المقنع فی الغیبه. و الزیاره المکمله له

اشارة

سرشناسه : علم الهدی، علی بن حسین، ق 436 - 355

عنوان و نام پدیدآور : المقنع فی الغیبه. و الزیاره المکمله له/ تالیف الشریف المرتضی ابی القاسم علی بن الحسین الموسوی؛ تحقیق محمدعلی حکیم

مشخصات نشر : قم: موسسه آل البیت(علیهم السلام)، لاحیاآ التراث، 1416ق. = 1374.

مشخصات ظاهری : 95 ص.نمونه

فروست : (موسسه آل البیت علیهماالسلام، لاحیاآ التراث؛ 175. سلسله ذخائر تراثنا3)

شابک : 964-5503-96-51500ریال ؛ 964-5503-96-51500ریال

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

یادداشت : عربی

یادداشت : عنوان بخش دوم این کتاب "... الزیاده المکمل بها کتاب "المقنع" است

یادداشت : کتابنامه: ص. [91] - 92

عنوان دیگر : ... الزیاده المکمل بها کتاب "المقنع"

موضوع : محمدبن حسن(عج)، امام دوازدهم، 255ق. - -- غیبت

موضوع : مهدویت -- انتظار

شناسه افزوده : حکیم، محمدعلی

شناسه افزوده : موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

رده بندی کنگره : BP224/4/ع 83م 7

رده بندی دیویی : 297/462

شماره کتابشناسی ملی : م 75-8255

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

کلمة المؤسّسة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمین ، وصلی الله علی محمد وعلی أهل بیته الطیّبین الطاهرین.

وبعد :

فإذا سلّمنا متوافقین بأنّه لم تستغرق قضیة عقائدیة قطّ _ طوال حقب وقرون متلاحقة _ مساحة کبیرة فی الأُفق الفکری الاسلامی ما استغرقته مسألة الخلافة والإمامة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فإنّ ما استتبعته بعد ذلک من امتدادات متفرّعة مثّلت الحلقات المتّصلة والممتدّة من خلالها ، نالت أیضاً من کلّ ذلک الاحتدام والمنازلة الفکریة الحظّ الأوفر ، والنصیب الأکبر.

ص: 5

وقد مثّلت مسألة خلافة وإمامة الإمام الثانی عشر علیه السلام ، وغیبته ، وما یرتبط بها ، الحلقة الأوسع ، والمیدان الأرحب ، بل وأکثرها خضوعاً للجدل الفکری ، والنزال الکلامی المتواصل ، والذی ندر أن جالت خُطی المتناظرین فی التحاجج بمعتقد _ بعد أصل الإمامة الذی أشرنا الیه _ قدر ما جالت فی جوانبها وأبعادها ، مراراً متلاحقة ومتوالیة ، بحیث لم تترک شاردة ولا واردة إلا وأقامتها بحثاً لها عن الحجة والدلیل ، والبیّنة والبرهان.

ولا مغالاة _ قطعاً _ فی القول بأنّ لمفکّری ومتکلّمی الإمامیّة طوال حقب الجدل والمناظرة الفکریة المتلاحقة هذا الباع الطویل ، والمدی العمیق الغور فی إثبات وإقرار معتقداتهم ، وإفحام خصومهم بحججهم القائمة علی الأدّلة المتینة والثابتة القویة.

نعم ، فإذا ثبت بالدلیلین العقلی والنقلی صحّة مقولة الشیعة الإمامیّة بأصل الإمامة ، وعصمة الإمام ، وأنسحاب ذلک کله علی إمامة الإمام الثانی عشر علیه السلام ، وما یعنیه ذلک من احتوائه لمبدأ الإقرار بالغَیْبة الحاصلة له علیه السلام ، وما تشتمل علیه وتحیط به ، فإنّ ذلک یستلزم تبعاً لذلک _ ونتیجة الخلاف العقائدی فی التعامل معه من قِبَل غیر الشیعة من الفرق الإسلامیة المختلفة _ توفّر ووسائل المحاجّة المستندة علی هذین الدلیلین المتقدّمین ، والتی تتجسّد فی أوضح صورها بما نسمّیه ب : علم الکلام ، الذی یراد منه إثبات حقیقة وصواب هذه العقائد.

ولعلّ الاستقراء المتأنّی لمجمل هذه المساجلات الکلامیة التی اضطلع بها مفکّرو الإمامیّة ، وبالتحدید ما یتعلّق منها بمبحث غَیْبة الإمام المهدی علیه السلام یظهر بجلاء بیّن قدرتهم الکبیرة فی إدارة حلقات البحث هذه ، وإمساکهم بجدارة لا تساجل زمامها وقیادها ، وتسلیم الخصم _ إقراراً وإذعاناً _ بذلک ، وطوال سنین ودهور امتدّت منذ بدایة عصر الغَیْبة الکبری فی عام 329 ه ،

ص: 6

وحتّی یومنا هذا.

والرسالة الماثلة بین یدی القارئ الکریم عیّنة صادقة من تلک المناذج الفاخرة التی أشرنا إلیها ، والتی أبدع یراع علم کبیر من أعلام الطائفة فی تسطیرها وإعدادها ، وهو السیّد المرتضی علم الهدی علیّ بن الحسین الموسوی رحمه الله تعالی برحمته الواسعة ، حیث تعرض فیها إلی الکثیر من المفردات الخاصة بغَیْبة الإمام المهدی المنتظر علیه السلام ، مجیباً من خلالها علی مجمل التساؤلات المثارة فی هذا الصدد ، بأُسلوب رصین ، واستدلال متین ، أقرّ به من طالعه وتأمل فی فحواه ، بل وأصبح من المراجع المهمة التی اعتمدها أعلام الطائفة فی بحوثهم ومؤلّفاتهم ، حیث أشار محقق هذه الرسالة إلی جملة وافرة من تلک الموارد.

ولا یُعَدُّ قطعاً إطلاق هذا القول من قبیل ما یوصم بأنّه علی عواهنه ، إذا إنّ الدراسة الموضوعیة لمباحث هذه الرسالة ، وموارد النقاش التی تعرّضت لها ، وعرضها علی الظروف الفکریة التی کانت سائدة آنذاک علی سطح الساحة الفکریة الإسلامیة بمداخلاتها المتعدّدة ، وتشابکاتها ، المعقَّدة ، وما رافقها من بروز جملة مختلفة من التیّارات الفکریة ، التی بدت أوضح صورها وأثقلها فی مدرستَی الأشاعرة والمعتزلة العریقتی القِدم ، کل ذلک یقطع بجلاء علی عمق المبانی والأطروحات التی اعتمدها المؤلف رحمه الله فیها.

ولا یخفی علی القارئ الکریم مناهج البحث والمناظرة التی کانت سائدة آنذاک بین أعلام ومفکری الفرق الإسلامیة ، وما تستتبعه بعدُ من ترکیزٍ وإقرارٍ للأطروحات الغنیّة محلّ البحث ، ورفضٍ وإعراضٍ عمّا سقم وقصر منها ، وحیث تدور رحاها فی مجالس العلم والمذاکرة التی تکتضّ بالعلماء والمفکّرین ، فلا غرو أن یستحث کلّ طرف من المتباحثین قدارته وإمکانیّاته فی إثبات مدّعاه ، ودفع خصمه إلی الإقرار به ، وإقناع الآخرین

ص: 7

بذلک.

ومن هنا فلسنا بمغالین قطعاً إذا جزمنا بمتانة وقوة استدلالات هذه الرسالة ، ودقّة مباحثها ، ورصانة مبانیها ، وحیث یبدو ذلک جلیّاً لمن طالعها بتأنٍّ ، وجال بتدبُّر فی مطاویها.

وأخیراً :

ونحن إذ نقدّم هذه الرسالة القیّمة بین یدی القارئ الکریم ، فإنّا بذلک نواصل منهجنا باستلال جملة من الرسائل المنشورة علی صفحات مجلّة « تراثنا » خلال سنوات عمرها الماضیة ، وکانت هذه الرسالة قد نُشرت محقّقة علی صفحاتها فی عددها السابع والعشرین ، الصادر فی شهر ربیع الآخر عام 1412 ه ، بتحقیق المحقّق الفاضل السید محمد علی الحکیم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین ، وصلّی الله علی محمد وعلی أهل بیته الطیّبین الطاهرین.

مؤسسة آل البیت علیهم السلام

لإحیاء التراث

ص: 8

مقدّمة التحقیق

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین ، وأفضل الصلاة والسلام علی خیر خلق الله محمّد وآله الطیّبین الطاهرین ، لا سیما إمام العصر وصاحب الزمان ، الحجّة المهدیّ المنتظر عجّل الله تعالی فرجه الشریف.

تمهید :

من المعروف أنّ العلوم الشرعیة نشأت من الحاجة التی حدت بالمسلمین إلی إنشائها ، ثمّ تکاملت وصارت لها أُصولها وقواعدها وعلماؤها وکتبها الخاصة بها.

فعلوم اللغة نشأت من الحاجة إلی فهم القرآن الکریم والحدیث الشریف ، وهما بلسان عربیّ مبین ، فتدرّجت هذه العلوم فی الظهور : اللغة ثمّ النحو ثم الصرف فالبلاغة ...

وعلوم الفقه وأُصوله نشأت من الحاجة إلی معرفة الأحکام الشرعیة بعد

ص: 9

غَیْبة المبیِّن للشرع الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وبعد أن اختلفت الأقول فی مسائل العبادات والمعاملات.

وهکذا قل فی جمیع العلوم الشرعیة.

ومنها علم یسمّی ب ( علم الکلام ) نشأ بعد تفرُّق المسلمین فی الآراء والأهواء والمسائل الاعتقادیة ، کالجبر والتفویض والاختیار والعدل والإرجاء ... وغیرها.

وقد عرَّفوا علم الکلام بأنّه « علم یُقتدر معه علی إثبات الحقائق الدینیة بإیراد الحجج علیها ودفع الشبه عنها » (1).

وکانت مسألة الإمامة والخلافة أساس ذلک الخلاف ، فکان محور علم الکلام الأساسی منذ یوم السقیفة الی یومنا هذا وسیبقی حتی ظهور الإمام المهدیّ علیه السلام ، هو الإمامة وما یرتبط بها و یترتّب علیها.

کما اشتمل علم الکلام علی بحوث عقائدیة أُخری کانت نتیجة لتفرّق الناس عن المعین الطیّب لعلوم أهل بیت النبوّة سلام الله علیهم ، فلو استقام الناس علی إمامة أمیر المومنین الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام والأئمّة من ولده علیهم السلام ، لَکُفینا مهمّة تلک البحوث التی أخذت جهداً جهیداً من العلماء ، ولَما بقی منها إلاّ ما یختصّ بالأدیان والملل غیر المسلمة.

و کانت غَیْبة الإمام الثانی عشر المهدیّ المنتظر علیه السلام ، من أهمّ المحاور التی دارت علیها البحوث الکلامیة منذ بدایة عصرالغَیْبة الکبری سنة 329 ه وحتی یومنا هذا ، فکانت تأخذ أبعاداً مختلفة حسب ما تقتضیه الحاجة والظروف المحیطة خلال الفترات الزمینة المختلفة.

ص: 10


1- 1. مفتاح السعادة و مصباح السیادة 132 / 2.

یظهر ذلک بوضوح من خلال کتاب « الغَیْبة » للشیخ النعمانی ، المتوفّی حدود سنة 342 ه ، وکتاب « إکمال الدین وإتمام النعمة » للشیخ الصدوق المتوفّی سنة 381 ه ، و إن کانا _ أساساً _ من المحدِّثین.

ثمّ کان لبروز متکلّمی الإمامیّة کمعلّم الأمّة الشیخ المفید ( 336 _ 413 ه ) والشریف المرتضی ( 355 _ 436 ه ) وشیخ الطائفة الطوسی ( 385 _ 460 ه ) أثراً متمیّزاً فی بلورة علم الکلام بشکل جدید.

و نحن نقف الیوم أمام طود شامخ من أعلام الإمامیّة ، ألا وهو :

علم الهدی أبوالقاسم علیّ بن الحسین الموسوی ، الشریف المرتضی قدس سره :

نقف أمامه بکل تجلّة وإکبار لِما بذله فی الذبّ عن العقیدة بکتبه الکلامیة العدیدة کالشافی ، والذخیرة ، وتنزیه الأنبیاء والأئمّة ، وجمل العلم والعمل ، والمقنع فی الغَیْبة ، وغیرها کثیر ...

ویکفیه فخراً أن یکون تلمیذاً للشیخ المفید ، ویکفیه عزّاً أن یکون شیخ الطائفة الطوسی وسلار الدیلمی وأبو الصلاح الحلبی والکراجکی وغیرهم من الجهابذة من المتخرّجین علی یدیه.

وهو قدس سره أشهر من أن یعرّف ، إذ لا تکاد تجد مصدراً من مصادر التاریخ والتراجم خالیاً من ترجمته ، وقد کفانا أصحابها ذلک ، فتفصیلها مرهون بمظانّها.

المقنع فی الغَیْبة :

هو من خیرة وأنفس ما کتب فی هذا الموضوع بالرغم من صغر حجمه ، إذ

ص: 11

لم یسبقه أحد إلی الکتابة بهذا النسق والأُسلوب (1) ، صنّفه علی طریقة ( فإن قیل ... قلنا ) فجاء قویّ الحجّة ، متین السبک ، دحض فیه شبهات المخالفین ، وأثبت غَیْبة الإمام المهدی علیه السلام وعللها وأسبابها والحکمة الإلهیة التی اقتضتها.

ثم أتبع _ رضوان الله علیه _ الکتابَ بکتاب مکمل لمطالبه ، بحث فیه عن علاقة الإمام الغائب المنتظر علیه السلام بأولیائه أثناء الغَیْبة ، وکیفیّة تعامل شیعته معه أثناءها ، مجیباً علی کل التساؤلات خلال تلک البحوث.

ذکره له النجاشی _ المتوفّی سنة 450 ه فی رجاله (2) ، وذکره له أیضاً تلمیذه شیخ الطائفة الطوسی فی فهرسته(3) ، وتابعه علی ذلک یاقوت الحموی عند إیراده ترجمته (4) ، و من ثمّ ذکره له کل من أورد قائمة مؤلَّفاته المفصَّلة فی ترجمته.

أهمّیّة الکتاب:

تظهر أهمیة الکتاب ومنزلته الرفیعة إذا علمنا أنّ شیخ الطائفة الطوسی قدس سره قد أورد مقاطع کبیرة ومهمّة منه _ تارة بالنصّ وأُخری بإیجاز واختصار _ وضمَّنها کتابه « الغَیْبة » فی « فصل فی الکلام فی الغَیْبة » تراها مبثوثة فیه ، منسوبة إلیه من دون التصریح باسم « المقنع ».

ص: 12


1- 1. قال الشریف المرتضی عن کتابه هذا فی أوّل کتاب الزیادة المکملة الملحق به : « ثم استأنفنا فی ( المقنع ) طریقة غریبة لم نسبق إلیها » أُنظر ص 220 من هذه الطبعة.
2- 2. رجال النجاشی : 271.
3- 3. الفهرست : 99.
4- 4. معجم الأُدباء 13 / 148.

ثمّ کانت هذه النقول ضمن ما نقله شیخ الإسلام العلامة المجلسی _ المتوفّی سنة 1110 ه عن کتاب « الغَیْبة » للشیخ الطوسی ، وأودعه فی موسوعته « بحار الأنوار » فی الجزء 51 / 167 باب 12 ، فی ذکر الأدلّة التی ذکرها شیخ الطائفة رحمه الله علی إثبات الغَیْبة.

هذا ، وإن العلامة المجلسی قدس سره کان قد ذکر کتاب « المقنع فی الغَیْبة » ضمن مصادر کتابه « بحار الأنوار » أثناء تعداده لها فی مقدمته فی ج 1 / 11 ، إلا أننی لم أعثر علی ما صرّح بنقله عنه مباشرةً ، بالرغم من تفحّصی فی ( البحار ) قدر المستطاع !

وعلیه : یصبح الکتاب أحد مصادر « بحار الأنوار » بالواسطة ، لا مباشرةً.

کما نقل أمین الإسلام الشیخ الطبرسی _ المتوفّی سنة 548 ه مقاطع مهمّة من الکتاب _ تارةً بالنصّ وأُخری بإیجاز وأختصار أیضاً _ وأودعها فی کتابه « إعلام الوری بأعلام الهدی » من المسألة الأُولی حتی المسألة الخامسة ، من الباب الخامس ، تحت عنوان : « فی ذکر مسائل یسأل عنها أهل الخلاف فی غَیْبة صاحب الزمان علیه السلام ... ».

ولم یصرِّح أیضاً باسم « المقنع » وإنْ صرّح بنقلها عن الشریف المرتضی.

فاهتمام هؤلاء الاعلام بإیراد مقاطع مهمة أو اقتباسهم منه فی مصنّفاتهم ، دلیل علی إخباتهم بتقدُّم الشریف المرتضی وسبقه فی هذا المیدان.

وفیما یلی ثبتّ یبینّ مقدار نقول الشیخین الطوسی والطبرسی 0 فی کتابیهما من کتاب « المقنع » :

ص: 13

المقنع

الغَیْبة

1 _ من جملة : « ثم یقال للمخالف فی الغَیْبة ... » ص 42.

إلی نهایة جملة : « وأنّه لایفعل القبیح » ص 47.

نقلت باختلاف یسیر واختصار فی بعض المواضع من ص 86 _ 88.

2 _ من جملة : « أمّا سبب الغَیْبة » ص 52.

إلی نهایة جملة : « غَیْبة إمام الزمان علیه السلام » ص54.

نقلت باختصار من ص 90 _ 91.

3 _ من جملة : « فأمّا التفرقة ... » ص 54.

إلی نهایة جملة : « لولا قلّة التأمّل » ص 55.

نقلت باختلاف یسیر من ص 92 _ 93.

4 _ فقرة : « علی أنّ هذا ینقلب ... إذا اقتضت المصلحة ذلک » ص 56 _ 57.

نقلت باختلاف یسیر فی ص 93.

5 _ من جملة : « فإن قیل : فالحدود فی حال ... » ص 58.

إلی نهایة جملة : « قیل لهم مثله » ص 59.

نقلت باختلاف یسیر فی ص 94.

6 _ من جملة : « فإن قیل : کیف السبیل ... » ص 59.

إلی نهایة جملة : « والاستسلام للحقّ » ص 68.

نقلت باختلاف یسیر فی ص 95 _ 102.

7 _ من جملة : « فإن قیل : فیجب علی

نقلت باختلاف یسیر فی ص 102 _

ص: 14

هذا ... » ص 69.

إلی نهایة جملة : « مجراه فی الکبر والعظم » ص 70.

103.

المقنع

إعلام الوری

1 _ من جملة : « إن العقل قد دلّ ... » ص 34.

إلی نهایة جملة : « ... لا تبقی شبهة فیها » ص35.

نقلت باختلاف یسیر فی ص 466.

2 _ من جملة : « فأمّا الکلام فی علة الغَیْبة ... » ص 41.

إلی نهایة جملة : « فهو فضل منّا » ص 42.

نقلت باختلاف یسیرمن ص 466 _ 467.

3 _ من جملة : « مجری من سألنا ... » ص 46.

إلی نهایة جملة : « ... وإن لم نعلمه مفصّلاً » ص 46 أیضاً.

نقلت باختلاف یسیر فی ص 467.

4 _ من جملة : « فإن قیل : أیّ فرق ... » ص 55.

إلی نهایة جملة : « بعضاً إلی أفعاله » ص 56.

نقلت باختلاف یسیر من ص 468 _ 469 تحت عنوان « مسألة ثانیة ».

5 _ من جملة : « فإن قیل : فالحدود فی حال ... » ص 58.

إلی نهایة : « ... قیل لهم مثله » ص 59.

نقلت باختلاف یسیر فی ص 469 تحت عنوان « مسألة ثالثة ».

ص: 15

6 _ جملة : « فإن قیل : کیف السبیل » ص 59.

إلی نهایة الجواب عنها.

نقلت باختلاف یسیر من ص 469 _ 470 تحت عنوان « مسألة رابعة ».

7 _ جملة : « فإن قیل : إذا کانت العلة » ص 61.

والجواب عنها.

نقلت ملخصة من ص 470 _ 472 تحت عنوان « مسألة خامسة ».

سبب تألیف الکتاب وزمانه :

قال السیّد الأجّل المرتضی قدس سره فی أوّل کتابه هذا : « جری فی مجلس الوزیر السیّد _ أطال الله فی العزّ الدائم بقاءه ، وکبت حسّاده وأعداءه _ کلام فی غَیْبة صاحب الزمان ... ودعانی ذلک إلی إملاء کلام وجیز فیها ... ».

ثمّ قال _ قدس سره بعد قلیل : « وأری من سبق هذه الحضرة العالیة _ أدام الله أیامها _ إلی أبکار المعانی ... ».

ولهذا وذاک جاء فی الذریعة 22 / 123 : « ... وقال شیخنا النوری : کتبه السیّد المرتضی للوزیر المغربی ».

ثم قال الشیخ آقا بزرگ الطهرانی : « والوزیر المغربی هو أبوالحسن علیّ بن الحسین بن علی بن هارون بن عبد العزیز الأراجنی ، کما یظهر من النجاشی فی ترجمة جدّه الأعلی هارون بن عبد العزیز » (1).

ثمّ إنّ الشریف المرتضی قدس سره ألّف کتابه هذا بعد کتابیه « الشافی فی الإمامة » و « تنزیه الأنبیاء والائمّة » حیث أحال فی أوّله وفی مواضع أُخری منه إلیهما.

ص: 16


1- 1. أُنظر : الذریعة 22 / 123 ، ورجال النجاشی : 439 رقم 1183.

طبعات الکتاب :

لم یقدَّر لهذا الکتاب أن یری النور من قبل إلا علی صفحات « تراثنا » فی طبعته هذه التی بین یدیک عزیزی القارئ.

أمّا احتمال کونه مطبوعاً ببغداد من قبل فی « سلسلة نفائس المخطوطات » وبعد ذلک فی المجموعة الثانیة من « رسائل الشریف المرتضی » (1) فمردود بأمرین :

أوّلهما : أن بدایات نسخ کتابنا هذا لا تتفق مع بدایة الرسالة المنشورة المذکورة آنفاً ، فی حین أنّ هذه النسخ تتفق مع ما ذکره الشیخ آقا بزرک الطهرانی رحمه الله حینما عرّف کتاب « المقنع فی الغَیْبة » فی الذریعة 123 _ 124 / 22 مستنداً فی ذلک علی النسخة التی رآها فی خزانة الحاجّ علی محمد منضمّة إلی نسخة « الآدب الدینیة ».

ثانیهما : أن الرسالة المطبوعة سابقاً _ والتی لا تتجاوز الستّ صفحات _ لم تعالج من الشبهات والمسائل المتعلِّقة بالغَیْبة ما عالجه کاتبا هذ ا ، فقد استوفی کتابنا کلّ جوانب البحث بدّقة شاملة وسعة أُفق ، وهو ما یوحی به اسم الکتاب أیضاً بخلاف تلک.

* * *

ص: 17


1- 1. أُنظر : مقدّمة تحقیق کتاب « الذخیرة للمرتضی أیضاً ، ص 56 تسلسل 114 ، والمجموعة الثانیة من رسائل الشریف المرتضی : 293 _ 298.

نسخ الکتاب :

اعتمدت فی تحقیق الکتاب علی النسخ التالیة ، مرتّبة حسب أسبقیّة حصولی علیها :

1 _ النسخة المحفوظة فی المکتبة المرکزیة لجامعة طهران ، برقم 8272 ، مذکورة فی فهرسها 17 / 95 ، تاریخ الانتهاء ، من نسخها 8 شعبان 1070 ه ، بخطّ إبراهیم بن محمّد الحرفوشی ؛ وهی ضمن مجموعة کتب الأُستاذ الشیخ محمّد عبده البروجردی المهداة إلی مکتبة جامعة طهران ، وهی أکمل النسخ المعتمدة ، إذ اشتملت علی کامل کتاب « المقنع فی الغَیْبة » ، مع تمام کتاب الزیادة المکملة للمقنع إلاّ الورقة الأخیرة منه ؛ وهی بقیاس 15 × 5 / 9 سم.

ورمزت لها ب « أ ».

2 _ النسخة المحفوظة فی مکتبة مجلس الشوری الإسلامی فی طهران ، ضمن المجموعة المرقمة 13174 ، ولا تحتوی هذه النسخة إلا علی جزء من کتاب « المقنع » من أوّله إلی منتصفه تقریباً ، وسقطت منها الأوراق الأخیرة ، وفی ضمن الموجود منها خروم متعدّدة فی أثنائها ؛ وهی بقیاس 5 / 14 × 9 سم.

ورمزت لها ب « ب ».

3 _ النسخة المحفوظة فی مکتبة مجلس الشوری الإسلامی فی طهران أیضاً ، وهی بأول المجموعة المرقّمة 5392 ، مذکورة فی فهرسها 16 / 299 ، وقد سقط من أولها مقدار ورقة کاملة ومن آخرها ورقة واحدة أیضاً ، وهی بهذا ضمّت کامل کتاب « المقنع » وکتاب الزیادة المکملة له بکامله أیضاً إلا النقص المذکور آنفاً ؛ وهی بقیاس 14 × 5 / 7 سم.

ورمزت لها ب « ج ».

ص: 18

4 _ نسخة کاملة من کتاب الزیادة المکملة ، محفوظة فی مکتبة آیة الله المرعشی العامة فی قم ، بخطّ محمّد بن إبراهیم بن عیسی البحرانی الأوالی ، من مخطوطات القرن العاشر الهجری ، وهی من المخطوطات التی لم تفهرس بعد ، ولهذا لم أستطع الحصول علی مصوَّرتها کالنسخ السابقة ، وإنما تمت مقابلتها ومعارضتها فی المکتبة المذکورة مع نسختَی « کتاب الزیادة المکملة » المذکورتین آنفاً _ « أ » و « ج » _ وتمَّ إکمال نقصهما منها.

ورمزت لها ب « م ».

منهج العمل :

مما سبق یتضح أنه لم تسلم نسخة من النسخ المذکورة من سقوط ورقة أو أوراق منها ، مضافاً إلی ذلک ما وقع فیها من أسقاط أو خروم تخلَّلتها ، وما ابتلیت به من التصحیفات والتحریفات ، کإعجام بعض الحروف وهو ممّا لا یحتاج إلی إعجام أو العکس ، أو تأنیث وتذکیر بعض الأفعال ... وما شابه.

لذلک لم أعتمد إحداها کنسخة أصل رئیسة ، بل اعتمدت طریقة التلفیق فیما بینها ، لتخرج منها نسخة کاملة تامّة تبرز مطالب الکتاب بشکل واضح ، تلافیاً للنقص الحاصل فی النسخ کلّها من هنا أو هناک.

وأثبتُّ فی الهامش اختلافات النسخ المهمّة أو التی لها وجه ، دون غیرها ممّا قد أصلحته.

کما أدرجت فی الهامش بعض التعلیقات الضروریة ، توضیحاً لبعض مطالب أو کلمات المتن.

ووزَّعت نصَّ الکتاب بما یتناسب مع مطالبه الکلامیة العالیة ، لإظهارها بشکل واضح ، لکی یسهل علی القارئ متابعتها وفهمها.

ص: 19

ثم أضفت عناوین رئیسة بین فقرات الکتاب زیادة فی توضیح مطالبه وسهولة تمییزها عن بعضها ، وجعلتها بین معقوفین [ ].

شکر وثناء :

أری لزاماً علیَّ أن أشکر کلَّ من اسدی إلیَّ معروفاً بتهیئة مصوَّرات النسخ أو قراءة الکتاب وإبداء الملاحظات العلمیّة المهمّة حوله ، لکی یخرج بأفضل صورة ممکنة.

وأخصّ بالشکر المتواتر سماحة المحقّق الخبیر العلامة السید عبد العزیز الطباطبائی ، إذ ادلّنی أوّلأ علی نسخ الکتاب المخطوطة ، وسعی فی تصویر بعضها ، وثانیاً لفضّله وتکرّمه علیّ بتجشّمه عناء مقابلة نسخة « کتاب الزیادة المکملة » المذکورة برقم 4 آنفاً ، فی مکتبة آیة الله المرعشی العامة ، وتثبیت اختلافاتها مع بقیّة النسخ ، إذ إنّ الوصول إلی المخطوطات التی لم تتم فهرستها بعدُ یعدّ من المستحیلات ، إلاّ لمن هو أهله ، وسماحته من أهله ، فکانت هذه إحدی أیادیه البیضاء علی التراث الشیعی المظلوم ، حفظ الله سماحة السید الطباطبائی ورعاه لإحیاء أمرهم علیهم السلام .

وکذا أشکر مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث ، لتیسیرها نشر الکتاب علی صفحات « تراثنا » الغرّاء.

حیّا الله العاملین علی إحیاء تراث أهل البیت علیهم السلام ووفّقهم لبثِّ علومهم ونشر معارفهم.

وختاماً :

لا أدّعی الکمال فی عملی هذا ، فهو محاولة عسی الله أن ینفعُ بها ، وما هی

ص: 20

إلاّ أوراق متواضعة أرفعها إلی مقام الناحیة المقدّسة المحفوفة بالجلال والقدس ، عسی أن تنفعنی فی یوم لا ینفع نفساً إیمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت فی إیمانها خیراً.

والحمد لله أولأ وآخراً.

ذکری مولد الإِمام علیّ الهادی علیه السلام

15 / 1 / 1412 ه

محمّد علی الحکیم

ص: 21

نماذج مصوّرة من النسخ المعتمدة فی التحقیق

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

ص: 30

کتاب « المقنع فی الغَیْبة »

1- مقدّمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ، وسلام علی عباده الّذین اصطفی ، سیّدنا محمد وآله الطاهرین.

جری فی مجلس الوزیر السیّد _ أطال الله فی العزّ الدائم بقاءه ، وکبت (1) حسّاده وأعداءه _ کلامٌ (2) فی غَیْبة ( صاحب الزمان ) (3) أَلْمَمْتُ بأطرافه ؛ لأنّ الحال لم تقتض الاستقصاء والاستیفاء ، ودعانی ذلک إلی إملاء کلام وجیز فیها یُطَّلَع به علی سرّ هذه المسألة ، ویحسم مادّة الشبهة المعترضة فیها ، وإنْ کنتُ قد أودعتُ الکتاب الشافی فی الإمامة وکتابی فی تنزیه الأنبیاء والأئمّة علیهم السلام من الکلام فی الغَیْبة (4) ما فیه کفایة

ص: 31


1- (1) جاء فی هامش « ب » ما نصه :
2- 2. جاء فی هامش « ب » ما نصّه : فاعل جری.
3- 3. فی « ب » : الإمام.
4- 4. الشافی 1 / 44 _ 54 ، تنزیه الأنبیاء والأئمّة : 180.

وهدایة لمن أنصف من نفسه وانقاد لإلزام الحجّة ، ولم یَحْرِ تَحیُّر [ اً ] عانِداً عن المحجّة (1).

فأَوْلی الأُمور وأهمّها : عرضُ الجواهر علی منتقدها ، والمعانی علی السریع إلی إدراکها ، الغائص بثاقب فطنته إلی أعماقها ، فطالما أخرسَ عن علمٍ ، وأسکَتَ عن حجّةٍ ، عَدَمُ من یُعرضُ علیه ، وفَقْدُ من تُهدی إلیه ، وما متکلِّف (2) نظماً أو نثراً عند من لا یمیّز بین السابق واللاحق (3) والمُجَلِّی والمُصَلِّی (4) إلا کمن خاطب جماداً أو حاور مواتاً (5).

وأری مِن سَبْقِ هذه الحضره العالیة _ أدام الله أیامها _ إلی أبکار المعانی ، واستخراجها من غوامضها ، وتصفیتها من شوائبها ، وترتیبها فی أماکنها ، ما ینتج (6) الأفکار العقیمة ، ویذکی (7) القلوب البلیدة ، ویُحَلِّّی

ص: 32


1- (5) ما أثبتناه هو الأنسب معنیً ، ویمکن أن تقرأ العبارة هکذا :
2- 2. من هنا تبدأ نسخة « ج ».
3- 3. السابقِ : هو الذی یسبق من الخیل ( لسان العرب 10 / 151 _ سبق ).
4- 4. المُجَلِّّی : السابق الأول من الخیل. والمُصَلِّّی : السابق الثانی منها ( لسان العرب 14 /4. صلا ).
5- 5. فی « ب » : جاور مواتاً.
6- 6. فی « ب » : سنح. وسَنَحَ لی رأیٌ فی کذا : عرضَ لی أو تَیَسَّر. ( الصحاح 1 / 6. لسان العرب 2 / 491 _ سنح ).
7- 7. فی « أ » و « ب » : یزکّی.

العلوم والآداب فی أفواه من أَمَرَّتْ (1) فی لهواته(2) ، وشحطت(3) عن خطواته ، وشُقّ علیه ارتقاؤها واعتلاؤها.

فصار أکبر حظّ العالم والأدیب وأسعد أحواله أن تُرضی منه فضیلة اکتسبها ومنقبة دأب لها ، وأن ینتقدها علیه ناقد الفضائل (4) فلا یبهرجها (5) ویزیّفها ، وأن تنفق فی السوق التی لا ینفق فیها إلا الثمین (6) ولا یکسد فیها إلاّ المهین.

ونسأل الله تعالی فی هذه النعمة الدوام ، فهی أکبر وأوفر من الاستضافة إلیها والاستظهار بغیرها ، وهو ولیّ الإجابة برحمته.

وإنّی لأری من اعتقاد مخالفینا : « صعوبة الکلام فی الغَیْبة (7) وسهولته علینا (8) ، وقوّته فی جهتهم ، وضعفه من جهتنا » عجباً !

والامر بالضدّ من ذلک وعکسه عند التأمّل الصحیح ، لأنّ الغَیْبة فرع لأُصول متقدّمة ، فإن صحّت تلک الأُصول بأدلّتها ، وتقرّرت بحجّتها ، فالکلام فی الغَیْبة أسهل شیء وأقربه وأوضحه ، لأنّها تبتنی علی

ص: 33


1- 1. أَمَرَّ ، کَمَرّ ، فعلّ من المرارة _ ضدّ الحلاوة _ ؛ أُنظر : لسان العرب 5 / 166 _ مرر.
2- 2. اللَهَوات ، جمع اللَهاة. وهی الهَنَةُ المطبقة فی أقصی سقف الفم. ( الصحاح 6 / 2. لسان العرب 15 / 261 _ 262 _ لها ).
3- 3. الشَحْطُ : البُعْدُ. ( الصحاح 3 / 3. لسان العرب 7 / 327 _ شحط ).
4- 4. فی « ج » : للفضائل.
5- 5. البَهْرَجُ : الباطل والردیء من الشیء ( الصحاح 1 / 300 _ بهرج ).
6- 6. فی « ب » : الیمین.
7- 7. أی من جهة اعتقادهم بعدمها.
8- 8. کذا العبارة فی النسخ الثلاث ، وفی « رسالة فی غَیْبة الحجّة » المطبوعة فی المجموعة الثانیة من رسائل الشریف المرتضی ، ص 293 ، هکذا : فإنّ المخالفین لنا فی الاعتقاد ، یتوهمّون صعوبة الکلام علینا فی الغَیْبة وسهولته علیهم ،...

تلک الأُصول وتترتّب علیها ، فیزول الإشکال.

وإنْ کانت تلک الأُصول غیر صحیحة ولا ثابتة ، فلا معنی للکلام فی الغَیْبة قبل إحکام أُصولها ، فالکلام فیها من غیر تمهید تلک الأُصول عبثٌ وسَفَه.

فإنْ کان المخالف لنا یستصعب (1) ویستبعد الکلام فی الغَیْبة قبل الکلام فی وجوب الإمامة فی کل عصر وصفات الإمام ، فلا شکّ فی أنّه صعب ، بل معوز متعذّر لا یحصل منه إلاّ علی السراب.

وإنْ کان ( له مستصعِباً ) (2) مع تمهّد تلک الأُصول وثبوتها ، فلا صعوبة ولا شبهة ، فإنّ الأمر ینساق سَوقاً إلی الغَیْبة ضرورةً إذا تقرّرت أُصول الإمامة.

2- أصلان موضوعان للغَیْبة : الإمامة ، والعصمة

وبیان هذه الجملة :

إنّ العقل قد دلّ علی وجوب الإمامة ، وإن کلّ زمان _ کُلِّف فیه المکلَّفون الّذین یجوز منهم القبیح (3) والحسن ، والطاعة والمعصیة _ لا یخلو من إمام ، وأنّ خلوّه من إمام إخلال بتمکینهم ، وقادح فی حسن تکلیفهم.

ثم دلّ العقل علی أنّ ذلک الإمام لا بُدّ من کونه معصوماً من الخطأ

ص: 34


1- 1. فی « أ » و « ب » : یستضعف.
2- 2. فی « ج » : یستصعبها.
3- 3. فی « أ » : القبح.

والزلل ، مأموناً منه فِعْلُ کل قبیح.

ولیس بعد ثبوت هذین الأصلین ( إلاّ إمامة ) (1) مَنْ تُشیر الإمامیّة إلی إمامته ، فإنّ الصفة التی دلّ العقل علی وجوبها لا توجد إلاّ فیه ، ویتعرّی منها کلُّ من تُدّعی له الإمامة سواه ، وتنساق الغَیْبة بهذا سوقاً حتی لا تبقی شبهة فیها.

وهذه الطریقة أوضحُ ما اعتُمِد علیه فی ثبوت إمامة صاحب الزمان ، وأبعدُ من الشبهة.

فإنّ النقل بذلک وإن کان فی الشیعة فاشیاً ، والتواتر به ظاهراً ، ومجیؤه من کلّ طریق معلوماً ، فکلّ ذلک یمکن دفعه وإدخال الشبهة ( فیه ، التی یحتاج ) فی حلّها إلی ضروب من التکلیف.

والطریقة التی أوضحناها (2) بعیدة من الشبهات ، قریبة من الأفهام.

وبقی أن ندلّ علی صحة الأصلین اللذین ذکرناهما :

3- أصل وجوب الإمامة

أما الذی یدلّ علی وجوب إلامامة فی کلّ زمان : فهو مبنیٌّ علی الضرورة ، ومرکوز فی العقول الصحیحة ، فإنّا نعلم علماً _ لا طریق للشکّ علیه ولا مجال _ أنّ وجود الرئیس المطاع المهیب مدبِّراً و (3) متصرِّفاً أردع عن

ص: 35


1- 1. فی « أ » : إمامة إلاّ.
2- 2. ما بین القوسین سقط من « ب ».
3- 3. فی « ب » و « ج » : أو.

القبیح وأدعی إلی الحَسَن ، وأنّ التهارج بین الناس والتباغی إمّا أن یرتفع عند وجود مَنْ هذه صفته من الرؤساء ، أو یقل وینزر ، وأنّ الناس عند الإهمال وفَقْدِ الرؤساء وعَدَم الکبراء یتتابعون فی القبیح وتفسد أحوالهم وینحلّ (1) نظامهم.

وهذا أظهر وأشهر من أن یُدلّ علیه ، والإشارة فیه کافیة (2).

وما یُسأل عن هذا الدلیل من الأسئلة قد استقصیناه وأحکمناه فی الکتاب الشافی(3) فلیُرجع فیه إلیه عند الحاجة.

4- أصل وجوب العصمة

( وأمّا الذی یدلّ علی وجوب عصمة الإمام ) (4) فهو : أنّ علّة الحاجة إلی الإمام هی أن یکون لطفاً للرعیة فی الامتناع من القبیح وفعل الواجب علی ما اعتمدناه ونبهنا علیه.

فلا یخلو من أن تکون علّة الحاجة إلیه ثابتة فیه ، أو تکون مرتفعة عنه.

فإنْ کانت موجودة فیه فیجب أن یَحْتاجَ إلی إمام کما أحتیج إلیه ؛ لأنّ علّة الحاجة لا یجوز أن تقتضیها فی موضع دون آخر ؛ لأنّ ذلک ینقض کونها علّةً :

ص: 36


1- 1. فی « ب » : یخلّ.
2- 2. فی « ب » : کفایة.
3- 3. الشافی 1 / 55 _ 71.
4- 4. ما بین القوسین سقط من « ب ».

والقولُ فی إمامِهِ (1) کالقول فیه فی القسمة التی ذکرناها.

وهذا یقتضی إمّا الوقوف علی إمامٍ ترتفع عنه علّةُ الحاجة ، أو وجود أئمّة لا نهایة لهم وهو محالٌ.

فلم یبق بعد هذا إلا أنّ علّة الحاجة إلیه مفقودة فیه ، ولن یکون ذلک إلا وهو معصوم ولا یجوز علیه فعل القبیح (2).

والمسائل _ أیضاً _ علی هذا الدلیل مستقصیً جوابها بحیث تقدّمت الإشارة إلیه (3).

5- بناء الغَیْبة علی الإصلین المتقدّمین ، والفِرَق الشیعیة البائدة

وإذا ثبت هذان الأصلان : فلا بُدّ من إمامة صاحب الزمان بعینه.

ثمّ لا بُدّ _ مع فقد تصرّفه وظهوره _ من القول بغَیْبته.

فإن قیل : کیف تدّعون أنّ ثبوت الأصلین اللذین ذکرتموهما یثبت أمامة صاحبکم بعینه ، ویجب القول بغَیْبته ؟! وفی الشیعة الإمامیّة _ أیضاً _ من یدّعی إمامة من له الصفتان اللتان ذکرتموهما وإنْ خالفکم فی إمامة صاحبکم ؟!

کالکیسانیة (4) : القائلین بإمامة محمّد بن الحَنَفِیّة ، وأنّه صاحب

ص: 37


1- 1. فی « أ » و « ب » : إمامته.
2- 2. فی « ج » : القبائح.
3- 3. الشافی 1 / 53 _ 54.
4- (33) تفصیل أحوال هذه الفرقة تجدها فی : فرق الشیعة : 23 ، الفَرْق بین الفِرَق : 23 و 38 _ 39

الزمان ، وإنّما (1) غاب فی جبال رَضْوی (2) انتظاراً للفرصة وإمکانها ، کما تقولون فی قائمکم (3).

وکالناووسیة (4) : القائلین بأنّ المهدیّ ( المنتظر أبو عبد الله جعفر بن محمد علیهماالسلام .

ثمّ الواقفة (5) القائلین بأنّ المهدیّ المنتظر ) (6) موسی بن جعفر علیهماالسلام ؟!

قلنا : کلّ مَنْ ذکرتَ لا یُلتفت إلی قوله ولا یُعبأ بخلافِه ؛ لأنّه دَفَعَ ضرورةً وکابَرَ مشاهدةً.

لأنّ العلم بموت ابن الحنفیّة کالعلم بموت أبیه وإخوته (7) صلوات الله علیهم.

====

8. فی « ج » : أخویه.

ص: 38


1- رقم 1. الملل والنحل 1 / 147 وفی طبعةٍ 1 / 131.
2- 2. فی « ب » : وأنّه.
3- 3. رَضْوی _ بفتح أوّله وسکون ثانیه _ : جبل بالمدینة ، قال ابن السکِّیت : قفاه حجارةٌ وبطنه غَوْرٌ یضربه الساحل. ( معجم البلدان 3 / 51 ).
4- 4. أثبت هذه الکلمة فی نسخة « ب » فی الهامش ، وفی المتن : صاحبکم.
5- 5. تفصیل أحوال هذه الفرقة تجدها فی : فرق الشیعة : 67 ، الفَرْق بین الفِرَق : 61 رقم 57 ، الملل والنحل 1 / 166 وفی طبعة 1 / 148.
6- 6. تفصیل أحوال هذه الفرقة تجدها فی : فرق الشیعة : 80 _ 81 ، الفَرْق بین الفِرَق : 63 رقم 61 وذکرها باسم : الموسویة ، الملل والنحل 1 / 169 وفی طبعةٍ 1 / 150 وفی کلیهما ضمن عنوان : الموسویة والمفضّلیة.
7- 7. ما بین القوسین سقط من « ب ».

وکذلک العلم بوفاة (1) الصادق علیه السلام کالعلم بوفاة أبیه محمّد علیه السلام .

والعلم بوفاة موسی علیه السلام کالعلم بوفاة کلِّ متوفّیً (2) من آبائه وأجداده وأبنائه علیهم السلام .

فصارت موافقتهم فی صفات الإمام غیر نافعة مع دفعهم الضرورة وجحدهم العیان.

ولیس یمکن أنْ یُدّعی : أنّ الإمامیّة القائلین بإمامة ابن الحسن علیهماالسلام قد دفعوا _ أیضاً _ عیاناً ، فی ادّعائهم ولادة مَنْ عُلِمَ فَقْدُه وأنّه لم یولد !

وذلک أنّه لا ضرورة فی نفی ولادة صاحبنا علیه السلام ، ولا عِلْمَ ، بل (3) ولا ظنَّ صحیحاً.

ونفی ولادة الأولاد من الباب الذی لا یصحّ أن یُعلم ضرورةً ، فی موضع من المواضع ، وما یمکن أحداً أن یدّعی فیمن لم یظهر له ولد ( أنّه یعلم ضرورة أنّه لا ولد له ) (4) وإنّما یرجع ذلک إلی الظنّ والأمارة ، وأنّه لو کان له ولد لظهر أمره وعرف خبره.

ولیس کذلک وفاة الموتی ، فإنّه من الباب الذی یصحّ أن یعلم ضرورة حتی یزول الریب فیه.

ص: 39


1- 1. فی « ب » : بموت.
2- 2. فی « ج » : متوفٍّ.
3- 3. فی « ب » : بلی.
4- 4. ما بین القوسین سقط من « ب ».

ألا تری : أنّ من شاهدناه حیّاً متصرِّفاً ، ثمّ رأیناه بعد ذلک صریعاً طریحاً ، فُقِدَت حرکاتُ عروقِه وظهرت دلائلُ تغیُّره وانتفاخه ، نعلم (1) یقیناً أنّه میّت.

ونفی وجود الأولاد بخلاف هذا الباب.

علی أنّا لو تجاوزنا _ فی الفصل (2) بیننا وبین مَنْ ذکر فی السؤال _ عن دفع المعلوم ، لکان کلامنا واضحاً ؛ لأنّ جمیع مَنْ (3) ذکر من الفرق قد سقط خلافهُ بعدمِ عَیْنِهِ وخلوّ الزمان من قائل بمذهبه :

أمّا الکیسانیة فما رأینا قطّ منهم أحداً ، ولا عینٌ لهذا القول ولا أثر.

وکذلک الناووسیة.

وأما الواقفة فقد رأینا منهم نفراً شذّاذاً جهّالاً لا یُعدّ مثلهم خلافاً ، ثمّ انتهی الأمر فی زماننا هذا وما یلیه إلی الفقد الکلیّ ، حتی لا یوجد هذا المذهب _ إنْ وجد _ إلا فی اثنین أو ثلاثة علی صفةٍ من قلّة الفطنة والغباوة یقطع بها علی الخروج من التکلیف ، فضلاً أن یجعل قولهم خلافاً یُعارض به الإمامیّة الّذین طبّقوا البرّ والبحر والسهل والجبل فی أقطار الأرض وأکنافها ، ویوجد فیهم (4) من العلماء والمصنفین الأُلوف الکثیرة.

ولا خلاف بیننا وبین مخالفینا فی أنّ الإجماع إنّما یعتبر فیه الزمان الحاضر دون الماضی الغابر.

ص: 40


1- 1. فی « ب » : یُعلم. وفی « ج » : حُکم.
2- 2. فی « ج » : الفضل.
3- 3. فی « أ » و « ب » : ما.
4- 4. فی « ج » : منهم.

6- انحصار الإِمام فی الغائب

وإذا بطلت إمامة من أُثبتت له الإمامة بالاختیار والدعوة (1) فی هذا الوقت لأجل فَقْدِ الصفة التی دلّ العقل علیها ( وبطل قول من راعی هذه الصفة فی غیر صاحبنا لشذوذه ) (2) وانقراضه : فلا مندوحة عن مذهبنا ، ولا بُدّ من صحّته ، وإلا : خرج الحقّ عن جمیع أقوال الأُمّة.

7- علة الغَیْبة ، والجهل بها

فأمّا (3) الکلام فی علّة الغَیْبة وسببها والوجه الذی یحسّنها فواضحٌ بعد تقرّر ما تقدّم من الأُصول :

لأنّا إذا علمنا بالسیاقة التی ساق إلیها الأصلان المتقرِّران (4) فی العقل : أنّ الإمامَ ابنُ الحسن علیهماالسلام دون غیره ، ورأیناه غائباً عن الأبصار : علمِنا أنّه لم یغب _ مع عصمته وتَعَینُّ فرض الإِمامة فیه وعلیه _ إلا لسببٍ اقتضی ذلک ، ومصلحةٍ استدعته ، وضرورةٍ قادت إلیه _ وإنْ لم یُعلَم الوجهُ علی التفصیل والتعیین _ لأنّ ذلک ممّا لا یلزم علمه.

وجری الکلام فی الغَیْبة ووجهها وسببها _ علی التفصیل _ مجری العلم بمراد الله تعالی من الآیات المتشابهة فی القرآن ، التی ظاهرها بخلاف ما

ص: 41


1- 1. فی « ب » : والدعوی.
2- 2. ما بین القوسین سقط من « ب ».
3- 3. فی « ب » : وأمّا.
4- 4. فی « ج » : المقرَّران.

دلّت علیه العقول ، من جَبْرٍ أو تشبیهٍ أو غیر ذلک.

فکما (1) أنّا ومخالفینا لا نوجب العلم المفصّل بوجوه هذه الآیات وتأویلها ، بل نقول کُلُّنا : إنّا إذا علمنا حکمة الله تعالی ، وإنّه لا یجوز أن یخبر بخلاف ما هو علیه من الصفات ، علمنا _ علی الجملة _ أنّ لهذه الآیات وجوهاً صحیحة بخلاف ظاهرها تطابق مدلول أدلّة العقل ، وإنْ غاب عنّا العلم بذلک مفصّلاً ، فإنّه لا حاجة بنا إلیه ، ویکفینا العلم علی سبیل الجملة بأنّ المراد بها خلاف الظاهر ، وأنّه مطابق العقل.

فکذلک لا یلزمنا ولا یتعیّن علینا العلم بسبب الغَیْبة ، والوجه فی فَقْدِ ظهور الإمام علی التفصیل والتعیین ، ویکفینا فی ذلک علم الجملة التی تقدّم ذکرها ، فإنْ تکلّفنا وتبرّعنا بذکره فهو فضلٌ منّا.

کما أنّه من جماعتنا فضْلٌ وتبرعٌ إذا تکلّفنا ذکر وجوه المتشابه والأغراض فیه علی التعیین.

8- الجهل بحکمة الغَیْبة لا ینافیها

ثمّ یقال للمخالفِ فی الغَیْبة : ( أَتُجَوِّزُ أن یکونَ للغَیْبة )(2) وجهٌ صحیح اقتضاها ، ووجه من الحکمة استدعاها ، أم لا تُجَوِّز ذلک ؟

فإن قال : أنا لذلک مجوِّز.

قیل له : فإذا کنت له مجوّاً فکیف جعلت وجود الغَیْبة دلیلاً علی أنّه

ص: 42


1- 1. فی « أ » و « ب » : وکما.
2- 2. ما بین القوسین سقط من « ب ».

لا إمام فی الزمان ، مع تجویزک أن یکون للغَیْبة سبب لا ینافی وجود الإمام ؟!

وهل تجری فی ذلک إلاّ مجری مَنْ توصّل بإیلام الأطفال إلی نفی حکمة الصانع تعالی ، وهو معترف بأنّه یجوز أن یکون فی إیلامهم وجه صحیح لا ینافی الحکمة.

أو مجری مَنْ توصّل بظواهر الآیات المتشابهات إلی أنّه تعالی مُشْبِه (1) للأجسام ، وخالق لأفعال العباد ، مع تجویزه أن یکون لهذه الآیات وجوه صحیحة لا تنافی العدل ، والتوحید ، ونفی التشبیه.

وإن قال : لا أُجوِّز أن یکون للغَیْبة سبب صحیح موافق للحکمة ، وکیف أُجوِّز ذلک وأنا أجعلُ الغَیْبة دلیلاً علی نفی الإمام الذی تدّعون غَیْبته ؟!

قلنا : هذا تحجّر منک شدید ، فیما لا یحاط بعلمه ولا یقطع علی مثله.

فمن أین قلتَ : إنّه لا یجوز أن یکون للغَیْبة سبب صحیح یقتضیها ؟!

ومَنْ هذا الذی یحیط علماً بجمیع الأسباب والأغراض حتی یقطع علی انتفائها ؟!

وما الفرق بینک وبین من قال : لا یجوز أن یکون للآیات المتشابهات وجوه صحیحة تطابق أدلّة العقل ، ولا بُدّ من أن تکون علی ما اقتضته ظواهرها ؟!

ص: 43


1- 1. فی « ب » : مشابه.

فإن قلتَ : الفرق بینی و بین مَنْ ذکرتم أنّنی أتمکّن من أن أذکر وجوه هذه الآیات المتشابهات ومعانیها الصحیحة ، وأنتم لا تتمکّنون من ذکر سبب صحیح للغَیْبة !

قلنا : هذه المعارضة إنّما وجّهناها علی مَنْ یقول : / (1) إنّه غیر محتاج إلی العلم علی التفصیل بوجوه الآیات المتشابهات وأغراضها ، وإنّ التعاطی لذکر هذه الوجوه فضل وتبرّع ، وإنّ الکفایة / واقعة بالعلم بحکمة القدیم تعالی ، وإنّه لا یجوز أن یخبر عن نفسه بخلاف ما هو علیه.

والمعارضة علی هذا المذهب لازمة.

9- لزوم المحافظة علی أُصول البحث

فأمّا مَنْ جَعَلَ الفرق بین الأمرین ما حکیناه فی السؤال من « تمکّنه من ذکر وجوه الآیات المتشابهات ، فإنّا لا نتمکن من ذلک » !

فجوابه أن یقال له : قد ترکتُ _ بما صرتَ إلیه _ مذاهبَ شیوخک وخرجت عمّا اعتمدوه ، وهو الصحیح الواضح اللائح.

وکفی بذلک عجزاً ونکولاً.

وإذا قنعت لنفسک بهذا الفرق _ مع بطلانه و منافاته لأُصول الشیوخ _ کِلْنا علیک مثلَه ، وهو :

أنّا نتمکّن _ أیضاً _ أن نذکر فی الغَیْبة الأسباب الصحیحة ، والأغراض الواضحة ، التی لا تنافی الحکمة ، ولا تخرج عن حدّها ،

ص: 44


1- 1. من هنا سقط من « ب ».

وسنذکر ذلک فیما یأتی من الکلام _ بمشیئة الله وعونه _ فقد ساویناک وضاهیناک بعد أن نزلنا علی اقتراحک وإن کان باطلاً.

ثمّ یقال له : کیف یجوز أن تجتمع صحّة إمامة ابن الحسن علیهماالسلام بما بیّنّاه من سیاقة الأُصول العقلیة إلیها ، مع القول بأنّ الغَیْبة لا یجوز أنْ یکون لها سبب صحیح یقتضیها ؟!

أوَلیس هذا تناقضاً ظاهراُ ، وجاریاً فی الاستحالة مجری اجتماع القول بالعدل والتوحید مع القطع علی أنّه لا یجوز أن یکون للآیات _ الواردة ظواهُرها بما یُخالف العدل والتوحید _ تأویل صحیح ، ومخرَجٌ سدید یطابق ما دلّ علیه العقل ؟!

أوَ لا تعلم : أنّ ما دلّ علیه العقل وقطع به علی صحّته یقود ویسوق إلی القطع علی أنّ للآیات مخرجاً صحیحاً وتأویلأ للعقل مطابقاً ، وإنْ لم نحط علماً به ، کما یقود ویسوق إلی أنّ للغَیْبة وجوهاً وأسباباً صحیحة ، وإن لم نحط بعلمها ؟!

10- تقدم الکلام فی الأُصول علی الکلام فی الفروع

فإن قال : ( أنا لا أُسلّم ) (1) ثبوتَ أمامة ابن الحسن وصحّة طریقها ، ولو سلَّمتُ ذلک لَما خالَفتُ فی الغَیْبة ، لکنّنی أجعل الغَیْبة _ وأنّه لا یجوز أن یکون لها سبب صحیح _ طریقاً إلی نفی ما تدّعونه من إمامة ابن الحسن.

ص: 45


1- 1. فی « أ » : لا نُسلِّم.

قلنا : إذا لم تثبت لنا إمامة ابن الحسن علیهماالسلام فلا کلام لنا فی الغَیْبة ؛ لأنّا إنّما نتکلم فی سبب غَیْبة مَنْ ثبتت إمامتُه وعُلِمَ وجودُه ، والکلام فی وجوه غَیْبة مَنْ لیس بموجود هذیان.

وإذا لم تسلّموا إمامة ابن الحسن ، جعلنا الکلام معکم فی صحّة إمامته ، واشتغلنا بتثبیتها وإیضاحها ، فإذا زالت الشبهة فیها ساغ الکلام حینئذ فی سبب الغَیْبة ؛ وإنْ لم تثبت لنا إمامته وعجزنا عن الدلالة علی صحّتها ، فقد بطل قولنا بإمامة ابن الحسن علیهماالسلام ، واستغنی _ معنا _ عن کلفة الکلام فی سبب الغَیْبة.

ویجری هذا الموضع من الکلام مجری مَنْ سألنا عن إیلام الأطفال ، أو وجوه الآیات المتشابهات ، وجهات المصالح فی رمی الجمار ، والطواف بالبیت ، وما أشبه ذلک من العبادات علی التفصیل والتعیین.

وإذا عوّلنا فی الأمرین علی حکمة القدیم تعالی ، وأنّه لا یجوز أن یفعل قبیحاً ، ولا بُدّ من وجهٍ حُسْن فی جمیع ما فعله ، وإنْ جهلناه بعینه ، وأنّه تعالی لا یجوز أن یخبر بخلاف ما هو علیه ، ولا بُدّ _ فیما ظاهره یقتضی خلاف ما هو تعالی علیه _ من أنْ یکون له وجه صحیح ، وإنْ لم نعلمه مفصّلاً.

قال لنا : ومَن سلّمَ لکم حکمةَ القدیم ، وأنّه لا یفعل القبیح ؟! وإنّا إنّما جعلنا (1) الکلام فی سبب إیلام الأطفال ووجوه الآیات المتشابهات وغیرها طریقاً إلی نفی ما تدّعونه من نفی القبیح عن أفعاله تعالی.

فکما أنّ جوابنا له : أنّک إذا لم تسلِّم حکمةَ القدیم تعالی دللنا

ص: 46


1- 1. فی « ج » : وأنا إنّما جعلتُ.

علیها ، ولم یجز أن نتخطّاها إلی الکلام فی أسباب أفعاله.

فکذلک الجواب لمن کلّمنا فی الغَیْبة وهو لا یسلِّم إمامةَ صاحب الزمان وصحّة أُصولها.

11- لا خیار فی الاستدلال علی الفروع قبل الأُصول

فإن قیل : ألا کان السائل بالخیار بین أن یتکلّم فی إمامة ابن الحسن علیهماالسلام لیعرف صحّتها من فسادها ، وبین أن یتکلّم فی سبب الغَیْبة ، فإذا بانَ أنّه لا سبب صحیحاً لها انکشف بذلک بطلان إمامته ؟

قلنا : لا خیار فی مثل ذلک ؛ لأنّ مَنْ شکّ فی إمامة ابن الحسن علیهماالسلام یجب أن یکون الکلام معه فی نفس إمامته ، والتشاغل فی جوابه بالدلالة علیها ، ولا یجوز مع هذا الشکّ _ وقبل ثبوت هذه الإمامة _ أن یتکلّم (1) فی سبب الغَیْبة ؛ لأنّ الکلام فی الفروع لا یسوغ إلاّ بعد إحکام الأُصول.

ألا تری : أنّه لا یجوز أن یتکلّم فی سبب إیلام الأطفال إلاّ بعد الدلالة علی حکمته تعالی ، وأنّه لا یفعل القبیح ، وکذلک القول فی الآیات المتشابهات.

ولا خیار لنا فی هذه المواضع.

ص: 47


1- 1. فی « ج » : نتکلّم.

12- اعتماد شیوخ المعتزلة علی الطریقة السابقة

وممّا یبیّن صحّة / (1) هذه الطریقة ویوضّحها : أنّ الشیوخ کلّهم لَمّا عوّلوا _ فی إبطال ما تدّعیه الیهود : من تأبید شرعهم و أنّه لا یُنْسخ ما دام اللیل والنهار ، علی ما یرونه ، ویدّعون : أنّ موسی علیه السلام قال : « إنّ شریعته لا تنسخ » _ علی أنّ نبیّنا علیه وآله أفضل الصلاة والسلام _ وقد قامت دلائل نبوّته ، ووضحت بیّنات صدقه _ أکذبهم فی هذه الروایة ، وذکر أنّ شرعه ناسخٌ لکلِّ شریعة تقدّمته.

سألوا (2) نفوسهم _ للیهود _ فقالوا : أیّ فرق بین أن تجعلوا دلیل النبوّة مبطلاً لخبرنا فی نفی النَسْخ للشرع ، وبین أن نجعل صحّة الخبر بتأبید الشرع ، وأنّه لا ینسخ ، قاضیاً علی بطلان النبوّة ؟!

ولِمَ تنقلوننا عن الکلام فی الخبر وطرق صحّته إلی الکلام فی معجز النبوّة ، ولَمْ یجز أن ننقلکم عن الکلام فی النبوّة ومعجزها إلی الکلام فی الخبر وصحّته ؟!

أَوَ لیس کلّ واحد من الأمرین إذا ثبت قضی علی صاحبه ؟!

فأجابوهم عن هذا السؤال ب : أنّ الکلام فی معجز النبوّة أوْلی من الکلام فی طریق صحّة الخبر ؛ لأنّ المعجز معلوم وجوده ضرورةً وهو القرآن ، ومعلوم صفته فی الإعجاز بطریق عقلیّ لا یمکن دخول الاحتمال فیه والتجاذب والتنازع.

ص: 48


1- 1. إلی هنا ینتهی السقط فی « ب ».
2- 2. هذا متعلّق بجملة : « لَمّا عوّلوا ... » المارّة آنفاً.

ولیس کذلک الخبر الذی تدّعونه ؛ لأنّ صحّته تستند إلی أُمور غیر معلومة ولا ظاهرة ولا طریق إلی علمها ؛ لأنّ الکثرة التی لا یجوز علیهم التواطؤ لابُدّ من إثباتهم فی روایة هذا الخبر ، فی أصله وفرعه ، وفیما بیننا وبین موسی علیه السلام ، حتی یُقطع علی أنّهم ما انقرضوا فی وقت من الأوقات ولا قلّوا ، وهذا مع بُعد العهد وتراخی الزمان محالٌ إدراکه والعلم بصحّته.

قضوا (1) حینئذٍ علی أنّ الکلام فی معجز النبوّة _ حتی إذا صحّ ، قطع به علی بطلان الخبر _ أوْلی من الکلام فی الخبر والتشاغل به.

13- استعمال هذه الطریقة فی المجادلات بطریق أَوْلی

وهذا الفرق یمکن أن یستعمل بیننا وبین مَنْ قال : کلّمونی فی سبب إیلام الأطفال قبل الکلام فی حکمة القدیم تعالی ، حتی إذا بانَ أنّه لا وجه یحسّن هذه الآلام بطلت الحکمة ، أو قال بمثله فی الآیات المتشابهات.

وبعدُ ، فإنّ حکمة القدیم تعالی فی وجوب تقدّم الکلام فیها علی أسباب الأفعال ، ووجوه تأویل الکلام ، بخلاف ما قد بیّنّاه فی نسخ الشریعة ودلالة (2) المعجز :

لأنّ حکمة القدیم تعالی أصلٌ فی نفی القبیح (3) عن أفعاله ،

ص: 49


1- 1. جواب جملة : « لَمّا عوّلوا ... » المارّة آنفاً.
2- 2. فی « ب » : دلائل.
3- 3. فی « أ » : النسخ. ویحتمل : القبح.

والأصل لا بُدّ من تقدّمه لفرعه (1).

ولیس کذلک الکلام فی النبوّة ( والخبر ؛ لأنّه لیس أحدهما أصلاً لصاحبه ، وإنّما رجّح الشیوخ الکلام فی النبوّة ) (2) علی الخبر ، وطریقه : من الوجه الذی ذکرناه ، وبیّنوا أنّ أحدهما محتمل مشبته ، والآخر واضح یمکن التوصّل _ بمجرّد دلیل العقل _ إلیه.

[ الکلام فی الإمامة أصل للغَیْبة ]

والکلام فی الغَیْبة مع الکلام فی إمامة صاحب الزمان علیه السلام یجری _ فی أنّه أصل وفرع _ بمجری الکلام فی إیلام الأطفال ، وتأویل المتشابه ، والکلام فی حکمة القدیم تعالی ، فواجب تقدّم الکلام فی إمامته علی الکلام فی سبب غَیْبته من حیث الأصل والفرع اللذان ذکرناهما فی سبب إیلام الأطفال وغیره.

14- مزیّة فی استعمال هذه الطریقة فی بحث الغَیْبة

ثمّ یجب تقدّمه من وجه الترجیح والمزّیة علی ما ذکره الشیوخ فی الفرق بین الکلام فی النبوّة والکلام فی طریقِ خبر نفی النسخ؛ لأنّه من المعلوم.

ص: 50


1- 1. اللام هنا بمعنی « عن ».
2- 2. ما بین القوسین سقط من « ب » ، والعبارة فیها هکذا : « ولیس کذلک الکلام فی النبوّة فی الغَیْبة مع الکلام ... ».

لأنّ الکلام فی سبب الغَیْبة ووجهها ، فیه من الاحتمال والتجاذب ما لیس فی الطریقة التی ذکرناها فی إمامة ابن الحسن علیهماالسلام ؛ لأنّها مبنیّة علی اعتبار العقل وسبر ما یقتضیه ، وهذا بیّنٌ لمن تأمّله.

[ التأکید علی المحافظة علی المنهج الموضوعی للبحث ]

وبعدُ ، فلا تنسوا ما لا یزال شیوخکم یعتمدونه ، من ردّ المشتبه من الأُمور إلی واضحها ، وبناء المحتمل منها علی ما لا یحتمل ، والقضاء بالواضح علی الخفیّ ، حتّی أنّهم یستعملون ذلک ویفزعون إلیه فی أُصول الدین وفروعه فیما طریقه العقل وفیما طریقه الشرع ، فکیف تمنعوننا فی الغَیْبة خاصّة ما هو دأبکم (1) ودینکم ، وعلیه اعتمادکم واعتضادکم ؟!

ولولا خوف التطویل لأشرنا إلی المواضع والمسائل التی تعوّلون فیها علی هذه الطریقة ، وهی کثیرة؛ فلا تنقضوا _ بدفعنا فی الغَیْبة عن النهج الذی سلکناه _ أُصولَکم بفروعکم ، ولا تبلغوا فی العصبیّة إلی الحدّ الذی لا یخفی علی أحد.

15- بیان حکمة الغَیْبة عند المصنِّف

وإذا کنّا قد وَعَدْنا بأن نتبرّع بذکر سبب الغَیْبة علی التفصیل ، وإنْ

ص: 51


1- 1. فی « أ » : دلیلکم.

کان لا یلزمنا ، ولا یُخلّ (1) الإضرابُ عن ذکره بصحّة مذاهبنا ، فنحن نفعل ذلک ونتبعه بالأسئلة التی تُسأل علیه ونجیب عنها.

فإن کان کلّ هذا فضلاً منّا ، اعتمدناه استظهاراً فی الحجّة ، وإلاّ فالتمسّک بالجملة المتقدّمة مُغْنٍ کافٍ.

16- الاستتار من الظلمة هو سبب الغَیْبة

[ الغَیْبة استتاراً من الظلمة ]

أمّا سبب الغَیْبة فهو : إخافة الظالمین له علیه السلام ، وقبضهم یده عن التصرّف فیما جُعل إلیه التصرّف والتدبیر له ؛ لأنّ الإمام إنّما ینتفع به إذا کان مُمَکَّناً ، مطاعاً ، مُخَلّیً بینه وبین أغراضه ، لیقوِّم الجناة ، ویحارب البغاة ، ویقیم الحدود ، ویسدّ الثغور ، وینصف المظلوم من الظالم ، وکلّ هذا لا یتمّ إلاّ مع التمکین ، فإذا حیل بینه وبین مراده سقط عنه فرض القیام بالإمامة ، فإذا خاف علی نفسه وجبت غَیْبته ولزم استتاره.

ومَنْ هذا الذی یُلْزمُ خائفاً _ أعداؤه (2) علیه ، وهم حنقون _ أن یظهر لهم وأن یبرز بینهم ؟!

والتحرّز من المضارّ واجبٌ عقلاً وسمعاً.

وقد استتر النبیّ صلی الله علیه و آله فی الشِعب مرّة ، وأُخری فی الغار ، ولا وجه لذلک إلاّ الخوف من المضارّ الواصلة إلیه.

ص: 52


1- 1. فی « أ » و « ب » : یحلّ.
2- 2. فی « ج » : أعداءه.

17- التفرقة بین استتار النبیّ والإمام فی أداء المهمّة والحاجة إلیه

فإن قیل : النبیُّ صلی الله علیه و آله (1) ما استتر عن قومه إلاّ بعد أدائه إلیهم ما وجب أداؤه ، ولم تتعلّق بهم إلیه حاجة ، وقولکم فی الإمام بخلاف ذلک.

ولأنّ استتاره صلی الله علیه و آله (2) ما تطاول ولا تمادی ، واستتار إمامکم قد مضت علیه العصور وانقضت دونه الدهور!

قلنا : لیس الأمر علی ما ذکرتم ؛ لأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله إنّما استتر فی الشِعْب والغار بمکّة ، وقبل (3) الهجرة ، وما کان أدّی صلی الله علیه و آله (4) جمیع الشریعة ، فإنّ أکثر الأحکام ومعظم القرآن نزل بالمدینة ، فکیف ادّعیتم أنّه کان بعد الأداء ؟!

ولو کان الأمر علی ما زعمتم من تکامل الأداء قبل الاستتار : لَما کان ذلک رافعاً للحاجة إلی تدبیره علیه السلام ، وسیاسته ، وأمره (5) فی أُمّته ونهیه.

ومَنْ هذا الذی یقول : إنّ النبی صلی الله علیه و آله (6) بعد أداء

ص: 53


1- 1. فی « أ » : علیه وآله السلام.
2- 2. فی « أ » و « ب » : علیه السلام .
3- 3. فی « ب » : قبل.
4- 4. فی « أ » و « ب » : علیه السلام .
5- 5. فی « أ » : أوامره.
6- 6. فی « أ » : علیه السلام .

18- سبب عدم استتار الأئمّة السابقین

الشرع غیر محتاج إلیه ، ولا مفتقَر إلی تدبیره ، إلاّ معاندٌ مکابر ؟!

وإذا جاز استتاره علیه السلام _ مع تعلّق الحاجة إلیه _ لخوف الضرر ، وکانت التبعة فی ذلک لازمة لمخیفیه ومحوجیه إلی التغیّب ، سقطت عنه اللائمة ، وتوجهت إلی مَنْ أحوجه إلی الاستتار وألجأه إلی التغیّب.

وکذلک القول / فی غَیْبة إمام غَیْبة إمام الزمان علیه السلام .

[ التفرقة بینهما فی طول الغَیْبة وقصرها ]

فأمّا التفرقة بطول الغَیْبة وقصرها فغیر صحیحة :

لأنّه لا فرق فی ذلک بین القصیر المنقطع وبین الممتدّ المتمادی ؛ لأنّه إذا لم یکن فی الاستتار لائمة علی المستتر إذا أُحْوِجَ إلیه (1) : جاز أن یتطاول سبب الاستتار ، کما جاز أن یقصر زمانه.

[ لَم لَم یستتر الأئمّة السابقون علیهم السلام ]

فإن قیل : إنْ کان الخوف أحوجه إلی الاستتار ، فقد کان آباؤه عندکم فی تقیّة وخوف من أعدائهم ، فکیف لم یستتروا ؟!

قلنا : ما کان علی آبائه علیهم السلام خوفٌ من إعدائهم ، مع لزومهم التقیّة ، والعدول عن التظاهر بالإمامة ، ونفیها عن نفوسهم (2).

ص: 54


1- 1. فی « الغَیْبة » للطوسی _ ص 92 _ هنا زیادة : بل اللائمة علی من أحوجه إلیها.
2- 2. جاء فی هامش « ج » هنا ما نصّه : لی هنا نظر.

وإمام الزمان کلّ الخوف علیه ؛ لأنّه یظهر بالسیف ویدعو إلی نفسه (1) ویجاهد مَنْ خالف علیه.

فأیُّ نسبة بین خوفه من الأعداء ، وخوف آبائه علیهم السلام منهم ، لولا قلّة التأمّل ؟!

19- الفرق بین الغَیْبة وعدم الوجود

فإن قیل : أیّ فرق بین وجوده غائباً لا یصل إلیه أحدٌ ولا ینتنفع به بشر ، وبین عدمه ؟!

وألا جاز أن یعدمه الله تعالی ، حتی إذا علم أنّ الرعیّة تمکّنه وتسلّم له أوْجده ، کما جاز أن یبیحه الاستتار حتی یعلم منهم التمکین له فیظهره ؟!

وإذا (2) جاز أن یکون الاستتار سببه إخافة الظالمین ، فألا جاز أن یکون الإعدام سببه ذلک بعینه ؟!

قیل (3) : ما یُقطع _ قبل أن نجیب عن سؤالک _ علی أنّ الإمام لا یصل إلیه أحد ولا یلقاه ؛ لأنّ هذا الأمر مغیَّب عنّا ، وهو موقوف علی

ص: 55


1- (78) جاء فی هامش « ج » هنا ما نصّه :
2- 2. فی « ب » : فإذا.
3- 3. فی « أ » و « ب » : فإن قیل. غلط.

الشکّ والتجویز.

والفرق بعد هذا _ بین وجوده غائباً من أجل التقیّة ، وخوف الضرر من أعدائه ، وهو فی أثناء ذلک متوقِّع أن یُمکّنوه ویزیلوا خیفته فیظهر ویقوم بما فوّض إلیه من أُمورهم؛ وبین أن یعدمه الله تعالی _ جلیُّ واضح :

لأنّه إذا کان معدوماً ، کان ما یفوت العباد من مصالحهم ، ویُعدمونه من مراشدهم ، ویُحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به منسوباً إلیه تعالی ، ومعضوباً (1) لا حجّة فیه علی العباد ، ولا لوم یلزمهم ولا ذمّ.

وإذا کان موجوداً مستتراً بإخافتهم له ، کان ما یفوت من المصالح ویرتفع من المنافع منسوباً إلی العباد ، وهم الملومون علیه المؤآخذون به.

فأمّا الإعدام فلا یجوز أن یکون سببه إخافة الظالمین ؛ لأنّ العباد قد یلجئ بعضُهم بعضاً / إلی أفعاله.

20- الفرق بین استتار النبیّ وعدم وجوده

علی أنّ ینقلب علیهم فی استتار النبیّ صلی الله علیه و آله (2) فیقال لهم : أیّ فرق بین وجوده مستتراً وبین عدمه ؟! فأیّ شیء قالوا فی ذلک أجبناهم بمثله.

ص: 56


1- 1. کان فی « ب » : ومعصوماً. وفی « ج » : ومعضوباً به.
2- 2. فی « أ » : علیه الصلاة والسلام.

ولیس لهم أن یفرّقوا بین الأمرین بأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله (1) ما استتر من کلّ أحدٍ ، وإنّما استتر من أعدائه ، وإمام الزمان علیه السلام مستتر من الجمیع !

وذلک أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لمّا استتر فی الغار کان مستتراً من أولیائه وأعدائه ، ولم یکن معه إلاّ أبوبکر وحده.

وقد کان یجوز عندنا وعندکم أن یستتر بحیث لا یکون معه أحدٌ من ولیّ ولا عدوٍّ إذا اقتضت المصلحة ذلک.

وإذا رضوا / (2) لأنفسهم بهذا الفرق قلنا مثله ؛ لأنّه قد بیّنّا أنّ الإمام یجوز أن یلقاه فی حال الغَیْبة جماعة من أولیائه وأنّ ذلک ممّا لا یقطع علی فقده.

21- أمکان ظهور الإمام بحیث لا یمسّه الظلم

فإن قیل : إنْ کان خوف ضرر الأعداء هو الموجب للغَیْبة ، أفلا أظهره الله تعالی ( فی السحاب وبحیث لا تصل إلیه أیدی أعدائه فیجمع الظهور ) (3) والأمان من الضرر ؟!

قلنا : هذا سؤال من لا یفکّر فیما یورده؛ لأنّ الحاجة من العباد إنّما تتعلّق بأمام یتولّی عقاب جناتهم ، وقسمة أموالهم ، وسدّ ثغورهم ، ویباشر تدبیر أُمورهم ، ویکون بحیث یحلّ ویعقد ، ویرفع ویضع ، وهذا لا یتمّ إلاّ

ص: 57


1- 1. فی « أ » : علیه السلام .
2- 2. إلی هنا تنتهی نسخة « ب » ، والفقرة السابقة مشوَّشة فیها.
3- 3. ما بین القوسین سقط من « أ ».

مع المخالطة والملابسة.

فإذا جُعل بحیث لا وصول إلیه ارتفعت جهة الحاجة إلیه ، فصار ظهوره للعین کظهور النجوم الذی لا یسدّ منّا خللاً ولا یرفع زللاً ، ومن احتاج فی الغَیْبة إلی مثل هذا السؤال فقد أفلس ولم تبقَ فیه مسکة (1).

22- إقامة الحدود فی الغَیْبة

فإن قیل : فالحدود فی حال الغَیْبة ما حکمها ؟

فإن سقطت عن فاعلی ما یوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشریعة !

وإن کانت ثابتة فمن یقیمها مع الغَیْبة ؟!

قلنا : الحدود المستحقّة ثابتة فی جنوب الجناة بما یوجبها من الأفعال ، فإن ظهر الإمامُ والمستحقُّ لهذه الحدود باقٍ أقامها علیه بالبیّنة أو الإقرار ، وإنْ فات ذلک بموته کان الإثم فی تفویت إقامتها علی من أخاف الإمامَ وألجأه إلی الغَیْبة.

ولیس هذا بنسخ لإقامة الحدود؛ لأنّ الحدّ إنّما تجب إقامته مع التمکّن وزوال الموانع ، ویسقط مع الحیلولة.

وإنّما یکون ذلک نسخاً لو سقط فرض / إقامة الحدّ مع التمکّن وزوال الأسباب المانعة من إقامته.

ثمّ یُقلب هذا علیهم فیقال لهم : کیف قولکم فی الحدود التی

ص: 58


1- 1. فی « أ » : مسألة.

تستحقّها الجناة فی الأحوال التی لا یتمکّن فیها أهل الحلّ والعقد من اختیار الإمام ونصبه ؟! فأیّ شیء قالوه فی ذلک قیل لهم مثله.

فإن قیل : کیف السبیل مع غَیْبة الإمام إلی إصابة الحقّ ؟!

فإنْ قلتم : لاسبیل إلیه ، فقد جعلتم الناس فی حیرة وضلالة وریب فی سائَر أُمورهم.

وإنْ قلتم : یصاب الحقّ بأدلّته ( قیل لکم : هذا تصریح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة ) ورجوع إلی الحقّ ؟! (1)

قلنا : الحقُّ علی ضربین : عقلیّ وسمعیّ :

فالعقلیّ یصاب بأدلّته ویدرک بالنظر فیها.

والسمعیّ ( علیه أدلّة منصوبة من أقوال النبیّ علیه السلام ونصوصه ) (2) وأقوال الأئمّة من ولده علیهم السلام ، وقد بیّنوا ذلک وأوضحوه ، ولم یترکوا منه شیئاً لا دلیل علیه.

غیر إنّ هذا ، وإن کان علی ما قلناه ، فالحاجة إلی الإمام ثابتة لازمة ؛ لأنّ جهة الحاجة إلیه _ المستمرّة فی کلّ زمان وعلی کلّ وجه _ هی کونه لطفاً لنا فی فعل الواجب وتجنّب القبیح ، وهذا ممّا لا یغنی عنه شیءٌ ، ولا یقوم مقامه فیه غیرُه.

فأمّا الحاجة إلیه المتعلّقة بالسمع والشرع فهی أیضاً ظاهرة :

لأنّ النقل ، وإنْ کان وارداً عن الرسول صلی الله علیه و آله وعن آباء

ص: 59


1- 1. إلی هنا ینتهی تفریع الإشکال ، وما بین القوسین سقط من « أ ».
2- 2. ما بین القوسین سقط من « ج ».

الإمام علیهم السلام بجمیع ما یحتاج إلیه فی الشریعة ، فجائزٌ علی الناقلین أن یعدلوا عن النقل ، إمّا اعتماداً (1) أو اشتباهاً ، فینقطع النقل أو یبقی فیمن لیس نقله حجّة ، فیحتاج حینئذٍ إلی الإمام لیکشف ذلک ویوضّحه ویبیّن موضع التقصیر فیه.

فقد بان : أنّ الحاجة ثابتة علی کلّ حال ، وإنْ أمکنت إصابة الحقّ بأدلّته.

23- الحال فیما لو احتیج إلی بیان الإمام الغائب

فإن قیل : أرأیتم إنْ کتم الناقلون بعض مهمَّ الشریعة واحتیج إلی بیان الإمام ، ولم یُعلم الحقُّ إلاّ من جهته ، وکان خوفه القتلَ من أعدائه مستمرّاً ، کیف یکون الحال ؟

فأنتم بین أن تقولوا : إنّه یظهر وإن خاف القتل ، فیجب علی هذا أن یکون خوف القتل غیر مبیح للغَیْبة ، ویجب ظهوره علی کلّ حال !

أو تقولوا : لا یظهر ، ویسقط التکلیف فی ذلک الشیء المکتوم عن الأٌمّة ، فتخرجوا بذلک من الإجماع ؛ لأنّ الإجماع منعقد علی أنّ کلّ شیء شرعه النبیّ صلی الله علیه و آله وأوضحه فهو لازم للأُمّة إلی ( أن تقوم ) (2) الساعة.

وإن قلتم : إنّ التکلیف لا یسقط ، صرّحتم بتکلیف ما لا یطاق وإیجابِ العِلم بما لا طریق إلیه.

ص: 60


1- 1. فی « الغَیْبة » للطوسی _ ص 96 _ : تعمّداً.
2- 2. فی « أ » : یوم.

قلنا : قد أجبنا عن هذا السؤال وفرّعناه إلی غایة ما یتفرّع فی کتابنا « الشافی » (1).

وجملته : أنّ الله تعالی لو علم أنّ النقل لبعض الشریعة المفروضة ینقطع _ فی حالٍ تکون تقیّة الإمام فیها مستمرّة ، وخوفه من الأعداء باقیاً _ لأسقط ذلک التکلیف عمّن لا طریق له إلیه.

وإذا علمنا _ بالإجماع الذی لا شبهة فیه _ أنّ تکلیف الشرائع مسمترٌ ثابتٌ علی جمیع الأُمّة إلی أن تقوم الساعة ، یُنتج لنا هذا العلم أنّه لو اتّفق أن ینقطع النقل _ بشیء من الشرائع (2) _ لما کان ذلک إلاّ فی حال یتمکّن فیها الإمام من الظهور والبروز والإعلام و الإِنذار.

24- علّة عدم ظهور الإمام لأولیائه

فإن قیل : إذا کانت العلّة فی غَیْبته عن أعدائه خوفه منهم ، فما باله لا یظهر لأولیائه ، وهذه العلّة زائلة فیهم ؟!

فإذا لم یظهر للأولیاء _ وقد زالت عنهم علّة استتاره_ بطل قولکم فی علّة الغَیْبة !

قلنا : قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأنّ علّة غیْبته عن أولیائه لا تمنع أن یکون خوفه من أن یلقاهم فیشیعوا خبره ، ویتحدّثوا سروراً باجتماعه معهم ، فیؤدّی ذلک _ وإنْ کان ذلک غیر مقصود _ إلی الخوف

ص: 61


1- 1. الشافی 1 / 144 _ 150 وما بعدها.
2- 2. فی « ج » : الشرع.

25- دفع الاعتراضات علی علّة عدم ظهور الإمام لأولیائه

من (1) الأعداء.

[ عدم ارتضاء المصنِّف لهذه العلّة ]

وهذا الجواب غیر مَرْضیّ ؛ لأنّ عقلاء شیعته لا یجوز أن یخفی علیهم ما فی إظهار اجتماعهم معه من الضرر علیه وعلیهم ، فکیف یخبرون بذلک مع العلم بما فیه من المضرّة الشاملة ؟! و إنْ جاز هذا الذی ذکروه علی الواحد والاثنین ، لم یجز علی جماعة شیعته الذین لا یظهر لهم.

علی أنّ هذه العلّة توجب أنّ شیعته قد عُدموا الانتفاع به علی وجه لا یتمکّنون من تلافیه وإزالته :

لأنّه إذا علّق الاستتار بما یعلم من حالهم أنّهم یفعلونه ، فلیس فی مقدورهم الآن ما (2) یقتضی ظهور الإمام ، وهذا یقتضی سقوط التکلیف _ الذی الإمام لطفٌ فیه _ عنهم.

[ الجواب عن اعتراض المصنِّف ]

وقد أجاب بعضهم عن هذا السؤال بأنّ سبب الغَیْبة عن الجمیع هو فعل الأعداء ؛ لأنّ انتفاع جماعة الرعیّة _ من ولیٍّ وعدوٍّ _ بالإمام إنّما یکون بأن ینفذ أمرُه وتنبسط یدُه ، ویکون ظاهراً متصرِّفاً بلا دافع ولا منازع ،

ص: 62


1- 1. فی « أ » : إلی. وهو غلطٌ.
2- 2. کا ن فی « أ » : ممّا. وفی « ج » : بما. وما أثبتناه هو الأنسب للسیاق من « الغَیْبة » للطوسی _ ص2. .

وهذا ممّا (1) المعلوم أنّ الأعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.

قالوا : ولا فائدة فی ظهوره سرّاً لبعض أولیائه ؛ لأنّ النفع المبتغی من تدبیر الأئمّة لا یتمّ إلا بالظهور للکلّ ونفوذ الأمر ، فقد صارت العلّة فی استتار الإمام وفقد ظهوره _ علی الوجه الذی هو لطفُ ومصلحةٌ للجمیع _ واحدةٌ.

وهذا أیضاً جواب غیر مَرْضیّ :

لأنّ الأعداء إن کانوا حالوا بینه و بین الظهور علی وجه التصرّف والتدبیر ، فلم یحولوا بینه وبین مَنْ شاء من أولیائه علی جهة الاستتار.

وکیف لا یَنْتَفع به مَنْ یلقاه من أولیائه علی سبیل الاختصاص ، وهو یعتقد طاعته وفرض أتّباع أوامره ، ویحکّمه فی نفسه ؟!

وإنْ کان لا یقع هذا اللقاء لأجل اختصاصه ؛ ولأنّ الإمام معه غیر نافذ الأمر فی الکلّ ، ولا مفوَّض إلیه تدبیر الجمیع ، فهذا تصریحٌ بأنّه لا انتفاع للشیعة الإمامیّة بلقاء أئمّتها من لدن وفاة أمیرالمؤمنین علیه السلام إلی أیّام الحسن بن علیّ أبی القائم علیهم السلام ، للعلّة التی ذکرت.

ویوجب _ أیضاً _ أنّ أولیاء أمیرالمؤمنین علیه السلام وشیعته لم یکن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلی تدبیره وحصوله فی یده.

وهذا بلوغ _ من قائله _ إلی حدّ لا یبلغه متأمّل.

علی أنّه : إذا سلّم لهم ما ذکروه_ من أنّ الانتفاع بالإمام لا یکون إلاّ مع ظهوره لجمیع الرعیّة ، ونفوذ أمره فیهم _ بطل قولهم من وجه آخر ،

ص: 63


1- 1. کذا فی « أ » و « ج » و « الغَیْبة » للطوسی _ ص 98 _.

وهو : أنّه یؤدّی إلی سقوط التکلیف _ الذی الإمام لطفٌ فیه _ عن شیعته :

لأنّه إذا لم یظهر لهم لعلّة لا ترجع إلیهم ، ولا کان فی قدرتهم وإمکانهم إزالة ما یمنعهم (1) من الظهور : فلا بُدّ من سقوط التکلیف عنهم ، ولا یجرون فی ذلک مجری أعدائه؛ لأنّ الأعداء _ واِنْ لم یظهر لهم _ فسبب ذلک من جهتهم ، وفی إمکانهم أن یزیلوا المنع من ظهوره فیظهر ، فلزمهم التکلیف الذی تدبیر الإمام لطفٌ فیه ، ولو لم یلزم ذلک شیعته علی هذا الجواب.

ولو جاز أن یمنعَ قومٌ من المکلَّفین غیرهم من لطفهم ، ویکون التکلیف _ الذی ذلک اللطفٌ لطفٌ فیه _ مستمرّاً علیهم : لجاز أن یمنع بعضُ المکلَّفین غیره _ بقیدٍ أو ما أشبهه _ من المشی علی وجهٍ لا یتمکّن ذلک المقیَّد من إزالته ، ویکون المشی مع ذلک مستمّراً علی المقیَّد.

ولیس لهم أن یفرّقوا بین القید وفَقْد اللطف ، من حیث کان القید یتعذّر معه الفعل ولا یتوهّم وقوعه ، ولیس کذلک فَقْد اللطف :

لأنّ المذهب الصحیح _ الذی نتّفق نحن علیه _ أنّ فَقْدَ اللطف یجری مجری فَقْدِ القُدرة والآلة ، وأنّ التکلیف مع فَقْدِ اللطف _ فی مَنْ له لطف _ معلومٌ قبحه ، کالتکلیف مع فَقْد القدرة والآلة ووجود المانع ، وأنّ مَنْ لم یفعل به اللطف _ ممًّن له لطف معلوم _ غیر متمکِّن من الفعل ، کما أنّ الممنوعَ غیرُ متمکِّّن.

ص: 64


1- 1. کذا فی نسختی الکتاب ، والظاهر : « ما یمنعه » أی الإمام علیه السلام .

26- الأَوْلی فی علّة الاستتار من الأولیاء

والذی یجب أن یجاب به عن هذا السؤال _ الذی قدّمنا ذکره فی علّة الاستتار من أولیائه (1) _ أن نقول أوّلاً [ لا ] (2) قاطعین علی أنّه لا یظهر لجمیع أولیائه ، فإنّ هذا مغیَّب عنّا ، ولا یعرف کلُّ واحد منّا إلاّ حال نفسه دون حال غیره.

وإذا کنّا نجوِّ زظهوره لهم کما نجوِّز (3) خلافه : فلا بُدّ من ذِکر العلّة فیما نجوّزه من غَیْبته عنهم.

وأَوْلی ما قیل فی ذلک وأقربه إلی الحقّ _ وقد بیّنّا فیما سلف أنّ هذا الباب ممّا لا یجب العلم به علی سبیل التفصیل ، وأنّ العلم علی وجه الجملة فیه کافٍ _ : أن نقول : لا بُدّ من أن تکون علّة الغَیْبة عن الأولیاء مضاهیة لعلّة الغَیْبة عن الأعداء ، فی أنّها لا تقضی سقوط التکلیف عنهم ، ولا تلحق اللائمة (4) بمکلفِّهم تعالی ، ولا بُدّ من أن یکونوا متمکنّین من رفعها وإزالتها فیظهر لهم ، وهذه صفات لا بُدّ من أن تحصل لما تعلّل به الغَیْبة ، وإلاّ أدّی إلی ما تقدّم ذِکره من الفساد.

وإذا ثبتت هذه الجملة فأَوْلی ما علّل به التغّیب عن الأولیاء أن

ص: 65


1- 1. تقدّم فی ص 61.
2- 2. أثبتناها بقرینة ما فی الکتب التی نقلت عن « المقنع » هذا المطلب ، فقد جاءت الجملة فیها کما یلی : ففی الغَیْبة _ للطوسی ، ص 99 _ : « أن نقول : إنّا أوّلاً لا نقطع علی استتاره عن جمیع أولیائه ... » وفی إعلام الوری _ المطبوز. ص 471 _ : « قال : أوّلاً نحن لا نقطع ... » وفی مخطوطته _ الورقة2. : « قال : نحن أوّلاً لا نقطع ... ».
3- 3. التجویز هنا بمعنی الاحتمال ، فیناسب عدم القطع بعدم الظهور فیما سبق.
4- 4. فی « ج » : لائمة.

یقال : قد علمنا أنّ العلم بإمام الزمان علی سبیل التعیین والتمییز لا یتّم إلاّ بالمعجز ، فإنّ النصّ _ فی إمامة هذا الإمام خاصةً _ غیر کافٍ فی تعیّنه ، ولا بُدّ من المعجز الظاهر علی یده حتی نصدّقه فی أنّه ابن الحسن علیهماالسلام .

والعلم بالمعجز ودلالته علی الظهور ، طریقُهُ الاستدلال الذی یجوز أن تعترض فیه الشبهة.

ومَن عارضته شبهة فی مَنْ ظهر علی یده معجزٌ ، فاعتقد أنّه زورٌ ومخرقهٌ ، وأنّ مُظْهِرَهُ کذاب متقوِّلٌ ، لَحِقَ بالأعداء فی الخوف من جهته.

27- جهة الخوف من الأولیاء عند الظهور

فإن قیل : فأیّ تقصیر وقع من الولیّ الذی لم یظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله (1) ؟

وأیّ قدرة له علی فعل ما یظهر له الإمام معه ؟

وإلی أیّ شیء یفزع فی تلافی سبب غَیْبته عنه ؟

قلنا : ما أَحَلْنا _ فی سبب الغَیْبة عن الأولیاء _ إلاّ علی معلومٍ یظهر موضوع التقصیر فیه ، وإمکان تلافیه :

لأنّه غیر ممتنع أن یکون من المعلوم من حاله أنّه متی ظهر له الإمام قصّر فی النظر فی معجزه ، وإنّما أُتیَ فی ذلک : لتقصیر(2) الناظر فی العلم

ص: 66


1- 1. فی « ج » : جهله.
2- 2. کان فی نسختَی الکتاب : التقصیر. وما أثبتناه هو المناسب للسیاق.

بالفرق بین المعجِز والممکِن ، والدلیلِ مِن ذلک وما لیس بدلیل.

ولو کان من هذا الأمر علی قاعدة صحیحة وطریقة مستقیمة : لم یجز أن یشتبه علیه معجِزُ الإِمام عند ظهوره له.

فیجب علیه تلافی هذا التقصیر واستدارکه ، حتی یخرج بذلک من حدّ من یشتبه علیه المعجِز بغیره.

28- هل تکلیف الولیّ بالنظر ، هو بما لا یطاق ؟

ولیس لأحد أن یقول : هذا تکلیف ما لا یطاق ، وحوالة علی غیب لا یُدرَک ؛ لأنّ هذا الولیّ لیس یعرف ما قصّر فیه بعینه من النظر والاستدلال ، فیستدرکه ، حتی یتمهّد فی نفسه ویتقرّر ، ونراکم تلزمونه علی ما لا یلزمه ؟!

والجواب عن هذا الاعتراض :

أنّ ما یلزم فی التکلیف قد یتمیّز وینفرد ، وقد یشتبه بغیره ویختلط _ وإنْ کان التمکّن من الأمرین حاصلاً ثابتاً _ فالولیّ علی هذا إذا حاسب نفسه ورأی إمامَه لا یظهر له ، واعتقد (1) أن یکون السبب فی الغَیْبة ما ذکرناه من الوجوه الباطلة ( وأجناسها : علم أنّه لا بُدّ من سبب یرجع إلیه ) (2).

وإذا رأی أنّ أقوی الأسباب ما ذکرناه : علم أنّ تقصیراً واقعاً من

ص: 67


1- 1. کان فی « أ » : وافد. وفی « ج » : وأفسد. وما أثبتناه هو المناسب للسیاق.
2- 2. ما بین القوسین سقط من « أ ».

جهته فی صفات المعجِز وشروطه ، فعلیه _ حینئذٍ _ معاودة النظر فی ذلک ، وتخلیصه من الشوائب ، وتصفیته ممّا یقتضی الشبهة ویوجب الالتباس.

فإنّه متی اجتهد فی ذلک حقّ الاجتهاد ، ووفیّ النظر نصیبه غیر مبخوس ولا منقوص : فلا بُدّ له من وقوع العلم بالفراق بین الحقّ والباطل.

وإذا وقع العلم بذلک : فلا بُدّ من زوال سبب الغَیْبة عن الولیّ.

وهذه المواضع : الإنسانُ فیها علی نفسه بصیرة ، ولیس یمکن أن یؤمر فیها بأکثر من التناهی فی الاجتهاد والبحث والفحص والاستسلام للحقّ.

29- استکمال الشروط ، أساس الوصول إلی النتیجة

وما للمخالف لنا فی هذه المسألة إلاّ مثل ما علیه :

لأنّه یقول : إنّ النظر فی الدلیل إنّما یولّد العلم علی صفات مخصوصة ، وشروط کثیرة معلومة ، متی اختلّ شرط منها لم یتولّد العلم بالمنظور فیه.

فإذا قال لهم مخالفوهم : قد نظرنا فی الأدلّة کما تنظرون فلم یقع لنا العلم بما تذکرون أنّکم عالِمون به ؟

کان جوابهم : إنّکم ما نظرتم علی الوجه الذی نظرنا فیه ، ولا تکاملت لکم شروطُ تولیدِ النظرِ العلمَ ؛ لأنّها کثیرة ، مختلفة ، مشتبهة.

فإذا قال لهم مخالفوهم : ما تحیلوننا فی الإِخلال بشروط تولید النظر إلاّ علی سراب ، وما تشیرون إلی شرط معیّن أخللنا به وقصّرنا فیه ؟!

ص: 68

کان جوابهم : لا بُدّ _ متی لم تکونوا عالمین کما عِلمنا _ من تقصیرٍ وقع منکم فی بعض شروط النظر ؛ لأنّکم لو کمّلتم الشروط واستوفیتموها لعلمتم کما علِمنا ، فالتقصیر منکم علی سبیل الجملة واقع ، وأنْ لم یمکننا الإشارة إلی ما قصّرتم فیه بعینه ، وأنتم مع هذا متمکّنون من أن تستوفوا شروط النظر وتستسلموا للحقّ وتخلو قلوبکم من الاعتقادات والأسباب المانعة من وقوع العلم ، ومتی فعلتم ذلک فلا بُدّ من أنْ تعلموا ، والإنسانُ علی نفسه بصیرة.

وإذا کان هذا الجواب منهم صحیحاً ، فبمثله أجبناهم.

30- الفرق بین الولیّ والعدوّ فی علّة الغَیْبة

فإن قیل : فیجب _ علی هذا _ أن یکون کلّ ولیّ لم یظهر له الإِمام یقطع علی أنّه علی کبیرة عظیمة تلحق بالکفر ؛ لأنّه مقصّر _ علی ما فرضتموه _ فیما یوجب غَیْبة الإِمام عنه ، ویقتضی تفویته ما فیه مصلحته ، فقد لَحِقَ الولیُّ _ علی هذا _ بالعدوّ.

قلنا : لیس یجب فی التقصیر _ الذی أشرنا إلیه _ أن یکون کفراً ولا ذنباً عظیماً ، لأنّه فی هذه الحال الحاضرة ما اعتقد فی الإمام أنّه لیس بإمام ، ولا أخافه علی نفسه ، وإنّما قصّر فی بعض العلوم تقصیراً کان کالسبب فی أنّه علِم من حاله أنّ ذلک یؤدّی إلی أنّ الشکّ فی الإِمامة یقع منه مستقبلاً ، والآن لیس بواقع ، فغیر لازم فی هذا التقصیر أن یکون بمنزلة ما یفضی إلیه ممّا المعلوم أنّه سیکون.

غیر إنّه ، وإنْ لم یلزم أنْ یکون کفراً ، ولا جاریاً مجری تکذیب الإِمام

ص: 69

والشکّ فی صدقه ، فهو ذنب وخطأ ، لا (1) ینافیان الإِیمان واستحقاق الثواب.

وأنْ[ لا ] (2) یلحق الولیُّ بالعدوِّ علی هذا التقدیر؛ لأنّ العدوّ _ فی الحال _ معتقد فی الإِمامة ما هو کفر و کبیرة ، والولیّ بخلاف ذلک.

31- سبب الکفر فی المستقبل ، لیس کفراً فی الحال

والذی یبیّن ما ذکرناه _ من أنّ ما هو کالسبب فی الکفر لا یلزم أن یکون فی الحال کفراً _ أنّه لو اعتقد معتقدٌ فی القادر منّا بقدرةٍ : « أنّه یصحّ أن یفعل فی غیره من الأجسام من غیر مماسّة » فهذا خطأ وجهل لیس بکفر ، ولا یمتنع أن یکون المعلوم من حال المعتقِد أنّه لو ظهر نبیُّ یدعو إلی نبوّته ، وجعل معجِزه أنْ یفعل الله علی یدیه فعلاً بحیث لا تصل إلیه أسباب البشر _ وهذا لا محالة عِلْمٌ مُعجِزٌ _ أنّه کان یکذّبه فلا یؤمن به ، ویجوز أنْ یُقَدِّر أنّه کان یقتله ؛ وما سبق من اعتقاده فی مقدور القادر کالسبب فی هذا ، ولم یلزم أن یجری مجراه فی الکبر والعظم.

وهذه جملة ( من الکلام فی ) (3) الغَیْبة یطّلع بها علی أُصولها وفروعها ، ولا یبقی بعدها إلاّ ما هو کالمستغنی عنه.

ومن الله نستمدّ المعونة وحسن التوفیق لِما وافق الحق وطابَقَه وخالف

ص: 70


1- 1. فی « أ » : ولا.
2- 2. أضفناها لضرورة المعنی. یعنی : أنّ الذنب والخطأ لا ینافیان أن لا یلحق الولیّ بالعدوّ للعلّة التی ذکرها.
3- 3. فی « ج » : فی الکلام و ...

الباطل وجانَبَه ( وهو السمیع المجیب بلطفه ورحمته ، وحسبنا الله ونِعم الوکیل ) (1).

تمّ کتاب « المقنع » والحمدلله أولاً وآخراً

( وظاهراً وباطناً ) (2).

* * *

ص: 71


1- 1. ما بین القوسین سقط من « ج ».
2- 2. فی « ج » والحمدلله وحده.

ص: 72

کتاب الزیادة المکمّل بها کتاب « المقنع »

1- مقدّمة المصَّف

للسیّد المرتضی علم الهدی علیّ بن الحسین الموسوی ) (1)

[ مقدّمة الزیادة المکمّلة ]

بسم الله الرحمن الرحیم

قال السیّد المرتضی علم الهدی ( قدسّ الله روحه ، ورضی عنه وأرضاه) (2) :

قد ذکرنا فی کتابنا (3) « الشافی فی الإمامة » ثمّ فی کتابنا (4) « المقنع فی الغَیْبة » السببَ فی استتار إمام الزمان علیه السلام عن أعدائه وأولیائه (5) ، وخالَفْنا بین السبَبیْن ، وبیّنّا أنّ عدم الانتفاع _ من الجمیع _ به : لشیء یرجع إلیهم ، لا إلیه ، واستقصینا ذلک وبلغنا فیه أبعد غایة.

ثمّ استأنفنا فی « المقنع » طریقة غریبة لم نُسْبَق إلیها ، ودللنا علی أنّه

ص: 73


1- 1. فی « ج » بدل ما بین القوسین : هذه زیادة یکمل بها کتاب « المقنع ».
2- 2. ما بین القوسین لیس فی « ج ».
3- 3. فی « ج » : کتاب.
4- 4. فی « ج » : کتاب.
5- 5. الشافی 1 / 144 فما بعدها ، المقنع : 199 فما بعدها من طبعتنا هذه.

لا یجب علینا بیان السبب فی غَیْبته علی التعیین ، بل یکفی فی العلم بحُسن الغَیْبة منه علْمُنا بعصمته وأنّه ممّن لا یفعل قبیحاً ولا یترک واجباً ، وضربنا لذلک الأمثال فی الأُصول ، وأنّ مثل ذلک مستعمل فی مواضع کثیرة.

وخطر ببالنا الآن ما لا بُدّ من ذِکره لیُعرَف ، فهو قویُّ سلیمٌ من الشُبه (1) والمطاعن.

2- استلهام الأولیاء من وجود الإمام ولو فی الغَیْبة

وجملته : أنّ أولیاء إمام الزمان علیه السلام وشیعته ومعتقِدی إمامته ینتفعون به فی حال غَیْبته (2) النفع الذی نقول إنّه لا بُدّ _ فی التکلیف _ منه ؛ لأنّهم مع علمهم بوجوده بینهم ، وقطعهم علی وجوب طاعته علیهم ، ولزومها لهم ، لا بُدّ من أن یهابوه ویخافوه فی ارتکاب القبائح ، ویخشوا تأدیبه وانتقامه ومؤاخذته وسطوته ، فیکثر منهم فعل الواجب ، ویقلّ ارتکاب القبیح ، أو یکون ذلک أقرب وألیق ، وهذه هی جهة الحاجة العقلیة إلی الإمام.

ص: 74


1- 1. فی « أ » : الشنعة. وفی « م » : السُبّة.
2- 2. فی « م » : الغَیْبة.

3- هل الغَیْبة تمنع الإمام من التأثیر والعمل ؟

وکأنّی بمن سمع هذا من المخالفین ربّما عجب وقال : أیّ سطوة لغائب مستتر خائف مذعور ؟!

وأیّ انتقام یُخشی ممّن لا ید له باسطة ، ولا أمر نافذ ، ولا سلطان قاهر ؟!

وکیف یُرهَب مَنْ لا یُعرَف ولا یمیِّز ولا یُدری مکانه ؟!

والجواب عن هذا : أنّ التعجّب بغیر حجّة تظهر وبیّنة تذکر هو الذی یجب العجب منه ، وقد علمنا أنّ أولیاء الإمام وإنْ لم یعرفوا شخصه ویمیّزوه بعینه ، فإنّهم یحقّقون وجوده ، ویتیقّنون أنّه معهم بینهم ، ولا یشکّون فی ذلک ولا یرتابون به :

لأنّهم إنْ لم یکونوا علی هذه الصفة لحقوا بالأعداء ، وخرجوا عن منزلة الأولیاء ، وما فیهم إلاّ مَنْ یعتقد أنّ الإمام بحیث لا تخفی علیه أخباره ، ولا تغیب عنه سرائره ، فضلاً عن ظواهره ، وأنّه یجوز أن یعرف ما یقع منهم من قبیح وحسن ، فلا یأمنون إنْ یقدِموا علی القبائح فیؤدّبهم علیها.

ومَن الذی یمتنع منهم _ إنْ ظهر له الإِمام ، وأظهر له معجزةً یعلم بها أنّه إمام الزمان ، وأراد تقویمه وتأدیبه وإقامة حدٍّ علیه _ أنْ یبذلَ ذلک من نفسه ویستسلمَ لِما یفعله إمامُه به ، وهو یعتقد إمامته وفرض طاعته ؟!

ص: 75

4- لا فرق فی الاستلهام من وجود الأئمة بین الغَیْبة والظهور

وهل حاله مع شیعته غائباً إلاّ کحاله ظاهراً فیما ذکرناه خاصّة ، وفی وجوب طاعته ، والتحرّز من معصیته ، والتزام مراقبته ، وتجنّب مخالفته.

ولیس الحذر من السطوة والشفاق من النقمةِ بموقوفَیْن علی معرفة العین ، وتمییز الشخص ، والقطع علی مکانه بعینه ، فإنّ کثیراً من رعیّة الإِمام الظاهر لا یعرفون عینه ولا یمیّزون شخصه ، وفی کثیر من الأحوال لا یعرفون مکان حلوله ، وهم خائفون متی فعلوا قبیحاً أن یؤدّبهم ویقوِّمهم ، وینتفعون بهذه الرهبة حتی یکفّوا عن کثیر من القبائح ، أو یکونوا أقرب إلی الانکفاف.

وإذا کان الأمر علی ما أوضحناه فقد سقط عنّا السؤال المتضمّن ل _ : أنّ الإمام إذا لم یظهر لأعدائه لخوفه منهم وارتیابه بهم ، فألاّ ظهر لأولیائه ؟!

وإلاّ : فکیف حُرِمَ الأولیاءُ منفعتهم ومصلحتهم بشیء جرّه الأعداء علیهم ؟!

وإنّ هذا شیء ینافی العدل مع استمرار تکلیف شیعته ما الإِمام لطفٌ فیه ؟

لأنّا قد بیّنّا أنّهم بإمامهم علیه السلام مع الغَیْبة منتفعون ، وأنّ الغَیْبة لا تنافی الانتفاع الذی تمسّ الحاجة إلیه فی التکلیف.

وبیّنّا أنّه لیس من شرط الانتفاع الظهورُ والبروزُ ، وبرئنا من عهدة

ص: 76

هذا السؤال القویّ الذی یعتقد مخالفونا أنّه لا جواب عنه ولا محیص منه.

5- الظهور للأولیاء لیس واجباً

ومع هذا ، فما نمنع (1) من ظهوره علیه السلام لبعضهم إمّا لتقویم أو تأدیب أو وعظ وتنبیه وتعلیم ، غیر أنّ ذلک کلّه غیر واجب ، فیُطلب فی فوته العلل وتتمّحل له الأسباب.

وإنّما یصعب الکلام ویشتبه إذا کان ظهوره للولیّ واجباً من حیث لا ینتفع أو یرتدع إلاّ مع الظهور.

واذا کان الأمر علی خلاف ذلک سقط وجوب الظهور للولیّ ، لما دللنا علیه من حصول الانتفاع والارتداع من دونه ، فلم تبق شبهة.

6- علمُ الإمام حال الغَیْبة بما یجری وطرق ذلک

فإن قیل : ومن أین یَعْلمُ الإمامُ فی حال الغَیْبة والاستتار بوقوع القبائح من شیعته حتی یخافوا تأدیبه علیها ، وهو فی حال الغَیْبة ممن لا یُقِرّ عنده مُقِّر ، ولا یشهد لدیه شاهد ، وهل هذا إلاّ تعلیل بالباطل ؟!

قلنا : ما المتعلِّل بالباطل إلاّ مَنْ لا ینصف من نفسه ، ولا یلحظ ما علیه کما یلحظ ماله !

ص: 77


1- 1. کان فی نسخ الکتاب الثلاث : یمنع. وما أثبتناه هو المناسب للسیاق.

فأمّا معرفة الإمام بوقوع القبائح من بعض أولیائه فقد یکون من کلّ الوجوه التی یعلم وقوع ذلک منهم ، وهو ظاهرٌ نافذُ الأمر باسطُ الید.

7- مشاهدته للأُمور بنفسه علیه السلام

فمنها : أنّه قد یجوز أن یشاهد ذلک فیعرفه بنفسه ، وحال الظهور فی هذا الوجه کحال الغَیْبة ، بل حال الغَیْبة فیه أقوی :

لأنّ الإمام إذا لم تُعرف عینُه ویُمیّز شخصه ، کان التحرّز _ من مشاهدته لنا علی بعض القبیح _ أضیق وأبعد ، ومع المعرفة له بعینه یکون التحرّز أوسع وأسهل ، ومعلومٌ لکّل عاقل الفرق بین الأمرین :

لأنّا إذا لم نعرفه جوّزنا فی کلّ من نراه _ ولا نعرف نسبه _ أنّه هو ، حتی أنّا لا نأمن أن یکون بعض جیراننا أو أو أضیافنا أو الداخلین والخارجین إلینا ، وکلّ ذلک مرتفع مع المعرفة والتمییز.

وإذا شاهدَ الإمامُ منّا قبیحاً یوجب تأدیباً وتقویماً ، أدّبَ علیه وقَوَّمَ ، ولم یحتج إلی إقرار وبیّنة ؛ لأنّهما یقتضیان غلبة الظنّ ، والعلم أقوی من الظنّ.

[ قیام البیّنة عنده علیه السلام ]

ومن الوجوه أیضاً : البیّنة ، والغَیْبة _ أیضاً _ لا تمنع من استماعها والعمل بها :

لأنه یجوز أن یظهرَ علی بعض الفواحش _ من أحد شیعته _ العددُ

ص: 78

الذی تقوم به الشهادةُ علیها ، ویکون هؤلاء العدد ممّن یلقی الإمام ویظهر له _ فقد قلنا : إنّا لا نمنع من ذلک ، وإن کنّا لا نوجبه _ فإذا شهدوا عنده بها ، ورأی إقامةَ حدّها : تولاّه بنفسه أو بأعوانه ، فلا مانع له من ذلک ، ولا وجه یوجب تعذره.

فإن قیل : ربّما لم یکن مَنْ شاهدَ هذه الفاحشة ممّن یلقی الإمامَ ، فلا یقدر علی إقامة الشهادة ؟

قلنا : نحن فی بیان الطرق الممکنة المقدَّرة فی هذا الباب ، لا فی وجوب حصولها ، وإذا کان ما ذکرناه ممکناً فقد وجب الخوف والتحرّز ، وتمّ اللطف.

علی أنّ هذا بعینه قائم مع ظهور الإمام وتمکّنه :

لأنّ الفاحشة یجوز _ أولاً _ أن لا یشاهدها مَنْ یشهد بها ، ثمّ یجوز أن یشاهدها مَنْ لا عدالة له فلا یشهد ، وإنْ شهدَ لم تُقبل شهادتُه ، وإنْ شاهدها مِن العدول مَنْ تُقبل مثلُ شهادتِه یجوز أن لا یختار الشهادة.

وکأنّنا نقدر علی أن نحصی الوجوه التی تسقط معها إقامة الحدود !

ومع ذلک کلّه فالرهبة قائمة ، والحذر ثابت ، ویکفی التجویز دون القطع.

8- الإِقرار عند الإمام

فأمّا الإِقرار : فیمکن أیضاً مع الغَیْبة؛ لأنّ بعض الأولیاء _ الّذین ربّما ظهر لهم الإِمام _ قد یجوز أن یواقع فاحشة فیتوب منها ، ویؤْثر التطهیر له

ص: 79

بالحدّ الواجب فیها ، فیقرّ بها عنده.

فقد صارت الوجوه التی تکون مع الظهور ثابتةً فی حال الغَیْبة.

9- احتمال بُعد الإمام وقربه

فإن قیل : ألیس ما أحد (1) من شیعته إلاّ وهو یجوِّز أن یکون الإمام بعید الدار منه ، وأنّه یحلّ إمّا المشرقَ أو المغربَ ، فهو آمن من مشاهدته له علی معصیته ، أو أن یشهد بها علیه شاهدٌ (2) ، وهذا لا یلزم مع ظهور الإمام والعلم ببعد داره ؛ لأنّه لا یبعد من بلد إلاّ ویستخلف فیه من یقوم مقامه ممّن یُرهب ویُخشی ویُتقی انتقامُه ؟!

قلنا : کما لا أحد من شیعته ( إلاّ وهو یجوِّز بُعد محلّ الإمام عنه ، فکذلک لا أحد منهم ) (3) إلاّ وهو یجوِّز کونه فی بلده وقریباً من داره وجواره ، والتجویز کافٍ فی وقوع الحذر وعدم الأمان.

وبعد ، فمع (4) ظهور الإمام وانبساط یده ، ونفوذ أمره فی جمیع الأُمّة ، لا أحد من مرتکبی القبائح (5) إلاّ وهو یجوِّز خفاء ذلک علی الإمام ولا یتّصل به ، ومع هذا فالرهبة قائمة ، واللطف بالإمام ثابت.

فکیف ینسی هذا مَنْ یُلزمنا بمثله مع الغَیْبة ؟!

ص: 80


1- 1. کان فی « أ » : ألیس لأحد. وفی « ج » : ألیس أحد.
2- 2. فی « أ » و « ج » : شاهد علیه.
3- 3. ما بین القوسین سقط من « ج ».
4- 4. فی « م » : ومع.
5- 5. فی « ج » : القبیح.

10- أمکان استخلاف الإمام لغیره فی الغَیْبة والظهور

فأمّا ما مضی فی السؤال من : أنّ الإمام إذا کان ظاهراً متمیّزاً وغاب عن بلدٍ ، فلن یغیب عنه إلاّ بعد أن ستخلف عیله مَنْ یُرْهَبَ کرهبته ؟

فقد ثبت أنّ التجویز _ فی حال الغَیْبة _ لأنْ یکون قریب الدار منّا ، مخالطاً لنا ، کافٍ فی قیام الهیبة وتمام الرهبة.

لکنّنا ننزل علی هذا الحکم فنقول (1) : ومن الذی یمنع مَن قال بغَیْبة الإمام ( من مثل ذلک ، فنقول : إنّ الإمام ) (2) لا یبعد فی أطراف الأرض إلاّ بعد أن یستخلف من أصحابه وأعوانه ، فلا بُدّ من أن یکون له ، وفی صحبته ، أعوان وأصحاب علی کلّ بلد یبعد عنه مَنْ یقوم مقامه فی مراعاة ما یجری من شیعته ، فإنْ جری ما یوجب تقویماً ویقتضی تأدیباً تولاّه هذا المستخلف کما یتولاّه الإمام بفسه.

فإذا قیل : وکیف یطاع هذا المستخلف ؟! ومِن أین یَعلم الولیّ الذی یرید تأدبیه أنّه خلیفة الإمام ؟!

قلنا : بمعجزٍ یظهره الله تعالی علی یده ، فالمعجزات علی مذاهبنا تظهر علی أیدی الصالحین فضلاً عمّن یستخلفه الإمامُ ویقیمه مقامه.

فإن قیل : إنّما یرهب خلیفة الإمام مع بُعْد الإمام إذا عرفناه ومیّزناه !

ص: 81


1- 1. سقطت الجملة التالیة من « م » لغایة کلمة « فنقول » التالیة.
2- 2. ما بین القوسین سقط من « أ ».

قیل : قد مضی مِن هذا الزمان (1) ما فیه کفایة.

وإذا کنّا نقطع علی وجود الإمام فی الزمان ومراعاته لأُمورنا ، فحاله عندنا منقسمة إلی أمرین ، لا ثالث لهما :

أمّا أن یکون معنا فی بلد واحد ، فیراعی أُمورَنا بنفسه ، ولا یحتاج إلی غیره.

أو بعیداً عنّا ، فلیس یجوز _ مع حکمته _ أن یبعد إلاّ بعد أن یستخلف مَنْ یقوم مقامه ، کما یجب أن یفعل لو کان ظاهر العین متمیّز الشخص.

وهذه غایة لا شبهة بعدها.

11- الفرق بین الغَیْبة والظهور فی الانتفاع بوجود الإمام

فإن قیل : هذا تصریح منکم فأنّ ظهور الإمام کاستتاره فی الانتفاع به والخوف منه ونَیل المصالح من جهته ، وفی ذلک ما تعلمون ! (2).

قلنا : إنّا لا نقول : إنّ ظهوره فی المرافق _ به _ والمنافع کاستتاره ، وکیف نقول ذلک وفی ظهوره وانبساط یده وقوّة سلطانه ، انتفاع الولیّ والعدوّ ، والمحّب والمبغض ؟! ولیس ینتفع به فی حال الغَیْبة _ الانتفاع الذی

ص: 82


1- 1. کلمة « الزمان » لیس فی « أ ».
2- 2. یعنی أنّ هذا یقتضی أن لا یکون هناک فرق بین حالتی الغَیْبة والظهور ، فی أداء الإمام دوره الإلهیّ ، وهو ظاهر التهافت لوضوح الفرق بین الأمرین ، مع أنّ هذا یؤدّی إلی بطلان جمیع ما تحدّثتم به عن الغَیْبة وعللها ومصالحها وغیر ذلک.

أشرنا إلیه _ إلاّ ولیّه دون عدوّه.

وفی ظهوره وانبساطه _ أیضاً _ منافع جمّة لأولیائه وغیرهم ؛ لأنّه یحمی بیضتهم ، ویسدّ ثغورهم ، ویؤمن سبلهم ، فیتمکّنون من التجارات والمکاسب والمغانم ، ویمنع من ظلم غیرهم لهم ، فتتوفّر أموالهم ، وتدرّ معایشهم ، وتتضاعف مکاسبهم.

غیر إنّ هذه منافع دنیاویّة لا یجب _ إذا فاتت بالغَیْبة _ أن یسقط التکلیف معها ؛ والمنافع الدینیة الواجبة فی کلّ حال بالإمامة قد بیّنّا أنّها ثابتة مع الغَیْبة ، فلا یجب سقوط التکلیف لها.

ولو قلنا _ وإنْ کان ذلک لیس بواجب _ : أنّ انتفاعهم به علی سبیل اللطف فی فعل الواجب ، والامتناع من القبیح _ وقد بیّنّا ثبوته فی حال الغَیْبة _ یکون أقوی فی حال الظهور للکلّ وانبساط الید فی الجمیع ، لجازَ :

لأنّ اعتراض ما یفّوت قوّة للطف _ مع ثبوت أصله _ لا یمنع من الانتفاع به علی الوجه الذی هو لطف فیه ، ولا یوجب سقوط التکلیف.

12- هل یقوم شیء مقام الإِمام فی أداء دوره

فإن قیل : ألا جوَّزتم أن یکون أولیاؤه غیر منتفعین به فی حال الغَیْبة ، إلاّ أنّ الله تعالی یفعل لهم من اللطف فی هذه الأحوال ما یقوم فی تکلیفهم مقام الانتفاع بالإِمام ؟! کما قاله جماعة من الشیوخ فی إقامة الحدود إذا فاتت ، فإنّ الله تعالی یفعل ما یقوم مقامها فی التکلیف.

قلنا : قد بیّنّا أنّ أولیاء الإمام ینتفعون به فی أحوال الغَیْبة علی وجه

ص: 83

لا مجال للریب علیه ، وبهذا القدر یسقط السؤال.

ثمّ یبطل من وجه آخر ، وهو : أنّ تدبیر الإمام وتصرّفه واللطف لرعیّته به ، ممّا لا یقوم _ عندنا _ شیء من الأُمور مقامه. ولولا أنّ الأمر علی ذلک لَما وجبت الإِمامة علی کلّ حال ، وفی کلّ مکلّف ، ولکان تجویزنا قیام غیرها مقامها فی اللطف یمنع من القطع علی وجوبها فی کلّ الأزمان.

وهذا السؤال طعن فی وجوب الإمامة ، فکیف نتقبّله ونُسأل عنه فی علّة الغَیْبة ؟!

ولیس کذلک الحدود؛ لأنّها إذا کانت لطفاً ، ولم یمنع دلیلٌ عقلیّ ولا سمعیّ من جواز نظیرٍ لها وقائمٍ فی اللطف مقامها ، جاز أن یقال : أنّ الله تعالی یفعل عند فوتها ما یقوم مقامها ، وهذا علی ما بیّنّاه لا یتأتّی فی الإِمامة.

13- کیف یعلم الإمام بوقت ظهوره

فإن قیل : إذا علّقتم ظهور الإِمام بزوال خوفه من أعدائه ، وأمنه من جهتهم :

فکیف یعلم ذلک ؟

وأیّ طریق له إلیه ؟

وما یضمره أعداؤه أو یظهرونه _ وهم فی الشرق والغرب والبّر والبحر _ لا سبیل له إلی معرفته علی التحدید والتفصیل !

قلنا : أمّا الإمامیّة فعندهم : أنّ آباء الإمام علیه و علیهم السلام

ص: 84

عهدوا إلیه وأنذروه وأطلعوه علی ما عرفوه من توقیف الرسول صلی الله علیه و آله (1) علی زمان الغَیْبة وکیفیّتها ، وطولها وقصرها ، وعلاماتها وأماراتها ، ووقت الظهور ، والدلائل علی ( تیسیره وتسهیله ) (2).

وعلی هذا لا سؤال علینا ؛ لأنّ زمان الظهور إذا کان منصوصاً علی صفته ، والوقت الذی یجب أن یکون فیه ، فلا حاجة إلی العلم بالسرائر والضمائر.

وغیر ممتنع _ مضافاً إلی ما ذکرناه _ أن یکون هذا الباب موقوفاً علی غلبة الظنّ وقوّة الأمارات وتظاهر الدلالات.

وإذا کان ظهور الإمام إنّما هو بأحد أُمور : إمّا بکثرة أعوانه وأنصاره ، أوقوّتهم ونجدتهم ، أو قلّة أعدائه ، أو ضعفهم وجورهم ؛ وهذه أُمور علیها أمارات یعرفها من نظر فیها وراعاها ، وقربت مخالطته لها ، فإذا أحسَّ الإمام علیه السلام بما ذکرناه _ إمّا مجتمعاً أو متفرِّقاً _ وغلب فی ظنّه السلامة ، وقویَ عنده بلوغ الغرض والظفر بالأرب ، تعیّن علیه فرض الظهور ، کما یتعیّن علی أحدنا فرض الإِقدام والإِحجام عند الأمارات المؤمّنة والمخیفة.

14- هل یعتمد الإِمام علی الظنّ فی أسباب ظهوره

فإن قیل : إذا کان مَنْ غلب عنده ظنّ السلامة ، یجوِّز خلافها ، ولا یأمن أن یحقّق ظنّه ، فکیف یعمل إمام الزمان ومهدیّ الأُمّة علی الظنّ فی

ص: 85


1- 1. فی « أ » : علیه السلام .
2- 2. فی « ج » : تیّسره وتسهّله.

الظهور ورفع التقیّة وهو مجوِّز أن یُقتل ویُمنع ؟!

قلنا : أمّا غلبة الظنّ فتقوم مقام العلم فی تصرّفنا وکثیر من أحوالنا الدینیة والدنیاویة من غیر علم بما تؤول إلیه العواقب ، غیر إنّ الإمام خَطْبُه یخالف خَطْب غیره فی هذا الباب ، فلا بُدّ فیه مِن أن یکون قاطعاً علی النصر والظفر.

15- الجواب علی مسلک المخالفین

وإذا سلکنا فی هذه المسألة الطریق الثانی من الطریقین اللذین ذکرناهما ، کان لنا أن نقول : إنّ الله تعالی قد أعلم إمامَ الزمان _ من جهة وسائط علمه ، وهم آباؤه وجدّه رسول الله صلی الله علیه و آله _ أنّه متی غلب فی ظنّه الظفر وظهرت له أمارات السلامة ، فظهوره واجبٌ ولا خوف علیه من أحد ، فیکون الظنّ ها هنا طریقاً إلی (1) العلم ، وباباً إلی القطع.

وهذا کما یقوله أصحاب القیاس إذا قال لهم نافوه فی الشریعة ومبطلوه : کیف یجوز أن یُقْدِمَ _ مَنْ یظنّ أنّ الفرع مشبه للأصل فی الإباحة ، ومشارک له فی علّتها _ علی الفعل ، وهو یجوِّز أن یکون الأمر بخلاف ظنّه ؟ لأنّ الظنّ لا قطع معه ، والتجویز _ بخلاف ما تناوله _ ثابتٌ ، أولیس هذا موجباً أن یکون المکلّف مُقْدِماً علی ما لا یأمن کونه قبیحاً ؟! والإقدام علی ما لا یؤمن قبحه کالإقدام علی ما یعلم قبحه.

لأنّهم یقولون : تَعبد الحکیمِ سبحانه بالقیاس یمنع من هذا

ص: 86


1- 1. فی « م » : من.

التجویز ؛ لأنّ الله تعالی إذا تَعبد بالقیاس فکأنّه عزّوجلّ قال : « مَنْ غلب علی ظنّه بأمارات ، فظهر له فی فرع أنّه یشبه أصلاً محلّلاً فیعمل علی ظنّه ، فذلک فرضه والمشروع له » فقد أمن بهذا الدلیل ومن هذه الجهة الإقدام علی القبیح ، وصار ظنّه _ أنّ الفرع یشبه الأصل فی الحکم المخصوص _ طریقاً إلی العلم بحاله وصفته فی حقّه وفیما یرجع إلیه ، وإنْ جاز أن یکون حکم غیره فی هذه الحادثة بخلاف حکمه إذا خالفه فی غلبة الظنّ.

ومَنْ هذه حجّته وعلیها عمدته ، کیف یشتبه علیه ما ذکرناه فی غلبة الظنّ للإمام بالسلامة والظفر ؟!

والأَوْلی بالمنصف أن ینظر لخصمه کما ینظر لنفسه ویقنع به من نفسه.

16- کیف یساوی بین حکم الظهور والغَیْبة

مع أنّ مبنی الأول الضرورة ، ومبنی الثانی النظر ]

فإن قیل : کیف یکون الإمام لطفاً لأولیائه فی أحوال غَیْبته (1) ، وزاجراً لهم عن فعل القبیح ، وباعثاً علی فعل الواجب علی الحدّ الذی یکون علیه مع ظهوره ؟ وهو :

إذا کان ظاهراً متصرِّفاً : علم ضرورةً ، وخیفت سطوته وعقابه مشاهدةً.

ص: 87


1- 1. فی « م » : الغَیْبة.

وإذا کان غائباً مستتراً : علم ذلک بالدلائل المتطرّق علیها ضروب الشبهات.

وهل الجمع بین الإمرین إلاّ دفعاً للعیان ؟!

قلنا : هذا سؤال لم یصدر عن تأمّل :

لأنّ الإمامَ ، وإنْ کان مع ظهوره نعلم وجوده ضرورةً ، ونری تصرّفه مشاهدةً ، فالعلم بأنّه الإمامُ المفتَرضُ (1) الطاعة المستحقّ للتدبیر والتصرّف ، لا یُعلم إلاّ بالاستدلال الذی یجوز اعتراض الشبهة فیه / (2).

والحال _ فی العلم بأنّه / (3) الإمام المفروض الطاعة ، وأنّ الطریق إلیه الدلیل فی الغَیْبة والظهور _ واحد[ة]. (4)

فقد صارت المشاهدة والضرورة لا تغنی فی هذا الباب شیئاً ؛ لأنّهما ممّا لا یتعلّقان إلاّ بوجود عین الإمام ، دون صحّه إمامته ووجوب طاعته.

واللطف إنّما هو _ علی هذا _ یتعلّق بما هو غیر مشاهد.

وحال الظهور _ فی کون الإمام علیه السلام لطفاً لمن یعتقد إمامته وفرض طاعته _ [ کحال الغَیْبة ]. (5)

ص: 88


1- فی « م » : المفروض.
2- إلی هنا تنتهی نسخة « ج ».
3- إلی هنا تنتهی نسخة « أ ». وجاء هنا ما نصّه : والله أعلم ببقیّة النسخة إلی هنا ، وفرغ من تعلیقها نهار الاثنین الثامن من شهر شعبان المبارک ، من شهور سنة سبعین وألف ، الفقیر الحقیر ، المقرّ بالذنب والتقصیر ، إبراهیم بن محمد الحرفوشی العاملی ، عامله الله بلطفه ، وصلّی الله علی محمّد وآله الطاهرین.
4- أثبتناه لضرورة السیاق؛ لأنّها خبر « والحال ».
5- أثبتناه لضرورة السیاق.

وسقطت الشبهة.

والحمد لله وحده ،

وصلّی الله علی محمّد وأله وسلّم (1).

ص: 89


1- 1. جاء هنا فی نهایة نسخة « م » ما نصّه : کتب العبد محمد بن ابراهیم الأوالی. وفرغت من مقابلته وتتمیم کتابته علی نسخة مخطوطة فی القرن العاشر ، بخطّ محمّد بن إبراهیم بن عیسی البحرانی الأوالی ، ضمن مجموعة قیّمة فی مکتبة السیّد المرعشی العامّة العامرة ، فی مدینة قم ، فی یوم الأربعاء سابع محرّم الحرام من سنة 1. وأنا المرتهن بذنبه ، الفقیر إلی عفو ربّه ، عبد العزیز الطباطبائی.

ص: 90

مصادر المقدّمة والتحقیق

1 _ إعلام الوری بأعلام الهدی ، لأمین الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسی ( ت 548 ه ) دار الکتب الإسلامیة _ طهران ، بالتصویر علی طبعة النجف الأشرف.

ومخطوطة منه ، من القرن السابع الهجری ، من محفوظات مکتبة مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث / قم.

2 _ تنزیه الأنبیاء والأئمّة ، للشریف المرتضی علیّ بن الحسین الموسوی ( 355 _ 436 ه ) منشورات الشریف الرضیّ _ قم ( مصَّور ).

3 _ الذخیرة فی علم الکلام ، للشریف المرتضی علیّ بن الحسین الموسوی ( 355 _ 436 ه ) تحقیق السیّد أحمد الحسینی ، جماعة المدرّسین _ قم / 1411 ه.

4 _ الذریعة إلی تصانیف الشیعة ، للشیخ آقا بزرک الطهرانی ( ت 1389 _ ه ) الطبعة الثانیة ، دار الأضواء _ بیروت / 1403 ه.

5 _ رجال النجاشی ، للشیخ أبی العبّاس أحمد بن علیّ النجاشی ( 372 _ 450 ه ) تحقیق السیّد موسی الشبیری الزنجانی ، جماعة المدرّسین _ قم / 1407 ه.

6 _ رسالة فی غَیْبة الحجّة ( رسائل الشریف المرتضی _ المجموعة الثانیة ) للشریف المرتضی علیّ بن الحسین الموسوی ( 355 _ 436 ه ) إعداد السیّد مهدی الرجائی ، دارالقرآن الکریم _ قم / 1405 ه.

ص: 91

7 _ الشافی فی الإمامة ، للشریف المرتضی علیّ بن الحسین الموسوی ( 355 _ 436 ه ) تحقیق السیّد عبد الزهراء الحسینی الخطیب ، مؤسسة الصادق _ طهران / 1410 ه ، بالتصویر علی طبعة بیروت.

8 _ الصحاح ، لإسماعیل بن حمّاد الجوهری ، تحقیق أحمد عبد الغفور عطّار ، الطبعة الثالثة ، دارالعلم للملایین _ بیروت / 1404 ه.

9 _ الغَیْبة ، لشیخ الطائفة الطوسی ( 385 _ 460 ه ) تحقیق الشیخ عباد الله الطهرانی والشیخ علی أحمد ناصح ، مؤسسة المعارف الإسلامیة _ قم / 1411 ه.

10 _ الفَرْق بین الفِرَق ، لعبد القاهر بن طاهر الاسفرائینی ( ت 429 ه ) تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید ، دارالمعرفة _ بیروت.

11 _ الفرق الشیعة ، لأبی محمد الحسن النوبختی ( ق 3 ه ) تصحیح السیّد محمد صادق بحر العلوم ، المکتبة المرتضویة _ النجف الأشرف / 1355 ه.

12 _ الفهرست ، لشیخ الطائفة الطوسی ( 385 _ 460 ه ) منشورات الشریف الرضی _ قم ، بالتصویر علی طبعة المکتبة المرتضویة فی النجف الأشرف بالعراق.

13 _ لسان العرب ، لابن منظور المصری ، أدب الحوزة _ قم / 1405 ه ( مصوَّر ).

14 _ معجم الأدباء ، لیاقوت الحموی ، الطبعة الثالثة ، دار الفکر _ بیروت / 1400 هجریة.

15 _ معجم البلدان ، لیاقوت الحموی ، دار صادر _ بیروت / 1399 ه.

16 _ مفتاح السعادة ومصباح السیادة ، لأحمد بن مصطفی طاش کبری زاده ، الأُولی ، دارالکتب العلمیة _ بیروت / 1405 ه.

17 _ الملل والنحل ، للشهرستانی ( 479 _ 548 ه ) تخریج محمد بن فتح الله بدران ، منشورات الشریف الرضیّ _ قم ، بالتصویر علی الطبعة الثانیة.

وطبعة أُخری ، بتحقیق محمد سیّد کیلانی ، دارالمعرفة _ بیروت.

18 _ الواقفیّة .. دراسة تحلیلیّة ، للشیخ ریاض محمد حبیب الناصری ، المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام _ مشهد / 1409 و 1411 ه.

ص: 92

فهرس المطالب

کلمة المؤسّسة.................................................................. 5

مقدّمة التحقیق.................................................................. 9

نماذج مصوّرة من النسخ المعتمدة فی التحقیق....................................... 22

کتاب « المقنع فی الغَیْبة »

مقدّمة المؤلف.................................................................. 31

أصلان موضوعان للغَیْبة : الإمامة ، والعصمة...................................... 34

أصل وجوب الإمامة............................................................ 35

أصل وجوب العصمة........................................................... 36

بناء الغَیْبة علی الإصلین المتقدّمین ، والفِرَق الشیعیة البائدة.......................... 37

علة الغَیْبة ، والجهل بها.......................................................... 41

ص: 93

الجهل بحکمة الغَیْبة لا ینافیها.................................................... 42

لزوم المحافظة علی أُصول البحث................................................. 44

تقدم الکلام فی الأُصول علی الکلام فی الفروع.................................... 45

لا خیار فی الاستدلال علی الفروع قبل الأُصول................................... 47

اعتماد شیوخ المعتزلة علی الطریقة السابقة........................................ 48

استعمال هذه الطریقة فی المجادلات بطریق أَوْلی.................................... 49

مزیّة فی استعمال هذه الطریقة فی بحث الغَیْبة...................................... 50

بیان حکمة الغَیْبة عند المصنِّف................................................... 51

الاستتار من الظلمة هو سبب الغَیْبة............................................... 52

التفرقة بین استتار النبیّ والإمام................................................... 53

سبب عدم استتار الأئمّة السابقین................................................ 54

الفرق بین الغَیْبة وعدم الوجود................................................... 55

الفرق بین استتار النبیّ وعدم وجوده.............................................. 56

إمکان ظهور الإمام بحیث لا یمسّه الظلم.......................................... 57

إقامة الحدود فی الغَیْبة........................................................... 58

ماهیّة الحال فیما لو احتیج إلی بیان الإمام الغائب................................... 60

علّة عدم ظهور الإمام لأولیائه................................................... 61

دفع الاعتراضات علی علّة عدم ظهور الإمام لأولیائه............................... 62

الأَوْلی فیما یقال فی علّة الاستتار من الأولیاء....................................... 65

الخوف من الأولیاء عند الظهور أحد أسباب الغَیْبة................................. 66

هل تکلیف الولیّ بالنظر والاستدلال هو بما لا یطاق ؟.............................. 67

استکمال الشروط ، أساس الوصول إلی النتیجة.................................... 68

الفرق بین الولیّ والعدوّ فی علّة الغَیْبة............................................. 69

سبب الکفر فی المستقبل ، لیس کفراً فی الحال..................................... 70

ص: 94

کتاب الزیادة المکمّل بها کتاب « المقنع »

مقدّمة المصَّف.................................................................. 73

استلهام الأولیاء من وجود الإمام ولو فی الغَیْبة..................................... 74

هل الغَیْبة تمنع الإمام من التأثیر والعمل ؟.......................................... 75

لا فرق فی الاستلهام من وجود الأئمّة بین الغَیْبة والظهور........................... 76

علمُ الإمام أثناء الغَیْبة بما یجری ، وطرق ذلک..................................... 77

مشاهدة الإمام للأُمور بنفسه ، وقیام البیّنه عنده................................... 78

الإقرار عند الإمام.............................................................. 79

احتمال بُعد الإمام وقربه........................................................ 80

إمکان استخلاف الإمام لغیره فی الغَیْبة والظهور.................................... 81

الفرق بین الغَیْبة والظهور فی الانتفاع بوجود الإمام................................. 82

هل یقوم شیء مقام الإمام فی أداء دوره ؟......................................... 83

کیف یعلم الإمام بوقت ظهوره.................................................. 84

هل یعتمد الإمام علی الظنّ فی أسباب ظهوره ؟.................................... 85

الجواب عن ذلک وفق مسلک المخالفین........................................... 86

کیفیّة المساواة بین حکم الظهور والغَیْبة........................................... 87

فهرس مصادر المقدّمة والتحقیق.................................................. 91

فهرس المطالب................................................................. 93

ص: 95

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.