في رحاب رسول الله و اهل بيته عليهم السلام

اشارة

المولف:مجله حوزه
الناشر:مجله حوزه

مقدمة الناشر

اذا تركنا جانبا ما كتبه مؤرخو التاريخ الرسميون، و ما أمروا به من تزوير... و وضع... و افتراء، و جدنا أغلب المؤرخين المنصفين، و عامة أرباب التراجم و السير، دأبوا علي سرد حياة الامام السبط الحسن بن علي عليهماالسلام، من غير تحليل و لا تعليل لموقفه الفذ الفريد من معاوية ابن ابي‌سفيان.
ان من بداءة القواعد أن (الحدث) التاريخي لا يمكن تقويمه مجردا عن شخصيات أطرافه، و أسبابه و دواعيه، و مقدماته و غاياته، و ظروفه و ملابساته... و علي أساس من الفهم الموضوعي و التجريد المحايد يصح الكلام و تستقيم النتيجة... و يصدق التاريخ.
و ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الزكي الحسن بن علي عليهماالسلام، قدم، بما أقدم عليه مع معاوية، أروع صور الحنكة السياسية، و الفطنة الجهادية... لا لأنه سالم... و هادن.. و صالح.. فكان عام الجماعة كما يقولون، لا أبدا.. بل لأنه فضح الزيف المستتر.. و أحبط الكيد المدبر، بما وضع لمعاوية من شروط، كان الامام علي يقين أنه لن يفي بواحد منها.. و كان ما كان.. حيث وضع معاوية شروط الوثيقة تحت قدميه!!
ثم.. لقد أراد الحسن عليه‌السلام، أن يدخر أخاه الحسين عليه‌السلام ليوم (الطف)، لتستكمل الملحمة شوطها، فيستشهد آل رسول

[ صفحه 4]

الله صلي الله عليه و آله و سلم أطفالا و شبابا و كهولا.. و تسبي عيال النبوة و ودايع الرحمن من (كربلاء) الي (يزيد) بن معاوية، مصفدين بالقيود و السلاسل!!.. من أجل تخليد صمود الحق أمام الباطل و تأييد ثورة المجاهدين علي كل انحراف عن الاسلام.
و نحن اذ نقدم (أشعة من حياة الامام الحسن بن علي) عليهماالسلام لنرجو ان يقبس منها الجيل الاسلامي المعاصر سناء ينير له الدرب نحو الله تعالي، و شعلة تلهب العزائم و تقذف بالهمم نحو أرض الصراع مع أعداء الله و الاسلام و الانسانية.

[ صفحه 5]

اي وليد؟

في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة من الهجرة، أعلن البيت النبوي نبأ ميلاد السبط الأول، و زفت البشري الي المصطفي (ص)، فعلا محياه الكريم كثير من البشر، و اكتنفه الحبور، فهب الي بيت الزهراء الطاهرة (ع)، ليحمل لها تهانيه، و يفضي لها بمسراته.
و قدم اليه الوليد المبارك، تحمله ام‌سلمة (رض) أو أسماء بنت عميس - في رواية - فاستقبله الرسول (ص) بكل كيانه الظاهر، فحمله بين يديه، و قبله و ضمه الي صدره، ثم أذن في اذنه اليمني، و أقام في اليسري، ليكون صوت الحق أول صوت يطرق سمعه و كيانه.
و التفت الرسول (ص) لعلي (ع) قائلا:
«أي شي‌ء أسميت ابني؟»، قال: (ما كنت لأسبقك بذلك)، فقال (ص): (و لا أنا سابق ربي)» [1] .
و لم يكد هذا الحوار الكريم بين الرسول (ص) و وصيه حول تسمية الوليد يصل الي نهايته حتي تنزل الوحي الالهي المقدس علي رسول الله (ص) يبلغه بأن الله سبحانه قد سمي الوليد المبارك «حسنا!» [2] .
و بهذا انتهت الحلقة الاولي من المراسيم الاسلامية التي قوبل بها الوليد الكريم «حسن».

[ صفحه 6]

و حين أطل اليوم السابع من ميلاده الميمون، حل رسول الله (ص) عند فاطمة (ص) لا تمام بقية المراسيم، فعمد الرسول (ص) الي كبش فعقه، و منح القابلة فخذا منه و دينارا، تقديرا لجهودها من أجل الوليد و والدته الزهراء (ع).
ثم عمد (ص) الي رأس الوليد فحلقه، و تصدق بزنة شعره فضة، و طلاه بالخلوق [3] ، و نهي عن طلي رأس الوليد بالدم، معلنا أن ذلك من أخلاق الجاهلية - و كان ذلك مألوفا لديهم - هم أمر بختنه فختن.
و لقد أصبحت المراسيم التي اجريت للحسن (ع)، من لدن جده المصطفي (ص) سنة، استن المسلمون بها فيما بعد.

[ صفحه 7]

السبط في الكتاب و السنة

للحسن السبط (ع) كما لسائر أهل‌البيت (ع)، مكانة عظمي في كتاب الله تعالي و سنة رسوله (ص).
فهذا القرآن الكريم، دستور الامة، و معجزة الاسلام الخالدة، يحمل بين طياته الآيات البينات التي تنطق بمكانة الحسن (ع)، و أهل‌البيت (ع) عند الله تعالي و رسالته؛ منها:
1- آية التطهير: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل‌البيت و يطهركم تطهيرا).
(الأحزاب / 33)
فقد ورد في سبب نزولها أن النبي (ص) دعا بعباءة خيبرية، و جلل بها عليا و فاطمة و حسنا و حسينا، ثم قال: «اللهم ان هؤلاء أهل‌بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا». [7] .
فنزلت آية التطهير، استجابة لدعاء المصطفي محمد (ص).
و هكذا تحمل الآية الكريمة شهادة الله تعالي بطهارة أهل‌البيت (ع)، و نأيهم عن الرجس، و كونهم الاسلام الحي المتحرك.
2- آية المباهلة: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل

[ صفحه 8]

تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين).
(آل عمران / 61)
ففي أسباب نزول هذه الآية الكريمة، قال المفسرون و الو العلم القرآني انها نزلت عندما اتفق نصاري نجران مع رسول الله (ص) أن يبتهل كلا الطرفين الي الله تعالي، أن يهلك من كان علي الباطل في دعوته و اعتقاده، و خرج الرسول (ص) بأهل بيته: علي و فاطمة و الحسن و الحسين (ع)، دون سواهم من البشر للمباهلة، و حين رأي النصاري الوجوه الزكية التي خرج بها الرسول (ص) لمباهلتهم اعتذروا للرسول (ص) عن مباهلته، و أذعنوا لسلطان دولته بدفعهم الجزية..
و أنت تري أن الآية الكريمة عبرت علن الحسنين (ع) ب «الأبناء»، و عن محمد (ص) و علي (ع) ب «أنفسنا»، أما فاطمة، فقد مثلت نساء المسلمين جميعا في ذلك، كما وردت بلفظ «نساءنا»، الأمر الذي يشير بصراحة الي ما يحظي به أهل‌بيت الرسالة (ع) من مقام كريم عند الله و رسوله (ص).
3- آية المودة: (... قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي).
(الشوري / 23)
قال المفسرون ان الآية نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين (ع)، ففي الصحيحين و مسند أحمد بن حنبل، و تفسير الثعلبي، و تفسير الطبرسي، عن ابن‌عباس: قال لما نزل: قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي. قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين و جبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما [5] .

[ صفحه 9]

و عن علي بن الحسين (ع) و سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب، و عن أبي‌جعفر، و عن أبي‌عبدالله (ع)، عن رسول الله (ص)، أنه قال، حين سئل عن مفاد هذه الآية: «أن تودوا قرابتي...» [6] .
و اذ نكتفي بهذا القدر اليسير من الآيات، التي تؤكد مكانة الحسن السبط (ع)، و أهل‌البيت (ع)، جميعا عند الله تعالي، يحسن بنا أن نشير الي بعض النصوص التي وردت عن رسول الله (ص) بشأن الحسن (ع)، و مكانته الرفيعة في دنيا الرسالة الاسلامية، و رسولها القائد (ص):
1- روي البخاري و مسلم، عن البراء، قال: رأيت رسول الله (ص) و الحسن بن علي (ع) علي عاتقه، و هو يقول: اللهم اني أحبه فأحبه.
2- روي الترمذي، عن ابن‌عباس أنه قال: كان رسول الله (ص) حاملا الحسن بن علي (ع)، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي (ص): و نعم الراكب هو.
3- عن الحافظ أبي‌نعيم، عن أبي‌بكر، قال: كان النبي (ص) يصلي بنا، فيجي‌ء الحسن و هو ساجد، و هو اذ ذاك صغير، فيحل علي ظهره و مرة علي رقبته، فيرفعه النبي (ص) رفعا رقيقا، فاذا فرغ من الصلاة، قالوا: يا رسول الله انك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد؟ فقال (ص): «ان هذا ريحانتي».
4- عن أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله (ص): أي أهل‌بيتك أحب اليك؟ قال: «الحسن و الحسين».

[ صفحه 10]

5- و عن عائشة، قالت: ان النبي (ص) كان يأخذ حسنا فيضمه اليه، ثم يقول: «اللهم ان هذا ابني، و أنا أحبه، فأحبه، و أحب من يحبه».
6- و عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله (ص): «من سره أن ينظر الي سيد شباب أهل الجنة، فلينظر الي الحسن بن علي».
7- عن يعلي بن مرة، قال: خرجنا مع النبي (ص) و قد دعينا الي طعام، فاذا الحسن (ع) يلعب في الطريق، فأسرع النبي (ص) أمام القوم ثم بسط يده فجعل يمر مرة هاهنا، و مرة هاهنا يضاحكه حتي أخذه فجعل احدي يديه في رقبته، و الاخري علي رأسه، ثم اعتنقه فقبله، ثم قال: «حسن مني و أنا منه، أحب الله من أحبه».
8- و عن الغزالي في الاحياء، أن النبي (ص) قال للحسن (ع): «أشبهت خلقي و خلقي» [7] .
هذا غيض من فيض، و من شاء الاستزادة، فليراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، و فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي، و مسند أحمد بن حنبل، و تذكرة الخواص لسبط ابن‌الجوزي و غيرها.
و هكذا تتجلي مكانة الحسن السبط (ع) في دنيا الاسلام، من خلال الكتاب العزيز و السنة الشريفة..
و نحن اذ نستعرض صفحة من صفحات تاريخنا المجيد عن مكانة الامام السبط الحسن (ع) لا نستهدف العرض التاريخي المجرد عن

[ صفحه 11]

الهدف الرسالي.. و انما بالدرجة الاولي بتقديم نماذج في سلوك شخصياتنا الاسلامية، التي جسدت في ساحة الواقع أروع تطبيقات الاسلام، لتكون لنا و للأجيال قدوة و اسوة.

[ صفحه 12]

الملامح الشخصية

اشاره

المتتبع لحياة الحسن السبط (ع)، و أخيه الحسين (ع) لا بد أن يصل الي حد القطع أنهما قد توافرت لهما من التربية و الانشاء الروحي و الفكري ما لم يتسن لسواهما بعد جدهما(ص) و أبيهما (ع)، فبصمات الوحي و الاعداد الالهي، صارا طابعا مميزا لشخصيتهما في شتي الملامح و العناصر و المنطلقات، فانهما تلقيا أرقي ألوان التربية الاسلامية علي يد جدهما الرسول (ص) و أبيهما علي (ع) و امهما الزهراء (ع)، من خلال القدوة و التوجيه المباشر الحي، و لئن فقدا جدهما و امهما في سن مبكرة، فان الامداد التربوي بقي هو هو، يتلقيانه في ظلال أبيهما علي بن أبي‌طالب (ع) تلميذ رسول الله (ص) و ربيب مدرسة الوحي، التي تشع علي الناس هدي و رحمة.
و هكذا عايش الحسنان مرحلة الاعداد الالهي، و اعدا لتحمل أعباء الدعوة لرسالة الله، بشكلها و مضمونها، فكانت ثمرة ذلك الاعداد الفذ أن صار الحسنان اسلاما يسير علي الأرض.
و بما أن عناصر شخصيتي الامامين لا تختلف بحال، لذا كانا نسخة واحدة من حيث السلوك و المسار و الخطي و الأهداف، حسب ما يحكم به الاسلام بالنظر الي الواقع. و ان طبيعة حديثنا تقتضي أن نسوق أمثلة حية من نشاطات الامام الحسن السبط (ع) الروحية و العلمية و الخلقية:

[ صفحه 13]

الجانب الروحي

ان الاعداد الأصيل، الذي توفر للامام السبط (ع)، قد وفر لكيانه الروحي سموا شاهقا، فكان تقربه الي الله و انشداده اليه سبحانه أمرا يهز القلوب و يخشع له الوجدان.
و هذه اضمامة من هذه المظاهر التي تكشف هذا الجانب من شخصيته.
فعن الامام الصادق (ع) قال:
«ان الحسن بن علي (ع) كان أعبد الناس في زمانه، و أزهدهم و أفضلهم».
و ورد في روضة الواعظين: ان الحسن (ع) كان اذا توضأ ارتعدت مفاصله و اصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: «حق علي كل من وقف بين يدي رب العرش، أن يصفر لونه و ترتعد مفاصله» [8] .
و عن الامام الصادق (ع):
«ان الحسن بن علي (ع) حج خمسا و عشرين حجة ماشيا، و قاسم الله تعالي ماله مرتين، و قيل ثلاث مرات».
و عن علي بن جذعان و أبي‌نعيم في حلية الأولياء و طبقات ابن‌سعد: ان الحسن (ع) خرج من ماله مرتين، و قاسم الله ماله ثلاث مرات حتي أنه كان ليعطي نعلا و يمسك نعلا، و يعطي خفا و يمسك خفا.
و كان اذا بلغ باب المسجد، يرفع رأسه و هو يقول:
«الهي! ضيفك ببابك، يا محسن! قد أتاك المسي‌ء، فتجاوز عن

[ صفحه 14]

قبيح ما عندي بجميل ما عندكم يا كريم».
و كان (ع) اذا ذكر الموت بكي، و اذا ذكر القبر بكي، و اذا ذكر القيامة و العرض علي الله يشهق شهقة يغشي عليه منها.
و كان (ع) اذا قرأ القرآن و مر بآية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) قال: (لبيك لبيك اللهم لبيك).
أما صدقاته و انفاقه في سبيل الله، فحسبك فيه خروجه من ماله من أجل الله مرتين، و مقاسمته اياه ثلاث مرات [9] .

الجانب العلمي

اذا كان العقل الحي المتفتح ركيزة أساسية من مرتكزات الشخصية الاسلامية؛ و اذا كان الرسول (ص) و الأئمة الهداة من أهل‌البيت (ع) قد تسنموا قمة التسلسل في درجات الشخصية الاسلامية، باعتبار خضوعهم للاعداد الالهي المباشر، في شتي عناصر الشخصية و مكوناتها، فمن خلال هذا التصور الدقيق، فان الامام السبط (ع) و الهداة الميامين (ع)، قد توافر لهم من النشاط الفكري الرائد، في شتي مجالات الحياة، ما لم يتوافر لسواهم من البشر، دون الأنبياء (ع)، يعلل ذلك طبيعة التلقي الذي يتوافر للأئمة، فالامام اما أن يتلقي العلم عن الرسول (ص) مباشرة، أو يتلقاه بالوساطة عن طريق امام سابق عليه.
ان الانفتاح الروحي و الفكري الكامل للامام (ع) علي كتاب الله

[ صفحه 15]

و سنة نبيه الكريم (ص)، قد هيأ له الاستيعاب الشامل للفكر و التشريع الرباني بدقته و واقعيته، بعيدا عن الخطأ و الاشتباه.
و بمقدور أي منصف أن يدرك هذه الحقيقة، من خلال تتبعه لحياة الأئمة، الذين لم يحدثنا تأريخهم قط أن أمرا قد اشكل عليهم في أي باب من أبواب الجانب المعرفي، أو أنهم تعذرت عليهم الاجابة عن سؤال، أو استفسار أو اشكال سواء في أمر فكري أو تشريعي أو علمي أو نحو ذلك، و نذكر طرفا من الجانب العلمي الذي روته سيرة الامام الحسن (ع) كأمثلة علي غزارة علمه و اكتمال معرفته:
أ- كتب اليه الحسن البصري، يسأله عن القضاء و القدر، فأجابه الامام السبط (ع):
«أما بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره و شره، أن الله يعلمه فقد كفر، و من أحال المعاصي علي الله فقد فجر، ان الله لم يطع مكرها، و لم يعص مغلوبا، و لم يهمل العباد سدي من المملكة بل هو المالك، لما ملكهم، و القادر علي ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا و نهاهم تحذيرا، فان ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادا، و ان انتهوا الي معصية فشاء أن يمن عليهم، بأن يحول بينهم و بينها فعل، و ان لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا و لا الزموها كرها، بل من عليهم، بأن بصرهم و عرفهم، و حذرهم، و أمرهم و نهاهم، لا جبرا لهم علي ما أمرهم به، فيكونوا كالملائكة، و لا جبرا لهم علي ما نهاهم عنه، و لله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين» [10] .

[ صفحه 16]

و هكذا، و بعبارات وجيزة يوضح الامام (ع) قضية هي من أكثر قضايا الفكر تعقيدا و عمقا، حتي أنها لشدة عمقها ضل فيها الكثير من رجال الفكر، بل نشأت عنه تيارات متطرفة - كالأشاعرة و المعتزلة - حول التفسير العقائدي السليم و الذي يكشف عنه قول الامام، المعبر عن العمق و الأصالة في الفهم و المعرفة الاسلامية، الأمر الذي يشعر بارتباط الامام السبط (ع) بمنابع الرسالة الصافية و ارتياده من مفاهيمها الأصلية.
ب - «قيل له (ع): ما الزهد؟ قال: (الرغبة في التقوي و الزهادة في الدنيا). قيل: فما الحلم؟ قال: (كظم الغيظ و ملك النفس). قيل: ما السداد؟ قال: (دفع المنكر بالمعروف). قيل: فما الشرف؟ قال: (اصطناع العشيرة و حمل الجريرة). قيل: فما النجدة؟ قال: (الذب عن الجار، و الصبر في المواطن، و الاقدام عند الكريهة). قيل: فما المجد؟ قال: (أن تعطي في الغرم، و أن تعفو عن الجرم). قيل: فما المروءة: قال: (حفظ الدين، و اعزاز النفس، و لين الكنف، و تعهد الصنيعة، و أداء الحقوق، و التحبب الي الناس). قيل: فما الكرم؟ قال: (الابتداء بالعطية قبل المسألة و اطعام الطعام في المحل). قيل: فما الدنيئة؟ قال: النظر في اليسير و منع الحقير). قيل: فما اللؤم؟ قال: (قلة الندي و أن ينطق بالخني). قيل: فما السماح؟ قال: (البذل في السراء و الضراء). قيل: فما الشح؟ قال: (أن تري ما في يديك شرفا و ما أنفقته تلفا). قيل: فما الاخاء؟ قال: (الاخاء في الشدة و الرخاء). قيل: فما الجبن؟ قال: (الجرأة علي الصديق و النكول عن العدو). قيل: فما الغني؟ قال: (رضي النفس بما قسم لها و ان قل). قيل فما الفقر؟ قال: (شره النفس

[ صفحه 17]

الي كل شي‌ء). قيل: فما الجود؟ قال: (بذل المجهود). قيل: فما الكرم؟ قال: (الحفاظ في الشدة و الرخاء). قيل: فما الجرأة؟ قال: (مواقفة الأقران). قيل: فما المنعة؟ قال: (شدة البأس و منازعة أعزاء الناس). قيل: فما الذل؟ قال: (الفرق عند المصدوقة). قيل: فما الخرق؟ قال: (مناواتك أميرك و من يقدر علي ضرك). قيل: فما السناء؟ قال: (اتيان الجميل و ترك القبيح). قيل: فما الحزم؟ قال: (طول الأناة و الرفق بالولاة و الاحتراس من جميع الناس). قيل: فما الشرف؟ قال: (موافقة الاخوان و حفظ الجيران). قيل: فما الحرمان؟ قال: (تركك حظك و قد عرض عليك). قيل: فما السفه؟ قال: (اتباع الدناة و مصاحبة الغواة). قيل: فما العي؟ قال: (العبث باللحية و كثرة التنحنح عند المنطق). قيل: فما الشجاعة؟ قال: (موافقة الأقران و الصبر عند الطعان). قيل: فما الكلفة؟ قال: (كلامك فيما لا يعنيك). قيل: و ما السفاه؟ قال: (الأحمق في ماله المتهاون بعرضه). قيل: فما اللؤم؟ قال: (احراز المرء نفسه و اسلامه عرسه)» [11] .

[ صفحه 18]

ج - «سأله رجل شامي كم بين الحق و الباطل؟
قال (ع): (أربعة أصابع، فما رأيت بعينك فهو الحق و قد تسمع باذنك باطلا كثيرا).
قال الشامي: كم بين الايمان و اليقين؟
قال لسبط (ع): (أربعة أصابع، الايمان ما سمعناه، و اليقين ما رأيناه).
قال: كم بين السماء و الأرض؟
قال (ع): (دعوة المظلوم).
قال الشامي: كم بين المشرق و المغرب؟
قال (ع): (مسيرة يوم للشمس)» [12] .
د - و سئل عن السياسة يوما فأجاب (ع):
«هي أن ترعي حقوق الله، و حقوق الأحياء، و حقوق الأموات. فأما حقوق الله: فأداء ما طلب، و الاجتناب عما نهي، و أما حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو اخوانك، و لا تتأخر عن خدمة امتك، و أن تخلص لولي الأمر ما أخلص لامته، و أن ترفع عقيرتك في وجهه اذا ما حاد عن الطريق السوي. و أما حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم و تتغاضي عن مساوئهم، فان لهم ربا يحاسبهم» [13] .
هذه نبذة من علومه و قبسات من أنوار معرفته و كمال عقله الذي حباه الله به، ذكرناها كنماذج من الارث الفكري الزاخر الذي تركه لأجيال الامة الاسلامية بامتدادها التاريخي [14] .

[ صفحه 19]

الجانب الخلقي

اشاره

حين نتناول هذا الجانب من شخصية الامام السبط (ع) بالدراسة، لا نقصد أن الأئمة الهداة (ع) يتباينون في هذا الجانب أو سواه من عناصر الشخصية الاسلامية المثلي، فهم سواء في ذلك، و حين نسلط الضوء علي الجانب الأخلاقي من شخصية الامام الحسن السبط (ع)، فانما نعني بذلك عرض نماذج من أخلاقه و اسلوب تعامله مع الناس، و تمشيا مع خطتنا هذه، نذكر طرفا من أخلاقه المثلي، لكي تكون مثلا يحتذي و منهجا يقتدي.

تواضعه

أ - روت كتب السيرة أنه (ع) مر علي جماعة من الفقراء، قد وضعوا علي وجه الأرض كسيرات من الخبز، كانوا قد التقطوها من الطريق، و هم يأكلون منها، فدعوه لمشاركتهم في أكلها، فأجاب دعوتهم قائلا:
(ان الله لا يحب المتكبرين).
و لما فرغ من مشاركتهم، دعاهم لضيافته، فأغدق عليهم المال و أطعمهم و كساهم [15] .
ب - روي عنه أنه (ع) مر علي صبية يتناولون طعاما، فدعوه لمشاركتهم فأجاب الدعوة، ثم دعاهم الي داره و أجزل لهم العطاء [16] .
ج - ورد أنه كان جالسا في مكان، و عندما عزم علي الانصراف،

[ صفحه 20]

دخل المكان فقير، فحياه الامام السبط (ع) و لاطفه، ثم قال له:
«انك جلست علي حين قيام منا، أفتأذن لي بالانصراف؟».
فأجاب الرجل: نعم، يا ابن‌رسول الله [17] .
و الحديث يكشف عن حسن المعاشرة بالاضافة الي التواضع.

احسانه لمن أساء اليه

أ- روي أنه وجد شاة له قد كسرت رجلها فقال لغلام له:
- «(من فعل هذا؟)
- أنا.
- (لم ذلك؟)
- لأجلب لك الهم و الغم.
فتبسم (ع)، و قال له: (لأسرك).
فأعتقه و أجزل له في العطاء» [18] .
ب - روي أن شاميا ممن غذاهم معاوية بن أبي‌سفيان بالحقد علي آل الرسول (ص)، رأي الامام السبط راكبا، فجعل يلعنه!! و الحسن (ع) لا يرد عليه، فلما فرغ الرجل، أقبل الامام عليه ضاحكا و قال:
«أيها الشيخ! أظنك غريبا، و لعلك شبهت؟ فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، و لو استرشدتنا أرشدناك، و لو استحملتنا أحملناك، و ان كنت جائعا أشبعناك، و ان كنت عريانا

[ صفحه 21]

كسوناك، و ان كنت محتاجا أغنيناك، و ان كنت طريدا آويناك، و ان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا، و كنت ضيفنا الي وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعا رحبا وجاها عريضا و مالا كثيرا.
فلما سمع الرجل كلامه بكي، ثم قال:
أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، كنت أنت و أبوك أبغض خلق الله الي، و الآن أنت و أبوك أحب خلق الله الي» [19] .
ثم استضافه الامام حتي وقت رحيله، و قد تغيرت فكرته و عقيدته و مفاهيمه عن أهل‌البيت (ع).

سخاؤه

لعل أبرز صفات الامام السبط و أكثرها جلاء من بين أخلاقه السامية: السخاء، فهدف المال لديه أن يكسو به عريانا، أو يغيث به ملهوفا، أو يفي به دين غارم، أو يرد به جوع جائع، و قد قيل له مرة: لأي شي‌ء لا نراك ترد سائلا؟
قال (ع): «اني لله سائل، و فيه راغب، و أنا أستحي أن أكون سائلا، و أرد سائلا، و ان الله عودني عادة، أن يفيض نعمه علي، و عودته أن أفيض نعمه علي الناس، فأخشي ان قطعت العادة أن يمنعني العادة» [20] .

[ صفحه 22]

و هذه نماذج من كرمه السابغ:
جاءه اعرابي سائلا، فقال (ع):
«(أعطوه ما في الخزانة)، فوجد فيها عشرون ألف دينار، فدفعها الي الاعرابي، فقال الاعرابي: يا مولاي! ألا تركتني أبوح بحاجتي و أنشر مدحتي. فأنشأ الحسن (ع):

نحن اناس نوالنا خضل
يرتع فيه الرجاء و الأمل

تجود قبل السؤال أنفسنا
خوفا علي ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا
لغاض من بعد فيضه خجل» [21] .

اشتري الامام السبط (ع) بستانا من الأنصار بأربعمائة ألف درهم، ثم بلغه أنهم احتاجوا الي الناس، فرد البستان اليهم دون مقابل.
تلك هي بعض شمائله و بعض مواقفه السخية مع أبناء الامة و التي كان لها أبعد الأثر في تجسيد الخلق الاسلامي الرفيع [22] .
و الي هنا أصبح بمقدورنا أن نكون فكرة واضحة عن عناصر شخصيته، و شخصيات المعصومين (ع)، باعتبارها من أرقي نماذج الشخصيات الاسلامية التي عرفها تاريخ هذا الكوكب بعد الأنبياء (ع).
و انما سردنا بعض المواقف الواقعية و العلمية لنرد علي أعداء الاسلام الذين يزعمون أن الاسلام منهج نظري غير قابل للتطبيق.

[ صفحه 23]

دور السبط في الحياة الاسلامية

اشاره

بدأ دور الامام السبط يتألق في دنيا الاسلام في وقت مبكر، و قبل أن يتلقي عهد الامامة من أبيه الامام علي (ع).
فقد برز دوره الايجابي بجلاء، منذ أن بايعت الجماهير المسلمة الامام عليا (ع) بالخلافة، و قد بلغ ذروته بعد رحيل الامام القائد علي (ع) الي ربه الأعلي.
فلقد مارس الامام الحسن (ع) ألوان المهام التي تولاها بكفاءة و قدرة و حكمة و بصيرة عز نظيرها.
علي أن المتتبع لسيرة الامام السبط (ع) يدرك أن دوره كان ذا شوطين متكاملين:

في عهد أبيه

لقد تميز دور الامام السبط في عهد أبيه، و في أيام خلافته علي وجه التحقيق، بالخضوع التام لأبيه قدوة و اماما، و قد كان يتعامل معه لا كابن بار له فحسب، و انما كجندي مطيع، بكل ما تحمله كلمة الجندية من مضامين الطاعة و الانضباط، الواعية المدركة لمسؤولياتها.
و من أجل ذلك فقد كان دوره طوال الأيام الحاسمة التي عايشها والده الامام علي (ع) يتجلي في تجسيد مفهوم الانقياد لامامه و ملهمه.
و هذه بعض مهامه في هذا الشوط من حياته:

[ صفحه 24]

أ- عندما تعرض معسكر الامام علي (ع) الي العدوان علي أثر تمرد طلحة و الزبير في البصرة، و قيام حركة البغاة في الشام بقيادة معاوية ابن أبي‌سفيان، احتاج الامام (ع) الي اسناد جماهير الكوفة للذود عن الحق، و اخماد الفتنة التي أججها روادها، و قد اختار الامام علي (ع) نجله الحسن (ع) لهذه المهمة، لشحذ همم أهل الكوفة، و حملهم علي دعم الموقف الاسلامي الأصيل، الذي يمثله الامام علي (ع)، فاستجاب الامام الحسن لطلب أبيه و غادر الي الكوفة بصحبة عمار بن ياسر، و هو يحمل كتاب أبيه الامام الي أبي‌موسي الأشعري عامله علي الكوفة، يبلغه فيه باستغنائه عن خدماته، بسبب تحريضه الناس علي القعود عن نصرة علي (ع)، و عدوله عن الحق المبين.
و ما أن بلغ الامام السبط الكوفة حتي انهالت عليه الجموع معلنة الولاء و النصرة، فألقي فيهم خطابا أيقظ من خلاله الهمم، و بعث النشاط، و حفز النفوس علي حمل راية الجهاد.
و قد نجح (ع) في استنفار الجماهير لنصرة الحق، و الذود عن الرسالة، و دولتها الكريمة [23] .
ب - انتهت معركة الجمل في البصرة، و سرعان ما تحركت قوي أهل الشام بقيادة معاوية لتأخذ مواقعها في صفين، و احيط الامام علي (ع) بنبأ تحرك الحزب الأموي، فأطلع جنده علي الأمر، و استشارهم فيه، فأظهروا الطاعة و الانقياد لأميرالمؤمنين (ع)، و في الأثناء وقف الامام الحسن (ع) خطيبا بين الجماهير، موقظا العزائم باعثا العزم و النشاط في النفوس:

[ صفحه 25]

«الحمدلله لا اله غيره، وحده لا شريك له، و اثني عليه بما هو أهله. ان مما عظم لله عليكم من حقه، و أسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصي ذكره، و لا يؤدي شكره، و لا يبلغه صفة و لا قول، و نحن انما غضبنا لله و لكم، فانه من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه و بلاءه و نعماءه، قولا يصعد الي الله فيه الرضا، و تنتشر فيه عارفة الصدق، يصدق الله فيه قولنا، و نستوجب فيه المزيد من ربنا، قولا يزيد و لا يبيد، فانه لم يجتمع قوم قط علي أمر واحد الا اشتد أمرهم، و استحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية و جنوده، فانه قد حضر، و لا تخاذلوا، فان الخذلان يقطع نياط القلب، و ان الاقدام علي الأسنة نجدة و عصمة، لأنه لم يمتنع قوم قط الا رفع الله عنهم العلة و كفاهم جوائح الذلة و هداهم الي معالم الملة» [24] .
و هكذا انصب بيان الامام السبط (ع) علي توثيق أواصر الوحدة، و رص الصفوف، و جمع الكلمة، لمواجهة الحزب الذي يقوده معاوية و حفنة من النفعيين.
ج - كان الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب (ع) قد حذر من التحكيم لأنه خدعة، و بعد مهزلة التحكيم، التي انتهت بخذلان أبي‌موسي الأشعري للامام علي (ع)، ساد الاضطراب معسكر الامام و تصدع أيما تصدع، و جعل كل فريق يتبرأ من الفريق الآخر، و يشتم بعضهم بعضا، فقرر الامام علي (ع) أن يجلي للقوم حقيقة الموقف، في كون التحكيم فاسدا، فنأيه عن الحق و المنطق، و أسند مهمة ذلك للامام السبط أبي‌محمد الحسن (ع)، قائلا:

[ صفحه 26]

«(قم، يا بني! فقل في هذين الرجلين: عبدالله بن قيس [25] ، و عمرو بن العاص)، فقام الامام السبط خطيبا ليجلي حقيقة الموقف:
(أيها الناس! قد أكثرتم في هذين الرجلين، و انما بعثا ليحكما بالكتاب علي الهدي، فحكما بالهوي علي الكتاب، و من كان هكذا لم يسم حكما ولكنه محكوم عليه، و قد أخطأ عبدالله بن قيس اذ جعلها لعبدالله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال: واحدة أنه خالف أباه اذ لم يرضه لها، و لا جعله في أهل الشوري، و اخري أنه لم يستأمره في نفسه، و ثالثها: أنه لم يجتمع عليه المهاجرون و الأنصار الذي يعقدون الامارة و يحكمون بها علي الناس. و أما الحكومة، فقد حكم النبي (ص) سعد ابن‌معاذ، فحكم بما يرضي الله به، و لا شك لو خالف لم يرضه رسول الله (ص)» [26] .
و هكذا وضع الامام السبط النقاط علي الحروف، و كشف عن زيف التحكيم، و أبان خطأ أبي‌موسي الأشعري الذي انتخبته الغوغاء من جيش الامام علي و فرضته علي الموقف دون روية و تدبر، و الرجل معروف بسوء طويلته.
لقد أوضح السبط بعض أخطائه، و منها خلعه للامام علي و تسميته عبدالله بن عمر بن الخطاب خليفة للمسلمين، و هو أمر ينطوي علي أخطاء ثلاثة دون سائر الأخطاء التي خرج بها تحكيمه الهزيل:
أولها: ان عمر بن الخطاب حين عين الستة للشوري عند اقتراب

[ صفحه 27]

أجله لم يجعل ابنه عبدالله واحدا منهم لعلمه أنه لم يرفع الي مستوي خلافة الناس و قيادتهم العامة.
و ثانيها: ان البيعة كما كان سائدا آنذاك، انما يعقدها المهاجرون و الأنصار و من بعدهم تكون بيعة الامة، فكيف جاز للأشعري أن يعقد أمرا من وراء ظهورهم؟
و ثالثها: ان الأشعري حين عينه في تلك الساعة لم يكن ليستطلع رأيه في ذلك، و لم يعلم هل أنه يواجه ما صرح به (الأشعري) بالرفض أم القبول، فالرجل لا علم له بالأمر ابتداء و لم يأخذ رأيه في تلك المسألة التاريخية.
ثم ان السبط (ع) ضرب للناس مثلا علي التحكيم الواقعي المرضي عندالله، فذكر تحكيم الرسول (ص) لسعد بن معاذ، في قضية بني‌قريظة بعد انتصار الرسول (ص)، حيث نطق بالحق، و بما أراده الله تعالي من قتل للمقاتلين منهم و سبي ذراريهم.
د - اشتراك السبط (ع) الي جانب ذلك في جميع حروب والده الامام علي (ع) في البصرة، و النهروان، و صفين، و كان له دوره الحاسم فيها، حيث خاض تلك المعارك، و أخمد تلك الفتن، متجردا عن كل دافع أو باعث، سوي الحرص علي منهج الاسلام.
هذه بعض المواقف العملية التي نهض الامام السبط (ع) بها في عهد أبيه (ع)، حيث تمثل الحلقة الاولي من دوره الرسالي في دنيا المسلمين.

ايام حكمه

بدأ الشوط الثاني من دور الامام (ع) في دنيا الاسلام بعهد أبيه له بالامامة، فعلي أثر تعرضه للاعتداء الأثيم الذي ارتكبه ابن‌ملجم

[ صفحه 28]

و آخرون، أوصي الامام الراحل (ع) الي ولده الحسن بقوله:
«يا بني! انه أمرني رسول الله (ص) أن أوصي اليك و أدفع اليك كتبي و سلاحي، كما أوصي الي و دفع الي كتبه و سلاحه، و أمرني أن آمرك اذا حضرك الموت أن تدفعها الي أخيك الحسين)، ثم أقبل علي ابنه الحسين فقال: (و أمرك رسول الله (ص) أن تدفعها الي ابنك هذا)، ثم أخذ بيد علي بن الحسين و قال له: (و أمرك رسول الله (ص) أن تدفعها الي ابنك محمد بن علي، فأقرئه من رسول الله و مني السلام)» [27] .
ثم أشهد علي وصيته تلك الحسين و محمدا ابنه، و جميع أولاده، و رؤساء شعيته و أقطابهم.
علي أن آخر أيام الامام علي (ع) قد طفحت بالعديد من الوصايا التوجيهية، من أجل اقامة الحق، و التزام جانبه، و كان أغلبها ينصب علي أولاده، و يخص منهم الامام الحسن (ع) بالذات، تأكيدا لخلافته له و امامته بعده.
و بعد رحيل الامام علي (ع) الي الرفيق الأعلي هبت الكوفة الي المسجد فزعة مذهولة لهول المصاب الأليم، فوقف السبط (ع) بين تلك الكتل البشرية الهائلة، يوجه أول بيان له بعد رحيل القائد العظيم (ع):
«لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، و لم يدركه

[ صفحه 29]

الآخرون، لقد كان يجاهد مع رسول الله (ص) فيقيه بنفسه، و كان رسول الله (ص) يوجهه برايته، فيكنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتي يفتح الله علي يديه، و لقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسي بن مريم (ع) و فيها قبض يوشع بن نون - وصي موسي(ع) -، و ما خلف صفراء و لا بيضاء الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه» [28] .
الي هنا توقف الامام الحسن عن الاسترسال بخطبته، حيث أرسل دموعه مدرارا، بعد أن تمثلت له صورة الراحل العظيم (ع) و أعماله و مواقفه الخالدة، و شاركه الحاضرون في البكاء.
ثم استأنف بيانه قائلا:
«أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني، فأنا الحسن ابن علي، و أنا ابن‌النبي، و أنا ابن‌الوصي، و أنا ابن‌البشير النذير، و أنا ابن‌الداعي الي الله باذنه، و أنا ابن‌السراج المنير، و أنا من اهل‌البيت الذي كان جبريل ينزل الينا، و يصعد من عندنا، و أنا من أهل‌البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و أنا من أهل‌بيت افترض الله مودتهم علي كل مسلم، فقال تبارك و تعالي لنبيه (ص): «قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) [29] ، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل‌البيت» [30] .

[ صفحه 30]

و بهذا عرض الامام السبط (ع) مواصفات القائد الراحل (ع) كما عرض مؤهلاته هو، و مكانته في دنيا الاسلام و المسلمين، و كونه الأولي بقيادة سفينة المسلمين، الي حيث الحق الالهي، دون سواه من البشر.
و ما أن أنهي الامام خطابه، حتي نهض ابن‌عباس يحفز الناس علي البيعة، و هكذا كان، فقد بويع الامام (ع).
و حيث تمت البيعة للحسن السبط (ع) خليفة و أميرا للمؤمنين في الكوفة، و في أمصار اخري فيما بعد، و تناقلت الأنباء أمر رحيل علي (ع) الي ربه و انتقال الخلافة الي نجله السبط (ع).
شمت معاوية بوفاة علي (ع) و احتفلت عاصمته، و عمها السرور!!
بيد أن معاوية قد هزه أمر بيعة الامام الحسن (ع)، فدعا مشتشاريه وقادة أتباعه، الي عقد مؤتمر طارئ في بلاطه للتشاور حول الأحداث الجديدة، و لرسم سياسته التي يواجه بها الامام الحسن (ع)، فقرر المؤتمرون بث الجواسيس في داخل المجتمع الاسلامي الذي يقوده الامام الحسن (ع) لبث الارهاب و اشاعة الدعايات ضد حكم أهل‌البيت (ع) لمصلحة الفتنة في الشام، في الوقت الذي يمارس الحزب الأموي عملا واسعا لكسب الزعامات و الوجوه المؤثرة في سير الأحداث في العراق لصالح الحزب الأموي، و ذلك من خلال الرشاوي و الوعود المغرية و الهدايا و التهديد و الوعيد، و الي غير ذلك.
و قد بادر معاوية فورا الي وضع خطط المؤتمر موضع التنفيذ، فشكل شبكة تجسسية، و عين للنهوض بمهامها رجلين من أمكر رجاله أحدهما «حميري» أرسله للكوفة، و آخر «قيني» أرسله للبصرة [31] .

[ صفحه 31]

علي أن خطط الامام السبط (ع) القاضية باحكام أجهزة الدولة و بنائها بناء راسخا، سرعان ما آتت اكلها بكشف الخطط الأموية [32] .
و علي أثر كشف نيات معاوية المناوئة لدولة أهل‌البيت (ع)، أرسل الامام الحسن السبط كتابا اليه يتوعده و يهدده بالحرب:
«أما بعد، فانك دسست الي الرجال، كأنك تحب اللقاء، لا أشك في ذلك، فتوقعه ان شاء الله، و بلغني عنك أنك شمت بما لم يشمت به ذوو الحجي، و انما مثلك في ذلك كما قال الاول:

فأنا و من قد مات منا لكالذي
يروح فيمسي في المبيت ليغتدي

فقل للذي يبقي خلاف الذي مضي
تجهر لاخري مثلها فكأن قد» [33] .

و قد راوغ معاوية برسالة جوابية ادعي فيها عدم شماتته بموت الامام علي (ع)، مما لسنا بصدد ذكره هنا.
و تبودلت الرسائل بين الامام السبط (ع) و معاوية، و كان أهمها كتاب السبط (ع) لمعاوية بوجوب التخلي عن انشقاقه و الانضواء تحت لوائه الشرعي، ثم تصاعد الموقف بعدها حتي كتب معاوية الي الامام السبط كتابا يطلب منه التنازل عن الحكم!! و الانضواء تحت حكمه علي أن تكون الخلافة له من بعده.
فتأمل الخداع و المساومات!!
غير أن الامام أجابه بكتاب وجيز يحمل روح الاصرار و الحزم:
«أما بعد، فقد وصل الي كتابك تذكر فيه ما ذكرت، و تركت جوابك

[ صفحه 32]

خشية البغي، و بالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم أني من أهله، و علي اثم أن أقول فأكذب، و السلام» [34] .
و انقطعت الرسائل بعد ذلك، و تفاقم الموقف، و أعلنت حالة الحرب بين الطرفين.
و كان معاوية هو البادئ باعلان الحرب من جانبه، فحرك جيوشه نحو العراق.
و رددت آفاق الدولة الاسلامية أنباء التحركات الأموية باتجاه العراق، مما جعل الامام السبط (ع) يبادر الي اعلان الدفاع لمواجهة العدو الزاحف.
فقد أذاع الامام بيانا دعا فيه الامة الي حشد طاقاتها و التجهز للحرب:
«أما بعد، فان الله كتب الجهاد علي خلقه و سماه كرها، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: (اصبروا ان الله مع الصابرين)، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر علي ما تكرهون... اخرجوا رحمكم الله الي معسكركم بالنخيلة حتي ننظر و تنظروا و نري و تروا» [35] .
و مما يحز في النفس أن الجموع التي استمعت الي بيان الامام السبط (ع) كانت قد غمرتها الاشاعات و الدعايات الأموية، فبدلا من أن تهب للدفاع عن الحق الصراح، اصيبت بالذهول و لفها الارتباك، فواجهت امامها الحق ببرود تام، و لم تحظ دعوته للتجهز للحرب

[ صفحه 33]

و الاستعداد له و تحمل مسؤوليات الجهاد بالقبول.
فقد برزت معالم ايثار العافية و القناعة بالأمر الواقع جلية علي سلوك بعض القوم، و أغرت أموال الحكم الأموي قوما آخرين.
و لقد اصيب الامام (ع) بخيبة أمل، حين تكشف له واقع الجماهير التي يقودها، و التي كان يري فيها القاعدة التي يستند اليها في درء الأخطار المحدقة بالرسالة الاسلامية، من جراء نشاط الحزب الأموي المعادي.
و وسط تلك الكتل البشرية الهامدة، التي فقدت احساسها و حيويتها بمجرد هزة بسيطة؛ نتيجة لضعف الرصيد الايماني في تركيبها الروحي؛ و نتيجة لعدم ادراكها لمهماتها التأريخية في حفظ الرسالة الالهية من تيار الفتنة المتصاعد؛ و نتيجة لعدم ادراكها لدور خط الامامة الذي يقوده الامام السبط (ع) في الحياة الاسلامية، و مدي ضرورة اطاعته و الذود عنه كممثل حقيقي للاسلام الذي تنزل به الوحي علي رسوله الكريم (ص)، وسط تلك الكتل المذهولة المهزومة، جلجل نداء النفر المخلصين للاسلام وقادة ركبه الحقيقيين من أهل‌البيت (ع)، فعبروا عن اخلاصهم الذي لا يعرف التراجع و صبوا لومهم علي تلك الجموع المتخاذلة، و تقحموا الموقف بجرأة و ثبات.
و كان في طليعة اولئك المتقين المخلصين: عدي بن حاتم الطائي، و قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، و معقل بن قيس الرياحي، و زياد ابن صعصعة التيمي [36] .

[ صفحه 34]

فقد أنبوا الناس و لاموهم و حرضوهم علي النهوض بمسؤولياتهم الرسالية. و التفتوا في ذات الوقت لامامهم السبط (ع) و شدوا علي يديه، و عاهدوه علي المضي قدما في نصر الحق و مواجهة الطغيان و الفتنة.
فأثني الامام (ع) علي موقفهم الصادق، و خاطبهم بقوله:
«صدقتم رحمكم الله، مازلت أعرفكم بصدق النية و الوفاء و القبول و المودة الصحيحة، فجزاكم الله خيرا» [37] .
و قد خف المخلصون علي الفور، و عسكروا في النخيلة [38] ، كما أمرهم امامهم (ع)، و قد تبعهم الامام بعد ذلك بجيش روي بعضهم أن تعداده كان أربعة آلاف مقاتل، علي أن يلتحق به بقية الناس.
و كان الامام يأمل أن يعود الناس الي نصرة الحق فيقبلوا علي الدفاع عن الاسلام.
بيد أن استمرار تخاذلهم حمله علي العودة مجددا لعاصمته (الكوفة) لحث الناس علي اللحاق به.
و هكذا سار بجيش كبير ولكنه ضعيف في معنوياته يستبد به الخور و التشتت، حتي بلغ النخيلة، فنظم الجيش، و رسم الخطط لقادة الفرق، و ارتحل بعد ذلك الي دير عبدالرحمان، و هناك قرر ارسال طليعة عسكرية كمقدمة لجيشه، و اختار لقيادتها ابن‌عمه عبيدالله بن العباس، و قد جاء في بيان التكليف ما يلي:

[ صفحه 35]

«يا ابن‌عم! اني باعث اليك اثني عشر ألفا من فرسان العرب، و قراء المصر، الرجل منهم يزيد الكتيبة، فسر بهم و ألن لهم جانبك، و ابسط لهم وجهك، و افرش لهم جناحك، و أدنهم من مجلسك، فانهم بقية ثقات أميرالمؤمنين، و سر بهم علي شط الفرات... ثم امض حتي تستقبل بهم جيش معاوية، فان أنت لقيته فاحبسه حتي آتيك، فاني علي أثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل يوم، و شاور هذين - يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس - و اذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتي يقاتلك، فان فعل فقاتله، و ان اصبت فقيس بن سعد علي الناس، فان اصيب قيس بن سعد، فسعيد بن قيس علي الناس» [39] .
و اتخذت الطليعة مواقعها في (مسكن) علي نهر الدجيل في العراق، في وقت تحرك الامام السبط بجيشه فعسكر في (مظلم ساباط) قرب المدائن.
و لم يمض بعض الوقت حتي طفت علي السطح كل العلل التي تفشت في معسكر الامام علي شكل تمزق و خور و فتن و اضطراب و تآمر علي القيادة ذاتها، مما أرغم الامام علي توقيع وثيقة مع معاوية.
ان هذه الوثيقة خافية علي كثير من الباحثين، ممن تناولوا حياة الامام السبط الحسن (ع)، خافية في ظروفها و ملابساتها، خافية في أسبابها و دواعيها، و خافية في نتائجها.
و لهذا سنحاول فيما يلي أن نتناول هذه الوثيقة بالنقد و التحليل لعلنا نصل الي حقائق الامور، فتتضح عبقرية الامام الحسن (ع) أكثر فأكثر.

[ صفحه 36]

مبررات الوثيقة و بنودها

اشاره

منذ أن واكبنا الامام السبط في سيرته العلمية - سواء كانت في عصر الامام أبيه أو في عهد حكمه - و نحن نشهد شخصيته من العزة في القمة، و من العزيمة و المضاء في الذروة، و من سرعة التحرك لحسم المواقف ما يقل نظيرها.
لمسنا ذلك و عايشناه بوعينا، في ضوء وثائق تاريخية لا يرقي اليها الشك.
لمسنا ذلك في اثارته لعزائم أهل الكوفة لنصرة الاسلام في معركة الجمل.
و رأيناه و هو يشحذ الهمم لصد معاوية في صفين.
و شهدناه و هو يخاطب معسكر أبيه بعد التحكيم.
و جاء عهده، فوجدناه كما كان في عهد أبيه يمتلئ عزما و مضاء و حنكة و تدبيرا، فقد بادر علي الفور في احكام دولته، و ترسيخ دعائمها، و أصر علي مقارعة الباطل الأموي، و اخماد فتنة الشام من أجل ترسيخ و دعم دولة الاسلام.
و قد واجه كل محاولات معاوية التي سبقت الحرب، بنفس متعالية سامقة، لا تعرف الا الحق، و لا تطأطئ للباطل رأسا طرفة عين.
بيد أن الظروف الموضوعية التي ألمت بالامام السبط (ع)، قد أحرجت موقفه بشكل يندر نظيره في التاريخ.

[ صفحه 37]

فالجيش الذي يقوده الامام الحسن (ع)، سادته البلبلة و دب فيه المرجفون و الأذناب، حتي كاد أن يسلم الامام (ع) لعدوه!! و الامة اتي يستند اليها و يخطط لمستقبلها و يقود مسيرتها، قد غيرت مسارها لمصلحة خصمه، من فرط الاشاعات و الاغراءات.
و هكذا تغيرت موازين القوي في دولته ذاتها باتجاه خدمة المصالح الأموية.
و هذه - فيما يلي - أهم الأحداث الأليمة التي ألمت بالامام السبط (ع) عبر مواجهته للزحف الأموي الغادر:
1- خيانة قائده علي خط المواجهة - عبيدالله بن العباس - و التحاقه بمعاوية، و معه ثلثا الطليعة التي كلفت بمواجهة العدو الزاحف، مما أثار موجة من البلبلة و الاضطراب في معسكر الامام (ع) و هو في أحرج ساعاته.
و قد جاءت خيانة عبيدالله بن العباس لقاء رشوة تلقاها من معاوية!!
2- ان القوات العسكرية التي يقودها الامام السبط (ع) ذاته، كانت تتوزعها الشعارات و الأهواء و المصالح و الأفكار [40] .
ففيها جماعات زحفت من أجل الغنائم فحسب!!
و فيها الحاقدون - مجرد حقد علي البيت الأموي - ولكن نفوسهم تنطوي علي بغض امامة الحسن (ع) و أهل‌بيته كذلك!!

[ صفحه 38]

و في الجيش عدد كبير من المتعاطفين مع الحزب الأموي في الشام، طمعا بالوعود الملوح بها.
هذا بالاضافة الي سريان روح السأم من القتال في معسكر الامام (ع)، سيما و أن قطعاته المقاتلة سبق و أن خاضت حروب الامام الراحل (ع) الثلاث: الجمل و النهروان و صفين، و هي لما تندمل جراحاتها بعد.
و الي جانب هؤلاء و اولئك توجد ثلة من المخلصين لأهل‌البيت (ع)، ولكن مستواها الكمي لا يتناسب و حجم الغوغاء المتزايد، و التدابير الكيدية المناوئة.
3- اغداق معاوية بالأموال الوفيرة علي زعماء القبائل و أصحاب التأثير في المجتمع العراقي ببذل منقطع النظير، فنقض عزائمهم و طابت نفوسهم و تخلوا عن عزمهم علي مسايرة الامام السبط (ع) في مواجهة معاوية [41] .
و قد كان المال سلاحا ذا حدين، فالي جانب تأثيره الفعال في قلب موازين القوي لمصلحة معاوية، فانه بلغ في نفوس العراقيين مبلغا يثير الدهشة، حين توالت كتبهم علي معاوية تعلن له الولاء و الطاعة، و تعاهده علي تسليم الامام الحسن السبط (ع) له أسيرا عندما تحين ساعة الصفر و تضطرم نار الحرب!! [42] .
و لذا أشار الامام (ع) ذاته:
«و الله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتي يدفعوني اليه سلما، و الله لئن اسالمه و أنا عزيز، أحب الي من أن يقتلني و أنا أسير، أو يمن

[ صفحه 39]

علي فتكون سبة علي بني‌هاشم» [43] .
4- اهتمام السبط بحقن دماء الامة و حفظ دماء المخلصين فيها علي وجه الخصوص.
و هذه بعض تصريحات الامام (ع) التي تكشف عن تلك النية الطيبة:
«اني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين داع» [44] .
«ما أردت بمصالحتي الا أن أدفع عنكم القتل» [45] .
5- قوة العدو، و تمتع جيشه بروح انضباطية عالية، بالنظر لتوفر عامل الطاعة، و اختفاء التخريب بين صفوفه، خلافا لجيش العراق الذي استبد به الانشقاق من خلال الشعارات، و الأفكار و الأهواء، و المصالح المتضاربة، التي تمزق جيش الامام (ع) و تضعف من مقاومته.
6- تمتع الحسن (ع) بروح ايمانية من الطراز الأول - كما رأينا في أبعاد شخصيته - فهو المطهر من الرجس، بصريح القرآن الكريم، و هو أحد أركان العترة المباركة، بصريح قول رسول الله (ص) فيه، فكان ينأي عن المكر و الغدر.
فكانت هذه الروح المتعلقة بالله تعالي، و المستلهمة منه، و من شرعه الكريم، أني تسير، و الي أين تسير تحتم علي السبط (ع) أن لا يتورط في حرب تسيل بها الدماء، و تزهق فيها الأرواح، فضلا عن أن شروط

[ صفحه 40]

النجاح فيها - بالمفهوم الاسلامي - غير متوافرة بحال، كما رأينا في الوضع العام لأتباعه و جنده، و هذا مخالف لواقع معاوية الذي لا يهمه أن تسيل الدماء، و تزهق النفوس، مادامت الغاية لديه أن يظل حاكما علي المسلمين، تجبي له الأموال، و يتلذذ بالنعيم الدنيوي و السلطان الزائل، و قصر الخضراء.
7- حين رأي الامام استقطاب معاوية للناس، أراد أن يكشف للناس حقيقة معاوية عن كثب، الأمر الذي سيتم، اذا انفرد معاوية بالحكم، و استأثر بادارة شؤون الامة، لتري الامة طبيعة هذا الحكم، و تكتشف البون الشاسع بينه و بين صورة التطبيق المثالية، أيام أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب (ع)، و ليتحمل الذين أطاعوا معاوية و رفعوه علي الأعناق، مسؤولية هذه المأساة التاريخية التي خسرت فيها الامة قيادة أهل‌البيت (ع) و امامتهم الرائدة، لا في فترة وجودهم المبارك بل استمرت الآثار السلبية تتوالي علي الامة جيلا بعد جيل، حتي أصبح منهج الاسلام المقدر له أن يسود و أن يحكم، تراثا تاريخيا في بطون الكتب!!
8- محاولات الاغتيال الأثيمة التي تعرض لها الامام (ع)، فلقد تعرض الامام لمحاولات أثيمة لاغتياله عد منها المورخون ثلاثا [46] :
احداها: حين رماه شخص بسهم و هو يصلي فلم يفلح في ايذائه.
ثانيها: حين طعنه رجل بخنجر أثناء الصلاة.
و ثالثها: و فيها كانت نجاته بأعجوبة، فقد هجمت عليه عصابة من الغوغاء، و انتهبوا فسطاطه، و أخذوا مصلاه من تحته، و في تلك

[ صفحه 41]

الأثناء هجم عليه الجراح بن سنان الأسدي و طعنه بمغوله [47] - سيف دقيق - في فخذه، و جرحه جرحا بالغا بلغ عظم الفخذ [48] ، فاستسلم الامام للفراش بعد تلك المحاولة، و نزل عند عامله علي المدائن سعد ابن‌مسعود الثقفي للعلاج.
9- سلاح الدعاية الواسعة الذي استخدمه معاوية لبلبلة ذهنية المجتمع العراقي و تشويشه، فكان جواسيسه و أنصاره يثيرون الدعايات المغرضة، بين الحين و الآخر، و كانت الغوغاء تنفعل بها، و تتصرف وفقا للأغراض التي اثيرت من أجلها، فعلي سبيل المثال نذكر منها:
أ- اشاعتهم أن الحسن يكاتب معاوية علي الصلح.
ب - اشاعتهم أن قيس بن سعد قد استسلم لمعاوية.
ج - و كانت أقوي اشاعاتهم يوم جاء الوفد الأموي يطلب الصلح من الامام (ع)، و عندما رفض الامام مطالب معاوية، خرج الوفد المفاوض و أشاع في الناس أن الحسن قد أجاب الي الصلح، فحقن الله به الدماء!! و كان لتلك الاشاعة دور فعال في اثارة الغوغاء علي السبط (ع)، حيث هجموا علي فسطاطه، و اعتدوا عليه!!! منددين بالصلح المزعوم، مع تقاعسهم عن الدفاع و القتال!!
10- رواج دعوة معاوية للصلح بين صفوف جيش الامام، قبل قبولها من قبل الامام الحسن، حيث وجدت تلك الدعوة هوي في النفوس المهزومة في معسكر الامام (ع)، فقد رحب بها أنصار معاوية ابتداء، و روجوا لها، ثم سرت في نفوس أكثرية الجيش الذي يقوده

[ صفحه 42]

الامام (ع)، مما جعل الامام يقبلها كأمر واقع.
11- لقد وجد (ع) الامة، سواء من حوله أو حول معاوية، في غفلة عن واقعها المنحرف، و في سكوت مطبق عن احقاق الحق و ازهاق الباطل، فأراد الامام (ع) أن يكشف زيف دعاة الفتنة، و مدي تنكبهم عن الصراع المستقيم، و جحودهم للعهود و المواثيق، و تلهفهم للسلطة و السيطرة، مهما كانت الوسيلة، و استهانتهم بمقدرات الامة، و مقررات الاسلام، ليكون ذلك كله تعرية لما آل اليه الحكم، و توطئة لثورة الامام أبي‌الشهداء الحسين بن علي (ع).
هذه أهم المسوغات و العوامل التي فرضت علي الامام الحسن (ع) أن يستجيب للوثيقة التي أملتها عليه الظروف. أرأيت لو أن حاكما أو قائدا في التاريخ واجه بعض ما واجهه الامام (ع) أيسلك غير هذا السبيل؟
فان المواجهة، بعد الذي رأيت تعد ضربا من اللا معقول، لا يقدم عليها انسان عادي، فكيف يمارسها رجل عظيم كالحسن بن علي (ع)؟
و لربما ذهب البعض الي القول أن الأجدر بالحسن (ع) أن يضحي من أجل حقه، ولكن الحسن لو قاتل لقتل و أهل‌بيته جميعا، و لمارست السياسة المنحرفة دورها في اطفاء نور الاسلام الي الأبد، و لما وجد بعد ذلك من يفرق بين الحق و الباطل، و لما أدركت الامة - كما أدركت بعد حين -أي تسلط كان عليها، و أية سياسة عبودية انقادت اليها.
ان حرص الامام علي الهدي و الحق، جعله يختار التوقيع علي الوثيقة ليمارس بعد ذلك دوره في بيان الشريعة و أحكامها، و أبعادها لأمة محمد (ص)، فيما تبقي من حياته، كما ستري في المرحلة الثانية.
و من المناسب هنا أن ندون الوثيقة التي أبرمها الامام الحسن (ع)

[ صفحه 43]

مع معاوية، كما رواها ابن‌أعثم الكوفي، علما بأن هناك اختلاف في النصوص و الصيغ [49] .

نص كتاب الصلح بين الامام الحسن و معاوية بن أبي سفيان

«هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي‌طالب، معاوية بن أبي‌سفيان، صالحه علي:
1- أن يعمل فيهم بكتاب الله و سنة نبيه محمد (ص) و سيرة الخلفاء الصالحين.
2- ليس لمعاوية بن أبي‌سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شوري بين المسلمين [50] .
3- أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم و عراقهم و تهامهم و حجازهم.
4- أن أصحاب علي و شيعته آمنون علي أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم، و علي معاوية بن أبي‌سفيان بذلك عهد الله و ميثاقه، و ما أخذ الله علي أحد من خلقه بالوفاء بما أعطي الله من نفسه.
5- أنه لا يبغي للحسن بن علي و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل‌بيت النبي (ص) غائلة سرا و لا علانية، و لا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق.

[ صفحه 44]

شهد علي ذلك عبدالله بن نوفل بن الحارث، و عمر بن أبي‌سلمة و فلان و فلان.
ثم رد الحسن بن علي هذا الكتاب الي معاوية مع رسل من قبله، ليشهدوا عليه بما في هذا الكتاب» [51] .
و بعد أن تم التوقيع علي الصلح، قدم معاوية الي الكوفة للاجتماع بالامام الحسن، حيث ارتقي معاوية المنبر، ليعلن متحديا كل القيم و الأعراف الاسلامية، أنه يسحق بقدميه كل الشروط التي صالح الحسن عليها حيث خاطب الجموع المحتشدة في مسجد الكوفة:
«و الله اني ما قاتلتكم لتصلوا، و لا لتصوموا، و لا لتحجوا، و لا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك، و انما قاتلتكم لأتأمر عليكم، و قد أعطاني الله ذلك، و أنتم له كارهون.
ألا و ان كل دم اصيب في هذه الفتنة فهو مطلول، و كل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين» [52] .
أما أكثم الكوفي فيروي لنا أن معاوية خطب الناس و قال:
«الآن فقد جمع الله لنا كلمتنا و أعز دعوتنا، فكل شرط شرطته لكم فهو مردود، و كل وعد وعدته أحدا منكم فهو تحت قدمي».

[ صفحه 45]

و تعتبر الوثيقة أقصي ما كان بامكان الامام الحسن أن يحققه للامة و لرسالتها، و لو كان هناك بديل أفضل منها يستطيع أن يحقق فيه الخير للامة لما تواني عن القيام به.
و لعل في ردوده علي المعترضين علي توقيع الوثيقة خير توضيح لأهمية موقفه هذا في دنيا المسلمين، قال (ع) لبشير الهمداني عندما لامه علي الصلح:
«لست مذلا للمؤمنين، ولكني معزهم، ما أردت بمصالحتي الا أن أدفع عنكم القتل، عندما رأيت تباطؤ أصحابي و نكولهم عن القتال».
قال (ع) ذلك لبشير هذا، لأنه كان أول المرتعدين من القتال.
و قال لمالك بن ضمرة عندما كلمه بشأن الوثيقة:
«اني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين داع».
و قال مخاطبا أباسعيد:
«يا أباسعيد! علة مصالحتي لمعاوية، علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية» [53] .
و لعل أهم من لاموا الامام الحسن علي توقيع وثيقة الصلح هو حجر بن عدي، فهو شخصية معروفة بالايمان و الصلابة و العلم و الفقاهة، و كان وجها من أعيان صحابة رسول الله (ص) و صحابة علي و ابنه الحسن، حيث خاطب الامام - بعد أن سمع كلام معاوية علي

[ صفحه 46]

المنبر و هو يتنصل من كل الشروط التي وقعها مع الامام الحسن -:
«أما و الله، لقد وددت أنك مت في ذلك، و متنا معك، ثم لم نر هذا اليوم، فانا رجعنا راغمين بما كرهنا، و رجعوا مسرورين بما أحبوا».
الا أن الامام أرسل اليه بعد انصرافه الي بيته، ثم قال له:
«اني قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، و ليس كل انسان يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك، و اني لم أفعل ما فعلت الا ابقاء عليكم» [54] .
و لأهمية تلك الوثيقة و آثارها الايجابية المرجوة لمصلحة الاسلام و المسلمين، أشار الامام محمد الباقر (ع) اليها بقوله:
«و الله، للذي صنعه الحسن بن علي (ع) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس» [55] .

[ صفحه 47]

فترة ما بعد الوثيقة

بعد توقيع الوثيقة، بقي الامام السبط (ع) في الكوفة أياما قليلة، و الألم يعتصر قلبه للذي كان، ثم تهيأ للسفر الي مدينة جده الأعظم (ص).
و عندما تحرك موكبه الشريف، خرجت الكوفة بجميع من فيها، و هم يندبون حظهم العاثر، و الأسي يعلو نفوسهم، و هم بين باك و آسف علي ما كان!! كيف لا، و هم يرون الذلة بعد رحيل الحسن (ع) و آل البيت (ع) قد خيمت علي مدينتهم، و الاستكانة قد علت نفوسهم، و تحكمت طغمة الفتنة فيهم.
فها هو معاوية ينقل الخلافة و القيادة العامة من الكوفة الي دمشق، و ها هي القطعات العسكرية الأموية تدخل الكوفة، و تشدد قبضتها عليها، و تثير الهلع في النفوس، و تفرض ارهابا منقطع النظير.
من يداهن و ينافق يجزل له العطاء.
و من يعارض يقتل.
سارت قافلة الامام (ع) تطوي البيداء و الألم يحز في نفسه، و هو يفارق عاصمته، و ربوع ذكرياته المجيدة، و أصفياءه و شيعته الذين نصروه بكل ما أوتوا من تصميم و ارادة، حتي اسقط ما في أيديهم، و تمت محاصرتهم و مطاردتهم بكل وسيلة و بكل أسلوب رخيص، و بدأت الطغمة الأموية البطش بهم.
حتي اذا اقتربت قافلته من المدينة المنورة، هب أهلها لاستقبال

[ صفحه 48]

الامام و أهل‌بيته (ع)، و البشر يعلو وجوههم، كيف لا وقد حلت البركة بينهم و أقبل الخير كل الخير الي ديارهم.
و ما أن استقرت الدار بأبي‌محمد (ع) و أهل‌بيته، حتي مارس مسؤولياته الرسالية بنمط جديد.
فاذا كان بالأمس حاكما، يدير شؤون الامة و يخطط لمستقبلها من خلال منصب الامامة السياسية، و يقود السفينة الي شاطئ السعادة و الخير و الهدي، فانه بعد الوثيقة قد اختط بها دربا جديدا، حيث أنشأ مدرسة و قيادة فكرية كبري، لتكون محطة اشعاع للهدي و الفكر الاسلامي، تهتدي الامة من خلالها الي صراط الله المستقيم و رسالته الخاتمة.
و لقد كان لتلك المدرسة دور فعال في بلورة الذهنية العامة، و تسديد اتجاهاتها و انقاذها من موجة الانحراف التي تساندها الجهات الرسمية، التي يقودها معاوية بن أبي‌سفيان.
و قد آتت مدرسة الامام السبط (ع) اكلها ضعفين، حين تخرج في أروقتها جهابذة العلماء و الرواة، أمثال الحسن المثني و المسيب بن نجبة و سويد بن غفلة و الشعبي و الأصبغ بن نباتة و أبويحيي النخعي و اسحاق ابن‌يسار، و غيرهم.
و اذا كان الامام (ع) قد حقق للرسالة الاسلامية نصرا رائعا بهذا الصنيع، فانه أسدي للامة و للرسالة في الوقت ذاته فضلا جليلا آخر، فقد كان يدعو الناس للاستقامة في الخلق و الدين، و سلوك سبيل الرسول (ص) و أهل‌بيته (ع)، و العمل بكل ما من شأنه اشاعة المعروف في المجتمع و الغاء أي وجود للمنكر.

[ صفحه 49]

هذا الي جانب اهتماماته الاجتماعية، من اهتمام بالفقراء و المساكين و ذوي الحاجة، و تفقد ذوي المسكنة، مما أشرنا الي بعضه عند الحديث عن بعض جوانب سيرته.
و اذا تجاوزنا دوره الفكري و الثقافي، فمن الطبيعي أن نلتقي بالامام (ع) و هو يخطط لمستقبل الرسالة علي المستوي الاجتماعي و السياسي.
فالحسن (ع) من خلال اضطلاعه بالعمل الثقافي و الاجتماعي نهج نهجا فذا لصالح الرسالة الالهية و الامة، حيث أوجد تيارا اسلاميا واعيا لدوره الرسالي في الحياة.
فصار واضحا للامة أن الامامة الشرعية هي حق لأهل‌البيت (ع)، و الحسن (ع)، طليعتهم، و أن معاوية و أضرابه لا يصلحون للحكم قط، و أن طاعتهم لا تتفق و الخط الاسلامي الأصيل.
و قد صار بمقدور الامام الحسن (ع) و رجال الفكر الاسلامي الذين تخرجوا في مدرسته، أن يوجدوا امة واعية سياسيا و معارضة للحكم الأموي، فكرا و أسلوبا و مسارا، و أن تبقي هذه الامة تنافح و تكافح عن الحق الاسلامي عبر الأجيال.
علي أن أجهزة الحكم الأموي لم يكن خافيا عليها ذلك النشاط الاسلامي الفتي، فكانت تحسب حسابه و تدرك نتائجه.
و من أجل ذلك عقد أقطاب السياسة المنحرفة اجتماعا لهم للتداول في ذلك الشأن، و هم بالاضافة الي معاوية، عمرو بن العاص و الوليد ابن‌عقبة بن أبي‌معيط و عتبة بن أبي‌سفيان و المغيرة بن شعبة.
و مما جاء في حديثهم لمعاوية:
«ان الحسن قد أحيا أباه و ذكره، قال فصدق، و أمر فاطيع، و خفقت

[ صفحه 50]

له النعال، و أن ذلك لرافعه الي ما هو أعظم منه، و لا يزال يبلغنا عنه ما يسي‌ء الينا» [56] .
و هذا الحديث علي و جازته يعتبر أخطر تقرير يقدمه أقطاب البيت الأموي وقادته الي زعيمهم معاوية، حول نشاط الامام السبط (ع)، فقولهم: «خفقت النعال خلفه»، هو تعبير دقيق يدل علي أن الحسن (ع) قد أعد امة من الناس يسيرون خلفه و يجتمعون به، و يخطط لهم ويثقفهم و يوضح لهم معالم الطريق و طبيعة المواقف، و حقيقة الاسلام و قواعد حكمه العادل.
و لقد نمت حركة الامام السبط (ع)، حتي بلغ به الحال أن يغادر الي دمشق، عاصمة الحكم الأموي، و يناقش معاوية و يبين له شطحات الحكم و ألاعيبه، و اسفاف القائمين عليه، و نأيهم عن الخط الاسلامي الأصيل، بشكل أدت فيه مناظراته [57] هناك الي كسب المؤيدين و الأنصار الي أهل‌البيت (ع).
و كان أهم ركائز تلك السياسة المعادية للامام و أتباعه:
أولا: اعتماد معاوية علي عناصر أثبتت التجربة عدم التزامها بالقيم و الأحكام الاسلامية في تحقيق مخططاتها، بحيث كانت تلك العناصر لا تنظر في تصرفاتها الا لما يحقق مصالحها و أهواءها و يحفظ موقعها عند معاوية، الذي كان يغدق عليهم الأموال و الضياع و الرشاوي،

[ صفحه 51]

و علي رأس اولئك المغيرة بن شعبة و سمرة بن جندب و زياد بن أبيه [58] ، و هو الذي خطب الخطبة البتراء - خطبة لم يفتتحها بالبسملة - عندما و لا معاوية علي العراق، فقال مخاطبا الناس:
«و ايم الله ان لي فيكم لصرعي كثيرة، فليحذر كل أمرئ منكم أن يكون من صرعاي، و ايم الله لآخذن البري‌ء بالسقيم، و المطيع بالعاصي، و المقبل بالمدبر، حتي تستقيم لي قناتكم، و حتي يقول القائل: انج سعد فقد قتل سعيد. فقام اليه مرداس بن ادية فقال: قال تعالي: (و لا تزر وازرة وزر أخري) و أنت تزعم أنك تأخذ البري‌ء بالسقيم و المطيع بالعاصي و المقبل بالمدبر؟
فقال له زياد: اسكت، فوالله ما أجد الي ما أريد سبيلا، الا أن أخوض اليه الباطل خوضا» [59] .
و قد استغل معاوية نقطة الضعف و العقدة النفسية تلك في زياد، الذي كان يعرف ب «ابن‌أبيه» لأنه لا يعرف من كان أبوه، فألحقه به باعتباره أخاه، بعد أن شهد بعض الشهود بأن أباسفيان قد زني بأمه سمية، و ارضاء لسيده معاوية فقد: «جعل زياد يتتبع شيعة علي بن أبي

[ صفحه 52]

طالب، فيقتلهم تحت كل حجر و مدر، حتي قتل منهم خلقا كثيرا، و جعل يقطع أيديهم و أرجلهم، و يسمل أعينهم، و جعل أيضا يغري بهم معاوية» [60] .
ثانيا: مطاردة القيادات المؤمنة في الأقطار الاسلامية و قتل الكثيرين منهم و تشريدهم لأنهم كانوا من أشياع علي بن أبي‌طالب (ع) و أتباعه، و كانت هذه الموالاة كافية في نظر معاوية بن أبي‌سفيان لقتل كل من يتهم بها، فقد كتب الي ابن اخته المعروف بان ام الحكم أن يقتل عمرو بن الحمق الخزاعي و هو من أصحاب رسول الله، فقتله و قطع رأسه، و طافوا برأسه، و هو أول رأس طيف به في الاسلام.
كما ضيق علي شيعة الامام علي، و منعهم من الجلوس الي بعضهم، و تجسس عليهم و لا حق اجتماعاتهم، كما صنع عندما طوق اجتماعا لحجر بن عدي مليئا بأناس كثيرين، و ألقي بمن القي عليه القبض منهم في السجون [61] .
«و صلب زياد بن أبيه مسلم بن زيمر و عبدالله بن نجي الحضرميين علي أبوابهما أياما بالكوفة؛ بسبب ولائهما لعلي بن أبي‌طالب تنفيذا لقرار معاوية، و قد عدهما الحسين بن علي (رضي الله عنهما) علي معاوية في كتابه اليه: (ألست صاحب حجر و الحضرميين اللذين كتب اليك ابن‌سمية أنهما علي دين علي و رأيه، فكتبت اليه: من كان علي دين علي و رأيه فاقتله و مثل به، فقتلهما و مثل بأمرك بهما؟ و دين علي و ابن‌عم

[ صفحه 53]

علي الذي كان يضرب عليه أبوك، أجلسك مجلسك الذي أنت فيه)» [62] .
و أخيرا وقع الصدام المباشر وجها لوجه بين حجر بن عدي و زياد ابن أبيه فقد: «كان زياد بن أبي‌سفيان يوم جمعة يخطب، فأطال الخطبة و أخر الصلاة، فلما خشي حجر فوت الصلاة، أخذ كفا من حصي ورمي به زيادا، و قام الي الصلاة و قام الناس معه، فنزل زياد و صلي بالناس، و كتب الي معاوية يخبره، فكتب اليه معاوية: أن ابعث به الي، فشده في الحديد و حمله الي معاوية» [63] . حيث قتله مع عشرة آخرين، و قد سجل لنا التاريخ صورة بشعة من صور القتل و الارهاب لأتباع علي و أنصاره:
«فقد احضر عبدالرحمان بن حسان العنزي الي معاوية، فسأله: يا أخا ربيعة! ما تقول في علي؟ قال، دعني و لا تسألني فهو خير لك، قال معاوية: لا أدعك، فقال الرجل: أشهد أنه كان من الذاكرين لله تعالي كثيرا، و من الآمرين بالحق، و القائمين بالقسط و العافين عن الناس، قال: فما فولك في عثمان؟ قال: هو أول من فتح أبواب الظلم، و أغلق أبواب الحق، قال معاوية: قتلت نفسك، قال: بل اياك قتلت، و لا ربيعة بالوادي - يعني ليشفعوا فيه - فرده معاوية الي زياد، و أمره

[ صفحه 54]

أن يقتله شر قتلة، فدفنه حيا» [64] .
و قد روي أن حجرا بن عدي قال لمن حضره من أهله عندما قدمه الجلاد للذبح:
«لا تنزعوا عني حديدا، و لا تغسلوا عني دما، فاني ملاق معاوية علي الجادة» [65] .
لقد كانت تلك الكلمة المؤمنة الشجاعة كلمة خالدة عبرت عن تفكير من يؤمن بالله و اليوم الآخر، يريد أن يلقي الله بقيوده التي قيده بها معاوية لا لذنب اقترفه سوي أنه يدين بدين علي بن أبي‌طالب، دين الاسلام، و أن يظل موشحا بدمه شهيدا علي من قتلوه و هو يحمل دعوة التصحيح و الوقوف بوجه الانحراف.
ثالثا: التضييق علي عموم شيعة علي بالقتل و الكبت و الترويع و التشريد و قطع الأرزاق و الارهاب و هدم الدور و المساكن و نهب أموالها و اعطائها غنائم لعملاء السلطة.
رابعا: الاستعانة ببعض الوعاظ المحترفين الموالين للسلطة لتشويه سيرة أهل‌البيت و الامام علي (ع) علي الخصوص و شتمه علي المنابر، الي جانب تلفيق الأحاديث التي تمدح معاوية و حزبه.
قال عبدالله بن الامام أحمد بن حنبل:

[ صفحه 55]

«سألت أبي فقلت: ما تقول في علي و معاوية؟ فأطرق ثم قال: (أيش أقول فيهما؟ ان عليا (ع) كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا، فجاؤوا الي رجل قد حاربه، فأطروه كيادا منهم له» [66] .
و ليس هذا و حسب بل و وضعت أحاديث في فضائل زياد بن أبيه، حتي قال يونس بن حبيب النحوي المتوفي عام (183) ه:
«يزعم آل‌زياد أنه خطب الي عمر ابن‌سنة تسع عشرة - أي خطب ابنة عمر ليتزوجها - و أنه ولد في الهجرة، ولو قدروا أن يقولوا تكلم في المهد، لقالوا» [67] .
خامسا: بذل الأموال بلا حساب، للزعماء و القيادات القبيلية، التي يخشي من تحركها، فعلي سبيل المثال نذكر: مالك بن هبيرة السكوني، الذي هاله ما نزل بحجر بن عدي و أصحابه فراح يخطط لاعلان التمرد المسلح علي الحكم الأموي، فما كان من معاوية الا و نقض همته، بمائة ألف درهم!! بعثها اليه، فطابت نفسه و تخلي عما عزم عليه [68] . و هكذا سواه، كما قال أحد الشعراء:

فلسان ينوشكم
بالدنانير يقطع

و ضمير يهزكم
بالكراسي يزعزع

سادسا: و كان آخر بنود تلك السياسة الجائرة اغتيال الامام

[ صفحه 56]

الحسن (ع) بالسم، حيث دسه معاوية اليه من خلال زوجة الامام «جعدة بنت الأشعث» [69] .
و هكذا رحل الامام السبط (ع) الي ربه و هو في ميدان من ميادين الجهاد، من أجل الرسالة و الدعوة الاسلامية، التي قادها جده الرسول الأعظم (ص).
و كانت شهادته (ع) في السابع من صفر - أو في الخامس و العشرين من ربيع الأول - سنة خمسين للهجرة كما جاء في بعض الروايات.
و كان قد أوصي (ص) أن يدفن الي جوار جده رسول الله (ص)، الا أن بني‌امية و والي المدينة منعوا من ذلك!! [70] .
فاضطر أهل‌البيت (ع)، أن يدفنوه في البقيع، الي جنب امه فاطمة الزهراء (ع).
فسلام عليك يا أبامحمد الحسن بن علي، مظلوما، حيا، و ميتا.
و الحمدلله رب العالمين.

پاورقي

[1] الطبري /ذخائر العقبي / ط القاهرة / ص 120.
[2] المصدر السابق.
[3] الخلوق: نوع من الطيب.
[4] أخرج الحديث كل من مسلم في صحيحه، و الترمذي في صحيحه، و النسائي في الخصائص، و الطبري في تفسيره، و غيرهم، كما أورده صحيح مسلم، مجلد 4 رق الحديث 2424 عن طريق عائشة آخر مشابه، و للتفاصيل يراجع فضائل الخمسة في الصحاح الستة للفيروزآبادي.
[5] الطبري / ذخائر العقبي / ص 25.
[6] المصدر السابق / ص 26.
[7] اخترنا هذه الأحاديث الصحيحة من الفصول المهمة / لابن‌الصباغ المالكي، و اعلام الوري / للطبرسي، و أهل‌البيت / للاستاذ توفيق أبوعلم، و المجالس السنية / للسيد محسن الأمين العاملي، و قد وردت في كثير من الكتب سوي ما ذكرنا.
[8] نقلا عن المجالس السنية / السيد محسن الأمين / ج 2 / ص 345.
[9] للاستزادة يراجع كشف الغمة للأربلي، و مناقب آل أبي‌طالب لابن‌شهرآشوب، و المجالس السنية، و أهل‌البيت لتوفيق أبوعلم، و تذكرة الخواص لسبط ابن‌الجوزي و غيرها.
[10] الحراني. تحف العقول عن آل الرسول / ط 2 / ص 231.
[11] الحراني / تحف العقول / ص 225.
اصطناع العشيرة: الاحسان. الجريرة: الذنب. النجدة: الشجاعة. الغرم: ما يلزم أداؤه. الكنف: الجانب و الناحية. تعهد الصنيعة: اصلاحها و انماؤها. المحل: الشدة. الندي: الجود و الفضل و الخير. الخني: الفحش في الكلام. الحفاظ: الذب عن المحارم و المنع لها و المحافظة علي العهد و الوفاء و التمسك بالود. المواقفة: المحاربة. المنعة: الغزو و القوة. الفرق: الخوف و الفزع. المصدوقة: الصدق. المناواة: المعاداة. السناء: الرفعة. الأناة: الوقار و الحلم. العي: العجز في الكلام. السفاه: مصدر سفه. العرس: حليلة الرجل و رحلها.
[12] ابن‌شهرآشوب / مناقب آل أبي‌طالب.
[13] باقر شريف القرشي / حياة الامام الحسن بن علي (ع) / ط 3 / ج 1 / ص 351، نقلا عن تاريخ اليعقوبي.
[14] المصدر السابق / ص 340 و ما بعدها.
[15] المصدر السابق / ص 313، نقلا عن أعيان الشيعة.
[16] المصدر السابق، نقلا عن نهاية الارب.
[17] المصدر السابق / ص 314، نقلا عن تاريخ الخلفاء.
[18] المصدر السابق، نقلا عن مقتل الحسين.
[19] المجلسي / بحارالأنوار / ج 43 / ص 344، نقلا عن المناقب.
[20] القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 1 / ص 317، نقلا عن نورالأبصار.
[21] المجلسي / بحارالأنوار / ج 43 / ص 341، نقلا عن المناقب.
[22] للاستزادة يمكن مراجعة أهل‌البيت لتوفيق أبوعلم و غيره من كتب السيرة.
[23] يراجع حياة الامام الحسن (ع) للقرشي / ج 1 / ص 433.
[24] القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 1 / ص 490، نقلا عن الخزانة. الجوائح: جمع جائحة، و هي الدواهي و الشدائد.
[25] عبدالله بن قيس: هو أبوموسي الأشعري.
[26] القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 1 / ص 530، نقلا عن الامامة و السياسة.
[27] الطبرسي / اعلام الوري بأعلام الهدي / ط 1979 م / دار المعرفة (لبنان) / ص 307، نقلا عن الكافي. القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 1 / ص 567، نقلا عن الكافي. الأربلي / كشف الغمة / ط 1981 م / دارالكتاب الاسلامي (لبنان) / ج 2 / ص 158، نقلا عن الكافي. المجلسي / بحارالأنوار / ج 42 / ص 250، نقلا عن من لا يحضره الفقيه، و غيرها من كتب السيرة و الحديث.
[28] الطبرسي / اعلام الوري / ص 208. القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 2 / ص 31، نقلا عن الفتوح، باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
[29] الشوري / 23.
[30] القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 2 / ص 32.
[31] ابن‌الصباغ المالكي / الفصول المهمة / ط النجف / ص 161.
[32] محمد جواد فضل الله / صلح الامام الحسن / ط قم / ص 77.
[33] توفيق أبوعلم / أهل‌البيت.
[34] ابن أبي‌الحديد / شرح نهج‌البلاغة/ ط 1967 / 2 م / دار احياء الكتب العربية / ج 16 / ص 37.
[35] ابن أبي‌الحديد / شرح نهج‌البلاغة/ ج 16 / ص 38.
[36] المصدر السابق / ص 39.
[37] المصدر السابق.
[38] النخيلة: موضع قريب من الكوفة باتجاه الشام.
[39] ابن أبي‌الحديد / شرح نهج‌البلاغة / ج 16 / ص 40.
[40] ابن‌الصباغ المالكي / الفصول المهمة / ص 161. المفيد / الارشاد / ط قم / ص 189.
[41] فضل الله / صلح الامام الحسن (ع) / ص 91.
[42] المفيد / الارشاد / ص 190.
[43] توفيق أبوعلم / أهل‌البيت / ص 335.
[44] القرشي / حياة الامام الحسن (ع) / ج 2 / ص 277.
[45] المصدر السابق / ص 278.
[46] المصدر السابق / ص 106.
[47] يذكر ابن أبي‌الحديد في شرحه لنهج‌البلاغة أنه: (معول) و ليس (مغول)، راجع ج 16 / ص 41.
[48] المفيد / الارشاد / ص 190.
[49] راجع أيضا للمزيد: ص 60 من هذا الكتاب.
[50] و ذكر ابن‌عنبة هذا الشرط بصيغة اخري ذكرناها لا حقا (ص 60)، و هي: علي أن تكون الخلافة له (للحسن) ولاية الأمر بعده، فان حدث به حدث فللحسين. عمدة الطالب في أنساب آل أبي‌طالب / ص 67 / ط 2.
[51] أحمد بن أعثم الكوفي / الفتوح / ط حيدر آباد / 1971 م / ج 4 / ص 195.
[52] علق المحدث المشهور أبواسحاق السبيعي - و كان ممن حضر خطبة معاوية - علي ذلك بقوله: (كان معاوية و الله غدارا). أنظر فتوح أعثم / ج 4 / ص 161. و حياة الامام الحسن (ع) للقرشي / ج 2 / ص 262، نقلا عن شرح نهج‌البلاغة لابن أبي‌الحديد و تاريخ اليعقوبي.
[53] اعتمدنا في نقل تصريحات الامام علي «حياة الامام الحسن» للقرشي / ج 2 / ص 277.
[54] أعثم الكوفي / الفتوح / ج 4 / ص 161 و 166.
[55] الكليني / الكافي / ط 1389 / 2 ه، دار الكتب الاسلامية (ايران) / ج 8 / ص 330.
[56] توفيق أبوعلم / أهل‌البيت / ص 343، نقلا عن شرح نهج‌البلاغه لابن أبي‌الحديد.
[57] يراجع كتاب حياة الحسن (ع) للقرشي / ج 2 / ص 305 و ما بعدها، للاطلاع علي تلك المناظرات.
[58] من المؤكد تاريخيا أن زيادا لم يعرف له أب، فامة سمية كانت من البغايا في عصر الجاهلية، و حين تولي معاوية السلطة قرب زيادا و ادعي أن أباسفيان قد وقع علي سمية في الجاهلية، فألحقه بأبي‌سفيان، لذلك سمي (زياد ابن أبيه) لأنه من أبناء البغايا في الجاهلية. راجع العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي / ط القاهرة / 1948 م / ج 5 / ص 203.
[59] ابن‌قتيبة الدينوري / عيون الأخبار / ط القاهرة / 1963 م / ج 2 / ص 242.
[60] أعلم الكوفي / الفتوح / ج 4 / ص 203.
[61] الطبري / تاريخ الطبري / ط 1939 م / مطبعة الاستقامة (القاهرة) / ج 4 / ص 190. ابن‌الأثير / الكامل في التاريخ / ط 1965 م / دار صادر (بيروت) / ج 3 / ص 475.
[62] محمد بن حبيب / المحبر / ط حيدر آباد / 1942 م / ص 479.
[63] الأشعري المالقي (المتوفي عام 741 ه) / التمهيد و البيان في مقتل الشهيد عثمان / مطبعة سميا (بيروت) / 1964 م / ص 228، و يستخدم المؤلف اسم زياد ابن أبي‌سفيان لاثبات نسبة زياد الي معاوية، كما علق المؤلف علي مقتل حجر بقوله:
«و كان قتله سياسة لافتئاته علي الامام، و يجوز للامام قتل بعض رعيته لصلاح الباقي»!!!
[64] أوردها السيد مرتضي العسكري في كتابه «أحاديث ام المؤمنين عائشة» / ج 1 / ص 259، ملخصة عن الطبري / ج 6 / ص 160 - 155 حوادث سنة 51 ه. و ابن‌الأثير / ج 3 / ص 486.
[65] العلامة العسكري / أحاديث ام المؤمنين عائشة / ج 1 / ص 260، نقلا عن الاستيعاب و أسد الغابة.
[66] ابن‌الجوزي / كتاب الموضوعات / ج 2 / ص 24. ثم نقل المؤلف في نفس الصفحة، عن اسحاق بن ابراهيم الحنظلي، قوله «لا يصح عن النبي (ص) في فضل معاوية شي‌ء».
[67] البخاري / التاريخ الصغير / ج 1 / ص 111.
[68] ابن‌الأثير / الكامل في التاريخ / ج 3 / ص 486.
[69] اغتيال الامام الحسن (ع) بدس السم اليه من قبل معاوية، ذكره أبوالفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين / ص 31، و كذلك ابن عبدالبر في الاستيعاب، و المدائني أيضا.
[70] قال ابن أبي‌الحديد: «قال أبوالفرج: دفن الحسن (ع) في قبر فاطمة بنت رسول الله (ص) في البقيع و قد كان أوصي أن يدفن مع النبي (ص)، فمنع مروان ابن‌الحكم من ذلك، و ركبت بنوامية في السلاح، و جعل مروان يقول: يا رب! هيجا هي خير من دعة». راجع شرح نهج‌البلاغة / ج 16 / ص 50.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.