الامام الحسن عليه السلامو مصلحة الاسلام العليا

اشارة

المولف:مجله حوزه
الناشر:مجله حوزه

تمهيد

إن المقام المقدس الذي حظي به الإمام الحسن (ع) علي لسان جده رسول الله (ص) ، يدفعنا لمزيد من التأمل في سيرته المباركة، بكل ما تحتويه من جوانب عظمة وكمال ذاتية وحكمة وسداد رسالي، والذي نراه ينجسم تماماً مع وصف رسول الله (ص) له وموضعه منه فيما ورد عنه (ص) في حقه (ع) منها:
عن علي بن الحسين (ع) قال: "لما ولدت فاطمة الحسن (ع) قالت لعلي (ع) : سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله، فجاء رسول الله (ص) فأخرج إليه في خرقة صفراء فقال: ألم أنهاكم أن تلفّوه في خرقة صفراء؟! ثم رمي بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثم قال لعلي (ع) : هل سميته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال (ص) : وما كنت لأسبق باسمه ربي عزّ وجل.
فأوحي الله تبارك وتعالي إلي جبرئيل أنه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط فأقرئه السلام وهنّئه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسي، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل (ع) فهنأه من الله عزّ وجلّ ثم قال: إن الله تبارك وتعالي يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبَّر، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسن، فسمّاه الحسن". [1] .
وقال رسول الله (ص) : "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، وأبوهما خير منهما". [2] .
وعن زينب بنت أبي رافع عن أمّها قالت: قالت فاطمة (س) : يا رسول الله هذان ابناك فانحلهما، فقال رسول الله (ص) : "أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي". [3] .
وعن البرّاء بن عازب قال: "رأيت رسول الله (ص) واضعاً الحسن علي عاتقه فقال: من أحبّني فليحبّه". [4] .
وقوله (ص) : "اللهم إني أحبّه فأحبه وأحبّ من يحبه قال: وضمّه إلي صدره". [5] .
واجتمع أهل القبلة علي أن النبي (ص) قال: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". [6] .
ولو سبرنا حياة الامام الحسن المجتبي (ع) لوجدنا ذات الخط الذي نهجه أبوه أمير المؤمنين (ع) وأمه فاطمة الزهراء (ع) ، يتجسد مرة أخري في سيرته الرسالية، حيث لم
«2»
ير مصلحة فوق مصلحة الإسلام العليا، ولا قيمة لشيء أكبر من قيمتها، بل لقد أرخص سلام الله عليه كل شيء في سبيله، لأنها سبيل الله وكلمته العليا.

ثلاث من سيرته المباركة

اشاره

ولنأخذ من مواقفه الكبري في هذا السبيل بعض النماذج المتميزة في عهود أساسية

في عهد عثمان

ونستلّ من سيرة الامام الحسن المجتبي (ع) ، في هذا العهد مجالين هما:
أ - مشاركته في الكثير من حروب الدفاع عن بيضة الإسلام، وفي كثير من الفتوحات الإسلامية أيام خلافة عثمان، منطلقاً من مقولة أبيه أمير المؤمنين (ع) في رعاية مصلحة الإسلام العليا التي كررها في أكثر من موضع: "والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن جورٌ إلاّ عليّ خاصّة". [7] .
وقد نقلت لنا كتب التاريخ ومروياته هذه الحقيقة، وممّا جاء فيها: إن الامام أبا محمد الحسن (ع) كان قد بلغ العشرين عاماً أو تزيد، وقد برز بين أعيان المسلمين في مواهبه العالية وتطلعاته إلي حقائق الأمور ومشكلاتها، ومضي مع أبيه يتجرع مرارة تلك الأحداث القاسية، ويترقب معه الوقائع والأحداث، ويعملان لصالح الإسلام. وانضمّ الحسن إلي جنود المسلمين الذين اتّجهوا إلي أفريقيا بقيادة عبد الله بن نافع وأخيه عقبة في جيش بلغ عشرة آلاف مجاهد، كما جاء في العبر لابن خلدون، وتطلع المسلمون إلي النصر والفتح متفائلين بوجود حفيد الرسول وحبيبه يجاهد معهم، وكانت الغزوة ناجحة وموفقة كما يصفها المؤرخون، وعاد الحسن منها إلي مدينة جده وقلبه مفعم بالسرور، وعلامة الارتياح بادية علي وجهه الكريم لانتشار الإسلام في تلك البقعة من الأرض.
كما جاء في تاريخ الأمم والملوك في حوادث سنة ثلاثين للهجرة أن سعيد بن العاص غزا خراسان، ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله والحسن والحسين إلي جرجان، فصالحوه علي حد تعبير الطبري علي ساحل البحر، فقاتلهم أهلها قتالاً شديداً وصلّي المسلمون صلاة الخوف، وأخيراً انتصر المسلمون في تلك المناطق كما نصّ علي ذلك ابن خلدون وغيره من المؤرخين.
وجاء في الفتوحات الإسلامية وغيرها أن سعيد بن العاص غزا طبرستان سنة ثلاثين من الهجرة، وكان الأجهيد قد صالح سويد بن مقرن علي مال بذله في عهد عمر بن الخطاب، وفي عهد عثمان بعد استيلائه علي السلطة بخمس سنوات تقريباً، جهز إليهم جيشاً بقيادة سعيد بن العاص، كان فيه الحسن والحسين وعبدالله بن العباس وغيرهم من أعيان المهاجرين والأنصار، وتم لهم الاستيلاء علي تلك المناطق والتغلب عليها.
وتؤكد أكثر المرويات أن الحسن والحسين قد اشتركا في كثير من الفتوحات الإسلامية، وكان لهما دور بارز في سير تلك المعارك التي كانت تدور رحاها بين المسلمين وغيرهم. [8] .
ب - كان موقفه من خلافة عثمان وما آلت إليه هو موقف أبيه أمير المؤمنين (ع) ، معبّراً فيه عن كامل الطاعة والالتزام بأوامره وتوجيهاته في تلك الفترة العصيبة والفتنة العمياء، خصوصاً بعد أن ملّ المسلمون سياسة عثمان وأعوانه وعمّاله. وتنقل لنا كتب التاريخ وقائع تلك الفترة، ومنها أنه بعد فشل كل المحاولات التي بذلها المسلمون لإصلاح سياسة عثمان وأعوانه وعماله، وخوفهم علي دينهم ودنياهم، زحفوا إليه من جميع الأقطار، ودخلوا في مفاوضات معه يطالبونه بإصلاح ما أفسده هو وعمّاله، أو بالتخلي عن السلطة، وكان أميرالمؤمنين (ع) وولده الحسن وسيطين بين الخليفة ووفود الأمصار في محاولة للإصلاح، ووضع حدّ للفساد الذي شمل جميع مرافق الدولة، وكانا كلما أشرفا علي النجاح، ووضعا الحلول الكفيلة بالإصلاح وإرجاع الثوار إلي بلادهم، جاء مروان ونقض كل ما أُبرم بين الطرفين من حلول واتفاقات، حتي تعقّدت الأمور أخيراً وهاجمه الثوار بتحريض من عائشة وطلحة والزبير، وقالت لهم عائشة كما تؤكد ذلك أكثر المرويات: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. وأخرجت للمسلمين قميص رسول الله (ص) وقالت بصوت سمعه الجميع: هذا قميص رسول الله لم يبل وقد أبلي عثمان سنّته. كما تؤكد المصادر الموثوقة أن طلحة لم يقتصر دوره علي التحريض علي عثمان، بل اشترك معهم وسهّل لهم الوصول إلي داره للقضاء عليه، في حين أن أمير المؤمنين - كما يدعي الرواة - قد أرسل ولديه حسناً وحسيناً ليدفعا عنه الثوار.
وجاء في رواية ابن كثير أن الحسن بن علي قد أُصيب ببعض الجروح وهو يدافع عنه. ومما لا شك فيه أن أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين (ع) ، كانوا كغيرهم من خيار الصحابة ناقمين علي تصرّفات عثمان وأنصاره وعماله، ومع ذلك لم يبلغ بأمير المؤمنين (ع) الحال إلي حدود الرضا بقتله والتريض عليه، بل وقف منه موقفاً سليماً وشريفاً، أراد من عثمان أن ينتهج سياسة تتفق مع منهج الإسلام، وأن يجعل حدّاً لتصرفات ذويه وعماله الذين أسرفوا في تبذير الأموال واستعمال المنكرات، وأراد من الثائرين عليه أن يقفوا عند حدود المطالبة بالإصلاح الشامل لجميع مرافق الدولة، وألاّ تتّخذ ثورتهم طابع العدوان والانتقام، واستطاع في المراحل الأولي من وساطته أن يضع حدّاً للصراع القائم بين الطرفين بما يحفظ لكل منهما حقّه، لولا أن مروان بن الحكم قد أفسد كل ما أصلحه الامام (ع) وظلّ الامام إلي آخر لحظة يتمني علي عثمان أن يتخذ موقفاً سليماً حتي يُتاح له أن يعالج الموقف في حدود ما أنزل الله. [9] .

في عهد خلافة ابيه اميرالمؤمنين

وفي هذا العهد كان الامام الحسن السبط (ع) ظلاًّ لأبيه في كل ما تتطلبه مسألة الولاء لإمامه خليفة رسول الله (ص) ، وجندياً واعياً مطيعاً لكل أوامره. وقد تجلّي دوره هذا علي طول الأيام الحاسمة، والصراع المرير الذي عاشه والده أمير المؤمنين (ع) . ومن مهماته المشهودة في تلك الفترة:
أ - دوره في حرب الناكثين المعروفة بحرب الجمل: وهي الحرب التي استعرت في إثر تمرّد طلحة والزبير في البصرة، ورفعهما السلاح بوجه أمير المؤمنين علي (ع) بقيادة عائشة. وقد تمثل دور الإمام الحسن (ع) فيها بأمرين أساسيين:
أولاً: لما توجّه أمير المؤمنين (ع) إلي ذي قار ونزلها، أرسل الامام الحسن المجتبي (ع) إلي الكوفة مع عمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد، ليستنفروا أهلها لمساعدته علي طلحة والزبير، وكان قد أرسل قبلهم وفداً فعارضهم أبو موسي ولم يستجب لطلب أمير المؤمنين (ع) ، ومضي الحسن بمن معه باتّجاه الكوفة، ولمّا دخلوها استقبلهم أهلها فقرأ عليهم كتاب أبيه (ع) ، ووقف أبو موسي نفس الموقف الذي وقفه مع الوفد الأول، وافتعل حديثاً عن النبي ليثّبط الناس عن مساعدة أمير المؤمنين، وادّعي أنه سمعه يقول: ستكون بعدي فتنة القاعد فيها خير من القائم، والنائم خير من القاعد. فردّ عليه عمار بن ياسر وقال: إذا صح أنك سمعت رسول الله يقول ذلك فقد عناك وحدك، فالزم بيتك. أمّا فأُشهد الله أن رسول الله قد أمر عليّاً بقتال الناكثين وسمّي لي منهم جماعة، وأمره بقتال القاسطين، وإن شئت لأقيمنّ لك شهوداً أن رسول الله قد نهاك وحدك وحذّرك من الدخول في الفتنة.
ووقف الحسن (ع) يستنفر الناس فحمد الله وصلّي علي رسوله ثم قال: "أيها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلي الله وكتابه وسنّة رسوله، وإلي أفقه من تفقّه من المسلمين وأعدل من تعدلون وأفضل من تفضلون وأوفي من تبايعون، من لم يعبه القرآن ولم تجهله السنّة ولم تقعد به السابقة. ندعوكم إلي من قرّبه الله ورسوله قرابتين; قرابة الدين وقرابة الرحم، إلي من سبق الناس إلي كل مأثرة، إلي من كفي الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلّي معه وهم مشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدّقه وهم يكذبون، وهو سائلكم النصر ويدعوكم إلي الحق ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه وتنصروه علي قوم نكثوا ببيعة، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثّلوا بعمّاله، ونهبوا بيت ماله. فأشخصوا إليه رحمكم الله".
وفي رواية ثانية عن جابر بن يزيد أنه قال: حدثني تميم بن جذيم التاجي أن الحسن بن علي (ع) وعمار بن ياسر قدما الكوفة يستنفران الناس إلي علي (ع) ومعهما كتابه، فلما فرغا من قراءته قام الحسن فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون: اللّهم سدّد منطق ابن بنت نبيّك، فوضع يده علي عمود يتساند إليه، وكان عليلاً من شكوي به، فقال: "الحمد لله العزيز الجبار الواحد الأحد القهار الكبير المتعال، سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وساربٌ بالنهار، أحمده علي حسن البلاء وتظاهر النعماء، وعلي ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، امتنّ بنبوته واختصه برسالته وأنزل عليه وحيه واصطفاه علي جميع خلقه، وأرسله إلي الإنس والجنّ حين عُبدت الأوثان وأُطيع الشيطان وجُحد الرحمن، فصلّي الله عليه وعلي آله وجزاه أفضل الجزاء، أما بعد فإني لا أقول لكم إلاّ ما تعرفون; إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره وأعزّ نصره بعثني إليكم يدعوكم إلي الصواب والعمل بالكتاب والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإن في آجله ما تحبّون إن شاء الله، ولقد علمتم بأنّ عليّاً صلّي مع رسول الله وحده، وأنه يوم صدّق به لفي عاشرة من عمره، ثم شهد مع رسول الله جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسول وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم، ولم يزل رسول الله راضياً عنه حتي غمّضه بيده وغسّله وحده والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمّه ينقل إليه الماء، ثم أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من أموره، كل ذلك من منّ الله عليه، ثم - والله - ما دعا إلي نفسه، ولقد تداكّ الناس عليه تداكّ الإبل الهيم عند وردها فبايعوه طائعين، ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه حسداً له وبغياً عليه، فعليكم عباد الله بتقوي الله وطاعته والجدّ والصبر والاستعانة بالله، والإسراع إلي ما دعاكم إليه، عصمنا الله وإيّاكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإيّاكم تقواه وأعاننا وإيّاكم علي جهاد اعدائه. واستغفر الله لي ولكم".
وبعد جدال طويل وحوار بين عمّار بن ياسر والحسن بن علي (ع) من جهة، وبين أبي موسي الأشعري التفت الحسن (ع) إلي أبي موسي وقال له: "اعتزل عملنا لا أمّ لك وتنحَّ عن منبرنا". وظلّ أبو موسي علي موقفه المتصلّب يخذّل الناس ويوحي إليهم بأن رسول الله قد أمرهم باعتزال هذه الفتنة، حتي جاء مالك الأشتر ودخل القصر وأخرج منه الحرس، هذا وأبو موسي في جدال مع الحسن (ع) وعمّار، فجاءه الغلمان والحرس يشتدون إليه وأخبروه بما صنع الأشتر، فخرج من المسجد مذموماً مدحوراً، واستجاب الناس لنداء الحسن (ع) ، وخرج معه إلي البصرة اثنا عشر ألفاً، وكان أمير المؤمنين قد أخبر بعددهم وهو في ذي قار كما جاء في رواية الشعبي عن أبي الطفيل، وأضاف إلي ذلك أبو الطفيل يقول: والله لقد قعدت علي الطريق وأحصيتهم واحداً واحداً فما زادوا رجلاً ولا نقصوا رجلاً. [10] .
ثانياً: شارك الإمام الحسن (ع) في حرب الجمل إلي جنب أمير المؤمنين (ع) ، وحمل رايته وانتصر بها علي الناكثين. ومما أجمع عليه المؤرخون في ذلك أنه لمّا زحف أمير المؤمنين في كتيبته الخضراء التي جمعت المهاجرين والأنصار، وحوله أولاده الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية، وكان قد أعطاه الراية، فحمل بها علي أنصار عائشة ومضي يتقدم بها حتي تزعزعت صفوفهم، فقال له الأنصار: والله يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالي للحسن والحسين لما قدّمنا علي محمد أحداً من العرب، فقال لهم أمير المؤمنين: "اين النجم من الشمس والقمر؟ أما إنه قد أغني وأبلي وله فضله، ولا ينقص فضل صاحبيه عليه، وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالي عليه". فقالوا له: يا أمير المؤمنين، إنّا والله لا نجعله كالحسن والحسين، ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه حقّه. فقال: "اين يقع ابني من ابني بنت رسول الله؟". [11] .
ب - دوره في حرب القاسطين المعروفة بحرب صفين: وهي حرب البغاة في الشام التي التي قادها معاوية بن أبي سفيان خروجاً علي خلافة أمير المؤمنين (ع) ، وهكذا أيضاً كان دور الامام الحسن (ع) فيها كدوره في حرب الجمل، بل زاد عليه; حيث قام بتعبئة المسلمين للجهاد وبذل جهده لإحباط مؤامرة التحكيم والاحتجاج علي المنادين به. ونلخص هذا الدور بما يلي:
أولاً: وقف الامام الحسن (ع) خطيباً يعبّئ المسلمين لجهاد القاسطين البغاة بقيادة معاوية بن أبي سفيان فقال: "الحمد لله لا إله غيره ولا شريك له، وإنه ممّا عظّم الله عليكم من حقّه وأسبغ عليكم من نعمه مالا يحصي ذكره ولا يؤدّي شكره ولا يبلغه قول ولا صفة، ونحن إنّما غضبنا لله ولكم، وإنه لم يجتمع قوم قطّ علي أمر واحد إلاّ اشتدّ أمرهم واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده، ولا تتخاذلوا، فإن الخذلان يقطع نياط القلوب، وإن الإقدام علي الأسنّة نخوة وعصمة. لم يتمنّع قوم قطّ إلاّ رفع الله عنهم العلّة، وكفاهم حوائج الذلّة. وهداهم إلي معالم الملّة" ثم أنشد:

"والصلح تأخذ منه ما رضيت به
والحرب يلفيك من أنفاسها جرع" [12] .

ثانياً: لقد عبّر الامام الحسن (ع) عن ولائه المطلق لأبيه أمير المؤمنين (ع) في محنته هذه، مستخفّاً بإغراء البغاة له بالخلافة دون أبيه. فقد روي أن عبيد الله بن عمر أرسل إلي الحسن بن علي أن لي حاجة، وكان إلي جانب معاوية بن أبي سفيان، فلقيه الامام أبو محمد الحسن، فقال له عبيد الله: إن أباك قد وتر قريشاً أولاً وآخراً، وقد شنئه الناس، فهل لك في خلعه وتتولّي أنت هذا الأمر؟ فقال له الحسن (ع) : "كلاّ، والله لا يكون ذلك أبداً". ومضي يقول: "يابن الخطّاب، والله لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك. أما إن الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتي أخرجك متخلّقاً بالخلوق; تري نساء أهل الشام موقفك، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً".
ثم انصرف كل منهما إلي جهته. ونقل أحد الرواة قال: فو الله ما كان إلاّ بياض ذلك اليوم، حتي قتل عبيد الله وهو في كتيبة رقطاء تدعي الخضرية، وكان في أربعة آلاف عليهم ثياب خضر، فمرّ الحسن بن علي (ع) ، وإذا برجل متوسّد برجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله، فقال الحسن لمن معه: "أنظروا من هذا؟" فإذا رجل من همدان، وإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب قد قتله الهمداني في أول الليل وبات عليه حتي أصبح. [13] .
ثالثاً: كان للامام الحسن (ع) دور مشهود في الاحتجاج علي من نادي بالتحكيم وقبل به، كاشفاً عن حقيقة الموقف وما يكمن وراءه من مؤامرة شيطانية لتفريق جيش أمير المؤمنين (ع) ، وتمزيقه داخليّاً. وممّا روي في ذلك أن أمير المؤمنين (ع) بعد أن أعيته السبل في التحذير من التحكيم وأنه خدعة ومؤامرة، استسلم مكرهاً لرغبة القوم، فكانت مهزلة التحكيم التي انتهت بخذلان أبي موسي الأشعري للامام علي (ع) ، فساد الاضطراب معسكر أمير المؤمنين (ع) ، وبدت ظواهر التمزق والتفرق تسود أوساط جيشه، وأخذ كلّ فريق يتبرّأ من الآخر ويشتمه، فلم يجد الامام علي (ع) سبيلاً لدرء هذه المفسدة وبيان الحقّ وكشف حقيقة التحكيم وبطلانه، إلاّ أن يقدّم الامام الحسن المجتبي (ع) ليقوم بهذه المهمة الرسالية قائلاً له: "قم يا بني فقل في هذين الرجلين عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص"، فقام الامام السبط خطيباً فقال: "أيّها الناس، قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنّما بعثا ليحكما بالكتاب علي الهوي، فحكما بالهوي علي الكتاب، ومن كان هكذا لم يسمَّ حَكماً ولكنه محكوم عليه، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال: واحدة أنه خالف أباه إذ لم يرضه لها، ولا جعله في أهل الشوري، وأخري أنه لم يستأمره في نفسه، وثالثة: أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمارة ويحكمون بها علي الناس، وأمّا الحكومة فقد حكّم النبي (ص) سعد بن معاذ، فحكم بما يرضي الله به. ولا شكّ لو خالف لم يرضه رسول الله (ص) ". [14] .
وبذلك أظهر الامام السبط حقيقة الموقف، وكشف عن زيف التحكيم، وخطّل رأي أبي موسي الأشعري الذي انتخبته الغوغاء من جيش الامام علي (ع) ومكّنته من الموقف دون رويّة وتدبّر، رغم أنه معروف بسوء سريرته.
وهكذا كان الامام الحسن (ع) سنداً وظهيراً لأبيه أمير المؤمنين (ع) إلي آخر لحظة من حياته، وكان يعاني مايعانيه أبوه من أهل العراق ويتألّم لآلامه ومحنه، وهو يري معاوية يحوك المؤامرة تلو الأخري، ويبثّ مرتزقته في أنحاء العراق لتثبيط المسلمين عن أمير المؤمنين (ع) ، ويغري القادة والزعماء بالأموال والمناصب حتي فرّق أكثرهم عنه، وأصبح أمير المؤمنين يتمني فراقهم بالشهادة في سبيل الله، ولطالما بكي وقبض علي كريمته وهو يقول: "متي يُبعث أشقاها فيخضّب هذه من هذا"؟!، والحسن (ع) يري كل ذلك وتأخذه الحسرة والألم لما يحيط بأبيه من المتاعب والمحن والفتن.

في ايام خلافته

لقد أجمع المؤرخون أن خلافته كانت في صبيحة اليوم الذي دُفن فيه أميرالمؤمنين (ع) ، وبعد الفراغ من إنزال حكم الله بقتل ابن ملجم، فقد ضربه ضربة واحدة قضت عليه كما أوصاه أمير المؤمنين (ع) ، ثم تجمّع عند الامام الحسن (ع) صبيحة ذلك اليوم حشد كبير من أهل الكوفة غصّ بهم الجامع علي سعته، فوقف خطيباً حيث كان يقف أمير المؤمنين وحوله من بقي من وجوه المهاجرون والأنصار، فابتدأ خطابه في مصابه بأبيه الذي أصيب به جميع المسلمين، وقال بعد أن حمد الله وصلّي علي محمد وآله: "لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل. لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه، وأينما وجّهه رسول الله كان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتي يفتح الله عليه، ولقد توفّي في الليلة التي عرج فيها عيسي بن مريم إلي السماء، وقُبض فيها يوشع بن نون وصي موسي، وما خلف خضراء ولا بيضاء سوي سبعمئة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع فيها خادماً لأهله، وقد أمرني أن أردّها إلي بيت المال".
ثم تمثل له أبوه وما كابده في حياته من الآلام والمتاعب فاستعبر باكياً، وبكي الناس من حوله حتي ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب من جميع أنحاء الكوفة، وعاد إلي حديثه بعد أن استنصت الناس، وقال: "أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي والوصي، وأنا ابن البشير النذير والداعي إلي الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وافترض مودّتهم علي كل مسلم فقال في كتابه: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً) ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت". [15] .
وبعد خطابه هذا أقبل الناس يتسابقون إلي بيعته، وتمّت بيعته في الكوفة والبصرة، كما بايعه أهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي كانت تدين بالولاء والبيعة لأبيه. ولمّا بلغ نبأ البيعة معاوية اجتمع بكبار أعوانه، وشرعوا بحبك المؤامرات ورسم الخطط لنقض بيعة الامام الحسن (ع) وتقويض خلافته. وعندما نستقرئ سيرة الامام الحسن (ع) ومواقفه إزاء هذه المؤامرات والفتن الطخياء، تتجسد أمامنا قمة الفناء في الله سبحانه، واتّخاذ مصلحة الإسلام العليا مقياساً حاسماً لمواقفه ومواجهاته، مضحّياً بكل شيء دون ذلك.
ويمكننا الإشارة إلي ثلاث حالات مثّلت كبريات مواقفه الرسالية المشهودة في هذا السبيل
أ - إن الامام الحسن (ع) رأي ابتداءً أن مصلحة الإسلام العليا تقوم بالتعبئة لحرب الباغية معاوية بن أبي سفيان، وقد اتّخذ الإمام (ع) قراره هذا بعد مراسلات متبادلة بينه وبين معاوية أتمّ فيها الحجّة عليه، وردّ عليه محاولاته لإغرائه (ع) بالأموال والخلافة من بعده قائلاً له: ولك ألاّ تُقضي دونك الأمور، ولا تُعصي في أمر من الأمور أردت بها طاعة الله.... وكان آخر ما كتبه الامام (ع) رادّاً عليه: "أمّا بعد فقد وصلني كتابك تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك خشية البغي عليك وبالله أعوذ من ذلك، فاتّبع الحق تعلم أني من أهله وعليّ إثم أن أقول فاُكذب. والسلام".
ولمّا وصله كتاب الحسن (ع) أدرك أن أساليبه ومغرياته لم تغيّر من موقفه شيئاً، فكتب إلي جميع عمّاله في بلاد الشام: أمّا بعد، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله غيره، والحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوّكم وقتلة خليفتكم، إن الله بلطفه وحسن صنيعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله وقتله، وترك أصحابه متفرّقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجهدكم وجندكم وحسن عدتكم، فقد أصبتم - بحمد الله - الثار وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان. والسلام عليكم ورحمة الله.
فاجتمعت إليه الوفود من كل الجهات وسار بهم باتّجاه العراق. ويدّعي المؤرخون أنه لمّا بلغ الحسن بن علي خبر مسيره وأنه قد بلغ جسر منبج تحرّك عند ذلك، وكتب إلي عمّاله يدعوهم إلي التحرك، ونادي مناديه في الكوفة يدعوهم إلي الاجتماع في المسجد، فأقبل الناس حتي امتلأ بهم، فخرج الامام وصعد المنبر، فأثني علي الله وصلّي علي رسوله، ثم قال: "لقد كتب الله الجهاد علي خلقه وسمّاه كرهاً، وأوصي المجاهدين بالصبر ووعدهم النصر وجزيل الأجر". ثم قال: "أيها الناس، إنكم لستم نائلين ما تحبّونه إلاّ بالصبر علي ما تكرهون، وقد بلغني أن معاوية كان قد بلغه أنّا أزمعنا علي المسير إليه فتحرك نحونا بجنده، فاخرجوا رحمكم الله إلي معسكركم بالنخيلة حتي ننظر وتنظرون ونري وترون".
فسكت الناس ولم يتكلم أحد منهم بحرف واحد، فلمّا رأي ذلك منهم عدي بن حاتم قام وقال: أنا ابن حاتم. سبحان الله! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟، أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة؟ فإذا جدّ الجد فمراوغون كالثعالب. أما تخافون مقت الله وعيبها وعارها؟ ثم استقبل الامام الحسن بوجهه وقال: أصاب الله بك المراشد وجنّبك المكاره، ووفّقك لما تحمد وروده وصدوره. قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلي أمرك وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلي معسكري فمن أحبّ أن يوافيني فليواف، ثم مضي لوجهه وخرج من المسجد فركب دابته، وكانت علي باب الجامع، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، ومضي هو إلي النخيلة.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي، فأنّبوا الناس ولاموهم علي تخاذلهم وحرّضوهم علي الخروج، وكلّموا الحسن (ع) بمثل كلام عدي بن حاتم، فقال لهم: "صدقتم رحمكم الله. مازلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودّة والنصحية، فجزاكم الله خيراً".
وخرج الناس إلي النخيلة، فلما تكامل عددهم لحق بهم الحسن، واستخلف علي الكوفة المغيرة بن نوفل بن عبد المطلب، وأمره بأن يحرّك الناس ويحثّهم علي الخروج والالتحاق بالجيش.
ويروي المؤرخون أنه لمّا تكامل الجيش خرج به الحسن (ع) ، وقد حدّده بعضهم بأربعين ألفاً، وبعضهم بستّين وبأكثر من ذلك، ولمّا نزل دير عبدالرحمن أقام به ثلاثة أيام، ودعا عبيد الله بن العباس وقال له: "يابن العم، إني باعث معك اثني عشر ألفاً، من فرسان العرب وقرّاء مضر، الرجل منهم يريد الكتيبة، فسر بهم علي الشاطئ حتي تقطع الفرات وتنتهي إلي مسكن، وامض منها حتي تستقبل معاوية، فألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك، فإنهم من ثقات أمير المؤمنين، فإن أنت لقيت معاوية فاحبسه حتي آتيك، فإني علي إثرك وشيكاً. وليكن خبرك عندي كل يوم".
وأرسل معه قائدين من خيرة المسلمين إخلاصاً وجهاداً ونصيحة في سبيل الله، وهما قيس بن سعد بن عبادة، وسعيد بن قيس الهمداني، وأمره ألاّ يقطع أمراً دونهما، وأن يستشيرهما في جميع الأمور، وقال له: "إذا أنت لقيت معاوية فلا تقاتله حتي يكون هو البادئ في القتال، فإن أُصبت فقيس بن سعد علي الناس، وإن أصيب فالقيادة من بعده لسعيد بن قيس".
وسار عبيد الله بالناس يقطع الصحاري حتي انتهي إلي الفلّوجة، ومنها إلي مسكن، وكان معاوية قد نزل فيها، فنزل عبيد الله بن العباس بإزائه، وفي اليوم الثاني وجّه معاوية بخيل أغارت علي جيش عبيد الله فوقفوا لها وردّوها علي أعقابها، وأيقين معاوية تصميم الحسن (ع) علي مواصلة القتال بعد أن رفض العروض المغرية التي قدمها إليه في رسائله. [16] .
ب - رأي الامام (ع) أن مدار مصلحة الاسلام العليا بعد خذلان جيشه له وتفرقه عنه، يقوم بعقد معاهدة الصلح مع معاوية بن أبي سفيان; وفي هذا السياق ينقل لنا المؤرخون أن معاوية لمّا أرسل خيله لقتال الجيش الذي يقوده عبيد الله، ردّها أهل العراق علي أعقابها، وبمجيء الليل أرسل معاوية رسالة إلي عبيد الله جاء فيها أن الحسن قد أرسلني في الصلح وسلم الأمر لي فإن دخلت في طاعتي الآن تكن متبوعاً خير لك من أن تكون تابعاً بعد غد، ولك إن اجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجّل لك في هذا الوقت نصفها، وعندما أدخل الكوفة أدفع لك النصف الثاني.
ويدعي أكثر المؤرخين أن عبيد الله انسلّ من قاعدته، ودخل عسكر معاوية ومعه بضعة آلاف ممن كانوا معه، فوفّي له بما وعده، وانتبه الناس بدخول النهار، فانتظروا عبيد الله ليصلي بهم فلم يجدوه، فصلّي بهم قيس بن سعد، ولمّا تأكدوا من خبره خطبهم قيس، وذكر عبيد الله فنال منه، وأمرهم بالصبر والثبات، وعرض عليهم الحرب ومناهضة معاوية مهما كان الحال، فأجابوه لذلك، فنزل عن المنبر ومضي بهم لقتال معاوية، فقابلهم جيشه بقيادة بسر بن أرطاة، وبثّ دعاته بين أصحاب قيس يذيعون أن أميرهم عبيد الله مع معاوية في خبائه، والحسن بن علي قد وافق علي الصلح فعلام تقتلون أنفسكم. وهنا يدّعي المؤرخون أن قيساً قال لأهل العراق: اختاروا إحدي اثنتين: إما القتال بدون إمام، وإمّا أن تبايعوا بيعة ضلال فقالوا بأجمعهم: بل نقاتل بدون إمام، ثم اتّجهوا نحوهم واشتبك الفريقان في معركة ضارية كانت نتائجها لصالحهم، وتراجع بسر بمن معه إلي معسكراتهم مخذولين مقهورين.
وكان موقف عبيد الله من جملة العوامل التي تسببت في تفكك جيش الامام وتخاذله، وفتح أبواب الغدر والخيانة والتسلّل الجماعي، وتذرع ذوي النفوس الضعيفة والقلوب المريضة أن عبيد الله ابن عمه واولاهم بمناصرته والتضحية في سبيله.
كما كان لغدر عبيد الله بن العباس في نفس الامام (ع) حزن بالغ وأسيً مرير; لأنه فتح الباب لغيره، وتستّر بغدره وخيانته جميع الطامعين والخونة من أهل العراق، ونشط أنصار معاوية في نشر الترهيب والترغيب في صفوف الجيش، ولم يتركوا وسيلة لصالح معاوية إلاّ واستعملوها، واستمالوا إليهم حتي رؤساء ربيعة الذين كانوا حصناً لأمير المؤمنين (ع) في صفين وغيرها من المواقف; فلقد راسله خالد بن معمّر أحد زعمائها البارزين وبايعه عن ربيعة كلّها.
كما راسله وبايعه عثمان بن شرحبيل أحد زعماء بني تميم، وشاعت الخيانة بين جميع كتائب الجيش وقبائل الكوفة، وأدرك الامام أبو محمد الحسن (ع) كل ذلك، وصارحهم بالواقع الذي لم يعد يجوز السكوت عنه، فقال: "يا أهل الكوفة، أنتم الذين أكرهتم أبي علي القتال والحكومة ثم اختلفتم عليه، وقد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم لا تغرّوني في ديني ونفسي".
وهنا اطمأن معاوية بأن المعركة لو وقعت بين أهل الشام وأهل العراق ستكون لصالحه، وسيكون الحسن بن علي (ع) والمخلصون له من جنده خلال أيام معدودات بين قتيل وأسير تحت رحمته، وأن السلطة صائرة إليه لامحالة، ولكن استيلاءه عليها بقوة السلاح لا يعطيها الصبغة الشريعة التي كان يحاول التمويه بها علي الناس، هذا بالاضافة إلي ما قد يحدث من المضاعفات الخطرة التي ستجعله في ضيق من نتائجها، وذلك لو أُصيب الحسن والحسين خلال المعارك وهما سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا جدهما وأحبّ الخلق إليه بالنصوص المتواترة التي لا يجهلها أحد من المسلمين.
لذلك ولغيره كان معاوية علي ما يبدو حريصاً علي ألا يتورط مع الحسن بن علي (ع) في الحرب، وإن كان مطمئنّاً لنتائجها، فعرض عليه فكرة الصلح في أولي رسائله، وترك له أن يشترط ويطلب مايريد، وراح يردد حديث الصلح في مجالسه وبين أنصاره في جيش العراق ويأمرهم بإشاعته، وكاتب القادة والرؤساء به ليصرف أنظارهم عن الحرب، ويبثّ بينهم روح التخاذل والاستسلام للأمر الواقع.
وكانت فكرة الصلح كما ذكرنا مغلفة بلون ينخذع له الكثيرون من الناس، ويفضلونه علي الحرب والقتال; فلقد عرضها في رسالته الأولي علي الحسن (ع) وأشاعها بين أهل العراق، علي ألا يقضي أمراً من الأمور بدون رأيه، ولا يعصيه في أمر أُريد به طاعة الله ورسوله، وترك له مع ذلك أن يقترح ما يريد; كل ذلك لعلمه بأنها ستلقي بهذه الصياغة قبولاً من الكثيرين، وسيتبع ذلك انقسام في صفوف الجيش يضطره إلي الصلح لأنه أهون الشرّين، كما التجأ والده من قبل للتحكيم والرضا بالأشعري حكماً لأهل العراق في مقابل ابن العاص، لأنه أقل خطراً وضرراً من المضي في الحرب، مع انحياز القسم الأكبر من الجيش إلي جانب فكرة التحكيم التي وضعها معاوية، بعد أن ضاق عليه أمره وكاد أن يقع أسيراً بيد الأشتر ومن معه من الجنود البواسل.
وبالاضافة إلي أن فكرة الصلح بتلك الشروط ستكون سلاحاً بيد الخونة من اهل العراق، ستكون أيضاً عذراً مقبولاً لمعاوية لو كانت الحرب وأُصيب الحسنان وخيار الصحابة عند السواد الأعظم من الناس.
وكان الأمر كما قدر معاوية; فقد أدّت فكرة الصلح بتلك الصيغة إلي التشويش والاضطراب في صفوف الجيش، وإلي تسلّل عبيد الله بن العباس وعدد من القادة وزعماء العشائر إلي معاوية واتّصال بعضهم به عن طريق المراسلة، وكان هو بدوره بما لديه من وسائل الإعلام يرسل إلي الحسن بجميع أخبارهم وتصرفاتهم ليقطع أمله من نتائج الحرب، ولا يبقي له خيار في الصلح، وكان الأمر كذلك.
وقال الشيخ المفيد في إرشاده والطبرسي في إعلام الوري: إن أهل العراق كتبوا إلي معاوية بالسمع والطاعة، واستحثّوه علي السير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن إليه إذا شاء عند دنوّه من معسكرهم أو الفتك به. [17] .
وجاء في علل الشرائع أن معاوية دسّ إلي عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجّار بن أبجر وشبث بن ربعي ووعد من يقتل الحسن بمئة ألف وقيادة جند من أجناد الشام وبنت من بناته، ولمّا بلغ الحسن (ع) ذلك كان لا يخرج بدون لامة حربه، ولا ينزعها حتي في الصلاة، وقد رماه أحدهم بسهم وهو يصلي فلم يثبت فيه.
ولا شك أن معاوية أراد من اغتيال الامام الحسن (ع) علي يد العراقيّين أن يسلم له الأمر، ويخلو له الجو بدون قتال إذا تعذّر الصلح، حتي لا يتحمل مسؤولية قتله وقتل آله وأنصاره تجاه الرأي العام الإسلامي، الذي لا يغفر له عملاً من هذا القبيل مهما كانت الظروف.
ولم يكن الامام أبو محمد الحسن (ع) يفكر بصلح معاوية، ولا بمهادنته، غير أنه بعد أن تكدّست لديه الأخبار عن تفكّك جيشه، وانحياز أكثر القادة لجانب معاوية، أراد أن يختبر نواياهم ويمتحن عزيمتهم، فوقف بمن كان معه في ساباط، ولوّح لهم من بعيد بالصلح وجمع الكلمة فقال: "فو الله إني لأرجو أن أكون أنصح خلق الله لخلقه. وما أصبحت محتملاً علي أحد ضغينة ولا مريداً له سوءاً ولا غائلة. ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبون في الفرقة ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردّوا عليّ رأيي. غفر الله لي ولكم وأرشدني وإيّاكم لما فيه محبته ورضاه". [18] .
وهنا تنقّح لدي الامام (ع) موضوع مصلحة الإسلام العليا بدفع أعظم الضررين:
أولهما: الاستمرار بحرب خاسرة لا محالة فيها فناؤه وفناء أهل بيته وبقية الصفوة الصالحة من أصحاب رسول الله (ص) وأصحاب أمير المؤمنين (ع) وأصحابه هو (ع) ، وهم حفظة القرآن وسنّة رسول الله (ص) ، والذابون عن العترة الطاهرة، والدعاة الأمناء إلي ولايتهم وقيادتهم.
والثانية: القبول بالصلح وحقن دماء أهل بيت النبوة والعصمة وبقية الصفوة الصالحة من شيعتهم; ليحملوا لواء الدعوة لآل محمد (ص) ، ويصدعوا بالحق أمام محاولات تضييعه وتحريف وتزوير دين الله وسنة رسوله (ص) ، ليتّصل حبلهم بحبل الأجيال اللاحقة، ولتصل إليها معالم الدين الحق، ولتدرك حق أهل البيت (ع) وباطل أعدائهم.

وهكذا اضطر الامام الحسن للصلح، و كان نص كتاب الصلح بينه و بين معاوية بن أبي سفيان كالآتي

هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، صالحه علي:
أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنّة نبيّه محمد (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين.
ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شوري بين المسلمين.
أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله; في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.
أن أصحاب علي وشيعته آمنون علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلي معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله علي أحد من خلقه بالوفاء بما أعطي الله من نفسه.
أنه لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت النبي (ص) غائلة سراً ولا علانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
شهد علي ذلك عبد الله بن نوفل بن الحارث وعمر بن أبي سلمة وفلان وفلان.
ثم ردّ الحسن بن علي هذا الكتاب إلي معاوية مع رسل من قبله ليشهدوا عليه بما في هذا الكتاب. [19] .
ج - وجد الامام (ع) أن عليه - في سبيل بيان الأسباب والعلل التي ألجأته إلي عقد معاهدة الصلح مع معاوية بن أبي سفيان - أن يكشف الحقائق ويظهر الحق لتتمّ الحجة البالغة في إدراك حقيقة المصلحة الإسلامية العليا الكامنة في هذا الصلح. وقد تواصلت بياناته وخطاباته في هذا السبيل إلي آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة.
وممّا يروي في ذلك أن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) علي المنبر حين اجتمع مع معاوية، فحمد الله واُثني عليه، ثم قال: "أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً، وكذب معاوية، أنا أولي الناس بالناس في كتاب الله وعلي لسان نبيّ الله، فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني، لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما طمعتم فيها يا معاوية، ولقد قال رسول الله (ص) : ما ولّت أمّة أمرها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتي يرجعوا إلي ملّة عبدة العجل. وقد ترك بنوإسرائيل هارون واعتكفوا علي العجل وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسي، وقد تركت الأمّة عليّاً (ع) وقد سمعوا رسول الله (ص) يقول لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي غير النبوة، فلا نبي بعدي. وقد هرب رسول الله (ص) من قومه وهو يدعوهم إلي الله حتي فرّ إلي الغار، ولو وجد عليهم أعواناً ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعواناً ما بايعتك يا معاوية. وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكانوا يقتلونه، ولم يجد عليهم أعواناً. وقد جعل الله النبي في سعة حين فرّ من قومه لمّا لم يجد أعواناً عليهم، كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمّة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً. وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً.
أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلاً من ولد النبي غيري وغير أخي".
وعن حنان بن سدير عن أبيه سدير عن أبيه عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس فلامه بعضهم علي بيعته، فقال (ع) : "ويحكم! ما تدرون ما عملت. والله للّذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت. ألا تعلمون أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنصّ من رسول الله عليّ"؟! قالوا: بلي. قال: "أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسي بن عمران (ع) ، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالي ذكره حكمة وصواباً؟ أما علمتم أنه ما منّا أحد إلاّ يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم (عج) ؟ الذي يصلّي خلفه روح الله عيسي بن مريم (ع) ، فإن الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله علي كل شيء قدير".
عن زيد بن وهب الجهني قال: لما طُعن الحسن بن علي (ع) بالمدائن أتيته وهو متوجّع، فقلت: ماتري يابن رسول الله، فإنّ الناس متحيّرون؟ فقال: "أري - والله - أن معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة. ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي. والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأومَّن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي. والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتي يدفعوني إليه سلماً. والله لئن أُسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا اسير، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة علي بني هاشم آخر الدهر، ولمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه علي الحيّ منّا والميت". قال: قلت: تترك يابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟! قال: "وما أصنع يا أخا جهينة؟ إني والله أعلم بأمر قد أدّي به إليّ ثقاته; أنّ أمير المؤمنين (ع) قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً: يا حسن، أتفرح؟! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلاً؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو اُمية؟ وأميرها الرحب البلعوم، عاذر، ثمّ يستولي علي غربها وشرقها، يدين له العباد ويطول ملكه، يستنّ بسنن أهل البدع والضلال، ويُميت الحق وسنّة رسول الله (ص) ، يقسّم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحق به، ويُذلّ في ملكه المؤمن، ويقوي في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولاً، ويتّخذ عباد الله خولاً، يدرس في سلطانه الحق، ويظهر الباطل، ويقتل من ناواه علي الحق، ويدين من والاه علي الباطل". [20] .
ويروي أيضاً أنه بعد أن تمّ التوقيع علي الصلح، قدم معاوية إلي الكوفة للاجتماع بالإمام الحسن (ع) ، حيث ارتقي معاوية المنبر ليعلن - متحدّياً كل المواثيق والعهود والاعراف - أنه يسحق بقدميه كل الشروط التي صالح الحسن عليها، وخاطب الناس المحتشدة في مسجد الكوفة قائلاً: والله إني ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم له كارهون. ألا وإن كلّ دم أصيب في هذه الفتنة فهو مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين.
وهنا تململ أصحاب الامام الحسن (ع) وأتباعه، وتجرّأوا عليه ووصفوه بمذلّ المؤمنين، فصبر سلام الله عليه صبراً جميلاً، وطفق يبيّن لهم الحقائق التي خفيت عنهم في أجواء الانفعال والعاطفة والغضب الذي اعتراهم من تحدّي معاوية لهم، ونقضه لوثيقة الصلح وتوهينه للامام الحسن (ع) وأصحابه.
وممّا روي عنه (ع) أنه قال لبشير الهمداني عندما لامه علي الصلح: "لستُ مُذلاًّ للمؤمنين، ولكني معزّهم. ما أردتُ لمصالحتي إلاّ أن أدفع عنكم القتل، عندما رأيت تباطؤ أصحابي ونكولهم عن القتال".
قال (ع) ذلك لبشير هذا، لأنه كان أول المرتعدين من القتال. وقال لمالك بن ضمرة عندما كلّمه بشأن الوثيقة: "إني خشيت أن يُجتثّ المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين داع".
وقال مخاطباً أبا سعيد: "يا أبا سعيد، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية".
وقال له حجر بن عدي، وكان وجهاً من وجوه صحابة رسول الله (ص) وصحابة علي وابنه الحسن (ع) ، عندما خاطب الامام الحسن (ع) بعد أن سمع كلام معاوية علي المنبر وهو يتنصّل من كل الشروط التي وقّعها مع الامام (ع) : أما والله، لقد وددت أنك متّ في ذلك، ومتنا معك، ثم لم نَرَ هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا. إلاّ أن الامام أرسل إليه بعد انصرافه إلي بيته وقال له: "إني قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كل إنسان يحب ما تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءً عليكم". [21] .
وعن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: حدثني رجل منّا قال: أتيت الحسن بن علي (ع) فقلت: يابن رسول الله; أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً؟ مابقي معك رجل. قال: "وممَّ ذلك؟" قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية، قال: "والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ لم أجد أنصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتي يحكم الله بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً; إنهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا إن قلوبهم معنا، وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا". قال: وهو يكلّمني إذ تنخّع الدم، فدعا بطست فحمل من بين يديه مليء مما خرج من جوفه من الدم. فقلت له: ما هذا يابن رسول الله؟ إنّي لأراك وجعاً! قال: "أجل، دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّاً، فقد وقع علي كبدي وهو يخرج قطعاً كما تري". [22] .
ولقد أشار الامام محمد الباقر (ع) إلي هذه المصلحة الإسلامية العليا في صلح الامام الحسن (ع) مع معاوية بن أبي سفيان بقوله: "والله، للّذي صنعه الحسن بن علي (ع) كان خيراً لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس". [23] .
عن مجلة رسالة الثقلين، السنة السادسة، ربيع الثاني - جمادي الآخرة 1418 ه / 1997 م.

پاورقي

[1] البحار 43: 238، ب 11، ح 3.
[2] البحار: 43: 263، ح 8.
[3] المصدر نفسه، ح 11.
[4] المصدر نفسه: 294.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه: 291.
[7] نهج البلاغة - الخطبة 74.
[8] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 482 - 483. وراجع: تاريخ الأمم والملوك 1: 175، والفتوحات الإسلامية 1: 175، والكامل لابن الأثير 3: 109.
[9] راجع سيرة الأئمة الاثني عشر للحسني 1: 485 - 486.
[10] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 295. القرشي: حياة الإمام الحسن (ع) 1: 433.
[11] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 9، 1: 283.
[12] القرشي: حياة الامام الحسن (ع) 1: 480. الحسني: سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 495.
[13] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 496.
[14] القرشي، حياة الإمام الحسن (ع) 1: 530.
[15] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 500 - 501.
[16] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 511 - 513.
[17] المفيد، الإرشاد: 190.
[18] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 514 - 518.
[19] سيرة رسول الله وأهل بيته 2: 34 - 35، نقلاً عن الفتوح لابن أعثم 4: 195.
[20] الطبرسي، الاحتجاج 2: 288 - 291.
[21] احمد بن اعثم، الفتوح 4: 161 و 166.
[22] الطبرسي، الاحتجاج 2: 291.
[23] الكليني، الكافي 8: 330.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.