الامام زين العابدين (عليه السلام ) قدوة الصالحين

اشارة

نوع: كتاب

پديدآور: حسيني شيرازي، محمد1305-1380

عنوان و شرح مسئوليت: الامام زين العابدين عليه السلام قدوة الصالحين [منبع الكترونيكي] / محمد الشيرازي

ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)

توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (35 بايگاني: 165.1KB)

يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع: علي بن حسين(ع)، امام چهارم، 38-94ق.

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم من الواضح والمسلم به عظمة الدور الذي قام به أئمة الهدي من أهل البيت (ع) في الحفاظ علي الرسالة الإسلامية وصيانة الأمة والمجتمع الإسلامي من الانحراف، فكان هذا من قدرهم الشريف من قبل الله تعالي، وقد قاموا به علي أفضل وأكمل وجه وكانوا أحق به، وأهله وكان الله بكل شيء عليماً. فقد سعي أعداء الإسلام جاهدين في القضاء علي الرسالة الإسلامية بطرق شتي، وعلي عدة محاور، تمثل أولا بإقصاء من نصت عليه الأدلة والروايات الشريفة علي أحقيته بالخلافة بعد رسول الله (ص) وهم أهله بيته الكرام، ثم عزلهم عن أداء مهامهم الرسالية في كافة الميادين السياسية والاجتماعية بالإضافة إلي الميدان الأصلي ألا وهو التشريعي والتربوي والثقافي. ومن بعد فقد قام أعداء الدين والرسالة بمطاردة أهل البيت (ع) والسعي في القضاء عليهم وعلي ذراريهم كي لا يبقي أثر ولا عين من الرسول الكريم (ص) وما جاء به من خير الدنيا والآخرة. إن النظرة الأولية والفاحصة لمجريات الأحداث بعد وفاة نبي الرحمة (ص) وما قام به الأمويون ومن ثم العباسيون توضح خبث ودناءة المخطط الذي قاموا به في القضاء علي هذا الدين العظيم. كذلك وتكملة لفصول هذا المخطط فقد قاموا بعرض نماذج مزيفة من فقهاء ومحدثين ورواة مقابل أئمة أهل البيت (ع) والسعي في إضفاء الشرعية عليهم بالرجوع إليهم في أخذ الفقه والحديث

عنهم وسوق الأمة نحوهم ومنعهم من الاتصال والتقرب من أهل البيت (ع) عن طريق ضرب طوق المراقبة عليهم، حتي بلغ الأمر أن الرجل إذا روي عن الإمام علي (ع) حديثاً وإن كان لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر علي ذكر اسمه فيقول: عن أبي زينب مخافة عواقب هذا الأمر [1] . وكم جرت هذه الخطوة من ويلات ومآسي علي الأمة، من تزييف لبعض الحقائق ووضع الأحاديث الموضوعة التي تتلاءم مع أهداف السلطة ومن ثم التلاعب بالأحكام وذلك إرضاءً لحكام السوء وطلباً لحطام الدنيا. وقد بذل معاوية لسمرة بن جندب مائة ألف درهم ليروي أن قوله تعالي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) [2] نزل في ابن ملجم أشقي مراد، بل أشقي الأولين والآخرين، وقوله تعالي: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام) [3] نزل في علي أمير المؤمنين (ع)! فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل [4] ، وهكذا ومن أمثال هذه كثير، فكان نتيجة ذلك أن شُبّه علي الكثير من أبناء الأمة الإسلامية مما أدي إلي ابتعادهم عن ذلك النمير الصافي لأهل البيت (ع). إن التزام أهل البيت (ع) بالمنهج الرباني الذي جاء به الرسول الكريم (ص) وأرسي قواعده في الأمة، بالإضافة إلي ما حباهم الله من خصال كريمة، أفشل قواعد اللعبة التي أتقن أعداء الإسلام أداء أدوارها، مما أسقط في أيديهم ما كانوا يرومون القيام به فجعلهم حيري لا يدرون ما يفعلون. إن الحفاظ علي النصر أهم من النصر نفسه، ولذلك سعي أهل البيت (ع) جادين في الحفاظ علي جهاد الرسول (ص) وصفوة الصفوة من صحبه الأبرار من

أجل الحفاظ علي الشريعة وتطبيق النظام الإسلامي وإرساء قواعده في المجتمع الإسلامي وإن كان فيه التضحية بأنفسهم وذراريهم. يقول الإمام علي (ع): «لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» [5] . كما قام الإمام الحسن المجتبي (ع) بالصلح مع طاغية زمانه من أجل الحفاظ علي الثلة الباقية من صحابة الرسول (ص) الأبرار وأصحاب أمير المؤمنين علي (ع) وكذلك للحفاظ علي وحدة الأمة من التمزق كما رووا مرفوعاً إلي أبي بكر قال: سمعت النبي (ص) علي المنبر والحسن (ع) إلي جنبه، ينظر (ص) إلي الناس مرة وإليه مرة وقال: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به ما بين فئتين من المسلمين» [6] ، فكان كما قال (ص). وأما سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) فكان دوره يتمثل بالقيام بالثورة علي ما آلت إليه الأوضاع الفاسدة، فكان باستشهاده وتضحيته بدمه الطاهر وأهل بيته الكرام (ع) أن صان حريم الدين المقدس وحفظه من التزييف والانحراف، فكان التصديق لقول رسول الله (ص): «حسين مني وأنا من حسين» [7] . إن الحديث عن أهل البيت (ع) وعن دورهم في الحياة هو الحديث عن الكل الذي لا يتجزأ، فلقد كانوا (ع) يمثلون أطروحة واحدة، اللاحق منهم يكمل مسيرة السابق ولا يشذ عنه ليبدأ من الصفر في عملية البناء، ومهما كان الظرف الذي يمر فيه، فلولا صبرهم وإناتهم وتخطيطهم الحكيم لما كان للباطل أن يندحر وينكشف زيف الظلمة والطواغيت ومخططاتهم الخبيثة للقضاء علي هذا الدين الذي جاء لإسعاد البشرية أجمع. ومن هؤلاء الأئمة الأطهار (ع) الإمام علي

بن الحسين زين العابدين (ع) وهو الرابع من الأئمة المسلمين كما نص بالاسم عليه الحديث الشريف الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (ص) [8] . كانت ولادته (ع) بالمدينة المنورة يوم الخميس في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة في أيام جده أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) وقبل وفاته بسنتين [9] وكان (ع) كآبائه الطاهرين مثالاً في التقوي والزهد والعبادة حتي عُرف بين الخاصة والعامة ب_ (زين العابدين) لكثرة عبادته، حتي أنه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجده فتمثل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته، فلم يلتفت إليه، فجاء إلي إبهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته، فلما فرغ منها وقد كشف الله له فعلم أنه شيطان فسبه ولطمه وقال: «أخسأ يا ملعون» فذهب وقام إلي إتمام ورده، فسمع صوتاً ولا يري قائله وهو يقول: (أنت زين العابدين) ثلاثاً فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقباً له (ع) [10] . ونتيجة لهذا فلقد تعلق به المسلمون كافة وكانوا يرون فيه مرجعهم في الحلال والحرام والمثل الأعلي في الورع والعبادة، وأطبقوا جميعاً علي استقامته وأفضليته، وانقاد الواعون منهم إلي زعامته وفقهه ومرجعيته.. قال الزهري: (ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه)، وقال في كلام آخر: (ما رأيت قرشياً أفضل منه)، وقال سعيد بن المسيب: (ما رأيت قط مثل علي بن الحسين)، وقال سفيان بن عينيه: (ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا افقه منه)، وقد عد الإمام الشافعي علي بن الحسين (ع) أفقه أهل المدينة. كما اعترف بهذه الحقيقة حتي حكام عصره من بني أمية، فقد قال له عبد

الملك بن مروان: (ولقد أوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلا من مضي من سلفك) [11] . وكان الإمام السجاد (ع) له من المكانة في قلوب المسلمين كافة وتعلقهم به ما تعجز الأقلام عن وصفه، لما كانت عليه من آثار الجلال وأخلاق النبوة وسيماء الصالحين، فقد روي أنه لما حج هشام ابن عبد الملك فلم يقدر علي الاستلام من الزحام فنصب له منبر وجلس عليه وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين (ع) وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلي موضع الحجر تنحي الناس حتي يستمله هيبة له، فقال شامي: من هذا يا أمير؟ فقال: لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس فأنشأ قصيدته المعروفة [12] . نعم أهل البيت (ع) هم حجج الله علي الأرض في الحلال والحرام، وهم المفزع والملاذ في كل ما يلم بالأمة من مشكلات وما تعصف بها من أزمات، فإنهم لا يبخلون بما أتاهم الله من فضل وإن جار الحكام عليهم، وذلك لأنهم يرون أنهم معنيون بحفاظ الإسلام والمسلمين والشريعة المقدسة. ولقد تناول سماحة المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) جوانب متعددة من حياة الإمام السجاد (ع) في كتابه هذا (الإمام زين العابدين (ع) قدوة الصالحين) بما عرف عن قلمه الذي يجمع بين الرصانة والمتانة إلي جانب البساطة في العبارة مما يوصل المعني إلي القارئ من دون تكلف. ومؤسسة المجتبي إذ تقوم بطبع ونشر هذا الكتاب لسماحة الإمام

الراحل (قده) في خطوة منها للحفاظ علي تراثه المستلهم من الكتاب والعترة، ونشره بين صفوف الأمة، كي تنير شمعة في طريق السالكين لطلب الهداية والمعرفة، وختاماً نسأل الله تعالي أن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بغيره والحمد لله أولاً وآخراً. مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر بيروت لبنان ص.ب: 5951 / 13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين. أما بعد، فهذه نبذة مختصرة عن الإمام زين العابدين (عليه أفضل الصلاة والسلام) نسأل الله عزوجل أن يوفقنا للإقتداء بهديه والسير علي نهجه، إنه سميع مجيب. قم المقدسة محمد الشيرازي

الولادة المباركة

ولد الإمام علي بن الحسين (ع) في العقد الرابع من القرن الأول الهجري في المدينة المنورة يوم النصف من جمادي الأولي، سنة ست وثلاثين أو ثمان وثلاثين من الهجرة النبوية المباركة [13] ، وقيل: وُلِد (ع) في الخميس الخامس من شعبان في أيام جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقبل وفاته بسنتين، وكانت ولادته في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه [14] . كان (ع) كآبائه الطاهرين (ع) من تلك الأنوار المباركة التي خلقها الله عزوجل قبل أن يخلق الخلق، ثم خلق العرش فجعلها بعرشه محدقة، تسبح الله وتقدسه. قال رسول الله (ص): «خلقنا الله نحن حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا عرش ولا جنة ولا نار، كنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس» [15] الخبر. وقال (ص): «لقد خلقنا الله نورا تحت العرش» [16] . وفي زيارة الجامعة: «خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتي من علينا بكم فجعلكم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» [17] . أبوه: حجة الله علي الخلق سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (ع) الشهيد بكربلاء. وأمه المكرمة: (شهربانو) وقيل (شاه زنان) [18] ابنة يزدجرد ملك إيران [19] . وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) قال: «لما قدمت ابنة يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس وخاتمتهم علي عمر، وأدخلت المدينة استشرفت لها

عذاري المدينة وأشرق المجلس بضوء وجهها ورأت عمر فقالت: آه بيروز باد هرمز، فغضب عمر وقال: شتمتني هذه العلجة، وهم بها. فقال له علي (ع): ليس لك إنكار علي ما لا تعلمه. فأمر أن ينادي عليها، فقال أمير المؤمنين (ع): لا يجوز بيع بنات الملوك وإن كن كافرات، ولكن أعرض عليها أن تختار رجلا من المسلمين حتي تتزوج منه وحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال يقوم مقام الثمن. فقال عمر: أفعل، وعرض عليها أن تختار، فجالت فوضعت يدها علي منكب الحسين (ع) فقال: چه نام داري اي كنيزك؟ يعني: ما اسمك يا صبية؟ قالت: جهانشاه، فقال بل شهربانويه… ثم التفت إلي الحسين فقال: احتفظ بها وأحسن إليها فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك وهي أم الأوصياء الذرية الطيبة، فولدت علي بن الحسين زين العابدين (ع) ويروي أنها ماتت في نفاسها به وإنما اختارت الحسين (ع) لأنها رأت في المنام فاطمة الزهراء (ع) وأسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين ولها قصة وهي أنها قالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين كأن محمدا رسول الله (ص) دخل دارنا وقعد مع الحسين (ع) وخطبني له وزوجني منه، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطر غير هذا، فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد (ص) قد أتتني وعرضت علي الإسلام فأسلمت، ثم قالت: إن الغلبة تكون للمسلمين وإنك تصلين عن قريب إلي ابني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد، قالت: وكان من الحال أني خرجت إلي المدينة ما مس يدي إنسان» [20] .

الكني والألقاب الشريفة

اسمه الشريف: علي. وكنيته: أبو الحسن، وأبو محمد. وألقابه كثيرة، من أشهرها: السجاد، وزين

العابدين. وكان يقال له (ع): ابن الخيرتين.

التربية الصالحة

اشاره

لقد عاش الإمام علي بن الحسين (ع) في كنف ثلاثة من الأئمة المعصومين (ع) يعني أمير المؤمنين علي (ع) والإمام الحسن المجتبي (ع) والإمام الحسين (ع) وتربي في حجرهم تربية صالحة تليق بشأن الإمامة. فقد روي عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: «ولد علي بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة علي بن أبي طالب بسنتين وأقام مع أمير المؤمنين سنتين ومع أبي محمد الحسن عشر سنين وأقام مع أبي عبد الله الحسين عشر سنين وكان عمره سبعا وخمسين سنة» [21] .

خير قدوة للصالحين

كان الإمام (ع) مثالاً للتقوي والزهد والعبودية لله عزوجل، وكان من كثرة سجوده وعبادته أن لقب بالسجاد وزين العابدين [22] . كما كان (ع) ملاذاً للضعفاء والمساكين.. ونموذجاً في خدمة العباد.. ومدرسة في الدعاء والمناجاة.. ودليلاً في العفو والكرم.. والجهاد في سبيل الله.. والزهد والعبادة.. والترحم علي الأيتام.. وحب الناس.. وقضاء حوائج المحتاجين. وكان (ع) قمة في مكارم الأخلاق مما اعترف بذلك الخاص والعام والعدو والصديق. وقد كانت آثار الجلال والعظمة واضحة في وجهه النوراني من صغر سنه وقد قال في حقه رسول الله (ص) قبل ولادته، علي ما رواه ابن عباس: «إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلي ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف» [23] . وقد أوصي بإمامته والده الإمام الحسين (ع) علي ما عينه نبي الإسلام من قبل الله تعالي [24] ، ليكون الإمام الرابع علي المسلمين وحجة الله علي الخلق أجمعين.

حجة الله في الأرض

إن حجة الله في الأرض هو واسطة الفيض بين الخالق والخلق تشريعاً وتكويناً علي ما في الروايات. وقد ضرب هشام بن الحكم وهو من أصحاب الإمام الصادق (ع) لذلك مثالاً، فقال إن منزلة حجة الله في النظام الكوني كالقلب في بدن الإنسان، فكما أن الإنسان بحاجة إلي القلب كذلك الأمة بحاجة إلي الإمام (ع) [25] . وكما أن القلب يوصل الدم إلي كافة الأعضاء الصغيرة والكبيرة وجميع الشرايين والأوردة، كذلك الإمام (ع) هو الواسطة بين الله وخلقه، بحيث لا تستغني من وجوده كافة المخلوقات من إنسان وغير إنسان. وكما أن القلب إذا ما توقف عن العمل، فانه ستتعطل كافة أعضاء البدن وتموت.. وبموت الإنسان سيتعرض جسده لأنواع مختلفة

من الميكروبات وما أشبه وسيؤدي إلي تفسخه وتلاشيه وفنائه، كذلك بالنسبة إلي الإمام المعصوم (ع) فإذا فرض يوماً ما خلو العالم من الحجة، فسيفني الكون وينعدم كل شيء، كما ورد في الحديث الشريف: «لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها» [26] . ومن هنا بدأ الله عزوجل بالخليفة قبل الخليقة لأنه سبحانه حكيم والحكيم من يبدأ بالأهم فالأهم وفي ذلك يقول الصادق جعفر بن محمد (ع) حيث يقول: «الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق» [27] ، وقد خلق الله نور حجحه الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة والسلام) قبل أن يخلق الخلق أجمعين، فكان أول مخلوق هو حجة الله، وآخر موجود يغمض عينيه عن الدنيا هو حجة الله أيضاً، حيث بموته يفني العالم، قال تعالي: (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت) [28] والروايات في هذا الباب الكثيرة. عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (ع): تكون الأرض ليس فيها إمام، قال: «لا» قلت: يكون إمامان، قال: «لا إلا وأحدهما صامت» [29] . وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «إن الأرض لا تخلو إلا وفيها عالم كلما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا شيئا تممه لهم» [30] . وعن أبي عبد الله (ع) قال: «ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلي سبيل الله» [31] . وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: تبقي الأرض بغير إمام، قال: «لا» [32] . وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل» [33] . وعن أمير المؤمنين (ع) أنه

قال: «اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك علي خلقك ظاهراً أو خافياً مغموراً لئلا تبطل حجتك وميثاقك» [34] . وعن أبي جعفر (ع) قال: «والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم (ع) إلا وفيها إمام يهتدي به إلي الله وهو حجته علي عباده ولا تبقي الأرض بغير إمام حجة لله علي عباده» [35] . وعن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله (ع): تبقي الأرض بغير إمام، قال: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» [36] . وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: قلت له: أتبقي الأرض بغير إمام، فقال: «لا» قلت: فإنا نروي عن أبي عبد الله (ع): «أنها لا تبقي بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالي علي أهل الأرض أو علي العباد» فقال: «لا تبقي إذاً لساخت» [37] . وعن أبي جعفر (ع) قال: «لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» [38] . وعن ابن الطيار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة» [39] . وعن كرام قال: قال أبو عبد الله (ع): «لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام، وقال: إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحدهم علي الله عز وجل تركه بغير حجة لله عليه» [40] .

دور الأنبياء والأئمة

إن علماء الدنيا من المخترعين والمكتشفين والأطباء ومن أشبه يهتمون بتقديم الخدمات المادية للمجتمع الإنساني، أما الأنبياء والأئمة الأطهار (ع) وعلماء الدين فإنهم مضافاً إلي ما يقدمونه لسعادة البشر مادياً، يهتمون بالجانب الروحي أيضاً الذي هو أهم من الجانب المادي بكثير، فإن قيمة الإنسان ترتبط بروحه ونفسه أولاً، لا

ببدنه المادي فحسب. يقول الشاعر سعدي الشيرازي [41] ما مضمونه: قيمة المرء بروحه لا بجسمه، أما اللباس الجيد فلا يكون ميزاناً لإنسانيته [42] . قال الله تعالي: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [43] . فجاء الأمر بالسجود للإنسان [44] بعد أن سواه الله ونفخ فيه الروح، فيعلم أن قيمة المرء بروحه لا بجسمه. ومن هنا فإن الفقهاء ذكروا غرامة البدن المادي بالأمور المادية المذكورة في الفقه، فدية قتل الإنسان هي إحدي الموارد المالية التالية: 1: ألف دينار من الذهب [45] . 2: عشرة آلاف درهم من الفضة [46] . 3: ألف رأس من الغنم. 4: مائة رأس من الإبل. 5: مائتا رأس من البقر. 6: مائتا حُلة [47] . هذا بلحاظ الجانب المادي للإنسان، ولكن عندما يكون الحديث عن الجانب الروحي والمعنوي للإنسان فان القرآن المجيد يقول: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيي الناس جميعاً) [48] . نعم، إن علماء الدنيا من المخترعين والمكتشفين يهيئون بعض وسائل الحياة المريحة والمرفهة للإنسان، ولكن أولياء الله يعلمونه كيف يستفيد من تلك الوسائل، فإن الآلات المتطورة والمريحة إذا لم تكن بجانبها تعليمات مناسبة ربما يكون ضررها أكثر من نفعها إذا استفاد الإنسان منها بشكل غير مناسب بحيث أضرته أو أضرت بني نوعه، ومن هنا يتضح أهمية دور المعلم الأخلاقي والطبيب الروحي في حياة الإنسان، وهم الأنبياء والأئمة وتلامذتهم. فإذا فرضنا للإنسان مجتمعاً لا يمتلك فيه وسائل الرفاه يمكن أن نتصور له عيشاً هادئاً بسيطاً،

ولكن إذا كان يمتلك مختلف أنواع وسائل الرفاه من دون أن يعرف الموازين الأخلاقية والإنسانية ومن دون أن يطبق التعاليم المعنوية والروحية فإن الحياة تصبح جحيما علي البشرية، ولا يمكنهم الاستمرار في الحياة. وبهذا يتضح شيئاً عن أهمية دور حجج الله علي الخلق، من الأنبياء والأئمة (ع) وضرورة وجودهم المبارك، ومن هؤلاء الطاهرين الإمام السجاد (ع) فهو من المعلمين الصالحين وأطباء الروح الإلهيين الذين أمرهم الله عزوجل بهداية الخلق وجعلهم أئمة معصومين وفرض طاعتهم علي الناس أجمعين.

قطرة من البحر

يقول أحد الشعراء [49] ما مضمونه: إذا لم يمكن شرب ماء البحر، فعليه تذوق بعض القطرات منه لرفع العطش. فإذا أردنا التحدث عن شخصية الإمام السجاد (ع) وبيان مقامه الرفيع أو أي واحد من الأئمة المعصومين (ع) بشكل كامل فإنه لا يمكننا ذلك، لأنهم البحر الواسع والعميق الذي لا ينال أحد أطرافه، بل منتهي ما يمكن هو إلقاء نظرة عابرة علي بعض سواحله فقط.. وأخذ بعض القطرات من جوده فحسب. وقد قال أحد الشعراء في وصفه لأحد الأئمة (ع): هو البحر من أي النواحي أتيته فلّجته المعروف والجود ساحله

الخلفاء الإثنا عشر

الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) هو الرابع من خلفاء رسول الله (ص) الأثني عشر، الذين عينهم الرسول (ص) واحداً واحداً بالأسماء، فإنه بالإضافة إلي روايات الشيعة فإن هناك العديد مما روي عن طريق العامة وهي تؤكد علي أن الخلفاء إثنا عشر حيث رووا في مختلف كتبهم: قوله (ص): «الخلفاء بعدي اثنا عشر» [50] . وفي بعض رواياتهم تصريح بالأسماء المقدسة لهؤلاء الأئمة الأطهار (ع) كما رواه القندوزي الحنفي في ينابيع المودة [51] ، وغيره [52] .

لماذا هذا العدد الخاص؟

لماذا كان الأئمة (ع) اثني عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون؟ لعل السبب في ذلك أن كل واحد منهم عاش فترة زمنية خاصة، وقد عمل ببرنامج خاص يناسب تلك الفترة، فكان المجموع اثني عشر دوراً تشريعياً وتكوينياً، بحيث إذا لم يؤدَ ذلك الدور كان يحدث شرخ في النظام التكويني والتشريعي في ذلك الزمان. من هنا نري أن الأئمة الأطهار (ع) مضافاً إلي كونهم نوراً واحداً من نور واحد، ينبع من ينبوع الوحي والرسالة وقد تغذوا منه العلم والمعرفة، وإنهم من رسول الله (ص) والرسول (ص) منهم (صلوات الله عليهم أجمعين). فقد أدوا الأمانة الإلهية خلال المائتين والخمسين سنة بعد رحيل الرسول الأكرم (ص) بأحسن ما يمكن، وأخذ كل واحد منهم بزمام هداية المجتمع الإسلامي _ بل الإنساني _ وإرشاده إلي ما فيه خير الدنيا والآخرة، وذلك في مختلف الظروف التي عاشوها. فتجد بين هؤلاء الاثني عشر، من هو رئيس الدولة والحكومة العالمية، وولي العهد، وصهر الحاكم، والمستشار في الأمور المهمة، والمتصدي لبيان الأحكام الشرعية، وحتي السجين في أحدي زوايا الطامورات، والذي يعيش تحت الإقامة الجبرية، والشهيد في جبهات الحق ضد الظلم والطغيان، وأستاذ العلماء في كافة

العلوم المختلفة، ومعلم الإنسانية في مدرسة الدعاء والمناجاة، والغائب الذي غيبه الله عن الأعين حفظاً لوجوده الشريف. وغير ذلك، مما يكون كل واحد منهم أسوة للناس في المرحلة المشابهة للمرحلة التي عاشها الإمام المعصوم (ع).

في ظروف القهر والاستبداد

من هؤلاء الأئمة المعصومين وخلفاء رسول الله (ص) الصادقين هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، الذي عهد إليه إمامة الأمة وهداية وإرشاد المجتمع الإسلامي بعد شهادة أبيه الإمام الحسين بن علي (ع) وكافة إخوته وأقربائه في واقعة كربلاء الأليمة. فكان هو الابن الوحيد الذي بقي لأبيه الإمام الحسين (ع)، وقد تقلد منصب الإمامة في زمن كان أكثر الشيعة في أقبية السجون أو قد استشهدوا، وكان الناس لا يملكون الجرأة علي الاعتراض والانتقاد ضد ما يرونه من الظلم والاستبداد ومخالفة الشرع المبين من قبل بني أمية مصاصي الدماء الذين استولوا علي الحكم بالقهر والإرهاب. وإذا ما تكلم شخص بكلمة معترضاً علي الظلمة والمعتدين، فيعد مخالفاً لله وخليفة رسوله (ص)! فيوضع تحت الملاحقة والسجن والتعذيب ويتم تصفيته بكل سهولة. لقد أراد بنو أمية القضاء علي الإسلام وعلي رسول الله (ص) وذريته النجباء، فقتلوا جميع أولاد النبي (ص) في واقعة عاشوراء الدامية، ولم يبق منهم سوي أحد أبناء الإمام الحسن [53] وأحد أبناء الإمام الحسين (ع) وهو الإمام السجاد (ع) وذلك بمعجزة من الله عزوجل. وكان هذا بأمر من معاوية وسياسته والذي سعي جاداً في دفن اسم نبي الإسلام (ص) إلي الأبد ومحوه من الأذهان، كما ورد في التاريخ انه لما سمع صوت المؤذن وهو يقول: «أشهد أن محمداً رسول الله» قال: دفناً دفناً [54] . ومن هنا يعلم مدي أهمية قيادة الإمام السجاد (ع) للأمة والمجتمع الإسلامي في تلك

الفترة المظلمة والحساسة من حكومة بني أمية. والذي يمكن القول وبجرأة إنه لولا إرشادات الإمام السجاد (ع) الدقيقة في مختلف ميادين الحياة والتي جاءت في قالب الدعاء والمناجاة وكانت في محلها تماماً، لم يبق من الإسلام إلا اسمه ورسمه، ولحُرِفَ مثلما حُرِفَ دين اليهود والنصاري، ولرأت الأجيال القادمة الإسلام من خلال أقوال وأفعال الذين سيطروا علي الخلافة الإسلامية من دون استحقاق، ومن خلال المسلمين الذين لايفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، ومن خلال علماء السوء ووعاظ السلاطين. نعم مدرسة أهل البيت (ع) بما فيهم الإمام السجاد (ع) حفظت القرآن والإسلام وذكر النبي (ص) وشريعته إلي يومنا هذا غضاً طرياً كما أراده الله عزوجل لسعادة البشرية جمعاء في الدنيا والآخرة.

استمرارية النهضة الحسينية

قال الله تعالي في القرآن المجيد: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [55] . إن الله قد وعد بحفظ القرآن الكريم، ومن الواضح أنه ليس المراد حفظ ظاهر القرآن وكلماته فقط، بل مضافاً إلي حفظ تلك النصوص المباركة عن التحريف، فالمقصود هو أن الله عزوجل قد تكفل بحفظ الإسلام الواقعي دائماً في ظل القرآن ومفسريه الواقعيين من الأئمة الطاهرين (ع). ولذا يشاهد من خلال صفحات التاريخ أنه كلما كان الإسلام يواجه خطر الفناء الكامل فإن الله سبحانه قد أنجاه وحفظه في كنفه ولو عبر المعجزة والأسباب الغيبية. إن واقعة عاشوراء كانت واحدة من تلك الموارد التي جعلت الإسلام في منحدر السقوط الكامل، حيث أراد يزيد وجلاوزته القضاء علي الإسلام وعلي حملته نهائياً بقتل ذرية رسول الله (ص) عن آخرهم، وإذا ما استشهد الإمام السجاد (ع) في ذلك اليوم لخلت الأرض من حجة الله وممن يفسر القرآن الكريم ويبين تعاليم الإسلام وأحكامه وشرائعه للناس، ولكن شاء

الله أن يصبح الإمام زين العابدين (ع) مريضاً وبشدة حتي لا يتمكن من الذهاب إلي ساحة القتال ويسقط عنه الجهاد، وإن أراد الأعداء أن يقتلوه أيضاً ولكن الله حفظه من كيدهم. وبعد شهادة الإمام الحسين (ع) كان الإمام زين العابدين (ع) حامل راية الإسلام وذلك برفقة عمته عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبري (سلام الله عليها) فمن خلال خطبه الشريفة في المدن والأماكن المختلفة خصوصاً في مجلس يزيد بن معاوية قد ضمن الإمام (ع) استمرار تلك النهضة المقدسة، وتمكن وللأبد من فضح يزيد وغيره من أعداء الإسلام، واثبات ظلامة وأحقية أهل البيت (ع).

النهضة الثقافية والعاطفية

اتخذ الإمام زين العابدين (ع) بعد شهادة أبيه الإمام الحسين (ع) في فاجعة كربلاء أسلوب (الجهاد الهادئ) ضد الظلم والطغيان، والجهل والكبت. وقد كان لهذا الأسلوب الحكيم في تلك الظروف الحرجة آثاراً مباركة كثيرة، منها النهضة الثقافية والعاطفية في سبيل توعية الأمة. فزين العابدين (ع) سعي جاهداً، سواء كان في ساحة كربلاء، أو الكوفة، أو في طريقه إلي الشام، وفي الشام نفسها أيضاً إلي جذب عواطف الناس وإحياء ضمائرهم لمعرفة ما جري من ظلامة علي أهل بيت الرسالة (ع) الذين يمثلون الإسلام من قبل طغاة بني أمية الذين يدعون الإسلام كذباً وزوراً، وذلك عن طريق: أولا: النهضة الفكرية والثقافية: حيث وجه الإمام (ع) أنظار الناس إلي الهدف السامي الذي قام من أجله أبوه الإمام الحسين (ع) وضحي بنفسه وأولاده وأهل بيته وأصحابه الكرام في سبيله، وهو إحياء الإسلام، والوقوف أمام المؤامرات التي أرادت القضاء علي الإسلام، وأن يعيش الإنسان حراً كما خلقه الله، من دون أن يستسلم للظلم والاستبداد ولا يخنع للجور والطغيان، وأن لا تكون أزمة الأمور ومصير الشعوب بيد

حاكم ظالم مستبد. وفي الواقع إن الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) لم يكن مخالفاً ليزيد بن معاوية فقط بل كان مخالفاً لجميع الظلمة الفاسدون والمفسدون في كل زمان ومكان، كما أراد للإنسان بما هو إنسان أن يعيش سعيداً حراً، في أي زمان ومكان، سواء كان مؤمناً أم كافراً. قال الإمام الحسين (ع): «ويحكم.. إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم» [56] . وقال (ع): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع)» [57] . وقال: «إني لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» [58] . نعم إن من يريد الخلاص من الذل والعبودية، ومن أراد العزة والسعادة، فعليه أن يتعلم من مدرسة أبي الأحرار الحسين بن علي (ع) درس الشهامة والشجاعة، وسمو النفس وعزة الروح، والاستقلال الفكري وعدم العبودية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح المجتمع وإنقاذ الإنسان، وأخيراً الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الإنسانية ضد الظلم والطغيان. إن المتتبع في صفحات التاريخ يري بوضوح آثار نهضة الإمام الحسين (ع) المباركة، فكم من الحركات الإصلاحية والمنادية بالحرية التي نبعت من هذه النهضة المقدسة وتعلمت منها درس المقاومة والفداء، وذلك منذ يوم عاشوراء عام 60 هجرية وإلي يومنا هذا وستسمر المسيرة إلي أي يوم يوجد هناك سطوة ظالم وصرخة مظلوم في الأرض. وقد حكي عن غاندي أنه قال: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر. ثانياً: النهضة العاطفية: فبالقدر الذي كان قيام سيد الشهداء (ع) مؤثراً في إحياء الإسلام والقرآن

الكريم.. كذلك فإن استمرار وبقاء تلك النهضة له نفس التأثير في استمرارية المفاهيم الإسلامية وشريعتها، وربما كانت أهمية العلة المبقية أكثر من العلة المحدثة علي اصطلاح الحكماء، فإذا لم تكن عملية استمرار النهضة المقدسة للإمام الحسين (ع)، فان تلك النهضة سوف تحجم وتحد بزمانها وتنسي وربما تحرف وتغير عن واقعها الموجود عبر الإعلام المزيف والكاذب، حالها حال الكثير من النهضات والحركات الأخري، ولكن عملية استمرار النهضة جعلتها حية وخالدة في كل عصر وزمان بكل تفاصيلها وأحداثها. والنهضة العاطفية التي تحيي فطرة الناس هي من أهم أسباب حفظ واقعة عاشوراء علي مر التاريخ، ومن هنا يعرف فلسفة البكاء والعزاء علي الإمام الحسين (ع). فإن إقامة المجالس وموكب العزاء علي سيد الشهداء (ع) وإحياء الشعائر الحسينية بكل أقسامها وأنواعها المتعارفة من البكاء واللطم والزنجيل والتطبير وما أشبه، تجعل من هذه النهضة غضة طرية كأنها وقعت اليوم، وتبين أهدافها الإنسانية للبشرية بأجمعها وتدعو المجتمعات الإنسانية للاستجابة إلي نداء الفطرة في كافة الأزمنة باتباع أفكار ونهج سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والسير علي خطاه ضد الظلم والطغيان.

من أسرار بقاء نهضة عاشوراء

وقد كان للإمام زين العابدين (ع) دور أساسي في حفظ نهضة عاشوراء واستمرارية مدرسة كربلاء المقدسة إلي يومنا هذا. حيث أدي الإمام السجاد (ع) كل ما بوسعه لإحياء ظلامة أبيه الحسين (ع) حتي استمرت قضية عاشوراء والنهضة الحسينية المباركة إلي يومنا هذا، بل وستستمر إلي يوم القيامة بإذن الله تعالي. فقد سعي الإمام زين العابدين (ع) دائماً إلي تشكيل مجالس الحزن والعزاء علي شهداء كربلاء وبيان ما جري فيها من الظلم والجور.. فكان ببصيرته الثاقبة كلما نظر إلي عماته وأخواته شرع بالبكاء عالياً. وإذا ما سقط نظره (ع) علي طفل رضيع

جرت دموعه علي خديه. وإذا ما شاهدت عينيه رأسا مقطوعاً حتي إذا كان لحيوان، أو عند ما كان يريد الجزار ذبح شاة، فإنه (ع) كان يتأثر بشدة، فقد مر (ع) ذات يوم في سوق المدينة علي جزار بيده شاه يجرها إلي الذبح، فناداه الإمام: يا هذا هل سقيتها الماء؟ فقال الجزار: نعم نحن معاشر الجزارين لا نذبح الشاة حتي نسقيها الماء، فبكي الإمام (ع) وصاح: وا لهفاه عليك أبا عبد الله، الشاة لا تذبح حتي تسقي الماء وأنت ابن رسول الله تذبح عطشاناً. لم يذبح الكبش حتي يوري من ظمأ ويذبح ابن رسول الله ظمآناً وإذا ما قدموا له طعاماً أو ماءً، تحسر وتأوه حتي يمزج ذلك بدموع عينيه. يقول أحد مواليه: «كان الإمام السجاد (ع) صائماً، وعند الإفطار قدمت له مقداراً من الخبز والماء، ولكنه ما أن نظر إلي الماء، بكي عالياً، قلت: يا بن رسول الله، اشرب الماء. قال (ع): كيف أشرب الماء وقد قُتل ابن رسول الله عطشاناً. قلت: يا بن رسول الله كل طعامك! قال (ع): كيف آكل طعامي وقد قتل ابن رسول الله جوعاناً» [59] . نعم إن البكاء مدرسة حضارية، استخدمها الإمام زين العابدين (ع) لفضح الظلم والطغيان مضافاً إلي الأساليب الأخري كأسلوب الدعاء وإلقاء الخطب وبيان الأحاديث وتنظيم الكوادر الواعية وما أشبه مما هو مذكور في تاريخ الإمام (ع). إن الله عزوجل فطر الناس علي حب المظلوم ونصرته، وسلاح الظلامة أقوي وأمضي سلاح علي الظالم المعتدي، ومن هنا فإن الإمام زين العابدين (ع) بعد فاجعة كربلاء جعل من ظلامة أهل بيت العصمة والطهارة (ع) شعاراً لفضح وطعن أعداء الحق وأنصار الباطل. فكان (ع) وفي كل المناسبات يذكر مصيبة

أبيه وأخوته وأصحابهم (ع)، وكذلك مسألة الأسر وهتك حرمة بنات رسول الله (ص)، فكان يندب ويذرف الدموع ويقرأ عزاءهم. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «بكي علي بن الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكي حتي قال مولي له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين! قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) [60] ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة. وفي رواية قال الراوي: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك أن يعقوب النبي (ع) كان له اثنا عشر ابناً فغيب الله واحداً منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه واحدودب ظهره من الغم وكان ابنه حياً في الدنيا، وأنا نظرت إلي أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني» [61] . وهكذا استطاع الإمام زين العابدين (ع) من إيجاد حركة عاطفية دائمة في أوساط الناس وواقعهم الخارجي، حتي تبقي علي إثرها نهضة الإمام الحسين (ع) وأهدافه المقدسة حية وخالدة دائماً.

التربية والتعليم

كان أحد أهداف بني أمية هو محو وطمس حقيقة الإسلام وآثار النبي الأكرم (ص)، وقد صرف معاوية بن أبي سفيان أموالاً طائلة للسيطرة علي الحكم الإسلامي والأمة الإسلامية ومحاربة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وشيعته، كان معاوية يريد أن لا يبقي من الإسلام إلا الاسم الظاهري، وذلك ضمن الإطار الذي يخدم سلطته وملكه واستمرارية ذلك في عائلته. وقد أقسم مراراً بأن يطمس ذكر رسول الله (ص) ويدفن اسمه الشريف [62] ، ويقتل ذريته ويجعلهم نسياً منسياً. وقد سار يزيد بن معاوية علي تحقيق هذا

الهدف أيضاً وتمكن لحد كبير أن يقلب بعض المعادلات ويعكس الوجه الحقيقي للإسلام، وينشر الفساد والإفساد في المجتمع الإسلامي، فقد كان يمارس الفحشاء والمنكر والأعمال التي تخالف الإسلام علناً، وأراد القضاء علي شيعة أمير المؤمنين علي (ع)، فكان يضع العيون عليهم أينما كانوا، وربما اعتقلهم وزج بهم في قعر السجون ويأخذ بتعذيبهم ومن ثم إعدامهم، كما فعل أبوه من قبل، وأخيراً سعي للقضاء علي ذرية الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع) فلايبقي لهم اسم يذكر. (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَي اللهُ إِلاَ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [63] . فإنهم وإن قتلوا ذرية الرسول بأجمعهم فلم يبق منهم من أبناء الإمام الحسن المجتبي (ع) سوي الحسن المثني ومن أبناء الإمام الحسين (ع) سوي الإمام زين العابدين (ع)، إلا أن الله عزوجل بارك في نسلهم إلي يومنا هذا. لقد أدي الإمام السجاد (ع) دوراً مهماً جداً للإبقاء علي الإسلام ومعارفه، في تلك الظروف القاسية، فأخذ بتربية أجيال من الفتيان والفتيات تربية صالحة.. فكان يشتري الكثير من العبيد والإماء وفي خلال فترة قصيرة كان (ع) يشرع بتربيتهم وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية حيث يعلّمهم القرآن وأحكامه، ويبين لهم سيرة رسول الله (ص) والإمام أمير المؤمنين (ع) وأهل بيته الطاهرين (ع) ومن ثم يقوم بتحريرهم وذلك باعتاقهم في سبيل الله، ورويداً رويداً كان هؤلاء يدخلون المجتمع الإسلامي ويقومون بنشر أفكار الإمام (ع) في أوساط الناس، حتي أن مجموعة من تلك الإماء المتعلمات وصلن إلي داخل القصر الأموي وضمن حريم بني أمية وشرعن بإيصال ظلامة أهل بيت النبوة (ع) وكذلك تعليم المطالب الحقة إلي نساء وأبناء السلاطين وحُجّاب بني أمية.

مدرسة الدعاء

مما لا شك فيه أن الدعاء

والضراعة إلي الله عزوجل يوجب تقوية روح الإنسان، فإن طلب المعونة من القوة الإلهية تعين في قضاء الحوائج وتسهيل أمور الدين والدنيا، وغفران الذنوب بعد الموت في الآخرة. وربما يخطر في ذهن البعض هذا السؤال: إذا شاءت إرادة الله شفاء المريض مثلاً، فعندئذ لا حاجة إلي الدعاء، وإذا لم تشأ الإرادة الإلهية ذلك فلا أثر للدعاء حينئذ، فما هي فلسفة الدعاء؟ والجواب علي ذلك نقول: بأن المسألة لا تنحصر في الحالتين المذكورتين، بل قد تتعلق إرادة الله تعالي بواحدة من الحالات أدناه.. فمثلاً بالنسبة إلي المريض: 1_ أحياناً تشاء إرادة الله تعالي شفاء المريض من دون دعاء. 2_ وأحياناً تشاء إرادة الله تعالي بحيث إذا دعا المريض تحسنت حالته وشوفي، وإذا لم يدع لا يشفي. 3_ أحياناً تشاء إرادة الله تعالي عدم شفاء المريض حتي بالدعاء وذلك لمصلحة يراها الباري عزوجل. قال الإمام الصادق (ع): «إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وأبرم إبراما» [64] . وقال الراوي: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: «إن الدعاء يرد ما قد قدّر وما لم يقدّر» قلت: وما قد قدر عرفته، فما لم يقدر؟ قال: «حتي لا يكون» [65] . وقال علي بن الحسين (ع): «الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل» [66] . وقال الإمام الكاظم (ع): «عليكم بالدعاء، فإن الدعاء والطلب إلي الله عزوجل، يردّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله وسُئل صرف البلاء صرفاً» [67] . وقال أبو عبد الله (ع): «إن الله عزوجل ليدفع بالدعاء الأمر الذي علمه أن يدعي له فيستجيب، ولولا ما وفق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجثه من جديد الأرض» [68] . وعن

علاء بن كامل قال: قال لي أبو عبد الله (ع): «عليك بالدعاء فإنه شفاء من كل داء» [69] . فبناءً علي هذا تعرف أهمية الدعاء وطلب المعونة من الباري عزوجل، حيث قال تعالي: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [70] . وقال سبحانه: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) [71] .

لماذا لا يستجاب الدعاء؟

اشارة

ومما يسأله البعض أيضاً انه لماذا لا يستجاب الدعاء؟ والجواب: لماذا لا ينفع الدواء؟ وهذا جواب نقضي حسب الاصطلاح، والحلي: إن الله سبحانه جعل للأمراض الدواء، وجعل لبعض الأمراض والمقاصد الدعاء، وكل واحد منهما في الجملة، لا علي نحو الكلية، إذ الأمر دائر بين الثلاث: الأول: عدم الجعل مطلقا. والثاني: الجعل مطلقا. والثالث: الجعل في الجملة. فالأول لا صحة له، لأنه نقص في الخلقة، فكل شيء قابل للخلقة وليس فيه محذور وجب أن يخلق، لأنه مقتضي الفياضية المطلقة منه سبحانه. والثاني: لا صحة له، وإلا لزم خلاف الحكمة، إذ بذلك تتغير الدنيا عن كونها دنيا هكذا، بل تكون جنة، والمفروض أن الدنيا بهذه الكيفية نوع من الخلقة التي تتطلب الخلق بلسان الواقع، والفياض يخلق كل شيء فيه الحكمة بأن لم يكن فيه محذور. فيبقي الثالث. فلا يقال: ما أكثر ما يشفي الدواء؟ لأنه يقال: وما أكثر ما استجيب الدعاء، فإن أحدنا يذكر انه دعا للدين، والفقر، والمرض، والولد، والعدو، وألف شيء وشيء واستجيب، نعم لا يستجاب الكل. كما استعمل الدواء لعشرات الأمراض وشوفي، نعم ليس كل مرض يعالج بالدواء، وإلا لم يكن هناك مرض وموت وهرم وعقم ونقص خلقة وغيرها. فالدعاء من الأسباب الكونية المعنوية، كالدواء، لا يصيب كله ولا يخيب كله، كسائر الأسباب والمسببات التي ليست علة تامة، وإنما لها شرائط وموانع

ومعدات وقواطع، إلي غير ذلك. فقوله سبحانه: (ادعوني استجب لكم) [72] من باب المقتضي لا من باب العلة التامة.

كيفية الدعاء

كيف ينبغي الدعاء

وماذا نطلب من الله عزوجل في أدعيتنا؟ إن رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) وخاصة الإمام زين العابدين (ع) قد بينوا في رواياتهم وسيرتهم العملية أسلوب الدعاء، وشروطه وما يوجب الاستجابة وموانعها، وقد ورد عنهم الكثير من الأدعية التي تتضمن سعادة الدنيا والآخرة. قال رسول الله (ص): «خير وقت دعوتم الله عزوجل فيه الأسحار وتلا هذه الآية في قول يعقوب (ع) (سوف أستغفر لكم ربي) [73] وقال: أخرهم إلي السحر» [74] . وقال أمير المؤمنين (ع): «اغتنموا الدعاء عند أربع، عند قراءة القرآن وعند الأذان وعند نزول الغيث وعند التقاء الصفين للشهادة» [75] . وعن أبي جعفر (ع) قال: «إن الله عزوجل يحب من عباده المؤمنين كل عبد دَعّاء فعليكم بالدعاء في السحر إلي طلوع الشمس فإنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وتقسم فيها الأرزاق وتقضي فيها الحوائج العظام» [76] . وقال أبو عبد الله (ع): «اطلبوا الدعاء في أربع ساعات، عند هبوب الرياح وزوال الأفياء ونزول القطر وأول قطرة من دم القتيل المؤمن فإن أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء» [77] . وقال أبو عبد الله (ع): «يستجاب الدعاء في أربعة مواطن، في الوتر وبعد الفجر وبعد الظهر وبعد المغرب» [78] . وعن أبي عبد الله (ع) قال: «إذا رق أحدكم فليدع فإن القلب لا يرق حتي يخلص» [79] . وعن أبي عبد الله (ع) قال: «إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك فدونك دونك فقد قصد قصدك» [80] . وعن أبي عبد الله (ع) قال: «كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند

زوال الشمس فإذا أراد ذلك قدم شيئا فتصدق به وشم شيئا من طيب وراح إلي المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله» [81] . وقال أبو عبد الله (ع): «إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة، حتي يبدأ بالثناء علي الله عزوجل والمدح له والصلاة علي النبي (ص) ثم يسأل الله حوائجه» [82] .

الصحيفة السجادية

وأفضل شاهد علي هذا الأمر الصحيفة السجادية، التي تناولت مختلف الجوانب العلمية والعملية في حياة الإنسان وتبين كيفية سلوكه مع ربه ومع نفسه ومع الآخرين، فهي تشتمل علي أصول الدين، والأخلاق، وعلم الاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، وعلم النفس، وأهم المسائل الفكرية والثقافية، كل ذلك في إطار الدعاء والمناجاة مع الباري عزوجل. إن للصحيفة السجادية دوراً مهماً جداً في بيان المسائل العقائدية ومعرفة الأصول الإسلامية، وما يوجب سعادة الإنسان في كافة أبعاد الحياة. وبالطبع فإن أدعية الإمام زين العابدين (ع) هي أكثر بكثير مما في الصحيفة المذكورة، فإنها لا تشمل جميع الأدعية. إن هذه الصحيفة السجادية المعروفة قام بنقلها وروايتها أحد أحفاد [83] الإمام السجاد (ع). وقد حاز شرف شرحها [84] علماء الإسلام عدة مرات وقاموا بطبعها كراراً ومراراً. وقد جمع بعض العلماء أدعية أخري للإمام السجاد (ع) [85] وهذه المجموعة أيضاً لا تعني جميع الأدعية كما لا يخفي.

مكارم الأخلاق

إن حياة الإمام علي بن الحسين (ع) وسيرته الطاهرة مليئة بمكارم الأخلاق وهي تشكل قسماً مهماً من بحر فضائله ومكارمه، فكان الإمام (ع) خير دليل وأسوة للإنسان الصالح، وأفضل نموذج لكل البشرية في طريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة. يقول أحد الشعراء [86] . من ذا يكافئ زهرة فواحة؟ أو من يثيب البلبل المترنما ينبغي للإنسان بصورة عامة وللمسلم بصورة خاصة أن يكون كباقة الورد العطرة، وأن يخدم الإنسانية من دون أن يتوقع مكافأة الناس له، وأن يعمل خالصاً لله عزوجل، كما ورد في القرآن الكريم حكاية عن أهل البيت (ع) حيث قالوا: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [87] . وأن يحب الناس، وإذا ما أساء إليه شخص ما، فعليه بالعفو والإحسان،

فإن النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) كانوا كذلك، يغضون الطرف عن الذنب ويحسنون إلي المذنب. وخلاصة القول علي الإنسان أن يقابل الإساءة بالإحسان والشر بالخير، مما يعبر عنه في علم الأخلاق ب_(الملكات الإنسانية العالية). وهذه من مزايا مدرسة أهل البيت (ع). إن المجرم في عالم اليوم إذا لم يلتزم بمنطق القوانين والمقررات، فإنهم سوف يجبرونه بالقوة من أجل المحافظة علي حقوق الآخرين حتي لا يتجاوز حدوده ويتعدي علي حقوق الآخرين. أما في سيرة أهل البيت (ع) الأخلاقية، فإن المجرم لا يُطرد ولاينفي، بل يجعل منه مؤمن صالح، حيث يسعون في هدايته بالحكمة والموعظة الحسنة ويستقبلونه بالوجه الطلق، مما يوجب هدايته إلي الطريق المستقيم والفطرة التي فطر الله الناس عليها. فسياستهم (ع) هي سياسة اللين واللاعنف والأخلاق الطيبة، أما سياسة العصا والسيف فإنها ليست من شيمهم، فلم يقوموا بالسيف إلا للدفاع عن النفس، فإن نبي الإسلام العظيم (ص) وخليفته الإمام أمير المؤمنين (ع) لم يبتدئوا بحرب مطلقاً، بل كانوا دائماً وفي كل حروبهم في حالة الدفاع عن النفس وصد هجوم الكفار والمشركين، وحتي في تلك الحروب الدفاعية كانوا يجتنبون حد الإمكان عن القتل وإراقة الدماء [88] . نعم إنهم حملوا رسالة المحبة إلي العالم، وبينوا أن معالم دينهم قائمة علي المحبة وكانوا يقابلون حتي أعدائهم بالمحبة والوئام. وكان الإمام زين العابدين غصناً من أغصان هذه الشجرة النبوية العظيمة والمورقة دائماً والملقية بظلالها علي رؤوس الخلق إلي أبد الآبدين. وقد كانت أخلاقه الطيبة مدرسة للآجيال، وإليكم بعض النماذج من سلوكه الطاهر.

مع الأقرباء

ذكروا أنه وقف علي علي بن الحسين (ع) رجل كان له بعض القرابة من الإمام (ع) وشتمه، فلم يكلمه الإمام (ع) بسوء، فلما انصرف قال

(ع) لجلسائه: «لقد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتي تسمعوا مني ردي عليه». قال: فقالوا له نفعل، ولقد كنا نحب أن يقول له ويقول. فأخذ (ع) نعليه ومشي وهو يقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [89] . قالوا: فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً. قال: فخرج (ع) حتي أتي منزل الرجل فصرخ به فقال: «قولوا له هذا علي بن الحسين». قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاء مكافئاً له علي بعض ما كان منه. فقال له علي بن الحسين (ع): «يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيّ فاستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك». قال: فقبل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به [90] . وروي أن الإمام السجاد (ع) كان يخرج بالليل متنكراً من دون أن يعرفه أحد ويطرق أبواب بعض أقربائه ويساعده مالياً، وكان الشخص يأخذ المال ويقول: لكن علي بن الحسين لا يواصلني لا جزاه الله عني خيراً، فيسمع الإمام ذلك ويصبر عليه ولم يعرفه بنفسه. وبعد استشهاد الإمام السجاد (ع) انقطع الخير عن الرجل فعرف أن الشخص المحسن الذي لم يكن يعرفه كان هو الإمام السجاد (ع)، عندها جاء إلي قبره وبكي بحسرة وندم علي ما فرطه في حق الإمام [91] .

مع الموالي والعبيد

إن كثيراً من الناس تختلف أقوالهم عن أعمالهم، فإذا كان معدماً لا يملك شيئاً، يتمني أن لو كانت له الدنيا وما فيها ليخدم الناس، فيقول: إذا ما وصلت إلي منصب حكومي أو مادي، فسأرعي من تحت

يدي وأساعد المحتاجين والفقراء، ولكن عند ما يجد القدرة في أي صعيد فإنه يطغي في حدود إمكاناته، هذه طبيعة البعض. أما أولياء الله والأئمة الطاهرون (ع) فالمهم لديهم هو رضا الله عزوجل، فإنهم يستحضرون الله دائماً ويجعلون من رضائه ملاكاً لأعمالهم، وإذا ملكوا ما ملكوا، فإنهم ليس فقط لا يتغيرون ولايتبدلون بل يسعون للاستفادة منها في خدمة المحرومين والمنقطعين. والإمام زين العابدين (ع) من هؤلاء الأطهار فإنه علي عظمته وزعامته الدينية، لم ينس حتي الموالي والعبيد، بل كان يتعامل معهم تعامل الأب العطوف، وربما تجاوزت محبته (ع) عطوفة الأب بالنسبة إلي أولاده.

هكذا العفو

في يوم من الأيام كان للإمام زين العابدين (ع) مجموعة من الضيوف، فأمر (ع) أن يعد لطعامهم مقداراً من اللحم فيشوي في التنور ويؤتي به علي الخوان، وعندما حل وقت الطعام، جلب أحد غلمانه جفنة اللحم المشوي إلي الخوان وكانت الجفنة شديدة الحرارة، ولشدة عجلة الغلام وقبل أن يصل إلي الخوان سقطت من يده علي رأس أحد أولاد الإمام الصغار فاحترق ومات. فتغير لون الغلام وأصابه الهلع وأخذ يرتجف من رهبة الجزاء، فإنه قد قتل طفلاً من أطفال الإمام (ع). ومن الطبيعي أن كل أب عندما يشاهد مقتل ولده بهذه الطريقة المفجعة، أن يشد علي الطرف بما يمكنه وأقله التوبيخ باللسان، ولكن الإمام السجاد (ع) لما رأي ذلك سلّم أمره إلي الله تعالي وخاطب الغلام وقال: أنت حر لوجه الله، فإنك لم تعتمد ذلك، ثم أخذ في جهاز ابنه ودفنه [92] . وبالطبع أن تحرير العبد حتي وإن كان له أجر أخروي، ولكنه يضر بالمالك من الناحية المادية لأن في استطاعته بيعه والاستفادة من ثمنه.

امنت عذابك

في إحدي المرات نادي الإمام السجاد (ع) أحد غلمانه فلم يجبه، فأعاد النداء فلم يجبه، فناداه في المرة الثالثة فلم يجبه أيضاً، فقال له الإمام السجاد (ع) بهدوء: يا بني ألم تسمع ندائي في المرة الأولي والثانية؟ قال: سمعت. قال (ع): فلماذا لم تجبني؟ قال: لأني أمنت عذابك. عندما سمع الإمام (ع) جوابه هذا عفي عنه وقال: الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني [93] . وينبغي الإشارة إلي أن العبيد في ذلك الزمان لم تكن لهم أية شخصية أو أهمية في المجتمع، وكان يكفي أن يقصّر في تلبية النداء حتي يعاقب عليه. إن طريقة تعامل الإمام زين العابدين (ع)

تنم عن نهاية عطفه ومحبته بالنسبة إلي من كان تحت يده.

كظمت غيظي

واحدة من إماء الإمام السجاد (ع) قامت بصب الماء علي يديه ليسبغ الوضوء للصلاة، ولكن فجأة سقط الإبريق من يديها فشج وجه الإمام. فنظر إليها الإمام (ع) وهو جالس. فقالت: (والكاظمين الغيظ). قال (ع): كظمت غيظي. قالت: (والعافين عن الناس). قال (ع): عفوت عنك. قالت: (والله يحب المحسنين) [94] . قال (ع) فاذهبي فأنت حرة لوجه الله، وكان الدم يتقاطر من وجه الإمام (ع) [95] . نعم هذه هي مدرسة أهل البيت (ع).. مدرسة الأخلاق والإحسان، حتي مع المقصرين والمخالفين، وهذه هي سياسة باقة الورد بدل السوط وغصن الزيتون بدل السيف.

مع الأسرة والعائلة

ورد في الروايات الشريفة أن الذي يؤذي عائلته وخاصة زوجته وأطفاله فيغلظ عليهم في القول والأخلاق، فإنه سيعذب عذاباً أليماً في يوم القيامة، وإذا مات فستناله ضغطة القبر والعياذ بالله. وهذا أثر طبيعي ووضعي للعمل، لأن نتيجة الضغط علي الأسرة في الدنيا هي ضغطة القبر في البرزخ. وفي المقابل من أكرم عائلته ووسع عليهم في الرزق وعاشرهم بالمعروف وحسن الخلق، فسينال ثواب الآخرة ونعيم الجنة. قال رسول الله (ص): «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» [96] . وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن سعدا لما مات شيعه سبعون ألف ملك، فقام رسول الله (ص) علي قبره، فقال: ومثل سعد يضم، فقالت أمه: هنيئا لك يا سعد وكرامة، فقال لها رسول الله: يا أم سعد لا تحتمي علي الله، فقالت: يا رسول الله قد سمعناك وما تقول في سعد، فقال: إن سعدا كان في لسانه غلظ علي أهله» [97] . وعن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (ع) قال: «ينبغي للرجل أن يوسع علي عياله لئلا يتمنوا موته، وتلا هذه

الآية: (ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) [98] ، قال: «الأسير عيال الرجل، ينبغي إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم» الحديث [99] . وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): «من دخل السوق فاشتري تحفة فحملها إلي عياله، كان كحامل صدقة إلي قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإن من فرح ابنة فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقر عين ابن فكأنما بكي من خشية الله، ومن بكي من خشية الله أدخله جنات النعيم» [100] . وقال الصادق (ع): «رحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته فإن الله عز وجل قد ملكه ناصيتها وجعله القيم عليها» [101] . وقال أبو عبد الله (ع): «كانت لأبي (ع) امرأة وكانت تؤذيه فكان يغفر لها» [102] . عن أبي جعفر (ع) قال: «قال رسول الله (ص): أوصاني جبرئيل (ع) بالمرأة حتي ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة بينة» [103] . قال (ع): «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنة، وكتب له مائتي ألف حسنة ومحا عنه مائتي ألف سيئة ورفع له مائتي ألف درجة وكتب الله عز وجل له بكل شعرة علي بدنه عبادة سنة» [104] . قال رسول الله (ص): «ما من عبد يكسب ثم ينفق علي عياله إلا أعطاه الله بكل درهم ينفقه علي عياله سبعمائة ضعف» [105] . قال (ص): «خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون علي أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم ثم قرأ: (الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض) [106] الآية» [107] . ومن هنا فقد أكد الإسلام علي حفظ الأسرة

وإكرام من يعوله الإنسان والسعي في خدمتهم وقضاء حوائجهم، فإن الأسرة تمثل مجتمعاً صغيراً بحد ذاتها وهي النواة للمجتمع الأكبر، فإذا صلحت صلح المجتمع وإلا فلا، ولا يكون صلاحها إلا بالمحبة والصداقة والاحترام المتقابل بين الأفراد. إن هذه القاعدة (قاعدة الأسرة السليمة والمتحابة) وسائر القواعد الإسلامية الأخري يجدها المتتبع بشكل واضح ومصداق عملي جلي في سيرة رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) فمثلاً إذا ما تصفحنا تاريخ الإمام السجاد (ع) وسلوكه مع أفراد عائلته سنراه في القمة، فإنه مضافاً إلي كونه (ع) أعبد أهل زمانه وأزهدهم، فهو لا ينسي رعاية من يعوله وإكرام اسرته الشريفة، بل يأخذ بخدمتهم ويهيأ لهم وسائل الراحة المشروعة ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويربيهم علي أفضل العبادات:

ابتاع لعيالي

ورد في الكافي عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قال علي بن الحسين (ع): «لأن أدخل السوق ومعي دراهم ابتاع به لعيالي لحماً وقد قرموا أحب إليّ من أعتق نسمة» [108] . وقد أشار الإمام السجاد (ع) في هذا الحديث إلي أن ثواب شراء شيء للعيال أكثر من ثواب عتق رقبة في سبيل الله، وذلك لأن الزوجة والأولاد كل أملهم بكرم رب الأسرة وسخاوته، مضافاً إلي أن علاقتهم به لا تنفصم عراها، أما العبد إذا تحرر فان علاقته بمالكه تنفصم ويتخذ قراراته بنفسه. قال أبو الحسن (ع): «إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم، إن الله عزوجل ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان» [109] .

اتصدق لعيالي

عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: «كان علي بن الحسين (ع) إذا أصبح خرج غادياً في طلب الرزق فقيل له: يا ابن رسول الله أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي، قيل: له: أتتصدق؟ قال: من طلب الحلال فهو من الله جلّ وعز صدقة عليه» [110] . وفي هذه الرواية بعض الملاحظات الدقيقة ينبغي ذكرها: الأولي: إن الأئمة الأطهار (ع) لا يأخذون من بيت المال حد الإمكان وإنما كانوا يشتغلون ببعض الأعمال مثل الزراعة وما أشبه، وبهذه الطريقة كانوا يحصلون علي نفقاتهم ونفقات عائلتهم. الثانية: إن ثواب طلب الرزق الحلال من أجل تأمين نفقات العائلة يعادل ثواب إعطاء الصدقة في سبيل الله، هذا بالإضافة إلي الروايات الكثيرة التي تحث المسلمين علي العمل، والزراعة، والتجارة وغيرها، وتبين أن أجر ذلك مثل أجر المجاهد في سبيل الله [111] وأن الكاسب حبيب الله، وأن العمل والكسب الحلال من أسباب غفران الذنوب. عن أبي عبد الله (ع)

قال: «إذا كان الرجل معسرا فيعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله ولا يطلب حراما فهو كالمجاهد في سبيل الله» [112] . وعن أبي الحسن الرضا (ع) قال: «الذي يطلب من فضل الله عز وجل ما يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله عزوجل» [113] . وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «إياك الكسل والضجر فإنهما مفتاح كل سوء، إنه من كسل لم يؤد حقا ومن ضجر لم يصبر علي حق» [114] . وقال أبو الحسن موسي بن جعفر (ع): «إن الله تعالي ليبغض العبد النوام، إن الله تعالي ليبغض العبد الفارغ» [115] . وعن أبي عبد الله (ع) قال: «كان أمير المؤمنين (ع) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (ع) تطحن وتعجن وتخبز» [116] .

مع الناس

إن سيرة الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) وتعاملهم مع الناس هي المثل الأعلي في كافة ميادين الحياة الاجتماعية.. فإنهم القدوة في حبهم وعطفهم. وفي رأفتهم حتي بعدوهم. وفي أخلاقهم وحسن معاشرتهم. وقد جعلهم الله تعالي الأسوة الحسنة حيث أمرنا جل جلاله باتباعهم والسير علي هداهم فقال عز من قائل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كانوا يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [117] . إذن فمن أراد الله والنجاة في يوم القيامة فعليه باتخاذ هؤلاء الأطهار (ع) قدوة ومثلاً أعلي له في الحياة الدنيا وذلك لأنهم سفن النجاة التي من ركبها نجي ومن تخلف عنها غرق وهوي. وقد كان الإمام السجاد (ع) في سلوكه وتعامله مع الآخرين نموذجاً في الأخلاق الإسلامية وكان (ع) محط إعجاب الناس وتعلقهم بالرسول (ص) والرسالة. وفي هذا يحدثنا الإمام الصادق (ع) ويقول: «كان علي

بن الحسين (ع) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدام الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟ فقالوا: لا. قال: هذا علي بن الحسين (ع). فوثبوا إليه فقبلوا يده ورجليه، وقالوا: يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت إليك منا يد أو لسان أما كنا قد هلكنا إلي آخر الدهر، فما الذي يحملك علي هذا. فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (ص) ما لا أستحق فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إلي» [118] . هكذا أراد أن يخفي الإمام (ع) أمره تواضعاً فأبي الله إلا أن يظهره ويرفعه. وأما مشيته (ع) فكانت السكينة والوقار فلا طيش ولا خفة ولاشموخ بالأنف، لأن الإنسان مهما بالغ في مشيته فسوف لن يخرق الأرض ولا يبلغ الجبال طولاً، قال أبو عبد الله الصادق (ع): «كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) يمشي مشية كأن علي رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله» [119] . وفي تعامله مع من كان يؤذيه كان مصداقاً لقوله تعالي: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [120] . وقد كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين (ع) في إمارته، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين، وقد وقف عند دار مروان وكان علي بن الحسين (ع) قد تقدم إلي خاصته ألا يعرض له أحد منكم بكلمة، فلما مر ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالاته [121] . وفي أحد الأيام مر الإمام

(ع) علي بعض المجذومين وكان (ع) راكباً علي حمار وهم يتغذون فدعوه إلي الغذاء فقال (ع): «إني صائم ولولا أني صائم لفعلت» فلما صار إلي منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغذوا عنده وتغذي معهم [122] .

سلوكه مع نفسه

إن الكثير من الناس يسير في حياته نحو الإفراط أو التفريط فتختل الموازين الاجتماعية والنفسية بذلك. فهناك عابد جاهل، وآخر متعلم لا دين له.. وهناك غني بخيل، وفقير لا يملك شيئاً ولكنه كريم النفس.. وهناك جبان خائف وهناك متهور يضر بنفسه والآخرين.. وهكذا في سائر الأمور التي لم يراع فيها قانون الإسلام وهو رعاية حد الوسط في الأمور. قال تعالي: [وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَي عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً] [123] . وقال (ع): «خير الأمور أوسطها» [124] . وقال أبو عبد الله (ع): في باب الجبر والتفويض: «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين» [125] . إن الإسلام قد حدد جميع الموازين الدقيقة للموضوعات والأحكام في حياة الإنسان مع نفسه والآخرين، بحيث لا يكون إفراط ولا تفريط. والميزان لمعرفة ذلك هو رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) بأقوالهم وأفعالهم وسيرتهم العطرة. فقد تجلت كافة الجوانب الأخلاقية والآداب الإسلامية وموازين الشرع المقدس في شخصية نبي الإسلام محمد بن عبد الله (ص) وابنته سيدة نساء العالمين الصديقة الكبري فاطمة الزهراء (ع) والأئمة الطاهرين من أبنائها (ع). كما ورد في الزيارات: «السلام علي ميزان الأعمال» [126] . فمثلاً كان الإمام زين العابدين (ع) زاهداً في الدنيا، بل كان في قمة الزهد والتقوي، فكان لا يهتم باللذائذ الحسية والحاجات البدنية، ولكن مع ذلك كله لم يكن ينسي احتياجات الجسم في صحته

وعافيته، لأن الإسلام يعتبر سلامة الجسم من عوامل التقوي والورع. قال أمير المؤمنين (ع): «ألا وإنّ من صحة البدن تقوي القلب» [127] . فكان الإمام زين العابدين (ع) يتمتع بصحة كاملة [128] ويهتم بآداب النظافة وسننها.. فقد كان يخرج إلي المسجد وقد استاك أسنانه [129] وعطّر نفسه بأفضل عطر مما يسمي بالمسك والغالية [130] ، كما كانت ملابسه نظيفة ومرتبة [131] وكان سرج فرسه قطيفة حمراء [132] . إن الإمام زين العابدين (ع) عندما كان يسافر إلي مكة للحج كان يأخذ معه أفضل الزاد مما يحتاجه المسافرون [133] ، كي يجد القدرة علي العبادة وأداء مناسك الحج. نعم إن الإمام السجاد (ع) كان باستطاعته أن يسافر من دون أخذ زاد وما أشبه، فينجز كافة أعماله عن طريق المعجزة والكرامة، ولكنهم باعتبارهم أسوة حسنة لكل الناس فإنهم (ع) كانوا يعيشون كبقية الناس العاديين ليبقوا أسوة.

سلوكه مع ربه

كان الإمام زين العابدين (ع) قمة في العبادة والخضوع والخشوع أمام الله عزوجل، حتي لقب بزين العابدين وسيد الساجدين. فكان (ع) قد اصفر لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة. وكان (ع) إذا توضأ للصلاة يصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء، فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم» [134] . وكان (ع) إذا مشي لا يجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده وعليه السكينة والخشوع، وإذا قام إلي الصلاة أخذته الرعدة، فيقول لمن يسأله: «أريد أن أقوم بين يدي ربي وأناجيه فلهذا تأخذني الرعدة» [135] . وقد وقع الحريق والنار في بيت الإمام زين العابدين (ع)، وكان ساجدا في صلاته، فجعلوا يقولون

له: يا ابن رسول الله، يا ابن رسول الله، النار النار، فما رفع رأسه من سجود حتي أطفئت، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها، فقال: «نار الآخرة» [136] . وكان (ع) يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا أصبح سقط مغشيا عليه، وكانت الريح تميله كالسنبلة [137] . وعن زرارة بن أعين قال: سمع قائل في جوف الليل وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا، الراغبون في الآخرة، فهتف هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يري شخصه ذاك علي بن الحسين [138] . وعن سعيد بن كلثوم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد (ع)، فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال: «والله ما أكل علي بن أبي طالب، من الدنيا حراما قط حتي مضي لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضي، إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله (ص) نازلة قط، إلا دعاه فقدمه ثقة به، وما أطاق أحد عمل رسول الله (ص)، من هذه الأمة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل، كأن وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك، في طلب وجه الله والنجاة من النار، مما كد بيديه ورشح منه جبينه، وأنه كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس، إذا فضل شي ء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، ولا أشبهه من ولده ولا من أهل بيته، أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه، من علي بن الحسين (ع)، ولقد دخل أبو جعفر ابنه (ع) عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه

أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، ورمصت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر (ع): فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له، وإذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي، وقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف، التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (ع)، فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجرا، وقال: من يقوي علي عبادة علي (ع)» [139] .

مكانته الاجتماعية

وفي التاريخ: أنه حج هشام بن عبد الملك، فلم يقدر علي الاستلام من الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (ع)، وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة، كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلي موضع الحجر، تنحي الناس حتي يستلمه هيبة له، فقال: شامي من هذا يا أمير. فقال: لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق _ وكان حاضراً _: لكني أنا أعرفه. فقال الشامي: من هو يا أبا فراس. فأنشأ قصيدة: يا سائلي أين حل الجود والكرم عندي بيان إذا طلابه قدموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم --- هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا الذي أحمد المختار والده صلي عليه إلهي ما جري القلم --- لو يعلم الركن من قد جاء يلثم لخر يلثم منه موطئ القدم هذا علي رسول الله والده أمست بنور هداه تهتدي الأمم هذا الذي عمه الطيار جعفر والمقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن سيدة النسوان فاطمة

وابن الوصي الذي في سيفه نقم إذا رأته قريش قال قائلها إلي مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم ينمي إلي ذروة العز التي قصر عن نيلها عرب الإسلام والعجم يغضي حياء ويُغضي من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم ينجاب نور الدجي عن نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم بكفه خيزران ريحه عبق من كف أروع في عرنينه شمم ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم حمال أثقال أقوام إذا قدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم إن قال قال بما يهوي جميعهم وإن تكلم يوماً زانه الكلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء الله قد ختموا --- من جده دان فضل الأنبياء له الله فضله قدما وشرفه عم البرية بالإحسان وانقشعت عنها العماية والإملاق والظلم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم --- سهل الخليفة لا تخشي بوادره يزينه خصلتان الحلم والكرم --- لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته رحب الفناء أريب حين يعترم من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجي ومعتصم يستدفع السوء والبلوي بحبه ويستزاد به الإحسان والنعم --- مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل فرض ومختوم به الكلم إن عد أهل التقي كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت والأسد أسد الشري والبأس محتدم يأبي لهم أن يحل الذم ساحتهم خيم كريم وأيد بالندي هضم

لا يقبض العسر بسطا من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا إن القبائل ليست في رقابهم لأولية هذا أو له نعم من يعرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم بيوتهم في قريش يستضاء بها في النائبات وعند الحلم إن حلموا فجده من قريش في أرومتها محمد وعلي بعده علم --- بدر له شاهد والشعب من أحد والخندقان ويوم الفتح قد علموا وخيبر وحنين يشهدان له وفي قريظة يوم صيلم قتم --- مواطن قد علت في كل نائبة علي الصحابة لم أكتم كما كتموا فغضب هشام ومنع جائزته، وقال: ألا قلت فينا مثلها. قال: هات جدا كجده، وأبا كأبيه، وأما كأمه، حتي أقول فيكم مثلها. فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين (ع)، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال: «أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به». فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت، إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا. فردها إليه وقال: «بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأي الله مكانك وعلم نيتك» فقبلها. فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله: أيحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس تهوي منيبها تقلب رأسا لم يكن رأس سيد وعينا له حولاء باد عيوبها فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أنه أخرجه إلي البصرة [140] .

خطبته في الشام

روي أن يزيد بن معاوية أمر بمنبر وخطيب ليسيء إلي الإمام الحسين وأمير المؤمنين علي (ع)، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين (ع) وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل.

قال: فصاح به علي بن الحسين (ع): «ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار». ثم قال علي بن الحسين (ع): «يا يزيد ائذن لي حتي أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب». قال: فأبي يزيد عليه ذلك. فقال: الناس يا أمير، ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان. فقيل له: يا أمير وما قدر ما يحسن هذا. فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا. قال: فلم يزالوا به حتي أذن له. فصعد (ع) المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم خطب خطبة أبكي منها العيون وأوجل منها القلوب، ثم قال: «أيها الناس أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي: أيها الناس أنا ابن مكة ومني، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير من ائتزر وارتدي، أنا ابن خير من انتعل واحتفي، أنا ابن خير من طاف وسعي، أنا ابن خير من حج ولبي، أنا ابن من حمل علي البراق في الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلي سدرة المنتهي، أنا ابن من [دَنا فَتَدَلَّي فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني] [141] ، أنا ابن من صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي إليه الجليل ما

أوحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتي قالوا لا إله إلا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله سيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكاءين وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين، أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين والمجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشي من قريش أجمعين وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين وأول السابقين وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامي الله علي المنافقين ولسان حكمة العابدين وناصر دين الله وولي أمر الله وبستان حكمة الله وعيبة علمه، سمح سخي، بهي بهلول زكي، أبطحي رضي، مقدام همام، صابر صوام مهذب قوام، قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب، أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحي، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز وكبش العراق مكي مدني، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، ومن الوغي ليثها، وارث المشعرين وأبو السبطين: الحسن والحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب. ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء. فلم يزل يقول: أنا أنا حتي ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد بن معاوية أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. قال علي (ع): لا شيء أكبر من الله. فلما قال: أشهد أن لا إله إلا

الله. قال علي بن الحسين (ع): شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي. فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله. التفت من فوق المنبر إلي يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟ قال: وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة وتقدم يزيد فصلي صلاة الظهر! [142] .

و في حبس يزيد

ورد أن يزيد بن معاوية أمر بنساء الحسين (ع) فحبسن مع علي ابن الحسين (ع) في محبس لا يكنهم من حر ولا قر، حتي تقشرت وجوههم، ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس علي الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة، إلي أن خرج علي بن الحسين (ع) بالنسوة ورد رأس الحسين (ع) إلي كربلاء [143] .

شهادة الإمام

مات الإمام زين العابدين (ع) مسموماً مظلوماً يوم السبت الخامس والعشرين من شهر محرم سنة خمس وتسعين، وكان عمره الشريف 57 عاماً، ودفن في البقيع حيث مرقده الآن. وقيل: توفي (ع) في الثاني عشر من شهر محرم. وقيل: في الثامن عشر منه. قال الإمام الصادق (ع): «قبض علي بن الحسين (ع) وهو ابن سبع وخمسين سنة، في عام خمس وتسعين، عاش بعد الحسين (ع) خمساً وثلاثين سنة» [144] . فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

درر من كلماته

عجبت للمتكبر

قال الإمام زين العابدين (ع): «عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة وهو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يري خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخري وهو يري النشأة الأولي، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك العمل لدار البقاء» [145] .

العمل بالفرائض

وقال (ع): «من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس» [146] .

الخير كله

وقال (ع): «رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس» [147] .

من سعادة المرء

وقال (ع): «إن من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده ويكون خلطاؤه صالحين ويكون له أولاد يستعين بهم» [148] .

من ختم القرآن بمكة

وقال (ع): «من ختم القرآن بمكة لم يمت حتي يري رسول الله (ص) ويري منزله من الجنة» [149] .

من تزوج لله

وقال (ع): «من تزوج لله عزوجل ولصلة الرحم توجه الله تاج الملك» [150] .

لا تصاحب هؤلاء

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع): «أوصاني أبي فقال: يا بني لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. فقلت: جعلت فداك يا أبة من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها. فقلت: يا أبة وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها. قال: قلت: يا أبة ومن الثاني؟ قال: لاتصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه. قال: فقلت: ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد. قال: فقلت: ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. قال: قلت: يا أبة من الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع» [151] . كان هذا غيضاً من فيض في سيرة الإمام زين العابدين (ع) الفواحة، ولو أردنا الاستقصاء لطال بنا المقام، وإنما أردنا الإشارة، وفي ذلك عبرة وذكري [لمن أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً] [152] . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين. قم المقدسة محمد الشيرازي

پاورقي

[1] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص73.

[2] سورة البقرة: 207.

[3] سورة البقرة: 204.

[4] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص73.

[5] نهج البلاغة، الخطب: 74 ومن خطبة له (ع) لما عزموا علي بيعة عثمان.

[6] بحار الأنوار: ج43 ص305 ب12.

[7] كشف اليقين للعلامة الحلي: ص305 ف3 ب2 المبحث التاسع عشر في أولاده.

[8] راجع الكافي: ج1 ص527-528 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (ع) ح3.

[9] كشف الغمة في معرفة الأئمة للإربلي: ج2

ص73-74. [

[10] بحار الأنوار: ج46 ص5 ب1 ح6.

[11] راجع مقدمة الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر علي الصحيفة السجادية.

[12] راجع المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص169 فصل في سيادته (ع) وستأتي القصيدة في أواخر الكتاب.

[13] وقيل: سنة 37 هجرية.

[14] سورة النور: 36-37.

[15] بحار الأنوار: ج25 ص16 ب1 ح30.

[16] تفسير فرات الكوفي: ص504 ومن سورة سأل سائل ح504-622.

[17] من لا يحضره الفقيه: ج2 ص613 ح3213 زيارة جامعة لجميع الأئمة (ع).

[18] وقيل: كان إسمها غزالة، وقيل: سلامة، وقيل: خولة، وقيل: برة، ولا يبعد أن يكون لها أكثر من إسم، كما ورد في أسماء السيدة نرجس والدة الإمام المهدي المنتظر (عج).

[19] يزدجرد: آخر ملوك فارس وهو ابن شهريار بن برويز بن هرمز بن أنوشيروان الساساني، وقد أسرت شهربانو أو شاه زنان في الحرب التي دارت بين المسلمين والجيش الساساني ونقلت إلي المدينة المنورة ثم تزوجها الإمام الحسين (ع).

[20] بحار الأنوار: ج46 ص10-11 ب1 ح21.

[21] كشف الغمة: ج2 ص105 وثبتت له الإمامة من وجوه.

[22] بحار الأنوار: ج46 ص6 ب1 ح10.

[23] بحار الأنوار: ج46 ص2-3 ب1 ح1.

[24] كما في حديث جابر، انظر كتاب الكافي: ج1 ص527 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (ع) ح3، وإليك نص الحديث: عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: «قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة فمتي يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها. فقال له جابر: أي الأوقات أحببته. فخلا به في بعض الأيام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص)، وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟

فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت علي أمك فاطمة (ع) في حياة رسول الله (ص) فهنيتها بولادة الحسين، ورأيت في يديها لوحا أخضر ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله (ص) ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلي رسوله (ص) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيَ واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة (ع) فقرأته واستنسخته. فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ. قال: نعم، فمشي معه أبي إلي منزل جابر فأخرج صحيفة من رق، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك. فنظر جابر في نسخة فقرأه أبي، فما خالف حرف حرفا. فقال جابر: فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، فإياي فاعبد وعلي فتوكل، إني لم أبعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا، وإني فضلتك علي الأنبياء وفضلت وصيك علي الأوصياء وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة

عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليّ حق القول مني لأكرمن مثوي جعفر، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعد موسي فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفي، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفي، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افتري عليّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسي عبدي وحبيبي وخيرتي في، علي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلي جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سري وحجتي علي خلقي، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي وأميني علي وحيي، أخرج منه الداعي إلي سبيلي، والخازن لعلمي الحسن وأكمل ذلك بابنه محمد رحمة للعالمين، به كمال موسي وبهاء عيسي وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادي رؤوسهم كما تتهادي رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقا، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون». قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلا عن أهله.

[25] راجع الكافي: ج1 ص169 باب الاضطرار

إلي الحجة ح3، وبحار الأنوار: ج23 ص6-8 ب1 ح11. ونص الحديث: عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله الصادق (ع) جماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وحمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله (ع): «يا هشام». قال: لبيك يا ابن رسول الله. قال: «ألا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته». قال هشام: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك. فقال أبو عبد الله الصادق (ع): «يا هشام إذا أمرتكم بشيء فافعلوه». قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متزر بها من صوف وشملة مرتد بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم علي ركبتي ثم قلت: أيها العالم أنا رجل غريب تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: فقال: نعم. قال: قلت له: ألك عين. قال: يا بني أي شيء هذا من السؤال؟ فقلت: هكذا مسألتي. فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقا. قال: فقلت: أجبني فيها. قال: فقال لي: سل. فقلت: ألك عين؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تري بها؟ قال: الألوان والأشخاص. قال: فقلت: ألك أنف؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع بها؟ قال: أتشمم بها الرائحة. قال: قلت: ألك فم؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع به؟ قال: أعرف به طعم الأشياء. قال: قلت: ألك لسان؟ قال: نعم. قلت: وما

تصنع به؟ قال: أتكلم به. قال: قلت: ألك أذن؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الأصوات. قال: قلت: ألك يد؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع بها؟ قال: أبطش بها وأعرف بها اللين من الخشن. قال: قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم. قلت: ما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان إلي مكان. قال: قلت: ألك قلب؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع به؟ قال: أميز به كل ما ورد علي هذه الجوارح. قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟ قال: لا. قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة. قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلي القلب فتقن اليقين ويبطل الشك. قال: فقلت: إنما أقام الله القلب لشك الجوارح. قال: نعم. قال: قلت: فلابد من القلب وإلا لم يستقم الجوارح. قال: نعم. قال: فقلت: يا أبا مروان إن الله تعالي ذكره لم يترك جوارحك حتي جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتقن ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليهم شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟ قال: فسكت ولم يقل شيئا. قال: ثم التفت إلي فقال: أنت هشام؟ فقلت: لا. فقال لي: أجالسته؟ فقلت: لا. فقال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: فأنت إذا هو. قال: ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتي قمت. فضحك أبو عبد الله (ع) ثم قال: «يا هشام من علمك هذا؟». قال: فقلت: يا ابن رسول الله جري علي لساني؟ قال: «يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم

وموسي».

[26] راجع دلائل الإمامة: ص231 معرفة أن الله تعالي لا يخلي الأرض من حجة.

[27] كمال الدين: ج1 ص4 الخليفة قبل الخليقة.

[28] سورة الانفطار: 1-2.

[29] الكافي: ج1 ص178 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح1.

[30] بصائر الدرجات: ص331 ب10 ح2.

[31] غيبة النعماني: ص138 ب8 ح4.

[32] بحار الأنوار: ج23 ص55 ب1 ح117.

[33] الكافي: ج1 ص178 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح6.

[34] دلائل الإمامة: ص232 معرفة أن الله تعالي لا يخلي الأرض من حجة.

[35] الكافي: ج1 ص178-179 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح8.

[36] علل الشرائع: ج1 ص196 ب153 ح5.

[37] كمال الدين: ج1 ص201-202 ب21 ح2.

[38] منتخب الأنوار المضيئة: ص33 ف3.

[39] الكافي: ج1 ص179 باب انه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان ح1.

[40] علل الشرائع: ج1 ص196 ب153 ح6.

[41] سعدي الشيرازي (1189-1291): شاعر وناثر إيراني كبير ولد في شيراز تعلم في نظامية بغداد، له(البستان) و(كلستان) و(الديوان) وقد نقلت إلي عدة لغات.

[42] أصل الشعر بالفارسية: تن آدمي شريف است به جان آدميت نه همين لباس زيباست نشان آدميت.

[43] سورة ص: 71-74.

[44] إن هذا السجود للإنسان لا يعني عبادته، بل كان احتراماً لمقام الإنسان وعبادة لله عزوجل، فإن الملائكة في سجودهم لآدم (ع) قد عبدوا الله عزوجل وأطاعوه، أما إبليس فقد عصا أمر ربه فكان من الكافرين.

[45] كل دينار ذهب شرعي عبارة عن مثقال واحد من الذهب عيار 18 حمصة.

[46] كل درهم فضة شرعي عبارة عن مثقال واحد من الفضة عيار 12 أو 14 حمصة.

[47] الحُلة الواحدة ما تغطي جميع البدن.

[48] سورة المائدة: 32.

[49] هو الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي (1207-1273): شاعر فارسي صوفي المسلك، ولد في بلخ واستقر في قونية، صاحب الطريقة المولوية له

(المثنوي)، وأصل الشعر بالفارسية: آب دريا را اكر نتوان كشيد هم بقدر تشنكي بايد جشيد.

[50] راجع صحيح مسلم: ج6 ص2-4 كتاب الإمارة الناشر دار الفكر بيروت، صحيح ابن حبان: ج15 ص43-45 ط2 مؤسسة الرسالة بيروت، المستدرك علي الصحيحين: ج3 ص715-716 وج4 ص546 ط دار الكتب العلمية بيروت.

[51] راجع ينابيع المودة: ج3 ص282 ب76 في بيان الأئمة الاثني عشر باسمائهم، ط دار الأسوة.

[52] فرائد السمطين: ج2 ص132 ح431، غاية المرام: ص743 ح57.

[53] هو الحسن ابن الإمام الحسن المجتبي (المعروف بالحسن المثني) والذي قد جرح بشدة في واقعة كربلاء وسقط في وسط الشهداء فزعموا أنه مات، ولما صدر أمر اللعين بقطع رؤوس الشهداء من الأبدان، رأوا فيه رمقاً ونفساً في بدنه، فقامت مجموعة من أخواله بأخذه معهم وعالجوه، فشفي بحمد الله، وبسببه حفظ نسل الإمام المجتبي (ع) واستمر إلي يومنا هذا، وهم السادة الطباطبائيون.

[54] روي الزبير بن بكار في الموفقيات وهو من المنحرفين عن علي بن أبي طالب (ع) قال: قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي علي معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يري منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء ورأيته مغتماً، فانتظرته ساعة وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلي اخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقي لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات، هيهات، أيُّ

ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشه ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً رسول الله، فأي عملي يبقي؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا؟ لا أباً لك، لا والله إلا دفناً دفناً». شرح نهج البلاغة: ج5 ص129 أخبار متفرقة عن معاوية.

[55] سورة الحجر: 9.

[56] بحار الأنوار: ج45 ص51 ب37.

[57] بحار الأنوار: ج44 ص329 ب37.

[58] المناقب: ج4 ص68 فصل في مكارم أخلاقه.

[59] راجع وسائل الشيعة: ج3 ص282 ب87 ح3658.

[60] سورة يوسف: 86.

[61] مناقب ابن شهر آشوب: ج4 ص165-166 فصل في كرمه وصبره وبكائه (ع).

[62] مرت الإشارة إلي ذلك في الهامش من الصفحة 40-41 فراجع.

[63] سورة التوبة: 32.

[64] الكافي: ج2 ص469 باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء ح3.

[65] وسائل الشيعة: ج7 ص36-37 ب7 ح8647.

[66] الكافي:ج2 ص469 باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء ح5.

[67] بحار الأنوار: ج90 ص296 ب16 ضمن ح23.

[68] وسائل الشيعة: ج7 ص37 ب7 ح8649.

[69] الكافي: ج2 ص470 باب أن الدعاء شفاء من كل داء ح1.

[70] سورة غافر: 60.

[71] سورة الفرقان: 77.

[72] سورة غافر: 60.

[73] سورة يوسف: 98.

[74] الكافي: ج2 ص477 باب الأوقات والحالات التي ترجي فيها الإجابة ح6.

[75] مكارم الأخلاق: ص271 ب10 ف1 في الأوقات الموجودة لإجابة الدعاء.

[76] الكافي: ج2 ص478 باب الأوقات والحالات التي ترجي فيها الإجابة ح9.

[77] وسائل الشيعة: ج7 ص64 ب23 ح8735.

[78] تهذيب الأحكام: ج2 ص114 ب8 ح196.

[79] غوالي اللآلي: ج4 ص21 الجملة الأولي ح62.

[80] الخصال: ج1 ص81-82 باب الثلاثة

ح6.

[81] بحار الأنوار: ج80 ص361-362 ب8 ح15.

[82] الكافي: ج2 ص484 باب الثناء قبل الدعاء ح1.

[83] وهو يحيي بن زيد الشهيد بن الإمام السجاد (ع).

[84] ومن هذه الشروح: (شرح الصحيفة السجادية) للإمام الشيرازي (قدس سره)، وقد طبع عدة مرات، الطبعة الأخيرة في دار العلوم بيروت لبنان.

[85] وقد طبع أخيراً كتاب يقع في أكثر من800 صفحة باسم (الصحيفة السجادة الجامعة) يشتمل علي 270 دعاء منقول عن الإمام السجاد (ع)، وقد تشرفت بطبعها مؤسسة الإمام المهدي (عج) في مدينة قم المقدسة.

[86] هو الشاعر: إيليا أبو ماضي. وقال في قصيدته حول المحبة: كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما إن الحياة حبتك كل كنوزها لا تبخلن علي الحياة ببعض ما أحسن وإن لم تجز حتي بالثنا أي الجزاء الغيث يبغي إن هما؟ من ذا يكافي زهرة فوّاحة؟ أو من يثيب البلبل المترنما؟ لو لم تفح هذي وهذا ما شدي عاشت مذممة وعاش مذمما يا صاح خذ علم المحبة عنهما أني وجدت الحب علما قيماً أيقظ شعورك بالمحبة إن غفي لولا شعور الناس كانوا كالدمي أحبب فيغدو الكوخ كوناً نيّرا وأبغض فيمسي الكون سجناً مظلما.

[87] سورة الإنسان: 9.

[88] فقد ورد أنه بعد واقعة الجمل قالت صفية بنت الحارث زوجة عبد الله بن خلف الخزاعي للإمام علي (ع): يا قاتل الأحبة، يا مفرق الجماعة، فقال الإمام (ع): «إني لا ألومك أن تبغضيني يا صفية وقد قتلت جدك يوم بدر وعمك يوم أحد وزوجك الآن، ولو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه البيوت» ففتش فكان فيه مروان وعبد الله بن الزبير، بحار الأنوار: ج31 ص310 ب114.

[89] سورة آل عمران: 134.

[90] راجع بحار الأنوار: ج46 ص54-55 ب5 ح1.

[91]

راجع بحار الأنوار: ج46 ص100 ب5 ضمن ح88.

[92] كشف الغمة: ج2 ص81 مناقبه ومزاياه وصفاته.

[93] راجع إعلام الوري: ص261-262 ب3 ف4.

[94] سورة آل عمران: 134.

[95] راجع بحار الأنوار: ج46 ص68 ب5 ح36، والإرشاد للشيخ المفيد: ج2 ص146-147 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين (ع).

[96] من لا يحضره الفقيه: ج3 ص555 باب النوادر ح4908.

[97] الزهد: ص87 ب16 ح233.

[98] سورة الإنسان: 8.

[99] وسائل الشيعة: ج21 ص540 ب20 ح27805. [

[100] مستدرك الوسائل: ج15 ص118 ب5 ح17715.

[101] مكارم الأخلاق: ص217 ب8 ف5 في حق المرأة علي الزوج.

[102] من لايحضره الفقيه: ج3 ص441 باب حق المرأة علي الزوج ح4528.

[103] مكارم الأخلاق: ص216 ب8 ف5 في حق المرأة علي الزوج.

[104] مكارم الأخلاق: ص216 ب8 ف5 في حق المرأة علي الزوج.

[105] مكارم الأخلاق: ص216 ب8 ف5 في حق المرأة علي الزوج.

[106] سورة النساء: 34.

[107] مكارم الأخلاق: ص216 ب8 ف5 في حق المرأة علي الزوج.

[108] الكافي: ج4 ص12 باب كفاية العيال والتوسع عليهم ح10.

[109] وسائل الشيعة: ج21 ص484 ب88 ح27652.

[110] بحار الأنوار: ج46 ص67 ب5 ح32.

[111] راجع من لا يحضره الفقيه: ج3 ص168 باب المعايش والمكاسب ح3631.

[112] الكافي: ج5 ص88 باب من كد علي عياله ح3.

[113] وسائل الشيعة: ج17 ص67 ب23 ح22002.

[114] من لا يحضره الفقيه: ج3 ص168-169 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3634.

[115] وسائل الشيعة: ج17 ص58 ب17 ح21972.

[116] غوالي اللآلي: ج3 ص200 ق2 باب التجارة ح25.

[117] سورة الأحزاب: 21.

[118] وسائل الشيعة: ج11 ص430 ب46 ح15177.

[119] مستدرك الوسائل: ج8 ص239 ب49 ح9345.

[120] سورة فصلت: 34.

[121] المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص163 فصل في كرمه وصبره وبكائه (ع).

[122] بحار الأنوار: ج46 ص94 ب5 ضمن ح84.

[123] سورة الإسراء: 29.

[124] غوالي اللآلي: ج1

ص296 فصل 10 ح199.

[125] الكافي: ج1 ص160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ح13.

[126] بحار الأنوار: ج97 ص287 ب4.

[127] نهج البلاغة، قصار الحكم: 388.

[128] كان الإمام السجاد (ع) يملك بدناً سالماً وقوياً، وقصة مرضه في يوم عاشوراء كانت معجزة من الله لحفظ وليه من القتل وحتي لا تخلو الأرض من الحجة، وقيل: إن سبب مرض الإمام (ع) كان إصابته بالعين لما مزق الدرع بيده، قال أحمد بن حنبل: كان سبب مرض زين العابدين (ع) في كربلاء أنه لبس درعاً ففضل عنه فأخذ الفضلة بيده ومزقه. بحار الأنوار: ج46 ص41 ب3 ح36.

[129] بحار الأنوار: ج46 ص98 ب5 ضمن حديث 86.

[130] الكافي: ج6 ص515 باب المسك ح6، والكافي: ج6 ص517 باب الغالية ح5.

[131] الكافي: ج6 ص517 باب الغالية ح5.

[132] الكافي: ج6 ص541-542 باب آلات الدواب ح5.

[133] بحار الأنوار: ج46 ص71 ب5 ح52.

[134] كشف الغمة: ج2 ص74 وأما مناقبه ومزاياه وصفاته.

[135] كشف الغمة: ج2 ص74 وأما مناقبه ومزاياه وصفاته.

[136] كشف الغمة: ج2 ص74-75 وأما مناقبه ومزاياه وصفاته.

[137] كشف الغمة: ج2 ص81 وأما مناقبه ومزاياه وصفاته.

[138] العدد القوية: ص64 اليوم الخامس عشر.

[139] الإرشاد: ج2 ص141-142 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين (ع).

[140] راجع المناقب: ج4 ص169-172 فصل في سيادته (ع).

[141] سورة النجم: 8-9.

[142] راجع بحار الأنوار: ج45 ص138-139 ب39 الوقائع المتأخرة عن قتله (ع).

[143] الأمالي للشيخ الصدوق: ص167-168 المجلس 31 ح4.

[144] الكافي: ج1 ص468 باب مولد علي بن الحسين (ع) ح6.

[145] كشف الغمة: ج2 ص76 وأما مناقبه ومزاياه وصفاته.

[146] الكافي: ج2 ص81 باب أداء الفرائض ح1.

[147] وسائل الشيعة: ج9 ص449 ب36 ح12469.

[148] من لا يحضره الفقيه: ج3 ص164 باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح3598.

[149] تهذيب الأحكام: ج5

ص468 باب26 ح286.

[150] مكارم الأخلاق: ص198 باب8 ف1.

[151] كشف الغمة: ج2 ص81 وأما مناقبه ومزاياه وصفاته.

[152] سورة الفرقان: 62.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.