمامية في إبطال قول وشبهات المحدث النوري وردهم على فصل الخطاب.

نعم الدكتور القفاري بدل أن يكون أميناً ويشير إلى مصادر نقده وإجاباته كان غير منسجم الكلام، وفي مواجهته لما ذكره المحدث النوري لاثبات توهّمه من روايات أهل السنة الدالة على التحريف التي كثرت في فصل الخطاب نرى القفاري وحتى يغطي على ذلك تارة يستعمل الألفاظ الفاحشة، وتارة يفتري، وتارة ينكر، إلى أن يقع في مناقضة نفسه.

وقد ذكر علماء الإمامية ما ينبغي ذكره في نقد ورد مزاعم المحدث النوري التي طرحها في كتابه فصل الخطاب (2)، وهنا لسنا في حاجة لاعادتها، وقد قلنا بأن عظماء الإمامية في زمان تأليف فصل الخطاب قد ألّفوا كتباً كثيرة للردّ على كتاب فصل الخطاب وهي كتب عظيمة الفوائد ودقيقة التحقيق، وقد تقدّم منّا عرض فهرس لأسماء هؤلاء المحققين حتى يرجع إليها من أراد التفصيل في الرد على مدعيات المحدث النوري.

وفيما يلي نستعرض ما ذكره القفاري في طيّات ردّه على المحدث النوري من الأخطاء وما كان منه من عدم الانصاف في حكمه، وما تجاهله من أداء الأمانة.

قال الدكتور القفاري:

1- «لقد قام المؤلف- مؤلف فصل الخطاب- بكشف الغطاء عن عقيدة الشيعة الاثنى عشرية في تحريف القرآن وجمع ما تفرق من


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1003.
2- انظر: مبحث «فصل الخطاب ونقاط هامة» في المقام الأول.

ص: 558

أخبارهم فيها ...» (1).

في الخطوة الأولى للدكتور جاء بزلّة عظيمة حيث ادّعى أنّ مؤلف فصل الخطاب كشف الغطاء عن عقيدة الاثنى عشرية، فهل أن جمع الأخبار صحيحها وسقيمها، سواء كانت تامة الدلالة على المراد أو غير تامة الدلالة، ومن مصادر متعددة أكثرها غير معتبر عند الشيعة يدل على عقيدة الشيعة في تحريف القرآن؟! إذاً صاحب كتاب الفرقان من أهل السنة في نظر الدكتور القفاري كشف الغطاء عن عقيدة السنة في تحريف القرآن أيضاً حيث جمع أخبار التحريف في كتابه (2).

2- «كما لم يجبن- أي صاحب فصل الخطاب- عن ذكر بعض السور بكاملها تتناقلها دوائر الشيعة وليس لها ذكر في المصحف» (3).

ومراده من «بعض السور تتناقلها دوائر الشيعة» هي السورة المزعومة بسورة الولاية، إلّاأن صاحب فصل الخطاب قد صرح بأنه لم يجدها في كتب الشيعة، وقد ذكرها من كتاب دبستان المذاهب، وقد ثبت أنه من كتب الملاحدة، وقد تعرضنا لدراسة سورتي الولاية والنورين تفصيلًا وقلنا إن تلكما السورتين قد وضعتا في القرن العاشر بيد أعداء الدين لا غير، وقد تكفل بنشرها بعض المستشرقين بغضاً وعداءً، فراجع.

3- «كما ردّ- صاحب فصل الخطاب- على من أنكر التحريف من طائفته وبين أن انكار القدامى كان تقية وأن من أنكر أخبار التحريف يلزمه ردّ أخبار الإمامة لما بينهما من تلازم».


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1004.
2- انظر حديث كتاب «الفرقان» واتّجاه أهل السنة ومصادرة الكتاب من قبل حكومة مصر في مقال الاستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في جامعة الأزهر، مجلة رسالة الإسلام، العدد الرابع من السنة الحادية عشرة، ص 382- 383.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1004.

ص: 559

أين قال صاحب فصل الخطاب إنكار القدامى كان تقية؟ وإنما قال ذلك في رأي الشيخ الطوسي وعلى نحو الاحتمال لا الجزم، واتضح في دراستنا بخطأ المحدث النوري في هذا الاحتمال أيضاً (1).

وفي أي مكان في كتابه قال بالملازمة بين أخبار الإمامة وأخبار التحريف؟

ولماذا هذا التجاهل من الدكتور القفاري؟! بل إنّ صاحب فصل الخطاب كان في مقام بيان حجم روايات التحريف قال: إنّ حجم روايات التحريف بحجم روايات الإمامة، واعترف الدكتور القفاري نفسه أن بعض تلك الروايات محمول على باب القراءة الواردة، وبعضها على نسخ التلاوة، أو كما ذهبنا إليه من حمل بعضها على التحريف في المعنى والمصداق وذكرنا لاثبات ذلك شواهد وقرائن. انظر فصل الخطاب ونقاط مهمة.

4- نقل الدكتور القفاري عن محب الدين الخطيب:

«إنّ سبب ورد وإنكار وضجة الشيعة ضد ذلك الكتاب- أي كتاب فصل الخطاب- ومؤلفه وناشره هو أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم» (2).

ففي رأي محب الدين الخطيب أنّ هذا الإنكار والضجّة على ذلك الكتاب لم يكن لحفظ حرمة القرآن، بل كان لأجل عدم كشف الستار عن ذلك. وروايات التحريف توجد في مئات من الكتب المعتبرة عند الشيعة.

يا تُرى هل يوجد برهان لدى الخطيب على هذه الادعاءات الواهية؟ وأين مئات الكتب المعتبرة؟ فلا بدّ وإنها قد وصلت إليه! وإنّها كانت مخفية عن أعين


1- لاحظ: بحث «هل انكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية».
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1005.

ص: 560

الشيعة.

وهل لدى محب الدين الخطيب هذا الحكم على كتاب الفرقان؟ وهل ذكر ردّ السنة لكتاب الفرقان وضجتهم عليه وإنكارهم له ولمؤلفه؟

وهل قال لأنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم .... فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع إلى آخر ادعاءاته الواهية.

ونرى الدكتور القفاري هنا يتراجع قليلًا ويتظاهر بالانصاف ويقر بعدم صحة ما جاء به محب الدين الخطيب من الشواهد، حيث قال:

«فإنّي لا أجزم كالاستاذ محب الدين في تعميم هذا الحكم على الشيعة، بل إن هناك فئة من الشيعة لا تزال تنكر هذا الكفر وتتبرأ منه ...» (1).

ثمّ قال:

«وإن الحوار بين صاحب فصل الخطاب ومن ردّوا على صنيعه كان في مسألة وقوع التحريف من عدمه لا في وجوب التستر على هذه الفرية ...» (2).

ثمّ سعى الدكتور القفاري جاهداً لحفظ ماء وجه الخطيب والتضليل على الحق والتشبّث بالأساليب الواهية والاحتمالات الشيطانيّة فقال:

«وهو لا ينافي أن يوجد اتجاهاً عند الشيعة يرى ضرورة التستر لحرمة المذهب» (3).

5- «قال صاحب فصل الخطاب وهو يذكر صورة التغير في القرآن


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1005.
2- نفس المصدر: ص 1007.
3- نفس المصدر.

ص: 561

- الذي أوحاه إليه شيطان ودفعه إليه حقده على الإسلام وأهله- السابعة: زيادة الكلمة كزيادة «عن» في قوله تعالى، «يسألونك عن الأنفال»».

وخطأ المحدث النوري هنا ممّا لا شك فيه حيث اعتبر ذلك من باب التحريف، إلّا أن ذلك لا يسوغ للدكتور القفاري القول بأن ذلك من وحي الشيطان وحقد المحدث على الإسلام، وإلّا لصدق قوله هذا على جماعة من الصحابة والتابعين وبعض القراء السبعة حيث إنهم قرؤا هذه الآية الكريمة خالية عن كلمة «عن» (1).

6- عندما تعرض الدكتور القفاري لما قاله المحدث النوري في المقدمة الأولى من كتابه فصل الخطاب (المتعلق بمصحف عليّ عليه السلام) قال:

«... هذه الدعوى- أي مصحف الإمام عليّ عليه السلام- لا وجود لها إلّافي خيالات هؤلاء الزنادقة ... فينقل مجموعة من رواياتهم يتهيأ لقارى ء لها إن العقل الشيعي ... من أسرع العقول إلى تصديق الخرافة، فهو يؤمن بكتاب لا وجود له إلّافي أساطيرهم تتحدث هذه الأساطير عن جمع عليّ- عليه السلام- للقرآن وعرضه على الصحابة وردّ الصحابة له ...» (2).

قد تقدّم منا البحث مفصلًا عن جمع الإمام عليّ عليه السلام للمصحف وعرضه له على الصحابة، وما كان يحتويه بالاعتماد على مصادر الفريقين، مع ردّ المناقشات والشبهات المطروحة على هذا المصحف، وقلنا- وحسب ما شهدت به أدلة


1- كابن مسعود، سعد بن أبي وقاص، زيد بن على، عطاء، الضحاك وغيرهم. راجع الاعراب للنحاس: ج 1، ص 664 وجامع البيان للطبري: ج 6، ص 176، والتبيان للشيخ الطوسي: ج 5، ص 86- 87 وغيرهم.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1008.

ص: 562

الفريقين- بوجود ذلك المصحف، وإنه لا فرق بينه وبين القرآن الموجود إلّافي ترتيب السور والآيات، وتفسير وشرح الآيات، إلّاأن الدكتور القفاري قد رمى جميع علماء السنّة- ومن حيث لا يشعر- بالزندقة وتصديق الخرافة و ...، وذلك لما يلاحظ من أن مصادر السنة قد تعرضت لذكر مصحف الإمام عليّ عليه السلام أكثر من مصادر الشيعة، وذكر بعضهم- كالشهرستاني صاحب الملل والنحل- حديث عرض مصحف الإمام عليّ عليه السلام على الصحابة وردهم له وقد أوردنا مسبقاً نصّ كلامه.

7- عندما تعرض الدكتور القفاري لقول المحدث النوري، «إن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده، فهذه الأمة أيضاً لا بدّ وأن تغير القرآن بعد نبينا صلى اللَّه عليه وآله لأن كل ما وقع في بني إسرائيل لا بدّ أن يقع في هذه الأمة على ما أخبر به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم» (1). ذكر في ضمن جوابه عليه:

«الشيعة تحاول تحريف اللفظ وما قدمناه عنهم هو الدليل لكنهم لم يحققوا أهدافهم ...» (2).

إلّا أن الدكتور القفاري لم يبيّن أين ذكر الدليل الذي يدعي أنه قدمه والدال على محاولة الشيعة لتحريف القرآن حتى نكشف النقاب عن زيف ادّعائه، وربما كان دليله الأحاديث الدالة على زيادة كلمة «عن» في الآية الأولى من الأنفال، أو نقصان عبارة في عليّ في الآية 67 من سورة المائدة، وعبارة «آل محمد» في آية الاصطفاء 32 من سورة آل عمران) و ... إلّاإنكم لاحظتم (3) أن هذه الروايات رويت في كتب السنة أيضاً، فإذا كان مراد الدكتور القفاري، واستاذه رشاد سالم


1- فصل الخطاب: ص 35.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1010.
3- راجع بحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة» في المقام الأول.

ص: 563

بأنّ وجود تلك الأحاديث في كتب الشيعة محاولة لنوع من التحريف عند الشيعة، فإن السنة بناء على هذا الاعتبار قد حاولوا تحريف القرآن، ولكن قد قدمنا أن مثل هذه الأحاديث إن لم يمكن تأويلها فإنها ساقطة عن الاعتبار، ولنزاهة ساحة القرآن العزيز عن أي نوع من أنواع التحريف.

8- عندما تعرض الدكتور القفاري لقول المحدث النوري: «إن كيفية جمع القرآن وتأليفه- في عصر أبي بكر- تستلزم عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه» ضمن جوابه- ما هو بعيد عن التقوى العلمي-:

«وصياغته لهذه الشبهة تدل على أن كثيراً من شيوخ الإمامية قوم بهت يكذبون بالحقائق الواضحات ويصدقون الأكاذيب والخرافات» (1).

وأفرغ عبارة مشينة واتهامات فارغة ثم عرّج ثانية على موضوع مصحف الإمام عليّ عليه السلام قائلًا:

«فلنحكم عقولنا ما جاءت هذه الدعوى إلّامن طائفة الاثنى عشرية من بين فرق الشيعة كلّها وهي تتحدث عن قرآن جمعه عليّ عليه السلام وهو الكامل في نظرها وترفض ما أجمع عليه المسلمون فأيهما نصدق أبالقرآن أم بكتاب غائب لم ير ولم يعرف.

أخرج لنا الشيعة منه- أي من مصحف الإمام عليّ- آيات يستحيل أن تكون من كلام ربّ العزة جل علاه لسقوطها عن أداء الإنسان العادي فيكيف بكلام ربّ العالمين المعجز؟ ... ومن أضل ممّن يدعو أتباعه للإعراض عن كتاب اللَّه وانتظار كتاب موهوم مفترى ...» (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1017- 1018.
2- نفس المصدر.

ص: 564

يا أيّها الدكتور القفاري أما سمعت اللَّه يقول: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» كيف تستغلّ زلّة شخص اجتهد فأخطأ، وتعممها على طائفة هم أحرص الناس على الذبّ عن كيان الإسلام والقرآن، وعلى طبق أي مصدر ومستند قلت إن كثيراً من شيوخ الإمامية يكذبون الحقائق الواضحات ويصدقون الأكاذيب والخرافات؟

وفي أي مورد رفضت الإمامية ما أجمع عليه المسلمون؟

وفي أي كتاب أخرجت الشيعة من مصحف الإمام عليّ آيات يستحيل ...؟

وأي شيخ من شيوخ الإمامية يدعو أتباعه للإعراض عن كتاب اللَّه، وانتظار كتاب وهمي؟ «فأت ببرهانك إن كنت من الصادقين».

ولا أدري لماذا هذه الأكاذيب والافتراءات والسباب والشتائم على الإمامية؟

وهل يمكن أن تكون هي لأجل حفظ كتاب اللَّه العزيز وسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؟!! فلا حول ولا قوة إلّاباللَّه.

9- في الزعم الثالث للمحدث النوري تعرض فيه لبطلان نسخ التلاوة، وقال الدكتور القفاري (في ضمن جوابه):

«إن النسخ من اللَّه سبحانه قال تعالى: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» ... فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف إن ذلك إلّاضلال مبين وكيد متعمّد ... لأن غاية ما تدل عليه تلك الآثار إن ذلك قرآناً ثمّ رفعه في حياة الرسول والوحي ينزل ...» (1).

أو لم ير الدكتور القفاري النقد والمناقشة على نظرية نسخ التلاوة من نفس علماء السنة (2)، وأن من الروايات والأحاديث المتنوعة الدالة بظاهرها على التحريف والتي هي من مصادر السنة غير قابلة للحمل على نسخ التلاوة، مثل خبر عائشة


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1019، الآية 106 من سورة البقرة.
2- لأنّ الدكتور القفاري على أقل تقدير قد رأى نقد نظرية نسخ التلاوة من بعض علماء أهل السنة في المسألة الرابعة من كتاب أجوبة مسائل الشيخ موسى جار اللَّه للسيد عبد الحسين شرف الدين.

ص: 565

في الآيات المزعومة في الرضاعة حيث قالت فيه: «فتوفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهنّ مما تقرأ من القرآن» (1).وقولها في سورة الأحزاب «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّاعلى ما هو الآن» (2) وغيرهما.

أو ليس قول عائشة هذا صريح في عدم نسخ تلاوة فهل يصح أن يقول الدكتور القفاري في هذا المورد «إن ذلك قرآن ثم رفع في حياة الرسول والوحي ينزل».

على أن نفس الدكتور القفاري أورد مناقشة أبي جعفر النحاس لنظرية نسخ التلاوة في نفس كتابه هذه «اصول مذهب الشيعة» حيث قال عن أبي جعفر النحاس:

«إن النسخ ... ارتفع بموت النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم» (3).

ومن جانب آخر علم الدكتور القفاري بأن هذه الأخبار آحاد ولا يمكن الاعتماد عليها في اثبات النص القرآني ولا في اثبات نسخها ومع هذا كلّه كيف يصح جوابه على المحدث النوري بأن هذه الآيات من آيات نسخ التلاوة ويتشبث بقوله تعالى:

«ما ننسخ من آية ...» ولم يكتف بذلك بل وحتى يلتبس البحث على القارى ء قال الاقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين (4)، واستند بما جاء به من العبارات ومع الأسف مع تقطيعها من كتب بعض عظماء الإمامية (وهم الشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي) حتى لا يفهم مرادهم، وقد تعرضنا لعباراتهم


1- راجع الموطأ: كتاب الرضاع، ج 2، ص 605، وصحيح مسلم: كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبيرة، حديث رقم 26، و 27 و 28، وعن طريق آخر حديث رقم 29، و 30 و 31.
2- فضائل القرآن لابن سلام: ص 190 والدرّ المنثور: ج 5، ص 180.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 149.
4- المصدر المتقدم: ص 1021.

ص: 566

كاملة فيما تقدّم (1) حتى يفهم مرادهم، وحتى تظهر عدم أمانة الدكتور القفاري في نقله لعباراتهم.

فكان من الأفضل للدكتور القفاري بدلًا من الافتراء والبهتان وعدم الأمانة في النقل واخفاء الحقائق أن يقرّ- كما أقرّ المحققون من الفريقين- بعدم إمكان حمل تلك الأحاديث على نسخ التلاوة وأن يقول إذا لم يكن لتلك الأحاديث تأويل صحيح فإنها ساقطة وليس لها أي قيمة اعتبارية، لمعارضتها للدليل القرآني القطعي، وان ما عارض الكتاب الكريم يضرب به عرض الحائط كما جاء بشكل متواتر عن أهل البيت عليهم السلام.

10- قال الدكتور القفاري للتعريض بالمحدث النوري:

«ذكر النوري نماذج مما جاء في مصحف ابن مسعود- كما تزعم رواياتهم- ومما ذكره (وكفى اللَّه المؤمنين القتال- بعليّ بن أبي طالب-) ...» (2).

ثم بعد ذلك جاء بقول القاضي الباقلاني:

«فأما ادعائهم أنّ ابن مسعود قرأ (وكفى اللَّه المؤمنين القتال- بعليّ بن أبي طالب-) وما أشبه ذلك من الأحاديث فإنّه إفك وزور لا يصحّ» (3).

إلّا أنه وكما تقدم في باب دراسة أحاديث التحريف في مصادر الشيعة إنّ هذه


1- في بحث «محاولة فاشلة» في المقام الثاني.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1022.
3- نفس المصدر: ص 1024 عن نكت الانتصار: ص 107.

ص: 567

القراءة المنسوبة لابن مسعود مروية في مصادر أهل السنة أيضاً، فقد نقلها ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن مسعود، وتقدم منا أن عبارة بعليّ بن أبي طالب ليست جزءاً من نص القرآن بل هي تفسير وشرحٌ للآية، خصوصاً مع ملاحظة خصائص معنى «الإقراء» فإنّها قد تستعمل في قراءة الشي ء بتفسيره، وهناك شواهد كثيرة في غزوات النبيّ الأكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأن اللَّه كفى المؤمنين القتال بعليّ ابن أبي طالب.

11- قال المحدث النوري عن قراءة سورة الانشراح في مصحف ابن مسعود:

«أسعد بن إبراهيم بن الحسن الأربلي في أربعينه الحديث التاسع والثلاثون، يرويه بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي قال: كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول اللهمّ اعضد لي وشد أزري واشرح صدري وارفع ذكري فنزل جبرئيل وقال: «ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك- بعليّ صهرك-» فأقرأها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ابن مسعود فألحقها بمصحفه وأسقطها عثمان بن عفان» (1).

ثمّ يقول القفاري من دون أن يتأني في مصدر الرواية:

«سورة الانشراح مكية ... والزيادة التي زادوها وهي قولهم «وجعلنا عليّاً صهرك» كشف كذب الشيعة وذلك إن صهره- أي صهر النبي صلى اللَّه عليه وآله- الوحيد في مكة هو العاص بن الربيع الاموي، فهم وضعوا ولم يحسنوا الوضع لجهلهم بالتاريخ ...» (2).

وقد اقتفى الدكتور القفاري في هذا أثر إمامه محمد بن عبد الوهاب حيث قال:

«ما ذكروه [أي الشيعة] في كتبهم الحديثية والكلامية أن عثمان نقص


1- فصل الخطاب: ص 138.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1024.

ص: 568

من القرآن فإنّه كان في سورة «ألم نشرح» بعد قوله تعالى «ورفعنا لك ذكرك» وعلياً صهرك، فاسقطها بحسد اشتراك الصهرية ...» (1).

وقد تغافل هؤلاء عن أنّ مصدر هذه الرواية من كتب أهل السنة ليس إلّا، فإن أسعد بن إبراهيم بن الحسن الأربلي من مشاهير علماء أهل السنة على ما يشهد به علماء الرجال والتراجم (2)، وكذا يظهر من كتابه الأربعين، وقد ذكر ديباجة كتابه هذا:

«حدثني الشيخ الإمام الحافظ الفاضل الحسيب النسيب جمال الدين أبو الخطاب عمر بن ذي الحسبين والنسبين بن دحية الكلبي المغربي الأندلسي رحمه اللَّه تعالى بقراءة المبارك بن موهوب الأردبيلي سنة عشر وستمأة في مجلس واحد ...» (3).


1- رسالة في الردّ على الرافضة: ص 14- 15.
2- وقد صرح المحدث النوري بإنه من السنة، قال: «أسعد بن إبراهيم من الحنابلة». لاحظ فصل الخطاب: ص 184 في ضمن الدليل التاسع، ولاحظ أيضاً بغية الطلب في تاريخ حلب: ج 4، ص 1559، ووفات الوفيات: ج 1، ص 265، رقم 64، ومجمع الآداب في معجم الألقاب: ج 4، ص 396، الرقم 4058، والوافي بالوفيات: ج 9، ص 35، الرقم 3942.
3- الأربعين: ص 290 مطبوع ضمن «المجموع الرائق من أزهار الحدائق»، تأليف السيد هبة اللَّه بن أبي محمد الحسن الموسوي من مشاهير القرن الثامن. كان أبو الخطاب دحية الكلبي- شيخ أسعد بن إبراهيم بن الحسن الأردبيلي- من أعيان أهل السنة، قال ابن خلكان: «وكان أبو الخطاب من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به». انظر وفيات الأعيان: ج 3، ص 448- 449، رقم 497. ولا بأس هنا أن نذكر شيئاً مما ذكره أسعد في أربعينه، قال: «كنت سمعت على كثير من مشايخ الحديث إن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قال: من حفظ أربعين حديثاً كنت شفيعاً له يوم القيامة فحفظت ما شاء اللَّه من الأحاديث، وأنا لا أعلم إلى أي الأحاديث أشار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم، إلى أن لقيت سلطان المحدثين ذا الحسبين والنسبين أبا الخطاب دحية بن خليفة الكلبي رحمه اللَّه وسمعته عليه موطأ مالك وسألته ... عن الأحاديث التي أشار النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم بقوله من حفظ عني أربعين حديثاً ... قال إن هذا السؤال سئل عنه محمد بن ادريس الشافعي الإمام المطلبي رضي اللَّه عنه فقال: هي مناقب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وروى عن الإمام أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل أنه قال: ما أعلم أن أحداً أعظم منة من الشافعي وإني لأدعو اللَّه تعالى في أدبار صلواتي أن يغفر اللَّه له منذ سمعت منه أنّ الأربعين حديثاً أراد بها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله مناقب أهل بيته عليهم الصلاة والسلام». ثمّ قال أسعد بن إبراهيم: «فقرأت عليه جميع الأحاديث المشهورة المسندة المروية في مناقب أهل البيت عليهم السلام فأراني جزءاً صغيراً فيه أحاديث غريبة سمعتها عليه ورواها عن الثقات ...». الأربعين: ص 68

ص: 569

ثمّ ذكر الأربعين حديثاً وهي كلها في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، والحديث المتقدم منه هو الحديث التاسع والثلاثون، بإسناد المصنف إلى المقداد بن الأسود.

فاتضح أن الذي بهته الدكتور القفاري ورماه بالجهل والكذب والوضع من غير تأني وتروي هو أحد علماء السنة.

وعلى كل حال فإذا ثبت أن الرواية غير منسجمة مع الوقائع التاريخية القطعية، ولم يصح لها تأويل (1)، فهي ساقطة عن الاعتبار، إما لأنها موضوعة، أو لاحتمال خطأ الراوي في النقل، أو حصل التصحيف فيها من النساخ (2).


1- وربما قيل بأن لها تأويل وهو ما روي في تفسير عطاء الخراساني عن ابن عباس قال في قوله تعالى: «ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك» أي قوى ظهرك بعليّ بن أبي طالب، لاحظ البرهان في تفسير القرآن: ج 10، ص 318.
2- خصوصاً مع ملاحظة وقوع أخطاء كثيرة في بعض نسخ كتاب الأربعين لأسعد بن إبراهيم الأردبيلي كما يشهد بذلك بعض النسخ له كما قال حيدر قلي بن نور محمد خان الكابلي، وهو أحد نساخ الكتاب قال: واستنسخته أنا من نسخة كانت مغلوطة للغاية ...». لاحظ مقدمة نسخته المخطوطة.

ص: 570

12- من الأدلة المزعومة التي ذكر المحدث النوري على سقوط بعض الكلمات من القرآن الكريم أحاديث أهل السنة الدالة على أن عثمان وحد المصحف وحرق ومزق سائر المصاحف، ثم استنتج المحدث النوري منها سقوط بعض الكلمات لأن ذلك الفعل لا ينفك عن سقوط بعض الكلمات في رأي النوري.

وقد تشبث الدكتور القفاري بحديث واحد أورده النوري- متجاهلًا لمصادر الأحاديث التي ذكرها المحدث النوري ومتجاهلًا أيضاً لما أجابت الإمامية المحدث النوري وعدم صحة التمسك بالخبر الواحد- وقال:

«فإن «النموذج» الذي يخرجه لنا هؤلاء «الكذبة» ويزعمون أن عثمان أسقطه هو أكبر شاهد على حقيقة قولهم.

فقد جاء صاحب فصل الخطاب بأربع روايات عن أربعة من كتبهم تقول إن على بن موسى الرضا [- عليه السلام-] قال: «لا واللَّه لا يرى في النار منكم اثنان أبداً لا واللَّه ولا واحد، قال: قلت: أصلحك اللَّه أين هذا من كتاب اللَّه تعالى؟ قال: هو في الرحمن وهو قوله تبارك وتعالى لا يسئل عن ذنبه أنس ولا جان قال: قلت: ليس فيها كلمة «منكم» قال: بلى واللَّه إنه لمثبت فيها وأن أول من غيّر ذلك لابن أروى، ... ولو لم يكن فيها «منكم» لسقط عقاب اللَّه عزّ وجلّ عن خلقه إذ لم يسئل عن ذنبه أنس ولا جان فمن يعاقب اللَّه إذاً يوم القيامة؟ ويعنون بابن أروى، عثمان» (1).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1029 ..

ص: 571

يرتكب الدكتور القفاري هنا عدّة أخطاء:

أولًا: هذا خبر واحد، وليس أربع روايات عن أربعة كتب- كما يوهم القفاري- والرواية نقلها النوري عن كتابين، نقلا كلاهما- باعتراف النوري نفسه- عن كتاب «بشارة الشيعة» وهو من الكتب غير المشهورة (1).

ثانياً: في سند هذه الرواية «ميسرة» الذي كان يسأل من الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، وهو- بقرينة رواية عثمان بن عيسى عنه- «ميسر بن عبد العزيز النخعي، وهو شخص مجهول، إذ لا يوجد مدح ولا قدح له في كتب الرجال (2).

ثالثاً: على فرض أن السند كان صحيحاً، لا يمكننا أبداً أن نستند على خبر الواحد في هذه المسألة المهمة، لأنّ القرآن متواتر في آياته وكلماته، ولا يمكن مطلقاً أن نثبت أو ننفي بخبر الواحد كلمة من القرآن، كما أنّ هذه الرواية تتعارض مع الأدلة القطعية لصيانة القرآن من التحريف، فهي ساقطة عن الاعتبار لا محالة.

مع هذه الخصائص انظر كيف يوجه الدكتور القفاري الاتهامات الكبيرة ويقول:

«والآية كما يدّعون تثبت أنّ الشيعي لا يسأل عن ذنبه ... وهذه دعوى خطيرة لا يسندها دليل، بل هي مناقضة لنصوص التنزيل وما علم من الإسلام بالضرورة ... ولها آثارها الخطيرة من التحلل من التكاليف الشرعية ... والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات» (3).


1- انظر: مقدمة بحار الأنوار: ج 1، ص 26.
2- انظر: معجم الرجال: ج 19، ص 110.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1029.

ص: 572

نسأل من الدكتور القفاري: أي فقيه من فقهاء الإمامية استند لأمثال هذه الرواية واعتمد عليها، وأفتى بالاباحيّة والتحلل من التكاليف الشرعيّة؟

وهل يوجد مفسر من مفسري الإمامية يتمسّك بهذا الحديث ويرفع اليد عن ظاهر الآية؟ ورأي فقهاء ومفسري الإمامية واضح وصريح في كتبهم الفقهية والتفسيرية (1).

وإذا أردنا أن نحذو حذو الدكتور القفاري في الفهم والاستنتاج فيلزم أن نقول مثلًا قد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي بردة عن أبيه عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، قال:

«يجي ء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها اللَّه لهم ويضعها على اليهود والنصارى».

قال أبو بردة: فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال: أبوك حدّثك هذا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم» (2).

فنتمسّك بهذا الحديث- من دون مراجعة علماء فقه الحديث ومن دون تريث- ونقول بنفس كلمات الدكتور: قد اطمئن كل مسلم في نفسه بأن كل ذنب أذنبه ولو كانت أمثال الجبال، فإن اللَّه يوم القيامة يرفعها عنه ويضعها على اليهود والنصارى- والعياذ باللَّه- ثمّ نقول: هذه دعوة خطيرة لا يسندها دليل ... ولها آثارها الخطيرة


1- كما في تفسير العلامة الطباطبائي وهو من عظماء الإمامية، حيث قال: «ولا ينافي نفي السؤال في هذه الآية اثباته في قوله: «وقفوهم إنّهم مسؤلون» الصافات 24، وقوله تعالى: «فوربّك لنسألنّهم أجمعين» الحجر 92، لأن اليوم ذو مواقف مختلفة يُسأل في بعضها، ويختم على الأفواه في بعضها وتكلم الأعضاء، ويعرف بالسيماء في بعضها ... كأنه قيل: فإذا لم يسألوا عن ذنبهم ما يصنع بهم؟ فأجيب بأنه يعرف المجرمون بسيماهم ... ولذا فصلت الجملة ولم يعطف». الميزان: ج 19، ص 107، ولاحظ أيضاً: حاشيته على بحار الأنوار: ج 7، ص 274.
2- صحيح مسلم: كتاب التوبة، ص 2120، رقم الحديث 51 ومثله الحديث 49 من نفس الكتاب.

ص: 573

من التحلل من التكاليف الشرعية والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات؛ إلى آخر ادعاءات الدكتور القفاري، والرواية المتقدمة التي ذكرها من مصادر الشيعة ضعيفة سنداً ومن كتاب غير معتبر، وأما الرواية هذه فهي من صحيح مسلم وهي صحيحة سنداً لدى السنة.

فهل يقبل الدكتور القفاري بجريان كلامه في أحاديث وعلماء أهل السنة، فإذا لم يقبل ذلك فعليه بالتأمل في كلام الآخرين وعدم رميهم بكلام فارغ.

13- قال الدكتور القفاري- ضمن جوابه على المحدث- في روايات الشيعة الدالة بظاهرها على التحريف:

«... إنه لا ثقة برواياتهم بعد هذا وإن كتبهم هي المحرفة المفتراة ... قد انكشف أمرها بهذه الفرية ... وبانت حقيقتها بهذه الأسطورة ...» (1).

ثمّ تعرض الدكتور القفاري لوجهة نظر عظيمين من عظماء الشيعة في روايات التحريف وهما الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي والميرزا مهدي الشيرازي حيث قالا:

«هذه الأخبار- أي أخبار التحريف- ضعيفة الإسناد، متناقضة في متونها، متعارضة بما هي أصحّ منه سنداً ودلالة- وهي الروايات التي تدل على سلامة القرآن من التحريف-».

ثمّ قال الدكتور القفاري:

«ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه ومحاولتهم التستر على مذهبهم» (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1037.
2- نفس المصدر: ص 1039.

ص: 574

وهل يا ترى إن الدكتور القفاري يحكم على روايات أهل السنة الدالة على التحريف والتي ذكر المحدث النوري قسماً منها في نفس كتابه فصل الخطاب بنفس ما حكم على أخبار الإمامية، وهل يحكم على وجهة نظر علماء السنة لها كما حكم على وجهة نظر علماء الشيعة لروايات التحريف، أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك، وتقدم في المقام الثاني تحت عنوان: «نظرة إلى أجوبة أهل السنة وموازين الدكتور القفاري» عرض روايات السنة وأقوال السنة فيها وذكرنا نتائج القفاري فيهما إذا عملنا بموازينه في الحكم.

وأن لو أعملنا موازين حكم القفاري للزم أن نقول أن كتبهم إنها هي المحرفة وأقوالهم متناقضة، وقد انكشف أمرهم بهذه الفرية ومحاولتهم للتستر على مذهبهم إلى آخر تقولاته وادعاءاته.

14- يتابع الدكتور القفاري في كلامه السابق قائلًا:

«أما الأمثلة- أي من الروايات التي تدل بزعم القفاري على التحريف- التي ساقها فهي محاولة يائسة لوضع سند عقائدهم في كتاب اللَّه، اقناع أتباعهم والحائرين من بني قومهم الذين حيّرهم وزلزل بنيانهم ...» (1).

نسأل الدكتور القفاري مَن من عظماء الإمامية اعتمد على مثل هذه الروايات في اثبات العقائد الحقة، وكتب العقائد لعظماء الإمامية في الأعصار الماضية وإلى يومنا هذا لا تخفى عن الباحث عن الحق، فليأت الدكتور القفاري بمورد واحد منها على صحّة ما يدعيه من قوله: «... لوضع سند عقائدهم في كتاب اللَّه واقناع اتباعهم ...» بل إن الإمامية لديها ما يكفيها وزيادة من الأدلة القوية والمتقنة والبراهين الواضحة على أحقية مسلكها، ولا حاجة لها للاستناد على تلك الروايات.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1040.

ص: 575

والغريب أنّ الدكتور القفاري مع تظاهره التعهد- في أكثر من مورد من كتابه- بأن لا يذكر إلّاالروايات الموثوقة والمستفيضة، تمسك خلال عرضه لأمثلة روايات التحريف بما يرويه المحدث النوري عن أحمد بن محمد السياري وهو ضعيف، وباعتراف نفس الدكتور القفاري بتضعيف علماء الرجال له، فقد أورد فيه:

«إنّه ضعيف الحديث، مجفو الرواية، كثير المراسيل» (1).

ثمّ عاد الدكتور القفاري وخلافاً لما أبداه من الالتزام بالصدق والأمانة فذكر رواية أخرى أيضاً عن النوري بالنحو التالي:

«روى الكليني عن أبي عبد اللَّه: إن الذين فارقوا أمير المؤمنين وصاروا أحزاباً، يحاولون بذلك تغيير قوله سبحانه: «إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شي ء ...»» (2).

وفيه أولًا: أنّ المحدث النوري لم يرو الرواية عن طريق الكليني كما يدعيه الدكتور القفاري بل نقلها عن التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم.

وثانياً: أنّ الدكتور القفاري لم يراع الأمانة أيضاً حتى في نقله نص الرواية من فصل الخطاب، وهذا نصّ الرواية:

«عن عليّ بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في قوله تعالى: «إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شي ء إنّما أمرهم إلى اللَّه ثمّ ينبئهم بما كانوا يفعلون» (3)

، قال- أي الراوي- قال: فارقوا أمير المؤمنين [عليّاً عليه السلام] وصاروا أحزاباً» (4).


1- انظر نفس المصدر: ص 1038.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 1040، 1041.
3- سورة الأنعام: الآية 159.
4- فصل الخطاب: ص 285.

ص: 576

وهل هذا الحديث على فرض صحته يتعلق ببحث التحريف؟ أو ليست الرواية تدلّ على أن الإمام أبا عبد اللَّه عليه السلام قال هذا وهو عليه السلام في مقام التأويل للآية؟!

وهل ينبغي أن يشك أن هؤلاء الذين خرجوا صفاً لمواجهة عليّ عليه السلام قد فارقوا الأمة وصاروا أحزاباً؟؟

نعم قد كان قتال أمير المؤمنين عليه السلام على تأويل القرآن للحديث المتواتر من الفريقين من أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال:

«إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» (1).

وجاء المحدث النوري برواية أخرى من تفسير العياشي ومن الكافي تتعلّق بقوله تعالى: «... ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللَّه معنا فأنزل سكينته عليه وأيّده بجنود ...» (2).

وفي رواية العياشي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «لقد قال اللَّه فأنزل اللَّه سكينته على رسوله وما ذكره بخير قال- الراوي- قلت له: جعلت فداك وهكذا تقرؤنها؟ قال: هكذا قرأتها» (3).

وفي رواية الكليني قال: «هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها» (4).

والدكتور القفاري- ومع الأسف- يكيل التهم وبألفاظٍ لاذعة فيقول:

«فترى هؤلاء الزنادقة- أي الشيعة- حاولوا تحريف قوله سبحانه:


1- انظر: خصائص النسائي: ص 317، الرقم 156 مثلًا ولقد استقصى محقّق كتاب الخصائص مصادر الحديث وهي كثيرة جداً.
2- سورة التوبة: الآية 40.
3- تفسير العياشي: ج 2، ص 89.
4- الكافي، عن فصل الخطاب: ص 289.

ص: 577

«فأنزل اللَّه سكينته عليه» بحذفهم عليه وزيادتهم «على رسوله» (1).

لكن مع المراجعة الدقيقة للمعنى الاصطلاحي لكلمة «الإقراء» وكلمة «التنزيل»- وتقدم منّا بحث ذلك مفصلًا- تبتعد الرواية من الاشكالات فلا تدل على ما يدعيه القفاري من التحريف بالزيادة والنقيصة، بل على فرض صحة الرواية فإن الإمام عليه السلام في مقام الإقراء (بمعنى تعلم لفظ الآية مع معناها) وبيان التنزيل للقرآن (الذي يرد أحياناً بمعنى مفاد الآية ومعنى الآية)، وأرجع الضمير في «عليه» إلى الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم (2)وهو واضح، ففي مقام بيان معنى الآية هكذا يقول: فأنزل اللَّه سكينته على رسوله.

15- قد تعرض المحدث النوري لأدلة القائلين بعدم التحريف تحت عنوان «الباب الثاني في أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير مطلقاً في كتاب اللَّه تعالى، وأن الموجود هو تمام ما أنزل اللَّه على رسوله إعجازاً وأمر بإبلاغه ... وهي أمور عديدة» وتعرض لمناقشة ونقد تلك الأدلة، إلّاأن نقده وردّه لها ضعيف للغاية وليس تحته شي ء، والدكتور القفاري عند تعرضه للمحدث النوري هنا أقرّ بالواقع- من حيث لا يشعر- من رفض الإمامية القول بالتحريف حيث قال:

«والحقيقة إنّ هذا الباب الذي عقده أبطل به افتراءاته- المحدث النوري- لأنه لم يستطع أن يجيب على أدلة قومه المنكرين لكفره» (3).

فإذا لم يستطع المحدث النوري وغيره من ردّ أدلة الإمامية الدالة على عدم


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1041.
2- كما قال الدكتور القفاري نفسه عن ابن كثير: «وهو أشهر القولين». اصول مذهب الشيعة: ص 1041.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 1042.

ص: 578

تحريف القرآن فإن دلّ ذلك على شي ء فإنّما يدلّ على متانة ورصانة تلك الأدلة، وإذا أقرّ الدكتور القفاري بعدم قول الإمامية بالتحريف لتلك الأدلة فلماذا يقول من جانب آخر أن قول الإمامية بعدم التحريف كان للتقية؟

ولماذا كلما تعرض للشيعة في كلامه رماهم بألفاظ بذية للغاية حيث صدر منه مراراً وتكراراً ما لا يليق صدوره من كلّ إنسانٍ محقّق فضلًا عن مسلم؟ فلماذا يطلق على الشيعة هذه الألفاظ:

«إنهم زنادقة أعاجم ... فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ...

ولم يعرف هؤلاء الملحدون، هؤلاء الطغام ... فإنهم لا يجرؤون على إظهاره- إظهار القول بالتحريف- وهو اعتقادهم هذا الكفر ... إنّ كثيراً من شيوخ الشيعة الإمامية قوم بهت يكذبون الحقائق الواضحات ويصدّقون بالأكاذيب والخرافات وهكذا يتمنون أن تكون المسألة- أي القول بالتحريف- مستورة لا مفضوحة ... وليبق سرّيّ التداول بينهم ...» (1).

الوجه الرابع: التظاهر بانكار هذه الفرية مع محاولة اثباتها بطرق ماكرة خفية

خصّص الدكتور القفاري تحت عنوان: «التظاهر بانكار هذه الفرية مع محاولة اثباتها بطرق ماكرة خفية» لوجهة نظر السيّد الخوئي (قده) وفي الواقع لم يُظهر- ومع الأسف- تحت هذا العنوان إلّاما دلّ على عدم أمانته من تقطيع عبارة السيد الخوئي (قده) وافترائه عليه، قال:

«لقد لاحظت إنّه- أي السيد الخوئي- يحاول أن يثبت اسطورته- ويعني القول بالتحريف- من طرق أهل السنة بأسلوب غريب ماكر حيث قال- وهو يتظاهر بالدفاع عن كتاب اللَّه-: إنّ القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف.

والأمر واضح بيّن والفرق جلي بين النسخ والتحريف ولا يخفى إلّا


1- انظر اصول مذهب الشيعة: ص 1021، 1041، 1043، 1050، 1071 و ...

ص: 579

على مغرض صاحب هوى ... وعلماء الشيعة القدامى الذين ينكرون هذه الفرية يقرون به [أي بنسخ التلاوة] كالطبرسي في مجمع البيان والمرتضى في الذريعة وغيرهما في حين أن الخوئي يرى أن نسخ التلاوة قول بالتحريف أليس هذا تناقض!

بل تراه يقول: إن القول بعدم التحريف هو قول علماء الشيعة ومحققيهم في حين أن مذهب جملة من أساطين شيوخهم المجاهرة بهذا الكفر كالكليني والقمي والطبرسي صاحب الاحتجاج وغيرهم من رؤوس هذا الكفر وهم يعدون عندهم من كبار شيوخهم ومحققيهم أليس هذا خداع!

بل أشد من هذا ... فإن هذا الخوئي الذي يتظاهر بالإنكار يذهب إلى صحّة تفسير القمي الذي أكثر من أخبار هذه الاسطورة في تفسيره ويقرر أن روايات تفسيره كلها ثابتة وصادرة عن المعصومين لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات- كما يزعم- من الشيعة»(1).

يلزم هنا وضع بعض النقاط على الحروف فنقول:

أولًا: إنّ ما ذكره السيد الخوئي (قده) من أن نسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف ليس كما يدعيه الدكتور القفاري من أنه قول من غير دليل، بل إن السيد الخوئي (قده) ذكر الدليل على قوله إلّاأن الدكتور القفاري ولما انحصر في دائرة عجزه عن جواب دليل الخوئي رماه بالاتهامات والكلمات البذية بدلًا من أن يأتي بدليل الخوئي (قده) ومناقشته فيه (2).


1- اصول مذهب الشيعة: ص 1054- 1055.
2- قد ذكرنا سابقاً نصّ دليل السيد الخوئي على إبطال نسخ التلاوة، انظر البحث تحت عنوان: «نظرة عابرة إلى أجوبة الإمامية لروايات أهل السنة» في المقام الأول.

ص: 580

ثانياً: الدكتور القفاري- كما رأيتم (1)- لم يراع الأمانة في نقله لعبارات الشيخ الطبرسي في مجمع البيان، والسيد المرتضى في الذريعة، والشيخ الطوسي في عدة الأصول، وادّعى أنهم يقولون بنسخ التلاوة، فليلاحظ هناك سوء نقل الدكتور القفاري، وهنا زاد في دعواه؛ قال: «وعلماء الشيعة يقرّون بنسخ التلاوة في حين أن الخوئي يرى أن نسخ التلاوة قول بالتحريف أليس هذا تناقض».

ثالثاً: إذا كان في نظر الدكتور القفاري أن الكليني والطبرسي صاحب الاحتجاج والقمي يعدون من رؤوس هذا الكفر لأنهم نقلوا أخبار التحريف فهل يا ترى أصحاب الصحاح الستة وأصحاب كتب الحديث والتفسير بالمأثور من أهل السنة يعدهم من رؤوس هذا الكفر أيضاً حيث أن أخبار التحريف في كتبهم ليست قليلة. ونحن نعتقد أن التفريق بين شأن أصحاب الحديث والتفسير بالمأثور وبين شأن الدارسين والباحثين لمتون الروايات وما تتضمنها وحل التعارض والخلاف بينها ليس بخافٍ على الدكتور القفاري، ولكنّه مع ذلك يقول الدكتور القفاري هنا: «أليس هذا خداع»؟!

رابعاً: أين قال السيد الخوئي (قده) بأن روايات تفسير القمي كلها ثابتة الصدور عن المعصومين عليهم السلام، وما هذا إلّاكذب من الدكتور القفاري ونصّ عبارة السيد الخوئي التي أشار إليها الدكتور القفاري على نحو الإجمال هي:

«ونحكم بوثاقة جميع مشايخ عليّ بن إبراهيم الذين روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين» فرأي السيد الخوئي (قده) أن مشائخ عليّ بن إبراهيم فقط الذين ينتهي سندهم إلى أحد المعصومين هم الموثقون، وأسانيد عليّ بن إبراهيم في هذا التفسير مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين قليلة، وبالنسبة إلى الروايات الدالة في ظاهرها- ولأول نظرة- على التحريف قليلة جداً.


1- في بحث: «وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري» في المقام الثاني.

ص: 581

خامساً: كل من يطّلع على ما ذكره السيد الخوئي في مقدمة كتابه «معجم رجال الحديث» من مسلكه ومبناه- وقد أشار إلى تلك المقدمة الدكتور القفاري أيضاً- يعرف عدم الملازمة على نحو الإطلاق بين صحة السند وبين قبول متن الرواية عند السيد الخوئي.

والسيد الخوئي نفسه عند ردّ دعوى تحريف القرآن وبيان الوجه الصحيح للروايات بأدلة قويّة يرفض أيّة حديث يدل على التحريف ولو فرض صحّة سندها ويقول في نهاية المطاف:

«وممّا ذكرنا قد تبيّن للقارى ء أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ولا يقول به إلّامن ضعف عقله أو من يتأمل في أطرافه حق التأمل أو من ألجأه إليه بحب القول به والحب يعمي ويصم وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته» (1).

vvv


1- البيان: ص 259.

ص: 582

ص: 583

تذييل: دراسة ادعائي الدكتور القفاري الآخرَيْن

اشارة

رغم أن بحثنا الأساسي يختص بنقد الأراء والافتراءات التي ذكرها الدكتور القفاري فيما يخص مسألة تحريف القرآن الكريم، ومن وجهة نظرنا فإن المقدار الذي ذكرناه يكفي لمعالجة هذا الموضوع ودراسته لكي يتمكن القارى ء من تحديد المنهاج الذي سار عليه القفاري في سائر المواضيع التي عالجها في كتابه «أصول مذهب الشيعة» وفهم طبيعة الآليات التي استخدمها، بيد أن بعض ادعاءات الدكتور القفاري في هذا الكتاب تشكل ضربة قاصمة وخطيرة بحيث لا يتسنى للإنسان أن يمضي عليها دون اعتناء أو يتجاهلها دون اهتمام، وذلك نظراً للآثار البالغة السوء التي تتركها هذه الادعاءات في أذهان الآخرين.

ومن هذه الجهة سوف أحاول في هذا الملحق معالجة نقطتين أثارهما الدكتور القفاري على سبيل الاختصار والإيجاز.

الإدعاء الأول: يقول الدكتور القفاري:

«نحوت في دراسة الموضوع منحىً علمياً تكشفت فيه معالم جديدة

ص: 584

ولعل من أبرزها ... اكتشاف صلة شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهاج السنة بأكبر تحول في تقويم النصوص عندهم وتقسيمها إلى صحيح وضعيف وموثق ...» (1) فهل صحيح أن التحول في تقويم الشيعة للنصوص كان مرتبطاً بابن تيمية وكتابه أو لا؟

الادعاء الثاني: وهو ادعاء كثيراً ما يكرّره الدكتور القفاري في كتابه وهو قوله:

«... إنّ الشيعة يغيرون من كتب قدمائهم ...» (2).

هل أنّ الشيعة فعلًا غيرت من كتب قدمائها مضيفة أو منقصة شيئاً مما فيها؟


1- اصول مذهب الشيعة: ص 14.
2- نفس المصدر: ص 291 وانظر أيضاً: ص 286، 287، 289، 291، 294 و ...

ص: 585

الإدعاء الأوّل: صلة ابن تيمية بتقويم النصوص عند الشيعة

فهنا ندرس كشف القفاري للصلة ما بين ابن تيمية ومنهاج السنة وأكبر تحول في تقويم النصوص عند الشيعة، وتقسيمها إلى صحيح وضعيف وموثق.

قال الدكتور القفاري:

«يلحظ أن بداية تقويم الشيعة للحديث وتقسيمه إلى صحيح وغيره قد كانت في القرن السابع، وجاءت متوافقة مع حملة ابن تيمية عليهم في منهاج السنة حينما شنع على الشيعة قصورهم في معرفة علم الرجال.

إن التوافق الزمني بين ردّ ابن تيمية ووضعهم لهذا الاصطلاح قد ينبى ء عن تأثرهم بنقد ابن تيمية لهم حيث اعترفوا ب «أن هذا الاصطلاح (وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وموثق وضعيف) مستحدث من زمن العلّامة» (1).

والعلّامة إذا أطلق في كتب الشيعة يقصد به ابن المطهر الحلي الذي ردّ عليه ابن تيمية، بل هناك ما يؤكد الموضوع أكثر، وهو أن ابن مطهر الحلّي هذا هو- كما يقول صاحب الوافي- «أول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك» (2). إذن ألا يدل هذا على أن لابن تيمية ومنهاج السنة أثراً في ذلك، وأن بدء ابن المطهر في وضع هذه المقاييس للشيعة إنما هو بسبب النقد الموجه له من ابن تيمية؟» (3) لكن اكتشاف الدكتور القفاري هذا ليس سوى ادعاء موهوم، بعيد عن الأدلة


1- عن وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي: ج 20، ص 102.
2- عن الوافي، المقدمة الثانية: ج 1، ص 11.
3- اصول مذهب الشيعة: ص 385.

ص: 586

والإثباتات، وليس له أساس عدا تلك الرغبة الجامحة التي تشد الدكتور القفاري نحو إمامة في التعصب ومخالفة أهل البيت ابن تيمية.

إن الدليل الوحيد الذي يقدمه لنا الدكتور القفاري على ادعائه هذا هو التوافق الزمني ما بين ابن تيمية والعلّامة الحلي (ت 762 ه.)، وأن كتاب منهاج السنة لابن تيمية هو نقد على كتاب منهاج الكرامة في معرفة الإمامة الذي ألفه العلامة الحلي.

إننا نوافق الدكتور القفاري على مدعاه القول بأن ابن تيمية ترك أثره في العلامة الحلي نفسه عندما يثبت أمامنا بالدليل:

أ- أن العلّامة الحلي كان قد قرأ كتاب منهاج السنة المخصص للردّ على منهاج الكرامة في معرفة الإمامة للعلّامة الحلي نفسه.

ب- أن يكون العلامة الحلي قد استند في كتابه منهاج الكرامة على الروايات الشيعية حتى يؤدي انتقاد ابن تيمية له إلى التفتيش عن مخلص يضع النصوص الروائية الشيعية في دائرة الميزان والمقياس.

ج- أن يثبت أن أول شخص ابتكر فكرة وضع المقاييس لروايات الشيعة هو العلامة الحلي، وأنه هو الذي قام بتقسيم هذه الروايات إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف.

هذا، ولكن إثبات هذه القضايا الثلاث أمر غير ممكن وذلك:

أولًا: إن الدكتور القفاري كأنه يغفل أو يتغافل عن أن الكتب السنية- وبقطع النظر عن الكتب الشيعية- قد ذكرت بأن كتاب منهاج السنة لابن تيمية لم يتعرض للرد من طرف العلامة الحلي، وأنه بمجرد أن لاحظ العلامة الحلي عنوان كتاب ابن تيمية «منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية» قال: «لو كان يفهم ما

ص: 587

أقول أجبته» (1)، وذلك كناية عن أن الشيعة لم تكن قدرية في يوم من الأيام، أي أن العلامة الحلي كان يريد القول بأن نفس عنوان كتاب منهاج السنة الذي يعرّف الشيعة على أنهم قدريون يدلل على أن ابن تيمية لم يفهم حتى الآن المعتقدات الشيعية ولم يتعقلها جيداً حتى يقدم على نقده أو ردّه.

وبناء عليه فإننا نسأل الدكتور القفاري إن الكتاب الذي لم يقرأه العلامة الحلي على الإطلاق كيف يمكن أن يقع تحت تأثيرات مؤلفه حتى يكون ذلك باعثاً له على تأسيس تقسيم جديد لروايات الشيعة يضعها تحت أقسام أربعة؟

ثانياً: على تقدير قراءة العلامة الحلي الانتقادات التي سجلها ابن تيمية عليه في كتاب منهاج السنة، لكن ابن تيمية نفسه لم يتمسك في نقده هذا على كتاب منهاج الكرامة بروايات الشيعة أبداً، حتى يقع العلامة تحت تأثير ابن تيمية في هذه الردود ليضع على أساس ذلك مقاييس لتمييز الروايات الشيعية فيما بعد، ولتبقى مصوناً من تلك الهجمات التي قام بها ابن تيمية عليه، بل إن كافة روايات العلامة الحلي التي استند إليها إنما هي من كتب أهل السنة، فابن تيمية نفسه- كما يقول ابن حجر- هو الذي ردّ الكثير من الروايات السنية المعترف بها في أوساط أهل السنة والتي شكلت معتمداً للعلامة الحلي لإثبات الأفكارالشيعية، وقد وجه ابن تيمية إهانات كثيرة جداً إلى العلامة الحلي بحيث بلغت به الحال أن تعرض لنفس الإمام علي عليه السلام كما قاله ابن حجر (2).


1- لسان الميزان: الجزء الثانى، ص 587، رقم الترجمة: 2841، الدرر المامنة: ج 2، ص 71، رقم الترجمة 1618، قال فى الدرر الكامنة: ولما وصل إليه كتاب ابن تيمية فى الرد عليه كتاب أبياتا أولها: لو كنت تعلم كل ما علم الورى طرا لصرت صديق كل العالم لكن جهلت فقلت أن جميع من يهوى خلاف هواك ليس بعالم.
2- قال ابن حجر فى ترجمة ابن المطهر الحلى: «طالعت الرد المذكورأى رسالة منهاج السنة لابن تيمية- فوجدته ... كثير التحامل إلى الغاية فى رد الأحاديث التى يوردهاابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه فى رده كثيرا من الأحاديث الجياد ... و كم من مبالغة لتوهين كلام الرافضى أدته أحيانا على تنقيص على عليه السلام» لسان الميزان: ج 7، ص 520، رقم الترجمة 9465. و قال السيد محسن الأمين فى تعليقه على كلام ابن حجر: «... فهو قد أنصف بعض الإنصاف فى قوله إبن تيمية تحامل فى مواضع، ورد أحاديث موجودة بأنها مختلفة، لكنه ما أنصف فى قوله إنها ضعيفة، فإن فيها المتواتر والمستفيض، و ما روته الثقات و أودعته فى كتبها الرواة» انظر أعيان الشيعة: ج 5، ص 398. و أكتفى هنا بذكر هذا المثال فإنه يكفى. هذا و حق ابن تيمية على أمثال الدكتور القفارى كبير حيث جرأهم على رد و إ. بطال الأحاديث الجياد، و مرنهم على استخدام أساليب الفحش و الإهانات والسباب أكثر فأكثر.

ص: 588

ثالثاً: لقد وقع خلاف بين علماء الإمامية حول تحديد الشخصية الأولى التي قامت بتقسيم الأحاديث إلى أقسام أربعة، وهو ما بعث بعض العلماء للوقوف موقف الشك والترديد، وهل أن من قام بذلك هو أحمد بن طاووس أستاذ العلامة الحلي أو أنه نفس العلامة الحلي؟ (1) ويضم المحدث الحر العاملي (م 1104 ه.) نفسه إلى هذه الفئة- أي المترددين- قائلًا:

«إن هذا الاصطلاح مستحدث في زمن العلامة أو شيخه أحمد بن


1- انظر معالم الدين وملاذ المجتهدين: ص 216 وما بعدها، وكذلك تلخيص مقباس الهداية: ص 23، وأيضاًمنتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: ج 1، ص 4، بل يرى البعض أن هذه المصطلحات كانت موجودة في أوساط المتقدمين ولو بشكل آخر، ومن هذه الجهة كان القدماء يقولون: لفلان كتاب صحيح، أو «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان»، أو «فلان ضعيف»، وضعيف الحديث ونحو ذلك، راجع تلخيص مقباس الهداية: ص 24، ولمزيد من التفصيل يمكن مراجعة تعليقات محمد إسماعيل الخواجوئي م 1173 ه. على مشرق الشمسين للشيخ البهائي: ص 31- 33.

ص: 589

طاووس كما هو المعلوم» (1).

والملاحظ أنّ الدكتور القفاري قد استند إلى نفس هذه العبارة لإثبات مدعياته، بيد أنّه- ومع الأسف- قام بحذف الفقرة التي تقول «أو شيخه ابن طاووس» علّه بهذا التقطيع لكلمات الحرّ العاملي أن يبلغ ذاك الكشف الذي ادّعاه.

وإنّما أقدم على هذه الخيانة التي فعلها في عبارة الحر العاملي بتقطيعه النص ليستنتج منها بعد ذلك قائلًا:

«وكأنّ ... رواياتهم (أي الشيعة) كانت بلا زمام ولا خطام حتى شنع الناس عليهم بذلك فاتجهوا حينئذ لذكر الاسناد ...» (2).

وهي نتيجة كاذبة نجمت عن ذاك التقطيع القبيح (3).


1- وسائل الشيعة: ج 20، ص 96 و 102.
2- اصول مذهب الشيعة: ص 385.
3- ذلك أن الحر العاملي لم يقل أبداً بأن روايات الشيعة كانت بلا زمام ولا خطام ما قبل هذا الاصطلاح الجديد، بل- وفقاً لمشربه الأخباري- قائل بصحة بالمعنى القديم لهذا المصطلح الروايات في كتابه وسائل الشيعة، وقد استفاد منها وتحدث حول هذا الموضوع بالتفصيل، راجع وسائل الشيعة: ص 96 وما بعدها.

ص: 590

الإدعاء الثاني: تغيير الشيعة في كتب قدمائهم

فهنا ايضاً ندرس ادعاء الدكتور القفاري فيما يتعلّق بتغيير الشيعة ما في كتب قدمائهم، يقول الدكتور القفاري فيما يتعلق بكتاب من لا يحضره الفقيه:

«زادوا في روايات كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه أكثر من الضعف كما سيأتي في فصل اعتقادهم في السنة» (1).

إن كتاب القفاري بين أيدينا، وها هو الفصل المعنون بعنوان «اعتقادهم في السنة» لا نجد فيه عيناً ولا أثراً لهذا البحث بل ولا نجد ذلك في أي فصل آخر، ومن ثم فلا نجد ما يدفعنا للبحث في ردّ هذا الادعاء الذي أقامه الدكتور القفاري (2).

أما فيما يتعلق بالكتب الأخرى فيكتب قائلًا:

«إن كتبهم الأربعة الأولى (أي الكافي، وتهذيب الأحكام، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه) لم تخل من دسّ وزيادة، وآية ذلك أن تهذيب الأحكام للطوسي بلغت أحاديثه (13950) حديثاً كما ذكر آغا بزرك الطهراني في الذريعة ومحسن العاملي في أعيان الشيعة وغيرهما من شيوخهم المعاصرين، في حين أن الشيخ الطوسي نفسه صرح في كتابه عدة الأصول بأن أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على (5000)، ومعنى ذلك أنها لا تصل إلّاإلى (6000) في أقصى الأحوال، فهل زيد عليها أكثر من الضعف في


1- اصول مذهب الشيعة: ص 289.
2- نعم، إن للدكتور القفاري الكثير من هذه الإحالات التي لا اسم لها ولا عنوان، وكنموذج من هذا الأمر قوله: «إن مسألة الاسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن- كما سيأتي- التي تدل على أنها صنعت متأخرة كما أن من أساليبهم وضع الأسانيد الصحيحة لمتون مكذوبة». اصول مذهب الشيعة: ص 226، وهذا الادعاء الذي يحيل إليه الدكتور القفاري بقوله كما سيأتي لم يتعرض له في أي مكان من كتابه حتى نبحث عنه ونحلله.

ص: 591

العصور المختلفة؟! الدليل المادي الملموس أمامنا يؤكد ذلك.

وأيضاً تراهم اختلفوا هل كتاب الروضة- وهو أحد كتب الكافي التي تضم مجموعة من الأبواب وكل باب يتضمن عدداً كبيراً من الأحاديث- هل هو تأليف الكليني أم مزيد فيما بعد على كتابه الكافي، فكأنّ أمر الزيادة شيئاً طبيعياً ووارد في كل حال.

بل الأمر أخطر من ذلك، فإن شيخهم الثقة عندهم حسين بن حيدر الكركي العاملي (م 1076 ه.) قال: إن كتاب الكافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة بينما نرى شيخهم الطوسي (م 360 ه. هكذا في كتاب الدكتور القفاري، والصحيح 460 ه.) يقول: «كتاب الكافي مشتمل على ثلاثين كتاباً أخبرنا بجميع رواياته الشيخ ....».

فهل زيد على الكافي للكليني فيما بين القرن الخامس والحادي عشر عشرون كتاباً، مع أن كل كتاب يضم عشرات الأبواب، وكل باب يشمل مجموعة من الأحاديث؟! لعل هذا أمراً طبيعياً فمن كذب على رسول اللَّه والصحابة والقرابة فمن باب أولى أن يكذب على شيوخه ... وشواهد هذا الباب كثيرة» (1).

النقد: أولًا: لنفرض المحال، أن الدكتور القفاري كان مصيباً في دعواه التحريف هذه، فهي مرتبطة بكتابين من الكتب الأربعة، وهما التهذيب والكافي، إذن فلماذا يعمم القفاري حكمه مدعياً شمول التغيير للكتب الأربعة قائلًا: «إن كتبهم الأربعة الأولى لم تخل من دسّ وزيادة»؟!


1- اصول مذهب الشيعة: ص 260- 261.

ص: 592

ثانياً: إن قول الدكتور القفاري: «إن الشيخ الطوسي نفسه صرح في كتابه عدّة الأصول بأن أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على (5000)» مستنتجاً عقب ذلك أنه «زيد على كتاب التهذيب أكثر من الضعف في العصور المختلفة»، هذا القول هو من أساسه نتيجة عملية خيانة علمية تورط فيها الدكتور القفاري، فنص عبارة الشيخ الطوسي في عدة الأصول ليس كذلك، بل هو على الشكل التالي:

«وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص الفقه في كتابي المعروف ب «الاستبصار» وفي كتاب «تهذيب الأحكام» ما يزيد على خمسة آلاف حديث» (1).

وبناء عليه فإن كلام الشيخ الطوسي إنما يتعرض لبيان كمية الأخبار المختلفة (أي الأحاديث المتعارضة) في كتابي تهذيب الأحكام والاستبصار، ولا علاقة لكلامه بحجم الأحاديث الواردة في هذين الكتابين بأجمعهما (2)، وهنا نجدد مرة


1- عدة الأصول: ج 1، ص 137، قال الشيخ الطوسي لدى بيانه أدلة جواز العمل بخبر الواحد: «ومنها ... ما ظهر بين الفرقة المحقة من الاختلاف الصادر عن العمل بتلك الأخبار المختلفة ... يفتي أحدهم بما لا يفتي به صاحبه ووجدتهم مع هذا الاختلاف العظيم لم يقطع أحد منهم موالاة صاحبه ولم ينته إلى تضليله ... وفي ذلك دليل على جواز العمل بما عملوا به الأخبار» ثم تعرض الشيخ لكمية الأخبار المختلفة أي المتعارضة ليقول: «وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام من الأحاديث المختلفة ... ما يزيد على خمسة آلاف حديث».
2- إن عدد روايات كتاب «تهذيب الأحكام» هو ما ذكره آغا بزرك الطهراني والسيد محسن الأمين العاملي، وهو ما يقارب 13950 من بينها حوالي 5000 حديث من الأخبار المتعارضة، وقد أفرد الشيخ الطوسي لهذه الأخبار كتاباً مستقلًا أسماه «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» محاولًا في هذا الكتاب إزاحة شبح التعارض عنها وتقديم توفيقات فيما بينها وفقاً للقواعد المقررة في علم أصول الفقه، ويصرح الشيخ الطوسي في مقدمة الاستبصار 1: 2- 3 وفي آخره بعدد تلك الروايات المختلفة ويقول: «أبواب الكتاب تسعمائة وخمسة وعشرون باباً تشتمل على خمسة آلاف وخمسمائة وأحد عشر حديثاً حصرتها لئلّا يقع فيها زيادة أو نقصان». انظر الاستبصار: ج 4، ص 343. والأمر المثير للدهشة والتعجب هو إقرار الدكتور نفسه- في موضع آخر من كتابه ص 359- بأنه رأى كتاب الاستبصار ومقدمته وعلى أساس من ذلك يكتب: «وهو أي كتاب الاستبصار لا يعدو أن يكون اختصاراً لكتاب تهذيب الأحكام للطوسي كما صرح بذلك الطوسي في مقدمة الاستبصار»، ومع أن الدكتور القفاري قد رأى نفس عبارة الشيخ الطوسي وفهمها واعياً أن كتاب الاستبصار كما يفيده اسمه مخصص للبحث حول الأخبار المتعارضة، لكنه هنا يرتكب خيانة جديدة بحذفه عبارة «الأحاديث المختلفة» من كلام الشيخ الطوسي.

ص: 593

أخرى سؤالنا للدكتور القفاري، لماذا لا تراع أيها الدكتور الأمانة العلمية؟ ولماذا حذفت عبارة الأحاديث المختلفة ووضعت مكانها عبارة «أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على (5000) ...» هل هذه طريقة علمية ودفاع عن الدين؟!

ثالثاً: إن كتاب «الروضة من الكافي» من وجهة نظر علماء الإمامية من تأليفات ثقة الإسلام أبي جعفر الكليني رحمه اللَّه (1)، والشخص الوحيد الذي أثار الشكّ ووقف موقف المتردد من هذا الأمر هو «خليل بن الغازي القزويني» (م 1089 ه.)، وإنّه أيضاً بل إنه لم يشكك في أصل كون كتاب الروضة من تأليفات الكليني وإنما تردد في كونه جزءاً من كتاب الكافي أم لا، أي أنه تردد في كونه كتاباً مستقلًا أو جزءاً من الكافي، يقول القزويني في هذا الصدد في شرحه على الكافي ما معربه:

«اشتمل كتاب الكافي ثلاثة وثلاثين كتاباً، فإن كان كتاب الروضة من الكافي فحينئذ يكون كتاب الكافي أربعة وثلاثين كتاباً» (2).

وهنا نسأل الدكتور القفاري على سبيل فرض المحال، لو فرضنا أن شخصاً واحداً أثار تشكيكاً في صحة نسبة كتاب الروضة إلى الكليني فهل يحق لنا سوق الكلام مساقاً عاماً والقول بأنهم «تراهم اختلفوا هل كتاب الروضة من تأليف


1- منهم أبو العباس أحمد بن عليّ النجاشي م 450 ه. في رجال النجاشي: ج 2، ص 291، وشيخ الطائفةالطوسي م 460 ه. في الفهرست: ص 165 وغيرهما.
2- الصافي، شرح الكافي، الملا خليل القزويني: ص 31.

ص: 594

الكليني ... فكان أمر الزيادة شي ء طبيعي ووارد في كل حال» فهل هذا الحكم حكم عادل؟!

هذا ويسرني أن أستحضر هنا ما ذكره الدكتور حسين علي محفوظ (1) حول الموضوع فيما كتبه استجابة للفاضل علي أكبر الغفاري محقق كتاب الكافي:

«وقد سألتني عن الروضة ... أقول: صنف الكليني رحمه اللَّه كتاب (الكافي) في الأصول والفقه ... ولما أكمل الكليني كتابه هذا، وأتم ردّ موارده إلى فصولها، بقيت عنده زيادات كثيرة من خطب أهل البيت ورسائل الأئمة وآداب الصالحين وطرائف الحكم وأبواب العلم، ممّا لا ينبغي تركه، فألّف هذا المجموع الانف وسماه «الروضة» لأن الروضة منبت أنواع الثمار ومعدن ألوان الزهر ...» (2).

رابعاً: إن كتاب الكافي كتاب معروف من زمن الكليني إلى عصرنا الراهن، وهو كتاب متصل الاسناد والرواية مع تغير الأزمان وتبدل الدهور والأيام، وقد كان شيوخ أهل عصره يقرؤونه عليه ويروونه عنه سماعاً وإجازة، قال النجاشي:

«... جماعة من أصحابنا يقرؤون كتاب الكافي على (تلميذه) أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب» (3).

وروى هذا الكتاب جماعة من أفاضل علماء الشيعة عن طائفة من كملة حملة.

ومن رواته من الأقدمين أبو جعفر الصدوق (4) (م 381 ه.) والشيخ


1- كتب مقدمة قيمة علمية حول الكافي ومؤلفه ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني الرازي، انظرمقدمة كتاب الكافي، بقلم الدكتور حسين عليّ محفوظ.
2- مقدمة الروضة من الكافي، تصحيح علي أكبر الغفاري: ص 9- 10.
3- رجال النجاشي: ج 2، ص 291.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4، الباب 99، ص 151، والباب 115، ص 165.

ص: 595

المفيد (1) (م 413 ه.)، والسيد المرتضى (2) (م 436 ه.)، وأبي العباس أحمد بن عليّ النجاشي (3) (م 450 ه.)، وشيخ الطائفة الطوسي (4) (م 460 ه.) وغيرهم.

وممن روى عن الكافي من أهل السنة عبد الكريم الشهرستاني (5) (م 548 ه.) في تفسيره، وغيره من العلماء ... (6) أما ما نسبه إلى السيد حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي (م 1076 ه.) من قوله: «إن كتاب الكافي خمسون كتاباً ...» فهو- بالتأكيد- إما من سهو القلم أو اشتباه من النساخ أو على أبعد التقادير حساب من جانب السيد الكركي يجعل فيه بعض الأبواب أبواباً مستقلة، ودليلنا على هذا الأمر هو:

أ- لم يقل أحد من علماء الإمامية بأن كتاب الكافي مشتمل على خمسين كتاباً، فها هم علماء الإمامية وكبارهم من القدماء والمتأخرين حتى من كان منهم معاصراً للسيد الكركي وحتى أولئك الذين أتوا على سرد فهرس كتاب الكافي بشكل مفصل (7)، لم يذكر أحد منهم على الإطلاق أمراً من هذا القبيل، وهو أن كتاب


1- تفصيل وسائل الشيعة: ج 3، ص 519. من الطبعة المكونة من عشرين مجلداً.
2- رسائل الشريف المرتضى: ج 1، ص 291.
3- رجال النجاشي: ج 2، ص 291.
4- تهذيب الأحكام: ج 2، ص 480، والاستبصار: ج 2، ص 353، وخلاصة الأقوال: ص 136.
5- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار، مخطوط، الورقة 2 ب و 29 ب، والمطبوع: ج 1، ص 70 و 89.
6- انظر مقدمة الكافي للدكتور حسين محفوظ.
7- انظر: رجال النجاشي لأبي العباس النجاشي م 450 ه.: ج 2، ص 291، والفهرست للشيخ الطوسي م 460 ه.: ص 165، ومعالم العلماء لابن شهرآشوب م 588 ه.: ص 99، وذكرى الشيعة في أحكام الشريعة لأبي عبد اللَّه محمد بن مكي الشهيد الأول م 784 ه.: ص 6، ووصول الأخبار إلى أصول الأخبار للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي م 984 ه. ومشرق الشمسين واكسير السعادتين لشيح الإسلام بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي م 1030 ه.: ص 102- 104، وهكذا عدد كتب الكافي الموجودة في شروحه كشرح الجامع لمحمد صالح المازندراني م 1080 ه. والصافي في شرح أصول الكافي للملا خليل بن الغازي القزويني م 1089 ه.: ص 31، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول لمحمد باقر المجلسي م 1110 ه. ...

ص: 596

الكافي مكوّن من خمسين كتاباً.

ب- إن كتاب الكافي موجود بأيدينا اليوم، وقد تم تحقيقه وطباعته لمرات كثيرة وعليه فبإمكاننا نحن والدكتور القفاري حساب عدد كتبه، هل هي فعلًا خمسون كتاباً أو لا؟ وعليه، إنه لأمر مثير للعجب والاستغراب أن يكون كتاب الكافي أحد المصادر التي اعتمدها الدكتور القفاري في دراساته والتي رجع إليها في تحقيقاته مرات ومرات ناقلًا عنها العديد من الروايات، أفهل كان هذا الكتاب- والسؤال موجه إلى الدكتور القفاري- مؤلفاً من خمسين كتاباً؟ هلا حسبها بنفسه ليتأكد من هذا الأمر.

إن الدكتور القفاري كأنه ملتفت إلى هذا الحكم غير العادل الذي يصدره في هذا الموضوع وهو لكي يقنع قارئه، يكتب في خاتمة ادعائه هذا: «وشواهد هذا الباب كثيرة» (1) فأية شواهد هذه؟ ولماذا لم يأت على ذكرها في كتابه؟

إننا نطالبه بالإتيان بشاهد على هذا الادعاء الذي تقدم به، وأن يذكر لنا أسماء تلك الكتب العشرين التي تمت إضافتها إلى الكافي نفسه وتحديد مواضعها من الكتاب مهما كانت، بل إذا أمكنه أن يأتينا برواية واحدة في المصادر الشيعية أو السنية منقولة عن كتاب الكافي دون أن تكون هذه الرواية موجودة في كتاب الكافي الذي بأيدينا فهذا أمر جيد يمكنه من القول: إن هذه الرواية جزء من تلك الكتب العشرين التي أسقطت من كتاب الكافي!!

إن الغرض الذي ابتغاه الدكتور القفاري وسعى إليه عبر إثباته وجود دس


1- اصول مذهب الشيعة: ص 361.

ص: 597

وزيادة في الكتب الشيعية الأربعة الأولى- وهو أمر لم يوفق فيه- وكان الأجدر به أن يتطرّق لما ذكره الكثير من أعلام السنة حول كتبهم ومناقشتها ففيها المجال الكثير من أمثال هذه الحكايات. وهنا نكتفي بذكر بعض الأمثلة على هذا الأمر:

أ- اختلاف روايات الموطأ لمالك بن أنس (1).

قالوا:

«روي عن مالك روايات مختلفة تختلف في ترتيب الأبواب وتختلف في عدد الأحاديث حتى بلغت هذه الروايات عشرين نسخة، وبعضهم قال: إنها ثلاثون» (2).

وقالوا أيضاً:

«وبين الروايات اختلاف كبير من تقديم وتأخير وزيادة ونقصان، ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب، قال ابن حزم: في رواية أبي مصعب زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث، وقال السيوطي: في رواية محمد بن الحسن الشيباني أحاديث كثيرة يسيرة زيادة على الموطآت» (3).


1- وهو عند الشافعي أصح الكتب بعد كتاب اللَّه، وأطلق جماعة على الموطأ اسم الصحيح، راجع شرح الزرقاني على الموطأ: ج 1، ص 9، وتنوير الحوالك: ص 8.
2- شرح الزرقاني على الموطأ: ج 1، ص 7، وفيه: «عن ابن الهياب أنه خمسمائة حديث ... وعن الكيالهراسي أنه سبعمائة، وعن سليمان بن بلال أنه ألف ونيف وعن أبي بكر الأبهري المسند منها ستمائة حديث، وعن الغافقي مسند الموطأ ستمائة حديث وستة وستون».
3- أضواء على السنة المحمدية: ص 312، هذا، وقال أحمد أمين في سبب هذا الاختلاف: «إن مالكاً لم ينته من نسخة يؤلفها ويقف عندها، بل قد كان دائم التغيير فيها ... وحذف ما لم يثبت صحته منها، فالذين سمعوا الموطأ سمعوه من مالك في أزمان مختلفة ...» انظر ضحى الإسلام: ج 2، ص 215. وهذا التعليل عليل لا محالة؛ ذلك أنه لو كان صحيحاً لكان لا بدّ أن يكون عدد روايات الموطأ برواية أبي مصعب أقل من الآخرين، لأن أبا مصعب كان آخر من روى الموطأ عن مالك لصغر سنه، وعاش بعد مالك 63 سنة، والحال أن الأمر على العكس من ذلك تماماً، وكما قال ابن حزم: في رواية أبي مصعب زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث.

ص: 598

ب- اختلاف روايات صحيح البخاري.

قال ابن الصلاح في عدد أحاديث صحيح البخاري:

«سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المكررة، وقد قيل إنها بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث» (1).

وقال ابن خلدون في المقدمة:

«إنها 9200 تسعة آلاف ومائتان» (2).

وتبعه ابن حجر، قال في كشف الظنون عن ابن حجر:

«وجملة ما فيه المكرر تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثاً خارجاً عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات على التابعين» (3).

وقد حرره في مقدمة كتاب فتح الباري:

«إن عدة ما في البخاري من المتون الموصولة بلا تكرار 2602، ومن المتون المعلقة المرفوعة 159، فمجموع ذلك 2761» (4).

وقال في شرح البخاري إن عدته على التحرير 2513 حديثاً!! (5) وفي كتاب شروط الأئمة الخمسة قال:

«عدد أحاديث البخاري يزيد في رواية الفربري على عدده في رواية


1- مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: ص 23.
2- مقدمة ابن خلدون: ج 3، ص 1039.
3- كشف الظنون: ج 1، ص 544.
4- مقدمة فتح الباري: ص 477.
5- نفس المصدر: ج 1، ص 70، آخر كتاب التوحيد.

ص: 599

إبراهيم بن معقل النسفي بمائين ويزيد عدد النسفي على عدد حماد بن شاكر النسفي بمائة كما ذكره العراقي» (1).

وقالوا:

«مات البخاري قبل أن يتم تبييض كتابه، قال أبو الوليد الباجي:

ويدل عليه اختلاف رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشميهني ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم استنسخوا من أصل واحد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما، فأضافه إليه ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث» (2).

واعترف بعض أهل السنة كابن قتيبة (3) والآلوسي (4) بوجود الدس والزيادة في مسند أحمد وغيره.

v

v

v


1- ص 58، نقلًا عن أضواء على السنة المحمدية: ص 322.
2- فتح الباري: ج 1، ص 5.
3- عن أضواء على السنة المحمدية: ص 347.
4- روح المعاني: ج 12، ص 216.

ص: 600

ص: 601

دراسة ونقد آراء إحسان إلهي ظهير

نظرة لكتاب «الشيعة والقرآن» لإحسان إلهي ظهير

دعاوي إحسان إلهي ظهير في ميزان النقد

ص: 602

ص: 603

نظرة في كتاب «الشيعة والقرآن» لإحسان إلهي ظهير

كنت قد أزمعت أولًا على مناقشة ونقد كتاب «الشيعة والقرآن» لإحسان إلهي ظهير وبشكل تفصيلي خصوصاً وأنّ المؤلف قد تحدى الآخرين مراراً في الإجابة على الإشكالات التي أوردها في كتابه فقد كتب:

«وتوقعنا أن يتصدى له أحد علماء الشيعة ويفنّد ما أثبتناه ويغلط ما أوردناه» (1).

وبالرغم من وجود كتاب قيّم تحت عنوان «القرآن الكريم وروايات المدرستين» وفي ثلاثة أجزاء للسيد مرتضى العسكري والذي خصص جزءه الثالث ل «مناقشة ما زعمه الأستاذ إحسان إلهي ظهير، ألف كتاب شيعي في تحريف القرآن بيان زيف ما ادّعاه» فلمّا رأيت بأنّ الكتاب المذكور قد ناقش وفنّد الآراء المذكورة في كتاب الشيعة والقرآن لم أجد ضرورة الخوض في هذاالمعترك،


1- الشيعة والقرآن: ص 7- 8، والملفت للنظر أنّ إحسان إلهي ظهير يتحدى الآخرين ويتوقع منهم نقد آرائه مع علمه بأنّ روايات تحريف القرآن قد وردت في كتب أهل السنة كما لاحظه هو على أقل التقديرات في كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة: ص 102 و 106 ومع هذا تراه يلتزم جانب الصمت ليشعر الآخرين بأنّ هذه الروايات لا توجد عند السنة.

ص: 604

فالسيد مرتضى العسكري أبطل ادّعاءات إحسان إلهي ظهير وناقش في 850 صفحة كلّ واحدة من الألف والإحدى وستين رواية التي أوردها إحسان ظهير من كتاب فصل الخطاب وادّعى دلالتها على تحريف القرآن الكريم. وأكّد أن جميع الروايات المذكورة ضعيفة السند، كما أن دلالتها في مقام بيان وتفسير الآيات أو تحريف معانيها- المساوق للتفسير بالرأي- واختلاف القراءات لا على التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن، وعلاوة على ذلك فإنّ الكثير من هذه الروايات وخلافاً لما ذكره إحسان إلهي ظهير قد وردت في كتب الفريقين معاً، ومع كون الكتاب الذي ألّفه الأستاذ العسكري كان وافياً بالغرض إلّاأنّهُ لم يتناول المقدمة بالمناقشة لأنّه لم ير وجود حاجة لذلك، ولهذا فسأعمد هنا إلى مناقشة مختصرة لمقدمة كتاب إحسان إلهي ظهير ثم سأناقش باختصار منهج ومحتوى هذا الكتاب وذلك- من خلال ما سأحصل عليه من نتائج للبحث، ومن خلال ما توصّلت إليه من نتائج في مناقشة ونقد أفكار الدكتور القفاري.

حينما يتصفح القارئ كتاب الشيعة والقرآن سيلاحظ بادئ ذي بدء العبارة التالية وبخط جليّ وواضح: «حديث شيعي: قال رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم]:

إني تارك فيكم كتاب اللَّه وعترتي

وقال أبو جعفر [عليه السلام]:

أمّا كتاب اللَّه فحرّفوا وأمّا العترة فقتلوا» (1).

لقد أورد إحسان إلهي ظهير هذا الحديث في مطلع كتابه ليصّور للقارئ بأنّ الشيعة تقول بتحريف القرآن، في حين تغافل عن أنّ معنى «التحريف» في هذا الحديث على فرض صحّة السند هو التحريف في معاني الآيات والتفسير بخلاف ما يريده اللَّه (2)، وهذا النوع من التحريف واقع قطعاً وليس لهذا الأمر علاقة بما يدّعيه


1- الشيعة والقرآن: ص 4.
2- انظر تفصيله في مبحث: «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة» المقام الأوّل.

ص: 605

إحسان إلهي ظهير، أضف إلى ذلك وجود حديث ورد عن مصادر أهل السنة يشابه هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان وسوف تقرأونه عاجلًا، فالدكتور القفاري كان قد أورد مثل هذا الحديث نقلًا عن كتاب «الخصال» للمرحوم ابن بابويه الصدوق (ت 381 ه.) وسمّاه «الإلحاد في كتب الصدوق» في حين غاب عن ذهن الدكتور القفاري أنّ هذا الحديث قد رواه أحمد بن حنبل إمام الحنابلة وكذلك الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني والحافظ سعيد بن منصور والحافظ شيرويه الديلمي، ولذلك ينبغي له أن يُسمّي ما أوردوه بالإلحاد في كتبهم أيضاً (1).

وفي الصفحة التالية ذكر إحسان إلهي ظهير دوافع تأليف هذا الكتاب، وأشار في مقدّمته الطويلة إلى الهدف الذي دعاه لكتابة هذا الكتاب، فيقول إنّهُ أُصيب بالدهشة والإنفعال حينما عرف رد الصافي على كتاب «الخطوط العريضة» لمحب الدين الخطيب، الذي طبع تحت عنوان «مع الخطيب في خطوطه العريضة» وقال إحسان إلهي ظهير في معرض الحكم على رد آية اللَّه الصافي: إنّ الصافي في كتابه هذا اكتفى بالرمي والسب والشتم وإنكار الحقائق فقط. ثم يكمِّل قائلًا:

«ولم يجد [الصافي] في جعبته نبلًا إلّاأرشقه به، ولا في جيبه شتيمة إلّا ورماه بها، وياليته اكتفى بسبه ورميه إيّاه، ولكنه تجاوز الحدود، وطعن أصحاب رسول اللَّه وخلفائه الراشدين المهديين، وأزواجه أمّهات المؤمنين رضوان اللَّه عليهم أجمعين ... كما أنكر جلّ معتقدات الشيعة ... ومنها عقيدتهم حول القرآن بأنّه محرّف ومغيّر فيه ... وإن لم يستند في إنكاره إلى دليل ولا إلى برهان» (2).

ويبرر إحسان إلهي ظهير السبب والداعي الذي دفعه إلى كتابة هذا المؤلف بما


1- انظر بحث «إبن بابويه وإنكاره لما ينسب لطائفته» في المقام الثاني.
2- الشيعة والقرآن: ص 6.

ص: 606

يلي:

«لمّا رأيت هذا الكتيب [رد الصافي على الخطيب] اندهشت لما فيه من المخادعة الواضحة والكذب الظاهر، وإنكار الحقائق الثابتة.

فاستعنت اللَّه وكتبت ذلك الكتاب ... وأثبتنا فيه صدق ما قاله الخطيب لا بالكلام والعواطف، بل بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، والنصوص الثابتة والعبارات الصريحة والروايات الجليّة والقطعيّة حيث الثبوت والنسبة» (1).

ولم يذكر إحسان إلهي نموذجاً واحداً على إنّ آية اللَّه الصافي وفي معرض ردّه على كتاب الخطيب قد سبّ أو رمى أو شتم أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وخلفائه أو زوجات النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، بل لم يذكر رقم الصفحة التي تهجّم فيها آية اللَّه الصافي على أولئك. ولذلك نراه يتهرب عن ذكر نموذج من هذا الكتاب بل يذكر موارد أخرى في كتاب لآية اللَّه الصافي هو «صوت الحق ودعوة الصدق» ويسعى هناك إلى إقامة دليل على إنّ كتاب الصافي ليس فيه سوى السبّ والرمي وإنّ إنكاره لتحريف القرآن هو المخادعة الواضحة والكذب الظاهر وإنكار الحقائق الثابثة، ويكرّر كلامه السابق للقول بأنّ الصافي من جملة من يتطاولون على سيّد الخلق وأشرف الأنبياء ويشتمون أهله فيقول:

«ما الذي يرجى من الذين يتطاولون على سيد الخلق وأشرف الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه ويشتمون أزواجه الطاهرات وذريّته الطيبين وخلفائه المهديين» (2).


1- الشيعة والقرآن: ص 7.
2- يذكر إحسان إلهي ظهير بعض نصائح ومواعظ آية اللَّه الصافي في هذا الكتاب والذي دون في وقتنا الحاضر الملئ بالحساسيات والمخاطر الجمّة. ويدعوا فيه العالم الإسلامي إلى وحدة الصف ومن جملتها العبارة التالية: «من اعظم الواجبات الملقاة على عواتق العلماء وقادة الأمّة والكتّاب لاسيّما في هذا العصر أن يخلصوا نيّاتهم وينزّهوا أقلامهم عن كل ما يورث الوهن والفشل ويؤدي إلى الضعف في صفوف المسلمين ويبعدوا نفوسهم عن سوء الظن وأن يتقوا اللَّه فيما يقولون ولا يكتمون الحقائق، ولا ينشرون الباطل ولا يعتمدون فيما يكتبون على الزور والبهتان والإفتراءات الظالمة جالتي ج تؤي بالناس إلى الظلال وإثارة العصبيّات البغيضة الممزقة لجسم الأمة والجماعة جالشيعة والقرآن: ص 9 ج.

ص: 607

ففي حين لا نجد أثراً أو عنواناً لما إدّعاه إحسان إلهي ظهير من أنّ الصافي قد تطاول على الصحابة، يحق لنا أن نسأل أين وقع التطاول على النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم؟ وفي المقام لا نجد سوى عبارة ظنّها إحسان إلهي ظهير شتماً لأهل الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وخلفائه المهديين واعتبرها نفاق الصافي وهي:

«نسوا أي أهل السنة اعتماد عمر بن الخطاب وعثمان ومعاوية وعلمائهم ومحدثيهم على كعب الأحبار اليهودي الذي كان من أوثق الناس عند عمر ومعاوية وكانا يرجعان إليه ويأخذان بقوله كحجة شرعية».

وعبارة:

«والثورة على عثمان لم تقم عليه إلّابأسباب كلّها ترجع إلى سيرة عثمان وما ارتكب من الأحداث والأعمال ممّا لا يرتضيه المسلمون وكان خارجاً عن روح العدل الاسلامي» (1).

ويعلّق إحسان إلهي على هذا الكلام بالعبارة التالية:

«وانظر إلى الحقد والضغينة التي تنطوي عليها الصدور وكيف يكفّرون صحابي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم الذي أسلم على


1- الشيعة والقرآن: ص 12.

ص: 608

يديه وتشرّف برؤيته ...» (1).

ولا نريد خلال هذا البحث أن نتحدث عن شخصية كعب الأحبار وكذلك الأسباب التي أدّت إلى مقتل عثمان الأمر الذي أثار نقمة واستياء إحسان إلهي ظهير وبهذا الشكل الذي أبرزه تجاه الصافي، بل نودّ أن نشير ومن باب كشف الحقيقة إلى نبذة إجمالية من حياة كعب الأحبار، فالقدر المتيقن أنّ الكثير من كبار علماء السنة أثاروا شكوكاً وترديداً في شخصية كعب الأحبار، فهو وخلافاً لما ذكره إحسان إلهي ظهير لا يعدّ من الصحابة بل كان إسلامه في عهد عمر بن الخطاب و كان الأخير يعتمد على آرائه، انظر على سبيل المثال إلى نص كلام ابن كثير حيث يقول:

«لما أسلم كعب في الدولة العمرية جعل يحدّث عمر رضى اللَّه عنه عن كتبه قديماً فربّما استمع له عمر فترخّص الناس في استماع ماعنده ونقلوا ما عنده من غثها وسمينها وليس لهذه الأمّة واللَّه أعلم حاجة إلى حرف واحد عنده» (2).

وقال الذهبي:

كعب [الأحبار] كان يهودياً فأسلم بعد وفاة النبي [صلّى اللَّه عليه وآله وسلم] وقدم المدينة من اليمن في أيّام عمر رضى اللَّه عنه فجالس أصحاب محمد [صلّى اللَّه عليه وآله وسلم] فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية ويحفظ العجائب» (3).

واستناداً إلى بحوث محمود أبو ريّة في شخصية كعب الأحبار والتي اعتمد فيها


1- الشيعة والقرآن: ص 12.
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ج 4، ص 17 في تفسير سورة الصافات، الآية 107 وانظر أيضاً ج 3، ص 366 في تفسير سورة النمل.
3- سير أعلام النبلاء: ج 3، ص 489- 490.

ص: 609

على المصادر السنيّة، ذهب إلى القول بأنّ كعب الأحبار كان قد شارك في قتل عمر الخليفة الثاني وكانت سجيّته الكيد والمكر، فكان يصطنع الإسرائيليات ويدخلها في معتقدات المسلمين. وكانت له مكانة جمّة عند معاوية فيما اعتبره بعض الصحابة والتابعين كذّاباً، وهناك شواهد كثيرة على كذبه وكذا وهب بن منبه (1).

وأمّا بالنسبة للدواعي التي أدّت إلى مقتل الخليفة الثالث فيمكن القول ليس لإحسان إلهي ظهير وغيره أن يخفي أو يظهر هذا الأمر لأنّه بات من الأمور القطعية التي لا يشوبها الشك، فسيرة الخليفة والمحيطين به هي التي أدّت إلى قيام بعض المسلمين بالثورة ضده ومقتله أخيراً (2)، وعلى كل حال فحينما تحدث الصافي عن موضوع كعب الأحبار ومكانته عند الخليفة الثاني وهكذا مقتل عثمان اعتبر إحسان إلهي ظهير ذلك طعناً وتعريضاً ونفاقاً (3)، وعلى هذا الأساس فلابد له من القول بأنّ بيان الحقائق ولو من قبل أهل السنة كابن كثير وآخرين هو أيضاً وقوع في الطعن والنفاق!!

وبعد هذا فالرجل يسعى إلى أن يظهر نموذجاً آخر من نفاق وكذب آية اللَّه الصافي ولذلك نراه يركّز البحث على «سورة مزعومة تحت عنوان سورة الولاية» ويعتقد بأنّ ردّ الصافي على كتاب «الخطوط العريضة» لمحب الدين الخطيب وكتاب «الشيعة والسنة» لإحسان إلهي ظهير نفسه ليس سوى العمل بالتقية والخداع وإنكار الحقائق ولا يستند إلى دليل وبرهان (كما زعم إلهي إحسان ظهير)، لأنّ الخطيب كان قد دوّن في كتابه:


1- أضواء على السنة المحمدية: ص 152- 176.
2- انظر: تاريخ المدينة المنورة ص 1147- 1108 وتاريخ الطبري: ص 415- 314 الفتنة الكبرى للدكتورطه حسين، وترجمة مروان بن الحكم وأبي ذر الغفاري وعمّار بن ياسر و ... من سير أعلام النبلاء وتاريخ دمشق وغيرهما.
3- الشيعة والقرآن: ص 13.

ص: 610

«إن الشيعة يعتقدون بسورة «الولاية» في القرآن وإنّها أُسقطت والنوري أوردها في ص 180 من كتابه فصل الخطاب» (1).

وقد كتب آية اللَّه الصافي في الرد على الخطيب بما يلي:

«فانظر ما في كلام هذا من الكذب الفاحش والإفتراء البيّن ليس في فصل الخطاب ولا في ص 180 ولا في غيرها من أول الكتاب إلى آخره ذكر من هذه السورة المكذوبة على اللَّه» (2).

ثم يقول إحسان إلهي في ردّه على آية اللَّه الصافي:

«فنقول في جوابه وفي أسلوبه: أيّها الصافي، ألا تستحي من اللَّه؟ ولا تفكّر بأنّ في الناس من يظهر كذبك؟ إتق اللَّه أيّها الصافي! ما مات العلم بموت الخطيب وإنّ من أهل السنة من يستطيعون أن يبيّنوا عواركم وكذبكم فهذا هو الطبرسي النوري يمثل للنقصان في القرآن بسورة الولاية» (3). ولعلّه ظنّ الشيخ الشيعي [أي آية اللَّه الصافي] بأنّ الكتاب [فصل الخطاب] لا يوجد عند أحد غيره ولذلك اجترأ على هذا القول، وها نحن نورد هذه السورة الكاملة من فصل الخطاب وننقلها حرفياً كما أوردها النوري الطبرسي نقلًا عن كتاب [دبستان المذاهب] ومن الصفحة 180 و 181» (4).

ثم يظهر إحسان إلهي ظهير صورة فتوغرافية من الصفحتين 180 و 181 من كتاب فصل الخطاب ويكتب عن ذلك:


1- الشيعة والقرآن: ص 16.
2- نفس المصدر: ص 16.
3- نفس المصدر: ص 16.
4- نفس المصدر: ص 17.

ص: 611

«فهذه كل حقيقة الرد علينا من قبل السيد لطف اللَّه الصافي «المحترم» ويكفي هذه الشهادة من أهله عليه وتكذيبه إيّاه وبيان سيرة أسلافه الروافض من الفحش وإسناد الكذب إلى أهل الصدق» (1).

وهنا يمكننا أن نتسائل، هل وردت سورة تحت عنوان «سورة الولاية» في كتاب المحدث النوري وهل أورد محب الدين الخطيب سورة الولاية في كتاب الخطوط العريضة نقلًا عن كتاب فصل الخطاب؟ وهل كذب آية اللَّه الصافي حين قال لا توجد هذه السورة في فصل الخطاب؟. وفي الجواب على هذه الاسئلة اؤكد كما قال الصافي بأنّ هذه السورة لا توجد في الصفحة 180 ولا في الصفحة 181، بل لا نجد أثراً لها في جميع ما ورد في هذا الكتاب. وما عرضه إحسان إلهي ظهير من صورة فتوغرافية للصفحتين 180 و 181 هي «سورة النورين» المكونة من 41 آية مزعومة إنّما نقلها النوري من كتاب دبستان المذاهب. في حين أن ما ذكره الخطيب في كتاب الخطوط العريضة هي سورة الولاية المكونة من سبعة آيات ويدّعي محب الدين الخطيب بأنّ مصدر هذه السورة هو قرآن ايراني فلنقرأ ما كتبه:

«إنّها سورة مصورة من مصحف ايراني! (2) مخطوط عند المستشرق مستر براين».

وبناءً على ما ذكر فهاتين السورتين متباينتين نقل كل منهما من مصدر مستقل مع وجود تفاوت في تعداد كل واحدة من حجم هاتين السورتين. والطريف إنّ إحسان إلهي ظهير اعترف- من حيث لا يشعر- بأنّ السورة التي نقلها النوري هي


1- الشيعة والقرآن: ص 22.
2- إنّ هذا الأمر يعتبر إكذوبة من أكاذيب هؤلاء الأشخاص إذ يقولون رجماً بالغيب هذا المصحف ايراني! وهو إدعاء لا يعضده الدليل بل لم يذكره حتى المستشرق المستر براين. وقد قلنا سابقاً واستناداً إلى قرائن وشواهد بأنّ هذه النسخة المخطوطة نسخة مجهولة وقد كتبت في القرن السابع عشر الميلادي في الهند واشترتها مكتبة بانكيبور في سنة 1912 م. انظر: مبحث «هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه».

ص: 612

سورة النورين لا الولاية انظر نص عبارته:

«إنّ السورة التي ذكرت في كتاب «دبستان مذاهب» ونقلها المحدّث النوري هي سورة النورين وليس سورة الولاية» (1).

بل يتجاوز ذلك فينقل السورة التي يزعم أنّها سورة الولاية بعينها ويقول:

«وهذه هي السورة بعينها التي ذكرها الخطيب في رسالته الخطوط العريضة» (2).

وبناءً على هذا كذب إحسان إلهي ظهير مرةً أخرى، ولعلّه تصوّر بأنّ ادعائه الكاذب سينطوي على الآخرين ولا يظهره غيره. ولا أريد هنا أن أستخدم أسلوبه في السباب والفحش واستخدام العبارات البذيئة ولا أود الإستهزاء به كما فعل هو عندما ناقش آية اللَّه الصافي بل أدعوا القارئ للتمعّن في ما كتب لكي يتعرف على الحقائق والأشخاص (3).


1- الشيعة والقرآن: ص 15.
2- نفس المصدر: ص 104 و 105. وأوردنا متن تلك السورة الاسطورية في ص 387.
3- إنّ الحديث بهذا المقدار يكفي لإظهار واقع أمثال إحسان إلهي ظهير، ولو أردنا التفصيل في الموضوع لرأيتم أنّ إحسان قد سرد إدعائات واهية وجملة أكاذيب منها: الف: يعتبر من دون دليل بأنّ كتاب «دبستان المذاهب» كتاباً شيعياً الشيعة والقرآن: ص 15 وكما اتضح لكم مسبقاً فإنّ مؤلف كتاب دبستان المذاهب هو شخص مجوسي من عبدة النار يطلق عليه كيخسرو اسفنديار. ب: يعتبر ومن دون بحث ومراجعة أنّ كتاب تذكرة الائمة تأليف محمد باقر المجلسي الشيعة والقرآن: ص 15 ثم يسخر من المجلسي ويتهجّم عليه، في حين إنّ الكتاب ليس من تأليف المجلسي. ج: يزعم إلهي ظهير بأنّ الصافي يقول في كتاب «الصوت الحق»: «إنّ الأخبار القطعية الصريحة تدل على أنّ القرآن مصون من التحريف ولا شك في ذلك ولا ريب» ويورد على ذلك: إنّه جأي الصافي ج لم يورد في الكتيّب كلّه ولا رواية واحدة تؤيده وتصدّقه فضلًا عن الأخبار الكثيرة المتواترة، كما لم يستطع أن يورد رواية واحدة من الروايات التي أوردناها في كتابنا جأي كتاب السنة والشيعةج في إثبات تحريف الكتاب حسب معتقداتهم أو يضعفها أو يوهنها من حيث السند أو ينكرها من حيث النسبة الشيعة والسنة: ص 13 هذا في حين حوّل آية اللَّه الصافي كتابه إلى شكوى- كما يظهر من عنوان الكتاب- إلى كافة علماء المسلمين، والصافي- في هذا الكتاب- ليس بصدد بيان الأدلة على سلامة القرآن الكريم من التحريف ونقد الروايات التي تدل بظاهرها على التحريف بل يتخذه منهجاً في إرجاع القارئ إلى كتابه «مع الخطيب في خطوطه العريضة» انظر صوت الحق ص 30 وانظر أيضاً مع الخطيب في خطوطه العريضة ذلك إنّ الصافي قد كتب كتاباً تحت عنوان «القرآن مصون عن التحريف» وفي هذا الكتاب وضمن سرده لأدلة سلامة القرآن من التحريف يستند إلى هذه الروايات المتواترة على عدم التحريف ويناقش وينتقد الروايات التي يظهر منها التحريف. انظر إلى القرآن المصون عن التحريف: ص 4. والأمر الذي يثير الإستغراب هو أنّ إحسان إلهي ظهير يزعم أنّه قد قرأ كتاب الخطيب في خطوطه العريضة وفي نفس الوقت يتقوّل بهذه المزاعم، والأطرف من ذلك أنه يطبّل ويتقوّل حول هذا الكتاب، ولكنّه لا يذكر شيئاً حول الروايات التي يظهر منها التحريف في مصادر أهل السنة والتي أوردها الصافي في كتابه «مع الخطيب» لا نفياً ولا إثباتاً كي لا يشعر الآخرين بحقيقة أمره. د: يزعم إحسان إلهي ظهير بأنّ إنكار الصافي لدعاء صنمي قريش ليس إلّاإنكار المتعنت المجادل المتجاهل وإلّا فقد ثبت هذا الدعاء في كتب القوم. والحقيقة هي إنّ الخطيب نقل الدعاء المذكور عن كتاب مفتاح الجنان ثم فسرّه بما يعني بعض الصحابة وقال هو جيعني كتاب مفتاح الجنان ج بمنزلة دلائل الخيرات في بلاد العالم الاسلامي، فقال آية اللَّه الصافي في جوابه على الخطيب: «لم أجد هذا الدعاء في أصل من أصول الشيعة ... والكتاب الذي ذكره الخطيب ليس من الكتب المعتمدة جعندناج وليس له هذا الشأن والإعتبار والإشتهار فقد تفحصّت عنه في عدّة من المكتبات فلم أجد فيها وفي فهارسها منه عيناً ولا أثر نعم يوجد عند الشيعة كتاب دعاء أسماه مؤلفه المحدّث عباس القمي «مفاتيح الجنان» وليس فيه هذا الدعاء بل هناك طعن شديد على الكتاب الموسوم بمفتاح الجنان ولعلّه هو الكتاب الذي ذكره ... مع الخطيب في خطوطه العريضة: ص 119- 121. ه: يقول إحسان ظهير: «إنّ هذه العقيدة- أي عقيدة التحريف- مثبّتة في أمهات كتب الشيعة ولا يخلو كتاب من كتبهم من التفسير والحديث والفقه والعقائد خاصّة إلّاوفيها ذكر هذه العقيدة المذكورة بالدلائل والبراهين ... ولا يطبع كتاب تفسير للقوم إلّاوفي مقدّمته بحث عن تحريف القرآن ...» الشيعة والقرآن: ص 24 و 25. وعلى هذا فإنّ إحسان ظهير لا يخلو أن يكون ضمن أحد هاتين الحالتين إمّا أن يكون جاهلًا بحيث لا يفقه كتب التفسير والحديث والفقه والعقائد أو أنّه يتغافل متعمّداً ليتّهم الآخرين من دون رادع. ويحق لي أن أسأل إحسان إلهي ظهير السؤال التالي: هل قرأت مصادر كتاب بحار الأنوار والذي يجمع في طيّاته 456 كتاباً شيعياً في التفسير والحديث والفقه والعقائد و ... كي تطرح مثل هذه المزاعم؟ وهل قرأت مقدمة جميع الكتب الشيعية في التفسير لتكتب: «ولا يطبع كتاب تفسير للقوم إلّاوفي مقدمته بحث عن تحريف القرآن»؟ إنّ من الحق أن يقال بأنّ مزاعم الرجل والتي سردها بلا دليل لا تؤدّي إلّاإلى فضيحة أمثال إحسان إلهي ظهير وإلهاء المسلمين في مثل هذه الأمور. وقد أوردنا في بحثنا «شهادات علماء الإمامية على نزاهة القرآن عن التحريف» آراء جمع غفير من المحدثين والمفسرين والمتكلمين وفقهاء الشيعة في القول بسلامة القرآن عن التحريف ليتضح لكم حقيقة مزاعم أمثال إحسان إلهي ظهير.

ص: 613

ص: 614

ص: 615

دعاوي إحسان إلهي ظهير في ميزان النقد

اشارة

وقال إحسان إلهي ظهير بعد تلك المقدمة ما يلي:

«ولكننا مع ذلك نريد أن نبيّن الحق والحقيقة أكثر من ذلك وأصرح حتى لا يتصدّى بعد ذلك أحد لخداع المسلمين السنة حول هذه المسألة [أي مسألة تحريف القرآن] ولأجل ذلك أفردنا لها هذا الكتاب، وإنّ القارئ ليندهش حينما يرى أنّ الروايات التي تنبئ وتصرّح ببيان عقيدة القوم في القرآن وتغييره وتحريفه تزيد على ألفي حديث عند القوم، ونحن نورد في هذه العجالة أكثر من ألف حديث شيعي في هذا الخصوص» (1).

ثم يبدأ إحسان إلهي ظهير بتصنيف كتابه إلى أربعة أبواب:

الباب الأوّل: عقيدة الشيعة في الدور الأوّل من القرآن.

الباب الثاني: عقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن.

الباب الثالث: بيان الرد على من أنكر التحريف من الشيعة في الدور الثالث.

الباب الرابع: نقل روايات وأحاديث القوم التي يتجاوز عددها ألف حديث نقلًا


1- الشيعة والقرآن: ص 22- 23.

ص: 616

عن كتاب فصل الخطاب.

وقبل أن يبدأ إحسان إلهي ظهير بحثه في هذه الأبواب الأربعة يقول:

«وقبل أن آتي على آخر القول أريد أن أذكر إنني لست أنا ولا السيّد الخطيب رحمه اللَّه أول من أنسب هذه العقيدة إلى القوم بل قبل ذلك اعترف وأقرّ بهذه العقيدة علماء الشيعة وكبراؤها في كل عصر وأثبتوها لأنفسهم كما سيأتي ... وعلى ذلك صرح الحافظ ابن حزم الظاهري [المتوفى سنة 456 هجري] بقوله:

ومن قول الإمامية كلّها قديماً وحديثاً إنّ القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه، ونقص منه كثير وبدل منه كثير» (1).

وسنكشف عاجلًا كذب مزاعم إحسان إلهي ظهير الذي يقول فيها: «وأقرّ بهذه العقيدة علماء الشيعة وكبراؤها في كل عصر» خصوصاً وقد ناقشنا من قبل واستناداً للأدلّة مزاعم جميع من نسبوا هذه التهمة للشيعة كابن حزم، وقد لاحظتم فيما سبق بأنّ ابن حزم لا يمتلك دليلًا سوى حفنة من الإتهامات الفارغة لا بل تعدّى ذلك حين وقع هو ومن حيث لا يشعر في القول بالتحريف، وللإطلاع على ذلك يمكن مراجعة بحث «شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة» في المقام الثاني.


1- الشيعة والقرآن: ص 23- 24.

ص: 617

الباب الأوّل: عقيدة الشيعة في الدور الأوّل من القرآن

يكتب إحسان إلهي ظهير في البداية مايلي:

«كل من يريد أن يعرف عقيدة الشيعة في القرآن ويتحقق فيه ويبحث لابدّ له من أن يرجع إلى أمهات كتب القوم ومراجعهم الأصليّة في الحديث والتفسير حتى يكون منصفاً في الحكم وعادلًا في الإستنتاج.

ونحن نُلزم أنفسنا في هذا الباب أن لا نورد شيئاً إلّاومن كتب الشيعة أنفسهم المعتمدة لديهم والموثوقة عندهم» (1).

ثم يؤكد من جديد على هذا الأمر فيكتب:

«فيلزم الباحث المنصف أن لا ينسب شيئاً إلى القوم إلّاأن يكون ثابتاً من أئمتهم والظاهر إنّه لا يثبت إلّاحينما يكون وارداً في الكتب التي خصصت لإيراد مروياتهم وأحاديثهم وهذه الكتب أمّا أن تكون من كتب الحديث أو التفسير وخاصة الكتب القديمة التي روت هذه الروايات بالسند ...» (2).

أ: الكافي للكليني: في هذا المقام يستعرض إحسان إلهي ظهير كتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني بعد أن تطرق إلى خلاصة لترجمته ذكر بعض الأحاديث التي يزعم أنّها تدل على التحريف. وقبل الخوض في دلالة وسند الأحاديث التي أوردها أود أن أخاطب إحسان إلهي ظهير بما يلي: إن كنت ترى بأنّ مراجعة كتب القوم (أي الشيعة) ومراجعهم الأصلية في الحديث والتفسير والكتب التي خصصت لإيراد مروياتهم وأحاديثهم يكفي في أن تكون منصفاً في الحكم وعادلًا في الاستنتاج، فعلى هذا يلزم أن تعطي النصف من نفسك في الحكم وتعدل في الاستنتاج عند


1- الشيعة والقرآن: ص 27- 28.
2- نفس المصدر: ص 28.

ص: 618

مطالعة كتب أهل السنة والتعرف على الأحاديث التي تحدثت عن تحريف القرآن، والتي لا يمكن احصائها على ما اعترف به أهل السنة بالذات، واتهام مؤلفي هذه الكتب كما اتهمت إخوانهم من الشيعة، لكن الإنصاف والعدل يقتضي أن لا تحكم بمجرد أن ترى رواية في كتب الحديث والتفسير، بل ينبغي أن تلاحظ الآراء في سند ومضمون هذه الأحاديث، وحينما تراعي مثل هذه الحالة سوف تجد بأن محققي الفريقين- السنة والشيعة- قد بحثوا من خلال القرائن والشواهد الداخلية والخارجية هذا الأمر، وتبنّوا الرأي القائل بأنّ أغلب مضامين هذه الأحاديث خارج عن موضع النزاع (أي تحريف وتغيير ألفاظ القرآن). هذا مع الاعتراف بأنّ بعض قليل من علماء الشيعة والسنة سواء قد قالوا بالتحريف استناداً لمثل هذه الروايات دون تمحيص، وهذا الأمر لا يختص بالشيعة فقط، ولا يركن إلى مزاعمهم أحدٌ، كما لاحظتم قبل ذلك وأثناء مناقشة أحاديث التحريف في كتب الشيعة والسنة. وعلى كلّ حال فإنّ إحسان ظهير يستند هنا إلى جملة من كتب الكافي للكليني حيث ذكر الحديث التالي:

«إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل [عليه السلام] إلى محمد [صلّى اللَّه عليه وآله وسلم] سبعة عشر ألف آية»

ويعلّق على الحديث قائلًا:

«ومعناه إنّ ثلثي القرآن راح على أدراج الرياح ...»

ثم ينقل بعد ذلك روايات من نفس المصدر أي الكافي باب الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام وذلك للحصول على دليل يقول بأنّ ثلثي القرآن قد نقل إلى الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة!؟؟ ويستمر في سرد كلامه قائلًا:

«فأي قسم الذي حذف، يبينه الكليني أيضاً من إمامه المعصوم محمد

ص: 619

الباقر [عليه السلام] ... حيث يروي ...: نزل القرآن أربعة أرباع ربع فينا وربع في عدوّنا وربع سنن وأمثال وربع فرائض وأحكام» (1).

وأخيراً ينقل الرجل بزعمه أمثلة لتحريف ثلثي القرآن المحذوفة ويتطرق في أثناء ذلك إلى مصحف الإمام علي [عليه السلام] ليكتب في النهاية مايلي:

«وهذه ومثل هذه الروايات كثيرة كثيرة في أوثق كتاب من كتب القوم» (2).

وللجواب على ذلك نقول:

«إنّ ما يستند عليه إحسان إلهي ظهير هو تكرار لما ذكره غيره من أمثال الدكتور القفاري وقد مرّ الجواب عليها ولا حاجة لذكر الجواب تفصيلياً هنا بل نذكر إجمالًا الأمور التالية:

أولًا: إنّ الحديث الذي ذكره إحسان إلهي موجود في كتب أهل السنة فقد ورد في الإتقان وكنز العمال عن الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن نصر السجزي في الإبانة عن الخليفة عمر بن الخطاب أنّه قال:

«القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف» (3).

وهذا يعني ذهب أكثر من ثلثي القرآن لأنّ عدد حروف القرآن هي: ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألفاً وسبعمائة وأربعون حرفاً (4).

ونقل عن عبد اللَّه بن عمر مثل هذا الحديث الذي رواه الخليفة الثاني حيث قال:

«لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ما يدريه ما كلّه قد ذهب منه


1- الشيعة والقرآن: ص 31- 34.
2- نفس المصدر: ص 34.
3- الاتقان: ج 1، ص 72 في آخر النوع التاسع عشر والدر المنثور: ج 6، ص 422 وكنز العمال: ج 1، ص 460، الحديث 2309 وص 481، الحديث 2427.
4- البرهان في علوم القرآن للزركشي: ج 1، ص 249.

ص: 620

قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه» (1).

فهل كتب إحسان ظهير في هذه الأحاديث بقوله: «ومعناه إنّ ثلثي القرآن راح على أدراج الرياح ...» أو سيقول إنّها نسخ للتلاوة والّتي ظهر في أهل السنة بعد قرون وأنّها مرفوضة من قبل جملة من علماء أهل السنة! هذا في حين يحكم الرجل علينا بمجرّد وجود حديث في أحد الكتب الروائية ويلقي باتهاماته على مؤلف الكتاب وينعته بأنّه ممّن يؤمنون بتحريف القرآن، كلّ ذلك من دون ملاحظة طرق العلاج والحلول، ولذلك ينبغي على إحسان ظهير أن ينصف في الحكم هنا أيضاً ويتّهم الطبراني وأبو نصر السجزي والسيوطي والمتقي الهندي وقبلهم الخليفة عمر بن الخطاب وولده عبد اللَّه بتحريف القرآن أو أن يرفع يده عن هذه العصبيات الباطلة.

ثانياً: ما الدليل الذي استند عليه إلهي ظهير حين زعم بأن الثلثين المفقودين من القرآن موجودين في كتاب الجفر والجامعة والصحيفة ومصحف فاطمة؟ وهل تدلّ رواية الكليني على ذلك؟ ماهو الدليل الذي يستند عليه لإثبات ما يزعمه؟ ولعلّه يستنتج ذلك من كلمة المصحف في مصحف فاطمة؟ وعليه فلا يدل هذا إلّاعلى جهله أو تجاهله، لأنّ المصحف المقصود هو المصحف بمعناه اللغوي ولا علاقة له بالقرآن الذي يطلق عليه أحياناً مصحف وقد تناولنا موضوع مصحف فاطمة بشكل تفصيلي فيما يأتي فراجع ذلك إن شئت (2).

ثالثاً: إنّ حديث

«نزل القرآن أربعة أرباع ربع فينا ...»

والذي استند إحسان إلهي ظهير به على ما يزعمه من نتائج و القول بأنّ الثلثين المحذوفين من القرآن هما في


1- فضائل القرآن لابن سلّام: ص 190 وانظر أيضاً الإتقان: ج 3، ص 72 والدر المنثور: ج 1، ص 106 فقد أورد الرواية عن ابن الضريس وابن الانباري.
2- انظر: «دراسة ونقد آراء محمد مال اللَّه» بحث عدم معرفة المؤلف باصطلاحات الأحاديث.

ص: 621

خصوص آل البيت وأعدائهم، قد ورد في مصادر أهل السنة أيضاً وقد أوردناها عن كتاب «مناقب الامام علي [عليه السلام]» لابن المغازلي الشافعي (1)، و «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني الحنفي (2)، و «ينابيع المودة» للقندوزي الحنفي (3)، و «حبيب السير» لغياث الدين بن همام عن الحافظ أبي بكر بن احمد مردوية ... (4)، وقد بحثنا عن معناها ومفادها وأثبتنا أنّها غير معنيّة بتحريف القرآن، كما إنّ حديث مصحف الإمام علي عليه السلام وقبل أن ينقل من مصادر الشيعة كان قد ورد في مصادر أهل السنة ومن جملة من ذكره عبد الكريم الشهرستاني صاحب كتاب «الملل والنحل» وتحدّث عنه وعن كيفية تدوينه بإسهاب وذكر أنّ الإمام كان قد قدمه للصحابة ولكنهم رفضوا أن يقبوله (5).

ب: تفسير القمي: بعد بيان ترجمة علي بن إبراهيم القمي يستند إحسان إلهي ظهير إلى حديث ذكره في مقدمة تفسيره، وقد ناقشنا في المقام الثاني في بحث «تفسير القمي وأسطورة تفسير القرآن» مقدمة هذا التفسير ومواضيعه بإسهاب، وثبت هناك وبالأدلّة التامة والشواهد الواضحة إنّ مفسّر هذا التفسير هو شخص مجهول روى عن أبي الفضل العباس بن محمد بن القاسم العلوي الذي لا تجد له أثراً في كتب الأصول الرجالية، وأمّا التفسير ففي الواقع لأبي الفضل العلوي وإنّما نسبه إلى الشيخ القمي لأنّه الأصل من روايات هذا التفسير (6)، وناقشنا الروايات التي


1- مناقب الإمام علي بن أبي طالب: ص 3- 8، ح 375.
2- شواهد التنزيل: ج 1، ص 44 و 45 و 47.
3- ينابيع المودة: ص 126.
4- حبيب السير: ج 2، ص 13.
5- انظر مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 121 وقد أوردنا تفصيل خبر مصحف الإمام علي في المقام الثاني تحت عنوان «مصحف الإمام علي» فراجع.
6- ومن الشواهد عليه تصريح مؤلف هذا التفسير في بعض الموارد بأنّ ما أورده في تفسيره ليس في روايةعلي ابن إبراهيم القمي: انظر على سبيل المثال: التفسير المنسوب إلى القمي: ج 2، ص 360.

ص: 622

ذكرت في مقدمة هذا التفسير أو في مادته والتي ذكر بأنّها تدل على تحريف القرآن في بحث «تفسير القمي وأسطورة تحريف القرآن».

ج: تفسير العياشي: بعد الإشارة إلى ترجمة مؤلفه يعني محمد بن مسعود العياشي يثبت إحسان إلهي ظهير واستناداً إلى ثلاثة أحاديث وردت في مقدمته أنّه يؤمن بتحريف القرآن، وقد مرّت مناقشة هذه الأحاديث في المقام الأوّل في بحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة» سنداً ودلالة وبشكل تفصيلي، واتضح أنّ هذه الروايات لا علاقة لها بمورد النزاع أي تحريف القرآن.

د: بصائر الدرجات: يروي إحسان إلهي ظهير ثلاثة أحاديث عن كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار والذي يعد من الكتب الروائية، والرواية الأولى مشابهة للرواية التي أوردها في أول كتابه أي حديث:

«يا أيّها النّاس إنّي تارك فيكم حرمات اللَّه وعترتي والكعبة بيت اللَّه وأمّا الكتاب فحرفوا ...»

وقد بحثنا قبل هذا وفي بداية الموضوع معنى ومفاد الحديث المذكور، وذكرنا بأنّ شخصيات كبيرة من أهل السنة نقلوا هذا الحديث وذكروا بأنّ المراد من التحريف في الكتاب هو التحريف في المعنى ومفاد الآيات، المساوق للتفسير بالرأي، لا تحريف ألفاظ القرآن التي هي مورد النزاع، والحديث الثاني الذي يورده إحسان إلهي ظهير عن كتاب بصائر الدرجات فهو: «ما من أحد من الناس ادعى أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل اللَّه إلّا كذب وما جمعه وحفظه كما أنزله اللَّه إلّاعلي بن أبي طالب والائمة من بعده» (1)، ولا توجد أي دلالة لهذا الحديث على تحريف القرآن، والمراد من الجمع والحفظ المختص بعلي بن أبي طالب والائمة عليهم السلام هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة والباطنة، وقد تحدثت عن هذا الحديث وأمثاله في مبحث «دعاوي الدكتور القفاري في ميزان النقد» اعتماداً على الشواهد والقرائن بشكل تفصيلي،


1- الشيعة والقرآن، نقلًا عن البرهان: ج 1، ص 15.

ص: 623

وأمّا الحديث الثالث فهو: «... كانت فيه- أي القرآن- أسماء رجال فألقيت ...». ومع فرض صحّته فإنّه يدلّ على أنّ الوحي غير القرآني كان ينزل على النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وهو الوحي التفسيري ليخبره عن المبهمات والمتشابهات في القرآن الكريم ولا يعني أنّ تلك الأسماء كانت جزءً من القرآن الكريم، وقد فصّلنا البحث حول هذا الموضوع في بحث «دراسة ونقد شبهات الدكتورالقفاري حول مصحف الامام علي عليه السلام».

ه: تفسير فرات الكوفي: نقل إحسان إلهي ظهير رواية: «نزل القرآن أربعة أرباع ...» عن هذا التفسير وقد مرَّ البحث عنها آنفاً. ثم انتقل إلى كتاب فصل الخطاب فنقل مقدمته الثالثة حرفياً وأثبت ما يروم إليه. وفي هذه المقدمة ذكر المحدث النوري أسماء مؤلفي كتب الحديث والتفسير بالمأثور أمثال أبي جعفر الكليني وعلي بن إبراهيم القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وفرات بن إبراهيم الكوفي ... وصنفهم ضمن القائلين بتحريف القرآن والسبب في ذلك أنّهم نقلوا تلك الأخبار في كتبهم. (وقد لاحظتم قبل هذا وفي بحث «فصل الخطاب ونقاط هامة» كيف وقع النوري في أخطاء فاحشة وذلك في جميع فصول كتابه وهذا ممّا لا يخفى على كل متمعّن منصف) وقد وجد إحسان إلهي ظهير ضالّته في كتاب فصل الخطاب للنوري بل ويمكنني الإدعاء بأنّ كلّ ما ورد في كتابه «الشيعة والقرآن» ليس سوى آراء وعبارات النوري بالذات.

وبعد هذه المقدمة التي نقلها إحسان إلهي ظهير عن كتاب النوري، يبدأ إحسان إلهي ظهير بتحدي الشيعة فيقول:

«هل يستطيع الصافي أو واحد ممّن يؤيّده ويسانده أن يثبت واحداً من السنة صرّح باسمه أنّه كان يعتقد التحريف في القرآن، ويستدل من الأحاديث أو الروايات المزعومة التي تنسبها الشيعة إلى السنة؟

ص: 624

وأعيد القول هل أحد من الشيعة يستطيع؟ ... فنحن الصرحاء لا نقول لمن يخالف نصوص القرآن عالماً وفاضلًا فضلًا عن المحدث والفقيه ... و ...» (1).

وهذا التحدّي لا يدّل إلّاعلى جهل وانتكاسة إحسان إلهي ظهير، لأنّ أمثال هذه الأحاديث التي وردت في كتب الحديث والتفسير بالمأثور الشيعية، قد ذكرت في كتب أهل السنة أيضاً كما لاحظتم آنفاً، ولذلك فلو أنّ أصحاب هذه الكتب كما زعم النوري وأيّده إحسان إلهي ظهير قد قالوا بالتحريف فينبغي أن يقال بأنّ مؤلّفي الكتب الروائية والتفسيرية بالمأثور لأهل السنة قد آمنوا بالتحريف وقالوا به، فكيف يطلب إحسان إلهي ظهير من آية اللَّه الصافي وغيره بأن يذكروا شخصاً واحداً من علماء أهل السنة قد قال بالتحريف؟ بل وسيتضح لكم عاجلًا بأنّ إحسان إلهي ظهير الذي زعم وجود (1062) حديثاً في الباب الرابع من كتاب فصل الخطاب ثم بدأ بالتطبيل والتحدي لخصومه في حين غفل عن أنّ أكثر هذه الأحاديث وردت في كتب أهل السنة أيضاً، والظاهر وكما ذكر رفيقه في المعتقد الدكتور القفاري فإنّ إلهي ظهير يجهل ما ورد في كتب أهل السنة ولذلك تراه يتحدّى الآخرين تمويهاً وستراً منه على الحقيقة، أمّا الدكتور القفاري فقد صرّح واعترف ببعض الحقيقة فقال:

«إنّ فيها أي في الروايات التي جمعها مال اللَّه من كتب الشيعة في هذا الباب ما ليس بصريح في هذا الأمر بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل كما إنّه وقع- كما وقع إحسان ظهير من قبله- بذكر بعض الروايات للشيعة والتي ذكر فيها قراءة للآية مروية عن السلف واعتبرها بجهل من قبيل التحريف والسبب في ذلك هو اعتمادهم


1- الشيعة والقرآن: ص 49 و 50.

ص: 625

بدون تدبّر على كتاب فصل الخطاب» (1).

وعلى كل حال فيكفي عند إحسان إلهي ظهير وأهل مذهبه عند الحكم على الشيعة بالتحريف وتحدّيهم ورود رواية في كتب الشيعة من دون أن يبحث وينقّب في آراء علماء الشيعة حولها، متّخذاً كتاب فصل الخطاب ذريعة للقول بأنّ الرواية التي جاءت فيه هي من متبنّياتهم، وكمثال على ذلك يذكر إحسان إلهي 16 حديثاً من الحديث 107 إلى 123 وقال هي أحاديث شيعية تدلّ على التحريف، نقلًا عن فصل الخطاب (2) حيث ورد في هذه الأحاديث ذكر «وصلاة العصر» بعد الصلاة الوسطى في الآية الشريفة: «وحافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا للَّه قانتين» وقد ذكر أيضاً خمسة أحاديث من كتاب فصل الخطاب (3) من 337 وإلى 341 وقال هي أحاديث وردت في الكتب الشيعية وهي تدل على التحريف و فيها وردت آية «يسألونك عن الانفال» بحذف «عن» (وهي قراءة واردة)، وهناك أمثلة أخرى ستطّلعون عليها. والرجل يجهل إنّ هذه الروايات قد وردت في كتب أهل السنة أيضاً (4).

إنّ عدم اطلاع إحسان إلهي ظهير ومحمّد مال اللَّه وبعدهم الدكتور القفاري بوجود روايات في كتب أهل العامة في هذا الصدد جعلهم ينادون بوجود القول بالتحريف ويتّهمون مؤلفي كتب الحديث والتفسير بالمأثور الشيعية بالتحريف، وما ان يكتشف احدهم وجود هذه الأحاديث في كتب أهل السنة حتى يغيّر موقفه ويعتبر ذلك من باب التأويل وقراءة واردة ويتهم أحدهم الآخر بالجهل.


1- اصول مذهب الشيعة: ص 289.
2- الشيعة والقرآن: ص 176- 180.
3- نفس المصدر: ص 228- 229.
4- انظر جامع البيان: ج 6، ص 174 والبرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 312 والدرّ المنثور: ج 2، ص 702 وص 718.

ص: 626

وكنموذج آخر على ما نقول يمكن ذكر محمد عبد الرحمن السيف الذي ألّف كتابه «الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن» في زمن متأخر عن كتاب إلهي ظهير ومحمد مال اللَّه والدكتور القفاري وحين انتبه لوجود حديث «وهي صلاة العصر» في كتب أهل السنة اعتذر لوجود الحديث في كتب الشيعة أي في التفسير المنسوب إلى القمي وتفسير العياشي وإنّه من باب القراءة الواردة أو نسخ التلاوة (1) وكان من المؤكد أنّ الرجل لو لم ينتبه لهذه المسألة كما وقع إلهي ظهير وآخرين لقال بأنّ الحديث من مصاديق القول بتحريف القرآن لأنّه ورد في المصادر الشيعية.

ونتيجة الكيل بمكيالين هي أنّ ميزان البحث والنقد للروايات التي يتوهم منها التحريف هو أمر واحد عند هؤلاء، فإذا ورد الحديث في الكتب الشيعية فإنّه يدلّ على تحريف القرآن، وإن جاء في كتب السنة فهو من باب القراءة الواردة أو نسخ التلاوة أو التأويل و ... وأنّها خارجة عن محل النزاع؛ انظر وتعجب.

وفي هذا المقام لست في صدد التعليق على هذه الأمور لكنّي ومن أجل أن تتّضح ماهية هذا النوع من التحدي من قبل إحسان إلهي ظهير وغيره حين يقول:

«هل يستطيع ... أن يثبت واحداً من السنة صرح باسمه أنّه كان يعتقد التحريف من القرآن ... فنحن الصرحاء لا نقول ...»

أقول: انظر إلى أحاديث عائشة أمّ المؤمنين التي نُسب لها القول الصريح بتحريف سورة الأحزاب وفي الآية المزعومة التي تتحدث عن الرضاع، أو الخليفة الثاني الذي يقول بتحريف ثلثي الآيات وآية الرجم المزعومة، أو عبد اللَّه بن عمر وقوله باسقاط بعض الآيات وهكذا حميدة بنت أبي موسى التي تحدثت عن تغييرات في مصحف عائشة، أو ما قاله أُبي بن كعب بالنسبة لسورة الحفد والخلع وسورة البينة وابن مسعود بالنسبة للمعوذتين وسورة الحمد وأبو موسى الأشعري


1- الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 20.

ص: 627

في خصوص سورة براءة والمسبّحات وحذيفة بن اليمان بالنسبة لسورة التوبة وما نسبوا إلى مالك بن أنس من القول بسقوط أوائل سورة التوبة فإن ما ذكره يدل على تحريف القرآن، وأخيراً تصريح أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي وهو شيخ القراء بالعراق (ت 328 ه.) والذي يعتبر من القراء الأربعة عشر حيث يقول:

«إنّ عثمان أسقط من القرآن خمسمائة حرف وإنّه والصحابة زادوا في القرآن ماليس فيه ...»

إلى آخر ادعائاته، والشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت 973 ه.) وقوله السخيف بأنّه قد أسقط عثمان من المصحف أشياء وغيره كمحمّد الخطيب و ... انظر تلك الروايات ونص كلام هؤلاء في المقام الأوّل في مبحث «دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة وأجوبتهم».

ولذلك فإمّا أن يكون إحسان إلهي ظهير وأمثاله غافلين حقاً عن أمثال هؤلاء وأحاديثهم أو أنّهم يتغافلون لأغراض سياسية أو عصبية جاهلية ويكتفون بالتشنيع تشبثاً بما توهمه صاحب كتاب فصل الخطاب، وراحوا يطلقون في كلّ يوم نغمة جديدة، لا بل تجاوزوا هذا الأمر- وما عشت أراك الدهر عجباً- فأخفوا الحقائق التي ذكرت في كتبهم وبدأوا يدعون الشيعة إلى التوبة، يقول إحسان إلهي ظهير مخاطباً الشيعة:

«فارجعوا إلى الحق والصواب وتوبوا إلى اللَّه توبة نصوحاً» (1).

متناسياً دور شيعة أهل البيت الريادي في حفظ كيان الأمة وأنّهم في الخندق الأول في الذبّ عن حياض الإسلام وتراث القرآن في الماضي والحاضر.


1- الشيعة والقرآن: ص 60.

ص: 628

الباب الثاني: عقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن

يحدد إحسان إلهي ظهير مباحث كتابه في محورين أصليين:

أ- البحث في السبب الذي دعا الشيعة- حسب زعم وافتراء إحسان إلهي ظهير- إلى القول بأن القرآن محرّف.

ب- البحث في تصريح أربعة من كبار علماء الشيعة الذين قالوا بعدم تحريف القرآن وهم الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي.

يقول إحسان إلهي ظهير في المحور الأول من حديثه هذا وبعد تكرار مزاعمه من أنّ الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن في الدور الأول فيقول:

«أسسوا مذهباً خاصاً بهم جعلوا من أصله وأسبابه الإمامة والولاية»

ثم يذكر بعض الأحاديث التي وردت في الكتب الشيعية في باب ولاية أهل البيت ويدّعي بلا دليل على أنّ الشيعة تقوّلوا هذه الروايات، ليركّز بعد ذلك مدار بحثه على رواية أبي سعيد الخدري الذي يقول فيها:

«سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول:

«ما بعث اللَّه نبياً إلّاوقد دعاه إلى ولايتك- أي علي- طائعاً أو كارهاً» (1).

فيعلّق على ذلك بالقول:

«فوجدوا- أي الشيعة- أنّ الولاية والوصاية والإمامة التي اختلقوها واصطنعوها [نعوذ باللَّه من هذه الاتهامات ...] ليس لها وجود في القرآن ... فالتجأوا لدفع هذا الإيراد إلى القول بأنّ القرآن قد غيّر ونقص منه أشياء ...» (2).


1- الشيعة والقرآن: ص 52.
2- نفس المصدر: ص 52.

ص: 629

وبعد ذلك يذكر عبارة من كتاب الاحتجاج للطبرسي ومقدمة تفسير البرهان بشكل تفصيلي ويدّعي كونها تأييد لمزاعمه.

وللجواب على ذلك نقول: لقد أكّد إحسان إلهي ظهير جهله المطلق بكتب أهل السنة وفهم العبارات التي نقلت له عن كتب الشيعة وذلك للأمور التالية:

أولًا: هناك روايات صحيحة السند عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وذكرت في مصادر الشيعة وهي تؤكد على إنّ أسماء الأئمة عليهم السلام لم ترد في القرآن وكمثال على ذلك رواية الكليني بإسناده عن أبي بصير أنّه قال:

«سألت أبا عبد اللَّه [عليه السلام] عن قوله تعالى: «أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» قال:

نزلت في عليّ والحسن والحسين

قلت: إنّ الناس يقولون فما باله لم يسمّ علياً وأهل بيته في كتاب اللَّه؟ قال [عليه السلام]:

فقولوا لهم: إنّ رسول اللَّه

[صلى اللَّه عليه وآله وسلم

] نزلت عليه الصلاة ولم يسمٌ له ثلاثاً وأربعاً حتى كان رسول اللَّه

[صلى اللَّه عليه وآله وسلم

] فسّر لهم ذلك».

قال السيد الخوئي تعقيباً على ذلك:

«هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات (أي الروايات التي تقول: إنّ القرآن أربعة أرباع: فربع في أهل البيت وربع في أعدائهم). والرواية التي تقول: لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمّين، وموضحة للمراد منها بأنّ ذكرهم (عليه السلام) في الكتاب إنّما كان بالنعوت والأوصاف لا بالتسمية المتعارفة (1).

ثانياً: إنّ الحديث الذي ذكره إحسان إلهي ظهير عن أبي سعيد الخدري موجود في مصادر أهل السنة أيضاً وقد نقل وبطرق متعددة وأوردنا الحديث قبل هذا نقلًا


1- البيان: ص 33 ومثله عن الإمام الخميني في أنوار الهداية: ص 243- 247.

ص: 630

عن الحاكم الحسكاني (1) والحاكم أبي عبد اللَّه النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين (2) وابن عساكر (3) والخوارزمي (4) والثعلبي (5) (انظر: تفصيله في المقام الأوّل في مبحث دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة).

ثالثاً: إن كتاب الاحتجاج الذي يتشبّث به إحسان إلهي ظهير لا يحلّ المشكلة التي وقع فيها وحسب بل أضاف عليه مشكلة أخرى، ذلك لأنّ هذا الكتاب وعلاوة على الارسال في رواياته جميعاً، فهو مع ذلك في هذه العبارة لا يعطي معنىً مخالفاً لوجهة نظره، لأنّ الطبرسي وكما يظهر من كلامه يقصد عدم التحريف، لأنّه يريد أن يقول لو ذكر اللَّه حججه في قرآنه نصاً لا كناية لعمد المبطلون والمنافقون- كما فعل اليهود والنصارى من قبل- لتحريف القرآن. ولذلك فإنّ اللَّه تعالى وحفاظاً على كتابه وردعاً من هيمنة أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة ذكرهم كناية وهذا هو نص كلامه:

«إنّما جعل اللَّه تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه منه ... فأبى اللَّه إلّاأن يتم نوره» (6).


1- شواهد التنزيل: ج 2، ص 222.
2- معرفة علوم الحديث نوع آخر 24، ص 96.
3- ترجمة الإمام على بن ابى طالب من تاريخ مدينة دمشق: ج 2، ص 197 من الرقم 602 و تاريخ دمشق: ج 2، ص 221.
4- مناقب الخوارزمى: الفصل 19، ص 221.
5- الكشف والبيان: ج 8، ص 338.
6- عن الشيعة و القرآن: ص 54- 55.

ص: 631

وأضف إلى ذلك فإنّ هذا النوع من التلاعب بكلمات المؤلفين هو نوع من الخيانة، فلا يصحّ ولا يجوز لمسلم قط أن يتلاعب بكلمات الآخرين مهما كانت انتماءاتهم ورميهم بما لم تجن أيديهم مع أنّ عبارات الطبرسي واضحة المراد.

كما يجدر الإشارة إلى إنّنا قد تناولنا كتاب الإحتجاج بالبحث والمناقشة وما توهم فيه من التحريف فمن أراد فليراجع (1).

رابعاً: خلافاً لما كتبه إحسان إلهي ظهير فإنّ مقدمة تفسير البرهان ليست للسيّد هاشم البحراني بل هي لأبي الحسن الفتوني النباطي العاملي (م 1138 ه.) وهو من الأخباريين الذين يتمسكون بظواهر الأحاديث فقط ولذلك لا يمكن أن نعتبر رأيه ميزاناً لتحديد مثل هذا الأمر المهم الذي يخالف إجماع الشيعة حيث ذهبوا إلى القول بسلامة القرآن من التحريف.

وأمّا المحور الثاني لبحث إحسان إلهي في هذا الباب في خصوص ما يتبنّاه أربعة من كبار الشيعة فقد كتب ما يلي:

«وسهل على المسلمين معرفة القوم وحقيقتهم فاضطرب عليهم أمرهم واجتمع عمداؤهم وكبراؤهم ففكروا وتدبّروا كثيراً حتى يخفوا ما ظهر ويكتموا ما بدا وصدر فلبسوا لباس الخداع والتقية مرّة أخرى وأظهروا ما لم يكونوا يعتقدون لخداع المسلمين وغشّهم فأول من برز في الشيعة بالقول المخالف لهذه العقيدة العتيقة الراسخة الثابتة [!؟] كان ابن بابويه القمي أستاذ الفقيه [المفيد] الذي لقّبوه بالصدوق المتوفي سنة 1371 ه. لا سابق له في القوم كأنّه نفسه لم يستند لقوله إلى مستند شيعي ثابت من رواية مروية من واحد من الائمة الاثني عشر عكس مخالفيه حيث إنّهم لم يؤسسوا مذهبهم وعقيدتهم في القرآن إلّاعلى الروايات التي تواترت وبلغت أكثر من


1- انظر: المقام الأوّل من مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة».

ص: 632

ألفين رواية» (1).

وفي هذا المقام يذكر إحسان إلهي ظهير عبارة الشيخ الصدوق التي يؤكد فيها على إن الشيعة يؤمنون بعدم تحريف القرآن ويعلّق على ذلك قائلًا:

«وتبعه في ذلك السيد المرتضى مؤلف نهج البلاغة ومرتّبه المتوفى سنة 436 ه. كما ذكر عنه أبو علي الطبرسي في مقدمة تفسيره مجمع البيان» (2).

وبعد ذكره لعبارة السيد المرتضى، ينقل نص عبارة الشيخ الطوسي كقول ثالث من الأقوال التي تذهب إلى عدم التحريف وذلك نقلًا عن تفسير التبيان وهكذا عن أبي علي الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت/ 548 ه.) الذي يعتبره صاحب القول الرابع في هذا المضمار فيقول:

«وأمّا في الدور الثاني أي بعد منتصف القرن الرابع إلى القرن السادس في القرنين كلّما صدر هذا القول أول مرّة من الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم في الحديث والتفسير والاعتقادات ...

وهذا مع إنّ عقيدتهم التي أظهروها للناس لم تكن مستندة إلى قول من معصوميهم ... بل وبعكس ذلك هم أنفسهم رووا في كتبهم أخباراً وأحاديث أئمتهم المعصومين تخالفها وتناوئها كما سنبيّن إن شاء اللَّه.

فهذا كل ما عند القوم لخداع المسلمين عامة وأهل السنة خاصة ...

وقبل أن نحلل كلامهم ونخبر عن السر الذي ألجأهم إلى الإكتناف


1- الشيعة والقرآن: ص 61.
2- نفس المصدر: ص 62.

ص: 633

بهذا القول والإخبار بهذه العقيدة نتريث لحظة ونتوقف برهة ونطالبهم جميعاً هل يستطيع أحد منهم أن يثبت أنّ في القوم أحداً من سبقهم إلى هذا القول أو لهم خامس أظهر هذه المقالة؟

كلّا لا ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً» (1).

وبعد سرده لهذه التقوّلات يبدأ إحسان إلهي في إبداء السر الذي دعى أربعة من علماء الشيعة فقط للقول بعدم تحريف القرآن فقال:

«فبالصراحة والوضوح إنّ هؤلاء الأربعة لم يقولوا بهذا القول إلّا تقيّة ونفاقاً كي ينخدع المسلمون ويتلبّس عليهم الأمر» (2).

ويعمد إحسان إلهي ظهير لإثبات تأييد ما اكتشفه بالإستناد إلى عبارة المحدّث الجزائري، ثم يسعى لذكر روايات من كتب الصدوق تدل على ما يزعمه من تحريف القرآن الكريم، وفي هذا المضمار وبعد أن يسرد بعض الأحاديث يبدأ بالتعليق عليها قائلًا:

«إنّها- أي تلك الأخبار- تدل دلالة صريحة على أنّ القوم لم يلتجئوا إلى القول بعدم التحريف إلّاتقية.

وأما الطوسي فليس بمختلف عن ابن بابويه [أي الصدوق رحمه اللَّه] وهو قد ملأ كتابه بمثل هذه الروايات التي نقلنا عن متبوعه وكذلك المرتضى والطبرسي» (3).

وفي تتمة هذه المسرحية ولكي يبطل مؤدى الأقوال الأربعة التي ذهب إليها أربعة من أعلامنا يستعين إحسان إلهي على عبارة الفيض الكاشاني التي عمد


1- الشيعة والقرآن: ص 64- 66.
2- نفس المصدر: ص 66.
3- نفس المصدر: ص 66.

ص: 634

وللأسف إلى تقطيعها وعلى عدم رعاية الأمانة في نقل نصوصها- كما فعل قبل ذلك الدكتور القفاري في نقل عبارة الفيض- واستعان أيضاً بالعبارة التي وردت في كلام الأخباري العاملي في كتابه المطبوع مع تفسير البرهان وفي مقدمته فيقول:

«كما ردّ على هؤلاء الأربعة الفاضل العالم الماهر المدقّق الفقيه العارف بالتفسير صاحب كتاب تفسير القرآن السيّد هاشم البحراني قال في مقدمة تفسيره في الفصل الرابع ...» (1).

وفي نهاية المطاف يستند إحسان إلهي ظهير على عبارة السيد نعمة اللَّه الجزائري والمحدث النوري وأحد علماء الشيعة في الهند وابنه في الرد على السيّد المرتضى والأقوال الأربعة فيقول في نهاية بحثه:

«فهذا البعض من الكثير الذي ذكرنا من أهم كتب القوم في الحديث والتفسير والعقائد وقد ثبت من هذه الردود أنّ القوم قاطبة كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الصدر الأوّل بما فيه الزيادة والنقصان ...» (2).

وخلاصة ما زعمه إحسان إلهي ظهير في المحور الثاني من الباب الثاني في كتابه في الأمور التالية:

1- أول من برز من الشيعة بالقول المخالف لهذه العقيدة كان ابن بابويه القمي [الشيخ الصدوق ت 381 ه.] لا سابق له في القوم.

2- إنّ ابن بابويه القمي الصدوق والشيخ الطبرسي وغيرهم لم يعتمدوا على مستند شيعي ثابت من رواية مرويّة من واحد من الائمة الأثني عشر عكس مخالفيهم.


1- الشيعة والقرآن: ص 72.
2- نفس المصدر: ص 87.

ص: 635

3- الشخص الثاني الذي صرّح بعدم تحريف القرآن هو السيّد المرتضى مؤلف نهج البلاغة ومرتّبه (ت 436 ه.) كما ذكر عنه أبو علي الطبرسي والثالث منهم الشيخ الطوسي والرابع أبو علي الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت 548 ه.).

4- صدر هذا القول أوّل مرّة من الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم في الحديث والتفسير والإعتقادات وبعد تريّثه لحظة وتوقّفه برهة تحدّى جميع الشيعة بقوله: هل يستطيع أحد منهم أن يثبت أنّ في القوم أحداً من سبقهم إلى هذا القول أو لهم خامس أظهر هذه المقالة، كلّا ولا ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

5- إنّ هؤلاء الأربعة لم يقولوا بهذا القول صراحة إلّامن باب التقية ونفاقاً كي ينخدع المسلمون وإنّ ابن بابويه الصدوق أورد في كتبه الأخبار التي تدل على تفسير القرآن وتحريفه ونقصانه بدون أن يقدح فيها ويطعن ما يدل على أنّ عقيدته الأصليّة كانت طبق ما اعتقده القوم وأنّها تدلّ دلالة صريحة على أنّ القوم لم يلتجئوا إلى القول بعدم التحريف إلّاتقية.

6- إنّ الشيخ الطوسي أيضاً لا يختلف عن ابن بابويه الصدوق وهو قد ملأ كتابه بمثل هذه الروايات التي نقلها الشيخ الصدوق وكذلك السيد المرتضى والشيخ أبو علي الطبرسي.

7- ردّ على هؤلاء الأربعة صاحب كتاب تفسير البرهان السيد هاشم البحراني في مقدمة تفسيره، والسيّد نعمة اللَّه الجزائري، والمحدث النوري أيضاً فقد ردّ على هؤلاء الأربعة.

8- ردّ على السيد المرتضى أحد علماء الشيعة وابنه في كتاب الضربة الحيدرية.

9- إنّ القوم- أي الشيعة- كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الصدر الأوّل

ص: 636

بما فيه الزيادة والنقصان.

وهذه هي أقاويل إحسان إلهي ظهير في هذا الباب وفي الحقيقة فإنّ المصدر لهذه الأمور هو كتاب فصل الخطاب للمحدّث النوري، ولم يأت هو بشى ءٍ جديد غاية ما فعله أن أضاف حفنة من الكلام الفاحش والبذي ء والتعابير الركيكة، وبدأ يتهجّم ويتحدّى الآخرين منادياً: «هل من مجيب!» ومع هذا فإنّ بطلان ما ادعاه إحسان إلهي وكما مرّ في نقد دعاوى الدكتور القفاري أمرٌ بيّن وواضح ولا يدلّ على شى ء سوى الإنقياد وراء العصبيّات المدمّرة والجهل والتجاهل وذلك للأمور التالية:

أوّلًا: إن أهل البيت عليهم السلام كانوا قد شهدوا بسلامة القرآن من التحريف قبل ابن بابويه الصدوق (ت 381 ه.) حيث ورد في الصحيفة السجاديّة للإمام زين العابدين عليه السلام (ت 94 ه.) والتي تعتبر أقدم كتاب بين الأمة الإسلامية بعد القرآن الكريم، فقد جاء في الدعاء الثاني والأربعين وأمثاله من أدعية أخرى ما يدلّ على سلامة القرآن من التحريف، وجاء أيضاً في حديث ورد في أقدم كتب الشيعة عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيه: «ما بين الدفتين قرآن» (1). وهناك حديث آخر ورد عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام وذلك في رسالته التي كتبها إلى أهل الأهواز يقول: «اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أنّ القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الإجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل اللَّه مهتدون» (2). وأخيراً فهناك مجموعة كبيرة من الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام ومضى الحديث عنها في بحث «أدلة سلامة القرآن من التحريف».


1- الاصول الستة عشر: ص 111.
2- بحار الأنوار: ج 2، ص 225 وج 5، ص 68.

ص: 637

وقد أبطل الفضل بن شاذان النيسابوري (ت 260 ه.) وهو من كبار أعلام الشيعة في القرن الثالث الروايات الموهومة التي تدّعي تحريف القرآن في كتب أهل السنة وردّ عليها، ودافع عن قدسيّة القرآن قبل ابن بابويه الصدوق، وللتفصيل يمكن مراجعة القارى ء الكريم إلى «نظرة عابرة لأجوبة الإمامية» في المقام الأوّل.

ثانياً: لم يقرأ إحسان إلهي ظهير كتاب الاعتقادات للشيخ ابن بابويه الصدوق والذي ذكر فيه آراءه وآراء آخرين أكد فيها على عدم وجود تحريف في القرآن قطعاً، وهذا على أحسن الاحتمالات وأقل التقادير، ولذلك تراه يكتب جهلًا: «إنّ ابن بابويه الصدوق وغيره لم يستند لقولهم إلى مستند شيعي ثابت من رواية مروية من واحد من الائمة الأثني عشر» في حين إنّ كتاب ابن بابويه الصدوق بين أيدينا.

ويشير إلى وجود أكثر من رواية بل إلى عشرات الروايات في هذا الخصوص، فقد قال الصدوق وبعد أن دوّن العبارة التالية:

«اعتقادنا إنّ القرآن الذي أنزله اللَّه تعالى على نبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك ... و» (1).

قال رحمه اللَّه وهو في بيان الدليل على عقيدة الشيعة:

«ما روي من ثواب قراءة سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن كلّه وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة والنهي عن القرآن بين سورتين في ركعة فريضة، تصديق لما قلناه من أمر القرآن واللَّه مبلّغه ما في أيدي الناس.

وكذلك ما روى من النهي عن قراءة القرآن كلّه في ليلة واحدة وإنّه لا


1- الاعتقادات: ص 84.

ص: 638

يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيّام، تصديق لما قلناه أيضاً و ...» (1).

ولكي تعرف كميّة الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق حين قال: ما روي من ثواب قراءة كلّ سورة وثواب من ختم القرآن و ... يمكنك مراجعة كتب الشيخ الصدوق بالذات مثل كتاب ثواب الأعمال (2). وعيون أخبار الرضا (3). وسترى حينها العشرات من الروايات التي أوردها ابن بابويه فقط.

كما إنّه وخلافاً لما زعمه إحسان إلهي ظهير فهذا نصّ كلام الشيخ الطوسي والذي اعتمد في إثبات عقيدته بعدم تحريف القرآن على نصوص أهل البيت عليهم السلام، قال الشيخ الطوسي في هذا الصدد:

«أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق [أي بالقرآن] أيضاً لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، و [أمّا] النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى ...» (4).

قال بعد هذا:

«ورواياتنا متناصرة بالحثّ على قراءته والتمسّك بما فيه وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وما روي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم رواية لا يدفعها أحد، أنّه قال:

«إنّي مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى


1- الاعتقادات: ص 84- 85.
2- ثواب الأعمال: ص 125- 157.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 181.
4- التبيان: ج 1، ص 3.

ص: 639

يردا عليّ الحوض»

وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه ونترك ما سواه» (1).

وهنايذكر الشيخ الطوسي نصّ عبارة السيد المرتضى لإثبات سلامة القرآن من التحريف ويعتبر كلامه كلاماً وافياً لإثبات العقيدة القائلة بعدم التحريف (2).

ويستند السيد المرتضى في هذا الباب على الأدلّة العقلية والشواهد التاريخية الرصينة من دون حاجة لدليل روائي (3).

ثالثاً: ليس السيد المرتضى مؤلفاً لكتاب نهج البلاغة، لأنّ نهج البلاغة ليس سوى خطباً ورسائل وكلمات قصار للإمام علي عليه السلام قام بجمعها السيد الرضي أخو السيّد المرتضى (ت 406 ه.) كما يقول هو بصراحة:

«كتابنا الذي ألّفناه وسميناه ب «نهج البلاغة» وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في جميع الأنحاء والأغراض والأجناس والأنواع: من مختلف الخطب وكتب ومواعظ وحكم وبوّبناه أبواباً ثلاثة تشتمل على هذه الأقسام مميّزة مفصلة ...» (4).

رابعاً: خلافاً لمزاعم إحسان إلهي ظهير السخيفة والتي يقول فيها: «صدر هذا القول أوّل مرّة من الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم ...» وتحدّى جميع الشيعة بقوله: «هل يستطيع أحد من الشيعة أن يثبت أحداً من سبقهم إلى هذا القول أو لهم خامس ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً» فقد لاحظتم وجود أكثر من هذا العدد قالوا بعدم التحريف


1- التبيان: ج 1، ص 4.
2- مجمع البيان: ج 1، ص 83.
3- انظر نفس المصدر: ج 1، ص 83- 84 والذخيرة في علم الكلام: ص 361- 364.
4- حقائق التأويل للسيد الرضي: ص 168.

ص: 640

على أن هؤلاء الذين ذكرهم هم رؤساء الشيعة وفقهاؤها في تلك العصور بحيث إذا أردت أن تعرف الاتجاه العلمي السائد على المذهب الشيعي آنذاك فلا مناص من معرفة رأي هؤلاء دون غيرهم، مع أنه لم يذكر عن غير هؤلاء ما يخالف رأي هؤلاء الأربعة، وكما ذكرنا فإنّ كلام الائمة من أهل البيت وابن شاذان (ت 260 ه.) الذي مرّ آنفاً وأكد فيه سلامة القرآن من التحريف وقبل هؤلاء العلماء الأربعة دليل على أنّ القائلين بعدم التحريف أكثر ممّا ذكر، وقد جاء في بحث «شهادة علماء الإمامية على سلامة القرآن من التحريف» في المقام الأوّل نصُّ عبارة السيد الرضي (1) (ت 406 ه.) والشيخ المفيد (2) (ت 413 ه.) وأبي الفتوح الرازي (3) «ت من النصف الأوّل من القرن السادس الهجري) والشيخ ابن إدريس الحلي (4) (ت القرن السادس الهجري) والشيخ عبد الجليل القزويني (ت القرن السادس الهجري) وهم من زمن الشيخ ابن بابويه (الصدوق) حتى القرن الذي عاش فيه أبو علي الطبرسي ثم من الفترة الزمنية التي عاشها هؤلاء وحتى القرن الرابع عشر والتي أوردنا نصُّ عبارة ما يقارب الخمسين عالماً من علماء الشيعة الإمامية بالقول بعدم تحريف القرآن، ويعني ذلك اندحار وهزيمة إحسان إلهي الذي راح يتبجّل متحديّاً للشيعة ومستغفلًا للآخرين.

وأود هنا أن أعلن التحدي من جانبي وأقول: هل يمكنك أن تذكر في مقابل العشرة من علماء الشيعة أربعين عالماً من علماء السنة شهدوا بعدم تحريف القرآن وذلك حتى نهاية القرن السادس هذا مع ملاحظة ان عدد نفوس أهل السنة كان


1- حقائق التأويل: ص 168.
2- المسائل السروية، المسألة التاسعة: ص 83- 84 وأوائل المقالات: ص 80.
3- روض الجنان: ج 11، ص 311.
4- المنتخب في تفسير القرآن: ج 2، ص 246.

ص: 641

آنذاك ما يقرب من أربعة أضعاف الشيعة، بل إنّ من البعيد أن تأتي بنصف هذا العدد كما لا يمكنك أن تذكر روايات بنفس العدد الذي تحدثت فيه روايات الإمامية عن أوصاف القرآن مثل تلك الروايات التي جاءت في «باب ثواب قراءة القرآن» «باب الاستشفاء بالقرآن» و «باب تعليم القرآن» و «باب ثواب من ختم القرآن» و «باب من حفظ القرآن» و «باب كتابة القرآن» و «باب التوسّل بالقرآن» وغيره من الأبواب الكثيرة (1)، التي تضمنّت بعضها عشرات الروايات.

خامساً: أن قول إحسان إلهي ظهير:

«إنّ هؤلاء الأربعة بالصراحة والوضوح لم يقولوا بهذا القول إلّاتقية ونفاقاً كي ينخدع المسلمون»

لا يعتبر إلّااتهام قبيح، ولو صحّ فمعنى ذلك إنّ عدداً كبيراً من كبار علماء أهل السنة قد قالوا بالتحريف أيضاً على مبناه ولو أنكروا ذلك وقالوا إنّنا لا نؤمن بالتحريف فمعنى ذلك إنّهم لم يقولوا بالتحريف إلّاتقية ونفاقاً.

ولكي يثبت إحسان إلهي ظهير مزاعمه يقول:

«فنورد هنا روايات تسعة من الأحاديث الكثيرة التي أوردها في كتبه، وقد يأتي ذكر بعضها في الباب الرابع.

فأولها ما أوردها في كتابه (من لا يحضره الفقيه) الذي هو أحد الصحاح الأربعة الشيعية في كتاب النكاح تحت باب المتعة فيقول:

أحلّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم المتعة، ولم يحرمها حتى قبض- واستدلّ على ذلك بقوله- وقرأ ابن عباس فما استمتعتم به


1- انظر ثواب الأعمال: ص 125- 157، عدّة الداعي: ص 327- 364، بحار الأنوار: كتاب القرآن: ج 92، ص 13- 34 وص 175- 372 وأيضاً: ج 93، كتاب القرآن.

ص: 642

منهن إلى اجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة من اللَّه (1).

والمعروف أن إلى أجل مسمّى ليس من القرآن وكذلك من اللَّه بعد فريضة.

وثانيها ما أوردها في كتابه (الخصال):

حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجعابي قال: حدثنا عبداللَّه بن بشير قال: حدثنا أبو بكر ابن عياش، عن الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يقول:

يجي ء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى اللَّه عز وجل: المصحف والمسجد والعترة. يقول المصحف يا ربّ حرفوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا ربّ عطلوني وضيعوني، وتقول العترة: يارب قتلونا وطردونا وشردونا، فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول اللَّه جل جلاله لي: أنا أولى بذلك (2).

وثالثهما ورابعهما وخامسهما ما أوردها في كتابه (معاني الأخبار):

حدثنا علي بن عبد اللَّه الوراق وعلي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني قالا: حدثنا سعد بن عبد اللَّه بن أبي خلف الأشعري قال: حدثنا أحمد بن أبي الصباح قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي يونس قال:

كتبت لعائشة مصحفاً فقالت: إذا مررت بآية الصلاة فلا تكتبها حتى


1- الأنوار النعمانية لنعمة اللَّه الجزائري: ج 2، ص 357، ط جديدة.
2- كتاب الخصال: ص 174، 175 باب الثلاثة.

ص: 643

أمليها عليك، فلمّا مررت بها ملتها عليّ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر.

وحدثنا علي بن عبد اللَّه الوراق وعلي بن محمد بن الحسن القزويني قالا: حدثنا سعد بن عبد اللَّه [قال: حدثنا أحمد] بن أبي خلف الأشعري قال حدثنا سعد بن داود عن أبي دهر عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عمرو بن نافع، قال: كنت أكتب مصحفاً لحفصة زوجة النبي [صلّى اللَّه عليه وآله وسلم] فقالت: إذا بلغت هذه الآية فاكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر).

وحدثنا علي بن عبد اللَّه الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن القزويني قالا حدثنا سعد بن عبد اللَّه بن أبي خلف قال حدثنا أحمد بن أبي خلف الأشعري قال حدثنا سعد بن أبي داود عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة زوجة النبي [صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم] قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فاكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للَّه قانتين) ثم قالت عائشة: سمعتها واللَّه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله» (1).

ثم قال بعد ذكر هذه الأخبار الثلاثة:

قال مصنف هذا الكتاب: فهذه الأخبار حجة لنا على المخالفين والصلاة الوسطى صلاة الظهر.

والرواية السادسة ما أوردها النوري في (فصل الخطاب) نقلًا عن (الأمالي) و (العيون) لابن بابويه:

عن الرضا عليه السلام أنّ في قراءة أبي بن كعب: وأنذر عشيرتك


1- معاني الأخبار لابن بابويه القمي: ص 313، ط مكتبة الفريد.

ص: 644

الأقربين ورهطك منهم المخلصين.

والرواية السابعة هي التي ذكرها النوري في (فصل الخطاب) أيضاً نقلًا عن (الأمالي) لابن بابويه القمي:

عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:

لمّا أمر اللَّه نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين

[عليه السلام

] للناس في قوله تعالى:

«يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك» في علي.

والرواية الثامنة ما أوردها الطبرسي عنه في صدد الردّ عليه بعد الاستدلال بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه جمع القرآن:

فلمّا جاء به فقال:

هذا كتاب ربّكم كما أنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف،

فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك فانصرف وهو يقول:

فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلًا فبئس ما يشترون.

والرواية التاسعة أن أبا الحسن موسى عليه السلام الإمام السابع عند القوم قال:

ولا تتلمس من دين من ليس من شيعتك، ولا تحبن دينهم، فإنّهم الخائنون الذين خانوا اللَّه ورسوله، وخانوا أماناتهم وتدري ما خانوا أماناتهم؟

ائتمنوا على كتاب اللَّه فحرفوه وبدلوه (1).

ثم قال إحسان ظهير:

«وهذه ومثلها فإنّها لكثيرة، وإنّها تدلّ دلالة صريحة على أنّ القوم لم


1- عن فصل الخطاب: ص 244.

ص: 645

يلتجئوا إلى القول بعدم التحريف إلّاتقية» (1).

ولو تمعنتم في هذه الروايات لوجدتم أنّها ذكرت بالنص في كتب أهل السنة- التي أضع مصادرها أمامي- وقد ذكرت مراراً بأنّ هذه الروايات لا تدل على تحريف القرآن ومن يظن بأنّها تدل على التحريف فهو يتمسك بظواهر الروايات بلا تأمّل، من أمثال إحسان إلهي ظهير الذي يتهم الشيعة بالنفاق وبتحريف القرآن حقداً وعصبية في حين نسى أو تناسى بأنّ هذه الروايات قد وردت في الصحيحين ومصادر أخرى فتطلعوها.

الحديث الأوّل: ففي فضائل ابن سلام (2) والمصاحف لابن أبي داود (3) ونكت الانتصار للباقلاني (4) وجامع الأحكام للقرطبي (5) عن ابن عباس وجامع البيان للطبري بأسانيد متعددة عن ابن عباس وقراءة أبي بن كعب ومصحفه والسدّي وغيرهم واللفظ للطبري قال بسنده عن أبي نضرة:

«قرأت هذه الآية على ابن عباس فما استمتعتم به منهن .... قال ابن عباس: إلى أجل مسمّى قال، قلت: ما أقرؤها كذلك قال: واللَّه لأنزلها اللَّه كذلك» (6).


1- الشيعة والقرآن: ص 68- 71.
2- فضائل ابن سلّام: ص 297.
3- المصاحف: ص 53 و 77 و 88.
4- نكت الانتصار: ص 101.
5- جامع الأحكام: ج 5، ص 130.
6- جامع البيان تفسير الطبري: ج 4، ص 13.

ص: 646

الحديث الثاني: لقد ذكر الصدوق الحديث «... يقول المصحف يا ربّ حرقوني ومزقوني» في حين لم يراع إحسان إلهي ظهير الأمانة في نقل الحديث عن الصدوق فغيّر كلمة «حرقوني» إلى «حرفوني» أي بتغيير القاف ألفاً وقد جاء الحديث في مصادر أهل السنة أيضاً ففي كنز العمال وعن مسند احمد ومعجم الطبراني وسنن سعيد بن منصور عن أبي أمامة الباهلي وعن الديلمي عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قال:

«يجي ء يوم القيامة المصحف والمسجد والعترة فيقول المصحف:

يارب حرّقوني ومزقوني ويقول المسجد يارب خربوني وعطلوني وضيعوني وتقول العترة: يارب طردونا وقتلونا وشردونا وأجثوا بركبتي للخصومة فيقول اللَّه: ذلك إليّ وأنا أولى بذلك» (1).

الحديث الثالث والرابع والخامس: تلك الأحاديث أيضاً وردت بعينها في كثير من كتب أهل السنة كصحيح مسلم (2)، وموطأ مالك (3)، وسنن أبي داود (4)، وسنن الترمذي (5)، وسنن النسائي (6)، ومسند أحمد (7) وغيرها.

الحديث السادس: ورد هذا الحديث أيضاً في كتب أهل السنة، أخرج ابن جرير عن عمرو بن مرة أنه كان يقرأ «وأنذر عشيرتك الأقربين»- ورهطك منهم المخلصين-، وفي الدر المنثور قال:

«أخرج سعيد ابن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لمّا نزلت- وأنذر عشيرتك


1- انظر جمع الجوامع: ج 3، ص 993 وكنز العمال: ج 11، ص 1193، الرقم 31190.
2- صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر: ج 1، ص 437- 438.
3- موطأ مالك، كتاب الصلاة باب صلاة الوسطى: ج 1، ص 157- 158.
4- سنن أبي داود: كتاب الصلاة باب وقت صلاة العصر: ج 1، ص 112.
5- سنن الترمذي: كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، ج 1، ص 105.
6- سنن النسائي: كتاب الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر: ج 1، ص 382.
7- مسند احمد: ج 6 ص 72 و 878.

ص: 647

الأقربين- ورهطك منهم المخلصين خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى صعد على الصفا فنادى ....» (1).

الحديث السابع: وهو الحديث الذي أخرجه السيوطي عن ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «يا أيّها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربّك- أنّ علياً مولى المؤمنين- فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته» ...» (2).

الرواية الثامنة: هي الرواية التي وردت في شأن مصحف الإمام علي عليه السلام، وقد أوردها كثير من علماء السنة كما رأيتم في مبحث «مصحف الإمام علي» لعبد الكريم الشهرستاني صاحب الملل والنحل قال: «ويروى أنّه [أي الإمام علي] لمّا فرغ من جمعه أخرجه وغلامه قنبر إلى الناس وهم في المسجد ... وقال لهم:

هذا كتاب اللَّه كما أنزله على محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم جمعته بين اللوحين فقالوا: ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه، فقال: واللَّه لا ترونه بعد هذا أبداً إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته فرجع إلى بيته قائلًا:

يا رب إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وتركهم على ما هم عليه ... (3).

الرواية التاسعة: حيث قمنا بتحقيقها وفهم مغزاها ولا صلة لها بمسألة التحريف اللفظي في القرآن بل هي في التحريف المعنوي المساوق للتفسير بالرأي كما فصّلنا القول فيها في بحث «دراسة أحاديث التحريف في كتب الشيعة» ويوجد مثلها في كتب أهل السنة، فعن أبي إسماعيل عبد اللَّه بن محمد الأنصاري الهروي (ت 481


1- الدرّ المنثور: ج 6، ص 326.
2- نفس المصدر: ج 3، ص 117 وهي الآية 67 من سورة المائدة.
3- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 121.

ص: 648

ه.) بسنده عن سلمة بن كهيل قال: قيل لحذيفة حدثنا يا أبا عبد اللَّه قال:

«لو حدثتكم أنّكم تحرفون كتاب ربّكم صدقتموني أنّ ذلكم كذلكم» (1).

ولهذا فإنّ على إحسان إلهي ظهير- الذي يتحدّى مناوئيه دوماً- وبناءً على منهجه لو أراد أن ينظر بعين واحدة وميزان واحد أن يعتبر علماء السنة منافقين من أمثال ابن سلّام وبن أبي داود والباقلاني والقرطبي وأحمد بن حنبل وسعيد بن منصور والطبراني ومالك بن أنس ومسلم بن الحجاج والترمذي والنسائي ومحمد ابن اسماعيل البخاري وابن جرير وابن أبي حاتم وعبد الكريم الشهرستاني، بل سيدخل الصحابي ابن مسعود وأُبيّ بن كعب وعمرو بن مرة وغيرهم، ولو إنّهم صرّحوا في مكان آخر بعدم التحريف فإنّ كلامهم ينبغي أن يكون على أساس متبنياته تقية؟!

سادساً: إنّ الكلام الذي نقله إحسان إلهي ظهير عن الشيخ الطوسي حيث يقول:

«فليس بمختلف عن ابن بابويه القمي وهو قد ملأ كتابه بمثل هذه الروايات التي نقلناها عن متبوعه وكذلك السيد المرتضى والطبرسي لا يستند إلى دليل كي يحتاج إلى مناقشته».

وهنا نسأل إحسان إلهي ظهير عن الروايات التي وردت في كتب الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي والسيد المرتضى، ونقول إنّك تزعم أنّها قد ملأت كتبهم فلماذا لا تذكر نماذج منها؟ ولو على سبيل المثال، وقد ادّعى الدكتور القفاري ما ادّعاه صاحبه فأورد بعض الروايات التي جاءت في كتب تفسير التبيان للشيخ


1- ذم الكلام وأهله: ج 2، ص 23، الرقم 183 وانظر ترجمة أبي إسماعيل الهروي في تذكرة الحفاظ: ج 3، ص 67 وسير النبلاء: ج 18، ص 352- 353 ودمية القصر: ج 2، ص 888.

ص: 649

الطوسي ومجمع البيان للطبرسي، كما تقدّم ذلك في بحثنا «هل إنكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية» وذلك لحفظ ما تبقى من ماء وجه إحسان إلهي ظهير ولكن وكما ذكرنا فإنّ الروايات التي ذكرها الدكتور القفاري قد وردت بعينها في كتب أهل السنة ولا دخل لها بمسألة التحريف.

سابعاً: إنّ مقدمة تفسير البرهان ليست للسيّد هاشم البحراني بل هي لأبي الحسن الفتوني النابطي العاملي (ت 1138) ولا يخلو ردّه على هؤلاء الأعلام الأربعة من الوهن، كما لا يعتد برأيه لأنّه من الأخباريين الذين تمسّكوا بظواهر الأحاديث دون تريّث ودراية فيها. وقد ذكرنا قبل هذا وفي مبحث «هل إنكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية» نصّ عبارة السيّد نعمة اللَّه الجزائري والمحدث النوري وهما من الأخباريين وبيّنا المبنى الصحيح وقلنا بأنّ أدلّة هؤلاء لو كانت صحيحة ومقبولة فإنّ هذه الأدلّة ترد على أهل السنة أيضاً.

ثامناً: إنّ رد أحد علماء الشيعة في الهند وهو مؤلف كتاب عماد الإسلام على السيد المرتضى لا يخدش برأيه بل لو كان رد إحسان ظهير مقبولًا فلا بد أن يقبل بإنّ جُلّ علماء السنة قالوا بالتحريف لأنّه (أي مؤلف كتاب عماد الإسلام) ذكر- كما أورده إحسان ظهير- ما يلي:

«أقول: ولينقدح من ههنا إنّ مآل قول السيد المرتضى بعدم تطرق التغيّر والتحريف في القرآن هو ما يكون بحسب الآية أو الآيتين لا ما يشتمل التغيير بحسب مفردات الألفاظ أيضاً وإلّا فكلامه صريح ههنا في أنّ القرآن كان في زمان رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وآله وسلم] مختلفة النسخ بحسب اختلاف القراءات» (1).

ويرى هذا العالم الشيعي الذي يقيم في الهند بأنّ كلام السيد المرتضى صريح في أنّ


1- الشيعة والقرآن: ص 85- 86.

ص: 650

نسخ القرآن في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله وسلم تتفاوت بحسب اختلاف القراءات، هذا في حين يرى أكثر بل جُلّ علماء السنة بأنّ اختلاف النسخ والقراءات في زمن الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كان مصدرها الوحي. وعلى هذا فإن كان كلام العالم الشيعي صحيحاً حسب تصوّر إحسان ظهير فينبغي القول بأنّ التغيير في الألفاظ واختلاف القراءات هو من عند اللَّه كما قال به السيد المرتضى وعليه فلا ضير فيه وإن لم يكن من عند اللَّه فإنّه يتحتّم على جميع علماء أهل السنة الذين قبلوا بوجود القراءات أن يؤمنوا بوجود تغيير في القرآن.

وأمّا ما نقله إحسان ظهير عن العالم الشيعي المذكور وهو السيد محمد دلدار فهو لا ينفعه أيضاً.

تاسعاً: اتضح من مناقشتنا أنّ ما ذكره إحسان إلهي ظهير حين قال:

«إنّ القوم [أي الشيعة] كانوا يعتقدون التحريف في الصدر الأوّل بما فيه الزيادة والنقصان».

انّما هو مجرّد اتهام قبيح لا يستند إلى دليل، أضف إلى ذلك بأنّ البحث إنّما هو في مجال التحريف بالنقيصة فقط، ولا توجد مناقشة في كون التحريف بالزيادة باطل بالاجماع، ولم يحتمله أيُّ الفريقين، ونفس هذا الإدّعاء كافٍ لإظهار كذب إحسان ظهير ومن حذا حذوه.

ص: 651

الباب الثالث: عقيدة الشيعة في الدور الثالث من القرآن

إنّ البحوث والمناقشات التي مرّت في المقدمة وفي الباب الأوّل والثاني كافية لإظهار حقيقة إحسان إلهي ظهير، ولا حاجة لنا بالبحوث المطوّلة الأخرى على ما أظن، لأنّه كأنّما أخذ على عاتقه أن يخلط الغث والسمين وأن يتشبّث بكل حشيش وأن يغير ويقطع كلمات الآخرين، وشأنه في هذا الباب كما عهدناه في بقية الأبواب، وقد استعان بأمور متعددة منها ما لا سند له، وآخر نقل من دون أمانة، أو قرأ من دون تريث، والأهم من ذلك عدم اهتمامه واكتراثه بالمصادر السنيّة التي يكثر فيها مثل هذه الروايات والتصورات، وعلى كل حال فلم ندع بحثاً في هذا الباب إلّا وتطرقنا له بإيجاز ولذلك نكتفي بذكر مصادر البحث فقط.

أولًا: لقد أوضحنا وشرحنا في مبحث «حجم أخبار هذه الأسطورة في كتب الشيعة» عند نقد آراء الدكتور القفاري، المراد ممّا ذكره المحدّث الجزائري (1) بالنسبة لكميّة هذه الأخبار، والمحدث النوري (2). بالنسبة لمصادرها والعلّامة المجلسي الذي يقول: «إنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى» (3).

ثانياً: إنّ ما زعمه إحسان إلهي ظهير من أنّ الكتب الكلامية للشيعة مثل استقصاء الأفهام .. وكتاب مصباح الظلام وكتاب الإنصاف وغيرهن «مليئة من هذه الروايات من أئمتهم المعصومين» (4) كذبٌ محض. لأنّه ذكر هذه المزاعم في حين لم يورد رواية واحدة تدل على التحريف من هذه الكتب.

ثالثاً: لم يراع إحسان إلهي ظهير الأمانة في نقل عبارة كاشف الغطاء الذي يقول:


1- الشيعة والقرآن: ص 92.
2- نفس المصدر: ص 92.
3- نفس المصدر: ص 92- 93.
4- نفس المصدر: ص 93.

ص: 652

«... عدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مؤمناً [بالمعنى الأخص كما صرّح به كاشف الغطاء] فكتب محرفاً «... يخرج عن كونه مسلماً» (1) ثم بدأ يقارنها مع عبارة الشيخ المفيد للوصول إلى النتيجة التالية: «وبهذا يثبت قولنا إنّ هذه الكتب ألّفت تقيّة للمداراة والمماشاة ولخداع المسلمين عامّة وأهل السنة خاصّة» (2).

رابعاً: إنّ ما أورده عن المفسّر البحراني في مقدمة تفسير البرهان وقال بأنّه مفسرٌ شيعي يعتبر خطأً وزلّة لأنّ مقدمة تفسير البرهان إنّما هي للفتوني العاملي وليس للبحراني أضف لذلك أنّ الشواهد التي ذكرها لإثبات ما يروم إليه (3) في هذه المقدمة «كخبر مصحف الإمام علي عليه السلام والروايات في كميّة آيات سورة الأحزاب والحديث الشريف عن آية «فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبهِ إنس ولا جان» و «روايات الفساطيط» وخبر «مصحف الإمام علي» «ودعاء صنمي قريش» و «حديث اقتفاء هذه الأمّة سنن من كان قبلكم من الأمم حذو النعل بالنعل»، كلّ هذه الأمور قد تحدثنا عنها بالتفصيل ولاحظتم أنّ خبر مصحف الإمام علي وعدد آيات سورة الاحزاب وحديث اقتفاء هذه الأمّة و ... قد وردت في كتب أهل السنة بكثرة ولا توجد هناك علاقة بين تحريف القرآن وهذه الروايات أبداً.

خامساً: إنّ ما يورده من المجلّد الأوّل من تفسير البرهان تحت عنوان «باب في أنّ القرآن لم يجمعه كما أنزل إلّاالائمة عليهم السلام» (4) ثمّ يعلّق عليه ب «أورد- أي البحراني- فيه روايات كثيرة ذكرنا بعضاً منها مقدماً» هو ادعاء باطل لم يذكر


1- الشيعة والقرآن: ص 95.
2- نفس المصدر: ص 96.
3- الشيعة والقرآن: ص 97- 103.
4- نفس المصدر: ص 103.

ص: 653

الروايات الدالّة عليه، وأضف إلى ذلك أنّ الروايات التي ذكرها البحراني في ذيل هذا العنوان من تفسيره لا علاقة لها بمسألة تحريف القرآن.

سادساً: لم يراع إحسان إلهي الأمانة في نقل كلام الفيض الكاشاني فلم ينقله بشكل كامل ليبقى مراده الحقيقي خفيّاً.

وقد أوردنا كلام الفيض الكاشاني بشكل كامل في بحث «الحكم الصفوي وفرية التحريف».

سابعاً: إن كلام المجلسي في كتاب حياة القلوب الذي أورده إحسان إلهي ظهير ويقول فيه: «في الصدر الأوّل تجاوزوا إلى خليفة اللَّه أي الكتاب الذي أنزله فحرفوه ...» (1) والتحريف هنا بمعنى تحريف معاني آيات اللَّه وحملها على غير ما أراد اللَّه. وهذا النوع من التحريف موجود منذ صدر الإسلام وإلى الآن وسيظل بعد هذا أيضاً ويدل على هذا روايات كثيرة وردت عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كروايات «الحوض» والتي نقلناها مفصلًا عن الصحيحين وكتب السنن من أهل السنة.

ثامناً: إنّ ما زعمه إحسان إلهي ظهير من القول: «ولقد نقل هذا المجلسي أيضاً في كتابه- أي تذكرة الائمة- عن تفسير كازر سورة الولاية ...» شطحة أخرى لأنّ كتاب تذكرة الائمة ليس من تفسير المجلسي بل هو لمحمد باقر بن محمد تقي اللاهيجي وهو من المتصوّفين وليس لهذه السورة أثر في تفسير كازر ولا في أي تفسير آخر. وكنّا قد تحدثنا بإسهاب حول مستندات وأدلّة هذا الأمر في مبحث «هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟» فيمكن مراجعة البحث المذكور.

تاسعاً: حينما عجز إحسان ظهير عن إثبات ادعائه استعان جهلًا ببعض زعماء طوائف الصوفية والشيخية من أمثال زين العابدين الكرماني وحسام الدين


1- الشيعة والقرآن: ص 104.

ص: 654

الكرماني محمد كريم خان (1) وذلك للوصول إلى ضالّته المنشودة. في حين لم يقبل أي من علماء الإمامية آراء أمثال هؤلاء، لا ولن يعتبروهم ضمن صنف العلماء ليكون كلامهم حجة لأحد.

عاشراً: لم يذكر علي بن التقي الرضوي أيّ كلام في هذا الخصوص بل اكتفى بنقل الآراء وقال: «قد اختلف في وقوع التحريف والنقصان في القرآن» ثم أورد مايلي:

«وقال السيد المرتضى والشيخ الصدوق والمحقق الطبرسي (صاحب مجمع البيان) وجمهور المجتهدين بعدم وقوعه» (2).

فإن كان كلام علي بن النقي حجة على إحسان إلهي ظهير، فليلاحظ ولينصف لأنّه يقول: «لقد حكم جمهور المجتهدين بعدم وقوع التحريف في القرآن» على أنّ مثل هذا الإقرار منه سينسف الأسس التي بناها في نقد الكتاب.

وأمّا ما ذكره علي بن النقي الرضوي في (منبع الحياة) فهو نقل لكلام المحدث الجزائري فقط، لأنّه لم يذكر وجهة نظره حين بحث في ذلك.

وأمّا عبارة السيد محمد الكهنوي التي نقلها إحسان ظهير في خصوص الرواية التي تتحدث عن «مصحف الإمام علي» وبحثناها مراراً وتكراراً وذكرنا بأنّها لا تعني التحريف في القرآن أبداً.

الحادي عشر: هناك مزاعم أخرى يذكرها إحسان إلهي ظهير ولكنها بحاجة إلى إثباتات من خلال الأدلّة وذلك حين يقول: «ومثل ذلك قال أئمة الشيعة الآخرون» والملاحظ أنّ إحسان إلهي ظهير لا يذكر عنوان الصفحات التي يقول فيها السيد حامد حسين وآخرين بأنّ القرآن قد حرّف.

وفي نهاية هذا الباب يطلق إحسان إلهي ظهير العبارة التالية زوراً وبهتاناً وذلك


1- الشيعة والقرآن: ص 105- 106.
2- نفس المصدر: ص 106.

ص: 655

في موقف يتّخذه مقابل اعتراف علماء الشيعة الذين أنكروا وجود التحريف والتغيير في القرآن فيقول: «ولكن إنكارهم هذا ليس إلّاإنكار التقيّة» (1) ثم يقول:

«كمّا صرح بذلك علماؤهم المتقدمون عنهم والمتأخرون كما مر بيانه» (2) والسؤال الذي لزم أن أطرحه على إحسان إلهي ظهير هو: أي من علماء الشيعة يصرّح بهذا؟

وهل يوجد عالم شيعي غير ما احتمله المحدث النوري بالنسبة للشيخ الطوسي والمحدث الجزائري وبعض الصوفية الذين لا يعتد بقولهم يرى ما تزعمه؟ وهل لو أرادنا اتباع الشذوذ من كل فرقة هل يبقى بعد هذا للإسلام والمسلمين بل ولأي دين ومذهب باقية؟

وكتب أيضاً إحسان إلهي ظهير العبارة التالية لتقرير فريته المزعومة من أنّ علماء الشيعة يستعملون التقية في إنكارهم للتحريف:

«... وإلّا لوجب عليهم البراءة من هذه الكتب التي مُلأت بمثل هذه الروايات ومن الرواة الذين ملئوا كتبهم بمروياتهم الذين هم مدار أحاديث القوم ...» (3).

أقول: إذا كان هذا القول تاماً بالنسبة لإحسان إلهي ظهير فمعنى ذلك إنّه سيتحوّل حجة على كون علماء السنة يعملون بالتقيّة في إنكارهم للتحريف وإلّا لوجب عليهم البراءة من هذه الكتب، ... لأنّ هذه الروايات قد ذكرت فيها أيضاً و عليه أن ينصح علماء السنة بالبراءة من الكثير من صحاحهم ومسانيدهم والرجوع إلى كتاب اللَّه المصون المحفوظ، كما نصح الشيعة بقوله: «وارجعوا إلى


1- الشيعة والقرآن: ص 108.
2- نفس المصدر: ص 108.
3- نفس المصدر: ص 109.

ص: 656

كتاب اللَّه المحفوظ المصون» (1).

هذا مع أنّنا ذكرنا مراراً بأنّ كتب الحديث إنّما هي لتجميع الروايات وتختلف عن فقه الحديث الذي يبحث أسانيد ومداليل الأحاديث، وقد أوضحنا بأنّ روايات الفريقين لا تدل على التحريف وتبديل القرآن.


1- الشيعة والقرآن: ص 110.

ص: 657

الباب الرابع: ألف حديث شيعي في إثبات تحريف القرآن

ثمّ كتب في مطلع هذا الباب ما يلي:

«إنّنا خصصنا هذا الباب لنقل جزء من كتاب فصل الخطاب» في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب لمحدث القوم حسين بن محمد التقي النوري الطبرسي الكتاب الذي كشف النقاب عن الذي غلّفوه أي الشيعة بتقيّتهم مدّة طويلة عن الآخرين ... ويشتمل الكتاب على ألفي رواية تقريباً كلّها من الائمة المعصومين» (1).

وبعد ذكر نبذة عن المحدّث النوري قال:

«القارئ والباحث ليرى العجائب حيث يورد هذا الشيخ الشيعي روايات كثيرة من الأعيان الأربعة الذين تظاهروا من القوم بعدم التحريف، روايات صريحة واضحة وجليّة في تحريف القرآن وتبديله» (2).

إنّ الإنسان ليعجب كيف حاول إحسان ظهير باسلوبه التعسّفي لهدم أساس الدين أجمع، خصوصاً ما يتبنّاه أهل السنة لأنّ الفهرس المذكور من كتاب «فصل الخطاب» والذي أظهر صورة استنساخية منه في كتابه (3)، قد اختصّ عدّة أبواب منه (وهي الأول والثاني والثالث والخامس والسادس والثامن والعاشر من الأبواب الاثني عشر) بالروايات من مصادر أهل السنة في تحريف القرآن بزعم النوري والباب الرابع والسابع والتاسع فقد وردت بشكل مشترك من المصادر الشيعية والسنية والباب الحادي عشر والثاني عشر مختصة بالروايات الواردة عن


1- الشيعة والقرآن: ص 111.
2- المصدر السابق: ص 113.
3- نفس المصدر: ص 138- 139.

ص: 658

المصادر الشيعية وسترون عاجلًا بأنّ أكثر هذه الروايات في هذين البابين قد ذكرت في كتب أهل السنة أيضاً.

فلو كان إحسان ظهير منصفاً في كلامه وباحثاً حقيقياً لكان من الأجدر به أن يسمّي كتاب فصل الخطاب: «كشف النقاب عمّا غفله أهل السنة والشيعة» فإحسان ظهير الذي يدّعي بأنّه رأى كتاب فصل الخطاب، ويعلم إنّه مشتمل على أحاديث مرسلة، ضعيفة السند وناقصة الدلالة في تحريف القرآن وأكثرها منقولة من كتب أهل السنة مع ذلك يطلق عليه زوراً وبهتاناً: «ألفي رواية تقريباً كلّها من الأئمة المعصومين من الشيعة» ثم يذكر كاذباً ما يلي: «يورد الشيخ الشيعي روايات كثيرة من الأعيان الأربعة ... روايات صريحة واضحة جليّة في تحريف القرآن وتبديله» في حين غفل عن أنّ الأحاديث المذكورة وكما شاهدتم في البحث عن الباب الثاني من دعاوي إحسان ظهير- وكما ذكر الدكتور القفاري- هي من المصادر السنّية وقد اعتمد جهلًا على كتاب فصل الخطاب، ولعلّه من باب التجاهل- كما سيتضح قريباً-، ولم يضف إليه شيئاً سوى الفحش والسبّ والإتهام.

وعلى كل حال فالمنصف يعلم بأنّ كل حديث لا يعتبر حجة سوى حديث المعصوم ولو كان المتحدّث عالماً فذاً، لأنّ الإنسان معرّض للنسيان والخطأ، ولذلك فإنّ إحسان إلهي ظهير الذي يخصّص عدّة صفحات من كتابه لترجمة المحدّث النوري (1) ونراه ينقل مديح العلّامة السيّد محسن الأمين والشيخ آقا بزرك الطهراني (2) وذلك ليلقي تصوراته في روع القارئ، كلّ ذلك لا يجدي له نفعاً، فهو بالذات قد ذكر الكتب الشيعية التي ألّفت للرد على فصل الخطاب.

وتدلّ هذه الكتب والتي ألّفت للرد على كتاب فصل الخطاب على أنّ من يعتقد


1- الشيعة والقرآن: ص 113- 132.
2- نفس المصدر: 131- 133.

ص: 659

بهذه الفكرة السخيفة سواء كان المحدث النوري أو غيره- سنيّاً كان أو شيعياً- فلا اعتبار ولا قيمة لرأيه، وكلامه باطل من قبل المحققين.

وبعدما ذكر إحسان إلهي ظهير ترجمة المحدث النوري قال:

«فهذا هو الكتاب وذاك هو الكاتب والآن نبدأ في سرد كلام النوري الطبرسي القسم الأخير من كتابه (فصل الخطاب) من صفحة 235 من الدليل الحادي عشر والثاني عشر في إثبات تحريف القرآن ...» (1).

ثم يتبنّى القول بأنّ الروايات التي ذكرها المحدث النوري في كتابه تدل لا محالة على تحريف القرآن. والسؤال المطروح هو لماذا انتقى إحسان إلهي ظهير الروايات في القسم الأخير من كتاب فصل الخطاب فقط في حين أعرض عن بقية الروايات؟

وللجواب على ذلك يمكن القول بأنّ إحسان إلهي ظهير لم يجد مخرجاً للجواب على الروايات التي ذكرها المحدث النوري في كتاب فصل الخطاب وخصوصاً ما ذكره في الدليل الثامن تحت عنوان «في أخبار كثيرة دالّة على وقوع النقصان والزيادة على ما مرّ رواها المخالفون [أي أهل السنة]» فهو قد قبل دلالة هذه الأحاديث على تحريف القرآن ولذلك لم يوردها بل أورد الروايات التي يزعم المحدث النوري وإحسان ظهير بأنّها وردت في كتب الشيعة فقط.

هذا وقد ناقشنا قبل هذا جميع الأدلّة الموهومة في كتاب فصل الخطاب وتحت عنوان «كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمة» وبيّنا نتائج البحث بالنسبة لمصادر الروايات وأسانيدها ودلالتها كما إنّ السيد مرتضى العسكري حفظه اللَّه قد ذكر في كتاب «القرآن الكريم وروايات المدرستين» الأحاديث في الدليل الحادي عشر والثاني عشر في كتاب فصل الخطاب الذي يزعم إحسان إلهي ظهير بأنّها روايات شيعية، وتدل على التحريف والتغيير في القرآن، وناقش وبحث في سندها ومتنها


1- الشيعة والقرآن: ص 135.

ص: 660

بشكل دقيق، فكتب بعد ذلك وفي عدّة أسطر تحت عنوان نتائج البحوث:

«استشهد الشيخ النوري والاستاذ ظهير على حدّ زعميهما بإثنين وستين وألف رواية تدل على التحريف والتبديل والنقصان في آيات كتاب اللَّه العزيز الحكيم، وقمنا بفضل اللَّه تعالى بدراستها رواية بعد رواية سنداً ومتناً فوجدناها جميعاً لا تخلو من أحد أمرين:

أمّا أن يكون في إسنادها غلاة كذبة وضعفاء ومجاهيل وأمّا أن يكون ما في متن الرواية بياناً وتفسيراً للآية الكريمة خلافاً لما زعما بأنّها نص محذوف منها وكثيراً ما اجتمع الأمران المذكوران في ما استدلا به من رواية.

وهكذا أنتج البحث في كلّ رواية لهما استدلا بها صفراً وصدق عليها المثل القائل: تمخض الجبل فولد فأراً وتمخض البحث في هذا الكتاب فأنتج لها اثنين وستين وألف صفراً ...» (1).

فلنرى الآن هل أنّ الروايات التي أوردها إلهي ظهير في الباب الحادي عشر والثاني عشر من فصل الخطاب والتي قال عنها بأنّها: «روايات صريحة واضحة جلية في تحريف القرآن وتبديله» هل هذه الروايات غير موجودة بعينها أو بمضمونها في كتب أهل السنة، حيث قال:

«وأمّا القول بأنّ مثل هذه الروايات توجد عند أهل السنة فليس إلّا تحكم وتجبر والحق إنّه لا يوجد في كتب أهل السنة المعتمدة عليها عندهم رواية واحدة صحيحة تدل على أنّ القرآن الذي تركه رسول اللَّه عند وفاته نقص منه أو زيد ...» (2).


1- القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج 3، ص 847.
2- الشيعة والسنة: ص 77.

ص: 661

فهل أنّ هذا الادّعاء حق وواقع؟

ونحن هنا نورد مصادر أهل السنة التي نقلت هذه الروايات ليطّلع إحسان إلهي ظهير وأسلافه وأذنابه، وليجنوا عاقبة تجاهلهم للحقائق، وإذ قد نقل هؤلاء روايات فصل الخطاب بالحق والعدل وبدون تعصب حسب ادّعائهم، وأنّها تدلّ بشكل تام- بزعمهم- على تحريف القرآن، فإنّهم بذلك سوف لا يتهمون الشيعة بتحريف القرآن فحسب بل سيتهمون أهل السنة أيضاً بالتحريف بدلالة هذه الروايات.

أمّا أرقام الروايات التي توجد في كتب أهل السنة ممّا أوردها النوري في الدليل الحادي عشر فهي: 2، 16، 18 و 26 وهي الروايات حول مصحف الإمام عليّ (1)، والرواية الرقم 30 وفيها «يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك- في عليّ- وإن لم تفعل ...» (المائدة/ 67) بإضافة «في عليّ» للتفسير والبيان (2)، والروايات من الرقم 31 إلى 34: «... يقول المصحف يا ربّ حرّقوني [أو حرّفوني] و ...» (3) (وهو التحريف في معاني القرآن ومفاده) ومن الرقم 53 إلى 61 حول تقسيم آيات القرآن: «نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع في أهل البيت وربع في عدوّهم و ...» (4).

وأمّا الروايات التي أوردها النوري في الدليل الثاني عشر في كلّ سورة واحدة


1- انظر مبحث «مصحف الإمام عليّ» فقد أورد علماء أهل السنة حديث مصحف الإمام عليّ من القرن الثالث إلى القرن الثامن أكثر من خمسة عشر نفراً.
2- الدرّ المنثور: ج 2، ص 131.
3- كنز العمال: ج 11، ص 193، الرقم 31190، فقد أخرجها المتقي الهندي عن مسند أحمد ومعجم الطبراني وسنن سعيد بن منصور والديلمي.
4- مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 328 و 375 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 126 وحبيب السير، لغياث الدين همام قال: روى الحافظ أبو بكر بن أحمد بن موسى بن مردويه بسنده عن عليّ كرّم اللَّه وجهه والحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل: ج 1، ص 44 و 45 و 47 وغيرهم.

ص: 662

بعد واحدة وقد توهّم إحسان إلهي ظهير أن تلك الروايات أيضاً مختصة بالمصادر الشيعية فقط، فهنا نورد الروايات مع ذكر أرقامها ونشير إلى مصادرها من كتب أهل السنة:

من سورة الحمد:

قال اللَّه تعالى: «إهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» (الحمد/ 6- 7) وفي الروايات من الرقم 62 إلى 75 (13 حديث) قرأ بعض «صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين» (1).

من سورة البقرة:

قال اللَّه تعالى: «حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا للَّه قانتين» (البقرة/ 238) وأضافت في الروايات من الرقم 107 إلى 123 (17 حديث) بعد «والصلاة الوسطى» وصلاة العصر- أو صلاة العصر- بياناً للصلاة الوسطى (2).

قال اللَّه تعالى: «والذين يُتَوفَّونَ منكم ويَذَرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فَإن ...» (البقرة/ 240) وأضافت في الرواية بالرقم 124 بعد «غير إخراج»، مخرجات (3).


1- الدرّ المنثور: ج 1، ص 40 أوردها عن كثير من الحفاظ في قراءة عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن الزبير وعكرمة والأسود، ومعجم القراءات القرآنية: ج 1، ص 13- 14.
2- موطأ مالك، كتاب الصلاة، باب صلوة الوسطى: ج 1، ص 157- 158؛ صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلوة العصر: ج 1، 437- 438 وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب وقت العصر: ج 1، ص 211 وسنن الترمذي الجامع الصغير، أبواب الصلاة، باب صلاة الوسطى: ج 1، ص 339 وسنن النسائي، كتاب الصلاة، باب المحافظة على صلاة العصر: ج 1، ص 82- 83 وغيرهم، انظر: الدرّ المنثور: ج 1، ص 718- 729.
3- معجم القراءات القرآنية: ج 1، ص 187.

ص: 663

قال اللَّه تعالى: «والذين يأكلون الربا لا يقومون إلّاكما يقوم الذي ...» (البقرة/ 275) وأضاف في الرواية الرقم 141 بعد «لا يقومون»، يوم القيامة (1).

ومن سورة آل عمران:

قال اللَّه تعالى: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» (آل عمران/ 33) وأضافت الروايات من الرقم 146- 157 (12 حديث) «وآل محمد» بعد «آل عمران» (2).

قال اللَّه تعالى: «يا مريم اقنتي لربِّكِ واسجدي واركعي مع الراكعين» (آل عمران/ 43) وفي الروايتين بالرقم 158 و 159 «واركعي واسجدي» بتقديم «واركعي» (3).

قال اللَّه تعالى: «إذ قال اللَّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليَّ ...» (آل عمران/ 55) وفي الروايتين بالرقم 161 و 162: «رافعك إليَّ ومتوفّيك» بتقديم «رافعك إليَّ» (4).

قال اللَّه تعالى: «وإذ أخذ اللَّه ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ...» (آل عمران/ 81) زيد في الروايات من الرقم 163 إلى 165 «أمم» قبل «النبيّين» (5).

قال اللَّه تعالى: «لن تنالوا البرَّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا ...» (آل عمران/ 92) وفي الروايات من الرقم 166 إلى 169 (4 أحاديث) «ما تحبُّون» بميم


1- وهي قراءة ابن مسعود، انظر: معجم القراءات القرآنية: ج 1، ص 215 أوردها عن تفسير القرطبي والبحر المحيط.
2- وهي قراءة ابن مسعود، انظر: شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 150- 153 والبحر المحيط: ج 2، ص 435 والكشف والبيان للثعلبي: ج 2، ص 250.
3- الدرّ المنثور: ج 2، ص 195.
4- تفسير القرآن العظيم تفسير ابن أبي حاتم الرازي: ج 2، ص 661.
5- الدرّ المنثور: ج 2، ص 252 عن عدّة من الحفاظ.

ص: 664

واحدة. (1).

قال اللَّه تعالى: «كنتم خير أُمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف ...» (آل عمران/ 110) وفي الروايات من الرقم 173 إلى 182 (11 حديث)- ماعدا رواية 177- بدّلت «خير أُمّة» ب «خير أئمّة» فإن الروايات بأجمعها مفسِّرة (2).

قال اللَّه تعالى: «ولقد نصركم اللَّه ببدر وأنتم أذلَّة فاتقوا اللَّه لعلّكم تشكرون» (آل عمران/ 123) وفي الروايات من الرقم 185 إلى 192 (7 أحاديث) «وأنتم ضعفاء وأنتم قليل» بدل «وأنتم أذلّة» (3).

من سورة النساء:

قال اللَّه تعالى: «... فما استَمتَعتُم بهِ منهُنَّ فآتوهُنّ أُجورهنَّ فريضةً ...» (النساء/ 24) وفي الروايات من الرقم 208 إلى 215 (8 أحاديث) بعد «فما استمتعتم به منهُنَّ»- إلى أجل مسمّى- «فاتوهُنَّ أُجورهُنَّ» (4).

قال اللَّه تعالى: «... وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك» (النساء/ 79) أضاف في الرواية الرقم 246 بعد «من سيئةٍ» فأنا قضيتها (5).

قال اللَّه تعالى: «... ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السَّلام لستَ مؤمِناً» وفي الروايتين بالرقم 261 و 262: «لست مؤمَناً» بالفتح (6).


1- الكشاف: ج 1، ص 385؛ البحر المحيط: ج 2، ص 524؛ التفسير الكبير فخر الرازي: ج 2، ص. 501
2- بمعناه في تفسير ابن أبي حاتم: ج 3، ص 727 والدرّ المنثور: ج 2، ص 294.
3- بمعناه في تفسير ابن أبي حاتم: ج 3، ص 751 والدرّ المنثور: ج 2، ص 307 عن ابن جرير عن الحسن.
4- تفسير الطبري: ج 4، ص 13؛ فضائل ابن سلام: ص 297؛ الكشاف: ج 1، ص 498؛ تفسير القرطبي: ج 5، ص 130 جميعهم عن ابن عباس، أبي بن كعب، سعيد بن جبير و ... وفي المستدرك للحاكم كتاب التفسير عن ابن عباس: ج 2، ص 305. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
5- معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 147- 148 قال: «في قراءة ابن مسعود وابن عباس» عن الإعراب للنحاس: ج 1، ص 437 والبحر المحيط: ج 3، ص 301.
6- معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 155 فقد نقل تلك القراءة عن جمع كثير من الصحابة والتابعين ومثلها في الدرّ المنثور: ج 3، ص 29.

ص: 665

من سورة المائدة:

قال اللَّه تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصيد ... يحكم به ذوا عدل منكم ...» (المائدة/ 95) وفي الروايات «ذوي عدل» و «ذو عدل» بدل «ذوا عدلٍ» من الرقم 287 إلى 292 (6 أحاديث) (1).

قال اللَّه تعالى: «لا يؤاخذكم اللَّه باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ... ما تطعمون أهليكم ...» (المائدة/ 89) وفي الرواية: «أهاليكم» بدلًا من «أهليكم» الرقم 293 (2).

قال اللَّه تعالى: «إذ قال الحواريُّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك ...» (المائدة/ 112) وفي الروايات: «تستطيع» بدلًا من «يستطيع» من الرقم 296 و 297 (الحديثان) (3).

من سورة الأنعام:

قال اللَّه تعالى: «قد نعلم إنّه ليحزنك الذي يقولون فإنّهم لا يكذِّبونك ...» (الأنعام/ 33) وفي الروايات: «لا يكذبونك» بالتخفيف من الرقم 298 إلى 313 (7 أحاديث) (4).

قال اللَّه تعالى: «إنّ الذين فَرَّقوا دينهم ...» (الأنعام/ 159) وفي الروايات:


1- معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 238 عن إملاء ما منَّ به الرحمن للعكبرى والمحتسب لابن جني والبحر المحيط.
2- نفس المصدر: ج 2، ص 235 عن تفسير القرطبي، الكشاف، المحتسب والبحر المحيط.
3- نفس المصدر: ج 2، ص 248 عن جامع البيان، الاعراب للنحاس، التيسير للداني، الحجة لابي زرعة وغيرهم وهي قراءة الكسائي، ابن عباس، عائشة، مجاهد و ...
4- نفس المصدر: ج 2، ص 265 عن: اتحاف فضلاء البشر، جامع البيان، الكشاف، معاني القرآن للفراء، النشر لابن الجزري وغيرهم وهي قراءة أبي بكر، الأعمش، الكسائي، نافع و ...

ص: 666

«فارقوا» بدل «فَرَّقوا» من الرقم 314 إلى 317 (4 أحاديث) (1).

ومن سورة المائدة:

قال اللَّه تعالى: «... فَاغسِلوا وُجُوهكم وأيديَكم إلى المرافق وامسَحوا برُءُوسِكم وأَرجُلَكم إلى الكعبين ...» (المائدة/ 6) وفي الروايات بالرقم 269 إلى 274 (5 أحاديث): «من المرافق» بدلًا من «إلى المرافق» و «أرجُلِكم- بخفض اللام-» بدلًا من «أرجلَكم» (2).

قال اللَّه تعالى: «يا أيّها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربِّك ...» (المائدة/ 67) وفي الروايات من الرقم 275 إلى 286 (12 حديث): «... بلِّغ ما أنزل إليك من ربّك- في عليّ- ...» (3).

ومن سورة الأعراف:

قال اللَّه تعالى: «وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ...» (الأعراف/ 47) وفي الرواية الرقم 320: «إذا قلبت» (4) بدل «إذا صرفت».

ومن سورة الأنفال:

قال اللَّه تعالى: «يسألونك عن الأنفال ...» (الأنفال/ 1) وفي الروايات من الرقم 337 إلى 341 (5 أحاديث) «يسألونك الأنفال» بحذف حرف الجر (5).


1- الدرّ المنثور: ج 3، ص 402 عن الفريابي، عبد بن حميد، ابن جرير، ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب إنّه قرأها «فارقوا» وعن ابن مردويه عن أبي هريرة: سمعت النبي يقرأ «فارقوا دينهم ...». وهي أيضاً قراءة حمزة والكسائي والحسن. انظر: معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 328.
2- معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 195 أوردها عن جمع كثير من الصحابة والتابعين.
3- الدرّ المنثور: ج 3، ص 117 وشواهد التنزيل: ج 1، ص 249 في قراءة ابن مسعود.
4- معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 364 عن البحر المحيط والكشاف في قراءة الأعمش.
5- نفس المصدر: ج 2، ص 437 عن تفسير الطبري، الكشاف، الاعراب للنحاس، البحر المحيط وغيرهم وهي قراءة ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعليّ بن الحسين ومحمد بن عليّ الباقر وزيد بن عليّ وطلحة وعكرمة وعطاء و ...

ص: 667

قال اللَّه تعالى: «واتقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّةً» (الأنفال/ 25) وفي الروايتين الرقم 342 و 343 (حديثان) «لتصيبن» بدل «لا تصيبن» (1).

قال اللَّه تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللَّه والرسول وتخونوا أماناتكم ...» (الأنفال/ 27) وفي الرواية بالرقم 345 بزيادة «في آل محمّد» بعد أماناتكم (2).

من سورة التوبة:

قال اللَّه تعالى: «لا يزال بنيانهم الذي بَنوا ريبةً في قلوبهم إلّاأن تَقَطَّع ...» (التوبة/ 110) وفي الروايتين بالرقم 363 و 364 (روايتان): «إلى» بدل «إلّا» (3).

قال اللَّه تعالى: «التائبون العابدون الحامدون ...» (التوبة/ 112) وفي الروايات من الرقم 365 إلى 369 (5 أحاديث) التابعين العابدين ... (4).

قال اللَّه تعالى: «وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتّى ...» (التوبة/ 118) وفي الروايات من الرقم 370 إلى 376 (7 أحاديث) خالفوا (5) بدل «خُلِّفوا».

قال اللَّه تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه وكونوا مع الصادقين» (التوبة/ 119) وفي الرواية بالرقم 377 «كونوا من الصادقين» بدل مع الصادقين (6).


1- معجم القراءات القرآنية: ج 2، ص 446 عن تفسير القرطبي، الكشاف، المحتسب لابن جني وغيرهم وهي قراءة جمع من الصحابة والتابعين.
2- شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 270.
3- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 44 عن تفسير الطبري، القرطبي، الزمخشري وغيرهم وهي قراءة يعقوب، عاصم، قتادة، الحسن، أبي حاتم وغيرهم.
4- نفس المصدر: ج 3، ص 47 عن تفسير القرطبي، الزمخشري وغيرهما وهي قراءة أُبيّ بن كعب، عبد اللَّه بن مسعود والأعمش.
5- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 50 عن تفسير القرطبي، البحر المحيط، تفسير فخر الرازي وغيرهم. وهي قراءة جمع كثير من التابعين.
6- نفس المصدر: ج 3، ص 51 عن البحر المحيط، تفسير الطبري، الكشاف وغيرهم وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس.

ص: 668

من سورة يونس:

قال اللَّه تعالى: «قل لو شاء اللَّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ...» (يونس/ 16) وفي الرواية بالرقم 380 بدل «لا أدراكم» «لا أدرأكم» و «لا أنذرتكم» (1).

من سورة هود:

قال اللَّه تعالى: «ألا إنّهم يثنون صُدُورَهم» (هود/ 5) وفي الرواية بالرقم 381، يَثْنَونِي بدل «يثنون» (2).

قال اللَّه تعالى: «أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة ...» (هود/ 17) وفي الروايات من الرقم 383 إلى 388 (6 أحاديث) قدمت إماماً ورحمة وجعلتها بعد «ويتلوه شاهد منه» (3).

قال اللَّه تعالى: «... ونادى نوح ابنَهُ وكان في معزلٍ ...» وفي الروايات من الرقم 389 إلى 396 (8 أحاديث) ابنهَ، أي ابنها يعني ابن امرأته (4).

من سورة يوسف:

قال اللَّه تعالى: «... وقالت هَيْتَ لك ...» (يوسف/ 23) وفي الروايتين بالرقم 406 و 407، «هيئت» بدل: «هيتَ لك» (5).


1- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 64 عن البحر المحيط، تفسير الطبري، الكشاف وغيرهم وهي ولا أنذرتكم قراءة ابن عباس، عبد اللَّه بن مسعود، الأعمش، شهر بن حوشب وفي قراءة الحسن «لا أدرأكم».
2- نفس المصدر: ج 3، ص 101 عن إملاء ما منَّ به الرحمن للعكبري، والبحر المحيط والكشاف وهي قراءة جمع من الصحابة كابن عباس والتابعين كمجاهد، زيد بن عليّ، محمد بن عليّ وغيرهم.
3- وبمعناه في شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 359- 369.
4- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 112 عن الاعراب للنحاس، البحر المحيط، تفسير القرطبي والزمخشري وغيرهم وهي قراءة عليّ بن أبي طالب وعليّ بن الحسين، وأبي جعفر محمّد بن عليّ عليهم السلام وغيرهم.
5- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 159 عن تفسير الطبري، القرطبي، الزمخشري وغيرهم عن كثير من الصحابة والتابعين.

ص: 669

قال اللَّه تعالى: «... قد شَغَفَها حُبّاً ...» (يوسف/ 30) وفي الروايات من الرقم 408 إلى 410 (3 أحاديث) «شعفها» بدل «شغفها» (1).

وغيرها من صور اختلاف القراءات كما في سورة يوسف ك «سنابل» (2) بدل «سنبلات» (في الآية 46) و «قرّبتم» (3) بدل «قدمتم» (في الآية 48) و «يُعصَرون» (4) بدل «يَعصرون» (في الآية 49) و «كُذِبوا» (5) بالتخفيف بدل «كُذِّبوا» (في الآية 110) وهكذا غيرها من السور ...

وقد أورد المحدث النوري الروايات التي في الواقع تعدّ في زمرة الاختلاف في القراءات أو الزيادات التفسيرية في باب تحريف القرآن وتبديله، وبلغ بها إلى ألف رواية وزعم الآخرون كإحسان ظهير زوراً وجهلًا وبدون تفقه وتريّث تبعاً للنوري أنّها تدلّ على تحريف القرآن وأضافوا عليها ظلمات بعضها فوق بعض ويقولون تارة (كرّات ومرّات) «هل من مجيب!» (6) وأخرى (وهم ينصحون الشيعة) «فارجعوا إلى الحق والصواب وتوبوا إلى اللَّه وتبرؤا من هذا الدين الشائن» (7).


1- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 164 عن تفسير الطبرى، القرطى، الزمخشرى، فخر الرازى و غير هم عن جمع كثير من الصحابة والتابعين.
2- معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 174.
3- نفس المصدر: ج 3، ص 174.
4- نفس المصدر: ج 3، 175.
5- نفس المصدر: ج 3، ص 197 و هى قراءة جمع كثير من الصحابة و التابعين.
6- الشيعة و القرآن: ص 50.
7- نفس المصدر: ص 60.

ص: 670

وعلى كلّ حال فإنّ في هذا المقدار من هذه الروايات كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقد وردت في مصادر الفريقين، وأصبحت الحقيقة واضحة وكافية لكلّ منصف، ولولا خوف الإطالة لفصّلت القول في ما بقي من الأحاديث بشكل كامل من مصادر أهل السنة في حدود بضاعتي المزجاة حتى يتّضح الأمر بأنّ أكثر هذه الأحاديث غير مختصة بكتب الشيعة، بل هي في موارد متعددة من كتب أهل السنة (1) من قبيل: «صحيح البخاري» و «صحيح


1- أرقام تلك الروايات بالإجمال كالتالي: من سورة يوسف: من الرقم 413 إلى 421 ومن الرقم 423 إلى 428. ومن سورة الرعد: من الرقم 435 إلى 445. ومن سورة إبراهيم: الرقم 448 و 449 ومن الرقم 450 إلى 458. ومن سورة الحجر: من الرقم 464 إلى 477. ومن سورة النحل: من الرقم 483 إلى 499. ومن سورة الإسراء: من الرقم 500 إلى 506 و 527 و 528. ومن سورة الكهف: من الرقم 537 إلى 555. ومن سورة مريم: من الرقم 556 إلى 564. ومن سورة طه: من الرقم 565 إلى 568 و 574. ومن سورة الأنبياء: من الرقم 575 إلى 583. ومن سورة الحج: من الرقم 585 إلى 588 و 592 إلى 620. ومن سورة المؤمنون: الرقم 662. ومن سورة النور: الرقم 623 و 625 و 627 إلى 634. ومن سورة الفرقان: الرقم 641 و 642 و 651. ومن سورة الشعراء: من الرقم 659 إلى 667. ومن سورة النمل: الرقم 671 و 675 و 676. ومن سورة العنكبوت: الرقم 677. ومن سورة الروم: من الرقم 678 إلى 681. ومن سورة لقمان: الرقم 683 و 684. ومن سورة السجدة: الرقم 685 و 686. ومن سورة الأحزاب: من الرقم 687 إلى 698 و 706. ومن سورة سبأ: من الرقم 709 إلى 713. ومن سورة يس: من الرقم 715 إلى 718 و 720 و 721 و 724. ومن سورة الصافات: من الرقم 726 إلى 750. ومن سورة الزمر: من الرقم 760 إلى 766. ومن سورة الشورى: الرقم 778 و 779. ومن سورة الزخرف: من الرقم 796 إلى 799 و 804. ومن سورة الأحقاف: الرقم 810 و 813. ومن سورة محمّد: الرقم 820 و 823 و 828 و 831. ومن سورة الحجرات: من الرقم 833 إلى 836. ومن سورة ق: من الرقم 837 إلى 840. ومن سورة الرحمن: من الرقم 856 إلى 863. ومن سورة الواقعة: من الرقم 864 إلى 875. ومن سورة الجمعة: من الرقم 882 إلى 893. ومن سورة المنافقون: الرقم 894 و 895. ومن سورة الطلاق: الرقم 900. ومن سورة التحريم: من الرقم 901 إلى 910. ومن سورة المعارج: من الرقم 925 إلى 930. ومن سورة المدثر: الرقم 929. ومن سورة المرسلات: الرقم 945. ومن سورة النبأ: الرقم 946. ومن سورة عبس: الرقم 951. ومن سورة التكوير: من الرقم 972 إلى 974. ومن سورة المطففين: الرقم 977. ومن سورة الأعلى: الرقم 984. ومن سورة الغاشية: من الرقم 985 إلى 987. ومن سورة الشمس: من الرقم 995 إلى 997. ومن سورة الليل: الرقم 998 و 999 و 1003. ومن سورة الضحى: الرقم 1010 و 1011. ومن سورة الانشراح: من الرقم 1013 إلى 1020. ومن سورة التين: من الرقم 1021 إلى 1026. ومن سورة القدر: الرقم 1027 و 1028 و 1030. ومن سورة البيّنة: الرقم 1039. ومن سورة الزلزلة: الرقم 1041 و 1042. ومن سورة العاديات: الرقم 1043. ومن سورة التكاثر: الرقم 1045. ومن سورة العصر: من الرقم 1046 إلى 1051. ومن سورة المسد: الرقم 1058.

ص: 671

مسلم» وغيرهما من الصحاح والمسانيد (1) والتي نقلت عن كبراء الصحابة


1- كالآية 52 من سورة الحج وهي قوله تعالى: «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيٍ- ولا محدَّثٍ- إلّا إذا تمنّى ...» عدّها النوري في ضمن روايات التحريف من الرقم 594 إلى 620 وهو قول ابن عباس في الآية. انظر: البخاري مع الفتح: ج 7، ص 42 من كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب. وقال ابن حجر: «... كأنّ ابن عباس زاد فيها ولا محدّث ... وإسناده إلى ابن عباس صحيح». نفس المصدر: ج 7، ص 51. وكالآية 1 من سورة تبت وهي قوله تعالى: «تبت يدا أبي لهب و- قد- تب» أوردها النوري بالرقم 1058 وأخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة تبت، انظر: البخاري مع الفتح: ج 8، ص 737. وكالآية 1 من سورة الطلاق وهي قوله تعالى: «يا أيّها النبيّ إذا طلقتم النساء فطلقوهنّ- في قُبُل- عدتهنّ ...» أوردها النوري بالرقم 900 وقال السيوطي: أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في سننه ... وقرأ النبيّ «يا أيّها النبيّ إذا طلقتم النساء فطلقوهنّ- في قُبُل- عدّتهنّ». انظر: الدرّ المنثور: ج 8، ص 190. وكالآية 3 من سورة الليل: «وما خلق الذكر والانثى» وفي الرواية «والذكر والانثى» أوردها المحدث النوري في ضمن روايات التحريف بالرقم 998 و 999 و 1003 وهي رواية أخرجها البخاري في صحيحه بطريقين، انظر: صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة الليل: ج 6، ص 210- 211 وهكذا في سورة الشعراء: «وأنذر عشيرتك الأقربين- ورهطك منهم المخلصين-» عدّها المحدث النوري في ضمن روايات التحريف من الرقم 659 إلى 663 و 667 وهي رواية أوردها جمع الحفاظ. انظر نص كلام السيوطي: أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما نزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين- ورهطك منهم المخلصين-» ... وأخرج ابن جرير عن عمرو بن مرة إنّه كان يقرأ الخ وغيرها.

ص: 672

والتابعين (1).

بل إذا فهرسنا الأحاديث التي أوردها المحدث النوري من مصادر أهل السنة فستكون أكبر حجماً وأكثر عدداً وإن كانت هذه الروايات على خلاف توهّم المحرفين وعناد المتعصبين لا دلالة فيها على المعنى المتنازع فيه أي التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن الكريم.

v

v

v


1- كقراءة عمر بن الخطاب و عبدالله بن مسعود فى سورة التين «و طور سينين» الآية/ 2 قرءا «سيناء» بدل «سينين». انظر: معجم القرءات القرآنية: ج 8، ص 191 و عدها النورى فى ضمن أحاديث التحريف من الرقم 1021 إلى 1022 قراءة «فامضوا» بدل «فاسعوا» فى سورة الجمعة الآية/ 9 و هى قراءة جمع من كبراء الصحابة و التابعين. انظر: معجم القراءات القرآنية: ج 7، ص 147 و 148 و قراءة «و جاءت سكرةالحق بالموت» سورة ق/ 19 عن الخليفة أبى بكر. انظر: نفس المصدر: ج 6، ص 234 و عدها النورى أيضا فى ضمن روايات التحريف من الرقم 837 إلى 840 و قراءة «فروح» بضم الراء بدل «فروح» فى الآية 89 من سورة الواقعة عن جمع كثير منهم عائشة، انظر: نفس المصدر: ج 7، ص 75 و أوردها النورى ضمن روايات التحريف بالرقم 874 و 875 و ....

ص: 673

دراسة ونقد آراء محمد مال اللَّه

كتاب الشيعة وتحريف القرآن في سطور

دعاوى محمد مال اللَّه في ميزان النقد

ص: 674

ص: 675

كتاب «الشيعة وتحريف القرآن» في سطور

اشارة

كتاب الشيعة وتحريف القرآن مؤلفه محمد مال اللَّه والتقديم للدكتور محمد أحمد النجفي، طبع إلى 1409 ه. ثلاث مرات.

قال الدكتور محمد أحمد النجفي في تقديمه على كتاب مال اللَّه ص 165:

«والمؤلف يكشف لنا في هذا الكتاب حقيقة مذهب الشيعة الإمامية ومعتقدهم في كتاب اللَّه عزّ وجلّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بقولهم أنّه محرّف ومنقوص».

وقال مؤلف الكتاب في مقدمته بعد أن أورد آيات من كلام اللَّه ومنها: «يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللَّه وقولوا قولًا سديداً* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللَّه ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً» (الأحزاب/ 70- 71) قال:

«فهذه رسالة صغيرة في حجمها وإن شاء اللَّه تعالى عظيمة في نفعها تبين عقيدة الشيعة في القرآن الكريم وهي التحريف والنقصان فيه ...

ومنذ أن منّ اللَّه سبحانه وتعالى عليّ بنعمة البحث لم أتناول قضية من قضايا الفكر الشيعي إلّاورجعت إلى المصادر الشيعية وليس كل المصادر بل المصادر الموثوقة والمعتمدة عند الشيعة».

ص: 676

وأنا أرحب بأي نقد أو ردّ على هذه الرسالة المتواضعة وكل ما أرجوه أن يعتمد الناقد في نقده الاسلوب العلمي الخالي من التجريح والقذف فالحقائق لا تعرف بالعصبية وبالحمق ولا بالسب والقذف إنّما بالاسلوب الهادئ العلمي الموضوعي» (1).

وهكذا ألزم محمد مال اللَّه نفسه بالقول السديد اعتماداً على الآية القرآنية وبمراجعة المصادر الموثوقة والمعتمدة لدى الشيعة (وقريباً ما يتبيّن زيف ادّعائه هذا وعدم التزامه به) ويدعو الناقد إلى التمسك بالأسلوب العلمي في نقده والإبتعاد عن التجريح والقذف والسب في حين أنه نفسه لم يلتزم بذلك كأنّه لم يمرّ على سمعه كلام اللَّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «يا أيّها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند اللَّه أن تقولوا ما لا تفعلون» (سورة الصف/ 2- 3).

وكيف يطالب مال اللَّه بالبحث العلمي النزيه وقد استفتح كتابه والذي هو بقلم الدكتور محمد أحمد النجفي بالبذاء والسب والقذف والطعن، هذا وقد ذكر مال اللَّه نفسه في المقدمة ومن دون استدلال وتمهيد:

«... إنّ الذي غرس بذرة الفكر الشيعي عبد اللَّه بن سبأ المعروف بابن السوداء اليهودي».

مع إنّ هناك شكوك في أصل وجود مثل هذا الشخص فلاحظ: «الفتنة الكبرى» للدكتور طه حسين: ج 2، بحث «عليّ وبنوه» و «عبد اللَّه بن سبأ» للسيد مرتضى العسكري فقد أثبت فيه بأدلّة قويّة مقنعة أن هذا الاسم لا حقيقة له.

وأيضاً قال مال اللَّه في المقدمة:

«الرافضة أعظم ذوي الأهواء جهلًا وظلماً ... ويوالون الكفّار


1- المقدمة: ص 7- 8.

ص: 677

والمنافقين وأصناف الملحدين» (1).

واعتمد على قول ابن تيمية في كتابه منهاج السنة حيث نقل قوله:

«كانوا [أي الرافضة] أعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة للكافرين وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير حتى جعلهم الناس لهم كالحمير» (2).

وابن تيمية إمام أهل السب والطعن حتى قال ابن حجر في حقّه:

«طالعت الكتاب المذكور [أي كتاب منهاج السنة] ... وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي [أي العلّامة الحلّي] أدّته أحياناً إلى تنقيص عليّ رضي اللَّه عنه ...» (3).

وعلى أيّ حال فكتاب مال اللَّه ليس هو بالمكان الذي تظاهر به ولا جدير بالإجابة لكن وحتى لا يخفى على المراجع لأمثال هذا الكتاب الأباطيل التي ذكرها نستعرض هنا بصورة موجزة بعض محتويات الكتاب.


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 6. وأعجب منه مما يضحك الثكلى في القضايا السياسية المعاصرة إنّه يعدّ إيران صديقة لإسرائيل استناداً لقول عميل امريكي وهو ابو الحسن بني صدر ويتغافل عن الحقيقة الواضحة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أنّ إيران هي أكبر عدوة لإسرائيل حتى قال رئيس الوزراء الصهيوني عشية انتصار الثورة الإسلامية في إيران: لقد بدأ عصر الظلمات، ومتناسياً كلّ مواقف الإمام الخميني الصريحة والفريدة والشجاعة ضد الصهاينة الغزاة.
2- نفس المصدر: ص 7.
3- لسان الميزان: ج 7، ص 530، رقم الترجمة: 9465.

ص: 678

دعاوى محمد مال اللَّه في ميزان النقد

اشارة

نظم مال اللَّه كتابه في أبواب ثلاثة وهي:

الباب الأول: المدخل إلى عقائد الشيعة

الباب الثاني: علماء الشيعة وتحريف القرآن.

الباب الثالث: نماذج من تحريفات الشيعة للقرآن، وفي هذا الباب أيضاً ردّ على تخرصات بعض الشيعة على أهل السنة يعترفون بالتحريف.

والذي يرتبط ببحثنا هنا هو الباب الثاني والثالث منه.

علماء الشيعة وتحريف القرآن

قال مال اللَّه في أوائل الباب الثاني مستلخصاً لما توصل إليه حسب زعمه:

«ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني صاحب الكافي والروضة، والقمي صاحب التفسير، والشيخ المفيد، والطبرسي صاحب الاحتجاج، والكاشي، ونعمة اللَّه الجزائري، والأردبيلي، والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة الإثني عشرية إلى القول بتحريف القرآن وأنه أسقط من القرآن كلمات بل آيات حتى أن أحد علمائهم المتأخرين وهو النوري صنف كتاباً أسماه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» أورد فيه كلام علماء الشيعة القائلين بالتحريف، غير أن بعض علماء الشيعة أمثال الطوسي صاحب التبيان، والشريف المرتضى والطبرسي صاحب مجمع البيان لعلوم القرآن، وبعض منهم في العصر الحاضر أنكروا وقوع التحريف، وربما يظن القاري ء أن ذلك الإنكار صادر عن عقيدة بل الحقيقة أن ذلك من منطلق التقية التي يحتمون بها، وفي ذلك نقل النوري عن الجزائري صاحب «الأنوار النعمانية» قوله: «إنّ الأصحاب قد أطبقوا

ص: 679

على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن». وقال أيضاً: «إنّ الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيرهم بل الشيخ (أبو جعفر الطوسي) أيضاً صرح في التبيان بكثرتها بل ادعى تواترها جماعة. وقال: «واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية». وأما إنكار المرتضى للتحريف فيرد عليه أحد علماء الهند الشيعة في كتابه ضربة حيدرية ج (2/ 81) بقوله: «فإن الحق أحق بالاتباع ولم يكن السيد علم الهدى (المرتضى) معصوماً حتى يجب أن يطاع، فلو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا خير فيه».

ورغم شبه الإجماع من قبل علماء الشيعة على وقوع التحريف فإننا لا نفتأ إلّاونسمع نعيق ناعق (1) من الشيعة ينكر ذلك بل يدعي الإجماع بعدم التحريف والنقصان، ولنأخذ نموذجاً من أولئك الناعقين وهو محسن الأمين الذي يقول في كتابه «الشيعة بين الحقائق والأوهام» ص 160: «دعوى إجماع كتب الشيعة على ذلك (التحريف) زور وبهتان بل كتب المحققين ومن يعتنى بقولهم من علماء الشيعة مجمعة على عدم وقوع تحريف القرآن لا بزيادة ولا نقصان، وتفصيل الكلام


1- انظر مدى هشاشة عقله وسخافة طبعه يصف الذين دافعوا عن سلامة القرآن وأكدوا على صيانته بالنعيق والكذب و ...، كأنّه إذا سمع نداء الحق لا يتخذه حجة ولا سبيلًا وإن سمع نداء التفرق والتحريف اتخذه طريقاً وذريعة وسبيلًا، سبحان اللَّه كأنه يترصد ثغرات المسلمين حتى يصبّ عليهم حممه دون تمييز.

ص: 680

في ذلك أنّه اتفق المسلمون كافة على عدم الزيادة في القرآن، واتفق المحققون وأهل النظر من الشيعيين والسنيين على عدم وقوع النقص، ووردت روايات شاذة من طريق السنيين ومن بعض علماء الشيعة تدل على وقوع النقص ولحقها فلم يبق لها قيمة وإليك ما قاله رؤساء الشيعة ومحققوهم في هذا الشأن». ثم ذكر قول الصدوق والطوسي والشريف المرتضى والطبرسي وغيرهم من علماء الشيعة القلائل.

ونحن نقول له: دعواك الإجماع بعدم النقيصة مردود عليك بأقوال علمائك كما سبق وكما سيأتي في ذكر أقوال علماء الشيعة المقرين بوقوع ذلك من هذه الفصل، وأما روايات التحريف شاذة فإنني ما رأيت أحد علماء الشيعة تعرض لنقد تلك الروايات التي وردت في الكافي وتفسير القمي، وأقوال علماء الشيعة مثل الكليني والمفيد والنوري وغيرهم.

بخلاف أهل السنة فإنهم حكموا بكفر من يعتقد هذا، ولم يذكروا تلك الروايات التي هي شاذة إلّاوذكروا أنها منسوخة أو غير متواترة القراءة فهل هذا يوجد عند الشيعة؟ ويكفي هذا ولنستعرض أقوال أئمتك المحققين وأهل النظر لنرى رأيهم في التحريف، ...» (1).

والآن نلاحظ هل أنّ ادعاءات مال اللَّه صحيحة أم لا؟

هل إنّ أغلب علماء الشيعة قالوا بتحريف القرآن؟

وهل إنّ الأشخاص الذين سرد مال اللَّه أسماءهم نظير: الكليني، القمي، المفيد و ... قائلون بالتحريف؟

وهل إنّ إنكار تحريف القرآن من قبل علماء الشيعة من باب التقية؟


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 57- 58.

ص: 681

وهل إنّ ادّعاء نعمة اللَّه الجزائري حول صحة أخبار الباب وزيادتها على ألفي حديث في الكتب المعتبرة- حسبما تشبّث به مال اللَّه- قابل للإثبات أو إنّ هذه الادّعاءات باطلة عند التحقيق.

وهل إنّ مؤلف كتاب «الضربة الحيدرية» كان مصيباً في حكمه حينما ردّ وجهات نظر السيد المرتضى؟

وهل ادّعاء العلّامة محسن الأمين العاملي حينما يقول: «روايات التحريف شاذة» ادعاء باطل لا أساس له؟

وهل لم يتعرض في الواقع أحد من علماء الشيعة بالنقد والتجريح لتلك الروايات؟

وهل أهل السنة الذين حكموا بكفر من يعتقد هذا لم يذكروا تلك الروايات إلّا وذكروا أنّها منسوخة أو غير متواترة القراءة؟

وهل الروايات من هذا السنخ في كتب أهل السنة شاذة؟

وهل ...؟

أحسب أنّنا لا نجد حاجةً إلى نقد كتاب مال اللَّه والأجوبة التفصيلية لتلك الأسئلة وإن كان قد توهم مال اللَّه في هذا التحقيق أنه سار على جادة الصواب وأن آراءه وأفكاره في منأى من النقد، وكتب يقول:

«ولا أظنّ أنه بعد هذا ينكر وقوع التحريف والنقصان جانب الشيعة وأتحدى كل الشيعة للردّ على علمائهم الآتي ذكرهم في هذه الفصول» (1).

لأنّه قد تمّ نقد كافة ما ادّعاه مال اللَّه حينما تعرضنا لآراء الدكتور القفاري وإحسان إلهي ظهير بمزيد من النقد لكن نكتفي هنا بالإجابة السريعة لتلك الأسئلة.


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 58.

ص: 682

أولًا: إنّ من اتّهم علماء الشيعة بتحريف القرآن فقد جهل مواقفهم بالمرة، هذا إلى جانب أنه وقع في خلط واشتباه فاحش لأنّ مؤلفي كتب التفسير والحديث الذين اتهموا بالقول بالتحريف إثر وجود روايات التحريف في كتبهم لم يكن لهم همّ سوى جمع الأحاديث دون التحري والتفقه ورفع التعارض بين محتواها وإذا كان هذا الاتهام صحيحاً فلابدّ أن يوجه بشكل صارخ إلى مؤلفي كتب الحديث والتفسير عند أهل السنة أيضاً التي نقلت كمّاً كبيراً من روايات التحريف، ولا تخفى هذه النكتة على أهل التحقيق.

ثانياً: لا يرد بحث التقية هنا، والذين ركزوا على هذا البحث فإما إنّهم غفلوا عن معنى التقية وحدّها وحدودها وإمّا إنّهم تغافلوا لأنّ مستند القائلين بالتحريف هو روايات الفريقين ومع كميّة هائلة من تلك الروايات في كتب أهل السنة ووجود من يقول في أوساطهم بتحريف القرآن لا يصحّ التحدث عن التقية لانكار تحريف القرآن لدى الشيعة أبداً.

ثالثاً: إنّ ادعاء نعمة اللَّه الجزائري حول صحة أخبار الباب وزيادتها على ألفي حديث ادعاء عارٍ عن الصحة، ولم يلتزم به مال اللَّه أيضاً، لأنّ هذه الأحاديث ليست هي إلّاالأحاديث التي جمعها المحدث النوري في كتابه «فصل الخطاب»، ويكفي أن تلقي نظرة على بحثنا «فصل الخطاب ونقاط مهمة» سوف تجد:

أ: إنّ كثيراً من هذه الأحاديث جاءت متشابهة في كتب الفريقين كما رأيتم نبذة منها آنفاً في نقد آراء إحسان إلهي ظهير.

ب: يتضح من خلال التأمل في هذه الأحاديث أن أغلبها لا تتعرض إلى التحريف الذي محل النزاع.

ج: بملاحظة كتاب «القرآن الكريم ورواية المدرستين» الذي تعرض لدراسة أسانيد هذه الأحاديث، تجد أن الروايات صحيحة السند لا يتجاوز عددها عدد

ص: 683

الأصابع.

فإذا ظنّ مال اللَّه صحة كلام السيد نعمة اللَّه الجزائري القائل: هذه الأخبار صحيحة من حيث السند، وتدل على وقوع التحريف في القرآن، فينبغي على مال اللَّه أن يسري الحكم بالتحريف إلى أهل السنة أيضاً، لأنّ الأحاديث الواردة حول التحريف في كتبهم أكثر بكثير من كتب الشيعة، ومع جهل مال اللَّه بهذه النكتة فقد نقل ما يقارب 202 حديث من كتاب «فصل الخطاب» وأدرجها في الباب الثالث من كتابه تحت عنوان «نماذج من تحريفات الشيعة للقرآن» لكي يتّهم الشيعة بالتحريف وغفل عن أن أكثر هذه الأحاديث جاءت في الكتب المعتبرة لأهل السنة، وقد أصحر الدكتور القفاري بجهل مال اللَّه حينما كتب يقول:

«الروايات التي جمعها مال اللَّه في كتب الشيعة في هذا الباب ما ليس بصريح في هذا الأمر- أي أمر التحريف- بل هو مندرج بشكل واضح في باب التأويل واعتبرها مال اللَّه- وقبله إحسان إلهي ظهير- بجهل من قبيل التحريف والسبب في ذلك هو اعتمادهم بدون تدبر على كتاب فصل الخطاب» (1).

رابعاً: إنّ أدلّة سلامة القرآن من التحريف هي من الوضوح بمكان لا يبقى معها أي شك أو ترديد، لذلك فإنّ كل شخص سواء كان شيعياً أو سنياً إذا تعقب الدليل دون أي تعصب فسوف يرضخ للأمر الواقع وهو سلامة القرآن من التحريف.

فذلك لو فرض أن شخصاً مثل مؤلف «الضربة الحيدرية» لا يرتضي رأي السيد المرتضى بعدم تحريف القرآن لا يعبأ بقوله أبداً وبالأخص أن دليل مؤلف «الضربة الحيدرية» على مدعاه هذا في غاية الوهن لأنّ دليله فقط هو: «اشتغال الإمام عليّ عليه السلام بجمع القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم»


1- اصول مذهب الشيعة: ص 289.

ص: 684

وقد قمنا بدراسة مصحف الإمام عليّ تفصيلًا وإذا كان قوله في حق السيد المرتضى صحيحاً وحقاً لوجب على مال اللَّه أن ينقاد لقول الحق هذا، ويعمم هذا الحكم لكثير من علماء أهل السنة الذين أخبروا عن مصحف الإمام عليّ وفي نفس الوقت أنكروا تحريف القرآن.

خامساً: إنّ دعوى اجماع علماء الشيعة من قبل العلامة محسن الأمين العاملي على عدم التحريف في القرآن ليست بلا دليل، فانظر «شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف» في المقام الأول. والغريب حقاً أن مال اللَّه ينقض ادعاء العلامة محسن الأمين بقوله:

«دعواك الإجماع بعدم النقيصة مردود عليك بأقوال علمائك كما سبق وكما سيأتي في ذكر أقوال علماء الشيعة المقرين بوقوع ذلك من هذا الفصل» (1).

لا بدّ أن يكون مراد مال اللَّه من عبارة «بأقوال علمائك كما سبق» هو السيد نعمة اللَّه الجزائري الذي مرّ نقل عبارته، إلّاأن نعمة اللَّه الجزائري تعرض- حسب رأيه- إلى مقدار الأخبار والأسانيد في هذا الصدد ولم يكن بصدد بيان وجهات نظر علماء الشيعة في هذا الشأن.

وأمّا قول مال اللَّه «وكما سيأتي في ذكر أقوال علماء الشيعة المقرين بوقوع ذلك» فهذا ناشي ء عن عزوفه عن الانصاف وعدم أمانته في النقل وسرد الآراء وعدم معرفته باصطلاحات المحدثين كما ستلاحظون إن شاء اللَّه.

سادساً: إنّ قول السيد محسن الأمين العاملي «روايات التحريف شاذة» فهو كلام متين وصحيح، لأنّ مراده من شذوذ الروايات، الروايات التي تشكل حول محور النزاع أي الأحاديث التي تدلّ على التحريف بالنقيصة والتغيير لا الأعم منها.


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 58.

ص: 685

وقد تناولنا هذه الأدلة بمزيد من التفصيل فيما سبق تحت عنوان «كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمة» كما إنكم لاحظتم في المقام الأول من هذا الكتاب بأنه لم يكتف علماء الشيعة قديماً وحديثاً بنقد هذه الروايات في كتب الشيعة بل ونقدها أيضاً في كتب أهل السنة، وهذا يكشف النقاب عن تورط مال اللَّه بجهله لما يقول:

«فإنني ما رأيت أحد علماء الشيعة تعرض لنقد تلك الروايات التي وردت في الكافي وتفسير القمي وأقوال الشيعة مثل الكليني والمفيد والنوري وغيرهم.»

سابعاً: إنّ قول مال اللَّه: «فإنّ أهل السنة حكموا بكفر من يعتقد هذا» لم يصدر عن وعي لأنّه بكلامه هذا سوف يتهم العديد من كبار أهل السنة بالكفر لأنه حسب وجهة نظر مال اللَّه إن من ينقل أحاديث تحريف القرآن في كتابه- مع قطع النظر عن علاجها سنداً ومتناً- لابد وأنه يعتقد بتحريف القرآن فلذلك ينبغي في وجهة نظر مال اللَّه أن ندرج مالك بن أنس مؤلف كتاب الموطأ والبخاري ومسلم مؤلفي الصحيحين وأحمد بن حنبل وغيرهم من أصحاب السنن والمسانيد في زمرة الكفرة لأنهم نقلوا هذا النوع من الأحاديث في كتبهم دون أن يبدوا علاجاً لها وحتى لو عالجها الآخرون فلا يُعبأ بقولهم لأن صرف وجود هذه الروايات في كتبهم في رأي مال اللَّه كفيل بإلصاق تهمة الكفر بهم، فهل يلتزم مال اللَّه ومن لفّ لفّه بهذا الحكم؟!

ثامناً: وهنا يفصح مال اللَّه عن جهله مرة أخرى بالنسبة لكميّة هذه الأحاديث في كتب أهل السنة وكيفية علاج مضامينها وأسانيدها لما يقول:

«وذكروا- أي أهل السنة- إنّ تلك الروايات هي شاذة وإنّها منسوخة أو متواترة القراءة» (1).

لكن الأحاديث في كتب أهل السنة وحسب اعترافهم ليست شاذة ولم


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 58.

ص: 686

يعالجوها فقط بنسخ التلاوة وغير متواترة القراءة، وقد مرّ تفصيله في مبحث «دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة» و «نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن روايات التحريف» في المقام الأول.

والحاصل إنّ مال اللَّه أو أي شخص آخر يلج هذا الموضوع لا يتيسر له الكشف عن الحقيقة إلّاإذا بحث المسألة من كافة جوانبها وإلّا سوف يجلب الفضيحة لنفسه، فلا يمكن له أن يستند إلى أقوال بعض علماء الشيعة الذين سلكوا طريق الإفراط من الأخباريين واقتصر همهم على جمع الأحاديث دون معالجة الأسانيد والمضامين نظير نعمة اللَّه الجزائري وأبي الحسن العاملي والمحدث النوري وهكذا أقوال بعض الصوفية الذين لم ينتهجوا سبيل التحقيق مثل سلطان محمد الجنابذي ثمّ يدعي جهلًا وبهتاناً أن الشيعة قاطبة قالوا بالتحريف ثمّ يتحدى الآخرين!!

ويكفي لكل منصف يمتلك تقوى في التحقيق أن يرجع إلى المقام الأول من بحثنا لتنكشف لديه مواقف علماء الشيعة ازاء التحريف وليعلم أن القرآن عند الشيعة وسائر الفرق الإسلامية مصون من التحريف، وليس استناد الزاعمين بالتحريف من الفريقين إلّاإلى روايات مخدوشة عند محققي الفريقين متناً وسنداً.

غيض من فيض: دراسة مال اللَّه عن موقف الكليني

كتب مال اللَّه في الفصل الثاني من كتابه تحت عنوان «الكليني وتحريف القرآن»:

«والكليني لا يختلف عن علماء الشيعة الذين يقرون ويعترفون بوقوع التحريف والنقصان في القرآن الكريم وحذف الآيات الدالة على مناقب آل البيت ومثالب الصحابة رضوان اللَّه عليهم وكتابيه الاصول من الكافي وروضة الكافي مليئان بالنماذج السابقة فنجده في الاصول من الكافي في الجزء الأول ص 421، 422، 430 والجزء الثاني ص 86، 366، 372، 379، 380، 381، 383، 388، 389،

ص: 687

390، 394، 395، 396، 419، 420، 421، 422، 424، 432 وفي كتابه روضة الكافي ص 43، 159، 160، 174، 175، 241، 242، 309 يستشهد بآيات محرفة ويزعم أنها حذفت من القرآن.

والقرآن الموجود عند الشيعة يعادل ثلاث مرات من القرآن الموجود بين أيدينا وما فيه حرف واحد منه فلقد ذكر الكليني في الكافي (1/ 457) عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات واللَّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد قال: قلت: هذا واللَّه العلم.

وتأكيداً لاعتقاد الكليني بالتحريف أورد في الكافي (4/ 456) عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إن القرآن جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلم سبعة عشر ألف آية» وكما هو معلوم إن عدد آيات القرآن الكريم تعادل تقريباً ثلث ما ذكر» (1).

ثمّ يشير مال اللَّه إلى الروايات حول جمع الإمام عليّ عليه السلام للقرآن بعد وفاة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ثم يستند في هذا الصدد إلى حديث جاء في الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام بقوله:

«ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلّاكذاب وما جمعه وحفظه كما أنزل اللَّه تعالى إلّاعليّ بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام».


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 62- 63.

ص: 688

وهكذا قوله عليه السلام:

«ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء».

ثمّ يدعو مال اللَّه علماء الشيعة بالإجابة على رأي الكليني ويقول:

«وبعد ماذا يقول علماء الشيعة في الكليني هل هو من المقرين بالتحريف أم لا؟ ننتظر اجابة علماء الشيعة، خاصة أنه لم يعلق بكلمة نفي واحدة حول تلك الروايات الدالة على التحريف والنقصان» (1).

ويتلخص هنا موقف مال اللَّه:

1- إنّ الكليني مثل سائر علماء الشيعة يقرّ ويعترف بتحريف القرآن ونقصانه، وكتابه الكافي وروضة الكافي مشحون بالروايات الدالة على حذف آيات من القرآن والّتي تدلّ على مناقب آل البيت ومثالب الصحابة.

2- طبقاً لرواية الكليني حول مصحف فاطمة، فإنّ القرآن الموجود عند الشيعة يعادل ثلاث مرّات القرآن الموجود (2).

3- طبقاً لرواية الكليني عن هشام بن سالم فإنّ القرآن 17 ألف آية في حين أن عدد آيات القرآن الكريم يعادل ثلث ما ذكر تقريباً.

4- وجود خبر مصحف الإمام عليّ وأيضاً روايتين حول جمع القرآن ظاهره وباطنه في كتاب الكافي جاءت كلّها لتؤكد نزوع الكليني إلى تحريف القرآن.

الجواب، أولًا: لو أمعنا في الروايات التي رقّمها مال اللَّه لتوصلنا إلى أنّ أغلبها- مع


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 64.
2- وفي إثر هذا كتب مال اللَّه في خاتمة كتابه: «والذي أجمع أهل السنة على من جحد منه [أي من القرآن] حرفاً أو زعم أن به نقصاً أو تبديلًا فقد كفر ... فكيف يدّعى أن هناك قرآناً لا يوجد منه حرف واحد من قرآننا». الشيعة وتحريف القرآن: ص 163.

ص: 689

إمعان النظر في تعابير إقراء، تنزيل، تحريف والتي جاءت في لسان الروايات وقد تناولناها بالتفصيل في بحوثنا السابقة- تعني تفسير وشرح الآيات وبيان أتمّ المصاديق والقراءات الواردة والتحريف في معاني الآيات المساوق للتفسير بالرأي، وهذه المواضيع خارجة بطبيعة الحال عن موضع النزاع الذي يعني تحريف وتغيير ألفاظ القرآن الكريم.

ثانياً: خلافاً لإدعاء مال اللَّه، فإنّ الروايات المذكورة لا تدلّ أبداً على حذف آيات دالّة على مناقب آل البيت ومثالب الصحابة بل ليس في كتب الشيعة اطلاقاً رواية تدلّ على حذف آيات من القرآن الكريم وإنّما أشارت الروايات إلى حذف كلمة أو جملة أو مقطع من آية فعلى هذا يمكن علاج مضامين هذه الروايات وحملها على تفسير وشرح مراد اللَّه أو بيان أتم المصاديق.

ثالثاً: إن الأحاديث التي نقلها مال اللَّه من كتاب الكافي هي في باب «النكت والنتف من التنزيل في الولاية» والذي يشتمل على أحاديث رقم 44 إلى 53 (ص 421- 422) وأحاديث رقم 84 إلى 88 (ص 43) وأحاديث رقم 44 إلى 47 و 47 و 49 و 50 و 52 و 53، وهذه الطائفة من الأحاديث كلّها ضعيفة عند الحفّاظ بلحاظ السند (1).

فلذلك فلا يكاد يعثر على حديث صحيح السند أو حسن أو حتى موثق، والأحاديث التي ذكرها مال اللَّه من الجزء الثاني في كتاب الكافي فهي اضافة إلى أنّها مخدوشة من حيث السند، لا تتعلق بموضوع بحثنا، وياللعجب فإنّ مال اللَّه لم يكلف نفسه عنان البحث في الصفحات المذكورة. وأنا أتحدّاه أن يعثر على حديث واحد من بين تلك الأحاديث التي ذكرها مال اللَّه وادّعى أنّها دالّة على التحريف، ولا أدري أي هدف يتعقبه مال اللَّه وأمثاله والذين يدّعون الإصلاح بين المسلمين، فلا


1- انظر: مرآة العقول للمجلسي: ج 5، ص 44- 67.

ص: 690

ينبغي خداع الآخرين بإحالتهم إلى صفحات لا تمس موضوع بحثنا وهو تحريف القرآن.

رابعاً: ليس هناك أي أثر للآيات التي يدعي مال اللَّه أنّها محرفة والتي نقلها من روضة الكافي، بل فيها أحاديث صريحة على عدم تحريف القرآن نظير رسالة أبي جعفر الباقر عليه السلام إلى سعد الخير قال عليه السلام:

«... وكان نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ...» (1).

وهذا تصريح بأن الكتاب العزيز لم ينله تحريف في نصّه لأنّه قال عليه السلام:

«أقاموا حروفه» وهو حفظها عن التغيير والتبديل وإن كانوا قد غيّروا من أحكامه ومعانيه و «حرّفوا حدوده».

خامساً: وكما سترون بتفصيل أكثر فإنّ مال اللَّه يفسر كلمة «مصحف» بالقرآن جهلًا وتجاهلًا ثم ينقل عن الكافي أحاديث من مصحف فاطمة دالّة- حسب زعمه- على تحريف القرآن، وغفل عن إنّ كلمة المصحف في المصادر السنيّة والشيعية جاءت في بعض الأحيان بمعناها اللغوي أي كل كتاب مجلد قرآناً كان أم غير قرآن والمراد من مصحف فاطمة: الكتاب الذي سجلت فيه الحوادث الواقعة إلى يوم القيامة، ويشاطر القرآن في إسم المصحف فقط.

سادساً: كتب مال اللَّه يقول: «قد يقول قائل من الشيعة لم ينفردوا بهذا، لقد وردت روايات متضمنة تحريف القرآن من طريق أهل السنة» ثم أورد مال اللَّه نزر يسير من تلك الروايات (ستة روايات) من مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم، وتصدّى لعلاجها من خلال الاستفاده من شرح النووي وكتاب «الإسلام والصحابة الكرام» لبهجة البيطار.

فإذا كانت الروايات الدالّة على التحريف- حسب زعم مال اللَّه- والتي نقلها من


1- الروضة من الكافي: ص 53، الرقم 16.

ص: 691

كتب الشيعة كافية في الإفصاح عن عقيدة مؤلفيها في التحريف لكان ينبغي أن يكون أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج من طليعة القائلين بالتحريف، ولكن بما إنّ النووي والبيطار عالجوا هذه الروايات بنحو يزول معه أي مجال للمناقشة، فنفس هذا الكلام يصدق على كتب الشيعة، فلا ينبغي على مال اللَّه أن يتهم الكليني ونظائره بالتحريف ما دامت هذه الروايات قد عالجها فقهاء الشيعة بنحو يزول معه أي مجال للمناقشة والشك، ومثالًا على ذلك فقد عالج علماء الشيعة الحديث الذيت ينقله الكليني عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه الذي يدلّ بظاهره على ذهاب ثلثي القرآن (وجاء نظيرها في كتب أهل السنة عن الخليفة عمر بن الخطاب) (1)وأيضاً الأحاديث الدالّة على جمع الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام للقرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم والتي وردت في مصادر الفريقين وأيضاً حديثان عن أبي جعفر الباقر عليه السلام وهما: «ما أدّعى أحد من الناس إنّه جمع القرآن ...»، و «ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن ...» وقد تناولنا فيما سبق علاج هذه الروايات عند علماء الشيعة بمزيد من التفصيل بحيث يزول معه أي شك (2).

والآن نعطف عنان القلم إلى نقد منهجي لادعاءات مال اللَّه.


1- كالرواية التي أخرجها السيوطي في الإتقان والمتقي الهندي في كنز العمال عن الطبراني في الأوسط وابن مردويه وأبي نصر السجزي عن الخليفة عمر بن الخطاب أنّه قال: «القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف» الإتقان: ج 1، ص 72، النوع التاسع عشر وكنز العمال: ج 1، ص 460، الحديث 2309 أي ذهب أكثر من ثلثي القرآن.
2- انظر: المقام الثاني، مبحث: «شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة- موقف الكليني من روايات التحريف-» ومبحث: «مصحف الإمام علي».

ص: 692

زلّات غير مغفورة لمال اللَّه في نسبته التحريف إلى الشيعة
اشارة

إنّ من أمعن في كتاب اللَّه يجد إنّ مؤلفه- ومع الأسف- من أجل نيل أهدافه وضع الإنصاف تحت قدميه، وانحرف عن جادة الأمانة العلمية، وعلى الرغم من أنّه يدّعي أنّه من أهل السنة إلّاأنّه يجهل بالمرّة مصادر أهل السنة ولا يعلم إنّ أغلب الأحاديث التي نقلها في الباب الثالث من كتابه في محاولة منه لاتهام الشيعة بالتحريف قد جاءت أكثرها في المصادر السنية لذلك- وكما اعترف بجهله الدكتور القفاري من قبل (1)- أتعجب من هذا المؤلف مع هذه الزلّة الفاحشة وغير المغفورة كيف يدّعي القول: «لا أظن إنّه بعد هذا ينكر وقوع التحريف والنقصان من جانب الشيعة» ثم يتحدّاهم بقوله:

«وأتحدّى كلّ الشيعة للردّ على علمائهم الآتي ذكرهم في هذه الفصول» (2).

أ: صدوف المؤلف عن الإنصاف في دراسته

لقد أسدل محمد مال اللَّه الستار على كثير من الحقائق، نظير:

أ: نقل ستة روايات فقط من روايات أهل السنة والتي تتضمن تحريف القرآن بينما كتب قاسم بن سلّام بعد ذكر بعض تلك الروايات يقول: «وأشباه له كثير» (3) وقال الآلوسي: «وهي أكثر من أن تحصى» (4) كما اختصّ النوري سبعة أبواب من اثني عشر من أبواب كتابه فصل الخطاب بنقل الروايات الدالة على التحريف- من زعم النوري- من كتب أهل السنة ورغم كل هذا (وادعاء مال اللَّه بأنّه قد قرأ


1- اصول مذهب الشيعة: ص 289.
2- الشيعة وتحريف القرآن: ص 57.
3- فضائل القرآن: ص 195.
4- روح المعاني: ج 1، ص 46.

ص: 693

كتاب فصل الخطاب) فقد مرّ عليها مال اللَّه مرور العميان دون أية اشارة لهذه الطائفة الكبيرة من الروايات.

ب: لا تنحصر الروايات الدالة بظاهرها على تحريف القرآن في كتب أهل السنة بالطائفة الواحدة التي أشار إليها مال اللَّه، بل هي تتوزع في ستة طوائف، وتشمل كلّ طائفة على روايات متعددة، وجاء ذكر الجميع في المقام الأول في مبحث «دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة».

ج: كتب مال اللَّه في علاج الروايات الستة التي نقلها من كتب أهل السنة بقوله:

«فالجواب بالنسبة لآية الرجم فهي مما نسخ لفظه وبقي حكمه ...

ويؤيد هذا قول عليّ رضي اللَّه عنه حين رجم المرأة قال:

«ورجمتها بسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم»

وهو يدلّ على أنّ عليّاً لا يقول بأن الرجم نزل في كتاب اللَّه ولا أنّه يدل عليه وحديث: «لو كان لابن آدم واديان من مال» لا يبلغ أن يكون قرآناً معجزاً إذ لو كان كذلك لبلغت رواياته بأنه من القرآن حد التواتر.

وأمّا رواية أبي موسى في مسلم: «إنّا كنّا نقرأ سورة ... فأنسيتها ...» فلو كانت قرآناً يماثل ما هو محفوظ بين الدفتين لرأيت ألوف الصحابة كانوا على ذكر منها .... والوحي أقسام ... ومنه ما لا يبلغ درجة القرآن.

وما من عالم من علماء أهل السنة ذكر تلك الروايات إلّاوذكر ما يقارب هذا عكس علماء الشيعة فإنّهم يصرحون بوقوع التحريف والنقصان» (1).

قلنا:


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 160- 161.

ص: 694

1- إنّ أجوبة مال اللَّه على فرض صحتها، تصلح للإجابة عن مقدار ضئيل من طائفة من الروايات من الطوائف آنفة الذكر، فماذا يقول مال اللَّه حول روايات سائر الطوائف والتي يتعذر توجيهها نظير حديث عائشة:

«كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مأتي آية فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّاعلى ما هو الآن» (1).

نعم لن يوجد مفرّ عن هذه الروايات سوى القول بأنّها موضوعة ومجعولة كما اعترف به علماء الفريقين.

2- لو كانت آية الرجم آية من القرآن نُسخ لفظها، فكيف ينقل مال اللَّه قولًا عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام مفاده إنّ هذا الرجم على سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم ويقول:

«إنّ علياً لا يقول بأنّ الرجم نزل في كتاب اللَّه ولا أنّه يدلّ عليه».

ولو كان الحال كذلك فكيف يقول الخليفة الثاني:

«واللَّه لولا أن يقول القائلون زاد عمر في كتاب اللَّه لاثبتها كما أنزلت» (2).

ألا يدلّ هذا التهافت على بطلان نظرية نسخ التلاوة وقد أثار أهل السنة- كما مرّ في الأبحاث المتقدمة- إشكالات عديدة على نظرية نسخ التلاوة ممّا يؤكد القول بأنها مجرد سراب ليس إلّا.

3- إذا كان حديث «لو كان لابن آدم واديان من مال» خبر واحد حسب مدعى مال اللَّه وقوله وإن كان من القرآن المعجز لبلغت رواياته حدّ التواتر، إذا كان هذا الجواب حقاً وصحيحاً فلماذا حينما ذهب علماء الإمامية قديماً وحديثاً إلى أنّ


1- فضائل القرآن لابن سلام: ص 190؛ والدرّ المنثور: ج 5، ص 180.
2- فضائل القرآن لابن سلام: ص 190.

ص: 695

الروايات الدالة على التحريف في كتب الشيعة أخبار آحاد، ويقولون، إن كانت هي من القرآن المعجز لبلغت رواياته حدّ التواتر، لم يقبل ذلك مال اللَّه.

4- يقول مال اللَّه بالإجابة على رواية أبي موسى التي أخرجها مسلم في صحيحه: «هذا وحي لكن لا يبلغ درجة القرآن» وهي نفس إجابة علماء الشيعة عن الروايات الشيعية كما مرّ ذكرها في المقام الأول في مبحث «دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة»، فلماذا لم يرتض مال اللَّه هذه الإجابة من علماء الشيعة وحملها على التقية منهم.

5- يقول مال اللَّه «ما من عالم من علماء أهل السنة ذكر تلك الروايات إلّاوذكر ما يقارب هذا عكس علماء الشيعة فإنّهم يصرّحون بوقوع التحريف والنقصان» ما هو مقصود مال اللَّه من علماء أهل السنة؟ فهل مقصوده أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن والتفاسير المأثورة، فهؤلاء كان قصدهم ذكر الروايات دون التعرض لفقهها ودون التعرض لعلاج التعارض فيما بينها، فلذلك ينبغي التأكيد على أنه إذا كان حكم مال اللَّه على مؤلفي كتب الحديث والتفسير بالمأثور الشيعة الذين اتهمهم بالتحريف لأجل وجود روايات التحريف في كتبهم صائب وصحيح، فلا بدّ أن يعمّ جماعة من أهل السنة مثل الطبراني والسيوطي وابن الضريس وأبي نصر السجزي ومسلم بن حجاج النيشابوري والحاكم النيشابوري وأحمد بن حنبل والراغب الاصفهاني والترمذي ومالك بن أنس ومحمد بن إسماعيل البخاري لأنّهم نقلوا روايات التحريف في كتبهم الروائية (1). وإذا كان مقصوده من علماء أهل السنة، العلماء الذين تفقهوا في هذه الروايات وبيّنوا معناها ومحتواها ورفعوا التعارض بينها بعد التأمل في أسانيدها ومضامينها أمثال الآلوسي وابن حجر


1- انظر: المقام الأول «مضامين روايات التحريف في كتب أهل السنة».

ص: 696

العسقلاني والفخر الرازي وابن تيمية وقاسم بن سلام وأبو جعفر النحاس و ... (1) ففي هذه الصورة فلا يوجد أي فرق بينهم وبين علماء الشيعة في هذا الصدد فإنّ كلّ واحد من الفريقين عالج الروايات على حسب فهمه، نعم ثمة أشخاص قلائل عند كلا الفريقين ذهبوا إلى التحريف باستناد الروايات في كتب الفريقين بدون تأمل وتعمّق.

ب: عدم أمانته العلمية في النقل:

إنّ محمّد مال اللَّه مع الأسف الشديد لم يراع الأمانة العلمية في تحقيقه، فهو وخلافاً لادعائه وادّعاء الدكتور محمد أحمد النجفي لم يراع التقوى العلمية التي كان ينبغي أن يتمتع بها أي محقق مسلم بل خان الأمانة العلمية، واليك نماذج منها:

1- إنّ من جملة خياناته هي تحريفه لكلام الشيخ المفيد رحمه اللَّه متزامناً مع تقطيعه حيث كتب يقول:

«الفصل الرابع الشيخ المفيد وتحريف القرآن قال في كتابه أوائل المقالات (ص 13): اتفقوا [أي الإمامية] على أن الأئمة الضلال خالفوا في كثير في تحريف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم» (2).

أراد مال اللَّه أن يستوحي من كلام الشيخ، تحريف القرآن ونقصانه مع الخيانة في نقل كلام الشيخ وتبديل كلمة «التأليف» في عبارة الشيخ ب «التحريف» والحال أن مراد الشيخ وهو الظاهر من عبارته حيث يقول: «... خالفوا في كثير من تأليف


1- انظر: المقام الأول «نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن روايات التحريف».
2- الشيعة وتحريف القرآن: ص 67- 68.

ص: 697

القرآن وعدلوا ...»، مخالفتهم في ترتيب الآيات من جهة التقديم والتأخير والناسخ والمنسوخ فإنّهم لا يرتّبون الآيات على حسب نزولها، وخير شاهد على هذا، عبارة الشيخ المفيد في نفس كتابه أوائل المقالات والذي لم يشر إليه مال اللَّه، قال الشيخ المفيد:

«فأما القول في التأليف يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني لم يرتب بما ذكرنا» (1).

وحاصله إنّ مسألة تأليف القرآن لا ترتبط بتحريف القرآن كما هو الحال في مصاحف الصحابة التي هي غير تأليف القرآن كما اعترف به ابن فارس وآخرون (2). ولا أحد يستطيع أن يتهم مؤلفيها بالتحريف لمخالفتها في تأليف الآيات أو السور نظير مصحف عقبة بن عامر حيث ينقل الذهبي قول أبي سعيد بن يونس إنّه رأى هذا المصحف وإنّه قال: «إنّه على غير التأليف الذي في مصحف عثمان» (3).

وعلى أية حال فإنّ الشيخ المفيد يصرّح بوضوح على عدم تحريف القرآن في رسائله وكتبه دون أن يبقي أي شك أو شبهة، ومنه قوله في كتابه أوائل المقالات:

«وعندي أنّ هذا القول [أي بأنّه حذف من تأويل القرآن وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله] أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل وإليه أميل واللَّه أسأل توفيقه للصواب» (4).

2- ونماذج أخر من عدم رعاية الأمانة في النقل من مال اللَّه لعرض رأي محمد بن مرتضى الشهير بملا محسن الكاشاني فكتب مال اللَّه:

«والنتيجة التي توصل [أي الكاشي] إليها بعد أن تقرر عنده بأن


1- أوائل المقالات: ص 80.
2- الإتقان: ج 1، ص 62.
3- تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات 41- 60 ه: ص 272- 273.
4- أوائل المقالات: ص 80- 81 ولتفصيل رأي الشيخ المفيد في عدم تحريف القرآن انظر: مبحث «ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية» عند دراسة آراء الدكتور القفاري.

ص: 698

القرآن محرَّف هي أنه لا يمكن العمل والإقرار بصحة القرآن أو الاعتماد عليه فيقول [أي الكاشي] (1/ 33) لم يبق لنا اعتماد على شي ء من القرآن. إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل اللَّه فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلًا فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك» (1).

ونقل مال اللَّه بنفس المضمون من عبارة الكاشي فقط ليصل إلى غرضه، لكني أدعو القراء الأعزّاء إلى التأمّل في بقية العبارة ليقفوا على خيانة مال اللَّه العلمية في دراسته، قال الكاشي:

«وأيضاً قال اللَّه عزّ وجل «إنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» وقال: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون» فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير وأيضاً قد استفاض عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم والائمّة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب اللَّه ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض؟ مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب اللَّه مكذب له فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله» (2).

ثم بقى رحمه اللَّه متردّداً في صحّة أسانيد الأخبار التي تدل بظاهرها على التحريف والتغيير ثم قال في نهاية المطاف:

«ويخطر بالبال في رفع هذا الاشكال والعلم عند اللَّه أن يقال إنّ تلك


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 81.
2- الصافي في تفسير القرآن: ج 1، ص 46.

ص: 699

المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن، فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ماهو به وممّا يدل على هذا ما رواه الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير:

(... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه ...)» (1).

وأيضاً الكاشي نفسه صرّح بصيانة القرآن عن التحريف في كتابه: «علم اليقين في اصول الدين» (1/ 565) «تفسير الصافي» (3/ 102) في تفسير الآية الكريمة:

«إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» حيث قال: «حفظ القرآن من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان» وكتابه «الوافي» (2/ 273 ط. قديم) و (7/ 1778 ط. جديد) وأيضاً كتابه «المحجة البيضاء» (2/ 263- 264).

ج: عدم معرفة المؤلف باصطلاحات الأحاديث

مع الأسف لقد جهل أو تجاهل مال اللَّه عدّة من الاصطلاحات وتسرّع في الحكم على كبار العلماء متهماً إيّاهم بالتحريف دون أن يراعي الاحتياط فيه، وإليك نماذج على ذلك:

1- من جملتها كلمة «المصحف» حينما ذكر مال اللَّه مصحف فاطمة وكتب يقول:

«والقرآن الموجود عند الشيعة يعادل ثلاث مرّات من القرآن الموجود بين أيدينا، وما فيه حرف واحد، فلقد ذكر الكليني في الكافي (1/ 239) عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فاطمة


1- الصافي في تفسير القرآن: ج 1، ص 47.

ص: 700

فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات واللَّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد قال: قلت هذا واللَّه العلم ...» (1).

وفي إثر هذا كتب في خاتمة كتابه:

«والذي أجمع أهل السنة أنّه من جحد من القرآن حرفاً أو زعم أنّ به نقصاً أو تبديلًا فقد كفر ... فكيف بعبد يدّعي أن هناك قرآناً لا يوجد منه حرف واحد من قرآننا» (2).

فقد جهل أو تجاهل اصطلاح كلمة «مصحف» ولم يراعِ الأمانة العلمية، لأنّه جاء في الكافي بالصراحة في نفس الباب الذي ذكر فيه خبر مصحف فاطمة تحت عنوان «فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام» إنّ هذا المصحف مجموعة إلهامات أنزلها جبرئيل على فاطمة الزهراء عليها السلام بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، يقول الإمام أبو عبداللَّه عليه السلام:

«إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزائها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها السلام» (3).


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 62- 63.
2- نفس المصدر: ص 163.
3- الكافي: ج 1، ص 240 الرقم 5 ومثله في الرقم 2 وفيه قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إنّ اللَّه تعالى لمّا قبض نبيّه دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن مالا يعلمه إلّااللَّه عزّ وجل فأرسل إليها ملكاً يسلّي ويحدّثها ... الخ» فهناك سؤال: هل يمكن ثبوتاً نزول جبرائيل أو مَلَكاً آخر بعد وفاة الرسول صلّى اللَّه عليه وآله على إنسان، وهل يتحقق ذلك في زمن حياة فاطمة الزهراء سلام اللَّه عليها؟ فأجوبته موكولة إلى وقت آخر لكن نقول بالإجمال: إنّ هذا الأمر في مقام الثبوت محرز طبقاً لمصادر الفريقين وفي مقام الإثبات توجد روايات في مصادر الشيعة تؤكّد بأنّ فاطمة محدّثة بلا ريب.

ص: 701

فيخبر هذا المصحف عن الحوادث التي تقع إلى يوم القيامة وقد كان يأتيها جبرئيل بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، وهذا المصحف لا يمت بأيّة صلة إلى القرآن الذي أوحى به جبرئيل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في زمان حياته، لذلك فمن المحال مقايسة القرآن الذي هو وحي نزل على قلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بهذا المصحف الذي يخبر عن الحوادث الواقعة إلى يوم القيامة، ولا يمكن ترتيب الآثار والحكم البات وفقاً لهذه المقايسة، لكن أطلق مال اللَّه اصطلاح المصحف على القرآن وغفل عن الاشتراك اللفظي بينهما. فكلمة المصحف أحياناً يستعمل بمعناه اللغوي يعني «الجامع للصحف بين الدفتين» فعلى هذا كلمة المصحف تطلق على كل كتاب مجلد قرآناً كان أو غير قرآن، وقد سمّى في أهل السنة غير القرآن بالمصحف، كمصحف خالد بن معدان روى كل من ابن إبي داود وابن عساكر والمزّي وابن حجر في ترجمة خالد بن معدان وقالوا: «إنّ خالد بن معدان كان علمه في مصحف له إزرار وعرى» (1) وعلى هذا قال ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي: «وكان يطلقون على الكتاب المجموع لفظ المصحف ويقصدون به مطلق الكتاب لا القرآن وحده» ثم نقل خبر مصحف خالد بن معدان من كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني» (2).

فهل يحكم مال اللَّه هنا بأنّ مصحف خالد بن معدان هو قرآن غير القرآن


1- عن المصاحف لابن أبي داود: ص 134- 135، خالد بن معدان من التابعين ومن كبار علماء الشام توفي سنة ثلاث أو أربع أو ثمان ومائة هجرية.
2- مصادر الشعر الجاهلي: ص 139.

ص: 702

الموجود، وهل يقول أيضاً: إنّ كتاب المصاحف لابن أبي داود هو مجموعة من عدة قرائين يختلف عن القرآن اختلافاً فاحشاً أو إنّه يحمل كلمة المصحف في هذه الموارد على معناها اللغوي.

وبالجملة فإنّ مال اللَّه حمل كلمة المصحف على القرآن وجعله مبدأ لأحكام عديدة بعيدة عن الإنصاف.

2- ومن جملتها كلمة «متواتر معنى»، فقد جهل مال اللَّه بهذا الاصطلاح فكتب حول المجلسي:

«المجلسي يرى أنّ أخبار التحريف متواترة ولا سبيل إلى إنكارها وأنّ روايات التحريف تسقط أخبار الإمامة» (1).

انظر إلى نص كلام المجلسي:

«إنّ الأخبار في الباب متواترة معني ... بل ظنّي أنّ الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتوها بالخبر» (2).

فقد فسّر مال اللَّه عبارة المجلسي بما يحلو له فقال:

«أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف» (3).

فأوّلًا: نقل العلّامة المجلسي لفظ المتواتر مقيّداً بالمعنى ليدلّ على أنّه لا يريد كميّة روايات التحريف بالمعنى المتنازع فيه- أي تحريف في ألفاظ القرآن بالنقيصة والتغيير- بل أراد بهذا التعبير ما يعم الاختلاف في القراءة والتحريف المعنوي- المساوق للتفسير بالرأي- والمخالفة في تأليف الآيات من حيث التقديم والتأخير و ... وعلى هذا كميّة أخبار التحريف بالمعنى المتنازع فيه قليلة وإنّها لا تكون إلّا


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 83.
2- مرآة العقول: ج 5، ص 525.
3- الشيعة وتحريف القرآن: ص 86.

ص: 703

أخبار آحاد كما صرّح به كثير من علماء الإمامية الذين تقدّم ذكرهم في المقام الأوّل في الفصل الثالث.

ثانياً: إنّ تفسير مال اللَّه لعبارة المجلسي تفسير خاطي لأنّ المجلسي يقول: إنّ أخبار التغيير في القرآن بالمعنى الأعم متواترة معنى ثم قال: فكيف يثبتونها بالخبر، يعني إذا لم يتيسر بالاخبار المتواترة اثبات تغيير القرآن بالمعنى الأعم فلا نستطيع أن نثبت بالاخبار المتواترة الإمامة، وبعبارة أخرى إذا بلغت الأخبار حدّ التواتر فلا يبقى أي مجال للشك، ولا يعني إنّه بالأخبار المتواترة معنىً في تحريف القرآن، نثبت الإمامة لأنّه لم يبرهن المجلسي وسائر محققي الإمامية على مسألة الإمامة بأخبار تدل بظاهرها على التحريف أبداً، والشاهد على ذلك كتاب الحجة من بحار الأنوار للمجلسي والذي يضم خمس مجلدات (من المجلد 23 إلى 27) فمن أمعن النظر فيه لا يجد اثبات الإمامة بتلك الأخبار بل إنّ العلامة المجلسي عقد بحثاً في المجلد 92 من بحار الأنوار تحت عنوان: «فضل القرآن وإعجازه وأنّه لا يتبدل بتغير الأزمان» (1) ويستند إلى إثبات ذلك بالآية: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (الحجر/ 9) والآية: «لا يأتيه الباطل من بين يديه» (فصلت/ 42).

وثمة نكتة جديدة بالذكر وهي أنّ كتاب تذكرة الأئمة الذي ذكر فيه السورتان الاسطورتان النورين والولاية ليس للعلّامة المجلسي بل لأحد الصوفية ويدعى محمدباقر بن محمد تقي اللاهيجي فاستغل مال اللَّه وغيره مشاركة اسمه واسم أبيه مع العلّامة المجلسي فنسب ظلماً هذا الكتاب إلى العلّامة المجلسي (2).


1- انظر: بحار الأنوار: ج 92، ص 1- 12.
2- انظر تفصيل الكلام في مبحث «هل لدى الشيعة مصحف سرّي يتداولونه».

ص: 704

د: عدم وقوف مال اللَّه على مصادر أهل السنة

1- اتّهم مال اللَّه أبا القاسم الكوفي ومؤلف الإحتجاج بتحريف القرآن لنقلهم أخباراً من مصحف علي عليه السلام غفلة منه أنّ أخبار هذا المصحف قد جاء ذكرها في مصادر أهل السنة من قعود الإمام علي في البيت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وتدوينه المصحف من البداية وحتى النهاية على نسق تنزيله وعرضه الإمام هذا المصحف على الصحابة واستنكافهم من قبوله، ووجود هذه الأخبار في هذا الصدد لا يعدّ دليلًا على تحريف القرآن الموجود كما مرّ البحث فيه مفصّلًا وإلّا يجب اتّهام جميع من نقل خبر ذاك المصحف من أهل السنة بالتحريف، أضف إلى ذلك أنّ العبارة التي نقلها مال اللَّه عن أبي القاسم الكوفي (1) لا صراحة فيها على تحريف ألفاظ القرآن.

2- نقل مال اللَّه أخبار مصحف عبد اللَّه بن مسعود وإقدام عثمان الخليفة الثالث على احراق المصاحف وكراهية عبد اللَّه بن مسعود من عرض مصحفه على عثمان، نقل كل هذا من كتاب حديقة الشيعة للأردبيلي، ومن هنا فإنّه يتهم الأردبيلي بالتحريف. وتجاهل أنّ هذه الأمور قد جاء ذكرها في كتب أهل السنة (2)، اضافة إلى ذلك- وعلى فرض أنّ كتاب حديقة الشيعة للأردبيلي (3)- فإنّ العبارة التي نقلها مال اللَّه من كتاب حديقة الشيعة لا تدل على تحريف القرآن بالمعنى المتنازع عليه (4).


1- انظر: الشيعة وتحريف القرآن: ص 65- 66.
2- انظر: تاريخ المدينة المنورة: ج 3، ص 1004 والمغني للقاضي عبد الجبار: ج 20، ق 2/ 38- 44.
3- انتساب كتاب حديقة الشيعة للأردبيلي مشكوك عند المحققين انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج، ص 6385، رقم 2408 بل إنّ الأردبيلي في زمرة من يقول بعدم التحريف بالصراحة، انظر: مجمع الفوائد والبرهان: ج 2، ص 218 وقد أوردنا نص كلامه في شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف.
4- قال مال اللَّه عن الأردبيلي: «وأكره عثمان إيّاه [أي عبد اللَّه بن مسعود] على قراءة ذلك المصحف الذي ألّفه ورتّبه زيد بن ثابت بأمره وقال بعض إنّ عثمان أمر مروان بن حكم وزياد بن سمرة الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبد اللَّه ما يرضيهم ويحذفا منه ما ليس بمرضي عندهم ويغسلا الباقي.» الشيعة وتحريف القرآن: ص 70 إن كان هذا الخبر المنقول صحيح فما حذف وأسقط من مصحف عبد اللَّه بن مسعود لا يكون إلّاتأويل القرآن وتفسيره وليس من نص القرآن لا محالة.

ص: 705

3- ينقل مال اللَّه عبارات من مقدمة تفسير القمي (1) سعياً منه إلى اتهام القمي بالتحريف، ولكن ليست المقدمة ولا نصّ الكتاب بأجمعه للقمي كما مرّ البحث عنه مفصلًا (2). إضافة إلى ذلك فإنّ بعض الأدلّة التي أقامها مال اللَّه على هذا الاتّهام جاء ذكرها في مصادر أهل السنة مثل قوله تعالى «يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك- في عليّ- فإن لم تفعل ما بلّغت رسالته»، نقله السيوطي عن ابن مردويه عن مصحف عبد اللَّه بن مسعود (3) أو الآية 111 من سورة الرعد والتي قرئت بهذا النحو «له معقّبات من خلفه ورقيب من يديه يحفظونه بأمر اللَّه» وجاء ذكر هذه القراءة عن ابن عبّاس وعكرمة وزيد بن عليّ وآخرين في كتب أهل السنة (4).

4- نقل مال اللَّه في الباب الثالث من كتابه بعنوان «نماذج من تحريفات الشيعة في القرآن» 208 رواية من كتاب فصل الخطاب للمحدث النوري وغضّ النظر عن كثير من الروايات التي أوردها النوري من مصادر أهل السنة لاثبات مزعومة التحريف، فكتب مال اللَّه: «هذا آخر ما تيسّر جمعه من تحريفات الشيعة للقرآن» (5) غافلًا عن أنّه لو كانت هذه الروايات دالّة على تحريف القرآن للزم على مال اللَّه أن


1- الشيعة وتحريف القرآن: ص 60.
2- انظر مبحث «تفسير القمي واسطورة تحريف القرآن» عند دراسة ونقد آراء الدكتور القفاري.
3- الدرّ المنثور: ج 3، ص 117.
4- انظر: البحر المحيط: ج 5، ص 372؛ المحتسب لابن جنّي: ج 1، ص 355 عن معجم القراءات القرآنية: ج 3، ص 212.
5- الشيعة وتحريف القرآن: ص 158.

ص: 706

يتّخذ الانصاف ويكتب «نماذج من تحريفات أهل السنة في القرآن» لأنّ الكثير من هذه الأحاديث بعينها أو بمضمونها جاءت في كتب أهل السنة أنفسهم، وفي الواقع إنّها جزء من الروايات التي أوردها إحسان إلهي ظهير تحت عنوان «ألف حديث شيعي في إثبات التحريف في القرآن» وقد ذكرنا آنفاً مصادر هذه الروايات من كتب أهل السنة في دراسة ونقد آراء إحسان إلهي ظهير وبيّنا أنّه ليس فيها دلالة على تحريف القرآن.

وذكر مال اللَّه السورة الاسطورية، سورة الولاية وقال:

«ادعاءهم [أي الشيعة] أنّ هناك سورة اسمها سورة الولاية حذفها الصحابة من المصحف» (1).

هذه السورة هي التي أثبتنا أن لا وجود لأيّ سند أو اسم أو ذكر لها في كتب الشيعة وإنّها قد صيغت بأيدي أعداء الإسلام ثمّ طرحت في أوساط المسلمين للتفريق بينهم (2). ومن المؤسف أن بعض الصوفيين كاللاهيجي والمتوهمين للتحريف كالمحدث النوري انطلت عليهم هذه الخديعة فنقولها في كتبهم.

v

v

v


1- الشيعة و تحريف القرآن: ص 119.
2- انظر: دعاوى الدكتور القفارى فى ميزان النقد مبحث «هل لدى الشيعة مصحف سرى يتداولونه.

ص: 707

دراسة ونقد آراء آخرين

ص: 708

ص: 709

في البداية كنت قد قررت التحقيق في كلّ الكتب التي بحثت مسألة «تحريف القرآن» من وجهة نظر الشيعة- بشكل مستقل أو ضمني- من حيث المنهجية والمحتوى، ومناقشتها ونقدها، وهذه الكتب- حسب علمي- هي:

1- «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن» لمحمد عبد الرحمن السيف الذي انهمك فيه ببحث مسألة تحريف القرآن عند الشيعة بشكل مستقل.

2- «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام» لربيع بن محمد السعودي.

3- «دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين» للدكتور أحمد محمد جلي.

4- «التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي» لمحمد البنداري.

5- «رجال الشيعة في الميزان» لعبد الرحمن عبد اللَّه الزرعي.

6- «موقف الرافضة من القرآن الكريم» لمامادوا كار امبيرى.

وهذه الكتب بحثت الأمر بشكل ضمني، ولكنني بعد مطالعتي لهذه الكتب لم أجد ضرورة لمناقشتها ونقدها بشكل مفصل، لأنني بالبحث والتحقيق المفصلين

ص: 710

الذين أجريتهما في الكتب الثلاثة المسبقة أعني:

«اصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية» للدكتور القفاري و «الشيعة والقرآن» لإحسان إلهي ظهير و «الشيعة وتحريف القرآن» لمحمد مال اللَّه.

ومقايسة مواضيعها بمواضيع الكتب السابقة، لاحظت أن مواضيع هذه مماثلة لتلك الكتب التي نقدتها وتكراراً لها، وليس فيها كلام جديد يستحق المناقشة والنقد غير أن اسلوبهم المعروف في النقد والمناقشة هو عدم الأمانة في النقل وتقطيع العبارات وعدم الانصاف في اصدار الأحكام والتزام جانب التعصب المخرب وكيل الشتائم والإهانات للشيعة كما هو ديدنهم في هذا المجال.

ويصفون أنفسهم بأنّهم منصفين ومدققين في هذا الأمر، وأنّ هدفهم كشف الحقائق للقرّاء، فمن جهة يحذّرون الآخرين من الشيعة ويدعونهم إلى التريّت، ومن جهة أخرى يضعون أنفسهم في زمرة الناصحين الشفيقين، ويدعون الشيعة إلى التحدي والتوبة والتبرؤ من كتب الحديث والتفسير بالمأثور (1).

وهؤلاء الأشخاص- مثل أسلافهم- ليسوا حياديين في بحوثهم كما أنّهم ليسوا بصدد كشف الحقائق وبيان الواقعيات، حيث يستغلون وجود حديث في كتب الشيعة يدل ظاهره على التحريف ويتجاهلون وجود هذا الحديث نفسه في مصادر كتب أهل السنة الحديثية فينادون بحماس وحرارة ويكيلون الشتائم والألفاظ البذيئة والمستهجنة وتوجيه الإهانات الركيكة والمبتذلة للشيعة، متهمين إيّاهم بتحريف القرآن، وما أن يُجبهوا بوجود هذا الحديث بعينه في كتب حديث أهل السنة ومصادرهم إلّاوتخمد أصواتهم وراحوا بهدوء يعالجون هذه الأحاديث بأساليب شتى فتارة يقولون بأنّه موضوع وأخرى يقولون إنّها نسخ التلاوة أو إنّه


1- انظر: «الشيعة الإمامية الاثنا عشرية في ميزان الإسلام» ص 3، و «موقف الرافضة من القرآن الكريم» ص 31، و «الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن» ص 90.

ص: 711

قراءة شاذة وبهذا وأمثاله ينهون الأمر.

وإليكم نماذج من هذه الأساليب الجائرة:

أ- كتب عبد الرحمن عبد اللَّه الزرعي في كتابه «رجال الشيعة في الميزان» ما يأتي:

«ألف رواية شيعية تطعن في القرآن في كتبهم التي نشرها إحسان إلهي ظهير بعنوان «الشيعة والقرآن» فعلى أهل الخير أن يجودوا بما لديهم من أجل ترويج هذا الكتاب ونشره [أي: كتاب إحسان إلهي ظهير] بين المسلمين، وأن يتبنّوا ترجمته إلى اللغات الحية ليعمَّ النفع به» (1).

لاحظتم في نقد نظرية إحسان إلهي ظهير أن أكثر هذه الألف رواية المزعومة موجودة بعينها في كتب أهل السنة، وبما أن مؤلف كتاب «رجال الشيعة في الميزان» يتجاهل هذه الأمور فقد كتب: «ألف رواية شيعية تطعن في القرآن».

ب- كتب ربيع بن محمد السعودي في مقام كشف التناقض والكذب في آراء الشيخ أبي جعفر الصدوق (رض) ما يأتي:

«كتب القمي الصدوق في كتابه معاني الأخبار بسنده عن أبي يونس قال: «كتبت لعائشة مصحفاً فقالت: إذا مررت بآية الصلاة فلا تكتبها حتى أُمليها عليك. فلما مررت بها أملتها عليّ: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى- وصلاة العصر-» فأي القولين يُصدّق؟ قول الصدوق بصيانة القرآن من التحريف أم وجود تلك الروايات في كتبه؟ أم إنها التقية والكذب المكشوف؟» (2).

وبعد أن اطّلع عبد الرحمن السيف مؤلف كتاب «الشيعة الاثنا عشرية وتحريف


1- رجال الشيعة في القرآن: ص 8- 9.
2- الشيعة الإمامية الاثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 68.

ص: 712

القرآن» على هذه الروايات بعينها في كتب أهل السنة ومن جملتها سبعة عشر رواية من الألف رواية المزعومة (1) (من الرقم 107 إلى 123) التي جاء فيها:

«حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى- وهي صلاة العصر- وقوموا للَّه قانتين» (البقرة: 238) بزيادة- وهي صلاة العصر، للتفسير والبيان فقد قال:

«ونقول: إنّ «صلاة العصر» ممّا نسخ تلاوته، وتعتبر من القراءات الشاذة غير المتواترة» (2).

ج- اعتبر محمد عبد الرحمن السيف وكذلك ربيع بن محمد السعودي قراءة «وآل محمد» في آية «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران- وآل محمّد- على العالمين» (آل عمران/ 33) في زمرة روايات تحريف القرآن التي وردت في كتب الشيعة (3) متغافلًا في البداية عن وجودها في كتب أهل السنة كذلك، ولكنه بعد أن أطلع مؤلف كتاب «موقف الرافضة من القرآن الكريم» على وجود هذه القراءة بعينها في كتب أهل السنة كتب ما يلي:

«إنّه كان في مصحف عبد اللَّه بن مسعود (رضي اللَّه عنه) هذه الآية هكذا: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران- وآل محمّد- على العالمين» وهي من القراءات التي خالفوا فيها القراءات المشهورة» (4).

على هذا فليس مهمّاً في نظر هؤلاء الأفراد أيّ تأويل لهذه الروايات يقع موقع القبول بل المهم عندهم والمعيار الحق لديهم أن كلّ رواية وردت في كتب الشيعة تُعدّ


1- انظر: «الباب الرابع، ألف حديث شيعي في إثبات تحريف القرآن» في مبحث «دراسة ونقد آراء إحسان إلهي ظهير».
2- الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 70.
3- نفس المصدر: ص 55 والشيعة الإمامية الاثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 68.
4- موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 242.

ص: 713

في باب تحريف القرآن ولا تقبل أية معالجة أو توجيه لها من قبل علماء الشيعة.

أما إذا وردت هذه الروايات عينها في كتب أهل السنة فإنّها تخرج من زمرة روايات التحريف وتوجيه علماء السنة لها سيقع موقع القبول الحسن.

د- وكنموذج على ذلك انظر مرّة أخرى إلى مؤلف كتاب «موقف الرافضة من القرآن الكريم» حيث يكتب:

«ومن الأخبار التي أوردها هذا الرافضي (أي علي بن عيسى الأربلي) ما رواه بسنده عن زر بن حبيش عن عبد اللَّه بن مسعود حيث قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم:

«يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك- إنّ عليّاً مولى المؤمنين- وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته» فجملة «إنّ عليّاً مولى المؤمنين» هي ممّا تختلقه الرافضة من الكلمات في القرآن لخدمة أغراضهم الباطلة ...» (1).

لكن هذه الرواية بعينها موجودة في كتب أهل السنة كذلك، فقد أوردها السيوطي عن ابن مردويه عن ابن مسعود بهذه الصورة (2) وكذلك لما كان مامادوا كار امبيرى جاهلًا بهذا الأمر فقد عدّها من مختلقات الروافض.

ه- ونموذج آخر لهذا المؤلف نفسه انظر إلى ما يقول:

«أمّا الرافضة الإثنا عشرية فقد ذهبوا- على عادتهم في سلسلة من محاولاتهم النيل من عظمة القرآن الكريم وقدره- إلى أنّ القرآن الكريم وقع فيه تحريف في ترتيب آياته وسوره على يد أصحاب


1- موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 92.
2- الدرّ المنثور: ج 3، ص 117.

ص: 714

رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ...» (1).

ثم وعلى سبيل المثال حول التحريف في ترتيب آيات القرآن وسوره استناداً إلى كتب الشيعة حيث يكتب:

«ومنها قوله تعالى: «يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين» (آل عمران/ 43) قالوا: [أي الشيعة] هي اركعي واسجدي» (2).

غافلًا عن أنّ هذا الترتيب بعينه الذي ورد في هذه الآية والذي اعتبره تحريفاً للقرآن ومحاولة الرافضة النيل من عظمة القرآن وقدره ... إلى آخر ادعاءاته؛ موجودة كذلك في كتب أهل السنة كذلك، انظر إلى كلام السيوطي حيث يقول:

«اخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود إنّه كان يقرأ ...

واركعي واسجدي في الساجدين» (3).

ولابد إنّ مامادوا كار امبيرى لو اطلع على ذلك لقال إنّها خارجة عن موارد تحريف القرآن أو إنّها من القراءات الشاذة.

و- وكذلك نموذج آخر حول رواية مزعومة لسورة الإنشراح بالشكل الآتي:

«ألم نشرح لك صدرك* ووضعنا عنك وزرك- بعلي صهرك-».

فمؤلف كتاب: «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام» يعني: ربيع بن


1- موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 206.
2- نفس المصدر: ص 206.
3- الدرّ المنثور: ج 3، ص 195. هذا في حين إنّ مامادوا كار امبيرى هو نفسه نقل حديثاً من صحيح البخاري يروي فيه عن عبد اللَّه بن عمرو العاص إنّه يقول: «سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «خذوا القرآن من أربعة من عبد اللَّه بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب» صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الفضائل القرآن: ج 9، ص 46.

ص: 715

محمد السعودي بعد أن أورد هذه الرواية من كتاب فصل الخطاب كتب ما يلي:

«نسي هؤلاء الدجاجلة [أي الشيعة] إنّ علياً رضي اللَّه عنه تزوّج فاطمة رضي اللَّه عنها بعد الهجرة، والسورة مكية، إلّاما أعمى قلوب الكذّابين» (1).

غافلًا عن أنّ مصدر هذا الحديث هو كتاب «الأربعين» لاسعد بن ابراهيم الأربلي الحنبلي من علماء أهل السنة (2) وليس هناك أيّ مصدر آخر للحديث.

ز- ونموذج آخر فقد قالوا عن كبار علماء الشيعة أعني الشيخ أبا جعفر الصدوق (ت/ 381 ه.) والسيّد المرتضى (ت/ 436 ه.) والشيخ الطوسي (ت/ 460 ه.) وأبا علي الطبرسي (ت/ 544 ه.) الذين صرّحوا بكل وضوح بعدم وقوع التحريف لا بالزيادة ولا بالنقصان:

«هؤلاء متظاهرون بالإنكار لأنّ هؤلاء القائلين بعدم التحريف قد أثبتوا في كتبهم ماهو مناقض لذلك ... فلا محالة هذا القول صدر عنهم تقية ...» (3).

ألا يعلم هؤلاء القائلون بأنّ هذه الروايات قد أثبتت بعينها في كتب أهل السنة؟

فهل يذكرون أهل السنة كذلك بهذه الأوصاف؟ فعلى سبيل المثال قال «ربيع بن محمد السعودي»:

«فالصدوق الذي أنكر التحريف هو الذي يروي بنفسه في كتاب الخصال حديثاً مسنداً متصلًا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يجى ء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف والمسجد والعترة،


1- الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 52.
2- انظر: مبحث «صلة القدامى بالمعاصرين»، ص 568 من هذا الكتاب.
3- موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 129- 132، الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 66 و 180، الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 54- 55.

ص: 716

يقول المصحف: يا ربّ حرقوني ومزقوني ...

وأبو علي الطبرسي الذي ينكر بشدة التحريف هو نفسه يروي في تفسيره أحاديث يعتمد فيها على وقوع التحريف. ففي سورة النساء يعتمد على نقصان كلمة (أجل مسمّى) من آية النكاح فيقول: وقد روى جماعة عن الصحابة منهم أُبيّ بن كعب وعبد اللَّه بن مسعود إنّهم قرأوا: «فما استمتعتم به منهن- إلى أجل مسمّى- فآتوهنّ أجورهن» فهل تاب هؤلاء القائلون بعدم وقوع التحريف ...

وورد في كتاب تحرير الوسيلة للخميني 1/ 152 النص السابق ويقول: يكره تعطيل المسجد وقد ورد إنّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى اللَّه عزّ وجل. وهي نفس رواية القمي في الثلاثة.

وأخيراً انظر إلى كلام الطوسي ... المتحمس لنفس التحريف قال في تفسير قوله تعالى: «إنّ اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» قال: في قراءة «وآل محمد على العالمين» وهذا تحريف ظاهر وليست قراءة، وإذا كانت قراءة فأين هي؟!» (1).

ومامادوا كار امبيرى كتب في كتاب «موقف الرافضة من القرآن حول هذا الموضوع مايلي:

«فهذا الصدوق الذي من أبرز المتظاهرين بالإنكار والذي صارت أقواله في ذلك مرجع كل من جاء بعده ... فقد نقل في كتبه اخباراً صريحةً في تحريف القرآن لا تقبل أي تأويل.

وفي كتاب ثواب الأعمال روى بسنده عن أبي عبد اللَّه قال: «... إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من


1- الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 67- 68.

ص: 717

سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها» (1).

نعم هؤلاء يصدرون أحكاماً كهذه دون تأمّل وتريث لأنّهم يتجاهلون أنّ هذه الروايات نفسها وردت في كتب أهل السنة بأسانيد متصلة (2) فلذا لو واجههم أحدٌ بتلك الأحاديث التي وردت في مصادر أهل السنة لسارعوا إلى القول بأنّ هذه الأحاديث خارجة من زمرة أحاديث تحريف القرآن ولَوجّهوها وأوّلوها بأنّها تقعُ موقع القبول!!

هذا، ولو أردنا أن نذكر أمثلة أخرى عن كتمان الحقايق ونذكر غفلاتهم لطال بنا المقام مثل «حديث مصحف الإمام علي» الذي لو نقله أي واحد من الشيعة لاتهمه هؤلاء بتحريف القرآن (3).

غافلًا عن أنّ الحديث عن هذا المصحف قد ورد كثيراً في مصادر أهل السنة بحيث لم يستطع أي أحد انكاره ولكن هؤلاء لا يبحثون عن الحق وليست لهم أذن صاغية للحق.

على أي حال هناك أدلّة كثيرة أخرى تظهر أنّ هؤلاء الأشخاص غير منصفين في أحكامهم ولا علم لهم بعمق المواضيع وليسوا في صدد كشف الحقيقة بل يُقلّدُ كلّ منهم الآخر ويحاولون التشهير والتسقيط.

ولو أردنا هنا أن نشرع بذكر هؤلاء فرداً فرداً مع ذكر الشواهد لأصبحت


1- موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 129- 130.
2- انظر مبحث: «هل إنكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية»، ص 456- 494 من هذاالكتاب.
3- «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 43» و «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 7 و 8 و 49 و 50» و «موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 52- 54، 66، 111، 116 و 118، انظر حول مصحف الإمام في مصادر الفريقين مبحث: «مصحف [الإمام] علي» في دراسة ونقد آراء الدكتور القفاري.

ص: 718

المواضيع مكررّة ومملّة.

على هذا فنكتفي من هذه الجهة بذكر فهرس للمباحث والتشبثات لهؤلاء الأشخاص الذين قد ناقشنا أقوالهم من قبل وفنّدناها في نقدنا لآراء الدكتور القفاري ومحمد مال اللَّه وإحسان إلهي ظهير كما لاحظتم من قبل، وسأورد الفهرس لمباحثهم في مايلي ليتضح للجميع أنّه ليس هناك نقطة جديدة تستحق البحث من آراء هؤلاء:

1- الضرب على طبل «التقية» والتشبث بعبارات بعض الأخباريين من دون أن يعرف حدود التقية حيث تلاحظون إنّ موضوع التقية هنا منتف أساساً (1).

2- إدعاؤهم بأنّ من قال بعدم التحريف من الشيعة ليس إلّانزرٌ قليل وفي قولهم هذا متظاهرون بعدم التحريف وهم الصدوق والمرتضى والطوسي والطبرسي (2) ويكفي في هذا الباب مطالعة مبحث «شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التحريف» للوقوف على حقيقة الأمر.

3- عدم فهم لمعنى «حرّفوا كتاب اللَّه» في الروايات والأدعية (3) التي اثبتنا


1- «الشيعة الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 43» و «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 7، 8، 52، 55- 58» و «موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 139 و 141». لماذا لا يتعقّل هؤلاء الأشخاص ولو لحظة واحدة بأنّه لو كان الشيعة يراعون التقية حول القرآن إذن لماذا ألّفوا مئات الكتب حول هذا القرآن نفسه وحفظوا لفظه وأفنوا أعمارهم في حفظه والبحث فيه والكشف عن أسراره، وألّفوا المؤلفات الكثيرة في تفسيره ورسمه وقراءته واستنباط أحكامه وناسخه ومنسوخه ومجازه ومحكمه ومتشابهه و ... لو أنّ الشيعة قائلون بتحريف القرآن ويراعون التقية في هذا المجال إذن فلماذا كلّ هذه الدراسات والتحقيقات والمؤلفات التي ألّفها الشيعة حول القرآن الكريم؟!
2- «موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 49 و 121- 129 و 146- 149» و «الشيعة الإثنا عشريةوتحريف القرآن» ص 54- 55، و «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 66».
3- «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام: ص 67» و «موقف الرافضة من القرآن الكريم: ص 90 و 130» و «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن: ص 23 و 40 و 41».

ص: 719

بالشواهد والقرائن أنّ المراد بهذا التعبير في أكثر الروايات هو تحريف المعنى وتفسير الآيات بغير ما أنزل اللَّه.

4- الخلط البيّن بين كتب الحديث والتفسير بالمأثور؛ وكتب فقه الحديث أي الكتب التي هي في صدد معالجة الروايات عن طريق دراسة أسانيدها ومضامينها، وبسبب هذا الخلط فقد اتهم هؤلاء من حيث لا يشعرون كثيراً من علماء أهل السنة من أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن والتفسير بالمأثور بالتحريف إذ بحسب رأيهم فإنّ مجرد إيراد حديث ظاهر الدلالة على التحريف (مهما كان هذا الحديث ضعيفاً أو كان ممكن التأويل) في كتاب روائي فهو دالٌّ عندهم على عقيدة صاحب الكتاب بتحريف القرآن (1).

5- التشبث بالسورتين المزعومتين النورين والولاية (2) اللتين كما لاحظتم هما من صنع أيدي أعداء الدين وليس لها أي ذكر إلى ما قبل القرن الحادي عشر


1- «موقف الرافضة من القرآن الكريم» ص: 96، 129، 168- 169، و «مامادوا كار امبيرى» من جملة هؤلاء الأشخاص: محمد بن الحسن الحرّ العاملي من محدّثي الشيعة وأحد الأشخاص الذين يعتبرهم معتقدين بتحريف القرآن فتراه يقول في حقّه: «محمد بن الحسن الحرّ العاملي فقد أورد في كتابه «وسائل الشيعة» أخباراً صريحة!! في وقوع التحريف في القرآن الكريم من غير أن يتعرّض لها بالنقد ممّا يدلّ على صحّتها عنده والتسليم بما دلّت عليه تلك الأخبار ...» موقف الرافضة ... ص 96 و 129. إنّ كتاب وسائل الشيعة للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي كتاب روائي بالمأثور فعلى هذا فإنّ كل من ينقل رواية في كتابه فيها دلالة على تحريف القرآن ولم يتعرض لها بالنقد؛ يجب أن يتهم بالتحريف للقرآن. وفي هذه الحال- وكما قلنا- فإنّ كلّ أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن والتفسير بالمأثور من أهل السنة الذين نقلوا هذا النوع من الروايات ولم يتعرّضوا لها بالنقد لأنّهم لم يكونوا في مقام النقد والتحقيق بل كانوا في مقام جمع الأحاديث فقط وكلّهم سيكونون وحسب زعم هؤلاء قائلين بالتحريف.
2- «التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي»: ص 98 و «دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين»: ص 226، و «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام»: ص 45 و «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 52، و «موقف الرافضة من القرآن الكريم»: ص 101 و 165.

ص: 720

للهجرة (1).

6- عدم معرفة هؤلاء بكلمة «مصحف» في باب «مصحف فاطمة سلام اللَّه عليها» وخلطهم بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي (2).

7- سرد الروايات من كتب الأحاديث والتفاسير بالمأثور للشيعة: كالكافي، الاحتجاج للطبرسي، بصائر الدرجات، تفسير العياشي، تفسير البرهان، التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم القمي واتهام مؤلفيها بالقول بالتحريف (3).

8- إنكارهم على من قال بأنّ من أهل السنة أيضاً من يقول بالتحريف (4).

9- إتهامهم سليم بن قيس، وأبي جعفر الأحول (مؤمن الطاق) بلا دليل وتقطيع عبارات الشيخ المفيد والفيض الكاشاني وآية اللَّه الخوئي (5) و ... لغرض الوصول إلى هدفهم.

10- التشبث بكلام الصوفية الذين لم يتفقهوا في الدين ولا خبرة لهم به (6).

11- الدفاع عن نظرية «نسخ التلاوة» والهجوم المشفوع بالشتائم على آية اللَّه


1- انظر مبحث: «هل لدى الشيعة مصحف سرّيٌ يتداولونه» في دراسة ونقد آراء الدكتور القفاري.
2- «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 23، و «دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين»: ص 232، حول هذا المصحف ودفع الشبهات عنه انظر: «دراسة ونقد آراء محمد مال اللَّه»: ص 700- 702.
3- جدير بالذكر إنّ أكثر الأحاديث التي نقلها هؤلاء من الكافي للكليني من باب «فيه نكت ونتف من التنزيل» حيث فيه 92 حديثاً، والعلّامة المجلسي وغيره عدّا فيها سبعة أحاديث فقط بين موثق وصحيح. أرقامه 17، 65، 67، 72، 74، 80، 83، 89 ولا مساس تلك الأحاديث بتحريف القرآن. انظر: مرآة العقول: ج 5، ص 2- 160.
4- «دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين»: ص 232، و «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 62، و «موقف الرافضة من القرآن الكريم»: ص 177- 178.
5- «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 9، 11، 28، 57- 58، و «موقف الرافضة من القرآن الكريم»: ص 72 و 141، و «الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في ميزان الإسلام»: ص 72.
6- «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 17، 24، 27 و 56.

ص: 721

الخوئي لقوله: بأنّ القول «بنسخ التلاوة» والقول «بالتحريف»: واحدٌ، (علماً بأنّ أحداً منهم لم يجروا على ذكر أدلّة السيد الخوئي على إبطال مقولة «نسخ التلاوة» (1) والردّ عليها وإبطالها.

12- ادعاؤهم باشتراك الشيعة والسنة في نظرية «نسخ التلاوة» (2) للتغطية على ضعفها، والتغاضي عن الإشكالات الواردة عليها من قبل بعض علماء السنة والشيعة.

هذه هي مباحث وادعاءات وأقاويل هؤلاء الأشخاص وكنّا قد تحدثنا عنها بشكل مفصّل ولا حاجة بنا إلى تكرارها، بل انّ أكثر مطالبهم مستندة بشكل تقليدي وبحسب الظاهر إلى كتاب «فصل الخطاب» للشيخ النوري من غير تدبر وتفكر وامعان بل من غير نصفة واعتدال وموضوعية (3) بل واستغلّوا عثرة النوري


1- الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 57- 58 و «موقف الرافضة من القرآن الكريم»: ص 141، انظر: حول مدى اعتبار وحقيقة نظرية نسخ التلاوة «دراسة في نسخ التلاوة» ص 209- 221.
2- «الشيعة الإثنا عشرية وتحريف القرآن»: ص 62- 72.
3- بل إنّ من بينهم اشخاص مثل «مامادوا كار امبيرى» قد أفرط إفراطاً كثيراً، فقد أورد كل ما قاله الشيخ النوري صواباً أو خطأً وكأنّ آراء الشيعة متمثلة فقط في الشيخ النوري. لقد اتخذ هذا الكاتب من مزاعم المحدث النوري عنواناً على أدلّة الشيعة على التحريف، ومن هذه الجهة اتخذ في كتابه فصلًا سمّاه: «الفصل الثالث: شبههم في القول بالتحريف وردّها» في الصفحات من 215- 273 ذكر فيه فقط توهمات المحدث النوري وعرضها بعنوان شبهات الشيعة واعتبر ردّه عليها ردّاً على الشيعة بأجمعهم المصدر نفسه: ص 131 وكذلك نسبته خطأ عبارة المحدث النوري «احراق المصاحف على يد عثمان» إلى الشريف المرتضى في الواقع إنّ عبارة الشريف المرتضى كما رأيتم في مبحث: «هل إنكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية؟» في بحث الشريف المرتضى وانكاره لهذه الفرية منقولة من كتاب «المغني» للقاضي عبد الجبار الهمداني لكن يعدّ مامادوا الشريف المرتضى في زمرة القائلين بالتحريف المصدر نفسه: ص 131 وتبعاً للمحدث النوري كما قلّده من قبل ذلك إحسان إلهي ظهير كتب: «هؤلاء الذين هم من قدماء الشيعة القائلون بالتحريف هم أربعة أشخاص ولا خامس لهم» المصدر السابق نفسه: ص 121 في حين إنّكم لو لاحظتم شهادات علماء الإمامية بعدم التحريف لتبين لكم منزلة المحدث النوري وانتهازيّة هؤلاء.

ص: 722

ليعمموه على طائفة كبيرة من المسلمين لها دور كبير رياديّ في حفظ كيان الأمّة وتراثها.

وفي الختام لا يسعني إلّاأن أدعو كافة المخلصين والمنصفين من أبناء الأمّة الإسلامية للوقوف أمام الشبهات التي يثيرها المتعنتون الجاهلون للنيل من كرامة الأمّة وتراثها ووحدتها، كما وأدعوهم إلى التمسك بحبل اللَّه وهو القرآن العظيم والاهتداء بهدي سيد المرسلين محمد عليه وعلى أصحابه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان الصلاة والسلام إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين.

v

v

v

ص: 723

فهرس المصادر

القرآن الكريم

1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن، محمد جواد البلاغي النجفي، ط. الثالثة، مكتبة الوجداني، قم.

2- الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، مطبعة دار الندوة.

3- أجوبة مسائل جار اللَّه، عبد الحسين الموسوي، مطبعة النعمان، النجف، ط. الثالثة، 1386 ه.

4- الاحتجاج على أهل اللجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تحقيق البهادري، ط. قم، 1413.

5- أحسن الحديث، سيّد علي أكبر قريشي، ط. بنياد بعثت، 1370 ه.

6- اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي)، محمد بن الحسن الطوسي، تصحيح وتعليق ميرداماد الاسترآبادي، ط. قم.

7- الأربعينيات لكشف أنوار القدسيّات، القاضي سعيد محمد بن محمد بن مفيد القمي، تصحيح نجفقلي حبيبى، ط ميراث مكتوب، 1381 ش.

8- الإرشاد في معرفة حجج العباد، لمحمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، ط.

المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413 ه.

9- أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها، محمد بن أبي بكر الرازي الحنفي، تقديم محمد على الأنصاري، 1349 ش.

10- الاستبصار فيما اختلف فيه الأخبار، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق

ص: 724

حسن الموسوي الخرساني، 1390 ه.

11- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، تحقيق علي بن محمد البجاوي، ط. مصر.

12- اسد الغابة في معرفة الصحابة، عزّ الدين علي بن أبي الكرام المعروف بابن الأثير، ط. بيروت.

13- الأصفى في تفسير القرآن، محمد محسن الفيض الكاشاني، تحقيق محمد حسين درايتي ومحمد رضا نعمتي، ط. قم.

14- أصل الشيعة وأصولها، ط. نجف.

15- الاصول الستة عشر، قم، دار الشبستري، ط. الثانية، 1405 ه.

16- اصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، دكتر ناصر بن عبد اللَّه بن علي القفاري، ط. الثانية، 1415 ه.

17- أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية، قم، 1416 ه.

18- أطيب البيان، السيّد عبد الحسين الطيب، انتشارات إسلام، ط. الثانية، 1374 ه.

19- الاعتقادات، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق، تصحيح عصام عبد السيّد، ط. المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413 ه.

20- أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، تحقيق وإخراج حسن الأمين، دار التعارف، بيروت، 1403 ه.

21- الأمالي، ابو جعفر صدوق، تحقيق قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة، ط. قم، 1417 ه.

22- أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، تحقيق محمد باقر المحمودي، ط. الثانية، 1416 ه.

ص: 725

23- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، عبد اللَّه بن عمر البيضاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه.

24- الأنوار النعمانية، السيّد نعمة اللَّه الجزائري، شركت جاب، تبريز.

25- أنوار الهداية، الإمام روح اللَّه الموسوي الخميني، مؤسسة نشر وتنظيم آثار الإمام الخميني، ط. قم.

26- أوائل المقالات ومذاهب المختارات، محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، تعليق فضل اللَّه الزنجاني، ط. المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1423 ه.

27- أهل البيت في تفسير الثعلبي، عادل الكعبي، مركز البحوث والدراسات، بيروت، 1423 ه.

28- أهل البيت في المكتبة العربية، السيّد عبد العزيز الطباطبائي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1417 ه.

29- الايضاح، الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري، تحقيق جلال الدين الحسيني الأرموي، منشورات جامعة طهران.

30- أوثق الوسائل بشرح الرسائل، موسى تبريزى، انتشارات كتبى.

31- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، ط. طهران.

32- بحر الفوائد في شرح الفرائد، ميرزا محمد حسن الآشتياني، مطبعة مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، 1404 ه.

33- بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، أبو الفضل مير محمدي، ط. بيروت، 1400 ه.

34- بحوث مع أهل السنة والسلفية، مهدي الحسيني الروحاني، المكتبة الاسلامية.

35- بررسى ونقد روايات تحريف در كتاب فصل الخطاب، مخطوط، رسالة علمية من جامعة تربيت مدرس بطهران.

ص: 726

36- البرهان في تفسير القرآن، السيّد هاشم الحسيني البحراني، ط. اسماعيليان، قم.

37- البرهان في علوم القرآن، بدرالدين زركشي، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، ط. الثانية، بيروت، دار المعرفة.

38- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد، محمد بن الحسين الصفار القمي، تصحيح محسن كوجه باغي، قم، 1404.

39- بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض، عبد الجليل قزويني رازي، تصحيح محدّث ارموي، تهران، 1358 ه. ش.

40- بغية الطلب في تاريخ حلب، ابن العديم، تحقيق الدكتور سهيل زكار، دمشق، 1409 ه.

41- بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، السيّد احمد بن موسى بن طاووس، تحقيق السيّد علي العدناني، قم 1411 ه.

42- البيان في تفسير القرآن، السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي، ط. طهران، 1364 ش.

43- تاريخ الإسلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري، ط. بيروت، 1409 ه.

44- تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. بيروت.

45- تاريخ بغداد أو مدينة السلام، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.

46- تاريخ الخلفاء، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ط. بيروت.

47- تاريخ شيعة و فرقه هاى اسلامى تا قرن چهارم، محمدجواد مشكور، ط. ششم، تهران، انتشارات اشراق، 1368 ش.

ص: 727

48- تاريخ طبرستان، بهاء الدين محمد بن حسن بن اسفنديار، بتصحيح عباس اقبال آشتياني، 1366 ه.

49- تاريخ القرآن، محمد عزّت دروزه، ترجمه محمدعلى فشاركى، تهران، مركز نشر انقلاب، 1402 ه.

50- تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اللَّه المعروف بابن عساكر، تحقيق علي شيري، ط. بيروت، 1415 ه.

51- تاريخ المدينة المنورة، ابو زيد عمر بن شبّه، تحقيق فهيم محمد شلتوت، ط. قم، 1410 ه.

52- تأويل مختلف الحديث، ابو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة، ط. بيروت، دار الكتب العلمية.

53- تأويل مشكل القرآن، عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة، ط. الثالثة، بيروت، 1401 ه.

54- التبيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط. دار احياء التراث العربي، بيروت، 1402 ه.

55- اتحاف فضلاء البشر في قراءة أربع عشر،

56- تحرير تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تأليف الدكتور بشار عوّاد معروف و الشيخ شعيب الارنووط، ط. بيروت، 1417 ه.

57- تحفة الاثنى عشرية، شاه عبد العزيز دهلوي، تهذيب السيد محمود الشكري الآلوسي، تحقيق محب الدين الخطيب، ط. مركز البحث العلمي وإحياء التراث، مكة، 1400 ه.

58- التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوى، ط. طهران، 1360 ه. ش.

59- التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف، السيّد علي الحسيني الميلاني، ط.

ص: 728

الثانية، قم، 1417 ه.

60- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق الدكتور احمد عمر هاشم، بيروت، 1405 ه.

61- تدوين السنة الشريفة، السيد محمدرضا الجلالي.

62- تدوين القرآن، علي الكوراني العاملي، دار القرآن الكريم، قم.

63- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، شيخ آغا بزرك طهراني، ط. دانشگاه تهران، 1343 ش.

64- تذكرة الائمة، محمد باقر بن محمد تقي اللاهيجي، ط. طهران، 1392 ه.

65- تذكرة الحفاظ، ابو عبد اللَّه شمس الدين الذهبي، دار احياء التراث العربي، بيروت.

66- تذكرة الخواص (المعروف بتذكرة خواص الامة)، يوسف بن فرغلي سبط ابن الجوزي، مكتبة نينوى، طهران.

67- تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف بن المطهر، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ط. 1414 ه.

68- ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق محمد باقر المحمودي، ط. الثالثة، بيروت، 1400 ه.

69- التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي، محمد البنداري، دار عمار، عمان، ط.

الثالثة.

70- تصحيح الاعتقادات (شرح اعتقادات الصدوق)، محمد بن محمد بن نعمان، تحقيق حسين دركاهي.

71- التعليقة على كتاب الكافي، محمدباقر الحسيني (المشتهر بالداماد)، تحقيق السيد مهدي رجائي، قم، 1403 ه.

ص: 729

72- تفسير البلابل والقلاقل، أبو المكارم محمد بن أبي الفضل حسني، ط. الثالثة، 1981 م.

73- تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي وجلال الدين السيوطي، ط.

مكتبة العلوم الدينية، بيروت.

74- تفسير شريف لاهيجي، محمد بن الشريف لاهيجي، تصحيح مير جلال الدين حسيني أرموي.

75- تفسير الصافي، محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني، مطبعة دار المرتضى، 1405 ه. ش.

76- تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، ط. بيروت، 1402 ه.

77- تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن أبي حاتم الرازي)، ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق اسعد محمد الطيب، ط. بيروت، المكتبة العصرية، 1419 ه.

78- تفسير القرآن الكريم، محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي، تصحيح محمد خواجوي، انتشارات بيدار، قم، 1361 ه. ش.

79- تفسير القرآن الكريم (الشهير بتفسير المنار)، السيّد محمد رشيد رضا، ط.

بيروت.

80- تفسير القرآن الكريم (الشهير بتفسير ابن عربي)، محيي الدين بن عربي، تحقيق الدكتور مصطفى غالب، ط. بيروت، 1978 م.

81- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تصحيح السيّد طيب الموسوي الجزائري، ط. قم، 1404 ه.

82- التفسير الكبير، تقي الدّين أحمد بن تيمية، تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميره، ط. بيروت، 1408 ه.

ص: 730

83- التفسير الكبير، الفخر الرازي، ط. الثالثة، بيروت.

84- تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، محمد بن محمد رضا القمي المشهدي، تحقيق حسين دركاهي، دار الثقافة والإرشاد الإسلامي.

85- تفسير المعين، نور الدّين محمد بن مرتضى الكاشاني، تصحيح علي أكبر الغفاري.

86- تفسير النسائي، أحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق صبري بن عبد الخالق الشافعي وسيّد بن عباس الجليمى، ط. بيروت، 1410 ه.

87- تفسير النسفي، عبد اللَّه بن احمد بن محمود النسفي، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 ه.

88- تفسير نور الثقلين، ابن جمعه العروسي الحويزي، تصحيح السيّد هاشم الرسول المحلاتي، ط. قم.

89- التفسير والمفسرون، الدكتور محمد حسين الذهبي، ط. الثانية، 1396 ه.

90- تقييد العلم، أبو بكر احمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق يوسف العش، ط. الثانية، 1974 م.

91- التمهيد في علوم القرآن، محمد هادي معرفة، ط. قم، 1396 ه.

92- تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ط.

بيروت.

93- تهذيب الاحكام في شرح المقنعة، ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تعليق حسن الموسوي الخرسان، ط. قم، 1364 ه. ش.

94- تهذيب الاصول، الإمام روح اللَّه الخميني، تقرير الشيخ جعفر السبحاني، مؤسسة اسماعيليان، قم، 1380 ه.

95- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي، تحقيق

ص: 731

الدكتور بشار عوّاد معروف، 1413 ه.

96- التوحيد، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، تصحيح السيّد هاشم الطهراني، منشورات جامعة المدرسين.

97- توشيح التفسير في قواعد التفسير والتأويل، محمد بن سليمان التنكابني، تحقيق جعفر السعيدي، قم، 1411 ه.

98- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ط.

بيروت، 1408 ه.

99- جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد البر، ط. دار الكتب بيروت.

100- الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سوره، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط. بيروت.

101- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ط. دار الكتاب العربي، القاهرة، 1387 ه.

102- الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن الرازي، ط. 1372 ه.

103- جلاء الأذهان وجلاء الأحزان (المشهور بتفسير گازر)، أبو المحاسن الحسين بن الحسن الجرجاني، تحقيق محدث أرموي.

104- جوامع الجامع في تفسير القرآن الكريم، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ط. الثالثة، مكتبة الكعبة، تهران، 1362 ه.

105- جوامع السيرة النبوية، ابن حزم الأندلسي، ط. بيروت، 1403.

106- حجّة التفاسير وبلاغ الإكسير، السيّد عبد الحجة البلاغي، قم، 1345.

107- حقائق هامة حول القرآن الكريم، السيّد جعفر مرتضى العاملي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

108- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الاصبهاني، ط.

ص: 732

الخامسة، بيروت، 1407 ه.

109- الحياة، محمد رضا الحكيمي وأخويه، دفتر نشر فرهنگ اسلامي، طهران.

110- الخراج والجرائح، قطب الدين الراوندي، تحقيق مؤسسة الإمام المهدي، قم، 1409 ه.

111- خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق محمد الكاظم المحمودي، ط. قم، 1419 ه.

112- خصائص الوحي المبين، يحيى بن الحسن الحلي (المعروف بابن البطريق)، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، ط. إيران.

113- الخطوط العريضة، محب الدين الخطيب، دار طيبة، ط. الثامنة، الرياض.

114- حقائق التأويل في متشابه التنزيل، السيد الشريف الرضي، شرح محمد الرضا آل كاشف الغطاء، دار الكتب الاسلامية، قم.

115- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر، منشورات الرضي، قم.

116- خلاصة منهج الصادقين، ملا فتح اللَّه الكاشاني، تصحيح ميرزا أبو الحسن الشعراني، انتشارات اسلامية، تهران، 1363 ه.

117- دبستان مذاهب، موبد كيخسرو اسفنديار، به اهتمام رحيم رضازاده ملك، ط.

كتابخانه طهوري، طهران، 1362 ه. ش.

118- دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين الخوارج والشيعة، الدكتور أحمد محمد جلي، ط. الثانية، الرياض، 1408 ه.

119- در پيرامون اسلام، أحمد كسروي، كتابفروشي پايدار، 1334 ه. ش.

120- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ط. دار الفكر، بيروت، 1403.

ص: 733

121- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تخريج الدكتور عبد المعطي قلعجي، بيروت، 1405.

122- دُمية القصر وعصرة أهل العصر، على بن الحسن الباخرزي، تحقيق الدكتور محمد التونجي، دار الجيل، بيروت، 1414. ه.

123- ديوان دين در تفسير قرآن مبين، حبيب اللَّه نوبخت، طهران، 1352 ه. ش.

124- الذريعة إلى أصول الشيعة، الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي، تصحيح الدكتور أبو القاسم كرجي، جامعة طهران، 1346 ه. ش.

125- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرك الطهراني، ط. طهران.

126- الذخيرة في علم الكلام، الشريف المرتضى علم الهدى، علي بن الحسين الموسوي، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411 ه.

127- ذم الكلام وأهله، أبو إسماعيل عبد اللَّه الهروي، تحقيق عبد الرحمن بن عبد العزيز الشِّبل، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنوّرة، 1416. ه.

128- رجال الشيعة في الميزان، عبد الرحمن عبد اللَّه الزرعي، الكويت، دار الأرقم، ط. الأولى، 1403. ه.

129- رجال النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي النجاشي، تحقيق محمد جواد النائيني، بيروت، 1408 ه.

130- رسائل الشريف المرتضى، اعداد السيد مهدي الرجائي، نشر دار القرآن الكريم، قم، 1405 ه.

131- رسالة بيان عدد تأليفات علامه مجلسي، سيد محمد حسين خاتون آبادي، تحقيق سيد مهدي رجائي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، 1412 ه.

132- رسالة في الردّ على الرافضة، محمد بن عبد الوهاب، تحقيق الدكتور ناصر بن سعد الرشيد، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة، 1400 ه.

ص: 734

133- رسالة في الردّ على الرافضة، أبو حامد محمد المقدسي، تحقيق عبد الوهاب خليل الرحمن، الهند، دار السلفية، 1403 ه.

134- روان جاويد در تفسير قرآن، ميرزا محمد ثقفي تهرانى، انتشارات برهان.

135- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود الآلوسي، تصحيح محمد حسين العرب، دار الفكر، بيروت، 1417 ه.

136- الروضة من الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق، علي أكبر الغفاري، ط. الرابعة، 1362 ه. ش.

137- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، ميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري، ط. قم.

138- روض الجِنان وروح الجَنان في تفسير القرآن، حسين علي بن علي الخزاعي النيسابوري، نشر بنياد پژوهشهاي اسلامي، 1367 ه. ش.

139- رياض العلماء وحياض الفضلاء، ميرزا عبد اللَّه أفندي، تحقيق سيد أحمد حسيني، مطبعة خيام، قم، 1401 ه.

140- ريحانة الأدب، محمد علي مدرس، طهران، نشر خيام، 1369 ش.

141- سرّ العالمين وكشف ما في الدارين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (مطبوع ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي)، ط. بيروت، 1418 ه.

142- سعد السعود، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، منشورات الرضي، قم، 1363 ه. ش.

143- سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، الشيخ عباس القمي، ط. بيروت، 1405 ه.

144- سنن الدارمي، أبو محمد عبد اللَّه بهرام الدارمي، دار إحياء السنة النبوية.

145- السنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، اعداد الدكتور

ص: 735

يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط. بيروت.

146- السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيّد كسروي حسن، ط. بيروت، 1411 ه.

147- سواطع الإلهام، أبو الفيض الفيضي الناكوري، تحقيق سيّد مرتضى آية اللَّه زاده الشيرازي، مطبعة ياران، 1417 ه.

148- سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، أشرف على تحقيق الكتاب، شعيب الأرنؤوط، ط. الرابعة، بيروت، 1406 ه.

149- السيرة النبويّة، أبو محمد عبد الملك بن هشام، بشرح الوزير المغربي، تحقيق الدكتور سهيل زكار، ط. بيروت، 1412 ه.

150- السيرة النبويّة وأخبار الخلفاء، أبو حاتم محمد بن حبّان البستي، تصحيح السيّد عزيز بك وجماعة من العلماء، ط. بيروت، 1407 ه.

151- الشافي في الإمامة، الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي، تحقيق السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ط. مؤسسة الصادق، طهران، 1410 ه.

152- الشافي في شرح الكافي، عبد الحسين المظفر، مكتبة الغري بالنجف.

153- شرح جامع على الكافي، محمد صالح المازندراني، تعليق ميرزا أبو الحسن الشعراني، ط. طهران، 1388 ه.

154- شرح السنّة، الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، ط. الثانية، بيروت، 1403 ه.

155- شرح أصول الكافي، محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي، مكتبة المحمودي، ط. طهران، 1391 ه.

156- شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي، تحقيق محمد زهري النجاري، ط. بيروت، 1407 ه.

ص: 736

157- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، تحقيق علي محمد البجاوي، ط بيروت.

158- شيخ المضيرة أبو هريرة، محمود أبو ريّة، ط. الثالثة، مصر.

159- الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن، محمد عبد الرحمن السيف.

160- الشيعة الامامية الإثنا عشرية في ميزان الاسلام، ربيع بن محمد السعودي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط. الثانية، 1414 ه.

161- الشيعة والقرآن في الميزان محاكمة، بقلم س. خ، نشر نادي الخاقاني، بيروت، دار الزهراء، 1977 م.

162- الشيعة وتحريف القرآن، محمد مال اللَّه، مكتبة ابن تيمية، ط. الثالثة، 1409 ه.

163- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أحمد الحاكم الحسكاني، تحقيق محمد باقر المحمودي، ط. مجمع احياء الثقافة الإسلامية، قم، 1411 ه.

164- الصافي في تفسير القرآن، المولى محسن الشهير بالفيض الكاشاني، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي، ط. مشهد.

165- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ط. بيروت، دار إحياء التراث العربي.

166- صحيح مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط.

بيروت.

167- صحيح مسلم بشرح النّووي، ط. بيروت، 1407 ه.

168- الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم، زين الدين البياضي العاملي، تصحيح محمد باقر البهبودي، المكتبة المرتضوية.

169- الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيثمي

ص: 737

المكي، تخريج عبد الوهاب عبد اللطيف، ط. القاهرة.

170- صيانة القرآن عن التحريف، محمد هادي معرفة، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، ط. قم، 1418 ه.

171- ضياء التفاسير: محمدصادق الموسوي الخوانساري، ط. طهران.

172- طبقات الحنابلة، أبو الحسين محمد بن أبي يعلى، ط. دار المعرفة، بيروت.

173- طبقات الزيدية، إبراهيم بن القاسم بن محمد، مخطوط، مكتبة إحياء الثقافة الإسلامية، رقم 215.

174- طبقات الشافعية، تقي الدين أبو بكر بن أحمد بن القاضي، تصحيح الدكتور الحافظ عبد العليم خان، ط. بيروت، عالم الكتب.

175- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد بن منيع، ط. دار الكتب، بيروت، 1405 ه.

176- عدّة الداعي ونجاح الساعي: أحمد بن محمد بن فهد الحلي، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1420 ه.

177- العدّة في الأصول، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، ط. مؤسسة البعثة، قم، 1376 ه. ش.

178- العروة الوثقى في تفسير سورة الحمد، محمد بن الحسين الحارثي (الشيخ البهائي)، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الاسلامية، ط. بوستان كتاب، قم، 1422 ه.

179- العسل المصفى من تهذيب زين الفتى في شرح سورة هل أتى، أحمد بن محمد بن أحمد العاصمي، تهذيب وتعليق، محمد باقر المحمودي، ط. قم، 1418 ه.

180- علل الشرائع، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق)، مكتبة الداوري، قم، 1385 ه.

181- علوم الحديث ومصطلحه، الدكتور صبحي الصالح، ط. الثامنة عشرة،

ص: 738

بيروت، 1991 م.

182- علوم القرآن عند المفسرين، إعداد مركز الثقافة والمعارف القرآنية، ط. مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1417 ه.

183- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، المشهور باسم شرح العيني على البخاري، ط. دار الفكر، بيروت، 1405 ه.

184- عيون أخبار الرضا عليه السلام، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الصدوق)، التحقيق مؤسسة الإمام الخميني، 1413 ه.

185- عيون المعجزات، حسين بن عبد الوهاب، ط. بيروت، 1403 ه.

186- غاية السؤل في سيرة الرسول، عبد الباسط الحنفي، تحقيق محمد كمال الدين عز الدّين، ط. بيروت، 1408 ه.

187- غاية النهاية في طبقات القرّاء، شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري، عُني بنشره برجستراسر، 1352 ه.

188- الغدير في الكتاب والسنة والأدب، عبد الحسين أحمد الأميني النجفي، ط.

طهران، 1366 ه.

189- غرر الفوائد ودرر القلائد (أمالي المرتضى)، الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. الثانية، بيروت، 1378 ه.

190- الغنية، عبد القادر الجيلاني، ط. الأولى، بيروت، 1417 ه.

191- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط.

بيروت.

192- فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، ط. دار المعرفة، بيروت.

193- فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، أحمد بن محمد بن

ص: 739

الصديق الغماري، المطبعة الإسلامية، الأزهر، مصر.

194- الفرقان، محمد عبد اللطيف بن الخطيب، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1367 ه.

195- الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة، الدكتور محمد الصادقي، انتشارات فرهنگ اسلامي، 1365 ه. ش.

196- الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهري، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر، ط. دار الجيل، بيروت، 1405 ه.

197- فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب، ميرزا حسين بن محمد تقي النوري، الطبعة الحجرية، 1298 ه.

198- الفصول المختارة من العيون والمحاسن، الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي، ط. قم، 1413 ه.

199- الفصول المهمة في تأليف الأمة، السيّد عبد الحسين شرف الدين، ط. النجف، 1375 ه.

200- الفضائل، سديد الدين شاذان بن جبرائيل، ط. النجف، 1381 ه.

201- فضائل أمير المؤمنين علي، أحمد بن حنبل، ط. بيروت.

202- فضائل القرآن، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق وتعليق وهبي سليمان خارجي، ط. بيروت، 1411 ه.

203- فضائل القرآن، محمد بن أيوب بن ضريس، تحقيق عروة بدير، دار الفكر، دمشق، 1408 ه.

204- فهرست نسخه هاى خطي، كتابخانه مركزي ومركز اسناد دانشگاه تهران، محمد تقي دانش پژوه، تهران، دانشگاه تهران، 1357 ش.

205- الفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي، ميرزا حسين نوري، مطبوع في بحار

ص: 740

الأنوار، ج 105.

206- فقه القرآن، قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، ط. قم، 1405 ه.

207- القرآن الكريم وروايات المدرستين، السيّد مرتضى العسكري، ط. دانشكده اصول الدين، قم، 1416 ه.

208- القرآن مصون عن التحريف، الشيخ الصافي، ط. دار القرآن الكريم، قم، 1412 ه.

209- فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، ط. بيروت.

210- الفهرست، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط. الثالثة، بيروت، 1403 ه.

211- في ظلال القرآن، سيد قطب، ط. الناشرة، بيروت، 1402 ه.

212- الكاشف في معرفة من له رواية في كتب السنة، أبو عبد اللَّه الذهبي، تحقيق عزت علي عطية وموسى محمد على الموشي، ط. مصر.

213- الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الاسلامية، ط. الثالثة، 1388 ه.

214- الكبريت الأحمر في علوم الشيخ الأكبر، عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني (المطبوع بهامش اليواقيت والجواهر) ط. مصر.

215- كتاب الأصول الستة عشر، منشورات دار الشبستري، قم، 1405.

216- كتاب اللَّه وأهل البيت في حديث الثقلين من مصادر أهل السنة، لجنة التحقيق في مسألة الإمامة، ط. مدرسة الإمام باقر العلوم، قم، 1422 ه.

217- كتاب بلاغات النساء، ابن أبي طاهر طيفور، انتشارات الشريف الرضي، قم.

218- كتاب التفسير (تفسير العياشي)، أبو نصر محمد بن مسعود بن عياش

ص: 741

السمرقندي، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، ط. المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

219- كتاب الخصال، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه (الصدوق)، تصحيح علي اكبر الغفاري، ط. منشورات جماعة المدرسين، قم، 1403 ه.

220- كتاب سليم بن قيس، منشورات دار الفنون، بيروت، 1980 م.

221- كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الانصاري الزنجاني، ط. قم، 1415 ه.

222- كتاب السنة، أبو بكر عمرو بن أبي العاص، بقلم محمد ناصرالدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط. الثالثة.

223- كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق.

224- كتاب فروس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب، شيرويه بن شهردار الديلمي، تحقيق فوّاز أحمد الزمرلي، ط. بيروت، 1407 ه.

225- كتاب الفهرست، محمد بن إسحاق النديم، ط. 1393 ه.

226- كتاب المصاحف، أبو بكر عبد اللَّه بن أبي داود سليمان بن أشعث السجستاني، تصحيح الدكتور آرتور جفرى، ط. مصر، 1936 م.

227- كتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة، تصحيح محمد عبد السلام شاهين.

228- كتاب الناسخ والمنسوخ، أبو جعفر محمد بن أحمد بن إسماعيل المعروف بأبي جعفر النحاس، ط. 1409 ه.

229- كتاب الوافي، محمد محسن المشتهر بالفيض الكاشاني، تحقيق ضياء الدين الحسيني، ط. مكتبة أمير المؤمنين، اصبهان.

230- كشف الإرتياب في عدم تحريف الكتاب، محمد بن أبي القاسم (معرب

ص: 742

طهراني)، ط. تهران.

231- كشف الحقائق عن نكت الآيات والدقائق، ميرجعفر العلوي الحسيني، تهران، مطبعة الموسوي، 1379 ه.

232- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشري، نشر أدب الحوزة.

233- كشف الظُنون، مصطفى بن عبد اللَّه الحنفي المعروف بحاجي خليفة، ط.

بيروت، 1402 ه.

234- كشف الغطاء، جعفر الكبير النجفي، دار طباعة مرتضى، 1317 ه.

235- كشف الغمة في معرفة الأئمة، أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي، تعليق السيد هاشم الرسولي، ط. تبريز.

236- الكشف والبيان في تفسير القرآن، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، مخطوط، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي.

237- الكشف والبيان، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، دراسة وتحقيق أبي محمد بن عاشور، ط. بيروت، 1422 ه.

238- كنز الدقائق وبحر الغرائب، محمد بن محمد رضا القمي المشهدي، تحقيق حسين دركاهي، ط. طهران، 1411 ه.

239- كنز العرفان في فقه القرآن، جمال الدين المقداد بن عبد اللَّه السيوري، تصحيح محمد باقر شريف زاده، ط. طهران، 1343 ه.

240- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتقي الهندي، تصحيح صفوة السقا، ط. الخامسة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 ه.

241- كليات في علم الرجال، الشيخ جعفر السبحاني، ط. بيروت، 1410 ه.

242- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، تحقيق وتعليق: مكتب التحقيق باشراف

ص: 743

محمد عبد الرحمن المرعشلي، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1415 ه.

243- اللوامع النورانية في أسماء عليّ عليه السلام وأهل بيته القرآنية، هاشم الحسيني البحراني، ط. الثانية، اصفهان.

244- مباحث في علوم القرآن، الدكتور صبحي الصالح، ط. الرابعة، بيروت.

245- المباني لنظم المعاني، أحمد بن محمد بن علي بن أحمد العاصمي، مخطوط، مكتبة برلين، الرقم 903.

246- متشابه القرآن ومختلفه، محمد بن علي بن شهرآشوب، ط. الثالثة، قم، 1410 ه.

247- مثالب النواصب، محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، مخطوط، رقم 1841، مكتبة مدرسة سبهسار ورقم 952، مكتبة الناصرية لكهنو.

248- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، محمد بن مرتضى المشتهر بالفيض الكاشاني، تصحيح علي أكبر الغفاري، ط. قم.

249- مجمع البيان لعلوم القرآن، فضل بن حسن طبرسي، تحقيق محلاتي وطباطبائي، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه.

250- مجمع البحوث ومطلع البدور، صفي الدين أحمد بن صالح بن محمد بن أبي الرجال، مخطوط، مكتبة مجمع إحياء التراث الإسلامي، رقم 106.

251- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو بكر الهيثمي، بتحرير العراقي وابن حجر، ط.

الثالثة، 1402 ه.

252- مجمع الفوائد والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمولى أحمد الأردبيلي، منشورات جامعة المدرسين، 1402 ه.

253- المجموع الرائق من أزهار الحدائق، سيد هبةاللَّه بن أبي محمد الحسن الموسوي، تحقيق حسين درگاهي، مؤسسة الطباعة والنشر لوزارة الثقافة والإرشاد

ص: 744

الإسلامي، 1417 ه.

254- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، أبو القاسم حسين بن محمد الراغب الاصفهاني، ط. بيروت.

255- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الأندلسي تحقيق، عبد السلام عبد الشافي محمد، ط. بيروت، 1413 ه.

256- المحلى، أبو محمد علي بن احمد بن سعيد حزم، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، ط. بيروت.

257- مختصر تحفه اثنى عشرية، شاه عبد العزيز الدهلوي، اختصره وهذّبه سيد محمود شكري الآلوسي، تحقيق محب الدين الخطيب، القاهرة، المكتبة السلفية.

258- مختصر نهج البيان، محمد بن علي النقي الشيباني، تحقيق حسين درگاهي، دار الاسوة، تهران، 1376.

259- مذاهب التفسير الإسلامي، ايكناز، غلدزيهر، مكتب الخانجي، مصر، 1374 ه.

260- مرآة العقول، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، ط. الثالثة، طهران، 1363 ش.

261- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، تحقيق طيار آلتي قولاج، دار صادر بيروت، 1395 ه.

262- مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، ناصر عبد اللَّه بن علي القفاري، ط.

الرياض.

263- المسائل السروية، محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، تحقيق صائب عبد الحميد، ط. المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، إيران، 1413 ه.

264- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط. دار المعرفة، بيروت.

ص: 745

265- المسند، أحمد بن حنبل أبو عبد اللَّه الشيباني، ط. بيروت، 1412 ه.

266- مشرق الشمسين واكسير السعادتين، بهاء الدين محمد الحسن العاملي، تعليق محمد إسماعيل خواجوئي، تحقيق مهدي الرجائي، ط. إيران، مجمع البحوث الإسلامية، 1414 ه.

267- مشكل الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، تصحيح محمد عبد السلام شاهين، ط. بيروت، 1415 ه.

268- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي المقري الفيّومي، مؤسسة دار الهجرة، ط. الثانية، 1414 ه.

269- المصنّف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط. الثانية، 1403 ه.

270- معالم التنزيل (المشهور بتفسير البغوي)، أبو محمد الحسين بن سعود الفراء البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، ط. بيروت، 1407 ه.

271- معالم العلماء، محمد بن علي بن شهرآشوب، ط. النجف، 1380 ه.

272- المعارف الجلية في تبويب أجوبة المسائل الدينية، السيّد عبد الرضا المرعشي الشهرستاني، ط. النجف.

273- معاني الأخبار، أبو جعفر محمد بن علي الحسين بن بابويه (الصدوق)، تصحيح علي أكبر الغفاري، ط. 1361 ه.

274- مجمع البيان لعلوم القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ط. بيروت، 1365 ه. ش.

275- معجم الآداب في معجم الألقاب، كمال الدين عبد الرزاق المعروف بابن الفوطي، تحقيق محمد الكاظم، مؤسسة الطباعة والنشر، تهران، 1416 ه.

276- معجم الفوائد والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المولى أحمد الأردبيلي،

ص: 746

تصحيح مجتبى عراقي، ط. قم، 1403 ه.

277- معجم الأدباء، أبو عبد اللَّه ياقوت بن عبد اللَّه، ط. الثالثة، بيروت، 1400 ه.

278- معجم رجال الحديث، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، ط. الثالثة، 1398 ه.

279- المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق، حمدي عبد المجيد السلفي، ط. الثانية، 1406 ه.

280- المعجم الصغير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ط. بيروت، 1403 ه.

281- معجم القراءات القرآنية، إعداد الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم، ط. قم، 1412 ه.

282- معرفة علوم الحديث، الحاكم أبو عبد اللَّه النيسابوري، تصحيح الدكتور السيد المعظم حسين، ط. المدينة المنورة، 1397 ه.

283- مع الشيعة الاثنى عشرية في الأصول والفروع، أحمد السالوس، ط. قطر، دار الثقافة، 1417 ه.

284- المغني، أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة على مختصر أبي القاسم الخرقي، ط.

1403 ه.

285- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار، تاج الدين محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق الدكتور محمد علي آذرشب، 1376 ه. ش.

286- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، محمد جواد الحسيني العاملي، مؤسسة آل البيت، قم.

287- مقدمتان في علوم القرآن، مقدمة «المباني لنظم المعاني» و «المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز»، تصحيح آرتور جفري، ط. القاهرة 1954 م.

288- مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق الدكتور عبد

ص: 747

الواحد وافي، دار النهضة، مصر.

289- الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تصحيح أحمد فهمي محمد، ط. 1386 ه.

290- مناقب آل أبي طالب، أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب، تحقيق يوسف البقاعي، ط. الثانية، دار الأضواء، بيروت، 1412 ه.

291- مناقب أبي حنيفة، أحمد المكي، ط. بيروت، 1401 ه.

292- المناقب، الموفق بن أحمد الخوارزمي، تحقيق الشيخ مالك المحمودي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط. 1411 ه.

293- مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، محمد بن سليمان الكوفي القاضي، تحقيق محمد باقر المحمودي، ط. قم.

294- مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، علي بن محمد الشافعي (الشهير بابن المغازلي)، تحقيق محمد باقر البهبودي، بيروت، دار الأضواء، 1403 ه.

295- مناهل العرفان، محمد عبد العظيم الزرقاني، ط. مصر.

296- المنتخب من تفسير القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان، أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن إدريس الحلي، تحقيق الرجائي، ط. 1409 ه.

297- المنقذ من التقليد، سديد الدين محمود الحمصي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، ط. قم، 1412 ه.

298- من لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق)، تعليق حسن الموسوي الخرسان، ط. 1390 ه.

299- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية، نشر مكتبة الرياض الحديثة.

ص: 748

300- منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، حسن بن يوسف بن المطهر (العلّامة الحلّي)، تحقيق عبد الرحيم مبارك، ط. قم.

301- منهج الصادقين در إلزام المخالفين، ملا فتح اللَّه الكاشاني، انتشارات اسلامية.

302- مواهب علّيه يا تفسير حسيني، كمال الدين حسين كاشفي، تصحيح السيد محمد رضا جلالي، ط. 1317 ه ش.

303- الموطأ، مالك بن أنس، تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، ط. بيروت.

304- الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.

305- الناسخ والمنسوخ، هبة اللَّه بن سلّامة بن علي البغدادي، تحقيق الدكتور موسى بناي علوان، ط. بيروت 1989 م.

306- نزول قرآن ورؤياي هفت حرف، سيد رضا مؤدّب، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي، قم، 1378 ش.

307- النسخ في القرآن الكريم دراسة تشريعية تاريخية نقدية، الدكتور مصطفى زيد، دار الفكر، بيروت.

308- نسيم الرياض في شرح الشفا القاضي عياض، أحمد شهاب الدين الخفاجي، ط. بيروت.

309- النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد ابن الجزري، تصحيح علي محمد الضياع، مصر، مطبعة مصطفى محمد.

310- نفحات الرحمن في تفسير القرآن وتبيين الفرقان، الشيخ محمد النهاوندي، المخطوط، مركز الثقافة والمعارف القرآنية، الورقة 47.

311- نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق والأوهام، السيّد محسن الامين العاملي، ط. الرابعة، بيروت 1403 ه.

ص: 749

312- النص والاجتهاد، عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ط. النجف 1383 ه.

313- نور الثقلين، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، تصحيح وتعليق، السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، ط. قم.

314- نهج البيان عن كشف معاني القرآن، محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق حسين درگاهي، نشر الهادي، قم، 1419 ه.

315- نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي، ط. بيروت 1387 ه.

316- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، ط. قم، 1412 ه.

317- الوافي بالوفيات، خليل بن أبيك الصفدي، بيروت، دار صادر، 1402 ه.

318- الوسيط في تفسير القرآن المجيد، علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، تحقيق علي محمد معوض وآخرين، ط. بيروت، 1415 ه.

319- الوشيعة في نقد عقائد الشيعة، موسى جار اللَّه، مطبعة الكيلاني.

320- وفيات الأعيان وأبناء الزمان، أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، منشورات الرضي، ط. الثالثة، 1364 ه. ش.

321- هدى الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تصحيح محب الدين الخطيب، ط. بيروت.

322- الهوامش التحقيقية، حسين الراضي (ملحق بكتاب المراجعات لشرف الدين).

323- ينابيع المودة، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، تحقيق سيّد علي جمال أشرف الحسيني، المطبعة أسوة.

324- اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني، ط. مصر 1378 ه.

ص: 750

325- اليقين باختصاص مولانا عليّ بإمرة المؤمنين، علي بن الطاووس، تحقيق الأنصاري، قم، مؤسسة الثقلين، 1413 ه ..

326-

Journal Asiaticoue Tome Xlll May 1842. 327- Journal Asiaticoue Tome Xlll December 1843. 328- The Moslem world lll 1973. 329- Geschichte des Qrans Theodor Nolde ke 1891

GEORG OLMS VERLAG HILDESHEIM

New York .. vvv

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.