1- الامام أبومحمد الحسن العسكري هو الامام الحادي عشر من أئمة أهلالبيت عليهملاسلام الذين حملوا رسالة الاسلام، و تبنوا أهداف الدين الحنيف، و وهبوا حياتهم في سبيله، و وطنوا أنفسهم لمواجهة الكوارث و تحدي الصعاب و الشدائد من أجل نشر قيمه و أهدافه، فما أعظم عائداتهم عليه، و ما أكثر ألطافهم و أياديهم علي المسلمين. لقد كان هذا الامام العظيم فذا من أفذاذ العقل البشري بمواهبه و طاقاته الثقافية و العلمية، كما كان بطلا من أبطال التاريخ، و ذلك بصموده أمام الأحداث، و بارادته الصلبة تجاه الحكم العباسي المنحرف، فقد احتج الامام علي نظمه الفاسدة، و سعي الي تحقيق الحق و العدل بين الناس. 2- أما مثل الامام أبومحمد عليهالسلام و نزعاته، فهي تضارع مثل آبائه و نزعاتهم، فقد تشابهوا و اتحدوا جميعا في بلوغ أسمي مراتب الفضائل و الكمال. لقد كان هذا الامام العظيم وحيد عصره في وفرة علومه. يقول المؤرخون: «انه كان اعلم الناس بشؤون الدين و أحكام الشريعة، و ان جميع علماء عصره كانوا محتاجين الي الانتهال من نمير علومه». و من مثله البارزة انه كان أعبد الناس، و أشدهم حريجة في الدين، و قد آثر طاعة الله علي كل شيء، و كذلك كان أحلم الناس، و أكظمهم للغيظ، و قد قابل من أساء اليه [ صفحه 10] بالصفح و العفو عنه. و ظاهرة اخري من نزعاته: أنه كان من أجود الناس، و أنداهم كفا، و أكثرهم اسعافا للفقراء و اعانة للمحوجين، و قد قام بدور مهم في انعاش الفقراء، فقد نصب له وكلاء في كثير من مناطق العالم الاسلامي، و عهد اليهم بتوزيع الحقوق التي ترد اليه علي فقراء المسلمين و ضعفائهم مما أوجب انعاشهم و انقاذهم من البؤس و الحرمان في حين أنه كان يعيش عيشة الفقراء، فلم يحفل بأي شيء من متع الدنيا و ملاذها، شأنه شأن آبائه الذين أعرضوا عن الدنيا، و اتجهوا صوب الله و الدار الآخرة. 3- و يحدثنا الرواة عن اجماع الناس - في عصر الامام - علي تعظيمه، و الاعتراف له بالفضل و التفوق علي جميع العلويين و العباسيين. و من مظاهر ذلك التعظيم أنه اذا جاء الي البلاط العباسي لم يبق أحد من عظماء الحاضرين الا قام له تكريما و انحني له تعظيما، فالوزراء و الكتاب و قادة الجيش، و جميع أعضاء الدولة و أجهزتها كانوا يقابلونه بمزيد من التكريم و التعظيم، و كان الفتح بن خاقان، و هو رئيس وزراء دولة المتوكل، يقدم الامام و يعترف له بالفضل و التفوق علي جميع الشخصيات العلمية البارزة في عصره. 4- و كان من الطبيعي تقدير الامة بجميع طبقاتها للامام أبيمحمد عليهالسلام و تعظيمها له، فقد وقفت علي هديه و صلاحه، و عزوفه عن الدنيا، و اخلاصه للحق، و تفانيه في طاعة الله و عبادته، و استبان لها أنه بقية الله في أرضه، و الممثل الوحيد لجده الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، و بالاضافة الي ذلك فقد تبني الامام القضايا المصيرية للعالم الاسلامي، و نادي بحقوق المسلمين، و نعي علي حكام عصره ظلمهم للرعية، و استهانتهم بحقوقها، فلذا أجمعت الامة علي تعظيمه و الولاء له، و الاعتراف بقيادته الهامة لها. [ صفحه 11] 5- و شق علي ملوك بنيالعباس ما يرونه و يسمعونه من تعظيم الجماهير للامام عليهالسلام، و ذهاب جمهرة كبيرة من المسلمين الي امامته، و ايمانها المطلق بأنه أحق بالخلافة و الامامة من بنيالعباس الذين لم يتمتعوا بأي صفة أو موهبة تؤهلهم لمركز الخلافة الاسلامية، و قد نخر الحقد علي الامام قلوب الحكام العباسيين، فاتخذوا ضده الاجراءات القاسية التي كان منها: فرض الحصار الاقتصادي علي الامام، فضيقوا عليه غاية التضييق، كما فرضوا عليه الاقامة الجبرية في سامراء، و أحاطوه بقوي مكثفة من المباحث و الأمن تحصي عليه أنفاسه، و تسجل كل من يتصل به، و تنزل به أقسي العقوبات، و فيما اعتقد أن هذا هو السر في قلة الرواة عنه، كما هو السر في قلة ما اثر عنه من الحكم و الآداب و أحكام الشريعة الغراء. 6- و كان هناك عامل آخر شديد الحساسية قد دعا العباسيين الي مراقبة الامام تلك المراقبة الصارمة، و هو أنه أبوالامام محمد المهدي عليهالسلام المصلح العام للبشرية كلها، و المحطم لجميع أنواع الظلم و أفانين الاستبداد، و قد بشر به الرسول الأعظم و أوصياؤه العظام، و أحاطوا الامة علما بأنه هو الذي ينشر العدل السياسي و الاجتماعي في الأرض، و قد آمن بذلك المسلمون علي اختلاف نزعاتهم و ميولهم و اتجاهاتهم، ففزع العباسيون من ذلك، و اعتقدوا بأنه هو الذي سيزيل ملكهم، فبثوا العيون علي الامام للتعرف علي ولده، كما بثوا العيون من النساء علي من تلد من نسائه لالقاء القبض عليه، ولكن الله تعالي أخفي عليهم أمر المهدي لجهة الحمل به و ولادته، كما أخفي ولادة نبيه موسي بن عمران الذي قضي علي فرعون زمانه، و أطاح بحكومته المستبدة التي استذلت الشعب المصري. 7- و عني هذا الكتاب بدراسة عصر الامام، و ما انتشر فيه من الأحداث، فان دراسة العصر مبحث من البحوث المنهجية التي لا غني للباحث عنها؛ لأنها تلقي الأضواء علي الحياة الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في ذلك [ صفحه 12] العصر، و من الطبيعي ان لذلك تأثيرا مباشرا علي حياة الشخص، كما أنها تكشف عن أبعاد حياته، و مدي تأثره بالأحداث التي رافقته. 8- و يعرض هذا الكتاب الي تصوير الحياة الاقتصادية في ذلك العصر، فانها لم تكن سليمة و لا مستقرة، و انما كانت مشلولة و مضطربة، فلم تحقق الحكومات العباسية التي عاصرها الامام الرخاء بين الناس، و لم توفر لهم الحياة الكريمة التي يريدها الاسلام، فقد اختص بالثراء الفاحش أبناء الاسرة العباسية، و كبار رجال الدولة، و سائر عملائهم، فقد أسرفوا في الترف و البذخ، و استأثروا بطيبات الأرض و خيراتها، بينما كانت الأكثرية الساحقة من الشعوب الاسلامية تعاني الفقر و الحرمان، كما كانت تعاني أقسي الآلام في تسديد المتوجب عليها من الصدقات و الخراج، و ارغامها علي الذل و الهوان. 9- و قدمنا في هذا الكتاب دراسة عن ملوك عصره، الذين كان معظمهم من التافهين، فقد استسلموا للشهوات، و شغفوا بالجواري الحسان، و القيان الملاح، و كانت لياليهم الحمراء تعج بصنوف من الشهوات و المنكرات، و قد تركوا ما أمر الله به ولاة المسلمين من العمل علي تطوير الحياة العامة، و تقديم الخدمات اللازمة للشعوب، و ايجاد الفرص المتكافئة لجميع المواطنين، و لم يعمل أكثر ملوك بنيالعباس أي شيء من ذلك، و انما اتخذوا مال الله دولا، و عباد الله خولا، وساسوا الامة سياسة بطش و عنف، فسلطوا عليها الأتراك الذين لم تكن لهم أية دراية و خبرة في الشؤون السياسية و الادارية، فأغرقوا البلاد في المحن و الفتن، و استبدوا في الحكم بين الناس. 10- ان الواجب يقضي علي كل باحث في الشؤون التاريخية أن ينظر بدقة، و يتفحص بامعان في شؤون التاريخ. فقد خلط بكثير من الموضوعات؛ اذ [ صفحه 13] عمد بعض المؤرخين الي وضع تغطية لبعض الملوك و الحكام، و اضفاء الألقاب الكريمة، و النعوت الحسنة عليهم، في حين أنهم كانوا من المحترفين الذين أغرقوا البلاد في الظلم و الفساد، و سخروا اقتصاد الامة لشهواتهم و ملاذهم، و أشاعوا الفقر و البؤس في الأوساط الشعبية، فليس من الأمانة، و لا من الحق أن ينظر الي هولاء نظرة تقديس و تعظيم، و يمنحون الثقة العامة لجماهير الشعب؛ اذ من الضرورة الملحة دراسة التاريخ الاسلامي دراسة واعية و موضوعية تقضي بالتجرد من كل نزعة تقليدية، فعلي الكاتب ألا يتحيز و يتعصب، و أن يكون رائده الحق و خدمة هذه الامة. 11- و تعرضنا في هذا الكتاب لترجمة كوكبة من الفقهاء و العلماء ممن رووا عن الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أخذوا عنه بعض علومه و معارفه، و كان ذلك ضروريا - فيما أحسب - لأنه من متممات البحث عن شخصيته الكريمة، فان ذلك يكشف عن مدي العلاقة فيما بين الطرفين في ذلك الوقت الرهيب الذي كان شديد الحساسية. فقد وضعت عليه الحكومة العباسية الرقابة الشديدة، و نكلت بكل من يتصل به من الفقهاء و العلماء، فكان اتصالهم به مرهقا و عسيرا، و كان لذلك تأثير علي الامام، فقد اترعت نفسه بالآلام، فلا نكبة أشد و لا آلم للعباقرة و الموهوبين من حجبهم عن الادلاء بعلومهم و معارفهم، و صدهم عن خلق أجواء علمية تحمل أفكارهم و آراءهم من بعدهم. 12- و ليس من الوفاء في شيء، بل و لا من الخدمة للعلم، و لا من التقدير لحملته، أن لا اشيد بالجهود الخلافة التلي بذلها سماحة الحجة العلامة الكبير أخي الشيخ هادي شريف القرشي [1] ، من مراجعة بعض المصادر التي تخص [ صفحه 14] الموضوع، و بالاضافة الي ارشادته القيمة، و توجيهاته المفيدة، سائلا الله تعالي أن يجزيه عن ذلك خير ما يجزي المخلصين من عباده. انه تعالي ولي ذلك و القادر عليه مكتبة الامام الحسن العامة النجف الأشرف باقر شريف القرشي 1409 / 1988 [ صفحه 17]
قبل أن نتحدث عن الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام، و نتعرف علي ولادته و نشأته، نعرض بايجاز الي نسبه الوضاح و الاصول الكريمة التي تفرع منها:
أما نسبه الكريم فهو من صميم الاسرة النبوية التي أعز الله بها العرب و المسلمين، و التي تبنت قضايا الحق و العدل بين جميع شعوب الأرض، و تهذيب سلوك الانسان، و ابعاده عن المنعطفات التي تجر له المحن و الويلات. انه ليس في دنيا الأنساب مثل هذا النسب الكريم الذي ينتمي اليه الامام عليهالسلام: نسب، كأن عليه من شمس الضحي نورا و من فلق الصباح عمودا يقول الوتري: ماذا يقول المادحون بوصفهم و هم السراة خلائف المختار ضربت قباب فخارهم و سموهم بين البتول الطهر و الكرار انه بن الامام علي الهادي بن الامام محمد الجواد بن الامام علي الرضا بن الامام موسي الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر بن الامام علي السجاد بن الامام الحسين الشهيد بن الامام علي بن أبيطالب عليهمالسلام، و هؤلاء هم أئمة أهلالبيت عليهمالسلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و الذين [ صفحه 18] جعلهم الرسول الأعظم سفن النجاة، و أمن العباد، و لا أكرم من هذا النسب، و لا أشرف منه في دنيا الأنساب.
أما أبو الامام الحسن فهو الامام علي الهادي عليهالسلام، و هو الامام العاشر من أئمة التقي الذين تدين الشيعة بامامتهم و مودتهم، و كان من سادة أهلالبيت، و من ألمع علماء عصره في وفرة علمه و تقواه، و سائر مثله العيا. و قد استوفينا البحث عن سيرته و شؤون حياته في كتاب خاص.
أما امه الكريمة، فكانت أفضل نساء عصرها، من السيدات الزاكيات في عفتها و ورعها و طهارتها، و يقول الرواة: انها كانت من العارفات الصالحات [2] و قد أثني عليها الامام علي الهادي عليهالسلام ثناء عاطرا، و أشاد بمكانتها، و سمو منزلتها، فقال: «سليل - و هو اسمها - مسلولة من الآفات و الأرجاس و الأنجاس» [3] . و كفي بها فخرا و شرفا أنها لم تلوث بالأرجاس و الأدناس، و لا بما يشين المرأة و ينقصها في شرفها و عفتها، و هي ام ولد [4] نوبية [5] ،، و لا يضر في سمو منزلتها [ صفحه 19] أنها ام ولد، فان الانسان - في دين الاسلام - انما يسمو بهديه و تقواه و صلاحه، و ينحط بضلاله و انحرافه عن الطريق القويم. و ليس علو النسب أو انخفاضه، بل و لا الكرسي و لا المال و لا غيرها من الشؤون الاعتبارية التي يؤول أمرها الي التراب مما يرفع شأن الانسان أو يعلي مركزه عند الله تعالي.
و اختلف الرواة في اسمها الكريم، فقالوا ما يلي: 1- سليل، و هو الأصح، للرواية السابقة. 2- سوسن [6] . 3- حديث [7] . 4- حريبة [8] .
و أشرقت الدنيا بمولود سليل خاتم النبوة، و بقية الامامة الزكي أبيمحمد، و قد ازدهرت يثرب و سامراء بهذا المولود العظيم الذي كان امتدادا لحياة آبائه الذين أضاءوا الحياة الفكرية في دنيا الاسلام. و قد عمت البهجة و الأفراح الاسرة النبوية، فقد علموا أنه الامام و الحجة بعد أبيه، حسب ما أخبرهم بذلك الامام علي الهادي عليهالسلام. [ صفحه 20]
و اختلف المؤرخون في المكان الذي حظي بولادة الامام عليهالسلام، و في ما يلي ذلك: 1- في يثرب [9] . 2- في سامراء [10] .
و اختلف الرواة أيضا في الزمان الذي ولد فيه الامام عليهالسلام، و هذا بعض ما قالواه: 1- ولد سنة 230 ه في شهر ربيعالأول [11] . 2- ولد سنة 231 ه [12] . 3- ولد سنة 232 ه [13] . 4- ولد سنة 233 ه [14] .
و سارع الامام الهادي عليهالسلام حينما بشر بوليده المبارك فأجري عليه مراسيم الولادة الشرعية، فأذن في اذنه اليمني، و أقام في اليسري، لقد استقبل الحياة بهذا النشيد [ صفحه 21] المقدس الذي هو قبس من نور الله، انه: «الله أكبر» «لا اله الا الله». و في اليوم السابع من ولادته بادر الامام الهادي عليهالسلام فحلق رأس وليده، و تصدق بزنته فضة أو ذهبا علي المساكين، كما عق عنه بكبش، عملا بالسنة الاسلامية التي ندبت الي ذلك، و جعلته حقا للمولود علي أبيه.
و سمي الامام علي الهادي عليهالسلام وليده المبارك ب (الحسن)، و حقا انه من أجمل الأسماء، و هو كاسم عمه الأعلي سيد شباب أهل الجنة، و ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله الامام الحسن ابن الامام أميرالمؤمنين عليهماالسلام، و قد سمه الله بهذا الاسم.
وكني الامام الزكي ب (أبيمحمد) [15] ، و هو اسم ولده الامام المنتظر محمد المهدي المصلح الأعظم للبشرية أمل المحرومين و المستضعفين في الأرض.
أما ألقابه، فهي تحكي ما اتصف به من النزعات العظيمة، و الصفات الشريفة، و هي: 1- الخالص [16] : فقد كان خالصا من كل دنس، و منزها عن كل عيب. 2- الهادي [17] : و قد كان علما لهداية الناس و ارشادهم الي طرق الخير. [ صفحه 22] 3- العسكري [18] : و لقب بذلك للبلد الذي كان يقطنه، و هو سامراء، فقد كانت ثكنة عسكرية. و من الجدير بالذكر أن هذا اللقب اذا اطلق فانه ينصرف الي الامام الحسن لا الي أبيه حسب ما نص عليه بعض المؤرخين. 4- الزكي [19] : و هو أزكي انسان في عصره، فقد زكي نفسه، و نماها في فعل الخيرات. 5- الخاص [20] : و قد خصه الله بالفضائل و استجابة الدعاء. 6- الصامت [21] : و كان صامتا لا ينطق الا بالحكمة و العلم و ذكر الله. 7- السراج [22] : لقد كان سراجا يضيء معالم الطريق، و يهدي الحائرين و الضالين الي التقي و الصلاح. 8- التقي [23] : و هو أتقي انسان في عصره، و أشد الناس تمسكا بالدين و اعتصاما بالله عزوجل.
أما ملامح شخصيته، فقد وصفها أحمد بن عبيدالله بن خاقان، فقال: «انه أسمر، أعين [24] ، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة و هيبة [25] . [ صفحه 23] و قيل: انه كان بين السمرة و البياض» [26] .
نشأ الامام أبومحمد عليهالسلام في بيت الهداية، و مركز الامامة و المرجعية العامة للمسلمين،، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس و طهرهم تطهيرا. يقول الشبراوي في البيت الذي نشأ فيه الامام و ترعرع: «فلله در هذا البيت الشريف، و النسب الخضم المنيف، و ناهيك به من فخار، و حسبك فيه من علو مقدار، فهم جميعا في كرم الأرومة، و طيب الجرثومة، كأسنان المشط متعادلون، و لسهام المجد مقتسمون، فيا له من بيت عالي الرتبة، فلقد طاول السماء علا و نبلا، و سما علي الفرقدين منزلة و محلا، و استغرق صفات الكمال فلا يستثني فيه ب (غير)، و لا ب (الا)، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، و تناسقوا في الشرف فاستوي الأول و التالي، و كم اجتهد قوم في خفض منارهم و الله يرفعه، و ركبوا الصعب و الذلول في تشتيت شملهم و الله يجمعه، و كم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله و لا يضيعه» [27] . لقد أكدت البحوث التربوية علي أن للبيت أثرا في تكوين سلوك الانسان و بناء شخصيته، و ان ما يشاهده في جو بيته من صور صحيحة أو فاسدة تنطبع في أعماق نفسه، و تظل ملازمة له طوال حياته، و علي ضوء ذلك فقد ظفر الامام أبومحمد عليهالسلام بأسمي صور التربية الرفيعة، فقد تربي و ترعرع في بيت زكاه الله، و أعلي ذكره، و رفع شأنه، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله عالية في الأرض، و قدم القرابين الغالية في سبيل الاسلام. [ صفحه 24] لقد نشأ الامام الزكي أبومحمد في بيت القرآن، و مركز الاسلام، و كان أبوه الامام علي الهادي عليهالسلام عملاق هذه الامة يغذيه بهديه، و يفيض بمثله ليكون امتدادا ذاتيا لرسالة الاسلام.
الظاهرة المتميزة في طفولة الامام الحسن عليهالسلام الخشية من الله تعالي، فقد كان خائفا وجلا منه. روي المؤرخون أن شخصا مر به و هو واقف مع أترابه من الصبيان يبكي، فظن ذلك الشخص أن هذا الصغير يبكي متحسرا علي ما في أيدي أترابه، و لذا فهو لا يشاركهم لعبهم، فقال له: اشتري لك ما تلعب به. فرد عليه: لا، ما للعب خلقنا. و بهر الرجل فقال له: لماذا خلقنا؟ - للعلم و العبادة. - من أين لك هذا؟ - من قوله تعالي: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) [28] . و بهت الرجل و وقف حائرا، و انطلق يقول له: ما نزل بك، و أنت صغير لا ذنب لك. - اليك عني، اني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد الا بالصغار، و اني أخشي أن أكون من صغار حطب جهنم» [29] . لقد كان الايمان بالله تعالي عنصرا من عناصره، و مقوما من مقوماته، فلم يخش [ صفحه 25] الا الله، و لم يخف الا اياه، و ظلت هذه الظاهرة ملازمة له طوال حياته.
و قطع الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام شوطا من حياته مع أبيه الامام الهادي عليهالسلام لم يفارقه في حله و ترحاله، و كان يري فيه صورة صادقة لأخلاق جده الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله التي امتاز بها علي سائر النبيين، كما كان يري فيه ذاتيات آبائه الأئمة الطاهرين عليهمالسلام، و كان الامام الهادي عليهالسلام يري في ولده الزكي امتدادا ذاتيا للامامة الكبري، و النيابة العظمي عن النبي صلي الله عليه و آله، فاهتم بأمره، و أشاد بفضله، قائلا فيه: أبومحمد ابني أصح آل محمد صلي الله عليه و آله غريزة، و أوثقهم حجة، و هو الأكبر من ولدي، و هو الخلف، و اليه تنتهي عري الامامة و أحكامنا» [30] . و من المؤكد أن مقام الامام الهادي عليهالسلام بعيد كل البعد عن المحاباة، أو الاندفاع لأية عاطفة من عواطف الهوي، فلم يشد بمنزلة ولده الزكي و يذع فضله الا بعد ما توفرت فيه جميع النزعات الكريمة، و الصفات الرفيعة، و قد أضفي عليه أنه أصح آل محمد صلي الله عليه و آله غريزة و طبيعة، و أوثقهم حجة و دليلا، و اليه تنتهي عري الامامة و الخلافة العظمي، و بذلك فقد جمع الامام الحسن عليهالسلام اصول الفضائل و المكارم، و لازم الامام أبومحمد أباه الامام الهادي عليهماالسلام، و قد شاهد ما جري عليه من صنوف الارهاق و التنكيل من ملوك بنيالعباس، خصوصا في عهد الطاغية المتوكل، الذي جهد في ظلم الامام، و أسرف في الجور و الاعتداء عليه، ففرض عليه الاقامة الجبرية في سامراء، و أحاط داره بقوي مكثفة من المباحث و الأمن، تحصي عليه أنفاسه، و تمنع العلماء و الفقهاء و سائر الشيعة من الاتصال به. كما ضيق المتوكل علي الامام في شؤونه الاقتصادية، و كان يأمر بتفتيش داره بين [ صفحه 26] حين و آخر، و حمله اليه بالكيفية التي هو فيها، و المتوكل هو الذي منع رسميا زيارة الامام الحسين عليهالسلام رائد الكرامة و الانسانية، و أمر بهدم القبر الشريف الذي هو من مراكز النور و الشرف في الأرض، و كانت كل هذه الأحداث المروعة و المفجعة بمرأي و مسمع من الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام، و هو في نضارة العمر، و غضارة الشباب، فكوت قلبه، و ملأت نفسه آلاما و أحزانا، و قد عاش تلك الفترة مع أبيه و هو مروع، فذابت نفسه أسي، و تقطعت حسرات.
كان السيد محمد أبوجعفر انموذجا رائعا للأئمة الطاهرين، و صورة صادقة لأفكارهم و اتجاهاتهم، و قد تميز بذكائه، و خلقه الرفيع، وسعة علمه، و سمو آدابه، حتي اعتقد الكثيرون من الشيعة أنه الامام بعد أبيه الهادي عليهالسلام. و تحدث العارف علان الكليني عن وقاره و معالي أخلاقه، فقال: «صحبت أباجعفر محمد بن علي بن محمد بن علي الرضا و هو حدث السن، فما رأيت أوقر، و لا أزكي، و لا أجل منه. و كان خلفه أبوالحسن العسكري بالحجاز طفلا، فقدم عليه مشتدا [31] ، و كان ملازما لأخيه أبيمحمد عليهالسلام لا يفارقه [32] . و قد تولي عليهالسلام تربيته، فغذاه بعلومه و حكمه و آدابه. و مرض أبوجعفر مرضا شديدا، و اشتدت به العلة، و لا نعلم سبب مرضه هل أنه سقي سما من قبل أعدائه و حساده من العباسيين الذين عز عليهم أن يروا تعظيم الجماهير و اكبارهم اياه، أم أن ما مني به من المرض كان مفاجئا. و علي أي حال، فقد بقي أبوجعفر أياما يعاني السقم حتي ذبلت نضارة شبابه، و كان الامام أبومحمد عليهالسلام ملازما له، و قد طافت به الهموم علي أخيه الذي كان [ صفحه 27] من أعز الناس عنده، و من أخلصهم له، و ثقل حال أبيجعفر وفتك به المرض فتكا ذريعا، و اشتد به النزع، فأخذ يتلو آيات من الذكر الحكيم، و يمجد الله، حتي صعدت روحه الطاهرة الي بارئها كما تصعد أرواح الأنبياء و الأوصياء تحفها ملائكة الرحمن. و تصدع قلب أبيمحمد عليهالسلام لفقد شقيقه الذي كان عنده أعز من الحياة، و طافت به موجات من اللوعة و الأسي و الحسرات، و خرج و خو غارق في البكاء و النحيب، و قد شق جيبه لهول مصيبته بأخيه، و تصدعت القلوب لمنظره الحزين، و الجمت الألسن، و ترك الناس بين صائح و نائح قد نخر الحزن قلوبهم.
و جهز الامام الهادي عليهالسلام ولده أباجعفر، فغسله و كفنه و صلي عليه، و حمل جثمانه الطاهر تحت هالة من التكبير تحف به موجات من البشر، و هي تعدد فضائل أبيجعفر، و تذكر الخسارة الفادحة التي مني بها المسلمون، وجيء به الي مقره الأخير فواروه فيه، و اقيم له مرقد هو من أقدس المراقد في الاسلام، ففي كل لحظة لا يخلو من الزائرين. فقد صار منزلا و ملجأ لذوي الحاجات، و قد آمن الناس علي اختلاف أفكارهم و ميولهم بأنه ما توسل به أحد باخلاص، و تشفع به الي الله الا قضي الله مهمته، و أرجعه الي أهله قرير العين. ألا بورك ضريحك يا أباجعفر، و بركات من الله عليك غادية و رائحة، فما أعظم عائدتك علي المسلمين حيا و ميتا.
و صرحت بعض الروايات بأن الامام الهادي عليهالسلام عزي ولده الزكي أبامحمد بأخيه أبيجعفر، و في الروايات شبهة البداء، فلابد من ذكرها و دفع هذه الشبهة، و في ما يلي ذلك: [ صفحه 28] 1- روي علي بن محمد، عن اسحاق بن محمد، عن أبيهاشم الجعفري، قال: «كنت عند أبيالحسن بعد ما مضي ابنه أبوجعفر، و اني لافكر في نفسي اريد أن أقول: كأنهما - أعني أباجعفر و أبامحمد - في هذا الوقت كأبي الحسن موسي و اسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهماالسلام، و ان قصتهما كقصتهما؛ اذ كان أبومحمد المرجي بعد أبيجعفر عليهالسلام. فأقبل علي أبوالحسن عليهالسلام قبل أن أنطق فقال: نعم يا أباهاشم، بدا لله في أبيمحمد بعد أبيجعفر عليهالسلام ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسي بعد مضي اسماعيل ما كشف به عن حاله، و هو كما حدثتك نفسك و ان كره المبطلون، و أبومحمد ابني الخلف من بعدي، و عنده علم ما يحتاج اليه و معه آلة الامامة» [33] . 2- روي محمد بن يحيي، قال: «دخلت علي أبيالحسن بعد مضي أبيجعفر، فعزيته و أبومحمد جالس، فبكي أبومحمد، فأقبل عليه أبوالحسن فقال له: ان الله قد جعل منك خلفا، فاحمد الله» [34] . 3- روي محمد بن الحسين بن أبيالخطاب عن ابن أبيالصهبان، قال: «لما مات أبوجعفر وضع لأبي الحسن كرسي فجلس عليه، و كان أبومحمد الحسن قائما في ناحية، فلما فرغ من غسل أبيجعفر التفت أبوالحسن الي أبيمحمد، فقال: يا بني، أحدث لله شكرا، فقد أحدث فيك أمرا» [35] . و ربما توهم هذه الروايات نسبة البداء الي الله، و هو من الامور المستحيلة؛ و ذلك لاستلزامه نسبة الجهل اليه، تعالي عن ذلك علوا كبيرا. و عند التأمل نجد أن لا علاقة لهذه الروايات بالبداء، و انما تدل علي أن الله تعالي [ صفحه 29] أظهر امامة وليه الحسن العسكري عليهالسلام الي الشيعة الذين كانوا يعتقدون بامامة أبيجعفر لهديه و صلاحه. و قد علق الشيخ الغروي علي هذه الروايات بقوله: «انها تدل دلالة واضحة علي أن مكانة أبيجعفر ليست بتلك البعيدة عن مرتبة الامامة، و ان كان أبومحمد أرجح في الميزان، و لذلك تعلق العلم الأزلي بتعيينه، و جري التقدير علي وفاة أبيجعفر قبله، حتي تمت العلة في أبيمحمد، فان المستظهر من أحاديث الباب المذكورة و غيرها أن كلا من الصنوين قد اجتمعت فيه مقتضيات الامامة، غير أنها في أبيجعفر مشفوعة بالكبر الذي هو من لوازم الخلافة عند أصحاب الأئمة، و لا بد أنه متلقي من الموالي أنفسهم سلام الله عليهم» [36] . و علي أي حال، فان هذه الروايات لا علاقة لها بالبداء، و انما تدل علي أن الله تعالي أظهر امامة الحسن العسكري عليهالسلام التي كانت مخفية علي الشيعة، و أما احداث الشكر الذي أمر به الامام الهادي عليهالسلام وحده، فانما هو لأجل هذه الجهة لا لأجل منحه الامامة بعد أن كانت لأبيجعفر حتي يستلزم التبدل في علم الله الذي هو من الامور المستحيلة.
و كان الحسين بن علي الهادي عليهالسلام فذا من أفذاذ العقل البشري، و ثمرة يانعة من ثمرات الاسلام، و قد تميز بسمو أدبه، وسعة أخلاقه، و وفرة علمه، و كان شديد الاتصال بشقيقه الامام الحسن عليهالسلام، و كانا يسميان بالسبطين، تشبيها لهما بجديهما ريحانتي رسول الله صلي الله عليه و آله: الحسن و الحسين عليهماالسلام، و قد شاعت هذه التسمية في العصر الذي نشأ فيه، فقد روي أبوهاشم، فقال: «ركبت دابة، فقلت: (سبحان الذي [ صفحه 30] سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين) [37] ، فسمع مني أحد السبطين، فقال: لا بهذا امرت، امرت أن تذكر نعمة ربك اذا استويت عليه» [38] .
ورزيء الامام الحسن بأبيه الامام الهادي عليهماالسلام، و كان ذلك من أعظم النكبات و المصائب التي مني بها في حياته. لقد عمد الطاغية المعتمد العباسي الي اغتيال الامام الهادي عليهالسلام، فدس له السم [39] ، و ذلك لما يسمعه من تحدث الناس عن مآثر الامام و شيوع فضله و علومه، و تقدمه بالفضل علي غيره، فورم أنفه، و انتفخت أوداجه حسدا للامام و حقدا عليه، فقدم علي اقتراف هذه الجريمة التي هي أخطر الجرائم و أفظعها. و لما سقي الامام السم لازم الفراش، و قد تسمم بدنه، و أخذ يقاسي الآلام الموجعة، فتوافدت عليه الشيعة، و كبار رجال الدولة عائدين اياه، و ممن دخل عليه عائدا الشاعر الملهم أبوهاشم الجعفري. فلما رأي الامام يجود بنفسه جزع، و غامت عيناه بالدموع، و نظم ذوب حشاه بقصيدة جاء فيها: مادت الأرض بي و أدت فؤادي و اعترتني موارد العرواء حين قيل الامام نضو عليل قلت نفسي فدته كل الفداء مرض الدين لاعتلالك و اعتل و غارت له نجوم السماء عجبا أن منيت بالداء و السقم و أنت الامام حسم الداء [ صفحه 31] أنت آسي الأدواء في الدين و الدنيا و محيي الأموات و الأحياء [40] . و حكت هذه الأبيات مدي حزن أبيهاشم و أساه علي مرض الامام الزكي، و تمني أن يكون فداء له.. فقد مرض الدين لاعتلال الامام العظيم، و غارت نجوم السماء من هول هذه الفاجعة المدمرة، و يعجب أبوهاشم أن يمني الامام بالداء و السقم و هو حسم الداء! و دخل عليه عائدا أبودعامة، فلما هم بالانصراف قال له الامام: يا أبادعامة، قد وجب حقك، أفلا احدثك بحديث تسر به؟ و سارع أبودعامة قائلا: ما أحوجني الي ذلك يابن رسول الله. - حدثني أبيمحمد بن علي، قال: حدثني أبيعلي بن موسي، قال: حدثني أبيموسي بن جعفر، قال: حدثني أبيجعفر بن محمد، قال: حدثني أبيمحمد بن علي، قال: حدثني أبيعلي بن الحسين، قال: حدثني أبيالحسين بن علي، قال: حدثني أبيعلي بن أبيطالب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اكتب يا علي. قال: و ما أكتب؟ قال لي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم الايمان ما وقرته القلوب، و صدقته الأعمال، و الاسلام ما جري به اللسان، و حلت به المناكحة. قال أبودعامة: فقلت: يابن رسول الله، ما أدري و الله أيهما أحسن الحديث أم الاسناد. [ صفحه 32] فقال: انها لصحيفة بخط علي بن أبيطالب باملاء رسول الله صلي الله عليه و آله نتوارثها صاغرا عن كابر» [41] . لقد كان الامام حريصا علي نشر الفكر و الوعي و العلم، و لم يمنعه المرض من الادلاء بذلك.
و نص الامام الهادي عليهالسلام علي امامة ولده الزكي أبيمحمد الحسن عليهالسلام، و نصبه علما و مرجعا لشيعة أهلالبيت، و سنذكر النصوص عند التعرض لامامته، و عهد أن يتولي تجهيزه و الصلاة عليه، و يواريه في داره، كما أوصاه بغير ذلك مما يتعلق بشؤونه الخاصة.
و تفاعل السم في بدن الامام، و انهارت قواه، و أخذ الموت يدنو اليه سريعا، و لما شعر بدنو الأجل المحتوم توجه صوب القبلة، و أخذ يتلو بعض سور القرآن الكريم، و قد وافاه الأجل و ذكر الله بين شفتيه، و قلبه مشغول بمناجاته.. و صعدت روحه الطاهرة الي بارئها، و هي نقية طاهرة مشرقة، تحفها ملائكة الرحمن، و قد زفت الي الفردوس الأعلي مقر الأنبياء و الأوصياء.. و ارتفعت الصيحة، و دوي النبأ المؤلم في أرجاء سامراء، و قد ارتجت الأرض من هول المصيبة الفادحة، فقد توفي القائد و الموجه و أبوالضعفاء و المحرومين، و خرجت جارية من دار الامام و قد رفعت عقيرتها: «ماذا لقينا في يوم الاثنين قديما و حديثا» [42] . [ صفحه 33] و غامت عيون النساء بالدموع من هذا النداء المفزع الذي ألقي الأضواء علي الأحداث المروعة التي حلت بأهل البيت، و انها تستند الي يوم الاثنين، و هو اليوم الذي عقدت فيه (السقيفة)، و من ذلك المؤتمر انصبت الكوارث و الخطوب علي أهلالبيت.
و قام الامام الزكي أبومحمد الحسن عليهالسلام بتجهيز أبيه، فغسل جسده الطاهر، و أدرجه في أكفانه، و صلي عليه، و قد ذاب قلبه الشريف أسي و حزنا من ألم المصاب.
و ماجت سر من رأي من هول الفاجعة الكبري، و هرع الناس بجميع طبقاتهم لتشييع جثمان الامام الذي يعتبر بقية النبوة و الامامة، و عطلت الأسواق و المحلات التجارية و الدوائر الرسمية، و تقدم أمام النعش الوزراء و العلماء و القضاة و كبار رجال الدولة، و سائر أفراد الاسرة العباسية، و هم يعددون فضائل الامام و مزاياه، و يذكرون ما حل بالامة الاسلامية من الخسارة العظمي التي لم تعوض بفقده. يقول المؤرخون: ان سامراء في جميع مراحل تاريخها لم تشهد مثل ذلك التشييع الذي جري للامام عليهالسلام.
وجيء بالجثمان الطاهر تحت هالة من التكبير و التعظيم تحف به كتل من البشر كأنها الموج الي مقره الأخير، و قد حفر له قبر في داره التي أعدها مقبرة له و لأولاده و أفراد اسرته، و أنزله في ملحودة قبره ولده الامام الحسن عليهالسلام، و دموعه تجري علي [ صفحه 34] خديه الشريفين، فواراه في قبره، و قد واري معه القيم الانسانية و المثل العليا [43] . و بعد الفراغ من دفن الجثمان الطاهر هرعت جماهير المشيعين الي الامام أبيمحمد عليهالسلام، و هي ترفع له تعازيها الحارة، و تواسيه بمصابه الأليم، و الامام مع أفراد اسرته يشكرهم علي ذلك [44] . و وفد محمد بن اسماعيل الصيرفي علي الامام أبيمحمد عليهالسلام، و هو يذرف الدموع علي الفقيد العظيم، معزيا أبامحمد، و قد رثي الامام عليهالسلام بقصيدة جاء فيها: الأرض حزنا زلزلت زلزالها و أخرجت من جزع أثقالها عشر نجوم أفلت في فلكها و يطلع الله لنا أمثالها بالحسن الهادي أبيمحمد تدرك أشياع الهدي آمالها و بعده من يرتجي طلوعه يظل جواب الفلا جوالها ذو الغيبتين الطول الحق التي لا يقبل الله من استطالها يا حجج الرحمن احدي عشرة آلت بثاني عشرها آمالها [45] . و عرض الشاعر بهذه الأبيات الي الامام المصلح العظيم قائم آل محمد صلي الله عليه و آله الذي يخرج آخر الزمان فينشر العدل السياسي و الاجتماعي، و يقضي علي جميع أفانين الجور و الظلم في الأرض، و كان عمر الامام أبيمحمد عليهالسلام حينما فجع [ صفحه 35] بأبيه عشرين سنة [46] . و قيل: ثلاثا و عشرين سنة [47] . و قد تقلد الامام المرجعية العامة للمسلمين و هو في شرخ الشباب، و قد عرض عليه الفقهاء و العلماء امهات المسائل و أدقها، فأجاب عنها جواب العالم المتخصص، فآمنوا بفضله، و دانوا بامامته. و توفرت في الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام جميع عناصر التقوي و الصلاح، و اجتمعت به جميع فضائل الدنيا، فقد تحلي بآداب النبوة، و محاسن الامامة، و لم ير في عصره من هو أفضل و أتقي منه، و نشير بايجاز الي بعض مظاهر عبادته التي تميز بها.
كان الامام أبومحمد عليهالسلام أعبد أهل زمانه، و أكثرهم طاعة لله تعالي، و كان يحيي لياليه بالصلاة و تلاوة الكتاب و السجود لله. فقد قال محمد الشاكري: «كان الامام يجلس في المحراب و يسجد، فأنام و أنتبه و هو ساجد» [48] .
و كان الامام الحسن عليهالسلام يتجه في صلاته بقلبه و مشاعره نحو الله خالق الكون و واهب الحياة، فلم يشعر و لم يحفل بأي شأن من شؤون الدنيا مادام يصلي. فالصلاة معراج المؤمن، و قد تعلقت روحه بالله، و اتصل به اتصال المنيبين و العارفين. [ صفحه 36]
و كان اذا قنت في صلاته يدعو بهذا الدعاء الشريف، و هو يوضح مدي تعلق الامام و اعتصامه بالله، و هذا نصه: يا من غشي نوره الظلمات، يا من أضاءت بقدسه الفجاج المتوعرات، يا من خشع له أهل الأرض و السموات، يا من بخع له بالطاعة كل متجبر عات، يا عالم الضمائر المستخفيات، وسعت كل شيء رحمة و علما، فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم، و عاجلهم بنصرك الذي وعدتهم، انك لا تخلف الميعاد. و عجل اللهم اجتياح أهل الكيد، و أوبهم الي شر دار في أعظم نكال، و أقبح متاب. اللهم انك حاضر أسرار خلقك، و عالم بضمائرهم، و مستغن لولا الندب باللجأ الي تنجز ما وعدته اللاجين عن كشف مكامنهم، و قد تعلم يا رب ما أسره و أبديه، و أنشره و أطويه، و أظهره و أخفيه، علي متصرفات أوقاتي، و أصناف حركاتي في جميع حاجاتي، و قد تري يا رب ما قد تراطم فيه أهل ولايتك، و استمر عليهم من أعداءك، غير ظنين في كرم، و لا ضنين بنعم، ولكن الجهد يبعث علي الاستزادة، و ما أمرت به من الدعاء اذا أخلص لك اللجأ يقتضي احسانك شرط الزيادة. و هذه النواصي و الأعناق خاضعة لك بذل العبودية، و الاعتراف [ صفحه 37] بملكة الربوبية، داعية بقلوبها، و مشخصات اليك في تعجيل الانالة، و ما شئت كان و ما تشاء كائن. أنت المدعو المرجو، المأمول المسؤول، لا ينقصك نائل و ان اتسع، و لا يلحفك سائل و ان ألح و ضرع، ملكك لا يلحقه التنفيد، و عزك الباقي علي التأبيد، و ما في الأعصار من مشيتك بمقدار، و أنت الله لا اله الا أنت الرؤوف الجبار. اللهم أيدنا بعونك، و اكنفنا بصونك، و أنلنا منال المعتصمين بحبلك، المستظلين بظلك» [49] . لقد أضفي الامام عليهالسلام في هذا الدعاء النعوت الكريمة، و الأوصاف العظيمة علي الخالق الحكيم، و ذلك مما ينم عن مدي معرفة الامام بعظمته تعالي. حقا لقد كان الامام و آباؤه هم الرواد الأوائل لمنهل التوحيد الذي هو بلسم للنفوس الحائرة و الضالة عن الطريق. و ألمح الامام العسكري عليهالسلام في هذا الدعاء الي ما يعانيه المسلمون في عصره في الظلم و الاضطهاد من حكام بنيالعباس الذين جهدوا علي ارغام الناس علي ما يكرهون. و أخذ الامام عليهالسلام بعد ذلك بالخشوع و التذلل الي الله الذي يملك نواصي عباده طالبا منه العون، و الاعتصام بحبله و الاستظلال بظله. [ صفحه 38]
اللهم لك صليت، و اياك دعوت، و في صلاتي و دعائي ما قد علمت من النقصان، و العجلة، و السهو، و الغفلة، و الكسل، و الفترة، و النسيان، و المدافعة، و الرياء، و السمعة، و الريب، و الفكرة، و الشك، و المشغلة، و اللحظة الملهية عن اقامة فرائضك. فصل علي محمد و آله، و اجعل مكان نقصانها تماما، و عجلتي تثبيتا و تمكنا، و سهوي تيقظا، و غفلتي تذكرا، و كسلي نشاطا، و فتوري قوة، و نسياني محافظة، و مدافعتي مواظبة، و ريائي اخلاصا، و سمعتي تسترا، و ريبي بيانا، و فكري خشوعا، و شكي يقينا، و تشاغلي فراغا، و لحاظي خشوعا، فاني لك صليت، و اياك دعوت، و وجهك أردت، و اليك توجهت، و بك آمنت، و عليك توكلت، و ما عندك طلبت. فصل علي محمد و آل محمد، و اجعل لي في صلاتي و دعائي رحمة و بركة تكفر بها سيئاتي، و تضاعف بها حسناتي، و ترفع بها درجتي، و تكرم بها مقامي، و تبيض بها وجهي، و تحط بها وزري، و اجعل ما عندك خيرا لي مما ينقطع عني. الحمد لله الذي قضي عني صلاتي، (ان الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا) [50] ، يا أرحم الراحمين. [ صفحه 39] (الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) [51] . الحمد لله الذي أكرم وجهي عن السجود الا له. اللهم كما أكرمت وجهي عن السجود الا لك، فصل علي محمد و آله، و صنه عن المسألة الا لك. اللهم صل علي محمد و آله، و تقبلها مني بأحسن قبولك، و لا تؤاخذني بنقصانها، و ما سهي عنه قلبي منها فتممه لي برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل علي محمد و آل محمد اولي الأمر الذين أمرت بطاعتهم، و اولي الأرحام الذين أمرت بصلتهم، و ذوي القربي الذين أمرت بمودتهم، و أهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم، و الموالي الذين أمرت بموالاتهم و معرفة حقهم، و أهلالبيت الذين أذهبت عنهم الرجس و طهرتهم تطهيرا. اللهم صل علي محمد و آل محمد، و اجعل ثواب صلاتي، و ثواب منطقي، و ثواب مجلسي رضاك و الجنة، و اجعل ذلك كله خالصا مخلصا يوافي منك رحمة و اجابة، و افعل في جميع ما سألتك من خير، و زدني من فضلك اني اليك من الراغبين. يا أرحم الراحمين، يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا، يا ذا المعروف الذي [ صفحه 40] لا ينقطع أبدا، يا ذا النعماء التي لا تحصي أبدا. يا كريم، يا كريم، يا كريم، صل علي محمد و آل محمد، و اجعلني ممن آمن بك فهديته، و توكل عليك فكفيته، و سألك فأعطيته، و رغب اليك فأرضيته، و أخلص لك فأنجيته. اللهم صل علي محمد و آل محمد، و أحللنا دار المقامة من فضلك لا يمسنا فيها نصب و لا يمسنا فيها نصب و لا يمسنا فيها لغوب [52] . اللهم اني أسألك مسألة الفقير الذليل، أن تصلي علي محمد و آله، و أن تغفر لي جميع ذنوبي، و تقلبني بقضاء جميع حوائجي اليك، انك علي كل شيء قدير. اللهم ما قصرت عنه مسألتي، و عجزت عنه قوتي، و لم تبلغه فطنتي، من أمر تعلم فيه صلاح أمر دنياي و آخرتي، فصل علي محمد و آل محمد، و افعله بي، يا لا الا أنت، بحق لا اله الا أنت، برحمتك في عافية، ما شاء الله، و لا حول و لا قوة الا بالله [53] . [ صفحه 41]
من أدعيته عليهالسلام الشريفة التي يوحد فيها الله عزوجل، و يذكر عظيم شأنه:
«سبحان من هو في علوه دان، و في دنوه عال، و في اشراقه منير، و في سلطانه قوي، سبحان الله و بحمده» [54] .
و من أدعيته المهمة هذا الدعاء الذي هو ذو حلقات:
اللهم صل علي محمد و آل محمد كما حمل وحيك، و بلغ رسالاتك، و صل علي محمد و آل محمد كما أحل حلالك، و حرم حرامك، و علم كتابك. و صل علي محمد و آل محمد كما أقام الصلاة، و آتي الزكاة، و دعا الي دينك. و صل علي محمد و آل محمد كما صدق بوعدك، و أشفق [55] . [ صفحه 42] من وعيدك. و صل علي محمد و آل محمد كما غفرت به الذنوب، و سترت به العيوب، و فرجت به الكروب. و صل علي محمد و آل محمد كما دفعت به الشقاء، و كشفت به الغماء، و أجبت به الدعاء، و نجيت به من البلاء. و صل علي محمد و آل محمد كما رحمت به العباد، و أحييت به البلاد، و قصمت به الجبابرة، و أهلكت به الفراعنة. و صل علي محمد و آل محمد كما أضعفت به الأموال، و حذرت به من الأهوال، و كسرت به الأصنام، و رحمت به الأنام. و صل علي محمد و آل محمد كما بعثته بخير الأديان، و أعززت به الايمان، و تبرت [56] به الأوثان، و عظمت به البيت الحرام. و صل علي محمد و أهل بيته الطاهرين الأخيار، و سلم تسليما.
اللهم صل علي أميرالمؤمنين علي بن أبيطالب، أخي نبيك، و وصيه، و وليه، و صفيه، و وزيره، و مستودع علمه، و موضع سره، و باب حكمته، و الناطق بحجته، و الداعي الي شريعته، و خليفته في امته، و مفرج الكروب [57] عن وجهه، و قاصم الكفرة، [ صفحه 43] و مرغم [58] الفجرة، الذي جعلته من نبيك بمنزلة هارون من موسي. اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من نصب له من الأولين و الآخرين، و صل عليه أفضل ما صليت علي أحد من أوصياء أنبيائك، يا رب العالمين.
اللهم صل علي الصديقة فاطمة الزكية، حبيبة نبيك، و ام أحبائك و أصفيائك، التي انتجبتها و فضلتها و اخترتها علي نساء العالمين. اللهم كن الطالب لها ممن ظلمها، و استخف بحقها، و كن الثائر لها اللهم بدم أولادها. اللهم و كما جعلتها ام أئمة الهدي، و حليلة صاحب اللواء، الكريمة عند الملأ الأعلي، فصل عليها و علي امها خديجة الكبري صلاة تكرم بها وجه أبيها ممد صلي الله عليه و آله، و تقر بها أعين ذريتها؛ و أبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية و السلام.
اللهم صل علي الحسن و الحسين، عبديك و ولييك، و ابني رسولك، و سبطي الرحمة، و سيدي شباب أهل الجنة، أفضل ما صليت [ صفحه 44] علي أحد من أولاد النبيين و المرسلين. اللهم صل علي الحسن ابن سيد النبيين، و وصي أميرالمؤمنين. السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يابن سيد الوصيين. أشهد أنك يابن أميرالمؤمنين أمين الله و ابن أمينه، عشت مظلوما، و مضيت شهيدا، و أشهد أنك الامام الزكي الهادي المهدي. اللهم صل عليه، و بلغ روحه و جسده عني في هذه الساعة أفضل التحية و السلام. اللهم صل علي الحسين بن علي، المظلوم الشهيد، قتيل الكفرة، و طريح الفجرة. السلام عليك يا أباعبدالله، السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يابن أميرالمؤمنين. أشهد موقنا أنك أمين الله و ابن أمينه، قتلت مظلوما، و مضيت شهيدا، و أشهد أن الله تعالي الطالب بثارك، و منجز ما وعدك من النصر و التأييد في هلاك عدوك، و اظهار دعوتك، و أشهد أنك وفيت بعهد الله، و جاهدت في سبيل الله، و عبدت الله مخلصا حتي أتاك اليقين. لعن الله امة قتلتك، و لعن الله امة خذلتك، و لعن الله امة ألبت [59] . [ صفحه 45] عليك، و أبرأ الي الله تعالي ممن أكذبك، و استخف بحقك، و استحل دمك. بأبي أنت و أمي يا أباعبدالله، لعن الله قاتلك، و لعن الله خاذلك، و لعن الله من سمع واعيتك [60] فلم يجبك و لم ينصرك، و لعن الله من سبي نساءك؛ أنا الي الله منهم بريء، و ممن والاهم و مالأهم [61] و أعانهم عليه، أشهد أنك و الأئمة من ولدك كلمة التقوي، و باب الهدي، و العروة الوثقي، و الحجة علي أهل الدنيا. و أشهد أني بكم مؤمن، و بمنزلتكم موقن، و لكم تابع بذات نفسي، و شرائع ديني، و خواتيم عملي، و منقلبي في دنياي و آخرتي.
اللهم صلي علي علي بن الحسين، سيد العابدين، الذي استخلصته لنفسك، و جعلت منه أئمة الهدي، الذي يهدون بالحق و به يعدلون، اخترته لنفسك، و طهرته من الرجس، و اصطفيته، و جعلته هاديا مهديا. اللهم فصل عليه أفضل ما صليت علي أحد من ذرية أنبيائك حتي تبلغ به ما تقر به عينه في الدنيا و الآخرة، انك عزيز حكيم. [ صفحه 46]
اللهم صل علي محمد بن علي، باقر العلم، و امام الهدي، و قائد أهل التقوي، و المنتجب من عبادك. اللهم و كما جعلته علما لعبادك، و منارا لبلادك، و مستودعا لحكمتك، و مترجما لوحيك، و أمرت بطاعته، و حذرت من معصيته، فصل عليه - يا رب - أفضل ما صليت علي أحد من ذرية أنبيائك و أصفيائك و رسلك و امنائك، يا اله العالمين.
اللهم صل عبدك علي جعفر بن محمد الصادق، خازن العلم، الداعي اليك بالحق، النور المبين. اللهم و كما جعلته معدن كلامك و وحيك، و خازن علمك، و لسان توحيدك، و ولي أمرك، و مستحفظ دينك، فصل عليه أفضل ما صليت علي أحد من أصفيائك و حججك، انك حميد مجيد.
الهم صلي علي الأمين المؤتمن، موسي بن جعفر، البر الوفي، الطاهر الزكي، النور المنير، المجتهد المحتسب [62] ، الصابر علي [ صفحه 47] الأذي فيك. اللهم و كما بلغ عن آبائه ما استودع من أمرك و نهيك، و حمل علي المحجة، و كابد أهل الغرة [63] و الشدة فيما كان يلقي من جهال قومه، رب فصل عليه أفضل و أكمل ما صليت علي أحد ممن أطاعك، و نصح لعبادك، انك غفور رحيم.
اللهم صل علي علي بن موسي الرضا، الذي ارتضيته، و رضيت به من شئت من خلقك. اللهم و كما جعلته حجة علي خلقك، و قائما بأمرك، و ناصرا لدينك، و شاهدا علي عبادك، و كما نصح لهم في السر و العلانية، و دعا الي سبيلك بالحكمة و الموعظة الحسنة، فصل عليه أفضل ما صليت علي أحد من أوليائك و خيرتك من خلقك، انك جواد كريم.
اللهم صل علي محمد بن علي بن موسي، علم التقي، و نور الهدي، و معدن الوفاء، و فرع الأزكياء، و خليفة الأوصياء، و أمينك علي وحيك. اللهم و كما هديت به من الضلالة، و استنقذت به من الجهالة، [ صفحه 48] و أرشدت به من اهتدي، و زكيت به من تزكي، فصل عليه أفضل ما صليت علي أحد من أوليائك، و بقية أوصيائك، انك عزيز حكيم.
اللهم صل علي علي بن محمد وصي الأوصياء، و امام الأتقياء، و خلف أئمة الدين، و الحجة علي الخلائق أجمعين. اللهم كما جعلته نورا يستضيء به المؤمنون، فبشر بالجزيل من ثوابك، و أنذر بالأليم من عقابك، و حذر بأسك، و ذكر بآياتك، و أحل حلالك، و حرم حرامك، و بين شرايعك و فرائضك، و حض علي عبادتك، و أمر بطاعتك، و نهي عن معصيتك، فصل عليه أفضل ما صليت علي أحد من أوليائك، و ذرية أنبيائك، يا اله العالمين [64] . كما نسب له هذا الدعاء و الصلاة لنفسه الشريفة:
اللهم صل علي الحسن بن علي الهادي، البر التقي، الصادق الوفي، النور المضيء، خازن علمك، و المذكر بتوحيدك، و ولي أمرك، و خلف أئمة الدين، الهداة الراشدين، و الحجة علي أهل الدنيا، فصل عليه [ صفحه 49] - يا رب - أفضل ما صليت علي أحد من أصفيائك و حججك و أولاد رسلك، يا اله العالمين.
اللهم صل علي وليك و ابن أوليائك، الذين فرضت طاعتهم، و أوجبت حقهم، و أذهبت عنهم الرجس و طهرتهم تطهيرا. اللهم انصره و انتصر به لدينك، و انصر به أوليائك و أولياءه و شيعته و أنصاره، و اجعلنا منهم. اللهم أعذه من شر كل باغ و طاغ، و من شر جميع خلقك، و احفظه من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، و احرسه و امنعه من أن يوصل اليه بسوء، و احفظ فيه رسولك و آل رسولك، و أظهر به العدل، و أيده بالنصر، و انصر ناصريه، و اخذل خاذليه، و اقصم به جبابرة الكفر، و اقتل به الكفار و المنافقين و جميع الملحدين، حيث كانوا من مشارق الأرض و مغاربها، و برها و بحرها، و سهلها و جبلها، و املأ به الأرض عدلا، و أظهر به دين نبيك عليه و آله السلام. و اجعلني اللهم من أنصاره و أعوانه و أتباعه و شيعته، و أرني في آل محمد ما يأملون، و في عدوهم ما يحذرون، اله الحق آمين» [65] . [ صفحه 50]
و من مظاهر عبادته عليهالسلام أنه كان يدعو في صباح كل يوم بهذا الدعاء الجليل: يا كبير كل كبير، يا من لا شريك له و لا وزير، يا خالق الشمس و القمر المنير، يا عصمة الخائف المستجير، يا مطلق المكبل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا جابر العظم الكسير، يا راحم الشيخ الكبير، يا نور النور، يا مدبر النور، يا باعث من في القبور، يا شافي الصدور، يا جاعل الظل و الحرور، يا عالما بذات الصدور، يا منزل الكتاب و النور، و الفرقان و الزبور، يا من تسبح له الملائكة بالابكار و الظهور، يا دائم الثبات، يا مخرج النبات بالغدو و الآصال، يا محيي الأموات، يا منشيء العظام الدارسات، يا سامع الصوت، يا سابق الفوت، يا كاسي العظام البالية بعد الموت، يا من لا يشغله شغل عن شغل، يا من لا يتغير من حال الي حال، يا من لا يحتاج الي تجشم حركة و لا انتقال، يا من لا يشغله شأن عن شأن، يا من يرد بالطف و الدعاء عن أعنان السماء ما حتم و أبرم من سوء القضاء، يا من لا يحيط به موضع و مكان، يا من يجعل الشفاء فيما يشاء من الأشياء، يا من يمسك الرمق من المدنف العميد العليل بما قل من الغذاء. يا من يزيل بأدني الدواء ما غلظ من الداء، يا من اذا وعد وفي، و اذا تواعد عفي، يا من يملك حوائج السائلين، يا من يعلم ما في ضمير [ صفحه 51] الصامتين، يا عظيم الخطر، يا كريم الظفر، يا من له وجه لا يبلي، يا من له ملك لا يفني، يا من له نور لا يطفي، يا من فوق كل شيء أمره، يا من في البر و البحر سلطانه، يا من في جهنم سخطه، يا من في الجنة رحمته، يا من مواعيده صادقة، يا من أياديه فاضلة، يا من رحمته واسعة، يا غياث المستغيثين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا من هو بالمنظر الأعلي، و خلقه بالمنزل الأدني، يا رب الأرواح الفانية، يا رب الأجساد البالية، يا أبصر الناظرين، يا أسمع السامعين، يا أسرع الحاسبين، يا أحكم الحاكمين، يا أرحم الراحمين، يا واهب العطايا، يا مطلق الأساري، يا رب العزة، يا أهل التقوي و أهل المغفرة، يا من لا يدرك أمده، يا من لا يحصي عدده، يا من لا ينقطع مدده. أشهد و الشهادة لي رفعة و عدة، و هي مني سمع و طاعة، و بها أرجو المفازة يوم الحسرة و الندامة، أنك أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، و أن محمدا عبدك و رسولك صلواتك عليه و آله، و أنه قد بلغ عنك و أدي ما كان واجبا عليه لك، و أنك تخلق دائما و ترزق، و تعطي و تمنع، و ترفع و تضع، و تغني و تفقر، و تخذل و تنصر، و تعفو و ترحم، و تصفح و تتجاوز عما تعلم، و لا تجور و لا تظلم و أنك تقبض و تبسط، و تمحو و تثبت، و تبديء و تعيد، و تحيي و تميت، و أنت حي لا تموت. فصل علي محمد و آله، و اهدني من عندك، و افض علي من فضلك، [ صفحه 52] و انشر علي من رحمتك، و أنزل علي من بركاتك، فطالما عودتني الحسن الجميل، و أعطيتني الكثير الجزيل، و سترت علي القبيح. اللهم فصل علي محمد و آله، و عجل فرجي، و أقلني عثرتي، و ارحم عبرتي، و ارددني الي أفضل عادتك عندي، و استقبل بي صحة من سقمي، و سلامة شاملة في بدني، و بصيرة نافذة في ديني، و مهدني و أعني علي استغفارك و استقالتك قبل أن يفني الأجل، و ينقطع العمل، و أعني علي الموت و كربته، و علي القبر و وحشته، و علي الميزان و خفته، و علي الصراط و زلته، و علي يوم القيامة و روعته، و أسألك نجاح العمل قبل انقطاع الأجل، و قوة في سمعي و بصري، و استعمال الصالح مما علمتني و فهمتني، انك أنت الرب الجليل، و أنا العبد الذليل، و شتان ما بيننا، يا حنان يا منان، يا ذا الجلال و الاكرام، و صل علي من به فهمتنا، و هو أقرب وسائلنا اليك ربنا، محمد و آله و عترته الطاهرين» [66] . حفل هذا الدعاء المعطر بالثناء علي الله تعالي و تمجيده و تعظيمه، و ذكر فيوضاته و ألطافه و نعمه التي يسديها علي عباده، كما حوي علي خضوع الامام و خشوعه و تذلله أمام الله طالبا منه أن يتفضل عليه بعائدة كرمه و جوده، و يمنحه خير ما في هذه الحياة، و يعينه علي عمل الخير، و يهديه الي صراط مستقيم. لقد كان الامام عليهالسلام في عبادته عملاقا من عمالقة التقوي و الصلاح، و قد عمل [ صفحه 53] من العبادات كل ما يقربه الي الله زلفي، فلم تكن عبادة مندوبة، و لا نافلة من صلاة أو صوم، الا أتي بها.
اللهم اجعل فيما تقضي و تقدر من الأمر العظيم المحتوم، و فيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة القدر أن تجعلني من حجاج بيتك الحرام المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، و أسألك أن تطيل عمري في طاعتك، و توسع لي في رزقي، يا أرحم الراحمين [67] .
و هو اليوم الذي ولد فيه سيدالشهداء عليهالسلام: اللهم اني أسألك بحق هذا المولود - في هذا اليوم - الموعود بشهادته قبل استهلاله و ولادته، بكته السماء و من فيها، و الأرض و من عليها، و لما يطأ لابتيها، قتيل العبرة، و سيد الاسرة [68] ، الممدود بالنصرة يوم الكرة، المعوض من قتله. أن الأئمة من نسله، و الشفاء في تربته، و الفوز معه في أوبته، و الأوصياء من عترته بعد قائمهم و غيبته، حتي يدركوا الأوتار، و يثأروا [ صفحه 54] الثار، و يرضوا الجبار، و يكونوا خير أنصار، صلي الله عليهم مع اختلاف الليل و النهار. اللهم فبحقهم اليك أتوسل، و أسأل سؤال معترف مقترف مسيء الي نفسه، مما فرط في يومه و أمسه، يسألك العصمة الي محل رمسه. اللهم و صل علي محمد و عترته، و احشرنا في زمرته، و بوئنا معه دار الكرامة، و محل الاقامة. اللهم و كما أكرمتنا بمعرفته، فأكرمنا بزلفته، و ارزقنا مرافقته و سابقته، و اجعلنا ممن يسلم لأمره، و يكثر الصلاة عليه عند ذكره و علي جميع أوصيائه و أهل أصفيائه المعدودين منك بالعدد الاثني عشر، النجوم الزهر، و الحجج علي جميع البشر. اللهم وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة، و أنجح لنا فيه كل طلبة، كما وهبت الحسين لمحمد جده، و عاذ فطرس بمهده. فنحن عائذون بقبره من بعده، نشهد تربته، و ننتظر أوبته، آمين رب العالمين [69] .
بسم الله، و من الله، و خير الأسماء لله، توكلت علي الله، لا حول و لا قوة الا بالله. [ صفحه 55] اللهم افتح لي باب رحمتك و توبتك، و أغلق عني باب سخطك و باب كل معصية هي لك. اللهم أعطني في مقامي هذا جميع ما أعطيت أوليائك من الخير، و اصرف عني جميع ما صرفته عنهم من الأسواء و المكاره. (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا اصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا و ارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين) [70] . اللهم افتح مسامع قلبي لذلك، و ارزقني نصر آل محمد، و ثبتني علي أمرهم، وصل ما بيني و بينهم، و احفظهم من بين أيديهم، و من خلفهم و عن شمائلهم، و امنعهم أن يوصل اليهم بسوء. اللهم اني زائرك في بيتك، و علي كل مأتي حق لمن أتاه وزاره، و أنت أكرم مأتي، و خير مزور، و خير من طلب اليه الحاجات. و أسألك يا الله يا رحمن يا رحيم، برحمتك التي وسعت كل شيء، و بحق الولاية أن تصلي علي محمد و آل محمد، و أن تدخلني الجنة، و تمن علي بفكاك رقبتي من النار [71] . [ صفحه 56]
يذكر عليهالسلام فيه ما أصاب المسلمين من ظلم و بغي من حكام عصره: الي الله الملك الديان، المتحنن المنان، ذي الجلال و الاكرام، و ذي المنن العظام، و الأيادي الجسام، و عالم الخفيات، و مجيب الدعوات، و راحم العبرات، الذي لا تشغله اللغات، و لا تحيره الأصوات، و لا تأخذه السنات، من عبده الذليل البائس الفقير المسكين الضعيف المستجير. اللهم أنت السلام، و منك السلام و اليك يرجع السلام، تباركت و تعاليت يا ذا الجلال و الاكرام، و المنن العظام، و الأيادي الجسام. الهي مسني و أهلي الضر، و أنت أرحم الراحمين [72] ، و أرأف الأرأفين، و أجود الأجودين، و أحكم الحاكمين، و أعدل الفاصلين. اللهم اني قصدت بابك، و نزلت بفنائك، و اعتصمت بحبلك، و استغثت بك، و استجرت بك، يا غياث المستغيثين أغثني، يا جار المستجيرين أجرني، يا اله العالمين خذ بيدي، انه قد علا الجبابرة في أرضك، و ظهروا في بلادك، و اتخذوا أهل دينك خولا، و استأثروا بفيء المسلمين، و منعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم، و صرفوها [ صفحه 57] في الملاهي و المعازف، و استصغروا آلآءك، و كذبوا أولياءك، و تسلطوا بجبريتهم، ليعزوا من أذللت، و يذلوا من أعززت، و احتجبوا عمن يسألهم حاجة، أو من ينتجع منهم فائدة، و أنت مولاي، سامع كل دعوة، و راحم كل عبرة، و مقيل كل عثرة، و سامع كل نجوي، و موضع كل شكوي، لا يخفي عليك ما في السموات العلي، و الأرضين السفلي، و ما بينهما و ما تحت الثري. اللهم اني عبدك و ابن أمتك، ذليل بين يديك، مسرع الي رحمتك، راج لثوابك. اللهم ان كل من آتيته فعليك يدلني، و اليك يرشدني، و فيما عندك يرغبني، مولاي، و قد أتيتك راجيا سيدي، و قد قصدتك مؤملا، يا خير مأمول، و يا أكرم مقصود، صل علي محمد و علي آل محمد، و لا تخيب أملي، و لا تقطع رجائي، و استجب دعائي، و ارحم تضرعي، يا غياث المستغيثين أغثني، و يا جابر المستجيرين أجرني، يا اله العالمين، خذ بيدي أنقذني و استنقذني و وفقني و اكفني. اللهم اني قصدتك بأمل فسيح، و أملتك برجاء منبسط، فلا تخيب أملي، و لا تقطع رجائي. اللهم انه لا يخيب منك سائل، و لا ينقصك نائل، يا رباه يا سيداه، يا مولاه يا عماداه، يا كهفاه يا حصناه، يا حرزاه يا ملجاه. [ صفحه 58] اللهم اياك أملت سيدي، و لك أسلمت يا مولاي، و لبابك قرعت، فصل علي محمد و آل محمد، و لا تردني بالخيبة محروما، وجدت عليه بنعمتك، و أسبغت عليه آلآئك. اللهم أنت غياثي، و أنت عصمتي و رجائي، ما لي أمل سواك، و لا رجاء غيرك. اللهم فصل علي محمد و آل محمد، وجد علي بفضلك، و امنن علي باحسانك، و افعل بي ما أنت أهله، و لا تفعل بي ما أنا أهله، يا أهل التقوي و أهل المغفرة، أنت خير لي من أبي و أمي و من الخلق أجمعين. اللهم ان هذه قصتي اليك، لا الي المخلوقين، و مسألتي لك اذ كنت خير مسؤول و أعز مأمول. اللهم صل علي محمد و آل محمد، و تعطف علي باحسانك، و من علي بعفوك و عافيتك، و حصن ديني بالغني، و احرز أمانتي بالكفاية، و اشغل قلبي بطاعتك، و لساني بذكرك، و جوارحي بما يقربني منك. اللهم ارزقني قلبا خاشعا، و لسانا ذاكرا، و طرفا غاضيا، و يقينا صحيحا، حتي لا احب تعجيل ما أخرت، و لا تقديم ما أجلت، يا رب العالمين، و يا أرحم الراحمين. [ صفحه 59] صل علي محمد و آل محمد، و استجب دعائي، و ارحم تضرعي، و كف عني البلاء، و لا تشمت بي الأعداء، و لا حاسدا، و لا تسلبني نعمة ألبستنيها، و لا تكلني الي نفسي طرفة عين أبدا، يا رب العالمين، و صلي الله علي محمد النبي و آله، و سلم تسليما [73] .
اللهم اني أسألك بأن لك الحمد، لا اله الا أنت البديء قبل كل شيء، و أنت الحي القيوم، لا اله الا أنت الذي لا يذلك شيء، و أنت كل يوم في شأن، لا اله الا أنت خالق ما يري و ما لا يري، العالم بكل شيء بغير تعليم. أسألك بآلآئك و نعمائك، بأنك الله الرب الواحد لا اله الا أنت الرحمن الرحيم. و أسألك بأنك أنت الله لا اله الا أنت الوتر الفرد، الأحد الصمد، الذي (لم يلد و لم يولد - و لم يكن له كفوا أحد). و أسألك بأنك الله لا اله الا أنت اللطيف الخبير، القائم علي كل نفس بما كسبت، الرقيب الحفيظ. و أسألك بأنك الله الأول قبل كل شيء، و الآخر بعد كل شيء، و الباطن [ صفحه 60] دون كل شيء، الضار النافع، الحكيم العليم. و أسألك بأنك أنت الله لا اله الا أنت، الحي القيوم، الباعث الوارث، الحنان المنان، بديع السموات و الأرض، ذوالجلال و الاكرام، و ذوالطول، و ذو العزة، و ذو السلطان، لا اله الا أنت أحطت بكل شيء علما، و أحصيت كل شيء عددا، صل علي محمد و آل محمد [74] .
و من أدعيته عليهالسلام في الاحتجاب و الاحتراز عن الظالمين: اللهم اني أشهد بحقيقة ايماني، و عقد عزمات يقيني، و خالص صريح توحيدي، و خفي سطوات سري، و شعري و بشري، و لحمي و دمي،و صميم قلبي و جوارحي، و لبي بأنك أنت الله لا اله الا أنت مالك الملك، و جبار الجبابرة، و ملك الدنيا و الآخرة، تعز من تشاء، و تذل من تشاء، بيدك الخير، انك علي كل شيء قدير. فأعزني بعزك، و اقهر لي من أرادني بسطوتك، و اخبأني من أعدائي بسترك صم بكم عمي فهم لا يرجعون، (و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) [75] . بعزة الله استجرنا، و بأسماء الله اياكم طردنا، و عليه توكلنا، و هو حسبنا [ صفحه 61] و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، و الحمدلله رب العالمين، و صلي الله علي سيدنا محمد النبي و آله الطيبين الطاهرين، و حسبنا الله و نعم الوكيل، و هو نعم المولي و نعم النصير. (و ما لنا ألا نتوكل علي الله و قد هدانا سبلنا و لنصبرن علي ما آذيتمونا، و علي الله فليتوكل المتوكلون) [76] . (و من يتوكل علي الله فهو حسبه ان الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) [77] [78] .
بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء و لا داء في الأرض، و لا في السماء، و هو السميع العليم [79] . [ صفحه 62]
أما المثل العليا، فكانت من مقومات الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام، بل و من أبرز عناصره النفسية التي تميز بها، فقد ورث هذا الامام الحليم كمال آبائه الذين خلقوا للفضيلة و الشرف، و ما ينفع الناس في سلوكهم و تهذيبهم، و نلمح باختصار الي بعض مثله و كمالاته:
ان الشيء المحقق الذي اتفق عليه المترجمون للامام أنه كان أعلم أهل عصره و أفضلهم، لا في شؤون الشريعة و أحكام الدين فحسب، و انما في جميع أنواع العلوم علي اختلافها من عقلية و نقلية. يقول بختشوع الطبيب المسيحي الي تلميذه بطريق في شأن الامام: «و هو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء» [80] . و لو أن طغاة بنيالعباس فسحوا المجال لأئمة أهلالبيت عليهمالسلام و لم يفرضوا عليهم الرقابة المكثفة لملأوا الدنيا بعلومهم و معارفهم، و لشاهدت الانسانية ألوانا من العلوم، و التطور الفكري لم تعهده في جميع عصورها و أدوارها. لقد أيقن العباسيون بأنهم اذا لم يحولوا بين رجال الفكر و العلم و الأئمة الطاهرين، فانهم سلام الله عليهم سينشرون طاقات من العلم و الوعي ما تتقدم به الامة في مجالاتها الفكرية و العلمية، و تنفتح لها آفاق جديدة لا في ميادين العلوم فحسب، و انما في ميادين الوعي السياسي و الاجتماعي، و تقف بذلك علي جهل العباسيين، [ صفحه 63] و بعدهم عن القيم الاسلامية. و من الطبيعي أن ذلك مما يهدد كراسيهم بالخطر، فلذا عملوا جاهدين علي الحيلولة بين الامة و بين قادتها الواقعيين.
و من الصفات الرفيعة و المثل العليا التي تحلي بها الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام: الحلم، فقد كان من أحلم الناس، و أكظمهم للغيظ، و قد قابل من أساء اليه بالعفو و الصفح عنه. و قد عمدت الحكومة العباسية الي اعتقاله، وزجه في سجونها، و هو صابر محتسب، لم ينبس ببنت شفة، و لم يشك لأي أحد ما هو فيه من الضيق، و قد أوكل أمره الي الله تعالي، و كان ذلك من آيات حلمه.
و تميز الامام أبومحمد عليهالسلام بارادته الصلبة، فقد جهدت الحكومة العباسية في ادراجه في جهازها، و بذلت جميع طاقاتها لاخضاعه لرغباتها فلم تستطع، و أصر الامام عليهالسلام علي استقلاليته و بعده عنها، و اعتبره العباسيون الممثل الوحيد لقوي المعارضة لسياستهم المبنية علي الاستغلال و قهر الشعوب. لقد صمد الامام عليهالسلام و قاوم المغريات التي بذلتها له الحكومة العباسية لادراجه في سلكها، و آثر طاعة الله، و ارضاء ضميره علي كل شيء.
وثمة ظاهرة أخري من مثل الامام عليهالسلام و نزعاته، و هي الجود و السخاء، فقد كان من أسخي الناس، و أنداهم كفا، و قد أقام له وكلاء في أكثر المناطق الاسلامية لقبض [ صفحه 64] ما يرد اليه من الحقوق الشرعية، و عهد اليهم بانفاقها علي الفقراء و المحرومين، و اصلاح ذات البين، و غير ذلك مما ينفع الناس. و كان مما رواه المؤرخون من فيض كرمه أن محمد بن علي بن ابراهيم ابن الامام موسي بن جعفر عليهالسلام، قال: «قد ضاقت امورنا، فقال أبي: امض بنا حتي نصير الي هذا الرجل - يعني أبامحمد - فانه قد وصف لنا سماحه. فقلت له: تعرفه؟ قال: ما أعرفه، و لا رأيته قط. قال: فقصدناه، فقال أبي في الطريق: ما أحوجنا الي أن يأمر لنا بخمسمائة درهم: مائتي درهم للكسوة، و مائتي درهم للدقيق، و مائة درهم للنفقة. و قلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم: مائة أشتري بها حمارا، و مائة للنفقة، و مائة للكسوة، فأخرج الي الجبل. فلما وافينا الباب خرج الينا غلامه، فقال: يدخل علي بن ابراهيم و محمد ابنه، فلما دخلنا عليه و سلمنا، قال لأبي: يا علي، ما خلفك عنا الي هذا الوقت؟ - يا سيدي، استحييت أن ألقاك علي هذه الحال. و مكنا وقتا يسيرا ثم خرجا، فجاء غلام الامام اليهما و ناول عليا صرة فيها دراهم، و قال: هذه خمسمائة درهم: مائتا درهم للكسوة، و مائتان للدقيق، و مائة للنفقة. و أعطي ولده محمدا صرة فيها ثلاثمائة درهم و قال له: اجعل مائة في ثمن حمار، و مائة للكسوة، و مائة للنفقة، و لا تخرج الي الجبل، و صر الي سوراء، و صار محمد الي سوراء فتحسنت اموره، و صار من أثرياء العلويين [81] . لقد أنقذ الامام عليهالسلام هذه الاسرة العلوية من الفقر و البؤس، و وفر لها الحياة الاقتصادية التي تنعم بها. [ صفحه 65] و من كرمه وجوده ما رواه أبوهاشم الجعفري، قال: «شكوت الي أبيمحمد ضيق الحبس، و كلب القيد [82] ، فكتب الي: أنت تصلي الظهر اليوم في منزلك، فأخرجت وقت الظهر و صليت في منزلي - كما قال - و كنت مضيقا علي، فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي بعثته اليه. فلما صرت الي منزلي بعث لي مائة دينار، و كتب الي: «اذا كانت لك حاجة فلا تستح و لا تحتشم، و اطلبها فانك علي ما تحب ان شاء الله تعالي» [83] . و ذكر المؤرخون نوادر كثيرة من كرمه تدلل علي مدي سعة جوده و حبه انعاش الفقراء، و انقاذهم من حياة البؤس و الحرمان.
و كان الامام أبومحمد عليهالسلام علي جانب عظيم من سمو الأخلاق، فكان يقابل الصديق و العدو بمكارم أخلاقه، و كانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، و قد ورثها عن جده الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله الذي وسع الناس جميعا بمكارم أخلاقه، و قد أثرت مكارم أخلاقه علي أعدائه و الحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه الي حبه و الاخلاص له، فقد نقل المؤرخون أنه حبس علي عهد المتوكل الذي كان شديد العداوة لآل النبي صلي الله عليه و آله و حاقدا علي آل أبيطالب، و قد أمر بالتنكيل بالامام، و التشديد عليه، الا أنه لما اتصل به، و شاهد سمو أخلاقه، و عظيم هديه و صلاحه، انقلب رأسا علي عقب، فكان لا يرفع بصره اليه اجلالا و تعظيما له، و لما خرج الامام من عنده و هو أحسن الناس بصيرة، و أحسنهم قولا في الامام [84] . [ صفحه 66] لقد كان الامام أبومحمد عليهالسلام في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية، و ثمرة معطرة من ثمرات الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله.
و من أبرز القيم الأصيلة، و المثل العليا التي تحلي بها الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام العصمة، و هي شرط أساسي في الامام عند الشيعة الامامية، و يعنون بها امتناعه من اقتراف الذنب، عمدا و سهوا، و قد شن خصوم الشيعة عليهم - بسبب ذلك - حملة شعواء، معتبرين في زعمهم أنه لا فرق بين الامام و سائر الناس في اقتراف الذنب و ارتكاب المعصية. و هذا القياس لا واقع له في موازين العلم، فان الدراسة الجادة لسيرة أئمة أهلالبيت عليهمالسلام تعطينا هذه النتيجة بوضوح، فان كل واحد منهم لم يؤثر عنه في جميع أدوار حياته أنه اقترف ذنبا، أو شذ في سلوكه عما أمر الله به، ألم يقل سيد العترة الطاهرة الامام أميرالمؤمنين عليهالسلام: «و الله لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله تعالي في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته. و ان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها» [85] ، أليست هذه هي العصمة؟ ان الحق بجميع مظاهره و صوره و ألوانه قد تجلي في سرة أئمة أهلالبيت عليهمالسلام، و المتتبع لسلوكهم، و القاريء لسيرتهم لا يجد لهم أية زلة في القول و لا في العمل، و انما يجد الايمان و التقوي و الحريجة في الدين مائلة فيهم، و لا نعني بالعصمة الا ذلك. [ صفحه 67]
أما الامامة فانها القاعدة الصلبة للتطور السياسي و الاجتماعي في الاسلام، و هي من أهم الركائز التي تبتني عليها حضارة الانسان و أمنه و رخاؤه. و تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع. انها هي التي توفر له الحياة الكريمة التي ينعم في ظلالها، و تنعدم فيها جميع الفوارق العرقية و الطبيعية، و انما الامتياز في الاسلام بمقدار ما يسديه الانسان من الخدمات الاجتماعية للامة، و بما يقر به الي الله زلفي. الامامة - بمعناها الصحيح - لطف من ألطاف الله، و نفحة من رحماته، نتحدث عنه بايجاز: أولا: ان من يتصدي لهذا المنصب الخطير لا بد أن تتوفر فيه الصفات الرفيعة، و التي منها ما يلي: 1- الاحاطة التامة بأحكام الدين و شؤون الشريعة لتكون تصرفاته السياسية علي ضوئها. 2- علم ما يحتاج اليه الامة في شؤونها الادارية. 3- الدراية التامة بالوسائل التي تحقق التنمية الاقتصادية للامة. 4- نكران الذات، و معاملة القريب و البعيد علي حد سواء، فقد عامل الامام أميرالمؤمنين رائد العدالة الاجتماعية في الأرض الحسن و الحسين سبطي رسول الله صلي الله عليه و آله كبقية أبناء شعبه، لم يؤثرهما بأي شيء من متع الدنيا و رغباتها. 5- الشجاعة في تنفيذ الخطط الاسلامية التي تتصادم مع النفعيين و الانتهازيين و ذوي الأطماع. ان الشجاعة عنصر أساسي في الامام، فانه اذا كان جبانا فانه يعرض الامة للأزمات و الأخطار. [ صفحه 68] 6- أن يملك الامام رصيدا من التقوي و الايمان يمنعه من اقتراف أي ذنب. ثانيا: ان الواجبات و المسؤوليات الملقاة علي عاتق الامام تنحصر في ما يلي: 1- نشر الايمان بالله الذي تبتني عليه قوي الخير و السلام في الأرض، فانه لم يكن هناك عامل أقوي من ضبط سلوك الانسان، و منعه من الاعتداء علي الغير سوي الايمان بالله. 2 نشر الوعي العلمي و الثقافي، و القضاء التام علي الجهل الذي يعتبره الاسلام الأداة المدمرة لحياة الشعوب. 3- العمل علي ازدهار الاقتصاد العام لتنجو الامة من ويلات الفقر و كوارث البؤس. 4- توفير الأمن و الاستقرار لجميع أبناء المجتمع. 5- القضاء علي جميع ألوان العنصريات و سائر العوامل المؤدية الي تفكك المجتمع و انحلاله. 6- ايجاد مجتمع متطور تسوده المحبة و الالفة و الرخاء. 7- توفير الحريات العامة لأبناء المجتمع، ونعني بها حرية العقيدة و القول و العمل، و هذه الحريات من أهم الحقوق الشعبية التي يجب علي الامام توفيرها للناس. 8- تحقيق المساواة العادلة بين أبناء المجتمع، و القضاء علي جميع ألوان المحسوبيات التي تؤدي الي الغبن، و نشر التذمر بين أبناء الامة. هذه بعض المسؤوليات و الواجبات التي يسأل الامام عن تنفيذها و تحقيقها بين الناس. ثالثا: ان الشيعة قد آمنت بأئمة أهلالبيت عليهمالسلام، و اعتبرت ذلك جزءا من حياتها [ صفحه 69] العقائدية، و السبب في ذلك ما يلي: 1- النصوص المتواترة عن النبي صلي الله عليه و آله في لزوم اتباع أهلالبيت، و جعلهم كالكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. قال صلي الله عليه و آله: «اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [86] . و يدل علي هذا الحديث دلالة صريحة واضحة علي حصر الامامة في أهلالبيت عليهمالسلام، و علي عصمتهم من الآثام؛ لأن النبي صلي الله عليه و آله قرنهم بكتاب الله العظيم. و من الطبيعي أن أي انحراف منهم عن الدين يعتبر افتراقا عن الكتاب العزيز، و قد صرح النبي صلي الله عليه و آله بعدم افتراقهما حتي يردا عليه الحوض. و قال صلي الله عليه و آله: «انما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق، و انما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بنياسرائيل، من دخله غفر له» [87] . و في هذا الحديث الشريف دعوة ملزمة الي التمسك بالعترة الطاهرة، فانه ضمان للنجاة و السلامة، و البعد عنهم ضلالة و غواية. يقول الامام شرفالدين: «و أنت تعلم أن المراد من تشبيههم عليهمالسلام بسفينة نوح أن من لجأ اليهم في الدين فأخذ فروعه و اصوله عن أئمته نجا من عذاب النار، و من تخلف عنهم كان كمن أوي «يوم الطوفان» الي جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء، و هذا في الحميم - و العياذ بالله - و الوجه في تشبيههم عليهمالسلام بباب حطة [ صفحه 70] هو أن الله تعالي جعل ذلك الباب مظهرا من مظاهر التواضع لجلاله، و البخوع لحكمه، و بهذا كان سببا للمغفرة. هذا وجه الشبه. و قد حاول ابنحجر اذ قال - بعد أن أورد هذه الأحاديث و غيرها من أمثالها -: و وجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم و عظمهم شكرا لنعمة شرفهم، و أخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، و من تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، و هلك في مفاوز الطغيان - الي أن قال -: و باب حطة - يعني و وجه تشبيههم بباب حطة - أن الله جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيتالمقدس مع التواضع و الاستغفار سببا للمغفرة، و جعل لهذه الامة مودة أهلالبيت سببا لها» [88] . و كثير من أمثال هذه الأحاديث المتواترة عن النبي صلي الله عليه و آله في لزوم مودة الأئمة الطاهرين، و قد رواها الحفاظ و الثقات، و دونتها الصحاح، و ليس لها معارض و لا ناسخ - ان صح هذا التعبير -، و قد آمنت بها الشيعة لأنها حجة يجب التعبد بها. 2- ان الشيعة انما دانت بالولاء لأئمة أهلالبيت عليهمالسلام لأنهم نسخة من الشرف و الكرامة لا ثاني لهم في تاريخ الانسانية علي امتداد التاريخ، فليس أحد في العالم الاسلامي يشابههم في هديهم و سلوكهم و التزامهم بحرفية الاسلام. يقول الكميت شاعر الاسلام فيهم: للقريبين من ندي و البعيدين من الجور في عري الأحكام و المصيبين باب ما أخطأ الناس و مرسي قواعد الاسلام و الحماة الكفاة في الحرب ان لف ضراما وقود ما بضرام و الغيوث الذين ان أمحل الناس فمأوي حواضن الأيتام راجحي الوزن كاملي العدل في السيرة طبين بالأمور الجسام [ صفحه 71] ساسة لا كمن يري رعية الناس سواء و رعية الأنعام و يأخذ الكميت في وصفهم، و بيان مآثرهم التي شاهدها فيقول: راجحي الوزن كاملي العدل في السيرة ملبين بالامور العظام فضلوا الناس في الحديث حديثا و قديما في أول القدام [89] . و الكميت من أصدق الناس حديثا، و من أكثرهم تحرجا في الدين، فهو لم يضف علي أهلالبيت عليهمالسلام هذه النعوت الكريمة و الأوصاف العظيمة، الا بعد أن اتصل بهم اتصالا وثيقا، فرأي من فضائلهم و مآثرهم ما ملأ نفسه اعجابا و اكبارا، فهام في حبهم، و نظم فيهم هاشمياته التي هي من مناجم الأدب العربي، و من ذخائر الفكر الاسلامي. و علي أي حال، فان ايمان الشيعة بأهل البيت عليهمالسلام لم يكن منبعثا عن هوي أو عاطفة، و انما كان منبعثا عن وعي أصيل و دراسة جادة لواقعهم المشرف. 3- ان الشيعة لم تؤمن بامامة ملوك الأمويين و العباسيين، و ذلك لافلاس أكثرهم من القيم الأخلاقية و الانسانية، فقد عانت الامة في ظلال حكمهم ألوانا رهيبة من الظلم و الجور، و نهب ثروات الامة، و انفاقها بسخاء علي شهواتهم و ملاذهم، و اشاعة الفسق و الفجور بين المسلمين، و من ثم قامت الشيعة و غيرهم بثورات مسلحة ضدهم من أجل اقامة العدل بين الناس.. و بهذا ينتهي بنا الحديث عن الامامة.
أما النص علي الامام فهو لارشاد الامة الي مرجعها العام، و قائدها الروحي، [ صفحه 72] و قد اثرت عن الامام الهادي عليهالسلام عدة أخبار في امامة ولده أبيمحمد عليهالسالم، و هذه بعضها: 1- روي يحيي بن يسار العنبري، قال: «أوصي أبوالحسن علي بن محمد الي ابنه أبيمحمد الحسن قبل موته بأربعة أشهر، و أشار اليه بالأمر من بعده، و أشهدني علي ذلك و جماعة من الموالي» [90] . 2- روي علي بن عمر النوفلي، قال: «كنت مع أبيالحسن عليهالسلام في صحن داره، فمر بنا محمد ابنه - و هو أبوجعفر - فقلت له: جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك - أي الامام من بعدك -؟ فقال له: صاحبكم بعدي الحسن» [91] . 3- روي شاهويه بن عبدالله الجلاب، قال: «كتب الي أبوالحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبيجعفر، و قلقت لذلك فلا تغتم، فان الله عزوجل (و ما كان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتي يبين لهم ما يتقون) [92] ، و صاحبك بعدي أبومحمد ابني، و عنده ما تحتاجون اليه، يقدم الله ما يشاء و يؤخر ما يشاء (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) [93] قد كتبت بما فيه بيان و قناع لذي عقل يقظان» [94] . 4- روي داود بن القاسم، قال: «سمعت أباالحسن عليهالسلام يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ [ صفحه 73] فقلت: و لم جعلني الله فداك؟ فقال: انكم لا ترون شخصه، و لا يحل لكم ذكره باسمه. فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد عليهمالسلام» [95] . 5- روي أبوبكر الفهفكي، قال: «كتب الي أبوالحسن عليهالسلام: أبومحمد ابني أنصح آل محمد غريزة، و أوثقهم حجة، و هو الأكبر من ولدي، و هو الخلف، و اليه تنتهي عري الامامة و أحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يحتاج اليه» [96] . 6- روي الصقر بن أبيدلف، قال: «سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليهمالسلام يقول: الامام بعدي الحسن، و بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت جورا و ظلما» [97] . 7- روي عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن علي بن محمد عليهالسلام، أنه قال «الامام من بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده» [98] . 8- روي علي بن مهزيار، قال: «قلت لأبي الحسن عليهالسلام: ان كان كون - و أعوذ بالله - فالي من؟ قال: عهدي الي الأكبر من ولدي - يعني الحسن -» [99] . 9- روي عبدالله بن محمد الأصفهاني، قال: «قال أبوالحسن: صاحبكم بعدي [ صفحه 74] الذي يصلي علي. قال: و لم نكن نعرف أبامحمد قبل ذلك، فلما مات أبوالحسن عليهالسلام خرج أبومحمد عليهالسلام فصلي عليه» [100] . هذه بعض النصوص التي رواها الثقات و المتحرجون في دينهم عن الامام الهادي عليهالسلام في امامة ولده الزكي أبيمحمد عليهالسلام، مضافا الي النصوص الاخري التي اثرت عن الامام محمد الجواد عليهالسلام في امامة حفيده الحسن، فقد روي الصقر بن أبي دلف، قال: «سمعت أباجعفر محمد بن علي الرضا عليهالسلام يقول: ان الامام بعدي ابني علي، أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي، و الامامة بعده في ابنه الحسن» [101] . و اثرت نصوص اخري عن النبي صلي الله عليه و آله في تعيين أوصيائه و خلفائه من بعده، منهم الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام، و قد حفلت بتلك النصوص مصادر الحديث و الأخبار.
و أمد الله تعالي الأنبياء و الأوصياء عليهمالسلام بالمعاجز التي يعجز البشر عن الاتيان بمثلها، لتكون شاهد صدق علي صحة ما جاءوا به من خير و هدي الي الناس، و لولا ذلك لفشلوا في أداء رسالتهم، و ما صدقهم أحد في ما جاءوا به. و من جملة ما أمدهم الله به أن جعلهم يعلمون بما انطوت عليه نفوس الناس، و بما يضمرون في دخائل قلوبهم، و ما سيقع من الملاحم و الأحداث، و قد منح الله ذلك أئمة الهدي عليهمالسلام و من بينهم الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام. و نلمح الي بعض النوادر التي اثرت عنه في ذلك: 1- روي الحسن النصيبي، قال: «خطر في قلبي عرق الجنب، هل هو طاهر؟ [ صفحه 75] فأتيت الي باب أبيمحمد الحسن لأسأله، و كان ليلا، فنمت. فلما طلع الفجر خرج من داره، فرآني فأيقظني، و قال: ان كان حلالا فنعم، و ان كان حراما، فلا» [102] . 2- روي اسماعيل بن محمد العباسي، قال: «شكوت الي أبيمحمد الحاجة، و حلفت له أنه ليس عندي درهم فما فوقه، فقال لي: أتحلف بالله كاذبا، و قد دفنت مائتي دينار؟ و ليس قولي لك هذا دفعا عن العطية. أعطه يا غلام ما معك، فأعطاني مائة دينار. ثم أقبل علي، فقال: انك تحرم الدنانير التي دفنتها في أحوج ما تكون اليها. يقول: و اضطررت ففتشت عنها فلم أجدها، فنظرت فاذا ابن لي قد عرفها فسرقها و هرب» [103] . 3- شكا محمد بن حجر الي الامام أبيمحمد عليهالسلام ما يلقاه من ظلم عبدالعزيز، و من جور يزيد بن عيسي. فأجابه عليهالسلام: أما عبدالعزيز فقد كفيته، و أما يزيد فلك و له مقام بين يدي الله عزوجل، و لم تمض الا أيام يسيرة حتي هلك عبدالعزيز، و أما يزيد فقد قتل محمد بن حجر، و له مقام معه بين يدي الله تعالي» [104] . 4- روي محمد بن حمزة الدوري، قال: «كتبت الي الامام أبيمحمد عليهالسلام أسأله أن يدعو الله لي بالغني، و كنت قد أملقت، و خفت الفضيحة. فخرج الجواب منه: أبشر، فقد أتاك الغني من الله تعالي، مات ابن عمك يحيي بن [ صفحه 76] حمزة، و خلف مائة ألف درهم، و لم يترك وارثا سواك، و هي واردة عليك عن قريب، فاشكر الله، و عليك بالاقتصاد، و اياك و الاسراف. و ورد علي المال و الخبر بموت ابن عمي، كما قال بعد أيام قلائل، و زال عني الفقر، و أديت حق الله، و بررت اخواني، و تماسكت بعد ذلك، و كنت قبلا مبذرا» [105] . 5- قال محمد بن الحسن بن ميمون: «كتبت الي مولاي العسكري عليهالسلام أشكو الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قال أبوعبدالله عليهالسلام: الفقر معنا خير من الغني مع غيرنا، و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا. فرجع الجواب: ان الله عزوجل محص أولياءنا اذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر، و قد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك: الفقر معنا خير من الغني مع عدونا، و نحن كهف لمن التجأ الينا، و نور لمن استبصر بنا، و عصمة لمن اعتصم بنا. من أحبنا كان معنا في السنام الأعلي، و من انحرف عنا فالي النار هوي» [106] . 6- قال أبوجعفر الهاشمي: «كنت في الحبس مع جماعة، فحبس أبومحمد عليهالسلام و أخوه جعفر فخففنا اليه، و قبلت وجه الحسن، و أجلسته علي مضربة كانت تحتي، و جلس جعفر قريبا منه، و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جحمي يقول انه علوي. فالتفت الينا أبومحمد قائلا: لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم حتي يفرج الله عنكم، و أومأ عليهالسلام الي الجحمي، و قال: ان هذا الرجل ليس منكم و احذروه، فان في ثيابه سجلا يكتب فيه الي السلطان ما تقولونه. [ صفحه 77] فانبري بعض المسجونين ففتشه، فوجد فيه كتابا اتهم فيه الجماعة بكل عظيمة، و افتري عليهم بأنهم يريدون ثقب السجن و الهرب منه» [107] . 7- روي أحمد بن محمد، قال: «كتبت الي أبيمحمد عليهالسلام حين أخذ المهتدي العباسي في قتل الموالي - أي الشيعة - و قلت: يا سيدي، الحمدلله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنه يتهددك، و يقول: والله لأجلينهم من جديد. فوقع أبومحمد بخطه: ذاك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام، و يقتل في اليوم السادس بعد هوان و استخفاف يمران به، فكان كما قال» [108] . 8- روي شاهويه بن عبد ربه، قال: «كان أخي صالح محبوسا، فكتبت الي سيدي أبيمحمد عليهالسلام أسأله عن أشياء. فأجابني عنها و كتبت: ان أخاك صالحا يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا، و كنت أردت أن تسألني عن أمره فنسيت. فبينما أنا أقرأ كتابه اذ أقبل بعض الناس فبشرني باطلاق سراح أخي فتلقيته، و قرأت عليه الكتاب» [109] . 9- روي أبوهاشم، قال: «شكوت الي أبيمحمد عليهالسلام ضيق الحبس، و ثقل القيد. فكتب الي: تصلي الظهر اليوم في منزلك، و تحقق ذلك، فخرج من الحبس وقت الظهر و صلي في منزله» [110] . 10- روي الثقة الأمين أبوهاشم، قال: «سمعت أبامحمد عليهالسلام يقول: ان في [ صفحه 78] الجنة لبابا يقال له المعروف، لا يدخله الا أهل المعروف، فحمدت الله في نفسي، و فرحت مما أتكلفه من حوائج الناس. فنظر الي أبومحمد، و قال: نعم، قد علمت ما أنت عليه، و أن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أباهاشم و رحمك» [111] . 11- روي أبوهاشم، قال: «سأل الفهفكي الامام أبامحمد عليهالسلام، عن السبب في أخذ الرجل سهمين و المرأة تأخذ سهما واحدا في الميراث. فأجابه الامام عليهالسلام: ان المرأة ليس عليها جهاد، و لا نفقة، و لا معقلة. يقول أبوهاشم: فخطر في نفسي أن هذه المسألة عين المسألة التي سأل بها ابن أبيالعوجاء الامام الصادق عليهالسلام، و قد أجابه بمثل هذا الجواب. فأقبل علي الامام أبومحمد، و قال: نعم، هذه مسألة ابن أبيالعوجاء، و الجواب منا واحد اذا كان معني المسألة واحدا، جري لآخرنا ما جري لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم، و الأمر سواء، و لرسول الله، و أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما» [112] . 12- روي أبوهاشم، قال: «كتب الي أبيمحمد بعض مواليه يسأله شيئا من الدعاء. فكتب اليه: ادع بهذا الدعاء: يا أسمع السامعين، و يا أبصر المبصرين، و يا أنظر الناظرين، و يا أسرع الحاسبين، و يا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صل علي محمد و آل محمد، و أوسع لي في رزقي، و مد لي في عمري، و امنن علي برحمتك، و اجعلني ممن تنتصر به لدينك، [ صفحه 79] و لا تستبدل بي غيري. قال أبوهاشم: فقلت في نفسي: اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك. فأقبل علي أبومحمد، فقال: أنت في حزبه، و في زمرته ان كنت بالله مؤمنا، و لرسوله مصدقا» [113] . 13- روي أبوهاشم، قال: «خطر بنفسي أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ فنظر الي الامام أبومحمد، و قال: يا أباهاشم، الله خالق كلق شيء، و ما سواه مخلوق» [114] . 14- روي أبوهاشم، قال: «دخلت علي أبيمحمد عليهالسلام و أنا اريد أن أسأله عن فص أصوغ به خاتما أتبرك به، فجلست و نسيت ما جئت له. فلما ودعته و أردت الانصراف ناولني خاتما و تبسم، و قال: أردت فصا فأعطيناك خاتما، فربحت الفص و الكري، هنأك الله يا أباهاشم، فتعجبت من ذلك و قلت: يا سيدي، انك ولي الله و امامي الذي ادين الله بفضله و طاعته. فقال لي: غفر الله لك يا أباهاشم» [115] . 15- روي أبوهاشم، قال: «سمعت أبامحمد عليهالسلام يقول: ان الله ليعفو يوم القيامة عفوا لا يخطر علي بال العباد، حتي يقول أهل الشرك: و الله ما كنا مشركين. فذكرت في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة: أن رسول الله صلي الله عليه و آله قرأ: (ان الله يغفر الذنوب جميعا) [116] . [ صفحه 80] فقال رجل: و من أشرك، فأنكرت ذلك و أضمرته في قلبي، و أنا أقوله في نفسي اذ أقبل علي أبومحمد، و تلا قوله تعالي: (ان الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [117] ، بئس ما قال هذا، و بئس ما روي» [118] . 16- روي أبوهاشم، قال: «كنت مضيقا، فأردت أن أطلب من الامام أبيمحمد عليهالسلام، فاستحييت، فلما صرت الي منزلي وجه لي مائة دينار، و كتب الي: اذا كانت لك حاجة فلا تستح، و لا تحتشم، فانك تري ما تحب» [119] . لقد روي المؤرخون نوادر كثيرة من علم الامام أبيمحمد عليهالسلام بخفايا النفوس، و عن اخباره عن الملاحم و مجريات الأحداث، و كل ذلك تعتبره علامات مؤشرة علي الامامة، فغير الامام لا علم له، و لا دراية له بذلك. و من الجدير بالذكر أن أكثر هذه النوادر قد رواها الثقة الدين أبوهاشم، و هو من خيار العلماء، و قد اختص بالامامين أبيالحسن و أبيمحمد، و شاهد الكثير من معجزاتهما، و قد قال: «اني ما دخلت علي أبيالحسن و أبيمحمد عليهماالسلام يوما الا رأيت برهانا و دلالة تدلل علي امامتهما» [120] . و بهذا ينتهي بنا الحديث عن عبادة الامام أبيمحمد عليهالسلام و بعض مثله. [ صفحه 83]
اتفق العلماء و رجال الفكر من المعاصرين للامام أبيمحمد عليهالسلام و غيرهم علي امتداد التاريخ علي تعظيمه، و الاعتراف له بالفضل و التفوق علي غيره بمواهبه و عبقرياته، وسعة علومه، و شدة تحرجه في الدين، و نشير الي كلمات بعضهم:
أشاد الامام علي الهادي عليهالسلام بسمو منزلة ولده أبيمحمد، فقال: «أبومحمد ابني، أصح آل محمد صلي الله عليه و آله غريزة، و أوثقهم حجة، و هو الأكبر من ولدي، و هو الخلف، و اليه تنتهي عري الامامة و أحكامنا» [121] . و حكت هذه الكلمات المشرقة ما اتصف به الامام العظيم من الصفات الكريمة، و قد حللنا أبعادها في البحوث السابقة.
أما أبوهاشم الجعفري، فهو فذ من أفذاذ الاسلام، و علم من أعلام الفكر و العقيدة، و قد اتصل بالامامين العسكريين اتصالا وثيقا و عرف واقعهما المشرق الذي يمثل هدي الاسلام، و قد هام بحبهم، و نظم الكثير من شعره الرائع في [ صفحه 84] مدحهم، و مما قاله في الامام أبيمحمد عليهالسلام هذه الأبيات: و أعطاه آيات الامامة كلها كموسي و فلق البحر واليد و العصا و ما قمص الله النبيين حجة و معجزة الا الوصيين قمصا و ان كنت مرتابا بذاك فقصره من الأمر أن تتلو الدليل و تفحصا [122] . و معني هذا الشعر أن الله تعالي قد منح الامام أبامحمد آيات الامامة من المعجزات، و خوارق العادات، مثل ما أعطي نبيه موسي من فلق البحر، واليد البيضاء، و العصا التي انقلبت الي أفعي، و التهمت حبال السحرة و عصيهم ثم عادت الي حالتها الاولي، و كل ما أعطي الله من الآيات لأنبيائه فقد أعطي مثلها لأوصيائهم، و من كان شاكا و مرتابا في ذلك، فعليه أن ينتظر الي الأدلة و يتفحصها، فانها ترشده الي ذلك.
أما بختشوع هو ألمع شخصية طبية في عصر الامام عليهالسلام، فهو طبيب الاسرة المالكة [123] . و قد احتاج الامام الي طبيب يفصده، فطلب من بختشوع أن يرسل اليه بعض تلامذته ليقوم بذلك، فاستدعي بختشوع تلميذه بطريق، و أمره بالذهاب لمعالجة الامام، و أدلي اليه بحديث أعرب فيه عن سمو منزلة الامام، قائلا: «طلب مني [ صفحه 85] ابن الرضا من يفصده، فصر اليه، و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه في ما يأمرك به» [124] .
أما أحمد بن عبيدالله بن خاقان، فهو من أبرز رجال الحكم و السياسة في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام، و قد صرح في حديث له عن عظيم مكانة الامام عليهالسلام، قائلا: «ما رأيت و لا عرفت بسر من رأي رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، و لا سمعت به في هديه و سكونه، و عفافه و نبله، و كرمه عند أهل بيته و السلطان في جميع بنيهاشم، و تقديمهم اياه علي ذوي السن منهم و الخطر، و كذلك القواد و الوزراء و الكتاب و عوام الناس» [125] . و ألم هذا الاطراء بما يتصف به الامام أبومحمد عليهالسلام من المثل الكريمة، كالعفاف و النبل و السخاء و غيرها من الصفات الرفيعة التي لم تتوفر عند أي انسان من المعاصرين له، الأمر الذي حدا بكافة الطبقات الي الاعتراف له بالفضل و التعظيم.
أما عبيدالله بن خاقان، فهو من الشخصيات السياسية اللامعة في ذلك العصر، و قد أدلي بتصريح مهم في سمو منزلة الامام أبيمحمد عليهالسلام، قال: «ولو زالت الخلافة من خلفاء بنيالعباس ما استحقها أحد من بنيهاشم غير هذا - يعني الحسن بن علي - فان هذا يستحقها في فضله، و عفافه، و هديه، و صيانة [ صفحه 86] نفسه، و زهده، و عبادته، و جميل أخلاقه، و صلاحه...» [126] . و لم يكن عبيدالله ممن يدين بالامامة و يؤمن بها، فقد كان رأيه مخالفا لذلك، ولكن الواقع المشرق للامام أبيمحمد عليهالسلام هو الذي دعاه ليعلن أنه بعد بنيالعباس أحق بالخلافة و أولي بها من غيره؛ و ذلك لما يتوفر فيه من الصفات الفاضلة التي ذكرها من الفضل و العفاف و الهدي و صيانة النفس و الزهد في الدنيا و جميل الأخلاق و صلاح النفس، و من تحلي بهذه الصفات فهو أحق بمركز الخلافة و الامامة.
أما الشيخ المفيد، فهو علم من أعلام الاسلام، و قد تمرس في أكثر العلوم الاسلامية، و قد أشاد بمواهب الامام أبيمحمد عليهالسلام، قال: «كان الامام بعد أبيالحسن علي بن محمد عليهالسلام ابنه أبامحمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه، و تقدمه علي كافة أهل عصره فيما يوجب له الامامة، و يقتضي له الرئاسة من العلم و الزهد و كمال العقل و العصمة و الشجاعة و الكرم، و كثرة الأعمال المقربة الي الله عزوجل» [127] . و تعرض الشيخ المفيد الي تقلد الامام أبيمحمد عليهالسلام الامامة و المرجعية العامة بعد وفاة أبيه؛ و ذلك لتوفر جميع ما يعتبر في الامامة في شخصيته الكريمة.
و أشاد علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ بفضل الامام أبيمحمد عليهالسلام، قال: [ صفحه 87] «مناقب سيدنا أبيمحمد الحسن العسكري دالة علي أنه السري [128] ابنالسري، فلا يشك في امامته أحد و لا يمتري، و اعلم أنه اذا بيعت مكرمة فسواه بائعها و هو المشتري. واحد زمانه من غير مدافع، و نسيج وحده من غير منازع. سيد أهل عصره، و امام أهل دهره، أقواله سديدة، و أفعاله حميدة. و اذا كانت أفاضل أهل زمانه قصيدة فهو بيت القصيدة، و ان انتظموا عقدا كان مكان الواسطة الفريدة. فارس العلوم الذي لا يجاري، و مبين غوامضها فلا يجادل و لا يماري، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المحدث في سره بالامور الخفيات، الكريم الأصل و النفس و الذات...» [129] . لقد حفلت هذه الكلمات بالثناء العاطر الذي ما بعده ثناء، علي الذي التقت به جميع صفات الخير و الفضيلة.
قال أبوجعفر رشيدالدين محمد بن علي بن شهر آشوب السروي مشيدا بفضل أبيمحمد عليهالسلام: «هو الحسن الهادي بن علي.. مذلل الصعاب، نقي الجيب، بريء من العيب، أمين علي الغيب، معدن الوقار بلا شيب، خافض الطرف، واسع الكف، كثير الحياء، كريم الوفاء، قليل الافتاء، لطيف الغذاء، كثير التبسم، سريع التحكم، أبوالخلف مكني أبومحمد» [130] . [ صفحه 88]
قال النسابة ابنشدقم: «كان الحسن العسكري اماما هاديا، و سيدا عاليا، و مولي زكيا» [131] .
قال العلامة الكبير ابنالجوزي: «ان المنقبة العليا، و المزية التي خصه الله بها و قلده فريدها، و منحه تقليدها، و جعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها، و لا تنسي الألسنة تلاوتها و ترديدها، ان المهدي محمد عليهالسلام نسله المخلوق منه، و ولده المنتسب اليه...» [132] . ان من أعظم الألطاف التي خص الله بها وليه الامام الحسن عليهالسلام أن جعل نجله الامام محمدا المهدي عليهالسلام الذي يقوم بدور ايجابي باصلاح الدنيا، و رفع منار العدل، و اعلاء كلمة الله في الأرض، و القضاء علي الظلم و الفساد و الجور.
قال ركنالدين الحسيني الموصلي: «الامام العسكري أبومحمد... مناقبه و فضائله و كراماته لا تحصي.. و ان المنقبة العليا التي خصه الله بها و قلده بها أن المهدي عليهالسلام هو ولده» [133] . وأي منقبة أعظم من هذه المنقبة التي منحها الله الامام الزكي أبامحمد، فهو أبوالامام المهدي عليهالسلام، صانع التاريخ، مغير مجريات الأحداث، و القائم بانقلاب [ صفحه 89] عام ضد جبابرة الأرض، و طواغيت الكون.
قال اليافعي: «الشريف العسكري، أبومحمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر الصادق أحد الأئمة الاثني عشر علي اعتقاد الامامية، و هو والد المنتظر عليهالسلام» [134] .
قال يوسف بن اسماعيل النبهاني: «الحسن العسكري أحد أئمة ساداتنا آل البيت العظام، و ساداتهم الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ذكره الشبراوي في الاتحاف بحب الأشراف، ولكنه اختصر ترجمته، و لم يذكر له كرامات، و قد رأيت له كرامة بنفسي، و هو أني في سنة (1296 ه) سافرت الي بغداد من بلدة «كوي سنجق» احدي قواعد بلاد الأكراد، و كنت قاضيا فيها، ففارقتها قبل أن أكمل المدة المعينة لشدة ما وقع فيها من الغلاء و القحط، اللذين عما بلاد العراق في تلك السنة، فسافرت علي الكلك، و هو ظروف يشدون بعضها الي بعض، و يربطون فوقها الأخشاب، و يجلسون عليها. فلما وصل الكلك قبالة مدينة سامراء، و كانت مقر الخلفاء العباسيين، فأحببنا أن نزور الامام الحسن العسكري، و خرجنا لزيارته، فحينما دخلت علي قبره الشريف حصلت لي روحانية لم يحصل لي مثلها قط. و هذه الكرامة له، ثم قرأت ما تيسر من القرآن، و دعوت بما تيسر من الدعوات، و خرجت» [135] . [ صفحه 90] ان مراقد الأئمة الطاهرين عليهمالسلام تفيض بالقداسة و الروحانية، و كل من تشرف بزيارتها يشعر بهذه الظاهرة.
و أثني العلامة المحقق علي بن عيسي الاربلي علي الامام أبيمحمد عليهالسلام ثناء عاطرا، و أدلي ببعض مزاياه، و مكارم صفاته، و قال في جملة كلامه - و بعضه مر معنا آنفا عن ابنالصباغ -: «الامام الحسن: فارس العلوم الذي لا يجاري، و مبين غامضها فلا يجادل و لا يماري. كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب. المطلع بتوفيق الله علي أسرار الكائنات، المخبر بتوفيق الله عن الغائبات. المحدث في سره بما مضي و بما هو آت، الملهم في خاطره بالامور الخفيات، الكريم الأصل و النفس و الذات، صاحب الدلائل و الآيات و المعجزات. مالك أزمة الكشف و النظر، مفسر الآيات، مقرر الخبر، وارث السادة الخير، ابن الأئمة أبوالمنتظر. فانظر الي الفرع و الأصل، و جدد النظر، و اقطع بأنهما عليهماالسلام أضوأ من الشمس، و أبهي من القمر، و اذا تبين زكاء الأغصان تبين طيب الثمر، فأخبارهم و نعوتهم عليهمالسلام عيون التواريخ، و عنوان السير. شرف تتابع كابرا عن كابر كالرمح انبوبا علي انبوب و والله اقسم أن من عد محمدا صلي الله عليه و آله جدا، و عليا أبا، و فاطمة اما، و الأئمة آباء، و المهدي ولدا لجدير أن يطول السماء علاء و شرفا، و الأملاك سلافا و ذاتا و خلفا، و الذي ذكرته من صفاته دون مقداره، فكيف لي باستقصاء نعوته و أخباره، و لساني [ صفحه 91] فصير، و طرف بلاغتي حسير، فلهذا يرجع من شأنه و صفاته كليلا، و يتضاءل لعجزه و قصوره» [136] .
قال البستاني: «الحسن الخالص بن علي الهادي.. ذكروا له كثيرا من المناقب المعروفة في أهل هذا البيت الطالبيين، و ظهر عليه الفهم و الحكمة منذ حداثته...» [137] .
قال خيرالدين الزركلي: «الحسن بن علي الهادي ابنمحمد الجواد الهاشمي: أبومحمد الامام الحادي عشر عند الامامية.. بويع بالامامة بعد وفاة أبيه، و كان علي سنن سلفه الصالح تقي و نسكا و عباده...» [138] .
قال العباس بن نورالدين المكي: «أبومحمد الامام الحسن العسكري: نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر، يعرف هو و أبوه بالعسكري، و أما فضائله فلا يحصرها اللسن...» [139] . [ صفحه 95]
تكشف بعض رسائل الامام عليهالسلام عن جانب مهم من الحياة العقائدية التي منيت في ذلك العصر بالتذبذب و الاضطراب، و قد نص فيها الامام علي بعض شيعته ما هم فيه من عدم الالتزام بحرفية الدين، و عدم تطبيق بنوده علي واقع حياتهم، و في ما يلي بعض تلك الرسائل:
و أرسل الامام أبومحمد عليهالسلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري هذه الرسالة، و هي من غرر الرسائل، و قد استهدفت الوعظ و الاصلاح الشامل، و هذا نصها: «سترنا الله و اياك بستره، و تولاك في جميع امورك بصنعه، قد فهمت كتابك رحمك الله، و نحن بحمد الله و نعمته أهل بيت نرق علي موالينا، و نسر بتتابع احسان الله اليهم، و فضله لديهم، و نعتد بكل نعمة ينعمها الله عزوجل عليهم، فأتم الله عليكم بالحق، و من كان مثلك ممن قد رحمه الله، و بصره بصيرتك، و نزع عن الباطل و لم يعم في طغيانه بعمه. فان تمام النعمة دخولك الجنة، و ليس من نعمة و ان جل أمرها، و عظم خطرها، الا و الحمد لله تقدست أسماؤه عليها يؤدي شكرها. [ صفحه 96] و أنا أقول: الحمدلله مثل ما حمدالله به حامد الي أبد الأبد، بما من عليك من نعمته، و نجاك من السهلكة، و سهل سبيلك علي العقبة، و أيم الله انها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزبر الاولي ذكرها. و لقد كانت منكم أمور في أيام الماضي الي أن مضي لسبيله، صلي الله علي روحه، و في أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن، و لا مسددي التوفيق. و اعلم يقينا يا اسحاق أن من خرج من هذه الدنيا أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا، انها - يابن اسماعيل - ليس تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور [140] . و ذلك قول الله عزوجل في محكم كتابه للظالم: (رب لم حشرتني أعمي و قد كنت بصيرا) قال الله عزوجل: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي) [141] . وأي آية - يا اسحاق - أعظم من حجة الله عزوجل علي خلقه، و أمينه في بلاده، و شاهده علي عباده، من بعد من سلف من آبائه الأولين [ صفحه 97] النبيين، و آبائه الآخرين من الوصيين، عليهم أجمعين رحمة الله و بركاته. فأين يتاه بكم؟ و أين تذهبون كالأنعام علي وجوهكم؟ عن الحق تصدفون، و بالباطل تؤمنون، و بنعمة الله تكفرون أو تكذبون؟ فمن يؤمن ببعض الكتاب و يكفر ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم و من غيركم الا خزي في الحياة الدنيا الفانية، و طول عذاب الآخرة الباقية [142] ، و ذلك والله الخزي العظيم [143] . ان الله بفضله و منه لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه اليكم، بل رحمة منه لا اله الا هو عليكم ليميز الخبيث من الطيب، و ليبتلي ما في صدوركم، و ليمحص ما في قلوبكم [144] ، و لتألفوا الي رحمته، و لتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج و العمرة، و اقام الصلاة، و ايتاء الزكاة، و الصوم، و الولاية، و كفا بهم لكم [ صفحه 98] بابا ليفتحوا أبواب الفرائض، و مفتاحا الي سبيله، و لولا محمد صلي الله عليه و آله، و الأوصياء من بعده، لكنتم حياري كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض، و هل يدخل قرية الا من بابها. فلما من عليكم باقامة الأولياء بعد نبيه، قال الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) [145] . و فرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها اليهم ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم و أموالكم و مأكلكم و مشربكم، و يعرفكم بذلك النماء و البركة و الثروة، و ليعلم من يطيعه منكم بالغيب. قال الله عزوجل: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [146] . و اعلموا أن (من يبخل فانما يبخل عن نفسه و الله هو الغني و أنتم الفقراء) [147] لا اله الا هو، و لقد طالت المخاطبة فيما بيننا و بينكم فيها هو لكم و عليكم لما أريتكم مني خطا، و لا سمعتم مني حرفا من بعد الماضي عليهالسلام. و أنتم في غفلة عما اليه معادكم، و من بعد الثاني رسولي و ما ناله [ صفحه 99] منكم حين أكرمه الله بمصيره اليكم، و من بعد اقامتي لكم ابراهيم بن عبدة، وفقه الله لمرضاته، و أعانه علي طاعته، و كتابه الذي حمله محمد بن موسي النيسابوري، و الله المستعان علي كل حال، و اني أراكم مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين. فبعدا و سحقا لمن رغب من طاعة الله، و لم يقبل مواعظ من أوليائه، و قد أمركم الله عزوجل بطاعته، لا اله الا هو، و طاعة رسوله صلي الله عليه و آله، و بطاعة اولي الأمر عليهمالسلام، فرحم الله ضعفكم و قلة صبركم عما أمامكم، فما أغر الانسان بربه الكريم [148] ، و استجاب الله تعالي دعائي فيكم، و أصلح أموركم علي يدي. فقد قال الله جل جلاله: (يوم ندعوا كل أناس بامامهم) [149] . و قال جل جلاله: (و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا) [150] . و قال الله جل جلاله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر) [151] . [ صفحه 100] فما أحب أن يدعو الله جل جلاله بي، و لا بمن هو في أيامي الا حسب رقتي عليكم، و ما انطوي لضكم عليه من حب بلوغ الأمل في الدارين جميعا، و الكينونة معنا في الدنيا و الآخرة. فقد - يا اسحاق، يرحمك الله و يرحم من هو وراءك - بينت لك بيانا، و فسرت لك تفسيرا، و فعلت بكم من لم يفهم هذا الأمر قط، و لم يدخل فيه طرفة عين، و لو فهمت الصم الصلاب بعض ما في هذا الكتاب لتصدعت قلقا و خوفا من خشية الله، و رجوعا الي طاعة الله عزوجل. فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون، ثم تردون الي عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون [152] ، و العاقبة للمتقين، و الحمدلله رب العالمين» [153] . و لابد لنا من وقفة قصيرة للنظر في أبعاد هذه الرسالة الشريفة، و بيان محتوياتها، و في ما يلي ذلك: أولا: انها أظهرت سرور الأئمة الطاهرين و فرحهم بما يسديه الله تعالي الي شيعتهم من النعم و الألطاف. ثانيا: ان من أعظم النعم و أجلها التي يتمناها الامام أبومحمد عليهالسلام لشيعته هي [ صفحه 101] الفوز بالجنة و النجاة من النار، فان من فاز بذلك فقد ظفر بالخير العميم. ثالثا: أعرب الامام عليهالسلام عن حدوث فجوة بينه و بين اسحاق و جماعته، و لم يحدث ذلك في زمانه، و انما كان في زمان أبيه الامام الهادي عليهالسلام، فقد ساءت العلاقات بينه و بين القوم، و لم تكشف المصادر التي بأيدينا أسباب ذلك، و أكبر الظن أن ذلك يستند الي ما يلي: 1- اندساس الدجالين و المخربين و ذوي الأطماع بين صفوف القوم، و افساد عقائدهم، مما نجم منه التشكيك في الأئمة عليهمالسلام، و الرد عليهم. 2- حجب الأئمة عليهمالسلام من قبل العباسيين، و قطع أي اتصال بينهم و بين شيعتهم، الأمر الذي أدي الي اشاعة بعض الأفكار المنحرفة في صفوف بعضهم، و لو كانوا علي اتصال بهم لما حدث أي شيء من ذلك. 3- دس الحكومة العباسية بعض عملائها بهدف تفريق صفوف أتباع أئمة أهلالبيت عليهمالسلام، و العبث بمقدراتهم الفكرية و الاجتماعية، و ذلك للحط من شأنهم، و فل قواهم. 4- وثمة عامل آخر أدي الي شيوع الاضطراب العقائدي بين صفوف بعض الشيعة، و هو الحسد لبعض وكلاء الامامين عليهماالسلام الذين عهد اليهم يقبض الحقوق الشرعية، و صرفها علي الفقراء و المحرومين و سائر الجهات الاصلاحية، و قد منحوا بذلك التأييد المطلق، و الثقة الكاملة من قبل الامامين، و قد عز ذلك علي بعض الشخصيات البارزة الذين لم يظفروا بمثل ذلك، مما أدي الي حسدهم، و الحسد داء وبيل ألقي الناس في شر عظيم، و أخرجهم من النور الي الظلمات، فأخذوا يعيثون فسادا في صفوف الشيعة و يفسدون عليهم عقائدهم. رابعا: نعي الامام عليهالسلام علي المنحرفين عن الحق سلوكهم في المنعطفات، و بعدهم عن المسالك الواضحة التي تضمن لهم السلامة و النجاة، فقد ضلت [ صفحه 102] عقولهم، و عميت عيونهم، و انهم في يوم حشرهم سيحشرون عمي العيون، كما كانوا في دار الدنيا. خامسا: ذكر الامام عليهالسلام أن الله تعالي أقام الحجة علي عباده و ذلك ببعثه النبيين و المرسلين و الأوصياء، فقد بلغوا أوامر الله و نواهيه، و نشروا أحكامه، فلا عذر للعباد بعد ذلك في تقصيرهم و عدم طاعتهم. سادسا: عرض الامام عليهالسلام الي أن الله لما أقام الفرائض علي العباد، و ألزمهم بها لم يكن بحاجة اليها، و انما ليميز الخبيث من الطيب، و يمتحن العباد بها، فمن أطاع فقد نجا، و من خالف فقد غرق و هوي. سابعا: و من بنود هذه الرسالة أن الله تعالي قد من علي هذه الامة بأن أرسل النبي محمدا صلي الله عليه و آله و الأوصياء من بعده بهدايته، و لولاهم لكانت هذه الامة تتيه في مساحات سحيقة من مجاهل هذه الحياة لا تعرف فرضا، و لا تفقه سنة، فما أعظم عائداتهم علي هذه الامة، بل و علي البشرية جمعاء. ثامنا: ان الله تعالي فرض لآل النبي صلي الله عليه و آله علي المسلمين فريضة مالية، و هي الخمس، و هو تشريع اقتصادي أصيل، تزدهر به الحياة الفكرية و الدينية في الاسلام، و لولاه لما استمرت المرجعية العامة، و الهيئة العلمية عند الطائفة الامامية، التي هي امتداد مشرق لرسالة الأئمة الطاهرين عليهمالسلام.. أما تفصيل الخمس، و فيما يجب، فقد عرضت لبيانه كتب الفقه الامامي. و من الجدير بالذكر أن الامام أبامحمد عليهالسلام قد بين في رسالته هذه أنه لا تحل الأزواج و الأموال، و المآكل و المشارب، من دون اخراج الخمس، و أكبر الظن أن القوم الذين عناهم الامام في رسالته ما كانوا يؤدون هذا الحق المفروض، الأمر الذي أوجب توتر العلاقات بينهم و بين الامام. و بهذا ينتهي بنا الحديث عن تحليل بعض محتويات هذه الرسالة. [ صفحه 103]
و أرسل الامام أبومحمد عليهالسلام الي شيعته من أهالي قم و آبة [154] رسالة جاء فيها: «ان الله تعالي بجوده و رأفته قد من علي عباده بنبيه محمد صلي الله عليه و آله بشيرا و نذيرا، و وفقكم لقبول دينه، و أكرمكم بهدايته، و غرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم، و أصلابكم الباقين، تولي كفايتهم، و عمرهم طويلا في طاعته، حب العترة الهادية، فمضي من مضي علي و تيرة الصواب، منهاج الصدق، و سبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، و اجتنوا ثمرات ما قدموا، و وجدوا غب ما أسلفوا. و منها: نيتنا مستحكمة، و نفوسنا الي طيب آرائكم ساكنة، القرابة الواشجة بيننا و بينكم قوية، وصية أوصي بها أسلافنا و أسلافكم، و عهد عهد الي شبابنا و مشايخكم، فلم يزل علي كل جملة كاملة من الاعتقاد، لما جمعنا الله عليه من الحال القريبة، و الرحم الماسة. يقول العالم سلام الله عليه: «المؤمن أخو المؤمن لامه و أبيه» [155] . [ صفحه 104] و لم يصل الينا تمام هذه الرسالة، و انما وصلت منها هذه القطعة، و هي تحكي مدي تعاطف الامام عليهالسلام مع هؤلاء المؤمنين الأخيار الذين تحرجوا في دينهم أشد ما يكون التحرج، فقد ترحم الامام علي أسلافهم المتمسكين بدينهم، الذين آمنوا بالاسلام، و اتبعوا ما أمر الله، ففازوا برضوان الله و مغفرته. و تعرض الامام عليهالسلام الي الصلات الوثيقة التي عقدت بين القوم و بين أئمة أهلالبيت عليهمالسلام، و هي قديمة، و قد قامت علي ايمان القوم برسالة أهلالبيت، و أهدافهم الشامخة، و لم تقم علي الأهواء و العواطف، و قد أكبر الامام عليهالسلام فيهم هذه الروح، و هذا الشعور الفياض. [ صفحه 105]
و أرسل الامام أبومحمد عليهالسلام رسالة الي الفقيه الجليل أبيالحسن علي بن الحسين ابنموسي بن بابويه القمي، وجه الشيعة، و العلم البارز في الحديث و الفقه، و سائر العلوم الاسلامية، و قد جاء فيها بعد البسملة: «اعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، و الحمدلله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و الجنة للموحدين، و النار للملحدين، و لا عدوان الا علي الظالمين، و لا اله الا الله أحسن الخالقين، و الصلاة علي خير خلقه محمد و عترته الطاهرين. أما بعد، اوصيك - يا شيخي و معتمدي و فقيهي أباالحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي، وفقلك الله لمرضاته، و جعل من صلبك أولادا صالحين برحمته - بتقوي الله، و اقام الصلاة، و ايتاء الزكاة، فانه لا يقبل الصلاة من مانع الزكاة. و اوصيك بمغفرة الذنب، و بكظم الغيظ، و صلة الرحم، و مواساة الاخوان، و السعي من حوائجهم في العسر و اليسر، و الحلم، و التفقه في الدين، و التثبت في الأمر، و التعاهد للقرآن، و حسن الخلق، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر. فان الله عزوجل قال: (لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة [ صفحه 106] أو معروف أو اصلاح بين الناس) [156] ، و اجتناب الفواحش كلها. و عليك بصلاة الليل، فان النبي صلي الله عليه و آله أوصي عليا، فقال: يا علي، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، و من استخف بصلاة الليل فليس منا. فاعمل بوصيتي، و أمر جميع شيعتي حتي يعملوا عليها. و عليك بالصبر و انتظار الفرج، فان النبي صلي الله عليه و آله قال: أفضل أعمال امتي انتظار الفرج، و لا تزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. فاصبر يا شيخي يا أباالحسن علي، و أمر جميع شيعتي بالصبر فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين [157] . و السلام عليك و علي جميع شيعتنا و رحمة الله و بركاته و حسبنا الله و نعم الوكيل، نعم المولي و نعم النصير» [158] . أما محتويات هذه الرسالة فهي كما يلي: أولا: الاشادة بمكانة الفقيه الجليل علي بن الحسين، فقد كان فذا من أفذاذ الفكر [ صفحه 107] الاسلامي في علمه و ورعه و تقواه، و يكفي في سمو منزلته ما أضفاه عليه الامام عليهالسلام من النعوت الكريمة التي تدلل علي عظيم شأنه عنده. و قد قال المترجمون له: انه كان من أجلاء فقهاء الأصحاب، و الأدلاء علي صراط آل محمد صلي الله عليه و آله الأنجاب الأطياب، غيورا في أمر الدين، مدمرا أساس الملحدين، معظما من مشايخ الشيعة، مفخما من أركان الشريعة [159] . و بلغ من وثاقته و الاعتماد عليه عند الفقهاء أنهم كانوا يأخذون بفتاواه اذا أعوزتهم النصوص، و قد نص علي ذلك الشهيد في الذكري. ثانيا: ان الامام عليهالسلام دعا له بالذرية الصالحة، و قد استجاب الله دعاءه فرزقه الشيخ الصدوق أباجعفر محمد الذي هو من أثري علماء المسلمين في فضله وجودة تأليفة، و قد أحيا الشريعة، و أبرز معالمها، و سجل آثار الأئمة الطاهرين عليهمالسلام، فما أعظم عائدته علي الاسلام. له من المؤلفات ما يربو علي الثلاثمائة [160] ، و في مقدمتها: «من لا يحضره الفقيه»، و هو من أجل الكتب المعتمدة عند فقهاء الامامية. ثالثا: ان الامام أوصي علي بن الحسين القمي باقامة الفرائض الاسلامية، و حثه علي التحلي بمكارم الأخلاق، و سمو الصفات: من كظم الغيظ، و صلة الأرحام، و مواساة الاخوان، و السعي في حوائجهم، و التفقه في الدين، و التثبت في الأمور، الي غير ذلك من الصفات الرفيعة التي ترفع الشخص الي أعلي مستويات الكمال. رابعا: انه أوصاه بانتظار الفرج الي خروج قائم آل محمد صلي الله عليه و آله الذي تزدهر الدنيا بحكمه، و ترتفع كلمة الله عالية في أيام دولته، و تسود العدالة الاجتماعية بجميع رحابها في سلطانه الذي هو امتداد لحكومة جده الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، هذه بعض محتويات رسالة الامام عليهالسلام. [ صفحه 108]
و كتب اليه بعض شيعته يعرفه باختلاف الشيعة، فأجابه الامام عليهالسلام برسالة جاء فيها: «و انما خاطب الله عزوجل العاقل و ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين و سيد المرسلين، فقالوا: ساحر و كاهن و كذاب، و هدي الله من اهتدي، غير أن الأدلة يسكن اليها كثير من الناس، و ذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم، و يمنع فنصمت، و لو أحب أن لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين و منذرين، فصدعوا بالحق في حال الضعف و القوة، و ينطقون في أوقات ليقضي الله أمره و ينفذ حكمه. الناس في طبقات شتي: فالمستبصر علي سبيل نجاة، متمسك بالحق، متعلق بفرع أصل غير شاك و لا مرتاب، و لا يجد عنسه ملجأ. و طبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، و يسكن عند سكونه. و طبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد علي أهل الحق، و دفع الحق بالباطل حسدا من عند أنفسهم، فدع من ذهب يمينا و شمالا، [ صفحه 109] فالراعي اذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون السعي. ذكرت ما اختلف فيه موالي، فاذا كانت الوصية و الكبر فلا ريب، و من جلس مجالس الحكم فهو أولي بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت، و اياك و الاذاعة، و طلب الرئاسة، فانهما يدعوان الي الهلكة. ذكرت شخوصك الي فارس، فأشخص خار الله لك و تدخل مصر ان شاء الله آمنا، واقرء من تثق به من موالي السلام، و مرهم بتقوي الله العظيم، و أداء الأمانة، و أعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا» [161] . تحدث الامام عليهالسلام في هذه الرسالة عن اختلاف الناس في أمره، فبين أنهم علي ثلاثة أنواع، و هم: 1- الطبقة المؤمنة و المتبصرة في دينها، و الواعية لأهداف الامامة، و هي تتمسك بالامام عليهالسلام، كما كانت تتمسك بآبائه، لا تعتريها و لا يخالجها شك في أمره. 2- الطبقة الضعيفة، و هي التي لم تتبصر في دينها، و لم تأخذ الحق من أهله و معدنه، و هي التي تمثل الأكثرية الساحقة في المجتمع، و هي تخضع للأهواء و العواطف، فلا تصمد أمام الأحداث، و تلونها التيارات كيفما شاءت. 3- الطبقة المنحرفة و الضالة عن الطريق، و هي التي استحوذ عليها الشيطان فأنساها ذكر الله العظيم، و هي بالطبع تعادي الامام عليهالسلام و ترد عليه، كما ردت علي آبائه، ثم ان الامام دعا الي الاستقامة، و عدم الانحراف الي اليمين و اليسار، [ صفحه 110] كما أوصي عليهالسلام بكتمان أمر الامامة، و عدم اذاعتها خوفا من السلطة العباسية العاتية التي جهدت في محاربة أهلالبيت، و التنكيل بشيعتهم. و حذر الامام عليهالسلام في الفصل الأخير من رسالته من طلب الرئاسة لأنها توجب الهلكة و تجر الويلات و الدمار لمن طلبها. [ صفحه 111]
و أرسل الامام رسالة الي شخص من شيعته، و قد أبدي فيها أسفه البالغ علي ما مني به من بعض غوغاء الشيعة من الذين ضلوا عن الطريق، و انحرفوا عن الحق، و هذا نصها: «ما مني أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة في، فان كان هذا الأمر أمرا اعتقدتموه، ودنتم به الي وقت ثم ينقطع، فللشك موضع، و ان كان متصلا ما اتصلت امور الله، فما معني الشك» [162] . لقد امتحن الامام عليهالسلام كأشد ما يكون الامتحان في أمر هؤلاء الغوغاء الذين زاغت ضمائرهم، و استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، فشككوا في امامة الامام أبيمحمد عليهالسلام. و من البديهي أنه لا مجال للشك في ذلك لأن الامامة - كما يقول الامام - ان كانت مؤقتة و محدودة الي وقت، و انتهي الوقت الي زمن امامة الامام أبيمحمد، فان للشك موضعا، الا أنها ليست كذلك، و انما هي متصلة الي الامام المهدي عليهالسلام حسب ما تظافرت الأخبار بذلك. و بعد هذا، فما معني الشك؟ ان اندساس القوي المعادية لأهل البيت في صفوف الشيعة هو الذي أوجب هذا التذبذب العقائدي عند بعضهم. [ صفحه 112]
و أرسل الامام عليهالسلام الي عبدالله بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية: «و بعد: فقد بعثت لكم ابراهيم بن عبده ليدفع اليه النواحي، و أهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم اليه، و جعلته ثقتي و أميني عند موالي هناك، فليتقوا الله، و ليراقبوا، و ليؤدوا الحقوق، فليس لهم عذر في ترك ذلك و لا تأخيره، و لا أشقاكم الله بعصيان أوليائه، و رحمهم الله و اياك معهم برحمتي لهم، ان الله واسع كريم» [163] . لقد أقام الامام عليهالسلام في المناطق التي تدين بامامته وكلاء من العلماء الأخيار، و عهد اليهم بقبض الحقوق الشرعية، و حملها اليه أو انفاقها في سبل الخير و الصلاح. [ صفحه 113]
و كان الامام عليهالسلام قد أقام ابراهيم بن عبده وكيلا عنه في قبض الحقوق الشرعية، و صرفها في اقامة دعائم الدين، و صلة المحتاجين، و قد زوده برسالة أشاد فيها بمكانة ابراهيم و وثاقته، و قد سئل عن تلك الرسالة هل هي بخطه. فأجاب عليهالسلام: «و كتابي الذي ورد علي ابراهيم بن عبدة بتوكيلي اياه بقبض حقوقي من موالينا هناك. نعم، هو كتابي بخطي اليه، أقمته لهم ببلدهم حقا غير باطل، فليتق الله حق تقاه، و ليخرجوا من حقوقي، و ليدفعوها اليه، فقد جوزت له ما يعمل به فيها، وفقه الله، و من عليه بالسلامة من التقصير» [164] . لقد أقر الامام وكالته لابراهيم، و أوصاه بتقوي الله و طاعته، و ألزم شيعته بدفع الحقوق المفروضة عليهم اليه. [ صفحه 114]
و بعث الامام أبومحمد عليهالسلام الرسالة التالية الي بعض مواليه، و قد نعي فيها ما هم فيه من الاختلال و الفرقة و الانحراف عن الدين، و هذا نصها بعد البسلمة: «استوهب الله لكم زهادة في الدنيا، و توفيقا لما يرضي، و معونة علي طاعته، و عصمة عن معصيته، و هداية من الزيغ و كفاية، فجمع لنا و لأوليائنا خير الدارين. أما بعد: فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم، و تشتيت أهوائكم، و نزع الشيطان، حتي أحدث لكم الفرقة و الالحاد في الدين، و السعي في هدم ما مضي عليه أوائلكم من اشادة دين الله، و اثبات حق أوليائه، و أمالكم الي سبيل الضلالة، و صد بكم عن قصد الحق، فرجع أكثركم القهقري علي أعقابكم، تنكصون كأنكم لم تقرأوا كتاب الله جل و عز، و لم تعوا شيئا من أمره و نهيه، و لعمري لئن كان الأمر في اتكال سفهائكم علي أساطيرهم لأنفسهم و تأليفهثم روايات الزور بينهم لقد حقت كلمة العذاب عليهم، و لئن رضيتم بذلك منهم و لم تنكروه بأيديكم و ألسنتكم و قلوبكم و نياتكم، انكم شركاؤهم في ما اجترحوه من الافتراء علي الله تعالي، و علي رسوله، و علي ولاة الأمر من بعده، و لئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل الزبد في دعواهم، و لا المغيرة في [ صفحه 115] اختلافهم، و لا الكيسانية في صاحبهم، و لا من سواهم من المنتحلين و المنحرفين عنا، بل أنتم شر منهم قليلا و ما شيء يمنعني من وسم، و الباطل فيكم بدعوة تكونوا شامة لأهل الحق الا انتظار فيئهم، و سيق أكثرهم الي أمر الله الا طائفة لو لسميتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، و من نسي ذكر الله تبرأ منه، فسيصليه جهنم و ساءت مصيرا. و كتابي هذا حجة عليهم، و حجة لغائبكم علي شاهدكم، الا من بلغه فأدي الأمانة، و أنا أسأل الله أن يجمع قلوبكم علي الهدي، و يعصمكم بالتقوي، و يوفقكم للقول بما يرضي. و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته» [165] . و صعد الامام عليهالسلام آهاته علي ما مني به بعض مواليه من الاختلاف و التفرق و الانحراف عن الدين، و يعود السبب في ذلك الي أن هؤلاء الغوغاء لم يعتنفوا الاسلام عن وعي عميق مدعم بالأدلة الحاسمة، و انما أخذوا بعض طقوسه عن تقليد لآبائهم، و أقل شبهة تعرض لهم، فانهم ينكصون علي الأعقاب. لقد عمدت القوي الباغية علي الاسلام علي افساد الموالي من شيعة الامام عليهالسلام و تضليلهم، و قد افتعلوا في سبيل ذلك الروايات الكاذبة التي تدعم أفكارهم الفاسدة، و لا سبيل لالتقاء الامام بهم ليقوم برد تلك الشبه، و تنوير الأفكار بنور الحق، و ذلك بسبب ما فرض عليه من الاقامة الجبرية من سامراء، و كان ذلك من أعظم المحن التي واجهها في حياته. [ صفحه 116]
و أرسل الامام أبومحمد عليهالسلام الي بعض مواليه هذه الرسالة، و قد جاء فيها بعد البسملة: «كل مقدور كائن، فتوكل علي الله جل و عز يكفك، وثق به لا يخيبك، و شكوت أخاك فاعلم يقينا أن الله جل و عز لا يعين علي قطيعة رحم، و هو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم، و من بغي عليه لينصرنه الله، ان الله قوي عزيز. و سألت الدعاء ان الله جل و عز لك حافظ و ناصر و ساتر، و أرجو من الله الكريم الذي عرفك من حقه، و حق أوليائه ما عمي عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك، انه ولي حميد» [166] . لقد دعا الامام عليهالسلام الي التوكل علي الله، و الثقة به، فانه لا يخيب من التجأ اليه، و اتكل عليه، كما لامه الامام للشكوي من أخيه؛ لأن الله تعالي لا يعين علي قطيعة رحم، ثم دعا له الامام أن يديم الله عليه نعمه و ألطافه و لا يزيلها عنه. [ صفحه 117]
و رفع بعض الشيعة الي الامام عليهالسلام رسالة يستغيث فيها من ظالم ظلمه، و اعتدي عليه. فأجابه عليهالسلام بما يلي: «نحن نستكفي بالله جل و عز في هذا اليوم من كل ظالم و باغ و حاسد، و ويل لمن قال ما يعلم الله جل و عز خلافه، ماذا يلقي من ديان يوم الدين! فان الله جل و عز للمظلومين ناصر و عضد، فثق به جل ثناؤه، و استعن به يزل محنتك، و يكفك شر كل ذي شر، فعل الله ذلك بك، و من علينا فيك، انه علي كل شيء قدير، و استدرك الله كل ظالم في هذه الساعة، ما أحد ظلم و بغي فأفلح، الويل لمن أخذته أصابع المظلومين، فلا تغتم، وثق بالله، و توكل عليه، فما أسرع فرجك، و الله عزوجل مع الذين صبروا و الذين هم محسنون» [167] . شجب الامام عليهالسلام في رسالته الظلم و البغي و الحسد، و استجار بالله من كل ظالم و باغ و حاسد، فانه تعالي عون للمظلومين، و سند لهم، و هو القادر علي ازالة الظلم، و انزال أقصي العقوبة بالمعتدين و الظالمين. و بهذا ينتهي بنا المطاف حول بعض رسائله، و هي تمثل الأحداث التي جرت في عصره. [ صفحه 121]
و أثرت عن الامام أبيمحمد عليهالسلام كوكبة من غررالحكم، و بدائع الأفكار، و هي من ذخائر الآداب الاسلامية، و قد عالجت مختلف القضايا الاجتماعية و التربوية، و نرفع الي القراء طاقات معطرة منها:
لقد أشاد الامام عليهالسلام بفضل أهلالبيت عليهمالسلام الذين هم مصدر الوعي و الايمان في الاسلام. قال عليهالسلام: «قد صعدنا ذري الحقائق بأقدام النبوة و الولاية، و نورنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغي، و غيوث الندي، و فينا السيف و القلم في العاجل، و لواء الحمد و العلم في الآجل، و أسباطنا خلفاء الدين، و حلفاء اليقين، و مصابيح الامم، و مفاتيح الكرم، فالكريم لبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، و روح القدس في جنان الصاقورة [168] ، ذاق من حدائقنا الباكورة [169] ، و شيعتنا الفئة الناجية، [ صفحه 122] و الفرقة الزاكية، صاروا لنا رداء و صونا، و علي الظلمة البا و عونا. و سينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظي النيران، لتمام الرواية، و الغواشي من السنين». و علق الشيخ المجلسي قدس سره علي هذه الكلمات المشرقة بقوله: «هذه حكمة بالغة، و نعمة سابغة، تسمعها الآذان الصم، و تعصر عليها الجبال الشم، صلوات الله عليهم و سلامه» [170] . ان الأئمة أهلالبيت عليهمالسلام منزلة كريمة عندالله، فقد آتاهم من العلم و الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين، و جعلهم الأدلاء علي مرضاته، و القادة الي طاعته، فهم جميعا مصابيح الامم، و مفاتيح الكرم. هذا في الدنيا. و أما في الآخرة فهم السادة الشفعاء، و حملة لواء الحمد، قد منحهم الله الفردوس الأعلي يتبوؤون فيه حيث ما يشاؤون. و حفل كلامه بالثناء علي الشيعة، و تنبأ أن لهم السيادة و الحكم بعد لظي النيران، و أن ذلك بعد خروج الامام المهدي عليهالسلام.
و زود الامام عليهالسلام شيعته بهذه الوصية الحافلة بالنصائح الرفيعة، و المواعظ الحسنة، و هذا نصها: «اوصيكم بتقوي الله، و الورع في دينكم، و الاجتهاد لله، و صدق الحديث، و أداء الأمانة الي من ائتمنكم من بر أو فاجر، و طول السجود، [ صفحه 123] و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه و آله. صلوا في عشائرهم، و اشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه، و صدق في حديثه، و أدي الأمانة، و حسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك. اتقوا الله، و كونوا زينا، و لا تكونوا شينا، جروا الينا كل مودة، و ارفعوا عنا كل قبيح، فانه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، و ما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله، و قرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله، و تطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا الا كذاب. أكثروا ذكر الله، و ذكر الموت، و تلاوة القرآن، و الصلاة علي النبي صلي الله عليه و آله، فان في الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه و آله عشر حسنات. احفظوا ما وصيتكم به، و أستودعكم الله، و أقرأ عليكم السلام» [171] . حفلت هذه الوصية بروائع التربية الاسلامية التي تزدهر بها شخصية الانسان المسلم، و ترفعه الي ذروة الفضيلة و الكمال، فقد أوصي شيعته بالتحلي بما يلي: 1- تقوي الله. 2- الورع عن محارم الله. 3- صدق الحديث. 4- أداء الأمانة. [ صفحه 124] 5- حسن الجوار. 6- حسن السلوك، و طيب المعاشرة مع الطوائف الاسلامية، و الاندماج معها، ليكون الشيعي بذلك انموذجا رائعا للقيم الاسلامية، و تجسيدا حيا لمبادئ أهل البيت عليهمالسلام. 7- الاكثار من ذكر الله، و ذكر الموت، فانهما خير ضمان لسلامة الانسان من السلوك في منعطفات التيه، و سبل الضلال. 8- تلاوة القرآن الكريم. و من الطبيعي أن يكون ذلك بتمعن، فتزكو النفس، و تخلق فيها طاقات ندية من الوعي و الايمان. هذه بعض محتويات وصيته عليهالسلام.
و زود الامام عليهالسلام بعض أصحابه بهذه النصيحة القيمة، و الحكمة البالغة. قال عليهالسلام: «ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك، فان لكل يوم رزقا جديدا، و اعلم أن الالحاح في المطالب يسلب البهاء، و يورث التعب و العناء، فاصبر حتي يفتح الله لك بابا يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنيع من الملهوف، و الأمن من الهارب، فربما كانت الغير نوع من أدب الله، و الحظوظ مراتب، فلا تعجل علي ثمرة لم تدرك، و انما تنالها في أوانها. و اعلم أن المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لك فيه، فثق بخيرته [ صفحه 125] في جميع امورك يصلح حالك، و لا تعجل بحوائجك قبل وقتها، و يضيق قلبك و صدرك، و يغشاك القنوط. و اعلم أن للحياء مقدارا، فان زاد علي ذلك فهو ضعف، و للجود مقدارا، فان زاد علي ذلك فهو سرف، و للاقتصاد مقدارا، فان زاد فهو بخل، و للشجاعة مقدارا، فان زاد فهو التهور» [172] . ما أعظم هذه الحكم الخالدة التي حوت كل ما يسمو به الانسان من القيم و قواعد الأخلاق، و كان من بينها ما يلي: 1- تحمل الضيق، و الترفع عن مسألة الغير، فانها توجب الذل و الهوان. 2- التحذير من الالحاح في طلب الحاجة، فان ذلك مما يوجب سلب البهاء. 3- النهي عن العجلة التي تؤدي في كثير من الأحيان الي المضاعفات السيئة، و ينبغي التروي في الامور، و ابكالها الي الله تعالي فهو المدبر. 4- عدم الزيادة في الحياء علي القدر المتعارف؛ لأنه ينم عن ضعف الشخصية و خورها. 5- ان للكرم حدا بما هو المتعارف بين الناس، فان زاد عليه فهو تبذير و اسراف. 6- ان للاقتصاد في معيشة الانسان حدا، فاذا تجاوز ذلك و قتر علي نفسه، و ضيق علي ماله، فهو البخل. 7- ان للشجاعة مقدارا، فاذا تجاوز الانسان ذلك فيكون متهورا و مذموما. [ صفحه 126]
كان الامام أبومحمد عليهالسلام يعظ أصحابه، و يذكرهم الدار الآخرة، و يحذرهم من فتن الدنيا و غرورها. و من وعظه: «انكم في آجال منقوصة، و أيام معدودة، و الموت يأتي بغتة. من يزرع خيرا يحصد غبطة، و من يزرع شرا يحصد ندامة. لكل زارع ما زرع. لا يسبق بطيء بحظه، و لا يدرك حريص ما لم يقدر له. من اعطي خيرا فالله أعطاه، و من وقي شرا فالله وقاه» [173] . و حكت هذه الكلمات واقع الحياة، فان الانسان - كما يقول الامام عليهالسلام - أيامه معدودة لا يتجاوزها، و لا ينقصها، و الموت يأتيه بغتة، و الجدير بمن كان هذا حاله أن لا يغتر، و لا يتطاول علي غيره، وليكن علي يقين أنه يجازي بعمله، ان خيرا فخير، و ان شرا فشر.
و دعا الامام عليهالسلام الي التفكر في أمر الله الهادف الي الايمان. قال عليهالسلام: «ليست العبادة كثرة الصيام و الصلاة، و انما العبادة كثرة التفكر في أمر الله» [174] . لقد وضع الامام عليهالسلام في أحاديثه القواعد التي يرتكز عليها الايمان بالله، و من أهمها التمعن في أمر الله، و النظر في بدائع صنعه، فان ذلك مما يدفع الي الايمان [ صفحه 127] المطلق بالخالق العظيم.
سأله جعفر بن محمد بن حمزة العلوي عن الحكمة في تشريع الصوم. فأجابه عليهالسلام: فرض الله تعالي الصوم ليجد الغني مس الجوع فيحنو علي الفقير [175] . لقد تحدث الامام عليهالسلام عن الحكمة في تشريع الصوم بأوجز كلمة، و أبلغ بيان، فالصوم يدفع الغني الي اسعاف الفقير، و البر به، بالاضافة الي ما يترتب عليه من روحانية و فوائد صحية هائلة.
و ذم الامام عليهالسلام المنافق، فقال: «بئس العبد عبد يكون ذا وجهين، و ذا لسانين، يطري أخاه شاهدا، و يأكله غائبا. ان اعطي حسده، و ان ابتلي خذله» [176] . ان النفاق يجعل صاحبه كذابا و خائنا و غادرا، كما يجعله بعيدا كل البعد عن كل حق و صواب، و من مظاهر خبثه أنه يتوصل بالنفاق الي أطماعه غير المشروعة.
و تحدث الامام عليهالسلام عن حب الأبرار، و بغض الفجار لهم، فقال: «حب الأبرار [ صفحه 128] للأبرار فضيلة للأبرار، و بغض الفجار للأبرار زين للأبرار، و بغض الأبرار للفجار خزي للفجار» [177] .
و اثرت عن الامام أبيمحمد عليهالسلام كوكبة من بدائع الحكم القصار، و هذه بعضها: 1- قال عليهالسلام: «اذا كان المقضي كائنا، فالضراعة لماذا؟» [178] . ان الامور اذا كانت تسير بمشيئة الله و ارادته التي هي كائنة حقا، فما الداعي لأن يضرع للانسان لغيره. 2- قال عليهالسلام: «المؤمن بركة علي المؤمن، و حجة علي الكافر» [179] . 3- قال عليهالسلام: «قلب الأحمق في فمه، و فم الحكيم في قلبه» [180] . 4- قال عليهالسلام: «الغضب مفتاح كل شر» [181] . 5-قال عليهالسلام: «أقل الناس راحة الحقود» [182] . 6- قال عليهالسلام: «أورع الناس من وقف عند الشبهة. أعبد الناس من أقام علي [ صفحه 129] الفرائض. أزهد الناس من ترك الحرام. أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب» [183] . 7- قال عليهالسلام: «لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض» [184] . 8- قال عليهالسلام: «من تعدي في ظهوره كان كناقضه» [185] . 9- قال عليهالسلام: «ما ترك الحق عزيز الا ذل، و لا أخذ به ذليل الا عز» [186] . 10- قال عليهالسلام: «صديق الجاهل تعب» [187] . 11- قال عليهالسلام: «خصلتان ليس فوقهما شيء: الايمان بالله، و نفع الاخوان» [188] . 12- قال عليهالسلام: «جرأة الولد علي والده في صغره تدعو الي العقوق في كبره» [189] . 13- قال عليهالسلام: «ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون» [190] . 14- قال عليهالسلام: «خير من الحياة ما اذا فقدته أبغضت الحياة، و شر من الموت ما اذا نزل بك أحببت الموت» [191] . 15- قال عليهالسلام «رياضة الجاهل، ورد المعتاد عن عادته كالمعجز» [192] . [ صفحه 130] 16- قال عليهالسلام: «التواضع نعمة لا يحسد عليها» [193] . 17- قال عليهالسلام: «لا تكرم الرجل بما يشق عليه» [194] . 18- قال عليهالسلام: «من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظه علانية فقد شانه» [195] . 19- قال عليهالسلام: «ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله» [196] . 20- قال عليهالسلام: «كفاك أدبا تجنبك ما تكره من غيرك» [197] . 21- قال عليهالسلام: «احذر كل ذكي ساكن الطرف» [198] . 22- قال عليهالسلام: «لو عقل أهل الدنيا خربت» [199] . 23- قال عليهالسلام: «أضعف الأعداء كيدا من أظهر عداوته» [200] . 24- قال عليهالسلام: «خير اخوانك من نسي ذنبك، و ذكر احسانك اليه» [201] . 25- قال عليهالسلام: «حسن الصورة جمال ظاهر، و حسن العقل جمال باطن» [202] . 26- قال عليهالسلام: «من أنس بالله استوحش من الناس» [203] . [ صفحه 131] 27- قال عليهالسلام: «من لم يتق وجوه الناس لم يتق الله» [204] . 28- قال عليهالسلام: «جعلت الخبائث في بيت، و الكذب مفاتيحها» [205] . 29- قال عليهالسلام: «اذا نشطت القلوب فأودعوها، و اذا نفرت فودعوها» [206] . 30- قال عليهالسلام: «اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره» [207] . 31- قال عليهالسلام: «الجهل خصم، و الحلم حكم، و لم يعرف راحة القلوب من لم يجرعه الحلم غصص الصبر و الغيظ» [208] . 32- قال عليهالسلام: «نائل الكريم يحببك اليه، و نائل اللئيم يضعك لديه» [209] . 33- قال عليهالسلام: «من كان الورع سجيته، و الافضال حليته، انتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه، و تحصن بالذكر الجميل من وصول نقص اليه» [210] . 34- قال عليهالسلام: «من مدح غير المستحق فقد قام مقام المتهم» [211] . 35- قال عليهالسلام: «لا يعرف النعمة الا الشاكر، و لا يشكر النعمة الا العارف» [212] . [ صفحه 132] 36- قال عليهالسلام: «السهر ألذ للمنام، و الجوع أزيد في طيب الطعام» [213] . 37- قال عليهالسلام: «ان الوصول الي الله عزوجل سفر لا يدرك الا بامتطاء الليل» [214] . 38- قال عليهالسلام: «من لم يحسن أن يمنع لم يحسن أن يعطي» [215] . 39- قال عليهالسلام: «لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه، و لا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه، فانما قلب غيرك لك كقلبك له» [216] . 40- قال عليهالسلام: «من الجهل الضحك من غير عجب» [217] . 41- قال عليهالسلام: «ان لكلام الله فضلا علي الكلام كفضل الله علي خلقه، و لكلامنا فضل علي كلام الناس كفضلنا عليهم» [218] . 42- قال عليهالسلام: «من التواضع السلام علي كل من تمر به، و الجلوس دون شرف المجلس» [219] . 43- قال عليهالسلام: «أولي الناس بالمحبة منهم من أملوه» [220] . 44- قال عليهالسلام: «من الفواقر [221] التي تقصم الظهر جار ان رأي حسنة أطفأها، [ صفحه 133] و ان رأي سيئة أفشاها» [222] . 45- قال عليهالسلام: «بسم الله الرحمن الرحيم أقرب الي اسم الله الأعظم من سواد العين الي بياضها» [223] . 46- قال عليهالسلام: «لا تمار فيذهب بهاؤك، و لا تمازح فيجترأ عليك» [224] . 47- قال عليهالسلام: «من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله و ملائكته يصلون عليه حتي يقوم» [225] . 48- قال عليهالسلام: «الاشراك في الناس أخفي من دبيب النمل علي المسح الأسود في الليلة المظلمة» [226] . 49- قال عليهالسلام: «للقلوب خواطر من الهوي، و العقول تزجر، و تزاد في التجارب علما مستأنفا، و الاعتبار يفيد الرشاد» [227] . 50- قال عليهالسلام: «المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة، و الأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره و المطالبة. تذلل للمقادير نفسك، و اعلم أنك غير نائل بالحرص الا ما كتب لك» [228] . [ صفحه 137]
لقد اهتم أئمة أهلالبيت عليهمالسلام اهتماما بالغا بتفسير القرآن الكريم، فكل واحد منهم هو صاحب مدرسة في التفسير، و من المقطوع به أنهم أدري بما في القرآن الكريم، و أعلم بعمومه و خصوصه، و مطلقه و مقيده و ناسخه و منسوخه، و كان سيد العترة الطاهرة الامام أميرالمؤمنين عليهالسلام أعلم من سائر الصحابة بحقائق القرآن و دقائقه، و محكمه و متشابهه، و يعلم وقت نزول آياته حسبما صرح به عليهالسلام. أما الامام أبومحمد الحسن العسكري عليهالسلام فكان من أئمة المفسرين، و قد اثر عنه تفسير خاص عرف بتفسير الامام العسكري، و قبل أن نتحدث عنه نلمح الي كوكبة من الآيات الكريمة التي فسرها، و في ما يلي ذلك: 1- قال أبوهاشم: «كنت عند أبيمحمد عليهالسلام فسأله ابنصالح الأرمني عن قول الله تعالي: (و اذ أخذ ربك من بنيآدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا) [229] . قال الامام أبومحمد عليهالسلام: ثبتت المعرفة، و نسوا ذلك الموقف و سيذكرونه، و لولا ذلك لم يدر أحد من خالقه و لا من رازقه. قال أبوهاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطي الله وليه، و جزيل ما حمله، فأقبل أبومحمد علي، فقال: الأمر أعجب مما عجبت منه يا أباهاشم [ صفحه 138] و أعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، و من أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن الا و هو بهم مصدق، و بمعرفتهم موقن» [230] . 2- روي سفيان بن محمد الصيفي، قال: «كتبت الي أبيمحمد عليهالسلام أسأله عن الوليجة و هو قول الله عزوجل: (و لم يتخذوا من دون الله و لا رسوله و لا المؤمنين وليجة) [231] ، و قلت في نفسي لا في الكتاب من يري المؤمن هاهنا. فرجع الجواب: الوليجة التي تقام دون ولي الأمر، و حدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع، فهم الأئمة الذين يؤمنون علي الله، فنحن اياهم» [232] . 3- سأل محمد بن صالح الأرمني الامام أبامحمد عن قول الله عزوجل: (يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب) [233] . فقال الامام عليهالسلام: هل يمحو الله الا ما كان، و هل يثبت الا ما لم يكن. تعالي الجبار العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق اذ لا مخلوق، و الرب اذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه. و انبري محمد بن صالح، فقال: أشهد أنك حجة الله و وليه، و انك علي منهاج الحق الامام أميرالمؤمنين» [234] . 4- سأل محمد بن صالح الأرمني الامام أبامحمد عليهالسلام عن قول الله عزوجل: (لله الأمر من قبل و من بعد) [235] . [ صفحه 139] فقال الامام أبومحمد عليهالسلام: له الأمر من قبل أن يأمر به، و له الأمر من بعد أن يأمر بما يشاء. فقلت في نفسي: هذا قول الله: (ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين) [236] . فنظر الي الامام و تبسم، ثم قال: له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين» [237] . 5- روي الثقة الأمين أبوهاشم الجعفري، قال: «كنت عند أبيمحمد عليهالسلام فسألته عن قول الله عزوجل: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن الله) [238] . فقال عليهالسلام: «انها وردت في آل محمد صلي الله عليه و آله، فالظالم لنفسه الذي لا يقر بالامام، و المقتصد العارف بالامام، و السابق بالخيرات باذن الله الامام عليهالسلام. قال أبوهاشم: «فدمعت عيناي و جلعت أفكر في نفسي ما أعطي الله آل محمد صلي الله عليه و آله. فنظر الي الامام و قال: عظم ما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكا بحبهم، تدعي يوم القيامة بهم اذا دعي كل انسان بامامه، فأبشر يا أباهاشم، فانك علي خير» [239] . و نكتفي بهذه النماذج اليسيرة من تفسيره لبعض الآيات الكريمة.
و نسب الي الامام أبيمحمد عليهالسلام التفسير المسمي ب (تفسير العسكري)، و قد [ صفحه 140] حامت حوله الظنون، و احتفت به الشكوك، فأثبته قوم أنه له و نفاه عنه آخرون، و لا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر و التأمل فيه.
اعتمد علي هذا التفسير جماعة من كبار علماء الامامية، و آمنوا بصحة نسبته الي الامام أبيمحمد عليهالسلام، و في ما يلي بعضهم: 1- الشيخ الصدوق. 2- الشيخ الطبرسي. 3- المحقق الكركي. 4- الشهيد الثاني. 5- محمدتقي المجلسي. 6- ابن شهر آشوب. 7- المحقق آقا بزرگ [240] . فهؤلاء الأعلام لم يشكوا في نسبة هذا التفسير الي الامام، و أرسلوا نسبته اليه ارسال المسلمات.
أما سند هذا التفسير و بعض الخصوصيات فقد تصدر الكتاب، و هذا نصه: «قال محمد بن علي بن محمد بن جعفر بن دقاق: حدثني الشيخان الفقيهان: أبوالحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، و أبومحمد جعفر بن محمد بن علي [ صفحه 141] القمي، قالا: حدثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي رضي الله عنه، قالا: أخبرنا أبوالحسن محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي الخطيب رحمه الله، قال: حدثني أبويعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبوالحسن علي بن محمد بن سيار - و كانا من الشيعة الامامية -، قالا: كان أبوانا اماميين، و كانت الزيدية هم الغالبون في استراباذ [241] ، و كنا في امارة الحسن بن زيد العلوي الملقب بالداعي الي الحق، امام الزيدية [242] ، و كان كثير الاصغاء اليهم يقتل الناس بسعاياتهم، فخشيناهم علي أنفسنا. فخرجنا بأهالينا الي حضرة الامام أبيمحمد الحسن بن علي بن محمد أبيالقائم عليهالسلام، و أنزلنا عيالاتنا في بعض الخانات، ثم استأذنا علي الامام الحسن بن علي، فلما رآنا قال: مرحبا بالآويين الينا، الملتجئين الي كنفنا، قد تقبل الله سعيكما، و آمن روعتكما، و كفا كما أعداءكما، فانصرفا آمنين علي أنفسكما و أموالكما. فعجبنا من قوله ذلك لنا مع أنا لم نشك في صدق مقاله، فقلنا: فماذا تأمرنا أيها الامام أن تصنع في طريقنا الي أن ننتهي الي بلد خرجنا منه هناك، و كيف ندخل ذلك البلد و منه هربنا، و طلب سلطان البلد لنا حثيث، و وعيده ايانا شديد؟ فقال عليهالسلام: خلفا علي ولديكما هذين لأفيدهما العلم الذي يشرفهما الله تعالي به، ثم لا تحفلا بالسعاة، و لا بوعيد المسعي اليه، فان الله عزوجل يقصم السعاة، و يلجئهم الي شفاعتكم فيهم عند من قد هربتم منه. قال أبويعقوب و أبوالحسن: فائتمروا لما امرا و قد خرجا، و خلفانا هناك، فكنا نختلف اليه، فيتلقانا ببر الآباء، و ذوي الأرحام الماسة. [ صفحه 142] فقال لنا ذات يوم: اذا أتاكما خبر كفاية الله عزوجل أبويكما و اخزائه أعداءهما، و صدق وعدي اياهما جعلت من شكر الله عزوجل أن أفيدكما تفسير القرآن، مشتملا علي بعض أخبار آل محمد صلي الله عليه و آله، فيعظم الله تعالي بذلك شأنكما. قالا: ففرحنا، و قلنا: يابن رسول الله، فاذا نأتي علي جميع علوم القرآن و معانيه؟ قال عليهالسلام: كلا ان الصادق علم ما اريد أن اعلمكما بعض أصحابه. ففرحا بذلك و قالا: يابن رسول الله، قد جمعت علوم القرآن كله؟ فقال عليهالسلام: قد جمعت خيرا كثيرا، و اوتيت فضلا واسعا، ولكنه مع ذلك أقل قليل من أجزاء علم القرآن. ان الله عزوجل يقول: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) [243] . و يقول: (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) [244] . و هذا علم القرآن و معانيه، و ما اودع من عجائبه، فكيف تري [245] مقدار ما أخذته من جميع هذا القرآن. قالا: ولكن القدر الذي أخذته قد فضلك الله تعالي به علي كل من لا يعلم كعلمك، و لا يفهم كفهمك. قالا: فلم نبرح من عنده حتي جاءنا فيج [246] قاصدا من عند أبوينا بكتاب، يذكر فيه أن الحسن بن زيد العلوي قتل رجلا بسعاية اولئك الزيدية، و استصفي ماله، [ صفحه 143] ثم أتته الكتب من النواحي و الأقطار المشتملة علي خطوط الزيدية بالعذل الشديد و التوبيخ العظيم، يذكر فيها أن ذلك المقتول كان أفضل زيدي علي ظهر الأرض، و أن السعاة قصدوه لفضله و ثروته، فتنكر لهم، و أمر بقطع آنافهم و آذانهم، و أن بعضهم قد مثل به ذلك، و آخرين قد هربوا، و أن العلوي ندم و استغفر، و تصدق بالأموال الجليلة بعد أن رد أموال ذلك المقتول علي ورثته، و بذل لهم أضعاف دية وليهم المقتول و استحلهم. فقالوا: أما الدية فقد أحللناك منها، و أما الدم فليس الينا، انما هو الي المقتول، و الله الحاكم، و أن العلوي نذر الله عزوجل أن لا يتعرض للناس في مذاهبهم، و في كتاب أبويهما أن الداعي الي الحق الحسن بن زيد قد أرسل الينا بعض ثقاته بكتابه و خاتمه بأمانه لنا، و ضمن لنا رد أموالنا، و جبر النقص الذي لحقنا فيها، و انا صائران الي البلد، و متنجزان ما وعدنا. فقال الامام: ان وعد الله حق. فلما كان اليوم العاشر جاءنا كتاب أبوينا أن الداعي الي الحق قد وفي لنا بجميع عداته، و أمر لنا بملازمة الامام العظيم البركة، الصادق الوعد. فلما سمع الامام عليهالسلام بهذا قال: هذا حين انجازي ما وعدتكما من تفسير القرآن. ثم قال عليهالسلام: قد وظفت لكما كل يوم شيئا منه تكتبانه، فالزماني. و واظبا علي يوفر الله تعالي من السعادة حظوظكما. فأول ما أملي علينا أحاديث في فضل القرآن و أهله، ثم أملي علينا التفسير بعد ذلك، فكتبنا في مدة مقامنا عنده، و ذلك لسبع سنين نكتب في كل يوم منه مقدار ما ننشط له» [247] . [ صفحه 144]
و تواجه هذا التفسير عدة من المؤاخذات، و هي: أولا: انه مني بضعف السند، فقد جاء في طريقه محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي، و هو ضعيف. قال ابنالغضائري: «محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي روي عنه أبوجعفر ابنبابويه: ضعيف، كذاب. روي عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين، أحدهما يعرف بيوسف بن محمد بن زياد، و الآخر علي بن محمد بن سيار، عن أبيهما، عن أبيالحسن الثالث عليهالسلام، و التفسير موضوع عن سهل الديباجي، عن أبيه» [248] . و ما ذكره ابنالغضائري مردود من جهات: الاولي: انه ذكر أن هذا التفسير رواه يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، و هذا سهو لأنهما لم يروياه عن أبويهما، و انما روياه بلا واسطة عن الامام أبيمحمد عليهالسلام. الثانية: ان ابنالغضائري نسب هذا التفسير الي أبيالحسن الثالث عليهالسلام، مع أنه منسوب الي الامام أبيمحمد عليهالسلام. الثالثة: انه ذكر أن هذا التفسير وضعه سهل الديباجي عن أبيه، و هذا غريب؛ لأن سهلا لم يقع في سند هذا التفسير. و علي كل حال، فما ذكره ابنالغضائري في تضعيف الرجل لا يمكن التعويل عليه. و قال الاستاذ الخوئي: «ان محمد بن القاسم لم ينص علي توثيقه أحد من المتقدمين، حتي الصدوق قدس سره الذي أكثر الرواية عنه بلا واسطة، كذلك لم ينص علي [ صفحه 145] تضعيفه... و الصحيح أن الرجل مجهول الحال، لم يثبت وثاقته، و لا ضعفه» [249] . و علي هذا فلا يمكن الاعتماد علي روايته. و مضافا الي ذلك، فان المفسر الاسترابادي يروي هذا التفسير عن يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار، وكلاهما مجهول، و لا يعتد بروايتهما عن الامام أبيمحمد عليهالسلام، كما يقول الاستاذ الخوئي [250] . ثانيا: ان هذا التفسير قد مني بكثير من التفكك و الفجوات في أثنائه، مما يدل علي عدم صحة نسبته الي الامام أبيمحمد عليهالسلام، و الناظر فيه لا يشك في أنه موضوع علي الامام، كما يقول الاستاذ الخوئي. ثالثا: ان الامام أبامحمد عليهالسلام كان محاطا بقوي مكثفة من الأمن من قبل الحكومة العباسية، و قد منعت وصول الشيعة اليه، فكيف يتردد هذان الشخصان اليه طيلة بع سنين دون أن يمنعا من الوصول اليه؟ رابعا: ان اهتمام الامام عليهالسلام بشأن الرجلين و طلبه من أبويهما ابقاءهما عنده لافادتهما العلم الذي يشرفهما الله به - كما جاء في مقدمة الكتاب - و هما مجهولان لم يعلم حالهما، فهلا خص بهذا الشرف كبار العلماء و الفقهاء من شيعته؟ و علي أي حال، فان من المؤكد أن هذا التفسير ليس للامام أبيمحمد عليهالسلام، و انما هو من الموضوعات و المختلفات. و بالاضافة الي ما يواجهه من المؤاخذات التي ذكرناها، فانه قد مني بعدم الفصاحة في كثير من فصوله، و من الطبيعي أن ذلك يتنافي مع مركز الامام الذي اوتي الحكمة و فصل الخطاب، و هو أبلغ انسان في عصره، فكيف ينسب اليه هذا التفسير [ صفحه 146] الذي لا يحمل أي سمة من سمات البلاغة؟ و مضافا الي ذلك، فان فيه بعض الأحاديث التي لا تخلو من غلو حسب ما أعتقد، و هو بعيد كل البعد عن الامام عليهالسلام. [ صفحه 149]
أجمع الرواة علي أن الامام أبامحمد عليهالسلام كان في عصره من أثري الشخصيات العلمية في مواهبه و عبقرياته، فلم يدانه أحد في فضله و علمه، و كان كما يقول المؤرخون: المرجع الأعلي للفقهاء في أخذ أحكام الشريعة و معالم الدين منه، و كانوا يعرضون عليه بعض مؤلفات الحديث و الفقه، فاذا أجازها عملوا بها، و قد عرض عليه كتاب لأحمد بن عبدالله بن خانبة، فقرأه و قال لأصحابه: انه صحيح فاعملوا به [251] ، و في ما يلي عرض موجز لبعض أحاديثه و فقهه:
اهتم العلماء و الرواة برواياته؛ لأنها حازت قصب السبق في الصدق، و في نفس الوقت انها من السنة القطعية التي يجب الأخذ بها حسب اعتقاد الشيعة الامامية، و كان من بين ما روي عنه من الأحاديث: 1- روي الحافظ البلاذري عن رجاله، قال: «حدثنا الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي امام عصره عند الامامية بمكة، قال: حدثني أبيمحمد بن علي المحجوب، قال: حدثني أبيعلي بن موسي الرضا، قال: حدثني أبيموسي بن جعفر المرتضي، قال: حدثني أبيجعفر الصادق، قال: حدثني أبيمحمد بن علي [ صفحه 150] الباقر، قال: حدثني أبيعلي بن الحسين السجاد زينالعابدين، قال: حدثني أبيالحسين بن علي، قال: حدثني أبيعلي بن أبيطالب سيد الأوصياء، قال: حدثني محمد بن عبدالله سيد الأنبياء، قال: حدثني جبرئيل سيد الملائكة، قال: قال الله عزوجل: اني أنا الله لا اله الا أنا، فمن أقر لي بالتوحيد دخل حصني، و من دخل حصني أمن من عذابي» [252] . 2- روي ابنالجوزي الحديث التالي، قال: «أسند - أي الامام الحسن - الحديث عن أبيه، عن آبائه الطاهرين، و أخرج له جدي حديثا في كتابه المسمي بتحريم الخمر، نقلت هذا الحديث، و أشهد بالله أني سمعته يقول: أشهد بالله لقد سمعت أباعبدالله الحسين بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبدالله بن عطاء الهروي يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبدالرحمن بن أبيعبيد البيهقي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أباعبدالله الحسين بن محمد الدينوري يقول: أشهد بالله لقد سمعت محمد بن علي بن الحسين العلوي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أحمد بن عبدالله السبيعي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبامحمد بن علي بن محمد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيعلي بن محمد الهادي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيمحمد بن علي الجواد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيعلي بن موسي الرضا يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيموسي بن جعفر يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيجعفر يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيمحمد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبيعلي بن الحسين السجاد يقول: اشهد الله لقد سمعت الحسين بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت علي بن أبيطالب يقول: أشهد بالله لقد سمعت محمدا صلي الله عليه و آله يقول [253] : أشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت [ صفحه 151] اسرافيل يقول: أشهد بالله علي في اللوح المحفوظ أنه قال: لقد سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد وثن. قال أبونعيم الفضل بن دكين: هذا حديث صحيح روته العترة الطيبة الطاهرة، و رواه جماعة عن رسول الله صلي الله عليه و آله [254] . هذه بعض الأحاديث التي رويت عن الامام أبيمحمد عليهالسلام.
نقل الرواة طائفة من الأحكام الشرعية التي سئل عنها الامام أبومحمد عليهالسلام فأجاب، و من الجدير بالذكر أنها لم تكن مشافهة، و انما كانت بالكتابة، و هذا يدل علي مدي الضغط الهائل الذي أحاط بالامام عليهالسلام من قبل الحكم العباسي، بحيث لم يتمكن العلماء من الاتصال به الا عن طريق الكتابة، و في ما يلي بعض تلك المسائل: 1- كتب محمد بن الحسن الصفار الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام: كم حد الماء الذي يغسل به الميت، كما رووا أن الجنب يغتسل بستة أرطال من ماء، و الحائض بتسعة أرطال، فهل للميت حد من الماء الذي يغسل به؟ فوقع الامام عليهالسلام: حد غسل الميت يغسل حتي يطهر ان شاء الله تعالي. و قال أبوجعفر الصدوق نضر الله مثواه: «و هذا التوقيع في جملة توقيعاته عندي بخطه عليهالسلام في صحيفة» [255] . و دلت هذه المكاتبة علي نفي الحد و المقدار عن الماء الذي يغسل به الميت، [ صفحه 152] فهو يغسل حتي يطهر، و بذلك يفترق عن غسل الجنب و الحائض، فان الماء قد حد فيهما. 2- كتب ابراهيم بن مهزيار الي أبيمحمد الحسن عليهالسلام يسأله عن الصلاة في (القرمز)، فان أصحابنا يتوقفون عن الصلاة فيه، فكتب: لا بأس فيه مطلقا، و الحمدلله» [256] . أما القرمز فهو صبغ أرمني يتخذ من عصارة دود [257] ، و لا مانع من لبسه، و انما الممنوع هو لبس الحرير. 3- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام في رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام، و له وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟ فوقع عليهالسلام: يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاءالله قال الشيخ الصدوق: «و هذا التوقيع عندي مع توقيعاته الي محمد بن الحسن الصفار» [258] . و علي ضوء هذه الرواية أفتي المشهور من فقهاء الامامية بوجوب القضاء علي الولد الأكبر عما فات أباه من الفرائض اليومية و غيرها، الا أنهم لم يلتزموا بوجوب التتابع في القضاء. 4- كتب ابراهيم بن مهزيار الي أبيمحمد عليهالسلام: «اعلمك يا مولاي أن مولاك علي بن مهزيار أوصي بأن يحج عنه من ضيعة صير ريعها لك حجة في كل سنة [ صفحه 153] بعشرين دينارا، و أنه منذ انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤونة علي الناس، فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك أوصي عدة من مواليك في حجتين. فكتب عليهالسلام: «تجعل ثلاث حجج حجتين ان شاءالله تعالي» [259] . و دلت هذه المكاتبة بوضوح علي أن الوصية بصرف مقدار معين من المال في الحج سنين متعددة، و عدم كفايته لكل سنة، فان الوصية لا تلغي، و انما يصرف نصيب ثلاث حجج في حجتين، و علي ضوء هذه الرواية أفتي الفقهاء، و لم يستندوا لقاعدة الميسور لأنها لا تجري في غير المجعولات الشرعية [260] . 5- و كتب علي بن محمد الحضيني الي الامام أبيمحمد عليهالسلام: «ان ابنعمي أوصي أن يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة، فليس يكفي، فما تأمرني في ذلك؟ فكتب عليهالسلام: تجعل حجتين في حجة. ان الله عالم بذلك» [261] . و هذه المكاتبة مثل المكاتبة السابقة في تنفيذ الوصية و عدم الغائها، و انه يجعل مقدار حجتين من المال في حجة واحدة. 6- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام: «هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له علي رجل مع شاهد عدل؟ فوقع عليهالسلام: اذا شهد معه عدل فعلي المدعي اليمين. و كتب اليه: أو تقبل شهادة الوصي علي الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ [ صفحه 154] فوقع عليهالسلام: نعم، من بعد يمين» [262] . و الي هاتين الروايتين استند فقهاء الامامية في فتواهم في أن الدعوي اذا كانت علي ميت فلا تحسم ببينة المدعي، بل لابد من ضم اليمين اليها، بخلاف الدعوي علي الحي، فانها تحسم بالبينة و لا تحتاج الي اليمين. 7- كتب محمد بن الحسن الصفار الي أبيمحمد عليهالسلام: «رجل أوصي الي ولده و فيهم كبار قد أدركوا و فيهم صغار، و يجوز للكبار أن ينفذوا وصيته، و يقضوا دينه لمن صح علي الميت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار. فوقع عليهالسلام: نعم، علي الأكابر أن يقضوا دين أبيهم، و لا يحبسوه بذلك» [263] . و هذه الرواية و ان كانت مطلقة من حيث اليمين، الا أنها تقيد بالصحيحة الاولي التي اعتبرت ضم اليمين الي البينة، كما يقول بذلك الاستاذ الخوئي [264] . 8- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام: «رجل يبذرق القوافل - أي يقول بخفارتها و حراستها - من غير أمر السلطان في موضع مخيف، و يشارطونه علي شيء مسمي، أله أن يأخذ منهم أم لا؟ فوقع عليهالسلام: «اذا واجر نفسه بشيء معروف أخذ حقه ان شاءالله» [265] . ان قيام الرجل بخفارة القافلة و حراستها عمل محترم، و يستحق عليه الاجرة التي سميت له. [ صفحه 155] 9- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام في رجل اشتري من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه، و فوقه بيت آخر، هل يدخل البيت الأعلي في حقوق البيت الأسفل؟ فوقع عليهالسلام: ليس له الا ما اشتراه باسمه و موضعه ان شاءالله [266] . و أفتي الفقهاء الامامية بأن من باع دارا دخل فيها الأرض و البناء الأعلي و الأسفل، الا أن يكون الأعلي مستقلا من حيث المدخل و المخرج، فان ذلك يكون قرينة علي عدم دخوله في المبيع، و استندوا في هذا الحكم الي هذه الرواية. 10- كتب اليه محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه في رجل قال لرجلين: اشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا و كذا بحدودها كلها لفلان ابن فلان، و جميع ما له في الدار من المتاع، و البينة لا تعرف المتاع أي شيء هو؟ فوقع عليهالسلام: يصلح اذا أحاط الشراء بجميع ذلك ان شاءالله [267] . و علم الامام عليهالسلام من السؤال و من قرائن خارجية أن البيع وقع علي الدار و ما فيها من متاع. فأجاب: يصلح اذا أحاط الشراء بجميع ذلك. 11- كتب اليه محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه في رجل كانت له قطاع أرضين، فحضره الخروج الي مكة، و القرية علي مراحل من منزله، و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، و عرف حدود القرية الأربعة، فقال للشهود: اشهدوا أني قد بعت من فلان - يعني المشتري - جميع القرية التي حد منها كذا، و الثاني، و الثالث، [ صفحه 156] و الرابع، و انما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك، و انما له بعض هذه القرية، و قد أقر له بكلها؟ فوقع عليهالسلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك [268] . ان البيع انما ينفذ في ما يملكه الانسان، و أما ما لا يملكه فان البيع فيه باطل، و قد قال الفقهاء: لا بيع الا في ملك، و حيث ان البيع في هذه المسألة قد وقع علي جميع القرية، فيصح في ما يملكه البائع منها، و لا يصح في ما لا يملكه، و للمشتري اذا علم بالحال خيار الفسخ. 12- كتب محمد بن الحسن الي الامام أبيمحمد عليهالسلام في رجل يشهده أنه قد باع ضيعة من رجل آخر و هي قطاع أرضين، و لم يعرف الحدود في وقت ما أشهده، و قال: اذا أتوك بالحدود فاشهد بها، هل يجوز له أنه يشهد؟ فوقع عليهالسلام: نعم، يجوز، و الحمدلله [269] . و تتمثل روعة الابداع في هذه الأجوبة التي أوجز فيها الامام عليهالسلام ايجازا وافيا في الغرض. 13- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي الامام أبيمحمد عليهالسلام: «هل يجوز أن يشهد علي الحدود اذا جاء قوم آخرون من أهل تلك القرية فشهدوا أن حدود هذه القرية التي باعها الرجل هي هذه، فهل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة و لم يسم الحدود أن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة، و شهدوا لها؟ [ صفحه 157] أم لا يجوز لهم أن يشهدوا و قد قال لهم البائع: اشهدوا بالحدود اذا أتوكم بها؟ فوقع عليهالسلام: لا يشهد الا علي صاحب الشيء و بقوله، ان شاءالله» [270] . لقد تبين الفقه الامامي الواقعية و الصدق، و تركز علي مجافاة الخداع و التضليل و الغش، و كان من بين ما تبناه في هذا المجال الشهادة، فانها لا بد أن تستند الي الحس، و تقوم علي القطع و اليقين لا علي الاحتمال و الظن، و أن يؤدي الشاهد شهادته بالكيفية التي تلقاها، و لا يضيف لها أي شيء. 14- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام: «رجل حلف بالبراءة من الله عزوجل أو من رسول الله صلي الله عليه و آله فحنث، ما توبته، و ما كفارته؟ فوقع عليهالسلام: يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مد، و يستغفر الله عزوجل» [271] . و ذهب فقهاء الامامية الي أن اليمين انما ينعقد، و تترتب عليه آثاره التكليفية فيما اذا تعلق بالله أو تالله و نحو ذلك، و لا ينعقد بالبراءة من الله أو من أحد أنبيائه، و كفارة البراءة اطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد، و قيل غير ذلك. 15- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام في امرأة طلقها زوجها، و لم يجر عليها النفقة، و هي محتاجة، هل يجوز لها أن تخرج و تبيت عن منزلها للعمل و الحاجة؟ فوقع عليهالسلام: لا بأس بذلك اذا علم الله الصحة منها [272] . [ صفحه 158] أما المطلقة الرجعية، فهي بمنزلة الزوجة ما دامت في العدة، و تجب نفقتها علي الزوج، و يجب عليها اطاعته، و يحرم عليها الخروج من بيته بغير اذنه، و اذا امتنع الزوج من الانفاق عليها، و اضطرت الي الخروج للعمل، فقد تفضل الامام عليهالسلام بجواز ذلك. 16- كتب محمد بن الحسن الصفار الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام في امرأة مات عنها زوجها و هي في عدة منه، و هي محتاجة لا تجد من ينفق عليها، و هي تعمل للناس، هل يجوز لها أن تخرج و تعمل و تبيت عن منزلها للعمل و الحاجة في عدتها؟ فوقع عليهالسلام: لا بأس بذلك ان شاءالله» [273] . ان المتوفي عنها زوجها يجب عليها الحداد ما دامت في العدة، و ذلك بتركها للزينة في البدن و اللباس، أما خروجها من بيتها للضرورة فلا مانع منه، كما أفتي الفقهاء بذلك مستندين الي هذه الرواية. 17- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام: «رجل أوصي الي رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة، و الآخر بالنصف؟ فوقع عليهالسلام: لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت و يعملا علي حسب ما أمرهما به» [274] . اذا أوصي شخص الي اثنين فليس لأحدهما أن يستقل بالتصرف في نصف التركة، و الآخر يستقل بالتصرف في النصف الآخر، و انما عليهما أن يجتمعا، و يتداولا في الأمر، و ليس لأحدهما أن يعمل برأيه من دون اذن صاحبه، كما دلت [ صفحه 159] علي ذلك هذه الرواية. 18- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام: «رجل أوصي بثلث ماله في مواليه و موالياته، الذكر و الانثي فيه سواء؟ أو للذكر مثل حظ الانثيين من الوصية؟ فوقع عليهالسلام: جائز للميت ما أوصي به علي ما أوصي به ان شاءالله» [275] . و دلت هذه الرواية علي أن للانسان المسلم أن يتصرف في ثلثه بما شاء، فله أن يهبه للذكور و الاناث من أبنائه علي حد سواء، و له أن يفاضل فيما بينهم كما أن له أن يوصي بانفاقه في المبرات و الخيرات، و غير ذلك، و قد أفتي فقهاء الامامية بهذه السعة و الشمول مستندين في ذلك الي هذه الرواية. 19- كتب سهل بن زياد الآدمي الي أبيمحمد عليهالسلام: «رجل له ولد ذكر و اناث، فأقر بضيعة أنها لولده، و لم يذكر أنها بينهم علي سهام الله و فرائضه الذكر و الانثي فيه سواء؟ فوقع عليهالسلام: ينفذون وصية أبيهم علي ما سمي، فان لم يكن سمي شيئا ردوها علي كتاب الله عزوجل ان شاءالله» [276] . و دلت هذه الرواية علي أن الأب اذا أوصي لأولاده بمال فان عين مقدارا خاصا لكل واحد منهم، سواء كان بالتساوي أو بالتفاضل، فان وصيته تكون نافذة، و ان أطلق فتعرض علي كتاب الله تعالي، و هو يقضي بأن تكون علي غرار المواريث للذكر مثل حظ الانثيين. [ صفحه 160] 20- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام: «رجل كان وصي رجل فمات، و أوصي الي رجل آخر، هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه؟ فكتب عليهالسلام: يلزمه بحقه ان كان له قبله حق ان شاءالله [277] . و دلت هذه الرواية علي أنه ليس للوصي أن يوصي الي أحد من بعده في تنفيذ ما أوصي به اليه، الا أن يكون له حق عند الموصي، فله أن يوصي باستيفائه، و ذكر الفقهاء أن للوصي الحق في الوصاية من بعده اذا كان مأذونا من الموصي في ذلك. 21- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه، الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام: في الوقوف، و ما روي فيها عن آبائه عليهمالسلام. فوقع عليهالسلام: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها ان شاءالله تعالي [278] . الوقف هو تحبيس الأصل، و تسبيل الثمرة، و هو حسب ما وقفه الواقف، فتارة يكون خاصا و اخري يكون عاما أو مطلقا، كل ذلك تابع لانشاء الوقف حين وقفه. 22- كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه الي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام: «رجل مات و ترك ابن ابنة و أخاه لأبيه و امه لمن يكون الميراث؟ فوقع عليهالسلام: الميراث للأقرب ان شاءالله» [279] . قال الشيخ الصدوق في التعليق علي هذه الرواية: «و لا يرث ابن الابن و لا بنت الابنة مع ولد الصلب، و لا يرث ابن ابن ابن مع ابن، و كل من قرب نسبه فهو أولي [ صفحه 161] بالميراث ممن بعد، و لا يرث مع ولد الولد و ان سفل أخ و لا اخت، و لا عم و لا عمة، و لا خال و لا خالة، و لا ابن أخ و لا ابن أخت، و لا ابن عم و لا ابن خال، و لا ابن عمة و لا ابن خالة. هذا بعض ما اثر من المكاتبات التي رفعت الي الامام عليهالسلام، و قد سأل أصحابها عن بعض الأحكام الشرعية التي لم يهتدوا لمعرفتها فأجابهم الامام عنها. [ صفحه 165]
لم تسمح الحكومة العباسية للعلماء و الفقهاء بالاتصال بالامام أبيمحمد عليهالسلام لئلا يذاع فضله، و يتحدث الناس عن علمه فيزهدون في بنيالعباس، و بالرغم من الاجراءات القاسية التي اتخذوها لحجب الامام عليهالسلام، فان هناك كوكبة من العلماء و الرواة اتصلت به، و روي بعضهم أحاديثه، و نعرض لتراجمهم؛ لأن ذلك من متممات البحث عن شخصية الامام عليهالسلام، و في ما يلي ذلك:
قال النجاشي: «ابراهيم بن أبيحفص، أبواسحاق الكاتب: شيخ من أصحاب أبيمحمد العسكري عليهالسلام، ثقة، وجه، له كتاب الرد علي الغالية و أبيالخطاب» [280] .
الأنباري: عدة الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [281] . و قد روي أن أباعون الأبرش كتب الي أبيمحمد عليهالسلام: «ان الناس قد استوحشوا [ صفحه 166] من شقك ثوبك علي أبيالحسن عليهالسلام. فقال: يا أحمق، ما أنت و ذاك، قد شق موسي علي هارون. ان من الناس من يولد مؤمنا، و يحيا مؤمنا، و يموت مؤمنا. و منهم من يولد كافرا، و يحيا كافرا، و يموت كافرا. و منهم: من يولد مؤمنا، و يحيا مؤمنا، و يموت كافرا. و انك لا تموت حتي تكفر، و يتغير عقلك». فما مات حتي حجبه ولده عن الناس، و حبسوه في منزله من ذهاب العقل و الوسوسة و كثرة التخليط» [282] .
عدة الشيخ من أصحاب الامام علي الهادي عليهالسلام، و من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [283] . و قد ذكرنا في البحوث السابقة بعض رسائل الامام عليهالسلام اليه، و هي تدل علي وثاقته و سمو مكانته.
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [284] ، و هو مجهول الحال.
ابنفارس النيسابوري: عده الشيخ من أصحاب الامام الهادي عليهالسلام، و من أصحاب [ صفحه 167] الامام أبيمحمد عليهالسلام [285] . «سأل الكشي أباالنضر العياشي عن عدة منهم ابراهيم بن محمد بن فارس، فقال: أما ابراهيم بن محمد بن فارس فهو في نفسه لا بأس به» [286] .
هو أبواسحاق الأهوازي: له كتاب البشارات [287] و روي اسحاق بن محمد البصري، قال: حدثني محمد بن ابراهيم بن مهزيار، قال: «ان أبي لما حضرته الوفاة دفع الي مالا، و أعطاني علامة، و لم يعلم بتلك العلامة الا الله عزوجل، و قال: من أتاك بهذه العلامة فادفع اليه المال. فخرجت الي بغداد، و نزلت في خان، فلما كان في اليوم الثاني اذ جاء الشيخ و دق الباب، فقلت للغلام: انظر من هذا؟ فقال: شيخ بالباب. فقلت: ادخل، فدخل و جلس فقال: أنا العمري، هات المال الذي عندك، و هو كذا و كذا، و معه العلامة [288] . و كان العمري وكيل الامام أبيمحمد عليهالسلام. روي عن الامام أبيالحسن عليهالسلام، و عن أبيمحمد عليهالسلام، و عن ابن أبيعمير، و غيرهما، و روي عنه أحمد بن محمد و سعد بن عبدالله و عبدالله بن جعفر الحميري و غيرهم [289] . [ صفحه 168]
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و كذلك عد أخاه أحمد بن يزيد من أصحاب الامام عليهالسلام [290] .
ابناسماعيل، بن داود بن حمدون، الكاتب النديم، شيخ أهل اللغة و وجههم. روي عن الامام أبيمحمد، و عن أبيه [291] . قال النجاشي: «و كان خصيصا بسيدنا أبيمحمد العسكري عليهالسلام و أبيالحسن عليهالسلام قبله. له كتب منها كتاب أسماء الجبال و المياه و الأودية، كتاب بنيمرة بن عوف، كتاب بنيالنمر بن قاسط، كتاب بنيعقيل، كتاب بنيعبدالله بن غطفان، كتاب طيء، شعر العجير السلولي، شعر ثابت بن قطنة و صنعته، كتاب بنيكليب بن يربوع، أشعار بنيمرة بن همام، نوادر الأعراب» [292] .
يكني أباأحمد المراغي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [293] . قال فيه ابنداود: «انه ممدوح، عظيم الشأن» [294] . روي أحمد، قال: «كتب أبوجعفر محمد بن أحمد بن جعفر القمي العطار. [ صفحه 169] يصفنا لصاحب الناحية عليهالسلام، فخرج التوقيع: «وفقت علي ما وصفت به أباحامد أعزه الله بطاعته، وفهمت ما هو عليه، تمم الله ذلك بأحسنه، و لا أخلاه من تفضله عليه، و كان الله وليه» [295] . و الرواية ان صحت تدل علي وثاقة الرجل، و سمو منزلته عند قائم آل محمد عليهالسلام.
القمي، المعلم: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [296] . قال النجاشي: «كان ثقة، فقيها في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية، له كتاب (النوادر)، و مات أحمد بن ادريس بالقرعاء سنة (306 ه) من طريق مكة علي طريق الكوفة» [297] .
ابنعبدالله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبوعلي القمي: كان وافد القميين. روي عن أبيجعفر الثاني، و أبيالحسن عليهماالسلام، و كان خاصة أبيمحمد عليهالسلام. قال أبوالحسن علي بن عبدالواحد الخمري، و أحمد بن الحسين رحمه الله: «رأيت من كتبه كتاب (علل الصوم) (كبير)، (مسائل الرجال) لأبي الحسن الثالث عليهالسلام جمعه» [298] . و قال الشيخ: «انه ممن رأي الامام صاحبالزمان عليهالسلام [299] ، و كتب محمد بن [ صفحه 170] أحمد بن الصلت القمي الي صاحب الدار - أي الي الامام عليهالسلام - ذكر فيه قصة أحمد بن اسحاق القمي و صحبته، و أنه يريد الحج، و احتاج الي ألف دينار، فان رأي سيدي أن يأمر باقراضه اياه، و يسترجع منه في البلد اذا انصرف، فأفعل. فوقع عليهالسلام: هي له منا صلة، و اذا رجع فله عندنا سواها [300] . و دل ذلك علي مدي ايمانه و تقدير الامام عليهالسلام له. و روي عبدالله بن جعفر الحميري، قال: «اجتمعت أنا و الشيخ أبوعمرو رحمه الله عند أحمد بن اسحاق، فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أباعمرو، اني اريد أن أسألك عن شيء لست بشاك في ما اريد أن أسألك عنه. قال:سل حاجتك. فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبيمحمد عليهالسلام؟ فقال: اي والله [301] . و علي أي حال، فالرجل رفيع الشأن، له المنزلة الكريمة عند أهلالبيت عليهمالسلام.
ابنعلي بن فضال: عده الشيخ من أصحاب الامام الهادي عليهالسلام، و من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [302] . يقال: انه كان فطحيا، و كان ثقة في الحديث، يعرف من كتبه كتاب (الصلاة)، كتاب (الوضوء). توفي سنة (260 ه) [303] . [ صفحه 171]
المحمودي: يكني أباعلي. عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [304] . و روي الكشي عن محمد بن مسعود، قال: حدثني أبوعلي المحمودي محمد بن أحمد بن حماد المروزي، قال: «كتب أبوجعفر عليهالسلام الي أبي في فصل من كتابه:... (و وفيت كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون) [305] ، أما الدنيا فنحن فيها متفرجون [306] في البلاد، ولكن من هوي صاحبه فان دان بدينه فهو معه، و ان كان نائيا عنه، و أما الآخرة فهي دار القرار». و قال المحمودي: «قد كتب أبوجعفر عليهالسلام الي بعد وفاة أبي: قد مضي أبوك رضي الله عنه و عنك، و هو عندنا علي حالة محمودة، و لن تبعد من تلك الحال» [307] . و دل هذا المدح من الامام عليهالسلام علي وثاقته و حسن حاله.. و ذكر الكشي له أخبارا اخري.
ابنمروان، الأنباري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [308] . [ صفحه 172]
ابنسيار: عده البرقي و الطوسي من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [309] . قال النجاشي: «كان من كتاب آل طاهر في زمن أبيمحمد عليهالسلام، و يعرف بالسياري، ضعيف الحديث، فاسد المذهب - ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيدالله - مجفو الرواية، كثير المراسيل، له كتب، وقع الينا منها كتاب (ثواب القرآن)، كتاب (الطب)، كتاب (القراءات)، كتاب (النوادر)، كتاب (الغارات)» [310] . و روي الكشي بسنده عن ابراهيم بن محمد بن حاجب، قال: «قرأت في رقعة مع الجواد عليهالسلام: يعلم من سأل عن السياري أنه ليس في المكان الذي ادعاه لنفسه، و لا تدفعوا اليه شيئا» [311] . و قد ذهب العلماء الي جرحه و اتهامه في عقيدته، و أنه مات فاسد المذهب.
ابنمطهر: روي عن الامام أبيمحمد عليهالسلام، و روي عنه علي بن أبيخليس. قال الاستاذ الخوئي: «لم يرد في الرجل توثيق و لا مدح، و طريق الصدوق اليه و ان كان صحيحا، الا أنه لا يلازم وثاقة الرجل، و أما توصيف الصدوق اياه - في المشيخة - بقوله: «صاحب أبيمحمد عليهالسلام»، فليس فيه أدني اشعار بوثاقة الرجل أو حسنه، كيف ذلك و قد كان في أصحاب الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله من كان؟! فما ظنك بمن صحب الامام عليهالسلام، و أما كونه متوليا لما يحتاج اليه من قبل الامام أبيمحمد في ارسال والدته مع الصاحب عليهالسلام لسفر الحج علي ما في اثبات الوصية للمسعودي فهو [ صفحه 173] - علي تقدير ثبوته - لا يدل علي الوثاقة» [312] .
الحضيني: نزل الأهواز. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [313] .
العبرتائي [314] : عدة الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [315] . و كان فاسد المذهب، لا يلتفت الي حديثه [316] . و قد خرج التوقيع من الامام عليهالسلام في ذمه و البراءة منه، و مما جاء فيه: الي القاسم بن العلاء: قد كان أمرنا نفذ اليك في المتصنع ابنهلال لا رحمه الله بما قد علمت و لم يزل - لا غفر الله له ذنبه، و لا أقاله عثرته - يداخل في أمرنا بلاد اذن منا، و لا رضي يستبد برأيه، فيتحامي من ديوننا، لا يمضي من أمرنا اياه الا بما يهواه و يريده، أرداه الله بذلك في نار جهنم، فصبرنا عليه، حتي بتر الله بدعوتنا عمره، و كنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيامه - لا رحمه الله - و أمرناهم بالقاء ذلك الي الخاص من موالينا، و نحن نبرأ الي الله من ابنهلال - لا رحمه الله - و له من لا يبرأ [ صفحه 174] منه، و اعلم الأسحاقي سلمه الله و أهل بيته مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، و جميع من كان سألك و يسألك عنه من أهل بلده و الخارجين، و من كان يستحق أن يطلع علي ذلك، فانه لا عذر له حتي من موالينا في التشكيك في ما روي عنا ثقاتنا قد عرفوا بأننا نفاوضهم بسرنا، و نحمله اياه اليهم، و عرفنا ما يكون من ذلك ان شاء الله تعالي» [317] . و دلت هذه الرسالة علي ضلالة هذا الشخص و انحرافه عن الطريق القويم. توفي سنة (267 ه) [318] .
النيسابوري: الثقة. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [319] . و قد خرج توقيع من الامام عليهالسلام بالدعاء له [320] .
البصري: يكني أبايعقوب. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد العسكري عليهالسلام [321] . قال الكشي: «انه كان من أركان الغلاة» [322] . [ صفحه 175]
ابنعلي، بن اسماعيل، هاشمي، عباسي: عده الشيخ من أصحاب الامام الحسن العسكري عليهالسلام [323] .
الصيقل: وكيل الامام أبيالحسن، و أبيمحمد، و صاحب الدار عليهمالسلام [324] .
الفارسي: يكني أباالقاسم، من أصحاب الامام أبيمحمد الحسن عليهالسلام [325] .
ابننوح: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [326] .
المالكي: من أصحاب الامام الحسن العسكري عليهالسلام. روي عن أبيه، و روي عنه [ صفحه 176] علي بن الحسين بن بابويه [327] .
المعروف بأبي طالب الفافاني: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [328] .
ابننعمان الكوفي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [329] . و قال النجاشي: «انه مولي بنيهاشم، أبوه علي بن النعمان الأعلم، ثقة، ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد» [330] .
ابن بابا القمي: من الغلاة. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، من دون توصيف بالقمي [331] . قال الكشي: «و ذكر أبومحمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابنبابا القمي». قال سعد: حدثني العبيدي، قال: «كتب الي العسكري عليهالسلام ابتداء منه: أبرأ الي الله من الفهري و الحسن بن محمد بن بابا القمي، فابرأ منهما، فاني محذرك و جميع موالي، و اني ألعنهما عليهما لعنة الله، مستأكلين [ صفحه 177] يأكلان بنا الناس، فتانين مؤذيين آذاهما الله، أرسلهما في اللعنة، و أركسهما في الفتنة ركسا. يزعم ابنبابا أني بعثته نبيا، و أنه باب، عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك. يا محمد، ان قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل، فانه قد آذاني آذاه الله في الدنيا و الآخرة» [332] . و دلت هذه الرسالة علي مدي تأثر الامام عليهالسلام و انزعاجه من هذا الانسان الممسوخ الذي تنكر لدينه، و هام في الباطل و الضلال.
الخشاب. قال النجاشي: «انه من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم و الحديث، له مصنفات، منها: كتاب الرد علي الواقفة، و كتاب النوادر، و قيل: ان له كتاب (الحج، و كتاب الأنبياء [333] ، و قد عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام» [334] .
أبوعون الأبرش: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [335] .
و هو الذي حمل بعد وفاة أبيمحمد عليهالسلام الي الناحية المقدسة، و أعطاه [ صفحه 178] الامام عليهالسلام ثوبين فانصرف، و مات في شهر رمضان، و كفن في الثوبين، و هو من أهل قم، و ممن وقف علي معجزات صاحب الزمان عجل الله فرجه و رآه من غير الوكلاء [336] ، و احتمل الاستاذ الخوئي أن يكون الحسن هذا متحدا مع من قبله [337] .
المروزي: كان مقيما بسمرقند، و عالما و متكلما، مصنفا للكتب. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [338] .
ابنأبان: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام. و قال: «انه أدركه و لم نعلم أنه روي عنه، و ذكر ابنقولويه أنه قرابة الصفار و سعد بن عبدالله، و هو أقدم منهما؛ لأنه روي عن الحسين بن سعيد و هما لم يرويا عنه» [339] .
العمري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [340] .
أبوسعيد النيشابوري: عده الشيخ تارة من أصحاب الامام الهادي، و اخري من أصحاب الامام أبيمحمد عليهماالسلام [341] . [ صفحه 179] و كان ثقة من وجوه الشيعة [342] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [343] . و قد روي عنه العلة في فرض الصيام، كما روي عنه اسحاق بن محمد [344] .
من أهل نيشابور: ثقة، صادق اللهجة، من أهل الدين. عده الشيخ من أصحاب الامام الهادي عليهالسلام، و من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [345] .
الأشعري: قمي. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [346] . و كذلك عده البرقي [347] .
هو أبوهاشم الجعفري: كان فذا من أفذاذ الاسلام، و علما من أعلام العقيدة، [ صفحه 180] و نتحدث بايجاز عن بعض شؤونه و مظاهر شخصيته العظيمة:
و ينتهي نسبه الكريم الي الشهيد الخالد في دنيا الاسلام جعفر بن أبيطالب الطيار، فهو ابنالقاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر [348] . و ليس في عالم النسب من هو أسمي و أرفع من هذا النسب الكريم.
و كان أبوهاشم شديد الولاء للأئمة الطاهرين عليهمالسلام، فقد شاهد منهم الامام الرضا و الامام الجواد و الامام الهادي و أبامحمد الحسن العسكري عليهمالسلام، و كان منقطعا اليهم، و له شعر جيد فيهم، منها قوله في الامام أبيالحسن الهادي و قد اعتل، قال: مادت الأرض بي و أدمت فؤادي و اعترتني موارد العرواء حين قيل الامام نضو عليل قلت: نفسي فدته كل الفداء مرض الدين لاعتلالك و اعتل و غارت له نجوم السماء عجبا أن منيت بالداء و السقم و أنت الامام حسم الداء أنت آسي الأدواء في الدين و الدنيا و محيي الأموات و الأحياء [349] .
و كانت لأبيهاشم المكانة المرموقة عند من عاصرهم من الأئمة الطاهرين عليهمالسلام، فقد قال له الامام الهادي عليهالسلام: «يا أباهاشم، أي نعم الله عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ قال أبوهاشم: فوجمت و لم أدر ما أقول. فابتدر عليهالسلام فقال: رزقك الايمان فحرم به بدنك علي النار، و رزقك العافية فأعانتك [ صفحه 181] علي الطاعة، و رزقك القنوع فصانك عن التبذل [350] .
و تميز أبوهاشم بالاحترام و التعظيم عند كافة الأوساط الاجتماعية، فقد قال المترجمون له: «انه كان مقدما عند السلطان، و كان ورعا زاهدا ناسكا، عالما، عاملا، و لم يكن أحد في آل أبيطالب مثله في زمانه في علو النسب» [351] . و من كان هذه صفاته فهو جدير بالاحترام و التقدير.
و كان أبوهاشم جريئا لا يهاب السلطان، و يدلي بكلمة الحق في أحرج الظروف، و يقول المؤرخون: «انه لما ادخل رأس يحيي الثائر العظيم الي بغداد اجتمع أهلها الي محمد بن عبدالله بن طاهر الذي قتل يحيي فجعلوا يهنئونه بالفتح، و ممن دخل عليه أبوهاشم فقال له: أيها الأمير، قد جئتك مهنئا بما لو كان رسول الله صلي الله عليه و آله حيا لعزي به. و وجم الحاضرون و لم يجبه أحد بشيء [352] ، و خرج مغيظا و هو يقول: يا بنيطاهر كلوه وبيا ان لحم النبي غير مري ان وترا يكون طالبه الله لوتر نجاحه بالحري [353] .
انتقل الي رحمة الله و رضوانه في جمادي الاولي سنة (261 ه) [354] ، و ذلك بعد وفاة الامام أبيمحمد عليهالسلام بسنة. [ صفحه 182]
القمي: عاصر الامام أبامحمد عليهالسلام، و قال الشيخ: «لم أعلم أنه قد روي عنه» [355] . قال النجاشي: «انه شيخ هذه الطائفة و فقيهها و وجهها، كان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا، و سافر في طلب الحديث، لقي من وجوههم الحسن بن عرفة، و محمد بن عبدالملك الدقيقي، و أباحاتم الرازي و عباس الترقفي، و لقي مولانا أبامحمد عليهالسلام، و صنف سعد كتبا كثيرة، وقع الينا منها: كتاب الرحمة، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الحج، ذكر كتبا كثيرة ألفها سعد» [356] . توفي سعد سنة (301 ه)، و قيل: سنة (299 ه) [357] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: أنه ثقة، كوفي [358] .
يكني أباسعيد الآدمي الرازي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [359] . و قال النجاشي: «انه كان ضعيفا في الحديث، غير معتمد عليه فيه، و كان أحمد بن محمد بن عيسي يشهد عليه بالغلو و الكذب، و أخرجه من قم الي الري، و كان يسكنها، و قد كاتب أبامحمد العسكري عليهالسلام علي يد محمد بن عبدالحميد [ صفحه 183] العطار للنصف من شهر ربيع الآخر سنة (255 ه)، و أضاف أن له كتاب النوادر [360] .
الجلاب: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [361] .
قال النجاشي: «صالح بن أبيحماد أبوالخير الرازي، و اسم أبيالخير «زاد به»، لقي أباالحسن العسكري عليهالسلام، و كان أمره ملتبسا يعرف و ينكر، له كتب منها: كتاب خطب أميرالمؤمنين عليهالسلام، و كتاب نوادر [362] . و قد عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [363] .
الجلاب: عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [364] . [ صفحه 184]
هو السيد الجليل، ينتهي نسبه الكريم الي ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سبطه الأول الامام الحسن عليهالسلام، فهو ابنعبدالله بن علي بن الحسن بن زيد ابن الامام الحسن عليهالسلام. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [365] . و روي النجاشي بسنده عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، قال: «كان عبدالعظيم ورد الري هاربا من السلطان، و سكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، فكان يعبدالله في ذلك السرب، يصوم نهاره و يقوم ليله، فكان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره و بينهما الطريق، و يقول: هو قبر رجل من ولد موسي بن جعفر عليهالسلام، فلم يزل بأوي الي ذلك السرب، و يقع خبره الي الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد صلي الله عليه و آله حتي عرفه أكثرهم، فرأي رجل من الشيعة في المنام رسول الله صلي الله عليه و آله قال له: ان رجلا من ولدي يحمل من سكة الموالي، و يدفن عند شجرة التفاح في باغ عبدالجبار بن عبدالوهاب، و أشار الي المكان الذي دفن فيه. فذهب الرجل ليشتري الشجرة و مكانها من صاحبها، فقال له: لأي شيء تطلب الشجرة و مكانها؟ فأخبره بالرؤيا، فذكر صاحب الشجرة أنه كان رأي مثل هذه الرؤيا، و أنه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفا علي الشريف و الشيعة يدفنون فيه، فمرض عبدالعظيم و مات رحمه الله، فلما جرد ليغسل وجد في جيبه رقعة فيها نسبه الشريف» [366] . و كذا هذا السيد الشريف عالما فقيها. يقول أبوحماد الرازي: «دخلت علي [ صفحه 185] علي بن محمد عليهماالسلام بسر من رأي، فسألته عن أشياء من الحلال و الحرام، فأجابني فيها. فلما ودعته قال لي: يا حماد، اذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، واقرئه مني السلام» [367] .
الحميري القمي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [368] . و كذلك عده البرقي [369] . قال النجاشي: «عبدالله بن جعفر بن الحسن بن مالك بن جامع الحميري أبوالعباس القمي شيخ القميين و وجههم. قدم الكوفة سنة نيف و تسعين و مائتين، و سمع أهلها منه، فأكثروا، و صنف كتبا كثيرة يعرف، منها: كتاب الامامة، كتاب الدلائل، كتاب العظمة و التوحيد، كتاب الغيبة و الحيرة، كتاب فضل العرب، كتاب التوحيد و البداء و الارادة و الاستطاعة و المعرفة، كتاب قرب الاسناد الي أبيجعفر ابنالرضا عليهماالسلام، كتاب ما بين هشام بن الحكم و هشام بن سالم و القياس، و الأرواح و الجنة و النار، و الحديثين المختلفين، مسائل الرجال، مكاتباتهم أباالحسن الثالث عليهالسلام، مسائل لأبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام علي يد محمد بن عثمان العمري، كتاب قرب الاسناد الي صاحب الأمر عليهالسلام، مسائل أبيمحمد و توقيعاته، كتاب الطب [370] . و تدل هذه المؤلفات المختلفة علي مدي ثروته العلمية، و تخصصه في العلوم [ صفحه 186] النقلية و العقلية.
البيهقي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [371] . و كان من خيار الشيعة، و قد كتب الامام له كتابا ترحم فيه عليه، قد تقدم نصه في البحوث السابقة.
ابنخالد الطيالسي، الكوفي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [372] . قال النجاشي: «انه من أصحابنا، ثقة سليم الجنبة، و كذلك أخوه أبومحمد الحسن، و لعبدالله كتاب نوادر» [373] . و قال فيه محمد بن مسعود: «و أما عبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي فما علمته الا خيرا، ثقة» [374] .
يكني أبامحمد الشامي، الدمشقي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام و أضاف: «أنه يروي عن أحمد بن محمد بن عيسي و غيره» [375] .
العمري، الزيات، و يقال له السمان، يكني أباعمرو: كان عملاقا من عمالقة [ صفحه 187] الايمان و التقوي، و كان الدين عنصرا من عناصره، و مقوما من مقوماته، و نتحدث بايجاز عن بعض شؤونه:
اشاد الأئمة الذين عاصرهم العمري بسمو منزلته و مكانته، فقد روي أحمد بن اسحاق بن سعد القمي، قال: «دخلت علي أبيالحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام، فقلت: يا سيدي، اني أغيب و أشهد، و لا يتهيأ لي الوصول اليك اذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل، و أمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبوعمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، و ما أداه اليكم فعني يؤديه». فلما مضي أبوالحسن عليهالسلام وصلت الي أبيمحمد ابنه الحسن العسكري عليهالسلام ذات يوم، فقلت مثل قولي لأبيه. فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبوعمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، و ما أداه اليكم فعني يؤديه». فلما مضي أبوالحسن وصلت الي أبيمحمد ابنه الحسن العسكري عليهالسلام ذات يوم، فقلت مثل قولي لأبيه. فقال لي: هذا أبوعمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي و ثقتي في المحيا و الممات، فما قاله لكم فعني يقوله، و ما أدي اليكم فعني يؤديه» [376] . و مما جاء في الثناء عليه ما رواه أحمد بن اسحاق، عن أبيالحسن عليهالسلام، قال: «سألته: من اعامل أو عمن آخذ، و قول من أقبل؟ فقال لي: العمري ثقتي، فما أدي اليك عني فعني يؤدي، و ما قال لك فعني يقول، فاسمع و أطع، فانه الثقة المأمون» [377] . و توثيق الأئمة الطاهرين عليهمالسلام له دليل علي مدي ايمانه و تقواه و ورعه و تحرجه في الدين. [ صفحه 188]
قمي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [378] .
عده الشيخ من أصحاب الامامين الهادي و الحسن عليهماالسلام [379] . قال النجاشي: «انه بغدادي، انتقل الي واسط، روي عن أبيالحسن الثالث، له كتاب». [380] . و في توقيع الامام العسكري عليهالسلام الي اسحاق: «يا اسحاق، اقرأ كتابنا علي البلالي رضي الله عنه، فانه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه» [381] . قال الكشي: «وجدت بخط جبرئيل بن أحمد: حدثني محمد بن عيسي اليقطيني، قال: كتب عليهالسلام الي علي بن بلال في سنة (232 ه): بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله اليك، و أشكر طوله و عوده، و اصلي علي محمد و آله صلوات الله و رحمته عليهم، ثم اني أقمت أباعلي مقام الحسين بن عبد ربه، و ائتمنته علي ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يتقدمه أحد، و قد أعلم أنك شيخ ناحيتك، فأحببت افرادك و اكرامك بالكتاب بذلك. فعليك بالطاعة له، و التسليم اليه جميع الحق قبلك، و أن تحض [ صفحه 189] موالي علي ذلك، و تعرفهم من ذلك ما يصير سببا الي عونه و كفايته، فذلك موفور، و توفير علينا، و محبوب لدينا، و لك به جزاء من الله و أجر، فان الله يعطي من يشاء، ذوء الاعطاء و الجزاء برحمته، و أنت في وديعة الله. و كتب بخطي، و أحمد الله كثيرا» [382] . و في هذه الرسالة دلالة علي حسن حال الرجل، و توثيق الامام عليهالسلام له.
ابنالعباس، الخزاعي: واقفي، مروزي. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [383] .
الهماني، البرمكي: عده الشيخ من أصحاب الامام الهادي و الامام الحسن العسكري عليهماالسلام [384] . و قال الشيخ: «انه كان فاضلا، مرضيا، من وكلاء أبيالحسن و أبيمحمد عليهماالسلام» [385] . و روي أبوجعفر العمري رحمه الله، قال: «حج أبوطاهر بن بلال فنظر الي علي بن جعفر و هو ينفق النفقات العظيمة، فلما انصرف كتب الي أبيمحمد عليهالسلام فوقع في رقعته: قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار، ثم أمرنا له بمثلها، فأبي قبولها ابقاء علينا ما للناس و الدخول في أمر في ما لم ندخلهم فيه؟ [ صفحه 190] قال: و دخل علي أبيالحسن عليهالسلام فأمر له بثلاثين ألف دينار» [386] . و روي الكشي بسنده عن يوسف بن السخت، قال: «كان علي بن جعفر وكيلا لأبيالحسن عليهالسلام، و كان رجلا من أهل همينيا - و هي قرية من قري سواد بغداد - فسعي به الي المتوكل فحبسه، فطال حبسه، و احتال من قبل عبيدالله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار، فكلمه عبيدالله، فعرض جامعه علي المتوكل، فقال: يا عبيدالله، لو شككت فيك لقلت: انك رافضي. هذا وكيل فلان - يعني أباالحسن - و أنا عازم علي قتله. قال: فتأدي الخبر الي علي بن جعفر، فكتب الي أبيالحسن: يا سيدي، الله الله في، فقد والله خفت أن أرتاب. فوقع في رقعة: أما اذا بلغ بك الأمر ما أري فسأقصد الله فيك. و كان هذا في ليلة الجمعة، فأصبح المتوكل محموما، فازدادت علته حتي صرخ عليه يوم الاثنين، فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه، حتي ذكر هو علي بن جعفر، فقال لعبدالله: لم لم تعرض علي أمره؟ فقال: لا أعود الي ذكره أبدا. قال: خل سبيله الساعة، وسله أن يجعلني في حل، فخلي سبيله، و صار الي مكة بأمر أبيالحسن عليهالسلام، فجاور بها» [387] . و قال الكشي في ترجمة فارس بن حاتم القزويني: «وجدت بخط جبرئيل بن أحمد، قال: قال موسي بن جعفر، عن ابراهيم بن محمد، أنه قال: كتبت اليه: جعلت فداك، قبلنا أشياء يحكي عن فارس و الخلاف بينه و بين علي بن جعفر حتي [ صفحه 191] صار يبرأ بعضهم من بعض، فان رأيت أن تمن علي بما عندك فيهما، و أيهما يتولي حوائجي قبلك، حتي لا أعدوه الي غيره، فقد احتجت الي ذلك، فعلت متفضلا ان شاءالله. فكتب: ليس عن مثل هذا يسأل، و لا في مثله يشك، قد عظم الله قدر علي بن جعفر متعنا الله تعالي به عن أن يقاس اليه، فاقصد علي بن جعفر بحوائجك، و اخشوا فارسا، و امتنعوا من ادخاله في شيء من اموركم أو حوائجكم، تفعل ذلك أنت و من أطاعك من أهل بلادك، فانه قد بلغني ما تموه به علي الناس، فلا تلتفتوا اليه ان شاءالله» [388] . و دلت هذه الرسالة علي أنه في قمة الواقعية و الايمان، فقد نصبه الامام علما لشيعته.
ابنفضال الكوفي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [389] . قال النجاشي: «علي بن الحسن بن علي بن فضال بن عمر بن أيمن مولي عكرمة بن ربعي الفياض أبوالحسن، كان فقيه أصحابنا بالكوفة و وجههم و ثقتهم و عارفهم بالحديث و المسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا، و لم يعثر له علي زلة فيه، و لا ما يشينه، و قل ما روي عن ضعيف، و كان فطحيا، و لم يرو عن أبيه شيئا. و قال: و كنت أقابله و سني ثماني عشرة سنة بكتبه، و لا أفهم اذ ذاك الروايات، و لا استحل أن أرويها عنه.. و قد صنف كتبا كثيرة، منها ما وقع الينا: كتاب الوضوء، [ صفحه 192] كتاب الحيض و النفاس، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة و الخمس، كتاب الصيام، كتاب مناسك الحج، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب المعرفة، كتاب التنزيل من القرآن و التحريف، كتاب الزهد، كتاب الأنبياء، كتاب الدلائل، كتاب الجنائز، كتاب الوصايا، كتاب الفرائض، كتاب المتعة، كتاب الغيبة، كتاب الكوفة، كتاب الملاحم، كتاب المواعظ، كتاب البشارات، كتاب الطب، كتاب اثبات امامة عبدالله، كتاب أسماء آلات رسول الله صلي الله عليه و آله، كتاب عجائب بنياسرائيل، كتاب الرجال، كتاب ما روي في الحمام، كتاب التفسير، كتاب الجنة و النار، كتاب الدعاء، كتاب المثالب، كتاب العقيقة» [390] . و دلت هذه المؤلفات علي مدي ثروته العلمية، و أنه كان في طليعة علماء عصره، و الذي يقدح فيه أنه كان فطحي المذهب. و سئل الشيخ أبوالقاسم رحمه الله عن كتب ابن أبيالعزاقر بعد ما ذم، و خرجت فيه اللعنة فقيل له: فكيف نعمل بكتبه، و بيوتنا منها ملأي، فقال: أقول فيها ما قاله أبومحمد الحسن علي عليهماالسلام و قد سئل عن كتب بنيفضال، فقال: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا» [391] .
ابنالصلت الأشعري، القمي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [392] .
ابنعلي علوي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [393] . [ صفحه 193]
ابنداود الرقي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [394] .
نيسابوري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [395] .
الصيمري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام. [396] .
ابنالياس: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [397] .
عده الشيخ من أصحاب الامام الهادي، و من أصحاب الامام أبي محمد عليهماالسلام، و أضاف: «أنه بغدادي ضعيف» [398] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [399] .
ابنمحمد البوفكي النيشابوري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام. [ صفحه 194] و أضاف: «أنه يقال: انه اشتري غلمانا أتراكا بسمرقند للعسكري» [400] .
المدائني: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [401] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [402] . و روي الكشي بسنده عن الفضل، قال: «كنت بسر من رأي وقت خروج سيدي أبيالحسن عليهالسلام، فرأينا أبامحمد ماشيا قد شق ثوبه - و ذلك حزنا علي أبيه - فجعلت أتعجب من جلالته، و ما هو له أهل، و من شدة اللون و الأدمة، و أشفق عليه من التعب. فلما كان الليل رأيته عليهالسلام في منامي، فقال: اللون الذي تعجبت منه اختيار من الله لخلقه يجريه كيف يشاء، انها هي لعبرة لاولي الأبصار، لا يقع فيه علي المختبر ذم، و لسنا كالناس فنتعب كما يتعبون، نسأل الله الثبات و نتفكر في خلق الله، فان فيه متسعا، و اعلم أن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة» [403] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [404] . [ صفحه 195] و كان في طليعة علماء عصره انتاجا و تأليفا، و قد ألف في مختلف العلوم و الفنون، فقد ألف مائة و ثمانين كتابا [405] ، و قد حظيت بعض مؤلفاته بالرضا و القبول عند الامام الأعظم أبيمحمد عليهالسلام، و قد فرضها بقوله: «هذا صحيح ينبغي أن يعمل به» [406] . و نظر الامام أبومحمد عليهالسلام في مؤلف آخر من مؤلفاته، فقال: «أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان، و كونه بين أظهرهم» [407] . و كان الامام أبومحمد عليهالسلام يجل الفضل و يكبره، و قد ترحم عليه ثلاثا ولاء [408] . و روي الكشي بعض الأخبار القادحة فيه و هي مدخولة، قد وضعها الحاقدون علي هذا العملاق العظيم الذي ساهم في بناء عقيدة أهلالبيت عليهمالسلام، فجزاه الله خيرا، و حشره في زمرتهم.
اللؤلؤي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام. و أضاف: «أنه يروي عن أبيأيوب» [409] . و قال النجاشي: «ان له كتاب النوادر» [410] . [ صفحه 196]
ابنمهزيار: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [411] . و روي محمد بن يعقوب بسنده: عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار، قال: «شككت عند مضي أبيمحمد عليهالسلام، و اجتمع عند أبيمال جليل، فحمله و ركب السفينة و خرجت معه مشيعا، فوعك و عكا شديدا، قال: يا بني ردني فهو الموت. و قال لي: اتق الله في هذا المال، و أوصي الي، فمات. فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال الي العراق، و أكتري دارا علي الشط، و لا اخبر أحدا بشيء، و ان وضح لي شيء كوضوحه في أيام أبيمحمد عليهالسلام أنفقته، و الا قصفت به. فقدمت العراق، و اكتريت دارا علي الشط، و بقيت أياما، فاذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمد، معك (كذا و كذا) في جوف (كذا و كذا)، حتي قص علي جميع ما معي مما لم أحط به علما، و سلمته الي الرسول، و بقيت أياما لا يرفع لي رأس، و اغتممت. فخرج: قد أقمناك مكان أبيك، فاحمد الله» [412] . و في هذا دلالة عل سمو مكانة ابراهيم و عظيم شأنه.
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [413] . [ صفحه 197] و كذلك عده البرقي [414] .
ابنجعفر القمي العطار: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام. و أضاف: «أنه وكيله، و قد أدرك أباالحسن عليهالسلام» [415] .
ابنمطهر: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، مضيفا: «أنه بغدادي يونسي» [416] .
ابننعيم، أبوعبدالله الشاذاني، النيسابوري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [417] . و روي الصدوق بسنده: عن محمد بن أحمد بن شاذان، قال: «اجتمع عندي مال للقائم عليهالسلام خمسمائة درهم ينقص منها عشرون درهما، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، و بعثت بها الي محمد بن جعفر، و لم أكتب مالي فيها، فأنفذ الي محمد بن جعفر القبض، و فيه: وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهما» [418] . و قد ورد التوقيع من الامام قائم آل محمد عليهمالسلام في حقه، جاء فيه: «و أما محمد بن [ صفحه 198] شاذان بن نعيم، فانه رجل من شيعتنا أهلالبيت» [419] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أنه ثقة» [420] .
ابنشمون: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أنه غالي، بصري» [421] . قال النجاشي: «انه واقفي ثم غلا، و كان ضعيفا جدا، فاسد المذهب، و اضيف اليه أحاديث في الوقف، و كان مما اضيف اليه أنه قال: سمعت أباالحسن موسي عليهالسلام يقول: من أخبرك أنه مرضني، و غسلني، و حنطني، و كفنني، و ألحدني، و قبرني، و نفض يده من التراب، فكذبه. و قال: من سأل عني فقل حي و الحمدلله» [422] . و روي الكشي، بسنده عنه، أنه قال: «كتبت الي أبيمحمد عليهالسلام أشكو اليه الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قال أبوعبدالله عليهالسلام: الفقر معنا خير من الغني مع عدونا، و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا. فرجع الجواب: ان الله عزوجل يمحص أولياءنا اذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر، و قد يعفو عن كثير، و هو كما حدثتك نفسك، الفقر معنا خير من الغني مع عدونا، و نحن كهف من التجأ الينا، و نور من استضاء بنا، و عصمة لمن اعتصم بنا، و من أحبنا [ صفحه 199] كان معنا في السنام الأعلي، و من انحرف عنا فالي النار» [423] . توفي محمد بن الحسن سنة (258 ه)، و قد عمر مائة و أربع عشرة سنة [424] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أن له اليه عليهالسلام مسائل، و يلقب ممولة» [425] . و قال النجاشي: «انه كان وجها في أصحابنا القميين، و أنه ثقة، عظيم القدر، راجح، قليل السقط في الرواية، له كتب منها: كتاب الصلاة، كتاب الوضوء، كتاب الجنائز، كتاب الحج، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب العتق و المكاتبة و التدبير، كتاب التجارات، كتاب المكاسب، كتاب الصيد و الذبائح، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الفرائض، كتاب المواريث، كتاب الدعاء، كتاب المزار، كتاب الرد علي الغلاة، كتاب الأشربة، كتاب المروة، كتاب الزهد، كتاب الخمس، كتاب الزكاة، كتاب الشهادات، كتاب الملاحم، كتاب التقية، كتاب المؤمن، كتاب الايمان و النذور، كتاب المثالب، كتاب بصائر الدرجات، كتاب ما روي في أولاد الأئمة عليهمالسلام، كتاب ما روي في شعبان، كتاب الجهاد، كتاب فضل القرآن» [426] . توفي هذا الشيخ الجليل سنة (290 ه) [427] .
ابن أبيالخطاب: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أنه [ صفحه 200] كوفي زيات» [428] . قال النجاشي: «انه جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة عين، حسن التصانيف، مسكون الي روايته. له كتاب التوحيد، كتاب المعرفة و البداء، كتاب الرد علي أهل القدر، كتاب الامامة، كتاب اللؤلؤة، كتاب وصايا الأئمة عليهمالسلام، كتاب النوادر» [429] . و عده ابنشهر آشوب من ثقات الامام أبيمحمد عليهالسلام. توفي هذا العالم الجليل سنة (262 ه).
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [430] . و قال الكشي: «كان أبوحفص وكيل الامام أبيمحمد عليهالسلام» [431] .
ابنسويد السائي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [432] .
الأرمني: عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [433] . [ صفحه 201]
ابنمحمد، الهمداني، وكيل الدهقان: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [434] . و قال الشيخ الصدوق: «انه ممن وقف علي معجزات الامام المنتظر» [435] .
الخثعمي: عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [436] .
ابنسالم، العطار الكوفي، مولي بجيلة: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [437] . قال النجاشي: «انه ثقة من أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر» [438] .
العمري، يكني أباجعفر: الثقة الأمين. كان هو و أبوه وكيلين من جهة مصلح الدنيا قائم آل محمد عليهالسلام، و قد تظافرت الأخبار في جلالته، و سمو مكانته، فقد سأل أحمد بن اسحاق الامام أبامحمد عليهالسلام، قال: من أعامل، أو عمن آخذ، و قول من أقبل؟ فقال عليهالسلام له: العمري - يعني عثمان بن سعيد - و ابنه - يعني محمد - ثقتان، فما [ صفحه 202] أديا اليك فعني يؤديان [439] . و قد خرج التوقيع من الامام القائم عليهالسلام في التعزية له بوفاة أبيه عثمان رحمه الله، و فيه: «أجزل الله لك الثواب، و أحسن لك العزاء، رزيت و رزينا، و أوحشك فراقه و أوحشنا، فسره الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده، و يقوم مقامه بأمره، و يترحم عليه. و أقول: الحمدلله، فان الأنفس طيبة بمكانك، و ما جعله الله عزوجل فيك و عندك، و أعانك الله و قواك و وفقك، و كان لك وليا و حافظا، و راعيا و كافيا» [440] . روي الصدوق بسنده عن عبدالله بن جعفر الحميري، قال: «سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه، فقلت له: رأيت صاحب الأمر عليهالسلام؟ فقال: نعم، و آخر عهدي به عند بيت الله الحرام، و هو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني. و قال محمد بن عثمان: و رأيته صلوات الله عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار، و هو يقول: اللهم انتقم من أعدائك» [441] .
و تولي هذا العالم العظيم الوكالة من الناحية [ صفحه 203] المقدسة خمسين سنة [442] ، و كانت الشيعة ترفع اليه أسألتها و هو يرفعها الي الامام عليهالسلام فيجيبهم عنها.
و يقول المؤرخون: «انه حفر لنفسه قبرا، و كان في كل يوم ينزل فيه و يقرأ جزءا من القرآن الكريم فيه ثم يصعد، و قد توفي رحمه الله في آخر جماديالاولي سنة خمس أو أربع و ثلاثمائة، و كان قد أخبر عن يوم وفاته، و قبره الشريف ببغداد، و يعرف عند البغداديين الشيخ الخلاني [443] .
ابنبلال: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [444] . و كان ثقة الا أنه انحرف عن طريق الحق، و انغمس في الباطل، فقد نهب الأموال التي كانت عنده للامام عليهالسلام و لم يسلمها الي وكيله محمد بن عثمان، و ادعي أنه الوكيل، و قد تبرأت الجماعة منه [445] .
التستري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [446] . و كذلك عده البرقي [447] .
الذراع: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [448] . [ صفحه 204]
القسري: عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [449] .
الكاتب: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [450] .
ابنعبيد اليقطيني: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، مضيفا: «أنه بغدادي يونسي» [451] . قال النجاشي: «انه جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روي عن أبيجعفر الثاني عليهالسلام مكاتبة و مشافهة. ذكر أبوجعفر بن بابويه عن ابنالوليد أنه قال: «ما تفرد به محمد بن عيسي من كتب يونس و حديثه لا تعتمد عليه، و رأيت أصحابنا يذكرون هذا القول و يقولون: من مثل أبيجعفر محمد بن عيسي. سكن بغداد. و ذكر محمد بن جعفر الرزاز أنه سكن سوق العطش، له من الكتب: كتاب الامامة، كتاب الواضح المكشوف في الرد علي أهل الوقوف، كتاب المعرفة، كتاب بعد الأسناد، كتاب قرب الاسناد، كتاب الوصايا، كتاب اللؤلؤة، كتاب المسائل المحرمة، كتاب الضياء، كتاب ظرائف، كتاب التوقيعات، كتاب التجمل و المروة، كتاب الفيء و الخمس، كتاب الرجال، كتاب الزكاة، كتاب ثواب الأعمال، كتاب النوادر» [452] . [ صفحه 205]
السريعي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أنه غالي» [453] . قال الكشي: «ابنبابا و محمد بن موسي الشريقي كانا من تلامذة علي بن حسكة، ملعونون لعنهم الله» [454] . و روي جماعة عن أبيمحمد التلعكبري عن أبيعلي محمد بن همام، قال: «كان السريعي يكني بأبي محمد. و كان من أصحاب أبيالحسن علي بن محمد، ثم الحسن بن علي عليهماالسلام، و هو أول من ادعي مقاما لم يجعله الله فيه، و لم يكن أهلا له، و كذب علي الله و علي حججه عليهمالسلام، و نسب اليهم ما لا يليق بهم، و ما هم منه براء، فلعنته الشيعة و تبرأت منه، و خرج توقيع الامام عليهالسلام بلعنه و البراءة منه، ثم ظهر منه القول بالكفر و الالحاد» [455] .
النيسابوري: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام. و قد أرسل الامام عليهالسلام بيده رسالة الي ابراهيم بن عبدة [456] .
ابنفرات: عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [457] . [ صفحه 206]
ابنزياد: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [458] .
المعاذي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [459] .
عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [460] .
ابنسعدان: كوفي الأصل، ثم تحول الي البصرة، ثم الي بغداد.عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [461] . قال النجاشي: «انه ثقة وجه، و كان له مذهب في الجبر و التشبيه. لقي أبامحمد و أباالحسن عليهماالسلام، له كتاب التوحيد، و كتاب الفضائل، و كتاب الخطب، و كتاب المغازي، و كتاب الدعاء، و له مسائل لأبي الحسن الثالث عليهالسلام [462] . [ صفحه 207]
عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [463] .
البرقي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [464] .
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [465] . و روي الصدوق بسنده، عن يعقوب بن منقوش، قال: «دخلت علي أبيمحمد الحسن بن علي عليهلاسلام، فقلت له: يا سيدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال عليهالسلام: ارفع الستر، فرفعته، فخرج الينا غلام خماسي، له عشر أو ثمان، أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دري المقلتين، شئن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، و في رأسه ذوابة، فجلس علي فخذ أبيمحمد عليهالسلام. ثم قال لي: هذا صاحبكم، ثم وثب، فقال له: يا بني، ادخل الي الوقت المعلوم. فدخل البيت و أنا أنظر اليه. ثم قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت، فدخلت لما رأيت أحدا» [466] . [ صفحه 208]
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [467] . قال ابنالغضائري: «انه ضعيف، مرتفع القول، استثناه القميون من نوادر الحكمة [468] .
أما أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و رواة حديثه الذين اشتهروا بالكني، فهم:
عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أنه مؤدب ولد الحجاج» [469] .
العجلي: عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام، و أضاف: «أنه روي عنه علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيمحمد الحسن بن علي عليهماالسلام» [470] .
الاسكافي: هو علي بن بلال. عده الشيخ من أصحاب الامام أبيمحمد عليهالسلام [471] و بهذا ينتهي بنا الحديث عن تراجم أصحاب الامام و رواة معارفه و علومه، [ صفحه 209] و قد كان فيهم كوكبة من العلماء و المؤلفين الذين ساهموا في تأسيس الحضارة الاسلامية، و رفع منار الفكر و العلم في دنيا الاسلام. [ صفحه 213]
لم يعد البحث عن العصر الذي نشأ فيه الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام لونا من ألوان الترف، أو ضربا من ضروب الزخرفة و التجميل للكتاب، و انما هو ضرورة يقتضيها البحث العلمي الحديث، فان دراسة العصر أصبحت من البحوث المنهجية التي لا غني للباحث عنها؛ لأنها تكشف عن واقع الحياة العامة التي عاشها الشخص المعني بالترجمة و البحث، كما تلقي الأضواء علي مجريات الأحداث التي جرت. و من الطبيعي ان لذلك كله تأثيرا علي سلوك الشخص، و تكييف حياته، فان الحياة الاجتماعية - كما يقول علماء الاجتماع - حياة تأثير و تأثر. و علي أي حال، فانا نعرض - بصورة موضوعية - الي الكثير من جوانب الحياة العامة في العصر الذي نشأ فيه الامام أبومحمد عليهالسلام، و في ما يلي ذلك:
قبل أن نلقي الضوء علي الحياة الاقتصادية في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام نود أن نبين بصورة سريعة الي أن الاسلام قد اهتم اهتماما بالغا بتطوير اقتصاد الامة، و تنمية الدخل الفردي، و ازدهار الاقتصاد العام، و اعتبر الفقر كارثة مدمرة، يجب القضاء عليه بجميع الطرق و الوسائل، فقد قارن بين الكفر و الفقر، و كما يجب القضاء علي الكفر في شريعة الاسلام، كذلك يجب القضاء علي الفقر، و قد ألزم حكام المسلمين [ صفحه 214] و أكد علي ولاتهم بالعمل لانقاذ المسلمين من خطر البؤس و الحرمان اللذين هما السبب في اشاعة الانحراف الفكري و العقائدي بين الناس. و كان من بين المناهج الخلافة التي يتركز عليها الاقتصاد الاسلامي، أنه حدد تصرفات المسؤولين و الحكام، فلم يجز لهم بأي حال التلاعب في خزينة الدولة لأنها ملك للمسلمين، و ليست ملكا لأحد، و يجب أن تنفق علي صالح المسلمين، و ليس لرئيس الدولة و لا لأي أحد من أعضاء حكومته، أن يصطفوا منها ما شاءوا لأنفسهم و ذوي قرباهم، فان في ذلك خيانة لله، و خيانة للمسلمين. أما نظام الحكم العباسي - ففي جميع أدواره - قد تبني سياسة اقتصادية خاصة شذت بجميع مخططاتها عن منهج الاسلام الأصيل، و ابتعدت عما قننه من وجوب الاحتياط الكامل في أموال الدولة، و وجوب انفاقها علي نشر الرخاء بين الناس. و في ما يلي عرض موجز لهيكل الاقتصاد العام في العصر العباسي.
كان أكثر واردات الدولة تجبي من الخراج و الصدقات، و هي تقدر بملايين الدنانير، فكان متوسطها - فيما يقول بعض المؤرخين - يبلغ في كل عام ثلاثمائة و ستين ألف ألف درهم [472] . و ربما زادت في بعض الأعوام فبلغت خمسمائة ألف ألف درهم [473] . و كانت للدرهم قيمة ملحوظة في ذلك العصر، فكان يساوي قيمة شاة، أو قيمة زق من العسل، أو قيمة زق من السمن، كما كان الدينار يساوي قيمة جمل. [ صفحه 215] و من المؤسف أن هذه الأموال الطائلة لم تكن تنفق علي تطوير الحياة العلمية و الصحية و الاقتصادية حسبما يريده الاسلام، و انما كانت تذهب الي جيوب الحكام، فينفقونها بسخاء علي بناء القصور الشاهقة كما كان يفعل المتوكل، و علي الماجنين و المغنين و العابثين، و غير ذلك من شؤون الحياة الفاسقة.
أما العنف و الظلم و التنكيل فهو اللغة السائدة في جباية الخراج في أغلب العصور العباسية، و قد عاني المواطنون ضروبا مرهقة من الجباة السود الذين عدمت الرأفة و الرحمة من قلوبهم، فكانوا يفرضون الضرائب حسب رغباتهم وأطماعهم، و من يمتنع أو يتخلف عن أداء ما فرض عليه فمصيره القبور أو السجون. يقول الجهشياري: «كان أهل الخراج يعذبون بصنوف العذاب من السباع و الزنابير، و كان محمد بن مسلم خاصا بالمهدي، فلما تقلد الخلافة و وجد أهل الخراج يعذبون شاور محمد بن مسلم فيهم، فقال له: يا أميرالمؤمنين، هذا موقف له ما بعده، و هم غرماء المسلمين، فالواجب أن يطالبوا مطالبة الغرماء، فأمر برفع العذاب عنهم» [474] . و في عهد الرشيد طعن الناس في الفضل بن يحيي البرمكي، و كان واليا علي خراسان، و قد أكثروا من الشكوي منه، فعزله الرشيد، و ولي مكانه علي بن عيسي، فقتل وجوه أهل خراسان، و جمع أموالا خطيرة، و حمل الي الرشيد ألف بدرة معمولة من الحرير، و فيها عشرة آلاف ألف درهم [475] . و قد عاني أهل الموصل في جباية الخراج أشد ألوان الظلم، فقد كان الوالي عليهم [ صفحه 216] من قبل الرشيد يحيي بن سعيد، فطالبهم بخراج سنين مضت، و جلد أكثرهم [476] . ان شريعة الاسلام قد ألزمت الولاة بالرفق بالرعية، و اصلاح أوضاعهم الاقتصادية، و أن لا يتعرضوا لأي ضغط من الحكام في جلب الخراج و الصدقات منهم، ولكن أكثر ملوك بنيالعباس لم يعنوا بذلك، وساسوا الامة في جباية الخراج منها بالعنف و القهر.
أما زيادة الخراج فظاهرة منتشرة بين عمال العباسيين، فقد كان العمال يطالبون الناس بأكثر مما عليهم ليقطعوا قسما من الأموال لأنفسهم، و لما ولي أبوعبيدالله بن يسار الوزارة من قبل المهدي جعل الخراج علي النخل و الشجر، و استمرت الحال من بعده علي ذلك [477] . و عانت مصر أشق ألوان المحن و الخطوب في أمر الخراج، فقد زاد حاكمها موسي بن مصعب علي كل فدان ضعف ما تقبل به، و جعل خراجا علي أهل الأسواق، و علي الدواب، و عاد الي الرشوة في الأحكام، و قد هجاه أحد شعراء ذلك العصر بقوله: لو يعلم المهدي ماذا الذي لم يفعله موسي و أيوب بأرض مصر حين حلا بها لم يتهم في النصح يعقوب [478] . [ صفحه 217] و قد ثار عليه اليمانية و القيسية من جراء ظلمه [479] . و يقول ابنتغري بردي: «انه شدد علي الناس في استخراج الخراج، و زاد علي كل فدان ضعف ما كان أولا، و لقي الناس منه شدائد، و ساءت سيرته، و ارتشي في الأحكام، فكرهه الجند، و تشغبوا عليه و نابذوه؛ لأنه كان غاشما ظالما» [480] . ان هذه الأعمال بعيدة كل البعد عن روح الاسلام و واقعه، و هي لا تمثل الا عصابة من اللصوص و قطاع الطرق من الذين أو غلوا في الجريمة و الاثم. يقول عمر بن عبيد للمنصور الدوانيقي: «ان من وراء بابك نيرانا تتأجج من الجور، و ما يعمل من وراء بابك بكتاب الله، و لا بسنة نبيه» [481] .
و استأثر العباسيون بأموال الدولة، و اصطفوا لأنفسهم و أرحامهم ما شاءوا، فقد كان محمد بن سليمان العباسي دخله في اليوم مائة ألف درهم [482] . و لما هلك أبقي تركة عظيمة أخذ منها الرشيد ستين ألف درهم [483] . و يقول المؤرخون: «انه تدافقت الأموال علي الخيزران حتي بلغت غلتها مائة ألف ألف و ستين ألف درهم، و قدر بعض المؤلفين هذا المبلغ بما يعادل نصف خراج المملكة آنئذ، و ثلثي غلة روكفلر في هذا القرن، و قد وجد عند قبيحة زوجة المتوكل مليون و ثمانمائة ألف دينار، و كانت أم المقتدر في غاية [ صفحه 218] الغني و الثروة [484] . يقول فيها ابنالجوزي: «كانت لها أموال عظيمة تفوق حد الاحصاء، و كان يرفع لها من ضياعها في كل عام ألف ألف دينار» [485] . و قد أغدق ملوك العباسيين علي أرحامهم الأموال الطائلة، فقد فرق الرشيد في أعمامه و أهله أموالا يفرقها أحد من الخلفاء قبله [486] . و قد فرض المنصور الدوانيقي لكل واحد من أعمامه ألف ألف درهم [487] . و قد تنامت الاسرة العيالية حتي بلغت في عصر المأمون ثلاثة و ثلاثين ألفا [488] . و قد استأثرت هذه الاسرة التي لا نعرف لها أية جهة من الامتياز علي بقية المسلمين بأموال الدولة، و تمتعت بالثروات الهائلة في حين أن بقية أفراد الشعوب الاسلامية غارقون في البؤس و الفقر و الحرمان.
و بالغ ملوك العباسيين في هباتهم للجواري و المغنيات، فقد وهب الرشيد لجاريته «دنانير» في ليلة عيد عقدا قيمته ثلاثون ألف دينار [489] . و أعطي المقتدر بعض حظاياه الدرة اليتيمة، و كان وزنها ثلاثة مثاقيل [490] . و ذكر الاصفهاني أن حمويه استأجر لجاريته ذات الخال من بعض الجوهريين [ صفحه 219] بدنة و عقودا ثمنها اثنا عشر ألف ألف دينار، فلما رآها الرشيد اعجب بها، و سأل عنها، فأخبره بأنها حلي مستأجرة، فأمر بشرائها و وهبها للجارية [491] . و كان المقتدر العباسي يدعو بالأموال فيلعب بها و يمحقها و يهبها للنساء و الجواري [492] . و كانت للمتوكل جارية تسمي «فضل» تجلس علي كرسي، و هي تعارض الشعراء بحضرته، فقال لها حينما اشتراها: أشاعرة أنت؟ - كذا يزعم من باعني و اشتراني. فضحك المتوكل، و قال لها: انشديني من شعرك، فأنشدت: استقبل الملك امام الهدي عام ثلاث و ثلاثينا خلافة أفضت الي جعفر و هو ابنسبع بعد عشرينا انا لنرجو بامام الهدي أن يملك الملك ثمانينا لا قدر الله امرءا ألم يقل عند دعائي لك آمينا فاستحسن المتوكل الأبيات، و أمر لها بخمسين ألف درهم [493] . و نكتفي بهذه النماذج اليسيرة من الهبات للجواري للتدليل علي تبديد العباسيين لثروات الامة، و انفاقها علي شهواتهم من دون أن يعنوا بصالح المجتمع و تطوير وسائل حياته. [ صفحه 220]
و لنقرأ هذه القصة التي هي من عجائب العصر العباسي، و تمثل مدي استهتار اولئك الملوك بأموال الامة، فقد روي المؤرخون أنه صنعت قرية من فضة فيها كل ما في القري من بقر و غنم و جمال و جواميس و أشجار و نبات و مساحة، و قد صنع كل ذلك بأدق صنعة من الفضة، و انفق عليها الأموال الطائلة، و قد صنعت للخليفة المقتدر ليري كيف تكون القري. و كان لام المقتدر خادمة تسمي (نظم)، و كانت بارعة ذكية، و قد استولت علي زمام الامور، و لها رفيق يسمي أبوالقاسم يوسف بن يحيي، فرفعته و قربته الي البلاط، و عرفته علي ام المقتدر، حتي صار من المقربين عندها، و عزم أبوالقاسم علي ختان ولده، فأعد وليمة كبيرة للختان، و أنفق علي ذلك ما لم يسمع أن فعل مثله من حواشي الخلفاء، و قد جاءته رفيقته (نظم) بما يحتاجه من الأموال و الثياب و الآنية، و سألتها ام المقتدر: هل بقي شيء يريده؟ فقالت لها: نعم، فأمرتها بأن تحمل له ما يريده من القصر، فحملت له الأموال الكثيرة، و قالت له: هل بقي في نفسك شيء؟ فقال لها: نعم، ولكن لا أجسر علي مسألته. - و ما هو؟ - أشتهي اعارة القرية الفضية التي عملت لأميرالمؤمنين ليراها الناس في داري، و يشاهدوا ما لم يشاهدوا مثله، فيعلموا ما لي من الاختصاص و العناية. فوجئت نظم، و قالت له: هذا شيء عمله الخليفة لنفسه، و مقداره عظيم، و في هذه القرية مئات الآلاف من الدراهم، ولكني أسأل السيدة. و لما جاء الليل أقبلت نظم فقال لها أبوالقاسم: ما الخبر؟ [ صفحه 221] - كل ما تحب، جئتك بالقرية هدية لك لا عارية، مع صلة جزيلة من أميرالمؤمنين. و سارع أبوالقاسم قائلا: ما الخبر؟ مضيت من عندك و أنا منكسرة القلب، فدخلت علي السيدة فقالت لي: من أين جئت؟ - من عند عبدك يوسف علي أني يختن أبناءه غدا. - أراك منكسرة. - ببقائك ما أنا منكسرة. - ففي وجهك حديث. - خير. - بالله عليك ماذا؟ فأخبرتها بالأمر، فأمسكت ام المقتدر قليلا، ثم قالت: هذا شيء عمله الخليفة لنفسه كيف يحسن أن يري في دار غيره، و كيف يحسن أن يقال أن الخليفة استعاره منه بعض خدمه، ثم استرده منه، و ليس يجوز أن أسأله هبتها له؛ لأني لا أدري ان كان قد ملها و شبع منها أو لا، فان كان قد ملها فقيمتها عليه هينة، و ان لم يملها لم أرض أن آخذها منه، و سأسبر ما عنده، و استدعت جارية فأمرتها أن تتعرف علي خبر الخليفة، فمضت و قالت لها: انه عند فلانة احدي جواريه - فأخذت نظم معها، و دخلت عليه، فقابلها بمزيد من التكريم و الاحترام، و قال لها: ليس هذا من أوقات تفضلك و زياراتك. فالتفت الي نظم، و قالت لها: متي عزم يوسف علي ختان ولده؟ فقالت لها: غدا. [ صفحه 222] فقال المقتدر: ان كان يحتاج الي شيء آخر أمرت به. فقالت: انه مستكف و واع، ولكنه التمس شيئا ما استحسن خطابك فيه. - ما هو؟ - انه يريد أن يشرف علي أهل المملكة، و يروا عنده ما لم ير في العالم مثله. - ما هو؟ - أن تعيره القرية، فاذا رآها الناس ارتجعت. فتبسم المقتدر و قال لامه: هذه والله طريفة يستعيرها خادم لنا، و تكونين أنت شفيعة، فأعيره ثم ارتجعه، هذا من عمل العوام لا الخلفاء، وهبت له القرية، فمري بحملها بجميع آلاتها اليه، و قد رأيت أن اشرفه بشيء آخر يحمل اليه غدا جميع و صائفنا، و لا يطبخ لنا شيء. و أمرت السيدة بنقل القرية، فتملكها أبوالقاسم [494] . و هذه القصة تكشف عن مدي تبذير أولئك الملوك بأموال المسلمين، و انفاقها بلا حساب علي رغبات نسائهم و جواريهم.
و تكاد وسائل الأعلام في ذلك العصر تنحصر بالشعراء، فهم الذين كانوا يدعمون الحكم العباسي، و يذيعون الفضائل المفتعلة لملوك العباسيين، و يقدمونهم علي خصومهم العلويين دعاة العدل الاجتماعي في الاسلام، و كان العباسيون يكيلون للشعراء الأموال كيلا، و يمنحونهم الثراء العريض، و من بين الشعراء الذين حضوا [ صفحه 223] بالأموال الطائلة:
وفد أبوالشبل البرجمي الكوفي علي المتوكل فأنشده قصيدة مؤلفة من ثلاثين بيتا استهلها بقوله: أقبلي فالخير مقبل و اتركي قول المعلل وثقي بالنجح اذ أبصرت وجه المتوكل فأمر له المتوكل بثلاثين ألف درهم [495] .
و لما عقد المتوكل البيعة لأبنائه الثلاثة من بعده، و هم: المنتصر، و المعتز، و المؤيد، أذن للناس اذنا عاما ليهنئوه بذلك، فانبري الصولي و أنشد قصيدته التي يقول فيها: أضحت عري الاسلام و هي منوطة بالنصر و الاعزاز و التأئيد بخليفة من هاشم و ثلاثة كنفوا الخلافة من ولاة عهود قمر توالت حوله أقماره فحففن مطلع سعده بسعود كنفتهم الآباء و اكتنفت بهم فسعوا بأكرم أنفس و جدود فأمر له المتوكل بمائة ألف درهم، و أمر له ولاة عهده بمثلها [496] . [ صفحه 224]
و ممن حظي بالثراء العريض ابراهيم بن المدبر، فقد وفد علي المتوكل، و كان مريضا و أبل من مرضه، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: اليوم عاد الدين غض العود ذو ورق نضير يا رحمة للعالمين و يا ضياء المستنير يا حجة الله التي ظهرت له بهدي و نور [497] . و متي كان المتوكل رحمة من الله العالمين، و ضياء للمستنيرين، أبلياليه الحمراء التي اقترف فيها كل ما حرمه الله من الادمان علي الخمور و العزف و الغناء، أم بحرثه لقبر ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و تنكيله بزائريه؟ و طرب المتوكل من هذا المديح، و أمر للشاعر بخمسين ألف درهم، و أوعز الي وزيره عبيدالله بن يحيي أن يوليه عملا جليلا ينتفع به.
و ممن أغدق عليهم المتوكل الأموال الطائلة مروان بن أبيالجنوب، فقد هام في مدح المتوكل، و قد مدحه بقصيدة جاء فيها: كانت خلافة جعفر كنبوة جاءت بلا طلب و لا بتنحل وهب الاله له الخلافة مثلما وهب النبوة للنبي المرسل لم تكن خلافة المتوكل كالنبوة، فالنبوة رحمة و هداية الي الناس، و انما كانت بالعكس و الضد، فهي قطعة من الظلم و الطغيان و الاستبداد و الجبروت، و لم يهب [ صفحه 225] الله له و لا لأمثاله الخلافة، و انما وهبها للصالحين من عباده. و علي أي حال، فما أن أنهي مروان قصيدته حتي وهب له المتوكل خمسين ألف درهم.. و لما عقد المتوكل ولاية العهد لأبنائه أنشده مروان قصيدة جاء فيها: ثلاثة أملاك فأما محمد فنور هدي يهدي به الله من يهدي و أما أبوعبد الاله فانه شبيهك في التقوي و يجدي كما تجدي و ذو الفضل ابراهيم للناس عصمة تقي، و في بالوعيد، و بالوعد فأولهم نور وثانيهم هدي و ثالثهم رشد و كلهم مهدي فأمر له المتوكل بمائة و عشرين ألف درهم، و خمسين ثوبا، و بغلة، و فرس، و حمار،... و مدحه مروان بقوله: تخشي الاله فما تنام عناية بالمسلمين و كلهم بك نائم لو كان ليس لهاشم فيما مضي سلف سواك لقدمت بك هاشم و متي كان المتوكل يخشي الله أو يرجو له وقارا، و هو صاحب الأحداث الجسام في الاسلام، و الذي قضي حياته كلها باللهو و الطرب و المجون؟ و علي أي حال، فقد أعطي المتوكل هذا الشاعر المرتزق مائة ألف دينار من ورق [498] و ذهب [499] . [ صفحه 226]
أما البحتري فهو أميرالشعراء في عصره، و قد جند مواهبه الفكرية و الأدبية للثناء علي المتوكل، فأضفي عليه الألقاب الكريمة و النعوت الحسنة، و ديوانه مليء بما قاله فيه، و قد أغدق عليه المتوكل الأموال الطائلة، و وهبه الثرء العريض.
و منح المتوكل الأموال الكثيرة الي علي بن الجهم، و قربه اليه؛ و ذلك لمديحه اياه، و نصبه العداء لأهل البيت عليهمالسلام، فقد هجاهم هجاء مرا، و قدم عليهم العباسيين الذين ليست لهم أية مأثرة أو فضيلة يعتزون بها سوي الظفر بالحكم الذي جاروا فيه، و قادوا فيه الامة الي متاهات سحيقة من الظلم و الجور. و نكتفي بهذا العرض الموجز من الهبات الهائلة للشعراء، الذي كانوا من أهم وسائل الاعلام في ذلك العصر.. و هذا الانفاق يصور مدي تبذير اولئك الملوك و تبديدهم لثروات المسلمين، و تلاعبهم بالاقتصاد العام، و تسخيره لدعم ملكهم، دون أن ينفق شيء منه علي تطوير الاقتصاد العام، و اشاعة الرخاء بين الناس.
و أسرف العباسيون اسرافا هائلا في بناء القصور، فأنفقوا مئات الملايين من الدنانير علي بنائها و تزيينها بمختلف أنواع الزينة التي لم ير مثلها في جميع فترات التاريخ، فقد بنيالمتوكل - الذي يسمونه بمحيي السنة - قصره المعروف بالمرج، فجعل حيطانه من داخل القصر و خارجه ملبسة بالفسيفساء و الرخام الملون المذهب، و جعل فيه صورا عظاما من الذهب، و جعل فيه شجرة عظيمة من الذهب عليها صورة كل طائر، و هو يصوت، مكللة بالجواهر، و جعل له سريرا من ذهب، [ صفحه 227] يحمله صورة انسان، و صورة أسد، و صورة ثور، و صورة نسر، و كل ذلك من ذهب مرصع بالجواهر، و قد شبه سريره بكرسي سليمان بن داود، و قد بلغت نفقاته علي البناء و الذهب و الفضة ألف ألف و سبعمائة ألف دينار. و قد أمر أن لا يدخل أحد القصر الا و هو في ثياب من الديباج و الوشي، و قد أحضر أصحاب الملاهي و المعازف و المبطلات، فلما جلس في هذه الجنة قال له يحيي بن خاقان: أرجو يا أميرالمؤمنين أن يشكر الله لك بناء هذا القصر، فيوجب لك به الجنة. قال: و كيف ذلك؟ قال لأنك شوقت الناس بهذا القصر الي الجنة، فيدعوهم ذلك الي الأعمال الصالحة التي يرجون بها دخول الجنة. فسر بذلك المتوكل [500] . و من القصور التي بناها المتوكل (الجعفري)، و قد أنفق علي بنائه أكثر من ألفي دينار، و أحضر أصحاب الملاهي فلعبوا، و وهب لهم ألفي درهم [501] . و علي أي حال، فقد ذكرنا النفقات الهائلة التي أنفقها المتوكل علي بناء قصوره في كتابنا (حياة الامام علي الهادي عليهالسلام)، و هي تمثل جانبا كبيرا من عدم التوازن الاقتصادي في ذلك العصر، فقد حظيت الاسرة العباسية بواردات الدولة، و أنفقتها علي شهواتها و ملاذها.
و كان الجانب الأكبر من اقتصاد الدولة ينفق علي سيدات البلاط العباسي، و قد أغرقن بالترف و النعيم، فكانت السيدة زبيدة مولعة بالوشي الثمين حتي بلغ [ صفحه 228] ثمن الثوب الواحد الذي تلبسه خمسين ألف دينار [502] . و لم يقتصر هذا الترف علي العباسيات، و انما سري الي نساء الوزراء، فقد كانت عتابة امجعفر البرمكي لها مائة جارية، و كانت كل جارية تلبس من الحلي و الجواهر ما يختلف عن الاخري [503] . و علي كل حال، فانا اذا عرضنا هذا الاقتصاد علي النظم الاسلامية لوجدناه منافيا لها، و بعيدا عنها كل البعد.
و كان من الطبيعي أن تعاني الأغلبية الساحقة من الشعوب الاسلامية البؤس و الحرمان بعد ما حرمت من خزينة الدولة، و أنفقت علي شهوات الملوك و الوزراء و أجهزة الاعلام، و قد شاع الفقر، و انتشر في جميع الأوساط، فقد رأي الأصمعي شاعرا متعلقا بأستار الكعبة و هو يقول: يا رب اني سائل كما تري مشتمل شملتين كما تري و شيختي جالسة فيما تري و البطن مني جائع كما تري فما تري يا ربنا فيما تري [504] . و شكا هذا الشاعر الي الله ما يعانيه هو و زوجته من ألم الجوع، فقد خوت بطناهما و عري جسداهما، و هو يطلب من الله النجدة و الثراء. و روي الأصمعي أيضا أنه رأي شاعرا متعلقا بأستار الكعبة، و هو ينشد: [ صفحه 229] أيا رب الناس و المن و الهدي أمالي في هذا الأنام قسيم [505] . أما تستحي مني و قد قمت عاريا اناجيك يا ربي و أنت كريم أترزق أبناء العلوج و قد عصوا و تترك قرما [506] من قروم تميم [507] . و نهش الفقر كبد هذا الشاعر البائس، فخرج من حدود الأدب و الايمان، فعاتب الله عتابا حارا، فاتهمه بأنه يرزق العلوج و يحرم سيدا من سادات بنيتميم، و لم يعلم أن الله يرزق من يشاء من عباده بغير حساب. و قد صور شعراء ذلك العصر من الذين حرموا من الاتصال بالدولة سوء الحالة الاقتصادية التي كانوا يعانونها. يقول أبوفرعون الساسي: وصبية مثل صغار الذر سود الوجوه كسواد القدر جاء الشتاء و هم بشر بغير قمص و بغير أزر تراهم بعد صلاة العصر و بعضهم ملتصق بصدري و بعضهم ملتصق بظهري و بعضهم منحجر بحجري اذا بكوا عللتهم بالفجر حتي اذا لاح عمود الفجر و لاحت الشمس خرجت أسري عنهم و حلو باصول الجدر كأنهم خنافس في جحر هذا جميع قصتي و أمري فارحم عيالي و تول أمري فأنت أنت ثقتي و ذخري [ صفحه 230] كنيت نفسي كنية في شعري أنا أبوالفقر و أم الفقر [508] . و كأن هذا الشاعر البائس قد عاش في منطقة أصابها الجفاف، و لم تصلها أية اسعافات، و قد صور حالة صبيته الصغار بصورة مثيرة و مؤلمة، فقد اسودت وجوههم، و انعدمت نضارة الصبا منهم، و أقبل عليهم الشتاء و ليس عندهم قميص يتقون به من البرد، قد التصقوا بأبيهم يطلبون منه الغذاء لينقذهم من الجووع، و هو لا يجد سبيلا لاغاثتهم، و يتضرع الي الله أن يرحمه، و ينقذه من هذه المحنة الحازبة، و قد كني نفسه بأنه أبوالفقر و امه، فأي مأساة أفظع من هذه المأساة؟ و من الشعراء الذي عانوا الضيق و الحرمان عمرو بن الهدير، قال مصورا بؤسه: وقفت فلا أدري الي أين أذهب و أي امور بالعزيمة أركب عجبت لأقدار علي تتابعت بنحس فأفني طول عمري التعجب و لما طلبت الرزق فانجذ حبله و لم يصف لي من بحره العذب مشرب [509] . خطبت الي الاعدام احدي بناته لدفع الغني اياي اذ جئت أخطب فزوجنيها ثم جاء جهازها و فيه من الحرمان تخت و مشجب [510] . [ صفحه 231] فأولدتها الحرف النقي فما له علي الأرض غيري والد حين ينسب [511] . فلو تهت في البيداء و الليل مسبل علي جناحيه لما لاح كوكب ولو خفت شرا فاستترت بظلمة لأقبل ضوء الشمس من حيث تغرب ولو جاد انسان علي بدرهم لرحت الي رحلي و في الكف عقرب ولو يمطر الناس الدنانير لم يكن بشيء سوي الحصباء رأسي يحصب ولو لمست كفاي عقدا منظما من الدر أضحي و هو ودع مثقب و ان يقترف ذنبا ببرقة مذنب فان برأسي ذلك الذنب يعصب الي أن يقول: أمامي من الحرمان جيش عرمرم و منه ورائي جحفل حين أركب [512] . و صور الشاعر بهذه الأبيات ما كان يعانيه من الضياع و تعاسة الزمان و معاكسته في جميع الأحوال، و قد غرق بالجوع و الفقر في حين أن ذهب الأرض كان يذهب الي [ صفحه 232] المخنثين و العازفين و غيرهم من أصحاب اللهو و الفسق و الفجور. و من الشعراء البائسين في ذلك العصر أبوالشمقمق، قال يصف فقره: و لقد قلت حين أقفر بيتي من جراب الدقيق و الفخاره فأره قد تجنبن بيتي عائذات منه بدار الاماره و دعا بالرحيل ذبان بيتي بين مقصوصة الي طياره و أقام السنور في البيت حولا ما يري في جوانب البيت فاره ينفض الرأس فيه من شدة الجوع و عيش فيه أذي و مراره قلت لما رأيته ناكس الرأس كئيبا في الجوف منه حراره ويك صبرا فأنت من خير سنور رأته عيناي قط بحاره قال لا صبر لي و كيف مقامي وسط بيت قفر كجوف الحماره [513] . و حكت هذه الأبيات مدي الفقر الهائل - أعاذنا الله منه - الذي ألم بهذا الشاعر، فترك بيته صحراء موحشة لا طمع فيها للذباب و لا للفأر و السنور اذ ليس فيها أي طعام. و من الشعراء البائسين في ذلك العصر اسماعيل بن ابراهيم المشهور بالحمدوني، قال يصف فقره: من كان في الدنيا أخا ثروة فنحن من نظارة الدنيا نرمقها من كثب حسرة كأننا لفظ بلا معني [514] . أرأيتم كيف يصعد آهاته و حسراته حينما ينظر الي أهل الثراء، فقد عاد في الدنيا [ صفحه 233] كأن لا وجود له، فهو كلفظ لا معني له.
و نظرا لسوء الحياة الاقتصادية، و شيوع الفقر و الحاجة بين الناس، فقد أخذ الشعراء الذين لا صلة لهم بالبلاط العباسي يستجدون بشعرهم، و جعلوه وسيلة للتكسب و الحصول علي المال، و نشير الي بعضهم:
و افتقر أبوفرعون الساسي، و ضاقت به الأرض بما رحبت، فوفد علي الحسن بن سهل وزير المأمون و مدحه بقصيدة عرض فيها سوء حاله، و تعاسة أبنائه، يقول: اليك أشكو صبية و امهم لا يشبعون و أبوهم مثلهم قد أكلوا اللحم و لم يشبعهم و شربوا الماء فطال شربهم و امتذقوا المذق فما أغناهم و المضغ ان نالوه فهو عرسهم [515] . لا يعرفون الخبز الا باسمه و التمر هيهات فليس عندهم و ما رأوا فاكهة في سوقها و ما رأوها و هي تنحو نحوهم زعر الرؤوس قرعت هاماتهم من البلا و استك منهم سمعهم كأنهم جناب أرض مجدب محل فلو يعطون أوجي سهمهم [516] . بل لو تراهم لعلمت أنهم قوم قليل ريهم وشبعهم و جحشهم أجرب منقور القري و مثل أعواد الشكاعي كلبهم [517] . [ صفحه 234] كأنهم كانوا - و ان وليتهم طرا - موالي و كنت عبدهم مجتهدا بالنصح لا آلوهم أدعو لهم س يا رب سلم امهم [518] . أرأيتم هذا الاستجداء المقيت الذي ألم بالشاعر فجعله يصور نفسه و أبناءه بهذه الصورة المحزنة من الجوع و الفقر. و اشتد الفقر بأبي فرعون، فكتب الي بعض قضاة البصرة يسألهم العون، و جاء في رسالته هذه الأبيات: يا قاضي البصرة ذا الوجه الأغر اليك أشكو ما مضي و ما غبر عفا زمان و شتاء قد حضر ان «أباعمرة» في بيتي انحجر [519] . يضرب بالدف و ان شاء زمر فاطرده عني بدقيق ينتظر [520] . ان من العار علي اولئك الملوك الذين كانت بأيديهم خزائن الدنيا يتركون شعوبهم تشيع فيهم الحاجة و الحرمان.
و من شعراء ذلك العصر أبوالشمقمق، فقد كان مملقا، و قد قصد بعض ملوك ذلك العصر، فأنشدهم قصيدته التي جاء فيه: يا أيها الملك الذي جمع الجلالة و الوقاره اني رأيتك في المنام وعدتني منك الزياره فغدوت نحوك قاصدا و عليك تصديق العباره [ صفحه 235] ان العيال تركتهم بالمصر خبزهم العصاره و شرابهم بول الحمار مزاجه بول الحماره ضجوا فقلت تصبروا فالنجح يقرن بالصباره حتي أزور الهاشمي أخا الغضارة و النضاره [521] . و من الطريف أن هذا الشاعر دخل بغداد فرأي بعض الناس لابسا أفخر الثياب، الا أنه عار من النبل، و رأي بعض القرشيين يرومون المدح و الثناء، ولكن ذلك مجانا، فقال في هجائهم: ليس فيها [522] مروءة لشريف غير هذا القناع بالطيلسان و بقينا في عصبة من قريش يشتهون المديح بالمجان [523] . ان هؤلاء الشعراء كانوا يمثلون حياة شعوبهم، و ما يعانونه من جوع و ضياع و ألم، لأن الحياة الاقتصادية لم تكن سليمة و لا مستقيمة، و انما كانت مشلولة و مضطربة، فلم تحقق الحكومات العباسية الرخاء بين الناس، و لم توفر لهم الحياة الكريمة، فقد كانت واردات الدولة تنفق علي أبناء الاسرة العباسية، و علي الوزراء، و كبار رجال الدولة، في حين أن الأكثرية الساحقة كانت تعيش في فقر و بؤس و شقاء، و لم تظفر بالضروريات المعاشية، فضلا عن الكماليات.
أما الامام أبومحمد عليهالسلام، فكان يمثل الجبهة المعارضة للحكم العباسي، التي [ صفحه 236] كانت تنعي علي الحكام استبدادهم بثروات الامة و سرقتهم لأقواتها. و كان من أبرز ألوان المعارضة التي اتخذها الامام أنه حرم علي نفسه الاتصال أو التعاون بجميع صوره مع أولئك الملوك الذين اتخذوا مال الله دولا، و عباد الله خولا، و قد جهدوا علي ادراج الامام عليهالسلام في جهازهم و ضمه اليهم، فلم يستطيعوا ذلك، فقابلوه بمنتهي الشدة و القسوة، و ضيقوا عليه حياته الاقتصادية و تركوه في ضائقة مالية خانقة، فقد منعوا وصول المال اليه من شيعته، الا أن بعض المحسنين من الشيعة قد قام بدور مشرف، فكان يرسل الي الامام عليهالسلام زقاقا من السمن، و يجعل المال فيها [524] ، مما أوجب رفع تلك الضائقة عن الامام. و علي أي حال، فقد وقف الامام عليهالسلام الي جانب الفقراء و المحرومين الذين كانوا يعانون الضيق و البؤس من جراء فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية، بسبب نهب اولئك الملوك لثروات الامة، و بهذا ينتهي بنا الحديث عن الحياة الاقتصادية في عصر الامام عليهالسلام. [ صفحه 237]
أما الحياة السياسية في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام، فقد كانت بشعة و مظلمة، فقد ساد الارهاق، و انتشر الجور، و عمت الفتن، و كثرت الثورات الداخلية التي تنم عن عدم الاستقرار السياسي، و فيما أحسب أن ذلك ناشيء مما يلي: 1- تسلط الأتراك علي زمام الحكم، و استبدادهم بجميع شؤون الدولة، و هم لا يفقهون السياسة، و لا يعرفون الادارة، فظلموا الرعية، و جاروا في الحكم، و نشروا الارهاب. 2- جهل الملوك العباسيين و انغماسهم في الشهوات و اللذات، و اهمالهم لجميع شؤون الرعية، مما سبب حدوث الأزمات السياسية في ذلك العصر، و نتحدث بايجاز عن بعض معالم الحياة السياسية السائدة في عصر الامام عليهالسلام.
لقد امتحن العلويون كأشد ما يكون الامتحان، و ارهقوا ارهاقا شديدا في أكثر فترات الحكم العباسي، اذ قام ملوك العباسيين باضطهادهم رسميا و ملاحقتهم و مطاردتهم، و انزال أقصي العقوبة بهم. يقول عيسي بن زيد: الي الله أشكو ما نلاقي و اننا نقتل ظلما جهرة و نخاف و يسعد أقوام بحبهم لنا و نشقي بهم و الأمر فيه خلاف [525] . [ صفحه 238] و حكي هذا الشعر ما كان يعانيه العلويون من القتل و التنكيل ظلما و عدوانا من قبل العباسيين الذين ما نالوا الملك و السلطان الا باسم العلويين الذين قدموا المزيد من التضحيات في سبيل تحرير الشعوب الاسلامية من نير الاستبداد الأموي. و من الاجراءات القاسية التي اتخذها العباسيون ضد العلويين أنهم فرضوا عليهم الحصار الاقتصادي، فكانوا في ضائقة مالية مؤلمة. يقول يحيي بن عمر العلوي مخاطبا العباسيين: أبلغ بنيالعباس قول امرئ ما مال من حق الي ظلم ان كانت الدنيا لهم فاسمحوا منها بقوت لبني العم و أوسعونا القوت من مالكم فانه أعدل في الحكم [526] . و معني هذا الشعر أن العباسيين لم يسمحوا بالقوت، بل و لا بسد الرمق للعلويين، و تركوا الفقر جاثما عليهم ينهش أجسادهم، و تشير بعض المصادر الي أن العلويين في أيام الطاغية المتوكل قد عانوا من الضيق و الحرمان ما لا يوصف لفظاعته و مرارته، فكانوا لا يملكون الا عباءة واحدة، فاذا أراد العلوي الخروج من البيت لبسها، و كذلك اذا أرادت العلوية لبستها، و قد تحاشي الناس من الاتصال بهم خوفا من السلطة العاتية، فقد سأل محمد بن صالح الحسين ابراهيم بن المدبر كريمة عيسي بن موسي الحربي و مضي اليه خاطبا، فأبي أن يجيبه و قال له: لا اكذبك و الله اني لا أرده لأني لا أعرف أشرف و أشهر منه، لمن يصاهره، ولكني أخاف المتوكل و ولده بعده علي نعمتي و نفسي، و الي غير ذلك يشير محمد في أبيات نظمها: خطبت الي عيس بن موسي فردني فلله والي مرة و عتيقها لقد ردني عيسي و يعلم أنني سليل بنات المصطفي و عريقها [ صفحه 239] و ان لنا بعد الولادة بيعة بني الاله صنوها و شقيقها [527] . و قد امتنع المسلمون من الاتصال بالعلويين، بل حتي من السلام عليهم، فان السلطة العباسية تنزل أقصي العقوبات بمن يقابلهم بأي لون من ألوان الحفاوة و التكريم. و أشد الفترات المظلمة التي مرت علي العلويين كانت أيام المتوكل، فقد صب عليهم جام غضبه، و قابلهم بمزيد من القسوة و التنكيل، و قد هاموا علي وجوههم في المدن و القري [528] خوفا من أن تلقي السلطة عليهم القبض فتسوقهم الي المقابر أو السجون.
و عاني الامام أبومحمد عليهالسلام صنوفا ضاقة و عسيرة من الظلم و الجور أيام المتوكل، و غيره من الملوك الذين عاصرهم، فتسلح عليهالسلام بهذا الدعاء الشريف، و التجأ الي الله تعالي أن يحميه من كيده، و ينجيه من شرهم، و هذا نصه: احتجبت بحجاب الله النور الذي احتجب به عن العيون، وحتطت علي نفسي و أهلي و ولدي و مالي و ما اشتملت عليه عنايتي. ببسم الله الرحمن الرحيم و أحرزت نفسي و ذلك كله من كل ما أخاف و أحذر بالله الذي (لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم له ما في السماوات و ما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم [ صفحه 240] ما بين أيديهم و ما خلفهم و لا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات و الأرض و لا يؤوده حفظهما و هو العلي العظيم) [529] ،(و من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها و نسي ما قدمت يداه انا جعلنا علي قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في آذانهم وقرا و ان تدعهم الي الهدي فلن يهتدوا اذا أبدا) [530] . (أفرأيت من اتخذ الهه هواه و أضله الله علي علم و ختم علي سمعه و قلبه و جعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) [531] . (أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و أولئك هم الغافلون) [532] . (و اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا - و جعلنا علي قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في آذانهم وقرا و اذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا علي أدبارهم نفورا) [533] . و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين [534] . [ صفحه 241] و كشف هذا الدعاء عن مدي المخاوف التي كانت تراود الامام عليهالسلام من العباسيين، فالتجأ الي الله تعالي، و انقطع اليه لينقذه و أهله و ولده من ظلمهم، و يجعله بمأمن من كيدهم. و كان عليهالسلام يحترز بهذا الدعاء و يتقي به من العباسيين. «يا عدتي عند شدتي، و يا غوثي عند كربتي، و يا مؤنسي عند وحدتي، احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بركنك الذي لا يرام» [535] . ويلمس في هذا الدعاء الجليل ما أحاط بالامام عليهالسلام من الخطوب و الشدائد من قبل العباسيين، فاستجار الله تعالي ليحرسه و يحميه من ظلمهم و جورهم.
و اضطهد العباسيون القميين، و أشاعوا فيهم الجور و الارهاب، فقد استعملوا عليهم موسي بن يحيي واليا، و كان ظالما شريرا، تنفر منه النفوس لسوء أخلاقه و تجرده من كل خلق انساني، و قد سار فيهم سيرة لم يألفوها من ذي قبل، فنشر الظلم، و اعتدي عليهم بغير حق، و قد فزع وجوه القميين و خيارهم الي الامام أبيمحمد عليهالسلام، و عرضوا عليه ذلك، فتألم و تأثر، و تضرع الي الله تعالي أن ينقذهم من شر هذا الباغي اللئيم.
و زود الامام أبومحمد عليهالسلام القميين بهذا الدعاء الجليل، و طلب منهم أن يدعوا به [ صفحه 242] الله في أثناء قنوتهم ليكشف عنهم هذه المحنة الحازبة، و هذا نصه: الحمدلله شكرا لنعمائه، و استدعاء لمزيده، و استخلاصا له و به دون غيره، و عياذا من كفرانه، و الالحاد في عظمته و كبريائه، حمد من يعلم أن ما به من نعماء فمن عند ربه، و ما مسه من عقوبة فبسوء جناية يده، و صلي الله علي محمد عبده و رسوله، و خيرته من خلقه، و ذريعة المؤمنين الي رحمته، و علي آله الطاهرين ولاة أمره. اللهم انك ندبت الي فضلك، و أمرت بدعاءك، و ضمنت الاجابة لعبادك، و لم تخيب من فزع اليك برغبته، و قصد اليك بحاجته، و لم ترجع يد طالبة صفرا من عطائك، و لا خائبة من نحل هباتك. و أي راحل رحل اليك فلم يجدك قريبا، أو أي وافد وفد عليك فاقتطعته عوائق الرد دونك، بل أي محتفر [536] من فضلك لم يمهه [537] فيض جودك، و أي مستنبط لمزيدك أكدي دون استماحة سجال [538] عطيتك. اللهم و قد قصدت اليك برغبتي، و قرعت باب فضلك يد مسألتي، و ناجاك بخشوع الاستكانة قلبي، و وجدتك خير شفيع لي اليك، و قد [ صفحه 243] علمت ما يحدث من طلبتي قبل أن يخطر بفكري، أو يقع في خلدي، فصل اللهم دعائي اياك باجابتي، و اشفع مسألتي بنجح طلبتي». و حوي هذا المقطع علي تمجيد الله و حمده، و بيان نعمه و ألطافه علي عباده التي منها استجابة دعائهم، و كشف ما ألم بهم من عظيم المحن و البلوي، و كان ذلك بأبلغ بيان عرفته اللغة العربية، و هو مما تتميز به أدعية أئمة أهلالبيت عليهمالسلام، و لنستمع الي بند آخر من هذا الدعاء الجليل: اللهم و قد شملنا زيغ الفتن، و استولت علينا غشوة الحيرة، و قارعنا الذل و الصغار، و حكم علينا غير المأمونين في دينك، و ابتز امورنا معادن الأبن [539] ممن عطل حكمك، و سعي في اتلاف عبادك، و افساد بلادك. اللهم و قد عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و امارتنا غلبة بعد المشورة، وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، فاشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم و الأرملة، و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، و ولي القيام بامورهم فاسق كل قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر اليهم بعين الرحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحري من مسغبة، فهم اولو ضرع بدار مضيعة، و أسراء مسكنة، و خلفاء كابة و ذلة. و تحدث الامام العظيم عليهالسلام في هذا المقطع عن الأوضاع السياسية الخطيرة السائدة في ذلك العصر، و التي قلبت المعايير الاجتماعية، و نسفت القيم و المبادئ، [ صفحه 244] و عادت بالأضرار البالغة علي الشعوب الاسلامية، و كان منها ما يلي: أولا: انتشار الفتن المروعة بين المسلمين. ثانيا: ذل المسلمين و هوانهم. ثالثا: ان الحكم - في ذلك العصر - قد استولي عليه السفلة و المجرمون، فحكموا بغير ما أنزل الله، و كان البارز في سياستهم ما يلي: 1- تعطيل أحكام الله. 2- ان فيء المسلمين صار دولة بأيدي أعوان السلطة و عملائها. 3- ان أموال الخزينة العامة في الدولة التي يجب أن تنفق علي انعاش اليتامي و اعالة الأرامل قد صرفت علي شراء المعازف و الملاهي، و انفقت علي المغنين و اللاهين، كما أوضحنا ذلك في البحث عن السياسة المالية في ذلك العصر. 4- ان أغلبية الوظائف في الدولة قد عهد بها الي أهل الذمة من اليهود و النصاري، و حرم منها المسلمون. 5- ان الحكومة العباسية في ذلك العصر قد ولت الفسقة و الفجار و مكنتهم من رقاب المسلمين، فصاروا اساري لا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر اليهم بعين الرحمة، فأي كارثة أعظم من هذه الكارثة التي حلت بالمسلمين؟ و لنعد بعد هذا لنقرأ لوحة اخري من هذا الدعاء الجليل و نتأمل فيها: اللهم و قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و استحكم عموده، و استجمع طريده، و خذرف [540] وليده، و بسق [541] فرعه، و ضرب بجرانه [542] . [ صفحه 245] اللهم فأتح له من الحق يدا حاصدة، تصرع [543] قائمه، و تهشم سوقه [544] ، و تجب سنامه [545] ، و تجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته، و يظهر الحق بحسن حليته. اللهم و لا تدع للجور دعامة الا قصمتها، و لا جنة الا هتكتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا سرية ثقل [546] الا خففتها، و لا قائمة علو الا حططتها، و لا رافعة علم الا نكستها، و لا خضراء الا أبرتها [547] . اللهم فكور شسمه، و حط نوره، واطمس ذكره، وارم بالحق رأسه، وفض جيوشه، و أرعب قلوب أهله. اللهم و لا تدع منه بقية الا أفنيت، و لا بنية الا سويت، و لا حلقة الا فصمت، و لا سلاحا الا أكللت، و لا حدا الا فللت، و لا كراعا [548] الا اجتحت، و لا حاملة علم الا نكست. اللهم و أرنا أنصاره عباديد بعد الالفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الامة. [ صفحه 246] و حكي هذا المقطع عن عظيم الألم الذي يجيش في صدر الامام عليهالسلام من اولئك الحكام الظالمين الذين غيروا معالم الدين، و أحالوا حياة الأحرار و المصلحين الي جحيم لا يطاق، و قد دعا عليهم بهذا الدعاء الحار متضرعا الي الله تعالي أن لا يدع لهم ظلا علي الأرض، و ان ينزل بهم عذابه و عقابه، فيجعلهم حصيدا تذرهم الرياح، ليشفي بذلك صدور المؤمنين الذين ذاقوا منهم مرارة الظلم و الجور. و لنستمع الي بند آخر من هذا الدعاء الجليل. و أسفر لنا عن نهار العدل، و أرناه سرمدا لا ظلمة فيه، و نورا لا شوب معه [549] ، و اهطل علينا ناشئته، و أنزل علينا بركته، و أدل له ممن ناواه [550] ، و انصره علي من عاداه. اللهم و اظهر به الحق، و أصبح به في غسق الظلم، و بهم الحيرة. اللهم و أحي به القلوب الميتة، و اجمع به الأهواء المتفرقة، و الآراء المختلفة، و أقم به الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و أشبع به الخماص [551] الساغبة [552] ، و أرح به الأبدان المتعبة، كما ألهجتنا بذكره. و أخطرت ببالنا دعاءك له، و وفقتنا للدعاء اليه، و حياشة أهل الغفلة عنه، و أسكنت في قلوبنا محبته، و الطمع فيه، و حسن الظن بك لاقامة مراسمه. [ صفحه 247] اللهم فآت لنا منه علي حسن يقين، يا محقق الظنون الحسنة، و يا مصدق الآمال المبطئة، اللهم و أكذب به المتألين عليك فيه، و أخلف به ظنون القانطين من رحمتك و الآيسين منه. اللهم اجعلنا سببا من أسبابه، و علما من أعلامه، و معقلا من معاقله، و نضر وجوهنا بتحليته، و أكرمنا بنصرته، و اجعل فينا خيرا تظهرنا له و به، و لا تشمت بنا حاسدي النعم، و المتربصين بنا حلول الندم، و نزول المثل، فقد تري يا رب براءة ساحتنا، و خلو ذرعنا من الاضمار لهم علي احنة، التمني لهم وقوع جائحة [553] ، و ما تنازل من تحصينهم بالعافية، و ما أضبؤا لنا من انتهاز الفرصة، و طلب الوثوب بنا عند الغفلة. و أعرب الامام عليهالسلام في هذا المقطع عن دعائه لمن يسوس الامة بسياسة العدل و الانصاف، و يزيح عنها الظلم و الجور، و يقيم فيها حكم الله تعالي الذي تنتعش فيه الآمال، و تحيا به البلاد و العباد بالنصر و التأييد، و التوفيق و التسديد، و أن لا يحول بينه و بين ما يرومه من الاصلاح الشامل حائل و لا مانع. و لنعد الي مواصلة كلام الامام عليهالسلام: اللهم و قد عرفتنا من أنفسنا، و بصرتنا من عيوبنا خلالا نخشي أن تقعد بنا عن استيهال اجابتك، و أنت المتفضل علي غير المستحقين، و المبتدئ بالاحسان غير السائلين، فآت لنا من أمرنا علي حسب كرمك [ صفحه 248] وجودك و فضلك و امتنانك، انك تفعل ما تشاء، و تحكم ما تريد انا اليك راغبون، و من جميع ذنوبنا تائبون. و حكي الامام عليهالسلام في هذه الفقرات المشرقة من دعائه عن ضعف النفس البشرية، و خوفه من التهاون في اجابة ما أمر الله به، و نهي عنه، طالبا منه أن يفيض عليه بكرمه و يشمله بجوده و امتنانه. ثم واصل الامام العادل قائلا: اللهم و الداعي اليك، و القائم بالقسط من عبادك، الفقير الي رحمتك، المحتاج الي معونتك علي طاعتك، اذ ابتدأته بنعمتك، و ألبسته أثواب كرامتك، و ألقيت عليه محبة طاعتك، و ثبت و طأته في القلوب من محبتك، و وفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك، و جعلته مفزعا لمظلوم عبادك، و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك، و مجددا لما عطل من أحكام كتابك، و مشيدا لما ورد من أعلام سنن نبيك عليه و آله سلامك و رحمتك و بركاتك. فاجعله اللهم في حصانة من بأس المعتدين، و أشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين، و بلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من أتباع النبيين. اللهم و أذلل به من لم تسهم له في الرجوع الي محبتك، و من نصب له العداوة، و ارم بحجرك الدامغ من أراد التأليب علي دينك باذلاله، [ صفحه 249] و تشتيت جمعه، و اغضب لمن لا ترة له، و لا طائلة، و عادي الأقربين و الأبعدين فيك، منا منك عليه لا منا منه عليك. و في هذا المقطع واصل الامام عليهالسلام دعاءه بالتأييد الشامل للامام العادل الذي يحكم بين المسلمين علي ضوء كتاب الله، و سنة نبيه، فقد دعا له أن يلقي الله محبته في قلبه ليسعي لاحياء الدين و اقامة شعائره، كما دعا بأن يجعله مفزعا للمظلومين، و ملاذا و كهفا لمن لا يجد ناصرا الا الله، كما طلب من الله تعالي أن يجعله في حصانة من بأس المعتدين، و كيد الماكرين، و دعا بالذل و التمزيق لمن أراد أن يؤلب عليه، و ينصب له العداوة و البغضاء. و يستمر الامام عليهالسلام في الدعاء له فيقول: اللهم فكما نصب نفسه فيك غرضا للأبعدين، و جاد ببذل مهجته لك في الذب عن حريم المؤمنين، و رد شر بغاة المرتدين المريبين حتي أخفي ما كان جهر به من المعاصي، و ابتدأ ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم فيما أخذ ميثاقهم علي أن يبينوه للناس و لا يكتموه، و دعا الي الاقرار لك بالطاعة، و ألا يجعل لك شريكا من خلقك يعلو أمره علي أمرك، مع يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواس القلوب، و ما يعتوره من الغموم، و يفرع عليه من أحداث الخطوب، و يشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق، و لا تحنو عليها الضلوع، من نظرة الي أمر من أمرك، و لا تناله يده بتغييره، و رده الي محبتك. فاشدد اللهم أزره بنصرك، و أطل باعه في ما قصر عنه من اطراد [ صفحه 250] الراتعين في حماك، وزده في قوته بسطة من تأييدك، و لا توحشنا من انسه، و لا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته، و العدل الظاهر في امته. عرض الامام عليهالسلام في هذه الفقرات المضيئة الي سمو منزلة الامام العادل، و عظيم مكانته؛ لأنه قد نصب نفسه غرضا في جنب الله، فعادي الأقربين، و تولي الأبعدين، و ناجز البغاة المرتدين، و تحمل من المصاعب ما تنوء بحمله الرقاب، كل ذلك في سبيل اعلاء كلمة الله تعالي، و دحض القوي المناهضة للاصلاح الاجتماعي و العدل السياسي. و يواصل الامام عليهالسلام دعاءه له بالتأييد و العزة قائلا: اللهم و شرف بما استقبل به من القيام بأمرك لدي موقف الحساب مقامه، و سر نبيك محمدا صلواتك عليه و آله برؤيته و من تبعه علي دعوته، و أجزل له علي ما رأيته قائما به من أمرك ثوابه، و ابن قرب دنوه منك في حياته، و ارحم استكانتنا من بعده، و استخذاءنا لمن كنا نقمعه به اذا فقدتنا وجهه، و بسطت أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته، و افترقنا بعد الالفة و الاجتماع تحت ظل كنفه، و تلهفنا عند الفوت علي ما أقعدتنا عنه من نصرته، و طلبنا من القيام بحق ما لا سبيل لنا الي رجعته. و اجعله اللهم في أمن مما يشفق عليه منه، و رد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن اليه و الي شركائه في أمره، و معاونيه علي طاعة ربه [ صفحه 251] الذين جعلتهم سلاحه و حصنه، و مفزعه و انسه، الذين سلوا عن الأهل و الأولاد، و جفوا الوطن، و عطلوا الوثير من المهاد، و رفضوا تجارتهم، و أضروا بمعايشهم، و فقدوا أنديتهم بغير غيبة عن مصرهم، و خالطوا البعيد ممن عاضدهم علي أمرهم، و قلوا القريب ممن صد عنهم و عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر و التقاطع في دهرهم، و قطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا. فاجعلهم اللهم في أمن من حرزك و ظلك و كنفك، و رد عنهم بأس من قصد اليهم بالعداوة من عبادك، و أجزل لهم علي دعوتهم من كفايتك و معونتك، و أيدهم بتأييدك و نصرك، و أزهق بحقهم باطل من أراد اطفاء نورك. اللهم و املأ بهم كل افق من الآفاق، و قطر من الأقطار قسطا و عدلا، و مرحمة و فضلا، و اشكرهم علي حسب كرمك و جودك علي ما مننت به علي القائمين بالقسط من عبادك، و ادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات، انك تفعل ما تشاء و تحكم ما تريد» [554] . و بهذا انتهي هذا الدعاء الجليل الذي هو من ذخائر أدعية أئمة أهلالبيت عليهمالسلام، و من مناجم الفكر الاسلامي، و بالاضافة الي ذلك فانه من أهم الوثائق السياسية الحافلة بما عاناه المسلمون في ذلك العصر من الظلم و الاضطهاد و الجور، و ما يتوخاه الامام عليهالسلام لهم من اقامة العدل السياسي و الاجتماعي علي يد امام عادل [ صفحه 252] يسير بين المسلمين بسياسة الحق المحض. و اني لا أكاد أعرف وثيقة سياسية أهم من هذه الوثيقة، و لا أسمي فكرا، و لا أعود نفعا منها علي المجتمع، فقد رسمت الشروط الدولية للحاكم العادل، و بينت أهدافه و المبادئ التي يجب أن يحققها علي مسرح الحياة الاسلامية، و لو لم يكن للامام أبيمحمد عليهالسلام من تراث الا هذا الدعاء الجليل لكفي به في التدليل علي امامته، و ما يملكه من طاقات علمية و فكرية هائلة.
و أغلب وزراء بنيالعباس كانوا من الظالمين الطغاة، فقد احتقروا الرعية، و بالغوا في اذلالها و قهرها، ففي زمان المنتصر العباسي خرج وزيره أحمد بن الخصيب، و كان راكبا، تظلم اليه شخص، فأخرج الوزير رجله من الركاب فزج بها في صدره فقتله، فتحدث الناس بذلك، و قال بعض الشعراء: قل للخليفة يابن عم محمد أشكل وزيرك انه شكال أشكله عن ركل الرجال و ان ترد مالا فعند وزيرك الأموال [555] . و بالاضافة الي ذلك فقد اختلسوا أموال الدولة و نهبوها، فقد كان عثمان بن عمارة واليا علي سجستان في أيام الرشيد، فطولب بخمسة آلاف درهم، و حبس عليها، فقال يستشفع الي الرشيد و يعترف ضمنا بالخيانة: [ صفحه 253] أغثني أميرالمؤمنين بنظرة نزول بها عني المخاوف و الأزل [556] . ففضلك أرجو لا البراءة انه أبي الله الا أن يكون لك الفضل و الا أكن أهلا لما أنت أهله فأنت أميرالمؤمنين له أهل و قد احتذي الوزراء بأسيادهم من ملوك بنيالعباس الذي نهبوا أموال المسلمين، و تركوا الفقر مخيما عليهم. يقول المؤرخون: «ان المنصور أخذ أموال الناس حتي ما ترك عند أحد فضلة، و كان مبلغ ما أخذه منهم ثمانمائة ألف ألف درهم» [557] . و علي أي حال، فقد جهد الوزراء علي ظلم المسلمين و اذلالهم، و نهب ما عندهم من أموال.
و كان من الطبيعي أن تنطلق الشعوب الاسلامية في مسيرتها النضالية، و ترفع علم الثورة ضد الحكم العباسي الذي استأثر بمقدراتها الاقتصادية، و قد حدثت ثورات محلية متعددة، كان باعثها التخلص من الاستعباد و الظلم و الجور. و نقتصر علي ذكر بعضها للتدليل علي ما ذكرناه في أول هذا البحث من عدم الاستقرار السياسي، و اضطراب الأمن العام في ذلك العصر.
رفع الشهيد العظيم يحيي بن عمر الطالبي راية الثورة علي الحكم العباسي، مطالبا بتحقيق العدالة الاجتماعية، و توزيع فيء المسلمين علي الفقراء و الضعفاء، [ صفحه 254] و قد احتفي به المحرومون، و تولاه العامة و الخاصة، و ذلك لحسن طويته، و ما كان يرومه من رفع مستوي الحياة العامة، و قد استولي علي الكوفة، و أخرج من كان في سجونها من المظلومين و المضطهدين. و قد أجهزت عليه الحكومة العباسية فقتلته، و سير رأسه الشريف الي محمد بن عبدالله بن طاهر أحد جلادي ذلك العصر، فصيره الطاغية الي المستعين، و نصب في سامراء ليكون عبرة لمن يفكر بالثورة علي العباسيين. و قد دخل الانتهازيون علي ابنطاهر يهنئونه بهذا الظفر و النصر، و دخل عليه أبوهاشم الجعفري، فقال له: أيها الأمير، انك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلي الله عليه و آله حيا لعزي به. و وجم الجميع، و ود ابنطاهر أن الأرض قد ساخت به، و نهض أبوهاشم و هو يقول: يا بني طاهر كلوه و بيئا ان لحم النبي غير مري ان وترا يكون طالبه الله لوتر نجاحه بالحري و قد كان مصرع هذا العلوي العظيم من الأحداث الجسام في ذلك العصر، و قد انبري الشعراء الي تأبينه، و تعداد مزاياه، و ما لحق بالمسلمين من الخسارة العظمي بفقده، فمن ذلك قول بعضهم: بكت الخيل شجوها بعد يحيي و بكاه المهند المصقول و بكاه العراق شرقا و غربا و بكاه الكتاب و التنزيل و المصلي و البيت و الركن و الحجر جميعا له عليه عويل كيف لم تسقط السماء علينا يوم قالوا: أبوالحسين قتيل و بنات النبي يبدبن شجوا موجعات دموعهن همول [ صفحه 255] قطعت وجهه سيوف الأعادي بأبي وجهه الوسيم الجميل ان يحيي أبقي بقلبي غليلا سوف يودي بالجسم ذاك الغليل قتله مذكر لقتل علي و حسين و يوم اوذي الرسول [558] . و رثاه شاعر العصر ابنالرومي بقصيدة عصماء تعد من ذخائر الأدب العربي، أثبتنا بعضها في كتابنا (حياة الامام علي الهادي عليهالسلام).
و من الثورات المحلية التي دوخت الحكم العباسي في ذلك العصر ثورة الزنج، و قد تزعمها علي بن عبدالرحيم من بني عبدالقيس، و قد ادعي أنه علوي ينتهي نسبه الي الشهيد الخالد زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام، و ذلك لتلتف حوله الجماهير و تؤيد ثورته، فان الانتماء الي هذه الاسرة الكريمة التي تبنت القضايا المصيرية للعالم الاسلامي، و أصبحت رمزا للثورة و التمرد علي الظلم و الطغيان يعطي دعما كبيرا لنجاح الثورة. و علي أي حال، فقد نفي الامام أبومحمد عليهالسلام مزاعم علي بن محمد زعيم الثورة الزنجية بأنه علوي. قال عليهالسلام: «صاحب الزنج ليس منا أهلالبيت» [559] . أما تفصيل هذه الثورة، و بيان الشعارات التي رفعها الثوار، فقد عرضت لها موسوعات التاريخ الاسلامي، و قد ألمحنا اليها للتدليل علي اضطراب الأمن في ذلك العصر، و عدم الاستقرار السياسي. [ صفحه 256]
و استعمل المتوكل علي الشام ذئبا من عملائه و مرتزقته، فأحال حياة المواطنين الي جحيم، فوثب عليه الأحرار فأخرجوه. و لما علم المتوكل بذلك جهز جيشا مكثفا في سبعة آلاف فارس و ثلاثة آلاف راجل، و عهد الي القائد العام باباحة دمشق ثلاثة أيام، كما فعل أخوه في الاثم و الشر يزيد بن معاوية في مدينة النبي صلي الله عليه و آله [560] . لقد ابتلي المسلمون بهؤلاء الملوك الذين جهدوا في ظلمهم و اذلالهم و قهرهم بغير حق. هذه بعض الثورات التي حدثت في ذلك العصر، و هي تنم عن شيوع الجور و انتشار الظلم، و عدم الاستقرار السياسي، فان الثورة أو الانتفاضة الشعبية انما هي - علي الأكثر - وليدة هذه العوامل.
و من أهم العوامل في الفساد الاداري و السياسي في جهاز الحكم العباسي في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام، تسلط الأتراك علي زمام الحكم، و تلاعبهم بمقدرات الدولة، و قد خضع دست الملك العباسي لارادتهم و رغباتهم، فهم الذين يقدمون لزعامة الدولة من شاءوا، و يعزلون عنها من أرادوا، و أصبحت السلطات الدستورية كلها بأيديهم، و الملك انما هو بالاسم لا غير. فقد نزعت منه جميع الصلاحيات الادارية، و جرد من كل شيء عدا الانغماس في اللهو و الطرب و المجون، و قد صور المعتمد العباسي نفسه من العجز أمام الأتراك [ صفحه 257] بقوله: أليس من العجائب أن مثلي يري ما قل ممتنعا عليه و تؤخذ باسمه الدنيا جميعا و ما من ذاك شيء في يديه [561] . لقد جمد هذا الملك، و منع من التصرف في المال حتي في القليل منه، في حين أن الدنيا كانت تحت ملكه، فقد استولي الأتراك علي جميع مقدرات الدولة، و لم يعد لا ملك أي شأن فيها، و صور شاعر حالة المستعين العباسي بقوله: خليفة في قفص بين وصيف و بغا يقول ما قالا له كما يقول الببغا [562] . و من الطريف أن المعتز بالله لما ولي الخلافة استدعي بعض أصحابه جماعة من المنجمين فسألوهم: كم يبقي الخليفة في الحكم؟ و كم المدة التي يعيش فيها؟فانبري بعض الظرفاء فقال لهم: أنا أعرف ذلك. - أخبرنا. - ان الأمر بيد الأتراك، فهم الذين يقررون مدة حكمه و حياته، و غرق الجميع في الضحك، و عرفوا صدق قوله [563] . الي هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض معالم الحياة السياسية في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام، و هي - كما ذكرنا - كانت بشعة و مرهقة و مظلمة. [ صفحه 258]
أما الحياة العقائدية في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام، فلم تكن سليمة و لا مستقيمة، فقد منيت بالاضطراب من جراء بعض المنحرفين الذين أثاروا الشبه حول العقيدة الاسلامية الناصعة، كما قام بعض المشعوذين من غير المسلمين بشعوذة لتضليل المسلمين و افساد عقيدتهم. و قد تصدي الامام أبومحمد عليهالسلام للذب عن الاسلام، و الدفاع عنه، فأبطل أوهامهم، و زيف شبههم، و أبرز الواقع المشرق للاسلام. كما أن هناك ظاهرة اخري في عصر الامام عليهالسلام، و هي قيام بعض الدجالين بالكذب علي الامام و علي أبيه من قبله، و ذلك لافساد عقيدة أتباع أهلالبيت. فانبري الامام عليهالسلام الي لعنه، و أمر شيعته بلعنه و البراءة منه، و نعرض في ما يلي الي ذلك، و الي بعض الجهات الاخي التي ترتبط بالموضوع.
كان اسحاق الكندي فيلسوف العراق قد راودته بعض الشبه حول القرآن الكريم، فأشاع في الأوساط العلمية أنه ألف كتابا أسماه (تناقض القرآن)، و قد أشغل نفسه بذلك. و انتهي الخبر الي الامام أبيمحمد عليهالسلام، فالتقي ببعض تلامذة الكندي، فقال عليهالسلام له: أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره. [ صفحه 259] فقال له الامام عليهالسلام: أتؤدي اليه ما ألقيه اليك؟ - نعم. و أدلي الامام عليهالسلام بالحجة القاطعة، و الدليل الحاسم الذي ينسف جميع شبه الكندي، فقال لتلميذه: صر اليه، و تلطف في مؤانسته، و معونته علي ما هو بسبيله، فاذا وقعت الأنسة فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فانه يستدعي ذلك منك فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها، فانه سيقول لك: انه من الجائز لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله أراد غير هذا الذي ذهبت أنت اليه، فيكون واضعا لغير معانيه. و نسف الامام عليهالسلام بهذه الحجة الدامغة شبهة الكندي، و سد فيها كل ثغرة يسلك منها لاثبات التناقض في كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فان ايهام ذلك انما يكون حسب ما يفهمه الكندي من المعني، و يجوز أن يكون له معني آخر لم يفهمه، و لم يتوصل الي معرفته يرتفع به التناقض، و لا يبقي حينئذ أي مجال للاشكال. و سار الرجل حتي التقي باستاذه الكندي، و تلطف معه، و ألقي عليه ما تفضل به الامام عليهالسلام، و أخذ يفكر و يطيل النظر في الأمر أي في الحق و الصواب في ذلك، فانه أمر محتمل، و سائغ في اللغة، و التفت الي تلميذه فقال له: أقسمت عليك الا ما أخبرتني من أين لك هذا؟ - انه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك. - كلا ما مثلك من يهتدي الي هذا.. عرفني من أين لك هذا؟ - أمرني به الامام أبومحمد. - الآن جئت به، و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت. [ صفحه 260] و عمد الكندي الي كتابه فأحرقه و أتلفه [564] ، فقد رأي المنطق و الصواب في كلام الامام عليهالسلام.
و كشف الامام أبومحمد عليهالسلام النقاب عن شعوذة راهب أراد أن يضلل المسلمين، و يشككهم في دينهم، و بيان ذلك حسبما ذكره الرواة أن الناس أصابهم قحط شديد، فأمر المعتمد العباسي بالخروج الي الاستسقاء ثلاثة أيام فخرجوا و لم يغاثوا بالمطر، و خرج النصاري و معهم راهب كلما مد يده الي السماء هطلت، و فعل ذلك مكررا، فشك بعض الجهلة في دينهم، و ارتد البعض الآخر، و شق ذلك علي المعتمد، ففزع الي الامام أبيمحمد عليهالسلام، و كان في سجنه و قال له: أدرك أمة جدك يا رسول الله صلي الله عليه و آله قبل أن يهلكوا. فقال له الامام عليهالسلام: يخرجون غدا، و أنا أزيل الشك ان شاءالله. و أخرجه المعتمد من السجن، و طلب منه أن يطلق سراح أصحابه من السجن فاستجاب له، و أخرجهم. و في اليوم الثاني خرج الناس للاستسقاء، فرفع الراهب يده الي السماء، فغيمت و مطرت، فأمر الامام بتفتيش يده و أخذ ما فيها، و اذا فيها عظم آدمي، فأخذه منه و أمره بالاستسقاء، فرفع يده الي السماء، فزال ما فيها من غيم، و طلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك. و بادر المعتمد قائلا: ما هذا يا أبامحمد؟ - هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، و ما كشف عظم نبي تحت السماء الا هطلت بالمطر. [ صفحه 261] و تفحص المعتمد عن ذلك، فكان كما أخبر الامام عليهالسلام فزالت الشبهة، و انتفي الشك [565] .
و من آفات ذلك العصر انتشار الكاذبين و الوضاعين، و هو مما ينم عن ضعف العقيدة الاسلامية في النفوس، و من أشهر الوضاعين و الكذابين عروة بن يحيي الدهقان البغدادي، فقد كان يكذب علي أبيالحسن علي بن محمد عليهالسلام و علي أبيمحمد الحسن بن علي من بعده، و كان يختلس الأموال التي ترد للامام من شيعته، و يكذب عليه، و قد لعنه الامام، و أمر الشيعة بلعنه و البراءة منه لئلا يفسد عقيدتهم [566] . و بهذا العرض الموجز ينتهي بنا الحديث عن الحياة العقائدية في عصر الامام عليهالسلام، و هي كما ذكرنا كانت مضطربة و غير سليمة.
و ظاهرة اخري في عصر الامام أبيمحمد عليهالسلام، و هي أنه قد ساد فيه اللهو و الطرب، فكانت بغداد و سامراء تعجان بالدعارة و المجون، و قد جر المجتمع الي هذه الحياة العابثة ملوك بنيالعباس الذين استسلموا للذاتهم و شهواتهم، فكانت لياليهم الحمراء حافلة بجميع صنوف الآثام و المنكرات. ان معظم ملوك بنيالعباس قد خلدوا الي الطرب و اللهو، و لنستمع الي بعض ما اثر عنهم. فهذا المهدي، و هو أول من فتح باب الطرب لملوك العباسيين، كان [ صفحه 262] يقضي لياليه بالغناء و العزف و الخمر، و كان مشغوفا بجارية مغنية تسمي جوهر، و فيها يقول: ألا يا جوهر القلب لقد زدت علي الجوهر و قد أكملك الله بحسن الدل و المنظر [567] . اذا ما صلت يا أحسن خلق الله بالمزهر [568] . و غنيت، ففاح البيت من ريحك بالعنبر فلا و الله ما المهدي أولي منك بالمنبر فان شئت ففي كفك خلع ابن أبيجعفر [569] . لقد بلغت الشهوة بالمهدي الي مستوي سحيق، فقد جعل هذه المغنية أولي بالخلافة، و أحق بها منه، فأي استهتار مثل هذا الاستهتار؟ و أي مضيعة لحقت بالمسلمين مثل هذه المضيعة؟ و مثل المهدي حاكم و وال عليهم. أما الرشيد فهو من أشهر ملوك بنيالعباس في اللهو و الطرب، و قد حفلت لياليه بجميع ضروب العزف و الغناء و الرقص و تعاطي الخمر، و كان كلفا بجارية تسمي «ذات الخال»، فحلف لها يوما أن لا تسأله شيئا الا قضاه، فسألته أن يولي رجلا الحرب و الخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك، و كتب عهده، و شرط علي ولي العهد من بعده أن يتمها له ان لم تتم له في حياته [570] . أما المأمون الذي يقال عنه انه كان متوازنا في سلوكه، فانه قضي الكثير من لياليه [ صفحه 263] في الطرب و المجون، و كان مغرما بجارية يقال لها «عريب»، و قد قال فيها: أنا المأمون و الملك الهمام علي أني بحبك مستهام أترضي أن أموت عليك وجدا و يبقي الناس ليس لهم امام [571] . و خرج المأمون في يوم الشعانين، و هو من أعياد النصاري، فخرجت بين يديه عشرون وصيفة رومية قد زين بالديباج الرومي، مزنرات الأوساط، قد علقن في أعناقهن صلبان الذهب و في أيديهن سعفات النخل و أغصان الزيتون، فقال: ضباء كالدنانير ملاح في المقاصير جلاهن الشعانين علينا في الزنانير و قد زرفن أصداغا كأذناب الزرازير و أقبلن بأوساط كأوساط الزنابير [572] . أما المتوكل الذي كان معاصرا للامام أبيمحمد عليهالسلام، فقد كان مائعا منسابا وراء شهواته، و هو أخلع بنيالعباس، و سوف نتحدث عن هذه الظاهرة و غيرها من معالم حياته في البحوت الآتية. و بهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الامام عليهالسلام، و قد بحثنا عن الكثير من مظاهر هذا العصر. [ صفحه 267]
لابد لنا من وقفة قصيرة للحديث عن الملوك الذين عاصرهم الامام أبومحمد عليهالسلام، و اعطاء صورة عن سلوكهم، و ما عاناه الامام من بعضهم من المحن و البلوي، فان ذلك - فيما أحسب - من أهم ما يريد أن يتعرف عليه القراء، و في ما يلي ذلك:
تقلد المتوكل بن المعتصم الملك و السلطان في سنة (232 ه) [573] ، و هي السنة التي ولد فيها الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام [574] . و حينما ولي المتوكل الملك اصيب الناس بكارثة سماوية لم يعهدوها من ذي قبل، فقد هبت ريح بالعراق شديدة السموم أحرقت زرع الكوفة و البصرة و بغداد، و قتلت المسافرين، و دامت خمسين يوما، و سرت الي همدان و الموصل و سنجار، و أحرقت الزرع و المواشي، و منعت الناس من المعاش في الأسواق، و من المشي في الطرقات، و أهلكت خلقا عظيما [575] . [ صفحه 268] و لعلها كانت انذارا من السماء بشؤم ملكه و عهده. و حينما بويع بالملك أهدي اليه عبيدالله بن طاهر أربعمائة جارية قيان و سواذج [576] تتقدمهن محبوبة، و هي التي هام بها [577] ، و نتحدث بايجاز عن بعض شؤونه و سيرته.
أما صفاته و نزعاته النفسية، فهي كما يلي:
عاش المتوكل حياة عابثة ليس فيها أي ميل الي الجد، و انما كانت مترعة باللهو و الهزل، و كان ذلك من عناصره و من مقوماته الذاتية. يقول المؤرخون: «انه لم يكن أحد ممن سلف من خلفاء بنيالعباس ظهر في مجلسه اللعب و المضاحك و الهزل، فلما جاء المتوكل أحدث ذلك كله، و تبعه فيه أكثر خواصه» [578] . و كان يدخل السماجة في مجلسه، و هم اناس كانوا يحاكون حركات بعض الناس و يمثلونهم في أصواتهم، و يظهرون في مظاهر مضحكة [579] .
و من أبرز مظاهره النفسية أنه كان منهمكا في اللذات و الشراب انهماكا [ صفحه 269] كبيرا [580] و كان «بنان» و «زنام» غلامين من غلامانه بارعين في العزف و الغناء لا يفارقانه، هذا يضرب له بالعود، و ذاك يزمر له، و كان لا يشرب الا علي سماعهما [581] . و كانت حاشيته تتقرب اليه باهدائه الجواري الملاح و الخمور المعتقة؛ لأن ذلك من أحب ما يصبو اليه، فقد أهدي اليه الفتح بن خاقان، و كان المتوكل قد أبل من مرضه، جارية في منتهي الحسن، و جاما من ذهب، ودن بلور فيه شراب لم ير مثله، و رقعة مكتوب فيها: اذا خرج الامام من الدواء و أعقب بالسلامة و الشفاء فليس له دواء غير شرب بهذا الجام من هذا الطلاء وفض الخاتم المهدي اليه فهذا صالح بعد الدواء و استطرف المتوكل ذلك و استحسنه، و كان بحضرته يوحنا بن ماسويه طبيبه الخاص، فقال له: يا أميرالمؤمنين، الفتح والله أطب مني، فلا تخالف ما أشاربه [582] .
و كان المتوكل منهمكا في الحياة الجنسية، فقد ذكر المؤرخون أنه كانت له خمسة آلاف سرية يقال انه وطأ الجميع، و كان عبد يقول: أحلف بالله لو لم يقتل المتوكل لما عاش من كثرة جماعه [583] . [ صفحه 270]
و من مظاهر حياته أنه قد هام بحب الجواري الملاح و التحدث معهن، فقد كان مغرما بجارية يقال لها «قبيحة»، و قال لعلي بن الجهم: اني دخلت علي قبيحة فوجدتها قد كتبت اسمي علي خدها بالغالية، فوالله ما رأيت شيئا أحسن من سواد تلك الغالية علي بياض ذلك الخد، فقل في هذا شيئا. و كانت «محبوبة» و هي احدي جواريه جالسة من وراء الستار تسمع الكلام، فقالت علي البديهة: و كاتبة بالمسك في الخد جعفرا بنفسي مخط المسك من حيث أثرا لئن كتبت في الخد سطرا بكفها لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا فيامن لمملوك لملك يمينه مطيع له في ما أسر و أظهرا و يا من مناها في السريرة جعفر سقي الله من سقيا ثناياك جعفرا [584] . و يقال: انه من شدة ولعه و هيامه بالجواري غضب علي جاريته «محبوبة» فتركها وقتا، الا أنه رأي في النوم أنها صالحته، فدعا بخادم له فقال: اذهب الي محبوبة و تبين لي خبرها، فذهب اليها، و عرفها بالأمر، ثم رجع فأخبره أنها جالسة تغني. فقال المتوكل: كيف تغني و أنا عليها غضبان؟ ثم قال لغلامه: قم معي حتي نسمع غناءها، فقاما و اذا بها تغني بهذه الأبيات: أدور في القصر لا أري أحدا أشكو اليه و لا يكلمني حتي كأني ركبت معصية ليست لها توبة تخلصني فهل لنا شافع الي ملك قد زارني في الكري فصالحني حتي اذا ما الصباح لاح لنا عاد الي هجره فصارمني [ صفحه 271] فطرب المتوكل، و لما أحست به خرجت اليه و أعلمته أنها رأته في النوم، و قد جاء فصالحها، فقالت هذا الشعر و غنت له، فطرب المتوكل، و أقام معها يحتسي الخمر، و أهدي الي خواصه الجوائز السنية [585] .
و كان المتوكل يتجاهر بالمعاصي و لا يستحي من الناس، فقد كان يلعب بالنرد مع الفتح بن خاقان، فاستؤذن للقاضي أحمد بن دواد، فأراد الفتح رفع النرد، فمنعه المتوكل، و قال له: اجاهر الله بشيء و أستره عن عباده [586] . انه كان لا يرجو لله وقارا، و كان مستهترا، فكان ندماؤه يلعبون بين يديه بالشطرنج [587] ، ولو علموا بغضه لذلك لما قدموا عليه أمامه. و شاع استهتاره بالمعاصي بين الناس، فقد طلب من زوجته ريطة بنت أبيالعباس أن تسفر و تضفر شعرها مثل الغلمان، فأبت، فطلقها [588] ، و تحدث الناس بذلك، فلم يحفل به، و لم يعن بأي نقد يوجه اليه.
و ظاهرة اخري من صفات المتوكل، و هي الجبروت و الكبرياء خصوصا في أيامه الأخيرة حينما استتب الملك، وصفا له السلطان، فقد طغي و تكبر، و استعلي علي الناس [589] بغير حق، و كان من تجبره أنه احتفر أميرالشعراء في عصره البحتري الذي [ صفحه 272] سخر مواهبه الفكرية و الأدبية في مدحه و الاشادة به، فقد أغري المتوكل أبالعنبس في الاعتداء عليه، و النيل من كرامته، فانهزم البحتري و قد ضاقت عليه الدنيا و راح يقول: لقد ضاع العلم، و هلك الأدب [590] .
و اترعت نفس المتوكل بالعداء العارم، و البغض الشديد لعترة رسول الله صلي الله عليه و آله و ذريته، فكان يتحرق غيظا و غضبا عليهم، و قد جهد في ظلمهم و ارهاقهم، و قد عانوا في عهده ضروبا قاسية من الجور و الظلم لم يعهدوها في حكم أئمة الظلم من قبله، و قد فرض عليهم الحصار الاقتصادي، فقد منع رسميا من البر بهم و الاحسان اليهم، و كان لا يبلغه أن أحدا بربهم الا أنهكه عقوبة و أثقله غرما [591] . و قد امتنع الناس من صلتهم و اكرامهم خوفا من سلطة الطاغية و عقابه. و قد ضاقت الدنيا علي العلويين، فقد بلغ بهم الحال من البؤس و الفقر أن القميص يكون بين جماعة من العلويات تصلي فيه واحدة بعد واحدة، و كن يرقعنه و يجلسن علي مغازلهن عواري حواسر [592] . في حين أن الطاغية كان ينفق علي لياليه الحمراء الملايين من الدنانير، و كان يكيل الأموال كيلا للمغنين و اللاهين و المخنثين، و يمنع ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله من الحصول علي أدني مقومات الحياة، كما سخر المتوكل جميع أجهزة الاعلام في حكومته لانتقاص العلويين، و الحط من شأنهم، و قد انبري المرتزقة من الشعراء أمثال الوضيع مروان بن أبيالجنوب الي ذم أهلالبيت و انتقاصهم و تقديم السفكة [ صفحه 273] الجلادين أمثال المتوكل عليهم، و قد أغراهم بالذهب و الأموال، متوهما بأن هذه الاجراءات القاسية ستصرف المسلمين عن عترة نبيهم، و قد أخطأ في ذلك الي حد بعيد، فقد زادتهم ايمانا بأن أهلالبيت هم القادة الواقعيون لهذه الامة، و الحريصون علي اسعادها و تطوير حياتها، و قد عملت الامة بجميع طبقاتها علي تعظيمهم و تبجيلهم و تقديمهم بالفضل علي غيرهم، و لم ينل أحد هذه المنزلة و لم يصل الي هذا المقام سواهم، و قد صار المتوكل و غيره من أعداء أهلالبيت في مزبلة التاريخ، لا يذكرون الا مع الاستهانة و التحقير و ذلك هو سوء المصير الذي وعد الله به الظالمين.
و اترعت نفس المتوكل بالبغض و الحقد و العداء للامام أميرالمؤمنين عليهالسلام، رائد الحق و العدل في الاسلام، فقد تنكر هذا الطاغية له، و جاهر ببغضه و الاستهانة به، و قد اتخذ مخنثا من حاشيته و قروده يرقص له، و يشبه نفسه بالامام أميرالمؤمنين عليهالسلام الذي هو نفس رسول الله صلي الله عليه و آله، و من كان منه بمنزلة هارون من موسي، فأثار هذا العمل الشنيع حفيظة ولده المنتصر الشهم الغيور، فأنكر عليه ذلك، و كان ذلك من جملة الأسباب التي أدت الي قتله و الاجهاز عليه.
و كان المتوكل يتحرق غيظا لما يسمعه من تهافت الناس علي زيارة قبر ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين عليهالسلام، فقد حظي هذا المرقد العظيم بازدحام الزائرين علي اختلاف طبقاتهم و ميولهم في حين أن قبول العباسيين في مزبلة من مزابل الأرض، صارت مأوي للوحوش الضارية، و هي ببؤسها تحكي ظلمهم و جورهم و استبدادهم بامور المسلمين. [ صفحه 274] و روي المؤرخون السبب في اقدامه علي هدم القبر الشريف، و هو أن بعض المغنيات كانت تبعث اليه بجواريها ليغنين له اذا شرب الخمر، و ذلك قبل أن يتقلد الملك و السلطان، فلما صار ملكا بعث اليها لترسل له مغنية، فأخبر أنها غائبة، و كانت قد مضت الي زيارة قبر الامام الحسين عليهالسلام، و انتهي اليها الخبر و هي في كربلاء، فأسرعت راجعة الي بغداد، و بعثت اليه باحدي جواريها التي كان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟ قالت: ان مولاتي قد خرجت الي الحج و أخرجتنا معها، و كان ذلك في شهر شعبان، فبهر المتوكل و راح يقول: الي أين حججتم في شعبان؟ - الي قبر الحسين. فانتفخت أوداجه و ورم أنفه، و أمر باعتقال مولاة الجارية، و مصادرة أموالها، و أوعز الي العمال بهدم القبر الشريف، فامتنع العمال المسلمون و تحرجوا كأعظم ما يكون التحرج، فأوعز الي اليهود، و علي رأسهم الديزج، فاستجابوا له، و الي ذلك يشير ابنالرومي في رائعته التي رثي بها الشهيد الخالد يحيي: و لم تقنعوا حتي استثارت قبورهم كلابكم منها بهيم و ديزج و قام اليهود الأرجاس بهدم القبر الشريف و ذلك في سنة (237 ه)، كما هدموا كل بناء حول القبر، و خربوا ما حوله نحو مائتي جريب، و اجري الماء حوله، الا أن الماء دار حول القبر الشريف و لم يصل اليه، و من ثم سمي الحائر، و قد خرجت من الضريح رائحة من الطيب لم يشم الناس عطرا مثلها، انها نسيم الرسالة الاسلامية، و نسيم الشرف و الكرامة. يقول الجواهري: شممت ثراك فهب النسيم نسيم الكرامة من بلقع [ صفحه 275] و تشرف أعرابي من بنيأسد بزيارة القبر الشريف بعد أن عفي أثره، فجعل يأخذ قبضة من التراب يشمها لترشده الي القبر الشريف، و حينما انتهي اليه أخذ قبضة من التراب الطاهر فشمها، فاذا هي مليئة بالعطور، فبكي و خاطب الامام عليهالسلام قائلا: ما أطيبك، و أطيب قبرك و تربتك. ثم أنشد: أرادوا ليخفوا قبره عن وليه و طيب تراب القبر دل علي القبر لقد أراد الطاغية المتوكل أن يمحو قبر سيدالشهداء و يزيل أثره، ولكن خاب سعيه، و تربت يداه، فان قبر سيدالشهداء ظل شامخا علي الدهر، و هو أسمي مرقد تقدسه البشرية علي اختلاف اتجاهاتها و عقائدها، و تأوي اليه بلهفة الملايين من الناس، أكثر مما تأوي الي بيتالله الحرام. يقول الجواهري: تعاليت من مفزع للحتوف و بورك قبرك من مفزع تلوذ الدهور فمن سجد علي جانبيه و من ركع و تذمر المسلمون في ذلك العصر من المتوكل، و سبوه في الأندية و المجالس، و دعوا عليه عقيب الصلاة، و كتبوا سبه علي الجدران و علي الجوامع، و قد شاعت في جميع الأوساط هذه الأبيات. قبل انها لابن السكيت [593] ، و قيل: للبسامي [594] ، و قيل لغيرهما: تالله ان كانت امية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما [ صفحه 276] فلقد أتاه بنوأبيه بمثلها هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما [595] . تدول الدول، و تفني الممالك، و يبقي الحسين و ذكره و قبره كوكبا مضيئا في دنيا العرب و الاسلام، فليس أحد يساويه أو يضارعه في سمو منزلته و مكانته، فقد احتل قلوب المسلمين و عواطفهم، و سري حبه في مشاعرهم، أما المتوكل و شبيهه يزيد، فتطاردهما اللعنة، و يلاحقهما غضب الله و نقمته و عذابه. و كان الامام أبومحمد عليهالسلام في شرخ الشباب، و قد سمع ما اتخذه طاغية العباسيين من الاجراءات القاسية ضد قبر جده الامام الحسين عليهالسلام، و ما أنزله من العقوبة الصارمة تجاه الزائرين. و من المؤكد أنها قد كوت قلبه، و أضافت اليه الآلام و الخطوب.
أما الامام الهادي عليهالسلام فهو سيد العترة الطاهرة في عصره؛ و ذلك لوفرة علمه، و عظيم حلمه، و شدة ورعه و تقواه، و قد أجمعت الامة علي تعظيمه و تبجيله، و تقديمه بالفضل علي غيره، كما دان شطر من هذه الامة بامامته، و هم الشيعة الامامية، و قد ساء المتوكل أن يري شخصية لامعة في الامة الاسلامية من أعدائه العلويين، تتحدث الركبان بفضله، و تعج الأندية بذكر مواهبه و عبقرياته، و قد كثرت الوشاية بالامام من المرتزقة و الانتهازيين و العملاء، فراحوا يقولون للمتوكل: انه تجبي له الأموال الطائلة، و انه عازم علي احداث ثورة تطيح بالحكم العباسي، فانتفخت أوداجه، و ورم أنفه، و تميز غيظا و غضبا، و قام بالاجراءات القاسية ضد [ صفحه 277] الامام عليهالسلام، و التي منها:
أمر الطاغية بحمل الامام الي سامراء، فحمل اليها مع أفراد اسرته، و قابله الامام، و جرت بينهما محادثة أتينا علي ذكرها و تفصيلها في كتابنا (حياة الامام علي الهادي عليهالسلام).
و فرض المتوكل الاقامة الجبرية علي الامام عليهالسلام فلم يسمح له بمغادرة سامراء، كما أحاطه بقوي مكثفة من الأمن و المباحث تحصي عليه أنفاسه و ضيق علي شيعته من الاتصال و الالتقاء به.
و فرض الطاغية علي سليل النبوة، و معدن الحكمة، الحصار الاقتصادي، فلم يكن يصل اليه المال من شيعته الا بعد جهد شاق، و عناء مرهق، و كان المحسنون من الشيعة يتوسلون بشتي الطرق و الوسائل لايصال المال الي الامام و رفع الضائقة عنه، و من بين تلك الطرق أنهم كانوا يتظاهرون ببيع السمن، و يبيعون الامام ظروفا منه، و قد جعلوا فيها الأموال و ذلك خوفا من السلطة الحاكمة.
و سعي بعض الأوغاد الي المتوكل، فقال له: ان عند الامام الهادي عليهالسلام كتبا و سلاحا و أموالا، و لا يؤمن من قيامه بثورة مسلحة ضد حكومته، ففزع المتوكل، و أوعز الي جماعة من شرطته الأتراك بمداهمة دار الامام ليلا، و تفتيشها تفتيشا [ صفحه 278] دقيقا، و حمل الامام اليه بعد أن أحاطت الشرطة بدار الامام و طوقته، و هجموا عليه علي حين غفلة، فوجدوه في بيت مغلق، و عليه مدرعة من شعر، و ليس بينه و بين الأرض من بساط الا الرمل و الحصا [596] و هو مستقبل القبلة، يتلو قوله تعالي: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون) [597] . و حملوا الامام و هو بتلك الحالة التي تمثل زهد الأنبياء، و روحانية المرسلين، فادخل علي المتوكل و كان علي موائد الخمر سكران ثملا، و تناول الطاغية الخليع كأسا من الخمر فقدمه الي الامام، فصاح به و زجره، و قال له بنبرات تقطر غيظا قائلا: «والله ما خامر لحمي و دمي قط». و قال المتوكل: أنشدني شعرا. - انني قليل الرواية للشعر. و أصر الطاغية علي رأيه قائلا: لا بد أن تنشدني. و لم يجد الامام بدا من انشاده، فأنشده هذه الأبيات الحزينة التي أزالت السكر من رأس المتوكل و حولت انسه الي بكاء و حزن قائلا: «باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم فاودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما قبروا: أين الأسرة و التيجان و الحلل؟ أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار و الكلل؟ فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم: تلك الوجوه عليها الدود يقتتل [ صفحه 279] قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا و طالما عمروا دورا لتحصنهم ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا و طالما كنزوا الأموال و ادخروا فخلفوها علي الأعداء و ارتحلوا أضحت منازلهم قفرا معطلة و ساكنوها الي الأحداث قد رحلوا [598] . و كشفت هذه البادرة عن جهاد الامام عليهالسلام و موقفه الجهادي المشرف، فلم يتهيب الطاغية، و لم يصانعه و يتزلف اليه، و انما راح يعظه، و يذكره الدار الآخرة، و يعرفه [ صفحه 280] بما يصير اليه من مفارقة هذه الحياة، فلا تدفع عنه جيوشه و لا سلطانه المنية اذا نزلت به، و أن بدنه الرقيق سوف يواري في التراب، و يكون طعمة للحشرات و الديدان. و من المؤكد أن المتوكل لم تمر علي سمعه أمثال هذه المواعظ، فقد أترع سمعه بعزف المغنين و المغنيات، و قد وافته المنية و هو بين كؤوس الخمر و جوقات المغنين. و علي أي حال، فقد شاهد الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام ما جري علي أبيه من صنوف الارهاق و التنكيل من قبل المتوكل الذي كان يتميز غيظا و غضبا علي الامام حينما سمع بتعظيم الجماهير و اكبارهم له، في حين أنه لم يظفر بشيء من ذلك، و هو زعيم الدولة، و الحاكم المطلق في البلاد، و قد ذكرنا عرضا مفصلا لما جري علي الامام الهادي من قبل المتوكل في كتابنا (حياة الامام علي الهادي عليهالسلام)، و لا حاجة الي ذكر ذلك.
و هلك المتوكل العباسي، فقد مزقته سيوف الأتراك هو و الفتح بن خاقان في مؤامرة رهيبة دبرها ولده المنتصر مع وصيف و بغا التركيين، فهجموا عليه ليلا، و قطعوه بسيوفهم اربا اربا، و لم يعرف لحمه من لحم رئيس وزرائه الفتح بن خاقان. و قد وافته المنية و بطنه مليئة بالخمر، و قد رثاه شاعره البحتري بهذه الأبيات: هكذا فلتكن منايا الكرام بين ناي و مزهر و مدام بين كأسين أورثاه جميعا كأس لذاته و كأس الحمام لم يذل نفسه رسول المنايا بصنوف الأوجاع و الأسقام [599] . [ صفحه 281] و كان الملوك قبل ذلك يرثون بفقد العدل و خسارة الأمة، و افول نجمها بموتهم، أما المتوكل فقد رثي بخسارة الناي و المزهر و سائر آلات الطرب بموته. و علي أي حال، فقد انطوت أيام المتوكل، و انطوت معه الخلاعة و المجون، و سائر ما يضر الناس في سلوكهم من الفساد و الظلم. و من نوادر حياته التافهة ما رواه المؤرخون أنه قال لأبي العنبس: أخبرني عن حمارك و وفاته و ما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها. قال: نعم يا أميرالمؤمنين، كان أعقل من القضاة، و لم يكن له جريرة و لا زلة فاعتل علي غفلة فمات منها، فرأيته فيما يري النائم فقلت له: يا حماري، ألم أبرد لك الماء، و انق لك الشعير، و أحسن اليك جهدي، فلم مت علي غفلة، و ما خبرك؟ قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقفت علي فلان الصيدلاني تكلمه في كذا و كذا، مرت بي أتان حسناء فرأيتها، فأخذت بمجامع قلبي فعشقتها، و اشتد وجدي بها فمت كمدا متأسفا. فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعرا؟ قال: نعم، و أنشدني: هام قلبي بأتان عند باب الصيدلاني تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان و بخد ذي دلال مثل خد الشيفران فبها مت ولو عشت اذا طال هواني قال: قلت: يا حماري، فما الشيفران؟ فقال: هذا من غريب الحمير. [ صفحه 282] فطرب المتوكل، و أمر الملهين و المغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار، و فرح في ذلك اليوم فرحا و سرورا لم ير مثله، و زاد في تكرمة أبيالعنبس و جائزته [600] . اف للزمان، و تعسا للدهر، أمثل هذا الانسان التافه في سلوكه يكون واليا علي المسلمين و حاكما عليهم، و يبعد عن الساحة الامام أبومحمد عليهالسلام الذي كان مثالا للفكر و العلم و التقي و الصلاح؟! [ صفحه 283]
و تسلم المنتصر قيادة الحكم بعد الانقلاب الذي قام به ضد أبيه، و قد عم الفرح و السرور جميع الأوساط الشيعية، فقد زال عنهم كابوس الظلم و الجور، و قد قام بما يلي: 1- رد فدك الي العلويين. 2- رفع الحجر عن أوقاف العلويين و ارجاعها اليهم. 3- عزل والي المدينة صالح بن علي الذي كان يسيء الي العلويين. و جعل مكانه علي بن الحسين بن اسماعيل، و قال له: انما وليتك لتخلفني في بر آل أبيطالب، و قضاء حوائجهم، فقد نالتهم جفوة، و خذ هذا المال ففرقه فيهم، و في أهلك علي أقدارهم. فقال: سأبلغ بعون الله رضاء أميرالمؤمنين. فقال: اذن تسعد بذلك عندالله تعالي. و كانت هذه السياسة المشرقة تجاه العلويين قد نال بها رضاء العامة و الخاصة، و انبري الشعراء الي مدحه و الثناء عليه. يقول البحتري: تبسم عن واضح ذي أشر و تنظر من فاتر ذي حور و آل أبيطالب بعد ما اذيع بسريهم فابذعر و نالت أدانيهم جفوة تكاد السماء لها تنفطر وصلت شوابك أرحامهم و قد أوشك الحبل أن ينبتر [ صفحه 284] فقربت من حظهم ما نأي وصفيت من شربهم ما كدر و قال البحتري: و أن عليا لأولي بكم و أزكي يدا عندكم من عمر و كل له فضله و الحجول يوم التفاضل دون الغرر [601] . و أجزل المنتصر العطاء للبحتري علي مدحه له ببره و احسانه الي السادة العلويين، و انبري يزيد بن محمد المهلبي، و كان من الشيعة، فمدح المنتصر بهذه الأبيات: و لقد بررت الطالبية بعدما ذموا زمانا بعده و زمانا و رددت الفة هاشم فرأيتهم بعد العداوة بينهم اخوانا آنست ليلهم وجدت عليهم حتي نسوا الأحقاد و الأضغانا لو يعلم الأسلاف كيف بررتهم لرأوك أثقل من بها ميزانا [602] . لقد قوبلت هذه المكرمة بمزيد من الاعجاب و الاكبار من مختلف الأوساط الشعبية، فقد أسدي الي آل النبي صلي الله عليه و آله يدا بيضاء تذكر بالخير علي امتداد التاريخ. و لم يقتصر المنتصر علي هذا اللطف الذي خص به العلويين، و انما شمل المسلمين بلطف آخر، فقد أصدر اعلانا يقضي بالسماح بزيارة قبر الامام أميرالمؤمنين عليهالسلام، و مرقد الامام الحسين سيد شباب أهلالجنة، و ذلك بعد أن منع المتوكل رسميا زيارة هذين المرقدين [603] و تهدد بأقصي العقوبة من يزورهما، و قد [ صفحه 285] سجل له بذلك صفحات بيضاء ناصعة في تاريخ حياته.
و لم تطل أيام هذا الرجل الذي أنعش قلوب العلويين ببره و معروفه فقد، وافته المنية و هو في بداية ملكه، و يذهب أكثر المؤرخين الي أنه لم يمت حتف أنفه، و انما مات مسموما، فقد اغتاله الأتراك خوفا من أن يفتك بهم، و يقضي علي نفوذهم، فقد رشوا طبيبه ابنطيفور فأعطوه ثلاثين ألف دينار اذا قام باغتياله، و كان المنتصر مريضا، فأشار عليه بفصده، فاستجاب له، ففصده بريشة مسمومة، و توفي في الحال [604] . و كانت وفاته يوم الخميس لاحدي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيعالأول سنة (227 ه). و دفن بقصره المعروف بالجوسق [605] ، و قد خسر المسلمون بفقده قائدا فذا غيورا قد حطم عرش أبيه القائم علي الظلم و الجبروت و معاداة أئمة الحق. و علي أي حال، فان المصادر التي بأيدينا لم تذكر أي التقاء للمنتصر بالامام أبيمحمد عليهالسلام، ولكن من المؤكد أن الامام كان مسرورا لما أسداه الي العلويين من الألطاف التي أعادت لهم الأمن و الاستقرار في عهد حكومته القصيرة الأمد. [ صفحه 286]
و تقلد المستعين زمام الحكم، و بويع له بالملك و السلطان في يوم الأحد لخمس خلون من شهر ربيعالآخر سنة (248 ه)، و كان مسرفا متلافا، معاندا للحق، مبغضا لأئمة الهدي عليهمالسلام كأسلافه، و كان فيما يقول المؤرخون آلة بيد الأتراك، و لم يكن له أي نفوذ في جهاز دولته، و في ذلك يقول الشاعر: خليفة في قفص بين وصيف وبغا يقول ما قالا له كما يقول الببغا [606] . لقد كان المستعين أمام الأتراك كالميت بيد الغاسل لا حول و لا قوة، فالدولة يديرها الأتراك، و قد خلد هو الي الشهوات و الملذات من شرب الخمر و سماع الغناء. و علي أي حال، فانا نعرض الي بعض شؤونه مع الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام، و في ما يلي ذلك:
لقد حقد المستعين كأشد ما يكون الحقد علي الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام و تميز غيظا منه، أما أسباب ذلك فهي: 1- انتشار فضل الامام عليهالسلام، و تحدث الأندية و المجالس عن سمو مكانته، و عظيم منزلته، و ما يتمتع به من المواهب و العبقريات، و ذهاب شطر من الامة الي القول بامامته، و التدين بالولاء له، في حين أنه مع سيطرته علي الحكم لم يحظ [ صفحه 287] بأي منزلة أو مكانة في نفوس المسلمين. 2- كثرة الوشاية بالامام من المرتزقة و العملاء الذين يتزلفون الي السلطة، و اخبارها بأن الامام عليهالسلام ترد اليه الأموال الطائلة من شيعته، و أنه لا يؤمن أن يقوم بثورة عارمة ضد الحكم العباسي مما أوجب ذعر المستعين من الامام عليهالسلام. 3- و كان من عوامل حقد المستعين علي الامام أبيمحمد عليهالسلام هو الخوف من ولده الامام المنتظر عليهالسلام الذي بشر به الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، و تواترت الأخبار عنه بأنه هو الذي يقيم اعوجاج الدين، و يزيل كابوس الظلم و الجور عن المظلومين المضطهدين، و قد ملئت قلوب العباسيين ذعرا و خوفا منه، معتقدين بأنه هو الذي يقضي علي حكمهم المنحرف، فلذا كانوا يكنون العداء للامام أبيمحمد عليهالسلام، و قد وضعوا عليه الرقابة الشديدة، و أحاطوا حرمه و أهله بقوي مكثفة من النساء للتعرف علي ولادة ولده الامام المنتظر عليهالسلام لالقاء القبض عليه. هذه بعض العوامل التي أدت الي حقد المستعين العباسي علي الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام.
و أصدر الطاغية المستعين أمرا الي جلاوزته و شرطته باعتقال الامام أبيمحمد عليهالسلام، فاعتقل و اودع في سجن علي بن نارمش، و كان من أنصب الناس، و أشدهم عداوة لآل أبيطالب، و قد شددت عليه السلطة بالتنكيل بالامام و التضييق عليه، الا أنه تأثر بهدي الامام عليهالسلام، فنزع ما في قلبه من حقد و غل، و كان يضع خده علي الأرض تواضعا له، و لا يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما، و عاد و هو من أحسن الناس بصيرة، و أحسنهم فيه قولا [607] . [ صفحه 288] و كان معه في السجن عيسي بن الفتح، فقال له الامام: يا عيسي، لك من العمر خمس و ستون سنة و شهر و يومان. فبهر عيسي، و كان معه كتاب فيه تاريخ ولادته، فراجعه، فكان كما أخبر الامام، ثم قال له: هل رزقت ولدا؟ فأجابه بالنفي، فدعا له الامام قائلا: اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا، فنعم العضد الولد، ثم أنشد: من كان ذا عضد يدرك ظلامته ان الذليل الذي ليست له عضد و انبري عيسي فقال: يا سيدي، و أنت لك ولد؟ و أجابه الامام: والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا و عدلا، أما الآن فلا [608] .
و سري النبأ المروع باعتقال الامام في الأوساط الاسلامية، و كان له صدي أسي و نقمة علي العباسيين، و قد فزعت الشيعة الامامية التي تدين بامامة الزكي أبيمحمد عليهالسلام، و قد بلغها أن المستعين عازم علي قتله، و أنه أوعز الي سعيد الحاجب بحمله الي الكوفة و أن يغتاله في الطريق. فكتب اليه محمد بن عبدالله و أبوالهيثم بن سيابة: بلغنا - جعلنا الله فداك - خبرا أقلقنا و غمنا، و بلغ منا.. فهدأ الامام روعهم، و بشرهم أنه لا خوف عليه، و أن عدوه الباغي اللئيم سوف يخلع بعد ثلاثة أيام، فكان كما أخبر [609] . [ صفحه 289] و نقل مثل ذلك عمرو بن محمدبن ريان، قال: «دخلت علي أبيأحمد بن عبدالله بن طاهر، و بين يديه رقعة أبيمحمد عليهالسلام فيها: اني نازلت الله - أي راجعته و طلبت منه - في هذا الطاغي - يعني المستعين - و هو آخذه بعد ثلاث. فملا كان اليوم الثالث قدم الأتراك علي خلعه كما سنبينه [610] .
و كانت نهاية هذا الطاغية الخسران المبين، فقد تنكر له الأتراك، و خافوا منه، فصمموا علي خلعه، و كان قد اتجه الي بغداد، فأرسلوا اليه أن يرجع الي سامراء، فأبي، و مضي ميمما وجهه نحو بغداد، فبادروا الي خلعه، و أخرجوا المعتز من السجن، و بايعوه خليفة، و جهزوا جيشا كثيفا لاحتلال بغداد، و القاء القبض عليه. و لما علم ذلك جهز جيشا لمناجزة الأتراك، و جرت بين الجيشين حرب طاحنة مني كلا الفريقين فيها بخسائر فادحة، و استمرت الحرب بينهما، و جرت وساطة بين المستعين و الأتراك، فاتفقا علي أن يخلع المستعين نفسه، و يتنازل الي المعتز، و اشترط عليه شروطا، و خلع المستعين نفسه من الملك، ولكن المعتز لم يف بما شرط عليه، و أمر بالقاء القبض عليه و ايداعه في السجن، و قد أكثر شعراء ذلك العصر في وصف هذه الحادثة. يقول الشاعر الكناني: اني أراك من الفراق جزوعا أمسي الامام مسيرا مخلوعا و غدا الخليفة أحمد بن محمد بعد الخلافة و البهاء خليعا [ صفحه 290] كانت به الأيام تضحك زهرة و هو الربيع لمن أراد ربيعا فأزاله المقدور من رتب العلا فثوي بواسط لا يحس رجوعا [611] . و يقول مروان بن أبيالجنوب: ان الامور الي المعتز قد رجعت و المستعين الي حالاته رجعا قد كان يعلم أن الملك ليس له و أنه لك لكن نفسه خدعا [612] . و أوجس الأتراك من المستعين و هو في السجن خيفة، فأخرجوه منه و جاءوا به الي سامراء، فندب المعتز حاجبه سعيد الي قتله، فقتله، و كان له من العمر احدي و ثلاثون سنة [613] . و انتهت بذلك حياة المستعين، و قد وصفه صاحب الفخري بأنه كان مستضعفا في رأيه و عقله و تدبيره، و أن أيام حكمه كانت كثيرة الفتن، و أن دولته كانت شديدة الاضطراب [614] . [ صفحه 291]
و هو الزبير بن جعفر المتوكل تسلم زمان الحكم، و هو في ريعان الشباب و غضارة العمر، لم تصقله التجارب، و لم تهذبه الأيام و لم تكن له أية خبرة في الشؤون السياسية و الادارية، قد نصبه الأتراك جسرا يعبرون عليه لنيل أهدافهم و مقاصدهم لا شأن له و لا ارادة له و لا اختيار، و يشير الي ذلك بعض شعراء سامراء بقوله: لله در عصابة تركية ردوا نوائب دهرهم بالسيف قتلوا الخليفة أحمد بن محمد و كسوا جميع الناس ثوب الخوف و طغوا فأصبح ملكنا متقسما و امامنا فيه شبيه الضيف [615] . و نتحدث بايجاز عن بعض شؤونه مع الامام أبيمحمد عليهالسلام:
و ورث المعتز من آبائه العداء و النصب لأهل البيت عليهمالسلام، فقد اترعت نفسه ببغضهم و الحقد عليهم، و كان من مظاهر عدائه للامام أبيمحمد عليهالسلام أنه حاول قتله، فقد أوعز الي سعيد الحاجب أن يأخذ الامام الي قصر ابنهبيرة و يغتاله فيه، ولكن الله أنجاه منه [616] ، فقد مني ببعض الأحداث التي شغلته عن ذلك.
و عمد المعتز الي اعتقال الامام أبيمحمد عليهالسلام و أودعه في السجن، و ذلك [ صفحه 292] لما سمعه من فضله، و تحدث الناس عن علومه و ورعه و تقواه، بالاضافة الي ما قرع سمعه من أن الامام عليهالسلام هو والد الامام المنتظر الذي يقضي علي الظلم و الجور، و يطيح بدول الظالمين، فخاف كأشد ما يكون الخوف منه.
و ضاق الامام عليهالسلام ذرعا من المعتز، فقد أسرف في ظلمه و الاعتداء عليه، فتضرع عليهالسلام الي الله و دعاه باخلاص أن ينقذه من شروره، و لم تتعرض الكتب التي بأيدينا الي تسجيل دعائه، و انما أشارت الي أنه دعا عليه. و علي أي حال، فقد استجاب الله دعاء سليل النبوة، و بقية الامامة، فخلع الملك عنه، و قد أخبر عليهالسلام شيعته بذلك قبل نزول الكارثة علي المعتز، فقد كتب اليه أبوالهيثم بن سيابة يسأله عن الأنباء التي انتشرت في عزم المعتز علي اغتياله، فأجابه الامام: بعد ثلاثة يأتيكم الفرج، فخلع المعتز في اليوم الثالث [617] .
و انتقم الله من المعتز أشد ما يكون الانتقام، فقد طلب منه جماعة من قادة الأتراك أن يعطيهم أرزاقهم، و لم يكن في بيت المال شيء، فخف الي امه، و كانت تملك الملايين، فطلب منها ذلك، فأبت عليه و شحت بما عندها. و لما يئس الأتراك منه هجموا عليه و جروه من رجله، و ضربوه بالدبابيس، و أقاموه في الشمس في يوم صائف شديد الحرارة، و هم يقولون له: اخلع نفسك، ثم احضروا قاضي بغداد و جماعة و خلعوه. و بعد خمس ليال من خلعه أدخلوه الحمام، فلما اغتسل عطش، فمنعوه الماء [ صفحه 293] ثم سقوه ماء مثلجا، فتوفي [618] . و تتبع صالح بن وصيف قبيحة ام المعتز فظفر بها، و استولي علي أموالها، فكانت خمسمائة ألف دينار، و ظفروا لها بخزائن تحت الأرض فيها أموال طائلة. و وجدوا لها دارا تحت الأرض، وجدوا فيها ألف ألف دينار و ثلاثمائة ألف دينار. و وجدوا في سفط قدر مكوك زمرد لم ير الناس مثله، و في سقط آخر مقدار مكوك من الؤلؤ الكبار، و في سفط مقدار كليجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله، فحمل الجميع الي صالح بن وصيف فسبها، و قال: عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار و عندها هذه الأموال. و غادرت قبيحة بغداد متجهة الي مكة، فسمعت و هي تدعو بصوت عال علي صالح بن وصيف قائلة: اللهم خذ صالحا كما هتك ستري، و قتل ولدي، و شتت شملي، و أخذ مالي، و غربني، و ركب الفاحشة مني [619] . و هكذا كانت عاقبة الظالمين الذين لا يرجون لله وقارا، لقد كانت عاقبتهم الخسران المبين. [ صفحه 294]
و بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الأتراك ضد حكومة المعتز تسلم الدولة بعده المهتدي، و له من العمر سبع و ثلاثون سنة [620] . و ورث المهتدي النصب و العداء لآل البيت عليهمالسلام من آبائه الذين صبوا جام غضبهم عليهم، و أغرقوهم بالمحن و الخطوب، و نعرض بايجاز الي ما جري علي الامام عليهالسلام من هذا الطاغية.
أوعز الطاغية الي جلاوزته باعتقال الامام أبيمحمد و ايداعه في السجن، و قد عزم علي قتله، كما عزم علي ابادة شيعة أهلالبيت عليهمالسلام، و مكث الامام في السجن حفته من الأيام، و كان معه في السجن الزكي أبوهاشم، فقال له الامام: يا أباهاشم، ان هذا الطاغية أراد قتلي في هذه الليلة، و قد بتر الله عمره، و ليس لي ولد، و سيرزقني الله ولدا [621] . و كتب اليه بعض شيعته: أنه قد بلغنا أنه - أي المهتدي - يتهدد شيعتك، و يقول: والله لأجلينهم عن جديد الأرض. فوقع عليهالسلام: ان ذلك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام،فانه يقتل في اليوم السادس بعد هوان و استخفاف و ذل يلحقه. و تحقق ذلك كما أخبر عليهالسلام [622] . [ صفحه 295]
و نقم الأتراك علي المهتدي، و ثاروا عليه، و هجموا عليه بالخناجر، فكان أول من جرحه ابنعم (لبايكيال) القائد التركي، و قد جرحه في أوداجه، فالتقم الجرح و الدم يفور منه، و أقبل يمص الدم حتي روي منه، و كان التركي سكرانا، فقال له أصحابه: قد رويت من دم المهتدي كما رويت في هذا اليوم من الخمر [623] . و انتهت بذلك حياة المهتدي الذي نصب العداء لأهل البيت و لشيعتهم. [ صفحه 296]
و أفضت الخلافة الي المعتمد، و هو ابنخمس و عشرين سنة [624] ، و كان فيما يقول المؤرخون: «خليعا، ميالا الي اللهو و اللذات، و قد انشغل عن الرعية و انصرف الي العزف و الغناء، و اقترف ما حرم الله مما أوجب كراهية الشعب له» [625] . و في عهده توفي الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام، و قد لاقي عليهالسلام محنا شاقة و عسيرة منه، و في ما يلي بعض ما عاناه:
أمر الطاغية المعتمد باعتقال الامام أبيمحمد عليهالسلام مع أخيه جعفر، و أوعز الي مدير السجن (صالح بن وصيف) أن ينقل اليه أخباره، و ما يتجدد من أحاديثه و شؤونه في كل وقت، فكان يخبره بأنه لم يقم بأي شيء مما يتصادم مع السياسة العباسية، و أنه قد انصرف عن الدنيا، و اتجه صوب الله تعالي، فكان يصوم نهاره، و يحيي ليله بالعبادة. و سأله مرة اخري عنه، فأخبره بمثل ذلك، فأمره باطلاق سراحه، و ابلاغه تحياته، و الاعتذار منه، و جاء مدير السجن مسرعا فوجد الامام جالسا متهيئا للخروج قد لبس ثيابه و خفه، فبهر من ذلك، فأدي اليه رسالة المعتمد، و نهض الامام فاعتلي جواده، ثم وقف، فانبري السجان قائلا: ما وقوفك؟ - حتي يجيء جعفر. [ صفحه 297] - انما أمرني باطلاق سراحك دونه. - امض اليه و أخبره أني أخذت و اياه من الدار، فاذا رجعت وحدي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك. و مضي السجان الي المعتمد فأخبره بمقالة الامام، فأمره باخلاء سبيله، و خرج الامام عليهالسلام من السجن، و هو يتلو قوله تعالي: «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون) [626] [627] . و ظل الامام أبومحمد عليهالسلام يعاني صنوفا مرهقة من الخطوب و التنكيل من المعتمد العباسي،فقد أحاطه بقوي مكثفة من الأمن، و هي تحصي عليه أنفاسه، و تطارد كل من يريد الاتصال به من الفقهاء و العلماء من شيعته، و بقي تحت المراقبة الشديدة، حتي اغتاله الطاغية المعتمد بالسم، كما سنتحدث عن ذلك. و علي أي حال، فقد عاصر الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام هؤلاء الملوك من بنيالعباس، و قد جهدوا علي ظلمه، فأودعوه في ظلمات السجون، و حاولوا الفتك به، ولكن الله صرف ذلك عنه، فقد ابتلاهم بأحداث جسام، كالثورات الداخلية و استبداد الأتراك. [ صفحه 301]
و قضي الامام الزكي أبومحمد عليهالسلام أيام حياته القصيرة الأمد بالمحن و الخطوب، فقد جهد ملوك العباسيين علي ظلمه، و انزال أقصي العقوبة به، فكانوا ينقلونه من سجن الي سجن، وضيقوا عليه في حياته الاقتصادية، و حجبوه عن الالتقاء بشيعته، كما منعوا العلماء و الفقهاء من الانتهال من نمير علومه، و كان ذلك - فيما أعتقد - من أعظم ما عاناه من المحن و الخطوب، و قد حاولوا جاهدين اغتياله، ولكن الله تعالي صرف ذلك عنه، و شغلهم بالأحداث الجسام التي منوا بها، و يعود السبب في حقدهم عليه الي ما يلي: 1- خوف العباسيين من ولده الامام المنتظر عليهالسلام الذي بشر به النبي الأعظم صلي الله عليه و آله، و أخبر عنه غير مرة من أنه أعظم مصلح اجتماعي تشاهده البشرية في جميع أدوارها، فهو الذي ينشر العدل السياسي و الاجتماعي، و يقضي علي جميع ألوان الظلم و الغبن، و يحطم قوي البغي، و يزيل دول الشرك، و يرفع راية الايمان و الحق، و يقيم المعطلة من حدود الله، و قد حاولوا قتله ليقضوا علي نسله، و قد أدلي عليهالسلام بذلك في توقيع خرج منه جاء فيه: «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذب الله قولهم، و الحمدلله» [628] . 2- حسد العباسيين للامام أبيمحمد عليهالسلام علي ما يتمتع به من شعبية هائلة [ صفحه 302] و احترام بالغ من جميع الأوساط، في حين أن السلطة بأيدي العباسيين، و لم يظفروا بأي لون من ألوان ذلك التكريم و التبجيل، و الحسد - كما هو معروف - داء وبيل ألقي الناس في شر عظيم. لقد نخر الحسد قلوب العباسيين علي الامام أبيمحمد عليهالسلام الذي كان ألمع شخصية اسلامية في عصره، فراحوا يبغون له الغوائل و يكيدونه في غلس الليل و في وضح النهار. 3-قيام العلويين بثورات عارمة ضد الحكم العباسي منذ فجر تسلطه علي رقاب المسلمين، مطالبين بتحقيق العدل السياسي في الاسلام، و تطبيق برامجه الاقتصادية و الاجتماعية علي واقع الحياة، و قد قوبلت ثوراتهم بتأييد شامل من جميع الأوساط الاسلامية مما أوجب سقوط هيبة الحكم، و تعرضه لهزات عنيفة كادت تطوي وجوده و تطيح به. و قد أوغرت تلك الثورات صدور العباسيين بالحقد و الضغينة علي العلويين، فأوعزوا الي جلاوزتهم بمطاردة كل علوي و ملاحقته، و كان من الطبيعي أن يعاني الامام أبومحمد عليهالسلام أعظم المشاكل و أشدها محنة و صعوبة من العباسيين؛ لأنه سيد العلويين و امام المسلمين في عصره. هذه بعض الأسباب التي أدت الي حقد العباسيين علي الامام عليهالسلام و بغضهم له. ولنعد بعد هذا الي الحديث عن النهاية الأخيرة من حياة الامام أبيمحمد عليهالسلام.
أما الامام المهدي عليهالسلام، فهو الأمل لا للاسلام فحسب، و انما للبشرية المعذبة التي ترزح تحت وطأة العبودية و القهر و الاستغلال، فهو الفاتح العظيم الذي يحرر ارادة الانسان و ينقذ الامم و الشعوب من جور المبادئ و النظم الفاسدة التي حولت [ صفحه 303] الحياة الي جحيم لا يطاق. ان الامام المهدي عليهالسلام في جميع مراحل حياته معجزة من معجزات الاسلام الكبري، فقد أخفي الله ولادته كما أخفي ولادة نبيه موسي عليهالسلام، و ذلك لصعوبة الوقت، و شدة طلب السلطة العباسية له، كما أن في بقائه حيا عبر الأجيال الصاعدة معجزة للاسلام، و في ظهوره و اعلانه للمبادئ المشرقة التي جاء بها الاسلام أيضا معجزة، عجل الله فرجه، وأتحف البشرية بظهوره. و علي كل حال، فانا نعرض لبعض النصوص التي اثرت عن الامام الحسن الزكي عليهالسلام في النص علي امامة ولده المهدي عليهالسلام، و في ما يلي ذلك: 1- روي الثقة أحمد بن اسحاق بن سعيد الأشعري، قال: «دخلت علي أبيمحمد الحسن بن علي عليهالسلام و أنا اريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئا: يا أحمد بن اسحاق، ان الله تبارك و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم، و لا يخليها الي أن تقوم الساعة من حجة لله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، و به ينزل الغيث، و به يخرج بركات الأرض. فقلت له: يابن رسول الله، فمن الامام و الخليفة بعدك؟ فنهض عليهالسلام مسرعا فدخل البيت، ثم خرج و علي عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد، لولا كرامتك علي الله عزوجل و علي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انه سمي باسم رسول الله صلي الله عليه و آله و كنيته، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. يا أحمد، مثله في هذه الامة مثل الخضر، و مثل ذيالقرنين، و الله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها الا من ثبته الله علي القول بامامته، و وفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه. فقال أحمد بن اسحاق: فهل من علامة يطمئن اليها قلبي؟ [ صفحه 304] فنطق الغلام بلسان عربي فصيح، فقال عليهالسلام: أنا بقية الله في أرضه، و المنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثرا بعد عين، يا أحمد بن اسحاق. فقال أحمد: فخرجت مسرورا فرحا، فلما كان في الغد عدت اليه، فقلت له: يابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به علي، فما السنة الجارية في الخضر و ذيالقرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد. قلت: يابن رسول الله، و ان غيبته لتطول؟ قال: اي و ربي حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، و لا يبقي الا من أخذ الله عزوجل منه عهدا لولايتنا، و كتب في قلبه الايمان، و أيده بروح منه. ياأحمد، هذا أمر من أمر الله، و سر من سر الله، و غيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك و اكتمه، و كن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين» [629] . أما محتويات هذا الحديث الشريف، فهي: أولا: ان الله تعالي منذ خلق الانسان علي هذه الأرض و الي أن تفني لا بد و أن يقيم الحجة علي عباده و ذلك ببعثه للأنبياء و المرسلين و الأوصياء ليبلغوا رسالة ربهم التي تتضمن نجاتهم و سلامتهم، و هذا من باب اللطف، و هو قاعدة عقلية أقامها المتكلمون علي لزوم اقامة الحجة من الله حتي يحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، و لتكون الحجة من الله علي عباده لا لهم عليه، و بالاضافة لذلك فان في وجود الحجة من الثمرات و البركات ما لا يحصي، و التي منها دفع البلاء عن أهل الأرض، و انزال الغيث من السماء، و اخراج بركات الأرض. ثانيا: ان الانسانية تظفر بمكاسب هائلة بخروج الامام المنتظر عليهالسلام، و من أهمها [ صفحه 305] أنه يملأ الأرض قسطا و عدلا بعدما ملئت ظلما و جورا، و ما أعظم هذه الفائدة و العائدة علي البشرية. ثالثا: ان الله تعالي يمد في عمر الامام المنتظر، و ليس ذلك بعسير عليه، فقد أمد في عمر الخضر و ذيالقرنين. رابعا: ان الله تعالي يمتحن عباده بطول غيبة وليه، و ناصر دينه الامام المنتظر عليهالسلام، فلا يثبت علي ولايته و امامته كلها الا من امتحن قلبه للايمان. هذه بعض محتويات هذا الحديث الشريف. 2- روي الثقة الجليل محمد بن عثمان العمري، عن أبيه، يقول: «سئل أبومحمد الحسن بن علي و أنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه أن الأرض لا تخلو من حجة الله علي خلقه الي يوم القيامة، و ان من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، ان هذا حق كما أن النهار حق. و انبري اليه شخص فقال له: يابن رسول الله، فمن الحجة و الامام بعدك؟ ابني محمد هو الامام و الحجة بعدي، من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما ان له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، و يكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر الي البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة» [630] . و هذا الحديث الشريف كالحديث السابق في عطائه و مضمونه. 3- قال الامام أبومحمد عليهالسلام: «الحمدلله الذي لم يخرجني من الدنيا حتي أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه و آله خلقا و خلقا، يحفظه الله تبارك و تعالي في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما» [631] . [ صفحه 306] لقد أعرب الامام عليهالسلام في هذا الحديث عن سروره البالغ بمولوده العظيم الذي يشابه جده الرسول صلي الله عليه و آله في جمال صورته و بهاء منظره، مما يشابهه في سمو آدابه و معالي أخلاقه التي امتاز بها علي سائر النبيين. 4- روي موسي بن جعفر البغدادي، قال: «سمعت أبامحمد الحسن بن علي العسكري يقول: كأني بكم قد اختلفتم بعدي في الخلف مني، ألا ان المقر بالأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله المنكر لولدي، كمن أقر بجميع أنبياء الله و رسله ثم أنكر نبوة رسول الله صلي الله عليه و آله؛ لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا، و المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا. أما أن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس الا من عصمه الله» [632] . هذه بعض الأخبار التي اثرت عن الامام أبيمحمد عليهالسلام في النص علي امامة ولده الامام المنتظر عليهالسلام.
و استشف الامام أبومحمد عليهالسلام من وراء الغيب أنه سوف يفارق الحياة و يفد علي الله، فأخذ ينعي نفسه لوالدته، فقال لها: تصيبني في سنة ستين و مائتين حرارة أخاف أن أنكب منها نكبة. و طاش لبها بهذا النبأ المروع، و بدأ عليها الجزع، و انطوت علي الحزن و البكاء، فأخذ الامام يهديء روعها قائلا لها: لابد من وقوع أمر الله، لا تجزعي. و نزلت الكارثة في سنة ستين و مائتين، فقد توفي عليهالسلام فيها كما تنبأ [633] . [ صفحه 307]
و نقل الامام أبومحمد عليهالسلام الي الطاغية المعتمد العباسي الذي أزعجه ما يسمع من اجماع الامة علي تعظيم الامام و تبجيله و تقديمه بالفضل علي جميع العلويين و العباسيين، فأجمع رأيه علي الفتك بالامام و اغتياله، فدس له سما قاتلا [634] فلما تناوله الامام تسمم بدنه الشريف و لازم الفراش، و أخذ يعاني آلاما مريرة و قاسية و هو صابر محتسب قد ألجأ أمره الي الله.
و اضطربت السلطة العباسية كأشد ما يكون الاضطراب من تردي الحالة الصحية لأبيمحمد عليهالسلام، فقد أوعز المعتمد الي خمسة من ثقاته و رجال دولته، و فيهم نحرير، بملازمة دار الامام و التعرف علي جميع شؤونه و اخباره بكل بادرة تحدث، كما أوعز الي لجنة من الأطباء باجراء الفحوص عليه صباحا و مساء، و لما كان بعد يومين عهد الي الأطباء أن لا يفارقوا داره، كما عهد الي الأطباء بملازمته و ذلك لثقل حاله [635] .
و ثقل حال الامام أبيمحمد عليهالسلام و يئس الأطباء منه، و أخذ يدنو الموت سريعا، و كان في تلك المرحلة الأخيرة من حياته يلهج بذكر الله ويمجده و يدعو ربه ضارعا أن يقربه اليه زلفي و لم تفارق شفتاه تلاوة كتاب الله العظيم، و اتجه الامام عليهالسلام صوب القبلة المعظمة و قد صعدت روحه الطاهرة الي الله تعالي كأسمي روح صعدت الي [ صفحه 308] الله تحفها ملائكة الرحمن. و هكذا كان موته أعظم خسارة مني بها المسلمون في ذلك العصر. فقد فقدوا القائد و الموجه و المصلح الذي كان يحنو علي ضعفائهم و أيتامهم و فقرائهم، و ارتفعت الصيحة من دار الامام و علت أصوات العلويات و العلويين بالنحيب و البكاء.
و غسل جسد الامام و حنط و ادرج في أكفانه، و حمل للصلاة عليه، فانبري أبوعيسي بن المتوكل فصلي عليه بأمر من المعتمد العباسي، و بعد الفراغ من الصلاة كشف وجه الامام و عرضه علي بنيهاشم من العلويين و العباسيين و قادة الجيش و كتاب الدولة و رؤساء الدوائر و القضاة و المتطببين، و قال لهم: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهمالسلام مات حتف أنفه علي فراشه، و حضره من خدم أميرالمؤمنين و ثقاته فلان و فلان، و من القضاة فلان و فلان، و من المتطببين فلان و فلان، ثم غطي وجهه الشريف [636] .
و سري النبأ المفجع في جميع أرجاء سامراء، فكان كالصاعقة في هوله، و هرع المسلمون الي دار الامام و هم ما بين باك و نائح، و قد عطلت الدوائر الرسمية و المحلات التجارية، و اغلقت جميع الأسواق، و كانت سامراء شبيهة بالقيامة [637] . و لم تشهد في جميع فترات تاريخها مثل ذلك التشييع الذي ضم موجات من البشر علي اختلاف طبقاتهم و ميولهم و نزعاتهم و هم يعددون فضائل الامام الزكي [ صفحه 309] و مآثره و مناقبه، و يذكرون بمزيد من الأسي و اللوعة الخسارة العظمي التي مني بها المسلمون.
وجيء بالجثمان الطاهر تحت هالة من التكبير و التعظيم الي مقره الأخير، فدفن في داره الي جانب أبيه الامام علي الهادي عليهالسلام، و قد واروا معه صفحة مشرقة من صفحات الرسالة الاسلامية، و واروا فلذة من كبد رسول الله صلي الله عليه و آله. لقد حظيت سامراء ببدرين من أئمة المسلمين و قادتهم، و صارت في طليعة الأماكن المقدسة في دنيا الاسلام و هي حافلة في كل وقت بالزائرين من جميع الأقاليم و الأقطار، و قد زار المرقدين العظيمين الخليفة العباسي الناصر لدين الله متبركا و متقربا الي الله تعالي. و قد أشار عليه بعض وزرائه بزيارة قبور آبائه من ملوك بنيالعباس، فأجابه الي ذلك، و لما انتهي اليها وجدها مظلمة قد عششت فيها الغربان، و عادت مزبلة لما فيها من أوساخ و قمامة، و هي ببؤسها تحكي جور اولئك الملوك و ظلمهم، فطلب منه الوزير العناية بها، و بذل الأموال لاصلاحها و لمن يزورها، فأجابه الناصر بالجواب الحاسم المركز علي الواقع قائلا: هيهات لا ينفع ذلك و لا يجدي شيئا. - لماذا يا أميرالمؤمنين؟ - نظرت الي ازدهار قبور الأئمة الطاهرين. - نعم. - أتعرف السر في ذلك؟ - لا. - ان آبائي اتصلوا بالشيطان و هؤلاء السادة اتصلوا بالله، و ما كان لله يبقي و ما كان [ صفحه 310] للشيطان يفني و يزول [638] . انها حقيقة لا ريب و لا شك فيها، و ستبقي قبور الأئمة الطاهرين عليهمالسلام علي امتداد التاريخ تحمل شارات العظمة و الخلود. و علي أي حال، فقد وقف السادة العلويون و بنوالعباس و جعفر أخو الامام علي حافة القبر، و أقبلت الجماهير تعزيهم و تواسيهم بمصابهم الأليم، و هم يشكرونهم علي ذلك، و انصرف المشيعون و قد نخر الحزن قلوبهم لفقدهم الامام عليهالسلام.
توفي الامام عليهالسلام و هو في عمر الزهور، فقد كان في شرخ الشباب و زهرته، اذ وافته المنية و هو ابنثمان و عشرين سنة [639] .
انتقل الامام أبومحمد عليهالسلام الي جنة المأوي سنة ستين و مائتين من الهجرة [640] ، في شهر ربيعالأول لثمان ليال خلون منه [641] . و بهذا ينتهي بنا الحديث عن حياة هذا الامام الزكي أبيمحمد عليهالسلام.
[1] انتقل سماحة الحجة الشيخ هادي الي جنة المأوي سنة 1995 م، تغمده الله برحمته.
[2] عيون المعجزات: 134.
[3] أعيان الشيعة - القسم الرابع: 3: 289.
[4] اصول الكافي: 1: 503.
[5] سر السلسلة العلوية: 39، و في الحديث: «بأبي ابن النوبية - يعني الامام الحسن عليهالسلام - الطيبة» جاء ذلك في مجمع البحرين. و في معجم البلدان: 5: 309: «النوبة: بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر... و قد مدح النبي صلي الله عليه و آله أهلها، فقال: من لم يكن له أخ فليتخذ أخا من النوبة».
[6] بحارالأنوار: 50: 237.
[7] الارشاد: 2: 313.
[8] بحارالأنوار: 50: 237.
[9] أخبارالدول: 117. بحرالأنساب: 2. تحفةالأنام: 86. [
[10] روضةالواعظين: 251.
[11] بحارالأنوار: 50: 35. تاريخ أبيالفداء: 2: 48.
[12] النجوم الزاهرة: 3: 32. سر السلسلة العلوية: 39.
[13] بحرالأنساب: 2. أخبارالدول: 117. الاتحاف بحب الأشراف: 86. الكامل في التاريخ: 5: 373.
[14] دائرة المعارف / البستاني: 7: 45.
[15] أخبارالدول: 117. بحرالأنساب: 2. تحفة الأنام: 86. النجوم الزاهرة: 3: 32.
[16] أخبارالدول: 117. بحرالأنساب: 2.
[17] بحرالأنساب: 2.
[18] بحرالأنساب: 2.
[19] تحفةالأنام: 87. بحارالأنوار: 50: 236، و في أخبارالدول و غيره: «الخالص».
[20] تحفةالأنام: 87.
[21] تحفةالأنام: 87.
[22] جوهرةالكلام: 154.
[23] سفينةالبحار: 1: 259.
[24] الأعين: واسع العين.
[25] بحارالأنوار: 50: 326.
[26] بحارالأنوار: 50: 238. أخبارالدول: 117.
[27] الاتحاف بحب الأشرف: 68.
[28] المؤمنون 23: 115.
[29] جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 155. دائر المعارف / البستاني: 7: 45.
[30] أعيان الشيعة - القسم الثالث: 4: 295.
[31] المجدي: 131.
[32] المجدي: 131.
[33] اصولالكافي: 1: 327، الحديث 10.
[34] الارشاد: 2: 318. الكافي: 1: 327، الحديث 9.
[35] الكافي: 1: 326، الحديث 4 و 5 و 8. الارشاد: 2: 315 و 316.
[36] أبوجعفر محمد ابن الامام علي الهادي عليهالسلام: 12 و 13.
[37] الزخرف 43: 13.
[38] سفينة البحار: 1: 259.
[39] مناقب آل أبيطالب: 4: 401.
[40] اعلامالوري: 2: 126 و 127.
[41] مروجالذهب: 4: 85.
[42] مروجالذهب: 4: 84.
[43] كانت وفاة الامام الهادي عليهالسلام في سنة (254 ه) يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادي الآخرة، جاء ذلك في كشف الغمة: 3: 174، و في نورالأبصار: 150، و مروجالذهب: 4: 169، و قيل غير ذلك.
[44] حياة الامام علي الهادي عليهالسلام: 419.
[45] مقتضب الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر: 52 و 53.
[46] بحرالأنساب: 2.
[47] بحارالأنوار: 50: 236.
[48] دلائل الامامة: 227.
[49] مهجالدعوات: 62 و 63.
[50] النساء 4: 103.
[51] الأعراف 7: 43.
[52] اشارة الي قوله تعالي في سورة فاطر 35: 35.
[53] مصباح المتهجد: 80 - 82.
[54] الدعوات: 94. بحارالأنوار: 91: 207.
[55] أشفقت من كذا: أي خفت و حذرت. مجمعالبحرين: 2: 525.
[56] تبره: كسره و أهلكه. مجمعالبحرين: 1: 279.
[57] الكروب: جمع الكربة، الغم الذي يأخذ بالنفس. مجمع البحرين: 4: 28.
[58] أرغمته: أي أهنته و ألزقته بالتراب. لسانالعرب: 12: 247.
[59] ألب الجيش و الابل: جمع. و قد تألبوا عليه تألبا: اذا تضافروا عليه. و ألبهم تأليبا: جمعهم. تاج العروس: 2: 29.
[60] الواعية: الصراخ و الصوت. القاموس المحيط: 4: 582.
[61] مالأهم: ساعدهم. النهاية في غريب الحديث و الأثر: 4: 353.
[62] من مات له ولد فاحتسبه: أي احتسب الأجر بصبره علي مصيبته به، معناه: اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله، التي يثاب علي الصبر عليها. لسان العرب: 1: 315.
[63] المكابدة للشيء: هي تحمل المشاق في شيء. مجمعالبحرين: 4: 7. الغرة: القوة و الغلبة، و المغالبة و الممانعة. مجمع البحرين: 3: 172.
[64] قال أبومحمد اليمني - هو أبومحمد عبدالله بن محمد بن العابد، الذي سأل الامام أن يملي عليه الصلاة علي النبي و أوصيائه عليهمالسلام -: «فلما انتهيت الي الصلاة عليه أمسك، فقلت له في ذلك، فقال: لولا أنه دين أمرنا الله تعالي أن نفعله و نؤديه الي أهله، لأحببت الامساك، ولكنه الدين، اكتب:».
[65] مصباح المتهجد: 399 - 406. جمال الاسبوع: 483 - 494. البلد الأمين: 303 - 306. بحارالأنوار: 91: 73 - 78، الحديث 1.
[66] مهجالدعوات: 332 - 334.
[67] اقبالالأعمال: 1: 81. بحارالأنوار: 94: 358.
[68] عشيرة الرجل و أهل بيته.
[69] اقبالالأعمال: 3: 303.
[70] البقرة 2: 286.
[71] بحارالأنوار: 81: 25. فلاحالسائل: 91 و 92.
[72] اشارة الي قوله تعالي: (و أيوب اذ نادي ربه أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين) الأنبياء 21: 83.
[73] بحارالأنوار: 99: 238 - 240.
[74] جمالالاسبوع: 180. بحارالأنوار: 88: 190.
[75] يس: 9.
[76] ابراهيم 14: 12.
[77] الطلاق 65: 3.
[78] مهجالدعوات: 360. المصباح: 218. بحارالأنوار: 91: 277.
[79] مدينةالمعاجز: 1: 481. بحارالأنوار: 82: 144.
[80] بحارالأنوار: 50: 261.
[81] الكافي: 506 1، الحديث 3. بحارالأنوار: 50: 278 و 279، الحديث 52.
[82] الكلب: الشدة و الضيق.
[83] الأنوار البهية: 305. اعلامالوري: 2: 140. مناقب آل أبيطالب: 3: 538.
[84] الكافي: 1: 508، الحديث 8. بحارالأنوار: 50: 307، الحديث 4.
[85] شرح نهجالبلاغة / محمد عبده: 2: 218. شرح نهجالبلاغة / ابن أبيالحديد: 11: 245.
[86] صحيح الترمذي: 2: 308.
[87] مجمع الزوائد: 9: 168. مستدركالحاكم: 2: 43. تاريخ بغداد: 2: 19.
[88] المراجعات: 78.
[89] الهاشميات: 22 و 23.
[90] الفصول المهمة: 66. اصولالكافي: 1: 325.
[91] اصولالكافي: 1: 325.
[92] التوبة 9: 115.
[93] البقرة 2: 106.
[94] اصولالكافي: 1: 328.
[95] اصولالكافي: 1: 328.
[96] اصولالكافي: 1: 327.
[97] اكمالالدين: 2: 55.
[98] اكمالالدين: 2: 55.
[99] أعلامالوري: 2: 368. [
[100] أعلامالوري: 2: 368.
[101] اكمالالدين: 2: 50.
[102] مرآة الزمان: 6، الورقة 192.
[103] نور الأبصار: 153.
[104] مناقب آل أبيطالب: 4: 433.
[105] نورالأبصار: 152. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة: 282.
[106] كشفالغمة: 3: 217 و 218.
[107] الدر النظيم في مناقب الأئمة: 743.
[108] اعلامالوري: 2: 375.
[109] مناقب آل أبيطالب: 4: 438.
[110] اعلامالوري: 2: 372.
[111] نورالأبصار: 152.
[112] مناقب آل أبيطالب: 4: 437. اعلامالوري: 2: 374.
[113] اعلامالوري: 2: 374.
[114] مناقب آل أبيطالب: 4: 436.
[115] اعلامالوري: 2: 375. مناقب آل أبيطالب: 4: 437.
[116] الزمر 39: 53.
[117] النساء 4: 48.
[118] الدر النظيم: 744. بحارالأنوار: 6: 6، الحديث 12.
[119] الثاقب في المناقب: 241.
[120] اعلامالوري: 2: 375.
[121] الكافي: 1: 327، الحديث 11.
[122] اعلامالوري: 2: 139.
[123] بختشوع بن جبرئيل: طبيب سرياني الأصل، قربه العباسيون، و لا سيما المتوكل، و قد أثري حتي كان يضاهي المتوكل في الفرش و اللباس و الخدم. طبقات الأطباء: 1: 138.
[124] بحارالأنوار: 50: 261.
[125] بحارالأنوار: 50: 325.
[126] بحارالأنوار: 50: 327.
[127] الارشاد: 2: 313.
[128] السري: السيد الشريف.
[129] الفصول المهمة: 272.
[130] مناقب آل أبيطالب: 4: 421.
[131] زهرة المقول في نسب ثاني فرعي الرسول: 63.
[132] كشفالغمة: 3: 197.
[133] بحرالأنساب: 17.
[134] مرآةالجنان: 2: 172.
[135] جامع كرامات الأولياء: 1: 389.
[136] كشفالغمة: 2: 433 و 434.
[137] دائرة المعارف / البستاني: 7: 45.
[138] الأعلام: 2: 215.
[139] نزهة الجليس: 2: 184.
[140] اشارة الي قوله تعالي: (و من كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا) الاسراء 17: 72.
[141] طه 2:125 و 126.
[142] اشارة الي قوله تعالي: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب) البقرة 2: 85.
[143] اشارة الي قوله تعالي: (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون) البقرة 2: 85.
[144] اشارة الي قوله تعالي: (و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم) آل عمران 3: 154.
[145] المائدة 5: 3.
[146] الشوري 42: 23.
[147] محمد صلي الله عليه و آله 47: 38.
[148] اشارة الي قوله تعالي: (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم) الانفطار 82: 6.
[149] الاسراء 17: 71.
[150] البقرة 2: 143.
[151] آل عمران 3: 110.
[152] اشارة الي قوله تعالي: (فسيري الله عملكم رسوله و المؤمنون...) التوبة 9: 105.
[153] تحفالعقول: 484 - 486. بحارالأنوار:78: 374 - 377. الكشي: 354 - 357. و روي السيد محمد الجزائري استاذ العلامة المجلسي شطرا من هذه الرسالة في كتابه «جوامع الكلم»، و هو من مخطوطات مكتبة الامام أميرالمؤمنين عليهالسلام، تسلسل 427.
[154] آبة: بليدة تقابل ساوة، و تعرف بين العامة ب «آوة». معجمالبلدان.
[155] مناقب آل أبيطالب: 4: 425، عنه. بحارالأنوار: 50: 317، الحديث 14.
[156] النساء 4: 114.
[157] اشارة الي الآية الكريمة: (ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين) الأعراف 7: 128.
[158] روضاتالجنات: 4: 273 و 274.
[159] روضاتالجنات: 4: 273.
[160] أمل الآمل: 2: 283، رقم 845.
[161] بحارالأنوار: 75: 371، الحديث 4.
[162] بحارالأنوار: 75: 372، الحديث 7.
[163] الكشي: 510 / 983.
[164] الكشي: 580 / 1088.
[165] الدر النظيم: 748.
[166] الدرالنظيم: 749.
[167] الدر النظيم: 749.
[168] الصاقورة: السماء الثالثة.
[169] الباكورة: أول ما يدرك من الفاكهة.
[170] بحارالأنوار: 75: 378، الحديث 3.
[171] بحارالأنوار: 75: 372.
[172] نزهة الناظر في تنبيه الخواطر: 143 و 144.
[173] بحارالأنوار: 78: 338. تحفالعقول: 489. أمالي الطوسي: 473.
[174] تحفالعقول: 488.
[175] كشفالغمة: 3: 193. من لا يحضره الفقيه: 2: 43.
[176] تحفالعقول: 488. بحارالأنوار: 78: 373.
[177] المجالس السنية: 2: 663. و في نسخة تحفالعقول: 487: «حب الأبرار للأبرار ثواب للأبرار، و حب الفجار للأبرار فضيلة للأبرار، و بغض الفجار للأبرار زين للأبرار، و بغض الأبرار للفجار حزي علي الفجار».
[178] نهزة الناظر في تنبيه الخواطر: 51.
[179] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 78: 374، الحديث 20.
[180] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 68: 302، الحديث 11.
[181] تحفالعقول: 488. بحارالأنوار: 75: 373، الحديث 15.
[182] تحفالعقول: 488. بحارالأنوار: 75: 373، الحديث 17.
[183] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 373، الحديث 18.
[184] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 22.
[185] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 23.
[186] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 24.
[187] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 25.
[188] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 26.
[189] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 27.
[190] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 28.
[191] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 29.
[192] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 30.
[193] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 31.
[194] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 32.
[195] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 33.
[196] تحفالعقول: 489. بحارالأنوار: 75: 374، الحديث 35.
[197] نزهةالناظر: 144، الحديث 4. بحارالأنوار: 75: 377.
[198] نزهةالناظر: 146، الحديث 5. بحارالأنوار: 75: 377.
[199] نزهةالناظر: 145، الحديث 6. بحارالأنوار: 1: 95، الحديث 28.
[200] نزهةالناظر: 145، الحديث 8. بحارالأنوار: 75: 377.
[201] بحارالأنوار: 75: 377. الدرالنظيم: 747.
[202] نزهةالناظر: 145، الحديث 9. بحارالأنوار: 75: 377.
[203] نزهةالناظر: 145، الحديث 11. بحارالأنوار: 75: 377.
[204] نزهةالناظر: 145، الحديث 12. بحارالأنوار: 75: 377.
[205] نزهةالناظر: 145، الحديث 13. بحارالأنوار: 75: 377.
[206] نزهةالناظر: 146، الحديث 14. بحارالأنوار: 75: 377.
[207] نزهةالناظر: 146، الحديث 15. بحارالأنوار: 75: 377.
[208] نزهةالناظر: 146، الحديث 17. بحارالأنوار: 75: 377.
[209] نزهةالناظر: 147، الحديث 22. بحارالأنوار: 75: 378.
[210] نزهةالناظر: 147، الحديث 23. بحارالأنوار: 75: 378.
[211] نزهةالناظر: 143، الحديث 2. بحارالأنوار: 75: 378.
[212] نزهةالناظر: 143، الحديث 1. بحارالأنوار: 75: 378.
[213] بحارالأنوار 75: 369. الأنوار البهية: 286.
[214] بحارالأنوار 75: 380. الأنوار البهية: 319.
[215] بحارالأنوار 75: 380. الأنوار البهية: 319.
[216] الأنوار البهية: 287. الدرالنظيم: 733.
[217] بحارالأنوار 75: 372، الحديث 10. الأنوار البهية: 318.
[218] أعيانالشيعة: 6: 381. كشفالغمة: 3: 217.
[219] تحفالعقول: 487. بحارالأنوار 75: 372، الحديث 9. الأنوار البهية: 318.
[220] نزهةالناظر: 145، الحديث 10. بحارالأنوار: 75: 379.
[221] الفواقر - جمع فاقره -: الداهية العظيمة.
[222] تحفالعقول: 487. الكافي: 2: 668، الحديث 15. وسائلالشيعة: 12: 131، الحديث 15852، عن الامام الباقر عليهالسلام.
[223] تحفالعقول: 487. بحارالأنوار: 75: 370، الحديث 6.
[224] تحفالعقول: 486. بحارالأنوار: 75: 370، الحديث 1.
[225] تحفالعقول: 486. بحارالأنوار: 75: 371، الحديث 2.
[226] تحفالعقول: 487. بحارالأنوار: 75: 371، الحديث 5.
[227] نزهة الناظر: 144، الحديث 4.
[228] نزهةالناظر: 146، الحديث 20. بحارالأنوار: 75: 379.
[229] الأعراف 7: 172.
[230] كشفالغمة: 3: 210.
[231] التوبة 9: 16.
[232] مناقب آل أبيطالب: 3: 532. الكافي: 1: 508، و فيه: «سفيان بن محمد الضبعي».
[233] الرعد 13: 39.
[234] الثاقب في المناقب: 242. كشفالغمة: 2: 419.
[235] الروم 30: 4.
[236] الأعراف 7: 54.
[237] كشفالغمة: 3: 210.
[238] فاطر 35: 32.
[239] الثاقب في المناقب: 241 و 242.
[240] الذريعة: 4: 285.
[241] من أعمال طبرستان بين سارية و جرجان - مراصد الاطلاع: 1: 70.
[242] قال ابنالنديم في الفهرست: 274: «ان الحسن بن زيد ظهر بطبرستان سنة (250 ه)، و مات مملكا عليها سنة (270 ه)».
[243] الكهف 18: 109.
[244] لقمان 31: 27.
[245] في نسخة: «فكم قد تري».
[246] الفيج: كلمة فارسية معربة، جمعها فيوج: و هو الذي يسعي علي رجليه - الصحاح.
[247] تفسير الامام أبيمحمد الحسن بن علي العسكري عليهالسلام: 21 - 24.
[248] معجم رجال الحديث: 17: 173.
[249] معجم رجال الحديث: 17: 174.
[250] معجم رجال الحديث: 2: 159.
[251] فلاح السائل: 183.
[252] أعيان الشيعة - القسم الثالث: 4: 308 و 309.
[253] يظهر أنه قد سقطت العبارة: «أشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول».
[254] تذكرة الخواص: 372 و 363. مرآةالزمان: 6 / ورقة 192.
[255] من لا يحضره الفقيه: 1: 86. الاستبصار: 1: 195. التهذيب: 1: 122.
[256] من لا يحضره الفقيه: 1: 171.
[257] مجمع البحرين: 3: 1470.
[258] من لايحضره الفقيه: 2: 98. التهذيب: 1: 402. الاستبصار: 2: 108.
[259] من لا يحضره الفقيه: 2: 272.
[260] العروة الوثقي - كتاب الوصية: 4: 579.
[261] من لا يحضره الفقيه: 2: 272.
[262] من لا يحضره الفقيه: 3: 44.
[263] وسائلالشيعة - أحكام الوصايا: 19: 375، الحديث 24794.
[264] مباني تكملة المنهاج: 1: 18.
[265] التهذيب: 2: 115. من لا يحضره الفقيه: 3: 106.
[266] من لا يحضره الفقيه: 3: 153. التهذيب: 2: 158.
[267] من لا يحضره الفقيه: 3: 153. التهذيب 2: 159.
[268] التهذيب: 2: 159. من لا يحضره الفقيه: 3: 153.
[269] من لا يحضره الفقيه: 3: 153.
[270] التهذيب: 2: 159. من لا يحضره الفقيه: 3: 153.
[271] التهذيب: 2: 332. من لا يحضره الفقيه: 3: 237.
[272] من لا يحضره الفقيه: 3: 322.
[273] من لا يحضره الفقيه: 3: 328.
[274] من لا يحضره الفقيه: 4: 151.
[275] من لا يحضره الفقيه: 4: 196.
[276] من لا يحضره الفقيه: 4: 155.
[277] التهذيب: 2: 393. من لا يحضره الفقيه: 4: 168.
[278] من لا يحضره الفقيه: 4: 176. التهذيب: 2: 371.
[279] من لا يحضره الفقيه: 1: 169.
[280] رجالالنجاشي: 19 / 22.
[281] رجال الطوسي: 429 / 19، و في نسخة: «ابراهيم بن حصيب».
[282] رجالالكشي: 573 / 1085.
[283] رجال الطوسي: 410 / 19 و: 428 / 7.
[284] رجالالطوسي: 429 / 18.
[285] رجال الطوسي: 410 / 11 و: 428 / 10.
[286] رجالالكشي: 530 / 1014.
[287] رجال النجاشي: 16 / 17.
[288] رجالالكشي: 531 / 1015.
[289] معجم رجال الحديث: 1: 307.
[290] رجالالطوسي: 428 / 12.
[291] رجالالطوسي: 427 / 4.
[292] رجالالنجاشي: 93 / 230.
[293] رجالالطوسي: 428 / 15.
[294] رجال ابنداود: 23 / 55.
[295] رجالالكشي: 534 / 1019.
[296] رجالالطوسي: 428 / 16.
[297] رجالالنجاشي: 92 / 228.
[298] رجالالنجاشي: 91 / 225.
[299] فهرست الشيخ: 70 / 87.
[300] رجالالكشي: 556 / 1051.
[301] اصولالكافي: 1: 329، كتاب الحجة، باب تسمية من رآه عليهالسلام، الحديث 1.
[302] رجالالطوسي: 410 / 17 و: 428 / 9.
[303] رجالالنجاشي: 80 / 194.
[304] رجالالطوسي: 428 / 8. أحمد بن حماد: مات في حياة الامام الجواد عليهالسلام، و لا يمكن عده من أصحاب الامام الحسن العسكري عليهالسلام، و يظهر من روايات الكشي في ترجمته أن المذكور هو محمد بن أحمد بن حماد، و مؤكد أن المحمودي المكني بأبي علي هو محمد بن أحمد بن حماد.
[305] الجاثية 45: 22.
[306] هكذا وردت، و لعلها: «متفردون».
[307] رجال الكشي: 559 / 1057، و انظر 511 / 986.
[308] رجالالطوسي: 428 / 5.
[309] رجالالبرقي: 13 / 1670. رجال الطوسي: 427 / 3.
[310] رجالالنجاشي: 80 / 192.
[311] رجالالكشي: 606 / 1128.
[312] معجم رجال الحديث: 2: 320.
[313] رجال الطوسي: 427 / 2.
[314] العبرتائي: نسبة الي عبرتا، و هي قرية بنواحي بلد اسكاف.
[315] رجال الطوسي: 428 / 14.
[316] معجم رجال الحديث: 2: 355.
[317] رجالالكشي: 535 / 1020. معجم رجال الحديث: 2: 356.
[318] معجم رجال الحديث: 2: 355.
[319] رجالالطوسي: 428 / 6.
[320] ذكرنا نص التوقيع في البحوث السابقة.
[321] رجالالطوسي: 428 / 11.
[322] رجالالكشي: 322 / 584 و: 530 / 1014. معجم رجال الحديث: 3: 67 و 68.
[323] رجالالطوسي: 428 / 17.
[324] رجالالطوسي: 429 / 1.
[325] رجال الطوسي: 429 / 3.
[326] رجالالطوسي: 429 / 2.
[327] رجالالطوسي: 430 / 2. معجم رجال الحديث: 4: 285.
[328] رجالالطوسي: 429 / 2.
[329] رجالالطوسي: 430 / 6.
[330] رجالالنجاشي: 40 / 81.
[331] رجالالطوسي: 430 / 10.
[332] رجالالكشي: 520 / 999.
[333] رجالالطوسي: 430 / 5.
[334] رجالالطوسي: 430 / 5.
[335] رجال الطوسي: 430 / 9.
[336] الكافي: 1: 517، الحديث 4. اكمالالدين: 443، الحديث 16.
[337] معجم رجال الحديث: 5: 149.
[338] رجالالطوسي: 429 / 1.
[339] رجالالطوسي: 430 / 8.
[340] رجالالطوسي: 430 / 7.
[341] رجالالطوسي: 414 / 24 و: 430 / 4.
[342] رجالالنجاشي: 138 / 357.
[343] رجالالطوسي: 431 / 11.
[344] معجم رجال الحديث: 6: 277.
[345] رجال الطوسي: 415 / 2 و: 431 / 3.
[346] رجالالطوسي: 431 / 2.
[347] رجال البرقي: 143 / 1666.
[348] الكني و الألقاب: 1: 174.
[349] اعلامالوري: 2: 126.
[350] أماليالصدوق: 497، الحديث 682. بحارالأنوار: 50: 129، الحديث 7.
[351] الكني و الألقاب: 1: 176.
[352] مقاتل الطالبيين: 644.
[353] تاريخ الامم و الملوك / الطبري: 7: 428.
[354] الكني و الألقاب: 1: 176.
[355] رجال الطوسي: 431 / 3.
[356] رجالالنجاشي: 177 / 467.
[357] رجالالنجاشي: 178 / 467.
[358] رجالالطوسي: 431 / 1.
[359] رجالالطوسي: 431 / 2.
[360] رجال النجاشي: 185 / 490.
[361] رجالالطوسي: 431 / 1.
[362] رجال النجاشي: 198 / 526.
[363] رجالالطوسي: 432 / 1.
[364] رجالالطوسي: 432 / 2.
[365] رجالالطوسي: 433 / 20.
[366] رجالالنجاشي: 247 و 248 / 653.
[367] معجم رجال الحديث: 10: 48.
[368] رجالالطوسي: 432 / 2.
[369] رجالالبرقي: 143 / 1664.
[370] رجال النجاشي: 219 / 573.
[371] رجالالطوسي: 400 / 5.
[372] رجالالطوسي: 433 / 11.
[373] رجالالنجاشي: 219 / 572.
[374] رجالالكشي: 530 / 1014.
[375] رجالالكشي: 530 / 1014.
[376] الغيبة / الشيخ الطوسي: 354،الحديث 315.
[377] اصول الكافي: 1: 330، باب تسمية من رأي الامام عليهالسلام، الحديث 1.
[378] رجالالطوسي: 433 / 15.
[379] رجالالطوسي: 417 / 6 و: 432 / 4.
[380] رجال النجاشي: 278 / 730.
[381] رجالالكشي: 579 / 1088.
[382] رجالالكشي: 512 / 991.
[383] رجالالطوسي: 434 / 23.
[384] رجالالطوسي: 418 / 15 و: 432 / 1.
[385] الغيبة: 350، ذيلالحديث 307.
[386] الغيبة: 218، الحديث 180 و: 350، الحديث 308.
[387] رجالالكشي: 606 / 1129.
[388] رجال الكشي: 523 / 1005.
[389] رجالالطوسي: 433 / 12.
[390] رجالالنجاشي: 257 / 676.
[391] الغيبة: 389، الحديث 355.
[392] رجال الطوسي: 433 / 14.
[393] رجالالطوسي: 433 / 18.
[394] رجالالطوسي: 433 / 10.
[395] رجالالطوسي: 433 / 8.
[396] رجالالطوسي: 432 / 3.
[397] رجالالطوسي:433 / 19.
[398] رجالالطوسي: 420 / 32 و: 433 / 16.
[399] رجالالطوسي:433 / 17.
[400] رجالالطوسي: 432 / 7.
[401] رجالالطوسي: 432 / 6.
[402] رجالالطوسي: 434 / 1.
[403] رجالالكشي: 574 / 1087.
[404] رجالالطوسي: 434 / 2.
[405] رجالالنجاشي: 306 و 307 / 840.
[406] رجالالكشي: 537 و 538 / 1023.
[407] رجالالكشي: 542 / 1027.
[408] رجالالكشي: 542 / 1028.
[409] رجالالطوسي: 434 / 1.
[410] رجالالنجاشي: 316 / 868.
[411] رجالالطوسي: 436 / 15.
[412] اصولالكافي: 518، الحديث 5. رجال الكشي: 531 / 1015.
[413] رجالالطوسي: 435 / 5.
[414] رجالالبرقي: 144 / 1677.
[415] رجالالطوسي: 436 / 17، و في نسخة: «محمد بن أحمد الجعفري القمي».
[416] رجالالطوسي: 435 / 1.
[417] رجالالطوسي: 436 / 13.
[418] اكمالالدين: 485، الحديث 5.
[419] الغيبة: 291، الحديث 247. معجم رجال الحديث: 15: 24.
[420] رجالالطوسي: 435 / 6.
[421] رجالالطوسي: 402 / 21.
[422] رجالالنجاشي: 335 / 899.
[423] رجالالكشي: 533 / 1088.
[424] رجالالنجاشي: 336 / 899.
[425] رجالالطوسي: 436 / 16.
[426] رجالالنجاشي: 354 / 948.
[427] رجالالنجاشي: 354 / 948.
[428] رجالالطوسي: 435 / 8.
[429] رجالالنجاشي: 334 / 897.
[430] رجالالطوسي: 436 / 14.
[431] رجالالكشي: 30 / 532.
[432] رجالالطوسي: 437 / 24.
[433] رجالالطوسي: 437 / 23.
[434] رجالالطوسي: 436 / 18.
[435] رجالالطوسي: 442 / 18.
[436] رجالالطوسي:437 / 26.
[437] رجالالطوسي:435 / 10.
[438] رجالالنجاشي: 339 / 906.
[439] الكافي: 1: 329 و 330، كتاب الحجة، الحديث 1.
[440] الغيبة: 361، الحديث 323. معجم رجال الحديث: 16: 275.
[441] من لا يحضره الفقيه: 2: 520، باب نوادر الحج، الحديث 3115. معجم رجال الحديث: 16: 275.
[442] الكني و الألقاب: 3: 267.
[443] الكني و الألقاب: 3: 268.
[444] رجالالطوسي:435 / 4.
[445] رجالالطوسي:435 / 4.
[446] رجالالطوسي:435 / 2.
[447] رجالالبرقي: 143 / 1668.
[448] رجالالطوسي: 437 / 22.
[449] رجالالطوسي:435 / 9.
[450] رجالالطوسي:435 / 7.
[451] رجالالطوسي:435 / 3.
[452] رجالالنجاشي: 333 / 896. معجم رجال الحديث: 17: 113 و 114.
[453] رجالالطوسي:436 / 19.
[454] رجالالكشي: 521 / 1001.
[455] معجم رجال الحديث: 17: 286.
[456] معجم رجال الحديث: 17: 288.
[457] رجالالطوسي: 437 / 25.
[458] رجالالطوسي: 437 / 21.
[459] رجالالطوسي: 435 / 11.
[460] رجالالطوسي: 436 / 12.
[461] رجالالطوسي: 437 / 1.
[462] رجالالنجاشي: 438 / 1180.
[463] رجالالطوسي: 438 / 4.
[464] رجالالطوسي: 437 / 3.
[465] رجالالطوسي: 437 / 1.
[466] كمالالدين و تمام النعمة: 407، الحديث 2. الخرائج و الجرائح: 2: 960. بحارالأنوار: 52: 25.
[467] رجالالطوسي: 437 / 2.
[468] معجم رجال الحديث: 20: 168.
[469] رجالالطوسي: 438 / 3.
[470] رجالالطوسي:438 / 1.
[471] رجالالطوسي: 438 / 2.
[472] تاريخ التمدن الاسلامي: 5: 79.
[473] الوزراء و الكتاب: 288.
[474] الوزراء و الكتاب: 142.
[475] الوزراء و الكتاب: 268.
[476] الكامل في التاريخ: 6: 268.
[477] الفخري: 164.
[478] يعقوب بن داود هو وزير المهدي، و فيه يقول الشاعر: بنيامية هبوا طال نومكم ان الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا خليفة الله بين الناي و العود.
[479] الولاة و القضاة: 125 و 126.
[480] النجوم الزاهرة: 2: 54. خطط المقريزي: 2: 94.
[481] الأخبار الطوال: 384.
[482] الوزراء و الكتاب: 250.
[483] النجوم الزاهرة: 2: 75.
[484] نشوار المحاضرات: 1: 293. البداية و النهاية: 11: 22.
[485] المنتظم: 6: 253.
[486] النجوم الزاهرة: 2: 65.
[487] الكامل في التاريخ: 6: 319.
[488] الكامل في التاريخ: 6: 319.
[489] المستطرف من أخبار الجواري: 28.
[490] تاريخ الخلفاء: 384.
[491] الأغاني: 16: 226.
[492] سمط النجوم العوالي: 3: 354.
[493] نساء الخلفاء / ابنالساعي: 86.
[494] بين الخلفاء و الخلعاء في العصر العباسي: 17 - 22، نقلا عن المنتظم / ابنالجوزي: 6: 72.
[495] الأغاني: 14: 191.
[496] تاريخ الامم و الملوك: 7: 362.
[497] الأغاني: 22: 161.
[498] أي: فضة.
[499] تاريخ بغداد: 13: 156، الحديث 7132. طبقات الشعراء / ابنالمعتز: 391 و 392. الأغاني:23: 168 - 175.
[500] عيونالتواريخ: 6 / ورقة 170، مصور في مكتبة الامام أميرالمؤمنين عليهالسلام.
[501] مرآة الزمان: 6: 158.
[502] مروجالذهب: 2: 366.
[503] الوزراء و الكتاب: 192.
[504] المحاسن و المساويء: 585.
[505] القسيم: الحظ.
[506] القرم: السيد.
[507] المحاسن و المساويء: 585، مع ملاحظة اختلاف حركة الروي بين البيتين الأولين و الثالث.
[508] طبقات الشعراء: 377.
[509] انجذ حبله: أي انقطع حبله.
[510] المشجب: خشبات منصوبة توضع عليها الثياب.
[511] الحرف: الحرمان.
[512] العقد الفريد: 6: 216.
[513] حياة الحيوان: 5: 264.
[514] المحاسن و المساوئ: 277.
[515] المذق: اللبن الممزوج بالماء.
[516] الجناب: الناحية. وجي سهمهم: أي أخطأ و لم يصب الهدف.
[517] القري: الظهر. الشكاعي: نبت دقيق العيدان.
[518] طبقات الشعراء: 378.
[519] أبوعمرة: من أسماء الجوع و الفقر.
[520] الامتاع و المؤانسة: 3: 34.
[521] طبقات الشعراء: 127.
[522] الضمير في «فيها» يرجع الي بغداد.
[523] تاريخ بغداد: 13: 146.
[524] سفينةالبحار: 2: 158.
[525] سر السلسلة العلوية: 65.
[526] سر السلسلة العلوية: 63.
[527] مقاتلالطالبيين: 604.
[528] مقاتلالطالبيين: 615.
[529] البقرة: 255.
[530] الكهف: 57.
[531] الجاثية: 23.
[532] النحل: 108.
[533] الاسراء: 45 و 46.
[534] مهجالدعوات: 63.
[535] مهجالدعوات: 64.
[536] الاحتفاء: الاستقصاء و الالحاح في المسألة.
[537] لم يمهه: أي لم يشمله و يعمه.
[538] سجال: مفرده سجل الدلو العظيمة اذا كان فيها ماء قل أو كثر، و لا يقال لها فارغة سجل، و قوله: و سجال عطيتك من هذا المعني علي الاستعارة - مجمع البحرين.
[539] الابن: العيب.
[540] خذرف: أسرع.
[541] بسق النخل: ارتفعت أغصانه و طالت.
[542] ضرب بجرانه: أي ثبت و استقر.
[543] هكذا ورد في الأصل، و لعل الصحيح: «تحصد قائمه».
[544] سوقه: هو ساق الشجرة و جذعها.
[545] السنام: حدبة في ظهر البعير.
[546] السرية: قطعة من الجيش.
[547] أبرتها: أي أهلكتها.
[548] الكراع: اسم يطلق علي الخيل و البغال و الحمير.
[549] لا شوب معه: أي لا خليط معه.
[550] ناواه: أي عاداه.
[551] الخماص: الذي خوت بطونهم جوعا.
[552] الساغبة: الجائعة.
[553] الجائحة: الاهلاك و الاستيصال.
[554] مهجالدعوات: 85 - 90. مصباح المتهجد: 156 - 163.
[555] محاضرات في تاريخ الأمم الاسلامية: 270.
[556] الأزل: الحبس و الشدة.
[557] تاريخ اليعقوبي: 3: 125.
[558] الكامل في التاريخ: 7: 129 - 130.
[559] الكني و الألقاب: 2: 402.
[560] مرآةالزمان: 6 / ورقة 169.
[561] الديارات / الشابشتي: 101.
[562] مروجالذهب: 4: 61.
[563] الفخري: 181.
[564] مناقب آل أبيطالب: 4: 424.
[565] جوهرة الكلام: 154. أخبارالدول: 117.
[566] رجالالكشي: 573 / 1086.
[567] الدل: حسن الحديث.
[568] المزهر: العود الذي يضرب به.
[569] ابن أبيجعفر: المهدي محمد بن أبيجعفر المنصور. البيان و التبيين: 3: 371.
[570] الأغاني: 19: 116.
[571] محاضرةالأبرار: 1: 126.
[572] الألحان: 298.
[573] تاريخ الخلفاء: 346.
[574] أخبار الدول: 117.
[575] تاريخ الخلفاء: 346.
[576] السواذج: هي الجواري التي لم تدرب علي الغناء.
[577] نساء الخلفاء: 92.
[578] محاضرات في تاريخ الامم الاسلامية: 265 - 266.
[579] الديارات: 26.
[580] بين الخلفاء و الخلعاء: 115.
[581] ثمار القلوب: 122.
[582] دائرة معارف القرن العشرين: 10: 964.
[583] مرآه الزمان: 6 / ورقة 69.
[584] نساء الخلفاء: 94 و 95.
[585] نساء الخلفاء: 95 و 96.
[586] زهر الآداب: 4: 31.
[587] بين الخلفاء و الخلعاء في العصر العباسي: 108.
[588] مرآة الزمان: 6 / ورقة 169.
[589] عيون التواريخ: 6 / ورقة 170.
[590] أخبارالبحتري: 89.
[591] مقاتلالطالبيين: 597.
[592] مقاتلالطالبيين: 599.
[593] مرآةالزمان: 6 / ورقة 136.
[594] فوات الوفيات: 1: 203.
[595] حياة الامام الهادي عليهالسلام: 202.
[596] دائرة معارف القرن العشرين: 6: 437.
[597] الجاثية 45: 21.
[598] جاء في جوهرة الكلام: 152: ان هذه الأبيات وجدت مكتوبة علي قصر سيف بن ذي يزن الحميري و قبلها الأبيات التالية: انظر ماذا تري أيها الرجل و كن علي حذر من قبل تنتقل و قدم الزاد من خير تسر به فكل ساكن دار سوف يرتحل و انظر الي معشر باتوا علي دعة فأصبحوا في الثري رهنا بما عملوا بنوا فلم ينفع البينان و ادخروا مالا فم يغنهم لما انقضي الأجل نزهة الجليس: راجع 2: 138. مرآةالجنان: 2: 160. تذكرة الخواص: 361. الاتحاف بحب الأشراف: 67.
[599] روضةالأعيان: 108.
[600] مروجالذهب: 4: 43.
[601] ديوان البحتري: 2: 848، القصيدة 340.
[602] أخبار البحتري: 100 و 101. مروجالذهب: 4: 82.
[603] حياة الامام الهادي عليهالسلام: 339.
[604] تاريخالخلفاء: 357.
[605] تاريخ اليعقوبي: 2: 478.
[606] مروجالذهب: 4: 90.
[607] اصولالكافي: 1: 508.
[608] جوهرةالكلام: 155.
[609] مهجالدعوات: 328، نقلا عن كتاب الأوصياء / سعيد علي بن محمد بن زياد الصيمري، و المؤلف ممن رافق الامامين العسكريين عليهماالسلام، و قام بخدمتهما، و توجد نسخة من الكتاب عند السيد ابنطاووس مؤلف مهجالدعوات.
[610] الغيبة / الشيخ الطوسي: 132.
[611] مروجالذهب: 4: 111.
[612] مروجالذهب: 4: 112.
[613] تاريخ الخلفاء: 358 و 359.
[614] الفخري: 132.
[615] مروجالذهب: 4: 83 و 84.
[616] دلائل الامامة: 225. مهجالدعوات: 328 و 329.
[617] دلائلالامامة: 225. أخبارالدول: 117.
[618] تاريخالخلفاء: 360.
[619] الكامل في التاريخ: 5: 344.
[620] مروجالذهب: 4: 124.
[621] مهجالدعوات: 274.
[622] مهجالدعوات: 274.
[623] مروجالذهب: 4: 127.
[624] مروجالذهب: 4: 138.
[625] تاريخ الخلفاء: 363.
[626] الصف 61: 8.
[627] مهجالدعوات: 330.
[628] كفاية الأثر: 293.
[629] اكمالالدين: 216 و 217.
[630] كفايةالأثر: 296.
[631] اكمالالدين: 228. كفايةالأثر: 295.
[632] كفايةالأثر: 295 و 296.
[633] مهجالدعوات: 330. بحارالأنوار: 50: 313.
[634] الارشاد: 383.
[635] الارشاد: 383.
[636] الارشاد: 383.
[637] الارشاد: 383. دائرة المعارف / البستاني: 7: 45.
[638] الخصائص الفاطمية: 1: 417 و 418.
[639] جامع الأخبار: 42. أخبارالدول: 117. الارشاد: 389.
[640] مرآةالجنان: 2: 462. تاريخالخميس: 2: 343. تاريخ ابنالوردي: 1: 325.
[641] تاريخ بغداد: 7: 366.
جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.