منتخب الأنوار المضيئة [في ذكر القائم الحجه عليه‌السلام]

اشارة

‏سرشناسه : بهاآالدين نيلي، علي‌بن عبدالكريم، - ۸۰۳؟ق
‏عنوان و نام پديدآور : منتخب الانوار المضيئه [في ذكر القائم الحجه عليه‌السلام]/ الاصل بهاآالدين علي‌بن عبدالكريم‌بن عبدالحميد النيلي النجفي؛ تحقيق موسسه الامام الهادي عليه‌السلام
‏مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الهادي(ع)، ۱۴۲۰ق. = ۱۳۷۸.
‏مشخصات ظاهري : ۶۴، ۴۵۰ ص.نمونه
‏شابك : 964-90069-4-x۲۰۰۰۰ريال ؛ 964-90069-4-x۲۰۰۰۰ريال
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : عربي
‏يادداشت : كتابنامه: ص. ۴۵۰ - ۴۳۸
‏موضوع : محمدبن حسين(عج)، امام دوازدهم، ۲۵۵ق. - .
‏موضوع : مهدويت
‏موضوع : بهاآالدين نيلي، علي‌بن عبدالكريم، - ۸۰۳؟ق. -- سرگذشتنامه
‏شناسه افزوده : موسسه امام هادي(ع)
‏رده بندي كنگره : BP۵۱/ب‌۹م‌۸
‏رده بندي ديويي : ۲۹۷/۹۵۹
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۸-۲۶۰۵۷

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين و الصلاة علي خير خلقه محمد و آله أجمعين و بعد فهذه نبذة في ذكر القائم الحجة (ع) و ذكر إمامته و وجوده و ذكر والدته و ولادته و غيبته و ما يكون في أيامه عند ظهوره انتخبتها من كتاب الأنوار المضية في الحكمة الشرعية المستنبطة من الآيات الإلهية من مؤلفات المولي السيد العالم الفاضل الكامل الحبر الفهامة و النحر النسابة العلامة بهاء الملة و الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي قدس الله روحه الشريفة و جزاه الله عن سلفه أفضل الجزاء و هو يشتمل علي اثني عشر فصلا الفصل الأول في إثبات إمامته و وجوده و عصمته بالأدلة العقلية. [ صفحه 5]

في إثبات إمامته و وجوده

قال قدس الله سره لا بد من ذكر إثبات إمامته و وجوده و عصمته بالأدلة العقلية و إن كان إثبات إمامة آبائه (ع) يثبت بها وجوده و إمامته لأن ذلك أصل يترتب علي هذا و مقام يرجع هذا البحث إليه و لكن نذكر هنا ما يقطع حجة جاحديه و يعلم أن الحق له و معه و فيه. قال قدس الله روحه و الأدلة العقلية من وجوه أ لو لم يكن القائم (ع) موجودا لخلا الزمان عن الإمام لكن التالي باطل فالمقدم مثله. [ صفحه 8] بيان الملازمة أن الإمامة منحصرة فيهم (ع) و آباؤه (ع) لا شك في انتقالهم إلي ربهم فلو لم يكن وجوده واجبا لخلا الزمان عن الإمام المعصوم فالملازمة ظاهرة. و أما بطلان التالي فلأنه قد ثبت أن الإمامة لطف و اللطف واجب علي الله تعالي فخلو الزمان عن الإمام محال فيبطل التالي فيبطل المقدم فيكون موجودا و هو المطلوب. [ صفحه 9] ب لو قيل بعدم وجود القائم محمد بن الحسن (ع) و عدم وجوب إمامته لزم خرق الإجماع لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الإجماع واقع بين كافة المسلمين أن الناس طرا علي قسمين قسم قائل بإمامة الأئمة الاثني عشر (ع) و قسم غير قائل بذلك أما القائلون بإمامتهم فلا شك عندهم في وجوده و إمامته و هو ظاهر و أما غير القائلين بإمامتهم فالبحث معهم ليس في إمامته و وجوده بل في إمامة أجداده فإن كل من قال بإمامتهم قال بإمامته و وجوده و كل من لم يقل بإمامتهم لم يقل بإمامته و لا بوجوده فلو قال أحد بإمامتهم و أنكر إمامته و وجوده لكان قولا ثالثا خارقا للإجماع فقد بانت الشرطية. و أما بطلان التالي فظاهر فيبطل المقدم فيكون القول بعدم وجوده و بعدم إمامته محالا و هو المطلوب لا يقال الإمام هو الذي يقوم بأعباء الإمامة و أنتم تقولون إن الحسن العسكري مات و ابنه المهدي صغير لا يصح أن يقوم بأعباء الإمامة فلا يكون علي تقدير صحة وجوده إماما. [ صفحه 10] لأنا نقول النبوة أعظم درجة من الإمامة و قد نبي الله عيسي ابن مريم و هو ابن ساعة واحدة أ لا تري كيف أنكر بنو إسرائيل علي مريم فقالوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا ما كنا نظن أنك تفعلين مثل هذا الفعل الفضيع فأشارت إليه فقالت كلموا هذا الطفل قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابوها منكرين عليها أ رأيت طفلا يتكلم قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا فتكلم بالحكمة و أثبت لنفسه النبوة. و كذلك القول في يحيي بن زكريا أثبت الله له الحكم في الكتاب و هو صبي فقال وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و هذا نص في الباب. و لا يدفع الشك في إمامته إمامته و إلا لدفع الشك في نبوة عيسي نبوته. و لعمري إن الناس علي قسمين قسم شهدوا بوجوده بعد أبيه الحسن (ع) و قسم نفوا ذلك فأي الشهادتين أثبت و أولي بالقبول عند أهل العقول و المنقول أ ليست شهادة النفي منفية لا يجب قبولها في الشريعة المحمدية. ج إنما دهي مخالفونا في إمامة القائم و إمامة آبائه (ع) فأنكروها و زين لهم الشيطان منعها فمنعوها لموضع جهلهم بحقيقة الإمام و ما خصه الله تعالي به من الكرامة حتي صار أهلا للإمامة فخفي عليهم معرفة حقيقته فوضعوا الحق في غير موضعه و أخرجوه عن مستحقه و غفلوا عن كون الإمام [ صفحه 11] يجب أن يكون في مرتبة النبي (ع) إذ هو المبلغ عنه ص ما أنزل إليه كأنهم لم يطلعوا علي ما خاطبه به في الكتاب المبين الر كتاب أنزل إليك لتكون للعالمين نذيرا فجعله نذيرا لكافة المخلوقين من الملائكة المقربين و الجن و الإنس أجمعين. و إذا كان الإمام في مرتبته كان حجة علي هؤلاء بأجمعهم لوجوب تبليغه إياهم ما وجب عليهم من شريعته فبمجرد اختيار بعض الناس لبعض الأشخاص في بعض الأصقاع أو يكون فيه صفة اختاروها أو حالة أرادوها يصير حجة علي كافة المخلوقين من الملائكة و الجن و الإنس أجمعين نعوذ بالله من هذا الإفك العظيم و الضلال المبين. و يعضد ما ادعيناه و يشهد بصحة ما قلناه ما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي أبي عبد الله بن صالح الهروي عن الرضا (ع) قال قال رسول الله ص و الله ما خلق أفضل مني و لا أكرم عليه مني قال علي (ع) فقلت يا رسول الله أ فأنت أفضل أم جبرئيل فقال (ع) يا علي إن الله تبارك و تعالي فضل أنبياءه المرسلين علي ملائكته المقربين و فضلني علي جميع النبيين و المرسلين و الفضل بعدي [ صفحه 12] لك يا علي و للأئمة من بعدك و إن الملائكة لخدامنا و خدام محبينا يا علي المؤمن من آمن بولايتنا أ ليس الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا حملة العرش و من حوله من الملائكة يخدمون المؤمنين بالاستغفار دائبين الليل و النهار يا علي لو لا نحن لما خلق الله آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلي معرفة ربنا عز و جل و تسبيحه و تقديسه و تهليله لأن أول ما خلق الله عز و جل أرواحنا فأنطقها بتوحيده و تحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون و أنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة و نزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظيم المحال فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز و القوة قلنا لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوة إلا بالله فقالت الملائكة لا حول و لا قوة إلا بالله فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا و أوجبه من فرض الطاعة لنا قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالي ذكره علينا من الحمد علي نعمه فقالت الملائكة الحمد لله فبنا اهتدوا إلي معرفة توحيد الله و تسبيحه و تهليله و حمده و تمجيده ثم إن الله تبارك و تعالي خلق آدم (ع) و أودعنا صلبه و أمر الملائكة [ صفحه 13] بالسجود له تعظيما لنا و إكراما و كان سجودهم لله عز و جل عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لا يكون أعظم من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون و لما عرج بي جبرئيل إلي السماء أذن جبرئيل مثني مثني و أقام مثني مثني ثم قال لي تقدم يا محمد فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك فقال نعم إن الله تعالي فضل أنبياءه علي ملائكته أجمعين و فضلك خاصة و تقدمت و صليت بهم و لا فخر فلما انتهينا إلي حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد و تخلف عني فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع فقال يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز و جل هذا المكان فإن تجاوزت احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله فزج زجة في النور حتي انتهيت إلي حيث ما شاء الله عز و جل من ملكوته فنوديت يا محمد أنت عبدي و أنا ربك فإياي فاعبد و علي فتوكل فإنك نوري في عبادي و رسولي إلي خلقي و حجتي في بريتي لمن تبعك خلقت جنتي و لمن خالفك خلقت ناري و لأوصيائك أوجبت كرامتي و لشيعتهم أوجبت ثوابي فقلت يا رب و من أوصيائي فنوديت يا محمد أوصياؤك المكتوبون علي ساق العرش فنظرت و أنا بين يدي ربي إلي ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر عليه اسم كل وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم مهدي أمتي فقلت يا رب إن هؤلاء أوصيائي بعدي فنوديت يا محمد إن هؤلاء أوليائي و أحبائي و أصفيائي و حججي بعدك علي بريتك و هم [ صفحه 14] أوصياؤك و خلفاؤك و خير خلقي بعدك و عزتي و جلالي لأظهرن بهم ديني و لأعلنن بهم كلمتي و لأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي و لأملكنه مشارق الأرض و مغاربها و لأسخرن له الرياح و لأذلن له الرقاب الصعاب و لأرقينه في الأسباب و لأنصرنه بجندي و لأمدنه بملائكتي حتي يعلن دعوتي و يجمع الخلق علي توحيدي ثم لأديمن ملكه و لأداولن الأيام بين أوليائي إلي يوم القيامة فإذا كان ذلك كذلك فأين من ادعي فيه الإمامة غير هؤلاء المعصومين إلي يوم القيامة و هذه الصفات و أني لهم هذه الحالات و هل أخص بها إلا هم (ع) دون سائر الأنام ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم [ صفحه 15]

في إثبات ذلك من الكتاب

و ذلك من وجوه دلت علي وجوده و إمامته و ثبوت عصمته الأول وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ روي صاحب الكشاف في كتابه أن بني إسرائيل لما عبدوا العجل تبرأ سبط منهم و لم يدخل فيما صنعوا و سأل الله أن يفرق بينهم و بين قومهم ففتح الله لهم نقبا في الأرض فساروا فيه و فارقوا قومهم فلما بعث النبي ص و عرج به إلي السماء أقدمه جبرئيل (ع) عليهم فأسلموا علي يده و علمهم الحدود و الأحكام و عرفهم شرائع الإسلام و هم باقون يعبدون الله تعالي علي الملة الإسلامية و الشريعة المحمدية. [ صفحه 16] و لا شك في أن النبي ص قال تحذو أمتي حذو بني إسرائيل النعل بالنعل و القذة بالقذة فلا بد أن يكون في هذه الأمة من هو كذلك. و لم ينقل أحد خاف من الظالمين ففتح له نفق في الأرض فسار فيه و فارق الطاغين غير الإمام الحجة (ع) و هو كما وردت الأخبار في قطر من الأقطار بين ولده و أصحابه و خواصه يعبد الله إلي حين ظهوره و الإذن في حضوره فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما. الثاني وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وعده سبحانه حق و صدق و قد وعد المؤمنين الصالحين الخائفين في كتابه المبين بالاستخلاف علي المكلفين و وصفهم بحصول الخوف بعد كونهم مؤمنين و أن يجعلهم بعد ذلك آمنين. و هذه خاصة لم تحصل لأحد ممن تولي أمور المسلمين و إنما هو صفة للقائم خاتم الأئمة المعصومين و لذا وصفهم بأنهم عن الشرك منزهين و هذا لا يكون إلا للأئمة الطاهرين أ ليس قد صح عن النبي ص أنه قال دبيب الشرك في أمتي كدبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في [ صفحه 17] الليلة الظلماء و العصمة تمنع من ذلك و لا معصوم سواهم فلا يراد بهذا الوصف إلا هم ثم وصفهم بأنه إذا استخلفهم في أرضه لا يكون فيها من يشرك بعبادته و هذا لا يتأتي إلا مع وجود الإمام الحجة (ع) إذا ملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما فتكون هو المراد بهذه الأحكام و هو المطلوب. الثالث لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وعد الله في كتابه المكنون أن يظهر دين الإسلام علي أديان الأنام و وعده حق لا بد من حصوله و صدق لا بد من حلوله و هذا أمر لا تحصل في عهد خاتم النبيين و لا أحد ممن تولي أمور المسلمين. و قد ثبت أن قائم آل محمد يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما و لا عدل أعظم من إظهار الشريعة المحمدية و الملة الإسلامية فيكون الإمام الحجة (ع) هو الموعود به في الكتاب و هو نص في الباب. الرابع وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ مما صح لي روايته عن محمد بن أحمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المستضعفون في الأرض المذكورون في الكتاب الذين يجعلهم الله أئمة نحن أهل البيت يبعث الله مهديهم فيعزهم و يذل عدوهم [ صفحه 18] الخامس وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ بالطريق المذكور يرفعه إلي ابن عباس الرزق الموعود في السماء هو خروج المهدي (ع) السادس اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهابالطريق المذكور يرفعه إلي ابن عباس أيضا قال يصلح الله الأرض بقائم آل محمد بعد موتها يعني بعد جور أهل مملكتها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ بالحجة من آل محمد لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. السابع أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً بالطريق المذكور و الذين وعد الله بالإتيان بهم جميعا في الكتاب هم أصحاب الإمام القائم (ع) يجمعهم الله في يوم واحد بعد التشتت و الذهاب فإذا قام صلي الله عليه وصلوا في ذلك اليوم إليه الثامن إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ بالطريق المذكور يرفعه إلي الحسن بن زياد الصيقل قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن القائم منا لا يقوم حتي ينادي مناد من السماء تخشع له الرقاب تسمع الفتاة في خدرها و يسمع به أهل المشرق و المغرب فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ تموج أعداؤه عند ذلك كما يموج السمك في [ صفحه 19] قليل الماء حتي يأتيهم النداء لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ فإذا حلت بهم الندامة علي ما أسلفوا و نظروا ما خلفوا قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّي جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ عند الكشف و ظهور صاحب الأمر بالسيف لا ينفعهم الإيمان و لا يغني عنهم الإذعان فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ و كيف ينفع إيمان المنافقين عند حلول العذاب المهين. و أني لهم بالإيمان المنجي من العذاب و سوء الانقلاب عند ظهور اليأس و حلول البأس بل يحل بهم الويل و الثبور و الحسرة و الندامة مع ما يعجل لهم من العذاب في الحياة الدنيا و لعذاب الآخرة أخزي و هم لا ينصرون و في الآخرة يصلون الجحيم و العذاب المقيم. التاسع قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ كني سبحانه عن الإمام القائم (ع) في كتابه المبين بالماء المعين لأنه يحيي به النفوس في هذه الدنيا و في تلك الدار كما يحيي بالماء الحيوان و النبات و الثمار. و يعضده ما صح لي روايته بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال معني الآية إِنْ أَصْبَحَ إمامكم غَوْراً غائبا عنكم فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء و الأرض و بحلال الله و حرامه [ صفحه 20] العاشر فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي جعفر (ع) قال الراوي سألته عن معني الخنس الذي ذكره الله في كتابه فقال إمام يختنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستين و مائتين ثم يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل فإن أدركت ذلك قرت عينك الحادي عشر وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً كني سبحانه عن الإمام الحجة (ع) في الكتاب بالنعمة الباطنة و هو نص في الباب. و يعضده ما جاز لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلي الإمام موسي بن جعفر (ع) فإنه سئل عن نعم الله الظاهرة و الباطنة التي أسبغها الله علي عباده و ذكر ذلك في كتابه فقال النعمة الظاهرة الإمام الظاهر و الباطنة الإمام الغائب يغيب عن أبصار الناس شخصه و يظهر له كنوز الأرض و يقرب عليه كل بعيد الثاني عشر وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ نهي الله عباده المؤمنين أن يكونوا لطول غيبة إمامهم قانطين و لتعميره بهذه المدة المتطاولة مستبعدين فيكونوا كالقوم المتقدمين فينحطوا عن درجة المتقين. [ صفحه 21] و يعضده ما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي أمير المؤمنين (ع) أن النهي عن كون المسلمين مثل الذين قست قلوبهم من أهل الكتاب المتقدمين إنما هو في أمر الإمام القائم (ع) فيجب أن لا يتعجل المؤمن أمرا لم يحصل أوانه و لم يحضر زمانه بل يكون علي يقين من حصوله و يجزم بحلوله فيكون حينئذ كامل الإيمان بالله و رسوله و الأئمة و صاحب الزمان و هذا هو الإيمان المنجي من العذاب إذ بدونه يموت الإنسان ميتة جاهلية فيحصل سوء الانقلاب نعوذ بالله من النار و غضب الجبار و بالله العصمة و التوفيق [ صفحه 22]

في إثبات ذلك بالأخبار من جهة الخاصة

و قد تواترت الأخبار و رويت الآثار عن الله تعالي و النبي و الأئمة الأحد عشر الأطهار بالنص علي إمامته و ظهوره بعد غيبته فلنذكر بعض ما ورد عن كل واحد واحد منهم علي الترتيب علي سبيل الاختصار دون الإطناب و الإكثار. أما ما ورد عن الله تعالي فمن ذلك ما جاز لي روايته عن الشيخ محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي ابن عباس قال قال رسول الله ص لما عرج بي إلي ربي أتاني النداء يا محمد قلت لبيك لك العظمة لبيك فأوحي إلي يا محمد فلم اختصم الملأ الأعلي قلت إلهي لا أعلم فقال يا محمد هل اتخذت من الآدميين وزيرا و أخا و وصيا قلت إلهي و من أتخذ تخير أنت لي فأوحي الله إلي يا محمد قد اخترت لك من الآدميين علي بن أبي طالب فقلت إلهي ابن عمي فأوحي إلي يا محمد إن عليا وارثك و وارث العلم من [ صفحه 23] بعدك و صاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة و صاحب حوضك يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك ثم أوحي الله إلي يا محمد إني أقسمت علي نفسي قسما لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك و لأهل بيتك و ذريتك الطيبين حقا حقا أقول يا محمد لأدخلن جميع أمتك إلا من أبي الجنة فقلت إلهي هل واحد يأبي الجنة فأوحي الله إلي بلي فقلت و كيف يأبي فأوحي الله إلي يا محمد اخترتك من خلقي و اخترت لك وصيا من بعدك و جعلته بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدك و ألقيت محبته في قلبك و جعلته أبا لولدك فحقه بعدك علي أمتك كحقك عليهم في حياتك فمن جحد حقه فقد جحد حقك فمن أبي أن يواليه فقد أبي أن يدخل الجنة فخررت لله عز و جل ساجدا شكرا لما أنعم الله علي فإذا مناد ينادي ارفع يا محمد رأسك سلني أعطك فقلت يا إلهي اجمع أمتي من بعدي علي ولاية علي بن أبي طالب ليردوا علي جميعا حوضي يوم القيامة فأوحي الله عز و جل يا محمد إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم و قضائي ماض فيهم لأهلك به من أشاء و أهدي به من أشاء و قد آتيته علمك من بعدك و جعلته وزيرك خليفتك من بعدك علي أهلك و أمتك عزيمة مني لا يدخل الجنة من عاداه و أبغضه و أنكر ولايته بعدك فمن أبغضه فقد أبغضك و من أبغضك فقد أبغضني و من عاداه فقد عاداك و من عاداك فقد عاداني و من أحبه فقد أحبك و من أحبك فقد أحبني و قد جعلت لك هذه الفضيلة و أعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديا من ذريتك من البكر البتول و آخر رجل منهم يصلي خلفه عيسي ابن مريم يملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا و ظلما أنجي به من الهلكة و أهدي به من الضلالة و أبرئ به الأعمي و أشفي به المريض [ صفحه 24] فقلت إلهي و متي يكون ذلك فأوحي الله عز و جل إلي يكون ذلك إذا رفع العلم و ظهر الجهل و كثر القراء و قل العمل و كثر القتل و قل الفقهاء الهادون و كثر فقهاء الضلالة الخونة و كثر الشعراء و اتخذ أمتك قبورهم مساجد و حليت المصاحف و زخرفت المساجد و كثر الجور و الفساد و ظهر المنكر و أمر أمتك به و نهي عن المعروف و قنع الرجال بالرجال و النساء بالنساء و صارت الأمراء كفرة و أولياؤهم فجرة و أعوانهم ظلمة و ذوو الرأي فيهم فسقة و عند ثلاث خسوف خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و خراب البصرة علي يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج و خروج رجل من ولد الحسين بن علي و ظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان و ظهور السفياني فقلت إلهي و ما يكون بعدي من الفتن فأوحي الله إلي و أخبرني ببلاء بني أمية و فتنة ولد عمي و ما هو كائن إلي يوم القيامة فأوصيت بذلك ابن عمي حين نزلت الأرض و أديت الرسالة و لله الحمد علي ذلك كله و أما ما ورد عن النبي ص فمن ذلك ما صح لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله أن النبي ص قال لا بد من عشر علامات قبل الساعة السفياني و الدجال و الدخان و الدابة و خروج القائم و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسي ابن مريم و خسف بالمشرق [ صفحه 25] و خسف بجزيرة العرب و نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلي المحشرو قال يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبي يسرع الناس إلي طاعته المشرك و المؤمن يملأ الجبال خوفاو قال طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي و هو معتقده قبل قيامه يتولي وليه و يتبرأ من عدوه و يتولي الأئمة الهادية من قبله أولئك أكرم خلق الله عليو قال (ع) سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم قالوا يا رسول الله نحن كنا معك ببدر و أحد و حنين و نزل فينا القرآن قال إنكم إن تحملوا ما حملوا لم تصبروا صبرهم و قال و قد ذكر المهدي أنه يبايع بين الركن و المقام اسمه محمد و عبد الله و المهدي و قال لا تقوم الساعة حتي يخرج نحو من ستين كذابا و من ذلك ما جاز لي روايته عن الشيخ محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي مقاتل بن سليمان عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله ص أنا سيد النبيين و وصيي سيد الوصيين و أوصياؤه سادة الأوصياء إن آدم (ع) سأل الله أن يجعل له وصيا صالحا فأوحي الله إليه يا آدم أوص إلي شيث فأوصي إلي شيث و هو هبة الله بن آدم و أوصي شيث إلي [ صفحه 26] ابنه شيبان و أوصي شيبان إلي مجلث و أوصي مجلث إلي محوق و أوصي محوق إلي غثمينا و أوصي غثمينا إلي أخنوخ و هو إدريس النبي (ع) و أوصي إدريس إلي ناخور و دفعه ناخور إلي نوح (ع) و أوصي نوح إلي سام و أوصي سام إلي عثامر و أوصي عثامر إلي برغيثاث و أوصي برغيثاث إلي يافث و أوصي يافث إلي برة و أوصي برة إلي جفشية و أوصي جفشية إلي عمران و دفعها عمران إلي إبراهيم الخليل (ع) و أوصي إبراهيم الخليل إلي ابنه إسماعيل و أوصي إسماعيل إلي إسحاق و أوصي إسحاق إلي يعقوب و أوصي يعقوب إلي يوسف و أوصي يوسف إلي يثريا و أوصي يثريا إلي شعيب و أوصي شعيب إلي موسي بن عمران و أوصي موسي بن عمران إلي يوشع بن نون و أوصي يوشع إلي داود و أوصي داود إلي سليمان و أوصي سليمان إلي آصف بن برخيا و أوصي آصف إلي زكريا و دفعها زكريا إلي عيسي و أوصي عيسي إلي شمعون بن حمون الصفا و أوصي شمعون إلي يحيي بن زكريا و أوصي يحيي بن زكريا إلي منذر و أوصي منذر إلي سليمة و أوصي سليمة إلي بردة ثم قال رسول الله ص و دفعها إلي بردة و أنا أدفعها إليك يا علي و أنت تدفعها إلي وصيك و يدفعها وصيك إلي أوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد حتي تدفع إلي خير أهل الأرض بعدي و لتكفرن بك الأمة [ صفحه 27] و لتختلفن عليك اختلافا شديدا الثابت عليك كالمقيم معي و الشاذ عنك في النار و النار مثوي الكافرين فقد ثبت أن كل واحد من النبيين دفع ما عنده من العلم و الإيمان و الاسم الأعظم و آثار النبوة إلي وصيه و قد انتهي ذلك كله إلي كل واحد واحد من الأئمة و اجتمع ذلك جميعه عند القائم ع. و كيف ينكر لهم فضيلة من الفضائل أم كيف يعظم منهم دلالة من دلائل و هم لعمري أصحاب الميثاق و ولاة الأمر و هداة الأنام و حجج الخلاق حتي تنقضي الدنيا. و هذا هو بيان عروة الإيمان التي نجا بها من كان قبلنا و بها ننجو إن شاء الله و من يأتي بعدنا.و بالطريق المذكور يرفعه إلي جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله ص المهدي من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا و خلقا تكون له غيبة و حيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما و أما ما ورد عن أمير المؤمنين علي (ع) فمن ذلك ما صح روايته عن السيد هبة الله الراوندي أن أمير المؤمنين (ع) قال و هو علي المنبر يخرج من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب حمرة مبدج البطن عريض [ صفحه 28] الفخذين عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان شامة علي لون جلده و شامة علي شبه شامة النبي ص له اسمان اسم يخفي و اسم يعلن فأما الذي يخفي فأحمد و أما الذي يعلن فمحمد و إذا هز رايته أضاء بين المشرق و المغرب و يضع يده علي رءوس العباد فلا يبقي مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد و أعطاه الله قوة أربعين رجلا و لا يبقي ميت إلا دخل عليه ملك الفرحة في قبره و هم يتزاورون و يتباشرون بقيام القائم و قال يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس و هو رجل ربعة وخش الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور اسمه [ صفحه 29] عثمان أبو عنبسة و هو من ولد أبي سفيان حتي يأتي أرضا ذات قرار و معين فيستوي علي منبرها و قال (ع) إذا اختلف الرمحان في الشام فهو آية من آيات الله قيل ثم مه قال ثم رجفة يكون بالشام يهلك مائة ألف يجعله الله رحمة للمؤمنين و عذابا للكافرين و إذا حان ذلك فانتظروا خسفا بقرية من قري الشام يقال لها حرسة فإن كان كذلك فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس و قال (ع) أظلتكم فتنة مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا النومة قيل و ما النومة قال الذي لا يعرف الناس ما في نفسه و سأله (ع) عمر عن صفة المهدي فقال هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر يسيل شعره علي منكبيه و نور وجهه يعلو سواد لحيته و رأسه بأبي [ صفحه 30] ابن خيرة الإماء و قال (ع) بين يدي القائم موت أحمر و موت أبيض و جراد في حينه و جراد في غير حينه أحمر كألوان الدم فأما الموت الأحمر فالسيف و أما الموت الأبيض فالطاعونو أما ما ورد عن الحسن السبط (ع) فمن ذلك بالطريق المذكور أنه قال لا يكون الأمر الذي تنتظرون حتي يتبرأ بعضكم من بعض و يلعن بعضكم بعضا و يتفل بعضكم في وجوه بعض و حتي يشهد بعضكم علي بعض بالكفر قيل ما في ذلك خير قال الخير كله في ذلك عند ذلك يقوم قائمنا و أما ما ورد عن الحسين (ع) فمن ذلك بالطريق المذكور أنه قال لأصحابه ألا و إني لأعلم يوما لنا من هو ما لنا من هؤلاء ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل من بيعتي فقالوا معاذ الله [ صفحه 31] و عنه قدام القائم علامات تكون من الله للمؤمنين و هي قوله تعالي وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ ابتلاء المؤمنين قبل خروج القائم بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ بالخوف من ملوك بني العباس في سلطانهم وَ الْجُوعِ و بغلاء الأسعار وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ و فساد التجارات و قلة الفضل وَ الْأَنْفُسِ و موت ذريع وَ الثَّمَراتِ و قلة زكاة ما يزرع وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ و البشري عند ذلك لمن صبر بتعجيل خروج القائم و أما علي بن الحسين (ع) بالطريق المذكور قيل له صف لنا خروج المهدي و عرفنا دلائله و علاماته فقال يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة و يكون مأواه تكريت و قبله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح بسمرقند ثم يخرج السفياني الملعون بالوادي اليابس و هو من ولد عتبة بن أبي سفيان فإذا ظهر السفياني أخذ في المهد ثم يخرج بعد ذلك [ صفحه 32] و قال (ع) ما تستعجلون بخروج القائم فو الله ما لباسه إلا الغليظ و لا طعامه إلا الشعير الجشب و ما هو إلا السيف و الموت تحت ظل السيف لقد كان من قبلكم ممن هو علي ما أنتم عليه يؤخذ فيقطع يديه و رجليه و يصلب أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا و قال (ع) المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر يصبحون بمكة و قد ذكر الله تعالي ذلك في كتابه أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً و هم أصحاب القائم (ع) و مما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن بابويه يرفعه إلي الإمام زين العابدين (ع) أنه قال نحن أئمة المسلمين و حجج الله علي العالمين و سادة المؤمنين و نحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان أهل السماء و نحن الذين بنا تمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه السماء محفوظة بسببنا و بنا الأرض تمسك أن تميد بأهلها و بنا ينزل الغيث و تنشر الرحمة و تخرج بركات الأرض و لو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها ثم قال و لم تخل الأرض منذ خلق الله [ صفحه 33] آدم من حجة فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور و لا تخلو إلي أن تقوم الساعة من حجة لله فيها و لو لا ذلك لم يعبد الله و أما الباقر (ع) فبالطريق المذكور أنه قال لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله و عنه (ع) لو بقيت الأرض يوما بلا إمام لساخت بأهلها و لعذبهم الله بأشد عذابه إن الله تعالي جعلنا حجة في أرضه و أمانا في الأرض لأهل الأرض لم يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم فإذا أراد الله أن يهلكم ثم لا يمهلهم و لا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ثم رفعنا إليه ثم يفعل الله ما شاء و أحب و عنه (ع) من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهلية و لا يعذر الناس حتي يعرفوا إمامهم و مما جاز لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله أن الباقر (ع) قال لجابر الجعفي الزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا حتي تري علامات أذكرها [ صفحه 34] لك و ما أراك تدرك اختلاف بني العباس و مناد ينادي من السماء و يجيئكم الصوت من ناحية الدمشق و خسف قرية من قري الشام تسمي الجاتية و سيقبل إخوان الترك حتي ينزلوا الجزيرة و سيقبل مارقة الروم حتي ينزلوا الرملة فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب فأول أرض تخرب الشام و يختلفون علي ثلاث رايات راية الأصهب و راية الأشهب و راية السفياني و عنه (ع) بالطريق المذكور أمرنا لو قد كان أبين من الشمس ينادي مناد من السماء فلان ابن فلان هو الإمام باسمه و ينادي إبليس لعنه الله في الأرض [ صفحه 35] كما نادي برسول الله ص ليلة العقبة و قال أني يكون هذا الأمر حتي يكثر القتل بين الحيرة و الكوفة و أما الصادق (ع) فمن ذلك بالطريق المذكور أنه قال لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين تسع أو ثلاث أو إحدي أو خمسة قال قدم القائم لسنة غيداقية تفسد التمر في النخل فلا تشكوا في ذلك و عام الفتح ينبثق الفرات حتي يدخل الماء علي أزقة الكوفة و مما جاز لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي عبد الله (ع) أ تبقي الأرض بغير إمام قال لو بقيت بغير إمام ساخت و لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الإمام [ صفحه 36] الحجة أو لكان الباقي الحجة الشاك الراوي و عنه بالطريق المذكور يرفعه إلي العمار قال سمعته يقول من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهلية كفرا و شركا و ضلالة و أما الكاظم (ع) مما جاز لي روايته من السيد هبة الله المذكور يرفعه إلي أبي الحسن بن الجهم قال سأل رجل أبا الحسن (ع) عن الفرج فقال تريد الإكثار أو أجمل لك قال بل تجمله لي قال إذا تحرك رايات قيس بمصر و روايا كندة بخراسان أو ذكر غير كندة و قال إن القائم ينادي باسمه ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان و يقوم يوم عاشوراء فلا يبقي راقد إلا قام و لا قائم إلا قعد و لا قاعد إلا قام علي رجليه من ذلك الصوت صوت جبرئيل و قال إذا قام القائم أتي المؤمن في قبره فيقال له يا هذا إنه قد ظهر صاحبك إن تشأ أن تلحق به فألحق و إن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم و أما الرضا (ع) فبالطريق المذكور أنه قال لا بد من فتنة صماء [ صفحه 37] صيلم يسقط فيها كل بطانة وليجة و ذلك عند فقدان الشيعة الرابع من ولدي يبكي عليه أهل السماء و أهل الأرض و كم من مؤمن متأسف حران حيران حزين عند فقدان الماء المعين كأني بهم شر ما يكونون و قد نودوا نداء يسمعه من بعيد كما يسمعه من قريب يكون رحمة للمؤمنين و عذابا للكافرين فقال له الحسن بن محبوب و أي نداء هو قال ينادون ثلاثة أصوات من السماء في رجب صوتا بلغة من ظلم ألا لعنة الله علي الظالمين و الصوت الثاني أبشروا أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين و الصوت الثالث يرون بدنا [ صفحه 38] بارزا نحو عين الشمس هذا أمير المؤمنين قد كر في هلاك الظالمين فعند ذلك يأتي الفرج و يود الأموات لو كانوا أحياء و يشف صدور قوم مؤمنين و عن البزنطي قال الرضا (ع) إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين قلت فأي شي‌ء الحدث قال عصيبة يكون بين المسجدين و يقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب و قال لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتي تميزوا و تمحصوا فلا يبقي منكم إلا الأندر و عن أبي الصلت الهروي قلت للرضا (ع) ما علامة القائم فيكم إذا خرج قال علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر حتي أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة و دونها و إن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام و الليالي حتي يأتيه أجله و مما يصح روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي عبد الله [ صفحه 39] بن صالح الهروي قال سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول أنشدت مولاي الرضا قصيدتي التي أولها منازل آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات فلما انتهيت إلي قولي خروج إمام لا محالة خارج يقوم علي اسم الله و البركات‌يميز فينا كل حق و باطل و يحري علي النعماء و النقمات بكي الرضا (ع) بكاء شديدا ثم رفع رأسه فقال يا خزاعي نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام و متي يقوم فقلت لا يا مولاي بل سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد و يملأها عدلا فقال يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني و بعده ابنه علي و بعده علي ابنه الحسن و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما و أما متي فسؤال عن الوقت و قد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه أن النبي ص قيل له يا رسول الله متي يخرج القائم من ذريتك قال مثله كمثل الساعة لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً و أما الجواد (ع) فمن ذلك ما جاز لي روايته عن السيد هبة الله المذكور أنه قال لعبد العظيم المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته و يطاع في ظهوره هو الثالث من ولدي و إن الله ليصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسي حيث ذهب ليقتبس لأهله نارا هو سمي رسول الله و كنيه [ صفحه 40] تطوي له الأرض قيل له و لم سمي القائم قال لأنه يقوم بعد موت ذكره و ارتداد أكثر القائلين بإمامته و سمي المنتظر لأن له غيبة يطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون و ينكره المرتابون و يهلك المستعجلون و أما الهادي علي بن محمد (ع) فبالطريق المذكور أنه قال إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج و قال هذا صاحب الأمر من يقول الناس لم يولد بعد و قال الحجة ابن ابني إليه يجتمع عصابة الحق و أما الزكي الحسن بن علي العسكري (ع) فبالطريق المذكور يرفعه إلي أحمد بن إسحاق و قد أتاه ليسأله عن الخلف بعده فقال مبتدئا مثله كمثل الخضر و مثله كمثل ذي القرنين إن الخضر شرب من ماء الحياة فهو لا يموت حتي ينفخ في الصور و إنه ليحضر الموسم كل سنة و يقف بعرفة فيؤمن علي دعاء المؤمنين و يستأنس الله به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته فله البقاء في الدنيا مع الغيبة عن الأبصار و مما جاز لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلي علي بن محمد بن بلال قال خرج إلي توقيع من أبي محمد الحسن بن علي العسكري (ع) قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده تنبيه اعلم أن حال الإمام الحجة القائم المنتظر (ع) في وقتنا هذا [ صفحه 41] كحال النبي ص قبل ظهور النبوة و ذلك لأنه لم يعرف خبر النبي بالحقيقة إلا العلماء الراسخون و الفضلاء المحققون و كان الإسلام غريبا فيهم و كان الواحد من الذين آمنوا به إذا سأل الله تعجيل فرج نبيه و إظهار أمره سخر منه أهل الجهل و الضلال و قالوا متي يخرج هذا النبي الذي تزعمون أنه نبي السيف و أن دعوته تبلغ المشرق و المغرب و أنه تنقاد له ملوك الأرض كما يقول الجهال لنا في هذا الوقت متي يخرج المهدي الذي تزعمون أنه لا بد من خروجه و ظهوره و ينكره قوم و يعرفه آخرون و قد قال النبي (ع) بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ فطوبي للغرباء و قد عاد الإسلام كما قال رسول الله ص غريبا في هذا الزمان و سيقوي بظهور ولي الله و حجته كما قوي برسول الله و صاحب شريعته و تقر بذلك أعين المنتظرين له و القائلين بإمامته كما قرت أعين المنتظرين لرسول الله ص و العارفين به بعد ظهوره و إن الله لمنجز لأوليائه ما وعدهم و يعلي كلمتهم و الله متم نوره و لو كره المشركون [ صفحه 42]

في إثبات ذلك من جهة العامة

و قد ورد ذلك في كثير من كتبهم و نقلوه مشايخهم و رواه أحاديثهم فمن ذلك أن شيخهم الذي لا ينكرون فضله و علمه و يرجعون إليه في أقواله و يقتدون بأعماله و هو الفقيه العلامة عندهم الذي يسمونه مفتي العراقين محدث الشام صدر الحفاظ فخر الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد النوفلي المعروف بالكنجي الشافعي فإنه صنف كتابا في هذا الباب سماه بالبيان في أخبار صاحب الزمان و قال في خطبته إني قد عريته عن طرق الشيعة تعرية تركيب الحجة إذ كل ما تلقته الشيعة بالقبول و إن كان صحيح النقل فإنما هو خريت منارهم و خدارية ذمارهم فكان الاحتجاج بغيره آكد. [ صفحه 43] و روي عدة من الأخبار تدل علي وجوده و تعيينه استخرجها من كتب المشايخ المتقدمين عليه و أسندها إلي رجالهم و رواه أحاديثهم الذين أوصلوا الروايات إليه فمن ذلك ما رواه متصلا و ذكر رجاله في كتابه عن النبي ص أنه قال يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يلي ثم قال الكنجي هذا حديث صحيح أخرجه الحافظ محمد بن عيسي الترمذي في جامعه الصحيح.و من ذلك ما ذكر إسناده يرفعه إلي علقمة بن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله ص إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه و تغير وجهه فقلت ما نزال نري في وجهك شيئا نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا و إن أهل بيتي سيلقون من بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا حتي يأتي قوم من [ صفحه 44] قبل المشرق و معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونها حتي يدفعونها إلي رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا علي الثلج و من ذلك ما يرفعه إلي أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال ويحا للطالقان فإن لله عز و جل بها كنوزا ليست من ذهب و لا فضة و لكنها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته و هم أنصار المهدي آخر الزمان و من ذلك ما رواه متصلا إلي النبي ص أنه قال فيلتفت المهدي و قد نزل عيسي ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم صل بالناس فيقول عيسي إنما أقيمت الصلاة لك قال فيصلي عيسي خلف رجل من ولدي فإذا صليت قام عيسي حتي جلس في المقام فبايعه فيمكث أربعين سنة أول الآيات في زمانه الدجال ثم نزول عيسي ثم نار تخرج من عدن تسوق الناس إلي المحشر ثم قال الكنجي و هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (ع) و من ذلك ما رواه متصلا إلي النبي ص و ذكر حديثا [ صفحه 45] طويلا منه أن النبي ص ضرب بيده علي كتف الحسين (ع) و قال من هذا مهدي الأمة ثم قال الكنجي هذا حديث صحيح أخرجه الدارقطني صاحب الجرح و التعديل. و من ذلك ما رواه متصلا إلي النبي ص و ذكر حديثا طويلا خاطب به فاطمة (ع) اقتصرنا علي ذكر المطلوب منه أنه قال و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما يا فاطمة و الذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا و مرجا و تظاهرت الفتن و تقطعت السبل و أغار بعضهم علي بعض فلا كبير يرحم صغيرا و لا صغير يوقر كبيرا فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة و قلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان و يملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا و الحديث بطوله. قال الكنجي في آخر الحديث هذا الحديث رواه صاحب حلية الأولياء أيضا في كتابه المترجم بذكر نعت المهدي و أخرجه الطبراني شيخ أهل الصنعة في معجمه الكبير. لا يقال هذا الحديث يخالف ما عليه الشيعة الإمامية لأنهم قائلون إن المهدي من ولد الحسين (ع) و إنه خاتم الأئمة الاثني عشر و قد ذكر أنه من ولد [ صفحه 46] الحسن هذا خلف. لأنا نقول لا نسلم أن هذا الخبر مخالف لما نحن فيه و لا مناف لما ذهبنا إليه لأن النبي ص قال منهما يعني الحسن و الحسين (ع) و الأمر كما قال لأن الإمام الباقر (ع) جد المهدي (ع) أمه بنت عم أبيه الحسن السبط (ع) و هو أول فاطمي ولد لفاطميين و قد تقدم ذكر ذلك في بابه فهو من الحسن و الحسين و كذلك كل من كان من ولده و المهدي من ولده فيكون منهما فقد طابق ما ذهبنا إليه ما قاله النبي ص و من ذلك ما يرفعه إلي زر عن عبد الله قال قال رسول الله ص لا تذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي قال الكنجي هذا حديث حسن صحيح قال و في الباب عن علي و أبي سعيد و أم سلمة و أبي هريرة و قد ذكر هذا الحديث بطرق كثيرة متعددة منها عن أبي هريرة أيضا و منها عن محمد بن عيسي الترمذي بطريق آخر غير الأول و منها عن زر عن عبد الله بطريق آخر غير الأول أيضا و ذكر فيه أنه أخرجه أبو داود في سننه و منها يرفعه إلي عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي [ صفحه 47] ثم ذكر بعد ذلك أن الحافظ أبو نعيم جمع طرق هذا الحديث عن الجم الغفير في مناقب المهدي كلهم عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله عن النبي ص منهم سفيان بن عيينة بطرق شتي و منهم قطر بن خليفة و طرقه بطرق شتي و منهم أبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني بطرق شتي و منهم الأعمش بطرق شتي و منهم حفص بن عمرو و منهم سفيان الثوري بطرق شتي و منهم شعبة بطرق شتي و منهم واسط بن الحارث و منهم يزيد بن معاوية أبو شيبة و منهم سليمان بن قرم بطرق شتي و منهم جعفر الأحمر و منهم سلام أبو المنذر و منهم أبو شهاب محمد بن إبراهيم الكناني بطرق شتي و منهم عمرو بن عبيد الطيالسي بطرق شتي و منهم أبو بكر بن عياش بطرق شتي و منهم أبو الجحاف داود بن أبي العوف بطرق شتي و منهم عبد الملك بن أبي غنية و منهم محمد بن عياش العامري بطرق شتي و منهم عمرو بن أبي قيس الملائي و منهم عمار بن زريق و منهم عبد بن جبير بن [ صفحه 48] حكيم الأسدي و منهم عمر بن عبد الله بن بشر و منهم أبو الأحوص و منهم سعد بن الحسن ابن أخت ثعلب و منهم معاذ بن هشام و منهم يوسف بن يونس و منهم غالب بن عثمان و منهم حمزة الزيات و منهم شيبان و منهم الحكم بن هشام و رواه غير عاصم و هو عمرو بن مرة. و إذا اتفق هؤلاء أئمة رواة الأخبار و الأحاديث و الآثار عندهم علي تعيين الإمام المهدي (ع) و أنه هو الإمام المعني الذي ذهبنا إليه و وقع اتفاقنا عليه كان إنكاره بعد ذلك محال و دخول في الضلال مع أنه قد ورد في هذا الكتاب و في غيره من طرق العامة ما يوافق ما نحن عليه في هذا الباب روايات كثيرة و أخبار و قصص و آثار أعرضنا عنها و ذكرنا هذا منها إذ الغرض من ذكرها ليس إثبات ذلك من طريقهم إذ الحق ثابت بما بيناه و ظاهر مما قررناه بل الغرض مما ذكرنا إلزام المنكرين منهم بما ورد عنهم.كشف و إيضاح و كيف ينكر أمر شهد بصحته المعقول و طابقه علي ذلك المنقول أ ليس من الأمر المعلوم الذي تسلمه الخصوم أن الله تعالي جرت عادته أن يبعث في الأمم السالفة [ صفحه 49] رسولا بعد رسول يعرفهم ما أخذ عليه من العهود و المواثيق و يخرجهم من ظلمات الشبهات إلي سعة المجال بعد الضيق. و لا بد له من خاصية تشرفه عليهم حتي يقبلوا ما أتي به إليهم و تلك الخاصية هي العصمة التي اتفق علي وجوبها للنبيين كافة المسلمين و قد ثبت في زماننا هذا أن محمدا ص خاتم النبيين فلا بد من شخص بعده يكون في مرتبته يقوم بشريعته و يبلغها إلي من بعده من أمته و يجب أن يكون له تلك الخاصية ليكون له عليهم المزية و إلا لوسعهم القول في مخالفته فلا يتم فائدة إرسال النبي و بعثه فوجب وجود إمام معصوم ليبين للناس شرائع هذا الرسول و يبين لهم ما أخذ عليهم من المواثيق و العهود و ما أمروا به و نهوا عنه بالمعقول و المنقول. و لم يثبت العصمة إلا لهم و الباقي منهم هو الإمام القائم (ع) الذي شهد بتعيينه الموافق و المخالف فمن عدل عن طريقه و أنكر وجوده و بقاءه و إمامته فقد ارتطم في الضلال و وقع في المحال ذلك هو الخسران المبين [ صفحه 50]

في ذكر والدته و ولادته و ما يتعلق بذلك

فأما ولادته فذلك مما صح روايته عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلي الشيخ الصدوق أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي و كان لا يطعن عليه في شي‌ء من الأحوال قال ولد القائم محمد بن الحسن (ع) النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين و كان سنه عند وفاة أبيه (ع) خمس سنين و هو صاحب السيف من أئمة الهدي (ع) و القائم بالحق و المنتظر لدين الله و له غيبتان إحداهما أطول من الأخري أما الأولي فمن وقت ولادته إلي انقطاع السفراء بينه و بين رعيته و خواص شيعته و أما الطولي فهي بعد الأولي إلي أن يأذن الله في ظهوره و يجب وقت خروجه و حضوره فعندها يقوم بالسيف فيقتل المنافقين و يدمر المشركين و يهلك أعداء الدين كله لله و يحصل ما وعده الله [ صفحه 51] تعالي في كتابه المبين وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ. و أما والدته فمن ذلك ما جاز لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي أبي الحسن محمد بن بحر الشيباني قال وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين و زرت قبر غريب رسول الله ص ثم انكفأت إلي مدينة السلام متوجها إلي مقابر قريش علي ساكنها السلام في وقت تضرم الهواجر و توقد السماء فلما وصلت إلي مشهد الكاظم (ع) و استنشقت روائح تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران بكيت عليها بعبرات متقاطرة و زفرات متتابعة و قد حجب الدمع طرفي عن النظر فلما رقأت العبرة و انقطع النحيب فتحت بصري و إذا أنا بشيخ قد انحني صلبه [ صفحه 52] و تقوس منكباه و ثفنت جبهته و راحتاه و هو يقول لآخر معه يا ابن أخ لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان و قد أشرفت علي استكمال المدة و انقضاء العمر و لست أجد في أهل الولاية من يفضي إليه بسر قلت يا نفس لا يزال العناء و المشقة ينالان منك بإتعابي الخف و الحافر في طلب العلم و قد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدل علي حال جسيم و أمر عظيم فقلت أيها الشيخ و من السيدان قال البحران المغيبان في الثري بسر من رأي قلت فإني أقسم بالموالاة و شرف محل هذين السيدين من الإمامة و الوراثة أني خاطب علمهما و طالب آثارهما و باذل من نفسي الإيمان المؤكدة علي حفظ أسرارهما قال إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة آثارهم فأخرجت له ما حضرني من ذلك قال صدقت أنا بشر بن سلمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد (ع) و جارهما بسر من رأي قلت فأكرم أخاك بعض ما شاهدت من آثارهما. [ صفحه 53] قال كان مولاي أبو الحسن علي بن محمد العسكري فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أشتري و لا أبيع إلا بإذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي كملت معرفتي فيه و حسنت الفرق بين الحلال و الحرام فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأي و قد مضي هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فإذا بكافور الخادم رسول مولاي أبي الحسن (ع) يدعوني إليه فلبست ثيابي و دخلت عليه و إنه يحدث ابنه أبا محمد و أخته حكيمة من وراء الستر فلما جلست قال يا بشر إنك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف من سلف فأنتم ثقاتنا أهل البيت و إني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق فيها سباق الشيعة في الموالاة بها بسر أطلعك عليه و أنفذك في تتبعه و كتب كتابا تلطفا بخط رومي و لغة رومية و طبع عليه خاتمه و أعطاني ششتقة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا فقال خذها و توجه بها إلي بغداد و احظر معبرات الفرات ضحوة يوم كذا و كذا فإذا وصلت ستري إلي جانبك زواريق السبايا و سيبرزن [ صفحه 54] منها و يستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شراذم من فتيان العراق فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور و لمس المعترض و الانقياد لمن يحاول لمسها و يشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية فاعلم أنها تقول وا هتك ستراه فيقول بعض المبتاعين علي بثلاث مائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية لو برزت في زي سليمان بن داود علي سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق علي مالك فيقول النخاس فما الحيلة لا بد من بيعك فتقول الجارية و ما العجلة و لا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلي أمانته و وفائه. فعند ذلك قم إلي عمر بن يزيد النخاس و قل له إن معي كتابا مطلقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خط رومي وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه فناولها لتتأمل فيه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك قال بشر بن سليمان النخاس فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (ع) في أمر الجارية فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا و قالت [ صفحه 55] لعمر بن يزيد النخاس بعني من صاحب هذا الكتاب و حلفت بالمحرجة العظيمة إنه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها فما زلت أشاحه في ثمنها حتي استقر الأمر علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير في الششتقة فاستوفي مني و تسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة و انصرفت بها إلي حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أجدها حتي أخرجت كتابة مولانا (ع) من جيبها و جعلت تلثمه و تضعه علي خدها و تطبقه علي جفنها و تمسحه علي بدنها فقلت متعجبا منها تلثمين كتابا و لا تعرفين صاحبه فقالت أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك و فرغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم و أمي من ولد الحواريين تنسب إلي شمعون أنبئك العجب أن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا بنت ثلاثة عشر سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين و القسيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل و من ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل و جمع من أمراء الأجناد و قواد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف رجل و أبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا من أصناف [ صفحه 56] الجواهر إلي صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكفا و نشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض و تقوضت الأعمدة و انهارت إلي القرار و خر الصاعد مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم و قال كبيرهم لجدي أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علي زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني فتطير جدي تطيرا شديدا و قال للأساقفة أقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا هذه الصلبان و أحضروا أخا هذا المدبر المنكوس جده لأزوج منه هذه الصبية فيندفع نحوسه عنكم بسعوده. فلما فعلوا ذلك حدث علي الثاني مثل ما حدث علي الأول و تفرق الناس و قام جدي قيصر مغتما فدخل قصره و أرخيت الستور فرأيت في تلك الليلة كان المسيح و شمعون و عدة من الحواريين اجتمعوا في قصر جدي و نصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان فيه جدي نصب عرشه فدخل عليهم محمد ص مع فتية و عدة من بنيه فقام إليه المسيح و اعتنقه فقال له يا روح الله إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته [ صفحه 57] مليكة لابني هذا و أومأ بيده إلي أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح إلي شمعون (ع) فقال قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله ص قال قد فعلت فصعدوا ذلك المنبر فخطب محمد رسول الله ص و زوجني. فلما استيقظت من منامي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا علي أبي و جدي مخافة القتل فكنت أسر ما في نفسي و لا أبديها لهم و ضرب صدري بمحبة أبي محمد (ع) حتي امتنعت من الطعام و الشراب و ضعفت نفسي و دق شخصي و مرضت مرضا شديدا فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي و سأله عن دوائي فلما برح به اليأس قال يا قرة عيني هل يخطر ببالك شهوة فأوردكها في هذه الدنيا فقلت يا جدي أري أبواب الفرج مغلقة فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أساري المسلمين و فككت عنهم الأغلال و تصدقت عليهم و منيتهم الخلاص رجوت أن يهب المسيح و أمه العافية و الشفاء فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار صحة بدني و تناولت يسيرا من الطعام فسر بذلك جدي و أقبل علي إكرام الأساري و إعزازهم. فرأيت أيضا بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف من وصائف الجنان فقالت لي مريم هذه سيدة النساء أم زوجك [ صفحه 58] أبي محمد فأتعلق بها و أبكي و أشكو إليه امتناع أبي محمد من زيارتي فقالت سيدة النساء (ع) إن ابني أبا محمد لن يزورك و أنت مشركة بالله علي دين مذهب النصاري و هذه أختي مريم تبرأ إلي الله تعالي من دينك فإن ملت إلي رضا الله عز و جل و رضا المسيح ابن مريم (ع) و مريم (ع) عنك و زيارة أبي محمد إياك فقولي أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فقلت فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء (ع) إلي صدرها و طيبت نفسي و قالت الآن توقعي زيارة أبي محمد فإني منفذته إليك فانتبهت و أنا أقول وا شوقاه إلي لقاء أبي محمد فلما كان في الليلة القابلة جاءني أبو محمد (ع) في منامي فرأيت كأني أقول له لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك فقال ما كان تأخري عنك إلا لشركك فإذا قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلي أن يجمع الله شملنا في العيان فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية. قال بشر فقلت لها و كيف وقعت في الأساري فقالت أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشا إلي قتال المسلمين يوم كذا و كذا [ صفحه 59] ثم يتبعهم فعليك باللحاق لهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف في طريق كذا ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتي كان من أمري ما كان و شاهدت و ما شعر بأني ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية أحد سواك و ذلك باطلاعي إياك عليه و لقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته و قلت نرجس فقال هذا اسم الجواري. قال بشر فقلت العجب إنك رومية و لسانك لسان العرب قالت بلغ من ولوع جدي و حمله إياي علي تعلم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي فكانت تقصدني صباحا و مساء و تفيدني العربية حتي استمر عليها لساني و استقام. قال بشر فلما انكفأت بها إلي سر من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري (ع) فقال لها كيف أراك الله عز و جل عز الإسلام و ذل النصرانية و شرف آل محمد نبيه (ع) فقالت كيف أصف لك ما أنت أعلم به مني قال فإني أحب أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشري لك فيها شرف الأبد قالت بل البشري قال (ع) أبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما قالت ممن قال ممن خطبك رسول الله ص ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية قالت من المسيح (ع) و وصيه قال فممن المسيح و وصيه قالت من ابنك أبي محمد قال فهل تعرفينه قالت و هل خلوت ليلة من زيارته منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيدة النساء أمه فقال أبو الحسن ع [ صفحه 60] يا كافور ادع لي أختي حكيمة فلما دخلت عليه قال (ع) لها ها هية فاعتنقتها طويلا و سرت به كثيرا فقال لها مولانا يا بنت رسول الله أخرجيها إلي منزلك و علميها الفرائض و السنن فإنها زوجة أبي محمد و أم القائم صلوات الله عليه و علي آبائه أجمعين و أما خبر ولادته بالطريق المذكور يرفعه إلي موسي بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) قال حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسي (ع) قالت بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان و إن الله عز و جل سيظهر في هذه الليلة الحجة و هو حجته في أرضه قالت فقلت و من أمه قال نرجس فقلت و الله جعلني الله فداك ما أري بهذا أثرا قال هو كما أقول لك فجئت فلما سلمت و جلست جاءت تنزع خفي و قالت يا سيدتي كيف أمسيت قلت بل أنت سيدتي و سيدة أهلي قالت فأنكرت قولي و قالت ما هذا يا عمة فقلت يا بنية إن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيدا في الدنيا و الآخرة قالت فخجلت و استحيت فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت و أخذت مضجعي فرقدت فلما كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة ففرغت من صلاتي و هي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة و هي راقدة ثم قامت فصلت و نامت [ صفحه 61] قالت حكيمة فخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان و هي نائمة قالت حكيمة فدخلتني الشكوك فصاح أبو محمد فقال لا تعجلي يا عمة فإن الأمر قد قرب قالت فجلست فقرأت حم السجدة و يس فبينا أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت باسم الله عليك تحسين شيئا قالت نعم يا عمة فقلت لها اجمعي نفسك و اجمعي قلبك فهو ما قلت لك قالت حكيمة فأخذتني فترة و أخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت عنه الثوب فإذا به (ع) ساجدا يتلقي الأرض بمساجده فضممته (ع) إلي فإذا به منظف فصاح أبو محمد هلمي إلي ابني فجئت به إليه فوضع يده تحت أليتيه و ظهره و وضع قدمه في صدره ثم أولج لسانه في فيه و أمر يده علي عينيه و سمعه و مفاصله ثم قال تكلم يا بني فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا رسول الله ص ثم صلي علي أمير المؤمنين و علي الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين إلي أن وقف علي أبيه (ع) ثم أحجم فقال أبو محمد (ع) يا عمة اذهبي به إلي أمه ليسلم عليها ثم ائتني به فذهبت به إلي أمه فسلم [ صفحه 62] عليها و رددته إليه فوضعه (ع) في المجلس و قال يا عمة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة رضي الله عنها فلما أصبحت جئت لأسلم علي أبي محمد (ع) و كشفت الستر لأتفقد سيدي (ع) فلم أره فقلت له جعلت فداك ما فعل سيدي فقال استودعناه الذي استودعته أم موسي قالت حكيمة فلما كان يوم السابع جئت فسلمت و جلست فقال هلمي إلي ابني فجئت بسيدي (ع) و هو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولي ثم قال تكلم يا بني فقال (ع) أشهد أن لا إله إلا الله و الصلاة علي رسول الله ص و علي أمير المؤمنين و علي الأئمة بسم الله الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ قال موسي ثم سألت عقيد الخادم عن هذا فقال صدقت حكيمة رضي الله عنها و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن عبد الله الظهري قال أتيت حكيمة أسألها عن الحجة و ما اختلف الناس فيه من الحيرة التي هم فيها فقالت لي اجلس ثم حكت لي الحكاية المذكورة بعينها و زادت عليها أنه قالت فتناوله [ صفحه 63] الحسن (ع) مني و الطير ترفرف علي رأسه فناوله لسانه فشرب منه ثم قال امضي به إلي أمه لترضعه و رديه إلي قالت فناولته أمه فأرضعته و رددته إلي أبي محمد (ع) و الطير ترفرف علي رأسه فصاح بطائر منها فقال احفظه و رده إلينا في كل أربعين يوما فتناوله و طار به في جو السماء و معه سائر الطير فسمعت أبا محمد (ع) يقول استودعك الله الذي أودعته أم موسي موسي (ع) فبكت نرجس فقال اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك و سيعاد إلينا كما رد موسي إلي أم موسي كما ذكر الله تعالي في كتابه فَرَدَدْناهُ إِلي أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ قالت حكيمة قلت و ما هذا الطائر قال هذا روح القدس الموكل بالأئمة (ع) يوفقهم و يسددهم و يربيهم بالعلم قالت حكيمة و لما كان بعد أربعين يوما رد الغلام و وجه إلي ابن أخي (ع) و دخلت فإذا أنا بصبي يتحرك و يمشي بين يدي فقلت سيدي هذا ابن سنتين فتبسم (ع) ثم قال إن أولاد الأنبياء و الأوصياء إذا كانوا أئمة ينشئون بخلاف ما ينشأ غيرهم فإن الصبي منا إذا أتي عليه شهر كان كمن أتي عليه سنة و إن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه و يقرأ القرآن و يعبد ربه عز و جل عند الرضاع و تطيعه الملائكة و تنزل عليه صباحا و مساء قالت حكيمة فلم أزل أري ذلك الصبي في كل أربعين يوما إلي أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد (ع) بأيام قلائل فلم أعرفه فقلت لابن أخي (ع) من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه فقال هذا ابن نرجس [ صفحه 64] و هذا خليفتي من بعدي و عن قليل تفقدوني فاسمعي له و أطيعي قالت حكيمة فمضي أبو محمد (ع) بأيام قلائل و افترق الناس كما تري و الله إني لأراه صباحا و مساء و إنه لينبئني عن كل ما تسألوني عنه فأخبركم و و الله إني لا أريد أن أسأله عن الشي‌ء فيبدأني به و إنه ليرد علي الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي و قد أخبرني البارحة بمجيئك إلي و أمرني أن أخبرك بالحق قال محمد بن عبد الله فو الله لقد أخبرتني بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله تعالي فعلمت أن ذلك صدق و عدل من الله عز و جل و قد أطلعهم علي ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال لما ولد السيد (ع) قال أبو محمد (ع) ابعثوا إلي أبي عمرو فبعث إليه فصار إليه فقال اشتر لنا عشرة آلاف رطل خبزا و عشرة آلاف رطل لحما و فرقه قال أحسبه قال علي بني هاشم و عق عنه بكذا و كذا شاة و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن معاوية بن حكيم و محمد بن أيوب بن نوح و محمد بن عثمان العمري قالوا عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (ع) ابنه ص و نحن في منزله و كنا أربعين رجلا [ صفحه 65] فقال هذا إمامكم من بعدي و خليفتي عليكم أطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا قالوا فخرجنا من عنده فما مضت أيام قلائل حتي مات أبو محمد (ع). [ صفحه 66]

في ذكر غيبته و السبب الموجب لتواريه عن شيعته

اعلم أنه قد استطال الغيبة طوائف من أهل المحال و زين الشيطان لأهل الضلال استبعاد طول غيبة الإمام المهدي ع. و ليس ذلك بعجب أ ليس عبدة العجل حين غاب موسي (ع) في مناجاة ربه عشرة أيام استطالوا الغيبة و رجعوا علي الأعقاب و خرجوا عن طاعة أخيه هارون (ع) و كان سبب كفرهم و خروجهم عن السعادة الأبدية و انسلاخهم عن الحضرة المقدسة الربانية هو استطالة الغيبة. و لم يكن بد من أن يقع مثل ذلك في هذه الأياملقول النبي (ع) تحذو أمتي حذو بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذة بالقذةو كيف يستبعد ما جرت به السنة الإلهية و أجراه الله تعالي في أنبيائه و غيبتهم عن أعدائه و إظهارهم بعد الغيبة لأوليائه أ ما علموا أن الله تعالي أخفي شخص [ صفحه 67] إبراهيم (ع) و ولادته في زمن نمرود يقتل أولاد رعيته في طلبه فلما علم الله حصول المصلحة في إظهاره و أظهره الله تعالي كما هو المشهور في قصته ثم أنجاه من النار بقدرته. و كذلك موسي (ع) و حكايته مشهورة و في القرآن المجيد مذكورة و كذا يوسف (ع) مع قرب موضعه من أبيه و ظهوره بعد خفائه و كذا إدريس (ع) فإنه أول من غاب من أيدي الكفرة الملحدين و دعا علي قومه إلا تمطر عليهم السماء فمكثوا عشرين سنة حتي هلكوا جوعا و سغبا ثم ظهر عليهم و قد أخذ منهم الجهد مأخذه فتابوا و أقلعوا فدعا الله لهم فأمطرت السماء عليهم فخصبوا. و كذا صالح (ع) فإنه غاب عن قومه مدة متطاولة فافترقوا علي ثلاثة فرق جاحدون و شاكون و متيقنون ثم خرج عليهم و قد تغيرت أوصافه فعرض نفسه علي الجاحدين فأنكروه و طردوه ثم علي الشاكين فأبوه و لم يجيبوه ثم علي المتيقنين فطلبوا منه ما يدل عليه فذكرهم و عرفهم فرجعوا إليه و هذا شأن قائمنا (ع) في قيامه و دنو أيامه. و أقرب الأحوال شبها بأحواله في تقلبه و تصرفه و انتقاله أحوال موسي [ صفحه 68] ع فإن يوسف (ع) عهد إلي أمته عند موته أن الفتنة تحيط بهم و تشملهم و تستولي عليهم القبط و أن بطون نسائهم تشق و تذبح الأطفال حتي يدفع الله عنهم بالقائم من ولد لاوي بن يعقوب و ذكر غيبته لهم ثم وقعت الغيبة و الشدة الشديدة علي بني إسرائيل و هم ينتظرون قيام القائم فمكثوا كذلك أربعمائة سنة حتي آن وقت ولادة موسي (ع) فاشتد الأمر عليهم و جري الأمر بولادة موسي (ع) و إلقائه في اليم و تربيته في دار فرعون إلي أن نشأ و تزعزع كما هو في الكتاب العزيز و كان لبني إسرائيل رجل عالم يستريحون إلي حديثه و يفرجون عن أنفسهم الكرب باجتماعهم إليه فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسي (ع) و كان في ذلك الوقت حديث السن و هو مع فرعون فعدل عن الموكب و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خز فلما رآه ذلك العالم عرفه فقام إليه و أكب عليه يقبل يديه و رجليه و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتي أرانيك فلما رأي شيعته ذلك علموا أنه هو فأكبوا علي الأرض شكرا لله عز و جل فلم يزدهم علي أن قالوا ارجعوا إلي أن يعجل الله فرجكم ثم غاب عنهم مدة حتي خرج إلي مدين و مكث مدة طويلة هناك فكانت تلك الغيبة الثانية و كانوا يخرجون إلي الصحاري و يسألون الله تعالي الفرج فمكثوا [ صفحه 69] نيفا و خمسين سنة و قد اشتد عليهم الأمر فإذا هم بموسي قد أقبل راكب حمار حتي وقف عليهم و قد أعطاه الله الرسالة و كلمه و قربه نجيا و ذلك في ليلة واحدة و كذلك يفعل الله تعالي بالإمام القائم (ع) يصلح أمره في ليلة واحدة. و كذا أسباط بني إسرائيل كانوا اثني عشر سبطا أولهم يوشع وصي موسي (ع) أئمة واحد بعد واحد مستترين عن عموم الناس ظاهرين لخواص شيعتهم حتي وصل الأمر إلي الثاني عشر منهم فاختفي عنهم مدة طويلة ثم ظهر لبني إسرائيل و بشرهم بداود و قتله لجالوت و أنه يكلمه الحجر فيقول له احملني تقتل بي جالوت و كذلك إمامنا (ع) إذا حان وقت خروجه له علم ينشر و سيف ينصلت و ينطقان و يقولان قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله. و كذا سليمان بن داود (ع) فإنه غاب عن قومه مدة متطاولة و كان يأوي إلي امرأة قد تزوجها لا تعرف أنه سليمان و كان يخرج فيعمل في البحر مع الصيادين فخرج يوما علي عادته فأخذ سمكة بأجرة عمله فشق بطنها فإذا الخاتم فلبسه فعكف عليه الطير و الوحش و الجن و الإنس و كذا إمامنا ص الخاتم معه إذا لبسه اجتمع الكل إليه. و آصف وصي سليمان كان في بني إسرائيل و غاب عنهم مدة طويلة لما كان يلقاه من المحن من جبابرة زمانه ثم ظهر لهم ثم غاب عنهم فقالوا أين الملتقي فقال علي السراط. و كذا دانيال كان في يد بخت‌نصر يعذبه بأنواع العذاب ثم غيبه في [ صفحه 70] جب مكث فيه تسعين سنة يأتيه الله برزقه علي يد ملك من ملائكته ثم رأي بخت‌نصر في النوم و الملائكة تهبط علي الجب أفواجا فخاف من فارطه فأخرجه و أظهره لأصحابه و جعله ناظرا في أمور مملكته و جمع إليه من نفي من شيعته فلما مات وصي إلي عزير فغيبه الله مائة سنة ثم أظهره الله بعد ذلك فمكث في قومه إلي أن مات ثم استترت الحجج إلي أن أظهر زكريا و ابنه يحيي و بشرا بعيسي (ع) ثم إن عيسي ظهر بعد أن أخفته مريم فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا و كان له غيبات يسيح فيها في الأرض و لا يعرف قومه خبره إلي أن يظهر عليهم و أوصي إلي شمعون فلما مضي شمعون اشتدت عليهم البلوي فمكثوا مائتين و خمسين سنة بغير حجة ظاهرة و في هذه الفترة كانت غيبة سلمان الفارسي رضي الله عنه. و كذا نبينا ص غاب عن قومه في الغار ثم ظهر بعد الاستتار و لم يزل كل واحد من الأنبياء (ع) و أوصيائهم إما غائب مستور أو ظاهر [ صفحه 71] مؤيد منصور و كذا الإمام (ع) لا بد بعد استتاره و غيبته من أن يأذن الله في ظهوره و نصرته فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما. و كيف يعرض الشك في غيبة الإمام الحجة (ع) و قد اتفق علي وقوعها الأئمة المعصومون و نقلها عنهم متواترا الرجال الثقات الأبرار الصالحون و دون ذلك في الصحف و أثبت في الكتب قبل حصولها و وقوعها بما ينيف عن مائتي سنة فوقع الحال كما ذكروه مطابقا لما قرروه. و قد أشبهت غيبة الإمام غيبة من تقدمه من آبائه النبيين الكرام و إذا أذن الله تعالي و صلح هذا العالم لخروجه خرج و لا حرج. لا يقال الذي ثبت في القرآن هو غيبة الأنبياء (ع) و ظهورهم بعد الغيبة و أنتم لا تدعون في إمامكم النبوة فلا تكون حاله حال الأنبياء في الغيبة. لأنا نقول أنتم لا تشكون أن الأئمة قائمون مقام النبيين في إقامة الحجج و البراهين و الإعذار و الإنذار عن رب العالمين إلي كافة المخلوقين فلا فرق بينهم إلا في رتبة الإرسال و ما عدا ذلك فهم فيه سواء فيدخل فيهم هذا الحال و ظهور الأنبياء و غيبتهم إنما هو لمصلحة رآها الله تعالي لبريته فحصل لهم ذلك ليتم به أداء شريعته و الأئمة كذلك فيجري ذلك في زمانهم كما جري في زمان أنبيائهم و قد شهد القرآن بمساواة النبي في سائر الأحوال عدا مرتبة الإرسال و إن شككتم في ذلك فاقرءوا آية الابتهال فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكاذِبِينَ أ ليس قد جعل الله نفس النبي (ع) كنفس علي و ابنه في ذلك المقام و كذا الخبر [ صفحه 72] عن قول النبي ص لعلي عأنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي فجعل له جميع مراتبه إلا النبوة و لا فرق بين النبي و الإمام في غير ما أخرجه الاستثناء. و أما السبب فلا يجب علينا ذكره لأن المعصوم لا يسأل عن أفعاله لأنها إنما تحمل علي الوجوب و الاستحباب و لا يجب أن يعلل بالأسباب و لكنا نذكره لنفي الشك و الارتياب فنقول ظهوره (ع) سبب لإقامة الحدود و تنفيذ الأحكام و اختفاؤه سبب لتعطيل كثير من حدود شريعة النبي ص و إذا كان كذلك علمنا أن الله تعالي و الإمام (ع) ليس سببا للغيبة و إلا لزم عليهما ترك الواجب و هو محال فتعين أن يكون السبب عدم الناصر و امتناع صلوحية الحاضر فإذا حصل المساعد علي تنفيذ أموره و صلحت هذه الأمة لحضوره ظهر بأمر ربه فيملأ الدنيا عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا. فلو قال الخصم فهلا ظهر إلي أعدائه و لو أدي ذلك إلي قتله كما فعل جده الحسين (ع) سلمنا أن الخوف علي نفسه و عدم الناصر يمنع من الظهور فلا يظهر لأعدائه فما المانع من ظهوره لأوليائه و تعليمهم الأحكام و إقامة الحدود فيهم كما أمر بها المشرع ع. قلنا الجواب علي وجوه الأول أنا قد بينا أن المعصوم لا يجب تعليل أفعاله لأنها إنما تحمل علي الصحة و إلا لما كان معصوما. الثاني أن الحسين (ع) لما اجتمعت له شرط الخميس و هم سبعون [ صفحه 73] رجلا كما يريد هو و يعلم منهم وجب عليه القيام و القائم (ع) لم يحصل له ذلك فلا يجب عليه القيام. الثالث أنا لا نمنع من ظهوره لأوليائه لكن ليس الكل صالحا لظهوره عليهم و وصوله لهم بل البعض قد حصل له ذلك و سيأتي ذكر وكلائه و رواته إن شاء الله تعالي. ثم إن اللطف موجود حاصل للجميع لأن من يقول بإمامته لا يأمن أن يظهر فيعاقبه علي المعصية و يثيبه علي الطاعة فهم مع جزمهم بوجوده و إمكان حضوره لا يزالون قريبين إلي الطاعة بعيدين عن المعصية فاللطف حاصل لهم. فإن قلت لو كان المهدي منصوبا من قبل الله تعالي لكانت غيبته و حذره و تمكين الظالمين من قهره و مفارقته عن رعيته مناقضة لغرض الله تعالي لكن مناقضة غرضه محال فكونه من قبله تعالي محال. قلت إن الله تعالي علم أن في خلقه من يوحده و يأتمر بأمره و أن لهم أعداء يعيبونهم و يقصدونهم فلو أنه عز و جل قصر الأيدي عنهم جبرا و قهرا لبطلت الحكمة و ثبت الإجبار رأسا و بطل الثواب و العقاب و العبادات و أسند هذا الباب لكنه سبحانه جعل الدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل معه العبادات و لا ينقطع به المثوبات و العقوبات و لا يقع الإلجاء إليه ليكون الحجة له سبحانه لا عليه فكان غيبة الإمام (ع) عن أعدائه و مبغضيه ضربا من تلك الضروب. [ صفحه 74] و ليست هذه الغيبة مستجدة في أيام المهدي (ع) و لكنها (تعجير) هجير الأنبياء و المرسلين من لدن آدم أبي النبيين أ لا تري كيف وعد الله سائر ملائكته بظهور آدم بعد غيبته و ذكر ذلك في كتابه المبين وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً روي أن وعده لهم بذلك قبل أن يخلق آدم بسبعمائة سنة و كان آدم غائبا عند وقوع هذا الكلام. و لا يصح للخصم إنكار غيبة آدم (ع) و حصول هذه الأعوام أ ليس قد قال للملائكة إنه سيأتي في الأرض بخليفة فالغيبة حاصلة قبل ذلك و لو بساعة واحدة و الساعة الواحدة لا تخلو عن حكمة و ما حصل في الساعة من الحكمة حصل في الساعتين ضعفين و علي هذا كلما زاد الوقت في الغيبة زادت الحكمة فإذا زالت المحنة ظهر فائدة الحكمة و تحقق ظهوره (ع) و وجب عليه القيام. و لما كان خبر الغيبة خبرا مشهورا و أمرها أمرا مأثورا نقله المخالف و المؤالف عن النبي ص التبس علي أكثر الناس حالها و لم يعرف من المراد بها إلا الخواص لا جرم اشتبه الأمر فيها فزعم بعض الشيعة أن المراد محمد بن الحنفية و بعضهم أن المراد جعفر الصادق و بعضهم موسي [ صفحه 75] الكاظم و قد تقدم ذكر هذه الفرق و بطلان مقالتهم. و يكفي في بطلان ما هم عليه موت من نسبوها إليه إلا من عصم الله من المؤمنين و وفقهم للتمسك بالحق المبين من أهل المعرفة و العلم الذين تطابق ما ذهبوا إليه من المنقول علي ما انتهضت به أدلة المعقول فرسموا البنيان علي أسه و أقروه في موضعه فتلقوا أمر الغيبة من إمام بعد إمام إلي محمد بن الحسن (ع) فضبطوا وقته و زمانه و ميلاده و عرفوا دلائله و أعلامه و شاهده بعضهم و علم أحكامه فهم علي يقين من أمره في حين غيبته و مشهده. و إذا حقق اللبيب أمره وجده غير مشكوك في إمامته و ظهوره بعد غيبته لأن المنكر لإمامته لا يخلو إما أن يكون قائلا بإمامة أجداده الأحد عشر أو لا فإن كان الأول لزمه القول به لثبوت الغيبة عنده و موت كل من ادعيت له و لم يبق ممن ادعي له الغيبة إلا هو فتعين لها حتما و إن كان الثاني فالبحث معه ليس في إمامته بل في إمامة آبائه و إذا ثبتت إمامة آبائه كما قلنا لزم القول بإمامته كما قررنا. لا يقال إنه غائب عن أبصار الناس هذه المدة المتطاولة فلو ظهر لما عرف أنه هو و أنتم تدعون أن الإمام حجة علي رعيته و مع غيبته تبطل حجته. لأنا نقول أما أولا فإنه لا بد أن يظهر مع ظهوره معجز يدل علي أنه هو المشار إليه لدلالة ذلك المعجز عليه. و أما ثانيا فممنوع و سند المنع أن حال إمامنا (ع) في غيبته كحال النبي ص في سفره [ صفحه 76] و حضره و ذلك أنه (ع) لما كان بمكة لم يكن بالمدينة و بالعكس و لما سافر لم يكن بالحضر و بالعكس و كان (ع) في جميع هذه الأحوال حاضرا في مكان غائبا عن غيره من الأماكن و لم تسقط حجته عن أهل الأماكن التي غاب عنها و بان منها و كذا الإمام (ع) لم تسقط حجته و إن كان غائبا. و حيث كان الإقرار بغيبة الإمام (ع) هو كمال الإسلام و تمام النعمة علي الأنام لم يكن فيما استبعده الناس من شرائط الدين و شرائعه بأعظم من الإقرار بغيبة الإمام (ع) و ذلك لأنه سبحانه و تعالي مدح المؤمنين علي إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم علي إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الإيمان بسائر ما أنزل الله في الكتاب. و مما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي يحيي بن أبي القاسم قال سألت الصادق (ع) عن أول سورة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ من هم المتقون و ما المراد بالغيب قال المتقون شيعة علي و الغيب هو الحجة الغائب (ع) و لو قيل المراد بالغيب أحوال يوم القيامة قلنا لا يصح ذلك لأن كثيرا من اليهود و النصاري و غيرهم يؤمنون بغيب النشور و الحساب و ليسوا داخلين [ صفحه 77] تحت هذا الخطاب لأن الله تعالي قد مدحهم و هو سبحانه و تعالي لا يمدح الكافرين و الفاسقين و المنافقين. و يعضد ما قلناه و يؤيد ما ادعيناه أنه لا خلاف في أن الإمام القائم مع تسليم القول بوجوده و إمامته و ظهوره بعد غيبته آية من آيات الله و قد أطلق سبحانه و تعالي لفظ الغيب علي الآية في جواب أهل الغواية و قالوا لو لا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله و كذا أطلق لفظ الآية علي عيسي (ع) وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلي رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ فصح أن يكون المراد بالآية الحجة (ع) و الإشارة بها إليه. و ليس لمنكر أن ينفي اعتقاد وجوده بسبب غيبته أ لسنا مأمورون باعتقاد وجود الكرام الكاتبين الحافظين و هم غائبون عن العيان و قد ذكرهم الله تعالي في كتابه المبين وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ و كذا كلفنا اجتناب أوامر الشيطان و مخالفته و نحن لم نشاهده و هو غائب عنا و لم نره و كذا و نحن مكلفون باعتقاد مساءلة الملائكة في القبر و لم نرهم الآن و كذا ما أخبر به النبي ص حين عرج به إلي السماء و لم نر ذلك و كذا كثير من هذه الأمور نحن مكلفون بحقيقتها و اعتقاد وجودها و إن كانت غائبة عنا و لم نرها فلو لم نؤمن بها خرجنا عن الإسلام. و كذلك الإمام القائم (ع) لا يلزم من غيبته القدح في وجوده أو نفي القول بإمامته و كذا لا يقدح في إمامته غلبة أهل العناد و استيلاء الكفرة في البلاد و تعطيل الحدود و الأحكام و اندراس كثير من شرائع الإسلام لأن ذلك جري [ صفحه 78] في زمن النبي ص حتي كان محصورا بالشعب غائبا عن أكثر الناس و لا يقدح ذلك في نبوته و كذلك الإمام (ع) لا يقدح ذلك في إمامته بسبب غيبته بل هو بأمر الله تعالي يأمره بالخروج في وقت تقتضيه المصلحة و يأمره ترك الخروج إذا اقتضته المصلحة فهو مدبر يأمره أ ليس الأئمة عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون عباد أكرمهم باريهم لا يقعدون عن أمره و لا يخرجون عن نهيه.و بالطريق المذكور يرفعه إلي الإمام محمد بن علي الجواد عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال للغائب منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعي فلا يجدونه ألا فمن ثبت منهم علي دينه و لم يقس قلبه لطول أمد غيبته فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفي ولادته و يغيب شخصه و بالطريق المذكور يرفعه إلي الحسين (ع) قال منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم التاسع من ولدي و هو القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها و يظهر به دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون له غيبة يرتد فيها أقوام و يثبت علي الدين فيها آخرون فيؤذون و يقال لهم متي هذا الوعد إن كنتم صادقين أين إمامكم الذي تزعمون أما إن الصابر في غيبته علي الأذي و التكذيب بمنزلة المجاهد [ صفحه 79] بالسيف بين يدي رسول الله ص و عن الإمام زين العابدين (ع) بالطريق المذكور قال من ثبت علي موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز و جل أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر و أحدو عن الباقر (ع) بالطريق المذكور عن جابر قال قال يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فطوبي للثابتين علي أمرنا في ذلك الزمان إن أدني ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عز و جل عبادي آمنتم بسري و صدقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب مني أنتم عبادي و إمائي حقا منكم أتقبل و عنكم أعفو و بكم أسقي عبادي الغيث و أدفع عنكم البلاء و لولاكم لأنزلت عليهم عذابي قال جابر فقلت يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان قال حفظ اللسان و لزوم البيتو عن الصادق (ع) بالطريق المذكور أنه قال من مات منتظرا لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم (ع) في فسطاطه لا بل كان بمنزلة الضارب بين يدي رسول الله ص بالسيفو عنه أنه قال لا يأتيكم هذا الأمر إلا بعد يأس لا و الله حتي تميزوا لا و الله حتي تمحصوا لا و الله حتي يشقي من شقي و يسعد من سعد [ صفحه 80] و عنه (ع) قال عبد الله بن سنان قال الصادق جعفر بن محمد (ع) ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يري و لا إمام هدي فلا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق قلت فكيف دعاء الغريق قال يقول يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك فقلت يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي علي دينك فقال إن الله عز و جل يقلب القلوب و الأبصار و لكن قل كما أقول لك يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك و بالطريق المذكور يرفعه إلي يونس بن عبد الرحمن قال دخلت علي موسي بن جعفر (ع) فقلت يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق فقال أنا القائم بالحق و لكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله و يملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا علي نفسه يرتد فيها أقوام و يثبت فيها آخرون ثم قال (ع) طوبي لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبته الثابتين علي موالاتنا و البراءة من أعدائنا أولئك منا و نحن منهم قد رضوا بنا أئمة و رضينا بهم شيعة فطوبي لهم ثم طوبي لهم هم و الله معنا في درجاتنا يوم القيامة و بالطريق المذكور يرفعه إلي سدير عن أبي عبد الله (ع) أن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له و لم ذلك يا ابن رسول الله قال لأن الله عز و جل أبي إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء ص في غيباتهم و إنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم أ ليس في كتابه العزيز لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً [ صفحه 81] عَنْ طَبَقٍ لتسنن بسنن من كان قبلكم و عن عبد الله بن الفضل الهاشمي يرفعه بالطريق المذكور إلي الصادق (ع) قال سمعته يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل فقلت له و لم جعلت فداك قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه قلت فما وجه الحكمة في غيبته قال وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله عز و جل أن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (ع) من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسي (ع) إلي وقت افتراقهما يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من الله و سر من أسرار الله و غيب من غيب الله و متي علمنا أنه جل و عز حكيم صدقنا أن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف و مما صح لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلي المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبتين تطول إحداهما حتي يقول بعضهم مات و بعضهم ذهب حتي لا يبقي امرؤ من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع علي موضعه أحد من ولده و لا غيره [ صفحه 82] إلا المولي الذي يلي أمره و لا شك أن غيبته (ع) موضع فتنة و محل خبرة و قد سبق ذلك في حكم الله تعالي و اقتضته المصلحة في امتحان العباد أ ليس قد ذكر في كتابه أن الفتنة تحصل للمؤمنين من عباده الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ فيحصل الثواب للصابرين و العقاب للناكثين الملحدين في الدين. و يعضد ذلك ما روي بالطريق المذكور أن أمير المؤمنين لما بعث أبا موسي الأشعري قال له احكم بكتاب الله و لا تجاوزه فلما أدبر قال كأني به و قد خدع فقيل يا أمير المؤمنين فلم توجهه و أنت تعلم أنه مخدوع فقال لو عمل الله بعلمه في خلقه ما احتج عليهم بالرسل وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزي و حيث وقع الابتلاء في الأمم السالفة فلا بد من وقوعه في هذه الخالفة [ صفحه 83] و لعمري لو لم يحصل غيبته لما صحت إمامته لكن التالي باطل فالمقدم مثله. بيان الملازمة أن الكتب السماوية و الأخبار النبوية شاهدة بغيبته معلنة باختفائه و استتاره من أعدائه فلو لم يغب لخالف ذلك و مخالف ذلك ليس إمام يقتدي به فظهرت الملازمة و أما بطلان التالي فظاهر مما تقدم من ثبوت الإمامة فيبطل المقدم فتجب الغيبة و هو المطلوب. [ صفحه 84]

في ذكر طول تعميره

و ليس تعميره (ع) أمرا لم يحصل لغيره من الأنام حتي ينكره الأفهام أو يعترض فيه الشك و الأوهام بل قد حصل للأنبياء و الأولياء و لكثير من الأمم و الأشقياء و قد ورد بذلك أخبار الأمم الماضين و تضمنت ذلك التواريخ و الكتب من جملتها كتاب المعمرين فمن ذلك ما صح لي روايتهعن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي هشام بن سالم عن الصادق (ع) قال عاش نوح ألفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة و ستة و خمسون سنة قبل أن يبعث و ألف سنة إلا خمسين سنة و هو في قومه يدعوهم و سبعمائة عام بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء و مصر الأمصار و أسكن ولده في البلدان ثم إن ملك الموت جاء و هو في الشمس فقال السلام عليك فرد عليه السلام فقال ما جاء [ صفحه 85] بك يا ملك الموت فقال جئتك لأقبض روحك فقال له تدعني حتي أدخل من الشمس إلي الظل فقال نعم قال فتحول نوح (ع) ثم قال يا ملك الموت كأني ما مر بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلي الظل فامض لما أمرت به قال فقبض روحه عو بالطريق المذكور قال كانت أقل أعمار قوم نوح ثلاثمائة سنةو من ذلك بالطريق المذكوريرفعه إلي محمد بن يوسف التميمي عن الصادق عن أبيه عن جده عن رسول الله ص قال عاش آدم أبو البشر تسعمائة سنة و ثلاثين سنة و عاش إبراهيم مائة و خمسا و سبعين سنة و عاش إسماعيل مائة و عشرين سنة و عاش نوح (ع) ألفي سنة و أربعمائة سنة و خمسين سنة و إسحاق مائة و ثمانين و يعقوب مائة و خمسة و أربعين و يوسف مائة و عشرين و كذا موسي و هارون مائة و ثلاثة و ثلاثين و داود مائة سنة ملك منها أربعين و سليمان سبعمائة و اثنتي عشرة سنةو من المعمرين الدجال بالطريق المذكور قال ابن سمرة خطبنا أمير المؤمنين (ع) فحمد الله و أثني عليه و ذكر النبي و صلي عليه ثم قال [ صفحه 86] سلوني يا أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثا فقام صعصعة بن صوحان فقال يا أمير المؤمنين متي يخرج الدجال فقال له (ع) اقعد فقد سمع الله كلامك و علم ما أردت و الله و الله ما المسئول عنه بأعلم من السائل و لكن لذلك علامات و هيئات يتبع بعضها بعضا كحذو النعل فإن شئت أنبأتك بها قال نعم يا أمير المؤمنين فقال علي (ع) احفظ فإن علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة و أضاعوا الأمانة و استحلوا الكذب و أكلوا الربا و أخذوا الرشي و شيدوا البناء و قطعوا الأرحام و اتبعوا الأهواء و استخفوا بالدماء و كان الحلم ضعفا و الظلم فخرا و كانت الأمراء فجرة و الوزراء ظلمة و العرفاء خونة و القراء فسقة و ظهرت شهادة الزور و استعلن الفجور و قول البهتان و الإثم و الطغيان و حليت المصاحف و زخرفت المساجد و طولت المنابر و أكرم الأشرار و ازدحمت الصفوف و اختلفت القلوب و نقضت العهود و اقترب الموعود و شارك النساء أزواجهن في التجارة حرصا علي الدنيا و علت أصوات الفساق و استمع منهم و كان زعيم القوم أرذلهم و اتقي الفاجر مخافة شره و صدق الكاذب و اؤتمن الخائن و اتخذت القيان و المعازف و لعن آخر هذه الأمة أولها و ركب ذوات الفروج السروج و تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و أشهد الشاهد من [ صفحه 87] غير أن يستشهد و شهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه و تفقه لغير الدين و آثروا عمل الدنيا علي الآخرة و لبسوا جلود الضأن علي قلوب الذئاب و قلوبهم أنتن من الجيفة و أمر من الصبر فعند ذلك الوحا الوحا ثم العجل العجل خير المساكن حينئذ بيت المقدس ليأتين علي الناس زمان يتمني أحدهم أنه من سكانه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين من الدجال فقال إن الدجال الصائد بن الصيد فالشقي من صدقه و السعيد من كذبه يخرج من بلد يقال له أصبهان من قرية تعرف باليهودية عينه اليمني ممسوحة و الأخري في جبهته كأنها كوكب الصبح فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب و أمي يخوض البحار و تسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان و خلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام يخرج حين يخرج من قحط شديد تحته حمار أقمر خطوة حماره ميل تطوي له الأرض منهلا منهلا لا يمر بماء إلا غار إلي يوم القيامة ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الإنس و الشياطين يقول إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوي و قدر فهدي [ صفحه 88] أنا ربكم الأعلي و كذب عدو الله إنه أعور يطعم الطعام و يمشي في الأسواق و إن ربكم ليس بأعور و لا يطعم الطعام و لا يمشي في الأسواق ألا إن أكثر أتباعه يومئذ أولاد زنا و أصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله عز و جل بالشام علي عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة علي يدي من يصلي المسيح عيسي ابن مريم خلفه ألا إن بعد ذلك الطامة الكبري قلنا و ما ذاك يا أمير المؤمنين قال خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان و عصا موسي تضع الخاتم علي وجه كل مؤمن فيطبع فيه هذا مؤمن حقا و يضعه علي وجه كل كافر فيكتب فيه هذا كافر حقا حتي أن المؤمن ينادي الويل لك يا كافر و أن الكافر ينادي طوبي لك يا مؤمن وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزا عظيما ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله عز و جل و ذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل و لا عمل يرفع و لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ثم قال (ع) لا تسألوني عما بعد ذلك فإنه عهد إلي حبيبي ألا أخبر به غير عترتي قال ابن سمرة فقلت لصعصعة ما عني أمير المؤمنين (ع) بهذا القول قال يا ابن سمرة إن الذي يصلي خلفه عيسي هو الثاني عشر من العترة [ صفحه 89] التاسع من ولد الحسين (ع) و هو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن و المقام فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلماو هذا الدجال و ظهوره و وجوده و تعميره اتفق عليه كافة المسلمين العامة و الخاصة فيا عجبا ممن يصدق بقاء هذا الكافر الفاجر الذي يملأ الأرض ظلما و جورا و يمنع بقاء مثل الإمام القائم (ع) المعصوم ابن المعصومين الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا و يستبعد طول تعمير مثل هذا الإمام و لا يستبعد طول تعمير مثل هذا الفاجر أكفر الكفار و يسلمون الأخبار الواردة الشاهدة بوجود هذا اللعين و يدفعون الأخبار الواردة عن النبي ص و الأئمة المعصومين الشاهدة بوجود الإمام المهدي (ع) إمام المتقين و هل دفعهم الروايات الواردة بوجوده و طول تعميره (ع) إلا مثل دفع البراهمة و المشركين وجود النبي ص و إنكارهم صحة [ صفحه 90] الإسلام فإنهم يقولون للمسلم ما صح عندنا شي‌ء عن معجزات الرسول و لا يثبت عندنا صحة ما يقول و كذلك هؤلاء يقولون ما نعرف شيئا من فضائل الأئمة المعصومين (ع) و لا نعرف صحة الأخبار الواردة بتعمير الإمام القائم (ع) فلو صح ما يقول هؤلاء لنا لصح لزوم قول الكفرة و المشركين. و أعجب منه أنهم يعترفون بوجود إبليس رئيس الضالين و تعميره من قبل آدم (ع) إلي يوم القيام و هو الضال رئيس الضالين و يمنعون بقاء مثل هذا الإمام الهادي من الهداة الأئمة المعصومين و كيف يصح لهم إنكار تعمير مثل هذا الإمام مع اعترافهم بتعمير كثير ممن سلف من الأنبياء قبل ملة الإسلام مع أنهم يقولون بصحة قول النبي عيحذو أمتي حذو من تقدمهم حذو النعل بالنعلو قد شهد بذلك أيضا الكتاب المبين لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ و هم يتبعون آثارهم و يفعلون أفعالهم إلي يوم الدين فهل [ صفحه 91] إنكارهم للتعمير في حقه إلا عناد مبين. أما نطق القرآن المجيد أيضا بتعمير أهل الكهف و غيبتهم في كهفهم ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعا و إذا جري ذلك في حق الأشقياء مثل الدجال و في حق الأنبياء مثل نوح و آدم و سليمان و غيرهم و في الأولياء مثل الخضر و أصحاب الكهف فما المانع منه في مثل الأئمة المعصومين الذي يترتب علي بقائهم بقاء الدين إذ هم لطف في حق المكلفين و لكن طبع الله علي قلوبهم فأصمهم و أعمي أبصارهم. و من العجائب أن مخالفينا يروون في كتبهم و ينقلون في أحاديثهم عن مشايخهم أن عيسي (ع) مر في بعض سياحاته بكربلاء و معه الحواريون فجلس هناك و بكي بكاء كثيرا و أبكي من كان معه و قال هذا موضع يقتل فيه سبط نبي أمه كأمي سيد شباب أهل الجنة و إن هذه التربة التي يلحد فيها ريحها أطيب من ريح المسك و إن هذه الظباء ترعي فيها و تسرح و تروح إليها و هي تلعن علي قاتليه و تستغفر لناصريه ثم ضرب بيده إلي بعر تلك الظباء فشمه و قال اللهم أبقه حتي يشمه أبوه فيكون له عزاء و سلوة و إن تلك البعرات بقيت إلي زمان أمير المؤمنين (ع) و إنه مر بها فنزل هناك فبكي و أبكي و أخذ البعرات فشمها و أخبر من كان معه بمقالة عيسي. [ صفحه 92] و هذا الخبر عندنا أيضا مشهور و في كتبنا مسطور فهم مصدقون جازمون بأن بعر الظباء يبقي نحوا من خمسمائة سنين و أزيد و ما سف عنها و لم تغيره الشموس و الأمطار و الرياح و الأعصار و ينكرون بقاء القائم (ع) إنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور. و بالطريق المذكور حديث حبابة الوالبيةقالت رأيت أمير المؤمنين (ع) في شرطة الخميس و معه درة يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمير و الطافي و يقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بني مروان قالت فقام إليه فرات بن أحنف فقال يا أمير المؤمنين و ما مسوخ بني إسرائيل فقال أقوام حلقوا اللحي و فتلوا الشوارب فمسخوا فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتي قعد في رحبة المسجد فقلت له يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله قالت ايتيني بتلك الحصاة و أشار بيده إلي حصاة فأتيته بها فطبع بخاتمه فيها ثم قال يا حبابة إذا ادعي مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة و الإمام لا يعزب عنه [ صفحه 93] شي‌ء يريده قالت ثم انصرفت حتي قبض أمير المؤمنين (ع) فجئت إلي الحسن (ع) و هو في مجلس أمير المؤمنين و الناس يسألونه فقال لي يا حبابة هات ما معك فأعطيته الحصاة فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (ع) قالت ثم أتيت الحسين (ع) و هو في مسجد الرسول ص فقرب و رحب ثم قال أ تريدين دلالة الإمامة فقلت نعم فقال هات ما معك فناولته الحصاة فطبع فيها قالت ثم أتيت علي بن الحسين (ع) و قد بلغ بي الكبر إلي أن أعييت و أنا أعد يومئذ مائة و ثلاثة و عشرين سنة فرأيته راكعا ساجدا مشغولا بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي قالت فقلت يا سيدي كم مضي من الدنيا و كم بقي فقال أما ما مضي فنعم و أما ما بقي فلا قالت ثم قال هات ما معك فأعطيته الحصاة فطبع ثم أتيت أبا جعفر (ع) فطبع فيها ثم أتيت أبا عبد الله فطبع فيها ثم أتيت أبا الحسن موسي بن جعفر (ع) فطبع فيها ثم أتيت الرضا (ع) فطبع فيها و عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر [ صفحه 94] و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي (ع) أن حبابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين (ع) فرد الله عليها شبابها فأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها و لها يومئذ مائة و ثلاثة و عشرون سنةو إذا أثرت نفس الإمام زين العابدين (ع) في رد شباب حبابة بعد الهرم و الهزال حتي رجعت بعد الميل إلي الاعتدال فكيف ينكر المنكر تأثير نفس القائم (ع) في دفع الهرم عن بدنه الكريم ليدوم تعميره عن التغير سليم و هل نفوسهم ص [ صفحه 95] إلا كنفس واحدة في إبداء المعجزات و إظهار البينات و هل ينكر من ذلك إلا عاند و أوجب له الإنكار دخول النار. و من ذلك حديث أبي الدنيا المعمر المغربي بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن أبي الفتح الزكي قال لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن حضر الموسم في تلك السنة و هي سنة تسع و ثلاثمائة قال فرأينا رجلا أسود الرأس و اللحية كأنه شن بال و حوله جماعة من أولاده و أولاد أولاده و مشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصي بلاد المغرب بقرب باهرة العليا و شهد المشايخ أنا سمعنا آباءنا يحكون من آبائهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المسمي بأبي الدنيا و اسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن يزيد. قال ففاتحناه و ساءلناه عن حاله و قصة سبب طول تعميره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له و يجيب عنه بلب و عقل فذكر أنه كان والده قد نظر في [ صفحه 96] كتب الأوائل فوجد فيها ذكر نهر الحياة و أنه يجري في بلاد الظلمات و أنه من شرب منه عمر فحمله الحرص علي طول الحياة علي دخول الظلمات فتحمل و تزود حسب ما قدر أنه يكتفي به و أخرجني معه و أخرج معنا خادمين و عدة جمال لبون عليها روايا و زاد و أنا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنة فسار بنا إلي أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا فيها فسرنا نحو ستة أيام بليالها و كنا نميز بين الليل و النهار بأن النهار أضوأ قليلا و أقل ظلمة من الليل فنزلنا بين جبال و أودية و ذكوات و قد كان والدي يطوف في البقعة في طلب النهر لأنه وجد في الكتب التي قرأها أن مجري النهر في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتي فني الماء الذي كان معنا و أسقيناه جمالنا و لو لا اللبن الذي نحلبه من الجمال لهلكنا و كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر و يأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بها إذا أراد الرجوع إلينا. فمكثنا علي ذلك أياما و والدي يطلب النهر فلا يجده فبعد اليأس عزم علي الانصراف خوف التلف و ألح من كان معنا عليه حذرا علي أنفسهم فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل مقدار رمية سهم فعثرت بنهر ماء [ صفحه 97] أبيض اللون عذب الطعم طيب الرائحة لذيذ لا بالصغير من الأنهار و لا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه و غرقت منه بيدي غرفتين أو ثلاثة فشربتها ثم بادرت مسرعا إلي الرحل و بشرت الخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب و الأدوات لنملأها و ذهلت لفرحتي بوجود الماء و الخوف من التلف عن أن ذلك مطلوب أبي و كان أبي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فقمنا و سرنا إلي النهر فلم نجده فاجتهدنا و طفنا و استقصينا في الطلب فلم نره فكذبوني الخدم و قالوا لم تجد شيئا فانصرفنا إلي الرحل و أقبل والدي و أخبرته بالقصة فقال قم معي فقمت معه و اجتهدنا في الطلب فلم نقع له علي أثر فقال يا بني الذي أخرجني إلي هذا المكان و تحمل الأذي و الخطر كان ذلك النهر الذي رأيته و لم أرزقه و قد رزقته أنت و سوف تعمر حتي تمل الحياة. و رحلنا منصرفين حتي رجعنا إلي بلدنا و عاش والدي بعد ذلك سنيات ثم توفي فلما بلغ سني ثلاثين سنة اتصل بنا وفاة النبي ص و وفاة الخليفتين بعده و خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان مال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي ص إلي علي بن أبي طالب فأقمت معه أخدمه و شهدت معه وقائعه و أصابني هذه الشجة من دابته في أيام صفين و ما زلت معه مقيما علي خدمته إلي أن مضي لسبيله فألح علي أولاده و حرمه أن أقيم عندهم فلم أقم و انصرفت إلي بلدي ثم رجعت إلي بلادي و خرجت أيام بني مروان حاجا ثم رجعت إلي أهلي و انصرفت مع أهل بلدي إلي هذه الغاية ما خرجت في سفر إلا ما كان إلي الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري فيشخصوني إلي حضرتهم ليروني و يسألوني عن سبب طول عمري و عما شاهدت. و كنت [ صفحه 98] أتمني و أشتهي أن أحج مرة أخري فحملني هؤلاء حفدتي و أسباطي الذين ترونهم حولي و أقدموني للحج. و ذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثا و عادت فسألناه أن يحدثنا بما سمعه فذكر عدة أحاديث رويت عنه و كتبها المصريون و الشاميون و العراقيون و من سائر الأمصار ممن حضر الموسم و بلغه خبره و من أعاجيب هذا الشيخ أن عنفقته إذا جاع فكلما اشتد جوعه أخذت في البياض حتي تعود كالقطنة البيضاء فإذا أكل و شبع أخذت في السواد حتي تعود إلي حالها الأولي و هو يذكر أنه يعمر إلي أن يدرك الإمام القائم ع. و إذا كان رجل من بعض الأمة قدر الله تعالي أنه شرب شربة من نهر فعمر هذا الزمان الطويل فما المانع من تعمير رجل جعله الله حجة علي العالمين و واسطة بينه و بين عباده المخلوقين و له كما كان لآبائه المعصومين التصرف في عالم الكون و الفساد و تغيير ما شاء من أحوال العباد و البلاد فما المانع أن يسخر الله مثل هذه الأنهار أو يجعل له خاصة يختص به فيحصل له بذلك الدوام و الاستمرار إذ في تعميره نظام أمر المسلمين و بقاء الدنيا و الدين. و من ذلك حديث القلاقل روي الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلي الرئيس أبي الحسن الكاتب البصري و كان من الأسداء الأدباء قال في سنة اثنتين و تسعين و ثلاثمائة أسنت البر سنين عدة و بعثت السماء درها و خص الحيا [ صفحه 99] أكناف البصرة و تسامع العرب بذلك فوردوها من الأقطار البعيدة و البلاد الشاسعة علي اختلاف لغاتهم و تباين فطرهم فخرجت مع جماعة من الكتاب و وجوه التجار نتصفح أحوالهم و لغاتهم و نلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه علي عينيه كبرا و حوله جماعة من عبيده و أصحابه و سلمنا عليه فرد التحية و أحسن التلقية فقال له رجل منا هذا السيد و أشار إلي هو الناظر في معاملة الدرب و هو من الفصحاء و أولاد العرب و كذلك الجماعة ما منهم إلا من ينسب إلي قبيلة و يختص بسداد و فصاحة و قد خرج و خرجنا معه حتي وردتم ملتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم و حين شاهدنا رجونا ما نبغيه عندك لعلو سنك. فقال الشيخ و الله يا بني أخي حياكم الله إن الدنيا شغلتنا عما تبتغونه مني فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي و ها بيته و أشار إلي خباء كبير بإزائه. فقلنا النظر إلي مثل والد هذا الشيخ الهم فائدة نتعجل فقصدنا ذلك البيت فوجدنا في كسره شيخا متضجعا و حوله من الخدم و الأمر أوفي مما شاهدناه أولا و رأينا عليه من آثار السن ما يجوز له أن يكون والد ذلك الشيخ فدنونا منه و سلمنا عليه فأحسن الرد و أكرم الجواب فقلنا له مثل ما قلنا لابنه و ما كان من جوابه و إنه دلنا عليك فخرجنا بالقصد إليك فقال يا بني أخي حياكم [ صفحه 100] الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه منه هو الذي شغلني عما هذه سبيله و لكن الفائدة تجدونها عند والدي و ها هو بيته و أشار إلي بيت منيف بنحوه منه فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن كانت منه فائدة فهي ربح لم يحتسب. و قصدنا ذلك الخباء فوجدنا حوله عددا كثيرا من الإماء و العبيد فحين رأونا تسرعوا إلينا و بدءوا بالسلام علينا و قالوا ما تبغون حياكم الله فقلنا نبغي السلام علي سيدكم و طلب الفائدة من عنده ببركتكم فقالوا الفوائد كلها عند سيدنا و دخل منهم من يستأذن ثم خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت و عليه مخاد من جانبيه و وسادة في أوله و علي الوسادة رأس شيخ قد بلي و طار شعره و الإزار علي المخاد التي من جانبي السرير ليستره و لا يثقل منه عليه فجهرنا بالسلام فأحسن الرد و قال قائلنا مثل ما قال لولده و أعلمناه أنه أرشدنا إلي أبيه فحججنا بما احتج به و أن أباه أرشدنا إليك و بشرنا بالفائدة منك. ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أم رأسه و قال للخدم أجلسوني فلم تزل أيديهم تتهاداه بلطف إلي أن أجلس و ستر بالإزر التي طرحت علي المخاد [ صفحه 101] ثم قال لنا يا بني أخي لأحدثنكم بخبر تحفظونه عني و تفيدون منه ما يكون فيه ثواب لي كان والدي لا يعيش له ولد و يحب أن يكون له عاقبة فولدت له علي كبر ففرح بي و ابتهج بمولدي ثم قضي و لي سبع سنين فكفلني عمي بعده و كان مثله في الحذر عليفدخل بي يوما علي رسول الله ص فقال له يا رسول الله إن هذا ابن أخي و قد مضي أبوه لسبيله و أنا كفيل بتربيته و إنني أنفس به علي الموت فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها فقال ص أين أنت عن ذات القلاقل فقال يا رسول الله و ما ذات القلاقل قال أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد و هي قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ إلي آخرها و سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ إلي آخرها و سورة الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ إلي آخرها و سورة الناس قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إلي آخرها و أنا إلي اليوم أتعوذ بها كل غداة فما أصبت بولد و لا أصيب لي مال و لا مرضت و لا افتقرت و قد انتهي بي السن إلي ما ترون فحافظوا عليها و استكثروا من التعوذ بها فسمعنا ذلك منه ثم انصرفنا من عندهو إذا كان شخص من بعض أمة النبي ص دله علي التعوذ بهذه السور فعمر العمر الطويل و بلغ ببركتها ما بلغ كما قيل فما ظنك بولد النبي ص الذي قد انتهي إليه هذا القرآن و حكمه و فهمه و فوائده و علمه إليه و هو القائم بإيضاحه و بيانه أ ليس هو ولي المسلمين و الإسلام [ صفحه 102] و صاحب زمانه فما المانع أن يكون قد أعطاه الله تعالي من الخاصة و جعل له من المزية طول التعمير و البقاء علي مر الدهور و الأعوام ليقوم بما وجب في القرآن علي المكلفين من شرائع الإسلام و ملة جده الرسول ص و هل ينكر ذلك إلا من طبع علي قلبه فكان من أصحاب الشيطان و حزبه أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم فأصمهم و أعمي أبصارهم. و من المعمرين عبيد بن سويد الجرهمي عاش ثلاثمائة و خمسين سنة فأدرك النبي ص و حسن إسلامه و عمر بعد ما قبض النبي ص حتي أدرك معاوية أيام تغلبه و ملكه فقال له معاوية أخبرني يا عبيد عما رأيت و سمعت و أدركت و كيف رأيت الدهر فقال أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت و لم أدرك أهل زمان إلا و هم يذمون زمانهم و أدركت من قد عاش ألف سنة فحدثني عمن عاش ألفي سنة. و منهم الربيع بن الضبع الفزاري لما وفد الناس علي عبد الملك بن مروان كان فيمن وفد عليه الربيع بن الضبع و كان معه ابنه من ابنه وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا قد سقط حاجباه علي عينيه قد عصبهما بعصابة فلما رآه الآذن و كانوا يأذنون للناس علي أسنانهم قال ادخل أيها الشيخ فدخل يدب علي العصا يقيم بها صلبه و لحيته علي ركبتيه فلما رآه عبد الملك رق [ صفحه 103] عليه و قال اجلس أيها الشيخ فقال يا أمير المؤمنين أ يجلس الشيخ وحده علي الباب قال فأنت إذا من ولد الربيع بن الضبع الفزاري قال نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع فقال للآذن ارجع فأدخل الربيع فخرج الآذن فلم يعرفه حتي نادي أين الربيع فقال الربيع ها أنا ذا فقام يتطرق في مشيته فلما دخل علي عبد الملك سلم فقال عبد الملك لجلسائه و أبيكم لأنه لأثبت الرجلين يا ربيع أخبرني عما أدركت من العمر و المدي و رأيت من الخطوب الماضية قال أنا الذي أقولها أنا ذا آمل الخلود و قد أدرك أيام مولدي حجراأنا إمرؤ القيس و سمعت به هيهات هيهات طال إذ عمرافقال عبد الملك قد رويت هذا من شعرك و أنا صبي قال و أنا القائلإذا عاش الفتي مائتين عاما فقد ذهب اللذاذة و الفتاءفقال عبد الملك قد رويت هذا أيضا و أنا غلام يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل لي عمرك فقال عشت مائتي سنة في الفترة بين عيسي و محمد ص و عشرين و مائة سنة في الجاهلية و ستين في الإسلام. [ صفحه 104] و إذا كان شخص من آحاد الناس عاش هذا العمر المديد فهل ينكر تعمير الإمام القائم (ع) إلا غير رشيد. و منهم سطيح الكاهن عاش ثلاثمائة سنة و خبره مشهور لا ينكره المخالف و المؤالف. و منهم شداد بن عاد صاحب المدينة إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد عمر تسعمائة سنة وردت بذلك الأخبار و شهد به أصحاب التواريخ و رواه الآثار. و حكاية مدينته و بنائها العجيب مشهور و كثير من شراح الكتاب العزيز ينكرون تعمير الإمام (ع) قد أثبتوا حكايته في تفاسيرهم و صدقوا تعميره هذه المدة في أساطيرهم و إذا قيل المهدي حي موجود أنكروه و إذا سمعوا بتعميره استبعدوه هل هذا إلا عناد مبين إنه لا يفلح الظالمون. و منهم أوس بن ربيعة الأسلمي عاش مائة و أربعة عشر سنة. و منهم نصر بن دهمان بن سليم بن أشجع بن رثب بن غطفان عاش مائة و تسعين سنة. و منهم لقمان العادي عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و كان أحد وفاد عاد الذين بعثهم قومهم إلي الحرم ليستسقوا لهم و أعطي عمر سبعة أنسر و كان يأخذ الفرخ فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها [ صفحه 105] ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتي كان آخرها لبد و كان أطولها عمرا فقيل فيه طال علي الأبد لبده و قد قيل فيه أشعار كثيرة و أعطي من القوة و السمع و البصر علي قدر ذلك. و له أحاديث كثيرة إذا سمعها الذين هم بمعزل عن هذه المقالة أصغوا إليها و استزادوا منها و تمثلوا بها و صدقوها و وافقوا عليها و إذا قيل لهم إن القائم حي [ صفحه 106] موجود جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم و أصروا و استكبروا استكبارا و صموا أسماعهم و عبسوا وجوههم و قطبوا في وجوه القائلين و استضعفوا عقول المؤمنين و هل هذا إلا عناد خارج عن السداد. و منهم باني الأهرام و البرابي بمصر و هو والد العزيز الذي اشتري يوسف [ صفحه 107] ع و اسمه الوليد بن الريان بن دومع و عاش العزيز سبعمائة سنة و عمر والده الريان ألف و سبعمائة سنة و دومع ثلاثة آلاف سنة و خبره مشهور في كتب التواريخ مذكور تركناه في هذا الباب تفاديا من إطالة الكتاب. و منهم قس بن ساعدة الأيادي عاش ستمائة سنة و منهم سربانك ملك الهند من طريق العامة بالطريق المذكور يرفعه إلي إسحاق بن إبراهيم الطوسي قال رأيت سربانك ملك الهند في بلدة تسمي فنوج و وصف عظم ملكه و شدة سلطانه و سعة مملكته تركنا ذكره خوف الإطالة قال فسألته كم أتي عليك من السنين فقال تسعمائة و خمس و عشرون سنة و هو مسلم زعم أن النبي ص أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان و عمرو بن العاص و أسامة بن زيد و أبو موسي الأشعري و صهيب الرومي و سفينة مولاه و غيرهم فدعوه إلي الإسلام فأجاب و أسلم. فقلت له كيف تصلي و أنت بهذا الضعف فقال أ ليس قد رخص الله تعالي في القيام علي لسان رسوله (ع) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلي [ صفحه 108] جُنُوبِهِمْ. و إذا جوزوا أن يهب الله تعالي لشخص من ملوك الهند الملك العظيم و العمر الطويل المديد فما وجه إنكارهم مثل هذا في حق الإمام القائم ع. و العجب أن مخالفينا يروون أخبار المعمرين و يجوزون وقوع مثل هذه الأمور في نوع الآدميين و ينكرون بقاء رجل هو خاتم عقد قلادة الأوصياء المعصومين الذي يملأ الله به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما هل هذا إلا عناد مبين و مجادلة لإطفاء نور الأئمة الطاهرين وَ يَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. و أعجب من هذا أنك إذا قلت لهم أ لستم تقولون إن النبي ص قالتحذو أمتي حذو الأمم السالفة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذةفيقولون بلي ثم يقال لهم أ ليس قد وقع مثل هذا التعمير في الأمم المتقدمة و قد نطق به القرآن و رواه مشايخكم و سطرتموه في كتبكم فيقولون نعم فإذا قيل لهم فما وجه إنكار طول تعمير الإمام القائم (ع) تبلبلوا في الخطاب و تلجلجوا في الجواب و لا يدرون أين المفر و لا كيف الذهاب أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ. و لعمري لسنا مكلفين في ثبوت تعمير الإمام (ع) علي ذكر المعمرين بل الدلالة القاطعة علي وجوده و طول تعميره هو ما تقدم ذكره من البراهين العقلية و الأدلة الصحيحة المتواترة النقلية التي بمثلها ثبت قواعد الإسلام و عليها الاعتماد في الإصدار و الإيراد و بها يتم النظام لكن في ذكر ذلك فوائد. [ صفحه 109] الأولي أن السامع إذا طرق سمعه أنه قد وقع فيما تقدم في هذا النوع تعمير جماعة من الآدميين لا يستعظم تعمير خاتم الوصيين. الثانية أن القائل بهذا المذهب يزداد بصيرة في دينه و يقينا إلي يقينه بوقوع مثل هذه الأحوال في عدة أشخاص من الرجال فيري أن الإمام القائم (ع) أولي بهذا الحال. الثالثة أن الشاك في هذا المذهب يدعوه الاطلاع علي هذه الأخبار إلي البحث في ذلك و ينتفي عنه تهويل هذا الأمر و يمتنع عقله عن النفار و ترك البحث فنظرة التحقيق فربما أخرجه بحثه و تفحصه عن هذا الأمر من ضيق الظلمة إلي فضاء النور و سواء الطريق فيكون من الفائزين القائلين بالحق علي يقين. الرابعة أن الحق كل ما زاد البحث فيه أضاء نوره و سطع و الباطل كل ما زاد البحث فيه أظلم و انقطع فكان في ذكر هذه الأخبار جلاء لبصائر أهل الاستبصار و عمي لأهل الضلال و الشنار. [ صفحه 110]

في رواته و وكلائه

و قد توكل له (ع) عدة أقوام من عدة بلاد و رووا عنه الروايات و أوصلوا إليه المطالعات. فمما صح لي روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدة من انتهي إليه ممن وقف علي معجزات صاحب الزمان ص من الوكلاء و الرواة فمن بغداد العمري و ابنه و حاجز و البلالي و العطار و من الكوفة العاصمي و من الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار و من أهل قم أحمد بن إسحاق و من همدان محمد بن صالح و من الري الشامي و الأسدي يعني نفسه و من آذربيجان القاسم بن العلاء و من نيشابور محمد بن شاذان و منهم أبو القاسم الحسين بن روح. [ صفحه 111] و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن الحسن الصيوفي الصرمي المقيم بأرض بلخ قال أردت الحج و كان معي مال بعضه ذهب و بعضه فضة فجعلت ما معي من ذهب سبائك و ما معي من فضة نقرا و كان قد وقع ذلك المال إلي لأسلمه من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه. قال فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي علي موضع فيه رمل ثم جعلت أميز تلك السبائك و النقر مرة أخري اهتماما مني بحفظها فقدت منها سبيكة وزنها وزن مائة مثقال و ثلاثة مثاقيل فسبكتها بوزنها من مالي سبيكة و جعلتها بين تلك السبائك فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم بن روح [ صفحه 112] و سلمت إليه ما كان معي من السبائك و النقرة فمد يده إلي السبيكة التي سبكتها من مالي فرمي بها إلي و قال ليست هذه السبيكة لنا و سبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل فارجع إلي مكانك و انزل حيث نزلت و اطلب السبيكة هناك فإنك ستجدها و ستعود إلي هاهنا فلا تراني. قال فرجعت إلي سرخس و نزلت حيث كنت نزلت فوجدت السبيكة تحت الرمل و قد نبت عليها الحشيش فأخذت السبيكة و انصرفت إلي بلدي فلما كان بعد ذلك حججت و معي السبيكة و دخلت مدينة السلام و قد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح قد مضي و لقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فسلمت السبيكة إليه. و بالطريق المذكور يرفعه إلي الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي قال رأيت بمدينة السلام امرأة تسأل عن وكيل مولانا (ع) أين هو فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح و أشار إليها فدخلت عليه و أنا عنده فقالت أيها الشيخ أي شي‌ء معي فقال ما معك ألقيه في دجلة ثم ائتيني حتي أخبرك قال فذهبت المرأة و حملت ما كان معها فألقته في الدجلة و رجعت فدخلت عليه فقال أبو القاسم لمملوكة له أخرجي إلي بالحقة فأخرجت إليه حقة فقال للمرأة هذه الحقة كانت معك و رميتها في الدجلة أخبرك بما فيها أم تخبريني فقالت بل أخبرني أنت فقال في هذه الحقة زوج سوار ذهبا و حلقة كبيرة فيها جوهرة و حلقتان صغيرتان فيهما جوهرة [ صفحه 113] و خاتمان أحدهما فيروزج و الآخر عقيق و كان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئا ثم فتح الحقة فعرض عليها ما فيها و نظرت المرأة إليه و قالت هذا الذي حملته بعينه و رميته في دجلة فغشي علي و علي المرأة فرحا بما شاهدنا من صدق الدلالة. و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي جعفر محمد بن علي الأسود قال سألني علي بن الحسين بن موسي بن بابويه بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي رحمه الله أن يسأل مولانا صاحب الأمر أن يدعو الله عز و جل أن يرزقه ولدا ذكرا فسألته فأنهي ذلك ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين و أنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به و بعده أولاد و كان هذا محمد الصدوق أحد مشايخ هذه الطائفة و إليه تسند أكثر أخبارهم و رواياتهم و عنه رويت أنا أكثر هذه الأخبار التي أوردتها في هذا الكتاب و هو ممن يرجع إليه أكثر الأصحاب. قال محمد الصدوق فكان أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه كثيرا ما يقول إذا رآني أختلف إلي مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد و أرغب في كتبة العلم و حفظه ليس بعجب أن يكون لك مثل هذه الرغبة في العلم و أنت بدعاء الإمام ولدت. و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال كنت عند الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه مع جماعة فيهم علي بن [ صفحه 114] عيسي القصري فقام إليه رجل فقال له إني أريد أن أسألك عن شي‌ء قال سل عما بدا لك فقال الرجل أخبرني عن الحسين بن علي (ع) أ هو ولي الله قال نعم قال أخبرني عن قاتله أ هو عدو الله قال نعم قال الرجل فهل يجوز أن يسلط الله عز و جل عدوه علي وليه فقال أبو القاسم رحمه الله افهم عني ما أقول لك اعلم أن الله عز و جل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان و لا يشافههم بالكلام و لكنه جل جلاله يبعث إليهم رسلا من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم و لو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم يقبلوا منهم فلما جاءوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق قالوا لهم أنتم بشر مثلنا و لا نقبل منكم حتي تأتونا بشي‌ء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله عز و جل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار و الإعذار فغرق جميع من طغا و تمرد و منهم من ألقي في النار فكانت بردا و سلاما و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجري من ضرعها لبنا و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون و جعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون و منهم من أبرئ الأكمه و الأبرص و أحيا الموتي بإذن الله و أنبأهم بما يأكلون و يدخرون في بيوتهم و منهم من انشق له القمر و كلمته البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك فلما أتوا بمثل ذلك و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عز و جل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه عليهم السلام مع هذه القدرة و المعجزات في حالة غالبين و في أخري مغلوبين و في حال قاهرين و في حال مقهورين و لو جعلهم في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز و جل و لما عرف فضل صبرهم [ صفحه 115] علي البلاء و المحن و الاختبار لكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوي صابرين و في حال العافية و الظهور علي الأعداء شاكرين و يكونون في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين و ليعلم العباد أن لهم (ع) إلها هو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله و تكون حجة الله علي من يجاوز الحد فيهم و ادعي لهم الربوبية أو عاند أو خالف و عصي و جحد بما جاءت به الأنبياء و الرسل ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حي عن بينة. قال محمد بن إبراهيم فعدت إلي الشيخ أبي القاسم بن روح من الغد و أنا أقول في نفسي أ تراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه فابتدأني و قال يا محمد بن إبراهيم لو أن العاقل خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق في عداد الهالكين أحب إليه أن يكون من المفترين القائلين في دين الله برأيه ليس ذلك من عند نفسي بل ذلك عن الأصل و مسموع من الحجة ص و منهم محمد بن إبراهيم بن مهزيار مما صح لي روايته عن الشيخ السعيد محمد بن محمد بن النعمان المفيد رحمه الله يرفعه إلي محمد بن إبراهيم المذكور قال شككت عند مضي أبي محمد الحسن (ع) و اجتمع عند أبي مال فحملته و ركبت معه مشيعا له فوعك وعكا شديدا فقال يا بني ردني فهو [ صفحه 116] الموت و قال اتق الله في هذا المال و أوصي إلي و مات بعد ثلاثة أيام فقلت في نفسي لم يكن أبي ليوصي بشي‌ء غير صحيح أحمل هذا المال إلي العراق و أكتري دارا علي الشط و لا أخبر أحدا بشي‌ء فإن وضح لي كوضوحه في أيام أبي محمد أنفذ به و إلا أنفقته في بلادي و شهواتي فقدمت العراق و اكتريت دارا علي الشط و بقيت أياما أتوقع فإذا أنا برقعة مع رسول فيها يا محمد معك كذا و كذا حتي قص علي جميع ما كان معي و ذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلمته إلي الرسول و بقيت أياما لا يرفع بي رأسي فاغتممت فخرج إلي قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله. و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن شاذان النيسابوري قال اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرين درهما فلم أحب أن أنقدها ناقصة فوزنت من عندي عشرين درهما فبعثت بها الأسدي و لم أكتب مالي فيها فورد الجواب وصلت خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهما. [ صفحه 117] و منهم أبو جعفر العمري السمان فما جاز لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلي علي بن محمد بن مقيل قال لما حضرت أبا جعفر العمري السمان الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسائله و أحدثه و أبو القاسم بن روح عند رجليه فالتفت إلي و قال قد أمرت أن أوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح فقمت من عند رأسه و أخذت بيد أبي القاسم بن روح فأجلسته في مكاني و قعدت عند رجليه. و له ص وكلاء آخرون لم نذكرهم لئلا يطول بذكرهم الكتاب و هم مذكورون في الكتب المطولة المرسومة في هذا الباب و بالله التوفيق. [ صفحه 118]

في ذكر توقيعاته علي يد رسله و أصحابه و علي يد سفرائه إلي وكلائه

فمن ذلك ما جاز لي روايته عن أحمد بن محمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلي علي بن إبراهيم الرازي قال تشاجر ابن أبي غانم القزويني و جماعة من الشيعة في الخلف فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد (ع) مضي و لا خلف له ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا إلي الناحية و أعلموه ما تشاجروا فيه فورد جواب كتابهم بخطه ص بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله و إياكم من الضلال و الفتن و وهب لنا و لكم روح اليقين و أجارنا و إياكم من سوء المنقلب إنه أنهي إلينا ارتياب جماعة منكم في الدين [ صفحه 119] و ما دخلهم من الشك و الحيرة في ولاة أموركم فغمنا ذلك لكم لا لنا و ساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا حاجة بنا إلي غيره و الحق معنا فلم يوحشنا من قعد عنا و نحن صنائع ربنا و الخلق بعد صنائعنا يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون في الحيرة تنعكثون أ و لم يكفكم ما ذكر الله في كتابه حيث أمر بطاعة ولاة أمره يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أ و ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون و يحدث في أئمتكم علي الماضي و الباقي منهم السلام أ و ما رأيتم كيف جعل الله فيكم معاقل تأوون إليها و أعلاما تهتدون بها من لدن آدم إلي أن ظهر الماضي (ع) كلما غاب علم بدا علم و كلما أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تبارك و تعالي أبطل دينه و قطع السبب بينه و بين خلقه كلا ما كان ذلك و لا يكون حتي تقوم الساعة و يظهر أمر الله و هم كارهون و إن الماضي (ع) مضي سعيدا فقيدا علي منهاج آبائه حذو النعل بالنعل و فينا وصيته و علمه و منه خلفه و من يسد مسده لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم و لا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر و لو لا أن أمر الله لا يغلب و سره لا يظهر و لا يعكس لظهر لكم من حقنا ما تتنز منه عقولكم و يزيل شكوككم لكنه [ صفحه 120] ما شاء الله كان و لكل أجل كتاب فاتقوا الله و سلموا لنا و ردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد و لا تحاولوا كشف ما غطي عنكم و لا تميلوا عن اليمين إلي الشمال و اجعلوا وصولكم إلينا بالمودة و علي السنة الواضحة فقد نصحت لكم و الله شاهد علي و عليكم و لكنا عن مخاطبتكم في شغل فيما امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه المضاد لربه الداعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته الظالم الغاصب و في ابنة رسول الله ص لي أسوة حسنة و سيرد الجاهل رداءة عمله و سيعلم الكفار لمن عقبي الدار عافانا الله و إياكم من المهالك و الأسواء و الآفات و العاهات كلها برحمته فإنه ولي ذلك و القادر علي ما يشاء و كان لنا و لكم وليا و حافظا و السلام علي جميع الأوصياء و الأولياء و المؤمنين و رحمة الله و بركاته و صلي الله علي محمد النبي و آله و سلم تسليما و مما صح لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد عليه الرحمة يرفعه إلي علي بن محمد قال أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه و قيل له أخرج حق ولد عمك منه و هو أربعمائة درهم و كان الرجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة و قد حبسها عنهم فنظر فإذا الذي لولد عمه أربعمائة [ صفحه 121] درهم من ذلك المال فردها عليهم و أنفذ المال فقبل. و بالطريق المذكور يرفعه إلي الحسن بن الفضل قال وردت العراق و علمت علي أني لا أخرج إلا عن بينة من أمري و نجاح من حوائجي و لو احتجت أن أقيم فيها حتي أتصدق قال و في خلال ذلك تضيق صدري بالمقام و أخاف أن يفوتني الحج قال فجئت يوما إلي محمد بن أحمد و هو السفير يومئذ أتقاضاه فقال لي صر إلي مسجد كذا و كذا فإنه يلقاك رجل قال فصرت إليه فدخل علي رجل فلما نظر إلي ضحك و قال لي لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة و تنصرف إلي أهلك و ولدك سالما قال فاطمأنت و سكن قلبي و قلت هذا مصداق ذلك ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير و ثوب فاغتممت و قلت في نفسي حدي عند القوم هذا و استعملت الجهل فرددتها ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة فقلت في نفسي كفرت بردي علي مولاي و كتبت رقعة أعتذر من فعلي و أبوء بالذنب و الإثم و أستغفر من زللي و أنفذتها و قمت أتطهر للصلاة و أنا إذ ذاك أفكر في نفسي و أقول إن ردت علي الدنانير لم أحل شدها و لم أحدث فيها شيئا حتي أحملها إلي أبي فإنه أعلم مني فخرج إلي الرسول الذي حمل الصرة و قال لي أسأت إذ لم يعلم الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء و ربما سألونا ذلك يتبركون به و خرج إلي أخطأت في ردك برنا فإذا استغفرت الله فالله تعالي يغفر لك و إذا كانت عزيمتك و عقد نيتك فيما حملناه إليك ألا تحدث فيه حدثا إذا رددناه عليك و لا تنتفع به في طريقك صرفناه عنك [ صفحه 122] و أما الثوب فخذه لتحرم فيه. و مما جاز لي روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي علي بن همام قال سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان أما ما سألت عنه أرشدك الله و ثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا و بني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله عز و جل و بين أحد قرابة و من أنكرني فليس مني و سبيله سبيل ابن نوح (ع) و أما سبيل عمي جعفر و ولده فسبيل إخوة يوسف (ع) و أما الفقاع فشربه حرام و لا بأس بالشلماب و أما أموالكم فما نقبلها إلا لنطهركم فمن شاء فليصل و من شاء فليقطع فما آتاني الله خير مما آتاكم و أما ظهور الفرج فإنه إلي الله و كذب الوقاتون و أما قول من زعم أن الحسين (ع) لم يقتل فكفر و تكذيب و ضلال و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله و أما محمد بن عثمان العمري [ صفحه 123] رضي الله عنه و عن أبيه من قبل فإنه ثقتي و كتابه كتابي و أما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله له قلبه و يزيل عنه شكه و أما ما وصلنا به فلا قبول عندنا إلا ما طاب و طهر و ثمن المغنية حرام و أما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت و أما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون و أصحابه ملعونون لا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم بري‌ء و آبائي (ع) منهم برآء و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل إلي وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث و أما ندامة قوم قد شكوا في دين الله علي ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال و لا حاجة لنا في صلة الشاكين و أما علم ما وقع من الغيبة فلا تحفوا في السؤال عنها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إنه لم يكن أحد من آبائي إلا و قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه و إني أخرج حين أخرج و لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي و أما وجه الانتفاع بي في [ صفحه 125] غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غشيها عن الأبصار السحاب و إني أمان في غيبتي لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم و لا تتكلفوا علم ما قد كفيتم و أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم و السلام عليك يا إسحاق بن يعقوب و علي من اتبع الهدي و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن إبراهيم أنه ورد العراق شاكا مرتادا فخرج إليه قل للمهزياري قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم فقل لهم إن الله تعالي ذكر في كتابه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أمركم بطاعة ولاة أمره فهل الأمر إلا بما هو كائن إلي يوم القيامة أ و لم تروا أن الله عز و جل جعل لكم معاقل تأوون إليها و أعلاما تهتدون بها من لدن آدم (ع) إلي أن ظهر الماضي (ع) كلما غاب علم بدا علم و إذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله عز و جل إليه ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه و بين خلقه كلا ما كان ذلك منه و لا يكون حتي تقوم الساعة فيظهر أمر الله و هم كارهون يا محمد بن إبراهيم لا يدخلك الشك فيما قدمت له فإن الله عز و جل لا يخلي الأرض من حجة أ ليس قد قال لك أبوك قبل وفاته أحضر هذه الساعة من يعير هذه الدنانير التي عندي فلما أبطأ ذلك [ صفحه 126] عليه خاف الشيخ علي نفسه الوحا قال لك عيرها علي نفسك و أخرج إليك كيسا كبيرا و عندك بالحضرة ثلاثة أكياس و صرة فيها دنانير مختلفة النقد فعيرتها و ختم الشيخ عليها بخاتمه و قال لك أختم مع خاتمي فإن أعش فأنا أحق بها و إن مت فاتق الله في نفسك أولا ثم في و خلصني و كن عند ظني بك أخرج رحمك الله الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا و هي بضعة عشرة دينارا فاسترد من قبلك فإن الزمان أصعب ما كان حسبنا الله و نعم الوكيل.قال محمد بن إبراهيم فقدمت العسكر و قصدت الباب زائرا فلقيتني امرأة فقالت أنت محمد بن إبراهيم فقلت نعم فقالت انصرف فإنك لا تصل في هذا الوقت و ارجع الليلة فإن الباب مفتوح لك فادخل الدار و اقصد البيت الذي فيه السراج ففعلت و قصدت التي وصفته فبينا أنا بين القبرين أنتحب و أبكي إذ سمعت صوتا و هو يقول يا محمد اتق الله و تب من كل ما أنت عليه فقد قلدت أمرا عظيما و بالطريق المذكور يرفعه إلي نصر بن صباح قال أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلي حاجز و كتب رقعة و غير فيها اسمه و نسبه فخرج إليه الوصول باسمه و نسبه و الدعاء له. و عن محمد بن هارون قال كانت للغريم (ع) علي خمسمائة دينار [ صفحه 127] و أنا في ليلة ببغداد لها ريح و ظلمة ففزعت فزعا شديدا و فكرت فيما علي و في و قلت في نفسي لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة و ثلاثين دينارا قد جعلتها للغريم بخمسمائة دينار قال فجاءني من يتسلم مني الحوانيت و قد كتب إلي بذلك من غير أن ينطق لساني أو أخبر به أحدا. و عن أبي القاسم بن أبي حليس قال أوصلت إلي حاجز عشرة الدنانير فنسيها حاجز أن يوصلها فبعث إليه ابعث بدراهم ابن أبي حليس ابتداء و كتب علي بن أحمد الصيمري يسأل كفنا فورد أنه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدي و ثمانين فمات رحمه الله في الوقت الذي حده و بعث إليه بالكفن قبل موته بشهر.و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي العباس أحمد بن الخضر بن صالح الخجندي أنه خرج إليه من صاحب الزمان (ع) توقيع بعد أن كان قد [ صفحه 128] ألح في الفحص و الطلب و سار في البلاد و كتب علي يد الشيخ أبي القاسم بن روح إلي الصاحب (ع) يشكو إليه تعلق قلبه و إشغاله بالفحص و طلب الحق و سأل الجواب بما تسكن إليه نفسه و ينكشف له بما يعمل عليه فخرج إليه توقيع من بحث فقد طلب و من طلب فقد دل و من دل فقد أشاط و من أشاط فقد أغري و من أغري فقد أشرك قال فكففت عن الطلب و سكنت نفسي و عدت إلي منزلي مسرورا و الحمد لله و عن عبد الله بن جعفر الحميري قال خرج التوقيع إلي الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في التعزية بأبيه أجزل الله لك الثواب و أحسن لك العزاء رزئت رزئنا و أوحشك فراقه و أوحشنا فسره الله في منقلبه و كان من كمال سعادته أن رزقه الله عز و جل ولدا مثلك يخلفه من بعده و يقوم مقامه بأمره و يترحم عليه و أقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك و ما جعله الله عز و جل فيك و عندك أعانك الله و قواك و عضدك و وفقك و كان لك وليا و راعيا و حافظا و كافيا و معينا و عن سعد بن عبد الله رضي الله عنه قال خرج توقيع من مولانا صاحب الزمان إلي العمري و أبيه رضي الله عنهما [ صفحه 129] وفقكما الله لطاعته و ثبتكما علي دينه و أسعدكما بمرضاته انتهي إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار و مناظرته من لقي و احتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن علي و تصديقه إياه و فهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه و أنا أعوذ بالله من العمي بعد الجلاء و من الضلالة بعد الهدي و من موبقات الأعمال و مرديات الفتن الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ كيف يتساقطون في الفتنة و يترددون في الحيرة و يأخذون يمينا و شمالا فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة و الأخبار الصحيحة أو علموا ذلك فتناسوا أ ما علموا أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهرا و إما مغمورا أ و لم يروا انتظام أئمتهم بعد نبيهم ص واحدا بعد واحد إلي أن أفضي الأمر بأمر الله جل و عز إلي الماضي يعني الحسن بن علي (ع) فقام مقام آبائه (ع) يهدي إلي الحق و إلي طريق مستقيم كان نورا و شهابا لامعا و قمرا زاهرا ثم اختار الله جل و عز له ما عنده فمضي علي منهاج آبائه (ع) حذو النعل بالنعل علي عهد عهده و وصية أوصي بها إلي وصي ستره الله بأمره إلي غاية و أخفي مكانه بمشيئته للقضاء السابق و القدر النافذ و فينا موضعه و لنا فضله و لو أذن الله عز و جل فيما قد منعه عنه و أزال عنه ما قد جري به حكمه لأراهم الحق ظاهرا بأحسن حلية و أبين دلالة و أوضح علامة و لأبان عن نفسه و قام بحجته و لكن أقدار الله عز و جل لا تغالب و إرادته لا ترد و توفيقه لا يسبق فليدعوا عنهم أتباع الهوي و ليقيموا علي أصلهم الذي كانوا عليه و لا يبحثوا عما ستره الله [ صفحه 130] عنهم فيأثموا و لا يكشفوا ستر الله عز و جل فيندموا و ليعلموا أن الحق معنا و فينا لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر و لا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي فليقتصروا منا علي هذه الجملة دون التفسير و يقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلي الناس توقيعا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم أجور إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك و بين ستة أيام فاجمع أمرك و لا توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز و جل و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلب و امتلاء الأرض جورا و سيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا من ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كاذب مفتر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم قال فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس غدونا و هو يجود بنفسه فقيل له من وصيك فقال لله أمر هو بالغه و مضي رضي الله عنه و كان هذا آخر كلام سمع منه و كان وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة 328-. و مما صح لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلي الشيخ [ صفحه 131] المفيد عن أبي عبد الله الصفواني قال رأيت القاسم بن علاء و قد أتي عليه مائة سنة و سبع عشرة سنة منها ثمانون سنة صحيح العينين لقي العسكريين و حجب بعد الثمانين و ردت عينيه قبل وفاته بسبعة أيام و ذلك أني كنت بمدينة الران من أراضي آذربيجان فكان لا ينقطع توقيعات صاحب الأمر (ع) علي يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري و بعده علي يد أبي القاسم بن روح فانقطعت عنه المكاتبات نحوا من شهرين و قلق لذلك فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل عليه البواب مستبشرا فقال له فيج العراق ورد لا يسمي بغيره فاستبشر القاسم و حول وجهه إلي القبلة فسجد و دخل كهل قصير يري أثر الفيوج عليه و عليه جبة مصرية و في رجله نعل محاملي و علي كتفه مخلاة فقام إليه القاسم فعانقه و وضع المخلاة عن عنقه و دعا بطست و ماء فغسل يده و أجلسه إلي جانبه فأكلنا و غسلنا أيدينا فقام الرجل و أخرج كتابا أفضل من نصف المدرج فناوله القاسم فأخذه و قبله و دفعه إلي كاتب له يقال له ابن أبي سلمة فأخذه [ صفحه 132] و فضه و قرأه حتي أحس القاسم ببكائه فقال خبر خرج في شي‌ء مما يكره قال لا قال فما هو قال ينعي الشيخ إلي نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما و أنه يمرض يوم السابع بعد وصول الكتاب و أن الله يرد عليه عينيه بعد ذلك و قد حمل إليه سبعة أثواب فقال القاسم في سلامة من ديني فقال في سلامة من دينك فضحك رحمه الله و قال و ما أؤمل بعد هذا العمر حياة. فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أثواب إزر و حبرة يمانية حمراء و عمامة و ثوبين و منديلا فأخذه القاسم و كان عنده قميص خلعه عليه علي النقي (ع) و كان للقاسم صديق في أمور الدنيا شديد النصب يقال له عبد الرحمن بن محمد الشبزي وافي الدار فقال القاسم اقرءوا الكتاب عليه فإني أحب هدايته قالوا هذا لا يحتمله خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن فأخرج القاسم إليه الكتاب و قال اقرءوا فقرءوه علي عبد الرحمن إلي موضع [ صفحه 133] النعي فقال للقاسم يا أبا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك أ ليس قد ذكر الله في كتابه وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لا علم لأحد بمنيته و لا ما يلقي في صبيحته و قد اختص سبحانه بعلم الغيب دون خلقه عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً فقال القاسم إِلَّا مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ استثني المرتضي من النبيين و مولاي هو المرتضي من الرسول. ثم قال أعلم أنك تقول هذا و لكن ورخ هذا اليوم فإن عشت بعد هذا اليوم أو مت قبله فاعلم أني لست علي شي‌ء و إن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك فورخ عبد الرحمن اليوم و افترقا و حم القاسم يوم السابع و اشتدت العلة به إلي مدة و نحن مجتمعون يوما عنده إذ مسح عينه بكمه فخرج عن عينيه شبيه بماء اللحم ثم مد نظره إلي ابنه فقال يا حسن إلي و يا فلان إلي فنظرنا إلي الحدقتين صحيحتين و شاع الخبر في الناس فأتي الناس من العامة ينظرون إليه فركب قاضي القضاة يومئذ ببغداد فدخل عليه فقال له يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي و أراه خاتم فضة فيروزج فقربه إليه فقال خاتم فضة فيروزج و عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها و قد كان قال لابنه الحسن اللهم ألهم الحسن طاعتك و جنبه معصيتك قال له ذلك ثلاثا ثم كتب وصيته بيده و كانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر كان أبوه وقفها عليه و كان فيما أوصي إلي ابنه إن أهلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيدة و سائرها ملك لمولانا ع. فلما كان يوم الأربعين و قد طلع الفجر مات أبو القاسم فوافاه عبد الرحمن [ صفحه 134] ثم خرج يعدو في الأسواق حافيا حاسرا و هو يصيح يا سيداه فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم اسكتوا فقد رأيت ما لم تروه و تشيع و رجع عما كان عليه فلما كان بعد مدة ورد كتاب من صاحب الأمر (ع) علي الحسن ألهمك طاعته و جنبك معصيته و هو الدعاء الذي دعا به أبوك و بالطريق المذكور يرفعه أحمد بن أبي روح قال أرسلت إلي امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت يا ابن روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا و ورعا و إني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها و تقوم بها فقلت أفعل إن شاء الله فقالت هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله و لا تنظر فيه حتي تؤديه إلي من يخبرك بما فيه و هذا قرطي يسوي عشرة دنانير و فيها ثلاث حبات لؤلؤ تسوي عشرة دنانير و لي إلي صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها فقلت ما الحاجة فقالت عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممن استقرضتها و لا أدري إلي من أدفعها فإن أخبرك بها فادفعها إلي من يأمرك بها قال و كنت أقول بجعفر بن علي فقلت هذه المحنة بيني و بين جعفر فحملت المال و خرجت فدخلت بغداد فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء فسلمت عليه و جلست فقال أ لك حاجة قلت هذا مال دفع إلي لأدفعه إليك تخبرني كم هو و من دفعه إلي فإن أخبرتني دفعته إليك قال لم أومر بأخذه و هذه [ صفحه 135] رقعة جاءتني في أمرك فإذا فيها لا تقبل من أحمد بن روح و توجهه إلينا إلي سر من رأي فقلت لا إله إلا الله هذا أحلي شي‌ء أردته فخرجت فوافيت سر من رأي فقلت أبدأ بجعفر فتفكرت و قلت أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم و إلا مضيت إلي جعفر فدنوت من دار أبي محمد فخرج إلي خادم فقال أنت أحمد بن أبي روح قلت نعم قال هذه الرقعة اقرأها فقرأتها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك و هو خلاف ما تظن و قد أديت فيه الأمانة و لم تفتح الكيس و لم تدر ما فيه و فيه ألف درهم و خمسون دينارا صحاح و معك قرط زعمت المرأة أنها تسوي عشرة دنانير صدقت مع الفصين اللذين فيه و فيه ثلاث حبات لؤلؤ شرتها بعشرة دنانير و هي تسوي أكثر فادفعها إلي خادمتنا فلانة فإنا قد وهبناها لها و صر إلي بغداد و ادفع المال إلي حاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلي منزلك و أما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها اقترضتها في عرسها و لا تدري من صاحبتها بلي هي تعلم أنها لكلثم بنت أحمد و هي ناصبية فتحرجت أن تعطيها و أحبت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك فلتفرقها في ضعفاء أخواتها و لا تعودن يا ابن أبي روح إلي القول بجعفر و المحنة له و ارجع إلي منزلك فإن عمك قد مات و قد ورثك الله أهله و ماله فرجعت إلي بغداد و ناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم و خمسون دينار فناولني ثلاثين دينارا و قال أمرنا بدفعه إليك لنفقتك فأخذتها و انصرفت إلي الموضع الذي نزلت فيه فإذا أنا برسول قد جاءني من منزلي يخبرني بأن عمي قد مات و أهلي يأمروني بالانصراف إليهم فرجعت [ صفحه 136] فإذا هو قد مات و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم.و عن أحمد بن أبي روح قال خرجت إلي بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله فأمرني أن أدفعه إلي أبي جعفر محمد بن عثمان العمروي و إن أمرني أن أدفعه إلي غيره و أمرني أن أسأله الدعاء للعلة التي هو فيها و أسأله عن الوبر يحل لبسه فدخلت بغداد و صرت إلي العمروي فأبي أن يأخذ المال و قال صر إلي أبي جعفر محمد بن أحمد و ادفع إليه فإنه أمره بأخذه و قد خرج الذي طلبت فجئت إلي أبي جعفر فأوصلته إليه فأخرج إلي رقعة فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء من العلة التي تجدها وهب الله لك العافية و دفع عنك الآفات و صرف عنك بعض ما تجده من الحرارة و عافاك و صح لك جسمك و سألت ما يحل لك أن تصلي فيه من الوبر و السمور [ صفحه 137] و السنجاب و الفنك و الدلق و الحواصل فأما السمور و الثعالب فحرام عليك و علي غيرك الصلاة فيه و يحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن لك غيره و إن لم يكن لك بد فصل فيه و الحواصل جائز لك أن تصلي فيه و الفراء متاع الغنم ما لم يذبح بأرمنية تذبحه النصاري علي الصليب فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك أو مخالف تثق به لا يقال لا نسلم أن هؤلاء السفراء و الرسل و النواب و الأصحاب و الوكلاء كانوا كما يقولون و لئن سلمنا ذلك فلا نسلم أنهم فعلوا ما يذكرون و لئن سلمنا ذلك فلا نسلم أنهم كما تزعمون أ ليس قد ورد الخبر عن أئمتكم أنهم قالوا خداما و قوامنا شر خلق الله و إذا كانوا شر خلق الله فلا اعتبار بهم. لأنا نقول إن سبيل هؤلاء و ثبوتهم و ثبوت ما ورد عنهم أنهم فعلوه و ما سمع منهم أنهم قالوا سبيل كافة الأحكام التي وردت بها شريعة الرسول (ع) فإن جاز الطعن في ثبوت هؤلاء الرجال و ما ورد عنهم من الأقوال و الأفعال فليجز الطعن في كافة الأحكام لكنه بالإجماع محال فالطعن في هذا محال. و أما ما ذكرتم من الخبر فليس لصحته أثر لثبوت نقيضه و هو ما صح لي روايته عن الثقة أحمد بن محمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلي محمد بن صالح الهمداني أحد الوكلاء المذكورين قال كتبت إلي صاحب الزمان (ع) إن أهل بيتي يؤذوني و يقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك ع [ صفحه 138] أنهم قالوا خدامنا و قوامنا شر خلق الله فكتب (ع) ويحهم أ ما علموا أن الله عز و جل ذكرنا و ذكركم في كتابه وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَي الَّتِي بارَكْنا فِيها قُريً ظاهِرَةً شبهنا و إياكم بالقري فنحن و الله القري التي بارك فيها و أنتم القري الظاهرة و إذا كان كذلك فلا يرد الإيراد و هو المطلوب. [ صفحه 139]

في ذكر من شاهده من شيعته و حظي برؤيته

و لقد رآه من أوليائه عدة أقوام و فازوا برؤيته (ع) إذ لا شرف أعظم من رؤية الله علي الأنام و خاتم أوصيائه الكرام. فمن ذلك ما جاز لي روايته عن أحمد بن محمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلي كامل بن إبراهيم المدائني قال دخلت علي أبي محمد الحسن (ع) أسأله عن المفوضة و المقصرة في حديث اختصرناه قال و قلت في نفسي هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي و جلست إلي باب مرخي [ صفحه 140] عليه ستر فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بصبي كأنه فلقة قمر من أبناء الأربع سنين أو مثلها فقال لي يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك و ألهمت أن قلت لبيك سيدي فقال جئت إلي ولي الله و حجة زمانه تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك أو قال بمقالتك قلت إي و الله فقال إذا و الله يقل داخلوها و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية قلت يا سيدي و من هم الحقية قال قوم من حبهم لعلي بن أبي طالب يحلفون بحق علي و ما يدرون ما حقه و فضله ثم سكت عني ساعة ثم قال و جئت تسأل عن مقالة المفوضة لعنهم الله كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء الله شئنا و قد ذكر الله تعالي ذلك في كتابه وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ثم رجع الستر علي حاله فلم أطق كشفه فنظر إلي أبو محمد (ع) و هو يقول يا كامل بن محمد ما جلوسك و قد نبأك بحاجتك حجتك من بعدي قال فقمت فخرجت و لم أعاينه بعد ذلك و بالطريق المذكور يرفعه إلي رشيق المادراي قال بعث إلينا المعتضد و نحن ثلاثة نفر و أمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا و نجنب آخر و نخرج مخففين لا يكون معنا قليل و لا كثير إلا علي السرج مصلي و قال لنا الحقوا بسر من رأي فوصف لنا محلة و دارا فإذا أتيتموها ستجدوا علي الباب خادما أسود [ صفحه 141] فاكبسوا الدار و من رأيتم فيها فأتوني برأسه فوافينا سر من رأي و وجدنا الأمر كما ذكره و في الدهليز خادم أسود و بيده تكة ينسجها فسألناه عن الدار من فيها فقال صاحبها فو الله ما التفت إلينا و قل أكتراثه بنا فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية و مقابل باب الدار سترا ما نظرت قط إلي أنبل منه كأن الأيدي قد رفعت عنه في ذلك الوقت و لم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كان فيه بحر ماء و في أقصي البيت حصير قد علمنا أنه علي الماء فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا و لا إلي شي‌ء من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطي البيت فغرق في الماء فما زال يضطرب حتي مددت يدي فخلصته و أخرجته مغشيا عليه ساعة ثم عاد صاحبي الثاني إلي مثل ذلك الفعل فناله مثل ذلك و بقيت مبهوتا و قلت لصاحب البيت يا سيدي المعذرة إلي الله و إليك فو الله ما علمت كيف الخبر و إلي من أجي‌ء و أنا تائب إلي الله فما التفت إلي شي‌ء مما قلناه و لا انفتل عما كان فيه فهالنا ذلك و انصرفنا عنه و قد كان المعتضد ينتظرنا و قد تقدم إلي الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان فوافيناه في بعض الليل و أدخلنا إليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا فقال ويحكم لقيكم أحد قبلي قلنا لا قال جري منكم ذلك إلي أحد قلنا لا قال أنا نفي من جدي أن بلغني هذا الخبر لأضربن أعناقكم فلم يجسر أحد منا أن يحدث بشي‌ء من ذلك إلا بعد موته. [ صفحه 142] و بالطريق المذكور يرفعه إلي الزهراني قال طلبت هذا الأمر يعني رؤية القائم (ع) طلبا شاقا حتي ذهب لي فيه مال صالح فوقعت إلي العمري و خدمته و لزمته و سألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (ع) فقال لي ليس إلي ذلك سبيل فخضعت فقال بكر بالغداة فوافيت فاستقبلني و معه شاب من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة بهيئة التجار و في كمه شي‌ء كهيئة الفجار فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إليه فدنوت منه فسألته فأجابني عن كل ما أردت ثم مر ليدخل الدار و كانت من الدور التي لا يكترث بها فقال العمري إن أردت أن تسأل فسل فإنك لا تراه بعد هذا فذهبت لأسأل فلم يسمع و دخل الدار و ما كلمني بأكثر من أن قال ملعون ملعون من أخر العشاء إلي أن تشتبك النجوم ملعون ملعون من أخر الغداة إلي أن تنقضي النجوم و دخل الدار. و بالطريق المذكور يرفعه إلي إسماعيل بن علي قال دخلت علي أبي محمد الحسن بن علي (ع) و هو في المرضة التي توفي فيها فبينا أنا عنده إذ قال لخادمه عقيد و كان الخادم أسود نوبيا قد خدم من قبله علي بن محمد و هو ربي الحسن (ع) فقال له يا عقيد أغل لي ماء بمصطكي فأغلي له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (ع) فلما صار القدح في يديه و هم بشربه جعلت يداه ترتدع حتي ضرب القدح ثناياه فتركه من يده و قال لعقيد ادخل البيت فإنك تري صبيا ساجدا فأتني به [ صفحه 143] قال أبو سهل قال عقيد فدخلت البيت أتحري فإذا أنا بصبي ساجد رافعا سبابته نحو السماء فسلمت عليه فأوجز في صلاته فقلت إن سيدي يأمرك بالخروج إليه فجاءت صقيل فأخذت بيده فأخرجته إلي أبيه الحسن (ع) قال أبو سهل فلما مثل بين يديه سلم عليه فإذا هو دري اللون في شعر رأسه قطط مفلج الأسنان فلما رآه الحسن (ع) بكي و قال يا سيد أهل زمانه اسقني الماء فإني ذاهب إلي ربي و أخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه فلما شربه قال هيئوني للصلاة و كانت صلاة الغداة يوم الجمعة فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة و مسح علي رأسه و قدميه فقال له أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان و أنت المهدي و أنت حجة الله في أرضه و أنت ولدي و وصيي و وارثي و أنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ولدك رسول الله و بشر بك و أنت خاتم الأئمة المعصومين و سماك و كناك بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين و صلي الله علي أهل البيت إنه حميد مجيد و مات الحسن (ع) من وقته عليهم السلام أجمعين و مما صح لي روايته عن محمد الصدوق بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري فقال دخلت علي أبي محمد الحسن بن علي ع [ صفحه 144] و أنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتدئا يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم (ع) و لا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجة الله علي خلقه يدفع الله به البلاء عن أهل الأرض و ينزل به الغيث و يخرج به بركات الأرض قال فقلت له يا ابن رسول الله فمن الخليفة و الإمام بعدك فنهض (ع) مسرعا فدخل البيت ثم خرج و علي عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك علي الله و علي حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنه سمي رسول الله ص و كنيه الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة كمثل ذي القرنين و الخضر و إنه ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عز و جل علي القول بإمامته و وفقه للدعاء بتعجيل فرجه قال أحمد بن إسحاق فقلت له يا مولاي هل من علامة يطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال أنا بقية الله في أرضه و المنتقم من أعدائه فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق فخرجت مسرورا فلما كان من الغد رجعت إليه فقلت يا ابن رسول الله قد عظم سروري بما مننت به علي فما السنة الجارية من الخضر و ذي القرنين فقال طول الغيبة يا أحمد فقلت يا ابن رسول الله و إن غيبته لتطول قال إي و ربي يرجع عن هذا الأمر كثير من القائلين به فلا يبقي إلا من أخذ الله عهدهم بموالاتنا و كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من الله جلت عظمته و سر من سر الله و غيبة من غيب الله فخذ ما آتيتك فاكتمه و كن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين [ صفحه 145] و بالطريق المذكور يرفعه إلي يعقوب بن منقوش قال دخلت علي مولانا أبي محمد الحسن بن علي (ع) و هو جالس علي دكان في الدار و عن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت من صاحب هذا الأمر فقال ارفع الستر فرفعته فخرج إليه غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين أبيض الوجه دري المقلتين شثن الكف معطوف الركبتين في خده الأيمن خال و في رأسه ذؤابة فجلس علي فخذ أبي محمد (ع) فقال لي هذا صاحبكم ثم وثب (ع) فقال له يا بني ادخل البيت إلي الوقت المعلوم فدخل البيت و أنا أنظر إليه ثم قال يا يعقوب انظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحدا و بالطريق المذكور يرفعه إلي سعد بن عبد الله القمي قال كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة علي غوامض العلوم و دقائقها كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها مغرما بحفظ مشتبهها و مستغلقها شحيحا علي ما أظفر به من معاضلها و مشكلاتها متعصبا لمذهب الإمامية راغبا عن الأمن و السلامة في إيثار التنازع و التخاصم و التعادي و التشاتم عيابا لفرق ذي الخلاف كشافا عن [ صفحه 146] مثالب أئمتهم هتاكا لحجب قادتهم إلي أن بليت بأشد النواصب منازعة و أطولهم مخاصمة و أكثرهم جدالا و أشنعهم سؤالا و أثبتهم علي الباطل قدما فقال ذات يوم و أنا أناظره تبا لك يا سعد و لأصحابك إنكم معاشر الرافضة تقصدون علي المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهما و تجحدون من رسول الله ص ولايتهما هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سوابقه أ ما علمتم أن رسول الله ص ما أخرجه من نفسه إلي الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده و أنه هو المقلد لأمر التأويل و الملقي إليه أزمة التنزيل و عليه المعول في شعب الصدع و لم الشعث و سد الخلل و إقامة الحدود و تسريب الجيوش لبلاد الكفر فكما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته إذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلي مكان يستخفي فيه و لما رأينا رسول الله ص متوجها إلي الأحجاب و لم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من غيره استبان لنا أن قصد الرسول ص بأبي بكر إلي الغار للعلة التي شرحناها و لذا أبات عليا علي فراشه لما لم يكترث له و لم يحفل به و لاستثقاله إياه و علمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. [ صفحه 147] قال سعد فأوردت عليه أجوبة شتي فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض و الرد علي ثم قال يا سعد دونكها أخري بمثلها يحطم آناف الروافض أ لستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك و الفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسران النفاق و استدللتم بليلة العقبة أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها قال سعد فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا عن الإلزام و حذرا من أني إن أقررت لهما بطوعهما احتج بأن بدء النفاق و نشأه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر و الغلبة و إظهار البأس الشديد في حمل المرء علي ما ليس ينقاد إليه قلبه و قد ذكر الله تعالي ذلك في كتابه فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا و إن قلت و أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد فصدرت عنه مزورا و قد انتفخت أحشائي من الغضب و تقطع كبدي من الكرب و كنت قد اتخذت طومارا و أثبت فيه نيفا و أربعين مسألة [ صفحه 148] من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا علي أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (ع) فارتحلت خلفه و قد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأي فلحقته في بعض المناهل فلما تصافحنا قال للخير لحاقك بي قلت الشوق ثم العادة في الأسئلة قال تكافينا علي هذه الخطة الواحدة فقد برز القوم إلي لقاء مولانا أبي محمد (ع) و أنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل و مشاكل في التنزيل فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك علي ضفة بحر لا تنقضي عجائبه و لا تفني غرائبه و هو إمامنا. فوردنا سر من رأي فانتهينا منها إلي باب سيدنا فاستأذنا فخرج علينا الإذن بالدخول عليه و كان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون و مائة صرة من الدنانير و الدراهم علي كل صرة ختم صاحبها. قال سعد فشبهت مولانا حين غشينا نور وجهه ببدر قد استوفي من لياليه أربعا بعد عشر و علي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر [ صفحه 149] علي رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين و بين يدي مولانا (ع) دواة و بيده بياض يكتب فيه فلما فرغ من الكتاب بعد أن سلمنا عليه و ألطف في الجواب و أومأ إلينا بالجلوس فأخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر (ع) إلي الغلام و قال يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك قال يا مولاي أ يجوز أن أمد يدا طاهرة إلي هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها فقال مولانا يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الأحل و الأحرم فأول صرة وقعت عليها يدا أحمد بن إسحاق فأخرجها قال الغلام هذه لفلان ابن فلان من محلة كذا بقم يشتمل علي اثنين و ستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها و كانت إرثا عن أبيه خمسة و أربعون دينارا و من أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا و فيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير فقال مولانا (ع) صدقت يا بني دل الرجل علي الحرام منها فقال (ع) فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدي صفحتيه نقشه و قراضته آملية وزنها ربع دينار و العلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا علي حائك من جيرانه من [ صفحه 150] الغزل منا و ربعا فأتت علي ذلك مدة فتهيأ لذلك الغزل سارقا فأخبر الحائك صاحبه فكذبه و استرد منه منا و نصفا غزلا أدق مما كان دفعه إليه و اتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه فلما فتح رأس الصرة وجد رقعة في وسط الدينار باسم من أخبر عنه و بمقدارها علي حسب ما قال و استخرج الدينار و القراضة بتلك العلامة ثم أخرج صرة أخري فقال الغلام و هذه لفلان ابن فلان من محلة كذا بقم تشتمل علي خمسين دينارا لا يحل لنا مسها قال و كيف ذلك قال لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبه علي أكاره في المقاسمة و ذلك لأنه قبض حصته منها بكيل واف و كان ما حص الأكار منها بكيل بخس فقال صدقت يا بني ثم قال يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها علي أربابها فلا حاجة لنا في شي‌ء منها و ائتنا بثوب العجوز قال أحمد و كان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيتها فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد (ع) فقال ما جاء بك يا سعد فقلت شوقني أحمد بن إسحاق لقاء مولانا قال فالمسائل التي أردت أن تسأله عنها قلت علي حالها يا مولاي قال فسل قرة عيني عنها و أومأ إلي الغلام فقال سل عما بدا لك فقلت يا مولاي و ابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله ص جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (ع) حتي أرسل إلي [ صفحه 151] عائشة يوم الجمل أنك قد أرهجت علي الإسلام و أهله بفتنتك و أوردت بنيك حياض الهلكة بجهلك فإن كففت عني غربك و إلا طلقتك و نساء رسول الله ص قد طلقهن وفاته قال ما الطلاق قلت تخلية السبيل قال فإذا كان وفاة رسول الله ص قد خلي سبيلهن فلم لا يحل لهن الأزواج قلت لأن الله تعالي حرم الأزواج عليهن قال كيف و قد خلي سبيلهن الموت قلت فأخبرني يا ابن مولاي عن معني الطلاق الذي فوض رسول الله ص حكمه إلي أمير المؤمنين (ع) قال إن الله عز و جل عظم شأن نساء النبي ص فخصصن بشرف الأمهات فقال رسول الله ص يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق علي نسائي ما دمن لله علي الطاعة فأيتهن عصت الله عز و جل بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج و أسقطها من شرف أمومة المؤمنين قلت فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها يحل للزوج أن يخرجها من بيته قال الفاحشة المبينة هي السحق دون الزني فإن المرأة إذا زنت و أقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد و إذا سحقت وجب عليها الرجم و الرجم خزي و من قد أمر الله برجمه فقد أخزاه و من أخزاه فقد أبعده و من أبعده فليس لأحد أن يقربه قلت فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك و تعالي لنبيه موسي (ع) بخلع نعليه فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُويً فإن فقهاء الفريقين [ صفحه 152] زعموا أنها كانت من إهاب الميتة قال (ع) من قال ذلك فقد افتري علي موسي (ع) و استجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين إما كانت صلاة موسي فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاة موسي جائزة جاز لموسي أن يكون لابسها في تلك البقعة إن لم تكن مقدسة و إن كانت مقدسة مطهرة فليست بأطهر و أقدس من الصلاة و إن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب أن موسي (ع) لم يعرف الحلال من الحرام و لا علم ما جاز فيه الصلاة و ما لم يجز و هذا كفر قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال إن موسي (ع) نادي ربه عز و جل بالوادي المقدس فقال يا رب إني أخلصت لك المحبة مني و غسلت قلبي عمن سواك و كان شديد الحب لأهله فقال له الله عز و جل اخلع نعليك حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة فليكن قلبك من الميل إلي سوائي مغسولاقلت يا ابن رسول الله أخبرني عن كهيعص الحروف في أول سورة مريم قال هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا و ذلك أن زكريا سأل ربه عز و جل أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط جبرئيل (ع) فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين سري عنه غمه و انجلي كربه فإذا ذكر اسم الحسين (ع) خنقته العبرة و وقعت عليه البهرة فقال ذات يوم إلهي ما لي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين (ع) تدمع عيني و تثور زفرتي فأنبأه [ صفحه 153] الله عز و جل عن قصته فالكاف اسم كربلاء و الهاء هلاك العترة و الياء يزيد و هو ظالم الحسين (ع) و العين عطشه و الصاد صبره فلما سمع بذلك زكريا (ع) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيهن الناس من الدخول عليه و أقبل علي البكاء و النحيب و كانت ندبته إلهي أ تفجع خير خلقك بولده إلهي أ تنزل بلوي هذه الرزية بفنائه إلهي أ تلبس عليا و فاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي أ تحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ثم كان يقول إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني علي الكبر و تجعله وارثا رضيا و اجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فأفتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله يحيي و فجعه به و كان حمل يحيي ستة أشهر و حمل الحسين (ع) كذلك و له قصة طويلة قلت فأخبرني يا مولاي عن الكلمة التي يمنع القوم عن اختيار إمام لأنفسهم قال مصلح أم مفسد قلت مصلح قال فهل يجوز أن يقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد قلت بلي قال فهي العلة أزيدها لك ببرهان ينقاد لك في عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله عز و جل و أنزل الكتب عليهم و أيدهم بالوحي و العصمة إذ هم أعلام الأمم و أهدي إلي الاختيار منهم مثل موسي و عيسي (ع) فهل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما علي المنافق و هما يظنان أنه مؤمن قلت لا قال فهذا موسي كليم الله مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه اختار من وجوه قومه و أعيان عسكره لميقات ربه جل و عز سبعين رجلا وَ اخْتارَ مُوسي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا [ صفحه 154] ممن لم يشك في إيمانهم و إخلاصهم فوقعت خيرته علي المنافقين و قد شهد بذلك القرآن المبين قالوا لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعا علي الأفسد دون الأصلح و هو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن الاختيار لا يجوز إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور و تكن الضمائر و تتصرف عليه السرائر و أن لا يخطر لاختيار المهاجرين و الأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء علي ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح ثم قال مولانا (ع) يا سعد و حين ادعي خصمك أن رسول الله ص إنما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلي الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده و أنه هو المقلد أمور التأويل و الملقي إليه أزمة الأمة و عليه المعول في لم الشعث و سد الخلل و تسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر فكما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلي مكان يستخفي فيه و إنما أبات عليا (ع) علي فراشه لما لم يكن يكترث له و لم يحفل به لاستثقاله إياه و علما منه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أ ليس قال رسول الله ص الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة علي أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدا من قوله لك بلي فكنت تقول [ صفحه 155] له حينئذ أ ليس كما علم رسول الله ص أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها لعمر و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلي فكان لا يجد بدا من قوله لك نعم ثم تقول له فكان الواجب علي رسول الله ص أن يخرجهم جميعا علي الترتيب إلي الغار و يشفق عليهم كما أشفق علي أبي بكر و لا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم و تخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم و لما قال أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها لم تقل له أسلما طمعا و ذلك أنهما كانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عما كانوا يجدونه في التوراة و في سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلي حال من قصة محمد ص و من عواقب أمره فكانت اليهود تذكر أن محمدا ص يتسلط علي العرب كما كان بخت‌نصر مسلطا علي بني إسرائيل و لا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت‌نصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي فأتيا رسول الله ص فساعداه علي قول لا إله إلا الله الشهادة بالوحدانية و تابعاه علي أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره و استتبت أحواله فلما آيسا من ذلك تلثما و صعدا العقبة مع عدة من أمثالهما علي أن يقتلوه فدفع الله كيدهم و ردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا كما أتي طلحة و الزبير عليا (ع) فبايعاه و طمع كل واحد منهما أن ينال ولاية بلد من جهته فلما آيسا نكثا بيعته و خرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين قال سعد ثم قام مولانا (ع) مع الغلام للصلاة فانصرفت عنهما و طلبت ابن أبي إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت ما أبكاك و ما أبطأك قال قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره قلت لا عليك فأخبره فدخل عليه [ صفحه 156] مسرعا فانصرف من عنده متبسما و هو يصلي علي محمد و أهل بيته فقلت ما الخبر قال وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولاي (ع) يصلي عليه قال سعد فحمدنا الله عز و جل علي ذلك و جعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلي مجلس مولانا أبي محمد (ع) أياما فلا نري الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة و اشتدت المحنة فنحن نسأل الله أن يصلي علي المصطفي جدك و علي المرتضي أبيك و علي سيدة النساء أمك و علي سيدي شباب أهل الجنة عمك و أبيك و علي الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك و أن يصلي عليك و علي ولدك و نرغب إليه أن يعلي كعبك و يكبت عدوك و لا جعل الله هذا آخر العهد من لقائك قال فلما أن قال هذه الكلمة استعبر مولانا (ع) حتي استهلت دموعه و تقاطرت عبراته ثم قال يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله في صدرك هذا فخر أحمد بن إسحاق مغشيا عليه فلما أفاق قال سألتك بالله و بحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا (ع) يده تحت البساط فأخرج له ثلاثة عشر درهما فقال خذها و لا تنفق علي [ صفحه 157] نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاقال سعد فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (ع) من حلوان علي ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق و ثارت به علة صعبة آيس من حياته فيها فلما وردنا حلوان نزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال تفرقوا عني هذه الليلة و أنزلوني وحدي فانصرفنا عنه و رجع كل واحد منا إلي مرقده قال سعد فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد (ع) و هو يقول أحسن الله بالخير عزاكم و جبر بالمحبور رزيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم و تكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا علي رأسه بالبكاء و العويل حتي قضي حقه و فرغنا من أمره رحمة الله عليه.و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي الأديان قال كنت أخدم الحسن بن علي (ع) و أحمل كتبه إلي الأمصار فدخلت إليه في علته التي توفي فيها فكتب معي كتبا و قال امض بها إلي المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوما و تدخل إلي سر من رأي يوم الخامس عشر و تسمع الواعية في داري و تجدني علي المغتسل قال أبو الأديان فقلت يا سيدي و إذا كان ذلك فمن قال من طالبك بجوابات [ صفحه 158] كتبي فهو القائم من بعدي قلت زدني قال من يصلي علي فهو القائم بعدي قلت زدني قال من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان و خرجت بالكتب إلي المدائن و أخذت جوابها و دخلت سر من رأي في يوم خامس عشر كما قال (ع) فإذا بالواعية في داره و إذا به علي المغتسل و إذا أنا بجعفر أخيه علي الباب و الشيعة حوله يعزونه و يهنونه فقلت في نفسي إن يك هذا الإمام فقد بطلت الإمامة لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ و يقامر في الجوسق و يلعب بالطنبور فقدمت فعزيت و هنأت فلم يسألني عن شي‌ء ثم خرج عقيد فقال يا سيدي قد كفن أخوك فقم فصل عليه فدخل جعفر بن علي و الشيعة من خلفه يقدمهم السمان و الحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (ع) علي نعشه مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجبذ رداء جعفر و قال تنح يا عم فأنا أحق بالصلاة علي أبي منك فتأخر جعفر و قد اربد وجهه و اصفر و تقدم الصبي فصلي عليه و دفن إلي جانب قبر أبيه ثم قال يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه و قلت في نفسي بقي الهميانثم خرجنا إلي جعفر و هو يزفر فقال له حاجز الوشاء يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه فقال و الله ما رأيته قط و لا أعرفه فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (ع) فعرفوا موته فقالوا فمن نعزي [ صفحه 159] فأشار الناس إلي جعفر بن علي فسلموا و عزوه و هنوه و قالوا معنا كتب و مال فتقول ممن الكتب و كم المال فقام ينفض أثوابه و يقول يريدون منا أن نعلم الغيب فخرج الخادم فقال معكم كتب فلان و فلان و فلان و هميان فيه ألف دينار و عشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الكتب و المال و قالوا الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام فدخل جعفر علي المعتمد و كشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا علي صقيل الجارية و طالبوها بالصبي فأنكرت و ادعت حملا بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلي ابن أبي الشوارب القاضي و بغتهم موت عبيد الله بن يحيي بن خاقان فجأة و خروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي الحسن بن وجينا قال حدثني أبي عن جده أنه كان في دار الحسن بن علي فكبستنا الخيل و فيهم جعفر بن علي الكذاب فاشتغلوا بالنهب و الغارة و كانت همتي في مولاي القائم و إذا به (ع) قد أقبل خارجا عليهم من الباب و أنا أنظر إليه و هو (ع) ابن ست سنين فلم يره أحد منهم حتي غاب. و مما صح لي روايتهعن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله تعالي يرفعه إلي [ صفحه 160] .نصر الخادم قال دخلت علي صاحب الزمان و هو في المهد فقال لي علي بالصندوق الأحمر فأتيت به فقال أ تعرفني فقلت نعم أنت سيدي و ابن سيدي قال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي فقال أنا خاتم الأوصياء و بي دفع الله البلاء عن أهل بيتي و شيعتيو بالطريق المذكور يرفعه إلي نسيم خادم أبي محمد (ع) قال دخلت علي صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليال فعطست عنده فقال لي يرحمك الله قال ففرحت بذلك فقال أ لا أبشرك في العطاس هو أمان من الموت إلي ثلاثة أيامو بالطريق المذكور يرفعه إلي ابن أبي سورة و كان أبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة قال خرجت إلي قبر الحسين (ع) أعرف عنده فلما كان [ صفحه 161] وقت العشاء الآخرة صليت و قمت فابتدأت أقرأ من الحمد فإذا شاب حسن الوجه عليه جبة سيفية ابتدأ أيضا قبلي و ختم قبلي فلما كان الغداة خرجنا جميعا من باب الحائر فلما صرنا علي شاطئ الفرات قال لي الشاب أنت تريد الكوفة فامض فمضيت من طريق الفرات و أخذ الشاب طريق البر. قال أبو سورة فأسفت علي فراقه فاتبعته فقال لي تعال فجئنا جميعا إلي أصل حصن المسناة فنمنا جميعا ثم انتبهنا فإذا نحن علي مقابر مسجد السهلة فقال هو ذا منزلي ثم قال أنت مضيق و لك عيال فامض إلي أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره و في يده دم الأضحية فقل له شاب من صفته كذا و كذا يقول لك أعط هذا الرجل صرة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة قلت فمن أنت قال محمد بن الحسن و في رواية ثم مشينا حتي انتهينا إلي النواويس في السحر و جلس و حضر بيده فإذا الماء قد خرج فتوضأ و صلي ثلاثة عشر ركعة فلما دخلت الكوفة مضيت إلي الرازي فدققت الباب فقال من أنت فقلت أبو سورة فسمعته يقول ما لي و لأبي سورة ثم خرج إلي و علي يده دم الأضحية فقصصت عليه فصافحني و قبل وجهي و وضع بيدي و مسح بها وجهه و أدخلني الدار و أخرج الصرة من عند رجل السرير فدفعها إلي فاستبصر أبو سورة و برأ من الزيدية. و بالطريق المذكور يرفعه إلي الحسن المسترق الضرير قال كنت يوما في مجلس الحسين بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية [ صفحه 162] قال كنت أزري عليها إلي أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك فقال يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلي أن ندبت إلي ولاية قم حين استعصت علي السلطان يحاربه أهلها فسلم إلي جيش و خرجت نحوها فلما بلغنا إلي ناحية طرز خرجت إلي الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها و أوغلت في أثرها حتي بلغت إلي نهر فسرت فيه و كلما أسير يتسع النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء و هو متعمم بعمامة خز خضراء لا أري منه سوي عينيه و في رجله خفان أحمران فقال لي يا حسين و لا هو أمرني و لا كناني فقلت ما ذا تريد قال إن لم تزر علي الناحية فلم تمنع أصحابي خمس مالك و كنت الرجل الوفور الذي لا يخاف شيئا فارتعدت منه و تهيبته و قلت أفعل يا سيدي ما ذا تأمر به فقال إذا مضيت إلي الموضع الذي أنت متوجه إليه فدخلته عفوا و كسبت ما كسبت فيه تحمل خمسه إلي مستحقه فقلت السمع و الطاعة فقال امض راشدا و لوي عنان دابته و انصرف فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا و شمالا فخفي علي أمره فازددت رعبا و انكفأت راجعا إلي عسكري و تناسيت الحديث فلما بلغت قم و عندي ابني أريد محاربة القوم خرج إلي أهلها و قالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا فأما فقد وافيت [ صفحه 163] أنت فلا خلاف بيننا و بينك ادخل البلدة فدبرها كما تري. فأقمت فيها زمانا و كسبت زيادة علي ما كنت أقدر ثم وشي القواد بي إلي السلطان و حسدت علي طول مقامي و كثرة ما اكتسبت فعزلت و رجعت إلي بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت عليه و أقبلت إلي منزلي و جاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطي الناس حتي اتكأ علي تكأتي فاغتضبت من ذلك و لم يزل قاعدا ما يبرح و الناس داخلون و خارجون و أنا أزداد غيظا فلما تصرم المجلس دنا إلي و قال بيني و بينك سر فاسمعه فقلت قل فقال صاحب الشهباء و النهر يقول قد وفينا بما وعدنا فذكرت الحديث و ارتعدت من ذلك و قلت السمع و الطاعة فقمت و أخذت بيده ففتحت الخزائن فلم يزل يخمسها إلي أن خمس شيئا نسيته مما كنت قد جمعته و انصرف و لم أشك بعد ذلك و تحققت الأمر فأنا منذ أن سمعت هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من الشك. و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن مسلم بن الفضل قال أتيت أبا سعيد غانم بن سعيد الهندي بالكوفة فجلست فلما طالت مجالستي إياه سألته عن حاله و قد كان وقع إلي شي‌ء من خبره قال كنت ببلد الهند بمدينة يقال لها قشمير الداخلة و نحن أربعون رجلا نقعد حول كرسي الملك نقرأ التوراة [ صفحه 164] و الإنجيل و الزبور يفزع إلينا في العلم فتذاكرنا يوما محمدا ص و قلنا نجده في كتبنا فاتفقنا علي الخروج في طلبه و البحث عنه فخرجت و معي مال فقطع علي الترك فشلحوني فوقعت إلي كابل و خرجت من كابل إلي بلخ و الأمير بها ابن أبي شمون فأتيته و عرفته ما خرجت له فجمع الفقهاء و العلماء ليناظرني فسألتهم عن محمد ص فقالوا هو نبينا محمد بن عبد الله و قد مات فقلت و من كان خليفته فقالوا أبو بكر فقلت انسبوني فنسبوه إلي قريش فقلت ليس هذا بنبي إن النبي الذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمه و زوج ابنته و أبو ولده فقالوا للأمير إن هذا قد خرج من الشرك إلي الكفر و من كان كذلك تضرب عنقه فقلت إني متمسك بدين لا أدعه إلا ببيان فدعا الأمير الحسين بن إشكيب و قال يا حسين خذ هذا الرجل و اخل به و الطف له. فقال فخلا بي الحسين بن إشكيب فسألته عن محمد فقال كما قالوا لكنه قال خليفته ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب و هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و هو زوج ابنته فاطمة و أبو ولده الحسن و الحسين فقلت أشهد أن لا إله إلا الله و أنه رسول الله و صرت إلي الأمير فأسلمت و مضي بي الحسين ففهمني فقلت له إنا نجد في كتبنا أنه لا يمضي خليفة إلا عن خليفة فمن خليفة علي فقال الحسن ثم الحسين ثم سمي الأئمة واحدا واحدا حتي بلغ الحسن العسكري ثم قال تحتاج أن تطلب خليفة الحسن و تسأل عنه فخرجت في الطلب. [ صفحه 165] قال محمد بن محمد و وافي معني بغداد فذكر لنا أنه كان معه رفيق قد صحبه علي هذا الأمر فكره بعض أخلاقه ففارقه قال أنا يوما و قد مشيت في الصراة و أنا متفكر فيما خرجت له إذ أتاني آت و قال أجب مولاك فلم يزل يخترق في المحال حتي أدخلني دارا و بستانا فإذا مولاي (ع) قاعد فلما نظر إلي كلمني بالهندية و سلم علي و أخبرني باسمي و سألني عن الأربعين رجلا بأسمائهم عن رجل رجل ثم قال لي تريد الحج مع أهل قم في هذه السنة فلا تحج في هذه السنة و انصرف إلي خراسان و حج من قابل و رمي إلي بصرة و قال اجعل هذه في نفقتك و لا تدخل بغداد دار أحد و لا تخبر بشي‌ء مما رأيت. قال محمد فانصرفنا من العقبة و لم يقض لنا الحج و خرج غانم إلي خراسان و انصرف من قابل و حج و بعث إلينا بألطاف و لم يدخل قم و انصرف إلي خراسان و مات بها رحمه الله. و قد ذكر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه في كتابه المسمي بكمال الدين و إتمام النعمة أسماء من رآه ص و انتهت معجزاته إليه من الوكلاء ببغداد العمري و ابنه و حاجز و البلالي و العطار و من الكوفة العاصمي و من الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار و من قم أحمد بن إسحاق و من همدان محمد بن صالح و من الري البسامي و الأسدي و من آذربيجان القاسم بن [ صفحه 166] العلا و من نيشابور محمد بن شاذان و من غير الوكلاء من بغداد أبو القاسم بن أبي حليس و أبو عبد الله الكندي و أبو عبد الله الجنيدي و هارون القزاز و النيلي و أبو القاسم بن رميس و أبو عبد الله بن فروخ و مسرور الطباخ مولي أبي الحسن (ع) و أحمد و محمد ابنا الحسن و إسحاق الكاتب من بني نوبخت و صاحب الفراء و صاحب الصرة المختومة و من همدان محمد بن كشمرد و جعفر بن حمدان و محمد بن هارون بن عمران و من الدينور حسن بن هارون و أحمد و أخوه أبو الحسن و من أصبهان ابن بادساكنة و من الصيمرة زيدان و من قم الحسن بن نضر و محمد بن محمد و علي بن محمد بن إسحاق و أبوه و الحسن بن يعقوب و من الري القاسم بن موسي و ابنه و أبو محمد بن هارون و صاحب الحصاة و علي بن محمد و محمد بن محمد الكليني و أبو جعفر الرفاء و من قزوين مرداس و علي بن أحمد و من قاقين رجلان و من شهرزور ابن الخال و من فارس المجروح و من مرو صاحب الألف دينار و صاحب المال و الرقعة البيضاء و أبو ثابت و من نيشابور محمد بن شعيب بن صالح و من اليمن الفضل بن يزيد و الحسن ابنه و الجعفري و ابن الأعجمي و الشمشاطي و من مصر صاحب المولودين و صاحب المال بمكة و أبو رجا و من نصيبين أبو محمد بن الوجناء و من الأهواز الحصيني و الأخبار كثيرة في هذا الباب اكتفينا بهذا القدر [ صفحه 167] منها خوفا من طول الكتاب و الله الموفق للصواب. لا يقال لا نسلم ما ذكرتم من مشاهدة هؤلاء الأقوام و ليس سلمنا أ ليس هذه أخبار آحاد لا يجب المصير إليها و لا الاعتماد عليها و هل هذه إلا بمنزلة الحكايات و الخرافات لا يثبت هذا الأمر بمثلها إنما يثبت بالدلائل الواضحات و البراهين القاطعات. لأنا نقول عن ذلك من وجوه الأول أن أبا محمد الحسن بن علي (ع) خلف جماعة من ثقاته ممن يؤخذ عنهم الأحكام و يعمل بقولهم في الحلال و الحرام و إليهم ترفع كتب الشيعة و علي أيديهم تخرج الأجوبة و كانوا بموضع من الستر و العدالة بتعديله إياهم في حال حياته و هو المعصوم الذي يجب حمل أفعاله علي الصحة فلما مضي (ع) أجمعوا جميعا علي أنه قد خلف ولدا و هو الإمام من بعده و أنهم رأوه و شاهدوه و عرفوه كما ذكرنا و أظهر لهم المعجزات كما قررنا و أمروا الناس أن لا يسألوا عن اسمه و أن يسروا عن أعدائه و طلبه السلطان أشد الطلب و وكل بالدور و الحبالي من جواري الحسن ع. ثم كانت كتب الخلف تخرج إلي الشيعة بالأمر و النهي علي يدي هؤلاء الرجال الثقات إلي مدة عشرين سنة إلي أن حان وقت الغيبة الثانية الطويلة التي قد سبق النص عليها من النبي و الأئمة (ع) قبل وجود هذا الإمام. و ليس ذلك أخبار آحاد بل أخبار جماعة لا يحتمل تواطيهم علي الكذب بلغوا حد التواتر الثاني أنا لسنا نستنتج من إثبات رؤيته إثبات غيبته و تعميره و صحة إمامته إذ الرؤية ليست بشرط في ثبوت ذلك له إنما يستنتج ذلك من البراهين العقلية و الأدلة الصحيحة النقلية. [ صفحه 168] أ ليس أمر الدين كله إنما يعلم بالاستدلال أ لسنا عرفنا الله تعالي بالأدلة و لم نشاهده و لا أخبرنا عنه من مشاهده و عرفنا النبي ص و كونه موجودا في زمان حياته في العالم بالدليل و لم نشاهده و إنما عرفنا نبوته و صدقه و عصمته بالاستدلال فكذلك عرفنا أنه استخلف عليا (ع) بالاستدلال و لم نره و كذلك عرفنا أن الحسن السبط إمام مفروض الطاعة و علمنا بالأخبار المتواترة عن النبي خاتم النبيين و عن الأئمة المعصومين أن الإمامة بعد الحسن في أخيه الحسين و في ولده من بعده لا يمضي إمام حتي يستخلف إماما من بعده حتي انتهت الإمامة إلي الحسن بن علي و ثبت وفاته فثبت أنه قد خلف من بعده إماما و ليس ذلك متوقفا علي رؤيته و مشاهدته فالإمامة و الرؤية لا يتوقف أحدهما إلي الآخر بل كل واحد ثابت علي حدته. الثالث أنا قد بينا أن الإمام يجب أن يكون معصوما و العصمة قد انحصرت فيهم إذ لم تدعي لغيرهم فلا معصوم سواهم فلا إمام إلا هم. و قد ثبت عندنا بالتواتر نصبهم علي عددهم و إمامتهم و صفة القائم منهم علي ما نقلناه فوجب الإذعان بذلك. و نحن نجد خصماءنا يبنون دينهم و شريعتهم علي أخبار جماعة قد نالت منهم الألسن كأنس بن مالك و أبي هريرة و نحوهما بل من أئمتهم الذين اختاروا نصبهم لدينهم باختيار بعض و إجبار بعض علي قبول ذلك و مع ذلك لا يزالون يسددون حال أئمتهم بتأويل ما وقع منهم من الخلل و الزلل و لذا لم يعتبروا العصمة في إمامهم بل كان اهتداؤه و اقتداؤه بباقي الصحابة أكثر من اقتداء [ صفحه 171] رعاع الرعاية به أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ و مع ذلك يتعاملون عن عيبهم و يرموننا به لوما و عداوة مع أن أئمتنا الذين ندين الله بحبهم و قولهم أقطاب ألباب أنجاب قد نقل هؤلاء الخصوم مناقبهم و كراماتهم و حلهم للمعضلات التي كانت تعرض لعلمائهم و قضاتهم في أعصارهم حتي أن أكثر ما عندنا من ذلك نقلناه من كتبهم و آثارهم حجة عليهم و إلزاما لهم حتي أنه لم ينقل من مخالف في حقهم غلط في قول و لا شطط في حكم و لا زلة في عمل فأينا أبلج بالحجة و أحق بالاتباع و أولي بالعيب. و ليس للخصم أن يقول إنهم لم يدعوا الإمامة و لكنكم ادعيتم فيهم ذلك كما سمعناه من بعض جهلائهم. [ صفحه 172] فإن القائل بذلك مصادم لبديهة عقله إن كان ممن يعقل إذ لا يرتاب عاقل في أن أئمتنا (ع) كانوا في أعصارهم ممتازين عن مخالطة علماء الخصوم و قضاتهم و ملوكهم منقطعين إلي الله في أمر دينهم و عبادتهم مانعين أنفسهم عن طلب دنياهم و جوائزهم مشفقين علي شيعتهم و من يدين الله بقولهم مظهرين لخواص شيعتهم دعوي الإمامة كما نقله الفريقان عنهم و لذا كان العباسيون مع كونهم أرحاما لهم لا يزالون يتجسسون عليهم و يقابلونهم بالقطيعة و أنواع الإيذاء حتي أماتوا جماعة منهم (ع) بالسم و الغيلة و استأصلوا شيعتهم قتلا و نهبا و تشريدا في أقطار الأرض و ما ذلك إلا لما علموه من دعوي الإمامة منهم و موافقة شيعتهم و تصديقهم لهم فقابلوهم بالإيذاء و القتل لما داخلهم من وهم أخذ الملك منهم حين تحققوا ادعاءهم للإمامة و لم يجعلوا السبب في فعل ذلك بهم أنهم قوم يدعون العلم و ليسوا من أهله أو يدعون الإمامة و ليسوا من أهلها و ما أشبه ذلك بمقابلة كفار العرب و منافقيهم لرسول الله ص بالقتال و الطعان لما عجزوا من معارضة معاجزه باللسان. فانظر من تختار لدينك بعين الإنصاف أيها المكلف المأمور و إياك الوقوف عند شبه أهل الغرور فإنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور. و اعلم أن هذا الدليل الثالث مما أجري الله سبحانه صدقه علي لساني فأثبته و حذفت ما ذكره جامع الكتاب إذ ليس مقنعا فضلا عن كونه قاطعا فإن فيه هدما لبنيان المضلين و شفاء لصدور قوم مؤمنين و بالجملة فإنما ذكرنا أخبار [ صفحه 173] مشاهدته ليعلم المخالف أنه (ع) ظهر للمخلصين من شيعته و هو لطف من الله تعالي حق بريته في شهوده و غيبته. [ صفحه 174]

في ذكر علامات ظهوره

و قد ورد عن آبائه (ع) ذكر علامات تتقدم علي ظهوره و تدل علي ظهوره. فمن ذلك ما صح لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلي جابر الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال الزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا حين تري علامات أذكرها لك و ما أراك تدرك ذلك اختلاف بني العباس و مناد ينادي من السماء و خسف في قرية من قري الشام تسمي بالجابية و نزول الترك الجزيرة و نزول الروم الرملة و اختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتي يخرب الشام و يكون سبب خرابه اجتماع ثلاث رايات فيه راية الأصهب و راية الأبقع و راية السفياني و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي بصير قال سمعت أبا جعفر ع [ صفحه 175] يقول في قوله تعالي إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ لا بد من نزول الآية سيفعل الله ذلك لهم قلت و من هم قال بنو أمية و شيعتهم قلت و ما الآية قال ركود الشمس ما بين الزوال إلي وقت العصر و خروج صدر و وجه في عين الشمس يعرف بحسبه و نسبه و ذلك في زمان السفياني و عندها يكون بواره و بوار قومه و مما جاز لي روايته عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلي يزيد عن أبي جعفر (ع) قال يا يزيد اتق جمع الأصهب قال و ما الأصهب قال الأبقع قلت و ما الأبقع قال الأبرص و اتق السفياني و اتق الشديدين من ولد فلان و فلان يأتيان مكة فيقسمان بها الأموال يتشبهان بالقائم و اتق الشذاذ من آل محمد و مما أجيز لي روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي أبي عمر عن الباقر (ع) قال إذا قام القائم قال فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً خفتكم علي نفسي و جئتكم لما أذن لي ربي و أصلح بي أمري [ صفحه 176] و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن مسلم الثقفي قال دخلت علي أبي جعفر محمد الباقر (ع) و أنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (ع) فقال لي مبتدئا يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد ص شبها من الخمسة الرسل يونس بن متي و يوسف بن يعقوب و موسي و عيسي و محمد ص أما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته و هو شاب بعد كبر السن و أما شبهه من يوسف فالغيبة من خاصته و عامته و اختفاؤه من إخوته و إشكال أمره علي أبيه يعقوب مع قرب المسافة بينه و بين أبيه و أهله و شيعته و أما شبهه من موسي فدوام خوفه و طول غيبته و خفاء ولادته و تعب شيعته من بعده و ما لقوا من الأذي و الهوان إلي أن أذن الله عز و جل في ظهوره و نصره و أيده علي عدوه و أما شبهه من عيسي فاختلاف من اختلف فيه حتي قالت طائفة منهم ما ولد و طائفة قالت مات و قالت طائفة قتل و صلب و أما شبهه من جده المصطفي ص فخروجه بالسيف و قتله أعداء الله عز و جل و أعداء رسوله ص و الجبارين و الطواغيت و أنه ينصر بالسيف و بالرعب و أنه لا ترد له راية و إن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام و خروج اليماني من اليمن و صيحة من السماء في شهر رمضان و مناد ينادي من السماء باسمه و اسم أبيه و بالطريق المذكور يرفعه إلي عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال قلت لمحمد بن علي بن موسي (ع) أرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما فقال (ع) يا أبا القاسم ما منا إلا و هو قائم بأمر الله جل و عز و هاد إلي دين الله جل و عز [ صفحه 177] و لكن القائم منا الذي يطهر الله عز و جل به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأها عدلا و قسطا هو الذي يخفي علي الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته و هو سمي رسول الله ص و كنيه و هو الذي يطوي له الأرض و يذل له كل صعب و يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض و قد ذكر الله تعالي ذلك في كتابه أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره فإذا كمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز و جل فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي الله عز و جل. قال عبد العظيم فقلت يا سيدي و كيف يعلم أن الله قد رضي قال يلقي في قلبه الرحمة فإذا دخل المدينة أخرج اللات و العزي فأحرقهما و بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي عبد الله (ع) قال خمس قبل قيام القائم اليماني و السفياني و المنادي ينادي من السماء و خسف بالبيداء و قتل النفس الزكية و بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن اسم السفياني فقال و ما تصنع باسمه إذا ملك كور الشام الخمس دمشق و حمص و فلسطين و الأردن و قنسرين فتوقعوا عند ذلك الفرج قلت يملك تسعة أشهر قال لا و لكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد [ صفحه 178] يوما و بالطريق المذكور يرفعه إلي عبد الله بن عجلان قال ذكرنا خروج القائم (ع) عند أبي عبد الله (ع) فقلت كيف لنا أن نعلم ذلك فقال يصبح أحدكم و تحت رأسه صحيفة عليها مكتوب طاعة معروفة اسمعوا و أطيعوا و روي أنه يكون في راية المهدي (ع) البيعة لله عز و جلو من ذلك يرفعه إلي ورد عن أبي جعفر (ع) قال آيتان بين يدي هذا الأمر كسوف القمر لخمس و كسوف الشمس لخمس عشرة لم يكن مثل ذلك منذ هبط آدم (ع) إلي الأرض و عند ذلك يسقط حساب المنجمينو عن سليمان بن خالد يرفعه إلي أبي عبد الله (ع) أنه قال قدام القائم موتان موت أحمر و موت بيض حتي يذهب من كل سبعة خمسة الموت الأحمر السيف و الموت الأبيض الطاعونو عن أبي بصير و محمد بن مسلم قالا سمعنا أبا عبد الله (ع) يقول لا يكون هذا الأمر حتي يذهب ثلثا الناس فقلنا إذا ذهب ثلثا الناس فما يبقي [ صفحه 179] فقال (ع) أ ما ترضون أن تكونوا الثلث الباقيو بالطريق المذكور يرفعه إلي المفضل بن عمر قال سألت الصادق (ع) عن سورة العصر فقال وَ الْعَصْرِ عصر خروج القائم (ع) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ و الخسر خسران أعدائه إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و المؤمنون الصالحون أصحاب القائم (ع) من الخسران مبرءون وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ و تواصوا بالقول بالإمامة وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ و صبروا في أيام الفترةو بالطريق المذكور يرفعه إلي المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله (ع) لقد ذكر الله تعالي المفتقدين من أصحاب القائم (ع) في كتابه أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إنهم يفتقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة بعضهم يسير في السحاب نهارا يعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه قال فقلت جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا قال الذين يسيرون في السحاب نهاراو بالطريق المذكور يرفعه إلي سدير السيرفي قال دخلت أنا و المفضل بن عمر و أبو بصير و أبان بن تغلب علي مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد ع [ صفحه 180] فرأيناه جالسا علي التراب و عليه مسح خيبري مطرق بلا جيب مقصر الكمين و هو يبكي بكاء الوالهة الثكلي ذات الكبد الحري قد نال الحزن من وجنتيه و شاع التغير في عارضيه و بل الدمع محجريه و هو يقول سيدي غيبتك نفت رقادي و ضيقت علي مهادي و ابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك وصلت مصابي بفجائع الأبد و فقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع و العدد ما أحس بدمعة ترقأ من عيني و أنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا [ صفحه 181] و سوالف البلايا الأمثل بعيني عن غوابر أعظمها و أقطعها و بواقي أشدها و أنكرها و نوائب مخلوطة بغضبك و نوازل معجونة بسخطك قال سدير فاستطارت عقولنا ولها و تصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل و الحادث الغائل و ظننا أنه سمت لمكروهة قارعة أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا لا أبكي الله يا ابن خير الوري عينك من أي حادثة تسترق دمعتك و تستمطر عبرتك و أية حالة حتمت عليك هذا المأتم قال فزفر الصادق (ع) زفرة انتفخ منها جوفه و اشتد عنها خوفه و قال ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم و هو المشتمل علي علم المنايا و البلايا و الرزايا و علم ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا و الأئمة من بعده صلي الله عليه و عليهم أجمعين و تأملت منه مولد قائمنا و غيبته و إبطاءه و طول عمره و بلوي المؤمنين في ذلك الزمان و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته و ارتداد أكثرهم عن دينهم و خلع ربقة الإسلام من أرقابهم التي أوجبها الله تعالي عليهم و ذكرها في كتابه وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يعني الولاية فأخذتني الرقة و استولت علي الأحزان فقلنا يا ابن رسول الله كرمنا و فضلنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك قال إن الله عز و جل أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل [ صفحه 182] ع قدر مولده بقدر موسي (ع) و قدر غيبته بقدر غيبة عيسي (ع) و قدر إبطائه بقدر إبطاء نوح (ع) و جعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح الخضر (ع) دليلا علي عمره فقلنا له اكشف لنا يا ابن رسول الله وجوه هذه المعاني قال أما مولد موسي (ع) فإن فرعون لما وقف علي أن زوال ملكه علي يده أحضر الكهنة فدلوه علي نسبه و أنه يكون من بني إسرائيل فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتي قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود و تعذر عليه الوصول إلي قتل موسي (ع) لحفظ الله عز و جل إياه كذلك بنو أمية و بنو العباس لما وقفوا علي أن زوال ملكهم و ملك الأمراء و الجبابرة منهم علي يد القائم منا ناصبونا العداوة و وضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله ص و إبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلي قتل القائم (ع) و لكن الله عز و جل لا يكشف أمره لواحد من الظلمة وَ يَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ و لو كره المشركون و أما غيبة عيسي (ع) فإن اليهود و النصاري اتفقت علي أنه قتل فكذبهم الله جل ذكره بما ذكر في كتابه وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ كذلك غيبة القائم (ع) فإن الأمة مستنكرة لطولها فمن قائل يهذي بأنه [ صفحه 183] لم يولد و قائل يقول إنه ولد و مات و قائل يكفر بقوله إن حادي عشرنا كان عقيما و قائل يمرق بقوله إنه يتعدي إلي ثلاثة عشر فصاعدا و قائل يعصي الله عز و جل بقوله إن روح القائم ينطق في هيكل غيره و أما إبطاء نوح فإنه لما استنزلت العقوبة علي قومه من السماء بعث الله عز و جل الروح الأمين جبرئيل (ع) معه سبع نويات فقال يا نبي الله إن الله تبارك و تعالي يقول لك إن هؤلاء خلائقي و عبادي و لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة و إلزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه و اغرس هذا النوي فإن لك في نباتها و بلوغها و أطرافها و إدراكها إذا أثمرت الفرج و الخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين فلما نبتت الأشجار و تأزرت و تسوقت و أغصنت و أثمرت و زها الثمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله عز و جل العدة فأمره الله عز و جل أن يغرس من نوي تلك الأشجار و يعاود الصبر و الاجتهاد و يؤكد الحجة علي قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت فارتد منهم ثلاثمائة رجل و قالوا لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف ثم إن الله عز و جل لم يزل يوعده و يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخري إلي أن غرسها سبع مرات [ صفحه 184] فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلي أن عاد إلي نيف و سبعين رجلا فأوحي الله عز و جل عند ذلك إليه و قال يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه و صفا الأمر و الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة فلو أني أهلكت الكفار و أبقيت من ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك و اعتصموا بحبل نبوتك بأني أستخلفهم في الأرض و أمكن لهم دينهم و أبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم و كيف يكون الاستخلاف و التمكن و بدل الخوف بالأمن مني لهم ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا لخبث طينتهم و سوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق و سنوخ الضلالة فلو أنهم تنسموا من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم [ صفحه 185] لنشقوا روائح صفائه لاستحكمت مرائر نفاقهم و تأبدت حبال ضلالة قلوبهم و لكاشفوا إخوانهم بالعداوة و حاربوهم علي طلب الرئاسة و التفرد بالأمر و النهي و كيف يكون التمكين في الدين و انتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن و إيقاع الحروب كلا فاصنع الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا قال الصادق (ع) و كذلك القائم (ع) فإنه يمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه و يصفي الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشي عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين و الأمن المنتشر في عهد القائم (ع) قال المفضل يا ابن رسول الله فإن النواصب يزعمون أن آية التمكين وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً نزلت في أبي بكر و عمر و عثمان و علي (ع) فقال لا هدي الله قلوب النواصب متي كان الذي ارتضي الله و رسوله متمكنا بانتشار الأمن في الأمة و ذهاب الخوف من قلوبها و ارتفاع الشك من صدروها في عهد واحد من هؤلاء و في عهد علي (ع) مع ارتداد [ صفحه 186] المسلمين و الفتن التي كانت تثور في قلوبهم و الحروب التي كانت تنشب بين الكفار و بينهم ثم قال الصادق (ع) و أما العبد الصالح أعني الخضر فإن الله عز و جل ما طول عمره لنبوة قدرها له و لا لكتاب ينزله عليه و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له بلي إن الله عز و جل لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (ع) في أيام غيبته بما يقدر و علم ما يكون من إنكار عباده لمقدار ذلك العمر في الطول طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به علي عمر القائم (ع) و ليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس علي الله حجة قال المفضل قلت يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين (ع) دون ولد الحسن (ع) و هما جميعا ولدا رسول الله ص و سبطاه و سيدا شباب أهل الجنة فقال (ع) إن موسي و هارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسي و لم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك و إن الإمامة خلافة الله عز و جل في أرضه و ليس لأحد أن يقول لم جعل الله في صلب الحسين دون صلب الحسن (ع) لأن الله تبارك و تعالي هو [ صفحه 187] الحكيم في أفعاله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَو قد تقدم في الفصول المتقدمة أيضا عدة روايات تنبئ عن علامات تدل علي ظهوره و تسفر عن أسباب حضوره يحصل بها مقصودنا في هذا الباب فلينقطع بذلك لئلا يطول الكتاب. [ صفحه 188]

في ذكر ما يكون في أيامه

و قد ورد في ذلك عدة روايات وضعنا منها في هذا الباب ما صحت لنا روايته كما هو شأننا في جميع هذا الكتاب. فمن ذلك ما صح لي روايتهعن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلي أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لو خرج القائم (ع) لقد أنكره كثير من الناس يرجع إليهم شابا فلا يثبت عليه إلا كل مؤمن أخذ الله ميثاقه في الذر الأولو عنه (ع) ما ينكرون أن يمد الله لصاحب الأمر في العمر كما مد لنوح (ع) فإن لصاحب الزمان شبه من موسي و رجوعه من غيبته بشرخ الشبابو كيف يسوغ لعاقل أن ينكر هذا و قد وقع ذلك فيما تقدم.بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي جعفر (ع) أن يوسف (ع) لما ملك مصر أصاب العزيز و امرأته فقر و ضر فقامت له في بعض الطرق توقف [ صفحه 189] عليها و قال من أنت فأخبرته فقال ما ذهب بجسمك و غير صوتك قالت الضر و الجوع و ذل المعصية فأمر لها بخمسين ألف درهم و قال لها توسعوا و أنفقوا فإذا نفدت فأتوني فما لبث إلا أياما يسيرة حتي مات زوجها فجاءت فأخبرته فتزوجها فلما باشرها وجدها بكرافهذه زليخا امرأة يوسف (ع) رد الله عليها شبابها و عاد عليها حسن الحال و رجعت بعد الميل إلي الاعتدال فكيف يمتنع بقاء الشباب لرجل جعله الله تعالي لطفا في حق بريته و جعل طول تعميره سببا لحفظ خليقته. و قد ورد من طريق العامة عن أبي عبيدة المعمر بن المثني البصري التميمي قال كان في غطفان حكماء شهرتهم لها العرب كان منهم نصر بن دهمان و كان من سادة غطفان و قادتها فخرف حتي تلف و جاءه الكبر و عاش تسعين و مائة ثم اعتدل بعد ذلك شابا و اسود شعره فلا يعرف في العرب أعجوبة مثله. و إذا جاز أن يرد الله علي من ليس بحجة شبابه و قوته بعد مائة و تسعين سنة حتي يعتدل و يرجع إلي صورته أيام شبابه و قوته فما المانع أن يعمر الله المهدي (ع) و يبقي عليه شبابه و هو حجته علي خلقه واسطة بينه و بين عباده فيخرج إليهم شابا قوي الذراعين معتدل المنكبين ليقضي الله أمرا كان مفعولا كما مد في عمر نوح و الخضر و إلياس و أصحاب الكهف و أبقي عليه شبابهم و قوتهم فليسعد من سعد باتباعه و يشقي من شقي بجحداته.و بالطريق المذكور يرفعه إلي سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال كأني [ صفحه 190] بالقائم بين ذوي طوي قائما علي رجليه خائفا يترقب علي سنة موسي حتي يأتي المقام فيدعوو عن أبي جعفر (ع) بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي بكر الحضرمي قال كأني بالقائم علي نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و المؤمنون بين يديه و هو يفرق الجنود في البلادو عنه (ع) إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن و إلا و هو بها و تحر إليهاو بالطريق المذكور يرفعه إلي مفضل بن عمر أنه قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن قائمنا (ع) إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها و استغني العباد عن ضوء الشمس و صار الليل و النهار واحدا و ذهبت الظلمة و يعمر الرجل في ملكه حتي يولد له ألف ولد ذكر و لا يولد فيهم أنثي و يبني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب و يتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء و بالحيرة حتي يخرج الرجل يوم الجمعة علي بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها [ صفحه 191] و بالطريق المذكور عن أبي عبد الله (ع) أنه ذكر مسجد السهلة فقال هو منزل قائمنا إذا قدم بأهلهو عن أبي جعفر(ع) قال يدخل المهدي الكوفة و بها ثلاث رايات قد اضطربت بينها فتصفو له فيدخل حتي يأتي المنبر فيخطب و لا يدري الناس ما يقول من البكاء و هو قول رسول الله ص كأني بالحسني و الحسيني قد قاداها فيسلمها إلي الحسيني فيبايعونه فإذا دخلت الجمعة الثانية قال الناس يا ابن رسول الله إن الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله ص و المسجد لا يسعنا فيقول أنا مرتاد لكم فيخرج إلي الغري فيخط مسجدا له ألف باب يسع الناس عليه أصيص و يبعث فيحفر من خلف قبر الحسين نهرا يجري إلي الغري حتي يرمي في النجف و يعمل علي فوهته القناطير و الأرحاء في السبيل فكأني بالعجوز علي رأسها مكتل فيه شي‌ء تطحنه بلا كراء [ صفحه 192] و من ذلك قال يهزم المهدي السفياني و جيشه و يقتلهم أجمعين و يذبح السفياني تحت شجرة أغصانها مدلاة في بحيرة طبرية مما يلي الشام و الحديث مختصرو بالطريق المذكور يرفعه إلي بشير النبال عن علي بن الحسين (ع) قال يا بشير هل تدري ما أول ما يبدأ به القائم (ع) قلت لا قال يخرج طريين فيحرقهما ثم يذريهما بالريح و يكسر المسجد ثم قال إن رسول الله ص قال عريش كعريش أخي موسي و ذكر أن مقدم مسجد رسول الله ص كان طينا و جانباه جريد نخلو بالطريق المذكور يرفعه إلي محمد بن عجلان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن وقعة قرقيسيا فقال إن القائم (ع) إذا قام فنبشهما فكاتبت العرب في شرق الأرض و غربها فيجتمعون بقرقيسيا علي نضرتهما فيقول اليمن فينا الأمير و يقول المضر منا الأمير فيوقع الله بأسهم بينهم و يقع الصبر عليهم [ صفحه 193] و يرتفع النصر فيقتل بعضهم بعضا حتي لا يبقي منهم إلا الحقالة و يغتدي عليهم صاحب الأمر و جنده فلا يبقي منهم أحداو عنه (ع) أن لله في كل حين مأدبة و له بقرقيسيا مأدبة يقتل فيها سبعون ألف جبار عليهم سيوف محلاةو عنه (ع) بالطريق المذكور يرفعه إلي إسحاق بن عمار قال إذا قدم القائم 514421- و هم أن يكسر الحائط الذي علي القبر بعث الله ريحا شديدة و صواعق و رعودا حتي يقول الناس إنما ذا لذا فيتفرق أصحابه عنه حتي لا يبقي معه أحد منهم فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضربه بالمعول فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم علي بعض بقدر سبقهم إليه فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين طريين فيلعنهما و يتبرأ منهما و يصلبهما ثم ينزلهما فيحرقهما ثم يذريهما في الريحو بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي بصير عن أبي جعفر (ع) أنه قال إذا ظهر القائم علي نجف الكوفة خرج إليه قراء أهل الكوفة قد علقوا المصاحف [ صفحه 194] في أعناقهم و أطراف رماحهم شعارهم يا 642121- يا 247- فيقولون لا حاجة لنا فيك يا ابن فاطمة قد جربناكم فما وجدنا عندكم خيرا ارجعوا من حيث جئتم فيقتلهم حتي لا يبقي منهم مخبرو بالطريق المذكور يرفعه إلي صادق عن أبي جعفر (ع) قال دولتنا آخر الدول و لا يبقي أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا كيلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء و العاقبة للمتقينو بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال إذا قام القائم و دخل الكوفة فأمر بهدم المساجد الأربعة حتي يبلغ أساسها و يصيرها عريشا كعريش موسي (ع) و يكون المساجد كلها جماء لا شرف لها كما كانت علي عهد رسول الله ص و يوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعا و يهدم كل مسجد علي الطريق و يسد كل كوة إلي الطريق و كل جناح و كنيف و ميزاب إلي الطريق و يأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتي يكون اليوم من أيامه كعشرة أيام من أيامكم و الشهر كعشرة أشهر و السنة كعشرة سنين من سنيكم ثم لا يلبث إلا قليلا حتي يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم يا 51457- فيدعو رجلا من الموالي فيقلده سيفه ثم يخرج إليهم فيقتلهم حتي لا يبقي منهم أحد ثم يتوجه [ صفحه 195] إلي كابل شاه و هي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها ثم يتوجه إلي الكوفة فينزلها و يكون داره و الحديث مختصرو بالطريق المذكور يرفعه إلي عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال قلت لأبي عبد الله (ع) كم يملك القائم قال سبع سنين يكون سبعين سنة من سنيكم هذهو عن الباقر (ع) بالطريق المذكور يرفعه إلي جابر قال إن لله تعالي كنزا بالطالقان ليس بذهب و لا فضة اثني عشر ألفا بخراسان شعارهم أحمد أحمد يقودهم شاب من بني هاشم علي بغلة شهباء عليه عصابة حمراء كأني أنظر إليه عابر الفرات فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه و لو حبوا علي الثلجو عنه (ع) كأني أنظر إلي القائم (ع) و أصحابه في نجف الكوفة كأن علي رءوسهم الطير فنيت أزوادهم و خلقت ثيابهم متنكبين قسيهم قد أثر السجود بجباههم ليوث بالنهار رهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد يعطي الرجل منهم قوة أربعين رجلا و يعطيهم صاحبهم التوسم لا يقتل أحد منهم إلا كافرا أو منافقا فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ [ صفحه 196] لِلْمُتَوَسِّمِينَو ما جاز لي روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه رحمه الله يرفعه إلي المفضل بن عمر قال الصادق (ع) إن الله خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له يا ابن رسول الله و من الأربعة عشر قال محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال و يطهر الأرض من كل جور و ظلمو بالطريق المذكور يرفعه إلي الريان بن الصلت قال قلت للرضا (ع) أنت صاحب هذا الأمر قال أنا صاحب هذا الأمر و لكني لست بالذي أملؤها عدلا كما ملئت جورا و كيف أكون ذلك علي ما تري من ضعف بدني و إن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ و منظر الشباب قويا في بدنه حتي لو مد يده إلي أعظم شجرة علي وجه الأرض لقلعها و لو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها يكون معه عصا موسي و خاتم سليمان ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله عز و جل في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلماو بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي إبراهيم المذكور قال دخلت علي [ صفحه 197] أبي عبد الله (ع) و أنا عنده إذ دخل موسي بن جعفر (ع) فقمت أنا و قبلت رأسه و جلست فقال أبو عبد الله (ع) يا أبا إبراهيم أما إنه صاحبك من بعدي أما ليهلكن فيه أقوام و يسعد آخرون و لعن الله قاتله و ضاعف علي روحه العذاب أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سمي جده و وارث علمه و أحكامه و فضائله معدن الإمامة و رأس الحكمة يقتله جبار بني فلان بعد عجائب تمر به حسدا له إن الله بالغ أمره و لو كره المشركون يخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماما مهديا اختصهم الله بكرامته و أحلهم دار قدسه المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله ص يذب عنه فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام و عدت إلي أبي عبد الله (ع) خمسة عشر مرة أريد إتمام الكلام فما قدرت عليه و هو جالس فقال لي يا أبا إبراهيم فهو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد و بلاء طويل و جزع و خوف فطوبي لمن أدرك ذلك الزمان حسبك يا أبا إبراهيم قال أبو إبراهيم فما رجعت بشي‌ء أسر إلي من هذا و لا أفرح [ صفحه 198] لقلبي منهو بالطريق المذكور يرفعه إلي أبان بن تغلب قال قال أبو عبد الله (ع) كأني أنظر إلي القائم (ع) علي ظهر النجف فإذا استوي علي ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق بين عينيه شمراخ ثم ينتفض به فرسه فلا يبقي أهل بلده إلا و هم يظنون أنه معهم في بلادهم فإذا نشر راية رسول الله ص انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثة عشر ملكا كلهم ينتظرون القائم (ع) و هم الذين كانوا مع نوح (ع) في السفينة و الذين كانوا مع إبراهيم (ع) حين ألقي في النار و كانوا مع عيسي (ع) حين رفع و أربعة آلاف مسومون و مردفون و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكا يوم بدر و أربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع) فلم يؤذن لهم فصعدوا في الاستيمار و هبطوا و قد قتل الحسين (ع) فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين (ع) إلي يوم القيامة و ما بين قبر الحسين (ع) إلي السماء مختلف الملائكةو عنه (ع) بالطريق المذكور كأني أنظر إلي القائم (ع) علي منبر الكوفة و حوله أصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدة أهل البدر و هم أصحاب الألوية و هم حكام الله في أرضه علي خلقه حتي يستخرج من قبائه [ صفحه 199] كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله ص فيجفلون عنه إجفال النعم فلا يبقي منهم إلا الوزير و أحد عشر نفسا كما بقوا مع موسي بن عمران (ع) فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهبا فيرجعون إليه و الله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون بهو بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي الجارود زياد بن المنذر قال قال أبو جعفر (ع) إذا خرج القائم (ع) من مكة ينادي مناديه لا يحمل أحد طعاما و لا شرابا و حمل معه حجر موسي (ع) و هو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع و من كان ظمآن روي و يروي دوابهم حتي ينزلوا النجف من ظهر الكوفةو عن أبي عبد الله (ع) بالطريق المذكور أنه قال إذا تناهت الأمور إلي صاحب هذا الأمر رفع الله تعالي كل منخفض من الأرض و خفض له كل مرتفع منها حتي تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيكم إذا كانت في راحته شعرة لا يبصرهاو مما صح لي روايتهعن السيد هبة الله الراوندي يرفعه إلي مفضل عن جعفر بن محمد (ع) قال تدري ما كان قميص يوسف (ع) قلت [ صفحه 200] لا قال إن إبراهيم لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل (ع) بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر و لا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعلها في تميمة و علقها علي إسحاق و علق إسحاق علي يعقوب فلما ولد يوسف علقه عليه و كان في عضده حتي كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف من التميمة بمصر وجد يعقوب ريحه إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة قلت جعلت فداك فإلي من صار ذلك القميص قال إلي أهله و هو مع قائمنا إذا خرج يجد المؤمنون ريحه إن شاء الله شرقا و غربا ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهي إلي آل محمد عو بالطريق المذكور إلي أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (ع) قال إذا قام قائمنا وضع يده علي رءوس العباد فجمع الله به عقولهم و أكمل به أحلامهمو عن أبي عبد الله (ع) بالطريق المذكور يرفعه إلي أبي الربيع الشامي قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتي لا يكون بينهم و بين القائم بريد يكلمهم و يسمعون [ صفحه 201] و ينظرون إليه و هو في مكانهو عنه (ع) بالطريق المذكور يرفعه إلي أبان قال قال أبو عبد الله (ع) العلم سبعة و عشرون جزءا فجميع ما جاءت به الرسل جزءان لم يعرف الناس حتي اليوم غير الحرفين فإذا قام القائم أخرج الخمس و العشرين حرفا فبثها في الناس و ضم إليها الحرفين حتي يبثها سبعة و عشرين حرفاو مما جاز لي روايته أيضاعن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلي علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله (ع) عن الرجعة أ حق هي قال نعم فقيل له من أول من يخرج قال الحسين (ع) يخرج علي أثر القائم (ع) قلت و معه الناس كلهم قال لا بل كما ذكر الله في كتابه يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قوم بعد قومو عنه (ع) يقبل الحسين (ع) في أصحابه الذين قتلوا معه و معه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسي بن عمران فيدفع إليه القائم الخاتم فيكون الحسين (ع) هو الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و إبلاغه حفرتهو عنه (ع) أن منا بعد القائم اثني عشر مهديا من ولد الحسين ع [ صفحه 202] و بالطريق المذكور يرفعه إلي جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول و الله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا قلت متي يكون ذلك قال بعد القائم قال قلت و كم يقوم القائم في عالمه قال تسع عشرة سنة ثم يخرج المنتصر إلي الدنيا و هو الحسين (ع) فيطلب بدمه و دماء أصحابه فيقتل و يسبي حتي يخرج السفاح و هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عو بالطريق المذكور يرفعه إلي أسد بن إسماعيل عن أبي عبد الله (ع) أنه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله تعالي مقداره في القرآن فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ و هي كرة رسول الله ص يكون ملكه في كرته خمسين ألف سنةو ليس لمنكر أن يقول هذا غير صواب لأنا نقول أ ليس في الكتاب هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً وعد محمدا رسول الله ص أن يظهره علي جميع الأديان و شهد بذلك بنفسه علي نفسه و لا بد من حصول ما شهد به القرآن و من المعلوم أن هذا لم يحصل في حال حياته فوجب عوده بعد مماته ليحصل له ما شهد به الكتاب أ ليس هذا نص في الباب و يملك أمير المؤمنين (ع) في [ صفحه 203] كرته أربعا و أربعين سنة.و عن علي (ع) لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها و لأخرجت الأرض نباتها و لذهبت الشحناء من قلوب العباد و أصلحت السباع و البهائم حتي تمشي المرأة بين العراق و الشام لا تضع قدميها إلا علي النبات و علي رأسها مكتلها لا يهيجها سبع و لا تخافهو بالطريق المذكور يرفعه إلي إسحاق بن عمار قال سألته يعني زين العابدين (ع) عن إنظار الله تعالي إبليس وقتا معلوما ذكره في كتابه قال فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قال الوقت المعلوم يوم قيام القائم فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة و جاء إبليس حتي يجثو علي ركبتيه فيقول يا ويلاه من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم منتهي أجلهفإن قيل إن إبليس لا يري كما أخبر عنه سبحانه و تعالي في كتابه المبين إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ مع ما ثبت أن الجن و الشياطين أجسام [ صفحه 204] شفافة قادرون علي التشكل بشكل لا تراه أعين الناظرين فكيف يصح أن يكون من المقتولين. قلنا قد ثبت أن الله علي كل شي‌ء قدير فجاز إذا انتهت مدته و حان وقته أن يمنعه الله تعالي من تلك القوة التي يتشكل بها و يصيره علي شكل يصح أن يقع عليه القتل به و الآية لم تدل علي نفي رؤيته أبد الآبدين. علي أنه قد ورد مثل ذلك من طريق العامة و الخاصة. أما الأول فقد ذكر صاحب الكشاف في كتابه عند تفسيره لسورة النجم ما صورته أن العزي كانت لغطفان و هي شجرة و أصلها تأنيث الأعز و بعث إليها رسول الله ص خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها علي رأسها فجعل يضربها بالسيف حتي قتلها و هو يقول يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك و رجع فأخبر النبي ص فقال ص تلك العزي و لن تعبد أبدا و إذا جاز هذا لشخص من آحاد هذه الأمة فلم لا يجوز لسيدها. و أما ثانيا فمما صح لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلي أبي عبد الله (ع) قال إن رسول الله ص [ صفحه 205] قال لأم سلمة يوما إذا جاء أخي فمريه أن يملأ هذه الشكوة من الماء و يلحقني بها بين الجبلين و معه سيفه فلما جاء علي (ع) قالت له قال أخوك املأ هذه الشكوة من الماء و ألحقه بها بين الجبلين قالت فملأها و انطلق حتي إذا دخل بين الجبلين استقبله طريقان فلم يدر في أيهما يأخذ فرأي راعيا علي الجبل فقال يا راعي هل مر بك رسول الله ص فقال الراعي ما لله من رسول فأخذ علي جندلة فصرخ الراعي فإذا الجبل قد امتلأ بالخيل و الرجال فما زالوا يرمونه بالجندل و اكتنفه طائران أبيضان فما برح يمضي و يمضونه حتي لحق برسول الله ص فقال يا علي ما لي أراك منبهرا فقال يا رسول الله كان كذا و كذا فقال رسول الله و هل تدري من الراعي و من الطائران قال لا قال أما الراعي فإبليس و أما الطائران فجبرئيل و ميكائيل ثم قال رسول الله ص يا علي خذ سيفي هذا و ادخل بين هذين الجبلين و لا تلق أحدا إلا قتلته و لا تتهيب فأخذ سيف رسول الله و دخل بين الجبلين فرأي رجلا عيناه كالبرق الخاطف و أسنانه كالمنجل [ صفحه 206] يمشي في شعره فشد عليه فضربه ضربة فلم تبلغ شيئا ثم ضربه أخري فقطعه باثنتين ثم أتي رسول الله فقال قتلته فقال النبي ص الله أكبر ثلاثا هذا يغوث و لا يدخل في صنم يعبد من دون الله حتي تقوم الساعةو من ذلك ما اتفقت عليه هذه العصابة الناجية و وصل إلينا عن الرجال الثقات أن النبي ص بعث عليا (ع) إلي واد الجن حين خرجوا ليوقعوا بالمسلمين عند مرورهم بهم فنزل جبرئيل (ع) علي النبي ص و أخبره بذلك و أمره أن يرسل أمير المؤمنين (ع) لقتالهم و دفعهم فأرسله و معه جماعة من المسلمين فأوقفهم علي شفير الوادي و نزل إليهم و رآهم المسلمون و قد أحدقوا به و هم علي أشكال الزط فجعل يضرب فيهم بسيفه يمينا و شمالا حتي قتل أكثرهم و انهزم الباقون فأتوا النبي ص فأسلموا علي يديه. و إذا كان ذلك جائزا بإجماع المسلمين فليس بمستنكر أن يمنع وقوعه من خاتم الوصيين لا سيما إذا ترتب إليه صدق القرآن و يكون الدين كله لله.و الحمد لله وحده و صلي الله علي من لا نبي من بعده محمد سيد ولد عدنان و أهل بيته الطاهرين أولي الفضل و الإحسان مدي الأيام و الليالي و الأحيان.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.