اعلام الهداية الامام الحسن بن علي العسكري (علیهما السلام)

اشارة

مجمع جهاني اهل بيت

الإمام الحسن العسكري في سطور

الإمام الحسن بن علي العسكري هو المعصوم الثالث عشر والإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله). نشأ وتربّي في ظلّ أبيه الذي فاق أهل عصره علماً وزهداً وتقويً وجهاداً. وصحب أباه اثنين أو ثلاثاً وعشرين سنة وتلقّي خلالها ميراث الإمامة والنبوّة فكان كآبائه الكرام علماً وعملاً وقيادةً وجهاداً وإصلاحاً لاُمّة جدّه محمد (صلي الله عليه وآله). وقد ظهر أمر إمامته في عصر أبيه الهادي (عليه السلام) وتأكّد لدي الخاصة من أصحاب الإمام الهادي والعامة من المسلمين أنه الإمام المفترض الطاعة بعد أبيه (عليه السلام). تولّي مهامّ الإمامة بعد أبيه واستمرّت إمامته نحواً من ست سنوات، مارس فيها مسؤولياته الكبري في أحرج الظروف وأصعب الأيّام علي أهل بيت الرسالة بعد أن عرف الحكّام العباسيون _ وهم أحرص من غيرهم علي استمرار حكمهم _ أن المهدي من أهل بيت رسول الله(صلي الله عليه وآله) ومن ولد علي ومن ولد الحسين (عليه السلام) فكانوا يترصّدون أمره وينتظرون أيّامه كغيرهم، لا ليسلّموا له مقالد الحكم بل ليقضوا علي آخر أمل للمستضعفين. لقد كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) استاذ العلماء وقدوة العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره، وكان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحبّ والولاء كما كانت تهفو الي أبيه وجدّه اللذين عُرف كل منهما بابن الرضا(عليهما السلام)، كل هذا رغم معاداة السلطة لأهل البيت (عليهم السلام) وملاحقتها لهم ولشيعتهم. وقد فرضت السلطة العباسيّة الاقامة الجبرية علي الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام) وأجبرته علي الحضور في يومين من كل اسبوع في دار الخلافة العباسية. وقد وُصِفَ حُضور الناس يوم ركوبه الي دار الخلافة بأن الشارع كان

يغصّ بالدوابّ والبغال والحمير، بحيث لا يكون لأحد موضع مشي ولا يستطيع أحد أن يدخل بينهم فاذا جاء الإمام هدأت الأصوات وتوسّد له الطريق حين دخوله وحين خروجه. لقد كان جادّاً في العبادة طيلة حياته ولا سيّما حين كان في السجن حيث وكل به رجلان من الأشرار، فاستطاع أن يحدث تغييراً أساسياً في سلوكهما وصارا من العبادة والصلاة الي أمر عظيم، وكان اذا نظر إليهما ارتعدت فرائصهما وداخلهما ما لا يملكان. وقد لاحقت السلطة العباسية الإمام العسكري (عليه السلام) وأحاطته بالرقابة وأحصت عليه كلّ تحرّكاته لتشلّ نشاطه العلمي والسياسي وتحول بينه وبين ممارسة دوره القيادي في أوساط الاُمة. ومن هنا كان الإمام مهتمّاً كآبائه (عليهم السلام) بالعمل السرّي غاية الاهتمام بالاضافة الي إحكامه لجهاز الوكلاء ليكون قادراً علي أداء دوره القيادي بشكل تام وفي ظل تلك الظروف العصيبة حتي استطاع أن يقضي علي محاولات الإبادة لِنهج أهل البيت (عليهم السلام). لقد خاض الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كآبائه الكرام (عليهم السلام) ملحمة الكفاح السياسي لمواجهة الظلم والارهاب والتلاعب بالسلطة ومقدرات الاُمة ومصالحها فحافظ علي اُصول الشريعة والقيم الرسالية، ومهّد بذلك خير تمهيد لعصر الغيبة الذي أخبر النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) عن حتميّته وضرورته. وقد زخرت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في عصر الإمام العسكري بالعلم والدعوة الي خطّ أهل البيت والدفاع عن الشريعة الإسلامية من خلال كوكبة أصحاب الإمام ورواة حديثه وطلاّب مدرسته. وكان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) _ بالرغم من حراجة ظروفه السياسية _ جادّاً في الدفاع عن الشريعة ومحاربة البدع وهداية المترددين والشاكّين وجذبهم الي حضيرة الدين. وعاصر الإمام (عليه السلام) مدة إمامته القصيرة جدّاً

كلاً من المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي ولاقي منهم أشدّ العنت والتضييق والملاحقة والارهاب، كما تعرّض للاعتقال عدّة مرّات. وازداد غيض المعتمد من إجماع الاُمة _ سنّة وشيعة _ علي تعظيم الإمام (عليه السلام) وتبجيله وتقديمه بالفضل علي جميع العلويين والعباسيين في الوقت الذي كان المعتمد خليفةً غير مرغوب فيه لدي الاُمّة. فأجمع رأيه علي الفتك بالإمام واغتياله فدسّ له السمّ. وقضي نحبه صابراً شهيداً محتسباً، وعمره دون الثلاثين عاماً. فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل رسالة ربّه ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري

اشاره

احتلّ أهل البيت (عليهم السلام) المنزلة الرفيعة في قلوب المسلمين لما تحلّوا به من درجات عالية من العلم والفضل والتقوي والعبادة فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة عن الرسول (صلي الله عليه وآله) في الحث علي التمسّك بهم والأخذ عنهم. والقرآن الكريم _ كما نعلم _ قد جعل مودّة أهل البيت وموالاتهم أجراً للرسول (صلي الله عليه وآله) علي رسالته كما قال تعالي: (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) [1] . غير أن الحكّام والخلفاء الذين تحكّموا في رقاب الاُمة بالسيف والقهر حاولوا طمس معالمهم وإبعاد الاُمة عنهم بمختلف الوسائل والطرق ثم توّجوا أعمالهم بقتلهم بالسيف أو بدس السمّ. ومع كل ما فعله الحكّام المنحرفون عن خطّ الرسول (صلي الله عليه وآله) بأهل البيت (عليهم السلام)، لم يمنعهم ذلك السلوك العدائي من النصح والارشاد للحكّام وحل الكثير من المعضلات التي واجهتها الدولة الإسلامية علي امتداد تأريخها بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله) وحتي عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). وقد حُجبت عنّا الكثير من مواقفهم وسِيَرهم إما خشية من السلطان أو لأن من كتب تأريخنا الإسلامي إنّما

كتبه بذهنية اُموية ومداد عبّاسي لأنه قد عاش علي فتات موائد الحكام المستبدّين. ونورد هنا جملة من أقوال وشهادات معاصري الإمام (عليه السلام) وانطباعاتهم عن شخصيّته النموذجيّة التي فاقت شخصيته جميع من عاصره من رجال وعلماء الاُمة الإسلامية.

شهادة المعتمد العباسي

كانت منزلة الإمام معروفة ومشهورة لدي الخاصة والعامة كما كانت معلومة لدي خلفاء عصره. فقد روي أن جعفر بن علي الهادي طلب من المعتمد أن ينصبه للإمامة ويعطيه مقام أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) بعده فقال له المعتمد: «اعلم ان منزلة أخيك لم تكن بنا وإنما كانت بالله عزّوجل، ونحن كنا نجتهد في حطِ منزلته والوضع منه، وكان الله يأبي إلاّ أن يزيده كل يوم رفعة بما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة وإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك، لم نغنِ عنك في ذلك شيئاً» [2] .

شهادة طبيب البلاط العباسي

كان بختيشوع ألمع شخصية طبية في عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) فهو طبيب الاسرة الحاكمة، وقد احتاج الإمام ذات يوم الي طبيب فطلب من بختيشوع أن يرسل إليه بعض تلامذته ليقوم بذلك، فاستدعي أحد تلاميذه وأوصاه أن يعالج الإمام (عليه السلام) وحدّثه عن سموّ منزلته ومكانته العالية ثم قال له: «طلب مني ابن الرضا من يقصده فصر إليه، وهو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه في ما يأمرك به» [3] .

احمد بن عبيد الله بن خاقان

كان عامل الخراج والضياع في كورة قم، وأبوه عبيدالله بن خاقان أحد أبرز شخصيات البلاط السياسية وكان وزيراً للمعتمد، وكان أحمد بن عبيدالله أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لأهل البيت (عليهم السلام)، فجري ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرّ من رأي _ سامراء _ ومذاهبهم وأقدارهم عند السلطان، فقال أحمد بن عبيد الله: «ما رأيت ولا عرفت بسر من رأي رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليهم السلام)، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه علي ذوي السن منهم والخطر وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب وعوام الناس». وينقل أحمد هذا قصة شهدها في مجلس أبيه إذ دخل عليه حجابه فقالوا له: إن ابن الرضا _ أي الإمام العسكري (عليه السلام) _ علي الباب فقال بصوت عال: ائذنوا له، فقال أحمد: تعجبت ما سمعت منهم، انهم جسروا حيث يكنون رجلاً علي أبي بحضرته ولم يكن يُكنّي عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكني، فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة، جميل الوجه، جبير البدن، حدث السن فلما

نظر إليه أبي قام فمشي إليه خُطي ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ولا بالقواد ولا بأولياء العهد، فلما دخل عانقه وقبل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده وأجلسه علي مصلاه. ثم يقول أحمد: ولما جلس أبي بعد أن صلي جئت فجلست بين يديه فقال: ياأحمد ألك حاجة؟ فقلت: نعم ياأبه إن أذنت سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يابني فقل ما أحببت. فقلت له: ياأبه من كان الرجل الذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الإجلال والاكرام والتبجيل، وفديته بنفسك وبأبويك؟ فقال: يابني ذاك إمام الرافضة، ذاك ابن الرضا، فسكت ساعة ثمّ قال: يابني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، فإنّ هذا يستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً [4] .

كاتب الخليفة المعتمد

روي عن أبي جعفر أحمد القصير البصري قال: حضرنا عند سيدنا أبي محمد(عليه السلام) بالعسكر فدخل عليه خادم من دار السلطان، جليل فقال له: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: كاتبنا أنوش النصراني يريد أن يطهر ابنين له، وقد سألنا مُساءلتك أن تركب الي داره وتدعو لابنه بالسلامة والبقاء، فأحب أن تركب وأن تفعل ذلك فإنا لم نجشمك هذا العناء إلاّ لأنه قال: نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة. فقال مولانا (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل النصاري أعرف بحقنا من المسلمين. ثم قال: أسرجوا لنا، فركب حتي وردنا أنوش، فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين، وحوله القسيسون والشماسة والرهبان، وعلي صدره الانجيل، فتلقاه علي بابه وقال للإمام (عليه السلام) ياسيدنا أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت

أعرف به منا إلاّ غفرت لي ذنبي في عناك وحق المسيح عيسي بن مريم وما جاء به من الإنجيل من عند الله، ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه إلاّ لأنّا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسي بن مريم عند الله. فقال الإمام (عليه السلام): أما ابنك هذا فباق عليك، وأما الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيام _ أي ميت _ وهذا الباقي يسلم ويحسن اسلامه ويتولانا أهل البيت. فقال أنوش: والله ياسيدي إن قولك الحق ولقد سهل عليَّ موت ابني هذا لما عرّفتني إنّ الآخر يسلم، ويتولاكم أهل البيت. فقال له بعض القسيسين: ما لك لا تسلم؟ فقال أنوش: أنا مسلم ومولانا يعلم ذلك. فقال مولانا (عليه السلام): صدق ولولا أن يقول الناس: إنا أخبرناك بوفاة ابنك ولم يكن ذلك كما أخبرناك لسألنا الله تعالي بقاءه عليك. فقال أنوش: لا أريد ياسيدي إلاّ ما تريد. قال أبو جعفر أحمد القصير البصري _ راوي الحديث _: مات والله ذلك الابن بعد ثلاثة أيام وأسلم الآخر بعد سنة (كذا)، ولزم الباب معنا الي وفاة سيدنا أبي محمد (عليه السلام). [5] .

راهب دير العاقول

وكان من كبراء رجال النصرانية وأعلمهم بها، لمّا سمع بكرامات الإمام(عليه السلام) ورأي ما رآه، أسلم علي يديه وخلع لباس النصرانية ولبس ثياباً بيضاء. ولما سأله الطبيب بختيشوع عما أزاله عن دينه، قال: وجدت المسيح أو نظيره فأسلمت علي يده _ يعني بذلك الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) _ وقال: وهذا نظيره في آياته وبراهينه. ثم انصرف إلي الإمام ولزم خدمته إلي أن مات. [6] .

محمد بن طلحة الشافعي

قال عن الإمام الحسن العسكري «فأعلم المنقبة العليا والمزية الكبري التي خصه الله عزّ وجلّ بها وقلّده فريدها ومنحه تقليدها وجعلها صفة دائمة لا يُبلي الدهر جديدها ولا تنسي الألسن تلاوتها وترديدها: أن المهدي محمد نسله، المخلوق منه، وولده المنتسب إليه، وبضعته المنفصلة عنه» [7] .

ابن الصباغ المالكي

قال: إنّه «سيد أهل عصره وإمام أهل دهره، أقواله سديدة وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة فهو في بيت القصيدة، وإن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم لا يجاري ومبين غوامضها، فلا يحاول ولا يماري، كاشف الحقائق بنظره الصائب مظهر الدقائق بفكره الثاقب المحدث في سره بالأمور الخفيات الكريم الأصل والنفس والذات تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه، بمحمد (صلي الله عليه وآله) آمين». [8] .

العلامة سبط بن الجوزي

قال: «هو الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي الرضا بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وكان عالماً ثقة روي الحديث عن أبيه، عن جده» [9] .

العلامة محمد أبو الهدي أفندي

قال واصفاً الأئمة(عليهم السلام) بأنهم قادة الناس الي الحضرة القدسية وأ نّهم أولياؤهم بعد الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله): «قد علم المسلمون في المشرق والمغرب أن رؤساء الأولياء وأئمة الأصفياء من بعده (عليه السلام) من ذريته وأولاده الطاهرين يتسللون بطناً بعد بطن وجيلاً بعد جيل الي زمننا هذا، وهم الأولياء بلا ريب، وقادتهم الي الحضرة القدسية المحفوظة من الدنس والعيب ومن في الأولياء، الصدر الأول بعد الطبقة المشرفة بصحبة النبي الكريم (صلي الله عليه وآله) كالحسن والحسين والسجاد والباقر والكاظم والصادق والجواد والهادي والتقي والنقي العسكري (عليهم السلام). [10] .

العلامة الشبراوي الشافعي

قال عنه: «الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص ويلقب أيضاً بالعسكري... ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده، فللّه در هذا البيت الشريف والنسب الخضم المنيف وناهيك به من فخار وحسبك فيه من علو مقدار... فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماك علاً ونبلاً، وسما علي الفرقدين منزلة ومحملا واستغرق صفات الكمال، فلا يستثني فيه بغير ولا بإلاّ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة، انتظام اللآلي وتناسقوا في الشرف فاستوي الأول والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه...» [11] . الي أقوال كثيرة غيرها في فضله صرح بها الفقهاء والمؤرخون والمحدثون من العامة والخاصة، ولا عجب في ذلك ولا غرابة فهو فرع الرسول (صلي الله عليه وآله) وأبو الإمام المنتظر والحادي عشر من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وهم عدل القرآن كما ورد عن الرسول (صلي الله عليه وآله) وهم سفينة النجاة. وقد شهد له أبوه الإمام الهادي (عليه السلام) بسموّ مقامه ورفعة منزلته بقوله الخالد: «أبو محمد أنصح آل محمّد غريزة

وأوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عُري الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يُحتاج إليه» [12] .

مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكري

اشاره

لقد كان الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية فقد كان علي جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها عن آبائه وجده رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي وسع الناس جميعاً بمكارم أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه علي أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه الي حبه والاخلاص له. [13] . ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيت(عليهم السلام)، وحقده علي الإمام علي (عليه السلام)، أمر بسجن الإمام العسكري (عليه السلام) والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأي صاحب الحبس سمو أخلاق الإمام(عليه السلام) وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً علي عقب، فكان لا يرفع بصره الي الإمام(عليه السلام) إجلالاً وتعظيماً له، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه. [14] .

سماحته وكرمه

نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري (عليه السلام) نذكر بعضاً منها: 1 _ روي الشيخ المفيد عن محمد بن علي بن ابراهيم بن موسي ابن جعفر(عليه السلام): قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: إمضِ بنا حتي نصير الي هذا الرجل _ يعني أبا محمد _ فإنه قد وصف عنه سماحة. فقلت: تعرفه؟ قال: ما أعرفه، ولا رأيته قط. قال: فقصدناه. فقال لي أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا الي أن يأمر لنا بخمس مائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدقيق، ومائة درهم للنفقة. وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم، مائة اشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة، فأخرج الي الجبل. قال _ أي محمد بن علي

_ فلما وافينا الباب خرج غلامه، فقال: يدخل علي بن ابراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا، قال لأبي: ياعلي ما أخلفك عنا الي هذا الوقت، فقال: ياسيدي: استحييت أن ألقاك علي هذا الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة، وقال: هذه خمسمائة درهم، مائتان لِلكسوة، ومائتان للدقيق، ومائة للنفقة وأعطاني صرة وقال: هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار، ومائة للكسوة، ومائة للنفقة، ولا تخرج الي الجبل، وصر الي سوار. قال: فصار الي سوار وتزوج بإمرأة منها فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف. [15] . 2 _ وروي اسحاق بن محمد النخعي قال: حدثني أبو هاشم الجعفري قال: شكوت الي أبي محمد (عليه السلام) ضيق الحبس وكلب القيد [16] ، فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك، فاُخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت، فلما صرت إلي منزلي وجّه إليّ بمائة دينار، وكتب إليّ: اذا كانت لك حاجة، فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها فإنك علي ما تحب إن شاء الله. [17] . 3 _ وعن اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال: قعدت لأبي محمد (عليه السلام) علي ظهر الطريق، فلما مرَّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أن ليس عندي درهم واحد، فما فوقه، ولا غذاء ولا عشاء قال: فقال (عليه السلام) تحلف بالله كاذباً وقد دفنت مائتي دينار؟! وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، أعطه ياغلام ما معك، فأعطاني غلامه مئة دينار ثم أقبل عليّ فقال: إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج

ما تكون إليها، وصدق (عليه السلام)، وذلك أني أنفقت ما وصلني به، واضطررت ضرورة شديدة الي شيء أنفقه، وانغلقت عليّ أبواب الرزق، فنبشت الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها علي شيء. [18] .

زهده وعبادته

عُرف الإمام العسكري (عليه السلام) في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه الي الله سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة، حتي أنّه حينما حبس الإمام(عليه السلام) في سجن علي بن نارمش _ وهو من أشد الناس نصباً لآل أبي طالب _ ما كان من علي هذا إلاّ أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولاً فيه. [19] . ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان _ علي بن جرين _ عن أحوال الإمام (عليه السلام) وأخباره في كل وقت فيخبره علي بن جرين أنّ الإمام (عليه السلام) يصوم النهار ويصلي الليل. [20] . عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسي بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبدالغفّار قال: دخل العبّاسيّون علي صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية علي صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد(عليهما السلام). فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الي أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين [21] . عن

محمّد بن إسماعيل العلوي قال: دخل العبّاسيّون علي صالح بن وصيف عندما حُبس أبو محمّد فقالوا له: ضيّق عليه، قال: وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه عليّ بن بارمش واقتامش، فقد صارا من العبادة والصّلاح الي أمر عظيم يضعان خدّيهما له، ثم أمر باحضارهما فقال: ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل؟ فقالا: ما تقول في رجل يقوم اللّيل كلّه ويصوم النّهار ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا [22] . وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه. إنّ سلامة الصلة بالله سبحانه وما ظهر علي يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير الي المنزلة العالية والشأن العظيم للإمام (عليه السلام) عند الله الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّي في إمامته (عليه السلام). [23] .

علمه ودلائل إمامته

وإليك شذرات من علوم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ودلائل إمامته: 1 _ عن أبي حمزة نصر الخادم قال: سمعت أبا محمد (عليه السلام) غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم، وفيهم ترك، وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتي مضي أبو الحسن _ أي الإمام الهادي(عليه السلام) _ ولا رآه أحد فكيف هذا؟! اُحدّث نفسي بذلك فأقبل عليَّ وقال: إنّ الله جلّ اسمه بيّنَ حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث: ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق [24] . 2 _ وقال الحسن بن ظريف: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما الي أبي محمد (عليه السلام)، فكتبت إليه أسأله عن القائم اذا قام بم يقضي؟

وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّي الربع، فأغفلت ذكر الحُمّي، فجاء بالجواب: سألتَ عن القائم إذا قام قضي بين الناس بعلمه كقضاء داود(عليه السلام) ولا يسأل البينة، وكنت أردت أن تسأل عن حمّي الرُّبع، فأنسيت فاكتب ورقة وعلّقها علي المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله:(يانار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم). فكتبت ذلك وعلّقته علي المحموم فبرئ وأفاق. [25] . 3 _ وروي الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن إسماعيل بن ابراهيم بن موسي بن جعفر، قال: كتب أبو محمد(عليه السلام) الي أبي القاسم اسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوماً، إلزم بيتك حتي يحدث الحادث، فلما قُتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث، فما تأمرني؟ فكتب إليه: ليس هذا الحادث، الحادث الآخر. فكان من المعتز ما كان. [26] . أي ان الإمام (عليه السلام)، أشار الي موت المعتز، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتي ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمام (عليه السلام) وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم. ومن الطبيعي ان موت الخليفة يعقبه غالباً اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة. 4 _ وروي الشيخ الكليني (رضي الله عنه) عن علي بن محمد عن الحسن بن الحسين قال: حدثني محمد بن الحسن المكفوف قال: حدثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر _ أي سامراء _ من النصاري: أن أبا محمد (عليه السلام) بعث إلي يوماً في وقت صلاة الظهر فقال لي: إفصد [27] هذا العرق، قال: وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد فقلت في نفسي، ما

رأيت أمراً أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثم قال لي إنتظر وكن في الدار، فلما أمسي دعاني فقال لي: سرّح الدم فسرّحت، ثم قال لي: أمسك فأمسكت، ثم قال لي: كن في الدار، فلما كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي: سرّح الدم، قال: فتعجبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله: قال: فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح: قال: ثم قال لي إحبس، فحبست. ثم قال: كن في الدار [28] ، فلما أصبحت قدم إلي تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال: خذها واعذر وانصرف فصرت إلي بختيشوع وقلت له القصة ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب علي أن نجد لهذه القصة ذكراً في العالم فلم نجد. ثم قال بختيشوع: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جري، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال من أنت؟ قلت صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه؟ قلت: نعم فأرخي لي زنبيلاً، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته وقال: أنت الذي فصدت الرجل؟ قلت: نعم، قال: طوبي لأمك، وركب بغلاً، وسرنا، فوافينا (سرّ من رأي) وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحب؟ دار استاذنا أم دار الرجل _ أي دار الإمام الحسن العسكري _؟ قال: دار الرجل، فصرنا الي بابه قبل الأذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال: أيكما راهب دير العاقول؟ فقال: أنا جعلت فداك، فقال إنزل، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا فأقمت الي أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب، وقد رمي بثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم

فقال: خذني الآن الي دار استاذك، فصرنا الي باب بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال، ما الذي أزالك عن دينك؟ قال: وجدت المسيح وأسلمت علي يده، قال: وجدت المسيح؟! قال: أو نظيره، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلي أن مات. [29] . 5 _ وعن أبي علي المطهري انه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلي الحج وانه يخاف العطش إن مضي، فكتب (عليه السلام): امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله، فمضوا سالمين (ولم يجدوا عطشاً) [30] والحمدلله رب العالمين.

نشأة الإمام الحسن بن علي العسكري

نسبه الشريف

هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام). وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) [31] الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. واُمه اُم ولد يقال لها: حديث. أو سليل، وكانت من العارفات الصالحات. [32] وذكر سبط بن الجوزي: أن اسمها سوسن. [33] .

محل الولادة وتأريخها

ولد الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) _ كما عليه أكثر المؤرخين _ في شهر ربيع الآخر سنة (232ه_) من الهجرة النبوية المشرفة في المدينة المنورة. ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها. فمنهم من قال أنّ ولادته كانت سنة (230ه_) [34] وقال آخرون انها كانت سنة (231 ه_) [35] أو سنة (232ه_) [36] أو سنة (233ه_) [37] . وروي أنها كانت في السادس من ربيع الأوّل أو السادس أو الثامن أو العاشر من ربيع الآخر أو في رمضان [38] . ولا نري غرابة في هذا الاختلاف، فربما يعزي إلي اجراءات كان الإمام الهادي (عليه السلام) يقوم بها من أجل المحافظة علي حياة الإمام العسكري (عليه السلام) أو يكون لغير هذا من أسباب تعزي إلي ملابسات تأريخية خاصة.

القابه وكناه

اُطلق علي الإمامين علي بن محمد والحسن بن علي(عليهما السلام)(العسكريّان) لأنّ المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان _ في سامراء _ كانت تسمي عسكر [39] . و (العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن علي (عليه السلام). وله ألقاب اُخري، نقلها لنا المحدّثون، والرواة، وأهل السير وهي: الرفيق، الزكي، الفاضل، الخالص، الأمين، والأمين علي سرّ الله، النقي، المرشد الي الله، الناطق عن الله، الصادق، الصامت، الميمون، الطاهر، المؤمن بالله، وليّ الله، خزانة الوصيين، الفقيه، الرجل، العالم [40] . وكل منها له دلالته الخاصّة علي مظهر من مظاهر شخصيته وكمال من كمالاته. وكان يكنّي بابن الرضا. كأبيه وجدّه، وكنيته التي اختص بها هي: (أبو محمد).

ملامح_ه

وصف أحمد بن عبيد الله بن خاقان ملامح الإمام الحسن العسكري بقوله: إنه أسمر أعين [41] حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة وهيبة [42] وقيل: إنّه كان بين السمرة والبياض [43] .

النشأة وظروفها

نشأ الإمام أبو محمد (عليه السلام) في بيت الهداية ومركز الإمامة الكُبري، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيراً. وقد وصف الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الإمام العظيم قائلاً: فللّه درّ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار، وحسبُك فيه من علوّ مقدار، فهم جميعاً في كرم الأرومة وطِيب الجرثومة كأسنان المشط; متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلاً ونُبلاً، وسما علي الفرقدين منزلةً ومحلاًّ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثني فيه ب_ «غير» ولا ب_ «إلاّ»، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوي الأوّل والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيّعه» [44] . لقد ظفر الإمام أبو محمد بأسمي صور التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه الله وأعلي ذكره ورفع شأنه حيث (يسبّح له فيها بالغدو والآصال - رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله...) [45] ، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الأرض وقدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة الله. وقطع الإمام الزكي شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) لم يفارقه في حلّه وترحاله، وكان يري فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله)، كما

كان يري فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والامامة فكان يوليه أكبر اهتمامه، ولقد أشاد الإمام الهادي (عليه السلام) بفضل ابنه الحسن العسكري قائلاً: «أبو محمد ابني أصحّ آل محمد(صلي الله عليه وآله) غريزةً وأوثقهم حجة. وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عري الإمامة وأحكامها» [46] ، والإمام الهادي بعيد عن المحاباة والاندفاع العاطفي مثله في ذلك آبائه المعصومين. وقد لازم الإمام أبو محمد (عليه السلام) أباه طيلة عقدين من الزمن وهو يشاهد كل ما يجري عليه وعلي شيعته من صنوف الظلم والاعتداء. وانتقل الإمام العسكري (عليه السلام) مع والده إلي سرَّ من رأي (سامراء) حينما وُشي بالإمام الهادي (عليه السلام) عند المتوكل حيث كتب إليه عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي: «يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام _ أي علي الهادي (عليه السلام) _ فأشخصه عن المدينة مع يحيي بن هرثمة حتي صار إلي بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب اسحاق بن إبراهيم لتلقّيه، فرأي تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلي الليل، ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلي سرَّ من رأي» [47] . ولقد أسرف المتوكّل العباسي في الجور والاعتداء علي الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ففرض عليه الاقامة الجبرية في سامرّاء وأحاط داره بالشرطة تحصي عليه أنفاسه وتمنع العلماء والفقهاء وشيعته من الاتصال به، وقد ضيّق المتوكّل علي الإمام في شؤونه الاقتصادية أيضاً، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين وآخر، وحمله إليه بالكيفية التي هو فيها. وكان من شدّة عداء المتوكّل لأهل البيت (عليهم السلام) أن منع رسميًّا من زيارة قبر الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) بكربلاء،

وأمر بهدم القبر الشريف الذي كان مركزاً من مراكز الاشعاع الثوري في أرض الإسلام. وكانت كل هذه الظروف المريرة هي الظروف التي عاشها الإمام الزكي أبو محمد العسكري (عليه السلام) وهو في نضارة العمر وغضارة الشباب فكَوَتْ نفسه آلاماً وأحزاناً وقد عاش تلك الفترة في ظل أبيه وهو مروّع فذابت نفسه أسيً وتقطّعت ألماً وحسرة [48] . وكان استشهاد والده (سنة 254ه_) وتقلّد الامامة بعده وكانت فترة امامته أقصر فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار وهم أصح الناس أبداناً وسلامة نفسيّة وجسديّة. قد استشهد وهو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره الشريف، إذ كان استشهاده في سنة (260ه_) [49] فتكون مدة إمامته (عليه السلام) ست سنين. وهذه المدة القصيرة تعكس لنا مدي رعب حكّام الدولة العباسية منه ومن دوره الفاعل في الاُمة لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق بدس السم له وهو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره الميمون. [50] . ولا بد من الاشارة إلي أنّ المنقول التاريخي عن الإمام العسكري (عليه السلام) في ظل حياة والده الإمام علي الهادي (عليه السلام) ومواقفهما لا يتعدي الولادة والوفاة والنسب الشريف وحوادث ومواقف يسيرة لا تتناسب ودور الإمام (عليه السلام) الذي كان يتمثل في حفظ الشريعة والعمل علي إبعاد الاُمة عن الانحراف ومواجهة التحديات التي كانت تواجهها من قبل أعداء الإسلام. غير أن مجموعة من الروايات التي نقلها لنا بعض المحدثين تشير إلي اُمور مهمّة من حياة الإمام العسكري (عليه السلام)، وقد أشار الإمام العسكري نفسه إلي صعوبة ظرفه بقوله(عليه السلام): «ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما مُنيتُ به من شك هذه العصابة فيّ». [51] . وهذا شاهد آخر

علي حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بالإمامين العسكريين علي بن محمد والحسن بن علي (عليهما السلام) والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود يسمح الظرف بها أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجة به علي الخواص والثقاة من أصحابه، كل ذلك من أجل الحفاظ علي حياته من طواغيت بني العباس. وإن ما ورد منه في وفاة أخيه محمد يعدّ مؤشراً آخر يضاف إلي قول الإمام (عليه السلام) ويدل علي صعوبة الظرف الذي كان يعيشه الإمامان وحالة الاستعداء التي كانت تفرضها السلطة عليهما، فعند وفاة محمد بن علي الهادي(عليه السلام) _ كما يروي الكليني عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس _ حيث قال: «إنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن (عليه السلام) وقد بسط في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب ومن بني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوي مواليه وسائر الناس إذ نظرنا إلي الحسن بن علي (عليه السلام) قد جاء مشقوق الجيب حتي قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) بعد ساعة من قيامه ثم قال له: «يابني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً». فبكي الحسن (عليه السلام) واسترجع وقال: «الحمد لله رب العالمين، وإيّاه أسأل تمام نعمه لنا فيك وإنا لله وإنا إليه راجعون». فسألنا عنه فقيل لنا: هذا الحسن إبنه وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه» [52] . ونلاحظ أن

سؤال جماعة عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وفي هذه المناسبة الأليمة التي حضرها أعيان الناس دليل قوي علي مدي تكتّم الإمام الهادي علي ولده العسكري (عليهما السلام)، خصوصاً وهو قد بلغ العشرين من مراحل حياة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) عمره الشريف.

مراحل حياة الإمام الحسن العسكري

تنقسم حياة الإمام العسكري (عليه السلام) الي مرحلتين متميزتين: المرحلة الاُولي: هي الأيام التي قضاها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في ظلال إمامة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) والتي تقرب من (22 سنة) حيث تنتهي باستشهاد أبيه سنة (254ه_). ولا نملك صورة تفصيلية عن هذين العقدين من الزمن فيما يخص حياة الإمام الحسن العسكري سوي بضعة حوادث تتلخص في صور من خشيته لله منذ صباه وعلاقته الحميمة بأخويه محمد والحسين ثم رزؤه بأخيه محمد، ثم زواجه ونصّ الإمام الهادي علي إمامته، ثم تجهيزه لأبيه حين وفاته صلوات الله عليه. ولا بد لنا أن نلمّ بأحداث عصر الإمام الهادي(عليه السلام) ومواقفه منها كي نستطيع أن نخرج بصورة واضحة عن الظروف التي أحاطت بالامام العسكري(عليه السلام) في المرحلة الثانية من حياته كي يتسني لنا تقويمها ودراسة نشاطاته (عليه السلام) في عصر إمامته الذي لا نجد عصراً أقصر منه ولا أشد حراجة بالنسبة للامام نفسه ولشيعته ولأهدافه. المرحلة الثانية: هي أيام إمامته حتي استشهاده والتي تبدأ من سنة (254ه_) وحتي سنة استشهاده (260ه_) وهي مرحلة حافلة بأحداث مهمة علي الرغم من قصرها. وقد عاصر فيها كُلاًّ من المعتزّ (255 ه_) والمهتدي (256 ه_) والمعتمد (279 ه_) وتبرز مدي أهميتها حينما نتصوّر أهمية مرحلة الغيبة التي كان لا بد للامام الحسن العسكري(عليه السلام) أن يقوم بالتمهيدات اللازمة فيها لنقل شيعة أهل البيت (عليهم السلام) من مرحلة

الحضور الي مرحلة الغيبة التي يُراد من خلالها حفظ الإمام المعصوم وحفظ شيعته وحفظ خطّهم الرسالي من الضياع والانهيار والاضمحلال، حتّي تتهيّأ الظروف الملائمة لثورة أهل البيت الربّانية علي كل صروح الظلم والطغيان وتحقيق جميع أغراض الرسالة الالهية الخالدة علي وجه الأرض من خلال دولة العدالة العالمية لأهل البيت (عليهم السلام).

الإمام الحسن العسكري في ظل أبيه

اشاره

كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) من المدينة سنة (234ه_) [53] ، ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث استشهد أبوه الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254ه_). وقد عاش الظروف المأساوية القاسية التي كان يعيشها الإمام الهادي (عليه السلام) وشيعته والتي كانت تفرضها السلطة الغاشمة علي الإمام (عليه السلام) وأتباعه من أجل إيقاف نشاط الإمام ونشاط أتباعه أو تحديده وتطويقه لئلاّ يتسع نشاط مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتنتشر آثارهم بين جميع أبناء الاُمة الاسلامية ذلك النشاط الذي قد يؤدي إلي المواجهة معها ; لذا فهي كانت تعمد الي الاضطهاد والسجن والنفي والمتابعة وهي وسائل السلطات الجائرة علي امتداد تاريخ الانسان.

طفولة متميزة

روي أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وهو واقف مع أترابه من الصبيان، يبكي، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي متحسّراً علي ما في أيدي أترابه، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم، فقال له: أشتري لك ما تلعب به؟، فردّ عليه الحسن (عليه السلام): «لا. ما للّعب خُلِقنا». وبهر الرجل فقال له: لماذا خلقنا؟ فأجابه (عليه السلام): «للعلم والعبادة». فسأله الرجل: من اين لك هذا؟، فأجابه (عليه السلام): من قوله تعالي (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً). وبهت الرجل ووقف حائراً، وانطلق يقول له: ما نزل بك، وأنت صغير لا ذنب لك؟!! فأجابه (عليه السلام): «إليك عنّي، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد إلاّ بالصغار، وإني أخشي أن أكون من صغار حطب جهنّم» [54] . وروي عن محمّد بن عبد الله انه قال: وقع أبو محمد (عليه

السلام) وهو صغير في بئر الماء وأبو الحسن (عليه السلام) في الصلاة، والنسوان يصرخن، فلمّا سلّم قال: لا بأس. فرأوه وقد ارتفع الماء الي رأس البئر وأبو محمد علي رأس الماء يلعب بالماء [55] .

عصر الإمام الهادي

عاصر الإمام الهادي (عليه السلام) مدة إمامته ستّة من خلفاء بني العباس، المعتصم منذ سنة (220 _ 232 ه_) والمتوكل (232 _ 247 ه_) حيث قتل علي يد الأتراك، ثم جاءت أيام المنتصر _ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين (248 _ 252ه_) كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة المعتز (252 _ 255ه_) حيث كان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254ه_) [56] ، وفي هذا العام تولي مهام الامامة ابنه الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام). وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً، إذ إنها كانت تعد مؤشراً علي ضعفها، وتشكل بدايةً لانحلالها، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة، والقتال بين أبناء الخلفاء علي كرسي الحكم من جهة اُخري كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدّي الي تولي المعتز وخلع الاول عام (252ه_) [57] كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في ايجاد الضعف والانحلال. وتمثّلت الأحداث الداخلية أيضاً بنشاط الخوارج والذي كان نشاطاً قوياً فعالاً مدعماً بالمال والسلاح بقيادة مادر الشاري، وهناك أيضاً الثورات والانتفاضات العلوية الي جانب نزاعات الطامعين في السلطة. كما ان الدولة كانت تعاني من سوء الحالة الاقتصادية نتيجة للبذخ والاسراف الذي كانت تعيشه رجالات البلاط والوزراء وحاشيتهم، وفي أيام المتوكل قام المتوكّل بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) [58] ، ومَنَعَ القاصدين لزيارته عن زيارته; لأن المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل أبي طالب ومطاردتهم،

ولم يرد تجاه تلك الاحداث أي تعليق من قبل الإمام الهادي(عليه السلام)، ويمكن أن يقال: «انه لم يرد إلينا عن موقف الإمام (عليه السلام) مع الخلفاء شيء سوي ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو أقل القليل». [59] . وكانت للإمام الهادي (عليه السلام) منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدي أهل المدينة لإحسانه إليهم وعلاقته القوية معهم، فلمّا أشخصه المتوكل وأرسل يحيي ابن هرثمة لجلب الإمام من المدينة إلي سامراء عام (234ه_) اضطرب الناس وضجّوا كما يروي يحيي بن هرثمة نفسه حيث قال: «فذهبت الي المدينة فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سمع الناس بمثله خوفاً علي علي _ أي الإمام الهادي (عليه السلام) _ وقامت الدنيا علي ساق، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل الي الدنيا، فجعلت أسكّنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتّشتُ منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية، وكتب علم، فعظم في عيني» [60] . وتعكس هذه الرواية لنا حجم ما كان يؤديه الإمام الهادي (عليه السلام) من دور في المدينة والذي نتج عنه حصول روابط ووشائج قوية تصل الاُمة به كما كانت توصله بالأمة، وربما كان المتوكل قد وقف علي هذا التأثير البالغ للإمام(عليه السلام) فكان سبباً لإبعاده عن المدينة المنوّرة الي سامراء التي أسسها العباسيون أنفسهم والتي عُرفت بميول أهلها والذين كان أغلبهم من الأتراك إلي العباسيين أوّلاً، بالاضافة الي ما عرفوا به من تطرّف في التوجه الي السيطرة والسلطة ثانياً.

مواقف الإمام الهادي تجاه الأحداث

اشاره

يتضح لنا من خلال الاجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهادي (عليه السلام) أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الاُمة وخاصّته _ وهي القواعد

المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحيّة _ كانت حركة محدودة تخضع لمدي الرقابة والضغط الموجه إليه والي خاصته. فكان الإمام (عليه السلام) منتهجاً نفس السبيل الذي انتهجه آباؤه (عليهم السلام)، وعلي وفق المصلحة العليا للرسالة الاسلامية وبمقدار ما تسمح به الظروف العامة والخاصة التي تحيط بالامام (عليه السلام) في عصره وهي ضرورة الحفاظ علي مفاهيم الرسالة الاسلامية أوّلاً ومنع خاصّته من الوقوع في الانحراف أو ما كان يكيده لهم السلطان العباسي من منزلقات ثانياً. ويمكن أن نصور مواقف الإمام الهادي (عليه السلام) علي منحيين: المنحي الأول: هو إثبات الحق ونقد الباطل، علي صعيد الاُمة الاسلامية، سواء كان ذلك علي مستوي جهاز الحكم أو علي مستوي القواعد الشعبية العامة. حتّي انّ يحيي بن أكثم قال للمتوكل: «ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل _ أي الإمام (عليه السلام) _ شيئاً بعد مسائلي هذه وإنه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة» [61] . المنحي الثاني: هو المحافظة التامة علي أصحابه ورعاية مصالحهم وتحذيرهم من الوقوع في أحابيل السلطة العباسيّة ومساعدتهم في إخفاء نشاطهم والحذر في التحرك بحسب الامكان. [62] . وتتضح لنا مواقف الإمام الهادي (عليه السلام) من خلال استعراض بعض الحوادث التي واجهها وما اتّخذ من اجراءات إزاءها لِنحصل علي صورة واضحة المعالم حينما نأخذ كل ظروفه بنظر الاعتبار فتتضح من خلالها الحركة العامة للأئمة الأطهار والمواقف الخاصّة بكل امام.

الإمام الهادي والمتوكل العباسي

لقد سعي جماعة بالامام (عليه السلام) إلي المتوكل، وأخبروه بأن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها وأنه يطلب الأمر لنفسه، فارسل المتوكل مجموعة من الأتراك ليلاً ليهجموا علي منزله علي حين غفلة، فلمّا باغتوا الإمام (عليه السلام) وجدوه وحده، مستقبل القبلة وهو يقرأ

القرآن، وليس بينه وبين الأرض بساط فأخذ علي الصورة التي وجد عليها، وحمل إلي المتوكل في جوف الليل، فمثُل بين يدي المتوكل وهو في مجلس شرابه وفي يده كأس، فلمّا رآه أعظمه وأكبره وأجلسه إلي جانبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه ولم تكن للمتوكّل حجة يتعلّل بها علي الإمام (عليه السلام). فناول المتوكل الإمام (عليه السلام) الكأس الذي في يده. فقال الإمام (عليه السلام): ياأمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفني، فأعفاه، فقال المتوكل: أنشدني شعراً أستحسنه. قال الإمام (عليه السلام): إنّي لقليل الرواية للشعر. قال المتوكل: لا بدّ أن تنشدني شيئاً. فأنشده الإمام (عليه السلام): باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا من بعد عز من معاقلهم فاُودعوا حفراً يابئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما قبروا أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طالما أكلوا يوماً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد اُكلوا وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا وطالما كنزوا الأموال وادّخروا فخلّفوها علي الأعداء وارتحلوا أضحت منازلهم قفراً معطَّلَةً وساكِنوها الي الأجداث قد رحلوا فبكي المتوكل بكاء كثيراً حتي بلّت دموعه لحيته، وبكي من حضر ثم أمر برفع الشراب، ثم قال ياأبا الحسن، أعليك دين؟ قال الإمام (عليه السلام): نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، وردّه إلي منزله مكرّماً. [63] . فمواقف الإمام (عليه السلام) كانت تنسجم مع موقع الإمامة أوّلاً وتنسجم مع الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالإمام(عليه السلام) وشيعته ثانياً. وكان الإمام (عليه السلام) يحاول إتمام الحجة وإقامة

الحق كلما سمحت الفرصة بذلك، فقد روي أن نصرانيّاً جاء الي دار الإمام (عليه السلام) حاملاً إليه بعض الأموال، فخرج إليه خادمه وقال له: أنت يوسف بن يعقوب؟ فقال: نعم، قال: فانزل واقعد في الدهليز، فتعجّب النصراني من معرفته لاسمه واسم أبيه، وليس في البلد من يعرفه، ولا دخله قط. ثم خرج الخادم وقال: المئة دينار التي في كمك في الكاغد هاتها، فناولها إيّاه ثم دخل علي الإمام (عليه السلام) وطلب منه أن يرجع الي الحق وأن يدخل في الإسلام فلما قال له الإمام: يايوسف أما آن لك؟ فقال يوسف يامولاي قد بان لي من البرهان ما فيه الكفاية لمن اكتفي، فقال له الإمام (عليه السلام): هيهات انك لا تسلم ولكنه سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا [64] .

الإمام الهادي و وزير المنتصر

وروي أن الإمام (عليه السلام) كان يساير أحمد بن الخصيب في أثناء وزارته وقد قصُرَ أبو الحسن _ أي الإمام الهادي (عليه السلام) _ عنه فقال له ابن الخصيب: سر، جُعلت فداك، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): «أنت المقدّم»، يقول الراوي فما لبثنا إلاّ أربعة ايام حتي وضع الدهق علي ساق ابن الخصيب وقتل. [65] . وابن الخصيب هذا من المتجبرين وقد استوزره المنتصر وندم علي ذلك لما اشتهر بالظلم. فمن ذلك انه ركب يوماً فتظلم إليه متظلم بقصة فأخرج رجله من الركاب فزج بها في صدر المتكلم فقتله فتحدّث الناس في ذلك فقال بعض الشعراء: قل للخليفة ياابن عم محمد أشكل وزيرك انه ركال أشكله عن ركل الرجال فان ترد مالاً فعند وزيرك الأموال [66] .

الإمام الهادي والتحدي العلمي

لم تنحصر تحديات السلطة بإجراءاتها القمعية ضد الإمام (عليه السلام) بل كانت تعمد بين الحين والآخر الي إحراج الإمام في قضايا علميّة حيث تدفع بوعاظها الي محاججة الإمام (عليه السلام) بطرح أسئلة في مجالس عامة. علي أن عجز فقهاء السلطة عن إيجاد حلول لمشاكل فقهية مستجدّة كان يدفع الخليفة لطرح الأسئلة علي الإمام (عليه السلام). فقد روي أن رجلاً نصرانياً قدم الي المتوكل وكان قد فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم الحد عليه، فأسلم، فقال يحيي ابن أكثم _ وهو قاضي القضاة _ قد هدم ايمانُه شِركَه وفِعلَه، وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود، الي غير هذه الأقوال... فلمّا رأي المتوكل هذا الاختلاف بين الفقهاء أمر بالكتابة إلي أبي الحسن العسكري _ الإمام الهادي(عليه السلام) _ لسؤاله عن هذا المشكل الذي اختلفوا فيه، فلما قرأ الإمام (عليه السلام) الكتاب كتب: «يضرب حتي يموت». فأنكر يحيي بن أكثم

وأنكر فقهاء العسكر _ أي سامراء _ ذلك، فقالوا ياأمير المؤمنين: سله عن ذلك فإنه شيء لم ينطق به كتاب ولم يجيء به سنة. فكتب المتوكل إلي الإمام قائلاً: إنّ الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا: لم يجيء به سنة ولم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لم أوجبتَ علينا الضرب حتي الموت؟! فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين - فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا) [67] فأمر به المتوكل فضرب حتي مات. [68] .

الإمام الهادي و فتنة خلق القرآن

وفي فترة حكم المأمون العباسي، اُثيرت من قبل السلطان العباسي قضية خلق القرآن من أجل إبعاد الاُمة عن همومها وأهدافها بالاضافة إلي توسيع وتعميق شُقّة الخلاف بين أبناء الاُمة، ليكون هذا الخلاف حاجزاً بينهم وبين السلطان المنحرف والبعيد في سلوكه ونشاطه عن الشريعة الإسلامية. وهناك جهة ثالثة هي ان السلطة قد استغلت هذه القضية إذ جعلتها مصيدة لمعارضيها فكانت تتعرّف عليهم من خلالها ثم تقوم بتحجيم دورهم في أوساط الاُمّة. وكتب الإمام الهادي (عليه السلام) إلي شيعته في بغداد لإبعادهم عن الخوض في مسألة خلق القرآن مع من يخوض فيها تجنّباً لهم من الآثار السلبيّة التي يمكن أن تلحق بهم وربما يكونون عرضة للوقوع تحت اجراءات قمعية ومطاردة من قبل السلطة، وقد روي عنه (عليه السلام) الكتاب الآتي: عن محمد بن عيسي بن عبيد بن اليقطين قال كتب علي بن محمد بن علي ابن موسي الرضا (عليه السلام) إلي بعض شيعته ببغداد: «بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة فإن يفعل فاعظم بها نعمة وإلاّ يفعل فهي الهلكة نحن نري إن الجدال في القرآن بدعة

اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطي السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه وليس الخالق إلاّ الله، وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون» [69] . وقد شغلت هذه المسألة الذهنيّة الإسلامية فترة حكم المأمون والمعتصم والواثق، وكان جواب الإمام (عليه السلام) محدّداً وبليغاً ; إبعاداً للشيعة عن الوقوع في حبائل السلطان والخروج من هذه الفتنة بسلامة في الدين، فكان الإمام الهادي (عليه السلام) يترصّد الأحداث والظواهر التي تكتنف الحياة الاسلامية عامة وما تتطلب من مواقف خاصّة فيما يتعلق بشيعته لتجنيبهم مزالق الانحراف من الخوض في كثير من المسائل التي لا طائل منها سوي الكشف عن هويّتهم، وبالتالي التعرض لحبائل السلطة من القمع والاضطهاد والسجن.

الإمام الهادي مع أصحابه وشيعته

لقد حفلت حياة الإمام (عليه السلام) بالأحداث المريرة إذ كان الصراع علي السلطة علي أشدّه بين أبناء الأسرة الحاكمة من جهة، وبين الاُمراء والقوّاد الأتراك وغيرهم من الطامحين في السلطة من جهة ثانية. فكان نتيجة هذا الصراع أن ينال الإمام الهادي (عليه السلام) وأبناء عمومته وشيعته في هذه الظروف الكثير من الأذي والاضطهاد باعتباره زعيم الجبهة المعارضة لكل هؤلاء المتصارعين علي السلطة من حكّام وامراء ووزراء. فبالرغم من وجود هذا الصراع الشديد فان الحكام العباسيين كانوا يخافون الإمام (عليه السلام) ويرون أنّه سيد أهل البيت وإمام الاُمة وصاحب الكلمة المسموعة بين الناس. وكان الإمام (عليه السلام) يمارس دور التربية والتوجيه وإعداد المؤمنين بمرجعيته الفكرية والروحية من أجل تحصينهم ضد الانحرافات العقائدية والفكرية ويمنعهم من الخوض في كثير من المسائل التي يكون الخوض فيها كاشفاً عن هويتهم وارتباطهم بالإمام

(عليه السلام) مما كان يؤدي إلي أن يكونوا تحت طائل عقوبات واضطهادات السلطة فيما إذا علموا موالاتهم للإمام وأهل البيت(عليهم السلام) كما حصل ذلك لابن السكّيت وغيره، حيث كانت تقوم السلطة بقتلهم أو زجّهم في السجون. إنّ دارسي هذه الفترة _ وهي العصر العباسي الثاني _ وإن وصفوها بالضعف السياسي والاداري للسلطة لكن حكّام الدولة لم يتهاونوا في تشديد الرقابة علي الإمام وأصحابه; محاولين بذلك تحديد دائرة نشاط الإمام (عليه السلام) وحدّها من التوسع في تأثيرها علي قطاعات الاُمة المختلفة. لذا نري أن الإمام(عليه السلام) كان يكرّس جلّ وقته وتعليماته بخصوص شيعته ومواليه مع تحيّن الفرصة في اتخاذ المواقف التي تعكس وجهة النظر الاسلامية في الوقائع والأحداث مع بيان ابتعاد الحكّام العباسيين عن تطبيق تعاليم الإسلام وهم في قمة انحرافهم وانغماسهم في اللهو والمجون. وكانت مواقف الإمام الهادي (عليه السلام) تجاه الأحداث متناسبة مع تلك الظروف فكان يصدر توجيهاته وتعليماته بحذر ودقة وسرية تامة الي شيعته وأصحابه. ولعلّ أهم وأوضح موقف وقفه الإمام (عليه السلام) في هذا الصدد بحسب ما لدينا من وثائق تاريخية هو موقفه تجاه محاولة المتوكل للنيل من الإمام (عليه السلام) عن طريق أخيه، حيث أغراه بعض جلسائه بدعوة موسي إليه لإشاعة أن ابن الرضا يجلس الي المتوكل وينادمه الشرب واللهو، غير ان الإمام (عليه السلام) قد خرج فيمن خرج لاستقبال أخيه وحذّره عاقبة ما يقصده المتوكل ومن ثم أنبأه أنه لا يجتمع والمتوكل في مجلس، وكان كما قال الإمام (عليه السلام) حتي قتل المتوكل. [70] .

رعاية الإمام الهادي لشيعته وقضاء حوائجهم

كتب الإمام الهادي (عليه السلام) كتاباً حذّر فيه محمد بن الفرج الرُخجي جاء فيه: «يامحمد! اجمع أمرك وخذ حذرك»، فلم يفهم ما أراده الإمام

بكلامه هذا حيث قال محمد: فانا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد _ أي الإمام _ بما كتب حتي ورد رسول حملني من وطني مصفّداً بالحديد، وضرب علي كل ما أملك وكنت في السجن ثماني سنين. ونجد أن رعاية الإمام (عليه السلام) لم تنقطع عن محمد هذا حتي كتب إليه وهو في السجن مبشّراً له بالخروج من السجن ثم أوصاه: يامحمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي. وقال محمد: فقرأت الكتاب وقلت في نفسي: يكتب إلي أبو الحسن بهذا وأنا في السجن إنّ هذا لعجب، فما لبثت إلاّ أيّاماً يسيرة حتي فرّج عني وحلّت قيودي وخلي سبيلي [71] . ومن ذلك أيضاً ما حدث بأحد أصحابه المتضررين من الحكم العباسي، حيث يقول قصدتُ الإمام يوماً فقلت: ان المتوكل قطع رزقي، وما أتّهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك، فينبغي أن تتفضّل عليّ بمساءلته.. فقال الإمام (عليه السلام) له: تُكفي إن شاء الله. قال: فلما كان الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً، فجئت فوجدته في فراشه. فقال: يا أبا موسي يشتغل شغلي عنك وتنسينا نفسك. أيّ شيء لك عندي به؟ فقلت: الصلة الفلانيّة، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح: وافي علي بن محمد الي هاهنا؟ وكتب رقعة؟ قال: لا. قال فدخلت علي الإمام فقال لي: ياأبا موسي هذا وجه الرضا. فقلت ببركتك ياسيدي، ولكن قالوا: انك ما مضيت إليه ولا سألت _ أي المتوكل _ فأجابه الإمام (عليه السلام) مصححاً له رؤيته وتفكيره محاولاً أن يرتفع به الي الانشداد بالله الواحد القادر سبحانه، بقوله: إن الله تعالي علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه، ولا نتوكل في الملمات إلاّ

عليه وعوّدنا _ إذا سألناه _ الاجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا [72] . فكان الإمام (عليه السلام) علي اطلاع دائم علي الوضع والظروف التي كان يعيشها أصحابه وشيعته وهو يعمل جادّاً من أجل تخفيف وطأة ذلك عنهم لما يعلمه من سوء ظروفهم الاقتصادية والسياسية، وما تقوم به السلطة العباسية من التضييق وخلق ظروف يصعب عليهم التحرك أو العمل فيها فضلاً عن محاربتهم اقتصادياً وسياسياً وربّما كان يتوخي الإمام (عليه السلام) من ذلك أموراً مثل: 1 _ تقوية صلتهم وتوجههم للارتباط بالله سبحانه وحده. 2 _ قضاء حوائجهم الخاصة. 3 _ إعادة الثقة بأنفسهم لمداومة نصرة الحق وخذلان الباطل. 4 _ تقوية صلتهم به والأخذ عنه وعن الثقات الذين يشير الإمام إليهم للتعامل معهم.

الإمام الهادي والغلاة

ظهر في عصر الإمام (عليه السلام) أشخاص وبرزت مجموعات تدعو الي آراء وتوجهات خاصة بهم تحاول خداع السذّج من الناس لصرفهم عن قيادة الإمام (عليه السلام) وتشكيكهم في معتقداتهم لغرض تفتيت الحركة الشيعية وتحجيم دورها. ولا يبعد أن تكون السلطة من وراء بعضها بواسطة أيادي كان يهمّها أن تضعف حركة الإمام (عليه السلام) وتضيق دائرة تأثيره فيما تبتدعه من أفكار هدّامة منافية للاسلام. ومن هؤلاء الغلاة والمنحرفين علي بن حسكة والقاسم اليقطيني. ولما سئل الإمام (عليه السلام) من قبل أصحابه عن معتقدات (علي بن حسكة) قال الإمام(عليه السلام) عنها: «ليس هذا ديننا فاعتزله» [73] . وعن محمد بن عيسي _ أحد أصحاب الإمام (عليه السلام) _ قال: كتب إلي أبو الحسن العسكري ابتداءاً منه: لعن الله القاسم اليقطيني ولعن الله علي بن حسكة القمي، انّ شيطاناً يتراءي للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً [74] . إلي غيرها من المواقف الكثيرة

للإمام (عليه السلام) بهذا الخصوص لبيان وجه الحق وإثباتاً للعقيدة الحقة وتجنيباً لأصحابه وشيعته من الانحراف والزيغ.

الإمام الهادي والثورات في عصره

إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة وظروف القهر والاستبداد السياسي التي عانت منها الأمة إبّان عصر الدولة العباسية الثاني حفّزت كثيراً من معارضي الدولة علي الخروج المسلّح عليها فحدثت عدّة انتفاضات وثورات في أمصار الدولة كما كانت هناك حركات انفصالية قامت نتيجة لها دول وامارات في أمصار مختلفة. ولا ندعي شرعية جل هذه الحركات مع صعوبة معرفة موقف الإمام(عليه السلام) منها للحيطة والسرية التي كانت سمة تعامل الإمام وشيعته مع الأحداث إذ كانت وصاياه وتعليماته الي خاصته وشيعته تتّسم بأعلي درجات السرية، وكانت تلك الثورات والانتفاضات علي نوعين: 1 _ الحركات والثورات التي تدعو إلي الرضا من آل محمد (صلي الله عليه وآله). 2 _ حركات معارضة لأسباب ودوافع متعددة منها الظلم والتعسّف السلطوي لحكام بني العباس وجور الولاة والاُمراء وقوّاد الجند الأتراك ; لما امتازت به هذه الحقبة الزمنية من بروز دور واسع للأتراك في إدارة السلطة.

الإمام الهادي وأساليب مواجهة السلطة

إن إبعاد الإمام الهادي (عليه السلام) عن المدينة وإقامته قريباً من مركز الخلافة في سامراء ما كان إلاّ لتحصي عليه حركاته وسكناته ومن ثم إبعاده عن شيعته وأهل بيته ومحبّيه كمحاولة من السلطة العباسية لإضعاف نشاط الإمام وتحجيم دوره وبالتالي إخضاعه لرقابة مشددة للتعرف علي مدي تحرّكه أوّلاً ثم التعرف علي شيعته وأصحابه ثانياً وإتّخاذ الإجراءات الكفيلة بإفشال تحرّكهم ومنع تأثير الإمام ومنع انتشار فكر الإمام (عليه السلام) بين أبناء الاُمة الاسلامية التي عرفت الإمام الرضا ومدرسته وأبناءه الذين كانوا يشكّلون الجبهة الأساسية المعارضة للحكم القائم ثالثاً. اذاً ثبات الحكم العباسي كان يتوقّف علي شل أيّ تحرّك ضده، من هنا نجد أنّ تعليمات الإمام وتوجيهاته لشيعته وأصحابه كانت تمتاز بالدقة والعمق لشدة وحراجة الظرف الذي كانوا يعيشونه.

وتبرز لنا صعوبة الظرف الذي كان يحيط بالإمام (عليه السلام) وشيعته من قبل السلطة العباسية الغاشمة من خلال نوع التعليمات التي كان يراعيها الإمام وشيعته وهي: 1 _ اتخاذ أماكن سريّة للقاءات، فعن إسحاق الجلاب قال: دعاني الإمام (عليه السلام) فأدخلني من اصطبل داره إلي موضع واسع لا أعرفه [75] . 2 _ الحذر من كتابة المعلومات وما يصدر عن الإمام (عليه السلام)، فعن داود الصرمي: أمرني سيدي _ الإمام الهادي _ بحوائج كثيرة فقال (عليه السلام) «قل: كيف تقول؟ فلم أحفظ ما قال لي، فمر الدواة وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أذكره إن شاء الله والأمر بيده». 3 _ استعمال الأسماء السرية [76] . 4 _ استعمال القوة ضد العناصر التي كانت تشكّل خطراً. 5 _ الاعتماد علي العناصر ذات الالتزام والايمان والمخلصة في نقل الأخبار والرسائل [77] . هذا فضلاً عن أساليب اُخري لإيصال المعلومات أو اتّخاذ المواقف إزاء الأحداث العامة أو غيرها عن طريق طرح الأفكار في مجالس عامّة أو خاصّة أو عن طريق الأدعية والزيارات للأئمة (عليهم السلام) كما في الزيارة الجامعة الّتي تضمنت معاني سامية وأفكار عقائدية مهمّة. لقد عاصر الإمام العسكري (عليه السلام) هذه الأحداث بكل تفاصيلها وشاهد كل ما ألَمَّ بأبيه (عليه السلام) وشيعته من اجراءات قمعية من قبل السلطة وما عانته الاُمة منهم طيلة عقدين من الزمن.

زواج الإمام الحسن العسكري

روي عن بشر بن سليمان النخاس _ وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري _ أحد موالي أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري (عليهما السلام) أنّه قال: «أتاني كافور الخادم _ خادم الإمام الهادي _ فقال: مولانا أبو الحسن علي الهادي (عليه السلام) يدعوك إليه فأتيته فلما جلست بين يديه

قال لي: يابشر إنك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع اُمة. فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجه إلي بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فاذا وصلت إلي جانبك زواريق السبايا وتري الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمّي عمر بن يزيد النخّاس عامة نهارك إلي أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، (فاعلم) أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: ولو برزت في زيّ سليمان بن داود وعلي شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق علي مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلي وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلي عمر بن يزيد النخّاس وقل له: أنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك. قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية (فلما نَظَرَتْ) في الكتاب بكتْ بكاءً شديداً وقالت لعمر بن

يزيد بِعني لصاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنه متي امتنع من بيعها منه قتلتْ نفسها، فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّي استقرّ الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير، فاستوفاه مني وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلي الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّي أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه علي جفنها وتضعه علي خدّها وتمسحه علي بدنها، فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟ فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعِرني سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمي من ولد الحواريين تنسب إلي وصيّ المسيح شمعون: اُنبّ_ِئُك بالعجب: إنّ جدي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيّسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلي صحن القصر، ورفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلب من الأعلي فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلي القرار. وخرّ الصاعد من العرش مغشيًّا عليه فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم. فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة علي زوال دولة هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً (وقال) للأساقفة أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لاُزوّجه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا

ذلك حدث علي الثاني مثل ما حدث علي الأوّل وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء واُرخيت الستور واُريتُ في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يُباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد (صلي الله عليه وآله) وختنه ووصيّه وعدّة من أبنائه (عليهم السلام) فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له محمد(صلي الله عليه وآله): ياروح الله جئتُك خاطباً من وصيّك شمعون فتاتَه مليكة لابني هذا _ وأوْمأ بيده إلي أبي محمد(عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب _ فنظر المسيح إلي شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فَصِل رَحِمَك رَحِمَ آلِ محمّد (عليهم السلام) قال: قد فعلتُ فصعد ذلك المنبر فخطب محمّد (صلي الله عليه وآله) وزوّجني من ابنه وشهد المسيح (عليه السلام)، وشهد أبناء محمّد (عليهم السلام) والحواريون. فلما استيقظت أشفقْتُ أنْ أقصّ هذه الرؤيا علي أبي وجدّي مخافة القتل فكنت اُسِرّها ولا اُبديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد (عليه السلام) حتي امتنعت من الطعام والشراب فضعُفتْ نفسي ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس (قال): ياقرّة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت ياجدّي أري أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُساري المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنّيْتهم الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح واُمّه عافية، فلما فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام فسُرّ بذلك وأقبل علي إكرام الاُساري وإعزازهم، فاُريتُ بعد

أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمد (عليه السلام)، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد (عليه السلام) من زيارتي، فقالت سيدة النساء (عليها السلام) إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله علي مذهب النّصاري، وهذه اُختي مريم بنت عمران تبرأ إلي الله تعالي من دينك فإن مِلْت إلي رضاء الله ورضاء المسيح ومريم(عليهما السلام) وزيارة أبي محمد إيّاك فقولي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي محمداً، رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمَّتني إلي صدرها سيّدة نساء العالمين وطَيَّبَتْ نفسي وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي محمّد فإني منفذته إليك، فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي محمد(عليه السلام)، فلمّا كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمد (عليه السلام) وكأنّي أقول له: جفوتني ياحبيبي بعد أن أتْلَفَتْ نفسي معالجة حبك. فقال: ما كان تأخّري عنك إلاّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلي أن يجمع الله تعالي شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية. (قال بشر) فقلت لها: وكيف وقعت في الاُساري؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد(عليه السلام) ليلة من الليالي أنّ جدكِ سيسيّر جيشاً إلي قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتّبعهم فعليك باللّحاق بهم مُتَنَكّ_ِرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا. ففعلت ذلك فوقعت علينا طلايع المسلمين حتّي كان من أمري ما رأيت وشاهدت وما شعر بأني ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعتُ إليه

في سهم الغنيمة عن اسمي فقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري. قلت: العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ، قالت: نعم من ولوع جدّي وحمله إيّاي علي تعلّم الآداب أنْ أوعَز إلي امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً وتفيدني العربية حتي استمرّ لساني عليها واستقام. (قال بشر): فلما انكفأت بها الي سرّ من رأي دخلت علي مولاي أبي الحسن(عليه السلام) فقال: كيف أراكِ اللهُ عزّ الإسلام، وذلّ النصرانيّة، وشرف محمّد وأهل بيته(عليهم السلام)؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال: فإني أحببت أن اكرمك، فما أحب إليك عشرة آلاف دينار أم بشري لك بشرف الأبد؟ قالت بشري بولد لي: قال لها: أبشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. قالت: ممّن؟ قال: ممّن خطبك رسول الله (صلي الله عليه وآله) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية. قالت: من المسيح ووصيه؟ قال لها: ممّن زوجك المسيح(عليه السلام) ووصيه؟قالت: من ابنك أبي محمد (عليه السلام)؟ فقال: هل تعرفينه؟ قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت علي يد سيّدة النساء صلوات الله عليها؟ قال: فقال مولانا: ياكافور ادع اُختي حكيمة، فلمّا دخلتْ قال لها: هاهية. فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها أبوالحسن(عليه السلام): يابنت رسول الله خذيها إلي منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمد واُمّ القائم [78] . وروي الصدوق بسنده عن محمد بن عبد الله الطهري أنه قال: قصدت حكيمة بنت محمد (عليه السلام) بعد مضي أبي محمّد (عليه السلام) أسألها عن الحجة وما قد اختلف في الناس من الحيرة التي هم فيها،

فقالت لي: اجلس فجلست ثم قالت: يامحمّد إن الله تبارك وتعالي لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام). تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلاّ أن الله تبارك وتعالي خصّ ولد الحسين بالفضل علي ولد الحسن (عليه السلام) كما خصّ ولد هارون علي ولد موسي(عليه السلام) وإن كان موسي حجة علي هارون والفضل لولده إلي يوم القيامة. ولا بد للاُمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون كيلا يكون للخلق علي الله حجة، إن الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمد الحسن (عليه السلام). فقلت: يامولاتي هل كان للحسن (عليه السلام) ولد؟ فتبسّمت ثم قالت: اذا لم يكن للحسن (عليه السلام) عقب فمن الحجة من بعده؟ وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام). فقلت: ياسيدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام). وفي هذا النصّ تشير حكيمة الي أن نرجس قد كانت جارية لها، وأنّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) في زمن حياة أبيه الهادي(عليه السلام) يصرّح لعمّته بأنّ الله سيخرج منها ولداً كريماً علي الله عزّ وجلّ فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً. وهنا تبادر حكيمة فتستأذن الإمام الهادي(عليه السلام) لتهب هذه الجارية الي ابنه الحسن العسكري(عليه السلام). وهنا تقول حكيمة: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عليه السلام) وجلست. فبدأني(عليه السلام) وقال: ياحكيمة إبعثي نرجس إلي ابني ابي محمد. قالت: فقلت: ياسيدي علي هذا قصدتك علي أن استأذنك في ذلك. فقال لي: يامباركة إن الله تبارك وتعالي أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً. قالت حكيمة: فلم ألبث أن

رجعت إلي منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمد(عليه السلام) وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً ثم مضي الي والده(عليه السلام) ووجّهت بها معه [79] . والمشتركات بين الخبرين امور عديدة ولا مانع من أن تكون هذه الرواية قد أهملت كثيراً من التفاصيل التي جاءت في الرواية الاولي. وهناك روايات اُخري كلها تصرّح بوجود دور مهم لحكيمة عمّة الإمام الحسن (عليه السلام) في ولادة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).

علاقة الإمام الحسن العسكري بأخيه محمد

كان للامام علي الهادي(عليه السلام) من الذكور أربعة وبنت واحدة، والذكورهم: 1 _ السيد محمد وكنيته أبو جعفر. 2 _ الإمام الحسن العسكري. 3 _ جعفر (المعروف بالتوّاب أو الكذّاب). 4 _ الحسين. والسيد محمد هو أكبر أولاد أبيه، وكان سيداً جليلاً ومجمعاً للكمالات [80] وكانت الشيعة تتصوّر أنه الإمام بعد ابيه، لما كان يتميّز به من ذكاء وخلق رفيع وسعة علم وسمو آداب. وتحدّث العارف الكلاني عن وقاره ومعالي أخلاقه قائلاً: صحبت أبا جعفر محمد بن علي الرضا وهو حدث السن فما رأيت أوقر ولا أزكي ولا أجلّ منه... وكان ملازماً لأخيه أبي محمد (عليه السلام) لا يفارقه. [81] . «ولما خرج الإمام الهادي (عليه السلام) من المدينة الي سامرّاء ترك ابنه السيد محمد في المدينة المنوّرة وهو طفل، وبعد سنوات التحق بأبيه ومكث عنده مدّة، ثمّ أراد الرجوع الي المدينة وفي الطريق وصل الي مدينة بلد فمرض هناك وفارق الحياة في سنة (252ه_). وعمره قد تجاوز العشرين سنة [82] . ولا يعلم سبب مرضه الشديد ; فهل انه كان قد سقي سُمًّا من قبل أعدائه وحسّاده من العباسيين الذين كانوا يظنّون كغيرهم أنه الإمام بعد أبيه وعزّ عليهم أن يروا تعظيم الجماهير إيّاه

أم أنّ ما مني به كان مرضاً مفاجئاً؟ وتصدّع قلب أبي محمد (عليه السلام) فقد فقد شقيقه الذي كان عنده أعزّ شقيق وطافت به موجات من اللوعة والأسي والحسرات، وخرج وهو غارق في البكاء والنحيب وتصدّعت القلوب لمنظره الحزين وألجمت الألسن وترك الناس بين صائح ونائح قد نخر الحزن قلوبهم [83] .

علاقته بأخيه الحسين

(وكان الحسين بن علي الهادي فذاً من أفذاذ العقل البشري وثمرة يانعة من ثمرات الإسلام، وقد تميّز بسموّ أدبه وسعة أخلاقه ووفرة علمه، وكان شديد الاتصال بشقيقه الإمام الحسن (عليه السلام)، وكانا يسمّيان بالسبطين، تشبيهاً لهما بجدّيهما ريحانتي رسول الله (صلي الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام). وقد شاعت هذه التسمية في العصر الذي نشأ فيه، فقد روي أبو هاشم فقال: «ركبت دابة فقلت: (سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين) فسمع منّي أحد السبطين، فقال: لا بهذا اُمرت، اُمرتَ أن تذكر نعمة ربّك إذا استويت عليه» [84] .

علاقته بأخيه جعفر

لم نعثر علي نص خاص يصوّر لنا نوع علاقته بأخيه جعفر ما قبل إمامته. ولكن هناك نصوصاً تفيد أنّ جعفراً كان لا يتورّع عن السعاية الي السلطان حول أخيه الحسن كما لم يكن متورّعاً عن شرب الخمر، وقد سجن مع الإمام ثم اُفرج عن الإمام ولم يفرج عنه ولكن الإمام (عليه السلام) لم يخرج من السجن حتي أخرج معه أخاه جعفر بالرغم من انه كان مسجوناً من أجل السعاية علي الإمام الحسن ومن أجل تظاهره بشرب الخمر، وكان بمنادمته للمتوكل يريد الغض من أخيه الحسن (عليه السلام). ولقب عند الامامية بالكذاب لأنه ادعي الامامة بعد أخيه الحسن وقيل انه تاب بعدئذ ولقب بالتوّاب. [85] .

النصوص علي إمامة الحسن العسكري

اشاره

يواجه الباحث في هذا الموضوع _ كما هو الحال في تناول النصوص الواردة في آباءالإمام العسكري (عليه السلام) _ ثلاثة أنواع من النصوص يمكن تصنيفها كما يلي: أ _ النصوص الواردة عن الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله). ب _ النصوص الواردة عن الأئمة بعد رسول الله والسابقين علي أبيه الإمام الهادي (عليه السلام). ج _ النصوص الواردة عن أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) والتي ثبتت إمامته أيضاً بالنصوص والمعجزات والتي كان منها إمامته المبكّرة كأبيه وهو بعدُ لمّا يبلغ الحلم. حيث استطاع أن يجيب علي كل التحدّيات الّتي أثيرت بالنسبة لإمامته، وخرج من كل الحوارات والاحتجاجات ظافراً مؤيّداً من عند الله.

نصوص الرسول الأعظم

وهي النصوص التي رواها الصحابة والأئمة (عليهم السلام) والتي اشتملت علي ذكر أسماء الأئمة الاثني عشر وما وعد الله _ علي لسان رسوله (صلي الله عليه وآله) _ المصدقين بهم والتابعين لهم، بالخير والسعادة في الدارين وما توعد به الناصبين لهم العداء والمخالفين من العذاب والخزي فيهما أيضاً. ولم تبتل الاُمة الاسلامية بالتجزئة والخضوع للاستكبار العالمي والحيرة والتيه وسوء الظروف التي تمرّ بها الاُمة الاسلامية إلاّ بسبب هذه القطيعة الحاصلة بينها وبين أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ونورد هنا جملة من أحاديث الرسول (صلي الله عليه وآله) في هذا الاتجاه: 1 _ روي الصدوق، عن محمد بن إبراهيم بن اسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن همام: حدثنا أحمد بن مابنداذ قال: حدثنا أحمد بن هلال، عن محمد ابن أبي عميرة عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «لما اُسري

بي إلي السماء أوحي إلي ربي جل جلاله فقال: يامحمد إني اطّلعت علي الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً وشققت لك من اسمي اسماً. فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطّلعت الثانية فأخترت منها علياً وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك وشققت له اسماً من أسمائي فأنا العلي الأعلي وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم علي الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين. يامحمد لو ان عبداً عبدني حتي ينقطع ويصير كالشنّ البالي ثم أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي. يامحمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يارب. فقال عزوجل: ارفع رأسك. فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي ابن محمد والحسن بن علي و (م ح م د) بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب درّي، قلت: يارب، ومن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين...» [86] . 2 _ وعن محمد بن علي بن الفضل بن تمام الزيات (رحمه الله) قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني عباد بن يعقوب، قال: حدثني موسي بن عثمان قال: حدثني الأعمش، قال: حدثني أبو اسحاق، عن الحارث وسعيد ابن قيس، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «أنا واردكم علي الحوض، وأنت ياعلي الساقي، والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين الفارض، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق،

وموسي بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسي مزين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور (العين) والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به، والقائم شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ لمن يشاء ويرضي» [87] . 3 _ وروي الصدوق، عن محمد بن موسي بن المتوكل (رضي الله عنه) قال، حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن الصادق جعفر ابن محمد عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «حدثني جبرئيل، عن ربّ العزة جلّ جلاله انه قال: من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي، وأن محمداً عبدي ورسولي، وانّ علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي. ومن لم يشهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي، ان قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلاّم للعبيد». فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يارسول الله ومن الأئمة من ولد علي ابن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه ياجابر، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام. ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم

الكاظم موسي بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسي، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي اُمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. هؤلاء ياجابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعنيومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله عزوجل السماء أن تقع علي الأرض إلاّ بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها». [88] . 4 _ وعن عبد الله بن العباس قال: دخلت علي النبي (صلي الله عليه وآله) والحسن علي عاتقه والحسين علي فخذه يلثمهما ويقبلهما ويقول: «اللهم وال من والاهما وعاد من عاداهما» ثم قال: «يابن عباس كأني به وقد خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا ينصر». قلت: من يفعل ذلك يارسول الله؟ قال: شرار اُمتي، ما لهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي». ثم قال: يابن عباس من زاره عارفاً بحقه، كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني ومن زارني فكأنما زار الله، وحق الزائر علي الله أن لا يعذبه بالنار، ألا وإن الاجابة تحت قبته والشفاء في تربته والأئمة من ولده». قلت: يارسول الله فكم الأئمة بعدك؟ قال: «بعدد حواري عيسي وأسباط موسي ونقباء بني إسرائيل». قلت: يارسول الله فكم كانوا؟ قال: «كانوا اثني عشر والأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضي الحسين فابنه عليّ، فإذا انقضي علي فابنه محمد، فاذا انقضي محمد فابنه جعفر فإذا انقضي جعفر فابنه موسي، فإذا انقضي موسي فابنه علي فإذا انقضي علي فابنه محمد فإذا

انقضي محمد فابنه علي فإذا انقضي علي فابنه الحسن فإذا انقضي الحسن فابنه الحجة». قال ابن عباس: قلت يارسول الله أسامي لم أسمع بهن قط! قال لي: «يابن عباس هم الأئمة بعدي وانهم اُمناء معصومون نجباء، أخيار. يابن عباس، من أتي يوم القيامة عارفاً بحقهم أخذت بيده فأدخلته الجنة، يابن عباس من أنكرهم أو ردّ واحداً منهم فكأنما قد أنكرني وردني، ومن أنكرنيوردني فكأنما أنكر الله ورده. يابن عباس سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا كان كذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع الحق والحق معه، ولا يفترقان حتي يردا عليّ الحوض. يابن عباس، ولايتهم ولايتي وولايتي ولاية الله وحربهم حربي وحربي حرب الله وسلمهم سلمي وسلمي سلم الله». ثم قال (عليه السلام): (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون). [89] . 5 _ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «ولما عرج بي إلي السماء رأيت علي ساق العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور، فيهم علي بن أبي طالب وسبطيّ، وبعدهما تسعة أسماء، علياً علياً علياً ثلاث مرات ومحمد محمد مرتين، وجعفر وموسي والحسن، والحجة يتلألأ من بينهم. فقلت: يارب أسامي من هؤلاء؟ فناداني ربي جل جلاله: هم الأوصياء من ذرّيّتك، بهم اُثيب وبهم اعاقب». [90] . 6 _ وعن سهل بن سعد الأنصاري قال: سُئلت فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت: «كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام): ياعلي أنت الإمام والخليفة بعدي وأنت أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت

فابنك الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي الحسن فابنك الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي الحسين فابنك علي بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسم فإذا مضي علي فابنه محمد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي محمد فابنه جعفر أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي جعفر فابنه موسي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي موسي فابنه علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي علي فابنه محمد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي محمد فابنه علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي علي فابنه الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضي الحسن، فالقائم المهدي أولي بالمؤمنين من أنفسهم يفتح الله تعالي به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة الحق وألسنة الصدق، منصور من نصرهم مخذول من خذلهم» [91] . 7 _ وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب ; قال، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي ابن أبي طالب (عليه السلام): «ياعلي أنا نذير اُمتي وأنت هاديها، والحسن قائدها، والحسين سائقها وعلي بن الحسين جامعها، ومحمد بن علي عارفها، وجعفر بن محمد كاتبها، وموسي بن جعفر محصيها، وعلي بن موسي معبّرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدل مؤمنيها ومحمد بن علي قائمها وسائقها، وعلي بن محمد ساترها وعالمها، والحسن بن علي مناديها ومعطيها، والقائم الخلف ساقيها ومناشدها، إن في ذلك لآيات للمتوسمين ياعبد الله». [92] . 8 _ وعن عائشة أ نّها قالت: كان لنا مشربة وكان النبي (صلي الله عليه وآله) إذا أراد لقاء جبرئيل (عليه السلام) لقيه فيها فلقيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرة فيها وأمرني أن لا يصعد إليه أحد، فدخل عليه الحسين بن علي (عليهما السلام)، فقال جبرئيل: من هذا؟

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ابني، فأخذه النبي فأجلسه علي فخذه، فقال له جبرئيل: أما أنه سيقتل. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ومن سيقتله؟ قال: اُمّتك تقتله. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): تقتله؟!! قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يُقتل فيها، وأشار الي الطفّ بالعراق، وأخذ منه تربة حمراء فأراه إياها. وقال: هذه من مصرعه. فبكي رسول الله (صلي الله عليه وآله). فقال له جبرئيل: «يارسول الله، لا تبكِ فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت»، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): حبيبي جبرئيل، ومن قائمنا أهل البيت؟ قال: هو التاسع من ولد الحسين، كذا أخبرني ربي جل جلاله أنه سيخلق من صلب الحسين ولداً وسماه علياً خاضعاً لله خاشعاً، ثم يخرج من صلب علي ابنه وسماه عنده محمداً قانتاً لله، ثم يخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده جعفراً ناطق عن الله صادق في الله، ويخرج من صلبه ابنه وسماه عنده موسي، واثق بالله محب في الله، ويخرج الله من صلب ابنه وسماه عنده علياً الراضي بالله والداعي الي الله عزوجل ويخرج من صلبه ابنه وسماه عنده محمداً، المرغب في الله والذاب عن حرم الله ويخرج من صلب ابنه وسماه عنده علياً، المكتفي بالله والوليّ لله، ثم يخرج من صلبه ابنه وسماه الحسن، مؤمن بالله مرشد إلي الله، ويخرج من صلبه كلمة الحق ولسان الصدق، ومظهر الحق حجة الله علي بريته، له غيبة طويلة، يظهر الله تعالي به الإسلام وأهله، ويخسف به الكفر وأهله». [93] .

نصوص الأئمة المعصومين

1 _ عن يحيي بن يعمر، قال: كنت عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من العرب متَلثّماً أسمر

شديد السمرة، فسلّم، ورد الحسين (عليه السلام) فقال: يابن رسول الله! مسألة، فسأل الإمام (عليه السلام) عدة مسائل والإمام يجيبه ثم قال: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن عدد الأئمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ قال: إثنا عشر، عدد نقباء بني اسرائيل. قال: فسمّهم. قال: فأطرق الحسين (عليه السلام) ملياً ثم رفع رأسه. فقال: نعم أخبرك ياأخا العرب، إنَّ الإمام والخليفة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام)، والحسن وأنا وتسعة من ولدي منهم علي ابني، وبعده محمد ابنه، وبعده جعفر ابنه وبعده موسي ابنه، وبعده محمد ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهدي هو التاسع من ولدي يقوم بالدين في آخر الزمان. قال: فقام الاعرابي وهو يقول: مسح النبي جبينه فله بريق في الخدود أبواه من أعلي قريش وجده خير الجدود [94] . 2 _ عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت علي مولاي علي بن الحسين(عليه السلام) وفي يده صحيفة كان ينظر إليها ويبكي بكاءاً شديداً. فقلت: ما هذه الصحيفة؟ قال: هذه نسخة اللوح الذي أهداه الله تعالي إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيه اسم الله تعالي ورسول الله، وأمير المؤمنين علي، وعمي الحسن بن علي، وأبي، واسمي واسم ابني محمد الباقر، وابنه جعفر الصادق، وابنه موسي الكاظم وابنه علي الرضا وابنه محمد التقي، وابنه علي النقي، وابنه الحسن العسكري، وابنه الحجة القائم بأمر الله المنتقم من أعداء الله الذي يغيب غيبة طويلة ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. [95] . 3 _ الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): عن الورد بن الكميت عن أبيه الكميت ابن أبي

المستهل قال: دخلت علي سيدي أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) فقلت: يابن رسول الله: إني قد قلت فيكم أبياتاً أفتأذن لي في إنشادها؟ فأذن، فأنشدته: أضحكني الدهر وأبكاني والدهر ذو صرف وألوان لتسعة في الطف قد غودروا صاروا جميعاً رهن أكفان فبكي (عليه السلام) وقال: «اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر». فلما بلغت إلي قولي: متي يقوم الحق فيكم متي يقوم مهديكم الثاني قال: «سريعاً إن شاء الله سريعاً، ثم قال: ياأبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لأن الأئمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) اثنا عشر، الثاني عشر، هو القائم. قلت: ياسيدي، فمن هؤلاء الاثنا عشر؟ قال: «أولهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعد الحسين علي بن الحسين وأنا ثم بعدي هذا» ووضع يده علي كتف جعفر. قلت: فمن بعد هذا؟ قال: «انه ابنه موسي، وبعد موسي ابنه علي وبعد علي ابنه محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه محمد وهو القائم الذي يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويشفي صدور شيعتنا». [96] . 4 _ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): عن علقمة بن محمد الحضرمي عن الصادق (عليه السلام) قال: «الأئمة إثنا عشر». قلت: يابن رسول الله فسمهم لي؟ قال: «من الماضين: علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي ثم أنا». قلت: فمن بعدك يابن رسول الله؟ قال: «إني قد أوصيت إلي ولدي موسي وهو الإمام بعدي». قلت: فمن بعد موسي؟ قال: «علي ابنه يدعي الرضا يدفن في أرض الغربة من خراسان، ثم بعد علي ابنه محمد وبعد محمد ابنه

علي وبعد علي ابنه الحسن، والمهدي من ولد الحسن...» [97] . 5 _ الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام): روي الصدوق بسنده عن عبد الله بن جندب، عن موسي بن جعفر انه قال: «تقول في سجدة الشكر: اللهم إني اشهدك واشهد ملائكتك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمداً نبيي، وعلياً والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي، أئمتي بهم أتولي ومن أعدائهم أتبرأ» [98] . 6 _ الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام): روي الصدوق، عن أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا بن موسي (عليه السلام) قصيدتي التي أولها: مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات فلما انتهيت إلي قولي: خروج إمام لا محالة خارج يقوم علي اسم الله والبركات يميز فينا كل حق وباطل ويجزي علي النعماء والنقمات بكي الرضا (عليه السلام) بكاءاً شديداً ثم رفع رأسه إلي فقال لي: «ياخزاعي نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتي يقوم؟». فقلت: لا يامولاي الاّ أني سمعت بخروج إمام منكم يُطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً[ كما ملئت جوراً ]. فقال: «يادعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد

لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتي يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً» [99] . 7 _ الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام): روي الصدوق عن عبد الواحد بن محمد العبدوسي العطار (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: حدثنا حمدان بن سليمان قال: حدثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) يقول: «إنَّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه». ثم سكت. فقلت له: يابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكي (عليه السلام) بكاءاً شديداً ثم قال: «إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر» [100] .

نصوص الإمام الهادي علي إمامة الحسن العسكري

حينما نطالع مجموعة النصوص التي وصلتنا عن الإمام الهادي (عليه السلام) في مصادرنا الحديثية الموثوقة نلمس مجموعة من الظواهر التي ترتبط بهذه النصوص الدالة (المشيرة أو الصريحة الدلالة) علي إمامة الحسن العسكري(عليه السلام) بعد أبيه، وهي كما يلي: 1 _ يبدو أن النصوص قد صدرت عن الإمام الهادي (عليه السلام) بالتدريج لاعتبارات شتّي، ولا يمكن أن نغفل مراعاة الجانب الأمني في هذا التدرّج، وهذا التدرّج في كيفية بيان المصداق وطرحه للمسلمين فالامام (عليه السلام) نراه تارة يُبهم الأمر وأخري يشير إشارة سريعة وثالثة يقوم بالتصريح. ونلاحظ التدرّج في كيفية الطرح أيضاً فإ نّه يقوم بطرح الموضوع أمام فرد واحد أو فردين ثمّ أمام جمع وثالثة يقوم باستشهاد أربعين شاهداً علي النص. كما انه يتدرّج في إعطاء بعض العلائم المشيرة تارةً، ويجمع أكثر من علامة وشاهد لئلا يقع التباس، وثالثة يقوم بكتابة النص وإرساله إلي الراوي الثقة،

واُخري يُدلي بشواهد كاشفة عن الأمر تتحقق بعد وفاته لتعضد ما أدلي به بوضوح. 2 _ تبدأ النصوص المرتبطة بالسؤال عمّن يتقلد منصب الامامة بعد الإمام الهادي (عليه السلام) قبل وفاة ابنه محمد (أبي جعفر) وتتدرّج النصوص الي أواخر حياة الإمام الهادي (عليه السلام). وفي حياة ابنه محمد (أبي جعفر) لا نجد نصّاً صريحاً بامامته بل قد نجد فيها ما يدفع الامامة عنه. بالرغم من أنّ الظنون كانت متوجّهة إليه. كما نجد من الإمام (عليه السلام) إرجاء بيان الأمر الي وقته الملائم. ثمّ بعد وفاة أبي جعفر تبدأ الاشارات ثمّ تتلوها التصريحات حيث تتري علي مسامع الرواة الثقاة والشيعة المهتمين بأمر الامامة. 3 _ إنّ النصوص التي ترتبط بأمر الامامة قبل وفاة ابنه محمد هي النص الثاني والسابع مما رواه في الكافي في باب الاشارة والنص علي أبي محمد(عليه السلام): أمّا النص السابع فينتهي سنده إلي علي بن عمرو العطّار، ويقول فيه: دخلت علي أبي الحسن العسكري وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظنّ أنّه هو، فقلت له: جُعِلتُ فداك من أخصّ من ولدك؟ فقال (عليه السلام): لا تخصّوا أحداً حتي يخرج إليكم أمري. قال: فكتبت إليه بعدُ: فيمن يكون هذا الأمرُ؟ قال: فكتب إليّ: في الكبير من ولدي. قال: وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر. والملاحظ في هذا النص أن الإمام يُرجئ بيان الأمر الي فرصة اُخري أوّلاً وحينما يستكتبه ثانياً يحصل علي الجواب ولكن لا يُفهم من الرواية أن استكتابه كان في حياة أبي جعفر أو بعد وفاته، وإن كان الاستكتاب ينسجم مع كونه حيّاً. وحينئذ فالامام يجيب بالعلامة لا بالتصريح. علي أن هناك نصاً يقول بأن محمداً كان أكبر ولد الإمام

الهادي بينما يعارضه هذا النص حيث يتضمن دعوي الراوي بأن الحسن كان أكبر ولده. نعم، هناك نصوص من الإمام الهادي (عليه السلام) نفسه تتضمن بأن الحسن أكبر ولده، ولكن لا تأبي أن تحمل علي أنه أكبر ولده بعد وفاة أخيه أبي جعفر. أمّا النص الثاني فينتهي سنده الي علي بن عمر النوفلي وقد جاء فيه انه قال: كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمرّ بنا محمّد ابنه. فقلت له: جعلتُ فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: لا. صاحبكم بعدي الحسن. وجاء عن أحمد بن عيسي العلوي من ولد علي بن جعفر انه قد دخل علي أبي الحسن (عليه السلام) ب_ (صريا) فسلّم عليه واذا بأبي جعفر وأبي محمد قد دخلا. فقاموا الي أبي جعفر ليسلّموا عليه فقال أبو الحسن (عليه السلام): ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم وأشار الي أبي محمد. [101] . وفي هذا النص نجد النفي القاطع لتصور أن الإمام هو محمد. لعلّ سبب هذا التصوّر هو ما عرف عنه من الصلاح والعلم والتقي مع كونه أكبر ولده، إذ كان المعروف ان الامامة في أكبر ولد الإمام، فالامام ينفي امامة محمد ويصرّح بامامة ابنه الحسن، بينما لاحظنا في النص السابق اصراره علي عدم التصريح وايكال التصريح الي فرصة اُخري. 4 _ واما النصوص التي صدرت من الإمام الهادي (عليه السلام) واشارت أو صرّحت بإمامة الحسن (عليه السلام) بعد وفاة أخيه محمد فهي النص الرابع والخامس والثامن والتاسع مما جاء في الكافي في كتاب الحجة، في باب الاشارة والنص علي أبي محمد (عليه السلام). وهي كما يلي: أ _ نظراً لاتحاد مضمون النصين الرابع والخامس ننقل النص الخامس الذي ينتهي سنده الي أحمد بن محمد

بن عبد الله بن مروان الأنباري إذ يقول: كنت حاضراً عند مضيّ أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فجاء أبو الحسن (عليه السلام) فوضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته وأبو محمد قائم في ناحية، فلمّا فرغ من أمر أبي جعفر التفت الي أبي محمد (عليه السلام) فقال: يابني أحدِث لله تبارك وتعالي شُكراً فقد أحدث فيك أمراً. والذين سمعوا هذا النصّ قد فهموا منه أنه يشير إليه بأمر الامامة وكانت هذه الاشارة في جمع من بني هاشم وآل أبي طالب وقريش طبعاً كما جاء في النص الثامن ويتضمن النص الثامن أيضاً موقف أبي محمد تجاه كلمة الإمام الهادي (عليه السلام) التي وجّهها إليه، وهو:.. أن الحسن قد بكي وحمد الله واسترجع وقال: الحمد لله ربّ العالمين وأنا أسأل الله تمام نعمه لنا فيكَ وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فسُئل عنه فقيل: هذا الحسن ابنه، وقدّر له في ذلك الوقت عشرون سنة أو أرجح، قال الراوي: فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه. وجاء في النص التاسع المرويّ عن محمد بن يحيي بن درياب قال: دخلتُ علي أبي الحسن (عليه السلام) بعد مضيّ أبي جعفر فعزّيته عنه وأبو محمد (عليه السلام) جالس فبكي أبو محمد فأقبل عليه أبو الحسن فقال له: إنّ الله تبارك وتعالي قد جعل فيك خلفَاً منه فاحمد الله. 5 _ وصرّح النصّان العاشر والحادي عشر بامامة أبي محمد الحسن وذلك بعد مضيّ أخيه أبي جعفر (محمد بن علي) أمّا النص العاشر فيرويه أبو هاشم الجعفري حيث يقول: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) بعد ما مضي ابنه أبو جعفر وإني لأفكّر في نفسي اُريد أن أقول

كأنّهما _ أعني أبا جعفر وأبا محمد _ في هذا الوقت كأبي الحسن موسي واسماعيل ابني جعفر بن محمد (عليه السلام)، وإن قصّتهما كقصّتهما، إذ كان أبو محمد المُرجي بعد أبي جعفر، فأقبل عليّ أبو الحسن(عليه السلام) قبل أن أنطِق فقال: نعم ياأبا هاشم بدا لله في أبي محمد(عليه السلام) بعد أبي جعفر(عليه السلام) ما لم يكن يُعرَفُ له، كما بدا له في موسي(عليه السلام) بعد مضيّ اسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدّثتك نفسك وإن كره المُبطِلون. وأبو محمد ابني الخلف مِن بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة. وواضح أن البداء لله هنا هو فيما يرتبط بتصوّر السائل حيث انه كان يرجو أن يكون الإمام بعد الهادي هو ابنه محمد، بينما كان في علم الله غير ذلك فأظهره له بموت محمد فانكشف له أنه ليس هو الإمام الذي كان يرجوه. وليس في هذا النص أو غيره ما يشير الي أن الإمام الهادي أو غيره من الأئمة قالوا بإمامة شخص غير الحسن (عليه السلام) من ولد الهادي (عليه السلام). والنص الحادي عشر ينتهي الي أبي بكر الفهفكي حيث يقول: كتبَ إليَّ أبو الحسن (عليه السلام): أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزةً وأوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه ينتهي عُري الامامة وأحكامها، فما كنت سائلي فَسَلْهُ عنه فعنده ما يحتاج إليه. وهذا النص صريح في إمامة أبي محمد الحسن، وقد فضّله وشهد بفضله علي من سواه من آل محمد ولا يبعد أن يكون قد صدر بعد وفاة أخيه محمد ابن علي كما لاحظنا في النص السابق الذي صرّح فيه الجعفري بأن التصريح من الإمام الهادي بامامة الحسن

كان بعد وفاة أخيه محمد. والنصّان متقاربان في المضمون حيث يؤكّدان أنه عنده علم ما يحتاج إليه في أمر الامامة. وإذا كان بعد وفاة محمد فلا مانع من أن يكون الحسن أكبر ولد الإمام الهادي حينئذ وإن كان محمد أكبر حينما كان علي قيد الحياة. وصرّح النص الثاني عشر ايضاً بمضمون النصّين العاشر والحادي عشر من جهات عديدة حيث جاء فيه أن شاهَوْيه بن عبد الله الجلاّب قال: كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر، وقلِقْتَ لذلك فلا تغتمّ فإن الله عزّوجلّ (لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّي يبيّن لهم ما يتّقون).و صاحبك بعدي أبو محمد ابني، وعنده ما تحتاجون إليه، يقدّم ما يشاء الله ويؤخّر ما يشاء الله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلِها)، قد كتبتُ بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان. 6 _ ويُشهد الإمام جماعةً من الموالي علي إمامة ابنه الحسن. قبل مضيّه واستشهاده هو بأربعة أشهر كما جاء في النص الأول من هذا الباب من كتاب الحجة حيث يقول يحيي بن يسار القنبري: أوصي أبو الحسن الي ابنه الحسن قبل مضيّه بأربعة أشهر وأشهدني علي ذلك وجماعة من الموالي. 7 _ وجاء في النص الثالث ما يتضمن دليلاً وعلامةً علي إمامة الإمام الحسن بعد وفاة أبيه حيث يقول عبد الله بن محمد الإصفهاني: قال أبو الحسن (عليه السلام): صاحبكم بعدي الّذي يصلّي عليَّ. ولم نعرف أبا محمد (عليه السلام) قبل ذلك. قال: فخرج أبو محمد فصلّي عليه. وباعتبار أن الراوي لم يكن يعرف الحسن بشخصه، فالامام يكون قد أعطاه علامة مميّزة لا لبس فيها ولا ريب يعتريها

بالنسبة إليه. وجاء في النص الثالث عشر من هذا الباب أن داود بن القاسم قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخَلَف من بَعد الخلف؟ فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ قال: إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. فقلتُ: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد (صلي الله عليه وآله). ويشير هذا النص إلي مجموعة اُمور ترتبط بكيفية التعامل مع الإمام في ظروف حرجة تقتضي بشدّة التكتّم في ابلاغ الأمر الي الموالين والشيعة وهو يشير الي أن الظروف تتأزم وتشتد فيما بعد حتي يصل الأمر الي أن الشيعة لا يقدرون علي رؤية الإمام الحجة ولا يحل لهم ذكره باسمه بل بالاشارة والكناية العامة وفي هذا النص إعداد وتهيئة للنفوس لتقبّل الوضع الجديد الذي لا بد للشيعة أن يكونوا بانتظاره ولا بد لهم من التهيؤ التام لاستقباله.

اغتيال الإمام الهادي واستشهاده

قال الشيخاني: واستشهد علي العسكري في آخر ملك المعتزّ بالسمّ [102] ، وقال الطبري الإمامي: في آخر ملك المعتز استشهد وليّ الله... مسموماً [103] . لما اعتلّ أبو الحسن الهادي (عليه السلام) علته التي توفي فيها في سنة أربع وخمسين ومائتين أحضر ابنه أبا محمد الحسن (عليه السلام) واعطاه النور والحكمة ومواريث الأنبياء ونص عليه وأوصي إليه بمشهد من ثقات أصحابه ومضي (عليه السلام) وله أربعون سنة ودفن بسرّ من رأي (أي في مدينة سامراء في العراق)، وقام الإمام العسكري بتجهيز والده من غسله وتكفينه والصلاة عليه وحمل جنازته مع جم غفير من الناس ودفنه في داره حيث المرقد الشريف الآن في سامراء يقصده المسلمون من كافة أقطار الاُمة الاسلامية للتبرك والدعاء ووفاءً لرسوالله (صلي الله عليه وآله). ويصف

لنا المسعودي مراسم ومظاهر تشييع الإمام (عليه السلام) واجتماع خلق كثير في داره فيقول: حدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار، وقد اجتمع فيها جملة من بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة، ولم يظهر عندهم أمر أبي محمد ولا عرف خبره إلاّ الثقات الذين نص أبو الحسن عندهم عليه. فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيدة، فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر: يابشر، خذ هذه الرقعة وامض بها الي دار أمير المؤمنين وادفعها الي فلان، وقل هذه رقعة الحسن بن علي فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح في صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمد (عليه السلام)، حاسراً مكشوف الرأس، وعليه مبطنة بيضاء، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطئ منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل، وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلاّ قام علي رجله ووثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد، فعانقه، ثم قال له: مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع شيئاً إلاّ العطسة والسعلة، وخرجت جارية تندب أبا الحسن فقال أبو محمد (عليه السلام): ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد _ العسكري _ فنهض فصلي عليه واخرجت الجنازة وخرج يمشي حتي أُخرج بها الي الشارع الذي بازاء دار موسي بن بغا، وقد كان أبو محمد صلي عليه قبل أن يخرج الي الناس ويصلي عليه المعتمد [104] ثم دفن في دار من دوره [105] . ويمكن أن يُستفاد من

هذه الرواية: ان هذا الجمع الغفير المشارك فضلاً عن رجال البلاط العباسي، يكشف عن المكانة العالية والتأثير الفاعل للإمام في الاُمة والدور الكبير الذي قام به في حياته، فضلاً عن ان حضور ولاة العهد ربما يكون تغطية للجريمة البشعة التي قام بها الخليفة العباسي بدس السم إليه ومن ثم وفاته.

من دلائل إمامته بعد استشهاد أبيه

1 _ قال أبو هاشم الجعفري: خطر ببالي أن القرآن مخلوقٌ أم غير مخلوق؟ فقال أبو محمد (عليه السلام): ياأبا هاشم، اللهُ خالقُ كل شيء، وما سواه مخلوق. [106] . 2 _ وقال أيضاً: قال أبو محمد (عليه السلام): إذا خرج القائم يأمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد. فقلتُ في نفسي: لأيّ معني هذا؟، فأقبل عليّ وقال: معني هذا أنّها محدثة مبتدعة، لم يبنها نبيّ ولا حجّة. [107] . 3 _ وسأله الفهفكي: ما بال المرأة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبو محمد (عليه السلام): إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة، إنّما ذلك علي الرجال. فقلتُ في نفسي ; قيل لي ان ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب وفي رواية: لما جعل لها من الصداق. فأقبل أبو محمد عَليّ فقال: نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء، والجواب منّا واحد اذا كان معني المسألة واحداً، اُجري لآخرنا ما اُجري لأوّلنا وأوّلنا وآخرنا في العلم والأمر سواء. ولرسول الله ولأمير المؤمنين فضلهما [108] . 4 _ وقال أبو هاشم الجعفري: قلتُ في نفسي قد كتب الإمام: ياأسمع السامعين... اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك. فأقبل عليّ أبو محمد فقال: أنت في حزبه وفي زمرته إذا كنت بالله مؤمناً ولرسوله

مصدِّقاً ولأوليائه عارفاً ولهم تابعاً، فأبشر ثمّ أبشر. [109] . 5 _ عن علي بن أحمد بن حمّاد، قال: خرج أبو محمد في يوم مصيف راكباً وعليه تجفاف وممطر، فتكلّموا في ذلك، فلمّا انصرفوا من مقصدهم امطروا في طريقهم وتبلوّا سواه. [110] . 6 _ وعن محمد بن عيّاش قال: تذاكرنا آيات الإمام (عليه السلام) فقال ناصبيّ: إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلا مداد علي ورق وجعل في الكتب وبعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا وكتب علي ورقة اسمه واسم أبويه فدهش الرجل، فلمّا أفاق اعتقد الحق. [111] . 7 _ وعن محمد بن عبد الله قال: فقد غلام صغير فلم يوجد، فأخبر بذلك، فقال (عليه السلام): اطلبوه في البركة، فطلب فوجد فيها ميّتاً. [112] . 8 _ وروي أبو سليمان المحمودي فقال: كتبتُ الي أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء بأن اُرزق ولداً، فوقّع: رزقك الله ولداً وأصبرك عليه. فولد لي ابن ومات [113] . 9 _ وروي عن علي بن ابراهيم الهمدانيّ قال: كتبت الي أبي محمد (عليه السلام) أسأله التبرك بأن يدعو أن اُرزق ولداً من بنت عمّ لي، فوقّع: رزقك الله ذُ كراناً، فولد لي أربعة [114] . 10 _ وعن عمر بن أبي مسلم قال: كان سميع المسمعيّ يؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت الي أبي محمد(عليه السلام) أسأله الدعاء بالفرج عنه، فرجع الجواب: أبشِر بالفرج سريعاً، ويقدم عليك مال من ناحية فارس، وكان لي بفارس ابن عمّ تاجر لم يكن له وارث غيري فجاءني ماله بعد ما مات بأيّام يسيرة. 11 _ ووقّع في الكتاب: استغفِر اللهَ وتُب

إليه ممّا تكلّمت به، وذلك أني كنت يوماً مع جماعة من النصّاب فذكروا أبا طالب حتي ذكروا مولاي، فخضت معهم لتضعيفهم أمره، فتركتُ الجلوس مع القوم وعلمت أنه أراد ذلك [115] . 12 _ وروي عن الحجّاج بن يوسف العبدي قال: خلّفت ابني بالبصرة عليلاً وكتبت الي أبي محمد أسأله الدعاء لإبني فكتب إليّ: رحم الله ابنك إن كان مؤمناً، قال الحجّاج: فورد عليّ كتاب من البصرة أنّ ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب إليّ أبو محمد بموته، وكان ابني شكّ في الإمامة للاختلاف الذي جري بين الشيعة [116] .

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري

الحالة السياسية

امتاز العصر العبّاسي الثاني الذي بدأ بحكم المتوكل سنة (232 ه_) بالنفوذ الواسع الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة، وأساؤا التعامل مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل الي الحكم، وهذا الوضع قد اضطرّ المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلي سامراء بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية أهالي بغداد منهم. كما اتّسم بضعف القدرة المركزية للدولة الإسلامية وفقدانها بالتدريج لهيبتها التي كانت قد ورثتها من العصر الأوّل، لأسباب عديدة منها انشغال الحكّام بملاذّهم وشهواتهم، ومنها سيطرة الموالي _ ولا سيّما الأتراك _ علي مقاليد السياسة العامة بعد انهماك الحكّام بالملاهي. وكانت سيطرة الأتراك وقوّادهم قد بلغت حدّاً لا مثيل له، إذ كان تنصيب الخلفاء وعزلهم يتمّ حسب إرادة هؤلاء القوّاد الأتراك، وأنتج تعدّد الإرادات السياسية وضعف الخلفاء ظاهرة خطيرة للغاية هي قِصر أعمار حكوماتهم وسرعة تبدّل الخلفاء وعدم استقرار مركز الخلافة الذي يمثّل السلطة المركزية للدولة الإسلامية. وهذا الضعف المركزي قد أنتج بدوره نتائج سلبية اُخري مثل استقلال الاُمراء في أطراف الدولة الإسلامية بالحكم والاتجاه نحو تأسيس

دويلات شبه مستقلّة في شرق الدولة الإسلامية وغربها بل انتقلت هذه الظاهرة بشكل آخر الي داخل الحاضرة الإسلامية فكانت من علائمها بروز حالات الشغب من قبل الخوارج باستمرار منذ سنة (252 ه_) الي سنة (262 ه_). وظهور صاحب الزنج في سنة (255 ه_)، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون الي الرضي من آل محمد(صلي الله عليه وآله) لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام الهادي(عليه السلام) ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكري(عليه السلام) [117] .

الحالة الاجتماعية

تحدثنا فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته: من عدم الاستقرار وفقدان الأمن وذلك لتعدد الحركات السياسية والمذهبية، الخارجة علي الدولة العباسية في مختلف الأمصار الإسلامية فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي، وهذا دون شك ينعكس سلبياً علي الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الاُمة المسلمة ورعايا الدولة الاسلامية فينجم عنه توتّر في علاقة السلطة بالشعب، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك، كما أن اختلال الظروف السياسية يتسبب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية أو الفئات المتفاوتة في المستوي المعيشي والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو بعدها من البلاط ورجاله، فانقسم أبناء الاُمة وأتباع الدين الذي كان يركّز علي الاُخوّة الايمانية والمساواة والعدل والانصاف [118] ، إلي جماعة قليلة مترفة ومتمتعة بقوّة السلطان واُخري واسعة _ تمثل غالبية أبناء الاُمة الاسلامية _ وهي معدمة ومسحوقة أنهكها الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب والتي ما تخمد إحداها حتي تتأجّج الثانية وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الاسلامية [119] ، ثم لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن مركزية الدولة وغير خاضعة لها، وأطلق المؤرخون عليها مرحلة (إمرة الاُمراء) [120] ، إضافة الي الدولة

المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية (254ه_) والدولة السامانية (261 _ 389ه_) وغيرها... ممّا أدّي الي تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة (656ه_). لقد كان المجتمع الإسلامي في أواخر العصر العباسي الأوّل يتألف من عدة عناصر. هي: العرب والفرس والمغاربة وظهر العنصر التركي أيضاً علي مسرح السياسة في عهد المعتصم الذي اتّخذهم حرساً له، وأسند إليهم مناصب الدولة وأهمل العرب والفرس، ولما رأوا الخطر المحدق بهم من قبل الأتراك استعانوا بالمغاربة والفراغنة وغيرهم من الجنود المرتزقة. [121] . كما نلاحظ انقسام المسلمين في هذا العصر الي شيع وطوائف وتعرّض المجتمع الاسلامي إلي أنواع التنازع المذهبي المؤدي إلي التفكّك أيضاً، فهناك أهل السُنة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم ويتمتّعون بقسط وافر من الحرية المذهبية والطمأنينة النفسية في عهد نفوذ الأتراك، وهناك الشيعة الذين كانوا يقاسون كثيراً من العنت والاضطهاد. [122] . وهذا لا يعني الالتزام الديني من قبل حكام الدولة العباسية بالمذهب السني بقدر ما يوضح لنا أن موقفهم هذا كان من أجل التصدي لحركة الأئمة في الاُمة ومحاصرتها بمختلف الوسائل والطرق والتي منها: دعم ومساندة فرق وحركات تحمل توجهات السلطة وتري السلطة فيها استتباب الوضع لها ولا تخشي من تمرّدها. فهي تعيش علي فتات موائدها وبذلها وبذخها لهم من أجل ديمومة الحكم واستمرار السلطة للخلفاء. ولم يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلي البذخ والسيطرة وعدم الخضوع الي سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا. أما بالنسبة الي التفكك الاجتماعي في هذا العصر فيمكن ملاحظته من خلال طبقات المجتمع في هذا العصر، وهي: 1 _ طبقة الرقيق، وكانت مصر وشمالي أفريقية وشمالي جزيرة العرب من أهم أسواق الرقيق الأسود،

وقد جُلب كثير من الزنجيات والزنوج لفلاحة الأرض وحراسة الدور. وإنّ كثرة الزنج في العراق أدّت إلي قيام ثورة الزنج التي دامت أكثر من أربع عشرة سنة (255 _ 270ه_). [123] . وكلفت هذه الثورة الدولة والاُمة الكثير من الأموال والدماء لإخمادها مما أسهم بشكل كبير في إضعافها. 2 _ أهل الذمة، وهم اليهود والنصاري، ولم تتدخل الدولة في شعائرهم بل علي العكس كان يبلغ من تسامح الحكّام أنهم كانوا يحضرون مواكبهم واحتفالاتهم ويأمرون بحمايتهم. [124] . 3 _ رجال البلاط والملاّك وغيرهم ممن لهم نفوذ كبير في سياسة الدولة وتأثير واسع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي. 4 _ عامة الناس والذين أجهدتهم الضرائب والحروب والخلافات والمنازعات الداخلية. 5 _ ونشأت طبقة واسعة من الرقيق وغيرهم _ من المغنيات _ اللائي كن يُحيين ليالي اللهو للخلفاء، وغيرهم، وقد ارتفعت أسعارهن بشكل ملفت للنظر. [125] مما أدي أخيراً الي إضعاف العلاقة داخل البلاط نفسه بين البلاط وبين قواد الجيش من أتراك وغيرهم، فضلاً عن آثاره السلبية علي المجتمع عامة.

الحالة الثقافية

انتشرت الثقافة الاسلامية في هذا العصر انتشاراً يدعو الي الاعجاب بفضل الترجمة من اللغات الاجنبية وخاصة اليونانية والفارسية والهندية الي العربية. والعامل الأول في ذلك هو حث الإسلام المسلمين علي طلب العلم واعتباره فريضة علي كل مسلم ومسلمة. كما حظي العلماء بتشجيع من الخلفاء والسلاطين والامراء ورجال العلم والأدب. وكانت مراكز هذه الحركة الثقافية في بلاط السامانيين والغزنويين والبويهيين والحمدانيين في الشرق وفي بلاط الطولونيين والاخشيديين والفاطميين في مصر وفي بلاد الامويين في الاندلس. ويضاف الي ذلك ظهور كثير من الفرق التي اتخذت الثقافة والعلم وسيلة لتحقيق مآربها السياسية. وكان للجدل والنقاش الذي قام بين هذه الفرق

من ناحية وبينها وبين العلماء الرسميين _ أي فقهاء السلطة _ من ناحية أخري أثر كبير في هذه النهضة العلمية التي كان يتميز بها هذا العصر وخاصّة في القرن الرابع الهجري علي الرغم مما انتاب العالم الاسلامي بوجه عام من تفكك وانحلال وما أصاب الدولة العباسية من ضعف ووهن [126] .

الحالة الاقتصادية

اعتني العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين التي قامت علي دراسة علمية [127] وذلك بفضل انتشار المدارس الزراعية التي كان لها الأثر الكبير في إنارة عقول المسلمين. ولما كانت الزراعة تعتمد علي الري، اهتم العباسيون بتنظيم أساليبه وجعل الماء مباحاً للجميع، ولذلك عملوا علي تنظيمه في مصر والعراق واليمن وشمال شرقي فارس وبلاد ما وراء النهر، وبلغ هذا النظام شأواً بعيداً من الدقة، حتي أن الاوربيين أدخلوا كثيراً من هذه النظم في بلادهم. واعتنت الدولة العباسية بصيانة السدود والترع، وجعلوا جماعة من الموظفين أطلق عليهم اسم (مهندسين) وكانت مهمتهم المحافظة علي السدود عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) خشية انبثاق الماء منها فيما اذا حدث ثغر من الهدم والتخريب [128] .

عصر الإمام الحسن العسكري

اشاره

لقد أمضي الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية _ سامراء _ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف التي واجهت أباه الإمام علياً الهادي (عليه السلام)، ثم تسلّم مركز الإمامة وقيادة الاُمة الاسلامية سنة (254ه_) بعد وفاة أبيه (عليه السلام) وعمره الشريف آنذاك (22) عاماً. وكانت مواقفه امتداداً لمواقف أبيه (عليه السلام) بوصفه المرجع الفكري والروحي لأصحابه وقواعده وراعياً لمصالحهم العقائدية والاجتماعية بالاضافة الي تخطيطه وتمهيده لغيبة ولده الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) [129] . وبالرغم من الضعف الذي كان قد أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمام(عليه السلام) لكن السلطة القائمة كانت تضاعف اجراءاتها التعسفيّة في مواجهة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وارشاداته(عليه السلام). فلم تضعف في مراقبته ولم تترك الشدة في التعامل معه بسجنه أو محاولة تسفيره إلي الكوفة خشية منه ومن حركته الفاعلة في الاُمة وتأثيره الكبير فيها. ثم إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن

خاصة بالخلفاء العباسيين الذين عاصرهم الإمام (عليه السلام) إذ كان هناك أيضاً خطر النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبوي (عليهم السلام) ووقفوا ضد اطروحتهم الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت تتناقض مع اطروحة الحكم القائم والطبقة المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي. [130] . والنواصب _ الاُمويون منهم أو العباسيون _ كانوا يعلمون جيّداً أن أهل البيت النبوي هم ورثة النبي الحقيقيون، ولا يمكنهم أن يسيطروا علي السلطة إلاّ بإبعاد أهل البيت (عليهم السلام) عن مصادر القدرة وذلك بتحديد الأئمة المعصومين وشيعتهم وشلّ حركتهم وعزلهم عن الاُمة والتضييق عليهم بمختلف السبل وبما يتاح لهم من وسائل قمعية. وقد يكون لطبيعة هذه الظروف والملابسات التي عاني منها الإمام العسكري وشيعته الدور الأكبر في ما كان يتّخذه الإمام(عليه السلام) من مواقف سلبية أو إيجابية إزاء الأحداث والظواهر التي منيت بها الاُمة الاسلامية والتي ستعرفها فيما بعد. لقد عاصر الإمام العسكري (عليه السلام) ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية، فقد عاش (عليه السلام) شطراً من خلافة المعتز والذي هلك علي أيدي الأتراك، ليخلفه المهتدي العباسي الذي حاول أن يتخذ من سيرة عمر بن عبد العزيز الاُموي مثلاً يحتذي به إغراء للعامّة ولينقل أنظارهم المتوجهة صوب الإمام العسكري(عليه السلام) لزهده وتقواه وورعه، وما كان يعيشه من همومهم وآلامهم التي كانوا يعانونها من السلطة وتجاوزاتها في الميادين المختلفة. ولم يفلح المهتدي بهذا السلوك لازدياد الاضطراب في دائرة البلاط العباسي نفسه مما أثار الأتراك عليه فقتلوه عام (256ه_)، وقد اعتلي العرش العباسي من بعده المعتمد الذي استمر في الحكم حتي عام (270 ه_) [131] .

المعتز العباسي

(252 _ 255 ه_) لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام (247ه_) وتنصيب ابنه

المنتصر بعده، حتي أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال: «.. لما جلس المعتز علي سرير الخلافة فقد حضر خواصه وأحضروا المنجّمين وقالوا لهم: انظروا كم يعيش وكم يبقي في الخلافة، وكان بالمجلس بعض الظرفاء، فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته، فقالوا: فكم تقول انه يعيش وكم يملك؟ قال: مهما أراد الأتراك، فلم يبق أحد إلاّ ضحك» [132] . يعكس لنا هذا النص ما كان للأتراك من نفوذ ودور في إرادة الدولة وعزل الخلفاء والتحكّم في الاُمور العامة. فقد استولوا علي المملكة واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في أيديهم كالأسير إن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه، وكان المعتز يخاف الأتراك ويخشي بأسهم ولا يأمن جانبهم وكان بُغا الصغير _ وهو أشدّ هؤلاء خطراً _ أحد قوّاد الجيش الذي أسهم في قتل المعتز مع جماعة من الأتراك بعد أن أشهدوا عليه بأنه قد خلع نفسه. لقد عاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أواخر خلافة المعتز الذي كان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) علي يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز امتداداً لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري _ والشيعة _ بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة حتي أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الي الكوفة حين رأي خطر وجود الإمام(عليه السلام) واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه. قال محمّد بن بلبل: تقدّم المعتز الي سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد الي الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق [133] . وكتب إلي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبو الهيثم _ وهو أحد أصحاب الإمام (عليه السلام) _ يستفسر عن أمر المعتز بإبعاده

الي الكوفة قائلاً: «جُعلت فداك بلغنا خبرٌ أقلقنا وبلغ منا»، فكتب الإمام (عليه السلام): «بعد ثلاث يأتيكم الفرج» فخلع المعتز بعد ثلاثة أيام وقتل [134] . فلم تكن العلاقة بين الإمام(عليه السلام) والمعتز إلاّ تعبيراً عن الصراع والعداء الذي ابتدأ منذ أن استلم بنو العبّاس الخلافة بعد سقوط الدولة الاُموية وامتدّ علي طول عمر الدولة إلاّ في فترات قصيرة جدّاً، فكان كيد السلطة ورصدها لتحرّك الإمام (عليه السلام) دائماً ومستمراً وذلك لما عرفه الخلفاء من المكانة السامية والدور الفاعل للأئمّة في الاُمة وما كانوا يخشونه منهم علي سلطتهم وكيانهم الذي أقاموه بالسيف والدم علي جماجم الأبرياء والأتقياء من أبناء الاُمة الإسلامية. ويروي لنا محمد بن علي السمري توقّع الإمام الحسن العسكري هلاك المعتزّ قائلاً: «دخلت علي أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد _ العسكري _ (عليه السلام)، فيها: إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري _ لقب المعتز _ وهو آخذه بعد ثلاث، فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل» [135] فقد قتل شرّ قتلة. ويصف ابن الأثير قتل المعتز الذي ورد في هذه العبارة قائلاً عنه: «دخل إليه جماعة من الأتراك فجرّوه برجله إلي باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس في الدار، فكان يرفع رجلاً ويضع اُخري لشدّة الحر، وكان بعضهم يلطمه وهو يتّقي بيده وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم علي خلعه، وشهدوا علي صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان، وسلّموا المعتز إلي من يعذّبه، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيّام، فطلب حسوة من ماء البئر فمَنَعَه ثم أدخلوه سرداباً وسدّوا بابه، فمات» [136] . وكان سبب

خلعه أنه منع الأتراك أرزاقهم ولم يكن لديه من المال وقد تنازلوا له إلي خمسين ألف دينار، فأرسل إلي أمه يسألها أن تعطيه مالاً فأرسلت إليه: «ما عندي شيء»، فتآمروا عليه وقتلوه. وهذه القصة خير مؤشّر علي ضعف السلطة العباسية وخروج الأمر من يد الخليفة، فالكتّاب المسؤولون علي الأموال يتصرّفون بها كيف ما كانوا يشاءون ولا يطيعون الخليفة في شيء فكانت تلك النهاية المخزية للمعتز علي أيدي أعوانه، وحرّاسه من الأتراك.

المهتدي العباسي

اشاره

(255_ 256 ه_) هو محمد بن الواثق بن المعتصم، اُمّه اُم ولد تسمي وردة، ولي الخلافة بعد مقتل أخيه المعتز سنة (255ه_)، وما قبل أحد ببيعته حتي جيء بالمعتزّ واعترف أمام شهود أنه عاجز عن الخلافة ومدّ يده فبايع المهتدي فارتفع حينئذ الي صدر المجلس [137] ، وبويع بالخلافة. ولقد تصنّع الزهد والتقشّف محتذياً سيرة عمر بن عبد العزيز إغراء للعامة ومحاولة لتغيير انطباعهم عن الخلفاء العباسيين الذين عُرفوا بالمجون والترف والإسراف في الملذّات والخمر ومجالس اللهو، فقد نقل هاشم بن القاسم حينما سأل المهتدي عن ما هو عليه من التقشّف وبما هو فيه من النعمة فقال له: إنّ الأمر كما وصفت، ولكنّي فكّرت في أنه كان في بني اُمية عمر ابن عبد العزيز _ وكان من التقلّل والتقشّف ما بلغك _ فغرتُ علي بني هاشم فأخذت نفسي بما رأيت [138] . فلم تكن الدوافع وراء هذه السيرة رضا الله سبحانه بل كانت هذه السيرة لإضفاء شيء من صبغة التديّن علي نفسه من أجل أن تطيعه عامة الناس ومحاولة لإبعاد أنظارها عما تحلّي به بنو هاشم وفي مقدّمتهم الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) الذي عُرف بتقواه وورعه ومواساته للاُمة في ظروفها القاسية، وكان الأولي

بالخليفة الاتعاظ بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما عرف بزهده وتقواه بل هو الذي سنَّ نهج الزهد للمسلمين بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وإن عمر بن عبد العزيز نفسه حين سأله جلساءه عن أزهد الناس، فقالوا له: أنتم، قال: لا: إن أزهد الناس عليّ بن أبي طالب [139] .

سياسة المهتدي تجاه معارضيه

أ _ الخليفة وأمراء الجند: كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز، لذا أمر بقتل موسي ومفلح من اُمراء جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث، غير أن (بكيال) الذي أمره المهتدي بقتلهما توقّف عن قتل موسي بن بغا، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور الذي كانوا يتمتعون به، وقال بكيال: إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا علي قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد وقُتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلي أن هزم جيش الخليفة المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية، ومن ثم اُمسك الخليفة فعصر علي خصيتيه فمات في عام (256 ه_) [140] . ومن الأحداث المهمة في عصر المهتدي: 1 _ انتفاضة أهل حمص بقيادة ابن عكار علي محمد بن إسرائيل. 2 _ اخراجه ام المعتز وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل وابن المعتزّ إلي مكّة ثم ردّهم إلي العراق. 3 _ نفي وإبعاد بعض الشيعة من بلدانهم إلي بغداد كما فعل بجعفر ابن محمود. 4 _ إعطاؤه الأمان لمعارضيه. 5 _ الحرب بين عيسي بن شيخ الربعي وأماجور التركي عامل دمشق وهزيمة الأول [141] . ب _ المهتدي وأصحاب الإمام

الحسن العسكري (عليه السلام): لم تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما من خلفاء الدولة العباسية، بل كانت سياسة المهتدي امتداداً للمنهج العباسي في التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم ومطاردتهم. لقد قاسي الشيعة والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في عهد المهتدي الكثير من الظلم والتعسّف، ويمكن أن نقف علي ذلك من خلال ما رواه أحمد بن محمد حيث قال: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام) _ حين أخذ المهتدي في قتل الموالي _ ياسيدي الحمد لله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول: «والله لأخلينّهم عن جديد الأرض» فوقّع أبو محمد (عليه السلام) بخطه: «ذاك أقصر لعمره، وعد من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته»، فكان كما قال (عليه السلام)، وقد سبق أن أوضحنا ذلك [142] . ومن مظاهر اضطهاد الشيعة ومصادرة أملاكهم وأموالهم ما روي عن عمر بن أبي مسلم حيث قال: قدم علينا (بسرّ من رأي) رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث يتظّلم الي المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها، فأشرنا عليه أن يكتب إلي أبي محمد (عليه السلام) يسأله تسهيل أمرها، فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام): «لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم الي السلطان وألق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوّفه بالسلطان الأعظم الله ربّ العالمين»، فلقيه، فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كُتب إليّ عند خروجك من مصر أن أطلبك وأردّ الضيعة عليك، فَرَدَّها عليه بحكم القاضي ابن أبي

الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج الي أن يتقدّم الي المهتدي [143] . ويمكن الاستدلال من خلال النص علي اتساع القاعدة الشعبية للإمام(عليه السلام) وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم، فهو يتفقّد ما يحتاجونه، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم، وإن لبعض أصحابه في الأمصار تأثيراً وعلائق بالولاة ومن يديرون الاُمور في الولايات، فكانت أخبار شيعته تصله أوّلاً بأول، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري. ج _ سجن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ولما رأي المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة، لم تكن لتحدّ من نشاط الإمام (عليه السلام) وشيعته، واتّساع حركته، لما كان لتعليمات الإمام (عليه السلام) ورقابته لشيعته من أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال الإمام (عليه السلام) والتضييق عليه في السجن، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر المهتدي موسي بن بغا التركي بقتله، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام (عليه السلام) فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال صالح: «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين، شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلي أمر عظيم»، ثمّ أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ _ يعني الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) _ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين [144] . لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام(عليه السلام) فكتب إليه:

يا سيدي الحمدلله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم علي استئصالهم. وهنا نجد الإجابة الدقيقة من الإمام(عليه السلام) حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب مايلي: ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به [145] وكان كما قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً يامعشر المسلمين: أنا أميرالمؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد [146] . وقال أبو هاشم الجعفري: كنت محبوساً مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي: في هذه الليلة يبتر الله عمره، فلمّا أصبحنا شغب الأتراك وقُتل المهتدي وولّي المعتمد مكانه [147] .

المعتمد ابن المتوكل العباسي

اشاره

(256 _ 279 ه_) وعاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد المعتزّ والمهتدي، المعتمد العباسي، الذي انهمك في اللهو واللّذات واشتغل عن الرعيّة فكرهه الناس وأحبّوا أخاه طلحة [148] . وكان المعتمد ضعيفاً يعمل تحت تأثير الأتراك الذين يديرون اُمور الحكم، ويقومون بتغيير الخلفاء والاُمراء، وقد صوّر المعتمد نفسه هذا الضعف الذي هو فيه بقوله: أليس من العجائب أن مثلي يري ما قلّ ممتنعاً عليه وتؤكل باسمه الدنيا جميعاً وما من ذاك شيء في يديه إليه تحمل الأموال طُرّاً ويمنع بعض ما يجبي إليه [149] . وكانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في عهد المعتمد تقرب من خمس سنين، وهي من بداية خلافة المعتمد سنة (256ه_) وحتي استشهاد الإمام (عليه السلام) سنة (260ه_)، وكان الوضع العام مضطرباً لسيطرة الأتراك علي السلطة أوّلاً، ولما كان يحدث من حركات ضد السلطة في أقاليم الدولة ثانياً. فضلاً عن مطاردة السلطة للشيعة والمضايقة علي الإمام (عليه السلام)

وعليهم وتشديد المراقبة من جهة ثالثة. وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد:

ثورة الزنج

كانت ثورة الزنج حدثاً مهماً لما نتج عنها من آثار سيئة، فقد صحب حركة الزنج هذه، قتل، ونهب، وسلب، وإحراق مما أدّي الي اضطراب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدّة من الأمصار التي سيطر عليها صاحب الزنج، فبدأت ثورتهم في البصرة وامتدّت إلي عبّادان والأهواز وغيرهما. والقضاء علي هذه الحركة قد كلف الدولة كثيراً من الأموال والجند الذين هزمهم صاحب الزنج في أكثر من واقعة، وأخيراً تمكّنت الدولة من القضاء عليهم [150] . وقد ادّعي صاحب الزنج علي بن محمد أنه ينتسب الي الإمام علي(عليه السلام)، ولكنّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كذب هذا الادعاء، فعن محمد بن صالح الخثعمي قال: كتبت إلي أبي محمد _ الحسن العسكري (عليه السلام) _ أسأله.. وكنت اُريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة.. فوقّع (عليه السلام): «صاحب الزنج ليس مِنّا أهل البيت» [151] . وفي نصّ الإمام (عليه السلام) هذا دلالة علي عدم شرعيّة ثورة صاحب الزنج وعدم ارتباطها بخط أهل البيت (عليهم السلام) وأنّها بعيدة عن الالتزام بمبادئ الإسلام.

حركة ابن الصوفي العلوي

وقد ظهر في صعيد مصر وهو ابراهيم بن محمد وكان يعرف بإبن الصوفي وملك مدينة أشنا [152] وكانت معارك بينه وبين جيش الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالاً شديداً فقتل من رجال ابن الصوفي الكثير، وانهزم ثمّ كانت وقعة اُخري مع جنده عام (259ه_) وانهزم ابن الصوفي أيضاً إلي المدينة وألقي القبض عليه واُرسل إلي ابن طولون في مصر. [153] .

ثورة علي بن زيد في الكوفة

كانت حركته في الكوفة سنة (256ه_) واستولي عليها، وأزال عنها نائب الخليفة، واستقرّ بها، وسَيَّر إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه، ثمّ وجّه المعتمد كيجور التركي لمحاربته، وقد أرسل كيجور إلي علي بن زيد يدعوه إلي الطّاعة وبذل له الأمان، وطلب علي بن زيد اُموراً لم يجبه كيجور إليها، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم عليّ بن زيد وقُتل جماعة من أصحابه [154] . وحصلت حوادث اُخري في عهد المعتمد فقد استولي الحسن بن زيد العلوي علي جرجان وقتل كثيراً من العساكر وغنم هو وأصحابه ما عندهم. وخرج مساور الخارجي وطوق من بني زهير وهو من الخوارج أيضاً وقاتلهم الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي وهزمهم وقطع رأس مساور وأنفذه إلي سامراء [155] . وقد استوعبت هذه الحركات التي كانت ضد الدولة العباسية مساحة زمنية واسعة لعدم شرعيّة الدولة ولابتعاد الخلفاء وولاتهم عن مبادئ الإسلام الحنيف واستمرت حتي بعد عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وحتي سقوط بغداد علي يد التتار عام (656ه_).

المعتمد والإمام العسكري

سعي المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكري (عليه السلام) أي انّه سارَ علي ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين مع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر ظاهراً، وقدّم الاعتذار للإمام(عليه السلام) بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهادي(عليه السلام) وذلك حين سلّم الإمام العسكري(عليه السلام) إلي يحيي بن قتيبة الذي كان يضيّق علي الإمام (عليه السلام) حيث رمي به إلي مجموعة من السباع

ظنّاً منه أنها سوف تقتل الإمام (عليه السلام)، مع العلم بأن امرأة يحيي كانت قد حذّرته من أن يمس الإمام بسوء بقولها له: «اتقّ_ِ الله فإني أخاف عليك منه». وروي أن يحيي بن قتيبة قد أتاه بعد ثلاث مع الاستاذ فوجده يصلّي، والاُسود حوله، فدخل الاُستاذ الغيل _ أي موضع الأسد _ فمزّقته الاُسود وأكلته وانصرف يحيي إلي المعتمد وأخبره بذلك، فدخل المعتمد علي العسكري (عليه السلام) وتضرّع إليه... [156] . واستمر المعتمد في التضييق علي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فيما بعد حتي ألقي به في سجن علي بن جرين وكان يسأله عن أخباره فيجيبه: إنّه يصوم النهار ويقوم الليل. [157] . وقال ابن الصباغ المالكي: حدث أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت في الحبس الذي بالجوشق أنا والحسن بن محمد العتيقي ومحمد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان خمسة ستة من الشيعة، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) وأخوه جعفر فخففنا بأبي محمد، وكان المتولي لحبسه صالح بن الوصيف الحاجب، وكان معنا في الحبس رجل جمحي. فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرّاً: لولا انّ هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متي يفرج عنكم وتري هذا الرجل فيكم قد كتب فيكم قصته الي الخليفة يخبره فيها بما تقولون فيه وهي مدسوسة معه في ثيابه يريد أن يوسع الحيلة في ايصالها الي الخليفة من حيث لا تعلمون، فاحذروا شرّه. قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعاً علي الرجل، ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه بين ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء فأخذناها منه وحذرناه، وكان الحسن يصوم في السجن، فإذا أفطر أكلنا معه ومن طعامه وكان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة.

قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه فلمّا كان ذات يوم ضعفت من الصوم، فأمرت غلامي فجاءني بكعك فذهبت الي مكان خال في الحبس، فأكلت وشربت، ثم عدت الي مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد، فلمّا رآني تبسّم وقال: افطرت، فخجلت، فقال: لا عليك يا أبا هاشم، إذا رأيت انّك قد ضعفت واردت القوّة فكل اللحم، فإنّ الكعك لا قوّة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً فإنّ البنية إذا انهكها الصوم لا تقوي إلاّ بعد ثلاث. قال أبو هاشم: ثم لم تطل مدّة أبي محمد الحسن في الحبس إلاّ أن قحط الناس بسرّ من رأي قحطاً شديداً، فأمر الخليفة المعتمد علي الله ابن المتوكّل بخروج الناس الي الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يسقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع الي الصحراء وخرج معه النصاري والرهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده الي السماء ورفعها هطلت بالمطر. ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أول يوم فهطلت السماء بالمطر وسقوا سقياً شديداً، حتي استعفوا، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشك وصفا بعضهم الي دين النصرانية فشقّ ذلك علي الخليفة، فانفذ الي صالح بن وصيف ان اخرج أبا محمد الحسن بن علي من السجن وائتني به. فلمّا حضر أبومحمد الحسن عند الخليفة قال له: ادرك اُمة محمد فيما لحق في هذه النازلة، فقال أبو محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث، قال: قد استعفي الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشك عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة. فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضاً في اليوم الثالث علي جاري عادتهم وان يخرجوا الناس، فخرج النصاري وخرج

لهم أبومحمد الحسن ومعه خلق كثير، فوقف النصاري علي جاري عادتهم يستسقون إلاّ ذلك الراهب مدّ يديه رافعاً لهما الي السماء، ورفعت النصاري والرهبان ايديهم علي جاري عادتهم، فغيمت السماء في الوقت ونزل المطر. فأمر أبو محمد الحسن القبض علي يد الراهب وأخذ ما فيها، فإذا بين أصابعها عظم آدمي، فأخذه أبو محمد الحسن ولفه في خرقة وقال: استسقِ فانكشف السحاب وانقشع الغيم وطلعت الشمس فعجب الناس من ذلك، وقال الخليفة: ماهذا يا أبا محمد؟! فقال: عظم نبي من أنبياء الله عزّ وجل ظفر به هؤلاء من بعض فنون الأنبياء وما كشف نبي عن عظم تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال. فرجع أبو محمد الحسن الي داره بسرّ من رأي وقد أزال عن الناس هذه الشبهة وقد سرّ الخليفة والمسلمون ذلك وكلّم أبومحمد الحسن الخليفة في اخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن، فاخرجهم وأطلقهم له، وأقام أبومحمد الحسن بسر من رأي بمنزله بها معظماً مكرّماً مبجلاً وصارت صلات الخليفة وانعامه تصل اليه في منزله الي أن قضي تغمّده الله برحمته [158] .

المعتمد وموقفه من الشيعة

اشاره

لم تتغير الاجراءات القمعية التي كانت تمارسها السلطة العباسية تجاه الشيعة في عصر المعتمد بل كانت امتداداً للسياسة المعهودة والتي أصبحت تقليداً يتوارثه الخلفاء العباسيون إزاء الأئمة الأطهار وشيعتهم وذلك لما كان يخشاه الخلفاء من تطور الوضع لصالحهم واتّساع نشاطهم السياسي مما قد ينجم عنه تغيّر الوضع ضد السلطة القائمة، والتفاف الناس بشكل أكبر حول الإمام (عليه السلام) وبالتالي قد يتّخذ الإمام موقفاً جهاديّاً تجاه الخليفة وسلطته. وكانت أساليب السلطة تجاه الحركة الشيعية لا تتجاوز الأساليب التي عهدتها في عصور سابقة وهي: 1 _ المراقبة ورصد

تحرّكات أصحاب الإمام وشيعته. 2 _ السجن وكانت تعمد إليه السلطة من أجل الحدّ من نشاط أصحاب الإمام (عليه السلام). 3 _ القتل: وكانت ترتكبه السلطة حين لا تري جدوي في أساليبها الاُخري تجاه الشيعة، أو تشعر بتنامي نشاطهم فتلجأ الي قتل الشخصيّات البارزة والمقرَّبين من الإمام (عليه السلام).

استشهاد الإمام الحسن العسكري

وبعد أن أدّي الإمام العسكري (عليه السلام) مسؤليته بشكل كامل تجاه دينه وأمّة جده (صلي الله عليه وآله) وولده (عليه السلام) نعي نفسه قبل سنة ستين ومئتين، وأخذ يهدّئ روع والدته قائلاً لها: لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي..، ونزلت الكارثة كما قال، والتحق بالرفيق الأعلي بعد أن اعتلّ (عليه السلام) في أوّل يوم من شهر ربيع الأول من ذلك العام [159] ولم تزل العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتي استشهد في الثامن من ذلك الشهر، وروي أيضاً أنه قد سُم واغتيل من قبل السلطة حيث دس السم له المعتمد العباسي الذي كان قد أزعجه تعظيم الأمة للإمام العسكري وتقديمهم له علي جميع الهاشميين من علويين وعباسيين فأجمع رأيه علي الفتك به [160] . ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد (الحجة) وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وقد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب [161] . ودفن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إلي جانب أبيه الإمام الهادي(عليه السلام) [162] في سامراء، وقد ذكر أغلب المؤرخين أنّ سنة وفاته كانت (260ه_) وأشاروا إلي مكان دفنه. دون إيضاح لسبب وفاته [163] . وروي ابن الصباغ عن أحمد بن عبيدالله بن خاقان انه قال: لما اعتل (ابن الرضا) (عليه السلام)، بعث (جعفر بن علي) الي أبي: أن ابن الرضا (عليه السلام) قد اعتل فركب

أبي من ساعته مبادراً الي دار الخلافة: ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدم الخليفة كلهم من ثقاته ورجال دولته وفيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي وتعرّف خبره وحاله، وبعث الي نفر من المتطببين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده في الصباح والمساء، فلما كان بعدها بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف فركب حتي بكّر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه وبعث الي قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم وبعث بهم الي دار الحسن(عليه السلام) وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك حتي توفي لأيّام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائين [164] . يتضح لنا من خلال متابعة تاريخ الإمام العسكري (عليه السلام) وموقف السلطة العباسية منه أنّ محاولة للتخلّص من الإمام قد دبّرت من قبل الخليفة المعتمد خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سلسلة الاجراءات التي اتخذتها السلطة إزاء الإمام علي الهادي (عليه السلام) أوّلاً، ثم ما اتخذته من إجراءات ضد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فقد قامت بسجنه عدّة مرات فضلاً عن المراقبة المشددة علي بيته، كما حاولت نفيه إلي الكوفة، وغيرها من الاجراءات التعسّفيّة ضدّه وضد شيعته وضد العلويين، ووفقاً لذلك وبضم رواية أحمد بن عبيدالله بن خاقان والذي كان أبوه أحد أبرز رجالات الدولة، يتأكّد لنا أنّ استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) كانت وراءه أيدي السلطة الآثمة دون أدني شك.

الصلاة علي الإمام العسكري

وكان لاستشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) صدي كبير في سامراء حيث عطّلت الدكاكين وسارع العامة والخاصة مهرعين إلي بيت الإمام، ويروي أحمد بن عبيدالله واصفاً ذلك اليوم العظيم قائلاً: ولما رفع خبر وفاته،

ارتجّت سرّ من رأي وقامت ضجة واحدة: مات ابن الرضا [165] ، وعطّلت الأسواق، وغلّقت أبواب الدكاكين وركب بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدّلون وساير الناس الي أن حضروا جنازته فكانت سرّ من رأي شبيهاً بالقيامة [166] . وبعدما جُهّ_ِز الإمام العسكري (عليه السلام) خرج عقيد خادمه، فنادي جعفر بن علي فقال: ياسيدي قد كُفّن أخوك، فقم وصَلِّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يتقدّمهم عثمان بن سعيد العمري وهو أحد وكلائه (ووكيل الإمام الحجة (عليه السلام) فيما بعد)، ولما دخلوا الدار فاذا بالحسن بن علي صلوات الله عليه علي نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر بن علي ليصلي عليه، فلما همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط، وبأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر وقال: ياعمّ، أنا أحقّ بالصّلاة علي أبي، فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ، فتقدّم الصبي فصلّي عليه(عليه السلام) [167] . ولما اُخرج نعش الإمام العسكري (عليه السلام) صلّي عليه أبو عيسي بن المتوكل [168] بأمر الخليفة المعتمد العباسي، تمويهاً علي الرأي العام حول استشهاد الإمام (عليه السلام)، وكأنّ السلطة ليس لها في ذلك يد بل علي العكس، فإنّها قد أظهرت اهتماماً كبيراً أيام مرض الإمام (عليه السلام) وخرج كبار رجالات البلاط العباسي مشيعين...، ولكن مثل هذه الاُمور لا يمكن أن تنطلي علي شيعة الإمام ومواليه، وهكذا غالبية المسلمين الذين عاصروا ما جري للإمام (عليه السلام) من قبل السلطة من سجن وتضييق.

اولاد الإمام الحسن العسكري

إن المشهور بين الشيعة الإمامية، أن الإمام العسكري (عليه السلام) لم يكن له من الولد سوي الإمام محمد المهدي المنتظر (عليه السلام)، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيد(رضي الله عنه) [169] حيث قال: اما الحسن بن علي العسكري

(عليه السلام) فلم يكن له ولد سوي صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام ولم يخلّف ولداً غيره ظاهراً أو باطناً [170] . كما ذهب إلي ذلك ابن شهرآشوب حيث قال: وولده القائم لا غيره [171] . وأصحاب المصادر التاريخية، كالطبري [172] والمسعودي [173] وغيرهما لم يشيروا إلي غير الإمام المنتظر (عليه السلام)، وهو الذيولد في النصف من شعبان عام (255 ه_).

متطلبات عصر الإمام الحسن العسكري

لقد تظافرت النصوص النبويّة تبعاً للقرآن الكريم _ علي خلود الرسالة الإسلامية وظهورها علي ما سواها من الرسالات، وأن هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي اثنا عشر خليفة _ بعدد نقباء بني اسرائيل _ كلّهم من قريش [174] . وورد التعبير عنه(صلي الله عليه وآله) _ كما عن عبدالله بن مسعود _ بأنّ: الأئمة من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش [175] . وجاء عن أبي سعيد الخدريّ أنه قال: صلّي بنا رسول الله(صلي الله عليه وآله) الصلاة الاُولي ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني اسرائيل فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمة الراشدين من ذرّيتي فإنّكم لن تضلّوا أبداً، فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر من أهل بيتي [176] . إنّ الصحاح والمسانيد فضلاً عن الكتب المتخصّصة بموضوع الإمامة قد كشفت النقاب عن مدي أهمية هذا الموقع الريادي في نصوص الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين، حتي تكالبت علي الاستئثار به نفوس قوم لم يُرشَّحوا لهذا الموقع لا في كتاب الله ولا سنّة رسوله ولم يتمسّكوا للاستئثار به إلاّ بذريعة هي أوهي من بيت العنكبوت مفادها: أنهم لو لم يبادروا لمسك زمام الاُمور لافترقت الاُمة ولتناحرت علي ذلك، فكانت

المبادرة منهم دليلاً وشفيعاً لهم ليسبغوا رداء المشروعية علي استئثارهم بالحكم ومسك زمام الاُمور بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله). وهذا الخط الذي استأثر بالحكم قد خطط لنفسه علي المدي البعيد محتجّاً بأنّ النبوّة والخلافة لا تجتمعان، فإذا كانت النبوّة في بني هاشم فلا ينبغي أن تكون الإمامة فيهم، بينما أكّدت نصوص النبي(صلي الله عليه وآله) علي انّ الإمامة في أهل بيته وأنهم سفينة نوح وباب حطّة وهم أمان لاُمته من الغرق والضلال. وانتهي ذلك الي نجاح محاولات العزل السياسي لأهل البيت(عليهم السلام) عن الموقع المقرّر لهم ثم حاولت السلطة حظر كتابة الحديث وتدوينه لئلاّ تتداول أحاديث الرسول(صلي الله عليه وآله) فيما يرتبط بأهل البيت(عليهم السلام) وموقعهم الريادي بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأعقب ذلك محاولات سلب المرجعية الدينية والفكرية عنهم (عليهم السلام). لكن جدارة أهل البيت(عليهم السلام) وأهليتهم وخصائصهم ومواجهتهم المبدئية للمستأثرين بالسلطة قد انتهت بعد تجربة طويلة الي عودة هيمنتهم الفكرية والدينية الي الساحة الإسلامية رغم كل محاولات العزل السياسي واسقاط مرجعيتهم الدينية التي قرّرها لهم رسول الله(صلي الله عليه وآله) بنص من كتاب الله. وكانت الإمامة المبكّرة للإمامين الجواد والهادي(عليهما السلام) دليلاً حسيّاً قاطعاً وقوياً علي جدارة أهل البيت(عليهم السلام) العلمية لريادة الاُمة وقيادتها نحو شاطئ السلام الذي بشّر به الكتاب وأكّدته نصوص السنّة النبوية حين أفصحت عن أن المهدي(عليه السلام) من أهل بيت الرسالة وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً. لقد باءت بالفشل كل محاولات الاُمويين والعبّاسيين لتسقيط الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) وسدل الستار علي شخصياتهم المتألقة، ممّا أدّي الي أن يغيّر المأمون العباسي سياسة أسلافه ليرصد أهل البيت(عليهم السلام) عن كثب ويتظاهر بالاحترام وهو يبطن

الحقد الدفين لهم وأصبحت سياسته هذه سنة اقتدي بها من تأخّر منه كالمعتصم والمتوكّل ومن تلاه حتي المعتمد العباسي. إنّ سياسة الاحتفاء بالإمام(عليه السلام) في ظاهر الأمر والمراقبة الشديدة له ولتصرّفاته وحبسه في مركز الخلافة وحظر السفر عليه وملاحقة من يرتبط به من أتباعه ذات دلالة عميقة قد أفصح عنها المأمون والمتوكل وغيرهما علي حد قول المتوكل (وَيْحَكُم! قد أعياني أمر ابن الرضا)، وكان ذلك حين باءت كل محاولات التسقيط للإمام الهادي (عليه السلام) بالفشل. وكانت جهود المأمون تذهب سديً، إذ لا يستطيع التضبيب علي شخصية الإمام المتألقة ولا يزداد إلاّ بعداً عن أهدافه المشؤومة، كما ذهبت كل جهود المعتصم والمتوكل سدي، والدليل علي ذلك اغتيال المعتصم للإمام الجواد(عليه السلام) وهو في ريعان شبابه حيث لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، وكذلك اغتيال المعتز للإمام الهادي(عليه السلام) إذ لم يفلح المتوكل في اغتيال الإمام(عليه السلام) رغم تكرر محاولات الاغتيال له. وحين جاء دور ابنه الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وهو في الثانية والعشرين من عمره المبارك لم يتغير أي شيء من سياسات العباسيين كما لم يتغير شيء من الظروف المحيطة به. ولم يعهد في زمن هؤلاء الخلفاء أي محاولة مباشرة للثورة عليهم من قبل أهل البيت(عليهم السلام) منذ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام). فلماذا هذا الرعب منهم؟ ولماذا هذا التسرّع في التصفية الجسدية لهم؟ لقد أفصح الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) عن سرّ هذا الأمر ضمن حديث جاء فيه: «قد وضع بنو اُمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون (انّ) ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها. وثانيهما: انّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة علي أن زوال ملك الجبابرة الظلمة

علي يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت سول الله(صلي الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الي منع تولد القائم(عليه السلام) أو قتله، فأبي الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون» [177] . إنّ التمهيد الذي قام به الرسول(صلي الله عليه وآله) _ تبعاً للقرآن الكريم _ بالنسبة لقضية المصلح الإسلامي العالمي والتصريح بأنه سيولد من أبناء الرسول(صلي الله عليه وآله) من فاطمة وعلي(عليهما السلام) وانّه التاسع من أبناء الحسين الشهيد، كان ضرورة اسلامية تفرضها العقيدة لأنها نقطة إشعاع ومركز الأمل الكبير للمسلمين في أحلك الظروف الظالمة التي سيمرّون بها، وقد أيّدت الظروف التي حلّت بالمسلمين بعد وفاته(صلي الله عليه وآله) هذه الأخبار السابقة لأوانها. إنّ هذا التمهيد النبوي الواسع قد بلغت نصوصه _ لدي الفريقين _ ما يزيد علي ال_ (500) نص حول حتمية ظهور المهدي(عليه السلام) وولادته وغيبته وظهوره وعلائم ظهوره وعدله وحكمه الإسلامي النموذجي. وقد سار علي درب الرسول(صلي الله عليه وآله) الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) خلال قرنين _ وعملوا علي تأكيد هذا الأصل وتأييده وإقراره في النفوس وجعله معلماً من معالم عقيدة المسلمين فضلاً عن الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم. وقد زرع هذا المبدأ ألغاماً تهدّد الظالمين بالخطر وتنذرهم بالفناء والقضاء عليهم وعلي خطّهم المنحرف، فهو مصدر اشعاع لعامة المسلمين كما أنه مصدر رعب للظالمين المتحكمين في رقاب المسلمين. ولو لم يصدر من أهل البيت(عليهم السلام) إلاّ التأكيد علي هذا المبدأ فقط _ وإن لم يمارسوا أي نشاط سياسي ملحوظ _ لكان هذا كافياً في نظر الحكّام للقضاء عليهم مادام هذا المبدأ يقضّ

مضاجعهم. ولكن اضطرارهم لمراعاة الرأي العام الإسلامي حال بينهم وبين ما يشتهونه ويخطّطونه ضد أهل البيت(عليهم السلام)، فكانت إرادة الله تفوق ارادتهم. غير أنهم لم يتركوا التخطيط للقضاء علي أهل بيت الرسول(صلي الله عليه وآله). فعن الحسين أشاعوا أنه قد خرج علي دين جدّه وهو الذي كان يطلب الاصلاح في اُمة جده. والإمام الكاظم(عليه السلام) _ ومن سبقه _ قد اتّهم بأنه يُجبي له الخراج وهو يخطط للثورة علي السلطان. والإمام الرضا والجواد(عليهما السلام) قد قضي عليهما بشكل ماكر وخبيث بالرغم من علم المأمون بأنه المتهم في اغتيال الرضا(عليه السلام)، والمعتصم قد وظّف ابنة المأمون لارتكاب جريمة الاغتيال. إذاً فقد كان التمهيد النبوي لقضية الإمام المهدي الإسلامية يشكّل نقطة أساسية ومعلماً لا يمكن تجاوزه، حرصاً علي مستقبل الاُمة الإسلامية التي قدّر لها أن تكون اُمة شاهدة واُمة وسطاً يفيء إليها الغالي ويرجع اليها التالي حتي ترفرف راية (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) علي ربوع الأرض ويظهر دينه الحق علي الدين كله ولو كره الكافرون. وقد ضحّي أهل البيت(عليهم السلام) لهذا المبدأ القرآني الذي بيّنه الرسول(صلي الله عليه وآله) واعتمده أهل البيت(عليهم السلام) كخط عام وعملوا علي تثبيته في نفوس المسلمين. ويشهد لذلك ما ألّفه العلماء من كتب الملاحم التي اهتمّت بقضية الإمام المهدي(عليه السلام) في القرنين الأول والثاني الهجريين بشكل ملفت للنظر. فالإمام المهدي(عليه السلام) قبل ولادته بأكثر من قرنين كان قد تلألأ اسمه وتناقلت الرواة أهدافه وخصائصه ونسبه وكل ما يمتّ الي ثورته الإسلامية بصلة. واستمر التبليغ لذلك طوال قرنين ونصف قرن من الزمن. والمسلمون يسمعون كل ذلك ويتناقلون نصوصه جيلاً بعد جيل بل يعكفون علي ضبطه والتأليف المستقل بشأنه. والمتيقّن أن

عصر الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام) ومن تلاهما من الأئمة(عليهم السلام) قد حفل بهذا التأكيد. فقد اُحصيت نصوص الإمام الصادق(عليه السلام) بشأن المهدي فناهزت ال_ (300) نصاً. واستمر التأكيد علي ذلك خلال العقود التي تلته. فماهي إفرازات هذا الواقع الذي ذكرناه من الناحيتين السياسية والاجتماعية؟ وماهي النتائج المتوقعة لمثل هذه القضية التي لابد من إقرارها في نفوس المسلمين؟ إن ما صرّح به الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) يميط اللثام عن سرّ هذه الظواهر التي تبدو غريبة للباحث فهو يفسّر السبب في تسرّع الحكّام للقضاء علي الأئمة(عليهم السلام) بعد الرضا(عليه السلام). كما يبيّن السرّ في اتّباع الحكّام لسياسة المأمون بلا استثناء وذلك بتشديد الرقابة علي كل تصرفات أهل البيت(عليهم السلام) واحصاء أنفاسهم عليهم وزرع العيون _ من النساء والرجال _ داخل بيوتهم. كما أننا يمكن أن نكتشف السّر في أن الأئمة بعد الإمام الصادق(عليه السلام) لماذا لم يولدوا من نساء هاشميات يُشار إليهنّ بالبنان؟ بل إنّهم قد ولدوا من إماء طاهرات عفيفات مصطفيات، فلم يكن هناك زواج رسميوعلني. وهذا يستلزم أن يكون الإمام المولود وجوده غير ملفت للنظر إلاّ للخواص والمعتمدين من أصحاب أهل البيت(عليهم السلام). وكان يقوم الإمام السابق بالتمهيد لإمامة من يخلفه من خلال طرح اسمه علي الساحة بالتدريج. ومن هنا لم ينتبه الحكام لذلك إلاّ بعد مدّة وربما كانت تفوت عليهم الفرص لاغتياله والقضاء عليه. ولهذا حين كان يشار إليه بالبنان وتتوجه إليه القلوب والنفوس كانت الدوائر الحاقدة تبدأ بالكيد له باستمرار. قال أيوب بن نوح، قلت للرضا(عليه السلام): نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وإن يردّه الله إليك من غير سيف فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب

وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلاّ اعتلّ ومات علي فراشه حتي يبعث الله عزّ وجل لهذا الأمر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ حتي خفي في نفسه [178] . فالإمام الكاظم والإمام الرضا(عليه السلام) قد استشهدا وهما في الخامسة والخمسين من عمرهما بينما الإمام الجواد(عليه السلام) قد استشهد وهو في الخامسة والعشرين من عمره من دون أن يكون كل واحد منهم قد اُصيب بمرض يوجب موته، بل كانوا أصحّاء بحيث كانت صحتهم وسلامتهم الجسمية مثاراً لاتّهام الحكّام الحاقدين عليهم. إذاً فالإمام الجواد(عليه السلام) بإمامته المبكّرة التي أصبحت حدثاً فريداً تتناقله الألسن _ سواء بين الأحبة أو الأعداء _ قد ضرب الرقم القياسي في القيادة الربّانية، وذكّر الاُمة بما كانت قد سمعته من إخبار القرآن الكريم بأن الله قد آتي كلاًّ من يحيي وعيسي الكتاب والحكم والنبوة في مرحلة الصبا. بل لمست ذلك بكل وجودها وهي تري طفلاً لم يتجاوز العقد الأوّل من عمره وإذا به يهيمن علي عقول وقلوب الاُلوف من المسلمين. وفي هذا نوع إعداد لإمامة من يليه من الأئمة(عليهم السلام) الذين يتولّون الإمامة وهم في مرحلة الصبا خلافاً لما اعتاده الناس في الحياة. وقد كانت إمامة ابنه الهادي(عليه السلام) ثاني مصداق لهذا الحدث الفريد الذي سوف لا يكون في تلك الغرابة بل سوف يعطي للخط الرسالي لأهل البيت(عليهم السلام) زخماً جديداً وفاعلية كبيرة; إذ يحظي أتباعهم بمثل هذه النماذج الفريدة من أئمة أهل البيت(عليهم السلام). والإمام المهدي(عليه السلام) الذي كان يتمّ التمهيد لولادته وإمامته رغم مراقبة الطغاة وترقّبهم لذلك، كان المصداق الثالث للإمامة المبكّرة، فلا غرابة في ذلك بعد استيناس الاُمة بنموذجين من هذا النوع من الإمامة، علي الصعيد الإسلامي العام

وعلي الصعيد الشيعي الخاص. من هنا كان الظرف الذي يحيط بالإمام الهادي(عليه السلام) والإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ظرفاً انتقالياً من مرحلة الإمامة الظاهرة الي الإمامة الغائبة التي يُراد لها أن تدبّر الأمر ومن وراء الستار ويراد للاُمة أن تنفتح علي هذا الإمام المنتظر وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف. فهو الظرف الوحيد لإعداد الاُمة لاستقبال الظرف الجديد. ولا سيّما إذا عرفنا أن الإمام الهادي(عليه السلام) هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسين(عليهم السلام)، والمهدي الموعود هو التاسع منهم. فهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطط له من زواج خاص لولده الحسن العسكري دون أي اعلان عن ذلك، فلا توجد إلاّ مسافة زمنية قصيرة جداً ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل. إذاً ما أقلّ الفرص المتاحة للإمام الهادي(عليه السلام) ومن بعده الحسن العسكري(عليه السلام) للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنه لابد له أن يجمع بين الدقة والحذر من جهة والابلاغ العام ليفوّت الفرص علي الحكّام ويعمّق للاُمة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين. ولا أقل من إتمام الحجة علي المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه. ومن هنا كان علي الإمام الهادي(عليه السلام) ومن بعده الحسن العسكري(عليه السلام) _ تحقيقاً للأهداف الكبري _ أن يتجنب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجّه له من قبل الحكّام المتربّصين له ولابنائه، من أجل أن يقوم بانجاز الدور المرتقب منه، وهو دور تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة المهدي(عليه السلام). ولهذا لم يُمهَل الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) سوي ست سنين فقط وهو أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) ; إذ دامت إمامة

الإمام علي(عليه السلام) ثلاثين سنة، والإمام الحسن السبط(عليه السلام) عشر سنين، والإمام الحسين(عليه السلام) عشرين سنة والإمام زين العابدين(عليه السلام) خمساً أو أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الباقر(عليه السلام) تسع عشرة سنة، والإمام الصادق(عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الكاظم(عليه السلام) خمساً وثلاثين سنة، والإمام الرضا(عليه السلام) عشرين سنة. والإمام الجواد(عليه السلام) رغم قصر عمره كانت إمامته سبع عشرة سنة. والإمام الهادي(عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنة. وتأتي في هذا السياق كل الاجراءات التي قام بها الإمام الهادي(عليه السلام) ومن بعده الحسن العسكري(عليه السلام) من الحضور الرتيب في دار الخلافة وما حظي به من مقام رفيع عند جميع الأصناف والطبقات بدءً بالاُمراء والوزراء وقادة الجيش والكتّاب وعامة المرتبطين بالبلاط. هذه هي أبرز الملامح العامّة للوضع السياسي الذي كان يحيط بالإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وما كان يتطلّبه هذا الوضع بشكل خاص. من أجل تحقيق الأهداف الكبري التي اُنيط تحقيقها بالأئمة(عليهم السلام) بشكل عام وبالإمام الحسن العسكري بشكل عام. وسوف نفصّل الحديث عن متطلبات عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ضمن فصلين: أحدهما يختصّ بمتطلّبات الساحة الإسلامية العامّة، وثانيهما يختصّ بمتطلبات الجماعة الصالحة التي اُنيطت بها مجموعة من المهامّ الرسالية التي خطّط الأئمة(عليهم السلام) لتحقيقها من خلال أسبابها وسبلها الصحيحة الي أرشد إليها القرآن الكريم.

الإمام العسكري ومتطلبات الساحة الإسلامية

اشاره

بعد أن اتّضح الجوّ العام الذي كان يحيط بالإمام الحسن العسكري(عليه السلام) والمهامّ الأساسية التي تنتظره وهو حلقة الوصل بين عصري الحضور والغيبة بكل ما يزخران به من خصائص وسمات، تأتي مهامّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) كالتالي:

الحكمة والدقة في التعامل مع الحكام

عرفنا ممّا سبق أن السلطة قد اتّخذت بالنسبة للإمام(عليه السلام) الإجراءات التالية: 1 _ التقريب من البلاط والتظاهر باكرام الإمام(عليه السلام). 2 _ المراقبة الشديدة والمستمرة لكل أحوال الإمام(عليه السلام). 3 _ الصّرامة في المواجهة إذا تطلّب الأمر ذلك مثل سجن الإمام(عليه السلام) أو مداهمة بيته أو اغتياله. وكان لابدّ للإمام(عليه السلام) أن يتعامل بحذر ودقّة مع السلطة إزاء هذه الإجراءات القاسية التي كانت تستهدف الكشف عن ابن الإمام العسكري أو تحول دون ولادته إن أمكن، وتستهدف قطع صلة الإمام بشيعته وأتباعه. وسوف نشير الي آليات ودقة تخطيط الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) والتي حالت دون انكشاف الإمام المهدي (عليه السلام) للسلطة. وكان الإمام(عليه السلام) يستفيد من الفرص التي تحصل له من خلال الوفود التي كانت تصل الي العاصمة وكان يتم له الارتباط باتباعه بأساليب ذكية شتي فكانت تصل اليه بعض الأموال او الاستفتاءات أو غير ذلك من الأخبار والقضايا التي تهمّ الإمام(عليه السلام). علي أنّ اتّساع دائرة الوكلاء للإمام(عليه السلام) كانت تقلّل من ضرورة الارتباط المباشر بالإمام(عليه السلام) وكانت سياسة الاحتجاب التي اتّخذها الإمام(عليه السلام) تعطي للسلطة اطمئناناً لمحدودية تحرك الإمام أو تُظهر لهم تجميده لنشاطه.

الرد علي الشبهات والدفاع عن حريم الرسالة

من أهم النشاطات التي بدرت للإمام الحسن العسكري(عليه السلام) في عصره هي الردّ الهادئ والحكيم لأكبر محاولة تخريبية كان الكندي _ وهو أحد فلاسفة المسلمين _ قد تصدّي لها، فإنّه كان قد جمع جملة من الآيات المتشابهة التي يبدو للناظر فيها انها تنطوي علي نوع من التناقض، وكان ينوي نشرها، وهذه المحاولة كانت تستهدف القرآن الكريم سند الرسالة والنبوة، ورمز الكيان الإسلامي الأوّل. لم يلتفت أحد الي مدي خطورة هذه المحاولة وتأثيرها السلبي علي غير المتخصصين وهم عامة

المسلمين، بالإضافة الي ما تعطيه هذه المحاولة من مستمسكات بيد أعداء الإسلام والمسلمين، غير أن الإمام(عليه السلام) قد اطّلع علي هذه المحاولة وأجهضها وهي في مهدها، حيث دخل أحد تلامذة الكندي علي الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) فقال له الإمام(عليه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال أبو محمد (عليه السلام): أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم. قال الإمام (عليه السلام): فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته علي ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها ; فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها؟ فإنه سيقول لك: إنّه من الجائز ; لأنه رجل يفهم إذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فيكون واضعاً لغير معانيه. ثمّ إن الرجل صار الي الكندي، ولمّا حصلت الأنسة ألقي عليه تلك المسألة فقال الكندي: أعد عليّ، فتفكّر في نفسه ورأي ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر. فقال _ الكندي _: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك؟ فقال تلميذه: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ ما مثلك من اهتدي إلي هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمّد العسكري (عليه السلام). فقال: الآن جئت به، ما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت، ثم دعا بالنار وأحرق ما كان

أ لّفه [179] . وهذا الموقف من الإمام (عليه السلام) له دلالة كبيرة علي رصد الإمام (عليه السلام) لكل النشاطات العلمية والفكرية التي من شأنها أن تمس الرسالة الإسلامية من قريب أو بعيد بالإضافة الي دورها الكبير في تنمية الحس الاعتقادي الصحيح وإبعاد الشيعة عن مواطن الشك والشبهة، وذلك اسلوب اتبعه الإمام (عليه السلام) تجاه الفرق والمذاهب، والانحرافات الفكرية بشكل عام; ليكون درساً لأصحابه وشيعته علي مرّ الأجيال والقرون. ثمّ إنّ حادثة الاستسقاء بالرهبان وتأثيرها السلبي علي جموع المسلمين لم يكن ليردّ عليها أحد سوي الإمام العسكري(عليه السلام)، وكانت السلطة قد عرفت هذا الموقع المتميّز للإمام(عليه السلام). فطلبت منه أن يتولّي مهمة الدفاع عن اُمة جدّه حين حصل لها الشك والارتياب. وقد أفلح الإمام(عليه السلام) _ كما عرفنا ذلك _ ورفع الشكوك والابهامات التي كانت تنعكس علي حقّانية الشريعة والكيان الإسلامي الذي يعمل باسم الشريعة الخاتمة، وبذلك أنقذ الإمام(عليه السلام) الاُمة الإسلامية والكيان الإسلامي من السقوط والانهيار.

مواجهة الفرق المنحرفة

اشاره

لقد اختلف المسلمون بعد الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) وافترقوا إلي فرقتين، فرقة اجتهدت مقابل النصوص الواردة عنه(صلي الله عليه وآله) واُخري التزمت النص ومنهجه في حياتها ومواقفها وسارت وفقاً له. ومع امتداد تاريخ الدولة الاسلامية تفرعت كل فرقة الي فروع وظهرت فرق متعددة، كالمرجئة، والمعتزلة، والخوارج التي نشأت بعد قضية التحكيم في وقعة صفين في عهد الحكم العلوي. وقد تصدي الأئمة الأطهار (عليهم السلام) آباء الحسن العسكري (عليه السلام) باعتبارهم حماة الرسالة والعقيدة الاسلامية للفرق الضالة في عصورهم فكان لكل امام مواقف خاصة مع كل فرقة من هذه الفرق التي كان يخشي من انحرافاتها علي الاُمة المسلمة. وإليك نموذجين من مواجهة الإمام(عليه السلام) للفرق المنحرفة

التي عاصرها في مدة إمامته:

الإمام الحسن العسكري والثنوية

والثنوية من الفرق التي كانت في عصر الإمام العسكري(عليه السلام)، وهم من أثبت مع القديم قديماً غيره، وهم المجوس يثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة [180] . وروي الشيخ الكليني(رضي الله عنه) عن اسحاق قال: أخبرني محمّد بن الربيع الشائي، قال: ناظرت رجلاً من الثنوية بالأهواز ثمّ قدمت (سرّ من رأي) وقد علق بقلبي شيء ممّا قاله، فإنّي لجالس علي باب أحمد بن الخصيب، إذ أقبل أبو محمد (عليه السلام) من دار العامّة يوم المركب، فنظر إليّ وأشار بسبّابته: أحد، أحد، فرد. فسقطت مغشيّاً عليَّ [181] . وكتب إليه أحد أصحابه يسأله الدعاء لوالديه، وكان الأب ثنويّاً والاُم مؤمنة فكتب (عليه السلام): رحم الله والدتك _ والتاء منقوطة من فوق _ [182] .

الإمام الحسن العسكري والصوفية

لقد أوضح الإمام الإمام العسكري (عليه السلام) فساد معتقدات الصوفية من خلال بيانه لآرائهم وأساليبهم في التعامل وعلاقاتهم مع الناس، ما يتحلون به من صفات وخصائص، ونلاحظ ذلك في حديث الإمام العسكري (عليه السلام) مع أبي هاشم الجعفري. حيث قال له الإمام (عليه السلام): ياأبا هاشم: سيأتي زمان علي الناس وجوههم ضاحكة، مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السُّنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر، اُمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون علي الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير ; لا يتميزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله علي وجه الأرض، لأنّهم يميلون إلي الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنّهم من أهل العدول والتحرف، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا، فان نالوا منصباً لم يشبعوا من الرثاء، وإن خذِلوا

عبدوا الله علي الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدعاة إلي نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه. ثم قال: ياأبا هاشم: هذا ما حدثني به أبي عن آبائه عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله [183] .

الدعوة الي دين الحق

لم يتوان الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) في دعوة الناس الي الهدي ودين الحق في كل الظروف والأحوال. والإمام الحسن العسكري(عليه السلام) شأنه شأن آبائه الكرام في الحرص علي هداية العباد وإخراجهم من الظلمات الي النور. ونجد في حياته(عليه السلام) نماذج تشير الي هذا النوع من النشاط. فعن محمد بن هارون أ نّه قال: أنفذني والدي مع بعض أصحاب أبي القلا صاعد النصراني لأسمع منه ما روي عن أبيه من حديث مولانا أبي محمّد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) فأوصلني إليه فرأيت رجلاً معظماً وأعلمته السبب في قصدي فأدناني وقال: حدثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة الي سرّ من رأي للظلامة من العامل،[فبينما هم]بسرّ من رأي في بعض الأيام يقول: إذا بمولانا أبي محمد(عليه السلام) علي بغلة، وعلي رأسه شاشة، وعلي كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدّعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الأمر علي هذا فيحوّل مقدّم الشاشة الي مؤخّرها، ففعل ذلك. فقلت: هذا اتفاق ولكنه سيحوّل طيلسانه الأيمن الي الأيسر والأيسر الي الأيمن ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إليّ وقال: يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عمّا لا أنت منه ولا إليه، وكنّا نأكل سمكاً. وأسلم صاعد بن مخلّد وكان وزيراً للمعتمد [184] . وعن ادريس بن زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً فخرجت الي

العسكر للقاء أبي محمد(عليه السلام) فقدمت وعليّ أثر السّفر ووعثاؤه فألقيت نفسي علي دكّان حمام فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمد(عليه السلام) قد قرعني بها حتي استيقظت فعرفته فقمت قائماً اُقبّل قدمه وفخذه وهو راكب والغلمان من حوله، فكان اوّل ما تلقّاني به أن قال: يا ادريس بل عباد مكرمون ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. فقلت: حسبي يا مولاي وإنّما جئت اسألك عن هذا. قال: فتركني ومضي [185] .

الإمام العسكري ومتطلبات الجماعة الصالحة

اشاره

تعتبر الجماعة الصالحة المحور الأهمّ الذي كان يشغل بال واهتمام أهل البيت(عليهم السلام) لأنها الاداة الوحيدة الصالحة لتحقيق الأهداف الرسالية الكبري، وهي الوسط الحقيقي الذي يفهم ثقافة أهل البيت(عليهم السلام) ورسالتهم ويستطيع التعاطي الإيجابي معهم وينقاد الي أوامرهم وتوجيهاتهم الرسالية. من هنا نجد أن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) يكثّف جهوده لفترة الانتقال من عصر الحضور الي عصر الغيبة; لخطورة المرحلة من شتي النواحي ولقصر الفترة الزمينة التي يعيشها الإمام(عليه السلام) وهو يري سرعة التقلّبات السياسية علي مستوي الحكّام والخلفاء، كما يري سوء تعاملهم جميعاً مع أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم من جهة، ورصدهم للإمام(عليه السلام) وكل تحركاته من جهة اُخري، وسعيهم الحثيث للبحث عن المهدي الموعود والمنتظر الذي بشّر الرسول(صلي الله عليه وآله) بأنه القائم بالقسط والعدل، والمقارع لكل رموز الظلم والعدوان. فمهمّة الإمام الحسن العسكري خطيرة جدّاً تجاه ولده المهدي كما هي خطيرة تجاه شيعته الذين سيُصابون بهذه الأزمة والمصيبة الجديدة التي لم يألفوها مع أئمتهم وهم يعيشون معهم وبين ظهرانيهم خلال قرنين ونصف قرن ويتلقّون التعاليم والتربية المباشرة منهم. إنّ الشعور بوجود إمام وقائد حي يرتبطون به ويرتبط بهم _ رغم صعوبة الظروف _ له آثاره النفسية الايجابية، بينما يكون

الشعور بوجود إمام لا يستطيعون الارتباط به ولا يدرون متي سيظهر لهم وينفّس عنهم كرباتهم ويجيبهم علي اسئلتهم يحمل معه آثاراً نفسية سلبية إلاّ إذا كانت الغيبة عندهم كالحضور، ويكون البديل قادراً علي تلبية حوائجهم وسدّ خللهم. إنّ هذه المهمة قد اشترك في انجازها أهل البيت(عليهم السلام) جميعاً غير أن دور الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) خطير للغاية وصعب جدّاً لشدّة المراقبة وشمولها بحيث كان الإمام(عليه السلام) يتعمّد الاحتجاب والانقطاع عن كثير من شيعته، ويشهد لذلك أن أغلب ما روي عنه كان بواسطة المكاتبة دون المشافهة بالرغم من أن الإمام(عليه السلام) طيلة ست سنوات كان يخرج الي البلاط كل اثنين وخميس، ولكنه لم يكن ليتكلم أو ليرتبط حتي بمن كان يقصده من مكان بعيد، إلاّ في حالات نادرة وبشكل خاص وهو يتحفّظ في ذلك من كثير ممّا يحيط به. علي هذا الأساس نصنّف البحث عن متطلبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) الي ما يلي: 1 _ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) والتمهيد لقضية الإمام المهدي(عليه السلام). 2 _ اعداد الجماعة الصالحة لعصر الغيبة. 3 _ نظام الوكلاء في عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام). 4 _ مدرسة الفقهاء والتمهيد لعصر الغيبة. 5 _ قيادة العلماء بالله الاُمناء علي حلاله حرامه. 6 _ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) والفرق الضالّة. 7 _ من وصايا الإمام العسكري(عليه السلام) وارشاداته لشيعته. 8 _ الإمام العسكري(عليه السلام) والتحصين الأمني.

الإمام الحسن العسكري والتمهيد لقضية الإمام المهدي

اشاره

إنّ أهم انجاز للإمام العسكري(عليه السلام) هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده المهدي(عليه السلام) من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت التمهيدات التي اتّخذها الإمام(عليه السلام) بفضل جهود آبائه السابقين (عليهم السلام)

وتحذيراتهم تنصب أوّلاً علي إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت الإمام(عليه السلام)، الي جانب إتمام الحجة به علي شيعته ومحبّيه وأوليائه. ففي مجال كتمان أمر الإمام المهدي(عليه السلام) عن عيون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل البيت(عليهم السلام) الي أنه ابن سيدة الإماء [186] وأنه الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه. وفي هذه النصوص ثلاث إرشادات أساسية تحقق هذا الكتمان، أوّلها أنّ اُمّه أمة وهي سيدة الإماء وقد مهّد الإمام الهادي(عليه السلام) لهذه المهمة باختيار زوجة من سبايا الروم للإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ولم تكن للزواج أية مراسم ولا أية علامة بل كل ما تحقق قد تحقق بعيداً عن أعين كثير من المقرّبين. وقد خفيت الولادة حتي علي أقرب القريبين من الإمام، فإنّ عمّة الإمام(عليه السلام) لم تتعرّف علي حمل اُم الإمام المهدي(عليه السلام) فضلاً عن غيرها، ومن هنا كانت الولادة في ظروف سرّية جداً وبعد منتصف الليل، وعند طلوع الفجر وهو وقت لا يستيقظ فيه إلاّ الخواص من المؤمنين فضلاً عن غيرهم. وقد خطّط الإمام العسكري(عليه السلام) ليبقي الإمام المهدي(عليه السلام) بعيداً عن الأنظار كما ولد خفية ولم يطلع عليه إلاّ الخواص أو أخصّ الخواص من شيعته. وأما كيفية إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية علي شيعته فقد تحقّقت ضمن خطوات ومراحل دقيقة. الخطوة الاُولي: النصوص التي جاءت عن الإمام العسكري(عليه السلام) قبل ولادة المهدي(عليه السلام) تبشيراً بولادته. الخطوة الثانية: الإشهاد علي الولادة. الخطوة الثالثة: الاخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكل خاص من دون رؤية الإمام(عليه السلام). الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤية شخص المهدي(عليه السلام). الخطوة الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهدي(عليه السلام)

خلال خمس سنوات من قبل بعض خواصّ الشيعة والارتباط به عن كثب وتكليفه مسؤولية الإجابة علي اسئلة شيعته المختلفة وإخباره عمّا في ضميرهم وهو في المهد أو في دور الصبا من دون أن يتلكّأ في ذلك. وهذا خير دليل علي إمامته وانه حجة الله الموعود والمنتظر. الخطوة السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهدي(عليه السلام) بواسطة وكلاء الإمام العسكري(عليه السلام) الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهدي(عليه السلام) بنفس الاُسلوب الذي كان معلوماً لدي الشيعة حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام). الخطوة السابعة: البيانات والأحاديث التي أفصحت للشيعة عمّا سيجري لهم ولإمامهم الغائب في المستقبل وما ينبغي لهم أن يقوموا به. ومن هنا نفهم السرّ في كثرة هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها الي نصوص الإمام الهادي(عليه السلام) حول حفيده المهدي(عليه السلام) ولاحظنا قصر الفترة الزمنية التي كانت باختيار الإمام العسكري وهي لا تتجاوز الست سنوات بينما كانت إمامة الهادي(عليه السلام) تناهز ال_ (34) سنة ممّا يعني أنها كانت ستة أضعاف مدة امامة ابنه العسكري(عليه السلام).

الخطوة (1)

لقد جاءت النصوص المبشّرة بولادة المهدي(عليه السلام) عن أبيه الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) تالية لنصوص الإمام الهادي(عليه السلام) التي ركّزت علي أنه حفيد الهادي(عليه السلام) وأنّه ابن الحسن العسكري(عليه السلام) وانّ الناس سوف لا يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه، وأنه الذي يقول الناس عنه أنه لم يولد بعد، وأنّه الذي يغيب عنهم ويرفع من بين أظهرهم وأنه الذي ستختلف شيعته الي أن يقوم، وعلي الشيعة أن تلتفّ حول العلماء الذين ينوبون عنه وينتظرون قيامه ودولته ويتمسّكون بأهل البيت(عليهم السلام) ويظهرون لهم الولاء بالدعاء والزيارة وانه الذي سيكون إماماً وهو ابن خمس سنين

[187] . وإليك جملة من هذه النصوص المبشّرة بولادته: 1 _ روي الصدوق عن الكليني انّ جارية أبي محمد(عليه السلام) لمّا حملت قال لها: ستحملين ذكراً واسمه محمّد وهو القائم من بعدي [188] . 2 _ روي في اثبات الهداة عن الفضل بن شاذان أن محمد بن عبدالجبار سأل الإمام الحسن عن الإمام والحجة من بعده فأجابه: «إنّ الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) وكنيّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه. فسأله ممّن هو؟ فقال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم، إلاّ أنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر [189] . 3 _ روي الطوسي أن جماعة من شيعة الإمام الحسن العسكري وفدوا عليه بسرّ من رأي فعرّفهم علي وكيله وثقته عثمان بن سعيد العمري ثم قال لهم: واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وانّ ابنه محمّداً وكيل ابني مهديّكم [190] . 4 _ وعن عيسي بن صبيح أنه حين كان في الحبس دخل عليه الإمام الحسن العسكري فقال له:لك خمس وستون سنة وشهر ويومان، وكان معه كتاب دعاء فيه تاريخ مولده ففتحه ونظر فيه واكتشف صدق الإمام ودقة خبره، ثم قال له الإمام(عليه السلام): هل رزقت ولداً؟ فأجابه بالنفي فدعا له الإمام(عليه السلام) قائلاً: اللهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً فنعم العضد الولد ثم تمثل(عليه السلام): من كان ذا عضد يُدرك ظلامته إن الذليل الذي ليست له عضد ثم سأل الإمام عمّا إذا كان له ولد فأجابه الإمام(عليه السلام) قائلاً: إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأمّا الآن فلا [191] .

الخطوة (2)

لقد قام الإمام الحسن(عليه السلام) بالإشهاد علي الولادة

فضلاً عن إخباره وإقراره بولادته وذلك إتماماً للحجّة بالرغم من حراجة الظروف وضرورة الكتمان التام عن أعين الجواسيس الذين كانوا يرصدون دار الإمام وجواريه قبل الولادة وبعدها. إن السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد واُخت الإمام الهادي وعمّة الإمام الحسن العسكري(عليهم السلام) قد تولّت أمر نرجس اُم الإمام المهدي(عليه السلام) في ساعة الولادة [192] . وصرّحت بمشاهدة الإمام المهدي بعد مولده [193] وصرّح الإمام العسكري(عليه السلام) بأنها قد غسّلته [194] وساعدتها بعض النسوة مثل جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها الي الإمام العسكري(عليه السلام) ومارية ونسيم خادمة الإمام العسكري [195] .

الخطوة (3)

وتمثّلت هذه الخطوة بإخبار الإمام(عليه السلام) شيعته بأنّ المهدي المنتظر(عليه السلام) قد وُلد، وحاول نشر هذا الخبر بين شيعته بكلّ تحفّظ. ولدينا ثمانية عشر حديثاً يتضمّن كلّ منها سعي الإمام(عليه السلام) لنشر خبر الولادة بين شيعته وأوليائه، وهي ما بين صريح وغير صريح قد اكتفي فيه الإمام(عليه السلام) بالتلميح حسب ما يقتضيه الحال. فمنها الخبر الذي صرّح فيه الإمام الحسن(عليه السلام) بعلّتين لوضع بني العباس سيوفهم علي أهل البيت(عليهم السلام) واغتيالهم من دون أن يكونوا قد تصدّوا للثورة العلنية عليهم حيث جاء فيه: فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله(صلي الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الي منع تولّد القائم أو قتله، فأبي الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون» [196] . وقد تضمّن هذا الحديث الإخبار بولادته خفيةً ليتم الله نوره. ومنها ما حدّث به سعد بن عبدالله عن موسي بن جعفر بن وهب البغدادي أنه خرج توقيع من أبي محمد(عليه السلام) جاء فيه: «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد

كذّب الله عزّ وجل قولهم والحمدلله» [197] . وحين قتل الزبيري قال الإمام(عليه السلام) في توقيع خرج عنه: «هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عَقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟!» [198] . وعن أحمد بن إسحاق بن سعد أنه قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) يقول: «الحمدلله الذي لم يخرجني من الدنيا حتي أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله(صلي الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالي في غيبته ثم يُظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً» [199] . وعن أحمد بن الحسن بن اسحاق القمي قال: لمّا ولد الخلف الصالح(عليه السلام) ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي الي جديّ أحمد بن اسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده(عليه السلام) الذي كانت ترد به التوقيعات عليه وفيه: «ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته...» [200] . وفي سنة سبع وخمسين ومائتين خرج عيسي بن مهدي الجوهري مع جماعة الي سامراء بعد أن كانوا قد زاروا قبر الحسين(عليه السلام) بكربلاء وقبر أبي الحسن وأبي جعفر الجواد في بغداد وبشّرهم اخوانهم المجاورون لأبي الحسن وأبي محمد(عليهما السلام) في سرّ من رأي بولادة المهدي(عليه السلام)، فدخلوا علي أبي محمد(عليه السلام) للتهنئة، وأجهروا بالبكاء بين يديه قبل التهنئة وهم نيّف وسبعون رجلاً من أهل السواد فقال لهم الإمام(عليه السلام) _ من جملة ما قال: _ «انّ البكاء من السرور من نعم الله مثل الشكر لها... ثم أراد عيسي بن مهدي الجوهري أن يتكلم فبادرهم الإمام(عليه السلام) قبل أن يتكلّموا،

فقال: فيكم من أضمر مسألتي عن ولدي المهدي(عليه السلام) وأين هو؟ وقد استودعته الله كما استودعت اُم موسي موسي(عليه السلام)... فقالت طائفة: اي والله يا سيّدنا لقد كانت هذه المسألة في أنفسنا» [201] . وقد أمر الإمام(عليه السلام) بعض وكلائه بأن يعقّوا عن ولده المهدي(عليه السلام) ويطعموا شيعته، والعقيقة له إخبار ضمني بولادته(عليه السلام). بل جاء التصريح في بعضها بالولادة حيث كتب لبعضهم ما نصّه: «عقّ هذين الكبشين عن مولاك وكل هنّأك الله وأطعم إخوانك...» [202] .

الخطوة (4)

وتمثّلت في الاشهاد علي ولادة الإمام المهدي(عليه السلام) ووجوده وحياته. فعن أبي غانم الخادم أنه ولد لأبي محمد ولد فسمّاه محمّداً فعرضه علي أصحابه يوم الثالث -وقال: «هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً فملأها قِسطاً وعدلا» [203] . وعن عمرو الأهوازي أن أبا محمّد أراه ابنه وقال: «هذا صاحبكم من بعدي» [204] . وعن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيّوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري(رضي الله عنه) أنهم قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً فسئل عن الحجة من بعده فخرج عليهم غلام أشبه الناس به فقال: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا» [205] قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيام قلائل حتي مضي أبو محمد(عليه السلام).

الخطوة (5)

وهي إجابات الإمام المهدي(عليه السلام) علي اسئلة شيعته في حياة أبيه حيث تكشف عن قابلياته الرّبانية التي يختص بها أولياء الله. وممّا حدّث به أحمد بن اسحاق حين سأل الإمام الحسن العسكري عن علامة يطمئن إليها قلبه حول إمامة المهدي(عليه السلام) حين اراه إيّاه وقد كان غلاماً كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين..: أن الغلام نطق بلسان عربيّ فصيح فقال: «أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد ابن اسحاق» [206] . وقد حفلت مصادر الحديث الإمامي بكرامات الإمام المهدي(عليه السلام) مع سعد بن عبدالله القمي العالم الإمامي الذي كان قد احتار في أجوبة مسائل عويصة قد اُلقيت عليه حتي

لحق بأحمد بن اسحاق صاحب أبي محمد الحسن العسكري(عليه السلام) وذهبا معاً الي الإمام العسكري(عليه السلام) ودخلا عليه وابنه محمد المهدي(عليه السلام) بين يديه وأمره بإخبار أحمد بن اسحاق بهدايا شيعته التي جاء بها ثم اُخبر سعد بن عبدالله بما كان قد جاء له من المسائل العويصة التي أشكلت عليه [207] . وهكذا كراماته لابراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري حين أخبره عمّا في ضميره [208] .

الخطوة (6)

وهي تخطيطه(عليه السلام) لتسهيل الارتباط بالإمام المهدي(عليه السلام) في غيبته الصغري من خلال اعتماده وكلاء قد وثّقهم لدي شيعته فأصبحوا حلقة وصل مأمونة بين الإمام المهدي(عليه السلام) واتباعه من دون أن يتجشّموا الأخطار والصعاب لذلك. فقد حدّث محمد بن اسماعيل وعلي بن عبدالله الحسنيان أنّهما دخلا علي أبي محمد الحسن(عليه السلام) بسرّ من رأي وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتي دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: «هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن..»ثم ساق حديثاً طويلاً حتي انتهي الحديث الي أن الحسن(عليه السلام) قال لبدر: فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلاّ يسيراً حتي دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد(عليه السلام): إمض يا عثمان فإنّك الوكيل والثقة والمأمون علي مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال، ثم ساق الحديث الي أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيّدنا والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنّه وكيلك وثقتك علي مال الله تعالي، قال: نعم واشهدوا عليّ انّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديّكم [209] . وقد كان عثمان بن سعيد الوكيل الأوّل للإمام المهدي(عليه السلام)

بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ثم أصبح محمّد بن عثمان وكيله الثاني كما هو المعروف في ترتيب النواب الأربعة للإمام المهدي (عليه السلام).

الخطوة (7)

وتمثّلت في النصوص التي هيّأت أتباع أهل البيت(عليهم السلام) لاستقبال الوضع الجديد الذي سيحلّ بهم عند غيبة الإمام المهدي(عليه السلام) لئلاّ يفاجأوا باُمور لا يعرفون كيفية التعامل معها مثل ما يحصل بعد الغيبة من الحيرة والاختلاف بين الشيعة، وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات علي الايمان والدعاء للإمام (عليه السلام) ولتعجيل فرجه الشريف. وتكفي هذه الخطوات السبعة للتمهيد اللازم لتصبح قضية الإمام المهدي(عليه السلام) قضية واقعية تعيشها الجماعة الصالحة بكل وجودها رغم الظروف الحرجة التي كانت تكتنف الإمام المهدي(عليه السلام).

الإعداد لعصر الغيبة

انتهينا في البحث السابق عن معرفة كيفية طرح الإمام لقضية ولادة الإمام المهدي(عليه السلام) وإمامته وأنه الخلف الصالح الذي وعد الله به الاُمم أن يجمع به الكلم في أصعب الظروف التي كانت تكتنف ولادة الإمام(عليه السلام)، وقد لاحظنا مدي انسجام تلك الاجراءات التي اتّخذها الإمام العسكري(عليه السلام) في هذا الصدد مع الظروف المحيطة بهما. غير أن النقطة الاُخري التي تتلوها في الأهمية هي مهمة اعداد الاُمة المؤمنة بالإمام المهدي(عليه السلام) لتقبّل هذه الغيبة التي تتضمّن انفصال الاُمة عن الإمام بحسب الظاهر وعدم امكان ارتباطها به وإحساسها بالضياع والحرمان من أهم عنصر كانت تعتمد عليه وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية والاجتماعية، فقد كان الإمام حصناً منيعاً يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية والمادية في كثير من الأحيان. فهنا صدمة نفسية وايمانية بالرغم من أن الإيمان بالغيب يشكّل عنصراً من عناصر الإيمان المصطلح، لأنّ المؤمنين كانوا قد اعتادوا علي الارتباط المباشر بالإمام(عليه السلام) ولو في السجن أو من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسّون بتفاعله معهم، والآن يُراد لهم أن يبقي هذا الإيمان بالإمام حيّاً وفاعلاً وقويّاً بينما

لا يجدون الإمام في متناول أيديهم وقريباً منهم بحيث يستطيعون الارتباط به متي شاءوا. إنّ هذه لصدمة يحتاج رأبها الي بذل جهد مضاعف لتخفيف آثارها وتذليل عقباتها. وقد مارس الإمام العسكري تبعاً للإمام الهادي(عليهما السلام) نوعين من الإعداد لتذليل هذه العقبة ولكن بجهد مضاعف وفي وقت قصير جدّاً. الأوّل: الإعداد الفكري والذهني. الثاني: الإعداد النفسي والروحي. أما الإعداد الفكري فقد قام الإمام تبعاً لآبائه(عليهم السلام) باستعراض فكرة الغيبة علي مدي التاريخ وطبّقها علي ولده الإمام المهدي(عليه السلام) وطالبهم بالثبات علي الايمان باعتباره يتضمن عنصر الايمان بالغيب وشجّع شيعته علي الثبات والصبر وانتظار الفرج وبيّن لهم طبيعة هذه المرحلة ومستلزماتها وما سوف يتحقق فيها من امتحانات عسيرة يتمخّض عنها تبلور الايمان والصبر والتقوي التي هي قوام الإنسان المؤمن برّبه وبدينه وبإمامه الذي يريد أن يحمل معه السلاح ليجاهد بين يديه. فقد حدّث أبو علي بن همّام قائلاً: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه(عليهم السلام): إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه الي يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال(عليه السلام): «إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق»، فقيل له: ياابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي. من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر الي الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة» [210] . وحدّث موسي بن جعفر بن وهب البغدادي فقال: سمعت أبا

محمد الحسن(عليه السلام) يقول: «كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما إن المقرّ بالأئمة بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوّة رسول الله(صلي الله عليه وآله)، والمنكر لرسول الله(صلي الله عليه وآله) كمن أنكر جميع الأنبياء، لأن طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه الله عزّ وجل» [211] . وحدّث الحسن بن محمد بن صالح البزّاز قائلاً: سمعت الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) يقول: «إنّ ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يُجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتي تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت علي القول به إلاّ من كتب الله عزّ وجلّ في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه» [212] . الي غيرها من الأحاديث والأدعية التي تضمّنت بيان فكرة الغيبة وضرورة تحققها وضرورة الإيمان بها والصبر فيها والثبات علي الطريق الحق مهما كانت الظروف صعبة وعسيرة. وأما الإعداد النفسي والروحي فقد مارسه الإمام(عليه السلام) منذ زمن أبيه الهادي(عليه السلام) فقد مارس الإمام الهادي(عليه السلام) سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط بشيعته إعداداً للوضع المستقبلي الذي كانوا يستشرفونه وكان يُهيئهم له، كما انّه قد مارس عملية حجب الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) عن شيعته فلم يعرفه كثير من الناس وحتي شيعته إلاّ بعد وفاة أخيه محمد حيث أخذ يهتمّ باتمام الحجة علي شيعته بالنسبة لإمامة الحسن من بعده واستمر الإمام الحسن(عليه السلام) في سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط لضرورة تعويد الشيعة علي عدم الارتباط المباشر بالإمام ليألفوا الوضع الجديد ولا يشكّل صدمة نفسية لهم، فضلاً عن ان الظروف الخاصة بالإمام العسكري(عليه السلام) كانت تفرض عليه

تقليل الارتباط حفظاً له ولشيعته من الانكشاف أمام أعين الرقباء الذين زرعتهم السلطة هنا وهناك ليراقبوا نشاط الإمام وارتباطاته مع شيعته. وقد عوّض الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) الاضرار الحاصلة من تقليل الارتباط المباشر بأمرين: أحدهما: بإصدار البيانات والتوقيعات بشكل مكتوب الي حدٍّ يغطي الحاجات والمراجعات التي كانت تصل الي الإمام(عليه السلام) بشكل مكتوب. واكثر الروايات عن الإمام العسكري(عليه السلام) هي مكاتباته مع الرواة والشيعة الذين كانوا يرتبطون به من خلال هذه المكاتبات. ثانيهما: بالأمر بالارتباط بالإمام(عليه السلام) من خلال وكلائه الذين كان قد عيّنهم لشيعته في مختلف مناطق تواجد شيعته. فكانوا حلقة وصل قوية ومناسبة ويشكّلون عاملاً نفسيّاً ليشعر اتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه. فكان هذا الارتباط غير المباشر كافياً لتقليل أثر الصدمة النفسية التي تحدثها الغيبة لشيعة الإمام(عليه السلام). وهكذا تمّ الإعداد الخاص من قبل الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) لشيعته ليستقبلوا عصر الغيبة بصدر رحب واستعداد يتلائم مع مقتضيات الايمان بالله وبرسوله وبالأئمة وبقضية الإمام المهدي(عليه السلام) العالمية والتي تشكّل الطريق الوحيد لإنقاذ المجتمع الإنساني من أوحال الجاهلية في هذه الحياة.

نظام الوكلاء في عصر الإمام الحسن العسكري

إنّ نظام الوكلاء قد أسّسه الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) حين اتّسعت الرقعة الجغرافية للقاعدة الموالية لأهل البيت(عليهم السلام). وقد اختار الأئمة من بين أصحابهم وثقاتهم من أوكلوا إليه جملة من المهام التي لها علاقة بالإمام(عليه السلام) مثل قبض الأموال وتلقي الأسئلة والاستفتاءات وتوزيع الأموال علي مستحقّيها بأمر الإمام(عليه السلام). وبالإضافة الي مهمة الارشاد وبيان الأحكام كان الوكيل يقوم بتخفيف العبء عن الإمام وشيعته في ظروف تشديد الرقابة علي الإمام(عليه السلام) من قبل السلطة، كما كان يتولّي مهمة بيان مواقف الإمام السياسية حين لا

يكون من المصلحة أن يتولّي الإمام بنفسه بيان مواقفه بشكل صريح ومباشر. إنّ نظام الوكلاء يعتبر حلقة الوصل والمؤسسة الوسيطة بين الإمام وأتباعه في حال حضور الإمام(عليه السلام) ولا سيّما عند صعوبة الارتباط به. كما أنه أصبح البديل الوحيد للارتباط بالإمام(عليه السلام) في دور الغيبة الصغري. وحيث إنّ الأئمة(عليهم السلام) كانوا يعلمون ويتوقّعون الوضع المستقبلي للإمام المهدي(عليه السلام) كما أخبرت بذلك نصوص النبي(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، كان الخيار الوحيد للإمام المعصوم في عصر الغيبة الصغري أن يعتمد علي مثل هذه المؤسسة الواسعة الأطراف والمهامّ، ومن هنا كان الاعتماد علي الثقات من جهة وتعويد الاتباع للارتباط بالإمام(عليه السلام) من خلال وكلائه امراً لابد منه، وهذا الامر يحتاج الي سياسة تعتمد السنن الاجتماعية وتأخذها بنظر الاعتبار، ولا يمكن لمثل هذه المؤسسة البديلة أن تستحدث في أيام الغيبة الصغري بل لابد من التمهيد لذلك بانشائها وإثبات جدارتها تأريخياً من خلال مراجعة الوكلاء والتثبت من جدارتهم وتجذّر هذه المؤسسة في الوسط الشيعي ليكون هذا البديل قادراً علي تلبية الحاجات الواقعية لأبناء الطائفة، ولئلا تكون صدمة الغيبة فاعلة وقوية. ومن هنا كان يتسع نشاط هذه المؤسسة ويصبح دورها مهماً كلّما اشتدت الظروف المحيطة بالإمام المعصوم(عليه السلام) وكلّما اقترب الأئمة من عصر الغيبة. وعلي هذا يتّضح أن عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) الذي كان يشكّل نقطة الانتقال المهمّة والجوهرية من عصر الحضور الي عصر الغيبة كان يستدعي الاعتماد الكبير علي الوكلاء ويستدعي إحكام نظامهم وكثرة مهامّهم واتّساع دائرة نشاطهم وتواجدهم اتّساعاً يمهّد للانتقال بأتباع أهل البيت(عليهم السلام) الي دور الغيبة التي ينقطعون فيها عن إمامهم وقيادتهم المعصومة. إنّ مقارنة عدد وكلاء الإمام العسكري(عليه السلام) بوكلاء الإمام الهادي(عليه

السلام) ومناطق تواجد هؤلاء الوكلاء والمسؤوليات الملقاة عليهم وكيفية الارتباط فيما بينهم تشهد علي تميّز الدور الكبير للوكلاء في هذه الفترة القصيرة جدّاً وهي ستّ سنوات، كما أن استقرار الوكلاء في مناصبهم واعتماد الإمام(عليه السلام) عليهم وبيان ذلك لأتباعه قد حقق الهدف المرتقب من نظام الوكلاء في مجال تسهيل الانتقال الي عصر الغيبة بأقلّ ما يمكن من الاخطار والتبعات. علي أن انحراف بعض الوكلاء _ طمعاً أو حسداً _ وكشف انحرافهم من قبل الإمام(عليه السلام) وحذفهم وإخبار الأتباع بانحرافهم في أول فرصة ممكنة دليل علي مدي حرص الإمام(عليه السلام) علي سلامة عناصر هذا الجهاز الخطير في دوره ومهامّه الرسالية، وهو دليل علي المراقبة المستمرة من الإمام(عليه السلام) لهم ومدي متابعته لأوضاعهم ونشاطاتهم. وإليك قائمة بأسماء بعض وكلاء الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): 1 _ إبراهيم بن عبدة النيسابوري من أصحاب العسكريين(عليهما السلام)، كان وكيلاً له في نيسابور.. 2 _ أيوب بن نوح بن درّاج النخعي كان وكيلاً للعسكريين(عليهما السلام). 3 _ أيوب بن الباب، أنفذه من العراق وكيلاً الي نيسابور. 4 _ أحمد بن اسحاق الرازي. 5 _ أحمد بن اسحاق القمي الأشعري كان وكيلاً له بقم. 6 _ جعفر بن سهيل الصيقل. 7 _ حفص بن عمرو العمري الجمّال. 8 _ عثمان بن سعيد العمري السمّان (الزيّات) وهو أوّل السفراء الأربعة. 9 _ علي بن جعفر الهمّاني من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد(عليهما السلام). 10 _ القاسم بن العلاء الهمداني من وكلائه ووكلاء ابنه الإمام المهدي(عليه السلام). 11 _ محمّد بن أحمد بن جعفر (الجعفري) القمي العطّار. 12 _ محمّد بن صالح بن محمد الهمداني. 13 _ محمد بن عثمان بن سعيد العمري. 14 _

عروة بن يحيي البغدادي النخّاس المعروف بالدهقان كان من وكلائه في بغداد ثم انحرف وضلّ وأخذ يكذب علي الإمام ويقتطع الأموال لنفسه وأحرق بيت المال الذي سُلّم إليه من بعد ابن راشد وتبرّأ منه الإمام ولعنه وأمر شيعته بلعنه ودعا عليه حتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر [213] .

مدرسة الفقهاء والتمهيد لعصر الغيبة

أكمل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الخط الذي أسّسه آباؤه الطاهرون وهو انشاء جماعة صالحة تمثل خط أهل البيت الفكري والعقائدي والأخلاقي والسلوكي وقد اهتمّ الإمامان محمّد الباقر وجعفر الصادق(عليهما السلام) بشكل خاص بإعداد وتربية مجموعة من الرواة والفقهاء فتمثّلت فيهم مدرسة علمية استوفت في عهد الإمام العسكري (عليه السلام) كل متطلبات المدرسة العلمية من حيث المنهج والمصدر والمادة ممهدة به لعصر الغيبة الصغري [214] . وقد أيّد الإمام العسكري (عليه السلام) جملة من الكتب الفقهية والاصول الروائية التي جمعت في عصره أو قبل عصره وأيّد اصحابها وشكر لهم مساعيهم وبذلك يكون قد أعطي للمدرسة الفقهية تركيزاً واهتماماً يشير إلي أنّ الخط الفقهائي هو الخط المستقبلي الذي يجب علي القاعدة الشيعية أن تسير عليه [215] . وكان من منتسبي هذه المدرسة أساتذة وطلاباً في عهد أبناء الرضا (عليه السلام) مجموعة قد أورد الشيخ المجلسي (رضي الله عنه) في موسوعته أسماءهم [216] . وقد اُحصيت أسماء أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ورواة حديثه فبلغت 213 محدثاً وراوياً [217] . وإليك بعض ثقاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وأصحابه: _ علي بن جعفر الهماني. _ أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري. _ داود بن أبي يزيد النيسابوري. _ محمد بن علي بن بلال. _ عبد بن جعفر الحميري القمي. _ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري

الزيّات والسمّان. _ اسحاق بن الربيع الكوفي. _ أبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي. _ إبراهيم بن عبيد الله بن ابراهيم النيسابوري. _ محمد بن الحسن الصفار. _ عبدوس العطار. _ سري بن سلامة النيسابوري. _ أبو طالب الحسن بن جعفر. _ أبو البختري. _ الحسين بن روح النوبختي. ومع ملاحظة حراجة الظروف المحيطة بالإمام العسكري وقصر الفترة التي عاشها إماماً ومرجعاً للاُمة والشيعة فانَّ هذه النسبة من الرواة تشكل رقماً قياسيّاً طبعاً. وكان لمحمد بن الحسن بن فروّخ الصفّار المتوفي سنة (290ه_) مجموعة من المؤلفات تقارب الأربعين مؤلفاً، وقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) وقال: «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتب بها إلي أبي محمد الحسن بن علي العسكري» [218] . وقد تضمنت كتبه مختلف أبواب الأحكام كالصلاة والوضوء والعتق والدعاء والزهد والخمس والزكاة والشهادات، والتجارات، والجهاد وكتاب حول فضل القرآن الكريم وبلغت كتبه _ علي ما أحصاه الاستاذ الفضلي _ خمسة وثلاثين كتاباً [219] . وقد اتّسم عهد الأئمة من أبناء الرضا (عليه السلام) وهم _ الجواد والهادي والعسكري(عليهم السلام) _ باتّساع رقعة انتشار التشيّع، وكثرة العلماء والدعاة الي مذهب أهل البيت، واكتمال معالم وأبعاد مدرستهم الفقهية في المنهج والمادة معاً. ويتلخّص المنهج الذي سارت عليه مدرسة الفقهاء الرواة عن أهل البيت(عليهم السلام) في نقاط جوهرية وأساسية تميّزها عمّا سواها من المدارس الفقهية وهي: 1 _ اعتماد الكتاب والسنّة فقط مصدراً أساسياً للتشريع الاسلامي. 2 _ ضرورة الرجوع في تعلّم العلوم الشرعية وأخذ الفتوي إلي الإمام المعصوم إن أمكن. 3 _ لزوم الرجوع إلي الفقهاء الثقاة

حيث يتعسّر الرجوع الي الإمام المعصوم. 4 _ الإفتاء بنصّ الرواية أو بتطبيق القاعدة المستخلصة من الرواية [220] . وبهذا وفّرت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) _ خلال قرنين ونصف قرن علي الرغم من قساوة الظروف وبالرغم من افتتاح عدة جبهات للمعارضة مع الحكم القائم _ كل متطلبات إحياء الشريعة الاسلامية وديمومتها واستمرارها حتي في عصر الغيبة. وهيّأت للمسلمين عامة ولشيعة أهل البيت خاصّة كل مقدّمات الاستقلال الفكري والسياسي والاقتصادي والثقافي وأعطتهم الزخم اللازم لاستمرار المواجهة مع الباطل الذي يترصّد الحق في كل زمان ومكان.

قيادة العلماء الاُمناء علي حلاله وحرامه

إن مرجعية العلماء وقيادتهم للشيعة بعد الغيبة الكبري التي ابتدأت عام (329 ه_) بوفاة الوكيل الرابع [221] للإمام المهدي (عليه السلام) كانت تأسيساً حيويّاً من قبل الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وبأمر من الله ورسوله، فهم الذين أمروا الشيعة بالرجوع إلي العلماء الفقهاء الذين تربّوا في مدرستهم الرسالية لأخذ معالم دينهم عنهم، وهذا المفهوم قد أعطاه الإمام الصادق (عليه السلام) صبغته التشريعية بقوله (عليه السلام): «ينظر من كان منكم ممن قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فانما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ علي الله وهو علي حدّ الشرك بالله» [222] . وقد استمرّ الأئمة(عليهم السلام) علي هذا النهج وقاموا لتحقيق هذه المهمّة بتربية الفقهاء الاُمناء علي المنهج العلمي السليم الذي رسموا معالمه وتفاصيله بالتدريج، وتواصلت جهودهم رغم كل الظروف العصيبة بعد عصر الإمام الصادق(عليه السلام). ثم كان للخطوات التي اتخذها الإمام الهادي (عليه السلام) الدور البارز في إعطاء الصيغة الاجتماعية الكاملة لمرجعية العلماء، فقد قال (عليه السلام): لولا من يبقي

بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء شيعتنا كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، اُولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل [223] . إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة ارجاع الاُمّة الي الفقهاء العدول هو: «أن الأجيال المسلمة تحتاج باستمرار الي المرشد والموجه والمفكّر المُدَّبر كي يعطيهم تعاليم دينهم ويرتفع بمستوي إيمانهم وعقيدتهم ويشرح لهم اسلامهم ويوجههم في سلوكهم الي العدل والصلاح ورضا الله عزوجل» [224] . ووفقاً لذلك كان ما اتخذه الإمام العسكري (عليه السلام) من مواقف ايجابية بالنسبة للعلماء ورواة الحديث الثقاة المأمونين علي حلال الله وحرامه وإرجاع شيعته اليهم يعتبر تمهيداً اساسيّاً لعصر الغيبة، وتأكيداً لفكرة المرجعية الشاملة الي جانب نظام الوكلاء الثقاة المأمونين من شيعته والذي كان من مهامّه إرجاع عامة الطائفة الي العلماء منهم. كما كان احتجابه عن الشيعة واتخاذ المراسلات والتواقيع الخارجة عنه سبيلاً آخر للتمهيد أيضاً _ كما عرفت _ فقد جاء عنه (عليه السلام) في العمري وابنه محمد: العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعني يؤديان وما قالا فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان [225] . وممّا يدل علي أن الإمام العسكري (عليه السلام) كان يوجّه القواعد الشعبية للرجوع الي الفقهاء وتقليدهم وأخذ معالم دينهم عنهم ما جاء عنه(عليه السلام): «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه» [226] . وبهذه الخطوات أكمل الإمام العسكري (عليه السلام) الدور الموكل إليه والمناط به في

هذه المرحلة المهمة من تأريخ الرسالة الاسلامية، فقد أنشأ مدرسة علمية لها الدور الأكبر في حفظ تراث أهل البيت الرسالي ومبادئ الإسلام أوّلاً، ومن ثم كان لها الأثر الكبير في نشر فكرة الغيبة وتهيئته الذهنية العامة لتقبّلها ثانياً، كما كان لها مساهمة فعّالة في توجيه شيعة الإمام (عليه السلام) بالرجوع إلي الفقهاء الذين هم حصن الإسلام الواقي للمسلمين من الأعداء ثالثاً. وبعد الغيبة الكبري ظهرت الآثار الايجابية لمدرسة الإمام العسكري(عليه السلام) وتعاليمه ووصاياه في التزام الشيعة وأتباع أهل البيت(عليهم السلام) بخط المرجعية الرشيدة. ويعدّ مبدأ الاجتهاد والتقليد عند الإمامية مظهراً لواقعية هذا المذهب في قدرته علي الحفاظ علي روح التشريع وحيويّة الرسالة الإسلامية بعد غيبة الإمام المعصوم(عليه السلام) والي اليوم الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً بعدما تملأ جوراً وظلماً.

الإمام العسكري والفرق الضالة

اشاره

إن للإنحراف عن جادّة الصواب أسباباً يعود بعضها الي طبيعة الظروف التي تطرأ علي الإنسان فتتعاضد مع ما يحمله من ضعف فكري عقائدي أو هبوط أخلاقي ولا سيّما إذا لم يتلقّ تربية صحيحة من ذويه ومن يحيط به أو يصاحبه. وأهل البيت(عليهم السلام) قد أعدّهم الله ورسوله لتربية أبناء الاُمة وانتشالهم من الانحراف عبر التوجيه والارشاد، وتبقي الاستجابة لهدايتهم هي السبب الأعمق لتأثيرها وفاعليتها في كل فرد. وحين يصبح الانحراف خطّاً منظماً وفاعلاً في المجتمع الإسلامي ينبغي مواجهته بالإدانة وبتفتيت عناصره وقواه الفاعلة ومحاولة إرجاع العناصر المضلَّلة التي تبغي الحق في عمق وجودها وإن حادت عنه. ونجد للإمام العسكري(عليه السلام) مواقف إرشادية وتوجيهية لبعض أتباع الفرق الضالّة بينما نجده صارماً مع رموز بعض هذه الفرق. وجادّاً في التحذير منهم لعزلهم والحيلولة دون تأثيرهم في القاعدة الشعبية التي تدين بالولاء لأهل البيت(عليهم السلام). ونقف

فيما سيأتي علي موقف الإمام(عليه السلام) من الواقفة أولاً ثم موقفه من المفوّضة وممّن كان متأثّراً بهم.

الإمام العسكري والواقفة

والواقفة جماعة، وقفت علي إمامة الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام)، ولم تقل بإمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان القندي الأنباري وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسي وكان سبب توقّفهم هو أن زياد بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسي بن جعفر (عليهما السلام) فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم [227] . روي شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (رضي الله عنه) عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال: مضي أبو إبراهيم _ الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) _ وعند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند عثمان بن عيسي الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جواري ومسكنه بمصر، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «أن احملوا ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم، فإني وارثه وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه _ وبهذا أشار الرضا (عليه السلام) الي موت الإمام الكاظم(عليه السلام) _ ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قبلكم». فأما أبو حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي، وأمّا عثمان بن عيسي فإنّه كتب إلي الإمام الرضا (عليه السلام): إنّ أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حيّ قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل، واعمل علي انه مضي كما تقول، فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وأما الجواري، فقد أعتقتهن وتزوّجت بهنّ [228] . وقد سأل أحد أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عمن وقف علي أبي الحسن موسي بن جعفر

(عليهما السلام) قائلاً: أتولاّهم أم أتبرّأ منهم؟ فكتب(عليه السلام): «لا تترحّم علي عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه، أنا الي الله منهم بريء فلا تتولاهم، ولا تعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصلِ علي أحد منهم مات أبداً سواء من جحد إماماً من الله أو زاد إماماً ليست إمامته من الله أو جحد أو قال: قالت ثلاثة، إنّ جاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزايد فينا كالناقص الجاحد أمرنا» [229] . وبهذا علم السائل أنّ عمّه منهم، كما علم موقف الإمام الصارم من هذه الجماعة التي سُميت بالكلاب الممطورة، فقد روي الشيخ الكشي(رضي الله عنه) عن أبي علي الفارسي عن إبراهيم بن عقبة، أنه قال: كتبت الي العسكري(عليه السلام): جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنت عليهم في صلواتي؟ قال: نعم، اُقنت عليهم في صلواتك [230] .

الإمام الحسن العسكري والمفوضة

والمفوّضة جماعة، قالت: إنّ الله خلق محمّداً وفوّض إليه خلق الدُّنيا، فهو الخلاّق لما فيها، وقيل: فوّض ذلك إلي الإمام علي (عليه السلام) [231] والأئمة(عليهم السلام) من بعده. وعن ادريس بن زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً فخرجتُ إلي العسكر للقاء أبي محمّد (عليه السلام)، فقدمت وعليَّ أثر السفر وعناؤه، فألقيتُ نفسي علي دكّان حمّام، فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمّد (عليه السلام)، قد قرعني بها حتّي استيقظت، فعرفته سلام الله عليه فقمتُ قائماً أقبّل قدمه وفخذه، وهو راكب، والغلمان من حوله فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال: ياإدريس (بل عبادٌ مكرمون - لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) [232] . فقلت: حسبي يامولاي وإنّما جئت أسألك عن هذا، قال: تركني ومضي [233] . وإنّ قوماً من المفوّضة قد وجّهوا

كامل بن إبراهيم المدني إلي أبي محمد(عليه السلام) قال كامل: قلت في نفسي أسأله: لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي؟ وكنت جلستُ إلي باب عليه ستر مرخيً، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتي كأنّه فِلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي: ياكامل بن إبراهيم; فاقشعررت من ذلك واُلهمت أن قلت: لبّيك ياسيّدي. فقال: جئت إلي وليّ الله تسأله: «لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتك وقال بمقالتك»؟ قلت: إي والله. قال: إذن والله يقلّ داخلها والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيّة. قلت: ومن هم؟ قال: «قوم من حبهم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يحلفون بحقّه وما يدرون ما حقه وفضله». (أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً من معرفة الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام)). ثم قال: جئت تسأله عن مقالة المفوّضة؟ كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: (وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله) [234] فقال لي أبو محمّد(عليه السلام): ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك [235] . وقد كان الإمام العسكري(عليه السلام) حريصاً علي هداية أتباع أهل البيت(عليهم السلام) وإرشادهم الي الحق بإزالة الشكوك التي كانت تعترضهم في الطريق. فعن محمّد بن عياش أنه قال: تذاكرنا آيات الإمام فقال ناصبيّ: إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت انّه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرّجل بلا مداد علي ورق وجعل في الكتب، وبعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا وكتب علي ورقة اسمه واسم أبويه، فدهش الرّجل، فلمّا أفاق اعتقد الحق [236] . وروي عن عمر بن أبي مسلم أنه قال: كان سميع المسمعيّ يؤذيني كثيراً

ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت الي أبي محمد(عليه السلام) أسأله الدّعاء بالفرج منه، فرجع الجواب: أبشر بالفرج سريعاً، ويقدم عليك مال من ناحية فارس. وكان لي بفارس ابن عمّ تاجر لم يكن له وارث غيري فجاءني ماله بعدما مات بأيّام يسيرة. ووقّع في الكتاب: استغفر الله وتب إليه ممّا تكلّمت به، وذلك أنّي كنت يوماً مع جماعة من النّصاب فذكروا أبا طالب حتّي ذكروا مولاي، فخضت معهم لتضعيفهم أمره، فتركت الجلوس مع القوم، وعلمت أنه أراد ذلك [237] . قال محمّد بن هارون بن موسي التلعكبريّ: حدثنا محمد بن هارون فقال: أنفذني والدي مع أصحاب أبي القلا صاعد النصراني لأسمع منه ماروي عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن عليّ العسكري(عليه السلام) فأوصلني إليه فرأيت رجلاً معظماً وأعلمته السبب في قصدي فأدناني وقال: حدّثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة الي سرّ من رأي للظلامة من العامل، فإذا[كنّا]بسرّ من رأي في بعض الأيام إذا بمولانا أبي محمد(عليه السلام) علي بغلة، وعلي رأسه شاشة، وعلي كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدّعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الأمر علي هذا فيحوّل مقدّم الشاشة الي مؤخرها، ففعل ذلك. فقلت: هذا اتّفاق ولكنه سيحوّل طيلسانه الأيمن الي الأيسر والأيسر الي الأيمن ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إليّ فقال: يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عمّا لا أنت منه ولا إليه، وكنّا نأكل سمكاً. وهكذا أسلم صاعد بن مخلّد وكان وزيراً للمعتمد [238] . وعن محمد بن عبيدالله قال: كنت يوماً كتبت إليه أخبره باختلاف الموالي واسأله إظهار دليل، فكتب: إنّما خاطب الله تعالي ذوي

الألباب وليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر ممّا جاء به خاتم النبيين وسيّد المرسلين فقالوا: كاهن وساحر كذاب، فهدي الله من اهتدي غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس. وذلك أن الله جلّ جلاله يأذن لنا فنتكلم ويمنع فنصمت، ولو أحب الله ألا يظهر حقاً لنا بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة في أوقات وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ الناس حكمه في طبقات شتي، فالمستبصر علي سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع اصيل، غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ. وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد علي أهل الحق ودفعه بالباطل والهوي كفّاراً حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يميناً وشمالاً فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون سعي. ذكرت اختلاف والينا، فإذا كانت الوصيّة والكتب فلا ريب من جلس مجلس الحكم فهو أولي بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت. وإيّاك والاذاعة وطلب الرياسة فإنّهما يدعوان الي الهلكة. ثم قال: ذكرت شخوصك الي فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله آمناً واقرأ من تثق به من موالينا السلام ومرهم بتقوي الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال: فلما قرأت خار الله لك في دخولك مصر إن شاء الله آمناً لم أعرف المعني فيه فقدمت بغداد عازماً علي الخروج الي فارس فلم يقيض لي وخرجت الي مصر. قال: ولما همّ المستعين في أمر أبي محمد بما همّ وأمر سعيد الحاجب بحمله الي الكوفة وأن يحدث في الطريق حادثة انتشر الخبر بذلك

في الشيعة فأقلقهم وكان بعد مضي أبي الحسن بأقلّ من خمس سنين. فكتب إليه محمد بن عبدالله والهيثم بن سبابة: قد بلغنا جعلنا الله فداك خبر أقلقنا وغمّنا وبلغ منا، فوقّع(عليه السلام): بعد ثلاثة أيام يأتيكم الفرج. قال: فخلع المستعين في اليوم الثالث وقعد المعتز وكان كما قال [239] . وعن علي بن محمد بن الحسن قال: خرج السلطان يريد البصرة وخرج أبومحمد بشيعته فنظرنا إليه ماضياً وكنّا جماعة من شيعته فجلسنا ما بين الحائطين ننتظر رجوعه فلمّا رجع وحاذانا وقف علينا، ثم مدّ يده الي قلنسوته فأخذها من رأسه وأمسكها بيده. ثم مرّ يده الاُخري علي رأسه وضحك فيوجه رجل منا، فقال الرجل مبادراً: أشهد أنك حجة الله وخيرته. فسألناه ما شأنك؟ فقال: كنت شاكاً فيه فقلت في نفسي: إنْ رجع وأخذ قلنسوته من رأسه قلت بإمامته [240] . وروي جماعة من الصيمريين من ولد اسماعيل بن صالح: أنّ الحسن ابن اسماعيل بن صالح كان في أوّل خروجه الي سرّ من رأي للقاء أبي محمد ومعه رجلان من الشيعة وافق قدومه ركوب أبي محمد، قال الحسن بن اسماعيل: فتفرقنا في ثلاث طرق وقلنا: ان رجع في احدهما رآه رجل منا فانتظرناه، فعاد(عليه السلام) في الطريق الذي فيه الحسن بن اسماعيل. فلمّا طلع وحاذاه قال: قلت في نفسي: اللهمّ إن كانت حجتك حقّاً وإمامنا فليمسّ قلنسوته، فلم استتم ذلك حتي مسّها وحرّكها علي رأسه، فقلت: يا رب ان كان حجتك فليمسّها ثانياً، فضرب بيده فأخذها عن رأسه ثم ردّها، وكثر عليه الناس بالسلام عليه والوقوف علي بعضهم فتقدمه الي درب آخر. فلقيت صاحبَيّ وعرّفتهما ما سألت الله في نفسي وما فعل، فقالا: فتسأل ونسأل الثالثة،

فطلع(عليه السلام) وقربنا منه فنظر إلينا ووقف علينا ثمّ مدّه يده الي قلنسوته فرفعها عن رأسه وأمسكها بيده وأمرّ يده الاُخري علي رأسه وتبسّم في وجوهنا وقال: كم هذا الشك؟قال الحسن: فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك حجة الله وخيرته، قال: ثم لقيناه بعد ذلك في داره وأوصلنا إليه ما معنا من الكتب وغيرها [241] . كما أنّا نجد الإمام (عليه السلام) يستغل هذا الظرف ويُلقي الحجة علي شابّ قد أتي من المدينة لاختلاف وقع بين أصحابه في إمامة الحسن العسكري (عليه السلام)، فيبادره الإمام (عليه السلام) بالسؤال: أغفّاري أنت؟ فقال الشاب: نعم، ثم يسأله الإمام (عليه السلام) عن والدته ويسمّيها له قائلاً: ما فعلت اُمّك حمدويه؟ فقال الشاب صالحة [242] وكان الشاب من ولد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري. وعاد إلي أصحابه وهو مطمئن القلب بإمامة الحسن العسكري (عليه السلام).

من وصايا الإمام العسكري وارشاداته لشيعته

وتضمّنت وصايا الإمام ورسائله، بيان الأحكام الشرعية ومسائل الحلال والحرام كما اشتملت علي خطوط للتعامل مع الآخرين وكان ذلك بمثابة منهاج سلوكي ليسير عليه شيعته ويقيموا علائقهم وفقاً له فيما بينهم وبين أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه وإن اختلفوا معهم في المذهب والمعتقد، ومن هذه الوصايا: 1 _ قوله (عليه السلام): «اُوصيكم بتقوي الله والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة الي من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلي الله عليه وآله)، صَلّوا في عشائركم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم اذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّي الأمانة، وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جُرّوا إلينا كلّ

مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله)، فإنّ الصلاة علي رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام». [243] . 2 _ وقال (عليه السلام): «أمرناكم بالتختّم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلي أن يظهر الله أمرنا وأمركم فإنه أول دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت». وقال (عليه السلام) لهم: «حدثوا بهذا شيعتنا» [244] . 3 _ وكتب الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وصيّته الي أحد أعلام أصحابه، هو علي بن الحسين بن بابويه القمي جاء فيها: «أوصيك... بتقوي الله وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، واُوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالي: (لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل فإنّ النبي (صلي الله عليه وآله) أوصي علياً(عليه السلام) فقال: ياعلي عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا، فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتي يعملوا به، وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإنّ النبي (صلي الله عليه وآله) قال: أفضل أعمال

اُمّتي انتظار الفرج...» [245] . وبذلك رسم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) منهجاً واضحاً لشيعته للسير عليه وهو يتضمن مبادئ وأحكام الشريعة الاسلامية وما تدعو إليه من خلق رفيع، وحسن تعامل مع الناس سواءاً كانوا موافقين لشيعته في المبدأ أو مخالفين لهم، وتلك هي أخلاق الإسلام التي دعي إليها رسول الانسانية محمد بن عبدالله(صلي الله عليه وآله). 4 _ وصوّر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) الواقع الذي كان يعيشه وما كان يحتويه من اختلاف الناس ومواليه بتوقيع خرج عنه(عليه السلام) إلي بعض مواليه حيث طلب من الإمام(عليه السلام) إظهار الدليل، فكتب أبو محمد (عليه السلام): «وإنما خاطب الله عزوجل العاقل وليس أحد يأتي بآية ويظهر دليلاً أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين، فقالوا: ساحر وكاهن وكذّاب، وهدي الله من اهتدي، غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس وذلك ان الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم، ويضع ويمنع فنصمت، ولو أحب أن لا يظهر حقاً ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه. الناس في طبقات شتي، والمستبصر علي سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل غير شاك ولا مرتاب، لا يجد عنه ملجأ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، ويسكن عند سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد علي أهل الحق، ودفع الحق بالباطل، حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يذهب يميناً وشمالاً فالراعي اذا أراد أن يجمع غنمه جَمعها في أهون السعي، ذكرت ما اختلف فيه موالي فإذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ومن جلس مجالس الحكم فهو أولي بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت وإياك

والاذاعة وطلب الرياسة فانهما يدعوان الي الهلكة [246] .

الإمام العسكري والتحصين الأمني

انتهج الإمام الحسن العسكري نهج آبائه للمحافظة علي شيعته وأتباعه الذين يمثّلون الجماعة الصالحة في المجتمع الاسلامي، وقد شدّد الإمام العسكري دعوته إلي الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الأخبار والوصايا عنه ونقل أوامره الي أصحابه ونقل أخبارهم إليه، فإنّ أتباعه قد انتشروا في أقطار الدولة الاسلامية في عصره(عليه السلام) بعد أن أخذ التشيع طابع المعارضة واتسعت دائرته تحت راية أهل البيت(عليهم السلام) وكثيراً ما كانت تصدر عنه (عليه السلام) التحذيرات المهمة لهم تجاه الفتن والابتلاءات المستقبلية تجنيباً لهم من الوقوع في شرك السلطة وحفظاً لهم من مكائدها. فعن محمد بن عبد العزيز البلخي قال: أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمّد أقبل من منزله يريد دار العامّة، فقلت في نفسي: تري إن صحتُ: أيّها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه، يقتلوني؟ فلمّا دنا منّي أومأ بإصبعه السبّابة علي فيه: أن اسكت، ورأيته تلك الليلة يقول: «إنما هو الكتمان أو القتل، فاتّق الله علي نفسك» [247] . وقد دلّ هذا النص علي اُمور مهمّة هي: 1 _ كشف الإمام (عليه السلام) عن نيّة أحد أصحابه لمعرفته بما في دخيلة نفسه، ومنعه من التحدث بما عزم عليه من إظهار أمر الإمام (عليه السلام). 2 _ كشف عن حراجة الظروف التي كانت تحيط بالإمام (عليه السلام) وأصحابه ومحاولة السلطة للتعرف عليهم لتطويق عملهم. 3 _ إن النص يظهر لنا استغلال الإمام (عليه السلام) للمناسبات المختلفة لتحذير أصحابه من الإفصاح عن أنفسهموإظهار علاقتهم بالإمام كماسيتضح لنا ذلك من النصوص الآتية. ونلاحظ أنّ أحد أساليب الإمام (عليه السلام) في عمله المنظم والمحاط

بالسرية التامة هو منعه أصحابه من أن يسلّموا عليه أو يشيروا له بيد. روي علي بن جعفر عن أحد أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقال: اجتمعنا بالعسكر _ أي سامراء _ وقد صرنا لأبي محمد (عليه السلام) يوم ركوبه فخرج توقيعه: «لا يسلمنّ عليَّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تأمنون علي أنفسكم» [248] . كما نلاحظ مبادرة الإمام(عليه السلام) الي ابتكار أساليب جديدة في ايصال أوامره ووصاياه الي وكلائه وثقاته وإليك نموذجاً منها: روي أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود قال: دعاني سيدي أبومحمد _ الحسن العسكري (عليه السلام) _ فدفع لي خشبة، كأنها رجل باب مدوّرة طويلة ملء الكف فقال (عليه السلام): «صر بهذه الخشبة إلي العمري» فمضيت إلي بعض الطريق فعرض لي سقاء معه بغل، فزاحمني البغل علي الطريق... فضربت البغل فانشقّت _ الخشبة _ فنظرت الي كسرها فاذا فيها كُتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة الي كمّي فجعل السقاء يناديني ويشتمني، ويشتم صاحبي فلمّا دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسي الخادم عند الباب الثاني، فقال: يقول لك مولاي: «لِمَ ضربتَ البغل وكسرت رجل الباب؟». فقلت: ياسيدي لم أعلم ما في رجل الباب، فقال (عليه السلام): «ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه. إيّاك بعدها أن تعود إلي مثلها، وإذا سمعت لنا شأناً فامضِ لسبيلك التي أمرت بها، وإياك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرّفه من أنت، فإننا في بلد سوء، ومصر سوء وامضِ في طريقك فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك» [249] . وفي هذا النص دلالات كثيرة ومهمّة في مجال العمل المنظم، كما أنّه يعكس السرية التامة في العمل من جهة الإمام وأصحابه

المقرّبين من أجل تجاوز ما يثيره الظرف من إشكالات تجاه العاملين، لذا نجد الإمام (عليه السلام) يمنع رسوله من التعرّض لأيّ أمر يمكن من خلاله أن تكشف هويته وشخصيته وصلته بالإمام (عليه السلام) حتي لو شتمه أحد أو رُبما يُسبّ الإمام (عليه السلام) أمامه، فعليه أن يغضّ الطرف وكأنه ليس هو المقصود، ويذهب في مهمّته، حتي لا يُكشف ولا يتعرّف أحد جلاوزة السلطان علي ما يخرج من الإمام (عليه السلام) لوكلائه وثقاته. وتفيد هذه النصوص وغيرها ان الظروف الصعبة والقاهرة التي عاشها الإمام (عليه السلام) وأصحابه هي التي ألجأته إلي إتخاذ السرية والكتمان الشديد في تعامله مع قواعده الشعبية، وبالتالي فهي الطريق الأصوب إلي تربية شيعته ومواليه وتهيئة قواعده لعصر الغيبة الصغري والتي سوف يتم اتصال الشيعة خلالها بالإمام المهديّ (عليه السلام) عن طريق وكيل له، حيث لا يتيسّر الاتّصال المباشر به ولا يكون الالتقاء به ممكناً وعمليّاً وذلك لما كانت السلطة العباسية قد فرضته من رقابة شديدة علي الشيعة لمعرفة محلّ اختفاء الإمام المهديّ(عليه السلام). هذه هي أهم المحاور التي سنحت الفرصة للبحث عنها بالنسبة لمتطلّبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام الحسن العسكري(عليه السلام). وسنقف في الفصل الأخير من الكتاب علي أهم ما صدر من الإمام(عليه السلام) في مجال التحصين العلمي والعقائدي والتربوي والأخلاقي بالإضافة الي ما قد عرفناه من التحصين السياسي والأمني والاقتصادي فيما مرّ من خلال المهام التي جعلت علي عاتق الوكلاء وثقاة أصحابه.

من تراث الإمام الحسن العسكري

اشاره

إنّ المأثور عن الإمام العسكري هو مجموعة من النصوص التي يمكن تصنيفها تحت عناوين متعددة هي: 1 _ التفسير. 2 _ رسالة المنقبة التي وصفت بأنها تشتمل علي أكثر الحلال والحرام. [250] . 3 _ مكاتبات الرجال

الواردة عن العسكريين. [251] . 4 _ مجموعة وصايا وكتب وتوقيعات الي شيعته. [252] . 5 _ ما تناثر من درر كلماته وأحاديثه في مجالات شتّي، وهي تشكّل موسوعة علمية تستحقّ الدراسة والبحث. ونتكلم عن كل واحد من هذه العناوين الخمسة فيما يلي:

التفسير

اشاره

لقد اختلف الفقهاء والمحدّثون في مدي صحة انتساب التفسير المنسوب الي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) منذ القرن الرابع الهجري حتي يومنا هذا. غير أن المعلوم هو أن الإمام العسكري (عليه السلام) قد أثرت عنه مجموعة لا بأس بها من النصوص في مجال تفسير القرآن الكريم. وقد تناثرت جملة من هذه النصوص في المصادر الموجودة بأيدينا اليوم [253] . فالخلاف اذاً هو حول الكتاب الذي يُنسب إليه، وليس في ظاهرة التفسير التي اختص بها عصره وعرفت عنه. واذا لاحظنا الظرف الذي عاشه الإمام (عليه السلام) من جهة ونسبة هذا التفسير إليه من جهة، ولاحظنا محتوي هذا التفسير من جهة ثالثة، وطابقنا محتواه مع ما روي عنه في سائر المصادر نكون قد وقفنا علي نقاط واضحة وأخري محتملة مشكوكة تحتاج إلي أدلة قوية للاثبات. أما ظرف الإمام وعصره من حيث الاهتمام بالقرآن الكريم فقد عرفنا أن الكندي _ كفيلسوف محترف _ كان قد تصدّي لنسف اعتبار القرآن الكريم وإبطال جانب من جوانب إعجازه. وهذا التصدي منه وتصدّي الإمام (عليه السلام) لردعه عما كان ينويه بشكل منطقي يدلّ علي شدة اهتمامه بالقرآن في ذلك الظرف وفاعليته في الحياة الفكرية والاجتماعية ومدي أهمية حركة التفسير التي كان يقوم بها العلماء في إظهار عظمة الاُمة الاسلامية من خلال حملها للقرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن يؤكد الإمام (عليه السلام) هذا الجانب بإغناء الاُمة الاسلامية بعلمه

الذي كان يتفرّد به هو وآباؤه الكرام، فإنهم معدن العلم في هذه الأمة بل في العالم أجمع بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهم أهل بيت الوحي حيث نزل القرآن في بيتهم فهم أدري بما في البيت من غيرهم، وكل العلماء تبع لهم وعيال عليهم في معرفة القرآن وعلومه، كما اعترف بذلك المؤالف والمخالف وكما تفصح عنه سيرتهم جميعاً بدءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانتهاءً بالإمام الحسن العسكري (عليهم السلام). [254] .

نماذج من تراثه التفسيري

1 _ روي الثقة الأمين أبو هاشم الجعفري _ وهو من خيرة أصحاب الإمام (عليه السلام) قال: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فسألته عن قول الله عزوجل: (ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله...) [255] قال أبو هاشم: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطي الله آل محمد (صلي الله عليه وآله) فنظر إلي الإمام وقال: عظم ما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكاً بحبهم تدعي يوم القيامة بهم إذا دُعي كل إنسان بإمامه، فأبشر ياأبا هاشم فإنك علي خير [256] . 2 _ سأل محمد بن صالح الأرمني الإمام أبا محمد عن قول الله عزوجل: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب) [257] فقال الإمام (عليه السلام): هل يمحو الله إلاّ ما كان، وهل يثبت إلاّ ما لم يكن... تعالي الجبار، العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق، إذ لا مخلوق، الديان. وانبري محمد بن صالح، فقال: أشهد أنك حجة الله ووليه وأنك علي منهاج الحق الإمام أمير المؤمنين [258] . 3 _ وسأله أيضاً عن قول الله عزوجل:

(لله الأمر من قبل ومن بعد) [259] فقال الإمام: من بعد أن يأمر بما يشاء، فقلت في نفسي: هذا قول الله: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) [260] فنظر إلي الإمام وتبسم، ثم قال: له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين [261] . 4 _ قال أبو هاشم: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فسأله ابن صالح الأرمني عن قول الله تعالي: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذّريّتهم، وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلي شهدنا) [262] . قال الإمام أبو محمد (عليه السلام): ثبتت المعرفة، ونسوا ذلك الموقف، وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه، ولا من رازقه. قال أبو هاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطي الله وليه، وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد عليّ، فقال: الأمر أعجب مما عجبت منه ياأبا هاشم وأعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، ومن أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن إلاّ وهو بهم مصدق، وبمعرفتهم موقن [263] . 5 _ روي سفيان بن محمد الصيفي، قال: كتبت إلي الإمام أبي محمد(عليه السلام) أسأله عن الوليجة في قول الله عزوجل: (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) وقلت في نفسي: من يري المؤمن هاهنا؟، فرجع الجواب: الوليجة التي تقام دون ولي الأمر، وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمة الذين يؤمنون بالله فنحن هم [264] .

رسالة المنقبة

نقل العلاّمة المجلسي هذه الرسالة عن الإمام العسكري قائلاً: وخرج من عند أبي محمد (عليه السلام) في سنة خمس وخمسين ومائتين كتاب ترجمته (رسالة المنقبة). يشتمل علي أكثر علم الحلال الحرام [265] . وهو ما

رواه ابن شهرآشوب في مناقبه والبياضي في الصراط المستقيم [266] .

مكاتبات الرجال عن العسكريين

اشار الي هذه المكاتبات في أحكام الدين الشيخ ابن شهرآشوب في المناقب راوياً لها عن الخيبر الحميري [267] .

مجموعة وصايا الإمام العسكري وكتبه وتوقيعاته

ان ظاهرة صدور التوقيع من الإمام علي أمر من الامور _ بمعني ارسال رسالة من الإمام الي من يهمّه الأمر من وكيل او تابع خاص مزوّدة بتوقيعه ومشتملة علي خطّه (عليه السلام) _ قد مهّد بها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لفترة الغيبة، كما مهّد كل من الامامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) بكثرة احتجابهما للغيبة المتوقّعة للامام المهدي (عليه السلام). ومن هنا نجد أن الأصحاب والوكلاء الذين ألفوا هذه الظاهرة كانوا يسألون الإمام (عليه السلام) عن الملابسات المحتملة في المستقبل فيطلبون منه التعرّف علي نوع الخط كما يطلبون منه كيفية التعرّف علي توقيعاته فيما اذا احتمل تبدّل الخط. قال أحمد بن اسحاق: دخلت علي أبي محمد (عليه السلام) فسألته أن يكتب لأنظر إلي خطّه فأعرفه اذا ورد. فقال: نعم، ثم قال: ياأحمد إن الخطّ سيختلف عليك من بين القلم الغليظ الي القلم الدقيق فلا تشكّنَّ، ثم دعا بالدواة فكتب وجعل يستمدّ الي مجري الدواة، فقلت في نفسي وهو يكتب: استوهبه القلم الذي كتب به. فلمّا فرغ من الكتابة أقبل يحدّثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعةً ثم قال: هاك ياأحمد فناولنيه... [268] . وقد أشرنا الي جملة من الوصايا العامة التي ترسم الخطوط العريضة للوضع المستقبلي الذي كان ينبغي لشيعة أهل البيت أن يعدّوا أنفسهم له ويروّضوها عليه لعدم امكان الارتباط المباشر بالامام ومن ثم كانوا قد ألفوا الاحتجاب والغيبة منذ عصر الإمام الهادي (عليه السلام). وتكشف رسائله أيضاً عن طبيعة الظروف التي كان يعايشها الإمام(عليه السلام) وشيعته فيما يرتبط بالوضع السياسي أو العقائدي والفكري

خارج دائرة الجماعة الصالحة أو داخل دائرة الجماعة الصالحة وهي شيعة أهل البيت أنفسهم. وإليك بعض رسائل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): 1 _ رسالته إلي إسحاق النيسابوري: أرسل الإمام أبو محمد (عليه السلام) إلي إسحاق ابن إسماعيل النيسابوري هذه الرسالة، وهي من غرر الرسائل، وقد استهدفت الوعظ، والإصلاح الشامل، وهذا نصها: «سترنا الله وإياك بستره، وتولاك في جميع اُمورك بصنعه، قد فهمت كتابك رحمك الله، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرقُّ علي موالينا، ونسرُّ بتتابع إحسان الله إليهم، وفضله لديهم، ونعتدُّ بكلِّ نعمة ينعمها الله تبارك وتعالي عليهم، فأتم الله عليك بالحقِّ ومن كان مثلك ممّن قد رحمه وبصّره بصيرتك، ونزع عن الباطل، ولم يعم في طغيانه بعمه، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة، وليس من نعمة وإن جلّ أمرها وعظم خطرها إلاّ والحمدلله تقدّمت أسماؤه عليها يؤدّي شكرها. وأنا أقول: الحمد لله مثل ما حمدالله به حامد إلي أبد الأبد، بما منَّ الله عليك من نعمته، ونجّاك من الهلكة، وسهَّل سبيلك علي العقبة، وأيم الله إنّها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزُّبر الأولي ذكرها. ولقد كانت منكم في اُمور في أيام الماضي(عليه السلام) إلي أن مضي لسبيله صلّي الله علي روحه وفي أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن، ولا مسدَّدي التوفيق. واعلم يقيناً يا إسحاق أنَّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمي فهو في الآخرة أعمي وأضلُّ سبيلاً، إنّها ياابن اسماعيل ليس تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه الظالم: (ربِّ لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيراً) قال الله عزّ وجلّ (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها

وكذلك اليوم تنسي) [269] وأي آية يا إسحاق أعظم من حجّة الله عزّ وجلّ علي خلقه، وأمينه في بلاده، وشاهده علي عباده، من بعد ما سلف من آبائه الأوّلين من النبيّين وآبائه الآخرين من الوصيين، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته. فأين يتاه بكم؟ وأين تذهبون كالأنعام علي وجوهكم؟ عن الحقِّ تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون؟ أو تكذبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم. إن الله بفضله ومنِّه لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم، بل برحمة منه لا إله إلاّ هو عليكم، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم ولتألفوا إلي رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته. ففرض عليكم الحجَّ والعمرة وإقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والصّوم والولاية، وكفا بهم لكم باباً ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلي سبيله، ولولا محمد(صلي الله عليه وآله) والأوصياء من بعده، لكنتم حياري كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل يدخل قرية إلاّ من بابها. فلمّا منَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه، قال الله عزّ وجلّ لنبيّه(صلي الله عليه وآله): (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [270] وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم، ليحلَّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرِّفكم بذلك النماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزّ وجلّ: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربي) [271] . واعلموا أن من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه، وأنّ الله الغنيّ وأنتم الفقراء لا إله إلاّ

هو. ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النّعمة من الله عزّ وجلّ عليكم، لما أريتكم منّي خطّاً ولا سمعتم مني حرفاً من بعد الماضي(عليه السلام). أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم ابن عبدة، وفّقه الله لمرضاته وأعانه علي طاعته، وكتابه الذي حمله محمّد بن موسي النيسابوري والله المستعان علي كلِّ حال، وإنّي أراكم مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين. فبُعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله، ولم يقبل مواعظ أوليائه، وقد أمركم الله عزّوجلّ بطاعته لا إله إلاّ هو، وطاعة رسوله(صلي الله عليه وآله) وبطاعة أولي الأمر(عليهم السلام)، فرحم الله ضعفكم وقلّة صبركم عمّا أمامكم فما أغرَّ الإنسان بربّه الكريم، واستجاب الله تعالي دعائي فيكم، وأصلح اُموركم علي يدي، فقد قال الله جلّ جلاله: (يوم ندعوا كلّ اُناس بإمامهم) [272] وقال جلّ جلاله: (وكذلك جعلناكم اُمّة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرّسول عليكم شهيداً) [273] وقال الله جلّ جلاله: (كنتم خير اُمّة اُخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر) [274] . فما اُحبُّ أن يدعو الله جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيّامي إلاّ حسب رقّتي عليكم، وما انطوي لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدّارين جميعاً، والكينونة معنا في الدّنيا والآخرة. فقد _ يا إسحاق! يرحمك الله ويرحم من هو وراءك _ بيّنت لك بياناً وفسّرت لك تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطُّ ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصمّ الصّلاب بعض ما في هذا الكتاب، لتصدّعت قلقاً

خوفاً من خشية الله ورجوعاً الي طاعة الله عزّ وجلّ، فاعملوا من بعد ما شئتم فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثمّ تردّون الي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتّقين والحمدلله كثيراً ربِّ العالمين [275] . ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في أبعاد هذه الرسالة الشريفة، وبيان محتوياتها، وفي ما يلي ذلك: أولاً: أنها أظهرت سرور الأئمة الطاهرين، وفرحهم بما يسديه الله تعالي إلي شيعتهم من النعم والألطاف. ثانياً: إن من أعظم النعم وأجلها التي يتمناها الإمام أبو محمد لشيعته هي الفوز بالجنة والنجاة من النار، فإن من فاز بذلك فقد ظفر بالخير العميم. ثالثاً: أعرب الإمام (عليه السلام) عن حدوث فجوة بينه وبين إسحاق وجماعته، ولم يحدث ذلك في زمانه، وإنما كان في زمان أبيه الإمام الهادي (عليه السلام)، فقد ساءت العلاقات بينه وبين القوم، ولم تكشف المصادر التي بأيدينا أسباب ذلك، وأكبر الظن أن ذلك يستند إلي ما يلي: أ _ اندساس الدجالين، والمخربين، وذوي الأطماع بين صفوف القوم، وإفساد عقائدهم، مما نجم منه التشكيك في الأئمة (عليهم السلام) والرد عليهم. ب _ حجب الأئمة (عليهم السلام) من قبل العباسيين، وقطع أي اتصال بينهم وبين شيعتهم الأمر الذي أدي إلي إشاعة بعض الأفكار المنحرفة بين صفوف بعضهم، ولو كانوا علي اتصال بهم لما حدث أي شيء من ذلك. ج _ دس الحكومة العباسية بعض عملائها بهدف تفريق صفوف أتباع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، والعبث بمقدراتهم الفكرية والاجتماعية وذلك للحط من شأنهم، وفل قواهم. د _ وثمة عامل آخر أدي إلي شيوع الاضطراب العقائدي بين صفوف بعض الشيعة، وهو الحسد لبعض وكلاء الإمامين (عليهما السلام) الذين عُهد إليهم بقبض

الحقوق الشرعية، وصرفها علي الفقراء والمحرومين وسائر الجهات الإصلاحية، وقد منحوا بذلك التأييد المطلق، والثقة الكاملة من قبل الإمامين، وقد عز ذلك علي بعض الشخصيات البارزة الذين لم يظفروا بمثل ذلك مما أدي إلي حسدهم والحسد داء وبيل ألقي الناس في شر عظيم، وأخرجهم من النور إلي الظلمات، فأخذوا يعيثون فساداً بين صفوف الشيعة ويفسدون عليهم عقائدهم. رابعاً: نعي الإمام (عليه السلام) علي المنحرفين عن الحق سلوكهم في المنعطفات وبعدهم عن المسالك الواضحة التي تضمن لهم السلامة والنجاة، فقد ضلت عقولهم، وعميت عيونهم، وإنهم في يوم حشرهم سيحشرون عمي العيون كما كانوا في دار الدنيا. خامساً: ذكر الإمام (عليه السلام) أن الله تعالي أقام الحجة علي عباده وذلك ببعثه النبيين والمرسلين والأوصياء، فقد بلغوا أوامر الله ونواهيه، ونشروا أحكامه، فلا عذر للعباد بعد ذلك في تقصيرهم وعدم طاعتهم. سادساً: عرض الإمام (عليه السلام) إلي أن الله لما أقام الفرائض علي العباد، وألزمهم بها لم يكن بحاجة إليها، وإنما ليميز الخبيث من الطيب، ويمتحن العباد بها، فمن أطاع فقد نجا، ومن خالف فقد غرق وهوي. سابعاً: ومن بنود هذه الرسالة أن الله تعالي قد منَّ علي هذه الاُمة بأن أرسل النبي محمداً (صلي الله عليه وآله) والأوصياء من بعده بهدايته، ولولاهم لكانت هذه تتيه في مساحات سحيقة من مجاهل هذه الحياة لا تعرف فرضاً، ولا تفقه سنة، فما أعظم عائداتهم علي هذه الأمة، بل وعلي البشرية جمعاء. ثامناً: إن الله تعالي فرض لآل النبي (صلي الله عليه وآله) علي المسلمين فريضة مالية، وهي الخمس، وهو تشريع اقتصادي أصيل، تزدهر به الحياة الفكرية والدينية في الإسلام، ولولاه لما استمرت المرجعية العامة، والهيئة العلمية عند الطائفة الإمامية، التي

هي امتداد مشرق لرسالة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)... أما تفصيل الخمس، وفيما يجب فقد عرضت لبيانه كتب الفقه الإمامي، ومن الجدير بالذكر أن الإمام أبا محمد (عليه السلام) قد بين في رسالته هذه أنه لا تحل الأزواج والأموال، والمآكل، والمشارب من دون إخراج الخمس، وأكبر الظن أن القوم الذين عناهم الإمام في رسالته ما كانوا يؤدون هذا الحق المفروض، الأمر الذي أوجب توتر العلاقات بينهم، وبين الإمام [276] . 2 _ رسالته إلي أهالي قم وآبة: وأرسل الإمام أبو محمد (عليه السلام) إلي شيعته من أهالي قم وآبة [277] رسالة جاء فيها: «إن الله تعالي بجوده وكرمه، ورأفته، قد منَّ علي عباده بنبيه محمد (صلي الله عليه وآله)، بشيراً ونذيراً، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين (رحمة الله عليهم) وأصلابكم الباقين (تولي كفايتهم، وعمرهم طويلاً في طاعته)، حب العترة الهادية، فمضي من مضي علي وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا... ومنها: فلم تزل نيتنا مستحكمة، ونفوسنا إلي طيب آرائكم ساكنة، القرابة الراسخة بيننا وبينكم قوية، وصية أوصي بها أسلافنا وأسلافكم، وعهد عهد إلي شبابنا ومشايخكم، فلم يزل علي جملة كاملة من الاعتقاد، لما جمعنا الله عليه من الحال القريبة، والرحم الماسة، يقول العالم سلام الله عليه: المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه...». ولم يصل إلينا تمام هذه الرسالة، وإنما وصلت منها هذه القطعة، وهي تحكي مدي تعاطف الإمام (عليه السلام) مع هؤلاء المؤمنين الأخيار الذين تحرجوا في دينهم كأشد ما يكون التحرج، فقد ترحم الإمام علي أسلافهم المتمسكين بدينهم الذين آمنوا بالإسلام، واتبعوا ما أمر الله به، ففازوا برضوان الله ومغفرته.

وتعرض الإمام (عليه السلام) إلي الصلات الوثيقة التي عقدت بين القوم وبين أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي قديمة وقد قامت علي إيمان القوم برسالة أهل البيت، وأهدافهم الشامخة، ولم تقم علي الأهواء والعواطف، وقد أكبر الإمام(عليه السلام) فيهم هذه الروح، وهذا الشعور الفياض [278] . 3 _ رسالته إلي عبد الله البيهقي: وأرسل الإمام (عليه السلام) إلي عبد الله بن حمدويه البيهقي الرسالة التالية: «وبعد: فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ليدفع النواحي، وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه، وجعلته ثقتي وأميني، عند موالي هناك فليتقوا الله، وليراقبوا، وليؤدوا الحقوق فليس لهم عذر في ترك ذلك، ولا تأخيره، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه، ورحمهم الله وإياك معهم برحمتي لهم، إن الله واسع كريم» [279] . لقد أقام الإمام (عليه السلام) في المناطق التي تدين بإمامته وكلاء من العلماء الأخيار، وعهد إليهم بقبض الحقوق الشرعية، وحملها إليه أو انفاقها في سبل الخير والصلاح. 4 _ رسالته في حق إبراهيم: وكان الإمام (عليه السلام) قد أقام إبراهيم بن عبده وكيلاً عنه في قبض الحقوق الشرعية، وصرفها في إقامة دعائم الدين، وصلة المحتاجين وقد زوده برسالة أشاد فيها بمكانة إبراهيم ووثاقته، وقد سئل عن تلك الرسالة هل هي بخطه، فأجاب (عليه السلام): «وكتابي الذي ورد علي إبراهيم بن عبده بتوكيلي إياه بقبض حقوقي من موالينا هناك، نعم هو كتابي بخطي إليه، أقمته لهم ببلدهم حقاً غير باطل، فليتقوا الله حق تقاه، وليخرجوا من حقوقي، وليدفعوها إليه، فقد جوزت له ما يعمل به فيها وفقه الله، ومنَّ عليه بالسلامة من التقصير..» [280] . لقد أقر الإمام وكالته لإبراهيم، وأوصاه بتقوي الله وطاعته وألزم شيعته بدفع الحقوق المفروضة عليهم

إليه. 5 _ رسالته إلي مواليه: وبعث الإمام أبو محمد (عليه السلام) الرسالة التالية إلي بعض مواليه، وقد نعي فيها ما هم فيه من الاختلال والفرقة والانحراف عن الدين وهذا نصها بعد البسملة: «استوهب الله لكم زهادة في الدنيا وتوفيقاً لما يرضي، ومعونة علي طاعته وعصمة عن معصيته، وهداية من الزيغ وكفاية، فجمع لنا ولأوليائنا خير الدارين. أما بعد: فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم، وتشتيت أهوائكم، ونزغ الشيطان، حتي أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين، والسعي في هدم ما مضي عليه أوائلكم من إشادة دين الله، وإثبات حق أوليائه، وأمالكم إلي سبيل الضلالة، وصد بكم عن قصد الحق، فرجع أكثركم القهقري علي أعقابكم، تنكصون كأنكم لم تقرؤا كتاب الله جل وعز ولم تعوا شيئاً من أمره ونهيه ولعمري لئن كان الأمر في اتكال سفهائكم علي أساطيركم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقت كلمة العذاب عليهم ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونياتكم، إنكم شركاء وهم، في ما اجترحوه من الافتراء علي الله تعالي وعلي رسوله وعلي ولاة الأمر من بعده ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد في دعواهم، ولا المغيريّة في اختلافهم ولا الكيسانية في صاحبهم ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنا، بل أنتم شر منهم قليلاً، وما شيء يمنعني من وسم الباطل فيكم بدعوة تكونوا شامتاً لأهل الحق إلاّ انتظار فيئهم، وسيفيء أكثرهم الي أمر الله إلاّ طائفة لو[شئت]لسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، ومن نسي ذكر الله تبرأ منه فسيصليه جهنم وساءت مصيراً. وكتابي هذا حجة عليهم، وحجة لغائبكم علي شاهدكم إلاّ من بلغه فأدّي الأمانة، وأنا أسأل الله أن

يجمع قلوبكم علي الهدي، ويعصمكم بالتقوي، ويوفقكم للقول بما يرضي، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..» [281] . وهكذا صعد الإمام (عليه السلام) آهاته علي ما مُني به بعض مواليه من الاختلاف، والتفرق والانحراف عن الدين، ويعود السبب في ذلك إلي أن هؤلاء الغوغاء لم يعتنقوا الإسلام عن وعي عميق مدعم بالأدلة الحاسمة، وإنما أخذوا بعض طقوسه عن تقليد لآبائهم، وأقل شبهة تعرض لهم، فإنهم ينكصون علي الأعقاب. لقد عمدت القوي الباغية علي الإسلام علي إفساد الموالي من شيعة الإمام (عليه السلام) وتضليلهم، وقد افتعلوا في سبيل ذلك الروايات الكاذبة التي تدعم أفكارهم الفاسدة، ولا سبيل لالتقاء الإمام بهم ليقوم برد تلك الشبه، وتنوير الأفكار بنور الحق، وذلك بسبب ما فرض عليه من الإقامة الجبرية في سامراء، وكان ذلك من أعظم المحن التي واجهها في حياته [282] . 6 _ رسالته إلي بعض مواليه: وأرسل الإمام أبو محمد (عليه السلام) إلي بعض مواليه هذه الرسالة، وقد جاء فيها بعد البسملة: «كل مقدور كائن، فتوكل علي الله جلَّ وعزَّ يكفك، وثق به لا يخيبك، وشكوت أخاك فاعلم يقيناً أن الله جلَّ وعزَّ لا يعين علي قطيعة رحم، وهو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم، ومن بغي عليه لينصرنه الله، إن الله قوي عزيز، وسألت الدعاء، إن الله جل وعز لك حافظ، وناصر، وساتر، وأرجو من الله الكريم الذي عرفك من حقه، وحق أوليائه ما عمي عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك، إنه ولي حميد..» [283] . لقد دعا الإمام (عليه السلام) إلي التوكل علي الله، والثقة به فإنه لا يخيب من التجأ إليه، واتكل عليه، كما لامه الإمام للشكوي من أخيه لأن

الله تعالي لا يعين علي قطيعة رحم، ثم دعا له الإمام أن يديم الله عليه نعمه وألطافه ولا يزيلها عنه. 7 _ رسالة لبعض شيعته: ورفع بعض الشيعة إلي الإمام (عليه السلام) رسالة يستغيث فيها من ظالم ظلمه، واعتدي عليه فأجابه (عليه السلام) بما يلي: «نحن نستكفي بالله جلَّ وعزَّ في هذا اليوم من كل ظالم وباغ، وحاسد، وويل لمن قال: ما يعلم الله جلَّ وعزَّ جلاله، ماذا يلقي من ديان يوم الدين،!! فإن الله جلَّ وعزَّ للمظلومين ناصر، وعضد، فثق به جل ثناؤه، واستعن به يُزِلْ محنتك. ويكفك شر كل ذي شر، فعل الله ذلك بك، ومنَّ علينا فيك، إنه علي كل شيء قدير، واستدرك الله كل ظالم في هذه الساعة، ما أحد ظلم وبغي فأفلح، الويل لمن أخذته أصابع المظلومين فلا تغتم، وثق بالله، وتوكل عليه، فما أسرع فرجك، والله عزوجل مع الذين صبروا والذين هم محسنون..» [284] . شجب الإمام (عليه السلام) في رسالته الظلم والبغي والحسد، واستجار بالله من كل ظالم وباغ وحاسد، فإنه تعالي عون للمظلومين، وسند لهم، وهو القادر علي إزالة الظلم، وإنزال أقصي العقوبة بالمعتدين والظالمين [285] .

اهتمامات الإمام الحسن العسكري الفكرية والعلمية

اشاره

نلاحظ اهتماماً علميّاً متشعّب الجوانب من خلال النصوص الواصلة إلينا عن الإمام العسكري، فهو يهتم بالقرآن الكريم وهو سند الشريعة ومصدرها الأساسي كما انه يهتم بحفظ السنة النبوية وسنّة أهل البيت وتأريخهم، ويهتم أيضاً بنقده وتعريفه للشخصيات التي يتوجّه إليها الناس لأخذ العلوم والأحكام منهم أو مراجعتهم لغرض الارتباط بالإمام (عليه السلام) أو توكيلهم لايصال الحقوق الشرعية اليه، فهو يعرّف وكلاءه ويوليهم ثقة ويلعن من ينحرف منهم ويحذّر شيعته ومواليه من الغفلة عن رصد أحوالهم في حال استقامتهم أو

انحرافهم. ونجد من الإمام اهتماماً بليغاً بالفقه والأحكام الشرعية كما نجد اهتمامه بالدعاء والطب والعقيدة والمعرفة بشكل عام.

من تراثه المعرفي

1 _ عن أبي منصور الطبرسي مسنداً قال: حدثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)، قال: حدثني أبي عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) انه قال: أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من اُمّه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر علي الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرّفيق الأعلي [286] . 2 _ وعنه (عليه السلام) قال: قال جعفر بن محمّد الصادق(عليهما السلام): علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعوهم عن الخروج علي ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب. ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم [287] . 3 _ وعنه (عليه السلام) بالاسناد المتقدم قال: قال موسي بن جعفر: فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد علي إبليس من ألف عابد، لأن العابد همّه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وامائه لينقذهم من يد إبليس ومردته، فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة [288] . 4 _ وعنه (عليه السلام) قال: قال علي بن موسي الرضا (عليهما السلام): يقال للعابد يوم القيامة: «نعم

الرجل كنت همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنة»، ألا ان الفقيه من أفاض علي الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالي وحصل لهم رضوان الله تعالي. ويقال للفقيه: ياأيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتي تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك، فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً وفئاماً وفئاماً _ حتي قال عشراً _ وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلي يوم القيامة، فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين [289] . 5 _ بهذا الاسناد، عنه (عليه السلام) قال: قال محمد بن علي الجواد (عليهما السلام): من تكفل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم الأساري في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم، ليحفظوا عهد الله علي العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء علي الأرض والعرش والكرسي والحجب علي السماء، وفضلهم علي العباد كفضل القمر ليلة البدر علي أخفي كوكب في السماء [290] . 6 _ بهذا الاسناد عنه (عليه السلام) قال: قال علي بن محمّد (عليهما السلام) لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ إرتدّ عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، اولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل [291] .

من تراثه الكلامي

التوحيد في نصوص الإمام العسكري

1 _ روي الكليني، مسنداً عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلي

أبي محمّد (عليه السلام) أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقّع (عليه السلام): ياأبا يوسف جلَّ سيّدي ومولاي والمنعم عليّ وعلي آبائي أن يُري. قال: وسألته: هل رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ربّه؟ فوقّع (عليه السلام): إنَّ الله تبارك وتعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبَّ [292] . 2 _ وروي عن سهل، قال: كتبت إلي أبي محمّد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف ياسيّدي أصحابنا في التوحيد، منهم من يقول: هو جسم ومنهم من يقول: هو صورةٌ، فإن رأيت ياسيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوّلاً علي عبدك. فوقّع بخطّه (عليه السلام): سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول، الله واحد أحدٌ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالقٌ وليس بمخلوق تبارك وتعالي ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة جلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. [293] .

اهل البيت والإمامة عند الإمام العسكري

لقد أشاد الإمام (عليه السلام) بفضل أهل البيت الذين هم مصدر الوعي، والإيمان في دنيا الإسلام، حيث قال (عليه السلام): «قد صعدنا ذري الحقائق بأقدام النبوة، والولاية، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغي، وغيوث الندي، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين، وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم فالكريم لبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة [294] ذاق من حدائقنا الباكورة [295] وشيعتنا الفئة الناجية، والفرقة الزاكية، صاروا لنا ردءً وصوناً، وعلي الظلمة إلباً.. وسينفجر لهم ينابيع الحيوان، بعد لظي

النيران، لتمام الرواية، والغواشي من السنين..» [296] . 2 _ قال أحمد بن إسحاق: دخلت علي مولانا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكريِّ (عليهما السلام) فقال: ياأحمد ما كان حالكم فيما كان فيه النّاس من الشكِّ والارتياب؟ فقلت له: ياسيّدي لمّا ورد الكتاب لم يبق منّا رجل ولا إمرأة ولا غلام بلغ الفهم إلاّ قال بالحقِّ، فقال: احمد الله علي ذلك ياأحمد أما علمتم أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا ذلك الحجّة _ أو قال: أنا الحجّة _. [297] . 3 _ قال أحمد بن إسحاق: خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) إلي بعض رجاله في عرض كلام له: ما مني أحدٌ من آبائي (عليهم السلام) بما منيت به من شكِّ هذه العصابة فيَّ، فإن كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلي وقت ثمَّ ينقطع فللشكِّ موضعٌ، وإن كان متّصلاً ما اتّصلت اُمور الله عزَّوجلَّ فما معني هذا الشكِّ؟! [298] .

الإمام المهدي في تراث الإمام الحسن العسكري

روي عن الحسن بن ظريف انه قال: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما الي أبي محمد (عليه السلام) فكتبت أسأله عن القائم (عليه السلام) إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمّي الرّبع فأغفلت خبر الحمّي. فجاء الجواب: «سألت عن القائم فإذا قام قضي بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه السلام) لا يسأل البيّنة، وكنت أردت أن تسأل لحمّي الربع فأنسيت، فاكتب ورقة وعلّقه علي المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: (يانار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم). قال: فعلّقنا عليه ما ذكر أبو محمد (عليه السلام) فأفاق [299] . وبشر الإمام العسكري (عليه السلام)، خواص شيعته بولادة الحجة المنتظر

الإمام المهدي(عليه السلام) ; ضمن مكاتباته إليهم، أو حينما كانوا يحضرون عنده. وقد مرّت علينا مجموعة من هذه النصوص في الفصل الثاني من الباب الرابع عند بحث عن متطلبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام العسكري(عليه السلام) [300] .

السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري

وقد وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكري (عليه السلام) فيما يخص سيرة النبي(صلي الله عليه وآله) وسيرة أهل بيته (عليهم السلام) ممّا يشير إلي ضرورة اهتمامه(عليه السلام) بهذا الجانب في عصره. وإليك بعض هذه النصوص: 1 _ روي الطبرسي عن أبي محمّد الحسن العسكري (عليهما السلام) أنه قال: قلت لأبي، علي بن محمّد(عليهما السلام) هل كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يناظر اليهود والمشركين اذا عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: بلي مراراً كثيرة، منها ما حكي الله من قولهم: (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك _ إلي قوله _ رجلاً مسحوراً)وقالوا: (لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم). وقوله عزوجل: (وقالوا لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) إلي قوله (كتاباً نقرؤه) م قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبياً كموسي أنزلت علينا كسفاً من لسماء ونزّلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسي لموسي (عليه السلام). قال: وذلك أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة اذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري ابن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي اُمية المخزومي، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله(صلي الله عليه وآله) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي

إليهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمّد وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه علي أصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهي وإلاّ عاملناه بالسيف الباتر. قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال عبد الله بن أبي اُمية المخزومي: أنا إلي ذلك، أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفيّاً؟ قال أبو جهل: بلي، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي اُمية المخزومي، فقال: يامحمّد لقد ادعيت دعوي عظيمة وقلت مقالاً هائلاً، زعمت انك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي. فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان انما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا، ما أنت يامحمّد إلاّ رجلاً مسحوراً ولست بنبي. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل بقي من كلامك شيء؟ قال: بلي، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالاً وأحسنه حالاً، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم ان الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً علي رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل بقي

من كلامك شيء ياعبد الله؟ فقال: بلي لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه، فانها ذات أحجار وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون، فاننا الي ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً فانك قلت لنا (وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم) فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغي، وانك قلت لنا: (كلا إن الإنسان ليطغي - أن رآه استغني). ثم قال: أو ترقي في السّماء أي تصعد في السّماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتي تنزل علينا كتاباً نقرؤه من الله العزيز الحكيم الي عبد الله بن أبي اُمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي، ثم لا أدري يامحمّد اذا فعلت هذا كله اُؤمن بك أو لا اُؤمن بك، بل لو رفعتنا الي السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا وسحرتنا. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ياعبد الله أبقي شيء من كلامك؟ قال: يامحمّد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وأتنا بما سألناك به. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه، يامحمّد (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام)الي

قوله (رجلاً مسحوراً) ثم قال الله تعالي: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً). ثم قال: يامحمّد (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً) وأنزل عليه: يامحمّد (فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك وضائق به صدرك) الآية، وأنزل الله عليه: يامحمّد (وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر) الي قوله (وللبسنا عليهم ما يلبسون). فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): ياعبد الله أما ما ذكرت من اني آ كل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولاً فانما الأمر لله تعالي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه ب_ لِمَ وكيف، ألا تري ان الله كيف أفقر بعضاً وأغني بعضاً وأعز بعضاً وأذل بعضاً وأصح بعضاً وأسقم بعضاً وشرف بعضاً ووضع بعضاً، وكلهم ممن يأكل الطعام. ثم ليس للفقراء أن يقولوا «لم أفقرتنا وأغنيتهم» ولا للوضعاء أن يقولوا «لم وضعتنا وشرفتهم» ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا «لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم» ولا للأذلاء أن يقولوا «لم أذللتنا وأعززتهم» ولا لقباح الصور أن يقولوا «لم قبّحتنا وجمّلتهم» بل ان قالوا ذلك كانوا علي ربهم رادّين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين. ولكان جوابه لهم: أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلاّ التسليم لي والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عباداً مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين. ثم أنزل الله عليه: يامحمّد (قل إنّما أنا بشر مثلكم) يعني آ كل الطعام و (يوحي إليّ إنّما إلهكم إله واحد) يعني

قل لهم: أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصّني بالنّبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغني والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضاً بالنبوة ]دونكم[. ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وأما قولك «هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده» فان الله له التدبير والحكم لا يفعل علي ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود. ياعبد الله انما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلي ربهم ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ، أو ما تري الملوك اذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون. ياعبد الله إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون علي قتله ولا منعه في رسالاته، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلاً وأسراً ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم علي دينكم. ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأما قولك لي «لو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنّما يبعث ملكاً لا بشراً مثلنا» فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولو شاهدتموه _ بأن يزاد في قوي أبصاركم _ لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر، لأنه انما كان يظهر

لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده. فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق، بل انما بعث الله بشراً وأظهر علي يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر علي يده ما ]تعجزون عنه[ يعجز عنه ]جميع[ البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم ان ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتي يصير ذلك معجزاً. ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدمياً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً، فان الله عزوجل سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه. ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وأما قولك «ما أنت إلاّ رجل مسحور» فكيف أكون كذلك وقد تعلمون اني في صحة التميز والعقل فوقكم فهل جربتم عليّ منذ نشأت إلي أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفهاً من الرأي، أتظنّون أن رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته. وذلك ما قال الله (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً) إلي أن يثبتوا عليك عمي بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها. ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأما قولك «لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم، الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة ]بن مسعود الثقفي[بالطائف» فان الله ليس يستعظم مال

الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقي كافراً به مخالفاً له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه. وليس هو عزّوجلّ ممن يخاف أحداً كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحبّ أحداً محبّة الهواء كما تحبّ أنت فتقدم من لا يستحقّ التقديم وإنّما معاملته بالعدل، فلا يؤثر أحداً لأفضل مراتب الدين وخلاله إلاّ الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وخلاله إلاّ أشدّهم تباطؤاً عن طاعته. واذا كان هذا صفته لم ينظر الي مال ولا الي حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب، فلا يقال له: اذا تفضلت بالمال علي عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضاً، لأنه ليس لأحد اكراهه علي خلاف مراده ولا إلزامه تفضلاً لأنه تفضل قبله بنعمه. ألا تري ياعبد الله كيف أغني واحداً وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وأفقره، وكيف شرف واحداً وأفقره، وكيف أغني واحداً ووضعه. ثم ليس لهذا الغني أن يقول «هلا أضيف الي يساري جمال فلان» ولا للجميل أن يقول «هلا أضيف إلي جمالي مال فلان»، ولا للشريف أن يقول «هلا أضيف إلي شرفي مال فلان» ولا للوضيع أن يقول «هلا اضيف الي ضعتي شرف فلان»، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالي: (وقالوا لولا نزّل هذا

القرآن علي رجل من القريتين عظيم) قال الله تعالي (أهم يقسمون رحمة ربك) يامحمّد (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا). فأحوجنا بعضاً الي بعض، أحوجنا هذا الي مال ذلك، وأحوج ذلك الي سلعة هذا والي خدمته. فتري أجلّ الملوك وأغني الأغنياء محتاجاً الي أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلاّ به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلي أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج الي مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلي علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته. ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع الي مالي علم هذا الفقير، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع الي رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني، ثم قال الله: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) ثم قال: يامحمّد قل لهم (ورحمة ربك خير مما يجمعون) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا. ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وأما قولك (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) الي آخر ما قلته، فانك قد اقترحت علي محمّد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته ورسول الله(صلي الله عليه وآله) يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك. وانما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها لا ليهلكوا بها فإنّما قترحت هلاكك وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون، ومنها المحال الذي لا يصح ولا

يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلي صديقه حتي لا يكون لك عنه محيد ولا محيص، ومنها ما قد اعترفت علي نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلي برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه. فأما قولك ياعبد الله: (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) بمكة هذه فانها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فاننا إلي ذلك محتاجون، فانك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله. ياعبد الله أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبياً؟ قال: لا. قال رسول الله: أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيوناً استنبطتها؟ قال: بلي. قال: وهل لك في هذا نظراء؟ قال: بلي. قال: فصرت أنت وهم بذلك أنبياء؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله علي نبوته، فما هو إلاّ كقولك: «لن نؤمن لك حتي تقوم وتمشي علي الأرض كما يمشي الناس أو حتي تأكل الطعام كما يأكل الناس». وأما قولك ياعبد الله: «أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيراً» أو ليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيراً، أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت علي صدقه، بل لو تعاطاها دل تعاطيها علي كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم

وأديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا. ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): ياعبد الله وأما قولك «أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً» فانك قلت: «وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم» فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم فانما تريد بهذا من رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده علي حسب اقتراح عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتي يستحيل وقوعه، والله عزّوجلّ طبيبكم لا يجري تدبيره علي ما يلزم به المحال. ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وهل رأيت ياعبد الله طبيباً كان دواؤه للمرضي علي حسب اقتراحهم، وانما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه احبه العليل أو كرهه؟ فأنتم المرضي والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم. وبعد فمتي رأيت ياعبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضي بينة علي دعواه علي حسب اقتراح المدعي عليه؟ إذاً ما كان يثبت لأحد علي أحد دعوي ولا حق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق. ثم قال رسول الله: ياعبد الله وأما قولك: «أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً يقابلوننا ونعاينهم» فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به، وانّ ربّنا عزّوجلّ ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرّك ويقابل شيئاً حتي يؤتي به، فقد سألتم بهذا المحال، وانّما هذا الذي دعوت اليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئاً

ولا عن أحد. ياعبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوّام عليها؟ قال: بلي. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال: بسفراء. قال: أرأيت لو قال معاملوك واكرتك وخدمتك لسفرائك: «لا نصدقكم في هذه السفارة الا ان تأتونا بعبد الله بن أبي اُمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاهاً»، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال: لا. قال: فما الذي يجب علي سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم علي صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال: بلي. قال: ياعبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك: «قم معي فانهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفاً» وتقول له: انما أنت رسول لا مشير ولا آمر؟ قال: بلي. قال: فكيف صرت تقترح علي رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه علي رسولك إليهم؟! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم الي ربّه بأن يأمر عليه وينهي وأنت لا تسوغ مثل هذا علي رسولك الي أكرتك وقوامك؟! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته ياعبد الله. وأما قولك ياعبد الله: «أو يكون لك بيت من زخرف» وهو الذهب، أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتاً من زخرف؟ قال: بلي. قال: أفصار بذلك نبياً؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب لمحمد(صلي الله عليه وآله) نبوّة لو كان له بيوت، ومحمد لا يغنم جهلك بحجج الله. وأما قولك ياعبد الله: «أو ترقي في السّماء»، ثم قلت: «ولن نؤمن لرقيك حتي تنزل علينا كتاباً نقرؤه» ياعبد الله الصعود الي السّماء أصعب من النزول

عنها، واذا اعترفت علي نفسك أنك لا تؤمن اذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت «حتي تنزل علينا كتاباً نقرؤه من بعد ذلك، ثم لا أدري اُؤمن بك أو لا اُؤمن بك»، فأنت ياعبد الله مقرّ بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلاّ تأديبه لك علي يد أوليائه من البشر أو ملائكته الرّبانية، وقد أنزل عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته. فقال عزوجل: «قل» يامحمّد: (سبحان ربي هل كنت إلاّ بشراً رسولاً) ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء علي ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز، وهل كنت الا بشراً رسولاً لا يلزمني إلاّ إقامة حجة الله التي أعطاني، وليس لي أن آمر علي ربي ولا أنهي ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك الي قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه. فقال أبو جهل: يامحمّد ههنا واحدة ألست زعمت: ان قوم موسي احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال: بلي. قال: فلو كنت نبياً لاحترقنا نحن أيضاً، فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسي، لأنهم كما زعمت قالوا: «أرنا الله جهرة» ونحن نقول: «لن نؤمن لك حتي تأتي بالله والملائكة قبيلاً» نعاينهم. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ياأبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) قوّي الله بصره لما رفعه دون السماء حتي أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأي رجلاً وامرأة علي فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا. ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي

آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحي الله إليه: ياإبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فاني أنا الغفور الرحيم، الجبار الحليم، لا يضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك. فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فانما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا ميهمن عليّ ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين وأتأني بالامهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم. فاذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي، وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فان عذابي لعبادي علي حسب جلالي وكبريائي، ياإبراهيم خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم اُدبّرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري [301] .

المختار من تراثه الفقهي

اشاره

وردت عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) نصوص فقهية تتوزع علي مختلف أبواب الفقه وهي تناهز ال_ 75 نصاً كما أحصاها مسند الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وإليك نماذج مختارة منها:

باب الطهارة

1 _ عن محمد بن الريان قال: كتبت إلي الرجل (عليه السلام) هل يجري دم البقّ مجري دم البراغيث، وهل يجوز أحد أن يقيس بدم البقّ علي البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس علي نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع (عليه السلام): يجوز الصلاة والطهر منه أفضل [302] . 2 _ عن الحسن بن راشد قال: قال الفقيه العسكري (عليه السلام): ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق [303] .

باب الصلاة

1 _ عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام) أسأله: هل يصلي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام): لا تحلّ الصلاة في حرير محض [304] . 2 _ عن اسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألته عن الثوب الابريسم هل يصلي فيه الرجل؟ قال: لا [305] . 3 _ عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام) أسأله: هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض فإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إنْ شاء الله [306] . 4 _ عن سليمان بن حفص المروزي، عن الرجل العسكري (عليه السلام) قال: اذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضيء له الدنيا فيكون ساعة ويذهب، ثم تظلم، فاذا بقي ثلث الليل الأخير ظهر بياض من قِبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب ; وهو وقت صلاة الليل، ثم تظلم قبل الفجر، ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق، قال: ومن أراد أن يصلّي في نصف الليل فيطول ;

فذلك له [307] . 5 _ عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إليه _ يعني أبا محمد (عليه السلام) _ يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً [308] . 6 _ علي بن محمد، عن محمد بن أحمد بن مطهر أنه كتب إلي أبي محمد (عليه السلام) يخبره بما جاءت به الرواية: أنّ النبي (صلي الله عليه وآله) كان يصلي في شهر رمضان وغيره من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعة الفجر. فكتب (عليه السلام): فضّ الله فاه ; صلّي من شهر رمضان في عشرين ليلة، كل ليلة عشرين ركعة، ثماني بعد المغرب، واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، واغتسل ليلة تسع عشرة وليلة إحدي وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، وصلّي فيهما ثلاثين ركعة: اثنتي عشرة بعد المغرب، ثماني عشرة بعد عشاء الآخرة، وصلّي فيها مائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد عشر مرات وصلّي إلي آخر الشهر كلّ ليلة ثلاثين ركعة، كما فسرت لك [309] .

باب الصوم

1 _ محمد بن يحيي عن محمد قال: كتبت إلي الأخير (عليه السلام): رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً ; خمسة أيام أحد الوليين، وخمسة أيام الآخر؟ فوقع (عليه السلام): يقضي عنه أكبر وليّه عشرة أيام ولاءاً، إن شاء الله [310] . 2 _ وكتب حمزة بن محمد إلي أبي محمد (عليه السلام): لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب: ليجد الغني مسّ الجوع ; فيحنّ علي الفقير [311] . 3 _ روي الصدوق عن أبي الحسن علي بن الحسن بن الفرج المؤذن،

قال: حدثني محمد بن الحسن الكرخي، قال: سمعت الحسن بن علي (عليه السلام) يقول لرجل في داره: ياأبا هارون من صام عشرة أشهر رمضان متواليات دخل الجنة [312] . 4 _ وروي محمد بن عيسي، عن علي بن بلال، قال: كتبت الي الطيّب العسكري (عليه السلام): هل يجوز أن يعطي الفطرة عن عيال الرجل، وهم عشرة، أقل أو أكثر، رجلاً محتاجاً موافقاً؟ فكتب (عليه السلام): نعم، افعل ذلك [313] .

باب الخمس والزكاة

1 _ روي الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسي عن محمد بن الريان، قال: كتبت إلي العسكري (عليه السلام): جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول الله (صلي الله عليه وآله) من الدنيا إلاّ الخمس، فجاء الجواب: إن الدنيا وما عليها لرسول الله (صلي الله عليه وآله) [314] . 2 _ وقال الشيخ الطوسي: وروي الريان بن الصلت، قال: كتبت الي أبي محمّد (عليه السلام): ما الذي يجب عليّ يامولاي في غلة رحي في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (عليه السلام): يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالي [315] .

باب الحج

1 _ وكتب إليه علي بن محمد الحضيني: أنّ ابن عمّي أوصي أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة، فليس يكفي: فما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام): تجعل حجتين في حجة، إن الله عالم بذلك [316] .

باب النكاح والطلاق

1 _ روي الكليني عن محمد بن يحيي عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام): امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوج إبنة هذه المرضعة، أم لا؟ فوقّع (عليه السلام): لا، لا تحل له [317] . 2 _ وكتب محمد بن الحسن الصفار إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليه السلام) في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدة منه. وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها، وهي تعمل للناس، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة في عدتها. قال: فوقّع (عليه السلام): لا بأس بذلك، إن شاء الله [318] .

باب القضاء والشهادات

1 _ وكتب إليه في رجل قال لرجلين: إشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بحدودها كلها لفلان ابن فلان، وجميع ماله في الدار من المتاع والبنية لا تعرف المتاع ; أي شيء هو؟. فوقع (عليه السلام): يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء الله [319] . 2 _ وكتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) في رجل أراد أن يشهد علي إمرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد عدلان أنها فلانة بنت فلان، التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز الشهادة عليها حتي تبرزن وتثبتها بعينها؟ فوقّع (عليه السلام): تتنقب وتظهر للشهود، إن شاء الله [320] . 3 _ كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام): هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له علي رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه

السلام): إذا شهد معه آخر عدل فعلي المدّعي يمين. 4 _ وكتب إليه أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً بحق له علي الميت أو علي غيره، وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع (عليه السلام): نعم، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته. 5 _ وكتب إليه: أو تقبل شهادة الوصي علي الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام): نعم، من بعد يمين [321] .

باب الوصية

1 _ وكتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام): رجل أوصي بثلث ماله في مواليه، الذكر والاُنثي فيه سواء؟ أو للذكر مثل حظّ الاُنثيين من الوصية؟ فوقّع (عليه السلام): جايز للميّت ما أوصي به علي ما أوصي به، إن شاء الله [322] . 2 _ ما رواه محمد بن أحمد بن يحيي، عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلي العسكري (عليه السلام): امرأة أوصت إلي رجل، وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم، وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف وشعر وشبه وصفر ونحاس وكلّ مالها ; أقرّت به للموصي إليه، وأشهدت علي وصيتها، وأوصت أن تحجّ عنها من هذه التركة حجتان ويعطي مولاة لها أربعمائة درهم، وماتت المرأة وتركت زوجاً فلم ندر كيف الخروج من هذا ; واشتبه الأمر علينا، وذكر كاتب: أنّ المرأة استشارته أن يكتب لها ما يصحّ لهذا الوصيّ، فقال: لا يصح تركتك إلاّ بإقرارك له بدين بشهادة الشهود وتأمرينه بعدها أن ينفذ ما توصينه به، فكتب له بالوصية علي هذا وأقرّت للوصيّ بهذا الدين فرأيك أدام الله عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا بذلك لنعمل

به، إن شاء الله؟ فكتب بخطه (عليه السلام): إن كان الدين صحيحاً معروفاً مفهوماً، فيخرج الدين من رأس المال، إن شاء الله، وإن لم يكن الدين حقّاً، أنفذ لهما ما أوصت به من ثلثها ; كفي أو لم يكف [323] . 3 _ كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام): رجل أوصي إلي رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف. فوقّع (عليه السلام): لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ويعملان علي حسب ما أمرهما، إن شاء الله [324] .

باب الوقف

قال محمد بن الحسن الصفار: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود علي الورثة، وإذا كان موقتاً فهو صحيح مُمْضي، وقال قوم: إن الموقت هو الذي يذكر فيه: أنّه وقف علي فلان وعقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلي أن يرث الله عزّوجلّ الأرض ومن عليها وقال آخرون: هذا موقت اذا ذكر انه لفلان وعقبه ما بقوا، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين الي أن يرث الله الأرض ومن عليها، والذي هو غير موقّت أن يقول: هذا وقف، ولم يذكر أحداً، فما الذي يصحّ من ذلك وما الذي يبطل؟ فوقّع (عليه السلام): الوقوف بحسب ما يوقفها ]أهلها[، إن شاء الله [325] .

باب الارث

سأل الفهفكي أبا محمد (عليه السلام): المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ قال أبو محمد (عليه السلام): إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معلقة، إنّما ذلك علي الرجال. فقلت في نفسي قد كان قيل لي إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب، فأقبل أبو محمد (عليه السلام) عليّ فقال: نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء، والجواب منّا واحد، إذا كان معني المسألة واحداً، جري لآخرنا ما جري لأولنا، وأولنا وآخرنا في العلم سواء، ولرسول الله (صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام) فضلهما [326] .

باب المعيشة

1 _ وروي عن محمد بن علي بن محبوب قال: كتب رجل إلي الفقيه(عليه السلام) في رجل كانت له رحي علي نهر قرية، والقرية لرجل أو لرجلين، فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلي قرية في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحي ويعطل هذه الرحي، أله ذلك أم لا؟ فوقع (عليه السلام): يتقي الله، ويعمل في ذلك بالمعروف، ولا يضارّ أخاه المؤمن. 2 _ وفي رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل آخر أن يحفر قناة أخري فوقه، ما يكون بينهما في البعد حتي لا يضرّ بالاُخري في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة. فوقع (عليه السلام): عليه علي حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر، إن شاء الله [327] . 3 _ وكتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) يقول: رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ويشارطونه علي شيء مسمّي، أله أن يأخذه منهم أم لا؟ فوقّع (عليه السلام): إذا واجر نفسه

بشيء معروف أخذ حقّه، إن شاء الله [328] . 4 _ محمد بن يحيي عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلي الرجل أسأله عن رجل اشتري جزوراً أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع (عليه السلام): عرّفها البايع فإن لم يكن يعرفها ; فالشيء لك، رزقك الله إيّاه [329] . 5 _ محمد بن الحسن، قال: كتبت إليه (عليه السلام) في رجل باع بستاناً فيه شجر وكرم، فاستثني شجرة منها. هل له ممرّ إلي البستان إلي موضع شجرته التي استثناها؟ وكم لهذه الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها، بقدر أغصانها؟ أو بقدر موضعها التي هي نابتة فيه؟ فوقع (عليه السلام): له من ذلك علي حسب ما باع وأمسك، فلا يتعدي الحق في ذلك، إن شاء الله [330] . 6 _ وكتب محمد بن الحسن الصفار إلي أبي محمد (عليه السلام) في رجل إشتري من رجل أرضاً بحدودها الأربعة، وفيها زرع ونخل وغيرها من الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه وذكر فيه: أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض، أم لا؟ فوقع (عليه السلام): إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها ; فله جميع ما فيها، إن شاء الله [331] . 7 _ محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين قال: كتبت إلي أبي محمد(عليه السلام): رجل دفع إلي رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت، فهل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه؟ فوقّع (عليه السلام): هو ضامن لها، إن شاء الله [332] . 8 _

وروي عن محمد بن علي بن محبوب، قال: كتب رجل إلي الفقيه(عليه السلام): في رجل دفع ثوباً إلي القصّار ليقصره، فدفعه القصار إلي قصار غيره ليقصره، فضاع الثوب، هل يجب علي القصار أن يرد ما دفعه إلي غيره إن كان القصار مأموناً؟ فوقّع (عليه السلام): هو ضامن له إلاّ أن يكون ثقة مأموناً، إن شاء الله [333] .

باب الأولاد

وكتب عبد الله بن جعفر الحميري إلي أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) أنّه روي عن الصالحين (عليهم السلام) أن: اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، فإنّ الأرض تضجّ إلي الله عزّوجلّ من بول الأغلف. وليس _ جعلني الله فداك _ لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، عندنا حجّام من اليهود، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين، أم لا؟ فوقّع (عليه السلام): يوم السابع فلا تخالفوا السنن إن شاء الله [334] .

المختار من تراثه في الدعاء

1 _ روي ابن فهد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: من أنس بالله استوحش من الناس وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس. [335] . 2 _ وروي عنه قوله (عليه السلام): ارفع المسئلة ما وجدت التحمل يمكنك فان لكل يوم رزقاً جديداً. واعلم ان الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء، فاصبر حتي يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنع من الملهوف والأمن من الهارب المخوف، فربما كانت الغير نوعاً من أدب الله ; والحظوظ مراتب، فلا تعجل علي ثمرة لم تدرك فانما تنالها في أوانها. واعلم ان المدبر لك اعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع اُمورك يصلح حالك. ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط. واعلم ان للحياء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وان للحزم مقداراً فإن زاد عليه فهو تهور. واحذر كل زكي ساكن الطرف، ولو عقل أهل الدنيا خربت [336] . 3 _ سأل أبو محمّد عبد الله بن محمّد العابد بالدالية أبا محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في منزله بسرّ من رأي سنة خمس وخمسين ومأتين أن يملي عليه من

الصّلاة علي النّبي وأوصيائه عليه وعليهم السّلام وأحضر معه قرطاساً كبيراً فأملي عليه من غير كتاب: اللّهمّ صلّ علي محمّد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك. وصلّ علي محمّد كما احلّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك. وصلّ علي محمّد كما اقام الصّلاة وآتي الزّكاة ودعَا الي دينك. وصلّ علي محمّد كما صدّق بوعدك واشفق من وعيدك. وصلّ علي محمد كما غفرت به الذُّنوب وسترت به العيوب وفرّجت به الكروب وصلّ علي محمد كما دفعت به الشقاء وكشفت به الغماء وأجبت به الدُّعاء ونجّيت به من البلاء. وصلّ علي محمّد كما رحمت به العباد واحييت به البلاد وقصمت به الجبابرة واهلكت به الفراعنة. وصلّ علي محمّد كما اضعفت به الأموال واحرزت به من الأهوال وكسرت به الأصنام ورحمت به الأنام. وصلّ علي محمّد كما بعثته بخير الأديان واعززت به الايمان وتبّرْت به الأوثان وعظّمت به البيت الحرام. وصلّ علي محمّد واهل بيته الطّاهرين الأخيار وسلّم تسليماً. اللّهمّ صلّ علي امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب اخي نبيّ_ك ووصيّه ووليّ_ه وصفيّ_ه ووزيره ومستودع علمه وموضع سرّه وباب حكمته والنّاطق بحجّته والدّاعي الي شريعته وخليفته في امّته ومفرّج الكرب عن وجهه قاصم الكفرة ومرغم الفجرة الّذي جعلته من نبيّ_ك بمنزلة هرون من موسي. اللّهمّ وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من نصب له من الاوّلين والآخرين وصلّ عليه أفضل ما صلّيت علي أحد من أوصيآء أنبيائك ياربّ العالمين. اللّهمّ صلّ علي الصّ_دّيقة فاطمة الزّكيّة حبيبة حبيبك ونبيّ_ك واُمّ أحبّائك وأصفيائك الّتي انتجبتها وفضّلتها واخترتها علي نساء العالمين اللّهمّ كن الطّالب لها ممّن ظلمها واستخفّ بحقّ_ها وكن الثّائر اللّهمّ بدم اولادها اللّهمّ وكما

جعلتها اُمّ أئمّة الهدي وحليلة صاحب اللّواء والكريمة عند الملأ الأعلي فصلّ عليها وعلي اُمّ_ها خديجة الكبري صلاةً تكرم بها وجه أبيها محمّد صلّي اللّه عليه وآله وتقرُّ بها أعين ذرّيّتها وأبلغهم عنّ_ي في هذه السّاعة افضل التّحيّة والسّلام. اللّهمّ صلّ علي الحسن والحسين عبديك ووليّيك وابني رسولك وسبطي الرّحمة وسيّ_دي شباب أهل الجنّة افضل ما صلّيت علي احد من اولاد النّبيّ_ين والمرسلين. اللّهمّ صلّ علي الحسن بن سيّ_د الوصيّين ووصيّ_ أمير المؤمنين (عليه السلام) السّلام عليك يابن رسول اللّه السّلام عليك يابن سيّ_د الوصيّ_ين أشهد انّك يابن امير المؤمنين امين اللّه وابن امينه عشت مظلوماً ومضيت شهيداً واشهد انّك الأمام الزّكيُّ الهادي المهديُّ اللّهمّ صلّ عليه وبلّ_غ روحه وجسده عنّ_ي في هذه السّاعة افضل التّحيّة والسّلام. اللّهمّ صلّ علي الحسين بن عليّ المظلوم الشّهيد قتيل الكفرة وطريح الفجرة السّلام عليك ياأبا عبد اللّه السّلام عليك يابن رسول اللّه السلام عليك يابن امير المؤمنين اشهد موقناً انّك امين اللّه وابن امينه قتلت مظلوماً ومضيت شهيداً واشهد انّ اللّه تعالي الطّالب بثارك ومنجزٌ ما وعدك من النّصر والتّأييد في هلاك عدوّك واظهار دعوتك واشهد انّك وفيت بعهد اللّه وجاهدت في سبيل اللّه وعبدت اللّه مخلصاً حتّي أتاك اليقين لعن اللّه اُمّة قتلتك ولعن اللّه اُمّة خذلتك ولعن اللّه اُمّة ألّبت عليك وأبرء الي اللّه تعالي ممن أكذبك واستخف بحقّك واستحلّ دمك بأبي أنت واُمّي ياأبا عبد الله لعن الله قاتلك ولعن الله خاذلك ولعن اللّه من سمع واعيتك فلم يجبك ولم ينصرك ولعن اللّه من سبا نساءك أنا الي اللّه منهم بريء وممّن ولاّهم ومالاهم وأعانهم عليه أشهد انّك والأئمّة من ولدك كلمة التقوي وباب الهدي

والعروة الوثقي والحجّة علي اهل الدُّنيا وأشهد أنّ_ي بكم مؤمن وبمنزلتكم موقن ولكم تابع بذات نفسي وشرايع ديني وخواتيم عملي ومنقلبي في دنياي وآخرتي. اللّهمّ صلّ علي عليّ بن الحسين سيّ_د العابدين الّذي استخلصته لنفسك وجعلت منه أئمّة الهدي الّذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون اخترته لنفسك وطهّرته من الرّجس واصطفيته وجعلته هادياً مهديّاً اللّهمّ فصلّ عليه أفضل ما صلّيت علي أحد من ذرّيّة أنبيائك حتّي يبلغ به ما تقرُّ به عينه في الدُّنيا والآخرة إنّك عزيز كريم. اللّهمّ صلّ علي محمّد بن عليّ باقر العلم وامام الهدي وقائد اهل التّقوي والمنتجب من عبادك اللّهمّ وكما جعلته علماً لعبادك ومناراً لبلادك ومستودعاً لحكمتك ومترجماً لوحيك وامرت بطاعته وحذّرت من معصيته فصلّ عليه ياربّ افضل ما صلّيت علي احد من ذرّيّة انبيائك واصفيائك ورسلك وامنائك ياربّ العالمين. اللّهمّ صلّ علي جعفر بن محمّد الصّادق خازن العلم الداعي اليك بالحقّ النُّور المبين اللّهمّ وكما جعلته معدن كلامك ووحيك وخازن علمك ولسان توحيدك ووليّ امرك ومستحفظ دينك فصلّ عليه افضل ما صلّيت علي احد من اصفيائك وحججك انّك حميد مجيد. اللّهمّ صلّ علي الأمين المؤتمن موسي بن جعفر البرّ الوفيّ الطّاهر الزّكيّ النُّور المبين المجتهد المحتسب الصّابر علي الأذي فيك اللّهمّ وكما بلّغ عن آبائه ما استودع من امرك ونهيك وحمل علي المحجّة وكابد اهل العزّة والشّدّة فيما كان يلقي من جهّال قومه ربّ فصلّ عليه افضل واكمل ما صلّيت علي احد ممّن اطاعك ونصح لعبادك انّك غفور رحيم. اللّهمّ صلّ علي عليّ بن موسي الّذي ارتضيته ورضيت به من شئت من خلقك اللّهمّ وكما جعلته حجّة علي خلقك وقائماً بامرك وناصراً لدينك وشاهداً علي عبادك وكما نصح لهم

في السّرّ والعلانية ودعا الي سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة فصلّ عليه افضل ما صلّيت علي احد من اوليائك وخيرتك من خلقك انّك جواد كريم. اللّهمّ صلّ علي محمّد بن عليّ بن موسي التقي ونور التقي ومعدن الهدي وفرع الأزكياء وخليفة الأوصياء وامينك علي وحيك اللّهمّ فكما هديت به من الضّلالة واستنقذت به من الحيرة وارشدت به من اهتدي وزكّيت به من تزكّي فصلّ عليه افضل ما صلّيت علي احد من اوليائك وبقيّة اوليائك انّك عزيز حكيم. اللّهمّ صلّ علي عليّ بن محمّد وصيّ الأوصياء وامام الأتقياء وخلف ائمّة الدّين والحجّة علي الخلائق اجمعين اللّهمّ كما جعلته نوراً يستضيء به المؤمنون فبشّر بالجزيل من ثوابك وانذر بالأليم من عقابك وحذّر بأسك وذكّر بأيّامك واحلّ حلالك وحرّم حرامك وبيّن شرائعك وفرائضك وحضّ علي عبادتك وامر بطاعتك ونهي عن معصيتك فصلّ عليه افضل ما صلّيت علي احد من اوليائك وذرّيّة انبيائك يااله العالمين. اللّهمّ صلّ علي الحسن بن عليّ بن محمّد البرّ التّقيّ الصّادق الوفيّ النُّور المضيء خازن علمك والمذكّ بتوحيدك ووليّ امرك وخلف ائمّة الدّين الهداة الرّاشدين والحجّة علي اهل الدُّنيا فصلّ عليه ياربّ افضل ما صلّيت علي احد من اصفيائك وحججك واولاد رسلك يااله العالمين. اللّهمّ صلّ علي وليّ_ك وابن اوليائك الّذين فرضت طاعتهم واوجبت حقّهم واذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيراً اللّهمّ انصره وانتصر به لدينك وانصر به اولياءك واولياءه وشيعته وانصاره واجعلنا منهم اللّهمّ اعذه من شرّ كلّ باغ وطاغ ومن شرّ جميع خلقك واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله واحرسه وامنعه ان يوصل اليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك واظهر به العدل وايّ_ده بالنّصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه واقصم

به جبابرة الكفر واقتل به الكفّار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وبرّها وبحرها واملأ به الأرض عدلاً واظهر به دين نبيّ_ك عليه وآله السّلام واجعلني اللّهمّ من انصاره واعوانه واتباعه وشيعته وارني في آل محمّد ما يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون إله الحقّ آمين. [337] . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

پاورقي

[1] الشوري (42): 23.

[2] الخرائج والجرائح، للقطب الراوندي: 3 / 1109 بحار الأنوار: 52 / 50.

[3] الخرائج: 1 / 422 _ 424 ح3 ب12 وذكر الكليني في اُصول الكافي: 1 / 512 ح24 ب124 مختصراً قريباً منه.

[4] اُصول الكافي: 1 / 503، 504 ح1 ب 24 وكمال الدين: 1 / 41 _ 42.

[5] مدينة المعاجز: 583 وحلية الأبرار: 2 / 498 وعنه في سفينة البحار: 2 / 203.

[6] الخرائج والجرائح: 1 / 422 _ 424 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 261.

[7] مطالب السؤول: 2 / 148.

[8] الفصول المهمة: 275.

[9] تذكرة الخواص: 362.

[10] احقاق الحق: 2 / 621 عن كتاب ضوء الشمس _ لأبي الهدي أفندي: 1 / 119.

[11] الاتحاف بحب الاشراف: 178.

[12] الكافي: 1 / 327، 328 ح 11.

[13] حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): 42.

[14] اُصول الكافي: 1 / 508 ح 8 وعنه في الارشاد: 2 / 329، 330 وفي أعلام الوري: 2 / 150 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 202.

[15] اُصول الكافي: 1 / 506 ح 3 ب 124 وعنه في الارشاد: 2 / 326، 327 وعنه في كشف الغمة: 3 / 200.

[16] كلب القيد: شدته وضيقه.

[17] اُصول الكافي: 1 / 508 ح 10 وعنه في الارشاد: 2 / 330 وفي اعلام

الوري: 2 / 140 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 202.

[18] اُصول الكافي: 1 / 509 ح 14 وعنه في الارشاد: 2 / 322 واعلام الوري: 2 / 137 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 203، ولعلّه كان من المغضوب عليهم لدي بني العباس ولذلك لم يكفوه.

[19] الكافي: 1 / 508 ح 8.

[20] مهج الدعوات: 275.

[21] الكافي: 1 / 513.

[22] المناقب: 2 / 462.

[23] اشارة الي قوله تعالي (إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين). البقرة (2): 124.

[24] اُصول الكافي: 1 / 509 ح 11 وعنه في الارشاد: 2 / 330 واعلام الوري: 2 / 145 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 202.

[25] اُصول الكافي: 1 / 509 ح 13 وعنه في الارشاد: 2 / 331 واعلام الوري: 2 / 145 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 203 وحُمّي الرّبع: هو أن يأخذ يوماً ويترك يومين ويعود في اليوم الرابع، والآية من سورة الأنبياء: 69.

[26] اُصول الكافي: 1 / 506 ح 2 وعنه في الارشاد: 2 / 325 وعنه في كشف الغمة: 3 / 200 وابن «تريخة».كذا في النسخ وفي المصدر «بريحة» وقال الطريحي في المجمع «بريمة» هو: عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي العباسي الناصبي من ندماء المتوكل وقتله اثنان من الحسنيين بالكوفة قبل المعتز بأيام كما في الطبري: 9 / 388 وعنه في الكامل: 7 / 56، وجاء في هامش الارشاد: 2 / 325 بهامش بريحة وابن اُترجة.

[27] الفصد: شق العرق، يستخرج دمه ; لسان العرب، ابن منظور: 10 / 270، طبع بيروت، احياء التراث.

[28] الكافي: 1 / 512.

[29] الخرائج والجرايح: 1 / 422.

وبحار الأنوار: 5 / 262.

[30] الكافي: 1 / 507، والمناقب: 2 / 464.

[31] أصول الكافي: 1 / 503.

[32] الارشاد: 1 / 313.

[33] تذكرة الخواص: 324.

[34] المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 7 / 126.

[35] تذكرة الخواص: 324، وكشف الغمة: 3 / 192 عن ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول.

[36] وفيات الأعيان: 2 / 94.

[37] دلائل الامامة: 223.

[38] راجع حياة الإمام العسكري (دراسة تحليلية تاريخية علمية): 58 _ 59.

[39] بحار الأنوار: 50 / 235.

[40] كمال الدين: 1 / 307، اثبات الهداة: 1 / 651، 544، 469، الشيعة والرجعة: 1 / 88. وحياة الإمام العسكري: 23 _ 28 (للشيخ محمد جواد الطبسي. والألقاب الثلاثة الأخيرة هي الألقاب التي وردت في الكتب الرجالية باعتبار ورودها في أسانيد الروايات والتي كانت تلاحظ فيها ظروف النقل والرواية.

[41] الأعين: الواسع العين.

[42] اُصول الكافي: 1 / 503 ح 1 وعنه في الارشاد: 2 / 321، وفي كمال الدين: 1 / 40 بطريق آخر، وعن الكليني أو المفيد في اعلام الوري: 2 / 147، وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 197، وعن كمال الدين والارشاد والاعلام في بحار الأنوار: 326 _ 330.

[43] بحار الأنوار: 50 / 328 وأخبار الدول: 117.

[44] حياة الإمام الحسن العسكري (دراسة وتحليل): 103 عن الاتحاف بحبّ الاشراف: 68.

[45] النور (24): 37.

[46] اُصول الكافي: 1 / 327 ح 11 وعنه في الارشاد: 2 / 319 واعلام الوري: 2 / 135 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 196، وعن بعضها في أعيان الشيعة 4 ق 3: 295 وعنه في حياة الإمام الحسن العسكري: 23.

[47] تاريخ اليعقوبي: 2 / 484.

[48] حياة الإمام الحسن العسكري: 24.

[49] الارشاد: 2 / 315، وعنه في

بحار الأنوار: 50 / 236.

[50] مناقب آل أبي طالب: 4 / 422.

[51] تحف العقول: 517.

[52] الكافي: كتاب الحجة، باب الاشارة والنص علي أبي محمد (عليه السلام)، الحديث رقم 8.

[53] تاريخ الطبري: 7 / 519.

[54] حياة الإمام الحسن العسكري: 22 _ 23 عن جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 155.

[55] الخرائج والجرائح: 1 / 451 ح 36 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 274.

[56] تاريخ الطبري: 7 أحداث سنة 234 وسنة 254 ه_.

[57] تاريخ اليعقوبي: 2 / 476.

[58] تاريخ ابن الوردي: 1 / 216.

[59] تاريخ الغيبة الصغري: 117.

[60] تذكرة الخواص: 360 عن علماء السير.

[61] المناقب: 4 / 437.

[62] الغيبة الصغري: 118.

[63] مروج الذهب: 4 / 11 عن المبرّد، ولعلّ عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 2 / 434 وعن المسعودي السبط في تذكرة الخواص: 323.

[64] الخرائج والجرائح: 1 / 396 ح 3 ب 11 وعنه في كشف الغمة: 3 / 182.

[65] اُصول الكافي: 1 / 501 ح6 وعنه في الارشاد: 2 / 306 واعلام الوري: 2 / 116 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 170.

[66] مروج الذهب: 4 / 48، والكامل في التاريخ: 5 / 311.

[67] غافر (40): 84 _ 85.

[68] مناقب آل أبي طالب: 4 / 437.

[69] أمالي الشيخ الصدوق: 489.

[70] اُصول الكافي: 1 / 502 ح 8 وفي ط: 2 / 9 وعنه في الارشاد: 2 / 307 وفي اعلام الوري: 2 / 121 _ 122 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 171.

[71] اُصول الكافي: 1 / 500 ح 5 وعنه في الارشاد: 2 / 306 واعلام الوري: 2 / 115 وعن الارشاد في كشف الغمة: 170.

[72] أمالي الطوسي: 285 ح 555

وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4 / 422.

[73] رجال الكشي: 516 ح 994 و 995.

[74] رجال الكشي: 518 ح 996.

[75] اُصول الكافي: 1 / 498 _ 499 ح 3.

[76] يُراجع تاريخ الكوفة: 393، ومنهاج التحرك عند الإمام الهادي: 87 _ 93.

[77] دلائل الامامة: 219.

[78] الغيبة، للطوسي: 124 _ 128.

[79] كمال الدين: 2 / 426، وعنه في بحار الأنوار: 51 / 11.

[80] الإمام الهادي من المهد الي اللحد: 136 _ 137.

[81] حياة الإمام الحسن العسكري: 24 _ 25 عن المجدي في النسب (مخطوط).

[82] الإمام الهادي من المهد الي اللحد: 137.

[83] حياة الإمام الحسن العسكري (دراسة وتحليل): 25 وراجع الكافي: كتاب الحجة، باب النص علي أبي محمد (عليه السلام). الحديث رقم 8.

[84] سفينة البحار: 1 / 259.

[85] راجع منهاج التحرك عند الإمام الهادي (عليه السلام): 8، وراجع أيضاً الإمام الهادي من المهد الي اللحد: 138 وراجع أيضاً مسند الإمام الحسن العسكري: 52 _ 61 و130.

[86] كمال الدين: 1 / 252 ح2، ورواه في العيون: 1 / 58، ح27، والمختصر: 90، وروي عنهما العوالم: 15 / 44، القسم الثالث، وبحار الأنوار: 36 / 245.

[87] الخوارزمي، مقتل الحسين: 1 / 94 _ 95.

[88] كمال الدين: 1 / 258.

[89] الرازي، علي بن محمد بن علي الخزاز، كفاية الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر: 16.

[90] بحار الأنوار: 36 / 310، عن كفاية الأثر: 297.

[91] بحار الأنوار: 36 / 351، عن كفاية الأثر: 195 _ 196.

[92] المناقب: 1 / 292.

[93] بحار الأنوار: 36 / 348، كفاية الأثر: 187.

[94] إثبات الهداة: 1 / 599.

[95] إثبات الهداة: 1 / 651.

[96] بحار الأنوار: 36 / 390.

[97] إثبات الهداة: 2 / 603 ح587.

[98] من

لا يحضره الفقيه: 1 / 329.

[99] كمال الدين: 2 / 373. [

[100] كمال الدين: 2 / 378.

[101] الغيبة: 120.

[102] الصراط السويّ: 407.

[103] دلائل الإمامة: 216.

[104] وفي رواية الطبري: صلي عليه أبو محمد بن المتوكل: 7 / 519.

[105] إثبات الوصية: 206.

[106] المناقب 2 / 467.

[107] المناقب 2 / 468.

[108] المناقب 2 / 468.

[109] المناقب 2 / 469.

[110] المناقب 2 / 470.

[111] المناقب 2 / 470.

[112] الثاقب: 231.

[113] بحار الأنوار 50 / 269 عن الخرائج والجرائح: 1 / 439 ح 18 ب 12.

[114] بحار الأنوار 50 / 269 عن الخرائج والجرائح: 1 / 439 ح 19 ب 12.

[115] مسند الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): 118 وبحار الأنوار 50 / 273 عن الخرائج والجرائح: 1 / 447 ح 33 ب 12.

[116] مسند الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): 118 وبحار الأنوار 50 / 274 عن الخرائج والجرائح: 1 / 488 ح34 ب12.

[117] راجع الكامل في التاريخ ومروج الذهب أحداث السنين (232 _ 256 ه_).

[118] قال تعالي في سورة الحجرات الآية: 13 (إنّما المؤمنون إخوة) وقال (صلي الله عليه وآله): الناس سواسية كأسنان المشط المبسوط للسرخسي: 5 / 23، لسان الميزان: 2 / 43، باختلاف يسير.

[119] الكامل لابن الأثير: 4 أحداث السنين (248 _ 322ه_).

[120] تاريخ الإسلام السياسي د. حسن ابراهيم حسن: 3 / 26 وما بعدها.

[121] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 422 _ 423.

[122] تأريخ الإسلام السياسي: 3 / 423.

[123] تاريخ الطبري 7، احداث السنين (255 _ 270 ه_).

[124] الحضارة الاسلامية: 268، راجع تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 424.

[125] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 435.

[126] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 332.

[127] تاريخ الإسلام السياسي: 3 / 319 بتصرف.

[128] تجارب الاُمم لمسكويه:

2 / 296 _ 297 بتصرف. وقال المعتزلي: الهندسة أصلها بالفارسية: أندازه اي المقدار والمهندس أي المقدِّر.

[129] الأئمة الاثنا عشر: 235، دار الأضواء، 1404ه_.

[130] الأئمة الاثنا عشر: 235.

[131] الفخري في الآداب السلطانية، ابن طباطبا: 221.

[132] الفخري في الآداب السلطانية: 221.

[133] كشف الغمة: 3 / 206.

[134] الخرائج والجرائح: 1 / 451 ح 36.

[135] كشف الغمة: 3 / 207 عن كتاب الدلائل.

[136] الكامل في التاريخ: 7 / 195، 196.

[137] تاريخ الخلفاء، السيوطي: 422.

[138] تاريخ الخلفاء: 423.

[139] تاريخ الطبري: 3 حوادث (91 _ 101 ه_) وهي خلافة عمر بن عبد العزيز.

[140] تاريخ الخلفاء، السيوطي: 424.

[141] تاريخ اليعقوبي: 2 / 505، 506.

[142] اُصول الكافي: 1 / 510 ح 16 وعنه في الارشاد: 2 / 331 وفي اعلام الوري: 2 / 144، 145 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 204.

[143] اُصول الكافي: 1 / 511 ح 18.

[144] اُصول الكافي: 1 / 512 ح 23 وعنه في الارشاد: 2 / 334 وفي اِعلام الوري: 2 / 150 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3 / 204.

[145] اعلام الوري: 356.

[146] الكامل في التاريخ: 5 / 356.

[147] المناقب: 2 / 462.

[148] تاريخ الخلفاء، السيوطي: 425.

[149] سبائك الذهب: 87.

[150] راجع الكامل في التاريخ: 4 / 430 _ 445.

[151] كشف الغمة: 3 / 214 عن كتاب الدلائل.

[152] الكامل في التأريخ: 4 / 432.

[153] الكامل في التأريخ: 4 / 432 _ 433.

[154] الكامل في التأريخ: 4 / 447.

[155] الكامل في التأريخ: 4 / 439.

[156] مناقب آل أبي طالب: 4 / 430.

[157] مهج الدعوات: 275.

[158] الفصول المهمة: 286.

[159] الارشاد: 2 / 336 ومهج الدعوات: 274.

[160] الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي: 314 عن وفياة الأعيان لابن خلكان.

[161] الارشاد:

2 / 339.

[162] الارشاد: 2 / 336 والمنتظم، عبد الرحمن بن علي الجوزي: 7 / 126.

[163] الطبري: 7 حوادث سنة (260 ه_) وعنه في الكامل لابن الأثير.

[164] الفصول المهمة: 271، اُصول الكافي: 1 / 503 ح 1، كمال الدين: 1 / 42.

[165] كمال الدين: 1 / 43.

[166] الفصول المهمة: 271.

[167] كمال الدين: 2 / 475.

[168] كمال الدين: 1 / 43 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 328.

[169] الارشاد: 339.

[170] تاج المواليد: 135.

[171] مناقب ابن شهرآشوب: 4 / 455.

[172] تاريخ الطبري: 7 / 519.

[173] تاريخ المسعودي: 4 / 112 نقلاً عن جمهور الشيعة.

[174] راجع أحاديث الخلافة والامارة والإمامة في الصحاح والمسانيد.

[175] منتخب الأثر: 24 عن كفاية الأثر.

[176] منتخب الأثر: 25 عن كفاية الأثر.

[177] منتخب الأثر: 359 ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي (كشف الحق).

[178] كمال الدين: 354.

[179] المناقب: 4 / 457، 458 عن كتاب التبديل لأبي القاسم الكوفي (ق 3).

[180] مجمع البحرين الطريحي: 1 / 78.

[181] الكافي: 1 / 511، ح 20 وفي نسخة: الشيباني، وكذلك في مناقب آل أبي طالب: 4 / 422.

[182] كشف الغمة: 3 / 221، بحار الأنوار: 50 / 294.

[183] حديقة الشيعة: 592 عن السيد المرتضي الرازي (ق 5) في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، الأنوار النعمانية: 2 / 293، ذرائع البيان في عوارض اللسان: 38.

[184] بحار الأنوار: 50 / 281.

[185] المناقب: 2 / 462.

[186] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 4 / 196 _ 200.

[187] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): 4 / 195 _ 218.

[188] كمال الدين: 2 / 408.

[189] اثبات الهداة: 3 / 569.

[190] غيبة الطوسي: 215.

[191] الخرائج: 1 / 478.

[192]

كمال الدين: 2 / 424.

[193] الكافي: 1 / 330.

[194] كمال الدين: 2 / 434.

[195] كمال الدين: 2 / 430 و 431.

[196] اثبات الهداة: 3 / 570.

[197] كمال الدين: 2 / 407.

[198] الكافي: 1 / 329.

[199] كمال الدين: 2 / 418.

[200] كمال الدين: 2 / 433.

[201] الهداية الكبري: 68، واثبات الهداة: 3 / 572.

[202] اثبات الوصية: 221.

[203] كمال الدين: 2 / 431.

[204] الكافي: 1 / 328.

[205] كمال الدين: 2 / 435.

[206] كمال الدين: 2 / 384.

[207] كمال الدين: 2 / 454.

[208] إثبات الهداة: 3 / 700.

[209] غيبة الطوسي: 215.

[210] كمال الدين: 2 / 409.

[211] كمال الدين: 2 / 409.

[212] كمال الدين: 2 / 524.

[213] راجع للتفصيل حياة الإمام العسكري: 329 _ 342.

[214] تاريخ التشريع الاسلامي، د. عبد الهادي الفضلي: 194 _ 202.

[215] حياة الإمام العسكري للشيخ محمد جواد الطبسي: 325.

[216] بحار الأنوار: ج50، المشتمل علي حياة الأئمة الجواد: 106 والهادي: 216 والعسكري(عليهم السلام): 310.

[217] حياة الإمام العسكري (عليه السلام): محمد جواد الطبسي: الفصل العاشر.

[218] الفهرست، الشيخ الطوسي: 174.

[219] تاريخ التشريع الاسلامي، عبد الهادي الفضلي: 200 _ 202.

[220] تاريخ التشريخ الاسلامي، عبد الهادي الفضلي: 202 _ 211.

[221] علي بن محمد السمري، يراجع كشف الغمة: 3 / 207.

[222] الكافي: 1 / 54 ح 10 و 7 / 412 ح 5 والتهذيب: 6 / 218 ح 514 و 301 ح 845 و عنهما في وسائل الشيعة: 27 / 136 ح 1 ب 11.

[223] الاحتجاج: 2 / 260.

[224] الغيبة الصغري للصدر: 219.

[225] الغيبة الصغري: 219.

[226] تفسير الإمام العسكري: 141 وعنه في الاحتجاج: 2 / 263.

[227] يراجع رجال الكشي: 467 ح 888 و 493 ح 946 وعنه في بحار الأنوار: 48

/ 251 وعنه في سفينة البحار: 3 / 581.

[228] الغيبة: 64 ح 67 ونحوه أخصر منه في رجال الكشي: 598 ح 1120 وليس فيه: تزوّجت بهن، وفي ح1117: ثم تاب وبعث اليه بالمال وفي ح 1118: أنه سكن الكوفة ثم الحيرة ومات بها.

[229] الخرائج والجرائح: 1 / 452 ح38 وعنه في كشف الغمة: 3 / 319.

[230] رجال الكشي: 460 ح 875 و 461 ح 879 وعنه في بحار الأنوار.

[231] يُراجع معجم الفرق الاسلامية: 235.

[232] الأنبياء (21): 26 _ 27.

[233] المناقب: 4 / 461.

[234] الإنسان (76): 30.

[235] الغيبة: 247، بحار الأنوار: 25 / 336 و 337.

[236] المناقب: 2 / 470.

[237] بحار الأنوار: 50 / 273.

[238] بحار الأنوار: 50 / 281.

[239] اثبات الوصية: 239.

[240] اثبات الوصية: 245.

[241] اثبات الوصية: 246.

[242] الخرائج والجرائح: 1 / 439 ح 20 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 269.

[243] تحف العقول: 487 _ 488.

[244] تحف العقول: 487 _ 488.

[245] شعب الايمان: 2 / 43 ح 1124 وعنه في الأنوار البهية، القمي: 319.

[246] الخرائج والجرائح: 449 ح35 وعن الدلائل في كشف الغمّة: 3 / 206، 207.

[247] الخرائج والجرائح: 1 / 447 ح 32 وعنه في كشف الغمة: 3 / 212، 213.

[248] الخرائج والجرائح للراوندي: 1 / 439 ح 20 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 269.

[249] مناقب آل أبي طالب: 4 / 460، 461.

[250] تاريخ التشريع الاسلامي، عبد الهادي الفضلي: 198.

[251] تاريخ التشريع الاسلامي، عبد الهادي الفضلي: 198.

[252] حياة الإمام الحسن العسكري، (دراسة وتحليل)، باقر شريف القرشي: ص71 _ 95.

[253] حياة الإمام الحسن العسكري، القرشي: 95 _ 100، ومسند الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

[254] راجع مقدمة ابن أبي الحديد لشرحه لنهج البلاغة، فيما

يخص الإمام علي وعلوم القرآن الكريم.

[255] فاطر (35): 32.

[256] الثاقب في المناقب: ص341 _ 242 للجرجاني.

[257] الرعد (13): 39.

[258] الثاقب في المناقب: 242 وكشف الغمة: 3 / 209 عن دلائل الحميري.

[259] الروم (30): 4.

[260] الأعراف (7): 54.

[261] كشف الغمة: 3 / 210 عن دلائل الحميري.

[262] الأعراف (7): 172.

[263] كشف الغمة: 3 / 209، 210 عن دلائل الحميري.

[264] اُصول الكافي: 1 / 508 مع اختلاف يسير.

[265] بحار الأنوار: 50 / 310 عن مناقب آل أبي طالب: 4 / 457.

[266] تاريخ التشريع الاسلامي: 198.

[267] تاريخ التشريع الإسلامي: 198 عن مناقب آل أبي طالب: 4 / 457.

[268] مسند الإمام الحسن العسكري: 87، عن الكافي: 1 / 513 ح 27.

[269] طه (20): 125 و 126.

[270] المائدة (5): 3.

[271] الشوري (42): 23.

[272] الإسراء (17): 71.

[273] البقرة (2): 143.

[274] آل عمران (3): 110.

[275] بحار الأنوار: 50 / 319 _ 322.

[276] باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن العسكري: 76 _ 78.

[277] آبة: بليدة تقابل ساوة، وتعرف بين العامة بآوة، قال ذلك ياقوت في المعجم.

[278] باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسن العسكري: 79.

[279] الكشي: 580 ح 1089.

[280] الكشي: 580 ح 1089، معجم رجال الحديث: 10 / 232.

[281] عن الدر النظيم: 748.

[282] حياة الإمام الحسن العسكري: 86 _ 87.

[283] حياة الإمام الحسن العسكري: 87.

[284] عن الدر النظيم ورقة: 225.

[285] راجع باقر شريف القرشي حياة الإمام الحسن العسكري: 73 _ 88.

[286] الاحتجاج: 1 / 6.

[287] الاحتجاج: 1 / 8.

[288] الاحتجاج: 1 / 8.

[289] الاحتجاج: 1 / 9.

[290] الاحتجاج: 1 / 9.

[291] الاحتجاج: 1 / 9.

[292] الكافي: 1 / 95 والتوحيد: 108.

[293] الكافي: 1 / 103 والتوحيد: 108.

[294] الصاقورة: السماء الثالثة.

[295] الباكورة: أول ما يدرك من

الفاكهة.

[296] بحار الأنوار: 78 / 338.

[297] كمال الدين: 222.

[298] كمال الدين: 222.

[299] الكافي: 1 / 509.

[300] تبلغ نصوص الإمام الحسن العسكري حول الإمام المهدي ما يناهز الأربعين نصّاً. راجع معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام) الجزء الرابع.

[301] مسند الإمام الحسن العسكري: 189 _ 200 عن التفسير المنسوب اليه(عليه السلام): سورة البقرة الآية 108.

[302] الكافي: 3 / 60.

[303] الاستبصار: 1 / 118، ب71، ح4.

[304] الكافي: 3 / 399 / ح10، الاستبصار: 1 / 385 / ب255 / ح1.

[305] الاستبصار: 1 / 385، ب255، ح2.

[306] الاستبصار: 1 / 383، ب223، ح11.

[307] التهذيب: 2 / 118، ح445.

[308] التهذيب: 2 / 362، ب17، ح33.

[309] الكافي: 4 / 155، ح6، الاستبصار: 1 / 463، ب287، ح12.

[310] الكافي: 4 / 124، ح5، الإستبصار: 2 / 108، ب57، ح4.

[311] رواه الكليني في الكافي: 4 / 181، ح6 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 43، ب21، ح3.

[312] الخصال: 59، أبواب العشرة.

[313] من لا يحضره الفقيه: 2 / 117.

[314] الكافي: 1 / 409، ص6.

[315] التهذيب: 4 / 139، ح16.

[316] الكافي: 4 / 310، ح2، من لا يحضره الفقيه: 2 / 272، ب166، ح3.

[317] الكافي: 5، ص447، ح18، من لا يحضره الفقيه: 3 / 306، ب146، ح9.

[318] من لا يحضره الفقيه: 3 / 328، ب159، ح12.

[319] الكافي: 7 / 402، ذيل حديث 4 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 153، ب73، ح10.

[320] من لا يحضره الفقيه: 3 / 40، ب29، ح2، الاستبصار: 3 / 19، ب13، ح2.

[321] الكافي: 7 / 394، ح3، من لا يحضره الفقيه: 3 / 43، ب33، ح1.

[322] الكافي: 7 / 45، ح2، من لا يحضره الفقيه: 4 / 155، ب103،

ح3.

[323] الاستبصار: 4 / 113، ب68، ح9.

[324] الكافي: 7 / 46، ح1، بتفاوت وفيه: رجل مات وأوصي، من لا يحضره الفقيه: 4 / 151، ب99، ح1، الاستبصار: 4 / 118، ب73، ح1.

[325] الكليني في الكافي: 7 / 37، ح34 رواه الصدوق في الفقيه: 4 / 176، ب128، ح1 باختصار. وفيه «.. فوقع(عليه السلام): الوقوف تكون علي حسب مايوقفها أهلها، إن شاء الله»، الاستبصار: 4 / 100، ب62، ح2.

[326] الكافي: 7 / 85، ح2، كشف الغمة: 3 / 210.

[327] رواه الكليني في الفروع: 5 / 293، ح5 عن محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين قال: كتبت إلي أبي محمد... بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 150، ب71، ح10.

[328] من لا يحضره الفقيه: 3 / 106، ب58، ح88.

[329] الكافي (الفروع): 5 / 139، ح9.4.

[330] التهذيب: 7 / 90، ح24.

[331] التهذيب: 7 / 138، ح84.

[332] الكافي: 5 / 239، ح9، الفقيه: 3 / 194، ب94، ح3، بتفاوت.

[333] من لا يحضره الفقيه: 3 / 163، ب76، ح14.

[334] الكافي: 6 / 35، ح3، بتفاوت، من لا يحضره الفقيه: 3 / 314، ب149، ح17.

[335] عدة الداعي: 194.

[336] عدة الداعي: 124.

[337] مصباح المتهجد: 280.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.