انجال الامام الحسن عليه السلام في كربلا

اشارة

سرشناسه : مدرسي، محمدتقي، - 1945

عنوان و نام پديدآور : انجال الامام الحسن عليه السلام في كربلا/ محمدتقي المدرسي

مشخصات نشر : تهران: دار البقيع للطباعه و النشر، 1418ق. = 1377.

مشخصات ظاهري : ص 61

شابك : 964-6439-17-9بها:1500ريال ؛ 964-6439-17-9بها:1500ريال

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

موضوع : حسن بن علي(ع)، امام دوم، 50 - 3ق. -- فرزندان

موضوع : واقعه كربلا، ق 61

رده بندي كنگره : BP41/76/م 4الف 8

رده بندي ديويي : 297/9534

شماره كتابشناسي ملي : م 77-6271

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي اشرف الانبياء والمرسلين، وعلي اهل بيته الهداة الميامين.

وبعد:

المدرسة الاولي والأهم للبشرية هي مدرسة التجربة، وتجربة الاجيال السابقة المتلاحقة تتراكم لتخلق للباقين زخماً فكرياً وثقافياً وعلمياً.

والذين يستمدون من التجارب التأريخية، هم الذين ينهلون من نمير التراث علماً وأدباً وعواطف خيرية،

وهم الذين يسيطرون علي الحياة وينعمون بحياة طيبة.

والعقل والتراث هما مصدر حركة الانسان في الحياة. العقل يميز ما في التراث من غث و سمين، ومن حق وباطل؛ بينما التراث يغذي الانسان حيوية، ويثير فيه الحوافز الانسانية.

وفي تراثنا - نحن المسلمين - زخم هائل من التجارب الغنية التي تستطيع - لو استفاد الانسان منها - صياغة حياتنا صياغة جديدة.

واليوم، ونحن نواجه تياراً زاحفاً من الثقافات الدخيلة، علينا: ان نعتمد مالدينا من تراث ومن افكار وتجارب؛ ليس لكي نتحدي بها الثقافات الاخري فقط، وانما لكي نستطيع ان نتداخل معها وان نستفيد منها وان نغنيها بدورنا اغناءاً.

ومن الابعاد الحيوية في حياة البشر بُعد الدفاع. فالأمة التي تعرف كيف تدافع عن نفسها وعن قيمها وعن مصالحها هي الجديرة بالحياة.

وفي تجاربنا - نحن المسلمين - الكثير مما يمكننا ان نستفيد منه في أغناء روح الدفاع، وفي

إثارة حوافز التضحية في نفوس الاجيال الصاعدة. وملحمة كربلاء التي أورثت البشرية اعظم واسمي آيات الدفاع عن القيم لا تزال هي الملهمة لنا روح الدفاع عن القيم المثلي، وفي هذه الملحمة آفاق لم تدرس - بصورة كافية -. فلقد كانت لتلك الملحمة التي وقعت في سنة احدي وستين هجرية، كانت لها تموجات هائلة في النفوس، ولا تزال تلك التموجات تهز ضمائر البشر. بيد ان تموجاتها الاولي كانت الاقرب إلي روحها هذه، فهي تعكس افاقها بصورة افضل. ونحن لا زلنا نفتقر إلي دراسة التموجات القريبة من ملحمة كربلاء؛ كثورة التوابين وحركة المختار وثورة صاحب الفخ وعشرات الثورات التي انشعبت من كربلاء، ومنها الحركات التي كانت بقيادة اولاد السبط الاول الامام الحسن المجتبي سلام الله عليه، الذين سجلوا ملاحم رائعة في التاريخ. ولقد كانت هذه السلالة؛ من ذرية الحسن والحسين معاً حيث انها كانت من اولاد الحسن المثني من جهة الاب ومن فاطمة بنت الحسين من جهة الام سلام الله عليهم جميعاً. هذه الاسرة الكريمة التي كانت تنتمي إلي رسول الله؛ إلي فاطمة وعلي عليهم السلام من بُعدين؛ من الاب والام، كانت من الشجرة الميمونة المباركة التي غذت الثورات الرسالية عبر التاريخ.

ونحن اذ ندرس في هذه الاوراق المتواضعة حياة اولاد الحسن في كربلاء، فإنما لكي نقتبس منها درساً لحياتنا وطريقا للدفاع عن قيمنا ومصالحنا بحول الله وقوته، اذ انا نتحسس بالحاجة الماسة إلي روح الدفاع وحماسة المقاومة في يوم تتكالب الامم علينا، وفي يوم تستضعفنا القوي الكبري، وتحاول القوي المفسدة في الارض ان

تسحقنا وتسحق قيمنا ومبادئنا.

نسأل الله أن يتقبل منا هذا الجهد المتواضع، وأن يدخره ليوم الفاقة الكبري، ليوم القيامة، انه ولي التوفيق.

محمد

تقي المدرسي

مشهد المشرفة

15 / ربيع الثاني / 1418ه_

-پله=1

ميراث الشهادة

انطبعت ملحمة كربلاء في فؤاد فاطمة بنت الحسين سلام الله عليه، التي شاركت في كل فصول ملحمة الشهادة. وكانت منذ خروجها من المدينة المنورة الي ان دخلت مكة المكرمة برفقة أبيها، ثم الي أن وردت أرض الملاحم البطولية، ارض كربلاء المطهرة، كانت رقيبة ومساهمة في كل الحوادث. كانت الي جنب عمتها زينب عليها السلام عندما وقعت الواقعة في يوم عاشوراء، وكانت تراقب وتلاحق وكذلك تتعاون في مختلف مجالات الصراع.

كانت تتفاعل نفسياً مع كل الحوادث؛ شهادة اصحاب أبيها وبتلك الصورة الفجيعة، ثم شهادة سبعة عشرة من اخوتها واعمامها وبني اعمامها، ثم واخيراً شهادة أبي عبد الله الحسين ومعه الطفل الرضيع وبتلك الصورة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. كل ذلك انطبع في ضمير هذه العلوية التي ورثت ايمان وصبر واستقامة الذرية الطيبة، ذرية الرسول الاكرم صلي الله عليه وآله، ثم أضحت كربلاء بالنسبة إليها رسالة لا بد أن تحملها إلي الاجيال الصاعدة.

فكيف حملت هذه الرسالة؟

اننا نعرف ان زينب الكبري عمة فاطمة حملت الرسالة بطريقتها الخاصة، حيث نشرت ظلامة أبي عبد الله الحسين في كل افق، في كل عصر وفي كل مصر، ولكن فاطمة أدت هذه الرسالة بطريقة اخري. لكي نعرف ذلك دعنا نتحدث قليلاً عن الجانب الاخر من الصورة، حيث نجد الشاب الرشيد العلوي الهاشمي الحسن ابن الحسن والذي يلقب بالحسن المثني يقبل علي عمه الحسين عليه السلام ذات يوم ويخطب منه احدي ابنتيه. لعل الحسن كان يعلم في قرارة نفسه ان فاطمة هي الفتاة التي يجدر به ان يخطبها من عمه، ولكنه استحي ان يحددها بالذات. بينما الامام الحسين سلام الله عليه كان يعرف ماذا يجري في نفس ابن اخيه، لذا اختار له فاطمة ابنته. وهكذا

اقترن الحسن المثني أي ابن الحسن المجتبي سلام الله عليه، اقترن بعقد قران مع ابنة عمه فاطمة بنت الحسين عليه السلام. وكان الحسن كسائر الهاشمين والعلويين وابناء فاطمة الزهراء قد خرج من المدينة المنورة برفقة عمه الحسين سلام الله عليه الي كربلاء المطهرة، حيث شارك في ملحمة كربلاء وابلي بلاءاً حسناً وسقط علي الارض جريحاً. لعل الحسن المثني كان من اواخر من شارك في المعركة، بعد ان استشهد أبو عبد الله وكل أصحابه وفتيان بني هاشم، وظل الحسن المثني في جانب من المعركة ينزف دماً ويئن من جراحاته. ولما انتشر جيش يزيد لقطع رؤوس اولاد رسول الله، ووصلوا إلي مطرح الحسن المثني وجدوا به رمقاً من الحياة، فأراد أحدهم ان يجهز عليه، الا ان ابناء أخواله كانوا حاضرين فطلبوا من القائد أن يسمح لهم بأخذ الحسن المثني لتضميد جراحاته. وهكذا أُخذ الحسن اسيراً، ثم أعيد الي المدينة المنورة، حيث عادت إليه زوجته فاطمة بنت الحسين.

وهكذا اشترك الحسن المثني في ملحمة كربلاء وابلي بلاءاً حسناً، وكان قد شاهد كل فصول المعركة، وانطبعت ملحمة الرسالة بكل ما فيها من قيم البطولة والشهامة والشهادة، انطبعت في قلبه الشريف وصاغته شخصية جديدة.

تلك فاطمة وهذا الحسن اشتركا في المعركة، اشتركا في الملحمة وساهما فيها، ووجدا ما وجدا فيها. الآن عليهما ان ينقلا إلي العصور القادمة، الي الاجيال الصاعدة قيم الملحمة، ماذا فعلا؟ انما انجبا ذرية طيبة حملت كربلاء في عمقها، حملت القيم التي ناضل من اجلها اولئك الابطال في ضمائرها.. فكانت هذه الذرية الطيبة منشأ العديد من الحركات الثورية الجهادية الملتزمة بالخط الرسالي، والمتمسكة باهداف القيم الايمانية. واليك بعض التفصيل عن ذرية هذين الزوجين الكريمين:

جاء في مقاتل

الطالبين؛ ان الحسن ابن الحسن خطب الي عمه الحسين، وسأله ان يزوجه احدي ابنتيه. فقال له الحسين: اختر يا بني احبهم إليك. فاستحي الحسن ولم يحر جواباً. فقال له الحسين: فاني قد اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي الاكثر شبهاً بامي فاطمة بنت رسول

الله (صلي الله عليه وآله).

وجاء فيه ايضاً: كان اهل الشرف وذووا القدر لا ينوطون [1] بعبد الله ابن الحسن احداً. وكان عبد الله ابن الحسن قد استشهد في محبسه في الهاشمية، وهو ابن خمس وسبعين، وذلك عام 145 بعد الهجرة النبوية الشريفة. وكان عبد الله هذا هو الذي حرَّض ابنيه محمد وابراهيم الذين خرجا علي الحكم العباسي واستشهدا، وسمي ابنه محمد ذو النفس الزكية. واما الابن الاخر لهذه الذرية الطيبة فهو الحسن ابن الحسن ابن الحسن السبط الامام (عليه السلام)، وكان متألها فاضلاً ورعاً يذهب بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر الي مذهب الزيدية - كما يدعيه كتاب مقاتل الطالبين -. وينقل عن الحرث قال: كان الحسن ابن الحسن ابن الحسن ينزل منزلاً بذي الاثل فحضر المدينة وعبد الله ابن الحسن محبوس فلم يبرحها، ولبس خشن الثياب وغليظ الكرابيس. وكان ابو جعفر يسميه الحاد، وكان عبد الله ربما استبطأ رسل اخيه الحسن فيرسل إليه؛ انك وولدك آمنون في بيوتكم، وانا وولدي بين اسير وهارب. لقد مللت معونتي فآنسني برسلك. وكان ذلك اذ أتي حسن بكي، وقال: بنفس ابو محمد؛ انه لم يزل يحشد الناس بالائمة. [2] .

وأما الأخو الاخر لهذين الشبلين، فهو ابراهيم ابن الحسن ابن الحسن. وكان ابراهيم اشبه الناس برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقد توفي في الحبس في الهاشمية في شهر ربيع الاول سنة 145، وهو

اول من توفي منهم في الحبس عن عمر يناهز السبعة وستين. توفي هو وابنه محمد وكان هؤلاء الاخوة الثلاثة الذين اعتبروا رموز الثورة الرسالية في عصرهم هم اولاد السبطين الشهيدين. فهم أحفاد الامام الحسن المجتبي من ابنه الحسن المثني وأحفاد الامام الحسين من ابنته فاطمة سلام الله عليهم جميعاً.

وكان للحسن ابن الحسن المعروف بالمثني اولاد آخرون من امهات اخريات، وكان من أحفاده علي ابن الحسن ابن الحسن الذي كان يعتبر من أعبد وأزهد اهل زمانه، وكان يقال له علي الخير وعلي الأغر وعلي العابد، وكان يقال له ولزوجته زينب بنت عبد الله ابن الحسن الزوج الصالح. وقد حدّث بعضهم انه رأي علي ابن الحسن قائماً يصلي في طريق مكة فدخلت افعي في ثيابه من تحت ذيله حتي خرجت من ذيقته، فصاح به الناس: الافعي في ثيابك، وهو مقبل علي صلاته. ثم انسابت فمرت فما قطع صلاته ولا تحرك ولا رأي اثر ذلك في وجهه.

بلي؛ ان الرجل الذي يتربي في حضن الحسن المثني

ابن كربلاء، ابن الشهادة، ابن الملحمة وابن الرسالة ينبغي ان يكون في هذا المستوي من العبادة والتواصل مع رب العباد. ولما وقعت ثورة أولاد الحسن وما سمي بحركة محمد ذي النفس الزكية، واقدم العباسيون علي اعتقال كل اولاد الحسن، كان قد افلت منهم علي ابن الحسن، فيقول الرواة:

ان السجان الذي كان يسمي برياح كان اذا صلي الصبح ارسل الي ندمائه ليحدثهم ساعة.. يقول بعض ندمائه وهو عيسي ابن عبد الله، يقول: وإنا لعنده يوماً فلما اسحرنا فاذا برجل ملتقف وشاحاً له، فقال له رياح: مرحباً بك واهلاً، ماحاجتك؟

قال: جئتك لتحبسني مع قومي. فاذا هو علي ابن الحسن.

فقال له

رياح: اما والله ليعرفنها لك امير المؤمنين، فحبسه معهم.

هكذا كانوا يتنافسون علي المكرمات، وكان السجن بالنسبه إليهم قضية طبيعية، والسجن الذي سجن اولاد الحسن، سجناً عجيباً.

يقول موسي ابن عبد الله، وهو احد احفاد هؤلاء الاخوة الرساليين، يقول: حبسنا في المطبخ، فما كنا نعرف اوقات الصلاة الا بأجزاء (من القرآن) يقرأها علينا علي ابن الحسن ابن الحسن، وقد توفي علي ابن الحسن وهو ساجد في سجن ابي جعفر. فقال عبد الله ايقظوا ابن اخي فاني أراه قد نام في سجوده. قال: فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا. فقال: رضي الله عنك.

وكانوا في السجن مقيدين بقيود، فضجر عبد الله ضجرة، فقال: يا علي؛ اما تري ما نحن فيه من البلاء، ألا تطلب الي ربك عزوجل انه يخرجنا من هذا الضيق والبلاء. فسكت عنه طويلاً ثم قال له: يا عم ان لنا في الجنة درجة لم نكن نبلغها الا بهذه البلية او بما هو اعظم منها، وان لأبي جعفر (يقصد المنصور الدوانيقي الطاغية الذي سجنهم) في النار موضعاً لم يكن ليبلغه حتي يبلغ منا هذه البلية او اعظم منها. فإن تشأ أن تصبر فما أوشك فيما اصبنا ان نموت فنستريح من هذا الغم كأن لم يكن شيء، وان تشأ ان ندعوا ربنا ان يخرجك من هذا الهم وان يقصر بأبي جعفر نهايته التي له في النار فعلنا. قال: لا؛ بل أصبر. فما مكثوا إلاّ ثلاثة حتي قبضهم الله إليه، وهكذا توفي علي ابن الحسن وهو ابن خمسة واربعين سنة لسبع بقين من المحرم سنه 146 ه_.

عاشوراء ملحمة تتكرر

اشاره

عبد الله ابن الحسن (هو سبط السبطين الحسن والحسين عليهما السلام) وهو الشيخ الذي كان وراء الثورات التي وقعت

في عهد المنصور الدوانيقي.

وقد إفتتح هذا السيد الفاطمي عهد الثورات المتلاحقة التي ما هدأت عواصفها ضد الحكم العباسي، والتي لم تخل من هنات وهفوات، وإلاّ ان مرادنا من سرد قصة هذا السيد الرسالي بيان امرين:

مدي انعكاس ملحمة كربلاء علي نفوس

الجيل الناشيء الذي جاء بعد هذه الملحمة في احضان الذين شهدوا آفاق تلك الملحمة، حيث كان عبد الله ولداً للحسن المثني الذي كان من جرحي ملحمة كربلاء، كما كانت أمه فاطمة بنت الحسين عليها الصلاة والسلام. من اللاتي شهدن تلك الملحمة.

ان صلح الامام الحسن لم يكن إلا مرحلة من مراحل جهاد الامام الحسن السبط المجتبي

فأولاد الامام الحسن واحفاده وسلالته كانوا هم حملة راية الجهاد في سبيل الله ضد طغاة العصر، ولا يكون ذلك الا بتأثير مباشر من هدي الامام الحسن السبط ومن تعاليمه، كما من روحه الوثابة التي انسابت في سلالته.

اما قصة عبد الله ابن الحسن فانه كان يعد العدة للحركة ضد بني امية وقد جمع قيادة الخط الهاشمي في منطقة تسمي بالابواء، وهي منطقة بين مكة والمدينة، حيث اجتمع جماعة من بني هاشم - حسب نقل مقاتل الطالبين - فيهم ابراهيم ابن محمد ابن علي ابن عبد الله ابن العباس وابو جعفر المنصور وصالح ابن علي وعبد الله ابن الحسن ابن الحسن وابناه محمد وابراهيم ومحمد ابن عبد الله ابن عمر ابن عثمان. وكان هؤلاء هم القيادات الاساسية لبني هاشم وللمعارضة، فقال احدهم وهو صالح ابن علي: قد علمتم انكم تمد الناس اعينهم اليكم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع. فأعقدوا بيعة لرجل منكم، تعطونه اياها من أنفسكم، وتواثقوا علي ذلك حتي يفتح الله وهو خير الفاتحين. [9] .

نستوحي من هذا النص: ان الاوضاع السياسية في الامة الاسلامية كانت تبشر بزوال حكم بني امية وكانت الأمة تتطلع الي البيت الهاشمي كبديل لذلك النظام المهتريء. فقام عبدالله بن الحسن، واشار الي ابنه محمد واثني، عليه ثم قال: قد علمتم ان ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه. وكان أبو جعفر المنصور حاضراً ووافق علي هذه الفكرة، وقال:

لأي شيء تخدعون انفسكم، والله لقد علمتم ليس الناس الي أحد أطول أعناقاً ولا اسرع اجابة منهم الي هذا الفتي، وهو يريد محمد ابن عبد الله وهكذا بايعوه. الا ان الامام جعفر الصادق ابن محمد ابن علي عليهم السلام رفض البيعة بعد ما أخبر بها، لان الامام سلام الله عليه كان يعلم بأن الأمر لا يتم.

فقد جاء في بعض الروايات؛ انه جاء جعفر ابن محمد (الامام الصادق) فأوسع له عبد الله ابن الحسن الي جانبه، فتكلم مثل ذلك الكلام، فقال ابو جعفر (عليه السلام): لا تفعلوا فإن هذا الامر لم يأت بعد. ثم وجه الخطاب الي عبد الله بن الحسن وقال: ان كنت تري ان ابنك هذا هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه. وان كنت انما تريد ان تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فانا والله لا ندعك - وانت شيخنا - ونبايع ابنك.

بهذا رد الامام الصادق (عليه السلام) عبد الله عن البيعة لأبنه محمد ذو النفس الزكية، مما اغضب عبد الله وهو رجل كبير في السن واتهم الامام بالحسد. وكان هذا من أخطائه الكبيرة.

فقال الامام: والله ما ذلك يحملني، ثم ضرب بيده علي ظهر ابن العباس، ثم ضرب بيده علي كتف عبد الله ابن الحسن، ثم قال: انها والله ما هي إليك ولا الي ابنيك، ولكنها لهم (أي لبني العباس).

واضاف الامام: ان ابنيك لمقتولان. ثم نهض وتوكأ علي يد عبد العزيز ابن عمران الزهري، فقال: أرأيت صاحب الرداء الاصفر، يعني ابا جعفر المنصور. قال: نعم. قال: فانا والله نجده يقتله، قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال: نعم. قال: فقلت في نفسي حسده ورب الكعبة.

ان هذا

الرجل الذي اخبره الامام لم يستوعب الحديث، وكيف تكون القيادات يجتمعون لبيعة محمد والامام يخبر بأنه يقتل بيد واحد من الحاضرين كان قد بادر الي بيعته.

قال عبد العزيز ابن عمران الزهري: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتي رأيته قتلهما.

هذه كانت بداية لمأساة طويلة، كانت قد وقعت لاولاد الحسن المجتبي بعد ان حكم العباسيون الامة.

اولاد الامام الحسن المجتبي وقعوا في ازمة حقيقية، فمن جهة هم بايعوا محمد ذوالنفس الزكية، وفي جهة اخري رأوا العباسيين يحكمون البلاد. وشخص ابو جعفر المنصور بايع محمد ذوالنفس الزكية مرتين، ولعل بيعته له انما كانت عملية خداعية للوصول الي الحكم، ولعله كان يخدع كثيراً من القوي السياسية المناهضة الاخري أيضاً بذات الطريقة.

وبعد ما حكم العباسيون وبايع الجميع لهم؛ فلما آل الأمر الي المنصور، كان ممن حضر عنده وبايعه عبد الله ابن الحسن. ولكن المنصور لم يقتنع بذلك، لأنه كان يبحث عن محمد ابنه الذي اختفي.

ولاريب ان اختفائه كان ينذره بالخطر، يقول عبد الله ابن عبيده ابن محمد ابن عمار ابن ياسر: لما استخلف ابو جعفر (المنصور) لم يكن همّه إلاّ طلب محمد والمسألة عنه وعما يريد، فدعا بني هاشم رجلاً رجلاً يسألهم في خلوة، فكلهم يقول: يا أمير المؤمنين انك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل هذا اليوم، وهو يخافك علي نفسه ولا يريد لك خلافاً ولا يرضي لك معصية، إلاّ الحسن ابن زيد فانه أخبره، قال: والله ما آمن وثوبه عليك، والله لا ينام عنك الحسن ابن زيد من بني هاشم. وهكذا كان رأي الحسن ابن زيد في تلك المجموعة رأياً معارضاً لمحمد ابن عبد الله ذي النفس الزكية.

ومن هنا فان المنصور الدوانيقي

سأل عبد الله ابن الحسن عن ابنيه - محمد وابراهيم - وذلك في العام الذي حج فيه، فقال له عبد الله فيهما مقالة الهاشميين، ولكن المنصور اخبره بأنه غير راضيِ عنه او يأتيه بهما.

وبدأت المعركة بين السلطة العباسية وبين الهاشميين، حيث بعث المنصور الدوانيقي ببعض ثقاته لكي يتجسس علي الحركة الهاشمية، فتلطف ذلك الرجل حتي توصل الي الخبر اليقين من عبد الله بن الحسن، حيث قال له: ان اخبر الناس ان ابني خارج في وقت كذا او كذا، فلما رجع الي المنصور سأل عبد الله ابن الحسن عن ابنيه ابراهيم ومحمد مرة اخري، فقال: لا علم لي بهما. وظل يسأله حتي تغالظا فأمصه ابو جعفر وعاب عليه امهاته.

فقال عبد الله ابن الحسن: يا ابا جعفر؛ بأي امهاتي تمصني، أبفاطمة بنت رسول الله، ام بفاطمة بنت الحسين، ام بخديجة بنت خويلد، أم بام اسحاق بنت طلحة؟

قال: ولا بواحدة منهن. فوثب المسيب ابن ابراهيم فقال: يا امير المؤمنين دعني اضرب عنق ابن الفاعلة.

فقام زياد ابن عبد الله، فألقي عليه رداؤه، وقال: يا أمير المؤمنين، هبه لي فإني استخرج لك ابنيه، فخلصه منه.

وفي النهايه قال المنصور لعبد الله: لتأتيني به أي بمحمد.

فقال عبد الله: لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه.

فقال المنصور: يا ربيع قم به الي الحبس. فحبس عبد الله في دار مروان في البيت الذي عن يمين الداخل، والقي تحته ثلاث حقائب الابل محشوة تبناً. فبقي في السجن ثلاثة سنين وبدأت معاناة عبد الله ابن الحسن، فأرسل محمد الي ابيه في السجن رسالة بيد ام يحيي يقول له فيها: لأن يقتل رجل من آل محمد خير من ان يقتل

بضعه عشر رجلاً. وكان محمد يستأذن بذلك أباه بأن يسلم نفسه للسلطة حتي يقتل ويخلص سائر الهاشميين من القتل.

فلما دخلت ام يحيي علي عبد الله رأته متكئاً علي برذعة في رجله سلسلة، فجزعت من ذلك. فقال عبد الله لها: مهلاً يا ام يحيي، فلا تجزعي، فلا بت ليلة مثلها.

قالت: فابلغت مقالة محمد له، فاستوي جالساً، ثم قال: حفظ الله محمداً. لا؛ ولكن قولي له ليأخذ الي الارض مذهباً. فو الله ما يحتج عند الله غداً إلاّ انا خلقنا وفينا من يطلب هذا الأمر [8] . يعني بذلك انا معاشر الهاشميين لازلنا نطالب الحكم في كل زمان، وهذه حجة له علي سلامة منهاجه في المطالبة بالحكم.

وقال عبد الله بن الحسن لبعض من جاءوا إليه يطالبونه بتسليم ابنيه للسلطات، قال: لبليتي اعظم من بلية ابراهيم (عليه السلام). ان الله عز وجل أمر ابراهيم الخليل بأن يذبح ابنه وهو لله طاعة، وانكم جئتموني تكلموني في ان آتي بأبنيّ لهذا الرجل ليقتلهما وهو لله جل وعز معصية. فو الله يا ابن اخي لقد كنت علي فراشي فما يأتيني النوم، واني علي ما تري اطيب نوماً.

وكان محمد وابراهيم يأتيان أباهما في السجن متنكرين بهيئة الاعراب، فيستأذنانه بالخروج، فيقول: لا تعجلا حتي تملكا، ثم يخاطبهما بالقول: ان منعكما ابو جعفر (المنصور الحاكم العباسي) ان تعيشا كريمين، فلا يمنعكما ان تموتا كريمين.

بهذه النفسية العالية كان عبد الله يربي ابنيه محمداً وابراهيم ان يعيشا او يموتا كريمين.

وهكذا لقي عبد الله ابن الحسن واخوته ما لقوا من الاذي، سواءاً قبل قيام محمد وابراهيم او بعد قيامهما. وكان موقف الامام جعفر ابن محمد الصادق (عليه السلام) موقفاً مخالفاً لمحمد

وحركته العاجلة لمعرفته بواقع الامور، ولكنه كان يتعاطف معهم، فقد نقل بعضهم قائلا: اني لواقف بين القبر والمنبر اذ رأيت بني الحسن يخرج بهم من دار مروان مع ابي الازهر يراد، بهم الربذة، فأرسل اليَّ جعفر ابن محمد الصادق (عليه السلام) فقال: ماوراءك؟ قلت: رأيت بني العباس يخرج بهم في محامل. فقال لي: اجلس. فجلست، فدعا غلاماً له ثم دعا ربه كثيراً، ثم قال لغلامه اذهب فإذا حملوا فأتي فاخبرني.

قال، فأتاه الرسول، فقال: قد اقبل بهم، فقام جعفرسلام الله عليه فوقف وراء ستر شعر ابيض، فطلع بعبد الله ابن الحسن وابراهيم من الحبس وجميع اهلهم. فلما نظر اليهم جعفر ابن محمد هملت عيناه حتي جرت دموعه علي لحيته، ثم اقبل عليّ فقال: يا ابا عبد الله، والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا، والله ما وفت الانصار ولا ابناء الانصار لرسول الله لما اعطوه من البيعة علي العقبة.ثم قال جعفر حدثني ابي عن ابيه عن جده عن علي ابن ابي طالب؛ ان النبي (صلي الله عليه وآله) قال له: خذ عليهم البيعة في العقبة فقال: كيف آخذ عليهم؟ قال: خذ عليهم يبايعون الله ورسوله علي ان تمنعوا رسول الله وذريته كما تمنعون انفسكم وذراريكم. قال الامام الصادق (عليه السلام): فو الله فما وفوا حتي خرج من بين اظهرهم، ثم لا احد يمنعه.

اللهم اشدد وطأتك علي الانصار. وهنا دعي الامام الصادق (سلام الله عليه) علي الذين سمحوا للمنصور الدوانيقي ان يجمع اولئك الرجال من بني هاشم ويبعث بهم إلي الربذة، حيث يُبعد المؤمنون في التأريخ.

فقال احدهم: كنت في الربذة فأوتي بأبناء الحسن مغلولين معهم العثماني. [9] فقال رجل: هذا العثماني كأنه خلق من

فضه [8] ، فأقعدوا. فمالبثوا ان خرج رجل من عند ابي جعفر المنصور فقال: اين محمد ابن عبد الله العثماني؟ فقام فدخل، فلم نلبث حتي سمعنا وقع سياط. قال: فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه وأسالت دمه، واصاب سوط منها احدي عينيه فسالت. [9] واقعد إلي جنب اخيه عبد الله ابن الحسن فعطش فاستسقي، فقال عبد الله ابن الحسن: من يسقي ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله) فجاءه خراساني بماء فسلمه إليه، فشرب ثم لبث هنيئة، فخرج ابو جعفر في محمل والربيع معاد له. فقال عبد الله ابن الحسن: يا ابا جعفر والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر. [8] .

وكان السجن الذي سجن فيه عبد الله ابن الحسن، وهو آنئذ شيخ كبير، سجناً قاسياً، وكان هذا قبل ان يقوم وينهض بالثورة المعروفة. يقول بعضهم: حدثني اسحاق ابن عيسي عن ابيه انه قال: ارسل اليّ عبد الله ابن الحسن وهو محبوس، فأستأذنت ابا جعفر في ذلك، فأذن لي فلقيته، فطلب مني ان اسقيه ماءاً بارد. فارسلت الي منزلي فأتوني بقلة فيها ماء وثلج ليشربه، فاعطيته لعبد الله ابن الحسن ليشرب، اذ دخل ابو الازهر السجان سجنه فأبصره يشرب القلة وهي علي فيه، فضرب القلة برجله فألقي ثنيه.

هكذا بهذه الطريقة الوحشية كان يتعامل مع هذا الرجل الكبير في السن، علماً بأن اسحق ابن عيسي ووالده استأذنوا المنصور بالدخول علي عبد الله والتلطف معه. يقول الرجل فأخبرت أبا جعفر، فقال لي: اله عن هذا يا أبا العباس؛ أي لا تحدثني عن هذا الأمر.

من هنا نعرف ان أمر الارهاب واستخدام العنف مع بني الحسن كان صادراً من المنصور نفسه لعنة الله عليه.

وقال

رجل: مات رجل من آل الحسن وهم بالهاشمية محبوسون، فأخرج ابن الحسن يرسف في قيوده ليصلي عليه. وهكذا لم يدعوه حتي عند الصلاة علي الميت بان يضع عن نفسه القيود.

وذكر محمد ابن علي ابن حمزة ان سمع من يذكر ان يعقوب واسحاق ومحمد وابراهيم ابن الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل، وان ابراهيم ابن الحسن دفن حياً، وطرح علي عبد الله ابن الحسن البيت رضوان الله

عليهم. [9] .

كان عبد الله ابن الحسن واحداً من الذين ربتهم فاطمة بنت الحسين في حجرها، وغذاهم الحسن المثني الذي كان وريث كربلاء. وكانت هذه الصفاة المتجلية في عبد الله ابن الحسن قد تناقلتها الاجيال الصاعدة من بني الحسن ومن غير بني الحسن من المؤمنين.

وهكذا كانت ملحمة كربلاء تشع اشعاعها في النفوس، وتخلق المزيد من الرساليين المتفانين في سبيل الله.

طلائع الشهادة

اختلف المؤرخون في عدد اولاد الامام الحسن (عليه السلام)، ذكوراً واناثاً فمنهم من قال: ان الامام المجتبي (عليه السلام) استشهد عن ثمانية ذكور واربع اناث، بينما قال آخرون بأنه ترك احد عشر ذكوراً وخمسة اناث، وقال آخرون غير ذلك. إلاّ ان الذين اشتركوا منهم في ملحمة كربلاء كان - حسب ما يبدو - خمس من الذكور، وهم الحسن المثني وقد ذكرنا قصته في الفصل الاول، والقاسم ابن الحسن وابوبكر ابن الحسن وعبد الله ابن الحسن. ومن الاسري من اولاد الحسن (سلام الله عليه)، كان عمر ابن الحسن وكان فتي، فلما ادخل الاسري علي الطاغية يزيد لعنه الله، قال له يزيد: اتصارع ابني هذا يعني خالداً. فقال له عمر ابن الحسن. ما فيّ قوة للصراع، ولكن أعطني سكينا، وأعطه سكيناً فأما ان يقتلني فألحق بجدي رسول

الله (صلي الله عليه وآله) وابي علي ابن ابي طالب (سلام الله عليه)، واما ان اقتله فألحقه بجده ابي سفيان وابيه معاويه. فتأمل يزيد، وقال: شنشنة اعرفها من اخزمي هل تلد الحيّة إلا الحيّة [10] .

وقد استشهد من ابناء الامام الحسن (عليه السلام) في كربلاء، كل من ابو بكر بن الحسن، والقاسم بن الحسن، وعبد الله بن الحسن. وفيما يلي نستعرض جانباً من بطولاتهم.

ابوبكر بن الحسن

كان لأبي بكر بن الحسن (عليه السلام) من العمر 16 سنة، حسب ما ذكره المؤرخون. وكان صبيح المنظر حسن الوجه، وكان جسوراً علي الطعن والضرب في ميدان الكفاح، فبرز وهو يقول:

اني انا نجل الامام ابن علي اضربكم بالسيف حتي يفلل

نحن -وبيت الله - اولي بالنبي

اطعنكم بالرمح وسط القسطل

فقلب الميمنة علي الميسرة، والميسرة لي الميمنة، حتي قتل منهم مجموعة كبيرة، ثم عاد الي عمه الحسين وقد غارت عيناه من العطش ونادي: يا عماه هل من شربة ماء ابرد بها كبدي، واتقوي بها علي اعداء الله ورسوله؟ فقال له الحسين: يا ابن اخي اصبر قليلا حتي تلقي جدك رسول الله يسقيك شربة من الماء لا تظمأ بعدها ابداً. خرج الغلام الي القوم فحمل عليهم وأنشأ يقول:

اصبر قليلاً فالمني بعد العطش

فان روحي في الجهاد تنكمش

لا ارهب اذا الموت وحش

ولم اكن عند اللقاء ذا رعش

ثم حمل علي القوم فقتل منهم مجموعة كبيرة وهو يرتجز ويقول:

واجتمع عليه الناس وقتلوه. وكان ابو جعفر الباقر سلام الله عليه يذكر ان حرملة ابن كاهل الاسدي هو الذي قتل أبا بكر. وقال بعضهم ان عبد الله ابن عقبة الغنوي هو الذي

قتله.

القاسم بن الحسن

تهوي افئدة الملايين من البشر هذا الفتي الهاشمي، وتذرف الدموع الساخنة عليه كلما مرت مناسبة عاشوراء علي المسلمين، مما يثير التساؤل التالي: لماذا؟

هل لانه كان فتي وسيماً جميلاً في ريعان الشباب واقتحم غمار الموت دون ان يأبه لشيء؟ بلي؛ واكثر من ذلك.

هل لانه ابن السبط الشهيد الامام الحسن الذي يكنّ المسلمون والموالون احتراماً بالغاً له كما يكنّون ولاءاً حقيقياً لمقام امامته، لأنه سبط الرسالة وسيد شباب اهل الجنة؟ بلي؛ واكثر من ذلك.

ان الانسان قد فطر علي حب البطولة، ولولا ذلك لما كانت بطولة ولما كانت هذه المآثر للأبطال. وحين نستعرض سيرة القاسم ابن الحسن نجد نمطاً رائعاً من البطولة الفائقة، ولذلك يستهوينا هذا النمط، لان هذا الفتي لما سمع عمه الحسين سلام الله عليه في ليلة العاشر من شهر محرم ينعي نفسه وينعي اصحابه ويخبر الحاضرين بأنهم لمقتولون غداً جميعاً، هنالك انبري سائلاً: يا عماه هل اكون انا ايضاً ممن يقتل غداً؟

وقبل ان يجيبه سلام الله عليه، سأله كيف الموت عندك؟

قال بكل عفوية: يا عماه في نصرتك احلي من العسل. ثم اخبره بانه ممن يقتل، واضاف بأنه حتي ابنه الرضيع عبد الله ممن يقتل. فانتفض الفتي وسأله:

يا عماه هل يصل العدو إلي المخيم؟

انظروا إلي هذين الموقفين؛ اولاً: طلبه للشهادة ولمّا تقع الواقعة، وكلمته الرائعة بأنه في نصرة الحسين الموت أحلي من العسل. الموت مر وأشد مرارة من أي شيء اخر، ولكن نصرة الحسين (عليه السلام) والدفاع عن القيم تجعل مرارة هذا الحدث ليست فقط مقبولة، وانما تجعلها مطلوبة حتي تصبح أحلي من العسل.

ثانياً: انتفاضته امام الخبر الذي وصل إليه بأن عبد الله الرضيع يقتل. إنه لم

يتأثر فقط لشهادة ابن عمه الصغير، بالرغم من ان ذلك حدث كبير ويثير الماً شديداً. ولكن انتفض غيرة علي النساء، وانه كيف يصلون إلي المخيم. وهكذا كانت نفسية هذا الفتي الهاشمي تتلخص في كلمتين؛ في نصرة الحق، وفي الغيرة علي الحق.

وفي يوم عاشوراء اذن ابو عبد الله سلام الله عليه حسب بعض الروايات لأخوة قاسم، وبالذات لأبي بكر الذي يبدو انه استشهد قبل القاسم، وكان شقيقاً للقاسم من امه. ولكن تباطأ الامام الحسين عليه السلام في الاذن للقاسم، لا نعرف لماذا؟ انما حسب هذه الرواية انه قال له: لأتسلي بك.

ولعل الحسين كان يكن لهذا الفتي حباً عميقاً، وكان يتسلي به ويراه علامة اخيه الحسن، لأنه كان للحسن المجتبي عليه السلام عظيم الحب في قلوب المسلمين، فكيف بقلب الحسين (سلام الله عليه)؟ وكان الامام الحسين يقول عن أخيه بأنه خير منه. ومعروف ان الامام الحسن (عليه السلام) استشهد غيلة بعد ما اضطر الي الصلح مع معاوية، وذلك في الاربعينات من عمره. ورافق شهادته بعض الحوادث المرة، كمنع جسده من الطواف حول قبر النبي صلي الله عليه وآله، ورمي جثمانه المبارك بالسهام.. كل ذلك عمّق الحزن في قلب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) علي أخيه، وعبر عن ذلك الحزن العميق في بيتين من الشعر بعد ان واري اخاه الثري قال:

أأدهن رأسي ام تطيب مجالسي

ووجهك مدفون وانت تريب

وليس حريبا من اصيب بماله

ولكن من واري اخاه حريب

وهكذا لما نظر الي القاسم تداعت في نفسه علائم الحسن سلام الله عليه، فكيف يأذن للقاسم بأن تقطعه حراب بني امية أمام عينيه. ولعله لذلك قال للقاسم حسب الرواية: يا

ابن الاخ؛ انت من أخي علامة، واريد ان تبقي لي لأتسلي بك.

اما القاسم الذي كان من جهة متعبداً بولاية عمه وامامه الحسين سلام الله عليه، ومن جهه ثانية كان متحفزاً للبراز والجهاد بين يديه وطالباً للشهادة في سبيل الله ونصرة عمه الحسين سلام الله عليه؛ فقد انتحي جانباً وجلس مهموماً مغموماً، باكي العين، حزين القلب، ووضع رأسه علي رجليه ثم تذكر ان أباه قد ربط له عوذةً في كتفه الايمن، وقال له اذا اصابك ألماً وهماً، فعليك بحل العوذة وقرائتها وفهم معناها، واعمل بكل ما تراه مكتوباً فيها. فقال القاسم في نفسه: مضت سنون ولم يصبني من مثل هذا الالم، فحل العوذة وفضها ونظر إلي كتابتها واذا فيها: يا ولدي اوصيك انك اذا رأيت عمك الحسين (عليه السلام) في كربلاء وقد احاطت به الاعداء فلا تترك الجهاد والبراز لاعداء الله واعداء رسول الله، ولا تبخل عليه من روحك ومن دمك، وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك للبراز لتحظي بالسعادة الابدية. فقام القاسم من ساعته واتي الحسين وعرض ما كتب الحسن علي عمه الحسين (عليهما السلام)، فلما قرأ الحسين العوذة بكي بكاءاً شديداً، و قال: يا ولدي اتمشي برجلك الي الموت؟

قال: فكيف لا يا عم، وانت بين الاعداء بقيت وحيداً فريداً لم تجد حامياً ولا صديقاً. روحي لروحك الفداء، و نفسي لنفسك الوقاء.

ثم ان الحسين سلام الله عليه قطع عمامة القاسم نصفين ثم ادلاها علي وجهه كأنه اراد ان يصون وجه القاسم، ثم البسه ثيابه وشد سيفه وسط القاسم، ثم أركبه علي فرسه وارسله.

وقد جاء في رواية ان الحسين (سلام الله عليه) اعتنق القاسم وجعلا يبكيان حتي غشي عليهما، ثم انحدر

القاسم الي المعركة وهو يرتجز قائلاً:

ان تنكروني فأنا ابن الحسن

سبط النبي المصطفي المؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة قمر، فقاتل قتالاً شديداً حتي قتل علي صغر سنه خمسة وثلاثين رجلاً. قال ابو مخنف الذي روي حوادث يوم الطف؛ قتل سبعين فارساً. وقال حميد ابن مسلم: كنت في عسكر ابن سعد (أعداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام) فكنت انظر الي هذا الغلام عليه ازار وقميص ونعلان قد انقطع شسع احداهما، ما انسي كان الايسر، فقال لي عمر بن سعد الازدي والله لاشدن عليه، فقلت سبحان الله ما تريد بذلك، والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي. يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه.

قال: والله لا فعلن. فشد عليه فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه.

وقال ابو مخنف: وكمن له ملعون فضربه علي ام رأسه ففجر هامته وخر صريعاً ونادي: يا عماه ادركني. وجاء في الرواية: فجاءه الحسين كالصقر المنقض فتخلل الصفوف، وشد شدة الليث المغضب، فضرب عمر (قاتله) بالسيف فاتقاه بيده فأطناها من لدن المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحي عنه. وحملت خيل اهل الكوفة لتستنقذ عمر قاتل القاسم من الحسين (سلام الله عليه)، فاستقبلته الخيل بصدورها وجرحته بحوافرها ووطأته حتي مات. فأنجلت الغبره فإذا بالحسين (عليه السلام) قائم علي رأس الغلام وهو يفحص برجليه، فقال الحسين: يعز والله علي عمك ان تدعوه فلا يجيبك، او يجيبك فلا يعينك، او يعينك فلا يغني عنك. بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وابوك، هذا يوم كثر والله واتره وقل ناصره.

ثم احتمله علي صدره، وكما

يقول حميد ابن مسلم: فكأني انظر الي رجليّ الغلام يخطان في الارض، فقد وضع صدره علي صدره، فقلت في نفسي ما يصنع به، فجاء به فألقاه بين القتلي من اهل بيته مع ولده علي الاكبر، ثم قال: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم احداً، ولا تغفر لهم ابداً. صبراً يا بنو عمومتي، صبراً يا اهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم ابداً.

واستشهد القاسم ابن الحسن وطارت روحه الي الملكوت، ولكن بقيت مآثره وبطولته تحفز الفتيان من موالي اهل البيت ومن المسلمين جميعاً علي ضرورة التحدي للطغيان ونصرة الحق. ولذلك تجد احد العلماء الكبار وهو السيد الشريف المرتضي علم الهدي يزور القاسم بهذه الكلمات العطرة، يقول: السلام علي القاسم ابن الحسن ابن علي ورحمة الله بركاته، السلام عليك يا ابن حبيب الله، السلام عليك يا ابن ريحانة رسول الله، السلام عليك من حبيب ماقضيمن الدنيا وطرا ولم يشف من اعداء الله صدرا حتي عاجله الاجل وفاته الامل، فهنيئاً لك يا حبيب رسول الله، ما اسعد جدك، وافخر مجدك، واحسن منقلبك.

عبدالله بن الحسن

الامام الحسن المجتبي شارك في اكثر من حرب، وقاد حروب كبيرة ضد طاغية زمانه معاوية، ولكن الحرب انتهت بصلح، فلم يكن الامام الحسن (سلام الله عليه) ميالاً الي الخفض والدعة كما يزعم بعض المغرضين، ولقد كان صلحه مع معاوية مجرد مرحلة من مراحل حياته، وكان فيه خدمة كبيرة للأمة الاسلامية، ليعلموا ان الهدف من الحرب تحقيق اهدافها المقدسة اما إذا بلغوا مرحلة لم يستطيعوا الاستمرار فيها لاسباب قاهرة صالحوا، وكان لهم في الحسن المجتبي اسوة حسنة، فيحافظون علي ما تبقي من قوتهم استعداداً ليوم آخر. وهكذا كان صلح الامام الحسن المجتبي (سلام

الله عليه) بركة للمسلمين عبر التأريخ. انما الخطأ الفاحش الاعتقاد انه سلام الله عليه كان بارد المزاج، ويميل الي الصلح والسلم، فاذا كان كذلك، فكيف قاد الحروب عبر حياته الشريفة؟

وأحد أبرز الادلة علي تلك النفسية الطاهرة الشجاعة التي تتميز بالعطاء والفداء؛ هم ابناء الحسن (سلام الله عليهم) الدين فاضت فيهم نفس أبيهم، فاصبحوا قمة في البطولة والعطاء. فأبناء الحسن هم الامثلة الرائعة في مسيرة التحدي، وكان من اصغرهم سناً عبد الله. فإذا كان القاسم ابن ثلاثة عشر ربيعاً، واذا كان ابوبكر ابن الحسن ابن ثمانية عشر سنة، فإن عبد الله ابن الحسن كان صغير العمر، ولكن عوامل الوراثة وخلقيات الامام الحسن المجتبي (سلام الله عليه) تجلت فيه، ففي الحديث المروي عن الشيخ المفيد رضوان الله عليه قال: خرج إليهم عبد الله ابن الحسن ابن علي وهو غلام لم يراهق من عند النساء حتي وقف الي جنب عمه الحسين، فلحقت به زينب بنت علي لتحبسه فقال لها الحسين: احبسيه يا اختي. فأبي وامتنع امتناعاً شديداً، وقال: والله لا افارق عمي، واهوي ابجر ابن كعب الي الحسين بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا ابن الخبيثة، اتقتل عمي؟! فضربه ابجر بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطناها الي الجلد، فاذا يده معلقة فنادي الغلام: يا عماه، يا ابتاه. واخذه الحسين فضمه، وقال: يا ابن اخي صبراً علي ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فان الله يلحقك بآبائك الصالحين. ثم رفع الحسين يده ثم قال: اللهم فإن متعتهم إلي حين، ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضي الولاة عنهم ابدا، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدو علينا فقتلونا.. وقال السيد في اللهوف: فرماه حرملة ابن كاهل بسهم فذبحه في حجر

عمه الحسين.

وهكذا نجد ان شجاعة الحسن المجتبي (سلام الله عليه) قد فاضت في عروق ابنائه حتي الطفل الصغيرمنهم. فسلام الله عليهم من اهل بيت كانوا مصداق قوله تعالي «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آل عمران/34)

نسأل الله سبحانه وتعالي انه يجعلنا نسير علي طريقهم، ونفوز باتباعهم في الدنيا، وبمرافقتهم وشفاعتهم في الاخرة، انه ولي التوفيق.

پاورقي

[1] أي لا يستبدلون بعبد الله بن الحسن احداً.

[2] مقاتل الطالبين / ص 126 (بالائمة: يعني يقلب الناس ضد الحكام).

[3] مقاتل الطالبين / ص 141.

[4] المصدر / صفحه 147.

[5] كان واحداً من ابناء عثمان أو الموالين له في جمع بني هاشم يومئذ.

[6] أي من شدة بياضه.

[7] أي اعميت عينه او سالت دماً.

[8] راجع مقاتل الطالبيين /ص 149-150.

[9] المصدر / ص 154.

[10] هذان مثلان يضربهما العرب حول ان الفرع يتبع الأصل.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.