اعلام الهداية الامام الحسين سيد الشهداء عليه السلام

اشارة

نويسنده : لجنة التأليف

ناشر : لجنة التأليف

المقدمة

الحمد لله الذي أعطي كلّ شيء خلقه ثم هدي، ثم الصلاة والسلام علي من اختارهم هداةً لعباده، لا سيما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفي محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي آله الميامين النجباء.لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.وقد جعل الله العقل المميِّز حجّةً له علي خلقه، وأعانه بما أفاض علي العقول من معين هدايته ؛ فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلي طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلي هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة اُخري.قال تعالي:(قُلْ إنّ هُدي الله هو الهُدي) [الأنعام (6): 71].(والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم) [البقرة (2): 213].(والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل) [الأحزاب (33): 4].(ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلي صراط مستقيم) [آل عمران (3): 101].(قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتَّبع أ مّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدي فمالكم كيف تحكمون)[يونس (10): 35].(ويري الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل اليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلي صراط العزيز الحميد) [سبأ (34): 6].(ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هديً من الله) [القصص (28):50].فالله تعالي هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلي الصراط المستقيم وإلي الحقّ القويم.وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.ولقد أودع الله في

فطرة الإنسان النزوع إلي الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلي الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف علي طريق الكمال، ومن هنا قال تعالي: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)[الذاريات (51): 56]. وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، إذ كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلي قمّة الكمال.وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال؛ لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة والهوي الناشئ منهما، والملازم لهما. فمن هنا احتاج الإنسان _ بالإضافة إلي عقله وسائر أدوات المعرفة _ الي ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية؛ كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد، وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلي مدي العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجّة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي _ مؤيّدةً لدلائل العقل _ بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله علي خلقه، لئلاّ يكون للناس علي الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان؛ لكان أحدهما الحجّة. وصرّح القرآن _ بشكل لا يقبل الريب _ قائلاً: (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد)[الرعد (13): 7].ويتولّي أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:1 _ تلقِّي الوحي بشكل

كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً: (اللهأعلم حيث يجعل رسالته)]الانعام (6): 124 [و (الله يجتبي من رسله من يشاء)]آل عمران (3): 179 [.2 _ إبلاغ الرسالة الإلهية الي البشرية ولمن اُرسلوا إليه، ويتوّقف الإبلاغ علي الكفاءة التامّة التي تتمثّل في «الاستيعاب والإحاطة اللازمة» بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و «العصمة» عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالي: (كان الناسُ اُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)[البقرة (2): 213].3 _ تكوين اُمّة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالي: (يزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة) [الجمعة (62): 2] والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالي: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة)[الأحزاب (33): 21].4 _ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية. والتي تسمي العصمة.5 _ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الاُطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف علي المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّي إدارة شؤون الاُمّة علي أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وصموداً كبيراً، ومعرفةً تامّةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية

دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطي بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً علي مسيرة القيادة وانقياد الاُمّة لها بحيث يتنافي مع أهداف الرسالة وأغراضها.وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني من أجل مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ علي مدي العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وحمّله الأمانة الكبري ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:1 _ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي علي عناصر الديمومة والبقاء.2 _ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.3 _ تكوين اُمّة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.4 _ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.5 _ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته(صلي الله عليه وآله).ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:أ _ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.ب _ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال؛ علي يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول(صلي الله عليه وآله)، يستوعب

الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم علي الرسول (صلي الله عليه وآله) إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم؛ لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية الأجيال علي قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها علي مرّ العصور، وحتي يرث الله الأرض ومن عليها.وتجلّي هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسول(صلي الله عليه وآله) بقوله: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».وكان أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرم(صلي الله عليه وآله) بأمر من الله تعالي لقيادة الاُمّة من بعده.إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول (صلي الله عليه وآله)، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلي أعماق الاُمّة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله)، فأخذ الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) يعملون علي توعية الاُمّة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول(صلي الله عليه وآله) وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والاُمّة جمعاء.وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم علي نهج الرسول العظيم(صلي الله عليه وآله) وانفتاح الاُمّة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء علي الله وعلي مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين

في الشوق اليه، والسابقين إلي تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر علي طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء؛ حتّي ضربوا أعلي أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالي، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ علي الحياة مع الذّل فيها، حتي فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل. ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون، واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسي الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدء برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه وأنار الأرض بعدله.ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وهو المعصوم الخامس من أعلام الهداية والثالث من الأئمّة الاثني عشر بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) الذي روّي بدمه الطاهر ودماء أهل بيته وأصحابه الأبرار شجرة الإسلام العظيمة، وصانها من الذبول والانهيار، فكان _ كما أخبر عنه المصطفي (صلي الله عليه وآله) _ مصباح الهدي وسفينة النجاة لأمّة جدّه(صلي الله عليه وآله) من طوفان الطغاة والظالمين.ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر الي كلّ الاخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلي عالم النور، لا سيما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيّد منذر الحكيم حفظه الله تعالي.ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلي الله تعالي بالدعاء والشكر لتوفيقه علي إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.المجمع

العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)قم المقدسة

الامام الحسين الشهيد في سطور

اشارة

الإمام أبو عبدالله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) الشهيد بكربلاء، ثالث أئمّة أهل البيت بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسول (صلي الله عليه وآله) وأحدالأربعة الذين باهل بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) نصاري نجران، ومن أصحابالكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن القربي الذين أمر الله بمودّتهم، وأحد الثقلين اللذين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوي._ نشأ الحسين مع أخيه الحسن(عليهما السلام) في أحضان طاهرة وحجور طيّبة ومباركة اُمّاً وأباً وجدّاً، فتغذي من صافي معين جدّه المصطفي (صلي الله عليه وآله) وعظيم خلقه ووابل عطفه، وحظي بوافر حنانه ورعايته حتي أنّه ورّثه أدبه وهديه وسؤدده وشجاعته، ممّا أهّله للإمامة الكبري التي كانت تنتظره بعد إمامة أبيه المرتضي وأخيه المجتبي(عليهم السلام) وقد صرّح بإمامته للمسلمين في أكثر من موقف بقوله(صلي الله عليه وآله):«الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»، «اللّهمّ إنّي اُحبّهما فأحب من يحبّهما»._ لقد التقي في هذا الإمام العظيم رافدا النبوّة والإمامة، واجتمع فيه شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه واُمّه من طهر وصفاء ونبل وعطاء، فكانت شخصيّته تذكّر الناس بهم جميعاً؛ فأحبّوه وعظّموه، وكان الي جانب ذلك كلّه مرجعهم الأوحد بعد أبيه وأخيه فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة واُمور الدين، لا سيما بعد أن دخلت الاُمّة الإسلامية حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحكم الاُموي الجاهلي، حتّي جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل، فكان الحسين(عليه السلام) هو الشخصية الإسلامية الرسالية الوحيدة التي استطاعت أن تخلّص اُمّة

محمّد(صلي الله عليه وآله) خاصّة والإنسانية عامّة من براثن هذه الجاهلية الجديدة وأدرانها._ لقد كان الحسين بن عليّ(عليهما السلام) كأبيه المرتضي وأخيه المجتبي في جميع مراحل حياته ومواقفه العملية مثالاً للإنسان الرسالي الكامل، وتجسيداً حيّاً للخلق النبويّ الرفيع في الصبر علي الأذي في ذات اللّه، والسماحة والجود والرحمة والشجاعة وإباء الضيم والعرفان والتعبّد والخشية لله والتواضع للحقّ والثورة علي الباطل، ورمزاً شامخاً للبطولة والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واُسوة مثلي للإيثار والتضحية لإحياء المُثل العليا التي اجتمعت في شريعة جدّه سيّد المرسلين، حتّي قال عنه جدّه المصطفي(صلي الله عليه وآله): «حسين منّي وأنا من حسين» معبّراً بذلك أبلغ التعبير عن سموّ هذه الشخصية العظيمة التي ولدها (صلي الله عليه وآله) وربّاها بيديه الكريمتين._ بقي الحسين بن عليّ(عليهما السلام) بعد جدّه في رعاية الصدّيقة الزهراء سيّدة النساء فاطمة (عليها السلام) وفي كنف أبيه المرتضي سيّد الوصيّين وإمام المسلمين الذي عاش محنة الانحراف في قيادة الاُمّة المسلمة بعد وفاة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقد حفّت بأبيهواُمّه نكبات هذه المحنةوالصراع مع الذين صادروا هذه الإمامة الكبري بكل صلف ودون حجّة أوبرهان...لقد عاش الحسين مع أخيه الحسن وأبيه عليّ واُمّه الزهراء(عليهم السلام) هذه المحنة وتجرّع مرارتها، وهو لا يزال في سنّ الطفولة، ولكنّه كان يعي جيّداً عمق المحنة وشدّة المصيبة._ شبَّ إلامام أبو عبدالله الحسين أيّام خلافة عمر، وانصرف مع أبيه وأخيه عن السياسة والتصدي للحكم في ظاهر الأمر، وأقبل علي تثقيف الناس وتعليمهم معالم دينهم في خطّ الرسالة الصحيح، والذي كان يتمثّل في سلوك والده عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ومواقفه المبدئية المشرّفة._ وقف الإمام الحسين(عليه السلام) الي جانب أبيه(عليه السلام) في عهد

عثمان، وهو في عنفوان شبابه يعمل مخلصاً لأجل الإسلام، ويشترك مع أبيه في وضع حدّ للفساد الذي أخذ يستشري في جسم الاُمّة والدولة معاً في ظلّ حكم عثمان وبطانته، ولم يتعدّ مواقف أبيه(عليه السلام) طيلة هذه الفترة؛ بل عمل كجندي مخلص للقيادة الشرعية التي أناطها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأبيه المرتضي (عليه السلام)._ وفي عهد الدولة العلوية المباركة وقف الحسين الي جانب أبيه(عليهما السلام) في جميع مواقفه وحروبه، ولم يتوانَ عن قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، بينما كان أبوه حريصاً علي حياته وحياة أخيه الحسن(عليه السلام) خشية انقطاع نسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) بموتهما، وبقيا الي جانب أبيهما حتي آخر لحظة، وهما يعانيان من أهل العراق ما كان يعانيه أبوهما المرتضي(عليه السلام) حتّي استشهد في بيت من بيوت الله، وفاز بالشهادة وهو في محراب العبادة بمسجد الكوفة، وفي أقدس لحظات حياته، أعني لحظة العبادة والتوجه الي ربّ الكعبة، حيث خرّ صريعاً وهو يقول: «فزتُ وربِّ الكعبة»._ ثمّ وقف الي جانب أخيه الحسن المجتبي (عليهما السلام) بعد أن بايعه بالخلافة كما بايعه عامّة المسلمين في الكوفة من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ولم يتعدّ مواقف أخيه الذي نصّ علي إمامته كلّ من جدّه وأبيه(عليهما السلام) بالرغم من كلّ المغريات التي كان يستعملها معاوية لإسقاط الإمام الحسن(عليه السلام) وتفتيت قواه والقضاء علي حكومته المشروعة._ لقد كان الحسين(عليه السلام) يعي مواقف أخيه الحسن(عليه السلام) بشكل تامّ والنتائج المترتّبة علي تلك المواقف، لأنّه كان يدرك حراجة الظرف الذي كان يكتنف الاُمّة الإسلامية آنذاك وبعد استشهاد الإمام عليّ(عليه السلام) بشكل خاص، حيث انطلت ألاعيب معاوية وشعاراته الزائفة علي جماعة كبيرة من السذّج والبسطاء، ممّن كانوا يشكّلون القاعدة

العظمي في مجتمع الكوفة ومركز الخلافة الإسلامية، فأصبحوا يشكّون ويشكّكون في حقّانية خطّ الإمام عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) بعد ذلك التضليل الإعلامي الذي قام به معاوية وبطانته وعمّاله في صفوف الجيش المساند للإمام(عليه السلام)، ولم يستطع الإمام الحسن(عليه السلام) بكلّ ما اُوتي من حنكة سياسية وشجاعة أدبية ورصانة منطقية أن يقنع تلك القاعدة الشعبية، ويوقفها علي زيف الشعارات الاُموية في عدم صحّة الخضوع لشعار السلم الذي كان قد تسلّح به معاوية لنيل الخلافة بأبخس الأثمان، ممّا اضطرّ الإمام الحسن(عليه السلام) للإقدام علي الصلح من موقع القوة بعد أن نفَّذَ جميع الخطط السياسية الممكنة، وبعد أن سلك جميع الطرق المعقولة التي ينبغي للقائد المحنّك أن يسلكها في تلك الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية التي كان يعيشها الإمام الحسن(عليه السلام) وشيعته، فتنازل عن الخلافة، إلا انه لم يوقّع علي شرعيّة حاكميّة معاوية بالإضافة الي أنّه قد اشترط شروطاً موضوعيةً تفضح واقع معاوية والحكم الاُموي علي المدي القريب أو البعيد._ وهكذا أفلح الإمام الحسن(عليه السلام) بعد أن اختار الطريق الصعب، وتحمّل ما تحمّل من الأذي والمكروه من أقرب أفراد شيعته فضلاً عن أعدائه، حيث استطاع أن يكشف حقيقة الحكم الاُموي الجاهلي الذي ارتدي لباس الإسلام ورفع شعار الصلح والسلم، ليقضي علي الإسلام باسم الإسلام وبمن ينتسب الي قريش قبيلة الرسول(صلي الله عليه وآله) بعد أن خطّط بشكل حاذق خطّةً يتناسي المسلمون بسببها أنّ آل أبي سفيان الذين يتربّعون اليوم علي كرسي الحكم الإسلامي، ويحكمون المسلمين باسم الرسول(صلي الله عليه وآله) وخلافته هم الذين حاربوا الإسلام بالأمس القريب._ وبهذا هيّأ الإمام الحسن(عليه السلام) _ بتوقيعه علي وثيقة الصلح _ الأرضية اللازمة للثورة علي الحكم الاُمويّ الجاهليّ الذي ظهر بمظهر

الإسلام من جديد، وذلك بعد أن أخلف معاوية كلّ الشروط التي اشترطها عليه الإمام الحسن(عليه السلام) بما فيها عدم تعيين أحد للخلافة من بعده، وعدم التعرّض لشيعة عليّ وللإمام الحسن والحسين(عليهما السلام) بمكروه.ولم يستطع معاوية أن يتمالك نفسه أمام هذه الشروط حتي سوّلت له نفسه أن يدسّ السمّ الفاتك الي الإمام الحسن(عليه السلام) ليستطيع توريث الخلافة لابنه الفاسق يزيد.. ولكنّه لم يعِ نتائج هذا التنكّر للشروط ولنتائج هذه المؤامرة القذرة... وقد أيقن المسلمون _ بعد مرور عقدين من الحكم الاُموي _ بشراسة هذا الحكم وجاهليّته، ممّا جعل القواعد الشعبية الشيعية تستعدّ لخوض معركة جديدة ضدّ النظام الحاكم، وبذلك تهيّأت الظروف الملائمة للثورة، واكتملت الشروط اللازمة بموت معاوية ومجيء يزيد الفاسق شارب الخمور والمستهتر بأحكام الدين الي سدّة الحكم، والإقدام علي أخذ البيعة من وجوه الصحابة وعامّة التابعين، والإصرار علي أخذها من مثل أبيّ الضيم أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) سيّد أهل الإباء وإمام المسلمين._ لقد حكم معاوية بن أبي سفيان ما يقارب عشرين سنة متّبعاً سياسة التجويع والإرهاب والخداع والتزوير، ممّا أدّي الي انكشاف حقيقته للاُمّة من جهة، في حين أنّها كانت قد ابتليت بداء موت الضمير وداء فقدان الإرادة من جهة اُخري، وهكذا استيقظت الاُمّة من سباتها وزال شكّها بحقّانية خطّ أهل البيت(عليهم السلام)، بعد أن ارتفع جهلها بحقيقة الاُمويين، ولكنّها لم تقوَعلي مقارعة الظلم والظالمين، وأصبحت كما قال الفرزدق للإمام الحسين(عليه السلام) حين كان متوجّهاً الي العراق ومستجيباً لدعوة الكوفيين: قلوبهممعك وسيوفهم عليك.ومن هنا تأكّد الموقف الشرعي للإمام الحسين(عليه السلام) بعد أن توفّرت كلّ الظروف اللازمة للقيام في وجه الاُمويّين الجاهليّين، بينما لم تكن النهضة مفيدة للاُمّة في حالة الابتلاء بمرض الشكّ والترديد التي

كانت تعاني منه في عصر الإمام الحسن السبط(عليه السلام). لقد تمّت الحجّة علي الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام) حينما راسله أهل العراق وطلبوا منه التوجّه نحوهم، بعد أن أخرجوا عامل بني اُمية من الكوفة وتمرّدوا علي الاُمويين حيث كان هذا أحد مظاهر رجوع الوعي إلي عامّة شيعة أهل البيت(عليهم السلام).فاستجاب الإمام الحسين(عليه السلام) لطلبهم، وتحرّك نحوهم بالرغم من علمه بعدم ثباتهم وضعف إرادتهم أمام إغراءات الحاكمين واضطهادهم وإرهابهم، وذلك لأنّه كان لابد له من معالجة هذا المرض الجديد الذي يؤدّي باستشرائه الي ضياع معالم الرسالة وفسح المجال لتحويل الخلافة الي كسرويّة وقيصريّة، وإعطاء المشروعية لمثل حكم يزيد وأضرابه من الجاهليّين الذين تستّروا بستار الشريعة الإسلامية لضرب الشريعة وتمزيقها._ وبعد أن استجمعت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) كلّ الشروط اللازمة لنجاحها وبلوغ أهدافها [1] ؛ نهض مستنفراً كلّ طاقاته وقدراته التي كان قد أعدّها وهيّأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمته الخالدة، فحرّك ضمير الاُمّة، وأعادها لتسلك مسيرة رسالتها، وبعث شخصيّتها العقائدية من جديد، وسلب المشروعية من الحكام الطغاة، ومزّق كلّ الأقنعة الخدّاعة التي كانوا قد تستّروا بها، وأوضح الموقف الشرعي للاُمّة علي مدي الأجيال. ولم يستطع الطغاة أن يشوّهوا معالم نهضته، كما لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه المدّ الثوري الذي أحدثه علي مدي العصور، ذلك المدّ الذي أطاح بحكم بني اُميّة وبني العباس ومن حذا حذوهم، فكانت ثورته مصدر إشعاع رسالي لكل الاُمم، كما كانت القيم الرساليّة التي طرحها وأكّد عليها محفّزاً ومعياراً لتقييم كل الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

انطباعات عن شخصية الامام الحسين

مكانة الامام الحسين في آيات الذكر الحكيم

وروي جمهور المحدّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت، وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين،

كما صرّحوا علي أنّ الأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.وتضمّنت هذه الحادثة تصريحاً من الرسول بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم علي الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف أسقف نجران بذلك أيضاً قائلاً:«أري وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله» [2] .وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية علي عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليّتهم، وأنّهم أحبّ الخلق الي الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين.ولم ينصّ القرآن الكريم علي عصمة أحد غير النبيّ من المسلمين سوي أهل البيت(عليهم السلام) الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً [3] .ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت؛ فإنّهم لم يختلفوا قط في دخول عليّ والزهراء والحسنَيْن(عليهم السلام) في ما تقصدهالآية المباركة [4] .ومن هنا نستطيع أن نفهم السرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم وترجيح حبّهم علي حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز [5] .فإنّ عصمة أهل البيت (عليهم السلام) أدلّ دليل علي أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس وكان دالاًّ علي النجاة كان متّبعه ناجياً من الغرق.ونصّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) _ كما عن ابن عباس _ بأنّ آية المودّة في القربي حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت علي المسلمين طاعتهم بقوله: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما [6] .ولا يتركنا القرآن الحكيم حتّي يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة «الدهر» التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوي عليه أهل البيت (عليهم السلام) والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالي: (إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً - إنّا

نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً - فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً - وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً) [7] .لقد روي جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت بعد ما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، إنّه وفاءٌ جسَّد أروع أنواع الإيثار حتّي نزل قوله تعالي:(إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً - عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً - يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً) [8] فشكر الله سعيهم علي هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتّي يرث الأرض ومن عليها.

مكانة الامام الحسين لدي خاتم المرسلين

لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين (عليهما السلام) بأوصاف تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، فهما:1 _ ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الأمّة [9] .2 _ وهما خير أهل الأرض [10] .3 _ وهما سيّدا شباب أهل الجنّة [11] .4 _ وهما إمامان قاما أو قعدا [12] .5 _ وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن الي يوم القيامة، ولن تضلّ اُمّة تمسّكت بهما [13] .6 _ كما أنّهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاةمن الغرق [14] .7 _ وهما ممّن قال عنهم جدّهم: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف» [15] .8 _ وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرسول (صلي الله عليه وآله) أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنين (عليهما السلام): «اللهمّ إنّك تعلم أ نّي اُحبُّهما فأحبَّهما وأحبّ من يحبّهما» [16] .

مكانة الامام الحسين لدي معاصريه

1 _ ق_ال ع__مر بن ال_خطاب للحس_ين (عليه السلام): فإنّما أنبت ما تري في رؤوسنا الله ثم أنتم [17] .2 _ قال عثمان بن عفان في الحسن والحسين(عليهما السلام) وعبدالله بن جعفر: فطموا العلم فطماً [18] وحازوا الخير والحكمة [19] .3 _ قال أبو هريرة: دخل الحسين بن عليّ وهو معتم، فظننت أنّ النبيّقد بعث [20] .وكان (عليه السلام) في جنازة فأعيا، وقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال له: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا، فقال له: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك علي رقابهم [21] .4 _ أخذ عبدالله بن عباس بركاب الحسن والحسين (عليهما السلام)، فعوتب في ذلك، وقيل له: أنت أسنّ منهما! فقال:

إنّ هذين ابنا رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما [22] ؟وقال له معاوية بعد وفاة الحسن (عليه السلام): يا ابن عباس أصبحت سيّد قومك، فقال: أمّا ما أبقي الله أبا عبدالله الحسين فلا [23] .5 _ قال أنس بن مالك _ وكان قد رأي الحسين (عليه السلام) _: كان أشبههم برسول الله(صلي الله عليه وآله) [24] .6 _ قال زيد بن أرقم لابن زياد_ حين كان يضرب شفتي الحسين(عليه السلام) _: اعل بهذا القضيب، فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي هاتين الشفتين يقبّلهما، ثم بكي.فقال له ابن زياد: أبكي الله عينك، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت عنقك، فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم! قتلتم الحسين ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة! فهو يقتل خياركم ويستبقي شراركم [25] .7 _ قال أبو برزة الأسلمي ليزيد حينما رآه ينكث ثغر الحسين(عليه السلام): أتنكث بقضيبك في ثغرالحسين؟! أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربّما رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله يرشفه. أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك! ويجيء هذا ومحمّد شفيعه [26] .8 _ وحين قال معاوية لعبد الله بن جعفر: أنت سيّد بني هاشم؟ أجابه قائلاً: سيّد بني هاشم حسن وحسين [27] .وكتب اليه: إن هلكت اليوم طفئ نور الإسلام فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين [28] .9 _ سأل رجل عبدالله بن عمر عن دم البعوض يكون في الثوب أفيصلي فيه؟ فقال له: ممّن أنت؟ قال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: اُنظروا الي هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا

ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله)! وقد سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا [29] .10 _ قال محمد بن الحنفية: إنّ الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله (صلي الله عليه وآله) رحماً، كان إماماً فقيهاً...» [30] .11 _ مرّ الحسين (عليه السلام) بعمرو بن العاص وهو جالس في ظلّ الكعبة فقال: هذا أحب أهل الأرض الي أهل الأرض والي أهل السماء اليوم [31] .12 _ قال عبد الله بن عمرو بن العاص وقد مرّ عليه الحسين (عليه السلام): من أحبّ أن ينظر الي أحبّ أهل الأرض الي أهل السماء فلينظر اليهذا المجتاز [32] .13 _ وحين أشار يزيد علي أبيه معاوية أن يكتب للحسين (عليه السلام) جواباً عن كتاب كتبه له، علي أن يصغّر فيه الحسين(عليه السلام)، قال معاوية رادّاً عليه: وما عسيت أن أعيب حسيناً، ووالله ما أري للعيب فيه موضعاً [33] .14 _ قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (والي المدينة) لمروان بن الحكم _ لمّا أشار عليه بقتل الحسين (عليه السلام) إذا لم يبايع _: والله يا مروان ما أُحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها وأنّي قتلت الحسين. سبحان الله! أقتل حسيناً إن قال لا اُبايع؟ والله إنّي لأظنّ أنّ من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة [34] .15 _ لمّا قبض ابن زياد علي قيس بن مسهر الصيداوي _ رسول الحسين (عليه السلام) الي أهل الكوفة _ أمره أن يصعد المنبر ويسبّ الحسين وأباه، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنّ هذا الحسين بن عليّ، خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله (صلي

الله عليه وآله)، وأنا رسوله اليكم، وقد فارقته بالحاجر من بطن ذي الرمة فأجيبوه، واسمعوا له وأطيعوا. ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ والحسين. فأمر به ابن زياد، فألقي من رأس القصر، فتقطّع [35] .16 _ من خطبة ليزيد بن مسعود النهشلي (رحمه الله): وهذا الحسين بن عليّ ابن رسول الله (عليه السلام)، ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولي بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته. يعطف علي الصغير، ويحنو علي الكبير. فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة [36] .17 _ قال عبد الله بن الحرّ الجعفي: ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملأ للعين من الحسين [37] .18 _ قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم اُدخلت الجنّة لاستحييت أن أنظر الي وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله) [38] .

الامام الحسين عبر القرون والاجيال

1 _ قال الربيع بن خيثم لبعض من شهد قتل الحسين (عليه السلام): والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) لقبّل أفواههم، وأجلسهم في حجره [39] .2 _ قال ابن سيرين: لم تبك السماء علي أحد بعد يحيي بن زكريا إلاّ علي الحسين (عليه السلام)، ولمّا قتل اسودّت السماء، وظهرت الكواكب نهاراً، حتّي رؤيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر، ومكثت السماء سبعة أيام بلياليها كأنّها علقة [40] .3 _ قال علي جلال الحسيني: السيّد الزكي الإمام أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله) وريحانته، وابن أمير المومنين عليّ كرم الله وجهه، وشأن بيت النبوّة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن

الأعمال، من علوّ الهمّة، ومنتهي الشجاعة، وأقصي غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحقّ، والنهي عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن عزّ، والعدل، والصبر، والحلم، والعفاف، والمروءة، والورع وغيرها.واختصّ بسلامة الفطرة، وجمال الخلقة، ورجاحة العقل، وقوة الجسم، وأضاف الي هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير، كالصلاة والحج والجهاد في سبيل الله والإحسان. وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه، مرشداً بعمله، مهذّباً بكريم أخلاقه، ومؤدّباً ببليغ بيانه، سخيّاً بماله، متواضعاً للفقراء، معظّماً عند الخلفاء، موصلاً للصدقة علي الأيتام والمساكين، منتصفاً للمظلومين، مشتغلاً بعبادته، مشي من المدينة علي قدميه الي مكّة حاجّاً خمساً وعشرين مرّة...كان الحسين في وقته علم المهتدين ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هديً للمسترشدين بأنوار محاسنه المقتفين آثار فضله [41] .4 _ قال محمد رضا المصري: هو ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وعلم المهتدين، ورجاء المؤمنين [42] .5 _ قال عمر رضا كحالة: الحسين بن عليّ، وهو سيّد أهل العراق فقهاً وحالاً وجوداً وبذلاً [43] .6 _ قال عبد الله العلايلي: جاء في أخبار الحسين: أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّ (صلي الله عليه وآله) إشعاعة غامرة من حبّه، وأشياء نفسه، ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها فتكون حقيقة من بعد كما كانت من قبل إنسانية ارتقت الي نبوّة (أنا من حسين) ونبوة هبطت الي إنسانية (حسين منّي) فسلام عليه يوم ولد [44] .7 _ قال عباس محمود العقّاد: مثل للناس في حلّة من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنيً منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث، فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء

من أنجبتهم اُسرة الحسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تأريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين( [45] ).8 _ قال عمر أبو النصر: هذه قصة اُسرة من قريش. حملت لواء التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض الي مغربها. قصة ألّف فصولها شباب ما عاشوا كما عاش الناس، ولا ماتوا كما مات الناس، ذلك أنّ الله شرّف هذه الجماعة من خلقه بأن جعل النبوّة والوحي والإلهام في منازلها، وزاد ندي فلم يشأ لها حظّ الرجل العادي من عبادة، وإنّما أرادها للتشريد والاستشهاد، وأرادها للمثل العليا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتب لها أن تتزعّم لواء التقوي والصلاح الي آخر مايكون من ذرّيتها [46] .9 _ قال عبد الحفيظ أبو السعود: عنوان النضال الحرّ، والجهاد المستميت، والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين [47] .10 _ قال أحمد حسن لطفي: إنّ الموت الذي كان ينشده فيها كان يمثّل في نظره مثلاً أروع من كلّ مثل الحياة، لأنّه الطريق الي الله الذي منه المبتدأ واليه المنتهي، ولأنّه السبيل الي الانتصار والي الخلود، فهو أعظم بطل ينتصر بالموت علي الموت [48] .

مظاهر من شخصية الامام الحسين

اشاره

ولد الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام) في بيت كان محطّ الملائكة ومهبط التنزيل، في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا انقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن التي تتلي آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيّات مقدّسة تجلّلت بآيات الله، ونهل من نمير الرسالة عذب الارتباط مع الخالق، وصاغ لبنات شخصيته نبي الرحمة (صلي الله عليه وآله) بفيض مكارم أخلاقه وعظمة روحه. فكان الحسين(عليه السلام) صورة لمحمّد(صلي الله عليه وآله) في اُمتّه، يتحرّك فيها علي هدي القرآن،

ويتحدّث بفكر الرسالة، ويسير علي خطي جدّه العظيم ليبيّن مكارم الأخلاق، ويرعي للاُمّة شؤونها، ولا يغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها، جاعلاً من نفسه المقدسة اُنموذجاً حيّاً لما أرادته الرسالة والرسول، فكان(عليه السلام) نور هديً للضالّين وسلسبيلاً عذباً للراغبين وعماداً يستند إليه المؤمنون وحجّة يركن اليها الصالحون، وفيصل حقّ إذيتخاصم المسلمون، وسيف عدل يغضب لله ويثور من أجل الله. وحين نهض كان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جدّه النبي(صلي الله عليه وآله) يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.ومن الإمعان في شخصيّة الإمام الحسين(عليه السلام) الفذّة نتلمّسالمظاهر التالية:

تواضعه

جُبل أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) علي التواضع ومجافاة الأنانية، وهو صاحب النسب الرفيع والشرف العالي والمنزلة الخصيصة لدي الرسول(صلي الله عليه وآله) فكان(عليه السلام) يعيش في الاُمّة لايأنف من فقيرها ولا يترفّع علي ضعيفها ولا يتكبّر علي أحد فيها، يقتدي بجدّه العظيم المبعوث رحمةً للعالمين، يبتغي بذلك رضا الله وتربية الاُمّة، وقد نُقلت عنه(عليه السلام) مواقف كثيرة تعامل فيها مع سائر المسلمين بكلّ تواضع مظهراً سماحة الرسالة ولطف شخصيّته الكريمة، ومن ذلك:إنّه(عليه السلام) قد مرّ بمساكين وهم يأكلون كسراً (خبزاً يابساً) علي كساء، فسلّم عليهم، فدعوه الي طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثمّ قال: قوموا الي منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.وروي: أنّه (عليه السلام) مرّ بمساكين يأكلون في الصُّفَة، فقالوا: الغداء، فقال(عليه السلام): إنّ الله لا يحب المتكبّرين، فجلس وتغدّي معهم ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضي بهم الي منزله وقال لزوجته: أخرجي ماكنت تدّخرين [49] .

حلمه و عفوه

تأدّب الحسين السبط (عليه السلام) بآداب النبوّة، وحمل روح جدّه الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) يوم عفي عمّن حاربه ووقف ضد الرسالة الإسلامية، لقد كان قلبه يتّسع لكلّ الناس، وكان حريصاً علي هدايتهم متغاضياً في هذا السبيلعن إساءة جاهلهم، يحدوه رضا الله تعالي، يقرّب المذنبين ويطمئنهم ويزرع فيهم الأمل برحمة الله، فكان لا يردّ علي مسيء إساءة بل يحنو عليه ويرشده الي طريق الحقّ وينقذه من الضلال.فقد روي عنه(عليه السلام) أنّه قال: «لو شتمني رجل في هذه الاُذن _ وأومأ الي اليمني _ واعتذر لي في اليسري لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) حدّثني أنّه سمع جدّي رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: لا

يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محق أو مبطل [50] .كما روي أنّ غلاماً له جني جنايةً كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبري العبد قائلاً: يا مولاي والكاظمين الغيظ، فقال(عليه السلام): خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقال(عليه السلام): قد عفوت عنك، قال: يا مولاي والله يحب المحسنين، فقال(عليه السلام): أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطك [51] .

جوده و كرمه

وبنفس كبيرة كان الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) يعين الفقراء والمحتاجين، ويحنو علي الأرامل والأيتام، ويثلج قلوب الوافدين عليه، ويقضي حوائج السائلين من دون أن يجعلهم يشعرون بذلّ المسألة، ويصل رحمه دون انقطاع، ولم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة.فكان يحمل في دجي الليل البهيم جراباً مملوءً طعاماً ونقوداً الي منازل الأرامل واليتامي حتّي شهد له بهذا الكرم معاوية بن أبي سفيان، وذلك حين بعث لعدّة شخصيات بهدايا، فقال متنبّئاً: أمّا الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزور وسقي به اللبن [52] .وفي موقف مفعم باللطف والإنسانية والحنان جعل العتق رداً للتحية، فقد روي عن أنس أنّه قال:كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله تعالي. وانبهر أنس وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! فقال (عليه السلام): كذا أدّبنا الله، قال تبارك وتعالي: (وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها)، وكان أحسن منها عتقها [53] .ومن كرمه وعفوه أنّه وقف(عليه السلام) ليقضي دين اُسامة بن زيد وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه [54] ، رغم أنّ اُسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ

لأبيه أمير المؤمنين(عليه السلام).ووقف ذات مرّة سائل علي باب الحسين(عليه السلام) وأنشد قائلاً:لم يخب الآن من رجاك حرّك من دون بابك الحلقةأنت جواد أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقةفأسرع اليه الإمام الحسين(عليه السلام) وما أن وجد أثر الفاقة عليه حتّي نادي بقنبر وقال متسائلاً: ما تبقّي من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقال(عليه السلام): هاتها فقد أتي مَن هو أحقّ بها منهم، فأخذها ودفعها الي السائل معتذراً منه، وأنشد قائلاً:خ_ذها ف_إنّي اليك معتذر واعلم بأنّي عليك ذو شفقةلو كان في سيرنا الغداة عصاً أمست سم_انا عليك مندفقةلك_نّ ريب الزمان ذو غِير والك_فّ منّي قليل_ة النفقةفأخذها الأعرابي شاكراً وهو يدعو له(عليه السلام) بالخير، وأنشد مادحاً:وأنتم أنتم الأعل_ون عندكمُ علم الكتاب وما جاءت به السورُمن لم يكن علويّاً حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخ_ر [55] .

شجاعته

إنّ المرء ليعجز عن الوصف والقول حين يطالع صفحة الشجاعة من شخصية الإمام الحسين(عليه السلام)؛ فإنّه ورثها عن آبائه وتربّي عليها ونشأ فيها، فهو من معدنها وأصلها، وهو الشجاع في قول الحقّ والمستبسل للدفاع عنه، فقد ورث ذلك عن جدّه العظيم محمّد(صلي الله عليه وآله) الذي وقف أمام أعتي قوّة مشركة حتّي انتصر عليها بالعقيدة والإيمان والجهاد في سبيل الله تعالي.ووقف مع أبيه _ أمير المؤمنين(عليه السلام) _ يعيد الإسلام حاكماً، وينهض بالاُمّة في طريق دعوتها الخالصة، يصارع قوي الضلال والانحراف بالقول والفعل وقوة السلاح ليعيد الحقّ الي نصّابه.ووقف مع أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) موقف الأبطال المضحّين من أجل سلامة الاُمّة ونجاة الصفوة المؤمنة المتمسّكة بنهج الرسالة الإسلامية.ووقف صامداً حين تقاعست جماهير المسلمين عن نصرة دينها أمام جبروت معاوية وضلاله وأزلامه والتيار الذي قاده

لتشويه الدين القويم.ولم يخش كلّ التهديدات ولا ما كان يلوح في الاُفق من نهاية مأساوية نتيجة الخروج لطلب الإصلاح وإحياء رسالة جدّه النبيّ(صلي الله عليه وآله) والوقوف في وجه الظلم والفساد، فخرج وهو مسلّم لأمر الله وساع لابتغاء مرضاته، وها هو(عليه السلام) يردُّ علي الحرّ بن يزيد الرياحي حين قال له: اُذكّرك الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، ولئن قوتلت لتهلكنّ، فقال له الإمام أبو عبدالله(عليه السلام):أبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه:سأمضي وما بالموت عارٌ علي الفتي إذا ما نوي خيراً وج_اهد مسلماوواس_ي رجالاً صالحين بنفس_ه وخ_الف مثب_وراً وف_ارق مجرمافإن عشت لم أندم وإن متّ لم اُلَم كفي بك ذلاً أن تعيش وتُرغما [56] .ووقف(عليه السلام) يوم الطفّ موقفاً حيّر به الألباب وأذهل به العقول، فلم ينكسر أمام جليل المصاب حتّي عندما بقي وحيداً، فقد كان طوداً شامخاً لا يدنو منه العدوّ هيبةً وخوفاً رغم جراحاته الكثيرة حتي شهد له عدوّه بذلك، فقد قال حميد بن مسلم:فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضي جناناً منه، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشد عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزي إذا اشتد عليها الذئب [57] .

اباؤه

لقد تجلّت صورة الثائر المسلم بأبهي صورها وأكملها في إباء الإمام الحسين(عليه السلام) ورفضه للصبر علي الحيف والسكوت علي الظلم، فسنّ بذلك للأجيال اللاحقة سنّة الإباء والتضحية من أجل العقيدة وفي سبيلها، حين وقف ذلك الموقف الرسالي العظيم يهزّ الاُمّة ويشجّعها أن لا تموت هواناً وذلاًّ، رافضاً بيعة الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية قائلاً:

«إنّ مثلي لا يبايع مثله».وها هو يصرّح لأخيه محمد بن الحنفية مجسّداً ذلك الإباء بقوله(عليه السلام): «يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية» [58] .ورغم أنّ الشيطان كان قد استحكم علي ضمائر الناس فأماتها حتّي رضيت بالهوان، لكن الإمام الحسين(عليه السلام) وقف صارخاً بوجه جحافل الشرّ والظلم من جيوش الردّة الاُموية قائلاً: «والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون» [59] .لقد كانت كلمات الإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) تعبّر عن أسمي مواقف أصحاب المبادئ والقيم وحملة الرسالات، كما تنمّ عن عزته واعتداده بالنفس، فقد قال(عليه السلام):«ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيَّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبي الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، واُنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام» [60] .وهكذا علّم الإمام الحسين(عليه السلام) البشرية كيف يكون الإباء في المواقف وكيف تكون التضحية من أجل الرسالة.

الصراحة والجرأة في الاصحار بالحق

اشارة

لقد كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته بركاناً تفجّر في تأريخ الرسالة الإسلامية وزلزالاً صاخباً أيقظ ضمير المتقاعسين عن نصرة الحقّ، والكلمة الطيبة التي دعت كلّ الثائرين والمخلصين للعقيدة والرسالة الإسلامية إلي مواصلة المسيرة في بناء المجتمع الصالحوفق ماأراده الله تعاليورسوله(صلي الله عليه وآله).وقد نهج الإمام الحسين(عليه السلام) منهج الصراحة والمكاشفة موضّحاً للاُمّة الخلل والزيغ والطريق الصحيح، فها هو بكل جرأة يقف أمام الطاغية يحذّره ويمنعه عن التمادي في الغيّ والفساد... فهذه كتبه(عليه السلام) الي معاوية واضحة لا لبس فيها ينذره ويحذّر من الاستمرار في ظلمه ويكشف للاُمّة مدي ضلالته وفساده [61] .وبكلّ صراحة وقوّة رفض البيعة ليزيد

بن معاوية، وقال موضّحاً للوليد ابن عتبة حين كان والياً ليزيد: «إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لايبايع مثله» [62] .وكانت صراحته ساطعة مع أصحابه ومن أعلن عن نصرته، ففي أثناء المسير باتّجاه الكوفة وصله نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وخذلان الناس له، فقال(عليه السلام) للذين اتّبعوه طلباً للعافية: «قد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام» [63] .فتفرّق عنه ذوو الأطماع وضعاف اليقين، وبقيت معه الصفوة الخيّرة من أهل بيته وأصحابه، ولم يخادع ولم يداهن في الوقت الذي كان يعزّ فيه الناصر.وقبل وقوع المعركة أذن لكل مَن كان قد تبعه من المخلصين في الانصراف عنه قائلاً: «إنّي لا أعلم أصحاباً أصحّ منكم ولا أعدل ولا أفضل أهل بيت، فجزاكم الله عنّي خيراً، فهذا الليل قد أقبل فقوموا واتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد صاحبه أو رجل من إخوتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يطلبون غيري، ولو أصابوني وقدروا علي قتلي لما طلبوكم» [64] .والحقّ أنّ من يطالع كلّ تفاصيل نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) سيجد الصدق والصراحة والجرأة في كلّ قول وفعل في جميع خطوات نهضته المباركة.

عبادته و تقواه

اشاره

ما انقطع أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) عن الاتّصال بربّه في كلّ لحظاته وسكناته، فقد بقي يجسّد اتّصاله هذا بصيغة العبادة لله، ويوثّق العري مع الخالق جلّت قدرته، ويشدّ التضحية بالطاعة الإلهية متفانياً في ذات الله ومن أجله، وقد كانت عبادته ثمرة معرفته الحقيقية بالله تعالي.وإنّ نظرة واحدة الي دعائه(عليه السلام) في يوم عرفة تبرهن علي عمق

هذه المعرفة وشدّة العلاقة مع الله تعالي، وننقل مقطعاً من هذا الدعاء العظيم:قال(عليه السلام): «كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّي يكون هو المظهِر لك؟! متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك؟! ومتي بعدت حتي تكون الآثار هي التي توصل اليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً...إلهي هذا ذُلّي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفي عليك. منك أطلب الوصول اليك، وبك استدلّ عليك، فاهدني بنورك اليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك...أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتّي عرفوك ووحّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّي لم يحبّوا سواك ولم يلجأوا الي غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم...ماذا وَجدَ مَن فقدك؟! وما الذي فقد من وجدك؟!لقد خاب من رضي دونك بَدلاً، ولقد خسر من بغي عنك مُتحوّلا...يا مَن أذاق أحبّاءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين...» [65] .ولقد بدا عليه عظيم خوفه من الله وشدّة مراقبته له حتّي قيل له: ما أعظم خوفك من ربّك! فقال(عليه السلام): «لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف من الله في الدنيا» [66] .

صور من عبادته

إنّ العبادة لأهل بيت النبوة(عليهم السلام) هي وجود وحياة، فقد كانت لذّتهم في مناجاتهم لله تعالي، وكانت عبادتهم له متّصلة في الليل والنهار وفي السرّ والعلن، والإمام الحسين(عليه السلام) _ وهو أحد أعمدة هذا البيت الطاهر _ كان يقوم بين يدي الجبّار مقام العارف المتيقّن والعالم العابد، فإذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك فقال(عليه السلام): «حقّ لمن

وقف بين يدي الجبّار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله» [67] .وحرص(عليه السلام) علي أداء الصلاة في أحرج المواقف، حتي وقف يؤدّي صلاة الظهر في قمّة الملحمة في اليوم العاشر من المحرّم [68] وجيوش الضلالة تحيط به من كل جانب وترميه من كل صوب.وكان (عليه السلام) يخرج متذلّلاً لله ساعياً الي بيته الحرام يؤدّي مناسك الحجّ بخشوع وتواضع، حتّي حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً علي قدميه [69] .وقد اشتهرت بين محدّثي الشيعة ومختلف طبقاتهم مواقفه الخاشعة في عرفات أيّام موسم الحجّ، ومناجاته الطويلة لربّه وهو واقف علي قدميه في ميسرة الجبل والناس حوله.لقد كان(عليه السلام) كثير البرّ والصدقة، فقد روي أنّه ورث أرضاً وأشياء فتصدّق بها قبل أن يقبضها، وكان يحمل الطعام في غلس الليل الي مساكين أهل المدينة لم يبتغ بذلك إلاّ الأجر من الله والتقرب اليه [70] .

نشأة الامام الحسين

اشاره

هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثالث أئمّة أهل البيت الطاهرين، وثاني سبطَي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة، وريحانة المصطفي، وأحد الخمسة أصحاب العبا وسيّد الشهداء، واُمّه فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله).

تأريخ الولادة

أكّد أغلب المؤرّخين أنّه (عليه السلام) ولد بالمدينة في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة [71] .وثمّة مؤرّخون أشاروا الي أنّ ولادته (عليه السلام) كانت في السنة الثالثة [72] .

رؤيا ام ايمن

أوّلَ رسول الله (صلي الله عليه وآله) رؤيا للسيدة اُمّ أيمن _ كانت قد فزعت منها حين رأت أنّ بعض أعضائه (صلي الله عليه وآله) ملقيً في بيتها _ بولادة الحسين(عليه السلام) الذي سيحلّ في بيتها صغيراً للرضاعة، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:أقبل جيران اُمّ أيمن الي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله، إنّ اُمّ أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتّي أصبحت، فبعث رسول الله الي اُمّ أيمن فجاءته فقال لها: يا اُمّ أيمن، لا أبكي الله عينك، إنّ جيرانك أتوني وأخبروني أنّك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكي الله عينك ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع، فقال لها رسول الله(صلي الله عليه وآله): فقصّيها علي رسول الله فإنّ الله ورسوله أعلم، فقالت: تعظم عليّ أن أتكلّم بها، فقال لها: إنّ الرؤيا ليست علي ما تري، فقصّيها علي رسول الله. قالت: رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك ملقيً في بيتي، فقال لها رسول الله(صلي الله عليه وآله): نامت عينك يا اُمّ أيمن، تلد فاطمة الحسين فتربّينه وتُلبنيه [73] فيكون بعض أعضائي في بيتك [74] .

الوليد المبارك

ووضعت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وليدها العظيم، وزفّت البشري الي الرسول (صلي الله عليه وآله)، فأسرع الي دار عليّ والزهراء(عليهما السلام)، فقال لأسماء بنت عميس: «يا أسماء هاتي ابني»، فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبي(صلي الله عليه وآله) وضمّه اليه، وأذّن في اُذنه اليمني وأقام في اليسري، ثمّ وضعه في حجره وبكي، فقالت أسماء: فداك أبي واُمي، ممّ بكاؤك؟ قال

(صلي الله عليه وآله): «من ابني هذا». قالت: إنّه ولد الساعة، قال (صلي الله عليه وآله): «يا أسماء! تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي...» [75] .ثمّ إنّ الرسول (صلي الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام): أيّ شيء سمّيت ابني؟ فأجابه عليّ(عليه السلام): «ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله». وهنا نزل الوحي علي حبيب الله محمّد(صلي الله عليه وآله) حاملاً اسم الوليد من الله تعالي، وبعد أن تلقّي الرسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت الي عليّ(عليه السلام) قائلاً: «سمّه حسيناً».وفي اليوم السابع أسرع الرسول (صلي الله عليه وآله) الي بيت الزهراء(عليها السلام) فعقّ عن سبطه الحسين كبشاً، وأمر بحلق رأسه والتصدّق بزنة شعره فضّة، كماأمر بختنه [76] .وهكذا أجري للحسين السبط ما أجري لأخيه الحسن السبط من مراسم.

اهتمام النبي بالحسين

لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) بشأن الحسين(عليه السلام) وهي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة والاُمّة. ونختار هنا عدّة نماذج منها للوقوف علي عظيم منزلته:1 _ روي سلمان أنّه سمع رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول في الحسن والحسين(عليهما السلام): «اللّهمّ إنّي اُحبّهما فأَحِبَّهما واُحبّ من أحبّهما» [77] .2 _ «من أحبّ الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أحبّه الله عزّ وجلّ أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله خلَّده في النار» [78] .3 _ «إنّ ابنيّ هذين ريحانتاي من الدنيا» [79] .4 _ رُوي عن ابن مسعود أنّه قال: كان النبيّ(صلي الله عليه وآله) يصلّي فجاء الحسن والحسين(عليهما السلام) فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا علي فخذه الأيمن وهذا علي

فخذه الأيسر، ثم قال: «من أحبّني فَلْيُحبّ هذين» [80] .5 _ «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط» [81] .6 _ «الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، واُمّهما أفضل نساءأهل الأرض» [82] .7 _ «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة» [83] .8 _ عن برّة ابنة اُميّة الخزاعي أنّها قالت: لمّا حملت فاطمة(عليها السلام) بالحسن خرج النبيّ(صلي الله عليه وآله) في بعض وجوهه فقال لها: «إنّك ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل، فلا ترضعيه حتّي أصير اليك» قالت: فدخلت علي فاطمة حين ولدت الحسن(عليه السلام) وله ثلاث ما أرضعته، فقلت لها: أعطينيه حتّي اُرضعه، فقالت: «كلاّ» ثمّ أدركتها رقّة الاُمهات فأرضعته، فلمّا جاء النبيّ(صلي الله عليه وآله) قال لها: «ماذا صنعت؟» قالت: «أدركني عليه رقّة الاُمهات فأرضعته» فقال: «أبي الله عزّوجلّ إلاّ ما أراد».فلمّا حملت بالحسين(عليه السلام) قال لها: «يا فاطمة إنّك ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتي أجيء اليك ولو أقمت شهراً»، قالت: «أفعل ذلك»، وخرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) في بعض وجوهه، فولدت فاطمة الحسين(عليه السلام) فما أرضعته حتي جاء رسول الله فقال لها: «ماذا صنعت؟» قالت: «ما أرضعته» فأخذه فجعل لسانه في فمه فجعل الحسين يمصّ، حتي قال النبيّ(صلي الله عليه وآله): «إيهاً حسين إيهاً حسين»!! ثمّ قال: «أبي الله إلاّ ما يريد، هي فيك وفي ولدك» [84] يعني الإمامة.9 _ إنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) كان جالساً فأقبل الحسن والحسين، فلمّا رآهما النبيّ(صلي الله عليه وآله)قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه، فاستقبلهما وحملهما علي كتفيه، وقال: «نعم المطيُّ مطيّكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما» [85] .

كنيته و القابه

أمّا كنيته

فهي: أبو عبدالله.وأمّا ألقابه فهي: الرشيد، والوفي، والطيّب، والسيّد، والزكيّ، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والدليل علي ذات الله، والسبط. وأشهرها رتبةً ما لقّبه به جدّه (صلي الله عليه وآله) في قوله عنه وعن أخيه: «أنّهما سيّدا شباب أهل الجنة». وكذلك السبط لقوله(صلي الله عليه وآله): «حسين سبط من الأسباط» [86] .

مراحل حياة الامام الحسين

اشارة

تنقسم حياة كلّ إمام من الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) الي قسمين متميّزين:الأوّل: من الولادة الي حين استلامه لمقاليد الإمامة والولاية المناطة إليه من الله والمنصوص عليها علي لسان رسوله والأئمّة (عليهم السلام) أنفسهم.والثاني: يبدأ من يوم تصدّيه لإدارة اُمور المسلمين والمؤمنين الي يوم استشهاده.وقد يشتمل كلّ قسم علي عدّة مراحل حسب طبيعة الظروف والأحداث التي تميّز كل مرحلة.ونحن ندرس الفترة الاُولي بجميع مراحلها وأهمّ أحداثها _ وهي فترة الولادة حتي الإمامة _ في الفصل الثالث من الباب الثاني، بينما ندرس الفترة الثانية بمراحلها المختلفة بشكل تفصيلي في الباب الثالث.وينبغي أن نعرف أنّ الفترة الاُولي من حياة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت ذات أربع مراحل هي:1 _ حياته في عهد جدّه(صلي الله عليه وآله) وهي من السنة (4) الي (10) هجرية.2 _ حياته في عهد الخلفاء الثلاثة، وهي من السنة (11) الي (35) هجرية.3 _ حياته في عهد الدولة العلوية المباركة، أي منذ البيعة مع أبيه الي يوم استشهاده صلوات الله عليه، وهي من السنة (35) الي (40) هجرية.4 _ حياته في عهد أخيه الحسن المجتبي (عليه السلام) وهي عشر سنوات تقريباً، أي من أواخر شهر رمضان سنة (40) هجرية الي بداية أو نهاية صفر سنة(50) هجرية حيث استشهد الحسن (عليه السلام) وتصدّي هو للأمر من بعده.وأمّا الفترة الثانية من حياته وهي التي تبدأ بعد استشهاد أخيه(عليه

السلام) وتنتهي باستشهاده بأرض الطفّ يوم عاشوراء سنة (61) هجرية، فهي ذات مرحلتين متميزتين:1 _ المرحلة الاُولي: مدّة حياته خلال حكم معاوية، حيث بقي _ صلوات الله عليه _ ملتزماً بالهدنة التي عقدت مع معاوية بالرغم من تخلّف معاوية عن كلّ الشروط التي اشترطت عليه من قبل الإمام الحسن(عليه السلام)، وقد جسّد تمرّده علي كل شروط الصلح بإيعاز السمّ الفاتك الي الإمام الحسن (عليه السلام) ليتخلّص من رقيب مناهض ويزيل الموانع عن ترشيح ولده الفاسق يزيد.2 _ المرحلة الثانية: وتبدأ بفرض معاوية ابنه يزيد حاكماً متحكّماً في رقاب المسلمين بعد موت أبيه وسعيه لأخذ البيعة من الحسين(عليه السلام) للقضاء علي المعارضة التي كان قد عرف جذورها أيام أبيه. ومن هنا تبدأ نهضته التي كانت بركاناً تحت الرماد، فانفجرت بانفجار الفسق والفجور وظهورهما علي مسرح القيادة وجهاز الحكم، فبدأ حركته من المدينة إلي مكّة ثم الي العراق، وتوّج صبره وجهاده بدمائه الطاهرة ودماء أهل بيته وأصحابه الأصفياء التي قدّمها في سبيل الله تعالي.

الامام الحسين من الولادة الي الامامة

الامام الحسين في عهد الرسول

اشاره

في حياة النبيّ(صلي الله عليه وآله) والرسالة الإسلامية مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما(عليهم السلام) ومعاني ودلالات عميقة حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة ويتحمّل عبء الخلافة ومسؤولية صيانة الدين والاُمّة.وكان لابدّ لهذا البيت أن ينال القسط الأوفي والحظّ الأوفر من فيض حبّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) ورعايته واُبوّته، فلم يدّخر النبيّ(صلي الله عليه وآله) وسعاً أن يروّي شجرته المباركة في بيت عليّ(عليه السلام) ويتعهّدها صباح مساء مبيّناً أنّ مصير الاُمّة مرهون بسلامة هذا البيت وطاعة أهله كما يتجلّي ذلك في قوله (صلي الله عليه وآله): «إنّ علياً راية الهدي بعدي وإمام أوليائي ونور من أطاعني» [87] .وحين أشرقت الدنيا بولادة الحسين(عليه السلام)؛

أخذ مكانته السامية في قلب النبيّ(صلي الله عليه وآله) وموضعه الرفيع في حياة الرسالة.وبعين الخبير البصير والمعصوم المسدّد من السماء وجد النبيّ(صلي الله عليه وآله) في الوليد الجديد وريثاً للرسالة بعد حين، ثائراً في الاُمّة بعد زيغ وسكون، مصلحاً في الدين بعد انحراف واندثار، محيياً للسنّة بعد تضييع وإنكار، فراح النبيّ(صلي الله عليه وآله) يهيّئه ويعدّه لحمل الرسالة الكبري مستعيناً في ذلك بعواطفه وساعات يومه، وبهديه وعلمه؛ إذ عمّا قليل سيضطلع بمهام الإمامة في الرسالة الخاتمة بأمر الله تعالي.فها هو(صلي الله عليه وآله) يقول: «الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار» [88] .وهل الحب إلاّ مقدمة الطاعة وقبول الولاية؟ بل هما بعينهما في المآل.لقد كان النبي(صلي الله عليه وآله) يتألّم لبكائه ويتفقّده في يقظته ونومه، يوصياُمّه الطاهرة فاطمة صلوات الله عليها أن تغمر ولده المبارك بكلّ مشاعرالحنان والرفق [89] .حتّي إذا درج الحسين(عليه السلام) صبيّاً يتحرّك شرع النبيّ(صلي الله عليه وآله) يلفت نظر الناس إليه ويهيّئ الأجواء لأن تقبل الاُمّة وصاية ابن النبيّ (صلي الله عليه وآله) عليها، فكم تأنّي النبيّ(صلي الله عليه وآله) في سجوده والحسين يعلو ظهره(صلي الله عليه وآله) ليظهر للاُمّة حبّه له وكذا مكانته، وكم سارع النبيّ يقطع خطبته ليلقف ابنه القادم نحوه متعثّراً فيرفعه معه علي منبره [90] ؟ كلّ ذلك ليدلّ علي منزلته ودوره الخطير في مستقبل الاُمّة.وحين قدم وفد نصاري نجران يحاجج النبيّ(صلي الله عليه وآله) في دعوته إلي الإسلام وعقيدة التوحيد الخالص وامتنع عن قبولها رغم وضوح الحق أمر الله تعالي بالمباهلة، فخرج النبيّ(صلي الله عليه وآله)

إليهم ومعه خير أهل الأرض تقويً وصلاحاً وأعزّهم علي الله مكانةً ومنزلةً: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ليباهل بهم أهل الكفر والشرك وانحراف المعتقد، ومُدَلّلاً بذلك _ في نفس الوقت _ علي أنّهم أهل بيت النبوة وبهم تقوم الرسالة الإسلامية، فعطاؤهم من أجل العقيدة لا ينضب [91] .و ما كان من النصاري اذ رأوا وجوها مشرقة و طافحة بنور التوحيد و العصمة؛ الا أن تراجعوا عن المباهلة و قبلوا بأن يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون.لقد كانت هذه الفترة القصيرة التي عاشها الحسين (عليه السلام) مع جده (صلي الله عليه و اله) من أهم الفترات و أروعها في تأريخ الاسلام كله، فقد وطد الرسول (صلي الله عليه و اله) فيها أركان دولته المباركة، و أقامها علي أساس العلم و الايمان، و هزم جيوش الشرك، و هدم قواعد الالحاد، و أخذت الانتصارات الرائعة تتري علي الرسول (صلي الله عليه و اله) و أصحابه الأوفياء حيث أخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجا.و في غمرة هذه الانتصارات فوجئت الامة بالمصاب الجلل حين توفي رسول الله (صلي الله عليه و اله)؛ فخيم الأسي العميق علي المسلمين و بخاصة علي أهل بيته (عليهم السلام) الذين أضنتهم المأساة، ولسعتهم حرارة المصيبة بغياب شخص النبي (صلي الله عليه و اله).

ميراث النبي لسبطيه

و لما علمت سيدة نساء العالمين أن لقاء أبيها بربه عز و جل قريب أتت بابنيها الحسن و الحسين (عليهما السلام) فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك فورثهما شيئا، فقال (صلي الله عليه و اله): أما الحسن فان له هيبتي و سؤددي، و أما الحسين فان له شجاعتي وجودي. [92] .

وصية النبي بالسبطين

ووصّي النبيّ(صلي الله عليه وآله) الإمام عليّاً برعاية سبطيه، وكان ذلك قبل موته بثلاثة أيام، فقد قال له: سلام الله عليك أبا الريحانتين، اُوصيك بريحانتيَّ من الدنيا، فعن قليل ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك، فلمّا قبض رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال عليّ: هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فلمّا ماتت فاطمة(عليها السلام) قال عليّ: هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله [93] .

لوعة النبي علي الحسين

حضر الإمام الحسين(عليه السلام) عند جدّه الرسول(صلي الله عليه وآله) حينما كان يعاني آلام المرض ويقترب من لحظات الاحتضار، فلمّا رآه ضمّه الي صدره وجعل يقول: «مالي وليزيد؟! لا بارك الله فيه.» ثمّ غشي عليه طويلاً، فلمّا أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلاً وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يقول: «أما إنّ لي ولقاتلك موقفاً بين يدي الله عزّوجلّ» [94] .وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف(صلي الله عليه وآله) ألقي السبطان(عليهما السلام) بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع والنبيّ(صلي الله عليه وآله) يوسعهما تقبيلاً، فأراد أبوهما أمير المؤمنين(عليه السلام) أن ينحّيهما عنه فأبي(صلي الله عليه وآله) وقال له: «دعهما يتزوّدا منّي وأتزوّد منهما فستصيبهما بعدي إثرة» [95] .ثمّ التفت(صلي الله عليه وآله) الي عوّاده فقال لهم: قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، إنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض [96] .

الامام الحسين في عهد الخلفاء

الحسين في عهد ابي بكر

لقد كان أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السلام) مفجوعين بوفاة الرسول (صلي الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن علي قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ اُخريضاعفت آلامهم وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلي الله عليه وآله) فينفوسهم ونفوس الاُمّة.إنها صدمة مصادرة الخلافة وتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن مسرح القيادة ومصادرة المنصب الذي نصبه فيه الرسول (صلي الله عليه وآله) بأمر الله تعالي.وكانت هذه الصدمة العنيفة بداية لمُسلسل القلق والاضطهاد الذي فرضه الخط الحاكم بعد الرسول (صلي الله عليه وآله) علي أهل بيت الرسول (صلي الله عليه وآله) ؛ لتحقيق العزل التام والإبعاد الكامل لهم عن موقع القيادة بعد الرسول (صلي الله عليه وآله).

لوعة شهادة الزهراء

كان لوفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهي ربيعه الثامن.وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين(عليه السلام) يُفجع باستشهاد اُمّه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيها(صلي الله عليه وآله) فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة ؛ إذ كان كلّما نظر الي اُمّه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً محزونة القلب منكسرة الخاطر.وقد روي: أنّها سلام الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشي عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيانعلي الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما علي عاتقه كما لم يزل يفعل

بكما [97] .وروي أن الزهراء(عليها السلام) بعد وفاة أبيها(صلي الله عليه وآله) كانت تصطحب الحسنين معها الي البقيع حيث تظلّ تبكي الي المساء، فيأتي أمير المؤمنين(عليه السلام) فيعود بهم الي البيت.ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) دخلا البيت بُعَيد وفاة اُمّهما فقالا: يا أسماء! ما يُنيم اُمّنا في هذه الساعة؟! قالت: يا ابني رسول الله ليست اُمّكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول: يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. قالت وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: يا اُمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله! انطلقا الي أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتي إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله؟ لا أبكي الله أعينكما [98] .وجاء في نصّ آخر أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين(عليه السلام) من تغسيل الزهراء(عليها السلام) نادي: يا اُمّ كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا وتزوّدوا من اُمّكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنّة. فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما يناديان: واحسرةً لاتنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفي واُمّنا فاطمة الزهراء!فقال أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): إنّي اُشهدُ الله أ نّها قد حنّت وأ نّت ومدّت يديها وضمّتهما الي صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن! ارفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات. [99] .وذكرت أكثر الروايات أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) حضرا مراسم الصلاة علي جنازة اُمّهما (عليها السلام) وتولّي غسلها وتكفينها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرجها من بيتها ومعه الحسن

والحسين في الليل، وصلّوا عليها... [100] .لقد فجع الحسين(عليه السلام) وخلال فترة قصيرة بحادثتين عظيمتين مؤلمتين: الاُولي وفاة جدّه رسول الله(صلي الله عليه وآله)، والثانية استشهاد والدته فاطمة بنت الرسول (صلي الله عليه وآله) بعدما جري عليها من أنواع الجفاء والظلم.وإذا أضفنا الي ذلك مأساة غصب حقوق أبيه أميرالمؤمنين(عليه السلام) ومأساة إبعاده عن المسرح السياسي ليصبح جليس بيته؛ تجلّت لنا شدّة المحن والمصائب التي أحاطت بالحسين(عليه السلام) وهو في صغر سنّه.ولقد تعمّقت مصائب الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب أنواع الحصار المفروض من قِبل خطّ الخلافة وقتذاك علي أصحاب الرسول(صلي الله عليه وآله) الأوفياء لخطّه الرسالي وعلي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) بشكل خاص، مثل منع الخمس وسائر الحقوق من الوصول اليه، كما تجلّي ذلك بوضوح في تأميم «فدك» والذي كان من أهدافه ممارسة ضغوط مالية اُخري علي أهل بيت النبيّ(صلي الله عليه وآله) وأبناء أمير المؤمنين(عليهم السلام).

الحسين في عهد عمر بن الخطاب

وفي عهد عمر بن الخطاب اتّخذ الحصار أبعاداً أكثر خطورة، فقد ذكر المؤرّخون أنّ عمر حظر علي أصحاب الرسول(صلي الله عليه وآله) الخروج من المدينة إلاّ بترخيص منه، وقد طال الحظر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتي مثّل هذا الأمر نمطاً آخر من الضغوط التي مورست علي أهل بيت الوحي الطاهرين.أجل لقد أدّت هذه الممارسات القهرية والمواقف الظالمة الي إقصاء عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وجعلته جليس بيته، ومن ثم تغييبه عن الميادين السياسية والاجتماعية حتي صار نسياً منسياً، وإن كان الخليفة يرجع إليه في بعض المسائل أحيانا، ولعلّ السبب في عدم إبعاده عن المدينة، هو حاجته إليه في القضايا التي كانت تستجد للخليفة، ولم يكن بمقدور أحد غير عليّ(عليه السلام) أن يقدّم الحلّ المقبول لها.وبالحكمة

السديدة والصبرالجميل كظم أمير المؤمنين(عليه السلام) غيظه متغاضياً عن حقّه الذي استأثر به عمر بعد أبي بكر من دون حقّ شرعي ولا حجّة بالغة، وفي كلّ ذلك عاش الحسين(عليه السلام) مع آلام أبيه(عليه السلام)، ورأي كيفية تعامله مع الحدث، وهو يحمل هموم الاُمّة الإسلامية ويقلقه مصيرها، إنّه يتذكّر كيف كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يؤثر عليّاً علي كل من عداه ويوصي به الاُمّةالمرّة بعد المرّة، ولكنّه الآن مقصيٌّ عن مقامه، فما كان يملك إلاّ أن يكتم أحاسيسه ومشاعره.يروي: أنّ عمر ذات يوم كان يخطب علي المنبر فلم يشعر إلاّ والحسين(عليه السلام) قد صعد إليه وهو يهتف: «انزل عن منبر أبي واذهب إلي منبر أبيك»، وبهت عمر واستولت الحيرة عليه، وراح يصدّقه ويقول له: صدقت لم يكن لأبي منبر، وأخذه فأجلسه إلي جنبه، وجعل يفحص عمّن أوعز إليه بذلك قائلاً له: من علّمك؟ فأجابه الإمام الحسين(عليه السلام): «والله ما علّمني أحد» [101] .وقد كان الحق يقضي بأن لا يكتفي عمر بالتصديق الكلامي للحسين من دون إعادة حقّه في فدك والخمس إليه، وإعادة حقّ والده في الخلافة إليه، إطاعةً لله وللرسول(صلي الله عليه وآله).ويروي أيضاً: أنّ عمر كان معنيّاً بالإمام الحسين(عليه السلام) حتي طلب منه أن يأتيه إذا عرض له أمر. وقصده الحسين(عليه السلام) يوماً ومعاوية عنده، ورأي ابنه عبدالله فطلب(عليه السلام) الإذن منه فلم يأذن له فرجع معه، والتقي به عمر في الغد فقال له: ما منعك يا حسين أن تأتيني؟ قال الحسين(عليه السلام): «إنّي جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر» قال عمر: أنت أحقّ من ابن عمر، فإنّما أنبت ماتري في رؤوسنا الله ثم أنتم [102] .

الحسين في عهد عثمان

بخُلق الرسالة وآداب النبوة وبالفضائل

السامية أطلّ الإمام الحسين(عليه السلام) علي مرحلة الرجولة في العقد الثالث من العمر، يعيش أجواء أبيه المحتسب وهو يري اللعبة السياسية تتلوّن والهدف واحد، وهو أن لا يصل عليّ(عليه السلام) وبنوه إلي زعامة الدولة الإسلامية بل تبقي الخلافة بعيدة عنهم، فهاهو ابن الخطّاب لا يكتفي بحمل الاُمّة علي ما لا تطيق من جفاء رأيه وطبعه وأخطاء اجتهاداته؛ حتّي ابتلاها بالشوري السداسيّة التي انبثقت منها خلافة عثمان.ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) هذه المرحلة وهو الذي آثر مصلحة الدين والاُمّة علي حقّه الخاص في الزعامة فصبر صبراً مُرّاً حتّي قال:فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجا، أري تراثي نهباً، حتي مضي الأوّل لسبيله، فأدلي بها إلي ابن الخطّاب بعده، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، فصبرت علي طول المدّة وشدّة المحنة، حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيالله وللشوري، متي اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتي صرت اُقرن إلي هذه النظائر؟! [103] .وازدادت محنة أهل البيت(عليهم السلام) وتضاعفت مهمّتهم صعوبةً، وهم يواجهون عصراً جديداً من الانحراف بالخلافة، وهو عصر يتطلّب جهوداً أضخم وسعياً أكبر لكي لاتضيع الاُمّة والرسالة، ولكنّ لوناً متميزاً من المعاناة القاسية بدأ واضحاً يصبغ حياة الاُمّة الإسلامية، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول الله(صلي الله عليه وآله) يهانون ويضربون وينفون في الوقت الذي تتسابق علي مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم، تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالاُمور أحياناً وعصبيّته القبليّة الاُمويّة أحياناً اُخري [104] .وعاش الحسين(عليه السلام) معاناة الاُمّة وهي تنتفض علي فساد حكم عثمان في مخاض عسير، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السيف.وفي خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) المعروفة بالشقشقيّة والتي

وصف فيها محنة الاُمّة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصوير دقيق لما جري في حكم عثمان بن عفّان؛ إذ قال(عليه السلام):إلي أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه [105] بين نثيله [106] ، ومعتلفه [107] ، وقام معه بنو أبيه يخضمون [108] مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع [109] ، إلي أن انتكث عليه فتله [110] ، وأجهز [111] عليه عمله، وكبت [112] به بطنته [113] .

موقف مع أبي ذر الغفاري

أمعن الخليفة عثمان بن عفان في التنكيل بالمعارضين والمندّدين بسياسته غير مراع حرمة أو كرامة أحد من صحابة الرسول(صلي الله عليه وآله) الذين طالتهم يداه، فصبّ عليهم جام غضبه وبالغ في ظلمهم وإرهاقهم، وكان أبوذر الغفاري _ وهو أقدم أصحاب الرسول(صلي الله عليه وآله) الذين سبقوا إلي الإسلام - واحداً من المندّدين بسياسة عثمان والرافضين لها، وقد نهاه عثمان عن ذلك فلم ينته، فالتاع عثمان وضاق به ذرعاً فأبعده الي الشام، وفي الشام أخذ أبوذر يوقظ الناس ويدعوهم الي الحذر من السياسة الاُمويّة التي كان ينتهجها معاوية ابن أبي سفيان والي عثمان الاُموي علي الشام.لقد غضب معاوية علي حركة أبي ذرّ وكتب الي عثمان يخبره بخطره عليه، فاستدعاه الي المدينة، لكن هذا الصحابي الجليل واصل مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من خطر الاُموية الدخيلة علي الاسلام والمسلمين، فرأي عثمان أنّ خير وسيلة للتخلّص من معارضة أبي ذر هي نفيه الي جهة نائية لا سكن فيها، فأمر بإبعاده الي الربذة موعزاً الي مروان بن الحكم بأن يمنع المسلمين من مشايعته وتوديعه، ولكنّ أهل الحقّ أبوا إلاّ مخالفة عثمان، فقد انطلق لتوديعه _ بشكل علني _ الإمام علي(عليه السلام) والحسنان(عليهما السلام) وعقيل وعبدالله بن جعفر وعمّار بن ياسر

رضي الله عنهم. وقد نقل المؤرّخون كلمات حكيمة وساخنة للمودّعين استنكروا خلالها الحكم العثماني الجائر ضدّه، وقد جاء في كلمة الإمام الحسين(عليه السلام) ما نصّه:يا عمّاه! إنّ الله تبارك وتعالي قادر أن يغيّر ما قد تري، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم الي ما منعتهم؟ فاسأل الله الصبر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً والجزع لا يؤخّر أجلاً [114] .وبكي أبوذر بكاءاً مرّاً، فألقي نظرة الوداع الأخيرة علي أهل البيت(عليهم السلام) الذين أخلص لهم الودّ وأخلصوا له، وخاطبهم بقوله:«رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم، إنّي ثقلت علي عثمان بالحجاز كما ثقلت علي معاوية بالشام، وكره أن اُجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فاُفسد الناس عليهما فسيّرني الي بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله، والله ما اُريد إلاّ الله صاحباً، وما أخشي مع الله وحشة» [115] .

الامام الحسين في عهد الدولة العلوية

اشاره

انتهي حكم الخلفاء الثلاثة بمقتل عثمان، وانتهت بذلك خمسة وعشرون عاماً، من العناء الناشئ عن إقصاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين.وقد أيقن المسلمون أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) هو القائد الذي يحقّق آمالهم وأهدافهم ويعيد لهم كرامتهم، وأنّهم سينعمون في ظلال حكمه بالحرية والمساواة والعدل فأصرّوا علي مبايعته بالخلافة.لكن وللأسف الشديد فقد جاءت قناعة الاُمّة هذه متأخرةً كثيراً، حيث اُصيبت الاُمّة بأمراض خطيرة وانحرافات كبيرة، وغابت عنها الروح التضحوية والقيم الإيمانية، وتسربلت بالأطماع والمنافع الشخصية، وانحدرت نحو التوجّهات الفئوية الضيّقة. من هنا

أعلن الإمام عليّ(عليه السلام) رفضه الكامل لخلافتهم قائلاً لهم: لا حاجة لي في أمركم، فمن اخترتم رضيت [116] .وذلك لعلمه(عليه السلام) بأنّه من الصعب جدّاً أن يعيد الي المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم الخاطئة، فإنّه(عليه السلام) كان يعرف جيّداً أنّ المجتمع الذي نشأ علي تلك الأخطاء سيقف بوجهه وسيعمل جاهداً علي مناجزته والحيلولة بينه وبين تحقيق مخطّطاته السياسية الهادفة الي تحقيق العدل والقضاء علي الجور. هذا وإنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) مع سابقته الفريدة الي الإسلام وحنكته السياسية ومؤهّلاته القيادية العظيمة لم يستطع الوقوف بوجه الانحراف الذي سري الي جميع مفاصل المجتمع الإسلامي، ولم يتمكّن من إعادة هذا المجتمع الي طريق الحقّ والعدالة اللاّحب، إذ وقفت في وجهه فئات من المنافقين والنفعيين ومن كان يحمل في نفسه البغض والكره لله ولرسوله، وقد أكّد ذلك في خطبته الشقشقية بقوله(عليه السلام): فلمّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة [117] ومرقت [118] اُخري وقسط آخرون [119] كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) [120] بلي والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها [121] .

مع ابيه في اصلاح الامة

لقد بادر الإمام عليّ(عليه السلام) الي إعادة الحقّ إلي نصابه والعدل إليسيادته، محيياً سنّة رسول الله(صلي الله عليه وآله) في الاُمّة منتهجاً الطريق القويم.وما أسرع ما وقفت قوي الضلال ضد إصلاحات الإمام(عليه السلام) في مجال الإدارة وفي مجال توزيع الأموال وفي مجال العدل في القضاء وفي مجال مراعاة شؤون الرسالة وشؤون المسلمين!ولم يتردّد (عليه السلام) في التحرّك لفضح خط النفاق والقضاء علي الفساد واجتثاث جذوره لتسلم الرسالة والاُمّة منه، وقام هو وأهل بيته(عليهم السلام) يخوضون غمار

الحروب دفاعاً عن إلاسلام مقتدين برسول الله(صلي الله عليه وآله). وشارك الإمام الحسين(عليه السلام) في جميع الحروب التي شنّها المنافقون ضدّ الإمام علي(عليه السلام).وكان يبرز إلي ساحة القتال بنفسه المقدّسة كلّما اقتضي الأمر وسمح له والده(عليه السلام) وقد سجّل المؤرّخون خطاباً للإمام الحسين(عليه السلام) وجّهه لأهل الكوفة لدي تحركهم الي صفّين، جاء فيه بعد حمد الله تعالي والثناء عليه: يا أهل الكوفة! أنتم الأحبّة الكرماء والشعار دون الدثار، جدّوا في إطفاء ما وتر بينكم وتسهيل ما توعّر عليكم، ألا إنّ الحرب شرّها وريع وطعمهافظيع، فمن أخذ لها اُهبتها واستعدّ لها عُدّتها، ولم يألم كُلومها قبل حلولها فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قَمِن أن لاينفع قومَه وإن يهلك نفسه، نسأل الله بقوّته أن يدعمكم بالفيئة [122] .

حرص الامام علي علي سلامة الحسنين

قاتل الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة صفّين كما قاتل في معركة الجمل، مع أنّ بعض الروايات أفادت بأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يمنع الحسنين (عليهما السلام) من النزول الي ساحة القتال خشية أن ينقطع نسل رسول الله(صلي الله عليه وآله)؛ إذ كان(عليه السلام) يقول: إملكوا عنّي هذا الغلام لا يَهُدَّني، فإنّني أنفسُ بهذين _ يعني الحسن والحسين (عليهما السلام) _ علي الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) [123] .وجاء في نصوص اُخري أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يبعث ابنه محمّد ابن الحنفية الي ساحات القتال مرّات عديدة دون أن يسمح للحسنين(عليهما السلام) بذلك، وقد سئل ابن الحنفية عن سرّ ذلك فأجاب: «إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينه بيمينه» [124] ويعكس هذا الجواب مدي ما كان يحظي به الحسنان عند الإمام علي(عليه السلام).وتفيد الأخبار بأنّ الإمام الحسين

(عليه السلام) ظلّ مع أبيه بعد صفّين أيضاً في جميع الأحداث مثل قضية التحكيم ومعركة النهروان.ومعلوم أنّ الأحداث التي عايشها الإمام الحسين مع أبيه(عليهما السلام) كانت مأساوية ومرّة جدّاً، وقد بلغت المأساة ذروتها عندما تآمر الخوارج علي قتل أسمي نموذج للإنسان الكامل _ بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) _ أي عندما ضرب المجرم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي إمامه أمير المؤمنين(عليه السلام) علي رأسه بالسيف وهو في محراب العبادة.

وصايا اميرالمؤمنين للامام الحسين

تدلُّ وصايا أمير المؤمنين(عليه السلام) لولده الحسين(عليه السلام) علي شدّة اهتمامه به ومحبّته له، وقد جاء في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لمّا ضربه ابن ملجم _ لعنه الله _ أوصي للحسن والحسين بالوصية التالية:«اُوصيكما بتقوي الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا علي شيء منها زُوِيَ عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً. اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوي الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم؛ فإنّي سمعت جدّكما(صلي الله عليه وآله) يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام» الله الله في الأيتام! فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم! فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتي ظننّا أ نّه سيورّثهم. والله الله في القرآن! لا يسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصلاة! فإنّها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم! لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرك لم تُناظروا. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله! وعليكم بالتواصل والتباذل، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي عليكم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يابني عبدالمطلب! لا ألفينّكم تخوضون دماء

المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أميرُ المؤمنين. ألا لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي. اُنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تُمثّلوا بالرجل؛ فإنّي سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور» [125] .وثمّة وصية اُخري قيّمة وجامعة خاصّة بالإمام الحسين(عليه السلام) ذكرها ابن شعبة في تحف العقول، ونحن ننقلها لأهمّيتها حيث تضمّنت حكماً غرّاء ووصايا أخلاقية خالدة. وإليك نصّ ما رواه ابن شعبة عن الإمام عليّ(عليه السلام):«يا بُنيّ! اُوصيك بتقوي الله في الغني والفقر، وكلمة الحقّ في الرضي والغضب، والقصد في الغني والفقر، وبالعدل علي الصديق والعدوّ، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضي عن الله في الشدّة والرّخاء، أي بنيّ ماشرٌ بعده الجنّة بشرّ، ولا خير بعده النار بخير، وكلّ نعيم دون الجنة محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية.واعلم يا بُنيّ! أنّه مَن أبصر عيب نفسه شُغل عن عيب غيره، ومَن تعرّي من لباس التقوي لم يستتر بشيء من اللباس، ومَن رضي بقسم الله لم يحزن علي ما فاته، ومَن سلّ سيف البغي قتل به، ومَن حفر بئراً لأخيه وقع فيه، ومَن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومَن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابد الاُمور عطب، ومن اقتحم الغمرات غرق، ومن أعجب برأيه ضلّ، ومن استغني بعقله زلّ، ومَن تكبّر علي الناس ذلّ، ومَن خالط العلماء وُ قّر. ومن خالط الأنذال حُقّر. ومَن سفه علي الناس شُتم، ومَن دخل مداخل السوء اتّهم، ومَن مزح استخفّ به، ومَن أكثر من شيء عرف به، ومَن كثر كلامه كثر خطؤه، ومَن كثر خطؤه قل حياؤه، ومَن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومَن قلّ ورعه مات قلبه، ومَن مات قلبه دخل النار.أي

بنيّ! من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه، ومَن تفكّر اعتبر، ومَن اعتبر اعتزل، ومَن اعتزل سلم، ومَن ترك الشهوات كان حرّاً، ومَن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس.أي بُنيّ! عزّ المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومَن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومَن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه.أي بنيّ! العجب ممّن يخاف العقاب فلم يكفّ، ورجا الثواب فلم يتب ويعمل.أي بنيّ! الفكرة تورث نوراً والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين، ليس مع قطيعة الرحم نماء ولامع الفجور غني. أي بُنيّ! العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلاّ بذكر الله، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء.أي بنيّ! مَن تزيّا بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلاًّ، ومن طلب العلم علم. أي بنيّ! رأس العلم الرفق، وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر علي المصائب، والعفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني، كثرة الزيارة تورث الملالة، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، و إعجاب المرء بنفسه يدلّ علي ضعف عقله. أي بُني، كم نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة سلبت نعمة.أي بنيّ! لاشرف أعلي من الاسلام، ولا كرم أعزّ من التقوي، ولا معقل أحرزُ من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضي بالقوت، ومن اقتصر علي بُلغة الكفاف تعجّل الراحة وتبوّأ خفض الدعة.أي بُنيّ! الحرص مفتاح التعب ومطيّة النصب وداع الي التقحّم في الذنوب، والشره جامع لمساوئ العيوب، وكفاك تأديباً لنفسك ماكرهته من غيرك، لأخيك عليك مثل الذي لك عليه، ومن تورّط في الاُمور بغير

نظر في العواقب فقد تعرّض للنوائب، التدبيرُ قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جُنّة من الفاقة، البخل جلباب المسكنة، الحرص علامة الفقر، وصُول مُعدم خير من جاف مكثر، لكل شيء قوت وابن آدم قوت الموت.أي بُنيّ! لا تؤيّس مذنباً، فكم من عاكف علي ذنبه خُتم له بخير، وكم من مقبل علي عمله مُفسد في آخر عمره، صائر الي النار.أي بُنيّ! كم من عاص نجا، وكم من عامل هوي، من تحرّي الصدق خفّت عليه المؤن، في خلاف النفس رُشدُها، الساعاتُ تنتقص الأعمار، ويلٌ للباغين من أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين.يا بُنيّ! بئس الزادُ الي المعاد العدوانُ علي العباد، في كلّ جُرعة شرق، وفي كلّ أكلة غصص، لن تُنال نعمة إلاّ بفراق اُخري.ما أقرب الراحة من النصب، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة، والسقم من الصحة! فطوبي لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله، وبخ بخ لعالم عمل فجدّ، وخاف البيات فأعدّ واستعدّ، إن سُئل نصح، وإن تُرك صمت، كلامه صوابٌ، وسكوته من غير عيّ جواب.والويل لمن بُلي بحرمان وخذلان وعصيان، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره، وأزري علي الناس بمثل ما يأتي.واعلم أي بُنيّ! أنّه من لانت كلمتُه وجبت محبّته، وفّقك الله لرشدك، وجعلك من أهل طاعته بقدرته، إنّه جواد كريم [126] .

الامام الحسين مع ابيه في لحظاته الاخيرة

كان آخر ما نطق به أمير المؤمنين (عليه السلام) هو قوله تعالي: (لمثل هذا فليعمل العاملون)، ثمّ فاضت روحه الزكية، تحفّها ملائكة الرحمن، فمادت أركان العدل في الأرض، وانطمست معالم الدين.لقد مات ملاذ المظلومين والمحرومين الذي كرّس جهده لإقامة دولة تُنهي دور الإثرة والاستغلال وتقيم العدل والحقّ بين الناس.وقام سبطا رسول

الله(صلي الله عليه وآله) بتجهيز أبيهما المرتضي(عليه السلام) فغسّلاه وأدرجاه في أكفانه. وفي الهزيع الأخير من الليل حملاه الي قبره في النجف الأشرف، وقد واروا أكبر رمز للعدالة والقيم الإنسانية المثلي كما اعترف بذلك خصومه. وكتب المؤرّخون: أنّ معاوية لمّا بلغه مقتل الإمام علي(عليه السلام) خرج واتّخذ يوم قتله عيداً في دمشق! فقد تحقّق له ما كان يأمله، وتمّ له ما كان يصبو إليه من اتّخاذ الملك وسيلة لاستعباد المسلمين وإرغامهم علي ما يكرهون [127] .

الامام الحسين في عهد اخيه الامام الحسن

حالة الامة قبل الصلح مع معاوية

لم يكن تفتّتُ أركان المجتمع الإسلامي _ الذي كان يؤمن بأقدس رسالة سماوية وأعظمها وأشملها _ في ظلّ حكم معاوية بن أبي سفيان وليد جهود آنيّة، فقد بدأ الانحراف من يوم السقيفة، إذ تولّي زمام اُمور الاُمّة مَن كان لا يملك الكفاءة والقدرة المطلوبة، وإنّما تصدّي لها من تصدّي علي أساس العصبية القبلية [128] ويشهد لذلك قول أبي بكر: وُلّيت أمركم ولست بخيركم [129] .وانحدرت الاُمّة في واد آخر يوم ميّز عمر بن الخطاب في العطاء بين المسلمين مخالفاً سنّة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومبتدعاً نظاماً طبقياً جديداً، حتي إذا حكم عثمان بن عفّان؛ استفحل الفساد واستشري في جهاز الحكم والادارة، حين سيطر فسّاق الناس وشرارهم علي اُمور الناس فراحوا يعيثون في الاُمّة فساداً كالوليد بن عقبة والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط وسعيد بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح [130] .وأصبحت العائلة الاُمويّة التي لم تنفتح علي الإسلام لتشكل قوّة اقتصادية جرّاء نهبهم لثروات الاُمّة، وعطايا عثمان لهم بغير حق، وتغلغلوا في أجهزة الحكم، وتمكّن معاوية بن أبي سفيان خلال ولايته علي الشام منذ عهد عمر أن يُنشئ مجتمعاً وفق ما تهوي

نفسه الحاقدة علي الإسلام والنبيّ(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، فقد دخل هو وأبوه الإسلام مقهورين موتورين يوم فتح مكة، ودخل في عداد الطلقاء، بعد أن كان قد فقد جدّه وخاله وأخاه في الصراع ضد الإسلام قبل فتح مكّة.علي أنّ طوال هذه الفترة _ منذ وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) الي نهاية حكم عثمان _ لم يعتنِ النظام الحاكم بالدعوة الإسلامية ونشرها وترسيخها في النفوس، ولم يسع لاجتثاث العقد والأمراض والعادات القبلية، بل كان همّ الحاكمين هو الاندفاع في الفتوحات طمعاً في توسعة الدولة وزيادة الأموال. وقد عمل الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) منذ وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) جاهداً علي أن لا تفقد الاُمّة شخصيتها الإسلامية وحاول تقليل انحرافها، فكان يتدخّل ويُعِين الفئة الحاكمة تارةً باللين واُخري بالشدّة متجنّباً الصدام المباشر معهم، لأجل استرداد حقّه الشرعي في الخلافة، مؤثراً مصلحة الإسلام العامّة علي ما سواها من المصالح [131] .لقد فجعت الاُمّة بمصلحها الكبير _ يوم استشهد الإمام علي(عليه السلام) _ وانهارت بين يدي الإمام الحسن بن عليّ(عليهما السلام) بعد أن أنهكتها حروب الإصلاح ضد الناكثين والقاسطين والمارقين؛ إذ أسرعت القوي النفعية والمنافقة والحاقدة علي الإسلام إلي الوقوف في وجه الإمام عليّ(عليه السلام) متنكرة لأوامر الله سبحانه ورسوله(صلي الله عليه وآله) غير مبالية بمصلحة الاُمّة، بالرغم من تجسيده للزعامة الحقيقية التي تقود إلي منهج الحقّ والعدل الإلهي، وهم يعلمون بشرعيته التي اكتسبها من الرسالة والرسول(صلي الله عليه وآله). وهذا ما كان يشكّل خطراً حقيقياً من شأنه أن يلغي وجودهم من المجتمع الإسلامي، ولهذا كانت حروب: الجمل وصفّين ثم النهروان.ورأي الإمام الحسن(عليه السلام) أن ينهض بالاُمّة مواصلاً مسيرة الإصلاح ومواجهة الانحراف، ولكنّ الجموع آثرت

السلامة والركون إلي الراحة [132] ، فاضطرّ الإمام الحسن(عليه السلام) إلي الصلح والمهادنة مع معاوية _ وهو المتحصّن القويّ في بلاد الشام _ علي شروط وعهود مهمّة، ليضمن سلامة الصفوة الخيّرة من الاُمّة، وليبني قاعدة جماهيرية أكثر وعياً وأعمق إيماناً برسالتها الإسلامية، كي لا يُمسخ المجتمع المسلم ولا تُمحق الرسالة؛ إذ ليس السيف دائماً هو الفيصل في حالات النزاع، فربما كان للكلمة والمعاهدة أثر أبلغ في مرحلة خطرة، حيث الهدف هو صيانة الرسالة الإسلامية وحفظ الاُمّة الإسلامية في كلّ الأحوال، وليتّضح دور النفاق والعداء الذي كان يتّسم به بنو اُميّة وما كان يُضمِرهُ حكّامهم للإسلام.ولقد وقف الإمام الحسين(عليه السلام) الي جانب أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) وعايش جميع الأحداث التي مرّ بها أخوه، وكانا علي اتّفاق تامّ في الرأي والموقف، يعاضده في توجيه الاُمّة وإنقاذها بعد أن رأي كيف أنّ انحراف السقيفة تكاملت أدواره في هذه المرحلة، وقد سري هذا الانحراف في جسد الاُمّة حتي غدت لا تتحفّز لنهضة الإمام الحسن(عليه السلام) ولا تستجيب لأوامره.وأحاط الإمام الحسن(عليه السلام) بكلّ مادبّره معاوية من المكائد والدسائس، وأصبحت الأكثرية من جيش العراق في قبضة معاوية بن أبي سفيان وطغمته، بعد أن كان يمثّل جيش العراق العمود الفقري لجيش الإمام عليّ(عليه السلام).ولم يكن ليخفي علي الإمام الحسين(عليه السلام) أنّ المعركة _ لوقدّر للإمامالحسن أن يدخلها مع معاوية _ ستكون لصالح الأخير، وستنتهي حتماً إمّا بقتل الحسن والحسين وجميع الهاشميّين وخُلَّص شيعتهم، أو ستنتهي بأسرهم، في الوقت الذي تحتاج فيه الاُمّة الإسلامية إلي وجود الإمام المعصوم بينها لإنقاذ ما تبقّي وبناء ما تهدّم؛ فإنّ الرسالة الإسلامية خاتمة الرسالات ولابدّ من إتمام ما بناه الرسول (صلي الله عليه وآله) والإمام عليّ بن

أبي طالب(عليه السلام).ومن ذلك تبيّن أنّ ما رواه بعض المؤرّخين من أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان كارهاً لما فعله الإمام الحسن(عليه السلام) وأنّه قال له: «اُنشدك الله أن لا تصدّق اُحدوثة معاوية وتكذّب اُحدوثة أبيك» وأنّ الحسن قال له: «اُسكت أنا أعلم منك»... يتبيّن أنّ هذه المرويّات لا أساس لها من الصحة [133] .هذا بالاضافة الي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان أبعد نظراً وأعمق غوراً في الاُمور ومعطياتها من أفذاذ عصره الذين قدّروا للحسن(عليه السلام)موقفه الحكيم الذي لم يكن هناك مجال لاختيار موقف سواه، وكان(عليه السلام) أرفع شأناً من أن تخفي عليه المصلحة التي أدركها غيره فيما فعله أخوه حتي يقف منه ذلك الموقف المزعوم.ولا يشكّ المعتقدون بإمامة وعصمة الإمامين الحسنين(عليهما السلام) في عدم صحة الروايات التي تحدّثت عن معارضة الإمام الحسين(عليه السلام) لموقف أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) من الصلح مع معاوية.فإذا كان الحسنان (عليهما السلام) إمامين مفترضي الطاعة؛ كان كلّ ما قاما به هو محض التكليف الإلهي، وطبقاً لما أراده الله تعالي لهما، فليس ثمّة مجال لمثل تلك الروايات.ويشهد علي قولنا هذا روايات معتبرة تعارض تلك الروايات غير الصحيحة، منها ما يلي:1 _ قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر الناس بجهالته [134] .2 _ سأل رجل أبا الحسن الإمام الرضا(عليه السلام) فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم، قال: مثل طاعة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟ فقال: نعم [135] .3 _ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال له حمران: جُعلت فداك، أرأيت ما كان من أمر عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّوجلّ وما اُصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتي

قُتلوا أو غلبوا؟ فقال أبوجعفر(عليه السلام): يا حُمران! إنّ الله تبارك وتعالي قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثمّ أجراه، فبتقدّم علم ذلك اليهم من رسول الله(صلي الله عليه وآله) قام عليّ والحسن والحسين وبعلم صمت من صمت منّا [136] .4 _ وعن عظيم أخلاق الحسين(عليه السلام) واحترامه لأخيه الحسن(عليه السلام)قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام): ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له [137] .5 _ قال أبو عبد الله(عليه السلام): إنّ معاوية كتب الي الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما أن أقدم أنت والحسين وأصحاب عليّ، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعدّ لهم الخطباء... ثمّ قال: يا قيس! قم فبايع، فالتفت الي الحسين(عليه السلام) ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس! إنّه إمامي (يعني الحسن(عليه السلام)) [138] .

احترام الامام الحسين لبنود صلح الامام الحسن

استشهد الإمام الحسن(عليه السلام) سنة (49) أو (50) للهجرة، ومات معاوية سنة (60) للهجرة، وفي هذه المدة كانت الإمامة والقيادة للإمام الحسين(عليه السلام) ولم تجب عليه طاعة أحد، لكنّه(عليه السلام) ظلّ ملتزماً ببنود معاهدة الصلح التي عقدها أخوه الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية، فلم يصدر عنه أيّ موقف ينتهك به بنود المعاهدة المذكورة. بل لمّا طالبه بعض الشيعة بالقيام والثورة علي معاوية، أوصاهم بالصبر والتقية مشيراً الي التزامه بالمعاهدة، وأنّه سيكون في حِلٍّ من المعاهدة بموت معاوية.

رسالة جعدة بن هبيرة الي الامام الحسين

كان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب من أخلص الناس للإمام الحسين(عليه السلام) وأكثرهم مودّة له، وقد اجتمعت عنده الشيعة وأخذوا يلحّون عليه في مراسلة الإمام للقدوم الي مصرهم الكوفة ليعلن الثورة علي حكومة معاوية، فدفع جعدة رسالة إلي الإمام الحسين(عليه السلام) هذا نصها: «أمّا بعد، فإن من قبلنا من شيعتك متطلّعة أنفسهم اليك، لا يعدلون بك أحداً، وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في الحرب، وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة علي أعدائك والشدّة في أمر الله، فإن كنت تحبّ أن تطلب هذا الأمر فاقدم علينا، فقد وطنّا أنفسنا علي الموت معك» [139] .فأجابه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «أمّا أخي فإنّي أرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدّده، وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذاك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً، فإن يُحدث الله به حدثاً وأنا حيّ كتبت اليكم برأيي، والسلام».يتبيّن ممّا تقدّم أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) _ انطلاقاً من مسؤوليته الشرعية _ اتّبع أخاه الإمام الحسن(عليه السلام) في مسألة الصلح مع معاوية، وقد قبله والتزم به طيلة حكم معاوية، بل إنّ عشرات الشواهد تؤكّد أنّهما كانا منسجمين في تفكيرهما ونظرتهما

إلي الاُمور ومعطياتها ومتّفقين في كلّ ما جري وتمّ التوصل اليه.وكما نسبوا إلي الإمام الحسين(عليه السلام) ذلك فقد نسبوا إلي الإمام الحسن(عليه السلام) أيضاً أنّه كان علي خلاف مع أبيه! في كثير من مواقفه السياسية قبيل خلافته وخلالها. ومن الواضح أنّ الهدف من أمثال هذه المزاعم هو زرع الشكّ في نفوس الاُمّة بالنسبة للموقع الريادي للإمامين الشرعيين الحسن والحسين(عليهما السلام) بغية ايجاد الفرقة والاختلاف كي يبتعد الناس عنهما.

استشهاد الامام الحسن

أقام الإمام الحسن(عليه السلام) بالكوفة أيّاماً بعد أن صالح معاوية، ثمّ عادمع أخيه الإمام الحسين(عليه السلام) وجميع أهل بيته الي المدينة، فأقام بها كاظماً غيظه لازماً منزله منتظراً لأمر ربّه جلّ اسمه [140] وكما ذكرنا فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) رفض التحرّك ضد معاوية ما دام حيّاً، التزاماً بمعاهدة الصلح التي كان قد عقدها أخوه الحسن(عليه السلام) معه.وقد اهتمّ الإمامان(عليهما السلام) في المدينة بالعبادة وترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الناس وتوضيح الأحكام الإسلامية للناس وإرشادهم وهدايتهم والعمل من أجل تربية جيل واع يتحمّل مسؤوليته تجاه الظلم والفساد والانح_راف الحاصل ف_ي مسي_رة الاُمّة. وفي هذه السنوات العشر _ كما دوّنته جملة من مصادر التاريخ الإسلامي _ قد حدثت عدّة مناوشات كلامية من جانب الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) بالنسبة لتصرفات معاوية وجملة من عناصر بلاطه.

عصر الامام الحسين

حكومة معاوية و دورها في تشويه الاسلام

اشاره

أمسك معاوية والطغمة الفاسدة من بني اُميّة بزمام الحكم، وأكملوا بذلك الانحراف الذي حصل من السقيفة، حيث حوّل معاوية الخلافة إلي ملك عضوض مستبدّ، حين صرّح بعدائه للاُمة الإسلامية واعترف بعدم رضي الاُمّة به حاكماً بقوله: والله ما ولّيتها _ أي الخلافة _ بمحبّة علمتها منكم ولا مسرّة بولايتي ولكن جالدتكم بسيفي [141] .ولكنّ معاوية والتيار الذي تزعّمه واجه عقبةً كؤوداً، هي تطبيق الإمام عليّ(عليه السلام) لأحكام الشريعة الإسلامية بصورتها الصحيحة. مضافاً إلي أ نّه لم يترك الاُمّة حتي عمّق العقيدة في النفوس، فأحبّته الجماهير _ وخصوصاً أهل العراق _ وكان في ذلك حريصاً علي الرسالة والاُمّة الإسلامية ومفنّداً مزاعم أرباب السقيفة حين عبّر أبو بكر عن عجزه واعتذر عن كثرة أخطائه بقوله: فإني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم [142] فإنّ هذا الاعتذار قد يفهم منه عدم إمكان التطبيق التام للشريعة الإسلامية. ولكنّ

الإمام عليّاً(عليه السلام) قد قدّم النموذج الحيّ للقيادة الكفوءة الواعية والمعصومة بعد الرسول(صلي الله عليه وآله)، فكانت الاُمّة المسلمة تتوقّع قائداً كعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).ولكن معاوية شرع في تشويه هذه القيم الإسلامية ومحاربة القوي المتعاطفة مع أهل البيت(عليهم السلام) وهدم كلّ ما بناه الإمام عليّ(عليه السلام) في الاُمّة الإسلامية من قيم فتفقد إرادتها ويموت ضميرها لئلاّ تكون قادرة علي مواجهة أهواء الحكّام المخالفة للدين الحنيف. لقد أعلن معاوية _ منذ أوّل خطوة _ أنّ هدفه الأساس هو استلام زمام الحكم حتّي لو اُريقت من أجله دماء المسلمين المحرّمة بكلمته المعروفة: والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم [143] .

منهج معاوية لمحاربة الاسلام
اشاره

ولابدّ لنا من دراسة موجزة للمخطّطات الشيطانية التي تبنّاها معاويةوما رافقها من الأحداث الجسام، فإنّها من أهمّ الأسباب في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام).لقد رأي الامام(عليه السلام) ما وصل اليه حال المسلمين من التردّي عقائدياً وأخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.وكان كل هذا التردّي من جرّاء السياسات التي أبعدت الاُمّة عن مسار الإسلام الأصيل من خلال ممارسات معاوية التي بلغت ذروتها في فرض يزيد بالقوة خليفةً علي المسلمين، فهبّ _ سلام الله عليه _ بعد هلاك معاوية الي تفجير ثورته الكبري التي أدّت الي إيقاظ النفوس وتحريك إرادة الاُمّة.واليك بعض معالم سياسات الجاهلية الاُموية التي تصدّي لتنفيذها معاوية:

سياسته الاقتصادية
اشاره

لم تكن لمعاوية أيّة سياسة اقتصادية في المال حسب المعني المتداول لهذه الكلمة، وإنّما كان تصرّفه في جباية الأموال وإنفاقها خاضعاً لرغباته وأهوائه، فهويهب الثراء العريض للمؤيدين له ويحرم معارضيه من العطاء، ويأخذ الأموال ويفرض الضرائب بغير حقّ، وقد شاع في عصر معاوية الفقر والحرمان عند الأكثرية الساحقة من المسلمين، فيما تراكمت الثروات عند فئة قليلة راحت تتحكّم في مصير المسلمين وشؤونهم، وهذه بعض الخطوط الرئيسة في سياسته الاقتصادية:

الحرمان الاقتصادي
اشاره

أشاع معاوية الحرمان الاقتصادي في الأقطار التي كانت تضمّ الجبهة المعارضة له، مثل:

يثرب

لم ينفق معاوية علي أهل يثرب أي شيء من المال، لان فيهم كثيرا من الشخصيات المعارضة للاسرة الاموية و الطامعة في الحكم، يقول المؤرخون: ان معاوية اجبرهم علي بيع املاكهم فاشتراها بابخس الاثمان، و قد ارسل قيما علي املاكه لتحصيل وارداتها فمنعوه عنها، و قابلوا حاكمهم عثمان بن محمد و قالوا له: ان هذه الاموال لنا كلها، و ان معاوية آثر علينا في عطائنا، و لم يعطنا درهما حتي مضنا الزمان و نالتنا المجاعة، فاشتراها بجزء من مائة من ثمنها، فرد عليهم حاكم المدينة بأقسي القول و امره. [144] .و قد نصب معاوية علي الحجاز مروان بن الحكم تارة و سعيد بن العاص مرة اخري، و كان يعزل الاول و يولي الثاني، و قد جهدا معا في اذلال اهل المدينة و افقارهم.

العراق

فرض معاوية علي أهل العراق عقوبات اقتصاديةً بصفته المركز الرئيسي للمعارضة، وكان واليه المغيرة بن شعبة يحبس العطاء والأرزاق عن أهل الكوفة، وقد سار الحكّام الاُمويون بعد معاوية علي هذا النهج في اضطهاد أهل العراق وحرمانهم [145] ، باعتبارهم الثقل الأكبر في الخطّ الواعي الذي وقف مع أمير المؤمنين (عليه السلام).

استخدام المال لتثبيت ملكه

استخدم معاوية بيت المال لتثبيت ملكه وسلطانه، واتّخذ المال سلاحاً يمكّنه من التسلّط علي الاُمّة، فقد كان من عناصر سياسة الاُمويين استخدام المال سلاحاً للإرهاب وأداةً للتقريب، فحرم منه فئةً من الناس، وأغدق أضعافاً مضاعفة لطائفة اُخري ثمناً لضمائرهم وضماناً لصمتهم [146] .ووهب معاوية خراج مصر لعمرو بن العاص، وجعله طعمة له مادام حيّاً، وذلك لتعاونه معه علي مناجزة أمير المؤمنين(عليه السلام) [147] .

شراء الذمم

فتح معاوية باباً جديداً في سياسته الاقتصادية وهي شراء الذمم، فقد أعلن عن ذلك بكل دناءة قائلاً: والله لأستميلنّ بالأموال ثقات عليّ، ولاُقسّمنّ فيهم الأموال حتي تغلب دنياي آخرته [148] .كما روي أنّه وفد عليه جماعة من أشراف العرب فأعطي كلّ واحد منهم مائة ألف درهم، وأعطي الحتات عمّ الفرزدق سبعين ألفاً، فلمّا علم الحتات بذلك رجع مغضباً الي معاوية، فقال له بلا خجل ولا حياء: إنّي اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك الي دينك.فقال الحتات: اشتر منّي ديني. فأمرله بإتمام الجائزة [149] .

ضريبة النيروز

فرض معاوية علي المسلمين ضريبة النيروز في بدعة سنّها من غير دليل في الشريعة الاسلامية، ليسدّ بها نفقاته، وبالغ في إرهاق الناس واضطهادهم علي أدائها، وقد بلغت فيما يقول المؤرخون: عشرة ملايين درهم، وهي من الضرائب التي يألفها المسلمون، وقد اتّخذها الحكّام من بعده سنّةً فأرغموا المسلمين علي أدائها [150] .

سياسة التفرقة
اشاره

بني معاوية سياسته علي تفريق كلمة المسلمين، إيماناً منه بأنّ الحكم لا يستقرّ له إلاّ بإشاعة العداء بين أبناء الاُمّة الإسلامية، «وكانت لمعاوية حيلته التي كرّرها وأتقنها وبرع فيها، واستخدمها مع خصومه في الدولة من المسلمين وغير المسلمين، وكان قوام تلك الحيلة، العمل الدائب علي التفرقة والتخذيل بين خصومه بإلقاء الشبهات بينهم وإثارة الإحن فيهم، ومنهم من كان من أهل بيته وذوي قرباه... كان لا يطيق أن يري رجلين ذوي خطر علي وفاق، وكان التنافس الفطري بين ذوي الأخطار ممّا يعينه علي الإيقاع بهم» [151] .

اضطهاد الموالي

بالغ معاوية في اضطهاد الموالي وإذلالهم، وقد رام أن يبيدهم إبادةً شاملةً. يقول المؤرخون: إنّه دعا الأحنف بن قيس وسمرة بن جندب وقال لهما: إنّي رأيت هذه الحمراء قد كثرت، وأراها قد قطعت علي السلف، وكأنّي أنظر الي وثبة منهم علي العرب والسلطان، فقد رأيت أن أقتل شطراً منهم، وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق [152] .

العصبية القبلية

أحيي معاوية العصبيات القبلية، وقد ظهرت في الشعر العربي صور مريعة ومؤلمة من ألوان الصراع الذي كانت السلطة الاُموية تختلقه لإشغال الناس عن التدخّل في الشؤون السياسية، وقال المؤرّخون:إنّ معاوية عمد الي إثارة الأحقاد القديمة بين الأوس والخزرج محاولاً بذلك التقليل من أهمّيتهم، وإسقاط مكانتهم أمام العالم العربي والإسلامي، كما تعصّب لليمنيّين علي المضريّين، وأشعل نار الفتنة فيما بينهم حتي لا تتّحد لهم كلمة تضرّ بمصالح دولته [153] .

سياسة البطش والجبروت

ساس معاوية الاُمّة بسياسة البطش والقمع، فاستهان بمقدّراتها وكرامتها، وقد أعلن _ بعد الصلح _ أنّه قاتل المسلمين وسفك دماءهم كي يتأمّر عليهم، وقد أدلي بتصريح عبّر فيه عن كبريائه وغطرسته فقال: نحن الزمان، من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتّضع [154] .وسار عمّاله وولاته علي هذه الخطّة الغادرة، فقد خاطب عتبة بن أبي سفيان المصريّين بقوله: فوالله لأقطعنّ بطون السياط علي ظهوركم.وجاء في خطاب لخالد القسري في أهل مكة: فإنّي والله ما اُوتي لي بأحد يطعن علي إمامه (يعني معاوية) إلاّ صلبته في الحرم [155] .

الخلاعة والمجون والاستخفاف بالقيم الدينية

عُرف معاوية بالخلاعة والمجون، يقول ابن أبي الحديد: كان معاوية أيام عثمان شديد التهتّك موسوماً بكلّ قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلاً؛ خوفاً منه إلاّ أنّه كان يلبس الحرير والديباج ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلاّت بها _ أي بالذهب _ وعليها جلال الديباج والوشي...ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنّه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام [156] .وروي عن عبد الله بن بريدة قوله: دخلتُ أنا وأبي علي معاوية فأجلسنا علي الفراش، ثم اُوتينا بالطعام فأكلنا ثم اُوتينا بالشراب فشرب معاوية! ثم ناول أبي فقال: ماشربته منذ حرّمه رسول الله(صلي الله عليه وآله) [157] .وثمة روايات عديدة تحدّثت عن أكل معاوية للربا، منها: أنّ معاويةباع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) نهي عن مثل هذا إلاّ مِثلاً بمثل، فقال معاوية: ما أري به بأساً. فقال له أبو الدرداء: من يُعذرُني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله وهو يخبرني عن رأيه! لا اُساكنك بأرض أنت بها. ثم

قدم أبو الدرداء علي عمر بن الخطّاب فذكر له ذلك، فكتب عمر الي معاوية: أن لاتبع ذلك إلاّ مثلاً بمثل ووزناً بوزن [158] .ومن مظاهر استخفاف معاوية بالقيم الاسلامية استلحاقه زياد بن عبيد الرومي وإلصاقه بنسبه من دون بيّنة شرعيّة، وإنّما اعتمد علي شهادة أبي مريم الخمّار وهو ممّا لا يثبت به نسب شرعي، وقد خالف بذلك قول رسول الله(صلي الله عليه وآله): «الولد للفراش وللعاهر الحجر» [159] .

اظهار الحقد علي النبي والعداء لاهل بيته

حقد معاوية علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) فقد مكث في أيام خلافته أربعين جمعةً لا يصلّي عليه، وسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال: لا يمنعني عن ذكره إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها» [160] وسمع المؤذّن يقول: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله...» واندفع يقول: لله أبوك يا ابن عبد الله، لقد كنت عالي الهمّة، ما رضيت لنفسك إلاّ أن يقرن اسمك باسم رب العالمين [161] .وسخّر معاوية جميع أجهزته للحطّ من قيمة أهل البيت(عليهم السلام) الذين هم وديعة رسول الله(صلي الله عليه وآله) حتي استخدم أخطر الوسائل في محاربتهم وإقصائهم عن واقع الحياة الإسلامية، وكان من بين مااستخدمه في ذلك:1 _ تسخير الوعّاظ ليحوّلوا القلوب عن أهل البيت(عليهم السلام).2 _ افتعال الأخبار علي لسان النبيّ(صلي الله عليه وآله) للحطّ من قيمة أهل البيت(عليهم السلام) وقد استفاد من أبي هريرة الدوسي، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، حيث اختلقوا مئات الأحاديث علي لسان النبيّ(صلي الله عليه وآله).3 _ استخدم معاوية معاهد التعليم وأجهزة الكتاتيب لتغذية النَشْء ببغض أهل البيت(عليهم السلام) وخلق جيل معاد لهم.وتمادي معاوية في عدائه لأمير المؤمنين(عليه السلام) فأعلن سبّه ولعنه في نواديه العامة والخاصة، وأوعز الي جميع

عمّاله وولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس، وسري سبّ الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم: أيّها الناس، إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال لي: إنّك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة _ يعني الشام _ فإنّ فيها الأبدال وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب [162] .

العنف مع شيعة اهل البيت

اضطُهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً، ومورس معهم أشدُّ أنواع القمع والقهر. وقد وصف الإمام محمد الباقر(عليه السلام) الإرهاب الاُموي بقوله(عليه السلام): «وقتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقطعت الأيدي والأرجل علي الظنّة، وكان من يُذكر بحبّنا والانقطاع الينا سُجن أو نهب ماله أوهدمت داره» [163] .وعمد معاوية الي إبادة القوي المفكّرة والواعية من الشيعة، وقد ساق أفواجاً منهم الي ساحات الإعدام، من قبيل: حجر بن عدي ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي وأوفي بن حصن.ولم يقتصر معاوية علي تنكيله برجال الشيعة، وإنّما تجاوز ظلمه الي نسائهم، فأشاع الذعر والإرهاب في العديد منهنّ مثل: الزرقاء بنت عدي وسودة بنت عمارة واُم الخير البارقيّة.وأوعز معاوية الي جميع عمّاله بهدم دور الشيعة ومحو أسمائهم من الديوان وقطع عطائهم ورزقهم، كذلك عهد الي عمّاله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره مبالغة في إذلالهم وتحقيرهم.إنّ انحرافات معاوية وجرائمه لا يمكن استيعابها في هذه الإشارات السريعة، وهي تتطلّب كتاباً خاصاً بها لكثرتها وسعتها، ولقد كنّا نرمي في الدرجة الاُولي من هذه الإشارات إلي التمهيد للتطرّق إلي ذِكر جريمته الكبري التي أدّت بالإمام الحسين(عليه السلام) إلي إعلان ثورته، هذه الجريمة التي تمثّلت في فرض ابنه يزيد الفاسق وليّاً للعهد.

فرض البيعة بالقوة ليزيد الفاجر

لقد كانت الخلافة أيام أبي بكر وعمر وعثمان ذات مسحة إسلامية وكانوا يحكمون تحت شعار خلافة الرسول (صلي الله عليه وآله).علي أنّ معاوية حينما بدأ بالسيطرة علي زمام السلطة فإنّه _ رغم الخداع والتضليل الذي عرفنا شيئاً عنه _ لم يجترئ علي تحدّي الرسول (صلي الله عليه وآله) ورسالته بشكل علني وصريح في بداية حكمه؛ إذ كان يستغل المظاهر الإسلامية لإحكام القبضة ولتحقيق مزيد من السيطرة علي رقاب أبناء الاُمّة الإسلامية. ومن هنا وصف

معاوية بالدهاء والذكاء المفرط؛ لأنه كان يُلبس باطله لباساً إسلامياً.ولكن تحميله ليزيد الفاجر المعلن بفسقه علي الاُمّة جاء هتكاً صريحاً للقيم الإسلامية واستهتاراً واضحاً لعرف المسلمين ؛ وذلك لما عرفه المسلمون جميعاً من أنّ الخلافة الإسلامية ليست حكماً قيصرياً ولا كسروياً لينتقل بالوراثة، ولا يستحق هذا المنصب إلاّ العالم بالكتاب والسنّة، العامل بهما والقادر علي تحقيق أهداف الرسالة الاسلامية وتطبيق أحكامها.هذا مضافاً إلي أنّ فرض البيعة ليزيد علي المسلمين كان جريمة كبري ذات أبعاد اجتماعية وسياسية خطيرة تنتهي بتصفية الاسلام ومحوه من علي وجه الأرض، لولا ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) سبط الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) الحافظ لدين جدّه من الضياع والدمار.ولأجل الوقوف علي عظمة هذه الجريمة؛ لابدّ أن نعرف أوّلاً من هو يزيد؟ وما هو السبب الذي جعله غير صالح للخلافة؟ ولماذا يكون فرض بيعته عدواناً صريحاً علي الاسلام وارتداداً عنه وعودة الي الجاهلية التي ناهضها الاسلام؟

من هو يزيد بن معاوية

اشاره

قبل الحديث عن تولّي يزيد للحكم وموقف الإمام الحسين(عليه السلام) من ذلك لابدّ وأن نعرف من هو يزيد في منظار الإسلام والمسلمين؟ وما هو رأي الإسلام في البيت الاُموي بصورة عامة؟لا يشك أحد من الباحثين والمؤرّخين في أنّ الاُمويّين كانوا من ألدّ أعداء الإسلام وأنكد خصومه منذ أن بزغ فجره وحتي آخر مرحلة من مراحل حكمهم. وأنهم لم يدخلوا فيه إلاّ بعد أن استنفدوا جميع إمكاناتهم في محاربته حتّي باؤوا بالفشل. ولمّا دخلوا فيه مرغمين أخذوا يخطّطون لتشويه معالمه وإعادة مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها باُسلوب جديد وتحت ستار الإسلام.وكان معاوية يرتعش جزعاً ويضجر عندما كان يسمع النداء باسم النبي محمد بن عبد الله(صلي الله عليه وآله) ويشعر بانطلاق هذا الاسم المبارك في أجواء العالم الإسلامي من أعلي

المآذن في كلّ يوم.وهكذا كان غيره من حكّام ذلك البيت الذين حكموا باسم الإسلام وهم يعملون علي تقويضه وإبرازه علي غير واقعه وتشويه قوانينه وتشريعاته ومُثله.ويزيد بن معاوية الذي وقف الإمام الحسين (عليه السلام) منه ذلك الموقف الخالد كان كما يصفه المؤرّخون والمحدّثون مستهتراً الي حدّ الإسراف في الاستهتار، وممعناً في الفحشاء والمنكرات الي حدّ الغلوّ في ذلك [164] .

ولادة يزيد و نشأته و صفاته

ولد يزيد سنة (25 أو 26 ه_) [165] واُمّه ميسون بنت بجدل الكلبية، وقد ذكر المؤرّخون: أنّ ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها من نفسها، فحملت بيزيد _ لعنه الله _ والي هذا أشار النسّابة الكلبي بقوله:ف_إن يكن الزمان أت_ي علينا بقتل الترك والموت الوح_يفق_د قَتل الدعيُّ وعبدُ كلب ب_أرض الط_ف أولادَ النبيأراد بالدعيّ عبيد الله بن زياد لعنه الله... ومراده بعبد كلب يزيد بن معاوية، لأنّه من عبد بجدل الكلبي [166] .وفيما يتّصل بصفاته الجسميّة فقد وصفه ابن كثير _ في بدايته _ بأنّه كان كثير اللحم عظيم الجسم وكثير الشعر مجدوراً [167] .أمّا صفاته النفسية فقد ورث صفات الغدر والنفاق والطيش والاستهتار من سلفه، حتّي قال المؤرّخون: وكان يزيد قاسياً غدّاراً كأبيه، (إن كان من معاوية طبعاً) ولكنّه ليس داهيةً مثله، كانت تنقصه القدرة علي تغليف تصرّفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلوماسية الناعمة، وكانت طبيعته المنحلّة وخُلقه المنحطّ لا تتسرّب اليها شفقة ولا عدل. كان يقتل ويعذّب نشواناً للمتعة واللّذة التي يشعر بها، وهو ينظر الي آلام الآخرين، وكان بؤرة لأبشع الرذائل، وها هم ندماؤه من الجنسين خير شاهد علي ذلك، لقد كانوا من حثالة المجتمع [168] .وقد نشأ يزيد عند أخواله في البادية من بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل

الاسلام، وكان مرسل العنان مع شبابهم الماجنين فتأثّر بسلوكهم الي حد بعيد، فكان يشرب معهم الخمر ويلعب معهم بالكلاب.

ولع يزيد بالصيد

ومن مظاهر صفات يزيد ولعه بالصيد، فكان يقضي أغلب أوقاته فيه، قال المؤرّخون: كان يزيد بن معاوية كلفاً بالصيد لاهياً به، وكان يُلبِسُ كلابَ الصيد الأساورَ من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويهب لكلّ كلب عبداً يخدمه [169] .

شغفه بالقرود

وكان يزيد _ فيما أجمع عليه المؤرّخون _ ولعاً بالقرود، وكان له قرد يجعله بين يديه ويكنّيه بأبي قيس، ويسقيه فضل كأسه، ويقول: هذا شيخ من بني اسرائيل أصابته خطيئة فمسخ، وكان يحمله علي أتان وحشية ويرسله مع الخيل في حلبة السباق، فحمله يوماً فسبق الخيل فسرّ بذلك وجعل يقول:تمسّك أبا قيس بفضل زم_امها فليس عليها إن سقطتَ ضمانُفقد سبقتَ خيل الجماعة كلّها وخيل أمي_ر الم_ؤمنين أت_انُوأرسله مرّةً في حلبة السباق فطرحته الريح فمات فحزن عليه حزناً شديداً، وأمر بتكفينه ودفنه كما أمر أهل الشام أن يعزّوه بمصابه الأليم، وأنشأ راثياً له:كم من كرام وقوم ذوو محافظة ج_اؤا لنا ليع_زوا ف_ي أبي قيسشي_خ العشيرة أمضاها وأجملها علي الرؤوس وفي الأعناق والريسلا يُبع_د الله قبراً أنت س_اكنه فيه جم_ال وفي_ه لحي_ة التيس [170] .وذاع بين الناس هيامه وشغفه بالقرود حتي لقّبوه بها، ويقول رجل من تنوخ هاجياً له:يزيد ص_ديق القرد ملّ جوارنا فح_نّ ال_ي أرض القرود يزيدفتبّاً لم_ن أمس_ي علينا خليفة صح_ابته الأدن_ون منه قرود [171] .

ادمانه علي الخمر

والظاهرة البارزة من صفات يزيد إدمانه علي الخمر حتي أسرف في ذلك الي حد كبير، فلم يُرَ في وقت إلاّ وهو ثمل لا يعي من فرط السكر، ومن شعره في الخمر:أقول لصحب ضمّت الخمر شملهم وداع_ي صباب_ات الهوي يترنّمخ_ذوا بنصيب م____ن نعيم ول_ذّة فك_لّ وإن طال المدي يتصرّم [172] .وينقل المؤرّخون عن عبد الله بن حنظلة الذي خرج علي يزيد بعد أن اصطحب وفداً من أهل المدينة الي الشام في أعقاب استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وصفه ليزيد بقوله: والله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أننُرمي بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح الاُمهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة،

والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله بلاءً حسناً [173] .وقال أعضاء الوفد: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويلعب بالكلاب [174] .ونقل عن المنذر بن الزبير قوله في وصفه: والله إنّه ليشرب الخمر، والله إنّه ليسكر حتي يدع الصلاة [175] .ووصفه أبو عمر بن حفص بقوله: والله رأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة مسكراً... [176] .ويتبدّي الكفر في وصفه للخمر في الأبيات الآتية:شميسة ك_رم برجه_ا قعردنِّها ومش_رقها الساق_ي ومغربها فمياذا اُنزلت من دنِّها في زج_اجة حك_ت نف_راً بين الحطيم وزمزمِفإن حَرُمَتْ يوماً علي دين أحمد فخذها علي دين المسيح ابن مريمِ [177] .وعنه قال المسعودي: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة علي الشراب، وجلس ذات يوم علي شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل علي ساقيه فقال:إسقني شربةً تُروّي مُشاش_ي ثم مِ_لْ فاسقِ مثلها ابن زيادِصاحب السرّ والأمانة عن_دي ولتس_ديد مغنمي وجهاديثم أمر المغنّين فغنّوا، وغلب علي أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب [178] .ويؤكّد في مكان آخر: وكان يسمّي يزيد السكران الخمّير [179] .وكان ليزيد جماعة من الندماء الخليعين والماجنين يقضي معهم لياليه الحمراء بين الشراب والغناء «وفي طليعة ندمائه الأخطل الشاعر المسيحي الخليع، فكانا يشربان ويسمعان الغناء، وإذا أراد السفر صحبه معه، ولمّا هلك يزيد وآل أمر الخلافة الي عبد الملك بن مروان قرّبه، فكان يدخل عليه بغير استئذان، وعليه جبّة خزّ، وفي عنقه سلسلة ذهب، والخمر يقطرمن لحيته» [180] .إن مطالعة الحياة الماجنة ليزيد في حياة أبيه تكفي لفهم دليل امتناع عامة الصحابة

والتابعين من الرضوخ لبيعة يزيد بالخلافة.إنّ نوايا يزيد ونزعاته المنحرفة قد تجلّت بشكل واضح خلال فترة حكمه القصيرة، حتي أنّه لم يبال بإظهار ما كان يضمره من حقد للرسول(صلي الله عليه وآله) وما كان ينطوي عليه من إلحاد برسالته (صلي الله عليه وآله) بعد أن دنّس يديه بقتل سبط الرسول وريحانته أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) وهو متسلّط _ بالقهر _ علي رقاب المسلمين باسم الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله).

الحاد يزيد و حقده علي رسول الله

لقد أترعت نفس يزيد بالحقد علي الرسول(صلي الله عليه وآله) والبغض له، لأنّه وتره باُسرته يوم بدر، ولمّا أباد العترة الطاهرة جلس علي أريكة الملك جذلان مسروراً، فقد استوفي ثأره من النبيّ(صلي الله عليه وآله) وتمنّي حضور أشياخه ليروا كيف أخذ بثأرهم، وجعل يترنّم بأبيات عبدالله بن الزبعري:ليت أشياخي ببدر شه_دوا جزع الخزرج من وقع الأسلْلأهلّ_وا واستهلّ_وا ف_رحاً ثم ق_الوا ي_ا يزيد لا تشلْقد قتلنا القرم من أشياخه_م وع_دلناه بب_در ف_اعتدلْلعب_ت ه_اشم ب_الملك فلا خ_بر ج_اء ولا وحي نزلْلست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعلْ [181] .بل إنّ يزيداً جاهر بإلحاده وكفره عندما تحرّك عبدالله بن الزبير ضدّه في مكة، فقد وجّه جيشاً لإجهاض تحرّك ابن الزبير وزوّده برسالة اليه، ورد فيها البيت الآتي:ادع إلهك في السماء ف_إنّني أدعو عليك رجال عك وأشعرا [182] .

جرائم حكم يزيد

ذكر المؤرّخون أنّ يزيد ارتكب خلال فترة حكمه القصيرة التي لم تتجاوز ثلاث سنين ونصف، ثلاث جرائم مروّعة لم يشهد لها التأريخ نظيراً، بحيث لم تسوّد تأريخ الاُمويّين الي الأبد فحسب؛ وإنّما شوّهت تأريخ العالم الإسلامي كذلك، ومن هذه الجرائم:1 _ انتهاك حرمة أهل بيت الوحي بقتل الإمام الحسين السبط(عليه السلام) ومن معه من اُسرته وأصحابه وسبي نسائه وأطفاله وعرضهم علي الجماهير من بلد الي بلد سنة (61 ه_) وهم ذرية رسول الله(صلي الله عليه وآله) وملايين المسلمين تقدّسهم وتذكر فيهم الرسول(صلي الله عليه وآله) وكلّ ما في الإسلام من حقّ وخير.2 _ إقدامه بعد ملحمة عاشوراء علي انتهاك حرمة مدينة الرسول(صلي الله عليه وآله) وقتل أهلها وإباحة أعراضهم لجيش الشام، لأنّهم استعظموا قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأنكروه عليه.3 _ إقدامه علي حصار مكّة وتدمير

الكعبة وقتل آلاف الأبرياء في الحرم الذي جعله الله حراماً وآمناً.

السر الكامن وراء نزعات يزيد الشريرة

رجّح بعض المؤرّخين أنّ بعض نساطرة النصاري تولّي تربية يزيد وتعليمه، فنشأ نشأةً سيّئة ممزوجةً بخشونة البادية وجفاء الطبع، وقالوا: إنّه كان من آثار تربيته المسيحية أنّه كان يقرّب المسيحيين ويكثر منهم في بطانته الخاصة، وبلغ من اطمئنانه إليهم أن عهد بتربية ولده الي مسيحي، كما اتّفق علي ذلك المؤرّخون [183] .ولا يمكن أن تعلّل هذه الصلة الوثيقة وتعلّقه الشديد بالأخطل وغيره إلاّ بتربيته ذات الصبغة المسيحية. هكذا حاول بعض المؤرّخين والكتّاب أن يعلّل استهتار يزيد بالإسلام ومقدّساته وحرماته.وهذا التعليل يمكن أن يكون له مايسوّغه لو كانت لحياة البادية وللتربية المسيحية تلك الصبغة الشاذّة التي برزت في سلوك يزيد من مطلع شبابه إلي أن أصبح وليّاً لعهد أبيه وحاكماً من بعده.في حين أن العرب في حاضرتهم وباديتهم كانت لهم عادات وأعراف كريمة قد أقرّها الإسلام كالوفاء وحسن الجوار والكرم والنجدة وصون الأعراض وغير ذلك ممّا تحدّث به التأريخ عنهم، ولم يعرف عن يزيد شيء من ذلك، كما وأنّ التأريخ لم يحدّث عنهم بأنّهم استحلّوا نكاح الأخوات والعمّات كما حدّث التأريخ عنه. والذين ولدوا في البادية علي النصرانية طيلة حياتهم قبل الفتح الإسلامي وعاشوا في ظلّ أعرافها وعاداتها حينما دخلوا في الإسلام تغلّبوا علي كلّ ما اعتادوه وألفوه عن الآباء والأجداد.فلابدّ إذن من القول بأنّ لذلك الانحراف الشديد والوبيء في شخصية يزيد وسلوكه سبباً وراء التربية والحضانة المسيحية.الي هنا نكون قد وقفنا علي صورة واضحة عن واقع شخصية يزيد المنحرفة عن خطّ الاسلام انحرافاً لا يسوغ لأيّ مسلم الانقياد لها والسكوت عليها ما دام الاسلام يمنع الإباحية والفسق ويدعو الي العدل والتقوي، ويحاول تحقيق مجتمع

عامر بالتقوي، ويريد للمسلمين قيادة تحرص علي تحقيق أهداف الإسلام المُثلي.ومن هنا كان علينا أن نطالع بدقّة كل مواقف الإمام الحسين (عليه السلام) باعتباره القائد الرسالي الحريص علي مصالح الرسالة والاُمّة الاسلامية وندرس تخطيطه الرسالي للوقوف أمام الانحراف الهائل الذي كان يمتدّ بسرعة في أعماق المجتمع الاسلامي آنذاك

مواقف الامام الحسين و انجازاته

موقفه من البيعة ليزيد

دعوة انتهازية وخطة شيطانية

عندما ارتفعت راية الحقّ مرفرفةً فوق ربوع مكّة ومعلنةً عن انتصارها؛ دخل أبو سفيان ومعاوية في الإسلام ونار الحقد تستعر في قلبيهما ونزعة الثأر من الرسول(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) تكمن في صدريهما، فتحوّلا من كونهما كافرين الي كونهما مستسلِمَين طليقين من طلقاء الرسول(صلي الله عليه وآله). ولم يطل العهد حتي حكم عثمان بن عفان فتسرّب ما كان مختبئاً في القلب وظهر علي لسان أبي سفيان وهو يخاطب عثمان بقوله: صارت إليك بعد تيم وعديّ فأدرها كالكرة فإنّما هو الملك ولا أدري ما جنّة ولا نار [184] .وخاطب أبو سفيان بني اُميّة ثانيةً: يا بني اُميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرنّ إلي صبيانكم ورثة [185] .وحين أطلّ معاوية من نافذة السقيفة علي كرسيّ الحكم بانت نتائج الانحراف واتّضحت خطورته؛ فإنّه قد لاحظ، أنّ أبا بكر وعمر وعثمان قد ملكوا قبله ولم تسمح لهم الظروف بإعادة صرح الجاهلية من جديد، ولا زال صوت الحقّ هادراً كلّ يوم بالتوحيد وبالرسالة لمحمّد بن عبدالله(صلي الله عليه وآله) [186] .كما أنّ الانحراف السياسي الذي ولّدته السقيفة وتربّت عليه فئات من الاُمّة استثمره معاوية أ يّما استثمار، فقد احتجّ علي الناس بأنّ أبا بكر بويع بدون نصّ سماويّ أو أمر من رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأنّه خالف سيرة رسول الله(صلي الله

عليه وآله) إذ جعل عمر خليفةً من بعده، وصنع عمر ما لم يصنعه قبله وخالف بذلك الله ورسوله وأبا بكر. ووفق هذا المنطق فإنّ الاُمّة ومصير الرسالة الإسلامية تكون اُلعوبة بيد معاوية يسوسها كيف يشاء. من هنا قرّر أن يبايع بالخلافة ليزيد [187] من بعده.وقد خلت الساحة السياسية للزمرة الاُمويّة بعد فتن ومصاعب أشعلها معاوية مستغلاًّ جهالة طبقات من الاُمّة، وموظّفاً كلّ الطاقات التي وقفت ضدّ الإمام عليّ(عليه السلام) لصالحه في مواجهة تيار الحقّ بقيادة الإمام الحسن(عليه السلام). واستأثر بالحكم بعد قتله للإمام الحسن(عليه السلام) واستهتاره بقيم الإسلام وتعاليمه. وكان حاذقاً في إحكام سيطرته وملكه، ولكنّه لم يجرؤ لإعلان خطّته تثبيتاً لملك بني اُميّة باستخلاف يزيد من بعده وفي الاُمّة من هو صاحب الخلافة الشرعية وهو الإمام الحسن(عليه السلام) ومن بعده أخوه الإمام الحسين(عليه السلام) الذي كان علي الاُمّة أن تعود لقيادته بعد افتقادها للحسن(عليه السلام).يضاف إلي ذلك أنّ أحداً من الخلفاء الثلاثة لم يوصِ بالخلافة لولده من بعده. ونظراً لما كان ينطوي عليه يزيد من ضعف واستهتار ومجون فقد مضي معاوية بكلّ جدٍّ ليحبك الأمر ويدبّره بطريقة يخدع بها الاُمّة، بل يقهرها علي قبول البيعة ليزيد. من هنا بادر إلي قتل الإمام الحسن السبط(عليه السلام) وخيار المؤمنين في خطوة اُولي ليرفع بذلك أهمّ الموانع التي كانت تحول بينه وبين تنفيذ خطّته.علي أنّ أصحاب النفوس الرذيلة والمطامع الدنيوية علي استعداد تام لبلوغ أتفه المطامع من أيّ طريق كان. فقد روي أنّ المغيرة بن شعبة _ الذي كان والياً من قبل معاوية علي الكوفة _ علم بأنّ معاوية ينوي عزله فأسرع إلي نسج خيوط مؤامرة جلبت الويلات علي الاُمّة الإسلامية وليكون بذلك سمساراً يصافق علي ما

لا يملك؛ إذ همس في أذن يزيد يمنّيه بخلافة أبيه ويزيّن له الأمر ويسهّله. ووجد معاوية أنّ خطّة شيطانية يمكن أن يكون المغيرة عاملاً لتنفيذها [188] ، فسأله مخادعاً: ومن لي بهذا؟ فردّ عليه المغيرة: أكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. وهكذا قبض المغيرة علي ربح عاجل لصفقة مؤجّلة، ورجع الي الكوفة بكلّ قوّة لينفّذ الخطّة وهو يقول: لقد وضعت رِجل معاوية في غرز بعيد الغاية علي اُمّة محمّد [189] .ورفض زياد بن أبيه هذه الخطّة الخبيثة؛ ولعلّه لما كان يلمسه من رذائل في شخصية يزيد بحيث تجعله غير صالح لزعامة الاُمّة. وقد أثارت هذه الخطّة مطامع أطراف اُخري من بني اُميّة، فمدّ كل من مروان بن الحكم وسعيد بن عثمان بن عفان عنقه لذلك [190] .وجمّد معاوية رسمياً وبشكل مؤقّت خطّته لأخذ البيعة ليزيد ؛ وذلك ليتّخذ إجراءات اُخري تمهّد للإعلان الرسمي وفي الفرصة المناسبة لذلك.

اساليب معاوية لاعلان بيعة يزيد

اشارة

لمس معاوية رفض العائلة الاُموية المنحرفة لحكم يزيد من بعده، فكيف بصاحب الحقّ الشرعي _ الإمام الحسن(عليه السلام) ومن بعده الإمام الحسين(عليه السلام) _ وعدد من أبناء الصحابة؟!من هنا مضي جادّاً باتّخاذ سبل اُخري تتراوح بين مخادعة الاُمّة وبين قهرها بالقوّة علي بيعة الخليع يزيد، ومن تلك السبل:أ _ استخدام الشعراء لإسباغ فضائل علي يزيد ولبيان مقدرته وإشاعةأمره، لكي تخضع الاُمّة لولايته [191] ، وأوعز الي ولاته والخطباء في الأمصار لنشر تلك الفضائل المفتعلة.ب _ بذل الأموال الطائلة وشراء ذمم المعارضين ممّن كان يقف ضدّ يزيد لا بدافع العقيدة والحرص علي الإسلام وإنّما بدوافع شخصية وذاتية [192] .ج _ استقدام وفود من وجهاء الأنصار [193] ومناقشة قضية يزيد معهم لمعرفة الرافض

والمؤيّد منهم، ومعرفة نقاط الضعف لكي ينفذ منها إليهم.د _ إيقاع الخلاف بين عناصر بني اُميّة الطامعين في الحكم كي يضعف منافستهم ليزيد، فقد عزل عامله علي يثرب سعيد بن العاص واستعمل مروان ابن الحكم مكانه، ثم عزل مروان واستعمل سعيداً [194] .ه_ _ اغتيال الشخصيات الإسلامية البارزة والتي كانت تحظي باحترام كبير في نفوس الجماهير، فاغتال الإمام الحسن(عليه السلام) وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن خالد وعبد الرحمن بن أبي بكر [195] .و _ استخدام سلاح الحرمان الاقتصادي ضدّ بني هاشم للضغط عليهم وإضعاف دورهم، فقد حبس عنهم العطاء سنة كاملة [196] ؛ إذ وقفوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) يرفضون البيعة ليزيد.

محاولات الامام الحسين لايقاظ الامة
اشاره

لم يخلد الإمام الحسين(عليه السلام) إلي السكون والخمول حتي عند إقراره الصلح مع معاوية، فقد تحرّك انطلاقاً من مسؤوليّته تجاه الشريعة والاُمّة الإسلامية وبصفته وريث النبوّة _ بعد أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) _ مراعياً ظروف الاُمّة وساعياً إلي المحافظة عليها. وقد عمل الإمام(عليه السلام) في فترة حكم معاوية علي تحصين الاُمّة ضدّ الانهيار التام فأعطاها من المقوّمات المعنوية القدرَ الكافي، كي تتمكّن من البقاء صامدةً في مواجهة المحن. وإليك جملة من هذه المواقف:1 _ مواجهةُ معاوية وبيعةِ يزيد.2 _ محاولة جمع كلمة الاُمّة.3 _ فضح جرائم معاوية.4 _ استعادة حقّ مضيّع.5 _ تذكير الاُمّة بمسؤوليّاتها.

مواجهة معاوية و بيعة يزيد

أعلن الإمام الحسين(عليه السلام) رفضه القاطع لبيعة يزيد وكذا زعماء يثرب، فقرّر معاوية أن يسافر إلي يثرب ليتولّي بنفسه إقناع المعارضين، فاجتمع بالإمام وعبدالله بن عباس، فأشاد بالنبيّ(صلي الله عليه وآله) وأثني عليه، وعرض بيعة ابنه ومنحه الألقاب الفخمة ودعاهما الي بيعته، فانبري الإمام(عليه السلام) فحمد الله وأثني عليه ثم قال:«أمّا بعد يا معاوية فلن يؤدّي المادح وإن أطنب في صفة الرسول(صلي الله عليه وآله) وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) من إيجاز الصفة، والتنكّب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاوية!! فضح الصبحُ فحمةَ الدجي، وبهرت الشمسُ أنوار السرج، ولقد فضّلت حتي أفرطت، واستأثرت حتي أجحفت، ومنعت حتي بخلت، وجُرت حتي تجاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب، حتي أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل.وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لاُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله)، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصفُ محجوباً أوتنعت غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من

نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً.ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه! فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور وحنقاً في ظلم حتي ملأتَ الأسقية، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة، فتقدم علي عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تراثاً ولعمر الله لقد أورثنا الرسول(صلي الله عليه وآله) ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول(صلي الله عليه وآله) فأذْعنَ للحجّة بذلك وردّه الإيمان الي النصف.فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل، وقلتم كان ويكون حتي أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.وذكرتَ قيادةَ الرجلِ القومَ بعهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وتأميرَه له، وقد كان ذلك لعمرو ابن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وببعثه له وما صار لعمرو يومئذ حتي أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله، فقال (صلي الله عليه وآله) لاجَرَمَ يا معشرَ المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتجُّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف ضاهيتَ بصاحب تابعاً وحولك من يُؤمن في صحبته، ويُعتمد في دينه وقرابته، وتتخطّاهم الي مسرف مفتون؟ تريد أن تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين، وأستغفر الله لي ولكم.وذهل معاوية من خطاب الإمام(عليه السلام)، وضاقت عليه جميع السبلفقال لابن عباس: ما هذا يا ابن عباس؟ فقال ابن عباس: لعمرالله إنّها

لذرّية رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأحد أصحاب الكساء ومن البيت المطهّر، فاسأله عمّا تريد فإنّ لك في الناس مقنعاً حتي يحكم الله بأمره وهو خيرالحاكمين [197] .وقد اتّسم موقف الإمام الحسين(عليه السلام) مع معاوية بالشدّة والصرامة، وأخذ يدعو المسلمين علناً الي مقاومة معاوية، ويحذّرهم من سياسته الهدّامة التي تحمل الدمار الي الاسلام.

محاولة جمع كلمة الامة والاستجابة لحركة الجماهير

وأخذت الوفود تتري علي الإمام من جميع الأقطار الإسلامية وهي تعجّ بالشكوي وتستغيث به نتيجة الظلم والجور الذي حلّ بها، وتطلب منه القيام بإنقاذها من الاضطهاد، ونقلت العيون في يثرب الي السلطة المحلّية أنباء تجمّع الناس واختلافهم إلي الإمام(عليه السلام) وكان الوالي مروان بن الحكم، ففزع من ذلك وخاف من عواقبه جداً، فرفع مذكّرة الي معاوية جاء فيها: أمّا بعد فقد كثر اختلاف الناس الي الحسين، والله إنّي لأري لكم منه يوماً عصيباً [198] .واضطرب معاوية من تحرّك الإمام الحسين(عليه السلام) فكتب اليه رسالةً جاء فيها: أمّا بعد، فقد اُنهيت إليّ عنك اُمور، إن كانت حقّاً فإنّي لم أظنّها بك رغبة عنها، وإن كانت باطلة فأنت أسعد الناس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد الله توفي فلا تحملني علي قطيعتك والإساءة إليك، فإنّك متي تنكرني أنكرك، ومتي تكدني أكدك، فاتّق الله يا حسين في شقّ عصا الاُمّة، وأن تردّهم في فتنة [199] .

فضح جرائم معاوية

كتب الإمام(عليه السلام) الي معاوية مذكّرةً خطيرةً كانت ردّاً علي رسالته يحمّله فيها مسؤوليّات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء وفقدان الأمن وتعريض الاُمّة للأزمات. وتعدّ من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الأحداث التي صدرت من معاوية، وهذا نصّها: «أمّا بعد، بلغني كتابك تذكر فيه أ نّه انتهت اليك عنّي اُمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير، وأ نّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلاّ الله تعالي. أمّا ما ذكرت أ نّه رقي اليك عنّي فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون، ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً، و إنّي لأخشي الله في ترك ذلك منك، ومن الإعذار فيه إليك وإلي

أوليائك القاسطين حزب الظلمة.ألستَ القاتل حجر بن عدي أخاكندة وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولايخافون في الله لومة لائم؟ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيْمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة، جرأةً علي الله واستخفافاً بعهده.أولست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله(صلي الله عليه وآله) العبد الصالح الذي أبلتْه العبادة فنحل جسمُه واصفرّ لونُه؟ فقتلته بعد ما أمّنته وأعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال.أولستَ بمدّعي زياد بن سمية المولود علي فراش عبيد ثقيف، فزعمَت أ نّه ابن أبيك؟ وقد قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) «الولدُ للفراش وللعاهر الحجر» فتركت سنّة رسول الله(صلي الله عليه وآله) تعمّداً، وتبعت هواك بغير هديً من الله، ثم سلّطته علي أهل الإسلام يقتلهم ويقطعأيديهم وأرجلهم ويسملُ أعينهم ويصلبهم علي جذوع النخل، كأ نّك لست من هذهالاُمّة وليسوا منك.أوَلستَ قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد أ نّه علي دين عليّكرم الله وجهه، فكتبتَ إليه أن اقتل كلّ من كان علي دين عليّ؟ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودين عليّ هو دين ابن عمّه(صلي الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف.وقلت فيما قلت: اُنظر لنفسك ودينك ولاُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله) واتّق شقّ عصا هذه الاُمّة وأن تردّهم الي فتنة، وإنّي لا أعلم فتنةً أعظم علي هذه الاُمّة من ولايتك عليها، ولا أعظم لنفسي ولديني ولاُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله) أفضل من أن اُجاهرك، فإنْ فعلتُ فإنه قربة الي الله، وإن تركتُه فإنّي استغفر الله لديني واسأله توفيقه لإرشاد أمري.وقلت فيما قلت: إنّي إن

أنكرتك تنكرني، وإن أكدك تكدني، فكدني ما بدا لك، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك، وأن لا يكون علي أحد أضرّ منه علي نفسك، لأنّك قد ركبت جهلك وتحرّصت علي نقض عهدك، ولعمري ما وفيتَ بشرط، ولقد نقضتَ عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا أو قُتلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلَنا وتعظيمهم حقَّنا، مخافة أمر لعلّك إن لم تقتلهم مُتّ قبل أن يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا.فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ لله تعالي كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه علي التُّهم، ونفيك إيّاهم من دورهم الي دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث، يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغَشَشْتَ رعيّتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقيّ» [200] .ولا توجد وثيقة سياسية في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجّلت الجرائم التي ارتكبها معاوية غير هذه الوثيقة، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد.

استعادة حق مضيع

وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة لتدعيم ملكه، كما كان يهب الأموال الطائلة لبني اُميّة لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) يشجب هذه السياسة، ويري ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي، ولا يقوم إلاّ علي القمع والتزييف والإغراء. وقد اجتازت علي يثرب أموال من اليمن مرسولةً الي خزينة دمشق، فعمد الإمام(عليه السلام) الي الاستيلاء عليها ووزّعها علي المحتاجين، وكتب الي معاوية: «من الحسين بن عليّ الي معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فإنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً

وطيباً اليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهْل بني أبيك، وإنّي احتجتها اليها فأخذتها، والسلام» [201] .فأجاب معاوية: من عبدالله معاوية أمير المؤمنين الي الحسين بن عليّ، سلام عليك، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيراً مرّت بك من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليّ لأودعها خزائن دمشق واعُلّ بها بعد النهل بني أبي، وإنّك احتجت اليها فأخذتها، ولم تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه، وأيم الله لو تركت ذلك حتي صار إليّ لم أبخسك حظك منه، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوةً وبودّي أن يكون ذلك في زماني، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك، ولكنّي والله أتخوّف أن تبتلي بمن لا ينظرك فواق ناقة [202] .إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) دلّل بعمله علي أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه الذي ينفق أموال بيت المال وفق المعايير الإسلامية. وقد أكّد (عليه السلام) في رسالته علي أنّه لا يعترف رسمياً بخلافة معاوية؛ إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون. ومن هنا حاول معاوية الالتفاف علي موقف الإمام(عليه السلام) فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك، فقد بات موقف الإمام الحسين(عليه السلام) معياراً إسلامياً وملاكاً فارقاً وفاصلاً بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعاً علي مدي التأريخ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوي أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام.لقد كان موقف الإمام(عليه السلام) هذا إشارة واضحة للاعتراض علي تصرّفات وحكم

معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي.

تذكير الامة بمسؤوليتها

عقد الإمام(عليه السلام) في مكة مؤتمراً سياسيّاً عامّاً دعا فيه جمهوراً غفيراً ممّن شهد موسم الحجّ من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين، فانبري(عليه السلام) خطيباً فيهم، وتحدّث عمّا ألمّ بعترة النبيّ(صلي الله عليه وآله) وشيعتهم من المحن والإحن التي صبّها عليهم معاوية، وما اتّخذه من الإجراءات المشدّدة في إخفاء فضائلهم، وستر ما اُثر عن الرسول(صلي الله عليه وآله) في حقّهم، وألزم الحاضرين بإذاعة ذلك بين المسلمين، وفيما يلي ما رواه سليم بن قيس عن هذا المؤتمر ونصّ خطاب الإمام(عليه السلام) حيث قال: ولمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ وعبد الله بن عباس وعبدالله بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ومن حجّ من الأنصار ممّن يعرفهم الحسين وأهل بيته، ثم أرسل رسلاً وقال لهم: لا تدعوا أحداً حجّ العام من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمعوهم لي، فاجتمع اليه بمني أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق، عامّتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي(صلي الله عليه وآله) فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: «أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية _ يعني معاوية _ قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي اُريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبتُ فكذّبوني، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا الي أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم الي ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون».قال الراوي: فما ترك الحسين شيئاً ممّا أنزل الله فيهم إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله

رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أبيه وأخيه واُمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه: اللّهمّ نعم قد سمعنا وشهدنا، وممّا اشدهم (عليه السلام) أن قال:«اُنشدكم الله، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول الله حين آخي بين أصحابه فآخي بينه وبين نفسه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم هل تعلمون أنّ رسول الله اشتري موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتني فيه عشرة منازل تسعة له، وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثم سدّ كلّ باب شارع الي المسجد غير بابه؟ فتكلّم في ذلك من تكلّم، فقال: ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ الله أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه، ثم نهي الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان بجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول الله، فولد لرسول الله وله فيه أولاد، قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أفتعلمون أنّ عمر بن الخطاب حرص علي كوة قدر عينه يدعها في منزله الي المسجد فأبي عليه، ثم خطب فقال: إنّ الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله قال في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين دعا النصاري من أهل نجران الي المباهلة لم يأت إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله دفع اليه اللواءيوم خيبر، ثم قال: لأدفعه إلي رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله كرّار غير فرّار،

يفتحها الله علي يديه؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعثه ببراءة وقال: لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟ قالوا: اللّهمّ نعم. قال:أتعلمون أنّ رسول الله لم تنزلْ به شدّة قطّ إلاّ قدّمه لها ثقةً به وأنّه لم يدعه باسمه قطّ، إلاّ يقول يا أخي؟ قالوا: اللّهمّ نعم. قال:أتعلمون أنّ رسول الله قضي بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا عليّ أنت منّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللهم نعم. قال:أتعلمون أنّه كانت له من رسول الله (صلي الله عليه وآله) كلّ يوم خلوة، وكلّ ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.قال:أتعلمون أنّ رسول الله فضّله علي جعفر وحمزة حين قال لفاطمة(عليها السلام): زوّجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً؟ قالوا: اللّهمّ نعم. قال:أتعلمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: أنا سيّد ولد آدم، وأخي عليّ سيّد العرب،وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة؟ والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنة، قالوا: اللّهمّ نعم. قال:أتعلمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمره بغسله، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا: اللّهمّ نعم. قال:أتعلمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال في آخر خطبة خطبها:أ يّها النّاس! إنّي تركتُ فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا؟ قالوا: اللّهمّ نعم.فلم يدع(صلي الله عليه وآله) شيئاً أنزله الله في عليّ بن أبي طالب خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا علي لسان نبيّه إلاّ ناشدهم فيه فيقول الصحابة: اللّهمّ نعم قد سمعناه، ويقول التابعي: اللّهم قد حدّثنيه من أثق به فلان وفلان.ثم ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول:

من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً فقد كذب، ليس يحبّني وهو يبغض عليّاً، فقال له قائل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: لأنّه منّي وأنا منه، من أحبّه فقد أحبّني ومَن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؟ فقالوا: اللّهمّ نعم، قد سمعناه، وتفرّقوا علي ذلك [203] .

موت معاوية

لقد كان موت معاوية بن أبي سفيان في سنة ستّين من الهجرة [204] .واستقبل معاوية الموت غير مطمئن، فكان يتوجّع ويظهر الجزع علي ما اقترفه من الإسراف في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم، وقد وافاه الأجل في دمشق محروماً عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة وحمله علي رقاب المسلمين، وكان يزيد فيما يقول المؤرّخون مشغولاً عن أبيه _ في أثناء وفاته _ برحلات الصيد وغارقاً في عربدات السكر ونغمة العيدان [205] .

حكومة يزيد و نهضة الامام الحسين

بدايات النهضة

ذكرنا أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) وبالرغم من معارضته الشديدة لحكم معاوية بن أبي سفيان _ والتي نقلنا صوراً عديدةً منها _ رفض التحرّك لخلع معاوية؛ التزاماً منه بالعهد الذي وقّعه أخوه الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية.وقد سجّل المؤرّخون هذا الموقف المبدئي للإمام الحسين(عليه السلام) فقالوا:لمّا مات الحسن(عليه السلام) تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا الي الحسين(عليه السلام) في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتي تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك [206] .من هنا كان معلوماً لشيعته وللجهاز الحاكم أيضاً أنّ موت معاوية يعني بالنسبة للإمام الحسين(عليه السلام)أنه في حلّ من أيّ التزام، ومن ثم فإنّه سيطلق ثورته علي نظام الحكم الغاشم الذي استلمه يزيد الفاسق، لذلك كان الإمام الحسين(عليه السلام) يمثّل الهاجس الأكبر للطغمة الحاكمة.

رسالة يزيد الي حاكم المدينة

قال المؤرّخون: إنّ يزيد كتب فور موت أبيه الي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان _ وكان والياً علي المدينة من قِبَل معاوية _ أن يأخذ علي الحسين(عليه السلام) بالبيعة له ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك [207] وذكرت مصادر تأريخية اُخري أنّه جاء في الرسالة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن عليّ وعبدالله بن الزبير فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ برأسيهما وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم [208] .

الوليد يستشير مروان بن الحكم

حار الوليد في أمره، إذ يعرف أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لا يبايع ليزيد مهما كانت النتائج، فرأي أنّه في حاجة الي مشورة مروان بن الحكم عميد الاُسرة الاُموية فبعث إليه، فأشار مروان علي الوليد قائلاً له: إبعث اليهم [209] في هذه الساعة فتدعوهم الي البيعة والدخول في طاعة يزيد، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوا قدّمهم واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية؛ فإنّهم إن علموا ذلك وثب كلّ رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا الي نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به، إلاّ عبدالله بن عمر فإنّه لا ينازعُ في هذا الأمر أحداً، مع أنّني أعلم أنّ الحسين بن علي لايجيبك الي بيعة يزيد، ولا يري له عليه طاعةً. ووالله لو كنت في موضعك لم اُراجع الحسين بكلمة واحدة حتي أضرب رقبته كائناً في ذلك ما كان [210] .وعظم ذلك علي الوليد وهو أكثر بني اُميّة حنكةً، فقال لمروان: ياليت الوليد لم يولد ولم يك شيئاً مذكوراً [211] .فسخر منه مروان وراح يندّد به قائلاً: لا تجزع ممّا قلتُ لك؛ فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء من قديم الدهر [212] ،

ونهره الوليد فقال له: ويحك يا مروان إعزب عن كلامك هذا، وأحسن القول في ابن فاطمة فإنّه بقية النبوة [213] .واتّفق رأيهما علي استدعاء الإمام(عليه السلام) وعرض الأمر عليه لمعرفة موقفه من السلطة.

الامام في مجلس الوليد

أرسل الوليد إلي الحسين(عليه السلام)يدعوه إليه ليلاً، فجاءه الرسول وهو في المسجد، ولم يكن قد شاع موت معاوية بين الناس، وجال في خاطر الحسين(عليه السلام) أنّ الوليد قد استدعاه ليخبره بذلك ويأخذ منه البيعة إلي الحاكم الجديد بناءً علي الأوامر التي جاءته من الشام، فاستدعي الحسين مواليه وإخوته وبني عمومته وأخبرهم بأنّ الوالي قد استدعاه اليه وأضاف: إنّي لا آمن أن يكلّفني بأمر لا اُجيبه عليه [214] .وقال الإمام(عليه السلام) لمواليه بعد أن أمرهم بحمل السلاح: «كونوا معي فإذا دخلت اليه فاجلسوا علي الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه» [215] .ودخل الإمام(عليه السلام) علي الوليد فرأي مروان عنده وكانت بينهما قطيعة، فقال(عليه السلام): «الصلةُ خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح الله ذات بينكما» [216] ثم نعي اليه الوليد معاوية، فاسترجع الإمام الحسين(عليه السلام) ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين(عليه السلام): «إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتي اُبايعه جهراً».فقال الوليد: أجل، فقال الحسين(عليه السلام): «فتصبح وتري رأيك في ذلك»، فقال له الوليد: انصرف علي اسم الله تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبداً حتي تكثر القتلي بينكم وبينه، إحبس الرجل فلا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين(عليه السلام) عند ذلك وقال:«أنت ياابن الزرقاء تقتلني

أم هو؟! كذبت والله وأثمت». وخرج يمشي ومعه مواليه حتي أتي منزله.فقال مروان للوليد: عصيتني. لا و الله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً. فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني. والله ما اُحب أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أقتل حسيناً لمّا أن قال: لا اُبايع؟ والله إنّي لأظنّ امرءاً يحاسبُ بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة [217] .وثمّة روايات أفادت بأنّ النقاش قد احتدم بين الإمام(عليه السلام) وبين مروان، حتي أعلن(عليه السلام) رأيه لمروان بصراحة قائلاً: «إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة» [218] .

الامام مع مروان

والتقي الإمام الحسين(عليه السلام) في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد، فبادره مروان قائلاً: إنّي ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال الإمام(عليه السلام): «وما ذاك يا مروان؟».قال مروان: إنّي آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك. فردّ عليه الإمام(عليه السلام) ببليغ منطقه قائلاً: «علي الإسلام السلام إذ قد بليت الاُمّة براع مثل يزيد... سمعت جدّي رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرّمة علي آل أبي سفيان وعلي الطلقاء وأبناء الطلقاء فإذا رأيتم معاوية علي منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة علي منبر جدّي فلم يفعلوا ما اُمروا به» [219] .

حركة الامام في الليلة الثانية

ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) أقام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّهاً الي مكة، فلمّا أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكباً من موالي بني اُميّة في ثمانين راكباً، فطلبوه ولم يدركوه فرجعوا، فلمّا كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال الي الحسين(عليه السلام) ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين(عليه السلام): اصبحوا ثم ترون ونري. فكَفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه.فخرج(عليه السلام) من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجلّ أهل بيته إلاّ محمد بن الحنفية _ رحمة الله عليه _ فإنّه لمّا علم عزمه علي الخروج عن المدينة لم يدرِ أين يتوجّه، فقال له: يا أخي أنت أحبّ الناس اليّ وأعزّهم عليّ ولست

أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك الي الناس فادعهم الي نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله علي ذلك، وإن اجتمع الناس علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولاعقلك ولاتذهب به مروّتك ولا فضلك، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك واُخري عليك، فيقتتلوا فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً، أضيعها دماًوأذلّها أهلاً.فقال له الحسين(عليه السلام): فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نَبَتَ بك) [220] لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد الي بلد حتي تنظر الي ما يصير أمر الناس إليه؛ فإنّك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.فقال الإمام(عليه السلام): «يا أخي، قد نصحتَ وأشفقتَ وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً» [221] فسار الحسين(عليه السلام) الي مكة وهو يقرأ (فخرج منها خائفاً يترقّب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين) [222] .

وصايا الامام الحسين

لقد كتب الإمام(عليه السلام) قبل خروجه من المدينة عدّة وصايا، منها: وصية لأخيه هذا نصّها: «هذا ما أوصي به الحسين بن عليّ إلي أخيه محمد بن الحنفية، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأنّ الجنة حق والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة

جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولي بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين» [223] .ومنها: وصيّته لاُم المؤمنين اُم سلمة حيث أوصاها بما يرتبط بإمامة الإمام من بعده. روي أنّه لمّا عزم علي الخروج من المدينة أتته اُم سلمة (رضي الله عنها) فقالت: يا بني لا تحزنّي بخروجك إلي العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: يقتل ولدي الحسين(عليه السلام) بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا. فقال لها: «يا اُماه وأنا والله أعلم ذلك، وأنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي اُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي اُدفن فيها، وإنّي أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا اُمّاه اُريك حفرتي ومضجعي».ثم أشار الي جهة كربلاء، فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت اُم سلمة بكاءً شديداً وسلّمت أمره إلي الله.فقال لها: «يا اُمّاه قد شاء الله عزّوجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يري حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً».وفي رواية اُخري: قالت اُمّ سلمة: وعندي تربة دفعها اليَّ جدّك في قارورة، فقال: «والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلي العراق يقتلوني أيضاً» ثم أخذ تربةً فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال: «اجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت» [224] .وروي الطوسي عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسي عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): «لمّا

توجه الحسين(عليه السلام) الي العراق ودفع إلي اُمّ سلمة زوجة النبيّ(صلي الله عليه وآله) الوصية والكتب وغير ذلك قال لها: «إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي اليه ما قد دفعت اليك»، فلمّا قتل الحسين(عليه السلام) أتي عليّ بن الحسين(عليه السلام) اُم سلمة فدفعت اليه كلّ شيء أعطاها الحسين(عليه السلام)» [225] .وروي عليّ بن يونس العاملي في كتاب الصراط المستقيم النصّ علي عليّ بن الحسين(عليه السلام)في حديث ثم قال: وكتب الحسين(عليه السلام) وصيّته وأودعها اُمّ سلمة وجعل طلبها منها علامة علي إمامة الطالب لها من الأنام فطلبها الإمام زين العابدين(عليه السلام) [226] .

توجه الامام الي مكة

قال المؤرّخون: إن الإمام الحسين(عليه السلام) عندما توجّه الي مكة لزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كي لا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا اُفارقه حتي يقضي الله ما هو قاض [227] . ولمّا دخل الإمام الحسين(عليه السلام) مكة كان دخوله إيّاها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ (ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسي ربّي أن يهديني سواء السبيل) [228] .ثم نزلها فأقبل أهلها يختلفون اليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين(عليه السلام) فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرة، وهو أثقل خلق الله علي ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين(عليه السلام) في البلد وأنّ الحسين(عليه السلام) أطوع في الناس منه وأجلّ [229] .

اسباب و دوافع الثورة

اشاره

إنّه من الصعب أن نقف علي جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية، وتأخذ بيد الثائرين علي مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السامية، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلامية بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين، وأثارت في الاُمّة الإسلامية الوعي حتّي صارت تطالب بإعادة الحقّ الي أهله وموضعه.إنّ أفضل ما نستخلص منه أسباب ودوافع الثورة الحسينية هي النصوص المأثورة عن الحسين الثائر(عليه السلام) وكذا آثار الثورة، الي جانب معرفتنا بشخصيّته(عليه السلام) فها هو الحسين(عليه السلام) يخاطب جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي تعجّل لمحاصرته ولم يسمح له بتغيير مساره قائلا:«أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلي

الله عليه وآله) قال: من رأي منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهدالله مخالفاً لسنّة رسول الله (صلي الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً علي الله أنْ يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غَيّر، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، وإنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة» [230] .وفي خطاب آخر بعد أن توضّحت نوايا الغدر والخذلان والإصرار علي محاربة الإمام(عليه السلام) وطاعة يزيد الفاسق قال(عليه السلام): «فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة وشذّاذ الأحزاب ونَبَذَة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصُراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون...».ثم قال(عليه السلام): «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت واُنوف حميّة ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام...» [231] .من هنا يمكن أن نخلص الي أسباب ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) كما يلي:

فساد الحاكم و انحراف جهاز الحكومة

لم يعد في مقدور الإمام الحسين(عليه السلام) أن يتوقّف عن الحركة وهو يري الانحراف الشامل في زعامة الاُمّة الإسلامية، فإذا كانت السقيفة قد زحزحت الخلافة عن صاحبها الشرعي وهو الإمام عليّ(عليه السلام) وتذرّع

أتباعها بدعوي حرمة نقض البيعة ولزوم الجماعة وحرمة تفريق كلمة الاُمّة ووجوب إطاعة الإمام المنتخب بزعمهم، فقد كان الإمام عليّ(عليه السلام) يسعي بنحو أو بآخر لإصلاح ما فسد من جرّاء فعل الخليفة غير المعصوم، وقد شهد الإمام الحسين(عليه السلام) جانباً من ذلك بوضوح خلال فترة حكم عثمان.ولقد كانت بنود الصلح تضع قيوداً علي تصرّفات معاوية الذي اتّخذ اُسلوب الخداع والتستّر بالدين سبيلا لتمرير مخطّطاته، أمّا الآن فإنّ الأمر يختلف؛ إذ بعد موت معاوية لم يبق أيّ علاج إلاّ الصدام المباشر في نظر الإمام المعصوم وصاحب الحقّ الشرعي _ الحسين(عليه السلام) _ فلم يعد في الإمكان ولو نظرياً القبول بصلاحيّة يزيد وبني اُميّة للحكم.علي أنّ نتائج انحراف السقيفة كانت تنذر بالخطر الماحق للدين، فقد قال الإمام(عليه السلام): «أيّها الناس! إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: من رأي منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله(صلي الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بقول ولا بفعل كان حقّاً علي الله أن يدخله مدخله».وقد كان يزيد يتصف بكل ما حذّر منه الرسول (صلي الله عليه وآله) وكان الحسين(عليه السلام) وهو الوريث للنبيّ وحامل مشعل الرسالة _ أحقّ من غيره بالمواجهة والتغيير.

مسؤولية الامام تجاه الامة

كان الإمام الحسين(عليه السلام) يمثّل القائد الرسالي الشرعي الذي يجسّد كلّ القيم الخيّرة والأخلاق السامية.وبحكم مركزه الاجتماعي _ حيث إنّه هو سبط الرسول(صلي الله عليه وآله) ووريثه _ فإنّه مسؤول عن هذه الاُمّة، وقد وقف(عليه السلام) في عهد معاوية محاولاً إصلاح الاُمور بطريقة سلمية، فحاجج معاوية وفضح مخطّطاته [232] ونبّه الاُمّة الي مسؤولياتها ودورها [233] ، بل خطا خطوةً كبيرة لتحفيز الاُمّة علي رفض الظلم [234]

، وحاول جمع كلمة الاُمّة في وجه الظالمين [235] .ولمّا استنفد كلّ الإجراءات الممكنة لتغيير الأوضاع الاجتماعية في الاُمّة تحرّك بثقله وأهل بيته للقيام بعمل قويّ في مضمونه ودلالته وأثره وعطائه لينهض بالاُمّة لتغيير واقعها الفاسد.

الاستجابة لرأي الجماهير الثائرة

لم يكن بوسع الإمام الحسين(عليه السلام) أن يقف دون أن يقوم بحركة قوية، وقد تكاثرت عليه كتب الرافضين لبيعة يزيد بن معاوية تطلب منه قيادة زمام اُمورها والنهوض بها، وقد حمّلته المسؤولية أمام الله إذا لم يستجب لدعواتهم، وكانت دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) بمثابة الغطاء السياسي الذي يعطي الصفة الشرعية لحركته، فلم تكن حركته بوازع ذاتي ولا مطمع شخصي، لا سيّما بعد إتمام الحجّة عليه من قبل هؤلاء المسلمين.

محاولة ارغامه علي الذل والمساومة

لقد كان الإمام الحسين(عليه السلام) يحمل روحاً صاغها الله بالمُثل العليا والقيم الرفيعة، ففاضت إباءاً وعزّةً وكرامةً، وفي المقابل تدنّت نفسيّة يزيد الشريرة ونفسيات أزلامه، فأرادوا من الإمام الحسين(عليه السلام) أن يعيش ذليلا في ظلّ حكم فاسد: وقد صرّح(عليه السلام) قائلاً: «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبي الله لنا ذلك ورسوله ونفوس أبيّة واُنوف حميّة من أن تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام».وفي موقف آخر قال(عليه السلام):«لا أري الموت إلاّ سعادةً والحياة مع الظالمينإلاّ برماً».بهذه الصورة الرائعة سنّ الإمام الحسين(عليه السلام) سنّة الإباء لكلّ من يدين بقيم السماء وينتمي إليها ويدافع عنها، وانطلق من هذه القاعدة ليغيّر الواقع الفاسد.

نوايا الغدر الاموي والتخطيط لقتل الحسين

استشفّ الإمام الحسين(عليه السلام) _ وهو الخبير الضليع بكلّ ما كان يمرّ في معترك الساحة السياسية والمتغيّرات الاجتماعية التي كانت تتفاعل في الاُمّة _ نوايا الغدر والحقد الاُموي علي الإسلام وأهل البيت(عليهم السلام) وتجارب السنين الاُولي من الدعوة الاسلامية، ثم ما كان لمعاوية من مواقف مع الإمام علي(عليه السلام) ومن بعده مع الإمام الحسن(عليه السلام).وأيقن الحسين(عليه السلام) أنّهم لا يكفّون عنه وعن الفتك به حتي لو سالمهم، فقد كان يمثّل بقية النبوّة والشخصية الرسالية التي تدفع الحركة الإسلامية في نهجها الحقيقي وطريقها الصحيح.ولم يستطع يزيد أن يخفي نزعة الشرّ في نفسه، فقد روي أنّه صرّح قائلاً في وقاحة:لستُ من خندف إن لم انتقم م_ن بني أحمد ما كان فعلْوقد أعلن الإمام الحسين(عليه السلام) أنّ بني اُميّة لا يتركونه بحال من الأحوال فقد صرّح لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: «لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتي يقتلوني».وقال(عليه السلام) لجعفر بن سليمان الضبعي: «والله لا

يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة _ يعني قلبه الشريف _ من جوفي».فتحرّك الإمام(عليه السلام) من مكة مبكّراً ليقوم بالثورة قبل أن تتمكّن يد الغدر من قتله وتصفيته، وهو بعد لم يتمكّن من أداء دوره المفروض له في الاُمّة آنذاك، وسعي لتفويت أيّة فرصة يمكن أن يستغلّها الاُمويون للغدر به، والظهور بمظهر المدافع عن أهل بيت النبوّة.

انتشار الظلم و فقدان الأمن

قام الحكم الاُموي علي أساس الظلم والقهر والعدوان، فمنذ أن برز معاوية وزمرته كقوّة في العالم الإسلامي برز وهو باغ علي خليفة المسلمين وإمام الاُمّة بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وأسرف في ممارساته الظالمة التي جلبت الويل للاُمّة، فقد سفك الدماء الكثيرة، واستعمل شرار الخلق لإدارة الاُمور يوم تفرّد بالحكم، بل وقبل أن يتسلّط علي الاُمّة كانت كلّ العناصر الموالية له تشيع الخوف والقتل حتي قال الناس فيولاية زياد بن أبيه: «انج سعد، فقد هلك سعيد» للتدليل علي ضياع الأمن في جميع أنحاء البلاد [236] .ومن جانب آخر أمعنت السلطة الاُموية في احتقار فئات و قطاعات كبيرة من الاُمّة بنظرة استعلائية قبلية [237] ، كما مارس معاوية في سياسته التي ورثها يزيد أنواع الفتك والتعذيب والتهجير للمسلمين وبالأخص من عرف منه ولاء أهل البيت(عليهم السلام) [238] .وبكلّ جرأة علي الحقّ واستهتار بالقيم يقول معاوية للإمام الحسين(عليه السلام): يا أبا عبدالله، علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك فحنّطناهم وكفّناهم وصلّينا عليهم ودفنّاهم [239] أمام هذه المظالم لم يقف الإمام الحسين(عليه السلام) مكتوف اليد، فقد احتجّ علي معاوية ثم ثار علي ولده يزيد، إذ لم ينفع النصح والاحتجاج لينقذ الاُمّة من الجور الهائل.

تشويه القيم الاسلامية و محو ذكر أهل البيت

اجتهد الحكم الاُموي أن يغيّر الصورة الصحيحة للرسالة الإسلامية والتركيب الاجتماعي للمجتمع المسلم، فقد عمد الاُمويّون إلي إشاعة الفرقة بين المسلمين والتمييز بين العرب و غيرهم وبثّ روح التناحر القبلي، والعمل علي تقريب قبيلة دون اُخري من البلاط وفق المصالح الاُمويّة في الحكم.وكان للمال دور مهمّ في إشاعة الروح الانتهازية والازدواج في الشخصيّة والإقبال علي اللهو [240] .ولمّا كان لأهل البيت(عليهم السلام) الأثر الكبير في تجذير العقيدة الإسلامية ورعاية هموم الرسالة الإسلامية؛ فقد عمد

الاُمويون ومنذ تفرّد معاوية بالحكم باُسلوب مبرمج إلي محو ذكر أهل البيت(عليهم السلام) وقد تكاملت هذه الخطوة في أواخر حكم معاوية ومحاولة استخلافه ليزيد [241] .

الاستجابة لامر الله و رسوله

إنّ عقيدة سامية ورسالة خاتمة لكل الرسالات كرسالة الإسلام لا يمكن أن يتركها قائدها الكبير ومبلّغها العظيم(صلي الله عليه وآله) وهو النبيّ المعصوم والمسدّد من السماء دون تخطيط وعناية ودون قيّم يرعي شؤونها وأحوالها، يخلص لها في قوله وعمله، ويوجّهها نحو هدفهاالمنشود مستعيناً بدرايته وبعلمه الشامل بأحكامها، ويفتديها بكلّ غال ونفيس من أجل أن تحيي و تبقي كلمة الله هي العليا. والمتتبّع لسيرة الرسول وأهل بيته _ صلوات الله عليهم _ يلمس بوضوح ترابط الأدوار التي قام بها المعصومون من آل النبيّ وتكاملها، وهم مستسلمون لأمر الله ورسوله غاية التسليم.وقد أدلي الإمام الحسين(عليه السلام) بذلك حينما أشار المشفقون عليه بعدم الخروج إلي العراق، فقال(عليه السلام): «أمرني رسول الله بأمر وأنا ماض له» [242] .كما أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) كان قد أخبر بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) بأيدي الظلمة الفاسقين حين ولادته حتي بات ذلك من الاُمور المتيقّنة لدي المسلمين [243] .

اهداف منظورة في ثورة الامام الحسين

اشاره

إنّ أهداف الرجال العظام هي عظيمة في التأريخ، وتزداد رفعةً وسموّاً حين تنبعث من عمق رسالة سامية. ونحن حين نقف أمام الحسين(عليه السلام) الذي يمثّل أعظم رجل في عصره وهو يحمل ميراث النبوّة وثقل الرسالة الخاتمة الخالدة مسدّداً بالتسديد الإلهي في القول والفعل، وأمام سيرته لنبحث عن أهداف نهضته المقدسة _ التي فداها بنفسه وبأهل بيته وخيرة أصحابه _ لا نجد من السهل لنا أن نحيط علماً بكلّ ذلك، لكنّنا نبحث بمقدار إدراكنا ووعينا للحدث وفق ما تتحمّله عقولنا طبعاً.لقد تفاني الحسين(عليه السلام) في الله ومن أجل دينه، فكانت أهدافه _ التي تمثّل رضي الله وطاعته _ سامية جليلة، كما أنّها كانت واسعة وعديدة. ويمكننا أن نذكر بعض أهداف الإمام الحسين(عليه السلام) من ثورته

كمايلي [244] :

تجسيد الموقف الشرعي تجاه الحاكم الظالم

لقد أصابت الاُمّة حالة من الركود حتي أنّها لم تعد تتحرّك لاتّخاذ موقف عملي واقعي تجاه الحاكم الظالم، فالجميع يعرف من هو يزيد وبماذا يتّصف من رذائل الأخلاق ممّا تجعله غير لائق أبداً بأن يتزعّم الاُمّة الإسلامية.في مثل هذا الظرف وقف الكثيرون حياري يتردّدون في قرارهم، فتحرّك الإمام الحسين(عليه السلام) ليجسّد الموقف الرسالي الرافض للظلم و الفساد، في حركة قوية واضحة مقرونة بالتضحية والفداء، من أجل العقيدة الإسلامية، لتتّخذ الاُمّة الموقف ذاته تجاه الظلم والعدوان.

فضح بني امية و كشف حقيقتهم

إنّ الحكّام الذين تولّوا اُمور المسلمين ولم يكونوا معصومين ولا شرعيين كانوا يغطّون تصرّفاتهم بغطاء ذي مسحة شرعية عند الجماهير. وكان بنو اُميّة من أكثر الحكام المستفيدين من هذا الاُسلوب الماكر؛ إذ لم يتردّد معاوية في وضع الأحاديث المفتعلة لتدعيم حكمه، بل سعي بكلّ وسيلة لتضليل الاُمّة، وتمكّن من فعل ذلك مع عامة الناس.وأصبح الأمر أكثر خطورة حين تولّي يزيد ولاية الحكم بطريقة لم يقرّها الإسلام، ولهذا كان لابدّ من فضح التيار الاُموي وتصويره علي حقيقته، لتتّضح الصورة للعالم الإسلامي فيعي دوره ورسالته ويقوم بواجبه ووظيفته، فتحرّك الحسين(عليه السلام) بصفته الإمام المعصوم ليواجه زيف الحكم وضلالته. وفعلا أسفر التيار الاُموي عن مكنون حقده بارتكابه الجريمة البشعة في كربلاء بقتل خير الناس وأصحابه وأهل بيته من الرجال والنساء والأطفال، ثم أعقب ذلك بقصف الكعبة بالمنجنيق في واقعة الحرة وإباحة المدينة ثلاثة أيام قتلا ونهباً وسلباً واعتداءً علي الأموال والنساء والأطفال بشكل بشع لم يسبق له مثيل [245] .وانتبه المسلمون الي انحراف الفئة الحاكمة الضالّة والي فساد أعمالها، وسعوا من خلال محاولات عديدة الي تطهير الجهاز الحاكم المتوغّل في الظلم والطغيان، حتي غدت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) اُنموذجاً يحتذي به لمقارعة ومقاومة

كلّ نظام يستشري فيه الفساد، وقد أفصح الإمام(عليه السلام) عن الصفات التي يجب أن يتحلّي بها الحاكم بقوله: «فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه علي ذات الله» [246] .

احياء السنة و اماتة البدعة

انحدرت الاُمّة الإسلامية في منحدر صعب يوم انحرفت الخلافة عن مسارها الشرعي في يوم السقيفة، فإنّها قبلت بعد وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) أن يتولّي أمرها من يحتاج الي المشورة والنصيحة ويخطئ في حقّها ويعتذر، فكانت النتيجة بعد خمسين عاماً من غياب النبيّ(صلي الله عليه وآله) أن يتولّي أمرها رجل لا يتورّع عن محارم الله، بل ويظهر الحقد علي الإسلام والمسلمين، فتعرّض الإسلام _ عقيدةً وكياناً واُمّةً _ للخطر الحقيقي والتشويه المقيت المغيّر لكلّ شيء، علي غرار ما حدث لبعض الرسالات السماوية السابقة.في مثل هذا المنعطف الخطير وقف الإمام الحسين(عليه السلام) ومعه أهل بيته وأصحابه، وأطلق صرخة قويّة ومدوّية محذّراً الاُمّة، مفتدياً العقيدة والاُمّة بدمه الطاهر الزكي، ومن قبل قال فيه جدّه رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنّ الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة». كما قال غير مرّة: «حسين منّي و أنا من حسين». فكان الحسين(عليه السلام) ونهضته التجسيد الحقيقي للإسلام الحقّ، فقد كان الخط الحقيقي للإسلام المحمدي متمثلاً في الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه رضوان الله تعالي عليهم.وقد صرّح الإمام الحسين(عليه السلام) في رسالته التي بعثها الي أهل البصرة بكل وضوح الي أنّ السنّة قد ماتت حين وصل الانحراف الي حدّ ظهور البدع وإجبائها.

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد كان غياب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجة طبيعية لتولّي الزعامة المنحرفة، وقد حدث هذا تحت عناوين متعدّدة منها: لزوم إطاعة الوالي وحرمة نقض بيعة تمّت حتي لو كانت منحرفة، وكذلك حرمة شقّ وحدة الكلمة، وقد وصف الإمام(عليه السلام) هذه الحالة بقوله: «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهي عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله» [247] لذا تطلّب الأمر أن يبرز ابن النبيّ(صلي الله عليه

وآله) للجهاد وهو يحمل السيف في محاولة لإعادة الحقّ الي نصابه من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أدلي (عليه السلام) بذلك في وصيّته لأخيه محمد بن الحنفية حين كتب له: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي اُريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر».إنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام(عليه السلام) بها فكانت الهداية و الرعاية للبشر دينياً ومعنوياً وإنسانياً واُخروياً بمقتله وشهادته، وتلك النهضة التي عليها تربّت أجيال من الاُمّة، وتخرّجت من مدرستها الأبطال والصناديد، ولا زالت وستبقي المشعل الوضّاء ينير درب الحقّ والعدل والحرية وطاعة الله إلي يوم القيامة.

ايقاظ الضمائر و تحريك العواطف

في أحيان كثيرة لا يستطيع أصحاب العقائد ودعاة الرسالات أن يحاوروا العقل والذهن مجرّداً معزولا عن عنصر العاطفة لأجل تعميق المعتقد والفكر لدي الجماهير، وقد ابتليت الاُمّة الإسلامية في عهد الإمام الحسين(عليه السلام) وبعد تسلّط يزيد بحالة من الجمود والقسوة وعدم التحسّس للأخطار التي تحيط بها وبفقدان الإرادة في مواجهة التحديات ضدّ العقيدة الإسلامية، لهذا لم يكتف الإمام الحسين(عليه السلام) بتثبيت الموقف الشرعي وتوضيحه عملياً من خلال موقفه الجهادي بل سعي إلي إيقاظ ضمائر الناس وتحريك وجدانهم وأحاسيسهم ليقوموا بالمسؤولية، فسلك سبيل البذل والعطاء والتضحية من أجل العقيدة والدين، واتّخذ اُسلوب الاستشهاد الذي يدخل بعمق وحرارة في قلوب الجماهير، وقد ضرب لنا مثلا رائعاً حينما برّزت ثورته أنّ التضحية لم تكن مقصورة علي فئة أو مستويً معيّن من الاُمّة، فللطفل كما للمرأة والشيخ دور فاعل فضلاً عن الشباب.وما أسرع ما بان الأثر علي أهل الكوفة إذ

أظهروا الندم والإحساس بالتقصير تجاه الإمام والإسلام، فكانت ثورة التوّابين التي أعقبت ثورة أهل المدينة التي وقعت في السنة الثانية من بعد واقعة الطفّ.لقد كانت واقعة الطفّ تأكيداً حقيقياً علي أنّ المصاعب والمتاعب لا تمنع من قول الحقّ والعمل علي صيانة الرسالة الإسلامية، كما أنّها زرعت روح التضحية في سبيل الله في نفوس أبناء الاُمّة الإسلامية، وحرّرت إرادتها ودفعتها إلي التصدّي للظلم والظالمين، ولم تُبقِ عذراً للتهرّب من مسؤولية الجهاد والدفاع عن العقيدة والمقاومة لإعلاء كلمة الله.

لماذا لم ينهض الامام الحسين بالثورة في حكم معاوية

اشاره

إن الأحداث السياسية التي عصفت بالاُمّة الإسلامية بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله) كانت ثقيلة الوطأة عليها، وبلغت غاية الشدّة أيام تسلّط معاوية علي الشام ومحاربة الإمام عليّ(عليه السلام) وبالتالي اضطرار الإمام الحسن(عليه السلام) لإبرام صلح معه؛ لأسباب موضوعية كانت تكتنف الاُمّة. ولكننا نلحظ أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يغيّر من موقفه المتطابق مع موقف الإمام الحسن(عليه السلام) تجاه معاوية حتي بعد استشهاد الإمام الحسن(عليه السلام)، فلم يعلن ثورته، وما كان ذلك إلاّ لبقاء نفس الأسباب التي دفعت بالإمام الحسن(عليه السلام) الي قبول الصلح فمن ذلك:

حالة الامة الاسلامية

كان الوضع النفسي والاجتماعي للاُمّة الإسلامية متأزّماً، إذ كانت تتطلع الي حالة السلم بعد أن أرهقها معاوية والمنافقون بحروب دامت طوال حكم الإمام عليّ(عليه السلام)، فكان رأي الإمام الحسن(عليه السلام) هو أن يربّي جيلا جديداً وينهض بعد حين، فقد قال(عليه السلام):«إنّي رأيت هوي عظم الناس في الصلح وكرهوا الحرب، فلم اُحبّ أن أحملهم علي ما يكرهون، فصالحت بقياً علي شيعتنا خاصة من القتل، ورأيت دفع هذه الحرب إلي يوم ما، فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن» [248] .وهو نفسه موقف الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب ما كان يعيه ويدركه من واقع الاُمّة، فكان قوله لمن فاوضه في الثورة إذ قعد الإمام الحسن(عليه السلام) عنها:«صدق أبو محمد، فليكن كلّ رجل منكم حلساً من أحلاس بيته ما دام هذا الإنسان حيّاً».وبقي هذا موقفه نفسه بعد استشهاد الإمام الحسن(عليه السلام) لبقاء نفس الأسباب، فقد كتب (عليه السلام) يردّ علي أهل العراق حين دعوه للثورة:«أمّا أخي فأرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدّده فيما يأتي، وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنّة ما

دام معاوية حيّاً» [249] .

شخصية معاوية و سلوكه المتلون

لقد كانت زعامة الاُمّة الإسلامية بعد وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) بأيديمسؤولين غير كفوئين لفترة طويلة. ومراجعة بسيطة لأحداث ووقائع تلك الفترة توضّح ذلك. ولكنّ معاوية كان أشدّ مكراً ومراوغةً ودهاءً، إذ كان يتلاعب ببراعة سياسية، ويتوسّل بكلّ وسيلة من أجل أن يبقي زمام السلطة بيده متّخذاً من التظاهر بالدين ستراً يغطّي جرائمه الأخلاقية واللا إنسانية والتي منها فتكه بخيار المسلمين، ومخادعة عوام الناس في مجاراته لعواطفهم ومعتقداتهم، وهو يحمل حقداً لا ينقطع علي الإسلام والرسول(صلي الله عليه وآله) [250] .وقد تمكّن معاوية من القضاء علي المعارضين له من دون اللجوء إلي القتال والحرب، فهو الذي اغتال الإمام الحسن(عليه السلام) وسعد بن أبي وقّاص [251] وقضي علي عبدالرحمن بن خالد [252] ومن قبله علي مالك الأشتر، وقد أوجز اُسلوبه هذا في كلمته المشهورة: «إنّ لله جنوداً منها العسل» [253] .كما أنّ معاوية كان يضع كلّ من يلمس منه أيّة معارضة أو تحرّك تحت مجهر المراقبة والإرصاد، فترفع إليه التقارير عن كلّ ما يحدث فيستعجل في القضاء عليه.في مثل هذا الاُسلوب _ أي التصرّف تحت ستار الإسلام _ لو قام الإمام الحسين(عليه السلام) بحركة واسعة ونشاط سياسي بعد وفاة الإمام الحسن(عليه السلام) مباشرةً؛ لما كان قادراً علي فضح معاوية وإقناع كلّ الجماهير بشرعيّة ثورته، ولكان معاوية متمكّناً من القضاء عليه من دون ضجيج، وعندها كانت الثورة تموت في مهدها وتضيع جهود كبيرة، كان من شأنها أن تبني في الاُمّة تيّاراً واعياً، ويختنق الصوت الذي كان في مقدوره أن يبقي مدوّياً في تأريخ الإنسانيّة كما حصل في واقعة الطفّ. وما كان الإمام الحسين(عليه السلام) ليتمكّن من توضيح كلّ أهدافه وغاياته من الثورة

[254] المتمثّلة في إنقاذ الاُمّة من الظلم وصيانة الرسالة الإسلامية من التحريف لو كان يسرع بثورته في أيام معاوية.وأمّا حينما اعتلي يزيد عرش الخلافة وهو من قد عرفه الناس باللهو والفسق والشغف بالقرود وشرب الخمور، وعدم صلاحيته للخلافة لتجاوزه وعدوانه علي كل المقاييس الشرعيّة والعرفيّة لدي المسلمين. فالثورة عليه تعدّ ثورة مشروعة عند عامّة المسلمين، كما أثبت التأريخ ذلك بكلّ وضوح.

احترام صلح الامام الحسن

لقد كان العهد والميثاق الذي تم بين معاوية وبين الإمام الحسن(عليه السلام) ورقة رابحة يلوّحها معاوية لكلّ تحرّك فعّال مضاد تجاه تربّعه علي مسند السلطة، صحيح أنّه عهد غير حقيقي وما كان برضا الإمامين(عليهما السلام) وتم في ظروف كان لابد من تغييرها، لكنّ المجتمع لم يكن يتقبّل نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) مع وجود هذا العهد، وحتي لو كان هذا العهد صحيحاً فإنّ معاوية نقضه بممارسته العدائية بملاحقة رجال الشيعة، ولم يرعَ أيَّ حقّ في سياسته الاقتصادية.وقد سارع معاوية لاستغلال هذا العهد في التشهير بالإمام الحسين(عليه السلام) وإظهاره بموقف الناقض للعهد، فقد كتب إلي الإمام(عليه السلام):أمّا بعد، فقد انتهت إليّ اُمور عنك، إن كانت حقاً فإنّي أرغب بك عنها. ولعمر الله إنّ من أعطي عهد الله وميثاقه لجدير بالوفاء، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، ونفسك فاذكر، وبعهد الله أوفِ، فإنّك متي تنكرني أنكرك، ومتي تكدني أكدك، فاتّق شقّ عصا هذه الاُمّة [255] .من هنا لجأ الإمام الحسن(عليه السلام) ومن بعده الحسين(عليه السلام) إلي اُسلوب آخر لنشر الدعوة والتهيّؤ للثورة التي غذّاها معاوية بظلمه وجوره وبُعده عن تمثيل الحكم الإسلامي الصحيح، حتي إذا مات معاوية كان كثير من الناس وعامّة أهل العراق _ بشكل خاص _

يرون بغض بني اُميّة وحبّ أهل البيت لأنفسهم ديناً [256] .

المواقف من ثورة الحسين قبل انطلاقها

لم تكن نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته حركةً آنيةً أو ردّة فعل مفاجئة؛ بل كان الحسين(عليه السلام) في الاُمّة يمثّل بقية النبوّة وكان وريث الرسالة وحامل راية القيم السامية التي أوجدها الإسلام في الاُمّة وأرسي قواعدها، كما أنّ العهد قريب برحيل النبيّ(صلي الله عليه وآله) الذي كان يكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين (عليه السلام). وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الاُمويّين الفاسدة تجاه رسالة النبي (صلي الله عليه وآله) الإسلامية واُمّته المؤمنة برسالته.وقد وقف أهل البيت(عليهم السلام) بصلابة يدافعون عن الحقّ والعدل وإحياء الرسالة الإسلامية، والمحافظة عليها بكلّ وسيلة ممكنة ومشروعة.وفي عصر الإمام الحسين(عليه السلام) كان لتراخي وفتور الاُمّة عن نصرة الحقّ الي جانب تسلّط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة دور كبير لإيجاد حالة مَرَضيّة يمكن تسميتها بفقدان الإرادة وموت الضمير، ومن ثمّ تباينت المواقف تجاه اُسلوب الدفاع عن العقيدة الإسلامية وصيانتها وسيادة الحقّ والعدل.ولكن لم يشكّ أحد في مشروعية وعدالة موقف الإمام الحسين(عليه السلام) تجاه الانحراف المستشري في كلّ مفاصل الدولة، وتجاه التغيير الحاصل في بنية الاُمّة الإسلامية، إلاّ أنّ موقف الاستعداد الكامل للنصرة باتخّاذ قرار ثوريّ يزيح عن الاُمّة الظلم والفساد لم يكن يتكامل بعد لدي الجميع.وقد كانت هذه المواقف تتراوح بين التأييد مع إعلان الاستعداد للثورة مهما كانت النتائج، وبين الحذر من الفشل وعدم نجاح الثورة، وبين التثبيط وفتّ العزائم.وتبنّي شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين اكتووا بجحيم البيت الأموي المتحكّم في رقاب المسلمين موقف التأييد وإعلان الاستعداد، وإن غلب الخوف علي بعضهم فيما بعد، واُودع البعض الآخر السجن أو حوصر من قبل قوّات السلطة الاُمويّة.كما تبنّي آخرون من

أقرباء الإمام (عليه السلام) _ مثل عبدالله بن عباس ومحمّد ابن الحنفيّة _ موقف الحذر، ورجّحوا للإمام الحسين(عليه السلام) الهجرة إلي اليمن ؛ نظراً لبُعد اليمن عن العاصمة، ولتوفّر جمع من شيعته وشيعة أبيه فيها [257] .وتبنّي آخرون موقف التثبيط وفتّ العزائم والتخويف من مغبّة الثورة علي الحاكم، فنصحوا الإمام (عليه السلام) بالدخول فيما دخل فيه الناس، والصبر علي الظلم، كما تمثّل ذلك في نصيحة عبدالله بن عمر للإمام الحسين (عليه السلام) [258] .

توجه الامام الي مكة

اشاره

خرج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة متوجّهاً الي مكة بأهله وإخوته وبني عمومته و بعض الخواصّ من شيعته، ولم يبقَ إلاّ أخوه محمد بن الحنفية، وأفادت بعض المصادر التأريخية بأنّ الإمام(عليه السلام) أقام في بيت العباس بن عبدالمطلب [259] ، فيما تحدّثت مصادر اُخري عن إقامته(عليه السلام) في شِعْب عليّ [260] ، وأقام الإمام(عليه السلام) في مكة أربعة أشهر وأياماً من ذي الحجّة، كان فيها مهوي القلوب، فالتفّ حوله المسلمون يأخذون عنه الأحكام ويتعلّمون منه الحلال و الحرام، ولم يتعرّض له أمير مكة يحيي بن حكيم بسوء، وحيث ترك الإمام(عليه السلام) وشأنَه فقد عزله يزيد بن معاوية عنها، واستعمل عليها عمرو بن سعيد بن العاص. وفي شهر رمضان من تلك السنة (60 ه_) ضمّ إليه المدينة، وعزل عنها الوليد بن عتبة، لأنّه كان معتدلا في موقفه من الإمام(عليه السلام) ولم يستجب لطلب مروان [261] .

رسائل اهل الكوفة الي الامام

وقد عرف الناس في مختلف الأقطار امتناع الإمام الحسين(عليه السلام) عن البيعة، فاتّجهت إليه الأنظار و بخاصّة أهل الكوفة، فقد كانوا يومذاك من أشدّ الناس نقمةً علي يزيد و أكثرِهم ميلا إلي الإمام(عليه السلام) فاجتمعوا في دار سليمان ابن صرد الخزاعي فقام فيهم خطيباً فقال: «إنَّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّض علي القوم ببيعته، وقد خرج إلي مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه، فاكتبوا إليه وأعلموه، وإنْ خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه و نقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه، فكتبوا إليه:بسم الله الرحمن الرحيم«للحسين بن عليّ (عليهما السلام) من سليمان بن صرد والمسيّب بن نَجَبَة ورفاعة بن شدّاد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته من

المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.سلام عليك، فإنّا نحمد اليك الله الذي لا إله إلاّ هو.أمَّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزي علي هذه الاُمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، و تأمّر عليها بغير رضيً منها، ثم قتل خيارها واستبقي شرارها، وجعل مال الله دُوْلةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود، إنّه ليس علينا إمام غيرك، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك علي الحقّ، وانّ النعمان بن بشير في قصر الإمارة، وانّنا لم نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه الي عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتي نلحقه بالشام إن شاء الله تعالي».ثم سرّحوا بالكتاب مع عبدالله بن مِسْمَع الهَمْداني و عبدالله بن وال وأمروهما بالنجاء [262] ، فخرجا مسرعين حتي قدما علي الحسين(عليه السلام) بمكة لعشر مضين من شهر رمضان، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مُسْهِر الصيداوي وعبدالله وعبدالرحمن ابني شداد الأرحبي وعمارة بن عبد السَلولي إلي الحسين(عليه السلام) ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفةً من الرجل والاثنين والأربعة، ثم لبثوا يومين آخرين وسرّحوا إليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي، وكتبوا إليه:بسم الله الرحمن الرحيم«للحسين بن عليّ (عليهما السلام) من شيعته من المؤمنين والمسلمين.أمَّا بعد، فإنّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، والسلام».ثم كتب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رُوَيْم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي:«أمَّا بعد، فقد اخضرّ الجَناب وأينعت الثمار، فإذا شئت فاقدم علي جند لك مجنّدة، والسلام» [263] .

جواب الامام علي رسائل الكوفيين

تتابعت كتب الكوفيّين كالسيل إلي الإمام الحسين(عليه السلام) وهي تدعوه الي

المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الاُمويّين وبطشهم، وكانت بعض تلك الرسائل تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله والاُمّة إن تأخّر عن إجابتهم، ورأي الإمام _ قبل كلّ شيء _ أنْ يختار للقياهم سفيراً له يُعَرّفُه باتّجاهاتهم وصدق نيّاتهم، وقد اختار ثقته و كبير أهل بيته مسلم بن عقيل، وهو من أمهر الساسة وأكثرهم قدرةً علي مواجهة الظروف الصعبة والصمود أمام الأحداث الجسام، وزوّده برسالة رويت بصور متعدّدة، من بينها النصّ الذي رواه صاحب الإرشاد، وهي كما يلي:بسم الله الرحمن الرحيم«من الحسين بن عليّ إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين:أمّا بعد، فإنّ هانئاً و سعيداً قَدِما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قَدِمَ عليّ من رسلكم، وقد فهمتُ كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلّكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقبلْ لعلّ الله أن يجمعنا بك علي الحقّ والهدي، وإنّي باعث إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإنْ كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأيُ ملئكم وذوي الحجي والفضل منكم علي مثل ما قدمتْ به رسلُكم، وقرأتُ في كتبكم فإنّي أقدمُ إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحقّ الحابسُ نَفسه علي ذات الله، والسلام» [264] .

تحرك مسلم بن عقيل نحو الكوفة

لقد أكّد المؤرّخون أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) أرسل مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلولي وعبدالله وعبد الرحمن ابني شدّاد الأرحبي إلي الكوفة، بعد أنْ أمره «بالتقوي وكتمانِ أمرِه واللطف بالناس، فإنْ رأي الناس مجتمعين مستوسقين عجّلَ إليه بذلك» [265] .وفي النصف من شهر رمضان انطلق مسلم من مكة نحو الكوفة، فعرّج علي المدينة فصلّي في مسجد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وودّع مَنْ أحَبَّ من أهله

وواصل مسيره الي الكوفة.وتعدّدت أقوال المؤرّخين بشأن المكان الذي نزل فيه مسلم بن عقيل بعد أنْ وصل إلي الكوفة، فثمّة مَنْ قال: إنّه نزل في دار المختار بن أبي عبيدة [266] ، وقيل: نزل في بيت مسلم بن عوسجة [267] ، وقيل: في بيت هاني بن عروة [268] .وعندما علم الكوفيّون بوصول مبعوث الحسين(عليه السلام) إلي مدينتهم؛ ازدحموا للقائه و بيعته، وحسب قول بعض المؤرّخين فقد أقبلت الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين(عليه السلام) وهم يبكون وبايعه الناس، حتي بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً [269] .

رسالة مسلم بن عقيل الي الامام الحسين

ظلّ مسلم بن عقيل يجمع القواعد الشعبية ويأخذ البيعة للإمام(عليه السلام) وتوالت الوفود تقدم ولاءها، و الجماهير تعلن عن استبشارها. وقد لاحظنا كيف أنّ الناس كانوا يبكون وهم يسمعون مسلماً يقرأ عليهم رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) التي فيها يحيّيهم، ويعلن استعداده للقدوم اليهم وقيادة الثورة علي الحكم الطاغي.وبعد أن لاحظ مسلم كثرة الأنصار؛ بادر بالكتابة إلي الإمام(عليه السلام) ناقلا اليه صورةً حيّة للأحداث والوقائع التي تجري أمام عينيه في الكوفة، وقيّم له الموقف وأعرب عن تفاؤلهِ وسأله القدوم.وقد جاء في رسالة مسلم للإمام(عليه السلام): «أَمّا بعد، فإن الرائد لايكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشَر ألفاً، فعجّل حين يأتيك كتابي، فإنّ الناس كلَّهُم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هويً» [270] .

رسالة الامام الي زعماء البصرة

وذكر المؤرخون أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) _ بعد أن قرّر التوجّه إلي العراق _ بعث رسالة إلي زعماء البصرة جاء فيها: «أمّابعد، فإنّ الله اصطفي محمّداً(صلي الله عليه وآله) من خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما اُرسل به، و كنّا أهلَه و أولياءه و أوصياءه وورثته و أحقَّ الناس بمقامه، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، و نحن نعلم أنّا أحقُّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتت والبدعة قد أُحييت، فإنْ تسمعوا قولي أهدكم إلي سبيل الرشاد» [271] .وقد بعث(عليه السلام) عدّة نسخ من هذه الرسالة الي كلٍّ من: مالك بن مسمع البكري، والأحنفِ بن قيس، والمنذر بن الجارود، و مسعود بن عمرو، وقيس ابن الهيثم، وعمرو بن عبيد بن معمر، ويزيد

بن مسعود النهشلي، وأرسل الإمام(عليه السلام) النسخ مع موليً له يقال له: سليمان أبو رزين.ولم يجب علي رسالة الإمام(عليه السلام) غيرُ الأحنف بن قيس و يزيد بن مسعود، أمّا المنذر بن الجارود فقد سلّم رسول الحسين الي ابن زياد _ وكان حينها والياً علي البصرة _ فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلي الكوفة [272] وكانت ابنة المنذر زوجة ابن زياد فزعم المنذر أنّه كان يخشي أن يكون الرسول مدسوساً من ابن زياد لكشف نواياه.

جواب الاحنف بن قيس

وأمّا الأحنف بن قيس _ وهو أحد زعماء البصرة _ فقد أجاب علي رسالة الإمام(عليه السلام) برسالة كتب فيها هذه الآية الكريمة ولم يزد عليها: (فاصبر إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ولايَسْتَخِفَّنَّك الذين لا يوقنون) [273] .وهذا الجواب يعكس مدي تخاذله وتقاعسه في مواجهة الظلم والمنكر.

جواب يزيد بن مسعود النهشلي

واستجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلي تلبية نداء الحقّ، فاندفع بوحي من إيمانه و عقيدته الي نصرة الإمام، فعقد مؤتمراً عامّاً دعا فيه القبائل الموالية له وهي: 1 _ بنو تميم. 2 _ بنو حنظلة. 3 _ بنو سعد.وانبري فيهم خطيباً فكان ممّا قال: إنَّ معاوية مات، فأهونْ به واللهِ هالكاً ومفقوداً، ألا إنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكمه، و هيهات الذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة للمسلمين، ويتأمرّ عليهم بغير رضيً منهم مع قصر حلم وقلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطأ قدميه، فأُقسم بالله قسماً مبروراً لَجِهادُه علي الدين أفضل من جهاد المشركين.وهذا الحسين بن عليّ وابن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذوالشرف الأصيل، والرأي الأثيل. له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف. وهو أولي بهذا الأمر لسابقته وسنّه، وقِدمه وقرابته من رسول الله (صلي الله عليه وآله). يعطف علي الصغير، ويُحسن إلي الكبير، فأكرم به راعي رعية، و إمام قوم و جبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة. فلا تعشوا عن نور الحقّ، و لا تسكعوا في وهد الباطل... والله لا يُقصِّر أحدكم عن نصرته إلاّ أورثه الله الذلّ في ولده، والقلّة في عشيرته، وها أنا قد لَبَسْتُ للحرب لامَتها

وادَّرَعْتُ لها بِدِرْعِها. من لم يُقْتَلْ يَمُتْ، و مَن يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب».ولما أنهي النهشلي خطابه؛ انبري وجهاء القبائل فأظهروا الدعم الكامل له، فرفع النهشلي رسالة للإمام(عليه السلام) دلّت علي شرفه ونبله و هذا نصها:«أمّا بعد، فقد وصل إليَّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وإنّ الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ودليل علي سبيل نجاة، و أنتم حجّة الله علي خلقه ووديعتُه في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمدية، هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشد تتابعاً في طاعتك من الإبل الضمأي لورود الماء يوم خمسها، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد، و غسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقُها فلمع» [274] .ويقول بعض المؤرّخين: إنّ الرسالة انتهت إلي الإمام(عليه السلام) في اليوم العاشر من المحرم بعد مقتل أصحابه وأهل بيته، وهو وحيد فريد قد أحاطت به القوي الغادرة، فلمّا قرأ الرسالة قال(عليه السلام): «آمنك الله من الخوف، وأرواك يوم العطش الأكبر».ولمّا تجهّز ابن مسعود لنصرة الإمام بلغه قتله فَجَزع لذلك، وذابت نفسه أسيً وحسرات [275] .

موقف والي الكوفة

كان النعمان بن بشير والياً علي الكوفة وقتذاك، ومع أنّه كان عثماني الهوي واُمويّ الرغبة لكنّه لم يكن راضياً عن خلافة يزيد، وبعد موت معاوية انضم الي عبدالله بن الزبير وقاتل وقُتل معه.وعليه فإنّه لم يتّخذ موقفاً متشدّداً من نشاطات مسلم بن عقيل في الكوفة، ولم يُنقل عنه في تلك المرحلة الحسّاسة سوي خِطاب ألقاه في جمع الكوفيين كان _ كما يتصور _ لرفع العتب والتظاهر بأنّه يقوم بواجبه كوال

تابع لحكومة الشام، وقد ذكر في خطابه:«أمّا بعد، فاتّقوا الله عبادَ الله ولا تسارعوا إلي الفتنة والفرقة، فإنّ فيها تَهلِكُ الرجال وتُسفَكُ الدماء وتُغْصَبُ الأموال، إنّي لا اُقاتل مَنْ لا يقاتلني، ولا آتي علي من لم يأت عليَّ، ولا اُنبّه نائمكم ولا أتحرّش بكم ولا آخُذُ بالقرف ولا الظِنَّة ولا التهمة، ولكنّكم إنْ أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم، فو الله الذي لا إله غَيرُه َلأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما أ نّي أرجو أن يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثرَ مِمَّنْ يرديهِ الباطل» [276] .فقام إليه عبدالله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني اُمية فقال: إنَّهُ لا يُصْلِحُ ما تري أيّها الأمير إلاّ الغُشْمُ، وأنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأيُ المستضعفين، فقال له النعمان: لئن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبُّ إليّ مِنْ أن أكون من الأعزّين في معصية الله [277] .

انصار الامويين يتداركون أمورهم

كانت الكوفة تضمّ آنذاك فئةً من أنصار الاُمويّين والمعارضين لأهل البيت(عليهم السلام) وبين هذه الفئة كان بعض المنافقين الذين يتظاهرون بالتشيّع لأمير المؤمنين(عليه السلام) فيما كانوا يُبْطِنُونَ محبّة الاُمويّين، الأمر الذي ساعدهم في اختراق صفوف شيعة أهل البيت(عليهم السلام) والتجسس لصالح الحكم الاُموي، وكان من بين هؤلاء عبدالله الحضرمي، الذي عاب علي النعمان رأيَه كما لاحظنا قبل قليل، فقد كتب رسالةً إلي يزيد جاء فيها: «أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قَدِمَ الكوفة و بايعته الشيعة للحسين بن عليّ بن أبي طالب، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعثْ إليها رجلا قويّاً ينفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو

هو يتضَعَّفُ» [278] .ويضيف المؤرّخون أنّه كتب إليه _ يعني إلي يزيد _ عمارة بن عقبة بنحو كتابه _ يعني كتاب الحضرمي _ ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقّاص مثلَ ذلك [279] .

قلق يزيد و استشارة السيرجون

السيرجون غلام نصراني كان معاوية قد اتخذه كاتباً ومستشاراً له. واستمر في منصبه الخطير في عهد يزيد الذي كان قد نشأ علي التربية النصرانية وكان أقرب منها الي غيرها.وليس هذا أوّل مورد نلاحظ فيه بصمات أصابع أهل الكتاب في صنع مواقف هؤلاء الحكّام تجاه الرسالة والعقيدة والاُمة الاسلامية وقادتها الاُمناء عليها.لقد كان لكل من تميم الداري (الراهب النصراني) وكعب الأحبار (اليهودي) موقع متميّز عند عمر حيث كان يحترمهما ويستشيرهما ويسمح لهما بالتحدث كل اسبوع قبل صلاة الجمعة فضلاً عن تدريس التوراة وتفسير القرآن الكريم، في وقت كان لا يسمح للصحابة بكتابة حديث الرسول (صلي الله عليه وآله) ولا التحديث به، بل كان يحبسهم في المدينة لئلاّ ينشروا حديث الرسول (صلي الله عليه وآله). (راجع كنز العمّال الحديث رقم 4865 وتذكرة الحفاظ بترجمة عمر وتاريخ ابن كثير: 8 / 107).وقد عظم نفوذ هؤلاء القصّاصين بعد عمر وتعاظم في عهد الاُمويين واستمر في عهد العباسيين بالرغم من أن الإمام عليّاً (عليه السلام) كان قد طردهم من مساجد المسلمين.ولا يبعد أن يكون دخول عقائد منحرفة كالتجسيم وعدم عصمة الأنبياء وغيرها من المفاهيم المنحرفة إلي مصادر المسلمين نتيجة هذا الحضور الفاعل منهم في الساحة الاسلامية وتحت شعار الاسلام ونصح الحكّام.وقد تميّز معاوية باتخاذ بطانة واسعة من أهل الكتاب حيث تلاحظ أن كاتبه ومستشاره نصراني، وهو (السيرجون) كما أنّ طبيبه كان نصرانياً وهو (أثال) وشاعره أيضاً كان نصرانياً وهو (الأخطل)، والشام هي عاصمة نصاري

الروم البيزنطيين قبل دخول الاسلام اليها. (راجع معالم المدرستين 2 / 51 _ 53):قَلِقَ يزيد كثيراً من الأخبار التي وصلته من الكوفة، وهي تتحدّث عن موقف الكوفيّين من الحكم الاُموي ومبايعتهم للإمام الحسين(عليه السلام) فدعايزيد السيرجون الذي كان يعدّ غلاماً لمعاوية فقال له: ما رأيك؟ _ إنّ حسيناً قد أنفذ إلي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيّ، فَمَنْ تري أن أستعمل علي الكوفة؟، وكان يزيد عاتباً علي عبيداللهابن زياد [280] ، فقال له السيرجون: أَرأيت لو يشير إليك معاوية حيّاً هل كنتَ آخذاً برأيه؟ قال: بلي. فأخرج السيرجون عهد عبيدالله بن زياد علي الكوفة، وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب، فضُمّ المصرَيْن (يعني الكوفة والبصرة والتي كان والياً عليها أيام معاوية) إلي عبيدالله، فقال له يزيد: أفعلُ. إبعث بعهد عبيدالله ابن زياد إليه... ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلي عبيد الله معه كتاباً جاء فيه:«أمّا بعد، فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل فيها، يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتي تأتيَ الكوفة فتطلب ابنَ عقيل طَلَب الخِرزةِ حتي تثقفه فتُوثِقَه أو تقتله أو تنفيَهُ، والسلام» [281] .

توجه عبيدالله بن زياد الي الكوفة

استلم عبيدالله بن زياد كتاب يزيد بن معاوية، فانطلق في اليوم الثاني نحو الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته [282] ، حيث ينتظر أهلُها قدومَ الإمام الحسين(عليه السلام) و معظمهم لا يعرف شخصية الإمام ولم تكن قد التقته من قبل، وقد تعجّل ابن زياد الانتقال إلي الكوفة ليصلها قبل الإمام الحسين(عليه السلام).باغت ابن زياد جماهير الكوفة وهو يُخفي

معالم شخصيتِه و يتستّر علي ملامحه، فقد تلثّم ولبس عمامةً سوداء، وراح يخترق الكوفة والناس ترحّب به وتسلِّمُ عليه وتردِّد: مرحباً بك ياابن رسول الله قدمت خير مقدم [283] .فساءه ماسمع وراح يواصل السير نحو قصر الإمارة، فاضطرب النعمان وأطلّ من شرفات القصر يخاطب عبيد الله بن زياد، وكان هو أيضاً قد ظنّ أنّه الإمام، فخاطبه: اُنشدك الله إلاّ ما تنحّيتَ، واللهِ ما أنا بمسلِّم إليك أمانتي، وما لي في قتالك من إرب... [284] .صمت ابن زياد وراح يقترب من باب القصر، حتي شخّص النعمان أنّ القادم هو ابن زياد، ففتح الباب ودخل ابن زياد القصر وأغلق بابه وباتَ ليلته، وباتت الكوفة علي وجل وترقّب وفي منعطف سياسي خطير.

محاولات ابن زياد للسيطرة علي الكوفة

فوجئ أهل الكوفة بابن زياد عند الصباح وهو يحتلّ القصر بالنداء: الصلاة جامعةً، فقام خطيباً في الجموع المحتشدة وراح يُمنّي المطيع والسائر في ركب السياسة القائمة بالأماني العريضة، ويهدّد ويتوعّد المعارضة والمعارضين والرافضين لحكومة يزيد، حتي قال:... سوطي وسيفي علي مَنْ ترك أمري وخالف عهدي [285] .ثم فرض علي الحاضرين مسؤولية التجسّس علي المعارضين، وهدّد مَنْ لَمْ يُساهم في هذه العملية ويُنَفِّذْ هذا القرار بالعقوبة وقطع المخصّصات المالية، فقال: «... فمن يجيء لنا بهم فهو بريء، و مَنْ لم يكتب لنا أحدٌ فليضمن لنا في عَرافته أن لا يخالِفَنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ برئت منه الذمّة وحلال لنا دمُه ومالُه، وأيُّما عريف وجد في عرافته من بُغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه الينا صُلب علي باب داره واُلغيت تلك العرافة من العطاء» [286] .وقد كان ابن زياد معروفاً في أوساط الكوفيّين بالقسوة والشدّة، فكان من الطبيعي أن يُحْدِثَ قدومُه و

خطابُه الشديد اللهجة هزّةً عند المعارضين لسياسته، فلاحت بوادر النكوص والتخاذل والإرجاف تظهر علي الكوفيّين وقياداتهم، من هنا اعتمد مسلم بن عقيل وسيلةً جديدة للسير في حركته نحو الهدف المطلوب. فانتقل الي دار هانيء بن عروة وجعل يتستّر في دعوته وتحركاته إلاّ عن خلّص أصحابه، وهانيء يومذاك سيّد بني مراد وصاحب الكلمة المسموعة في الكوفة والرأي المطاع [287] .

موقف مسلم من اغتيال ابن زياد

لقد كان مسلم بن عقيل _ رضوان الله تعالي عليه _ يحمل رسالةً ساميةً وأخلاقاً فاضلة اكتسبها من بيت النبوّة، كما كان يملك درايةً بكلّ تقاليد وأعراف المجتمع الذي كان يتحرّك فيه، ففي موقف كان يمكن فيه لمسلم ابن عقيل أن يغتال ابن زياد رفض ذلك لاعتبارات شتّي.فقد روي أنّ شريك بن الأعور حين نزل في دار هانيء بن عروة مرض مرضاً شديداً، وحين علم عبيد الله بن زياد بذلك قدم لعيادته، وهنا اقترح شريك علي مسلم أن يغتال ابن زياد، فقال: إنّما غايتك و غاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، وقد أمكنك الله منه وهو صائر إليّ ليعودني، فقم وأدخل الخزانة حتي إذا اطمأنّ عندي فاخرج إليه فاقتله، ثم صر إلي قصر الإمارة فاجلس فيه، فإنّه لا ينازعنّك فيه أحد من الناس.ولمس مسلم كراهية هانيء أن يقتل عبيد الله في داره، ولم يأخذ مسلم باقتراح شريك، وحين خرج عبيد الله قال شريك بحسرة وألم لمسلم: ما منعك من قتله؟ قال مسلم: منعني منه خلّتان: أحدهما كراهية هانيء لقتله في منزله، والاُخري قول رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنّ الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن» [288] .

الغدر بمسلم بن عقيل

اتّخذ ابن زياد كلّ وسيلة مهما كانت دنيئة للقضاء علي الوجود السياسي والتحرّك الذي برز منذراً بالخطر بوجود مسلم بن عقيل علي النظام الاُموي، وسارع للقضاء علي مسلم بن عقيل وكلّ الموالين له قبل وصول الإمام الحسين(عليه السلام) وليتمكّن بذلك من إفشال الثورة، فدبّر خطّةً للتجسّس علي تحرّكات مسلم ومكانه والموالين له، واستطاع أن يكتشف مخبأه وأن يعلم بمقرّه [289] فكانت بداية تخاذل الناس عن الصمود في مواجهة الظلم.لقد استطاع الوالي الجديد عبيد الله بن زياد أن يُحْكِمَ الحيلةَ

والخداع ليقبضَ علي هانيء بن عروة الذي آوي رسول الحسين(عليه السلام) وأحسن ضيافته واشترك معه في الرأي والتدبير، فقبض عليه وقتله بعد حوار طويل جري بينهما، وألقي بجثمانه من أعلي القصر إلي الجماهير المحتشدةحوله، فاستولي الخوف والتخاذل علي الناس، وذهب كلّ إِنسان إلي بيته وكأنّ الأمر لا يعنيه [290] .ولمّا علم مسلم بما جري لهانيء ورأي تَخاذُلَ عشيرته مذحج الغنية بعددها وعدَّتِها خرج في أصحابه ونادي مناديه في الناس وسار بهم لمحاصرة القصر، واشتد الحصار علي ابن زياد وضاق به أمرُه، ولكنّه استطاع بدهائه ومكره أن يتغلّب علي المحنة ويُخذِّلَ الناسَ عن مسلم [291] .لقد دسّ ابن زياد في أوساط الناس أشخاصاً يُخَذِّلونهم ويتظاهرون بالدعوة إلي حفظ الأمن والاستقرار وعدم إراقة الدماء، ويحذّرون من قدوم جيش جرّار من الشام بهدف كسب الوقت وتفتيت قوي الثوار. واستمرّ الموقف كذلك والناس تنصرف وتتفرّق عن مسلم. وبدخول الليل صلّي بمن بقي معه وخرج من المسجد الجامع وحيداً لا ناصر له ولا مؤازر ولا مَنْ يَدُ لُّه علي الطريق، وأقفل الناس أبوابهم في وجهه، فمضي يبحث عن دار يأوي إليها في ليلته تلك، وفيما هو يسير في ظلمة الليل وجد امرأةً علي باب دارها وكأنّها تنتظر شيئاً، فعرّفها بنفسه وسألها المبيت عندها إلي الصباح، فرحّبت به وأدخلته بيتها، وعرضت عليه العشاء فأبي أن يأكل شيئاً، وعرف ولدها بمكانه وكان ابن زياد قد أعدّ جائزة لِمَنْ يخبره عنه، وما كاد الصبح يتنفّس حتي أسرع ولدها إلي القصر وأخبر محمد بن الأشعث بمكان مسلم بن عقيل، و فور وصول النبأ الي ابن زياد أرسل قوّة كبيرة من جنده [292] بقيادة ابن الأشعث إلي المكان الذي فيه مسلم، وما أن سمع بالضجّة

حتي أدرك أنّ القوم يطلبونه فخرج إليهم بسيفه.وقد اقتحموا عليه الدار فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك، مع انّهم تكاثروا عليه بعد أن اُثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخرّ الي الأرض فاُخذ أسيراً وحمل علي بلغة وانتزع الأشعث سيفه وسلاحه وأخذوه الي القصر فاُدْخِلَ علي ابن زياد ولم يسلّم عليه، وجري بينهما حوار طويل كان فيه ابن عقيل _ رضوان الله عليه _ رابط الجأش منطلقاً في بيانه قويّ الحجّة، حتي أعياه أمرُه وانتفخت أوداجه وجعل يشتم عليّاً والحسن والحسين، ثم أمر أجهزته أن يصعَدوا به الي أعلي القصر ويقتلوه ويرموا جسده إلي الناس ويسحبوه في شوارع الكوفة ثم يصلبوه إلي جانب هانيء بن عروة، هذا وأهل الكوفة وقوف في الشوارع لا يحرّكون ساكناً وكأنّهم لا يعرفون من أمره شيئاً.وكان مسلم قد طلب من ابن الأشعث أن يكتب إلي الحسين(عليه السلام) يخبره بما جري في الكوفة وينصحه بعدم الشخوص اليهم، فوعده ابن الاشعث بذلك، ولكنّه لم يفِ بوعده [293] .

حركة الامام الحسين الي العراق

اشاره

ونترك الكوفة يعبثُ بها ابن زياد ويتتبّع شيعة الإمام الحسين(عليه السلام) ويطاردهم، ونعود إلي مكة لنتابع السير مع ركب الحسين(عليه السلام) حتي الطفّ حيث المأساة الكبري. قال المؤرّخون: كان خروج مسلم بن عقيل رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، وقتلُه يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة، وكان توجّه الحسين صلوات الله عليه من مكة الي العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة _ وهو يوم التروية _ بعد مُقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوّالاً وذا القعدة وثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، وكان(عليه السلام) قد اجتمع

إليه مدةَ مُقامه بمكة نَفَرٌ من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضمّوا إلي أهل بيته ومواليه.ولمّا أراد الحسين(عليه السلام) التوجّه إلي العراق طاف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرةً، لأَنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقْبَضَ عليه بمكة فيُنْفَذ به إلي يزيد بن معاوية، فخرج(عليه السلام) مبادراً بأهله وولده ومن انضمّ إليه من شيعته، ولم يكن خبر مسلم قد بلغه [294] .

لماذا اختار الامام الحسين الهجرة الي العراق؟

رغم كلّ ما قيل من تحليل ودراسة لوضع المجتمع الكوفي وما ينطوي عليه من إثارة سلبيات يتكهّن بأغلبها المحلّلون من دون جزم فإنّنا نري أنّ اختيار الإمام الحسين(عليه السلام) الهجرة الي العراق كان لأسباب منها:1 _ إنّ التكليف الإلهي برفع الظلم والفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل جميع المسلمين بلا استثناء، إذ أنّنا لا نجد في النصوص التأريخية ما يدلّل علي قيام قطر من الأقطار الاسلامية بمحاولة لمواجهة الحكم الاموي سوي العراق الذي وقف ضدّهم منذ أن ظهر الامويّون في الساحة السياسية وحتي سقوطهم.2 _ إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يعلن دعوته لمواجهة ظلم الامويّين وفسادهم والنهوض لإحياء الرسالة يوم طُلب منه مبايعة يزيد، بل كانت تمتدّ دعوته في العمق الزمني إلي أبعد من ذلك، ولكن لم نرَ نصوصاً تأريخية تدلّل علي استجابة شعب من شعوب العالم الإسلامي لنداء الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته غير العراق، فكانت الدعوات الكثيرة والملحّة موجّهة إليه تعلن الولاء والاستعداد لتأييد النهضة ومواجهة الحكم الاُموي الفاسد.3 _ لم يكن أمام الحسين(عليه السلام) من خيار لاختيار بلد آخر غير العراق، لأنّ بقية الأقطار إمّا أنها كانت مؤيّدة للاُمويين في توجّهاتهم وسياساتهم، أو خاضعة مقهورة، أو أنّها كانت غير متحضّرة وغير مستعدّة للاستجابة

للنهضة الحسينيّة. علي أنّ كثيراً من شعوب العالم الإسلامي كانت في ذلك الحين إمّا كافرة أو حديثة عهد بالإسلام، أو غير عربية بحيث يصعب التعايش والتعامل معها؛ ممّا كان سبباً لتضييع ثورة الإمام وجهوده.4 _ كانت الكوفة تضمّ الجماعة الصالحة التي بناها الإمام عليّ(عليه السلام) والقاعدة الجماهيرية التي تتعاطف مع أهل البيت (عليهم السلام) فأراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن لا يضيع دمه وهو مقتول لا محالة، كما أراد أن يعمّقالإيمان في النفوس ويجذّر الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان العراق أخصب أرض تستجيب لذلك، وسرعان ما بدأت الثورات في العراق بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وأصبح العراق القاعدة العريضة لنشر مبادئ وفضائل أهل البيت(عليهم السلام) إلي العالم الاسلامي في السنين اللاحقة.5 _ إنّ اختيار أيّ بلد غير العراق سيكون له أثره السلبي، إذ يتّخذه أعداء الاسلام وأهل البيت(عليهم السلام) أداة عار وشنار للنيل من مقام الإمام وأهدافه السامية، ويفسّر خروجه إليه علي أنّه هروب من المواجهة الحتمية، في الوقت الذي كان يهدف الإمام (عليه السلام) الي إحياء حركة الرسالة والمُثل الأخلاقية وتأجيج روح المواجهة والتصدّي للظلم والظالمين. وحتي علي فرض اختياره (عليه السلام) بلداً آخر فإنّ سلطة الاُمويّين ستنال منه وتقضي عليه دون أن يحقّق أهداف رسالته التي جاء من أجلها.6 _ لمّا كان العراق يصارع الاُمويّين كانت أجواؤه مهيّئة لنشر الإعلام الثوري لنهضة الحسين(عليه السلام) وأفكاره، ومن ثمّ فضح بني اُميّة وتستّرهم بالشرعية وغطاء الدين، وحتي النزعة العاطفية المزعومة في العراقيّين فقد كانت سبباً في ديمومة وهج الثورة وأفكارها كما نري ذلك حتّي عصرنا هذا.ولعلّ هناك أسباباً لا ندركها، لا سيما ونحن نري أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان علي بيّنة واطلاع من نتيجة

الصراع، وكان علي معرفة بالظروف الموضوعية المحيطة بمسيرته وعلي علم بطبيعة التكوين الاجتماعي والسياسي للمجتمع الذي كان يتوجّه إليه من خلال وعيه السياسي الحاذق، والنصائح التي قدّمها إليه عدد من الشخصيات فضلاً عن عصمته عن الزلل والأهواء، كما نعتقد؛ فلم يكن اختياره العراق منطلقاً لثورته العظيمة، إلاّ عن دراية وتخطيط رغم الجريمة النكراء التي نتجت عن تخاذل الناس وتركهم نصرة إمامهم ولحوق العار بهم في الدنيا والآخرة.

تصريحات الامام عند وداعه مكة

صدرت عن الإمام الحسين(عليه السلام) عدّة تصريحات عند ما كان يعتزم مغادرة مكة والتوجّه إلي العراق، وكانت بعض هذه التصريحات تمثّل أجوبته(عليه السلام) علي من أشفق عليه أو مَنْ ندّد بخروجه، وقد تمثّل خطابه للناس بصورة عامة، فنذكرُ منها هنا:1 _ روي عبدالله بن عباس عن الإمام الحسين بشأن حركته نحو العراق قوله(عليه السلام): «والله لايَدَعُونَنِي حتي يستخرجوا هذه العَلْقَةَ من جوفي، فإذا فعلوا سُلِّط عليهم مَنْ يذلّهم حتي يكونوا أذلَّ من فَرْم المرأة» [295] .2 _ كان محمد بن الحنفية في يثرب فلمّا علم بعزم الإمام(عليه السلام) علي الخروج إلي العراق توجّه إلي مكة، وقد وصل إليها في الليلة التي أراد(عليه السلام) الخروج في صبيحتها إلي العراق، وقصده فور وصوله فبادره قائلا: «يا أخي إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، ويساورني خوف أن يكون حالك حال من مضي، فإن أردت أن تقيم في الحرم فإنّك أعز من بالحرم وأمنعهم».فأجابه الإمام(عليه السلام): «خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية، فأكون الذي تستباح به حرمةُ هذا البيت» فقال محمد: «فإنْ خفت ذلك فسر إلي اليمن أو بعض نواحي البرّ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد»، قال الحسين(عليه السلام): «أنظر فيما قلت».ولمّا كان وقت السَحَر بلغه شخوصُه

إلي العراق وكان يتوضّأ فبكي، وأسرع محمد إلي أخيه فأخذ بزمام ناقته وقال له: «يا أخي، ألم تعدني فيما سألتك؟» قال الإمام(عليه السلام): «بلي ولكنّي أتاني رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعد ما فارَقْتُك وقال لي: يا حسين، اُخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلا»، فقال محمد: فما معني حملِ هؤلاء النساء والأطفال، وأنت خارج علي مثل هذا الحال؟ فأجابه الإمام(عليه السلام): «قد شاء الله أن يراهن سبايا» [296] .ولم يكن اصطحاب الحسين(عليه السلام) لعيالاته حالة غريبة علي المجتمع العربي والإسلامي، فقد كان العرب يصطحبون نساءَهم في الحروب وكذا فعل النبيّ(صلي الله عليه وآله) في غزواته فقد كان يقرع بين نسائه، أمّا بالنسبة إلي الإمام الحسين(عليه السلام) فإنّ اصطحابه لعائلته في حركته إنّما كان لأجل أن يكون وجودها معه بمثابة حجّة قوية علي المسلمين لنصرته، فمن تولّي الحسين(عليه السلام) ويسعي لنصرته والدفاع عنه فأولي له أن يدافع عنه وهو بين أهله. وإن اختلف مع الحسين(عليه السلام) فما ذنب عيالاته وهنّ بنات النبيّ(صلي الله عليه وآله) خاصة أنّ الخلاف بزعم الاُمويّين إنّما هو لأجل الخلافة.3 _ ذكر المؤرخون أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لمّا أراد الخروج من مكة ألقي خطاباً فيها، جاء فيه: «خُطَّ الْمَوْتُ علي وُلْدِ آدم مَخَطّ الْقِلادة علي جيدِ الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اِشتياق يعقوب إلي يوسف، وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأ نّي بأوصالي تقطّعها عُسْلانُ الفلواتِ بينَ النواويس وكربلاء، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله(عليهم السلام) لُحْمَتُه، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تَقِرُّ بهم عينُه، ويُنْجَزُ بهم وعدُه،

مَنْ كان باذلا فينا مهجتَه وموطِّناً علي لقاء الله نَفْسَه فَلْيَرْحَلْ معنا، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالي» [297] .يُبَيِّنُ الإمام الحسين(عليه السلام) في هذه التصريحات أنّه مصمّم علي عدم مبايعة يزيد؛ قياماً بتكليفه الإلهي، موضحاً سبب خروجِه من مكة، مخبراً عن المصير الذي ينتظره وأهل بيته جميعاً، داعياً الي الالتحاق به من كان مُوَطِّناً علي لقاء الله نفسه، معلِناً أنّ الله تعالي قرن رضاه برضا أهلِ البيت(عليهم السلام).

خلاصة الثورة في رسالة

بوعي القائد الرسالي والفدائي العظيم والثائر من أجل العقيدة صمّم الإمام الحسين(عليه السلام) بحنكة ودراية المسير من مكة الي العراق، بعد أن أوضح جانباً كبيراً من أهدافه وأسباب نهضته، وقد تطايرت أخباره إلي أرجاء العالم الإسلامي.وكتب الإمام(عليه السلام) الي بني هاشم في يثرب رسالةً يدعوهم فيها إلي الفرصة الأخيرة لنصرة الإسلام والمبادئ والقيم الإلهية والتألّق في سماء التضحية في الدنيا، وخلود الذكر الطيّب والبقاء عنواناً للحقّ والعدل والإباء والفوز في أعلي درجات الجنّة في الآخرة، فقد جاء فيها بعد البسملة:«من الحسين بن عليّ إلي أخيه محمد ومن قبله من بني هاشم: أمّا بعد، فإنّه من لحق بي منكم استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام» [298] .ولمّا وردت رسالة الإمام(عليه السلام) الي بني هاشم في يثرب، بادرت طائفة منهم إلي الالتحاق به ليفوزوا بالفتح والشهادة بين يدي ريحانة رسول الله(صلي الله عليه وآله) [299] .

ملاحقة السلطة للامام

ولم يبعُد الإمام(عليه السلام) كثيراً عن مكة حتي لاحقته مفرزة من الشرطة بقيادة يحيي بن سعيد، فقد بعثها والي مكة عمرو بن سعيد لصدّ الإمام(عليه السلام) عن السفر، وجرت بينهما مناوشات حتي تدافع الفريقان واضطربوا بالسياط وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعاً قوياً [300] .

في التنعيم

ومضي ركب الإمام الحسين(عليه السلام) لا يلوي علي شيء، وفي طريقهم بمنطقة التنعيم [301] صادفوا إبلا قد يَمَّمت وَجْهَها شطرَ الشام وهي تحمل الهدايا ليزيد بن معاوية قادمةً من اليمن، فاستأجر من أهلها جِمالا لرحله وأصحابه وقال لأصحابها: مَنْ أحبّ أن ينطلق معنا إلي العراق وفيناه كِراءه وأحسنّا صحبته، وَمَنْ أحبّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراءه علي ما قطع من الطريق، فمضي معه قوم وامتنع آخرون [302] .

في الصفاح

وواصل الإمام مسيره حتي وصل الصفاح [303] فالتقي الفرزدق الشاعر فسأله عن خبر الناس خلفه فقال الفرزدق: قلوبُهم معك والسيوف مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء. فقال أبو عبدالله(عليه السلام): صدقت، للهِ الأمر، واللهُ يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربّنا هو في شأن، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله علي نعمائه وهو المستعان علي أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدَّ مَنْ كان الحقُّ نيّتَه والتقوي سريرَتَهُ [304] .ثمّ واصل الإمام(عليه السلام) مسيرته بعزم وثبات، ولم يثنه عن عزيمته قول الفرزدق في تخاذل الناس عنه وتجاوبهم مع الاُمويّين.

كتاب الامام لاهل الكوفة

ولمّا وافي الإمام الحسين(عليه السلام) الحاجر من بطن ذي الرُّمّة _ وهو أحد منازل الحجّ من طريق البادية _ كتب كتاباً لشيعته من أهل الكوفة يعلمهم بالقدوم إليهم، ولم يكن(عليه السلام) قد وصله خبر ابن عقيل، هذا نصّه:بسم الله الرحمن الرحيممن الحسين بن علي إلي إخوانه من المؤمنين والمسلمين:سلام عليكم، فإنّي أحْمَدُ اليكم الله الذي لا إله إلاّ هو.أمّا بعد، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يُخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع مَلَئكم علي نصرنا والطلب بحقّنا، فسألت الله أن يُحسن لنا الصنيع، وأن يُثيبكم علي ذلك أعظم الأجر، وقد شَخَصْتُ اليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا [305] في أمركم وجِدّوا، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [306] .وقد بعث (عليه السلام) الكتاب بيد قيس بن مُسهر الصيداوي.

اجراءات الامويين

سري نبأ مسير الإمام(عليه السلام) نحو الكوفة بين الناس فاضطرب الموقف الاُموي، وشعرت السلطات بالخوف والحرج، وتحدّثت الركبان بأنباء الثائر العظيم، فتناهي الخبر إلي عبيدالله بن زياد، فأعدّ رجاله وجنده، ووضع خطّة لقطع الطريق أمام الحسين(عليه السلام) والحيلولة دون وصوله إلي الكوفة، فبعث مدير شرطته الحصين بن نمير التميمي، مكلّفاً إيّاه بتنفيذ المهمّة، فاختار الحصين موقعاً استراتيجياً يسيطر من خلاله علي طريق مرور الإمام(عليه السلام)، فنزل بالقادسية واتّخذها مقرّاً لقيادته.

اعتقال الصيداوي و قتله

انطلق قيس بن مُسهر الصيداوي برسالة الإمام نحو الكوفة، وحينما وصل القادسية اعتقله الحصين بن نمير، فبعث به إلي عبيدالله بن زياد، فقال له عبيدالله: إصعد فسبّ الكذّاب الحسين بن عليّ، فصعد قيس فحمدالله وأثني عليه ثم قال: أيّها الناس، إنَّ هذا الحسين بن عليّ خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأنا رسوله اليكم، وقد فارقته في الحاجر فأجيبوه، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ بن أبي طالب وصلّي عليه، فأمر عبيدالله أن يُرمي به من فوق القصر، فرموا به فتقطّع [307] .وروي: أنّه وقع علي الأرض مكتوفاً فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فجاء رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه، فقيل له في ذلك وعِيبَ عليه، فقال: أردتُ أن اُريحه.

مع زهير بن القين

وانتهت قافلة الإمام الي «زرود» فأقام (عليه السلام) فيها بعض الوقت، وقد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي وكان عثمانيّ الهوي، وقد حجّ بيت الله في تلك السنة، وكان يساير الإمام في طريقه ولا يحبّ أن ينزل معه مخافةَ الاجتماع به إلاّ أنّه اضطرّ إلي النزول قريباً منه، فبعث الإمام(عليه السلام) إليه رسولا يدعوه إليه، وكان زهير مع جماعته يتناولون الطعام، فأبلغه الرسول مقالة الحسين فذعر القوم وطرحوا ما في أيديهم من طعام، وكأنَّ علي رؤوسهم الطير، فقالت له امرأته: سبحانَ الله! أيبعث إليك ابنُ بنت رسول الله ثم لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعتَ من كلامه ثم انصرفتَ. فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهُه، فأمر بفسطاطه وثقله وراحلته ومتاعه، فقُوِّضَ وحُمِل إلي الحسين(عليه السلام) ثم قال لامرأته: أنتِ طالق، إلحقي بأهلك، فإنّي لا اُحبّ أن يُصيبَكِ بسببي إلاّ

خير. وقال لأصحابه: من أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فهو آخر العهد، إنّي سأحدثكم حديثاً: إنّا غزونا البحر ففتح الله علينا وأصبنا غنايم، فقال لنا سلمان الفارسي رحمة الله عليه: أَفَرِحْتُم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟ قلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه ممّا أصبتم اليوم من الغنائم. فأمّا أنا فأستودعكم الله. قالوا: ثم _ والله _ مازال في القوم مع الحسين(عليه السلام) حتي قتل رحمة الله عليه [308] .

أنباء الانتكاسة تتوارد علي الامام

ها هي الكوفة تضطرب وتموج، والانتكاسة الخطيرة قد لاحت ملامحها، وبدأ ميزان القوي يميل لصالح السلطة الاُمويّة، والوهن بدأ يدبّ والانحلال يسري في أوساط المعارضة، وبدأ الإرهاب والتجسس والرشوة تفعل فعلتها، فتلاشت المعارضة ونكص المبايعون، وقُتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وقيس بن مُسهر الصيداوي، وسُجِنَ المختار بن عبيدة الثقفي، وانقلبت أوضاع الكوفة علي أعقابها.وواصل الإمام الحسين(عليه السلام) المسير، وليس لديه معلومات جديدة عن تطور الأحداث، فأرسل عبدالله بن يقطر إلي مسلم بن عقيل ليستجلي الموقف، إلاّ أنّ الحسين اُخبرَ في الطريق في موضع يدعي «الثعلبية» بانتكاسة الثورة واستشهاد مسلم بن عقيل، أمّا رسوله الثاني هذا إلي مسلم فقد وقع أسيراً أيضاً بيد جنود الحصين فنقل إلي ابن زياد في الكوفة، وكان كرسول الحسين(عليه السلام) السابق مثالا للصلابة والجرأة والإخلاص.ووصل خبر أسر الرسول واستشهاده إلي الإمام(عليه السلام) في موضع يدعي «زبالة» وهكذا راحت تتوارد علي الإمام أنباء الانتكاسة، ولاحت له بوادر النكوص الخطير، وشعر بالخذلان ونقض العهد، فوقف في أصحابه وأهل بيته يبلغهم بما استجدّ من الحوادث، ويضع أمامهم الحقائق، ليكونوا علي بصيرة من الأمر، فقال لهم: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنَّه قد

أتانا خبر فظيع قتلُ مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتُنا، فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرفْ في غير حرج ليس معه ذمام».فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالا، حتي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه، وإنَّما فعل ذلك لأنّه(عليه السلام) علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنَّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهله، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون علي ما يقدمون [309] فلمّا كان السَحَر أمر أصحابَه فاستقَوْا ماءً وأكثروا، ثم ساروا.

لقاء الامام الحسين مع الحر

وبينما كان الإمام(عليه السلام) يسير بمن بقي معه من أصحابه المخلصين وأهل بيته وبني عمومته؛ إذا بهم يرون أشباحاً مقبلة من مسافات بعيدة، وظنّها بعضهم أشباح نخيل، ولكن لم يكن الذي شاهدوه أشجار النخيل، ولكنّها جيوش زاحفة، فبعد قليل تبيّن لهم أنّ تلك الأشباح المقبلة عليهم هي ألف فارس من جند ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، أرسلها ابن زياد لتقطع الطريق علي الحسين(عليه السلام) وتسيّره كما يريد، ولمّا اقتربوا من ركب الحسين(عليه السلام) سألهم عن المهمّة التي جاءوا من أجلها، فقال لهم الحرّ: لقد اُمرنا أن نلازمكم ونجعجع بكم حتي ننزلكم علي غير ماء ولا حصن، أو تدخلوا في حكم يزيد وعبيدالله بن زياد [310] .وجري حوار طويل بين الطرفين وجدال لم يتوصّلا فيه الي نتيجة حاسمة ترضي الطرفين، فلقد أبي الحرّ أن يمكِّنَ الحسينَ من الرجوع إلي الحجاز أوسلوك الطريق المؤدّية إلي الكوفة، وأبي الحسين(عليه السلام) أن يستسلم ليزيد وابن زياد [311] ، وكان ممّا قاله الحسين وهو واقف بينهم خطيباً: «أيّها الناس! إنّي لم آتِكم حتي أتتني كتبُكم وقدمِتْ عليّ رُسُلُكُم، أنِ

أقدم علينا، فإنه ليس لنا إمام، لعلّ الله أن يجمعنا بك علي الهُدي والحقِّ، فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئنُ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين اِنْصَرَفْتُ عنكم إلي المكانِ الذي جئتُ مِنه إليكم». فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة، فقال للحرّ: «أتريد أن تصلّيَ بأصحابك؟» قال: لا، بل تُصلّي أنت ونصلّي بصلاتك، فصلّي بهم الحسين(عليه السلام) [312] .وبعد أن صلّي الإمام(عليه السلام) بهم العصر خاطبهم بقوله: «أمّا بعد، فإنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكونوا أرضي لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد وأولي بولاية هذا الأَمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرينَ فيكم بالجوْرِ والعدوانِ، وإنْ أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليَّ رُسُلُكُم انصرفت عنكم» [313] ، فقال له الحرّ: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر، فقال الحسين(عليه السلام) لبعض أصحابه: «يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم إليَّ» فأخرجَ خرجين مملوءين صُحُفاً فنثرت بين يديه. فقال له الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمِرْنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتي نُقدِمَكَ الكوفة علي عبيدالله.فقال له الحسين(عليه السلام): «الموت أدني إليك من ذلك» ثم قال لأَصحابه: «قوموا فاركبوا»، فركبوا وانتظروا حتي ركبت نساؤهم، فقال لاِصحابه: «انصرفوا»، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين(عليه السلام) للحرّ: «ثَكَلَتْكَ اُمُّك ما تريد؟»، قال له الحرّ: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر اُمّه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكن والله ما لي إلي ذكر

اُمِّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه [314] .

النزول في ارض الميعاد

أقلقت الأخبار عن تقدّم الإمام الحسين(عليه السلام) نحو الكوفة ابن زياد وأعوان السلطة الاُموية، فأسرع بكتابه إلي الحرّ بن يزيد الرياحي يطلب فيه أن لا يسمح بتقدّم الإمام حتي تلتحق به جيوش بني اُميّة وتلتقي به بعيداً عن الكوفة خشية أن يستنهض أهلها ثانية، وليستغل ابن زياد ظروف المنطقه الصعبة للضغط علي الإمام(عليه السلام) واستسلامه.وبغباء المنحرف الساذج وجهالته ردّ حامل كتاب ابن زياد علي أحد أصحاب الحسين(عليه السلام) _ يزيد بن مهاجر _ مدافعاً عمّا جاء به قائلا: أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال له ابن مهاجر: بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال الله تعالي:(وجعلناهم أئمّة يدعون إلي النار ويوم القيامة لاينصرون)( [315] ).وحالت جنود ابن زياد قافلة الإمام الحسين(عليه السلام) دون الاستمرار في المسير، فقد منعهم جيش الحرّ بن يزيد وأصرّوا علي أن يدفعوا الإمام(عليه السلام) نحو عراء لا خضرة فيها ولا ماء.وكان زهير بن القين متحمّساً لقتال جيش الحرّ قبل أن يأتيهم المدد من قوات بني اُميّة، فقال للحسين(عليه السلام): «إنّ قتالهم الآن أيسر علينا عن قتال غيرهم»، ولكنّ الإمام(عليه السلام) رفض هذا الرأي لأنّ القوم لم يعلنوا حرباً عليه بعد، وما كان ذلك الموقف النبيل إلاّ لما كان يحمله الإمام من روح تتسع للاُمّة جمعاء، وأيضاً لعظيم رسالته التي يدافع عنها وقِيَمهِ التي كان يسعي الي بنائها في الاُمّة رغم أنّها بدت تظهر العداء سافراً ضدّه، فقال(عليه السلام): «ماكنت لأبدأهم بقتال».وكان نزول الإمام في كربلاء في يوم الخميس الثاني من محرم سنة إحدي وستين [316] ، ثم اقترح زهير علي الإمام(عليه السلام) أن يلجأوا

الي منطقة قريبة يبدو فيها بعض ملامح التحصين لمواجهة الجيش الاُموي لو نشبت المعركة.وسأل الإمام(عليه السلام) عن اسم هذه المنطقة فقيل له: كربلاء، عندها دمعت عيناه وهو يقول: «اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء»، ثم قال: «ذات كرب وبلاء، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره الي صفّين وأنا معه فوقف، فسأل عنه فاُخبر باسمه فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال: ثقل لآل بيت محمد ينزلون هاهنا» [317] .وقبض الإمام الحسين(عليه السلام) قبضةً من ترابها فشمّها وقال: «هذهوالله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أننّي اُقتل فيها، أخبرتني اُم سلمة» [318] .فأمر الإمام(عليه السلام) بالنزول ونصب الخيام إلي حين يتّضح الأمر ويتّخذ القرار النهائي لمسيرته.

جيش الكوفة ينطلق بقيادة عمر بن سعد

وفي تلك الأثناء خرج عمر بن سعد من الكوفة في جيش قدّرته بعض المصادر بثلاثين ألفاً، وبعضها بأكثر من ذلك، وفي رواية ثالثة: إنّ ابن زياد قد استنفر الكوفة وضواحيها لحرب الحسين و توعّد كلَّ مَنْ يقدر علي حمل السلاح بالقتل والحبس إن لم يخرجْ لحرب الحسين.وكان من نتائج ذلك أن امتلأت السجونُ بالشيعة واختفي منهم جماعة، وخرج مَنْ خرج لحرب الحسين من أنصار الاُمويّين وأهل الأطماع والمصالح الذين كانوا يشكّلون أكبر عدد في الكوفة، أمّا رواية الخمسة آلاف مقاتل التي تبنّاها بعض المؤرّخين فمع أ نّها من المراسيل، لا تؤيّدها الظروف والملابسات التي تحيط بحادث من هذا النوع الذي لا يمكن لأحد أن يقدِمَ عليه إلاّ بعد أن يُعِدَّ العُدَّة لكلّ الاحتمالات، ويتّخذ جميع الاحتياطات، وبخاصة إذا كان خبيراً بأهل الكوفة وتقلّباتهم وعدم ثباتهم علي أمر من الأُمور [319] .وتوالت قطعات الجيش الأموي بزعامة عمر بن سعد فأحاطت بالحسين(عليه السلام) وأهله

وأصحابه، وحالت بينهم وبين ماء الفرات القريب منهم. وقد جرت مفاوضات محدودة بين عمر بن سعد والإمام الحسين(عليه السلام) أوضح فيها الإمام(عليه السلام) لهم عن موقفه وموقفهم ودعوتهم له، وألقي عليهم كل الحجج في سبيل إظهار الحق، وبيّن لهم سوء فعلهم هذا وغدرهم ونقضهم للوعود التي وعدوه بها من نصرته وتأييده، وضرورة القضاء علي الفساد.ولكن عمر بن سعد كان أداة الشرّ المنفّذة للفساد والظلم الاُموي، فكانت غاية همّته هي تنفيذ أوامر ابن زياد بانتزاع البيعة من الإمام(عليه السلام) ليزيد أو قتله وأهل بيته وأصحابه [320] ، متجاهلا حرمة البيت النبوي بل وحاقداً عليه كما جاء في رسالته لعمر: أن حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان [321] .

ماذا جري في كربلاء

ليلة عاشوراء

نهض عمر بن سعد إلي الحسين (عليه السلام) عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحّرم، وجاء شمر حتي وقف علي أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال: أين بنو اُختنا؟ يعني العباس وجعفر وعبدالله وعثمان أبناء عليّ (عليه السلام). فقال الحسين(عليه السلام): أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم ؛ وذلك أنّ اُمّهم اُمّ البنين كانت من بني كلاب وشمر بن ذي الجوشن من بني كلاب أيضاً.فقالوا له: ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني اُختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد. فقالوا له: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟وناداه العباس بن أمير المؤمنين تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟!ثم نادي عمر بن سعد يا خيل الله! اركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس

ثم زحف ابن سعد نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتب بسيفه، إذ خفق برأسه علي ركبتيه، فسمعت اُخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي! أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين(عليه السلام) رأسه فقال: إني رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) الساعة في المنام فقال إنّك تروح إلينا، فلطمت اُخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسين (عليه السلام): ليس لكِ الويل، يا اُخيّة اسكتي، رحمك الله.وقال له العباس: يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال: يا عباس اركب _ بنفسي يا أخي _ أنت حتي تلقاهم وتقول لهم: ما بالكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ فأتاهم في نحو من عشرين فارساً منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتي أرجع إلي أبي عبدالله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين (عليه السلام).فلما أخبره العباس بقولهم قال له: ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلي غدوة وتدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.فسألهم العباس ذلك، فتوقف ابن سعد، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: سبحان الله! والله لو أ نّهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمد؟! وقال له قيس بن الأشعث بن قيس: أجبهم، لعمري ليصبحنّك بالقتال. فأجابوهم إلي ذلك.وجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): فدنوت منه لأسمع ما

يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني علي الله أحسن الثناء وأحمده علي السرّاء والضرّاء، اللهم إني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين.(أمّا بعد) فإني لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ألا وإنّي لأظنّ أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم؛ فإنّهم لا يريدون غيري.فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر: ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول أخوه العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه.ثم نظر إلي بني عقيل فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم إذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس لنا وما نقول لهم، إنّا تركنا شيخنا سيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرِب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ذلك ولكنّنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتي نردَ موردك، فقبّح الله العيش بعدك.وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدّو؟ وبم نعتذر إلي الله في أداء حقّك؟ لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتي أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم

يكن معي سلاح اُقاتلهم به؛ لقذفتهم بالحجارة ولم اُفارقك أو أموت معك.وقام سعيد بن عبدالله الحنفي فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبدا حتّي يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّد (صلي الله عليه وآله) والله لو علمت أني اُقتل فيك ثم أحيا ثم اُحرق ثم اُذري يُفعل ذلك بي سبعين مرّة؛ ما فارقتك حتي ألقي حِمامي دونَك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.وقام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت أني قُتلت ثم نُشرت ألف مرّة وأنّ الله تعالي يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من إخوانك وولدك وأهل بيتك.وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا [322] .وأمر الحسين (عليه السلام) أصحابه أن يقرّبوا بين بيوتهم، ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت كي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.وقام الحسين(عليه السلام) وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.قال بعض أصحاب الحسين (عليه السلام): مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ (ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مهين)، (ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من

الطيّب) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبدالله بن سمير فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميزنا منكم، فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟! فقال له: مَن أنت ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير فتسابّا، فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين (عليه السلام) برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: «رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّي قتلي رجلٌ أبرص» [323] .

يوم عاشوراء

انقضت ليلة الهدنة، وطلع ذلك اليوم الرهيب، يوم عاشوراء، يوم الدم والجهاد والشهادة، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسين(عليه السلام) وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ.نظر الحسين(عليه السلام) إلي الجيش الزاحف، ولم يزل(عليه السلام) كالطود الشامخ، قد اطمأنت نفسه، وهانت دنيا الباطل في عينه، وتصاغر جيش الباطل أمامه، ورفع يديه متضرعاً إلي الله تعالي قائلاً: «اللهم أنت ثقتي في كل كَرْب، وأنترَجائي في كُلِ شِدّة وأنت لي في كل أمر نَزَلَ بي ثقةٌ وعدَّةٌ، كم من همٍّ يَضْعَفُ فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق و يشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته اليك، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهي كل رغبة [324] .

خطاب الامام في جيش الكوفة

أخذ جيش عمر بن سعد يشدِّد الحصار علي الإمام(عليه السلام) ولما رأي الحسين(عليه السلام) كثرتهم وتصميمهم علي قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية، تعمّم بعمامة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وركب ناقته وأَخذ سلاحه ثم دنا من معسكرهم حيث يسمعون صوته وراح يقول: «ياأهل العراق _ وجُلُّهُمْ يسمعون _» فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتي أعظَكم بما يحق لكم عليَّ وحتي أُعْذَرَ إليكم فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمَّةً ثم اْقضوا اليَّ ولا تُنظِرونِ (إنَّ وليّيَ الله الذي أنزل الكتاب وهو يتولي الصالحين)، ثم حمد الله وأثني عليه وذكرالله تعالي بما هو أهله وصلّي علي النبي(صلي الله عليه وآله) وعلي ملائكته وأنبيائه فَلَمْ يُسْمَعْ متكلمٌ قط قبلَه ولابعدَه أبلغُ في منطق منه» ثم قال: «أمّا بعد فانسبوني

فانظروا مَنْ أنا ثم ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟ ألَسْتُ ابنَ بنتِ نبيّكم وابنَ وصيِّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله(صلي الله عليه وآله) بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزةُ سيدُ الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عَمّي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسولُ الله(صلي الله عليه وآله) لي ولأخي: هذانِ سيّدا شباب أهل الجنة؟ فإنْ صدقتموني بما أقول _ وهو الحق _ فوالله ما تعمدتُ كذباً منذ علمت أن الله يَمْقُتُ عليه أهله، وإنْ كذبتموني فإنَّ فيكم مَنْ إذا سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخِدْري و سهل بنَ سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنسَ بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله(صلي الله عليه وآله) لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟... ثم قال لهم الإمام الحسين(عليه السلام): «فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فوالله ليس ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنتِ نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم! أتطلبونني بقتيل منكم قَتَلْتُه أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادي: يا شبث بن ربعي! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألَمْ تكتبوا اليَّ أنْ قد أينعت الثمار واْخضرّ الجَنابُ وإنما تقدِم علي جند لك مجندة»؟ فقال له قيس بن الأشعث: ماندري ما تقول، ولكن اِنزل علي حكم بني عمّك. فقال له الحسين(عليه السلام): «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فِرار العبيد». ثم نادي: «يا عبادَ الله! إني عذْتُ بربّي ورَبِّكم أنْ ترجمُونِ، أعوذ

بربّي و ربّكم من كلِّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» [325] .لقد أبي القوم إلاّ الإصرار علي حربه والتمادي في باطلهم، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيَّهم كما حكي الله عزوجل عنهم في كتابه الكريم: (مانفقه ك____ثيراً ممّا تقول،وإنا لنراك فينا ضع___يفاً) [326] .

الحر يخير نفسه بين الجنة والنار

وتأثر الحر بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسين(عليه السلام) وندم علي ما سبق منه معه، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود الي موقفه أخري وبدا عليه القلق والاضطراب. وعند ما سئل عن السبب في ذلك قال: «والله إني أُخيِّرُ نفسي بين الجنة والنار وبين الدنيا والآخرة ولا ينبغي لعاقل أن يختار علي الآخرة والجنة شيئاً»، ثم ضرب فرسه والتحق بالحسين(عليه السلام) ووقف علي باب فسطاطه، فخرج إليه الحسين(عليه السلام) فانكبَّ عليه الحرّ يُقبّل يديه ويسأله العفو والصفح، فقال له الحسين(عليه السلام): «نعم يتوب الله عليك وهو التّواب الرحيم». فقال له الحر: والله لا أري لنفسي توبة إلاّ بالقتال بين يديك حتي أموتَ دونك. وخطب الحر في أهل الكوفة فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمام(عليه السلام) ودعوتهم له وحثّهم علي عدم مقاتلة الإمام(عليه السلام) ثم مضي إلي الحرب فتحاماه الناس، ثم تكاثروا عليه حتي استشهد [327] .

المعركة الخالدة

حصّن الإمام(عليه السلام) مخيّمه وأحاط ظهره بخندق أوْقَد فيه النار ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف، وليحميَ النساء والأطفال من العدوان المحقّق.نظر شمر بن ذي الجوشن إلي النار في الخندق فصاح: «يا حسينُ تعجّلت النار قبل يوم القيامة، فرد عليه أنت أولي بها صِلِيّا» [328] ، وحاول صاحب الحسين(عليه السلام) مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، فاعترضه الإمام ومنعه قائلا: «لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم» [329] .ويقول المؤرخون: إن بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الاُولي، وأنّ الإمام (عليه السلام) أخذ مصحفاً ونشره علي رأسه ووقف بإزاء القوم فخاطبهم للمرة الثانية بقوله: يا قوم! إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة وما عليه من سيف

النبي (صلي الله عليه وآله) ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم علي قتله، قالوا: طاعةً للأمير عبيدالله ابن زياد، فقال(عليه السلام): «تباً لكم أيتها الجماعَةُ وترحاً أحين استصرختمونا [330] والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحَشَشْتم علينا ناراً اقتدحناها علي عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم إلباً [331] لأعدائكم علي أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ _ لكم الويلاتُ _ تركتمونا والسيفُ مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصفْ! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا [332] ، وتداعيتم عليها كتهافُتِ الفراش، ثم نقضتموها فسُحْقاً لكم يا عبيدَ الأُمّة وشُذّاذَ الأحزابِ و نبذة الكتابِ ومحرّفي الكلِمِ وعصبة الإثمِ ونفثةَ الشيطان ومطفئي السُنَنِ، ويْحَكم! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟ أجل! والله غدرٌ فيكم قديم، وشجت عليه اُصولكم وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبثَ ثمر، شجيً للناظر وأكلةً للغاصب. ألا وإن الدعيَّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السِّلة والذلة. وهيهات منا الذلة! يأبي اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطَهُرَتْ واُنوفٌ حميةٌ ونفوسٌ أبيّةٌ من أن تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الاُسرة علي قلة العدد وخذلان الناصر. ثم أنشدَ أبياتِ فروة بن مسيك المرادي:فاِنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْم_ا وإن نُهْ_زَمْ فغيْرُ مهزَّمين_اوما إن طبَّنا جُبْنٌ ولك_ن من_ايانا ودول_ةُ آخ_رينافَقُلْ للشامتين بنا أفيق_وا سَيَلْقي الشامتون كما لقيناإذا ما الموتُ رَفَّعَ عن اُناس كلاكله أناخ ب_آخرينا [333] .أما والله لا تلبثون بعدها إلاكريثما يُركبُ الفرس، حتي تدور بكم دور الرَّحي، و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله) (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون) [334] (إني

توكلتُ علي الله ربي وربكم مامن دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إن ربي علي صراط مستقيم) [335] ثم رفعيديه نحو السماء وقال: «اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنينَ كسنيّ يوسف وسلِّطْ عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرةً، فإنهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير» [336] .كل ذلك وعمر بن سعد مُصرّ علي قتال الحسين(عليه السلام)، والإمام الحسين(عليه السلام) يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن. ولما لم يجد النصح مجدياً قال لا بن سعد: «أيْ عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعيّ بلاد الري وجرجان؟ والله لا تتهنّأ بذلك، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأني برأسك علي قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضاً بينهم» فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضباً [337] .واستحوذَ الشيطان علي ابن سعد فوضع سهمه في كبد قوسه ثم رمي باتجاه معسكر الحسين(عليه السلام) وقال: «إشهدوا أني أولُ مَنْ رمي» ثم ارتمي الناس وتبارزوا [338] .فخاطب الإمام(عليه السلام) أصحابه قائلا: «قوموا رحمكم الله إلي الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم اليكم» [339] .فتوجهوا إلي القتال كالأُسود الضارية لا يبالون بالموت مستبشرين بلقاء الله جل جلاله، وكأنهم رأوا منازلهم مع النبيين والصديقين وعباده الصالحين، وكان لا يقتل منهم أحد حتي يقول: السلام عليك يا أبا عبدالله ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح، واحتدمت المعركة بين الطرفين، (فكان لا يُقْتَلُ الرجل من أنصار الحسين(عليه السلام) حتي يَقْتل العشرة والعشرين) [340] .استمرت رحي الحرب تدور في ساحة كربلاء، واستمر معه شلاّل الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود، وأصحابُ الحسين(عليه السلام) يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أثخنوا جيش العدو

بالجراح وأرهقوه بالقتل، فتصايح رجال عمر بن سعد: لو استمرت الحرب برازاً بيننا وبينهم لأتوا علي آخِرنا. لنهجم عليهم مرة واحدة، ولنرشقهم بالنبال والحجارة. فبدأ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين(عليه السلام) وأحاطوا بهم من جهات متعددة مستخدمين كل أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتي قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة.وزالت الشمس وحضر وقت الصلاة، وها هو الحسين(عليه السلام) ينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محراباً للجهاد والعبادة، ولم يكن في مقدور السيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلي حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال.ولم يزل يتقدّم رجل رجل من أصحابه فيقتل، حتّي لم يبق مع الحسين (عليه السلام) إِلاّ أهل بيته خاصّةً. فتقدّم ابنه عليّ بن الحسين (عليه السلام) _ واُمّه ليلي بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ _ وكان من أصبح النّاس وجهاً، فشدَّ علي النّاس وهو يقول:تالله لا يحكم فينا ابن الدَّعيففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتَّقون قتله، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال: عليَّ آثام العرب إن مرَّ بي يفعل مثل ذلك إن لم اثكل أباه ؛ فمرَّ يشدُّ علي النّاس كما مرَّ في الأوّل، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع، واحتوشه القومُ فقطّعوه بأسيافهم، فجاء الحسين (عليه السلام) حتّي وقف عليه فقال: «قتل الله قوماً قتلوك يا بنيَّ، ما أجرأَهم علي الرّحمن وعلي انتهاك حرمة الرّسول!» وانهملت عيناه بالدُّموع ثمّ قال: «علي الدُّنيا بعدك العفا» وخرجت زينب أخت الحسين مسرعةً تنادي: يا أُخيّاه وابن أُخيّاه، وجاءت حتّي أكبّت عليه، فأخذ الحسينُ برأسها فردَّها إلي الفسطاط، وأمر فتيانه فقال: «احملوا أخاكم» فحملوه حتّي وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه.ثمّ رمي رجلٌ

من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صبيح عبدالله بن مسلم بن عقيل (رحمه الله) بسهم، فوضع عبدالله يده علي جبهته يتّقيه، فأصاب السّهم كفَّه ونفذ إلي جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها، ثمّ انتحي عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.وحمل عبدالله بن قُطبة الطائي علي عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.وحمل عامر بن نهشل التّيميّ علي محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.وشدَّ عثمان بن خالد الهمدانيّ علي عبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.قال حميد بن مسلم: فإنّا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأنَّ وجهه شقَّة قمر، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ: والله لأشدَّنَّ عليه، فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك؟! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الّذين ما يبقون علي أحد منهم ؛ فقال: والله لأشدَّنَّ عليه، فشدَّ عليه فما ولّي حتّي ضرب رأسه بالسّيف ففلقه، ووقع الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فجلي [341] الحسين (عليه السلام) كما يجلي الصقر ثمّ شدَّ شدّة ليث أغضب، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسّيف فاتّقاها بالسّاعد فأطنَّها من لدن المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر، ثمّ تنحّي عنه الحسين (عليه السلام). وحملت خيل الكوفة لتستنقذه فوطأته بأرجلها حتّي مات.وانجلت الغبرة فرأيت الحسين (عليه السلام) قائماً علي رأس الغلام وهو يفحص برجله والحسين يقول: «بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدُّك» ثمّ قال: «عزَّ _ والله _ علي عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت _ والله _ كثرَ واتروه

وقلَّ ناصروه» ثمّ حمله علي صدره، فكأنِّي أنظر إلي رجلي الغلام تخطّان الأرض، فجاء به حتّي ألقاه مع ابنه عليِّ بن الحسين والقتلي من أهل بيته، فسألت عنه فقيل لي: هو القاسم بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام).ثمّ جلس الحسين (عليه السلام) أمام الفسطاط فاُتي بابنه عبدالله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقّي الحسين (عليه السلام) دمه، فلمّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرض ثمّ قال: «ربّ إن تكن حبست عنّا النّصر من السّماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظّالمين» ثمّ حمله حتّي وضعه مع قتلي أهله.ورمي عبدالله بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فقتله.فلمّا رأي العبّاس بن عليّ رحمة الله عليه كثرة القتلي في أهله قال لإخوته من اُمِّه _ وهم عبدالله وجعفر وعثمان _ يا بني اُمِّي! تقدّموا حتّي أراكم قد نصحتم لله ولرسوله، فإنّه لا ولد لكم. فتقدّم عبدالله فقاتل قتالاً شديداً، فاختلف هو وهانيء بن ثبيت الحضرميّ ضربتين فقتله هانيء لعنه الله. وتقدّم بعده جعفر بن عليّ (عليه السلام) فقتله أيضاً هانيء. وتعمّد خوليُّ بن يزيد الأصبحيّ عثمان بن عليّ (عليه السلام) وقد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه، وشدَّ عليه رجل من بني دارم فاحتزَّ رأسه.وحملت الجماعة علي الحسين (عليه السلام) فغلبوه علي عسكره، واشتدَّ به العطش، فركب المسنّاة [342] يريد الفرات وبين يديه العبّاس أخوه، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكِّنوه من الماء، فقال الحسين (عليه السلام): «اللّهمّ أظمئه» فغضب الدّارميُّ ورماه بسهم

فأثبته في حنكه، فانتزع الحسين (عليه السلام) السّهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدَّم، فرمي به ثمّ قال: «اللّهمَّ إنِّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيِّك» ثمّ رجع إلي مكانه وقد اشتدَّ به العطش.

استشهاد الامام الحسين

لم يبقَ مع الإمام الحسين(عليه السلام) سوي أخيه العباس الذي تقدم إليه يطلب منه الإذن في قتال القوم فبكي الحسين وعانقه ثم أذن له فكان يحمل علي أهل الكوفة فينهزمون بين يديه كما تنهزم المعزي من الذئاب الضارية وضجّ أهل الكوفة من كثرة من قتل منهم، ولما قتل قال الحسين(عليه السلام): «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي» [343] .وفي رواية اُخري: ان الإمام الحسين(عليه السلام) اتجه الي نهر الفرات وبين يديه أخوه العباس فاعترضته خيل ابن سعد _ لعنه الله _ وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولاتمكّنُوهُ من الماء، فقال الحسين(عليه السلام): اللهم أظمئه، فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسين(عليه السلام) السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمي به ثم قال: «اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك»، ثم رجع إلي مكانه وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعبّاس(عليه السلام) فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتي قتل رحمة الله عليه [344] .ونظر الحسين(عليه السلام) الي ما حوله، ومدّ ببصره إلي أقصي الميدان فلم يرَأحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو يسبح بدم الشهادة، مقطّعَ الأوصال والأعضاء.وهكذا بقي الإمام(عليه السلام) وحده يحمل سيف رسول الله(صلي الله عليه وآله) و بين جنبيه قلب علي (عليه السلام) وبيده راية الحق البيضاء، وعلي لسانه كلمة التقوي.

الحسين وحيدا في الميدان

حينما التفت أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) يميناً وشمالا ولم ير أحداً يذبّ عن حرم رسول الله أخذ ينادي هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟ فخرج الإمام زين العابدين(عليه السلام) من الفسطاط وكان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه واُم كلثوم تنادي خلفه: يابني ارجع. فقال: «يا

عمّتاه! ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله(صلي الله عليه وآله)».وإذا بالحسين(عليه السلام) ينادي: «يا اُم كلثوم! خذيه لئلاّ تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد(صلي الله عليه وآله)» [345] .ويقول المؤرخون: إنه لما رجع الحسين(عليه السلام) من المسنّاة إلي فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين(عليه السلام) وضربه علي رأسه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطعها حتي وصل إلي رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما، فقال له الحسين(عليه السلام): «لا أكلت بيمينك ولاشربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين».ثم ألقي القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه واستدعي قلنْسوة اُخري فلبسها واعتمّ عليها، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلي مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به» [346] .حمل الإمام الحسين(عليه السلام) سيفه وراح يرفع صوته علي عادة الحروب ونظامها في البراز، وراح ينازل فرسانهم، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة، فما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة.قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضي جناناً منه، أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزي إذا شدّ فيها الذئب [347] .ولمّا عجزوا عن مقاتلته، لجأوا إلي أساليب الجبناء؛ فقد استدعي شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة، وأمر الرماة أنْ يرموه فرشقوه بالسهام حتي صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه وخرجت أُخته زينب إلي باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر

بشيء، فنادت ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء. ونادي شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال: ويحكم! ماتنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.فضربه زُرعة بن شريك علي كتفه اليسري فقطعها، وضربه آخر منهم علي عاتقه فكبامنها لوجهه، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه، وبدر إليه خُولي بن يزيد الأصبحي فنزل ليحتزّ رأسه فأرعد فقال له شمر: فتَّ الله في عضدك، مالك ترعد؟ونزل شمر إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلي خولي بن يزيد فقال: إحمله إلي الأمير عمر بن سعد.ثم أقبلوا علي سلب الحسين(عليه السلام) فأخذ قميصه اِسحاق بن حَيْوَة الحضرمي، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه [348] .

امتداد الحمرة في السماء

ومادت الأرض واسودَّتْ آفاق الكون وامتدت حمرة رهيبة في السماء كانت نذيراً من الله لاُولئك السفّاكين المجرمين الذين انتهكوا جميع حُرُماتِ الله [349] .وصبغ فرس الحسين(عليه السلام) ناصيته بدم الإمام الشهيد المظلوم وأقبل يركض مذعوراً نحو خيام الحسين(عليه السلام) ليعلم العيال بمقتله واستشهاده، وقد صوّرت زيارة الناحية المقدّسة هذا المشهد المأساوي كما يلي:«فلما نظرت النساء الي الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً خرجن من الخدور ناشرات الشعور، علي الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذَلَّلات وإلي مصرع الحسين مبادرات».ونادت عقيلة بني هاشم زينب بنت عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وهي ثكلي: وا محمداه! وا أبتاه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء، ليت السماء أطبقت علي الأرض! وليت الجبال تدكدكت علي السهل!! [350] .

حرق الخيام و سلب حرائر النبوة

وعمد المجرمون اللئام إلي حرق خيام الإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) غير حافلين بمن في الخيام من بنات الرسالة وعقائل النبوّة. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «والله ما نظرت إلي عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة وتذكّرت فرارهن يوم الطف من خيمة إلي خيمة ومن خباء الي خباء، ومنادي القوم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين!» [351] .وعمد أراذل جيش الكوفة إلي سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فنهبوا ما عليهن من حليّ وحلل، كما نهبوا ما في الخيام من متاع.

الخيل تدوس الجثمان الطاهر

لقد بانت خِسّة الاُمويين لكل ذي عينين، وعبّرت عن مسخ في الوجدان الذي كانوا يحملونه وماتت الإنسانية فتحولت الأجساد المتحركة إلي وحوش دنيئة لا تملك ذرّة من رحمة ولا يزعها وازع من بقية ضمير إنساني.فحين حاصرت جيوش الضلالة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) في عرصات كربلاء كتب ابن زياد إلي عمر بن سعد كتاباً وهو يبيّن له ما يستهدفه مننتيجة للمعركة، وما تنطوي عليه نفسه الشريرة من حقد دفين علي الرسالة والرسول (صلي الله عليه وآله)، وكل ما يمتّ اليهما بصلة أو قرابة، وقد جاء فيه ما يلي:أما بعد: فإني لم أبعثك إلي الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعقد له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه علي الحكم واستسلموا فابعث بهم سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتي تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقّون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم وليس في هذا أن يضر بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قول، لو قد قتلته فعلت هذا به [352] .علي أن ابن زياد كان من أعمدة الحكم الاُموي. ولا نعلم أوامر صدرت من أحد أفراده بحيث كانت

ترعي حرمة أو تقديراً لمقام ابن النبيّ(صلي الله عليه وآله) الذي لم يكن خافياً علي أحد من الاُمويين.وهكذا انبري ابن سعد بعد مقتل ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لينفّذ أوامر سيّده الحاقد ابن زياد، فنادي في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه؟فانتدب عشرة، فداسوا جسد الحسين (عليه السلام) بخيولهم حتي رضّوا ظهره [353] .

عقيلة بني هاشم امام الجثمان العظيم

و وقفت حفيدة الرسول (صلي الله عليه وآله) وابنة أمير المؤمنين (عليه السلام)العقيلة زينب (عليها السلام) علي جثمان أخيها العظيم، وهي تدعو قائلةً: «اللهم تقبّلهذا القربان» [354] .إنَّ الإنسانية لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السر الوحيد في خلود تضحية الحسين(عليه السلام) وأصحابه رضوان الله تعالي عليهم أجمعين.

نتائج الثورة الحسينية

اشاره

انبعثت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) من ضمير الاُمّة الحيّ ومن وحي الرسالة الإسلامية المقدسة ومن البيت الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية للبشرية جمعاء، البيت الذي حمي الرسالة والرسول ودافع عنهما، حتي استقام عمود الدين. وأحدثت هذه الثورة المباركة في التأريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام وتدك عروش الظالمين، وأضحت مشعلاً ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالي.ولا يمكن لأحد أن يغفل عما تركته هذه الثورة من آثار في الأيام والسنوات التي تلتها رغم كل التشويه والتشويش الذي يحاول أن يمنع من سطوع الحقيقة لناشدها. وبالإمكان أن نلحظ بوضوح آثاراً كثيرة لهذه الثورة العظيمة عبر الأجيال وفي حياة الرسالة الإسلامية بالرغم من أنّا لا نحيط علماً بجميعها طبعاً. وأهم تلك الآثار هي:

فضح الامويين و تحطيم الاطار الديني المزيف

بفعل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تكشفت للناس حقيقة النزعة الاُموية المتسلطة علي الحكم، ونسفت تضحيات الثائرين كل الاُطر الدينية المزيّفة التي استطاع الاُمويون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء علي الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي وشيوع الجهل الذي خلّفته السقيفة. ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوة والعبد الصالح لخروجه علي يزيد الفاسق، ويفتخر بموقفه قائلاً: أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الأُمّة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته [355] .وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي _ من قادة الجيش الأموي _ يحفّز الناس لمواجهة الإمام الحسين (عليه السلام) حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً:يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام [356] .فالدين في دعوي الاُمويين طاعة يزيد ومقاتلة الحسين (عليه السلام).ولكن حركة الإمام الحسين

(عليه السلام) ورفضه البيعة وتضحياته الجليلة نبّهت الاُمّة، وأوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل. فقد وقف الإمام الحسين (عليه السلام) يخاطبهم ويوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الاسلامي: أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلي أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم (صلي الله عليه وآله) وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟!هذا بالإضافة إلي كل الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثم ما آلت إليه نتيجة المعركة من بشاعة في السلوك والفكر فاتضحت خسّة الاُمويين ودناءتهم ودجلهم.وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينية بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) فضح الجرائم التي ارتكبها بنو اُميّة ومن ثم توضيح رسالة الإمام الحسين (عليه السلام).إنّ جميع المسلمين متفقون _ علي اختلاف مذاهبهم وآرائهم _ بأن الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعياً، وأن يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً علي الإسلام والشرع الإلهي والموازين الدينية.

احياء الرسالة الاسلامية

لقد كان استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) هزّة لضمير الاُمّة وعامل بعث لإرادتها المتخاذلة وعامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني اُميّة ومن سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا علي وصول الإسلام نقيّاً الي من يليهم من الأجيال.لقد استطاع سبط الرسول (صلي الله عليه وآله) أن يبيّن الموقف النظري والعملي الشرعي للاُمّة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطغاة، فهل انتصر الحسين (عليه السلام) في تحقيق هذا الهدف؟ لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدين(عليه السلام) حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبدالله قائلاً: من الغالب؟ قال (عليه السلام): «إذا

دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب» [357] .لقد كان الحسين (عليه السلام) هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السامية بعد محاولات الجاهلية لإماتته وإخراجه من معترك الحياة.

الشعور بالاثم و شيوع النقمة علي الامويين

اشتعلت شرارة الشعور بالإثم في نفوس الناس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) وزينب بنت عليّ بن أبي طالب وبقية أفراد عائلة النبيّ (صلي الله عليه وآله) التي ساقها الطغاة الاُمويون كسبايا من كربلاء الي الكوفة فالشام.فقد وقفت زينب (عليها السلام) في أهل الكوفة حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، ويبكون ندماً علي ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّ (صلي الله عليه وآله) فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت:أما بعد:يا أهل الكوفة أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها فلن ترحضوها بغسل أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدار حجّتكم، ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة؟».وتكلم عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال:أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلي أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلي رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟ فلستم من اُمتي [358] .وروي أيضاً أن يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً وأكرم عبيدالله بن زياد ولكن ما لبث أن ندم ووقع الخلاف بينه وبين ابن زياد حين علم بحال الناس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم [359] .ولقد كان الشعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة

الشديدة بالانتقام من الحكم الاُموي، مما دفع بالكثير في الجماعات الإسلامية إلي العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الاُموي الظالم.صحيح أنه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الاُموي وبعده عن الرسالة الإسلامية إلاّ أنه كان موقفاً صادقاً يصعب علي الحاكمين السيطرة عليه كالسيطرة علي الموقف العقلاني، فكان الحكام الظلمة وعبر مسيرة العداء لأهل البيت النبوي(عليهم السلام) يحسبون له ألف حساب.

احياء ارادة الامة و روح الجهاد فيها

للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين (النظرية، الموقف، النتائج) للسيّد محمد باقر الحكيم:100.كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) السبب في إحياء الإرادة لدي الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن الي الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالاُمّة كيف يشاء، مؤطّراً تحركه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، وبأيدي وعاظ السلاطين أحياناً واُخري بحذقه ومهارته في المكر والحيلة.فتعلم الإنسان المسلم من ثورة الحسين (عليه السلام) أن لا يستسلم ولا يساوم، وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظل حكم يتمتع بالشرعية أو علي الأقل برضا الجماهير.ونجد انطلاقات عديدة لثورات علي الحكم الأموي وإن لم يُكتب لها النجاح؛ إلاّ أنها توالت حتي سقط النظام. ورغم أن أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم من معين ثورة الحسين (عليه السلام) أو تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة التوابين [360] التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينية، وثورة المدينة [361] ، وثورة المختار الثقفي [362] الذي تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسين(عليه السلام) ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم الفضيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة، وثورة ابن

الأشعث، وثورة زيد بن عليّ ابن الحسين (عليهما السلام) [363] وثورة أبي السرايا [364] .لقد أحيت الثورة الحسينية روح الجهاد وأجّجتها، وبقي النبض الثائر في الاُمّة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات. إلاّ أن الاُمّة الإسلامية أثبتت حيويّتها وتخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الاُمويين أسلافهم.

من تراث الامام الحسين

نظرة عامة في تراث الامام الحسين

الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) قائد مبدئي وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم الله لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم اُمناء علي تطبيقها، وطهّرهم من كل رجس ليصونوها من أي تحريف أو تحوير.إن المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام)كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة؛ لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خط الرسالة؛ ولكنها لم تقتصر علي الانحراف عن المبدأ الشرعي في ممارسة الحكم فحسب؛ وإنما كانت تمتد أبعادها إلي أعماق الأُمة والشريعة.إن هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمون بإحكام قواعد الشريعة في الاُمّة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف اليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها. ومن هنا كانت تربية الجماعة الصالحة والسهر علي تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمراً في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرسول (صلي الله عليه وآله) خلال خمسين عاماً بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله).ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كل من الإمام المرتضي والحسن المجتبي والحسين الشهيد بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاً جدّاً.حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهم(عليهم السلام).وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) ووثائقالثورة الحسينية، وبلاغة الحسين ومجموعة خطبه ورسائله؛ ليقف علي عظمة هذه

الثروة الكبري وقفة متأمل ومستفيد. وها نحن نستعرض صوراً من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث:

في رحاب العقل والعلم والمعرفة

قال (عليه السلام):1 _ خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع: «العقل والدين والأدب والحياء وحسن الخلق» [365] .2 _ وسُئل عن أشرف الناس، فقال: «من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبلأن يوقظ» [366] .3 _ وقال (عليه السلام): «لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق» [367] .4 _ «العاقل لا يحدِّث من يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل من يخاف منعَه ولا يثِقُ بمن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه» [368] .5 _ «العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوي، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك» [369] .6 _ «من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر» [370] .7 _ «لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لاَوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه».8 _ وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسين (عليه السلام) مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة الي المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا:قال (عليه السلام):أ _ «إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟...».ب _ «إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتي لا أجهلك في شيء...».ج _ «إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمة توصلني اليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما

ليس لك حتي يكونَ هو المظهِرَ لك؟! متي غبتَ حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك؟!». ومتي بَعُدْتَ حتّي تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.د _ «إلهي أمرتَ بالرجوع إلي الآثار فأرجعني اليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار حتي أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصونَ السرِّ عن النظرِ إلَيْها ومرفوع الهمّة عن الاعتمادِ عليها».ه_ _ «منك أطلُبُ الوصول إليك وبك استدلُّ عليك فاهدني بنورك اليك وأقمني بصدْق العبودّية بين يديك».و _ «إلهي علّمني من علمك المخزون وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حققّني بحقايق أهلِ القُرب...».ز _ «إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي».ح _ «إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوي بوثائق الشهوة اسرني، فكن أنت النصير لي حتَي تنصرني وتبصرني».ط _ «أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوْليائك حتي عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّي لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلي غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدكَ؟! وما الذي فقد من وجدك؟!».ي _ «أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلّ شيء فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهراً في كل شيء... كيف تخفي وأنت الظاهرُ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟!» [371] .

في رحاب القرآن الكريم

لقد اعتني أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناءاً وافراً فعكفوا علي تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد اُثرت عن الإمام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) كلمات جليلة حول التفسير

والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها:أ _ قال (عليه السلام): «كتاب الله عزّوجل علي أربعة أشياء: علي العبارةوالإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء» [372] .ب _ «من قرأ آيةً من كتاب الله في صلاته قائماً يُكتَب له بكل حرف مِئةُ حَسَنَة، فإن قَرَأها في غير صلاة كتب اللهُ له بكل حرف عَشْراً، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرف حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتي يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهاراً صلّت عليه الحفَظَةُ حتي يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيراً له ممّا بين السماءِ والأرضِ» [373] .ج _ وعنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالي: (تبدّل الأرض غير الأرض)يعني بها «أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كمادحاها أوّل مرة» [374] .د _ وسأله رجل عن معني (كهيعص) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيتعلي الماء [375] .ه_ _ وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبدالله حَدِّثني عن قول الله عزَّوجَلَّ (هذان خصمانِ اختصموا في ربّهم)، قال: «نحن وبنو اُمية اختصمنا في الله عزّوجلّ، قلنا صدق الله، وقالوا: كذب اللهُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة» [376] .و _ وفي قوله تعالي: (الذين اِن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة)قال (عليه السلام): «هذه فينا أهل البيت» [377] .ز _ في قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُربي) قال(عليه السلام): «انّ القرابة الّتي أمَرَ اللهُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا علي كلّ مسلم» [378] .ح _ وفسّر النعمة في قوله تعالي: (وأمّا بنعمة ربّك فحدِّث) «بما أنعم الله علي النبيّ (صلي الله

عليه وآله) من دينهِ» [379] .ط _ وفسّر الصَمَد بقوله: إنّ الله قد فَسَّرَهُ بقوله: (لم يلد ولم يولَد ولم يكن له كفواً أحد) [380] .ي _ وقال: «الصمد: الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهي سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد: الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال» [381] .ك _ وروي أن عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فلمّا قرأها علي أبيه أعطاه (عليه السلام) ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّاً، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): وأين يقع هذا من عطائه؟ يعني بذلك تعليمه القرآن [382] .

في رحاب السنة النبوية المباركة

لقد عاصر الحسين جدّه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعاش في كنف الوحي والرسالة وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كاُمّه وأبيه وأخيه، وعلم أن سنة الرسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي، وأيقن بضرورة الاهتمام بهما وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصحابة وكيف واجهوا جدّه بكل صلف، حذراً من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسلطة أو تعكّر عليهم صفوها.ومن هنا نجد الحسين (عليه السلام) يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر علي الدين، ويضحّي بأغلي ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، محقّقاً شهادة جدّه الخالدة في حقّه: «حسين منّي وأنا من حسين»، «ألا وإن الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة».وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السيرة النبوية الشريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوي الثورة علي من يتسلّح بها لمسخها وتشويهها.قال صلوات الله عليه:1 _ «كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) أحسن ما خلق

اللهُ خلْقاً» [383] .2 _ وروي الحسين (عليه السلام) _ كأخيه الحسن وصفاً دقيقاً للرسول(صلي الله عليه وآله) وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما علي(عليه السلام) وهو الذي ربّاه الرسول(صلي الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره حتي التحاقه بالرفيق الأعلي. ونشير إلي مقطع من هذه السيرة. قال الحسين (عليه السلام) فسألته عن سكوت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقال:«كان سكوته علي أربع: علي الحلم والحذر والتقدير والتفكّر. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقي أو يفني. وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع: أخذه بالحَسَن ليُقتدي به، وتركه القبيح ليُنتهي عنه، واجتهاده الرأي في صلاح اُمّته، والقيام في ما جُمع له من خير الدنيا والآخرة» [384] .3 _ وروي أيضاً أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول الله؟ فقال: «إني رأيت في المنام كأنّ بني اُميّة يتعاورون منبري هذا».فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنها دُنيا تنالهُمُ، فأنزل الله: (وما جعلنا الرؤياالتي أريناك...) [385] .4 _ وروي أيضاً أن النبيّ (صلي الله عليه وآله) كان إذا أكل طعاماً يقول: «اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه»، وإذا أكل لَبَناً أو شَرِبَه يقول: «اللهم بارك لنا فيهوارزقنا منه» [386] .وكان يرفع يديه اذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ [387] .5 _ وسُئل عن الأذان وما يقول الناس فيه، قال: «الوحي ينزل علي نبيّكم، وتزعمون أنّه أخَذَ الأذانَ عن عبدالله بن زيد؟! بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) يقول: أهبَطَ الله عزّوجلَّ

ملكاً حين عُرِج برسول الله(صلي الله عليه وآله) فأذّن مثني مثني، وأقامَ مثني مثني، ثم قال له جبرئيل: يا محمّد هكذا أذان الصلاة» [388] .6 _ وروي أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعث مع عليّ(عليه السلام) ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل فقال: «يا عليّ أتلو عليك آيةً في نفقة الخيل»: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سِرَاً وعلانيةً) يا علي هي النفقة علي الخيل ينفق الرجلُ سّراً وعلانيةً» [389] .وقد نقل (عليه السلام) حوادث عصر الرسول (صلي الله عليه وآله) ممّا رآه مباشرة أو سمعه عن اُمّه أو أبيه وهما المعصومان من الزلل والمعتمدان في النقل [390] .

في رحاب اهل البيت

لقد دلّ حديث الثقلين _ المتواتر والمقبول لدي عامة المسلمين _ علي أن خلود الاسلام رهن الأخذ بركنين مُتلازمين وهما: القرآن الكريم وعترة النبيّ المختار صلوات الله عليهم أجمعين فإنّهما لن يفترقا حتي يردا الحوض علي النبيّ (صلي الله عليه وآله). فلا بد للمسلمين من التمسّك بهما ليصونوا أنفسهم عن الضلال في كل عصر وزمان.ومن هنا جهد أعداء الاسلام القدامي علي التفريق بين هذين الركنين؛ تارةً بدعوي تحريف القرآن لفظاً أو معنيً، واُخري بالمنع عن تفسيره أو تطبيقه، وثالثةً بانتقاص العترة، ورابعةً بعزلهم عن ممارسة دورهم السياسي والاجتماعي التثقيفي، وخامسةً بطرح البديل عنهم ورفع شعار الاستغناء عنهم وعن علمهم ودرايتهم.والأئمّة المعصومون المأمونون _ علي سلامة الرسالة الاسلامية بنص من الوحي الإلهي _ كثّفوا جهودهم وركّزوا جهادهم علي صيانة هذين الأساسين من أيدي العابثين وان كلّفهم ذلك أنفسهم وأموالهم، بل كل ما يملكون تقديمه فداءً للرسالة المحمّدية.ونشير إلي جملة من النصوص المأثورة عن الحسين بن عليّ(عليهما السلام) في هذا الصدد:1 _ لما قضي رسول الله (صلي الله عليه

وآله) مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول: «لا يدخل الجنّة إلاّ من كان مُسلماً. فقام إليه أبو ذرّ الغفاري(رحمه الله)فقال: يا رسول الله: وما الإسلام؟ فقال (صلي الله عليه وآله): الإسلام عريان ولباسه التقويوزينته الحياء وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبنّا أهل البيت» [391] .2 _ وجاء عنه (عليه السلام) أنه قال: «من أحبّنا كان منّا أهل البيت». واستدلّ علي ذلك بقوله تعالي تقريراً لقول العبد الصالح: «فمن تبعني فإنّه منّي» [392] .وواضح أنّ من أحبّهم فسوف يتّبعهم ومن تبعهم كان منهم.3 _ وقال (عليه السلام): «أحِبّونا حُبَّ الإسلام فإنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: لا ترفعوني فوق حقّي؛ فإن الله تعالي اتخّذني عبداً قبل أن يتخّذني رسولاً» [393] .4 _ وقال (عليه السلام): «ما كُنّا نعرفُ المنافقين علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلاّ ببغضهم عليّاً وولده (عليهم السلام)» [394] .5 _ وروي أنّ المنذر بن الجارود مرّ بالحسين(عليه السلام) فقال: كيف أصبحت جعلني الله فداك _ ياابن رسول الله؟ فقال (عليه السلام): «أصبَحَتْ العربُ تعتدّ علي العَجَم بأنّ محمّداً منها، وأصَبَحَتْ العَجَمُ مُقِرَّةً لها بذلك، وأصبَحْنا وأصبَحَتْ قريشٌ يعرفون فضلَنا ولا يَرَوْنَ ذلكَ لنا، ومن البلاء علي هذِهِ الاُمّةِ أ نّا إذا دعوناهُم لم يُجيبونا وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرِنا» [395] .

بشائر الحسين بالمهدي و دولته

تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشريف، كما توضح الصحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن وأشراط الساعة وغيرها.واعتني الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بهذه القضية اعتناءاً لا يقل عن عناية الرسول الخاتم (صلي الله عليه وآله) واستمراراً للخط الذي اختطّه

والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحق التي تتكفل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعاً وعلي مدي التاريخ.وقد كثرت النصوص الواصلة إلينا عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسين (عليه السلام). فروي عن جدّه رسول الله(صلي الله عليه وآله) وعن أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) مجموعة فريدة من التصريحات المهمّة بشأن المهدي(عليه السلام) نختار نماذج منها:1 _ قال (عليه السلام): دخلت علي جدّي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأجلسني علي فخذه وقال لي: إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضلوالمنزلة عند الله سواء [396] .2 _ وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً: أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه: لا، فقال له: فمن هو؟ فأجاب (عليه السلام): «الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْراً، علي فترة من الأئمّة تأتي، كما أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بُعِث علي فترة من الرسل» [397] .3 _ وقال (عليه السلام): لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما تطول حتي يقول بعضهم: مات وبعضهم: قتِل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلعُ علي موضعه أحدٌ مِن وليّ ولا غيرهِ إلاّ المولي الذي يلي أمره [398] .4 _ وقال (عليه السلام): لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتي يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئِت جوراً وظُلماً، كذلك سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول [399] .5 _ وقال (عليه السلام): للمهدي خمسُ علامات: السفياني واليماني والصيحةُ من السماء والخسفُ بالبيداء وقتل النفسِ الزكيّة [400] .6 _ وقال (عليه السلام) أيضاً: «لو قام المهديّ لأنكره الناس؛ لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج اليهم صاحبُهم شابّاً وهم

يحسبونَه شيخاً كبيراً» [401] .7 _ وقال (عليه السلام): «في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف وسنّة من موسي بن عمران (عليه السلام) وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تبارك وتعالي أمرَه في ليلة واحدة» [402] .8 _ وقال (عليه السلام): «إذا خرج المهدي (عليه السلام) لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السيف، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ والله ما لباسُه إلاّ الغليظُ ولا طعامه إلاّ الشعيرُ، وما هو إلاّ السيفُ، والموتُ تحت ظِلِّ السَيْفِ» [403] .

في رحاب العقيدة والكلام

ونختار من هذه البحوث نماذج ممّا وصلنا عن أبي الشهداء الحسين بن عليّ (عليهما السلام).1 _ ومما قاله عن توحيد الله سبحانه: «... ولا يقدّر الواصِفون كنه عظمته، ولا يخطر علي القلوبِ مبلَغَ جبروته؛ لأنه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقاناً بالغيبِ؛ لأنه لا يوصَفُ بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمدُ، ما تُصُوِّر في الأوهامِ فَهُوَ خلافُه... يوجِدُ المفقودَ ويُفقِدُ الموْجُودَ، ولا تجتمع لغيره الصفتانِ في وقت، يصيب الفكرُ منه الإيمانَ به موجوداً، ووجودَ الإيمانِ لا وجودَ صِفَة، به توصف الصفاتُ لا بها يوصَفُ، وبه تُعرَفُ المعارِفُ لا بها يُعرَف، فذلك الله، لا سَميَّ لَهُ، سبحانه ليس كمثلِهِ شيء، وهو السميعُ البصيرُ [404] .ومما قاله أيضاً لابن الأزرق: أصف إلهي بما وصف به نفسَه وأُعرِّفُه بما عرّف به نفسَه، «لا يُدْرَك بالحواس ولا يُقاس بالناسِ، فهو قريبٌ غير ملتصِق، وبعيدٌ غير مُتَقَصّ (تقص) يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ، مَعروف بالآيات موصوف بالعلاماتِ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعالُ» [405] .2 _ وخرج علي أصحابه فقال: «أيّها الناسُ! إنّ اللهَ جَلَّ ذكرهُ ما خَلَقَ العباد إلاّ ليعرفوهُ، فإذا عرفوه عبدوه،

فإذا عبدوه استغنَوْا بعبادته عن عبادة ما سواهُ. ثم سأله رجل عن معرفة الله فقال: معرفةُ أهل كلّ زمان إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه» [406] .3 _ وتكلّم عن ملاك التكليف قائلاً: «ما أخَذَ الله طاقة أحد إلاّ وضع عنه طاعتَه، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنهُ كُلْفَتَه» [407] .4 _ وكتب للحسن بن أبي الحسن البصري جواباً عن سؤاله حول القدر: «إنّه من لم يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي علي الله عزوجل فقد افتري علي الله افتراءً عظيماً، إنّ الله تبارك وتعالي لا يُطاع بإكراه ولا يُعصي بغَلَبَة ولا يُهملُ العبادَ في الهلكة، لكنّه المالك لما ملّكهم، والقادرُ لما عليه أقدَرَهُم، فإن ائتمروا بالطاعة؛ لم يكن الله صادّاً عنها مُبطِئاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحولَ بينهَم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حَمَلَهم عليها قسراً ولا كلّفهم جبراً، بل بتمكينهِ إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوّقَهُم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلي أخذ ما إليه دعاهم وترك ما عنه نهاهم... [408] .5 _ واشتملت أدعيته (عليه السلام) علي دُرر باهرة في التوحيد والمعرفة والهداية الإلهية ولا سيما دعاء العشرات المرويّ عنه [409] ، ودعاء عرفة الذي عُرِف به؛ لِما يسطع به من معارف زاخرة وعلوم جمّة، بل هو دورة عقائدية كاملة. وإليك مطلعه:«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانعٌ ولا كصنعه صنعُ صانِع، وهو الجوادُ الواسِعُ، فَطَر أجناسَ البدائعِ وأتقنَ بحكمتِهِ الصنائعَ، لا تخفي عليه الطلائعُ ولا تضيع عنده الودائعُ، أتي بالكتابِ الجامعِ و (بشرع الإسلام) النور الساطعِ وهو للخليقة صانعٌ وهو المستعانُ علي الفجائِع...» [410] .

في رحاب الاخلاق والتربية الروحية

1 _ سُئل

عن خير الدنيا والآخرة فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنه من طلب رضي الله بسخط الناس كفاه الله اُمور الناس، ومن طلب رضي الناس بسخط الله وكله الله إلي الناس. والسلام [411] .2 _ بيّن (عليه السلام) أقسام العبادة ودرجات العُبّاد قائلاً: إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادةُ العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللهَ شُكراً فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة [412] .3 _ قال (عليه السلام) عن آثار العبادة الحقيقية: «من عَبَدَ الله حقَّ عبادته آتاه الله فوق أمانيه وكفايتهِ» [413] .4 _ سُئل عن معني الأدب فقال: «هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقي أحداً إلاّ رأيت له الفضلَ ع____ليك» [414] .5 _ قال الإمام الحسين (عليه السلام): «مالُك إن يكن لك كنتَ له فلا تبق عليه؛ فإنّه لا يُبقي عليك، وكلُه قبل أن يأكلك» [415] .

في رحاب مواعظه الجليلة

1 _ كتب اليه رجل: عِظني بحرفين فكتب إليه: «مَن حاوَل أمراً بمعصية الله تعالي كانَ أفْوَتَ لما يَرجو وأسْرَعَ لمجي ما يحذَرُ» [416] .2 _ وجاءه رجل فقال له: أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال (عليه السلام): «إفعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ، فأوّل ذلك: لا تأكل رزقَ اللهِ واذنب ما شئِتَ، والثاني: اخرج من ولاية الله واذنِب ما شئت. والثالث: اطلُبْ موضِعاً لا يراكَ اللهُ واذنب ما شِئتَ. والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ واذنب ما شئتَ، والخامِسُ: اذا أدخَلَكَ مالك النارِ فلا تدخُلْ في النارِ واذنِب ما شئتَ [417] .3 _ ومما جاء عنه (عليه السلام) في الموعظة: ياابن آدمَ! تفكَّرْ وقل: أينَ

ملوكُ الدنيا وأربابُها؟ الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها وغَرَسوا أشجارها ومدّنوا مدائِنَها، فارقوها وهم كارهون وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عمّا قليل لاحقونَ. ياابن آدم! اُذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعَك وموقفَك بين يَدَي اللهِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ وتبدو السرائرُ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط. ياابن آدمَ! اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيثُ حَلّوا وكأنّك عن قليل قد حَلَلْتَ مَحَلَّهُم وصِرتَ عِبرَةً للمعتَبِر [418] .4 _ وخطب (عليه السلام) فقال: يا أيّها الناسُ! نافسِوا في المكارم، وسارِعوا في المغانِم، ولا تحتسِبوا بمعروف لم تُعجّلوا، واكسبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسِبوا بالمطلِ ذَمّاً، فمهما يكنْ لاِحد عند أحد صنيعةٌ له رأي أنّه لا يقومُ بشكرِها؛ فالله له بمكافاتهِ فإنّه أجْزَلُ عطاءً وأعظمُ أجراً.واعلموا أن حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتُحوّر نقماً [419] .

في رحاب الفقه والاحكام الشرعية

لقد أثبت أهل البيت المعصومون جدارتهم للمرجعية الدينية بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) في المجالين العلمي والسياسيّ معاً.وقد عمل خطّ الخلافة بشكل مدروس علي حذف هذا الخطّ النبوي وعزله عن الساحة السياسية والاجتماعية، وخطّط أهل البيت(عليهم السلام) لمواجهة هذه المؤامرة، كما عرفت.غير أنّ البُعْد العلمي قد برز وطغي علي البعد السياسي حتي اتُّهِمَ أهل البيت(عليهم السلام) باعتزالهم الساحة السياسية بعد الحسين(عليه السلام) ولكن العجز العلمي للخطّ الحاكم بالرغم من كل ما اوتي من إمكانات ماديّة وبشرية هو الذي قد بانَ علي مدي التاريخ، وتميّزت مرجعيّة الأئمة الأطهار علي من سواها من المرجعيات السائدة آنذاك. وكانت حاجة الاُمة الاسلامية إلي تفاصيل الأحكام الشرعية نظراً للمستجدات المستمرّة هي السبب الآخر في ظهور علم أهل البيت(عليهم السلام) وفضلهم وكمالهم.وما سجّلته كتب التاريخ من

حقائق لا تخفي علي اللبيب مثل حقيقة عدم عجزهم أمام الأسئلة المثارة، وعدم اكتسابهم العلم من أحد من أهل الفضل سوي الرسول(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين(عليهم السلام) لدليل واضح علي تميّزهم عمّن سواهم.وهنا نختار نماذج مما يرتبط بالفقه بمعناه المصطلح بمقدار ما يسمحبه المجال.1 _ ممّا يرتبط بباب الصلاة، ذكر الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) جواز الصلاة بثوب واحد مستشهداً بأنه قد حدّثه من رأي الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وهو يصلّي في ثوب واحد وحدّثه أنه رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يُصلّي فيثوب واحد [420] .2 _ وجاء أن الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أوّل فاتحة الكتاب وأوّل السورة في كل ركعة. وجاء عن الحسين (عليه السلام) قوله: اجتمعنا ولد فاطمة (عليها السلام) علي ذلك [421] .3 _ وكان الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يصلي فمرّ بين يديه رجل، فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له: لِمَ نَهَيْتَ الرَجُلَ؟ فقال: ياابن رسول الله! خطر فيما بينك وبين المحراب، فقال (عليه السلام): ويحك إنّ الله عزّوجلّ أقربُ إليَّ من أن يخطرَ فيما بيني وبين أحد [422] .4 _ وكان الحسين (عليه السلام) جالساً فمرّت عليه جنازةٌ فقام الناسُ حين طلعت الجنازة، وهنا أوضح الإمام (عليه السلام) للناس ما تصوّروه خطأً من أن القيام عند مرور الجنازة من السنّة باعتبار ما سمعوه من قيام رسول الله عند مرور الجنازة. فقال الحسين بن عليّ (عليهما السلام): مرَّت جنازة يهوديّ فكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي طريقها جالساً فكره أن تعلو رأسَه جنازةُ يهوديّ فقامَ لِذلك [423] .وقد أحصي

مؤلّف موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) ما يقارب من مائتين وخمسين رواية في الأحكام الشرعية وردت عن الإمام الحسين (عليه السلام) في مختلف أبواب الفقه الاسلامي.علي أن سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) مثل سيرة سائر الأئمّة الأطهارتعتبر مصدراً من مصادر استلهام الاحكام الشرعية لتنظيم السلوك الفردي والاجتماعي للانسان المسلم وللمجتمع الاسلامي.

في رحاب ادعية الامام الحسين

لقد تميّز تراث أهل البيت (عليهم السلام) بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الانسان في الحياة كما قال تعالي: (قل ما يعبؤُاْ بكم ربّي لولا دعاؤكم) [424] هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، وعلي ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحج وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم.وتفرّدت أدعية أهل البيت(عليهم السلام) في المحتوي والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم؛ فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم فأين الثري وأين الثريّا؟وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين (عليه السلام) علي سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.1 _ قال (عليه السلام): أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام [425] .2 _ وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو: اللهم إنك تَري ولا تُري وأنت بالمنظر الأعلي وإنّ اليك الرجعي وإنّ لك الآخرة والاُولي، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزي [426] .3 _ من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله (عليه السلام): «اللهم لا تستدرِجني بالإحسانِ ولا تؤدِّبني بالبلاء» [427] .وقال في معني الاستدراج: الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَويَسْلُبَه الشُكرَ [428]

.4 _ ومن أدعيته في قنوته: «اللهمّ مَن آوي إلي مأوي فأنتَ مأوايَ، ومن لجأ الي مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ اللهم صلّ علي محمّد وآلِ محمّد واسمع ندائي وأجب دُعائي واجعل مآبي عندك ومثوايَ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ولُمَّةِ الشيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين، ولا واردُ طيف بتظنين ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتي تقلبني اليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ولا مُراب ولا مُرتاب، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ» [429] .5 _ وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: «اللهم منك البدءُ ولك المشيئةُ ولك الحولُ ولك القوّةُ، وأنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ ومكمَناً لإرادتكَ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، وأبَدأتَ من إرادتك علي ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك وتدعو اليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ علي ما منه أريتني وإليه آوَيتني».6 _ وله دعاء يُسمّي ب_ (العشرات).7 _ وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو: إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ إلهي ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ [430] .8 _ وروي أن شريحاً دخل مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله) فوجد الحسين(عليه السلام) في المسجد ساجداً يعفِّر خدّه علي التراب وهو يقول: «سيّدي ومولاي ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك، سيّدي! انّ طاعَتي

لا تنفعُك، وَمعصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك واغفر لي ما لا يضرّك فإنك أرحم الراحمين» [431] .9 _ وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: اللّهم ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليهم رَوْحاًمنك وسلاماً مِنّي، وقال(عليه السلام): إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم الي أن تقوم الساعةُ حسنات [432] .10 _ ومن دعائه في الصباح والمساء قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله ومن الله وإلي الله وفي سبيل الله وعلي ملّة رسول الله وتوكّلت علي الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللهم إني أسلمْتُ نفسي إليك ووجّهت وجهي إليك وفوّضت أمري اليك، إياك أسألُ العافية من كل سوء في الدنيا والآخرة، اللهم إنك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ، واجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً إنك تعلمُ ولا أعلم وتقدرُ، ولا أقدِر، وأنت علي كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين» [433] .وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين (عليه السلام) فهو من غرر الأدعية المطوّلة والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه علي الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة، وقد أشرنا الي مقاطع منه في بحوث سابقة.وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء:«الحمدلله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطرتا، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً

أحد، الحمدلله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّي الله علي خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين، اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأ نّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّي لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت» [434] .

في رحاب ادب الامام الحسين

لا ريب في أن الإمام الحسين(عليه السلام) يعدّ امتداداً لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير.وقد جاء علي لسان خصومهم «أنهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّ_اً»، و«أنها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر» [435] .وعلّق عمر بن سعد يوم عاشوراء علي خطبة للإمام الحسين (عليه السلام): «إنّه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً، لما انقطع ولما حُصِر» [436] .وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء أنه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين(عليه السلام) [437] .وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته وعدم إتاحة الفرصة السياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً بخاصّة أنّه (عليه السلام) التزم بالهدنة التي عقدها أخوه(عليه السلام) في زمن معاوية، فقد اُثر عنه (عليه السلام) في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج فضلاً عن أنه (عليه السلام) في زمن أبيه (عليه السلام) قد ساهم في خطب المشاورة والحرب [438] ، وحشَد فيها كل السمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله الي الجمهور [439] .وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطف أو كربلاء، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلي نهايتها، فقد تنوّعت صياغةً ومضموناً، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه وبطاعة الله وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله. وممّا جاء

في أحدها: «تب_ّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرَحاً، أحين استصرختمونا والهِين، فأصرخناكم موجِفين مؤدّين مستعدّين سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم وحششتُم علينا ناراً قدحناها علي عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلبْاً علي أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغيرِ عدل أفشوه فيكُم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه...».واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفن المتنوعة بالإضافة الي عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصرف أن يلحظ ما تتضمّنه من دهشة فنّية مثيرة كل الإثارة [440] .والأشكال الأدبيّة الاُخري التي طرقها أدب الإمام الحسين (عليه السلام) هي الرسائل والخواطر والمقالة والأدعية والشعر [441] والحديث الفني.ونشير الي نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا:_ 1 _تبارك ذو الع_لا والكبري_اءِ تف_رّد بالج_لالِ وبالبق_اءِوسوّي الموت بين الخلق طُرّاً وكلّهُ_م ره__ائنُ للفن_اءودنيانا _ وإن ملن_ا اليه_ا وطالَ بها المتاعُ _ الي انقضاءألا إن الركونَ عل_ي غ_رور ال_ي دار الفن_اءِ من الفن_اءِوقاطنه_ا سريعُ الظعنِ عنها وإن كان الحريصُ علي الثَواءِ [442] ._ 2 _اغ_نَ عن المخلوق بالخال_قِ تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِواست_رزق الرحمن من فضله فليس غي_ر الله م_ن رازقِم_ن ظنّ أن الناس يغنون_ه فليس بال_رحمن بال_واثقأو ظن أن المال م_ن كسبه زلّت به النعلان من حالق [443] .

پاورقي

[1] راجع الشروط الضرورية الخمسة للنجاح والتي توفّرت في ثورة الحسين (عليه السلام) في كتاب (ثورة الحسين. النظرية _ الموقف _ النتائج) السيّد محمد باقر الحكيم الطبعة الاولي، منشورات مؤسّسة الإمام الحسين(عليه السلام): 62 _ 92، وراجع مجلّة الفكر الإسلامي العدد (17) مقال الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر حول الثورة الحسينية تحت عنوان (التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة).

[2] نور الأبصار: 100، وراجع تفسير: الجلالين وروح البيان والكشّاف والبيضاوي والرازي، وصحيح

الترمذي: 2 / 166، وسنن البيهقي: 7 / 63، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد: 1 / 85، ومصابيح السنة: 2 / 201.

[3] كما نصّت علي ذلك الآية 33 من سورة الأحزاب.

[4] راجع التفسير الكبير للفخر الرازي وتفسير النيسابوري، وصحيح مسلم: 2 / 33 وخصائص النسائي: 4، ومسند أحمد: 4 / 107، وسنن البيهقي: 2 / 150، ومشكل الآثار: 1 / 334، ومستدرك الحاكم: 2 / 416، واُسد الغابة: 5 / 521.

[5] قال تعالي في سورة الشوري الآية 23 مخاطباً رسوله الكريم: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربي). وقال في سورة سبأ: (ما سألتكم من أجر فهو لكم).

[6] راجع التفسير الكبير، وتفسير الطبري، والدر المنثور في تفسير آية المودّة.

[7] الانسان (76): 9 _ 12.

[8] الانسان (76): 5 _ 7.

[9] صحيح البخاري: 2 / 188، وسنن الترمذي: 539. [

[10] عيون أخبار الرضا: 2 / 62.

[11] سنن ابن ماجة: 1 / 56، والترمذي: 539.

[12] المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 163. نقلاً عن مسند أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وغيرهم.

[13] جامع الترمذي: 541، ومستدرك الحاكم: 3 / 109.

[14] حلية الأولياء: 4 / 306.

[15] مستدرك الحاكم: 3 / 149.

[16] خصائص النسائي: 26.

[17] الإصابة: 1 / 333، وقال: سنده صحيح.

[18] فطموا العلم فطماً: أي قطعوه عن غيرهم قطعاً، وجمعوه لأنفسهم جمعاً.

[19] الخصال: 136.

[20] بحار الأنوار: 10 / 82.

[21] تاريخ ابن عساكر: 4 / 322.

[22] تاريخ ابن عساكر: 4/322.

[23] حياة الإمام الحسين، للقرشي: 2 / 500.

[24] أعيان الشيعة: 1 / 563.

[25] اُسد الغابة: 2 / 21.

[26] الحسن والحسين سبطا رسول الله: 198.

[27] الحسن بن عليّ لكامل سليمان: 173.

[28] البداية والنهاية: 8 / 167.

[29] تاريخ ابن

عساكر: 4 / 314.

[30] بحار الأنوار: 10 / 140.

[31] تأريخ ابن عسساكر: 4 / 322.

[32] بحار الأنوار: 10 / 83.

[33] أعيان الشيعة: 1 / 583.

[34] البداية والنهاية: 8 / 147.

[35] المصدر السابق: 18 / 168.

[36] أعيان الشيعة: 1 / 590.

[37] أعيان الشيعة: 4 / ق 1 / 118.

[38] الإصابة: 1 / 335.

[39] بحار الأنوار: 10 / 79.

[40] تأريخ ابن عساكر: 4 / 339.

[41] راجع كتابه «الحسين» (عليه السلام): 1/6. وراجع أيضاً: مجمع الزوائد: 9/201 وبحار الأنوار: 44/193.

[42] الحسن والحسين سبطا رسول الله (صلي الله عليه وآله): 75.

[43] أعلام النساء: 1 / 28.

[44] تاريخ الحسين(عليه السلام): 226.

[45] أبو الشهداء الحسين بن عليّ (عليهما السلام): 150، طبعة النجف، مطبعة الغري الحديثة.

[46] آل محمد في كربلاء: 30.

[47] سبطا رسول الله الحسن والحسين: 188.

[48] الشهيد الخالد الحسين بن عليّ: 47.

[49] أعيان الشيعة: 1 / 580، تأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) حديث 196، وتفسير البرهان: 2 / 363.

[50] إحقاق الحقّ: 11 / 431.

[51] كشف الغمّة: 2 / 31، والفصول المهمة لابن الصبّاغ: 168 مع اختلاف يسير، وأعيان الشيعة: 4 / 53.

[52] حياة الإمام الحسين: 1 / 128 عن عيون الأخبار.

[53] كشف الغمّة: 2 / 31، والفصول المهمة: 167.

[54] بحار الأنوار: 44 / 189، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 65.

[55] تأريخ ابن عساكر: 4 / 323، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 65.

[56] تأريخ الطبري: 4 / 254، والكامل في التأريخ: 3 / 270.

[57] اعلام الوري: 1 / 468، وتأريخ الطبري: 5 / 540.

[58] الفتوح لابن أعثم: 5 / 23، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 188، وبحار الأنوار: 44 / 329.

[59] مقتل الحسين للمقرّم: 280، وتأريخ الطبري:

4 / 330، وإعلام الوري: 1 / 459، وأعيان الشيعة: 1 / 602.

[60] أعيان الشيعة: 1 / 603، والاحتجاج: 2 / 24، ومقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: 2 / 6.

[61] تأريخ ابن عساكر: 14 / 313، ومقاتل الطالبيين: 78، ومجمع الزوائد: 9 / 194، واُسد الغابة: 2 / 18، والإرشاد: 18.

[62] اُصول الكافي: 1 / 463، والاستيعاب المطبوع علي هامش الإصابة: 1 / 377.

[63] أي: تسقينه اللبن.

[64] بحار الأنوار: 43 / 242.

[65] إعلام الوري بأعلام الهدي: 1 / 427.

[66] عيون أخبار الرضا: 2 / 25، إعلام الوري: 1 / 427.

[67] الإرشاد: 2/28.

[68] الإرشاد: 2 / 28.

[69] الإرشاد: 2/28، وصحيح البخاري: 2 / 188، وسنن الترمذي: 5 / 615 ح 3770.

[70] مستدرك الحاكم: 3 / 166، وكفاية الطالب: 422، وإعلام الوري: 1 / 432.

[71] الإمامة والسياسة: 1 / 189 و 195.

[72] الفتوح: 5 / 14، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 184، وبحار الأنوار: 44 / 325.

[73] الإرشاد: 2/75، وتأريخ الطبري: 3 / 303، والبداية والنهاية: 8 / 182، وبحار الأنوار: 44 / 374.

[74] الفتوح: 5 / 105، وتأريخ الطبري: 3 / 315، وأعيان الشيعة: 1 / 600.

[75] المنتخب الحسني للأدعية والزيارات: 924 _ 925.

[76] بحار الأنوار: 44 / 190.

[77] جامع الأخبار: 76، وراجع: إحقاق الحقّ: 11 / 422.

[78] ينابيع المودة: 410، ومقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 17.

[79] سير أعلام النبلاء: 3 / 193، ومجمع الزوائد: 9 / 201.

[80] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 1 / 135.

[81] بحار الأنوار: 43 / 261، ومسند أحمد: 4 / 172، وصحيح الترمذي: 5 / 658 ح3775.

[82] بحارالأنوار: 43/261، وعيون أخبار الرضا: 2 / 62.

[83] سنن ابن ماجة: 1 / 56،

والترمذي: 5 / 614 / ح 3768، وبحار الأنوار: 43 / 265.

[84] بحار الأنوار: 43 / 254، وراجع: المناقب: 3 / 50.

[85] بحار الأنوار: 43 / 285 _ 286، راجع: ذخائر العقبي: 130.

[86] أعيان الشيعة: 1 / 579.

[87] حلية الأولياء: 1 / 67، ونظم درر السمطين: 114، وتاريخ ابن عساكر: 2 / 189 ح 680، ومقتل الخوارزمي: 1 / 43، وجامع الجوامع (للسيوطي): 6 / 396، ومنتخب الكنز: 6 / 953 ح2539، والفصول المهمة لابن الصباغ: 107، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 173، ومجمع الزوائد: 9 / 135، وكنز العمّال: 5/153، وصحيح الترمذي: 5 / 328 ح3874، واُسد الغابة: 2 / 12.

[88] مستدرك الحاكم: 3 / 166، وتأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام)، وإعلام الوري: 1 / 432.

[89] مجمع الزوائد: 9 / 201، وسير أعلام النبلاء: 3 / 191، وذخائر العقبي: 143.

[90] مسند أحمد: 5/354، وإعلام الوري: 1/433، وكنز العمال: 7/168،وصحيح الترمذي: 5 / 616 / ح3774.

[91] مسند أحمد: 1 / 185، وصحيح مسلم: كتاب الفضائل باب فضائل علي: 2 / 360، وصحيح الترمذي: 4 / 293 ح5 208، والمستدرك علي الصحيحين: 3 / 150.

[92] بحارالأنوار: 43 / 263، ومناقب آل أبي طالب: 2 / 465 ونظم درر السمطين: 212.

[93] بحار الأنوار: 43 / 262.

[94] حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، باقر شريف القرشي: 1 / 218، نقلاً عن مثير الأحزان.

[95] مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 114.

[96] المصدر السابق.

[97] بحار الأنوار: 43 / 181.

[98] المصدر السابق: 186.

[99] بحار الأنوار: 43/179. [

[100] المصدر السابق: 212.

[101] الإصابة: 1 / 332.

[102] المصدر السابق.

[103] نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية.

[104] تاريخ الخلفاء: 57.

[105] نافجاً حضنيه: رافعهما، والحضن: مابين الإبط والكشح.

[106] النثيل: الروث وقذر

الدواب.

[107] المعتلف: موضع العلف.

[108] الخضم: أكل الشي الرطب.

[109] النبِتة _ بكسر النون _: كالنبات في معناه.

[110] انتكث عليه فتله: انتقض.

[111] أجهز عليه: تمّم قتله.

[112] كبت به: من كبا الجواد إذا سقط بوجهه.

[113] البِطنة _ بالكسر _: البطر والأشر والتخمة.

[114] بحار الأنوار: 22 / 412، وراجع: مروج الذهب: 2 / 350.

[115] المصدر السابق.

[116] بحار الأنوار: 32/7.

[117] نكثت طائفة: نقضت عهدها، وأراد (عليه السلام)بتلك الطائفة الناكثة أصحاب الجمل.

[118] مرقت: خرجت، وأراد (عليه السلام) بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النهروان.

[119] قسط: جار، وأراد(عليه السلام)بالجائرين أصحاب صفّين.

[120] القصص (28): 83.

[121] نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية.

[122] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 284.

[123] نهج البلاغة: من كلام له (عليه السلام) في بعض أيام صفّين، وقد رأي ابنه الحسن يتسرّع الي الحرب. باب خطب أمير المؤمنين: 207.

[124] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 118.

[125] نهج البلاغة: باب الكتب والرسائل (47).

[126] تحف العقول: 88 وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).

[127] حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 2 / 109.

[128] الإمامة والسياسة: 1 / 6.

[129] عليّ والحاكمون: 109، وتأريخ الخلفاء: 71.

[130] تأريخ اليعقوبي: 2 / 41، والعقد الفريد: 2 / 261، وأنساب الأشراف: 5 / 38، وشرح النهج: 1 / 67.

[131] شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 248.

[132] الإرشاد للمفيد: 8 _ 9.

[133] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 23.

[134] اُصول الكافي: 1 / 143، باب فرض طاعة الأئمّة.

[135] اُصول الكافي: 1 / 143، باب فرض طاعة الأئمّة.

[136] اُصول الكافي: 1 / 221 _ 222 باب أنّ الأئمّة(عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّوجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه.

[137] حياة الإمام الحسين: 2 / 252.

[138] بحار الأنوار: 44

/ 61.

[139] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 229 _ 230.

[140] الإرشاد: 2/15.

[141] تأريخ الخلفاء: 71.

[142] المصدر السابق.

[143] شرح نهج البلاغة: 4 / 16.

[144] حياة الامام الحسين عليه السلام: 2 / 123.

[145] حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 2 / 125، وراجع العقد الفريد: 4 / 259.

[146] المصدر السابق: 2 / 127، نقلاً عن اتجاهات الشعر العربي: 27، د. محمد مصطفي.

[147] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 127.

[148] راجع وقعة صفّين لنصر بن مزاحم: 495، وشرح نهج البلاغة: 2 / 293.

[149] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 128 _ 129.

[150] المصدر السابق: 2 / 131، وراجع: الحياة الفكرية في الاسلام: 42.

[151] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2/135، عن العقّاد في كتابه «معاوية في الميزان»: 64.

[152] العقد الفريد: 2 / 260.

[153] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 137.

[154] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 138 _ 139، والعقدالفريد: 2 / 159.

[155] الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني: 22/382 طبعة بيروت.

[156] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 144 _ 145.

[157] مسند أحمد بن حنبل: 5 / 347.

[158] سنن النسائي: 7 / 279.

[159] راجع قصة الاستلحاق وأسبابها وآثارها في (حياة الإمام الحسن بن علي): 2 / 174 _ 190.

[160] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 151، عن النصائح الكافية: 97.

[161] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10 / 101.

[162] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 160، وشرح نهج البلاغة: 3 / 361.

[163] شرح نهج البلاغة: 3 / 15، والطبقات الكبري: 5 / 95.

[164] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 41.

[165] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 179.

[166] بحار الأنوار: 44 / 309.

[167] سيرة

الأئمّة الاثني عشر: 2 / 42.

[168] حياة الإمام الحسين: 2 / 181 _ 182.

[169] راجع الفخري لابن الطقطقي: 45، وتاريخ اليعقوبي: 2/230، وتاريخ الطبري: 4/368، والبداية والنهاية: 8/236 _ 239.

[170] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 182، نقلاً عن جواهر المطالب: 143.

[171] أنساب الأشراف: 2 / 2.

[172] حياة الإمام الحسين: 2 / 183، نقلاً عن تأريخ المظفري.

[173] تأريخ ابن عساكر: 7 / 372، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 81.

[174] تأريخ ابن عساكر: 7 / 372، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 81.

[175] البداية والنهاية: 8 / 216، الكامل لابن الأثير: 4 / 45.

[176] المصدر السابق.

[177] تتمة المنتهي: 43.

[178] مروج الذهب: 2 / 94.

[179] مروج الذهب: 2 / 94.

[180] الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني: 7 / 170.

[181] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 187، نقلاً عن البداية والنهاية: 8 / 192.

[182] مروج الذهب: 2 / 95.

[183] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 42 وراجع أيضاً: حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 2 / 180. عن المناقب: 71 للقاضي نعمان المصري، وسمو المعني في سموّ الذات: 59 العلائلي.

[184] الاستيعاب: 2 / 690.

[185] مروج الذهب: 1 / 440، تأريخ ابن عساكر: 6 / 407.

[186] مروج الذهب: 2 / 343، وشرح النهج: 2 / 357.

[187] الإمامة والسياسة: 1 / 189.

[188] الكامل في التأريخ: 3 / 249، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 195، والإمامة والسياسة: 2 / 262.

[189] الكامل في التأريخ: 3 / 249.

[190] وفيات الأعيان: 5 / 389، والإمامة والسياسة: 1 / 182، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 196.

[191] الأغاني: 8 / 71، وشعراء النصرانية بعد الاسلام: 234: للويس شيخو اليسوعي.

[192] الكامل في التأريخ: 3 / 250.

[193] الكامل في التأريخ: 3 / 250.

[194] تأريخ الطبري: 4 /

18.

[195] مقاتل الطالبيّين: 29، وتأريخ الطبري: 5 / 253، والكامل في التأريخ: 3 / 352.

[196] الكامل في التأريخ: 3 / 252، والإمامة والسياسة: 1 / 200.

[197] حياة الإمام الحسين: 2 / 219 _ 220.

[198] حياة الإمام الحسين: 2/223.

[199] المصدر السابق: 2 / 224.

[200] حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 2/235 عن الإمامة والسياسة: 1 / 284، والدرجات الرفيعة: 334، وراجع الغدير: 10 / 161.

[201] الإرشاد: 2 / 32.

[202] المصدر السابق.

[203] تأريخ اليعقوبي: 2 / 215.

[204] المقصود هنا الإمام الحسين(عليه السلام)وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر، باعتبار أنّ بعض المصادر التأريخية أفادت بأنّ رسالة يزيد تضمّنت أسماءهم جميعاً مثل تأريخ الطبري: 6 / 84.

[205] حياة إلامام الحسين(عليه السلام): 2 / 25.

[206] نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، الطبعة الاُولي، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

[207] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

[208] كتاب سُليم بن قيس: 323، تحقيق محمد باقر الأنصاري.

[209] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 54.

[210] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): 2 / 239 _ 240.

[211] المصدر السابق: 2 / 251.

[212] حياة إلامام الحسين(عليه السلام) 2 / 251.

[213] المصدر السابق.

[214] إعلام الوري: 1 / 434، وروضة الواعظين: 171، ومقتل أبي مخنف: 27، وتذكرة الخواص: 213.

[215] الإرشاد: 2 / 33.

[216] حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 2 / 254.

[217] الإرشاد: 2 / 33 _ 34.

[218] مقتل الحسين للمقرّم: 144، وإعلام الوري: 1 / 435.

[219] الفتوح لابن أعثم: 5 / 17، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 184.

[220] أي لم تجد بها قراراً ولم تطمئن عليها. انظر لسان العرب: 15/302 مادة نبأ.

[221] الإرشاد: 2 / 35.

[222] القصص (28): 21.

[223] مقتل الحسين للمقرّم: 156.

[224]

بحار الأنوار: 44 / 331، والعوالم: 17 / 180، وينابيع المودة: 405... الي قوله: بكت اُمّ سلمة بكاءً شديداً.

[225] الغيبة للطوسي: 118 حديث 148، واثبات الهداة: 5 / 214.

[226] إثبات الهداة: 5 / 216 حديث 8.

[227] الفتوح: 5 / 24، وينابيع المودّة: 402 الإرشاد للمفيد: 2 / 35.

[228] القصص (28): 22.

[229] الإرشاد: 2 / 36، وبحار الأنوار: 44 / 332.

[230] تأريخ الطبري: 4 / 304، والكامل في التأريخ: 3 / 280.

[231] أعيان الشيعة: 1 / 603.

[232] الإمامة والسياسة: 1 / 284.

[233] كتاب سُليم بن قيس: 166.

[234] شرح نهج البلاغة: 4 / 327.

[235] أنساب الأشراف: ق 1 / ج 1، وتأريخ ابن كثير: 8 / 162.

[236] تأريخ الطبري: 6 / 77، وتأريخ ابن عساكر: 3 / 222، والاستيعاب: 1 / 60، وتأريخ ابن كثير: 7 / 319.

[237] العقد الفريد: 2 / 258، وطبقات ابن سعد: 6 / 175، ونهاية الإرب: 6 / 86.

[238] شرح النهج: 11 / 44، وتأريخ الطبري: 4 / 198.

[239] تأريخ اليعقوبي: 2 / 206.

[240] تأريخ الطبري: 8 / 288، والأغاني: 4 / 120.

[241] نهج البلاغة: 3 / 595 و 4 / 61 و و 11 / 44.

[242] البداية والنهاية: 8 / 176، وتأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام)، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 218، والفتوح: 5 / 74.

[243] مستدرك الحاكم: 4 / 398 و 3 / 176، وكنز العمال: 7 / 106، ومجمع الزوائد: 9 / 187، وذخائر العقبي: 148، وسير أعلام النبلاء: 3 / 15.

[244] للمزيد من التفصيل راجع: أضواء علي ثورة الحسين(عليه السلام) للسيّد محمد الصدر: 57.

[245] راجع: الفتوح لابن أعثم: 5 / 301، والإمامة والسياسة للدينوري: 2

/ 19، مروج الذهب: 2 / 84.

[246] تأريخ الطبري: 6 / 197.

[247] تاريخ الطبري: 5/403.

[248] الأخبار الطوال: 221.

[249] المصدر السابق: 222.

[250] شرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 357.

[251] مقاتل الطالبيين: 29، ومختصر تأريخ العرب: 62.

[252] التمدن الإسلامي، لجرجي زيدان: 4 / 71.

[253] عيون الأخبار: 1 / 201.

[254] للتفصيل راجع: ثورة الحسين، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية: 122.

[255] الإمامة والسياسة: 1 / 188، والأخبار الطوال: 224، وأعيان الشيعة: 1 / 582.

[256] الفتنة الكبري _ علي وبنوه، ط_ه حسين: 290، وللمزيد من التفصيل راجع: ثورة الحسين(عليه السلام)، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية: 127.

[257] مقتل الحسين (الخوارزمي): 1 / 187 و 216، ومروج الذهب: 3 / 64.

[258] مقتل الحسين (الخوارزمي): 1 / 191.

[259] تأريخ ابن عساكر: 13 / 68.

[260] الأخبار الطوال: 209.

[261] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 58.

[262] النجاء: السرعة.

[263] الإرشاد: 2 / 38، وروضة الواعظين: 171، وتذكرة الخواص: 213، وتأريخ الطبري: 4 / 262، والفتوح لابن أعثم: 5 / 33، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 195.

[264] الإرشاد: 2/39، وإعلام الوري: 1 / 436، والفتوح لابن أعثم: 5 / 35، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 195.

[265] الفتوح: 5 / 36، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 196.

[266] الإرشاد: 2 / 41، وإعلام الوري: 1 / 437.

[267] الإصابة: 1 / 332.

[268] تهذيب التهذيب: 2 / 349.

[269] الإرشاد: 2 / 41، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 90، وتذكرة الخواص: 220.

[270] حياة الإمام الحسين: 2 / 348، عن تأريخ الطبري: 6 / 224.

[271] مقتل الحسين للمقرّم: 159 _ 160، وتأريخ الطبري: 4 / 266، وأعيان الشيعة: 1 / 590.

[272] بحار الأنوار: 44 / 339، وأعيان الشيعة: 1 / 590.

[273] سير أعلام

النبلاء: 3 / 300، والآية (60) من سورة الروم.

[274] اللهوف: 38، وأعيان الشيعة: 1 / 590، وبحار الأنوار: 44 / 339.

[275] اللهوف: 38، وأعيان الشيعة: 1 / 590، وبحار الأنوار: 44 / 339.

[276] الكامل في التأريخ: 3 / 267.

[277] الإرشاد: 2 / 42، وأنساب الأشراف: 77، والفتوح: 5 / 75، والعوالم للبحراني: 13 / 182.

[278] الإرشاد: 2 / 42، وإعلام الوري: 1 / 237.

[279] المصدر السابق.

[280] لأنّ عبيدالله بن زياد كان معارضاً لمعاوية في تولية العهد ليزيد، انظر البداية والنهاية: 8 / 152.

[281] الإرشاد: 2 / 42 _ 43، وإعلام الوري: 1 / 437، وسير أعلام النبلاء: 3 / 201.

[282] إعلام الوري: 1 / 437.

[283] الإرشاد: 2 / 43، وإعلام الوري: 1 / 438.

[284] الإرشاد: 2/43، وروضة الواعظين: 173، ومقتل الحسين للخوارزمي: 198، وتهذيب التهذيب: 2 / 302.

[285] مقاتل الطالبيّين: 97، وإعلام الوري: 1 / 438.

[286] الإرشاد: 2 / 45، والفصول المهمة: 197، والفتوح لابن أعثم: 5 / 67.

[287] مروج الذهب: 2 / 89، والأخبار الطوال: 213، وإعلام الوري: 1 / 438.

[288] الأخبار الطوال: 187، ومقاتل الطالبيّين: 98، وإعلام الوري: 1 / 428.

[289] إعلام الوري: 1 / 440، والأخبار الطوال: 178، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 91، والفتوح لابن أعثم: 5 / 69، وتأريخ الطبري: 4 / 271، وأنساب الأشراف: 79.

[290] الكامل في التأريخ: 3 / 271، والفتوح لابن اعثم: 5 / 83، وإعلام الوري: 1 / 441.

[291] سيرة الأئمّة الاثني عشر، القسم الثاني: 63، وإعلام الوري: 1 / 441، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 92، والكامل في التأريخ: 3 / 271.

[292] جاء في «الإرشاد» أنّهم كانوا سبعين رجلا.

[293] يراجع في تفصيلاته الي:

اعيان الشيعة: 1/592، إعلام الوري: 1 / 442، والكامل في التأريخ: 4 / 32، والفتوح: 5 / 88، وتأريخ الطبري: 4 / 280، ومقاتل الطالبيّين: 92.

[294] الإرشاد: 2 / 67.

[295] الكامل في التأريخ: 4 / 39.

[296] اللهوف علي قتلي الطفوف: 27، وأعيان الشيعة: 1 / 592، وبحار الأنوار: 44 / 364.

[297] إحقاق الحق: 11 / 598، وكشف الغمة: 2 / 20.

[298] مناقب آل أبي طالب: 4 / 76، وبصائر الدرجات: 481، ودلائل الإمامة: 77.

[299] راجع تأريخ ابن عساكر: ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام).

[300] الإرشاد: 2 / 68.

[301] التنعيم: موضع بمكة في الحلّ يقع بين مكة وسرف علي فرسخين من مكة، جاء ذلك في معجم البلدان: 2 / 49.

[302] الإرشاد: 2 / 68.

[303] الصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم علي يسرة الداخل الي مكة من مشاش... جاء ذلك في معجم البلدان: 3 / 412.

[304] مقتل الحسين للمقرّم: 203، البداية والنهاية، ابن كثير: 8/180، صفة مخرج الحسين(عليه السلام) الي العراق.

[305] انكمشوا: بمعني أسرعوا.

[306] الإرشاد: 2 / 70، والبداية والنهاية: 8 / 181، وبحار الأنوار: 44 / 369.

[307] الإرشاد: 2 / 71، ومثير الأحزان: 42، والبداية والنهاية: 8 / 181.

[308] الإرشاد: 2 / 72 _ 73، والكامل في التأريخ: 3 / 177، والأخبار الطوال: 246.

[309] الإرشاد: 2/ 75 _ 76، والبداية والنهاية: 8 / 182، وأعيان الشيعة: 1 / 595.

[310] تأريخ الطبري: 3 / 305، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 229، والبداية والنهاية: 8 / 186، وبحار الأنوار: 44 / 375.

[311] تأريخ الطبري: 3 / 305، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: 1 / 229، البداية والنهاية: 8 / 186، بحار الأنوار: 44 / 375.

[312] الإرشاد: 2 / 79،

والفتوح لابن أعثم: 5 / 85، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 596.

[313] الفتوح لابن أعثم: 5 / 87، وتأريخ الطبري: 3 / 206، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 332.

[314] الإرشاد: 2 / 80، تاريخ الطبري: 3 /306.

[315] القصص (28): 41.

[316] تأريخ الطبري: 3 / 309، ومعجم البلدان: 4 / 444، وإعلام الوري: 1 / 451، والأخبار الطوال: 252، وبحار الأنوار: 44 / 380.

[317] مجمع الزوائد: 9 / 192، والأخبار الطوال: 253، وحياة الحيوان للدميري: 1 / 60.

[318] تذكرة الخواص: 260، ونفس المهموم: 205، وناسخ التواريخ: 2 / 168، وينابيع المودة: 406.

[319] سيرة الائمّة الاثني عشر القسم الثاني: 68.

[320] الارشاد للمفيد: 2 / 85، الفتوح: 5 / 97، بحار الأنوار: 44 / 284، إعلام الوري: 1 / 451، البداية والنهاية: 8 / 189، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 245.

[321] إعلام الوري: 1 / 452.

[322] الإرشاد: 2/93.

[323] راجع أعيان الشيعة: 1 / 601.

[324] الإرشاد: 2 / 96.

[325] الإرشاد: 2 / 98، إعلام الوري: 1/459.

[326] هود (11): 91.

[327] الإرشاد: 2 / 99، الفتوح: 5 / 113، بحار الأنوار: 5 / 15.

[328] مقتل الحسين، للمقرم: 277.

[329] مقتل الحسين، للمقرم: 277، تاريخ الطبري: 3 / 318.

[330] استصرختمونا: طلبتم نجدتنا.

[331] إلباً: مجتمعين متضامنين ضدنا.

[332] الدَّبا: الجراد الصغير.

[333] تاريخ ابن عساكر: 69/265، اللهوف في قتلي الطفوف، ابن طاووس: 59 و 124.

[334] يونس (10): 71 و هود (11): 56.

[335] يونس (10): 71 و هود (11): 56.

[336] مقتل الحسين، للمقرم: ص289 _ 286، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 6، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام): 216، راجع إعلام الوري: 1 / 458.

[337] مقتل الحسين للمقرم: 289.

[338] الإرشاد: 2 / 101، اللهوف: 100، إعلام

الوري: 1 / 461.

[339] مقتل الحسين للمقرم: 292.

[340] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 76.

[341] جلّي ببصره: إذا رمي به كما ينظر الصقر الي الصيد. «الصحاح _ جلا _ 6: 2305».

[342] المسناة: تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية. «تاج العروس _ سني _ 10: 185».

[343] سيرة الائمّة الاثني عشر: 2 / 77، بحار الأنوار: 45 / 440، المنتخب للطريحي: 431.

[344] الإرشاد: 2 / 109.

[345] بحار الأنوار: 45 / 46.

[346] الإرشاد: 2 / 110، إعلام الوري: 1 / 467.

[347] الإرشاد: 2 / 111، إعلام الوري: 1 / 468.

[348] الإرشاد: 2 / 112، إعلام الوري: 1 / 469.

[349] راجع كشف الغمة: 2 / 9، سير أعلام النبلاء: 3 / 312، تاريخ الاسلام للذهبي: 15، حوادث سنة 61، إعلام الوري: 1 / 429.

[350] مقتل الحسين للمقرم: 346.

[351] حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، نقلاً عن تاريخ المظفري: 238.

[352] تاريخ الطبري: 4 / 314، إعلام الوري: 1 / 453.

[353] إعلام الوري: 1 / 470، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 39.

[354] حياة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام): 3 / 304.

[355] تاريخ الطبري: 4 / 281.

[356] المصدر السابق: 4 / 331.

[357] حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام): 3 / 440 عن أمالي الشيخ الطوسي.

[358] حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام): 3 / 341 عن مثير الأحزان.

[359] تأريخ الطبري: 4 / 388، تأريخ الخلفاء: 208.

[360] تاريخ الطبري: 4 / 426، 449.

[361] المصدر السابق: 4 / 464.

[362] المصدر السابق: 4 / 487.

[363] مقاتل الطالبيين: 135.

[364] المصدر السابق: 523.

[365] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 743 عن حياة الإمام الحسين: 1 / 181.

[366] المصدر السابق: 743 عن إحقاق الحق: 11 / 590.

[367] المصدر

السابق: 742 عن اعلام الدين: 298. وورد هذا النص عن الإمام علي(عليه السلام) أيضاً.

[368] المصدر السابق: 742 عن حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 1/181.

[369] موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 742 و 743 عن بحار الأنوار: 78 / 128، الحديث 11.

[370] المصدر السابق.

[371] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 803 _ 806 عن إقبال الأعمال: 339.

[372] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 551 عن جامع الأخبار: 48.

[373] المصدر السابق: 551، عن الكافي: 2 / 611، الحديث 3.

[374] المصدر السابق: 560 عن تفسير البرهان: 2 / 323.

[375] المصدر السابق: 561 عن ينابيع المودّة: 484.

[376] المصدر السابق: 563 عن حياة الحسين: 2 / 234.

[377] المصدر السابق: 564 عن بحار الأنوار: 24 / 166.

[378] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 565 عن بحار الأنوار: 23 / 251 الحديث 37.

[379] المصدر السابق: 567 عن المحاسن: 1 / 344 الحديث 11.

[380] المصدر السابق: 568 عن التوحيد: 90 الحديث 5 ثم نقل تفسيرها بشكل تفصيلي فراجع.

[381] المصدر السابق: 569 عن معادن الحكمة: 2 / 51.

[382] المصدر السابق: 827 عن بحار الأنوار: 44 / 191.

[383] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 571، عن كنز العمّال: 7 / 217.

[384] موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 571 _ 575 عن مجمع الزوائد: 8 / 274 ومعاني الأخبار: 79.

[385] المصدر السابق: 575 عن الغدير: 8 / 248.

[386] المصدر السابق: 578 عن عيون أخبار الرضا: 2 / 42.

[387] المصدر السابق: عن بحار الأنوار: 16 / 287.

[388] المصدر السابق: 683 عن مستدرك الوسائل: 4 / 17.

[389] موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 710 عن مستدرك الوسائل: 8 / 203.

[390] راجع موسوعة كلمات الإمام الحسين وتتبع ما نقله عن رسول الله (صلي الله عليه وآله).

[391] موسوعة كلمات

الإمام الحسين: 582 عن أمالي الطوسي: 1 / 82.

[392] المصدر السابق: 582 عن نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 85.

[393] المصدر السابق: عن مجمع الزوائد: 9 / 21.

[394] المصدر السابق: 585 عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 72.

[395] المصدر السابق: 586 عن نزهة الناظر: 85.

[396] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 659 عن ينابيع المودّة: 590.

[397] المصدر السابق: 660 عن عقد الدرر: 158.

[398] موسوعة كلمات الإمام الحسين: عن عقد الدرر: 134.

[399] المصدر السابق: 661 عن كمال الدين: 317.

[400] المصدر السابق: 662 عن عقد الدرر: 111.

[401] المصدر السابق: 665 عن عقد الدرر: 41.

[402] المصدر السابق عن كمال الدين: 317.

[403] المصدر السابق: 663 عن عقد الدرر: 228.

[404] موسوعة كلمة الإمام الحسين: 530 عن تحف العقول: 173.

[405] المصدر السابق: 533 عن التوحيد: 79.

[406] المصدر السابق: 540 عن علل الشرايع: 9.

[407] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 542 عن تحف العقول: 175.

[408] المصدر السابق: 540 _ 541 عن معادن الحكمة: 2 / 45.

[409] البلد الأمين للكفعمي: 24.

[410] موسوعة كلمات الإمام الحسين: 793 _ 806 عن إقبال الأعمال: 339.

[411] أمالي الصدوق: 167.

[412] تحف العقول: 175.

[413] بحار الأنوار: 71 / 184.

[414] ديوان الإمام الحسين: 199.

[415] بحار الأنوار: 71 / 357.

[416] الكافي: 2 / 373.

[417] بحار الأنوار: 78 / 126.

[418] إرشاد القلوب: 1 / 29.

[419] كشف الغمة: 2 / 29.

[420] دعائم الاسلام: 1 / 175.

[421] مستدرك الوسائل: 4 / 189.

[422] وسائل الشيعة: 3 / 434 الحديث 4.

[423] الكافي: 3 / 192.

[424] الفرقان (25): 77.

[425] بحار الأنوار: 93 / 294.

[426] كنز العمال: 8 / 82، ومسند الإمام أحمد: 1 / 201.

[427] بحار الأنوار: 78 / 128.

[428] تحف العقول: 175.

[429] نهج الدعوات: 49.

[430] إحقاق الحق: 11 / 595.

[431]

المصدر السابق: 11 / 424.

[432] مستدرك الوسائل: 2 / 373 الحديث 2323.

[433] مهج الدعوات: 157.

[434] بحار الأنوار: 98 / 218 _ 219.

[435] المجالس السنية: 21، 28، 30.

[436] المجالس السنية: 21، 28، 30.

[437] المجالس السنية: 21، 28، 30.

[438] راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه، في هذا الكتاب.

[439] تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: 307 _ 311.

[440] تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: 311 _ 303.

[441] للاطلاع التفصيلي علي خصائص كل شكل في أدب الحسين (عليه السلام) راجع تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي للدكتور محمود البستاني.

[442] عن ديوان الإمام الحسين: 4 / 115.

[443] عن البداية والنهاية: 8 / 228.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.