م_ن_اس_ك ال_ح_ج فتاوى سماحة المرجع الديني آية اللّه العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظله)
فتاوى: سماحة المرجع الديني آية اللّه العظمى
الميرزا جواد التبريزي (دام ظله)
الناشر: دار الصديقة الشهيدة (سلام اللّه عليها)
الطبعة وتاريخ النشر: الأُولى _ 1383 ه_ ش
المطبعة: شريعت
عدد المطبوع: 2000 مجلد
شابك: 3-15-8438-964
إيران _ قم _ شارع الشهيد فاطمي (دور شهر)
رقم الزقاق 28 _ رقم الدار 37
رقم الهاتف7745723
رقم المبرقة (الهاتف): 7831270
بسم اللّه الرحمن الرحيم
يسرّ دار الصديقة الشهيدة (عليها السلام) أن تقدّم لحجاج بيت اللّه الحرام كتاب مناسك الحج لآية اللّه العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظله)، والتي امتازت عن الطبعات السابقة بإضافة ملحق بالأدعية والزيارات؛ تيسيراً للحجاج الكرام. نسأل اللّه عزّ وجلّ أن يبرّ حجهم ويشكر سعيهم ويتقبل أعمالهم بأحسن قبول.
مؤسسة دار الصديقة الشهيدة (عليها السلام)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
«لا بأس بالعمل برسالة مناسك الحجّ التي لاحظناها بتمامها، وهو مجزئ ومبرئ للذمة»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد: إن هذه رسالة في مناسك الحج، وافية بأغلب ما يبتلى به عادة من المسائل. وهي رسالة منظمة مرتبة يسهل فهمها ومراجعتها. وقد أفردت فيها المستحبات عن الواجبات، لئلا يلتبس الأمر على المؤمنين. وأرجو من اللّه تعالى أن يجعلها ذخراً لي يوم لا ينفع مال ولا بنون.
يجب الحجّ على كل مكلّف جامع للشرائط الآتية، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة القطعية.
والحج ركن من أركان الدين، ووجوبه من الضروريات، وتركه مع الاعتراف بثبوته معصية كبيرة، كما أنّ إنكار أصل الفريضة _ إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة _ كفر.
قال اللّه تعالى في كتابه المجيد: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبيْلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللّهَ غَنيٌّ عَنِ العَالَمينَ).
وروى الشيخ الكليني بطريق معتبر عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً».
وهناك روايات كثيرة تدلّ على وجوب الحجّ والاهتمام به، لم نتعرّض لها طلباً للاختصار، وفيما ذكرناه من الآية الكريمة والرواية كفاية للمراد.
واعلم أنّ الحجّ الواجب على المكلّف في أصل
الشرع إنّما هو لمرّة واحدة، ويسمّى ذلك ب_«حجّة الإسلام».
وجوب الحجّ بعد تحقق شرائطه فوري، فتجب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة، وإن تركه فيها عصياناً أو لعذر وجب في السنة الثانية وهكذا، ولا يبعد أن يكون التأخير من دون عذر من الكبائر.
إذا حصلت الاستطاعة وتوقّف الإتيان بالحجّ على مقدّمات وتهيئة الوسائل، وجبت المبادرة إلى تحصيلها، ولو تعدّد الرفقة فإن وثق بالإدراك مع التأخير جاز له ذلك، وإلاّ وجب الخروج من دون تأخير.
إذا أمكنه الخروج مع الرفقة الاُولى ولم يخرج معهم، لوثوقه بالإدراك مع التأخير، ولكن اتفق أنّه لم يتمكّن من المسير، أو أنّه لم يدرك الحجّ بسبب التأخير لم يستقر عليه الحجّ، حيث كان معذوراً في تأخيره.
فلا يجب على غير البالغ وإن كان مراهقاً، ولو حجّ الصبي لم يجزئه عن حجّة الإسلام، وإن كان حجّه صحيحاً على الأظهر.
إذا خرج الصبي إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات، وكان مستطيعاً فلا إشكال في أنّ حجّه حجّة الإسلام، وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه وجب عليه الرجوع إلى أحد المواقيت وتجديد الإحرام منه لحجّة الإسلام، والأحوط وجوباً مراعاة تروك الإحرام إلى تجديد إحرامه فإن لم يتمكّن من الرجوع إليه ففي محلّ إحرامه تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى في حكم من تجاوز الميقات جهلاً أو نسياناً ولم يتمكّن من الرجوع إليه في المسألة (169).
إذا حجّ ندباً معتقداً بأنّه غير بالغ، فبان بعد أداء الحج أنّه كان بالغاً، أجزأه عن حجّة الإسلام.
يستحب للصبي المميّز أن يحجّ، ولا يشترط في صحّته إذن الولي.
يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميّز، ذكراً كان أم أُنثى، وذلك بأن يلبسه ثوبي الإحرام ويأمره بالتلبية ويلقّنه إيّاها، إن كان قابلاً للتلقين، وإلاّ لبّى عنه، ويجنّبه عمّا يجب على المحرم الاجتناب عنه، ويجوز أن يؤخّر تجريده عن الثياب إلى فخّ، إذا كان سائراً من ذلك الطريق، ويأمره بالإتيان بكلّ ما يتمكّن منه من أفعال الحجّ، وينوب عنه فيما لا يتمكّن، ويطوف به ويسعى به بين الصفا والمروة، ويقف به في عرفات والمشعر، ويأمره بالرمي إن قدر عليه، وإلاّ رمى عنه، وكذلك صلاة الطواف، ويحلق رأسه، وكذلك بقية الأعمال، ويجب عندما يطوف به أن يوضئه ولو بصورة الوضوء.
نفقة حجّ الصبي فيما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي، نعم إذا كان حفظ الصبي متوقّفاً على السفر به، أو كان السفر مصلحة له، جاز الإنفاق عليه من ماله.
ثمن هدي الصبي الذي حجّ به وليه ولو كان مميّزاً على الولي، وكذلك كفّارة صيده، وأمّا الكفّارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً، فالظاهر أنّها لا تجب بفعل الصبي، لا على الولي ولا في مال الصبي، ولو لم يكن للولي مال يأخذ ثمن الهدي من مال الطفل، وهذا مقدّم على صوم الولي.
فلا يجب الحجّ على المجنون وإن كان أدوارياً، نعم إذا أفاق المجنون في أشهر الحجّ وكان مستطيعاً ومتمكّناً من الإتيان بأعمال الحجّ وجب عليه، وإن كان مجنوناً في بقية الأوقات.
فلا يجب الحجّ على المملوك وإن كان مستطيعاً ومأذوناً من قبل المولى، ولو حجّ بإذن مولاه صحّ، ولكن لا يجزيه عن حجّة الإسلام، فتجب عليه الإعادة إذا كان واجداً للشرائط بعد العتق.
إذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحجّ بما يوجب الكفّارة، فكفّارته على مولاه في غير الصيد، وعلى نفسه فيه.
إذا حجّ المملوك بإذن مولاه وانعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام، بل الظاهر كفاية إدراكه الوقوف بعرفات معتقاً وإن لم يدرك المشعر، ويعتبر في الإجزاء الاستطاعة حين الانعتاق، فإن لم يكن مستطيعاً لم يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام، ولا فرق في الحكم بالإجزاء بين أقسام الحجّ من الإفراد والقران والتمتّع، إذا كان المأتي به مطابقاً لوظيفته الواجبة.
إذا انعتق العبد قبل المشعر في حجّ التمتّع فهديه عليه، وإن لم يتمكّن فعليه أن يصوم بدل الهدي على ما يأتي، وإن لم ينعتق فمولاه بالخيار، فإن شاء ذبح عنه، وإن شاء أمره بالصوم.
ويعتبر فيها أُمور:
إذا كان للحجّ طريقان، أحدهما مأمون والآخر غير مأمون، لم يسقط وجوب الحجّ، بل وجب الذهاب من الطريق المأمون وإن كان أبعد.
إذا كان له في بلده مال معتدّ به، وكان ذهابه إلى الحجّ مستلزماً لتلفه لم يجب عليه الحجّ، وكذلك إذا كان هناك ما يمنعه عن الذهاب شرعاً، كما إذا استلزم حجّه ترك واجب أهمّ من الحجّ، كالتحفّظ على أهله وعياله والدفاع عنهم، أو توقّف حجّه على ارتكاب محرّم لا يعلم بكونه أقل أهمية من الحجّ أو مساوياً له.
إذا حجّ مع استلزام حجّه ترك واجب أهمّ أو ارتكاب محرّم كذلك فهو، وإن كان عاصياً من جهة ترك الواجب أو فعل الحرام، إلاّ أنّ الظاهر أنّه يجزئ عن حجّة الإسلام إذا كان واجداً لسائر الشرائط، ولا فرق في ذلك بين من كان الحجّ مستقرّاً عليه ومن كان أوّل سنة استطاعته.
إذا كان في الطريق من يمنع عن المرور إلاّ ببذل مال معتدّ به، لم يجب بذله ويسقط وجوب الحجّ، إلاّ إذا كان أمراً متعارفاً، كما في أخذ الحكومات المال للإذن في الدخول في بلادهم، فإنّه يجب البذل ويحسب المبذول من مؤونة الحجّ.
لو انحصر الطريق بالبحر لم يسقط وجوب الحجّ، إلاّ مع خوف الغرق أو المرض الزائد على المتعارف في سفر البحر، ولو حجّ مع الخوف وزال الخوف حين الإحرام صحّ حجّه على الأظهر.
لا يختصّ اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة إليها، بل يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليها، كما إذا كان قادراً على المشي من دون مشقّة ولم يكن منافياً لشرفه.
العبرة في الزاد والراحلة بوجودهما فعلاً، فلا يجب على من كان قادراً على تحصيلهما بالاكتساب ونحوه، ولا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد.
الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ إنّما هي الاستطاعة من مكانه لا من بلده، فإذا ذهب المكلّف إلى المدينة مثلاً للتجارة أو لغيرها، وكان له هناك ما يمكن أن يحجّ به من الزاد والراحلة أو ثمنهما وجب عليه الحجّ، وإن لم يكن مستطيعاً من بلده.
إذا كان للمكلّف ملك ولم يوجد من يشتريه بثمن المثل، وتوقّف الحجّ على بيعه بأقلّ منه بمقدار معتدّ به لم يجب البيع، وأمّا إذا ارتفعت الأسعار فكانت اُجرة المركوب مثلاً في سنة الاستطاعة أكثر منها في السنة الآتية لم يجز التأخير.
إنّما يعتبر وجود نفقة الإياب في وجوب الحجّ فيما إذا أراد المكلّف العود إلى وطنه، وأمّا إذا لم يرد العود وأراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلابدّ من وجود النفقة إلى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.
نعم، إذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه أبعد من وطنه، لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه.
فبذلك يظهر أنّه لا يجب بيع ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه من أمواله، فلا يجب بيع دار سكناه اللائقة بحاله وثياب تجمّله وأثاث بيته، ولا آلات الصنائع التي يحتاج إليها في معاشه، ونحو ذلك مثل الكتب بالنسبة إلى أهل العلم مما لابدّ منه في سبيل تحصيله، وعلى الجملة كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في حياته المعاشية، لم يجب بيعه.
إذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحجّ لحاجته إليه، ثمّ استغنى عنه وجب عليه بيعه لأداء فريضة الحجّ، مثلاً إذا كان للمرأة حلي تحتاج إليه ولابدّ لها منه ثمّ استغنت عنه لكبرها أو لأمر آخر، وجب عليها بيعه لأداء فريضة الحجّ.
إذا كانت له دار مملوكة وكانت هناك دار اُخرى يمكنه السكنى فيها، كما إذا كانت موقوفة تنطبق عليه، فالظاهر عدم وجوب بيع الدار المملوكة ولو كانت وافية بمصارف الحجّ، ويجري ذلك في الكتب العلمية وغيرها مما يحتاج إليه في حياته.
إذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحجّ وكان بحاجة إلى الزواج أو شراء دار لسكناه أو غير ذلك مما يحتاج إليه، لم يجب عليه الحجّ.
إذا كان ما يملكه دَيناً على ذمّة شخص وكان الدَّين حالاًّ وجبت عليه المطالبة، فإن كان المدين مماطلاً وجب إجباره على الأداء، وإن توقّف تحصيله على الرجوع إلى المحاكم العرفية لزم ذلك.
كما تجب المطالبة فيما إذا كان الدين مؤجّلاً ولكن المدين يؤدّيه لو طالبه، وأمّا إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً ولا يمكن إجباره أو كان الإجبار مستلزماً للحرج، كما إذا امتنع الزوج مع تمكّنه من أداء ما عليه من مهر زوجته، وأوجب إجباره على الأداء الاختلاف والشقاق بينهما الموجب للحرج على الزوجة، أو كان الدين مؤجّلاً والمدين لا يسمح بأداء ذلك قبل الأجل، ففي جميع ذلك إن أمكنه بيع الدَّين بما يفي بمصارف الحجّ ولو بضميمة ما عنده من المال، ولم يكن في ذلك ضرر ولا حرج وجب البيع، وإلاّ لم يجب.
كلّ ذي حرفة كالحدّاد والبنّاء والنجّار وغيرهم ممن يفي كسبهم بنفقتهم ونفقة عوائلهم، يجب عليهم الحجّ إذا حصل لهم مقدار من المال بإرث أو غيره، وكان وافياً بالزاد والراحلة ونفقة العيال مدّة الذهاب والإياب.
من كان يرتزق من الوجوه الشرعية كالخمس والزكاة وغيرهما، وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقّة، لا يبعد وجوب الحجّ عليه فيما إذا ملك مقداراً من المال يفي بذهابه وإيابه ونفقة عائلته، وكذلك من قام أحد بالإنفاق عليه طيلة حياته، وكذلك كلّ من لا يتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده من جهة المعيشة إن صرف ما عنده في سبيل الحجّ.
لا يعتبر في الاستطاعة الملكية اللازمة، بل تكفي الملكية المتزلزلة أيضاً، فلو صالحه شخص ما يفي بمصارف الحجّ وجعل لنفسه الخيار إلى مدّة معيّنة وجب عليه الحجّ، وكذلك الحال في موارد الهبة الجائزة.
لا يجب على المستطيع أن يحجّ من ماله، فلو حجّ متسكّعاً أو من مال شخص آخر أجزأه، نعم إذا كان ساتره في الطواف مغصوباً لم يجزئه على الأحوط ولا يجزئه لو كان ساتره في صلاة الطواف مغصوباً، ولو كان ثمن هديه مغصوباً لم يجزئه ذلك إلاّ إذا اشتراه بثمن في الذمة ووفّاه من المغصوب.
لا يجب على المكلّف تحصيل الاستطاعة بالاكتساب أو غيره، فلو وهبه أحد مالاً يستطيع به لو قبله لم يلزمه القبول، وكذلك لو طلب منه أن يؤجر نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً ولو كانت الخدمة لائقة بشأنه، نعم لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ واستطاع بذلك وجب عليه الحجّ.
إذا آجر نفسه للنيابة عن الغير في الحجّ واستطاع بمال الإجارة، قدّم الحجّ النيابي إذا كان مقيّداً بالسنة الحالية، أو لم يحرز أنّه لو لم يأت بالحجّ النيابي في هذه السنة يتمكّن منه بعد ذلك فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة القادمة وجب عليه الحجّ، وإلاّ فلا وإن لم يكن الحجّ النيابي مقيّداً بالسنة الفعلية قدّم الحجّ عن نفسه إلاّ فيما تقدّم.
إذا اقترض مقداراً من المال يفي بمصارف الحجّ لم يجب عليه الحجّ ولو كان قادراً على وفائه بعد ذلك من غير حرج.
إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحجّ وكان عليه دين، ولم يكن صرف ذلك في الحجّ منافياً لأداء ذلك الدين وجب عليه الحجّ، وإلاّ فلا، ولا فرق في الدين بين أن يكون حالاًّ أو مؤجّلاً، وبين أن يكون سابقاً على حصول ذلك المال أو بعد حصوله.
إذا كان عليه خمس أو زكاة، وكان عنده مقدار من المال ولكن لا يفي بمصارف الحجّ لو أدّاهما وجب عليه أداؤهما ولم يجب عليه الحجّ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخمس والزكاة في عين المال أو يكونا في ذمّته.
إذا وجب عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة لزمه أداؤها ولم يجز له تأخيره لأجل السفر إلى الحجّ، ولو كان ثياب طوافه وثمن هديه من المال الذي قد تعلق به الحق جرى عليه الحكم المذكور في مسألة 30.
إذا كان عنده مقدار من المال، ولكنّه لا يعلم بوفائه بنفقات الحجّ لم يجب عليه الحجّ، ولا يجب عليه الفحص، وإن كان الفحص أحوط.
إذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحجّ منفرداً أو منضمّاً إلى المال الموجود عنده، فإن لم يكن متمكّناً من التصرّف في ذلك المال، ولو بتوكيل من يبيعه هناك لم يجب عليه الحجّ، وإلاّ وجب.
إذا كان عنده ما يفي بمصارف الحجّ وجب عليه الحجّ، ولم يجز له التصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، ولا يمكنه التدارك مع تمكّنه من الخروج إلى الحجّ، في سنة حصول المال، ولا فرق في ذلك بين تصرّفه بعد التمكّن من المسير وتصرّف_ه فيه قبله، بل الظاهر عدم جواز التصرّف فيه قبل أشهر الحجّ أيضاً، نعم إذا تصرّف فيه ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك حكم بصحّة التصرّف، وإن كان آثماً بتفويته الاستطاعة.
الظاهر أنّه لا يعتبر في الزاد والراحلة ملكيّتهما، فلو كان عنده مال يجوز له التصرّف فيه وجب عليه الحجّ، إذا كان وافياً بنفقات الحجّ مع وجدان سائر الشروط.
كما يعتبر في وجوب الحجّ وجود الزاد والراحلة حدوثاً كذلك يعتبر بقاءً إلى إتمام الأعمال، بل إلى العود إلى وطنه، فإن تلف المال في بلده أو في أثناء الطريق لم يجب عليه الحجّ وكشف ذلك عن عدم الاستطاعة من أوّل الأمر، ومثل ذلك ما إذا حدث عليه دين قهري، كما إذا أتلف مال غيره خطأً ولم يمكنه أداء بدله إذا صرف ما عنده في سبيل الحجّ. نعم الإتلاف العمدي لا يسقط وجوب الحجّ، بل يبقى الحجّ في ذمّته مستقرّاً، فيجب عليه أداؤه ولو متسكّعاً، هذا كلّه في تلف الزاد والراحلة وكذا إذا تلف ما به الكفاية من ماله في بلده فهو يكشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر.
إذا كان عنده ما يفي بمصارف الحجّ لكنه جهل ذلك أو كان غافلاً عنه أو كان جاهلاً بوجوب الحجّ أو غافلاً عنه ثمّ علم أو تذكّر بعد أن تلف المال، فلم يتمكّن من الحجّ فإن كان معذوراً في جهله أو غفلته بأن لم تكن ناشئة عن تقصيره لم يستقر عليه الحج وإلاّ استقر عليه الحج إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده.
كما تتحقّق الاستطاعة بوجدان الزاد والراحلة تتحقّق بالبذل، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدداً، وإذا عرض عليه الحجّ والتزم بزاده وراحلته ونفقة عياله وجب عليه الحجّ، وكذلك لو أُعطي مالاً ليصرفه في الحجّ، وكان وافياً بمصارف ذهابه وإيابه وعياله، ولا فرق في ذلك بين الإباحة والتمليك، ولا بين بذل العين وثمنها.
لو أوصى له بمال ليحجّ به وجب الحجّ عليه بعد موت الموصي إذا كان المال وافياً بمصارف الحجّ ونفقة عياله، وكذلك لو وقف شخص لمن يحجّ أو نذر أو أوصى بذلك وبذل له المتولي أو الناذر أو الوصي وجب عليه الحجّ.
لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذلية، نعم لو كان له مال لا يفي بمصارف الحجّ وبذل له ما يتمّم ذلك وجب عليه القبول، ولكن يعتبر حينئذ الرجوع إلى الكفاية.
إذا أعطى مالاً هبة على أن يحجّ وجب عليه القبول، وأمّا لو خيّره الواهب بين الحجّ وعدمه، أو أنّه وهبه مالاً من دون ذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً لم يجب عليه القبول.
لا يمنع الدين من الاستطاعة البذلية، نعم إذا كان الدَّين حالاًّ وكان الدائن مطالباً والمدين متمكّناً من أدائه، إن لم يحجّ لم يجب عليه الحجّ.
إذا بذل مال لجماعة ليحجّ أحدهم، فإن سبق أحدهم بقبض المال المبذول وجب عليه ولو ترك الجميع القبض مع تمكّن كلّ واحد منهم من القبض لم يستقرّ الحجّ عليهم، وكذا فيما بذل مال لاثنين ليحجّ أحدهما.
لا يجب بالبذل إلاّ الحجّ الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته، فلو كانت وظيفته حجّ التمتّع فبذل له حجّ القران أو الإفراد لم يجب عليه القبول، وبالعكس، وكذلك الحال لو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام.
وأمّا من استقرّت عليه حجّة الإسلام وصار غير متمكّن فبذل له ما يتمكّن معه من الإتيان بحجّة الإسلام وجب عليه القبول، وكذلك من وجب عليه الحجّ لنذر أو شبهه ولم يتمكّن منه.
لو بُذل له مال ليحجّ به، فتلف المال أثناء الطريق سقط الوجوب، نعم لو كان متمكّناً من الاستمرار في السفر من ماله وجب عليه الحجّ وأجزأه عن حجّة الإسلام، إلاّ أنّ الوجوب حينئذ مشروط بالرجوع إلى الكفاية.
لا يعتبر في وجوب الحجّ البذل نقداً، فلو وكّله على أن يقترض عنه ويحجّ به واقترض وجب عليه.
الظاهر أنّ ثمن الهدي ليس على الباذل، بمعنى أنّه لولم يبذله وبذل بقية المصارف له فإن كان متمكّناً من شرائه من ماله وجب عليه ذلك وإلاّ وجب عليه الصوم بدل الهدي، نعم لو كان الصوم حرجياً عليه ولم يكن له ثمن الهدي لم يجب عليه الحجّ ما لم يبذل له ثمن الهدي أيضاً، نعم إذا كان صرف ثمن الهدي فيه موجباً لوقوعه في الحرج لم يجب عليه القبول، وأمّا الكفّارات فالظاهر أنّها واجبة على المبذول له دون الباذل.
الحجّ البذلي يجزئ عن حجّة الإسلام، ولا يجب عليه الحجّ ثانياً إذا استطاع بعد ذلك.
يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام أو بعده، لكن إذا رجع بعد الدخول في الإحرام وجب على المبذول له إتمام الحجّ إذا كان مستطيعاً فعلاً بالاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ، ولو بضميمة البذل إلى زمان الرجوع، بل الأحوط إتمامه مطلقاً ما لم يكن حرجياً، وليس على الباذل ضمان ما صرفه للإتمام، ولا نفقة العود.
إذا أعطى من الزكاة من سهم سبيل اللّه على أن يصرفها في الحجّ، وكان فيه مصلحة عامّة وجب عليه ذلك، وإن أعطى من سهم السادة أو من الزكاة من سهم الفقراء واشترط عليه أن يصرفه في سبيل الحجّ لم يصحّ الشرط، فلا يحصل به الاستطاعة البذلية.
إذا بُذل له مال فحجّ به ثمّ انكشف أنّه كان مغصوباً لم يجزئه عن حجّة الإسلام، وللمالك أن يرجع إلى الباذل أو إلى المبذول له، لكنّه إذا رجع إلى المبذول له رجع هو إلى الباذل إن كان جاهلاً بالحال، وإلاّ فليس له الرجوع.
إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بإجارة لم يكفه عن حجّة الإسلام، فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك.
إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحجّ ندباً، ثمّ بان أنّه كان مستطيعاً أجزأه ذلك، ولا يجب عليه الحجّ ثانياً.
لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة، كما لا يجوز للزوج منع زوجته عن الحجّ الواجب عليها، نعم يجوز له منعها من الخروج في أوّل الوقت مع سعة الوقت، والمطلّقة الرجعيّة كالزوجة مادامت في العدّة.
لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها، ومع عدم الأمن لزمها استصحاب محرم لها ولو بأُجرة إذا تمكّنت من ذلك، وإلاّ لم يجب الحجّ عليها.
إذا نذر أن يزور الحسين (عليه السلام) في كلّ يوم عرفة مثلاً واستطاع بعد ذلك وجب عليه الحجّ وانحلّ نذره، وكذلك كلّ نذر يزاحم الحجّ.
يجب على المستطيع الحجّ بنفسه إذا كان متمكّناً من ذلك، ولا يجزئ عنه حجّ غيره تبرّعاً أو بإجارة.
إذا استقرّ عليه الحجّ ولم يتمكّن من الحجّ بنفسه لمرض أو حصر أو هرم، أو كان ذلك حرجاً عليه ولم يرج تمكّنه من الحجّ بعد ذلك من دون حرج وجبت عليه الاستنابة، وكذلك على الأحوط من كان موسراً ولم يتمكّن من المباشرة أو كانت حرجيّة، ووجوب الاستنابة كوجوب الحجّ فوري.
إذا حجّ النائب عمّن لم يتمكّن من المباشرة فمات المنوب عنه مع بقاء العذر، أجزأه حجّ النائب وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه، وأمّا إذا اتّفق ارتفاع العذر قبل الموت فالأحوط أن يحجّ هو بنفسه عند التمكّن، وإذا كان قد ارتفع العذر بعد أن أحرم النائب وجب على المنوب عنه الحجّ مباشرة، ولا يجب على النائب إتمام عمله.
إذا لم يتمكّن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب، ولكن يجب القضاء عنه بعد موته إن كان الحجّ مستقرّاً عليه، وإلاّ لم يجب، ولو أمكنه الاستنابة ولم يستنب حتّى مات وجب القضاء عنه.
إذا وجبت الاستنابة ولم يستنب ولكن تبرّع متبرّع عنه لم يجزئه ذلك، ووجبت عليه الاستنابة.
يكفي في الاستنابة، الاستنابة من الميقات، ولا تجب الاستنابة من البلد.
من استقرّ عليه الحجّ إذا مات بعد الإحرام في الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام، سواء في ذلك حجّ التمتّع والقران والإفراد، وإذا كان موته في أثناء عمرة التمتّع أجزأ عن حجّه أيضاً ولا يجب القضاء عنه، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء، حتّى إذا كان موته بعد الإحرام وقبل دخول الحرم أو بعد الدخول في الحرم بدون إحرام.
والظاهر اختصاص الحكم بحجّة الإسلام، فلا يجري في الحجّ الواجب بالنذر أو الإفساد، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً، فلا يحكم بالإجزاء في شيء من ذلك، ومن مات بعد الإحرام مع عدم استقرار الحجّ عليه، فإن كان موته بعد دخوله الحرم فلا إشكال في إجزائه عن حجّة الإسلام، وأمّا إذا كان قبل ذلك فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه.
إذا أسلم الكافر المستطيع وجب عليه الحجّ، وأمّا لو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه.
المرتدّ يجب عليه الحجّ لكن لا يصحّ منه حال ارتداده، فإن تاب صحّ منه، وإن كان مرتدّاً فطريّاً على الأقوى.
إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لا تجب عليه إعادة الحجّ، إذا كان ما أتى به صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا.
إذا وجب الحجّ وأهمل المكلّف في أدائه حتّى زالت الاستطاعة وجب الإتيان به بأىّ وجه تمكّن ولو متسكّعاً ما لم يبلغ حدّ العسر والحرج، وإذا مات وجب القضاء من تركته، ويصحّ التبرّع عنه بعد موته من دون أُجرة.
تجب الوصية على من كانت عليه حجّة الإسلام وقرب منه الموت، فإن مات تقضى من أصل تركته وإن لم يوص بذلك، وكذلك إن أوصى بها ولم يقيّدها بالثلث، وإن قيّدها بالثلث فإن وفى الثلث بها وجب إخراجها منه وتقدّم على سائر الوصايا، وإن لم يف الثلث بها لزم تتميمه من الأصل.
من مات وعليه حجّة الإسلام وكان له عند شخص وديعة، واحتمل أنّ الورثة لا يؤدّونها، إن ردّ المال إليهم، وجب عليه أن يحجّ بها عنه، فإذا زاد المال من أُجرة الحجّ ردّ الزائد إلى الورثة، ولا فرق بين أن يحجّ الودعي بنفسه أو يستأجر شخصاً آخر، ويلحق بالوديعة كلّ مال للميت عند شخص بعارية أو إجارة أو غصب أو دين أو غير ذلك.
من مات وعليه حجّة الإسلام وكان عليه دين وخمس وزكاة وقصرت التركة، فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً بعينه لزم تقديمهما، وإن كان في الذمّة يتقدّم الحجّ عليهما، كما يتقدّم على الدَّين.
من مات وعليه حجّة الإسلام لم يجز لورثته التصرّف في تركته قبل استئجار الحجّ، سواء كان مصرف الحجّ مستغرقاً للتركة أم لم يكن مستغرقاً على الأحوط، نعم إذا كانت التركة واسعة جدّاً والتزم الوارث بأدائه جاز له التصرّف في التركة كما هو الحال في الدَّين.
من مات وعليه حجّة الإس_لام ولم تكن تركته وافية بمصارفها وجب صرفها في الدَّين أو الخمس أو الزكاة، إن كان عليه شيء من ذلك، وإلاّ فهي للورثة، ولا يجب عليهم تتميمها من مالهم لاستئجار الحجّ.
من مات وعليه حجّة الإسلام لا يجب الاستئجار عنه من البلد، بل يكفي الاستئجار عنه من الميقات، بل من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن، وإلاّ فمن الأقرب فالأقرب، والأحوط الأولى الاستئجار من البلد إذا وسع المال، لكن الزائد عن أُجرة الميقات لا يحسب على الصغار من الورثة.
من مات وعليه حجّة الإسلام تجب المبادرة إلى الاستئجار عنه في سنة موته، فلولم يمكن الاستئجار في تلك السنة من الميقات لزم الاستئجار من البلد، ويخرج بدل الإيجار من الأصل، ولا يجوز التأخير إلى السنة القادمة على الأحوط، ولو مع العلم بإمكان الاستئجار فيها من الميقات.
من مات وعليه حجّ_ة الإسلام إذا لم يوجد من يستأجر عنه إلاّ بأكثر من أُجرة المثل يجب الاستئجار عنه ويخرج من الأصل، ولا يجوز التأخير إلى السنة القادمة توفيراً على الورثة على الأحوط، وإن كان فيهم الصغار.
من مات وأقرّ بعض ورثته بأنّ عليه حجّة الإسلام وأنكره الآخرون، فالظاهر أنّه يجب على المقرّ الاستئجار للحجّ ولو بدفع تمام مصرف الحجّ من حصّته، غاية الأمر أنّ له إقامة الدعوى على المنكرين ومطالبتهم بحصّته من بقية التركة، ويجري هذا الحكم في الإقرار بالدَّين أيضاً، نعم إذا لم يف تمام حصّته بمصرف الحجّ لم يجب عليه الاستئجار بتتميمه من ماله الشخصي.
من مات وعليه حجّة الإسلام وتبرّع متبرّع عنه بالحجّ لم يجب على الورثة الاستئجار عنه، بل يرجع بدل الاستئجار إلى الورثة، نعم إذا أوصى الميّت بإخراج حجّة الإسلام من ثلثه لم يرجع بدله إلى الورثة بل يصرف في وجوه الخير أو يتصدّق به عنه.
من مات وعليه حجّة الإسلام وأوصى بالاستئجار من البلد وجب ذلك ، ولكن الزائد على أُجرة الميقات يخرج من الثلث، ولو أوصى بالحجّ ولم يعيّن شيئاً اكتفى بالاستئجار من الميقات، إلاّ إذا كانت هناك قرينة على إرادة الاستئجار من البلد، كما إذا عيّن مقداراً يناسب الحجّ البلدي.
إذا أوصى بالحجّ البلدي ولكن الوصي أو الوارث استأجر من الميقات بطلت الإجارة إن كانت الإجارة من مال الميّت، ولكن ذمّة الميت تفرغ من الحجّ بعمل الأجير.
إذا أوصى بالحجّ البلدي من غير بلده، كما إذا أوصى أن يستأجر من النجف مثلاً، وجب العمل بها ويخرج الزائد عن أُجرة الميقاتية من الثلث.
إذا أوصى بالاستئجار عنه لحجّة الإسلام وعيّن الأُجرة لزم العمل بها، وتخرج من الأصل إن لم تزد على أُجرة المثل، وإلاّ كان الزائد من الثلث.
إذا أوصى بالحجّ بمال معيّن وعلم الوصي أنّ المال الموصى به فيه الخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجه أوّلاً وصرف الباقي في سبيل الحجّ، فإن لم يف الباقي بمصارفه لزم تتميمه من أصل التركة، إن كان الموصى به حجّة الإسلام، وإلاّ صرف الباقي في وجوه البرّ.
إذا وجب الاستئجار للحجّ عن الميت بوصية أو بغير وصية، وأهمل من يجب عليه الاستئجار فتلف المال ضمنه، ويجب عليه الاستئجار من ماله.
إذا علم استقرار الحجّ على الميت وشكّ في أدائه وجب القضاء عنه، ويخرج من أصل المال.
لا تبرأ ذمّة الميّت بمجرّد الاستئجار، فلو علم أنّ الأجير لم يحجّ لعذر أو بدونه وجب الاستئجار ثانياً، ويخرج من الأصل، وإن أمكن استرداد الأُجرة من الأجير تعيّن ذلك إذا كانت الأُجرة مال الميت.
إذا تعدّد الأُجراء فالأحوط استئجار أقلّهم أُجرة إذا كانت الإجارة بمال الميّت، وإن كان الأظهر جواز استئجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل والشرف، فيجوز استئجاره بالأزيد.
العبرة في وجوب الاستئجار من البلد أو الميقات بتقليد الوارث أو اجتهاده، لا بتقليد الميت أو اجتهاده، فلو كان الميت يعتقد وجوب الحج البلدي والوارث يعتقد جواز الاستئجار من الميقات، لم يلزم على الوارث الاستئجار من البلد.
إذا كانت على الميت حجّة الإسلام ولم تكن له تركة لم يجب الاستئجار عنه على الوارث، نعم يستحبّ ذلك على الولي.
إذا أوصى بالحجّ فإن علم أنّ الموصى به هو حجّة الإسلام أخرج من أصل التركة، إلاّ فيما إذا عيّن إخراجه من الثلث، وأمّا إذا علم أنّ الموصى به غير حجّة الإسلام أو شكّ في ذلك فهو يخرج من الثلث.
إذا أوصى بالحجّ وعيّن شخصاً معيّناً لزم العمل بالوصية، فإن لم يقبل إلاّ بأزيد من أُجرة المثل أخرج الزائد من الثلث، فإن لم يمكن ذلك أيضاً استؤجر غيره بأُجرة المثل.
إذا أوصى بالحجّ وعيّن أُجرة لا يرغب فيها أحد، فإن كان الموصى به حجّة الإسلام لزم تتميمها من أصل التركة، وإن كان الموصى به غيرها بطلت الوصية وتصرف الأُجرة في وجوه البرّ.
إذا باع داره بمبلغ مثلاً واشترط على المشتري أن يصرفه في الحجّ عنه بعد موته، كان الثمن من التركة، فإن كان الحجّ حجّة الإسلام لزم الشرط ووجب صرفه في أُجرة الحجّ، إن لم يزد على أُجرة المثل وإلاّ فالزائد يخرج من الثلث، وإن كان الحجّ غير حجّة الإسلام لزم الشرط أيضاً ويخرج تمامه من الثلث، وإن لم يف الثلث لم يلزم الشرط في المقدار الزائد.
إذا صالحه داره مثلاً على أن يحجّ عنه بعد موته صحّ ولزم، وخرجت الدار عن ملك المصالح الشارط، ولا تحسب من التركة وإن كان الحجّ ندبياً، ولا يشملها حكم الوصية، وكذلك الحال إذا ملكه داره بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ عنه بعد موته، فجميع ذلك صحيح لازم، وإن كان العمل المشروط عليه ندبياً، ولا يكون للوارث حينئذ حقّ في الدار.
ولو تخلّف المشروط عليه عن العمل بالشرط ألزمه الحاكم الشرعي بالعمل به وإن لم يكن ذلك باع عنه داره واستأجر من يحجّ عن الميت ولو بقي من ثمنها شيء دفعه إليه.
لو مات الوصي ولم يعلم أنّه استأجر للحجّ قبل موته وجب الاستئجار من التركة فيما إذا كان الموصى به حجّة الإسلام، ومن الثلث إذا كان غيرها، وإذا كان المال قد قبضه الوصي وكان موجوداً أُخذ، وإن احتمل أنّ الوصي قد استأجر من مال نفسه وتملّك ذلك بدلاً عمّا أعطاه، وإن لم يكن المال موجوداً فلا ضمان على الوصي، لاحتمال تلفه عنده بلا تفريط.
إذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط لم يضمنه ووجب الاستئجار من بقية التركة إذا كان الموصى به حجّة الإسلام، ومن بقية الثلث إن كان غيرها، فإن كانت البقية موزّعة على الورثة استرجع منهم بدل الإيجار بالنسبة، وكذلك الحال إن استؤجر أحد للحجّ ومات قبل الإتيان بالعمل ولم يكن له تركة، أو لم يمكن الأخذ من تركته.
إذا تلف المال في يد الوصي قبل الاستئجار ولم يعلم أنّ التلف كان عن تفريط لم يجز تغريم الوصي.
إذا أوصى بمقدار من المال لغير حجّة الإسلام واحتمل أنّه زائد على ثلثه لم يجز صرف جميعه.
يعتبر في النائب أُمور:
يعتبر في فراغ ذمّة المنوب عنه إتيان النائب بالعمل صحيحاً، فلابدّ من معرفته بأعمال الحجّ وأحكامه، وإن كان ذلك بإرشاد غيره عند كلّ عمل، كما لابدّ من الوثوق به وأنّه يأتي بالعمل وإن لم يكن عادلاً، ولو شك في صحة ما أتى به حكم بصحته.
لا بأس بنيابة المملوك عن الحر إذا كان بإذن مولاه.
لا بأس بالنيابة عن الصبي المميّز، كما لا بأس بالنيابة عن المجنون، بل يجب الاستئجار عنه إذا استقرّ عليه الحجّ في حال إفاقته ومات مجنوناً.
لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه، فتصحّ نيابة الرجل عن المرأة، وبالعكس.
لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة وغير الصرورة، سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلاً أو امرأة، نعم المشهور أنّه يكره استنابة الصرورة، ولا سيما إذا كان النائب امرأة والمنوب عنه رجلاً، ويستثنى من ذلك ما إذا كان المنوب عنه حيّاً ولم يتمكّن من حجّة الإسلام، فإنّ الأحوط فيه لزوماً استنابة الصرورة، الذي لا يستطيع الحج وإذا كان رجلاً فالأحوط لزوماً أن ينوب عنه الرجل.
يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصحّ النيابة عن الكافر فلو مات الكافر مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لم يجب عليه استئجار الحجّ عنه، والناصب كالكافر، إلاّ أنّه يجوز لولده المؤمن أن ينوب عنه في الحجّ.
لا بأس بالنيابة عن الحيّ في الحجّ المندوب تبرّعاً كان أو بإجارة، وكذلك في الحجّ الواجب إذا كان معذوراً عن الإتيان بالعمل مباشرة على ما تقدّم، ولا تجوز النيابة عن الحىّ في غير ذلك، وأمّا النيابة عن الميت فهي جائزة مطلقاً، سواء كانت بإجارة أو تبرّع، وسواء كان الحجّ واجباً أو مندوباً.
يعتبر في صحّة النيابة تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التعيين، ولا يشترط ذكر اسمه، كما يعتبر فيها قصد النيابة.
كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة تصحّ بالجعالة وبالشرط في ضمن العقد ونحو ذلك.
من كان معذوراً في ترك بعض الأعمال، أو في عدم الإتيان به على الوجه الكامل لايجوز استئجاره، بل لو تبرّع المعذور وناب عن غيره يشكل الاكتفاء بعمله، نعم إذا كان معذوراً في ارتكاب ما يحرم على المحرم كمن اضطرّ إلى التظليل فلا بأس باستئجاره واستنابته، كما لا بأس بنيابة النساء أو غيرهن ممن تجوز لهم الإفاضة من المزدلفة قبل طلوع الفجر والرمي ليلاً للحجّ عن الرجل أو المرأة.
إذا مات النائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمّة المنوب عنه، فتجب الاستنابة عنه ثانية فيما تجب الاستنابة فيه، وإن مات بعد الإحرام أجزأ عنه، وإن كان موته قبل دخول الحرم على الأظهر، ولا فرق في ذلك بين حجّة الإسلام وغيرها، ولا بين أن تكون النيابة بأُجرة أو بتبرّع.
إذا مات الأجير بعد الإحرام استحقّ تمام الأُجرة إذا كان أجيراً على تفريغ ذمّة الميّت، وأمّا إذا كان أجيراً على الإتيان بالأعمال استحقّ الأُجرة بنسبة ما أتى به، وإن مات قبل الإحرام لم يستحقّ شيئاً، نعم إذا كانت المقدّمات داخلة في الإجارة استحقّ من الأُجرة بقدر ما أتى به منها.
إذا استأجر للحجّ البلدي ولم يعيّن الطريق كان الأجير مخيّراً في ذلك، وإذا عيّن طريقاً لم يجز العدول منه إلى غيره، فإن عدل وأتى بالأعمال فإن كان اعتبار الطريق في الإجارة على نحو الشرطيّة دون الجزئيّة استحقّ الأجير تمام الأُجرة وكان للمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ يرجع إلى أُجرة المثل، وإن كان اعتباره على نحو الجزئيّة كان للمستأجر الفسخ أيضاً، فإن لم يفسخ استحقّ من الأُجرة المسمّاة بمقدار عمله ويسقط بمقدار مخالفته.
إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرة في سنة معيّنة لم تصحّ إجارته عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً، وتصحّ الإجارتان مع اختلاف السنتين، أو مع عدم تقيّد إحدى الإجارتين أو كلتيهما بالمباشرة.
إذا آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لم يجز له التأخير ولا التقديم، ولكنه لو قدّم أو أخّر برئت ذمّة المنوب عنه إذا كان ميّتاً، ولا يستحقّ الأُجرة إذا كان التقديم أو التأخير بغير رضى المستأجر.
إذا صُدّ الأجير أو اُحصر فلم يتمكّن من الإتيان بالأعمال كان حكمه حكم الحاجّ عن نفسه، ويأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى، وانفسخت الإجارة إذا كانت مقيّدة بتلك السنة، ويبقى الحجّ في ذمّته إذا لم تكن مقيّدة بها.
إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة فهي من ماله، سواء كانت النيابة بإجارة أو بتبرّع.
إذا استأجره للحجّ بأُجرة معيّنة فقصرت الأُجرة عن مصارفه لم يجب على المستأجر تتميمها، كما أنّها إذا زادت عنها لم يكن له استرداد الزائد.
إذا استأجره للحجّ الواجب أو المندوب فأفسد الأجير حجّه بالجماع قبل المشعر وجب عليه إتمامه وأجزأ المنوب عنه، وعليه الحجّ من قابل وكفّارة بدنة، والظاهر أنّه يستحقّ الأُجرة وإن لم يحجّ من قابل لعذر أو غير عذر، وتجري الأحكام المذكورة في المتبرّع أيضاً، غير أنّه لا يستحقّ الأُجرة.
الأجير وإن كان يملك الأُجرة بالعقد، ولكن لا يجب تسليمها إليه إلاّ بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل، ولكن الظاهر جواز مطالبة الأجير للحجّ الأُجرة قبل العمل، وذلك من جهة القرينة على اشتراط ذلك، فإنّ الغالب أنّ الأجير لا يتمكّن من الذهاب إلى الحجّ أو الإتيان بالأعمال قبل أخذ الأُجرة.
إذا آجر نفسه للحجّ فليس له أن يستأجر غيره إلاّ مع إذن المستأجر.
إذا استأجر شخصاً لحجّ التمتّع مع سعة الوقت واتّفق أنّ الوقت قد ضاق، فعدل الأجير عن عمرة التمتّع إلى حجّ الإفراد، وأتى بعمرة مفردة بعده برئت ذمّة المنوب عنه، لكنّ الأجير لا يستحقّ الأُجرة إذا كانت الإجارة على نفس الأعمال، نعم إذا كانت الإجارة على تفريغ ذمّة الميّت استحقّها.
لا بأس بنيابة شخص عن جماعة في الحجّ المندوب، وأمّا الواجب فلا يجوز فيه نيابة الواحد عن أثنين وما زاد، إلاّ إذا كان وجوبه عليهما أو عليهم على نحو الشركة، كما إذا نذر شخصان أن يشترك كلّ منهما مع الآخر في الاستئجار في الحجّ، فحينئذ يجوز لهما أن يستأجرا شخصاً واحداً للنيابة عنهما.
لا بأس بنيابة جماعة في عام واحد عن شخص واحد ميّت أو حيّ تبرّعاً أو بالإجارة فيما إذا كان الحجّ مندوباً، وكذلك في الحجّ الواجب فيما إذا كان متعدّداً، كما إذا كان على الميّت أو الحىّ حجّان واجبان بنذر مثلاً، أو كان أحدهما حجّة الإسلام وكان الآخر واجباً بالنذر، فيجوز حينئذ استئجار شخصين أحدهما لواجب والآخر لآخر.
وكذلك يجوز استئجار شخصين عن واحد أحدهما للحجّ الواجب والآخر للمندوب، بل لا يبعد استئجار شخصين لواجب واحد، كحجّة الإسلام من باب الإحتياط لاحتمال نقصان حجّ أحدهما.
الطواف مستحبّ في نفسه، فتجوز النيابة فيه عن الميّت، وكذا عن الحىّ إذا كان غائباً عن مكّة أو حاضراً فيها ولم يتمكّن من الطواف مباشرة.
لا بأس للنائب بعد فراغه من أعمال الحجّ النيابي أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه أو عن غيره، كما لا بأس أن يطوف عن نفسه أو عن غيره.
يستحبّ لمن يمكنه الحجّ أن يحجّ، وإن لم يكن مستطيعاً، أو أنّه أتى بحجّة الإسلام، ويستحبّ تكراره في كلّ سنة لمن يتمكّن من ذلك.
يستحبّ نية العود على الحجّ حين الخروج من مكّة.
يستحبّ إحجاج من لا استطاعة له، كما يستحبّ الاستقراض للحجّ إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك، ويستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ.
يستحبّ إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحجّ ليحجّ بها.
يشترط في حجّ المرأة إذن الزوج إذا كان الحجّ مندوباً، وكذلك المعتدّة بالعدّة الرجعيّة، ولا يعتبر ذلك في البائنة وفي عدّة الوفاة.
العمرة كالحجّ، فقد تكون واجبة، وقد تكون مندوبة، وقد تكون مفردة، وقد تكون متمتّعاً بها.
تجب العمرة كالحجّ على كلّ مستطيع واجد للشرائط، ووجوبها كوجوب الحجّ فوري، فمن استطاع لها ولو لم يستطع للحجّ وجبت عليه، نعم الظاهر عدم وجوبها على من كانت وظيفته حجّ التمتّع ولم يكن مستطيعاً ولكنّه استطاع لها، وعليه فلا تجب على الأجير للحجّ بعد فراغه من عمل النيابة وإن كان مستطيعاً من الإتيان بالعمرة المفردة، لكنّ الإتيان بها أحوط، وأمّا من أتى بحجّ التمتّع فلا يجب عليه الإتيان بالعمرة المفردة جزماً.
يستحبّ الإتيان بالعمرة المفردة مكرّراً، والأولى الإتيان بها في كلّ شهر، والأظهر جواز الإتيان بعمرة في شهر وإن كان في آخره وبعمرة أُخرى في شهر آخر وإن كان في أوّله، ولا يجوز الإتيان بعمرتين في شهر واحد فيما إذا كانت العمرتان عن نفس المعتمر أو عن شخص آخر، وإن كان لابأس بالإتيان بالثانية رجاءً.
ولا يعتبر هذا فيما إذا كانت إحدى العمرتين عن نفسه والأُخرى عن غيره، أو كانت كلتاهما عن شخصين غيره، والأحوط اعتباره بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع، ولا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتّع والحجّ.
كما تجب العمرة المفردة بالاستطاعة كذلك تجب بالنذر أو الحلف أو العهد أو غير ذلك.
تشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتّع في أعمالها، وسيأتي بيان ذلك، وتفترق عنها في أُمور:
1 _ إنّ العمرة المفردة يجب لها طواف النساء، وليس لعمرة التمتّع طواف النساء.
2 _ إنّ عمرة التمتّع لا تقع إلاّ في أشهر الحجّ، وهي شوّال و ذوالقعدة و ذوالحجّة، وتصحّ العمرة المفردة في جميع الشهور، وأفضلها شهر رجب وبعده شهر رمضان.
3 _ ينحصر الخروج عن الإحرام في عمرة التمتّع بالتقصير فقط، ولكنّ الخروج عن الإحرام في العمرة المفردة قد يكون بالتقصير وقد يكون بالحلق.
4 _ يجب أن تقع عمرة التمتّع والحجّ في سنة واحدة على ما يأتي، وليس كذلك في العمرة المفردة، فمن وجب عليه حجّ الإفراد والعمرة المفردة جاز له أن يأتي بالحجّ في سنة والعمرة في سنة أُخرى.
5 _ إنّ من جامع في العمرة المفردة عالماً عامداً قبل الفراغ من السعي فسدت عمرته بلا إشكال، بمعنى أنّه يجب عليه بعد إتمامها الإعادة، بأن يبقى في مكّة إلى الشهر القادم فيعيدها فيه، وأمّا من جامع في عمرة التمتّع ففي فساد عمرته إشكال، والأظهر عدم الفساد كما يأتي.
يجب الإحرام للعمرة المفردة من نفس المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتّع، ويأتي بيانها، وإذا كان المكلّف في مكّة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة جاز له أن يخرج من الحرم ويحرم، ولا يجب عليه الرجوع إلى المواقيت والإحرام منها، والأولى أن يكون إحرامه من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم.
تجب العمرة المفردة لمن أراد أن يدخل مكّة، فإنّه لا يجوز الدخول فيها إلاّ محرماً، ويستثنى من ذلك من يتكرّر منه الدخول والخروج كالحطّاب والحشّاش ونحوهما.
وكذلك من خرج من مكّة بعد إتمامه أعمال الحجّ أو بعد العمرة المفردة، فإنّه يجوز له العود إليها من دون إحرام قبل مضي الشهر الذي أحرم فيه لعمرة التمتّع أو العمرة المفردة، ويأتي حكم الخارج من مكّة بعد عمرة التمتّع وقبل الحجّ.
من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ وقد أحرم لها من الميقات وكان في مكّة في أوان الحجّ جاز له أن يجعلها عمرة التمتّع ويأتي بالحجّ، ولا فرق في ذلك بين الحجّ الواجب والمندوب.
أقسام الحجّ ثلاثة: تمتّع، وإفراد، وقران، والأوّل فرض من كان البعد بين أهله والمسجد الحرام ستة عشر فرسخاً أو أكثر، والآخران فرض من كان أهله حاضري المسجد الحرام، بأن يكون البعد بين أهله والمسجد الحرام أقلّ من ستة عشر فرسخاً.
لا بأس للبعيد أن يحجّ حجّ الإفراد أو القران ندباً، كما لا بأس للحاضر أن يحجّ حجّ التمتّع ندباً، ولا يجوز ذلك في الفريضة، فلا يجزي حجّ التمتّع عمّن وظيفته الإفراد أو القران، وكذلك العكس، نعم قد تنقلب وظيفة المتمتّع إلى الإفراد، كما يأتي.
إذا أقام البعيد في مكّة، فإن كانت إقامته بعد استطاعته ووجوب الحجّ عليه وجب عليه حجّ التمتّع، وأمّا إذا كانت استطاعته بعد إقامته في مكّة وجب عليه حجّ الإفراد أو القران بعد الدخول في السنة الثالثة، وأمّا إذا استطاع قبل ذلك وجب عليه حجّ التمتّع، هذا إذا كانت إقامته بقصد المجاورة، وأمّا إذا كانت بقصد التوطّن فوظيفته حجّ الإفراد أو القران من أوّل الأمر، إذا كانت استطاعته بعد ذلك، وأمّا إذا كانت قبل قصد التوطّن في مكّة فوظيفته حجّ التمتّع، وكذلك الحال فيمن قصد التوطّن في غير مكّة من الأماكن التي يكون البعد بينها وبين المسجد الحرام أقلّ من ستة عشر فرسخاً.
إذا أقام في مكّة وكانت استطاعته في بلده، أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه إلى حجّ الإفراد أو القران، فالأظهر جواز إحرامه من أدنى الحلّ، وإن كان الأحوط أن يخرج إلى أحد المواقيت والإحرام منها لعمرة التمتّع، بل الأحوط أن يخرج إلى ميقات أهل بلده.
يتألّف هذا الحجّ من عبادتين، تسمّى أُولاهما بالعمرة والثانية بالحجّ، وقد يطلق حجّ التمتّع على الجزء الثاني منهما، ويجب الإتيان بالعمرة فيه قبل الحجّ.
تجب في عمرة التمتّع خمسة أُمور:
الأمر الأول: الإحرام من أحد المواقيت، وستعرف تفصيلها.
الأمر الثاني: الطواف حول البيت.
الأمر الثالث: صلاة الطواف.
الأمر الرابع: السعي بين الصفا والمروة.
الأمر الخامس: التقصير، وهو أخذ شيء من الشعر أو الأظفار.
فإذا أتى المكلّف بهذه الأعمال الخمسة خرج من إحرامه، وحلّت له الأُمور التي كانت قد حرمت عليه بسبب الإحرام.
اللازم على المكلّف أن يتهيّأ لأداء وظائف الحجّ فيما إذا قرب منه اليوم التاسع من ذي الحجّة الحرام.
وواجبات الحجّ ثلاثة عشر، وهي كما يلي:
1 _ الإحرام من مكّة، على تفصيل يأتي.
2 _ الوقوف في عرفات من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة الحرام إلى المغرب، وتقع عرفات على بعد أربعة فراسخ من مكّة القديمة.
3 _ الوقوف في المزدلفة يوم العيد الأضحى من الفجر إلى طلوع الشمس، وتقع المزدلفة بين عرفات ومكّة.
4 _ رمي جمرة العقبة في منى يوم العيد، ومنى على بعد فرسخ واحد من مكة تقريباً.
5 _ النحر أو الذبح في منى يوم العيد.
6 _ الحلق أو أخذ شيء من الشعر أو الظفر في منى، وبذلك يحلّ له ما حرم عليه من جهة الإحرام ما عدا النساء والطيب، بل الصيد على الأحوط.
7 _ طواف الزيارة بعد الرجوع إلى مكّة.
8 _ صلاة الطواف.
9 _ السعي بين الصفا والمروة، وبذلك يحلّ الطيب أيضاً.
10 _ طواف النساء.
11 _ صلاة طواف النساء، وبذلك تحلّ النساء أيضاً.
12 _ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، بل ليلة الثالث عشر في بعض الصور كما سيأتي.
13 _ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، بل في اليوم الثالث عشر أيضاً فيما إذا بات المكلّف هناك على الأظهر.
يشترط في حجّ التمتّع أُمور:
1 _ النيّة، بأن يقصد الإتيان بحجّ التمتّع بعنوانه، فلو نوى غيره أو تردّد في نيّته لم يصحّ حجّه.
2 _ أن يكون مجموع العمرة والحجّ في أشهر الحجّ، فلو أتى بجزء من العمرة قبل دخول شوّال لم تصحّ العمرة.
3 _ أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة، فلو أتى بالعمرة وأخّر الحجّ إلى السنة
القادمة لم يصحّ التمتّع، ولا فرق في ذلك بين أن يقيم في مكّة إلى السنة القادمة وأن يرجع إلى أهله ثمّ يعود إليها، كما لا فرق بين أن يحلّ من إحرامه بالتقصير وأن يبقى محرماً إلى السنة القادمة.
4 _ أن يكون إحرام حجّه من نفس مكّة مع الاختيار، وأفضل مواضعه المقام أو الحجر، وإذا لم يمكنه الإحرام من نفس مكّة أحرم من أىّ موضع تمكّن منه.
5 _ أن يؤدّي مجموع عمرته وحجّه شخص واحد عن شخص واحد، فلو استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أو حيّ، أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يصحّ ذلك، وكذلك لو حجّ شخص وجعل عمرته عن واحد وحجّه عن آخر لم يصحّ.
إذا فرغ المكلّف من أعمال عمرة التمتّع وجب عليه الإتيان بأعمال الحجّ، ولا يجوز له الخروج من مكّة لغير الحجّ، إلاّ أن يكون خروجه لحاجة ولم يخف فوات أعمال الحجّ، فيجب والحالة هذه أن يحرم للحجّ من مكّة ويخرج لحاجته، ثمّ يلزمه أن يرجع إلى مكّة بذلك الإحرام ويذهب منها إلى عرفات، وإذا لم يتمكّن من الرجوع إلى مكّة ذهب إلى عرفات من مكانه.
وكذلك لا يجوز لمن أتى بعمرة التمتّع أن يترك الحجّ اختياراً ولو كان الحجّ استحبابياً، نعم إذا لم يتمكّن من الحجّ فالأحوط أن يجعلها عمرة مفردة، ويأتي بطواف النساء.
كما لا يجوز للمتمتّع الخروج من مكّة بعد تمام عمرته، كذلك لا يجوز له الخروج منها في أثناء العمرة على الأحوط، فلو علم المكلّف قبل دخوله مكّة باحتياجه إلى الخروج منها، كما هو شأن الحملدارية فله أن يحرم أولاً بالعمرة المفردة لدخول مكّة فيقضي أعمالها، ثمّ يخرج لقضاء حوائجه، ويحرم ثانياً لعمرة التمتّع، والأحوط مضيّ شهر من إحرام عمرته الأُولى كما مرّ ويمكنه أن يجعل العمرة المفردة عمرة تمتّع فيأتي بعدها بحجّ التمتّع.
المحرّم من الخروج عن مكّة بعد الفراغ من أعمال العمرة أو أثناءها، إنّما هو الخروج عنها إلى محل آخر، ولا بأس بالخروج إلى أطرافها وتوابعها، وعليه فلا بأس للحاج أن يكون منزله خارج البلد فيرجع إلى منزله أثناء العمرة أو بعد الفراغ منها.
إذا خرج من مكّة بعد الفراغ من أعمال العمرة من دون إحرام وخرج من الحرم، ففيه صورتان:
الأُولى: أن يكون رجوعه قبل مضي شهر إحرامه لعمرته، ففي هذه الصورة يلزمه الرجوع إلى مكّة بدون إحرام، فيحرم منها للحجّ ويخرج إلى عرفات.
الثانية: أن يكون رجوعه بعد مضي شهر إحرامه لعمرته، ففي هذه الصورة تلزمه إعادة العمرة، والأحوط لزوماً الإتيان بطواف النساء للأُولى ولا يبعد أن يكون لزوم إحرامه تكليفياً فلو دخل مكّة عصياناً أو نسياناً واكتفى بالعمرة الأُولى صحّ حجّه.
من كانت وظيفته حجّ التمتّع لم يجز له العدول إلى غيره من إفراد أو قران، ويستثنى من ذلك من دخل في عمرة التمتّع ثمّ ضاق وقته فلم يتمكّن من إتمامها وإدراك الحجّ، فإنّه ينقل نيّته إلى حجّ الإفراد ويأتي بالعمرة المفردة بعد الحجّ، وحدّ الضيق المسوّغ لذلك خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري في عرفات.
إذا علم مَن وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة، لم يجز له العدول من الأوّل، بل وجب عليه تأخير الحج إلى السنة القادمة.
إذا أحرم لعمرة التمتّع في سعة الوقت، وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى زمان لا يمكن الإتيان فيه بهما وإدراك الحجّ بطلت عمرته، ولا يجوز له العدول إلى الإفراد على الأظهر، لكن الأحوط أن يعدل إليه ويتمّها بقصد الأعمّ من حجّ الإفراد والعمرة المفردة.
مرّ عليك أنّ حجّ التمتّع يتألّف من جزأين، هما عمرة التمتع والحجّ، والجزء الأوّل منه متّصل بالثاني، والعمرة تتقدّم على الحجّ.
أمّا حجّ الإفراد فهو عمل مستقل في نفسه، واجب كما علمت على من يكون الفاصل بين منزله وبين المسجد الحرام أقلّ من ستة عشر فرسخاً، وفيما إذا تمكّن مثل هذا المكلّف من العمرة المفردة وجبت عليه بنحو الاستقلال أيضاً.
وعليه فإذا تمكّن من أحدهما دون الآخر وجب عليه ما يتمكّن منه خاصّة، وإذا تمكّن من أحدهما في زمان ومن الآخر في زمان آخر وجب عليه القيام بما تقتضيه وظيفته في كلّ وقت، وإذا تمكّن منهما في وقت واحد وجب عليه حينئذ الإتيان بهما، والمشهور بين الفقهاء في هذه الصورة وجوب تقديم الحجّ على العمرة المفردة، وهو الأحوط.
يشترك حجّ الإفراد مع حجّ التمتّع في جميع أعماله، ويفترق عنه في أُمور:
أولاً: يعتبر اتّصال العمرة بالحجّ في حجّ التمتّع ووقوعهما في سنة واحدة كما مرّ، ولا يعتبر ذلك في حجّ الإفراد.
ثانياً: يجب النحر أو الذبح في حجّ التمتّع كما مرّ ولا يعتبر شيء من ذلك في حجّ الإفراد.
ثالثاً: لا يجوز تقديم الطواف والسعي على الوقوفين في حجّ التمتّع مع الاختيار ويجوز ذلك في حجّ الإفراد.
رابعاً: إنّ إحرام حجّ التمتّع يكون بمكّة، وأمّا الإحرام في حجّ الإفراد فهو في أحد المواقيت الآتية.
خامساً: يجب تقديم عمرة التمتّع على حجّه، ولا يعتبر ذلك في حجّ الإفراد.
سادساً: لا يجوز بعد إحرام حجّ التمتّع الطواف المندوب على الأحوط الوجوبي، ويجوز ذلك في حجّ الإفراد.
إذا أحرم لحجّ الإفراد ندباً جاز له أن يعدل إلى عمرة التمتّع، إلاّ فيما إذا لبّى بعد السعي، فليس له العدول حينئذ إلى التمتّع.
إذا أحرم لحجّ الإفراد ودخل مكّة جاز له أن يطوف بالبيت ندباً، ولكن يجب عليه التلبية بعد الفراغ من صلاة الطواف على الأحوط.
يتّحد هذا العمل مع حجّ الإفراد في جميع الجهات، غير أنّ المكلّف يصحب معه الهدي وقت الإحرام، وبذلك يجب الهدي عليه، والإحرام في هذا القسم من الحجّ كما يكون بالتلبية يكون بالإشعار أو بالتقليد، وإذا أحرم لحجّ القران لم يجز له العدول إلى حجّ التمتّع.
هناك أماكن خصّصتها الشريعة الإسلامية المطهرة للإحرام منها، ويجب أن يكون الإحرام من تلك الأماكن، ويسمّى كلّ منها ميقاتاً، وهي عشرة:
1 _ ذو الحليفة ويقع قريباً من المدينة المنوّرة، وهو ميقات أهل المدينة وكلّ من أراد الحجّ عن طريق المدينة، والأحوط لزوماً أن يكون إحرامه من القسم القديم لمسجد الشجرة أو ما يحاذيه من اليسار أو اليمين، والأحوط الإحرام من نفس المسجد القديم مع الإمكان.
لا يجوز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجُحفة إلاّ لضرورة، من مرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع.
2 _ وادي العقيق، وهو ميقات أهل العراق ونجد وكلّ من مرّ عليه من غيرهم، وهذا الميقات له أجزاء ثلاثة: المسلخ وهو اسم لأوّله، والغمرة وهو اسم لوسطه، وذات عرق وهو اسم لآخره، والأحوط الأولى أن يحرم المكلّف قبل أن يصل ذات عرق، فيما إذا لم تمنعه عن ذلك تقية أو مرض.
يجوز الإحرام في حال التقية قبل ذات عرق سرّاً من غير نزع الثياب إلى ذات عرق، فإذا وصل ذات عرق نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام هناك.
3 _ الجُحفة، وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب وكلّ من يمرّ عليها من غيرهم، إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها.
4 _ يلملم، وهو ميقات أهل اليمن وكلّ من يمرّ من ذلك الطريق، ويلملم إسم لجبل.
5 _ قرن المنازل، وهو ميقات أهل الطائف وكلّ من يمرّ من ذلك الطريق، ولا يختصّ بالمسجد، فأىّ مكان يصدق عليه أنّه من قرن المنازل جاز له الإحرام منه، فإن لم يتمكّن من إحراز ذلك فله أن يتخلّص بالإحرام قبلاً بالنذر كما هو جائز اختياراً.
6 _ مكّة القديمة في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله)والتي حدّها من عقبة المدنيين إلى ذي طوى، وهي ميقات حجّ التمتّع، والأحوط لزوماً عدم الإحرام من مكّة الجديدة نعم لا بأس بالإحرام من المكان الذي يشكّ في كونه من مكّة القديمة.
7 _ المنزل الذي يسكنه المكلّف، وهو ميقات من كان منزله دون الميقات إلى مكّة فإنّه يجوز له الإحرام من منزله ولا يلزم عليه الرجوع إلى المواقيت.
8 _ الجعرانة: وهي ميقات أهل مكّة لحجّ القران والإفراد على الأحوط وفي حكمهم من جاور
مكّة بعد السنتين، فإنّه بمنزلة أهلها، وأمّا قبل ذلك فحكمه كما تقدّم في المسالة (146).
9 _ محاذاة مسجد الشجرة، فإنّ من أقام بالمدينة شهراً أو نحوه وهو يريد الحجّ ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا سار ستة أميال كان محاذياً للمسجد، ويحرم من محلّ المحاذاة، وفي التعدي عن محاذاة مسجد الشجرة إلى محاذاة غيره من المواقيت بل عن خصوص المورد المذكور إشكال، ولكنّه غير بعيد خصوصاً إذا لم يكن الفصل كثيراً.
10 _ أدنى الحلّ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران أو الإفراد، بل لكلّ عمرة مفردة لمن كان بمكّة وأراد الإتيان بها، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم وكذا يجوز لمن جاور مكّة شهرين أو أزيد أن يخرج إلى أدنى الحلّ ويحرم منه لعمرة التمتّع.
لا يجوز الإحرام قبل الميقات ولا يكفي المرور عليه محرماً، بل لابدّ من الإحرام من نفس الميقات، ويستثنى من ذلك موردان:
1 _ أن ينذر الإحرام قبل الميقات، فإنّه يصحّ ولا يلزمه التجديد في الميقات ولا المرور عليه، بل يجوز له الذهاب إلى مكّة من طريق لا يمرّ بشيء من المواقيت، ولا فرق في ذلك بين الحجّ الواجب والمندوب والعمرة المفردة، نعم إذا كان إحرامه للحجّ فلابدّ من أن يكون إحرامه في أشهر الحجّ كما تقدّم.
2 _ إذا قصد العمرة المفردة في رجب وخشي عدم إدراكها إذا أخّر الإحرام إلى الميقات جاز له الإحرام قبل الميقات، وتحسب له عمرة رجب، وإن أتى ببقية الأعمال في شعبان، ولا فرق في ذلك بين العمرة الواجبة والمندوبة.
يجب على المكلّف اليقين بوصوله إلى الميقات والإحرام منه، أو يكون ذلك عن اطمئنان أو حجّة شرعية، ومنها قول الناس الذين يعيشون في أطراف تلك الأماكن، ولا يجوز له الإحرام عند الشكّ في الوصول إلى الميقات.
لو نذر الإحرام قبل الميقات وخالف وأحرم من الميقات لم يبطل إحرامه، ووجبت عليه كفّارة مخالفة النذر، إذا كان متعمّداً.
كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات لا يجوز تأخيره عنه، فلا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول مكّة أن يتجاوز الميقات اختياراً إلاّ محرماً، حتّى إذا كان أمامه ميقات آخر، فلو تجاوزه وجب العود إليه مع الإمكان، نعم إذا لم يكن المسافر قاصداً لما ذكر لكن لما وصل حدود الحرم أراد أن يأتي بعمرة مفردة جاز له الإحرام من أدنى الحلّ.
إذا ترك المكلّف الإحرام من الميقات عن علم وعمد حتّى تجاوزه، ففي المسألة صور:
الأُولى: أن يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، ففي هذه الصورة يجب عليه الرجوع والإحرام منه، سواء أكان رجوعه من داخل الحرم أم كان من خارجه، فإن أتى بذلك صحّ عمله من دون إشكال.
الثانية: أن يكون المكلّف في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات، لكن أمكنه الرجوع إلى خارج الحرم.
الثالثة: أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات أو إلى خارج الحرم، ولو من جهة خوفه فوات الحجّ.
الرابعة: أن يكون خارج الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات.
وقد حكم جمع من الفقهاء بفساد العمرة في الصور الثلاث الأخيرة بعدم صحتها والإحرام من غير الميقات وهو أحوط.
إذا ترك الإحرام عن نسيان أو إغماء أو ما شاكل ذلك، أو تركه عن جهل بالحكم أو جهل بالميقات، فللمسألة كسابقتها صور أربع:
الصورة الأُولى: أن يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، فيجب عليه الرجوع والإحرام من هناك.
الصورة الثانية: أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات، لكن أمكنه الرجوع إلى خارج الحرم، وعليه حينئذ الرجوع إلى الخارج والإحرام منه، والأحوط في هذه الصورة الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن ثمّ الإحرام من هناك.
الصورة الثالثة: أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الخارج، وعليه في هذه الصورة أن يحرم من مكانه وإن كان قد دخل مكّة.
الصورة الرابعة: أن يكون خارج الحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات، وعليه في هذه الصورة أن يحرم من محلّه.
وفي جميع هذه الصور الأربع يحكم بصحّة عمل المكلّف إذا قام بما ذكرناه من الوظائف، وفي حكم تارك الإحرام من أحرم قبل الميقات أو بعده ولو كان عن جهل أو نسيان.
إذا تركت الحائض الإحرام من الميقات لجهلها بالحكم إلى أن دخلت الحرم، فعليها كغيرها الرجوع إلى الخارج والإحرام منه، إذا لم تتمكّن من الرجوع إلى الميقات، بل الأحوط لها في هذه الصورة أن تبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن ثمّ تحرم على أن لا يكون ذلك مستلزماً لفوات الحجّ، وفيما إذا لم يمكنها إنجاز ذلك فهي وغيرها على حد سواء.
إذا فسدت العمرة وجبت إعادتها مع التمكّن، ومع عدم الإعادة ولو من جهة ضيق الوقت يفسد حجّه، وعليه الإعادة في سنة أُخرى.
قال جمع من الفقهاء بصحّة العمرة فيما إذا أتى المكلّف بها من دون إحرام لجهل أو نسيان، ولكنّ هذا القول لا يخلو من إشكال، والأحوط في هذه الصورة الإعادة على النحو الذي ذكرناه فيما إذا تمكّن منها، وهذا الإحتياط لا يترك البتّة.
قد تقدّم أنّ النائي يجب عليه الإحرام لعمرته من أحد المواقيت الخمسة الأُولى، فإن كان طريقه منها فلا إشكال، وإن كان طريقه لا يمرّ بها كما هو الحال في زماننا هذا، حيث إنّ الحجّاج يردون جدّة ابتداءً وهي ليست من المواقيت فلا يجزئ الإحرام منها إلاّ إذا كانت محاذية لأحد المواقيت على ما عرفت، ولكن محاذاتها غير ثابتة، بل المطمأن به عدمها.
فاللازم على الحاجّ حينئذ أن يمضي إلى أحد المواقيت مع الإمكان، أو ينذر الإحرام من بلده أو من الطريق قبل الوصول إلى جدّة بمقدار معتد به، ولو في الطائرة فيحرم من محلّ نذره.
ويمكن لمن ورد جدّة بغير إحرام أن يمضي إلى «رابغ» الذي هو في طريق المدينة المنوّرة ويحرم منه بنذر، باعتبار أنّه قبل الجحفة التي هي أحد المواقيت، وإذا لم يمكن المضي إلى أحد المواقيت ولم يحرم قبل ذلك بنذر لزمه الإحرام من جدّة بالنذر، ثمّ يجدّد إحرامه خارج الحرم قبل دخوله فيه.
تقدّم أنّ المتمتّع يجب عليه أن يحرم لحجّه من مكّة، فلو أحرم من غيرها عالماً عامداً لم يصحّ إحرامه وإن دخل مكّة محرماً، بل وجب عليه الاستئناف من مكّة مع الإمكان، وإلاّ بطل حجّه.
إذا نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة وجب عليه العود مع الإمكان، وإلاّ أحرم في مكانه ولو كان في عرفات وصحّ حجّه، وكذلك الجاهل بالحكم.
لو نسي إحرام الحجّ ولم يذكر حتّى أتى بجميع أعماله صحّ حجّه، وكذلك الجاهل.
واجبات الإحرام ثلاثة أُمور:
ويعتبر في النيّة أُمور:
1 _ القربة، كغير الإحرام من العبادات.
2 _ أن تكون مقارنة للشروع فيه.
3 _ تعيين أنّ الإحرام للعمرة أو للحجّ، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد، وأنّه لنفسه أو لغيره، فلو نوى الإحرام من غير تعيين بطل إحرامه.
لا يعتبر في صحّة النيّة التلفّظ ولا الإخطار بالبال، بل يكفي الداعي كما في غير الإحرام من العبادات.
لا يعتبر في صحّة الإحرام العزم على ترك محرّماته حدوثاً وبقاءً.
على المكلّف أن يتعلّم ألفاظ التلبية ويحسن أداءها بصورة صحيحة، كتكبيرة الإحرام في الصلاة، ولو كان ذلك من جهة تلقينه هذه الكلمات من قبل شخص آخر، فإذا لم يتعلّم تلك الألفاظ ولم يتيسّر له التلقين يجب عليه التلفّظ بها بالمقدار الميسور، والأحوط في هذه الصورة الجمع بين الإتيان بالمقدار الذي يتمكّن منه والإتيان بترجمتها والاستنابة لذلك.
الأخرس يشير إلى التلبية بإصبعه مع تحريك لسانه، والأولى أن يجمع بينها وبين الاستنابة.
الصبي غير المميّز يُلبَّى عنه.
لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع، وإحرام عمرته، وإحرام حجّ الإفراد وإحرام العمرة المفردة إلاّ بالتلبية، وأمّا حجّ القران فكما يتحقّق إحرامه بالتلبية يتحقّق بالإشعار أو التقليد، والإشعار مختصّ بالبدن والتقليد مشترك بين البدن وغيرها من أنواع الهدي، والأولى الجمع بين الإشعار والتقليد في البدن، والأحوط التلبية على القارن، وإن كان عقد إحرامه بالإشعار أو التقليد.
ثمّ إنّ الإشعار هو شقّ السنام الأيمن بأن يقوم المحرم من الجانب الأيسر من الهدي ويشقّ سنامه من الجانب الأيمن ويلطّخ صفحته بدمه، والتقليد هو أن يعلّق في رقبة الهدي نعلاً خلقاً قد صلّى فيها.
لا يشترط الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر في صحّة الإحرام، فيصحّ الإحرام من المحدث بالأصغر أو الأكبر، كالمجنب والحائض والنفساء وغيرهم.
التلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة، فلا يتحقّق الإحرام إلاّ بها، أو بالإشعار أو التقليد لخصوص القارن، فلو نوى الإحرام ولبس الثوبين وفعل شيئاً من المحرّمات قبل تحقّق الإحرام لم يأثم وليس عليه كفّارة.
الأفضل بل الأحوط استحباباً لمن حجّ عن طريق المدينة تجديد التلبية إلى البيداء، ولمن حجّ عن طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً، ولمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء، ولكنّ الأحوط التعجيل بها ويؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة، والبيداء بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحُليفة نحو مكّة، والرقطاء موضع يسمّى مدعى دون الردم.
يجب لمن اعتمر عمرة التمتّع قطع التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكّة القديمة، ولمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكّة لإحرامها، ولمن حجّ بأىّ نوع من أنواع الحجّ قطعها عند الزوال من يوم عرفة.
إذا شكّ بعد لبس الثوبين في أنّه قد أتى بالتلبية أم لا بنى على عدم الإتيان ما لم يدخل في عمل مترتب على الإحرام، وإذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحّة.
لبس الثوبين للمحرم واجب تعبّدي وليس شرطاً في تحقّق الإحرام على الأظهر، والأحوط أن يكون لبسهما على الطريق المألوف.
يعتبر في الإزار أن يكون ساتراً من السُرّة إلى الرُّكبة، كما يعتبر في الرداء أن يكون ساتراً للمنكبين، والأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده.
لو أحرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصحّ إحرامه، بل الأظهر صحّة إحرامه حتّى فيما إذا أحرم فيه عالماً عامداً، وأمّا إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحّة إحرامه، ولكن يلزم عليه شقّه وإخراجه من تحت.
لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفّظ من البرد أو الحرّ أو لغير ذلك.
يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلّي، فيلزم أن لا يكونا من الحرير الخالص، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا من المذهّب ، ويلزم طهارتهما كذلك ، نعم لا بأس بتنجّسهما بنجاسة معفوّ عنها في الصلاة.
يلزم في الإزار أن يكون ساتراً للبشرة غير حاك عنها، والأحوط اعتبار ذلك في الرداء أيضاً.
الأحوط في الثوبين أن يكونا من المنسوج، ولا يكونا من قبيل الجلد والملبد.
يختصّ وجوب لبس الإزار والرداء بالرجال دون النساء، فيجوز لهنّ أن يحرمن في ألبستهنّ العادية على أن تكون واجدة للشرائط المتقدّمة.
إنّ حرمة لبس الحرير وإن كانت تختصّ بالرجال ولا يحرم لبسه على النساء، إلاّ أنّه لا يجوز للمرأة أن يكون ثوبها من الحرير، والأحوط أن لا تلبس شيئاً من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام.
إذا تنجّس أحد الثوبين، أو كلاهما بعد التلبّس بالإحرام، فالأحوط المبادرة إلى التبديل أو التطهير.
لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غير ضرورة، كما لا بأس بتبديله على أن يكون البدل واجداً للشرائط.
قلنا في ما سبق: إنّ الإحرام يتحقّق بالتلبية أو الإشعار أو التقليد، ولا ينعقد الإحرام بدونها، وإن حصلت منه نيّة الإحرام، فإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أُمور، وهي خمسة وعشرون كما يلي:
1 _ الصيد البرّي 2 _ مجامعة النساء 3 _ تقبيل النساء 4 _ لمس المرأة 5 _ النظر إلى المرأة 6 _ الاستمناء 7 _ عقد النكاح 8 _ استعمال الطيب 9 _ لبس المخيط للرجال 10 _ الاكتحال 11 _ النظر في المرآة 12 _ لبس الخف والجورب للرجال 13 _ الكذب والسبّ 14 _ المجادلة 15 _ قتل القمل ونحوه من الحشرات التي تكون على جسد الإنسان 16 _ التزيين 17 _ الادّهان 18 _ إزالة الشعر من البدن 19 _ ستر الرأس للرجال، وهكذا الارتماس في الماء حتّى على النساء 20 _ ستر الوجه للنساء 21 _ التظليل للرجال 22 _ إخراج الدم من البدن 23 _ التقليم 24 _ قلع السنّ 25 _ حمل السلاح.
لا يجوز للمحرم سواء كان في الحلّ أو الحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله، سواء كان محلّل الأكل أم لم يكن، كما لا يجوز له قتل الحيوان البرّي وإن تأهّل بعد صيده، ولا يجوز صيد الحرم مطلقاً وإن كان الصائد محلاًّ.
كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البرّي تحرم عليه الإعانة على صيده، ولو بالإشارة، ولا فرق في حرمة الإعانة بين أن يكون الصائد محرماً أو محلاًّ.
لا يجوز للمحرم إمساك الصيد البرّي والاحتفاظ به إذا كان معه أو أدخله في الحرم، وإن كان اصطياده له قبل إحرامه، ولا يجوز له أكل لحم الصيد وإن كان الصائد محلاًّ، ويحرم الصيد الذي ذبحه المحرم على المحلّ أيضاً، وكذلك ما ذبحه المحلّ في الحرم، والجراد ملحق بالحيوان البرّي، فيحرم صيده وإمساكه وأكله.
الحكم المذكور إنّما يختصّ بالحيوان البرّي، وأمّا صيد البحر كالسمك فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش فيه فقط، وأمّا ما يعيش في البرّ والبحر كليهما فملحق بالبرّي، ولا بأس بصيد ما يشكّ في كونه برّياً على الأظهر، وكذلك لا بأس بذبح الحيوانات الأهليّة كالدجاج والغنم والبقر والإبل والدجاج الحبشي وإن توحّشت، كما لا بأس بذبح ما يشكّ في كونه أهليّاً.
فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحيوانات البرّية والبحرية والأهلية وبيضها تابعة للأُصول في حكمها.
لا يجوز للمحرم قتل السباع إلاّ فيما إذا خيف منها على النفس، وكذلك إذا آذت حمام الحرم، ولا كفّارة في قتل السباع حتّى الأسد على الأظهر، بلا فرق بين ما جاز قتلها وما لم يجز.
يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى والأُسود الغدر وكلّ حيّة سوء والعقرب والفأرة، ولا كفّارة في قتل شيء من ذلك.
لا بأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة، ولا كفّارة لو أصابهما الرمي وقتلهما.
كفّارات الصيد
في قتل النعامة بدنة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة، وفي قتل حمار الوحش بدنة أو بقرة، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط.
من أصاب شيئاً من الصيد، فإن كان فداؤه بدنة ولم يجدها فعليه إطعام ستين مسكيناً، لكلّ مسكين مُدّ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام، وإن كان فداؤه شاة ولم يجدها فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.
إذا قتل المحرم حمامة ونحوها في خارج الحرم فعليه شاة، وفي فرخها حمل أو جدي، وفي كسر بيضها درهم على الأحوط، وإذا قتلها المحلّ في الحرم فعليه درهم، وفي فرخها نصف درهم، وفي بيضها ربعه، وإذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفّارتين، وكذلك في قتل الفرخ وكسر البيض، وحكم البيض إذا تحرّك فيه الفرخ حكم الفرخ.
في قتل القطاة والحَجَل والدُّرّاج ونظيرها حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وفي العُصفور والقُبَّرة والصَعوة مدّ من الطعام على المشهور، والأحوط فيها حمل فطيم، وفي قتل جرادة واحدة تمرة، وفي أكثر من واحدة كفّ من الطعام، وفي الكثير شاة.
في قتل اليربوع والقُنفُذ والضَب وما أشبهها جدي، وفي قتل العظاية كف من الطعام.
في قتل الزنبور متعمّداً إطعام شيء من الطعام، وإذا كان القتل دفعاً لإيذائه فلا شيء عليه.
يجب على المحرم أن ينحرف عن الجادّة إذا كان فيها الجراد، فإن لم يتمكّن فلا بأس بقتلها.
لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعلى كلّ واحد منهم كفارة مستقلة.
كفارة أكل الصيد ككفّارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان.
من كان معه صيد ودخل الحرم يجب عليه إرساله، فإن لم يرسله حتّى مات لزمه الفداء، بل الحكم كذلك بعد إحرامه وإن لم يدخل الحرم على الأحوط.
لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله بين العمد والسهو والجهل.
تتكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد جهلاً أو نسياناً أو خطأً، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحلّ في الحرم، أو من المحرم مع تعدّد الإحرام، وأمّا إذا تكرّر الصيد عمداً من المحرم في إحرام واحد لم تتعدّد الكفّارة.
يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتّع، وأثناء العمرة المفردة، وأثناء الحجّ، وبعده قبل الإتيان بصلاة طواف النساء.
إذا جامع المتمتّع أثناء عمرته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً، فإن كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته ووجبت عليه الكفّارة، وهي شاة، والأحوط جزور أو بقرة، وإن كان قبل الفراغ من السعي فكفّارته كما تقدّم، ولا تفسد عمرته أيضاً على الأظهر، والأحوط إعادتها قبل الحجّ مع الإمكان، وإلاّ أعاد حجّه في العام القابل.
إذا جامع المحرم للحجّ امرأته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة، وجبت عليه الكفّارة والإتمام وإعادة الحجّ من عام قابل، سواء كان الحجّ فرضاً أو نفلاً، وكذلك المرأة إذا كانت محرمة وعالمة بالحال ومطاوعة له على الجماع، ولو كانت المرأة مكرهة على الجماع لم يفسد حجّها، وتجب على الزوج المكره كفّارتان، ولا شيء على المرأة.
وكفّارة الجماع بدنة مع اليسر ومع العجز عنها شاة، ويجب التفريق بين الرجل والمرأة في حجّتهما، وفي المعادة إذا لم يكن معهما ثالث إلى أن يرجعا إلى نفس المحلّ الذي وقع فيه الجماع، وإذا كان الجماع بعد تجاوزه من منى إلى عرفات لزم استمرار الفصل بينهما من ذلك المحلّ إلى وقت النحر بمنى، والأحوط استمرار الفصل إلى الفراغ من تمام أعمال الحجّ.
إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة، فإن كان ذلك قبل طواف النساء وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدّم، ولكن لا تجب عليه الإعادة، وكذلك إذا كان جماعه قبل الشوط الخامس من طواف النساء، وأمّا إذا كان بعده فلا كفّارة عليه أيضاً.
من جامع امرأته عالماً عامداً في العمرة المفردة وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدّم، ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي، وأمّا إذا كان قبله وجبت الكفّارة، ووجب عليه بعد إتمام عمرته أن يقيم بمكّة إلى شهر آخر ثمّ يخرج إلى أحد المواقيت ويحرم منه للعمرة المعادة.
من أحلّ من إحرامه إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الكفّارة على زوجته، وعلى الرجل أن يغرمها، والكفّارة بدنة.
إذا جامع المحرم امرأته جهلاً أو نسياناً صحّت عمرته وحجّه، ولا تجب عليه الكفّارة، وهذا الحكم يجري في بقيّة المحرّمات الآتية التي توجب الكفّارة، بمعنى أنّ ارتكاب أىّ عمل على المحرم لا يوجب الكفّارة إذا كان صدوره منه ناشئاً عن جهل أو نسيان.
ويستثنى من ذلك موارد:
1 _ ما إذا نسي الطواف في الحجّ وواقع أهله، أو نسي شيئاً من السعي في عمرة التمتّع، فأحلّ لاعتقاده الفراغ من السعي، وما إذا أتى أهله بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم.
2 _ من أمرّ يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان.
3 _ ما إذا دهن عن جهل، ويأتي جميع ذلك في محالّها.
لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة، فلو قبّلها وخرج منه المني فعليه كفّارة بدنة أو جزور، وإذا لم يخرج منه المني أو لم يكن التقبيل عن شهوة فكفّارته شاة.
إذا قبّل الرجل بعد طواف النساء امرأته المحرمة، فالأحوط أن يكفّر بدم شاة.
لا يجوز للمحرم أن يمسّ زوجته عن شهوة، فإن فعل ذلك لزمه كفّارة شاة، فإذا لم يكن المسّ عن شهوة فلا شيء عليه.
إذا لاعب المحرم إمرأته حتّى يمني لزمته كفّارة بدنة، وإذا نظر إلى امرأة أجنبية عن شهوة أو غير شهوة فأمنى وجبت عليه الكفّارة، وهي بدنة أو جزور على الموسر، وبقرة على المتوسط، وشاة على الفقير، وأمّا إذا نظر إليها ولو عن شهوة ولم يُمنِ فهو وإن كان مرتكباً لمحرّم إلاّ أنّه لا كفّارة عليه.
إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فأمنى وجبت عليه الكفّارة، وهي بدنة أو جزور، وأمّا إذا نظر إليها بشهوة ولم يُمنِ، أو نظر إليها بغير شهوة فأمنى فلا كفّارة عليه.
يجوز استمتاع المحرم بزوجته في غير ما ذكر على الأظهر، إلاّ أنّ الأحوط ترك الاستمتاع منها مطلقاً.
إذا عبث المحرم بذكره فأمنى فحكمه حكم الجماع، وعليه فلو وقع ذلك في إحرام الحجّ قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت الكفّارة، ولزم إتمامه وإعادته في العام القادم، كما أنّه لو فعل ذلك في عمرته المفردة قبل الفراغ من السعي بطلت عمرته ولزمه الإتمام والإعادة على ما تقدّم.
وكفّارة الاستمناء كفّارة الجماع، ولو استمنى بغير ذلك كالنظر والخيال، وما شاكل ذلك فأمنى لزمته الكفّارة، ولا تجب إعادة حجّه ولا تفسد عمرته على الأظهر، وإن كان الأولى رعاية الإحتياط.
يحرم على المحرم التزويج لنفسه أو لغيره، سواء أكان ذلك الغير محرماً أم كان محلاًّ، وسواء أكان التزويج تزويج دوام أم كان تزويج انقطاع، ويفسد العقد في جميع هذه الصور.
لو عقد المحرم أو عقد المحلّ للمحرم امرأة ودخل الزوج بها وكان العاقد والزوج عالمين بتحريم العقد في هذا الحال، فعلى كلّ منهما كفّارة بدنة، وكذلك على المرأة إن كانت عالمة بالحال.
المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد والشهادة عليه، وهو الأحوط، وذهب بعضهم إلى حرمة أداء الشهادة على العقد السابق أيضاً، ولكن دليله غير ظاهر.
الأحوط أن لا يتعرّض المحرم لخطبة النساء، نعم لا بأس بالرجوع إلى المطلّقة الرجعية وبشراء الإماء، وإن كان شراؤها بقصد الاستمتاع، والأحوط أن لا يقصد بشرائه الاستمتاع حال الإحرام، والأظهر جواز تحليل أمته، وكذا قبوله التحليل.
يحرم على المحرم استعمال الزعفران والعود والمسك والورس والعنبر بالشمّ والدّلك والأكل، وكذلك لبس ما يكون عليه أثر منها، والأحوط الأولى الاجتناب عن كلّ طيب.
لا بأس بأكل الفواكه الطيّبة الرائحة كالتفّاح والسفرجل، ولكن الأولى أن يمسك عن شمّها حين الأكل.
لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيّبة حال سعيه بين الصفا والمروة، إذا كان هناك من يبيع العطور، ولكن الأحوط لزوماً أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيّبة في غير هذا الحال، ولا بأس بشمّ خلوق الكعبة وهو نوع خاص من العطر.
إذا استعمل المحرم متعمّداً شيئاً من الروائح الطيّبة فعليه كفّارة شاة على المشهور، ولكن في ثبوت الكفّارة في غير الأكل إشكال، وإن كان الأحوط التكفير.
الأحوط وجوباً على المحرم أن لا يمسك على أنفه من الروائح الكريهة، نعم لا بأس بالإسراع في المشي للتخلّص من ذلك.
يحرم على المحرم أن يلبس القميص والقباء والسروال والثوب المزرور مع شدّ أزراره والدرع، وهو كلّ ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان والأحوط الاجتناب عن كلّ ثوب مخيط، بل الأحوط الاجتناب عن كلّ ثوب يكون مشابهاً للمخيط، كالملبّد الذي تستعمله الرعاة.
ويستثنى من ذلك «الهميان»، وهو ما يوضع فيه النقود للاحتفاظ بها ويشدّ على الظهر أو البطن، فإنّ لبسه جائز وإن كان من المخيط، ويجوز للمحرم أن يغطّي بدنه ما عدا الرأس باللحاف ونحوه من المخيط حالة الاضطجاع للنوم وغيره.
الأحوط أن لا يعقد الإزار في عنقه، بل لا يعقده مطلقاً ولو بعضه ببعض، ولايغرزه بإبرة ونحوها، والأحوط أن لا يعقد الرداء أيضاً، ولا بأس بغرزه بالإبرة وأمثالها.
يجوز للنساء لبس المخيط مطلقاً عدا القُفّازين، وهو لباس خاص يلبس لليدين.
إذا لبس المحرم متعمّداً شيئاً ممّا حرم لبسه عليه فكفّارته شاة، والأحوط لزوم الكفّارة عليه ولو كان لبسه للاضطرار.
الاكتحال على صور:
1 _ أن يكون بكحل أسود مع قصد الزينة، وهذا حرام على المحرم قطعاً، وتلزمه كفّارة شاة على الأحوط الأولى.
2 _ أن يكون بكحل أسود، مع عدم قصد الزينة.
3 _ أن يكون بكحل غير أسود مع قصد الزينة، والأحوط الاجتناب في هاتين الصورتين، كما أنّ الأحوط الأولى التكفير فيهما.
4 _ الاكتحال بكحل غير أسود ولا يقصد به الزينة، لا بأس به، ولا كفّارة عليه بلا إشكال.
يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة، وكفّارته شاة على الأحوط الأولى، وأمّا إذا كان النظر فيها لغرض آخر غير الزينة كنظر السائق فيها لرؤية ما خلفه من السيّارات فلا بأس به، ويستحبّ لمن نظر فيها للزينة تجديد التلبية، أمّا لبس النظّارة فلا بأس به للرجل أو المرأة إذا لم يكن للزينة، والأولى الاجتناب عنه، وهذا الحكم لا يجري في سائر الأجسام الشفّافة، فلا بأس بالنظر إلى الماء الصافي أو الأجسام الصيقلة الأُخرى.
يحرم على الرجل المحرم لبس الخفّ والجورب، وكفّارة ذلك شاة على الأحوط، ولا بأس بلبسهما للنساء، والأحوط الاجتناب عن لبس كلّ ما يستر تمام ظهر القدم، وإذا لم يتيسّر للمحرم نعل أو شبهه ودعت الضرورة إلى لبس الخفّ فالأحوط الأولى خرقه من المقدّم، ولا بأس بستر تمام ظهر القدم من دون لبس.
الكذب والسبّ محرّمان في جميع الأحوال، لكن حرمتهما مؤكّدة حال الإحرام، والمراد من الفسوق في قوله تعالى: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ»، هو الكذب والسبّ.
أمّا التفاخر وهو إظهار الفخر من حيث الحسب أو النسب، فهو على قسمين:
الأوّل: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين، وهذا محرّم في نفسه.
الثاني: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه من دون أن يستلزم إهانة الغير، وحطّاً من كرامته، وهذا لا بأس به، ولا يحرم لا على المحرم ولا على غيره.
لا يجوز للمحرم الجدال، وهو قول «لا واللّه» و«بلى واللّه»، والأحوط ترك الحلف حتّى بغير هذه الألفاظ وبما يرادفها من سائر اللغات.
يستثنى من حرمة الجدال أمران:
الأول: أن يكون ذلك لضرورة تقتضيه من إحقاق حقّ أو إبطال باطل.
الثاني: أن لا يقصد بذلك الحلف بل يقصد به أمراً آخر كإظهار المحبّة والتعظيم، كقول القائل: لا واللّه لا تفعل ذلك.
لا كفّارة على المجادل فيما إذا كان صادقاً في قوله، ولكنّه يستغفر ربّه، هذا فيما إذا لم يتجاوز حلفه المرّة الثانية، وإلاّ كان عليه كفّارة شاة، وأمّا إذا كان الجدال عن كذب فعليه شاة للمرّة الأُولى، وشاة أُخرى للمرّة الثانية، وبقرة للمرّة الثالثة.
لا يجوز للمحرم قتل القمّل ولا إلقاؤه من جسده، ولا بأس بنقله من مكان إلى مكان آخر، وإذا قتله فالأحوط التكفير عنه بكفّ من الطعام للفقير، أمّا البقّ والبرغوث وأمثالهما فالأحوط عدم قتلهما إذا لم يكن هناك ضرر يتوجّه منهما على المحرم، وأمّا دفعهما فالأظهر جوازه وإن كان الترك أحوط.
يحرم على المحرم التختّم بقصد الزينة، ولا بأس بذلك بقصد الاستحباب، بل يحرم عليه التزيّن مطلقاً، وكفّارته شاة على الأحوط الأولى.
يحرم على المحرم استعمال الحنّاء فيما إذا عدّ زينة خارجاً وإن لم يقصد به التزيّن، نعم لا بأس به إذا لم يكن زينة، كما إذا كان لعلاج ونحوه.
يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة، ويستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل إحرامه ولكنّها لا تظهره لزوجها ولا لغيره من الرجال.
لا يجوز للمحرم الادّهان ولو كان بما ليست فيه رائحة طيّبة، ويستثنى من ذلك ما كان لضرورة أو علاج.
كفّارة الادّهان شاة إذا كان عن علم وعمد، وإذا كان عن جهل فإطعام فقير، على الأحوط في كليهما.
لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره المحرم أو المحلّ، وتستثنى من ذلك حالات أربع:
1 _ أن يتكاثر القمّل على جسد المحرم ويتأذّى بذلك.
2 _ أن تدعو ضرورة إلى إزالته، كما إذا أوجبت كثرة الشعر صداعاً أو نحو ذلك.
3 _ أن يكون الشعر نابتاً في أجفان العين ويتألّم المحرم بذلك.
4 _ أن ينفصل الشعر من الجسد من غير قصد حين الوضوء أو الاغتسال.
إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفّارته شاة، وإذا حلقه لضرورة فكفّارته شاة، أو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستّة مساكين، لكلّ واحد مدّان من الطعام، وإذا نتف المحرم شعره النابت تحت إبطيه فكفّارته شاة، وكذا إذا نتف أحد إبطيه على الأحوط، وإذا نتف شيئاً من شعر لحيته وغيرها فعليه أن يطعم مسكيناً بكفّ من الطعام، ولا كفّارة في حلق المحرم رأس غيره محرماً كان أم محلاًّ.
لا بأس بحكّ المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه ومالم يدمه، وكذلك البدن، وإذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان، فليتصدّق بكفّ من طعام، وأمّا إذا كان في الوضوء ونحوه فلا شيء عليه.
لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه، ولو جزء منه بأىّ ساتر كان حتى مثل الطين، بل وبحمل شيء على الرأس على الأحوط، نعم لا بأس بستره بحبل القربة، وكذلك تعصيبه بمنديل ونحوه من جهة الصداع، وكذلك لا يجوز ستر الأُذنين.
يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد، والأولى تركه.
لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء، وكذلك في غير الماء على الأحوط، والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
إذا ستر المحرم رأسه فكفّارته شاة على الأحوط، والظاهر عدم وجوب الكفّارة في موارد جواز الستر والاضطرار.
لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك، والأحوط أن لا تستر وجهها بأىّ ساتر كان، كما أنّ الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضاً، نعم يجوز لها أن تغطّي وجهها حال النوم، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدّمة لستر الرأس في الصلاة، والأحوط رفعه عند الفراغ منها.
للمرأة المحرمة أن تتحجّب م_ن الأجنبي بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها، والأحوط أن تجعل القسم النازل بعيداً عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها.
كفّارة ستر الوجه شاة على الأحوط.
لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال مسيره بمظلّة أو غيرها ولو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها، ولا بأس بالسير في ظلّ جبل أو جدار أو شجر ونحو ذلك من الأجسام الثابتة، كما لا بأس بالسير تحت السحابة المانعة من شروق الشمس، ولا فرق في حرمة التظليل بين الراكب والراجل على الأحوط، والأحوط لزوماً حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم، بأن يكون ما يتظلّل به على أحد جوانبه.
نعم يجوز للمحرم أن يتستّر من الشمس بيديه، ولا بأس بالاستظلال بظلّ المحمل حال المسير، وكذلك لا بأس بالإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة.
المراد من الاستظلال التسترّ من الشمس أو البرد أو الحرّ أو المطر أو الريح ونحو ذلك، فإذا لم يكن شيء من ذلك بحيث كان وجود المظلّة كعدمها فلا بأس بها، ولا فرق فيما ذكر بين الليل والنهار، على الأحوط لزوماً.
الأحوط لزوماً ترك المحرم التظليل بركوب السيارة المسقوفة أو بالمظلّة حتى بعد نزوله مكّة أو عرفات والمشعر ومنى.
لا بأس بالتظليل للنساء والأطفال، كذلك للرجال عند الضرورة والخوف من الحرّ أو البرد.
كفّارة التظليل شاة، ولا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار، وإذا تكرّر التظليل فالأحوط التكفير عن كلّ يوم، وإن كان الأظهر كفاية كفّارة واحدة في كلّ إحرام.
لا يجوز للمحرم إخراج الدم من جسده بالمباشرة والتسبيب بحكّ أو حجامة ونحوهما، إلاّ مع الضرورة أو دفع الأذى، وكفّارته شاة على الأحوط، وأمّا السواك فلا بأس به حتّى مع العلم بخروج الدم ولا كفّارة فيه.
لا يجوز للمحرم تقليم ظفره ولو بعضه إلاّ أن يتضرّر المحرم ببقائه، كما إذا انفصل بعض ظفره وتألّم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذ قطعه، ويكفّر عن كلّ ظفر بقبضة من الطعام.
كفّارة تقليم كلّ ظفر مدّ من الطعام، وكفّارة تقليم أظافير اليد جميعها في مجلس واحد شاة، وكذلك الرجل، وإذا كان تقليم أظافير اليد وأظافير الرجل في مجلس واحد فالكفّارة أيضاً شاة، وإذا كان تقليم أظافير اليد في مجلس وتقليم أظافير الرجل في مجلس آخر فالكفّارة شاتان.
إذا قلّم المحرم أظافيره فأدمى اعتماداً على فتوى من جوّزه وجبت الكفّارة على المفتي على الأحوط.
ذهب جمع من الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على المحرم وإن لم يخرج به الدم، وأوجبوا له كفّارة شاة، ولكنّ في دليله تأملاً لا يبعد جوازه.
لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف والرمح وغيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفاً، وذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات التحفّظ أيضاً كالدرع والمغفر، وهذا القول أحوط
لا بأس بوجود السلاح عند المحرم إذا لم يكن حاملاً له، ومع ذلك فالترك أحوط.
تختصّ حرمة حمل السلاح بحال الاختيار، ولا بأس به عند الاضطرار.
كفّارة حمل السلاح شاة على الأحوط.
إلى هنا انتهت الأُمور التي تحرم على المحرم.
وهناك ما تعمّ حرمته المحرم والمحلّ وهو أمران:
أحدهما: الصيد في الحرم، فإنّه يحرم على المحلّ والمحرم كما تقدّم.
ثانيهما: قلع كلّ شيء نبت في الحرم، أو قطعه من شجر وغيره، ولا بأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف، كما لا بأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه.
ويستثنى من حرمة القلع أو القطع موارد:
1 _ الإذخر وهو نبت معروف. 2 _ النخل وشجر الفاكهة. 3 _ الأعشاب التي تجعل علوفة للإبل. 4 _ الأشجار أو الأعشاب التي تنمو في دار نفس الشخص أو في ملكه أو يكون الشخص هو الذي غرس ذلك الشجر أو زرع العشب، وأمّا الشجرة التي كانت موجودة في الدار قبل تملّكها فحكمها حكم سائر الأشجار.
الشجرة التي يكون أصلها في الحرم وفرعها في خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم.
كفّارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة، وفي القطع منها قيمة المقطوع، ولا كفّارة في قلع الأعشاب وقطعها.
إذا وجبت على المحرم كفّارة لأجل الصيد في العمرة فمحلّ ذبحها مكّة المكرّمة، وإذا كان الصيد في إحرام الحجّ فمحلّ ذبح الكفّارة منى.
إذا وجبت الكفّارة على المحرم بسبب غير الصيد فالأظهر جواز تأخيرها إلى عودته من الحجّ فيذبحها أين شاء، والأفضل إنجاز ذلك في حجّه، ومصرفها الفقراء، ولا بأس بالأكل منها قليلاً مع الضمان.
الطواف هو الواجب الثاني في عمرة التمتّع، ويفسد الحجّ بتركه عمداً، سواء أكان عالماً بالحكم أو كان جاهلاً به أو بالموضوع، ويتحقّق الترك بالتأخير إلى زمان لا يمكنه إدراك الركن من الوقوف بعرفات، ثمّ إنّه إذا بطلت العمرة بطل إحرامه أيضاً على الأظهر، والأحوط الأولى حينئذ العدول إلى حجّ الإفراد، وعلى التقديرين تجب إعادة الحجّ في العام القابل.
ويعتبر في الطواف أُمور:
إذا أحدث المحرم أثناء طوافه فللمسألة صور:
الأُولى: أن يكون ذلك قبل بلوغه النصف، ففي هذه الصورة يبطل طوافه وتلزمه إعادته بعد الطهارة.
الثانية: أن يكون الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع ومن دون اختياره.
الثالثة: أن يكون الحدث بعد النصف وقبل تمام الشوط الرابع، أو يكون بعد تمامه مع صدور الحدث عنه بالاختيار، والأحوط في هاتين الصورتين أن يتمّ طوافه بعد الطهارة من حيث قطع ثمّ يعيده.
ويجزئ عن الإحتياط المذكور أن يأتي بعد الطهارة بطواف كامل يقصد به الأعمّ من التمام والإتمام، ومعنى ذلك أن يقصد الإتيان بما تعلّق بذمّته، سواء أكان هو مجموع الطواف، أم هو الجزء المتمّم للطواف الأول، ويكون الزائد لغواً.
إذا شكّ في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في أثنائه، فإن علم أنّ الحالة السابقة كانت هي الطهارة وكان الشكّ في صدور الحدث بعدها لم يعتنِ بالشكّ، وإلاّ وجبت عليه الطهارة والطواف أو استينافه بعدها.
إذا شكّ في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشكّ، وإن كانت الإعادة أحوط، ولكن تجب الطهارة لصلاة الطواف.
إذا لم يتمكّن المكلّف من الوضوء يتيمّم ويأتي بالطواف، وإذا لم يتمكّن من التيمّم أيضاً جرى عليه حكم من لم يتمكّن من أصل الطواف، فإذا حصل له اليأس من التمكّن لزمته الاستنابة للطواف، والأحوط الأولى أن يأتي هو أيضاً بالطواف من غير طهارة.
يجب على الحائض والنفساء بعد انقضاء أيامهما وعلى المجنب الاغتسال للطواف، ومع تعذّر الاغتسال واليأس من التمكّن منه يجب الطواف مع التيمّم، والأحوط الأولى حينئذ الاستنابة أيضاً، ومع تعذّر التيمّم تتعيّن الاستنابة.
إذا حاضت المرأة في عمرة التمتّع حال الإحرام أو بعده وقد وسع الوقت لأداء أعمالها صبرت إلى أن تطهر فتغتسل وتأتي بأعمالها.
وإن لم يسع الوقت فللمسألة صورتان:
الأُولى: أن يكون حيضها عند إحرامها أو قبل أن تحرم، ففي هذه الصورة ينقلب حجّها إلى الإفراد، وبعد الفراغ من الحجّ تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكّنت منها.
الثانية: أن يكون حيضها بعد الإحرام، ففي هذه الصورة تتخيّر بين الإتيان بحجّ الإفراد كما في الصورة الأُولى وبين أن تأتي بأعمال عمرة التمتّع من دون طواف، فتسعى وتقصّر ثمّ تحرم للحجّ وبعد ما ترجع إلى مكّة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي طواف العمرة قبل طواف الحجّ، وفيما إذا تيقّنت ببقاء حيضها وعدم تمكّنها من الطواف حتّى بعد رجوعها من منى استنابت لطوافها، ثمّ أتت بالسعي بنفسها، ثمّ إنّ اليوم الذي يجب عليها الاستظهار فيه بحكم أيام الحيض، فيجري عليه حكمها.
إذا حاضت المحرمة أثناء طوافها فالمشهور على أنّ طروء الحيض إذا كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها، وإذا كان بعده صحّ ما أتت به ووجب عليها إتمامه بعد الطهر والاغتسال، والأحوط في كلتا الصورتين أن تأتي بطواف كامل تنوي به الأعم من التمام والإتمام.
هذا فيما إذا وسع الوقت، وإلاّ سعت وقصّرت وأحرمت للحجّ ولزمها الإتيان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منى وقبل طواف الحجّ على النحو الذي ذكرناه.
إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتيان بصلاة الطواف صحّ طوافها وأتت بالصلاة بعد طهرها واغتسالها، وإن ضاق الوقت سعت وقصرت وقضت الصلاة قبل طواف الحجّ.
إذا طافت المرأة وصلّت ثمّ شعرت بالحيض ولم تدر أنّه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة أو في أثنائها أو أنّه حدث بعد الصلاة، بنت على صحّة الطواف والصلاة، وإذا علمت أنّ حدوثه كان قبل الصلاة وضاق الوقت سعت وقصّرت وأخّرت الصلاة إلى أن تطهر وقد تمّت عمرتها.
إذا دخلت المرأة مكّة وكانت متمكّنة من أعمال العمرة ولكنّها أخّرتها إلى أن حاضت حتّى ضاق الوقت مع العلم والعمد، فالظاهر فساد عمرتها، والأحوط أن تعدل إلى حجّ الإفراد، ولابدّ لها من إعادة الحجّ في السنة القادمة.
الطواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة فيصحّ بغير طهارة، وإن كان يعتبر فيه الطهارة من مثل حدث الجنابة والحيض والنفاس وأما صلاته فلا تصحّ إلاّ عن طهارة.
المعذور يكتفي بطهارته العذرية كالمجبور والمسلوس، أمّا المبطون فالأحوط أن يجمع مع التمكّن بين الطواف بنفسه والاستنابة، وأمّا المستحاضة فالأحوط لها أن تتوضّأ لكلّ من الطواف وصلاته إن كانت الاستحاضة قليلة، وأن تغتسل غسلاً واحداً لهما وتتوضّأ لكلّ منهما إن كانت الاستحاضة متوسّطة، وأمّا الكثيرة فتغتسل للطواف وكذا لصلاة الطواف على الأحوط، والأحوط ضمّ الوضوء إلى الغسل.
لا بأس بدم القروح والجروح فيما يشقّ الاجتناب عنه، ولا تجب إزالته عن الثوب والبدن في الطواف، كما لا بأس بالمحمول المتنجّس، وكذلك نجاسة ما لا تتمّ الصلاة فيه.
إذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه ثمّ علم بها بعد الفراغ من الطواف صحّ طوافه، فلا حاجة إلى إعادته، وكذلك تصحّ صلاة الطواف إذا لم يعلم بالنجاسة إلى أن فرغ منها.
إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثمّ تذكّرها بعد طوافه صحّ طوافه على الأظهر، وإن كانت إعادته أحوط، وإذا تذكّرها بعد صلاة الطواف أعادها.
إذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه وعلم بها أثناء الطواف أو طرأت النجاسة عليه قبل فراغه من الطواف فإن كان معه ثوب طاهر مكانه طرح الثوب النجس وأتمّ طوافه في ثوب طاهر، وإن لم يكن معه ثوب طاهر فإن كان ذلك بعد إتمام الشوط الرابع من الطواف قطع طوافه ولزمه الإتيان بما بقي منه بعد إزالة النجاسة، وإن كان العلم بالنجاسة أو طروّها عليه قبل إكمال الشوط الرابع قطع طوافه وأزال النجاسة ويأتي بطواف كامل بقصد الأعمّ من التمام والإتمام على الأحوط.
إذا طاف المحرم غير مختون بالغاً كان أو صبيّاً مميّزاً فلا يجتزي بطوافه، فإن لم يعده مختوناً فهو كتارك الطواف يجري فيه ما له من الأحكام الآتية.
إذا استطاع المكلّف وهو غير مختون، فإن أمكنه الختان والحجّ في سنة الاستطاعة وجب ذلك، وإلاّ أخّر الحجّ إلى السنة القادمة، فإن لم يمكنه الختان أصلاً لضرر أو حرج أو نحو ذلك فاللازم عليه الحجّ، لكن الأحوط أن يطوف بنفسه في عمرته وحجّه، ويستنيب أيضاً من يطوف عنه ويصلّي هو صلاة الطواف بعد طواف النائب.
تعتبر في الطواف أُمور سبعة:
والظاهر أنّ العبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصدق العرفي كما يظهر ذلك من طواف النبي (صلى الله عليه وآله) راكباً، والأولى المداقّة في ذلك ، ولا سيّما عند حجر إسماعيل وعند الأركان.
اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم (عليه السلام) ، ويقدّر هذا الفاصل بستّة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع، وبما أنّ حجر إسماعيل داخل في المطاف فمحلّ الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة أذرع ونصف ذراع.
وهو أحوط وإن كان الظاهر جواز الطواف خارجه في حال الزحام.
إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة، والأولى إتمام الطواف ثمّ إعادته إذا كان الخروج بعد تجاوز النصف.
إذا تجاوز عن مطافه إلى الشاذروان بطل طوافه بالنسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف، ويجب إتمام الطواف بعد تدارك ذلك المقدار والأحوط الأولى إعادته، والأحوط أن لا يمدّ يده حال طوافه من جانب الشاذروان إلى جدار الكعبة لاستلام الأركان أو غيره، وإن كان لا يبعد جوازه.
إذا دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الذي وقع ذلك فيه فلابدّ من إعادته، والأولى إعادة الطواف بعد إتمامه، هذا مع بقاء الموالاة، وأمّا مع عدمها فالطواف محكوم بالبطلان، وإن كان ذلك عن جهل أو نسيان، وفي حكم دخول الحجر التسلّق على حائطه على الأحوط، بل الأحوط أن لا يضع الطائف يده على حائط الحجر أيضاً، وإن كان الأظهر جوازه.
إذا خرج الطائف من المطاف إلى الخارج قبل تجاوزه النصف من دون عذر، فإن فاتته الموالاة العرفية بطل طوافه ولزمته إعادته، وإن لم تفت الموالاة أو كان خروجه بعد تجاوز النصف فالأحوط إتمام الطواف ثمّ إعادته ويكفي الإتيان بطواف كامل بنية الأعمّ من التمام والإتمام.
إذا أحدث أثناء طوافه جاز له أن يخرج ويتطهّر ثمّ يرجع ويتمّ طوافه على ما تقدّم، وكذلك الخروج لإزالة النجاسة من بدنه أو ثيابه، ولو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد الحرام فوراً، وقد مرّ حكم طواف هؤلاء في شرائط الطواف.
إذا التجأ الطائف إلى قطع طوافه وخروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن أو نحو ذلك، فإن كان ذلك قبل إتمامه الشوط الرابع بطل طوافه ولزمته إعادته، وإن كان بعده فالأحوط أن يستنيب للمقدار الباقي ويحتاط بالإتمام والإعادة بعد زوال العذر.
يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة مريض أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنين، ولكن تلزمه الإعادة إذا كان الطواف فريضة وكان ما أتى به شوطاً أو شوطين، وأمّا إذا كان خروجه بعد ثلاثة أشواط فالأحوط أن يأتي بعد رجوعه بطواف كامل يقصد به الأعمّ من التمام والإتمام.
يجوز الجلوس أثناء الطواف للاستراحة، ولكن لابدّ أن يكون مقداره بحيث لا تفوت به الموالاة العرفية، فإن زاد على ذلك بطل طوافه على الأحوط فالأحوط إتمامه ثم إعادته ويجزئه الإتيان بطواف كامل بنية الأعمّ من التمام والإتمام.
إذا نقص من طوافه عمداً فإن فاتت الموالاة بطل طوافه، وإلاّ جاز له الإتمام مالم يخرج من المطاف، وقد تقدّم حكم الخروج من المطاف متعمّداً.
إذا نقص من طوافه سهواً فإن تذكّره قبل فوات الموالاة ولم يخرج بعدُ من المطاف أتى بالباقي وصحّ طوافه، وأمّا إذا كان تذكّره بعد فوات الموالاة أو بعد خروجه من المطاف، فإن كان المنسىّ شوطاً واحداً أتى به وصحّ طوافه أيضاً، وإن لم يتمكّن من الإتيان به بنفسه ولو لأجل أن تذكّره كان بعد إيابه إلى بلده استناب غيره، وإن كان المنسىّ أكثر من شوط واحد وأقل من أربعة فالأحوط إتمام ما نقص، ثمّ إعادة الطواف بعد الإتمام، وكذا إذا كان المنسىّ أربعة أو أكثر.
للزيادة في الطواف خمس صور:
إذا زاد في طوافه سهواً فإن كان الزائد أقلّ من شوط قطعه وصحّ طوافه، وإن كان شوطاً واحداً أو أكثر فالأحوط أن يتمّ الزائد ويجعله طوافاً كاملاً بقصد القربة المطلقة.
إذا شكّ في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف والتجاوز من محلّه لم يعتن بالشكّ، كما إذا كان شكّه بعد دخوله في صلاة الطواف.
إذا تيقّن بالسبعة وشكّ في الزائد، كما إذا احتمل أن يكون الشوط الأخير هو الثامن لم يعتن بالشكّ وصحّ طوافه، إلاّ أن يكون شكّه هذا قبل تمام الشوط الأخير، فإنّ الأظهر حينئذ بطلان الطواف، والأحوط إتمامه رجاءً وإعادته.
إذا شكّ في عدد الأشواط كما إذا شكّ بين السادس والسابع أو بين الخامس والسادس، وكذلك الأعداد السابقة حكم ببطلان طوافه، وكذلك إذا شكّ في الزيادة والنقصان معاً، كما إذا شكّ في أنّ شوطه الأخير هو السادس أو الثامن، ولا اعتبار بالظنّ مالم يصل حدّ الاطمينان ويجري عليه حكم الشكّ.
إذا شكّ بين السادس والسابع وبنى على السادس جهلاً منه بالحكم وأتمّ طوافه لزمه الاستئناف، وإن استمرّ جهله إلى أن فاته زمان التدارك لم تبعد صحّة طوافه.
يجوز للطائف أن يتّكل على إحصاء صاحبه في حفظ عدد أشواطه إذا كان صاحبه على يقين من عددها.
إذا شكّ في الطواف المندوب يبني على الأقلّ وصحّ طوافه.
إذا ترك الطواف في عمرة التمتّع عمداً مع العلم بالحكم أو مع الجهل به ولم يتمكّن من التدارك قبل الوقوف بعرفات بطلت عمرته وعليه إعادة الحجّ من قابل، وقد مرّ أنّ الأظهر بطلان إحرامه أيضاً، لكنّ الأحوط أن يعدل إلى حجّ الإفراد ويتمّه بقصد الأعم من الحج والعمرة المفردة، وإذا ترك الطواف في الحجّ متعمّداً ولم يمكنه التدارك بطل حجّه ولزمته الإعادة من قابل، وإذا كان ذلك من جهة الجهل بالحكم لزمته كفّارة بدنة أيضاً.
إذا ترك الطواف نسياناً وجب تداركه بعد التذكّر، فإن تذكّره بعد فوات محلّه قضاه وصحّ حجّه، والأحوط إعادة السعي بعد قضاء الطواف، وإذا تذكّره في وقت لا يتمكّن من القضاء أيضاً، كما إذا تذكّره بعد رجوعه إلى بلده وجبت عليه الاستنابة، والأحوط أن يأتي النائب بالسعي أيضاً بعد الطواف.
إذا نسي الطواف حتّى رجع إلى بلده، وواقع أهله لزمه بعث هدي إلى منى إن كان المنسىّ طواف الحجّ، وإلى مكّة إن كان المنسىّ طواف العمرة، ويكفي في الهدي أن يكون شاة.
إذا نسي الطواف وتذكّره في زمان يمكنه القضاء قضاه بإحرامه الأوّل من دون حاجة إلى تجديد الإحرام، نعم إذا كان قد خرج من مكّة ومضى عليه شهر أو أكثر لزمه الإحرام لدخول مكّة كما مرّ.
لا يحلّ لناسي الطواف ما كان حلّه متوقّفاً عليه حتّى يقضيه بنفسه أو بنائبه.
إذا لم يتمكّن من الطواف بنفسه لمرض أو كسر وأشباه ذلك لزمته الاستعانة بالغير في طوافه، ولو بأن يطوف راكباً على متن رجل آخر، وإذا لم يتمكّن من ذلك أيضاً وجبت عليه الاستنابة فيطاف عنه، وكذلك الحال بالنسبة إلى صلاة الطواف فيأتي المكلّف بها مع التمكّن ويستنيب لها مع عدمه.
وقد تقدّم حكم الحائض والنفساء في شرائط الطواف.
وهي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتّع، وهي ركعتان يؤتى بهما عقيب الطواف، وصورتها كصلاة الفجر ولكنّه مخيّر في قراءتها بين الجهر والإخفات، ويجب الإتيان بها قريباً من مقام إبراهيم (عليه السلام) مع تيسر ذلك لقلة الزحام، والأحوط بل الأظهر لزوم الإتيان بها خلف المقام، فإن لم يتمكّن فيصلي في أي مكان من المسجد مراعياً الأقرب فالأقرب إلى المقام على الأحوط، هذا في طواف الفريضة، أمّا في الطواف المستحب فيجوز الإتيان بصلاته في أىّ موضع من المسجد اختياراً.
من ترك صلاة الطواف عالماً عامداً بطل حجّه لاستلزامه فساد السعي المترتّب عليها.
تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الطواف بمعنى أن لا يفصل بين الطواف والصلاة عرفاً.
إذا نسي صلاة الطواف وذكرها بعد السعي أتى بها، ولا تجب إعادة السعي بعدها وإن كانت الإعادة أحوط، وإذا ذكرها في أثناء السعي قطعه وأتى بالصلاة في المقام ثمّ رجع وأتمّ السعي حيثما قطع، وإذا ذكرها بعد خروجه من مكّة لزمه الرجوع والإتيان بها في محلّها، فإن لم يتمكّن من الرج_وع أت_ى به_ا في أىّ موضع ذكرها فيه، نعم إذا تمكّن من الرجوع إلى الحرم رجع إليه وأتى بالصلاة فيه على الأحوط، وحكم التارك لصلاة الطواف جهلاً حكم الناسي، ولا فرق في الجاهل بين القاصر والمقصّر.
إذا نسي صلاة الطواف حتّى مات وجب على الولىّ قضاؤها.
إذا كان في قراءة المصلّي لحن فإن لم يكن متمكّناً من تصحيحها فلا إشكال في اجتزائه بما يتمكّن منه في صلاة الطواف وغيرها، وأمّا إذا تمكّن من التصحيح لزمه ذلك، فإن أهمل حتّى ضاق الوقت عن تصحيحها فالأحوط أن يأتي بصلاة الطواف حسب إمكانه وأن يصلّيها جماعة ويستنيب لها أيضاً.
إذا كان جاهلاً باللحن في قراءته وكان معذوراً في جهله صحّت صلاته ولا حاجة إلى الإعادة، حتّى إذا علم بذلك بعد الصلاة، وأما إذا لم يكن معذوراً فاللازم عليه إعادتها بعد التصحيح، ويجري عليه حكم تارك صلاة الطواف نسياناً.
وهو الرابع من واجبات عمرة التمتّع، وهو أيضاً من الأركان، فلو تركه عمداً بطل حجّه سواء في ذلك العلم بالحكم والجهل به، ويعتبر فيه قصد القربة، ولا يعتبر فيه ستر العورة ولا الطهارة من الحدث أو الخبث، والأولى رعاية الطهارة فيه.
محلّ السعي إنّما هو بعد الطواف وصلاته، فلو قدّمه على الطواف أو على صلاته وجبت عليه الإعادة بعدهما، وقد تقدّم حكم من نسي الطواف وتذكّره بعد سعيه.
يعتبر في السعي النيّة، بأن يأتي به عن العمرة إن كان في العمرة، وعن الحجّ إن كان في الحجّ، قاصداً به القربة إلى اللّه تعالى.
يبدأ بالسعي من أوّل جزء من الصفا ثمّ يذهب بعد ذلك إلى المروة، وهذا يعدّ شوطاً واحداً، ثمّ يبدأ من المروة راجعاً إلى الصفا إلى أن يصل إليه، فيكون الإياب شوطاً آخر، وهكذا يصنع إلى أن يختم السعي بالشوط السابع في المروة، والأحوط لزوماً اعتبار الموالاة بأن لا يكون فصل معتد به بين الأشواط.
لو بدأ بالمروة قبل الصفا فإن كان في شوطه الأول ألغاه وشرع من الصفا، وإن كان بعده ألغى ما بيده واستأنف السعي من الأوّل.
لا يعتبر في السعي المشي راجلاً، فيجوز السعي راكباً، ولكن يلزم على المكلّف أن يكون ابتداء سعيه من الصفا واختتامه بالمروة.
يعتبر في السعي أن يكون ذهابه وإيابه فيما بين الصفا والمروة من الطريق المتعارف، فلا يجزئ الذهاب أو الإياب من المسجد الحرام أو أىّ طريق آخر، نعم لا يعتبر أن يكون ذهابه وإيابه بالخطّ المستقيم.
يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه، فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها أو استدبر الصفا عند الإياب من المروة لم يجزئه ذلك، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب أو الإياب.
يجوز الجلوس على الصفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحة، وإن كان الأحوط ترك الجلوس فيما بينهما.
تقدّم أنّ السعي من أركان الحجّ، فلو تركه عمداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به أو بالموضوع إلى زمان لا يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجّه ولزمته الإعادة من قابل، والأظهر أنّه يبطل إحرامه أيضاً، وإن كان الأحوط الأولى العدول إلى الإفراد وإتمامه بقصد الأعمّ منه ومن العمرة المفردة.
لو ترك السعي نسياناً أتى به حيث ما ذكره، وإن كان تذكّره بعد فراغه من أعمال الحجّ فإن لم يتمكّن منه مباشرة أو كان فيه حرج ومشقّة لزمته الاستنابة ويصحّ حجّه في كلتا الصورتين.
من لم يتمكّن من السعي بنفسه ولو بركوبه عربة وتحريكها بنفسه فيسعى به وإن لم يمكن أن يسعى به أيضاً استناب غيره، فيسعى عنه ويصحّ حجّه.
الأحوط أن لا يؤخّر السعي عن الطواف وصلاته بمقدار يعتدّ به من غير ضرورة كشدّة الحرّ أو التعب، وإن كان الأقوى جواز تأخيره إلى الليل، نعم لا يجوز تأخيره إلى الغد في حال الاختيار.
حكم الزيادة في السعي حكم الزيادة في الطواف، فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم وعمد على ما تقدّم في الطواف، نعم إذا كان جاهلاً بالحكم، فالأظهر عدم بطلان السعي بالزيادة وإن كانت الإعادة أحوط.
إذا زاد في سعيه خطأً صحّ سعيه ولكن الزائد إذا كان شوطاً كاملاً يستحبّ له أن يضيف إليه ستّة أشواط ليكون سعياً كاملاً غير سعيه الأوّل، فيكون انتهاؤه إلى الصفا، ولا بأس بالإتمام رجاءً إذا كان الزائد أكثر من شوط واحد.
إذا نقص من أشواط السعي عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به ولم يمكنه تداركه إلى زمان الوقوف بعرفات فسد حجّه ولزمته الإعادة من قابل، والظاهر بطلان إحرامه أيضاً والأحوط العدول إلى حج الإفراد وإتمامه بنيّة الأعمّ من الحجّ والعمرة المفردة.
وأمّا إذا كان النقص نسياناً فإن كان بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي حيث ما تذكّر، ولو كان ذلك بعد الفراغ من أعمال الحجّ، تجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكّن بنفسه من التدارك أو تعسّر عليه ذلك، ولو لأجل أن تذكّره كان بعد رجوعه إلى بلده، والأحوط حينئذ أن يأتي النائب بسعي كامل ينوي به فراغ ذمّة المنوب عنه بالإتمام أو بالتمام، وأمّا إذا كان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فالأحوط أن يأتي بسعي كامل يقصد به الأعمّ من التمام والإتمام، ومع التعسّر يستنيب لذلك.
إذا نقص شيئاً من السعي في عمرة التمتّع نسياناً فأحلّ لاعتقاده الفراغ من السعي فالأحوط لزوم التكفير عن ذلك ببقرة، ويلزمه إتمام السعي على النحو الذي ذكرناه.
لا اعتبار بالشكّ في عدد أشواط السعي بعد التقصير، وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم الاعتناء بالشكّ بعد انصرافه من السعي وإن كان الشكّ قبل التقصير، ولكن الأظهر لزوم الاعتناء به حينئذ.
إذا شكّ وهو على المروة في أنّ شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار بشكّه ويصحّ سعيه، وإذا كان هذا الشكّ أثناء الشوط بطل سعيه ووجب عليه الاستئناف.
حكم الشكّ في عدد الأشواط من السعي حكم الشكّ في عدد الأشواط من الطواف، فإذا شكّ في عددها بطل سعيه.
وهو الواجب الخامس في عمرة التمتّع، ومعناه أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه، ويعتبر فيه قصد القربة، ولا يكفي النتف عن التقصير.
يتعيّن التقصير في إحلال عمرة التمتّع، ولا يجزئ عنه حلق الرأس بل يحرم الحلق عليه، وإذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالماً عامداً، بل مطلقاً على الأحوط.
إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم فعليه كفّارة بدنة على الأحوط.
يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي، فلو فعله عامداً لزمته الكفّارة.
لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي، فيجوز فعله في أىّ محلّ شاء، سواء كان في المسعى أو في منزله أو غيرهما، والأحوط وجوباً أن يكون في مكة.
إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحجّ بطلت عمرته، والظاهر أنّ حجّه ينقلب إلى الإفراد فيأتي بعمرة مفردة بعده، والأحوط إعادة الحجّ في السنة القادمة.
إذا ترك التقصير نسياناً فأحرم للحجّ صحّت عمرته، والأحوط التكفير عن ذلك بشاة.
إذا قصّر المحرم في عمرة التمتّع حلّ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة إحرامه ما عدا الحلق، أمّا الحلق ففيه تفصيل، وهو أنّ المكلّف إذا أتى بعمرة التمتّع في شهر شوّال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوماً من يوم عيد الفطر، وأمّا بعده فالأحوط أن لا يحلق، وإذا حلق فالأحوط التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم وعمد.
إذا أحرم من الميقات وأتى بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ يجوز أن يجعلها عمرة التمتّع ويحرم للحجّ من مكّة، ولا يضرّ الإتيان بطواف النساء في عمرته كما أنّه لولم يأت به فجعلها عمرة التمتّع فلا يلزمه الإتيان به.
تقدّم في الصفحة (63) أنّ واجبات الحجّ ثلاثة عشر، ذكرناها مجملة، وإليك تفصيلها:
وأفضل أوقاته يوم التروية، ويجوز التقديم عليه بثلاثة أيام، ولا سيّما بالنسبة إلى الشيخ الكبير والمريض إذا خافا من الزحام، فيحرمان ويخرجان قبل خروج الناس، وتقدّم جواز الخروج من مكّة محرماً بالحجّ لضرورة بعد الفراغ من العمرة في أىّ وقت كان.
كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحجّ قبل التقصير، لا يجوز للحاجّ أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام أعمال الحجّ، نعم لا مانع منه بعد إتمام النسك قبل طواف النساء.
يتضيّق وقت الإحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة.
يتّحد إحرام الحجّ وإحرام العمرة في كيفيّته وواجباته ومحرّماته، والاختلاف بينهما إنّما هو في النيّة فقط.
للمكلّف أن يحرم للحجّ من مكّة القديمة من أىّ موضع شاء، ويستحبّ له الإحرام من المسجد الحرام في مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل.
من ترك الإحرام نسياناً أو جهلاً منه بالحكم إلى أن خرج من مكّة ثمّ تذكّر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى مكّة ولو من عرفات والإحرام منها، فإن لم يتمكّن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه، وكذلك لو تذكّر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات، وإن تمكّن من العود إلى مكّة والإحرام منها، ولو لم يتذكّر ولم يعلم بالحكم إلى أن فرغ من الحجّ صحّ حجّه.
من ترك الإحرام عالماً عامداً لزمه التدارك، فإن لم يتمكّن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجّه ولزمته الإعادة من قابل.
الأحوط أن لا يطوف المتمتّع بعد إحرام الحجّ قبل الخروج إلى عرفات طوافاً مندوباً، فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف على الأحوط.
الثاني من واجبات حجّ التمتّع: الوقوف بعرفات بقصد القربة، والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً، ساكناً أو متحرّكاً.
حدّ عرفات من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز، ومن المأزمين إلى أقصى الموقف، وهذه حدود عرفات وهي خارجة عن الموقف.
الظاهر أنّ الجبل موقف، ولكن يكره الوقوف عليه، ويستحبّ الوقوف في السفح من ميسرة الجبل.
يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار، فلو نام أو غُشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقّق منه الوقوف.
الأحوط للمختار أن يقف في عرفات من أوّل ظهر التاسع من ذي الحجّة إلى الغروب، والأظهر جواز تأخيره إلى بعد الظهر بساعة تقريباً، والوقوف في تمام هذا الوقت وإن كان واجباً يأثم المكلّف بتركه إلاّ أنّه ليس من الأركان، بمعنى أنّ من ترك الوقوف في مقدار من هذا الوقت لا يفسد حجّه، نعم لو ترك الوقوف رأساً باختياره فسد حجّه، فما هو الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة.
من لم يدرك الوقوف الاختياري (الوقوف في النهار) لنسيان أو لجهل يعذر فيه أو لغيرهما من الأعذار لزمه الوقوف الاضطراري (الوقوف برهة من ليلة العيد) وصحّ حجّه، فإن تركه متعمّداً فسد حجّه.
تحرم الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالماً عامداً، لكنّها لا تفسد الحجّ، فإذا ندم ورجع إلى عرفات فلا شيء عليه، وإلاّ كانت عليه كفّارة بدنة ينحرها في منى، فإن لم يتمكّن منها صام ثمانية عشر يوماً، والأحوط أن تكون متواليات، ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلاً منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أو التذكّر، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفّارة على الأحوط.
إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنّة وحكم على طبقه ولم يثبت عند الشيعة، ففيه صورتان:
الأُولى: ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع، فعنئذ وجبت متابعتهم والوقوف معهم وترتيب جميع آثار ثبوت الهلال الراجعة إلى مناسك حجّه، من الوقوفين وأعمال منى يوم النحر وغيرها، ويجزئ هذا في الحجّ على الأظهر، ومن خالف ما تقتضيه التقيّة بتسويل نفسه أنّ الإحتياط في مخالفتهم ارتكب محرّماً وفسد وقوفه.
والحاصل أنّه تجب متابعة الحاكم السنّي تقيّةً، ويصحّ معها الحجّ، والإحتياط حينئذ غير مشروع، ولا سيّما إذا كان فيه خوف تلف النفس ونحوه، كما قد يتّفق ذلك في زماننا هذا.
الثانية: ما إذا فرض العلم بالخلاف، وأنّ اليوم الذي حكم القاضي بأنّه يوم عرفة هو يوم التروية واقعاً، ففي هذه الصورة لا يجزئ الوقوف معهم، فإن تمكّن المكلّف من العمل بالوظيفة والحال هذه ولو بأن يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون أن يترتّب عليه أىّ محذور، ولو كان المحذور مخالفته للتقيّة عمل بوظيفته، وإلاّ بدّل حجّه بالعمرة المفردة، ولا حجّ له، فإن كانت استطاعته من السنة الحاضرة ولم تبقَ بعدها، سقط عنه الوجوب، إلاّ إذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد، ويمكن أن يحتال في هذه الصورة بالرجوع إلى مكّة من منى يوم عيدهم ثمّ يرجع بطريق عرفات
ومشعر إلى منى، بحيث يدرك قبل الغروب الوقوف بعرفة آناً ما، ولو في حال الحركة ثمّ يدرك المشعر بعد دخول الليل كذلك زماناً ما ليلاً ثمّ ينتقل إلى منى.
وهو الثالث من واجبات حجّ التمتّع، والمزدلفة اسم لمكان يقال له المشعر الحرام، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر، وهذه كلّها حدود المشعر وليست بموقف إلاّ عند الزحام وضيق الوقت، فيرتفعون إلى المأزمين، ويعتبر فيه قصد القربة.
إذا أفاض الحاجّ من عرفات فالأحوط أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة وإن كان لم يثبت وجوبها.
يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس، لكن الركن منه هو الوقوف في الجملة، فإذا وقف مقداراً ما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمّداً صحّ حجّه وإن ارتكب محرّماً.
من ترك الوقوف فيما بين الفجر وطلوع الشمس رأساً فسد حجّه، ويستثنى من ذلك النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى، فيجوز لهم حينئذ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد والإفاضة منها قبل طلوع الفجر إلى منى.
من وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل طلوع الفجر جهلاً منه بالحكم صحّ حجّه على الأظهر، وعليه كفّارة شاة.
من لم يتمكّن من الوقوف الاختياري (الوقوف فيما بين الطلوعين) في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر أجزأه الوقوف الاضطراري (الوقوف وقتاً ما بعد طلوع الشمس إلى زوال يوم العيد) ولو تركه عمداً فسد حجّه.
تقدّم أنّ كلاً من الوقوفين (الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة) ينقسم إلى قسمين: اختياري واضطراري، فإذا أدرك المكلّف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، وإلاّ فله حالات:
الأُولى: أن لا يدرك شيئاً من الوقوفين، الاختياري منهما والاضطراري أصلاً، ففي هذه الصورة يبطل حجّه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحجّ، ويجب عليه الحجّ في السنة القادمة فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحجّ مستقرّاً في ذمّته.
الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.
الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة، ففي هاتين الصورتين يصحّ حجّه بلا إشكال.
الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كلّ من عرفات والمزدلفة، والأظهر في هذه الصورة صحّة حجّه، وإن كان الأحوط إعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحجّ مستقرّاً في ذمّته.
الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة يصحّ حجّه أيضاً.
السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة لا تبعد صحّة الحجّ، إلاّ أنّ الأحوط أن يأتي ببقية الأعمال قاصداً فراغ ذمّته عمّا تعلّق بها من العمرة المفردة أو إتمام الحجّ، وأن يعيد الحجّ في السنة القادمة.
السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة بطلان الحجّ فينقلب حجّه إلى العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل الفجر جهلاً منه بالحكم كما تقدّم، ولكنّه إن أمكنه الرجوع ولو إلى زوال الشمس من
يوم العيد وجب ذلك، وإن لم يمكنه صحّ حجّه وعليه كفّارة شاة.
الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجّه فيقلبه إلى العمرة المفردة.
إذا أفاض المكلّف من المزدلفة وجب عليه الرجوع إلى منى لأداء الأعمال الواجبة هناك، وهي كما نذكرها تفصيلاً ثلاثة:
الرابع من واجبات الحجّ، رمي جمرة العقبة يوم النحر، ويعتبر فيه أُمور:
1 _ نية القربة.
2 _ أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولا يجزئ الأقلّ من ذلك كما لا يجزئ رمي غيرها من الأجسام.
3 _ أن يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحدة، فلا يجزئ رمي اثنتين أو أكثرة مرّة واحدة.
4 _ أن تصل الحصيات إلى الجمرة.
5 _ أن يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي، فلا يجزئ وضعها عليها، والظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمي فلاقت الحصاة في طريقها شيئاً ثمّ أصابت الجمرة، نعم إذا كان ما لاقته الحصاة صلباً فطفرت منه فأصابت الجمرة لم يجزئ ذلك.
6 _ أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها، ويجزئ للنساء وسائر من رخّص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد)، لكن يجب عليهم تأخير الذبح والنحر إلى يومه، والأحوط تأخير التقصير أيضاً، ويأتون بعد ذلك أعمال الحجّ إلاّ الخائف على نفسه من العدوّ، فإنّه يذبح ويقصّر ليلاً كما سيأتي.
إذا شكّ في الإصابة وعدمها بنى على العدم، إلاّ أن يدخل في واجب آخر مترتّب عليه، أو كان الشكّ بعد دخول اللّيل.
يعتبر في الحصيات أمران:
1 _ أن تكون من الحرم، والأفضل أخذها من المشعر.
2 _ أن تكون أبكاراً على الأحوط، بمعنى أنّها لم تكن مستعملة في الرمي قبل ذلك، ولا بأس برمي المشكوك.
ويستحبّ فيها أن تكون ملوّنة، ومنقّطة، ورخوة، وأن يكون حجمها بمقدار أنملة وأن يكون الرامي راجلاً وعلى طهارة.
إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد إشكال، فالأحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقاً، فإن لم يتمكّن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصاً آخر لرمي المقدار المزيد عليه، ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والناسي.
إذا لم يرمِ يوم العيد نسياناً أو جهلاً منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر حسبما تذكّر أو علم، فإن علم أو تذكّر في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممن قد رُخّص له الرمي في الليل، وسيجيء ذلك في رمي الجمار.
ولو علم أو تذكّر بعد اليوم الثالث عشر فالأحوط أن يرجع إلى منى ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه، وإذا علم أو تذكّر بعد الخروج من مكّة، لم يجب عليه الرجوع بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط.
إذا لم يرمِ يوم العيد نسياناً أو جهلاً، فعلم أو تذكّر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف، وإن كانت الإعادة أحوط، وأمّا إذا كان الترك مع العلم والعمد فالظاهر بطلان طوافه، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي.
وهو الخامس من واجبات حجّ التمتّع، ويعتبر فيه قصد القربة والإيقاع في النهار، ولا يجزيه الذبح أو النحر في الليل وإن كان جاهلاً، نعم يجوز للخائف الذبح والنحر في الليل ويجب الإتيان به بعد الرمي، ولكن لو قدّمه على الرمي جهلاً أو نسياناً صحّ ولم يحتج إلى الإعادة، ويجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى، وإن لم يمكن ذلك كما قيل إنّه كذلك في زماننا لأجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسّر، فإن تمكّن المكلّف من التأخير والذبح أو النحر في منى ولو كان ذلك إلى آخر ذي الحجّة، حلّق أو قصّر في يوم العيد على الأحوط وجوباً وأحلّ بذلك، وأخّر ذبحه أو نحره وما يترتب عليهما من الطواف والصلاة والسعي، وإلاّ جاز له الذبح في المذبح الفعلي ويجزئه ذلك.
الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد، ولكن إذا تركهما يوم العيد لنسيان أو لغيره من الأعذار أو لجهل بالحكم لزمه التدارك إلى آخر أيام التشريق، وإن استمرّ العذر جاز تأخيره إلى آخر ذي الحجّة، فإذا تذكّر أو علم بعد الطواف وتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف وإن كانت الإعادة أحوط، وأمّا إذا تركه عالماً عامداً فطاف، فالظاهر بطلان طوافه، ويجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح.
لا يجزئ هدي واحد إلاّ عن شخص واحد.
يجب أن يكون الهدي من الإبل أو البقر أو الغنم، ولا يجزئ من الإبل إلاّ ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة، ولا من البقر والمعز إلاّ ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط، ولا يجزئ من الضأن إلاّ ما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية، وإذا تبيّن له بعد الذبح في الهدي أنّه لم يبلغ السنّ المعتبر فيه لم يجزئه ذلك ولزمته الإعادة.
ويعتبر في الهدي أن يكون تامّ الأعضاء فلا يجزئ الأعور والأعرج والمقطوع اُذنه والمكسور قرنه الداخل ونحو ذلك، والأحوط عدم كفاية الخصي أيضاً، ويعتبر فيه أن لا يكون مهزولاً عرفاً، والأحوط الأولى أن لا يكون مريضاً ولا موجوءاً ولا مرضوض الخصيتين وكبيراً لا مخّ له، ولا بأس بأن يكون مشقوق الاُذن أو مثقوبها وإن كان الأحوط اعتبار سلامته منهما، والأحوط الأولى أن لا يكون الهدي فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته.
إذا اشترى هدياً معتقداً سلامته فبان معيباً بعد نقد ثمنه فقيل بجواز الاكتفاء به ولكنه مشكل في الهدي الواجب والأحوط عدم الاكتفاء به.
ما ذكرناه من شروط الهدي إنّما هو في فرض التمكّن منه، فإن لم يتمكّن من الواجد للشرائط أجزأه الفاقد وما تيسّر له من الهدي.
إذا ذبح الهدي بزعم أنّه سمين فبان مهزولاً أجزأه ولم يحتج إلى الإعادة.
إذا ذبح ثمّ شكّ في أنّه كان واجداً للشرائط حكم بصحّته إن احتمل أنّه كان محرزاً للشرائط حين الذبح، ومنه ما إذا شكّ بعد الذبح أنّه كان بمنى أم كان في محلّ آخر، وإذا علم بغفلته حال الذبح لإحراز الشرائط ففي الحكم بصحته إشكال إلاّ إذا احتمل عدم سلامته فلا يعتني بشكه، وأمّا إذا شكّ في أصل الذبح، فإن كان الشكّ بعد الحلق أو التقصير لم يعتن بشكّه، وإلاّ لزم الإتيان به، إذا شكّ في هزال الهدي فذبحه امتثالاً لأمر اللّه تبارك وتعالى ولو رجاءً ثمّ ظهر سمنه بعد الذبح أجزأه ذلك.
إذا اشترى هدياً سليماً فمرض بعد ما اشتراه أو أصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه ولا يلزمه إبداله.
لو اشترى هدياً فضلّ اشترى مكانه هدياً آخر، فإن وجد الأوّل قبل ذبح الثاني ذبح الأوّل، وهو بالخيار في الثاني إن شاء ذبحه وإن شاء لم يذبحه، وهو كسائر أمواله، والأحوط الأولى ذبحه أيضاً، وإن وجده بعد ذبحه الثاني ذبح الأوّل أيضاً على الأحوط.
لو وجد أحد هدياً ضالاً عرّفه إلى اليوم الثاني عشر، فإن لم يوجد صاحبه ذبحه في عصر اليوم الثاني عشر عن صاحبه.
من لم يجد الهدي وتمكّن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هدياً ويذبحه عنه إلى آخر ذي الحجّة، فإن مضى الشهر لا يذبحه إلاّ في السنة القادمة.
إذا لم يتمكّن من الهدي ولا من ثمنه صام بدلاً عنه عشرة أيام: ثلاثة في الحجّ في اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة، وسبعة إذا رجع إلى بلده، والأحوط أن تكون السبعة متوالية، ويجوز أن تكون الثلاثة من أوّل ذي الحجّة بعد التلبّس بعمرة التمتّع، ويعتبر فيها التوالي، فإن لم يرجع إلى بلده وأقام بمكّة فعليه أن يصبر حتّى يرجع أصحابه إلى بلدهم أو يمضي شهر ثمّ يصوم بعد ذلك.
المكلّف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيّام في الحجّ إذا لم يتمكّن من الصوم في اليوم السابع صام الثامن والتاسع ويوماً آخر بعد رجوعه من منى، ولو لم يتمكّن في اليوم الثامن أيضاً أخّر جميعها إلى ما بعد رجوعه من منى، والأحوط أن يبادر إلى الصوم بعد رجوعه من منى ولا يؤخّره من دون عذر، وإذا لم يتمكّن بعد الرجوع من منى صام في الطريق أو صامها في بلده أيضاً، ولكن لا يجمع بين الثلاثة والسبعة، فإن لم يصم الثلاثة حتّى أهلّ هلال محرّم سقط الصوم وتعيّن الهدي للسنة القادمة.
من لم يتمكّن من الهدي ولا من ثمنه وصام ثلاثة أيّام في الحجّ ثمّ تمكّن منه وجب عليه الهدي على الأحوط، نعم إذا كان التمكّن بعد انقضاء أيّام التشريق أجزأه الصيام.
إذا لم يتمكّن من الهدي باستقلاله وتمكّن من الشركة فيه مع الغير فالأحوط الجمع بين الشركة في الهدي والصوم على الترتيب المذكور.
إذا أعطى الهدي أو ثمنه أحداً فوكّله في الذبح عنه ثمّ شكّ في أنّه ذبحه أم لا بنى على عدمه، نعم إذا كان ثقة وأخبره بذبحه اكتفى به.
ما ذكرناه من الشرائط في الهدي لا تعتبر فيما يذبح كفّارة، وإن كان الأحوط اعتبارها فيه.
الذبح الواجب هدياً أو كفّارة لا تعتبر المباشرة فيه، بل يجوز ذلك بالاستنابة في حال الاختيار أيضاً، ولابدّ أن يكون الذابح مسلماً، وأن تكون النيّة مستمرّة من صاحب الهدي إلى الذبح، ولا يشترط نيّة الذابح وإن كانت أحوط وأولى.
مصرف الهدي
الأحوط أن يعطى ثلث الهدي إلى الفقير المؤمن صدقةً، ويعطى ثلثه إلى المؤمنين هديّة، وأن يأكل من الثلث الباقي له، ولا يجب إعطاء ثلث الهدي إلى الفقير نفسه، بل يجوز الإعطاء إلى وكيله وإن كان الوكيل هو نفس من عليه الهدي، ويتصرّف الوكيل فيه حسب إجازة موكّله من الهبة أو البيع أو الإعراض أو غير ذلك، ويجوز إخراج لحم الهدي والأضاحي من منى.
لا يعتبر الإفراز في ثلث الصدقة ولا في ثلث الهدية، فلو تصدّق بثلثه المشاع وأهدى ثلثه المشاع وأكل منه شيئاً أجزأه ذلك.
يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرّف فيما قبضه كيفما شاء، فلابأس بتمليكه غير المؤمن أو غير المسلم.
إذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلّب عليه قهراً قبل التصدّق والإهداء فلا ضمان على صاحب الهدي، نعم لو أتلفه هو باختياره ولو بإعطائه لغير أهله ضمن الثلثين على الأحوط.
وهو الواجب السادس من واجبات الحجّ، ويعتبر فيه قصد القربة وإيقاعه في النهار على الأحوط، من دون فرق بين العالم والجاهل، والأحوط تأخيره عن الذبح والرمي، ولكن لو قدّمه عليهما أو على الذبح نسياناً أو جهلاً منه بالحكم أجزأه، ولم يحتج إلى الإعادة.
لا يجوز الحلق للنساء، بل يتعيّن عليهنّ التقصير.
يتخيّر الرجل بين الحلق والتقصير، والحلق أفضل، ومن لبّد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل، أو عقص شعر رأسه وعقده بعد جمعه ولفّه فالأحوط له اختيار الحلق، بل وجوبه هو الأظهر، ومن كان صرورة فالأحوط له أيضاً اختيار الحلق، وإن كان تخييره بين الحلق والتقصير لا يخلو من قوّة.
من أراد الحلق وعلم أنّ الحلاّق يجرح رأسه بأزيد من المقدار المتعارف فعليه أن يقصّر أوّلاً ثمّ يحلق.
الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبّداً أو معقوصاً، وإلاّ جمع بين التقصير والحلق، ويقدّم التقصير على الحلق على الأحوط.
إذا حلق المحرم أو قصّر حلّ له جميع ما حرّم عليه الإحرام، ما عدا النساء والطيب بل الصيد أيضاً على الأحوط.
إذا لم يقصّر ولم يحلق نسياناً أو جهلاً منه بالحكم إلى أن خرج من منى رجع وقصّر أو حلق فيها، فإن تعذّر الرجوع أو تعسّر عليه، قصّر أو حلق في مكانه وبعث بشعر رأسه إلى منى إن أمكنه ذلك.
إذا لم يقصّر ولم يحلق نسياناً أو جهلاً فذكره، أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحجّ وتداركه، لم تجب عليه إعادة الطواف على الأظهر، وإن كانت الإعادة أحوط، بل الأحوط إعادة السعي أيضاً، ولا يترك الإحتياط بإعادة الطواف مع الإمكان فيما إذا كان تذكره أو علمه بالحكم قبل خروجه من مكّة.
الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحجّ: الطواف وصلاته والسعي، وكيفيتها وشرائطها هي نفس الكيفيّة والشرائط التي ذكرناها في طواف العمرة وصلاته وسعيها.
يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حجّ التمتّع، فلو قدّمه عالماً عامداً وجبت إعادته بعد الحلق أو التقصير ولزمته كفّارة شاة.
الأحوط عدم تأخير طواف الحجّ عن اليوم الحادي عشر وإن كان جواز تأخيره إلى ما بعد أيّام التشريق بل إلى آخر ذي الحجّة لا يخلو من قوّة.
لا يجوز في حجّ التمتّع تقديم طواف الحجّ وصلاته والسعي على الوقوفين، ويستثنى من ذلك الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض، فيجوز لهما تقديم الطواف وصلاته على الوقوفين والأحوط استحباباً تقديم السعي أيضاً ومع تقديمه فالأحوط لزوماً إعادته في وقته، والأولى إعادة الطواف والصلاة أيضاً مع التمكّن في أيّام التشريق أو بعدها إلى آخر ذي الحجّة.
يجوز للخائف على نفسه من دخول مكّة أو الخائف على نفسه من مباشرة الأعمال للزحام ونحوه أن يقدّم الطواف وصلاته والسعي على الوقوفين، بل لا بأس بتقديمه طواف النساء أيضاً فيمضي بعد أعمال منى إلى حيث أراد.
من طرأ عليه العذر فلم يتمكّن من الطواف، كالمرأة التي رأت الحيض أو النفاس ولم يتيسّر لها المكث في مكّة لتطوف بعد طهرها، لزمتها الاستنابة للطواف ثمّ السعي بنفسها بعد طواف النائب.
إذا طاف المتمتّع وصلّى وسعى حلّ له الطيب، وبقي عليه من المحرّمات النساء، بل الصيد أيضاً على الأحوط، والأظهر اختصاص التحريم بالجماع.
من كان يجوز له تقديم الطواف والسعي إذا قدمهما على الوقوفين لا يحل له الطيب حتى يأتي بمناسك منى، من الرمي والذبح والحلق أو التقصير.
الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحجّ: طواف النساء وصلاته، وهما وإن كانا من الواجبات إلاّ أنّهما ليسا من نسك الحجّ، فتركهما ولو عمداً لايوجب فساد الحجّ.
كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء، ولو تركته المرأة حرم عليها الرجال، ولو أتى النائب في الحجّ عن الغير بطواف النساء عن المنوب عنه كفى، والأحوط أن يأتيه بقصد الأعمّ يعني بقصد ما هو الوظيفة.
طواف النساء وصلاته كطواف الحجّ وصلاته في الكيفيّة والشرائط.
من لم يتمكّن من طواف النساء بنفسه لمرض أو غيره يستعين بغيره ليطوف به، وإذا لم يتمكّن منه أيضاً لزمته الاستنابة عنه.
من ترك طواف النساء سواء أكان متعمّداً مع العلم بالحكم أو الجهل به أو كان نسياناً حرمت عليه النساء إلى أن يتداركه، ومع تعذّر المباشرة أو تعسّرها جاز له الاستنابة، فإذا طاف النائب عنه حلّت له النساء، فإذا مات قبل تداركه فالأحوط أن يقضي من تركته.
لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي، فإن قدّمه فإن كان عن علم وعمد لزمته إعادته بعد السعي، وكذلك إن كان عن جهل أو نسيان على الأحوط.
من قدّم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحلّ له النساء حتّى يأتي بمناسك منى من الرمي والذبح والحلق.
إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها، جاز لها ترك طواف النساء والخروج مع القافلة، والأحوط حينئذ أن تستنيب لطوافها ولصلاته، وإذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النساء جاز لها ترك الباقي والخروج مع القافلة، والأحوط الاستنابة لبقيّة الطواف ولصلاته.
نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج، وقد تقدّم حكمه في الصفحة (142).
إذا طاف المتمتّع طواف النساء وصلّى صلاته حلّت له النساء، وإذا طافت المرأة وصلّت صلاته حلّ لها الرجال، فتبقى حرمة الصيد إلى الظهر من اليوم الثالث عشر على الأحوط، وأمّا قلع الشجر وما ينبت في الحرم وكذلك الصيد في الحرم فقد ذكرنا في الصفحة (91) أنّ حرمتهما تعمّ المحرم والمحلّ.
الواجب الثاني عشر من واجبات الحجّ: المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ويعتبر فيه قصد القربة، فإذا خرج الحاجّ إلى مكّة يوم العيد لأداء فريضة الطواف والسعي وجب عليه الرجوع ليبيت في منى.
ومن لم يجتنب الصيد في إحرامه فعليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً، وكذلك من أتى النساء على الأحوط، وتجوز لغيرهما الإفاضة من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر، ولكن إذا بقي في منى إلى أن دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً.
إذا تهيّأ للخروج وتحرّك من مكانه ولم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام ونحوه فإن أمكنه المبيت وجب ذلك، وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيّاً جاز له الخروج، وعليه دم شاة على الأحوط.
من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهاراً بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات، ولا يجب عليه المبيت في مجموع اللّيل، فيجوز له المكث في منى من أوّل الليل إلى ما بعد منتصفه أو المكث فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر، والأولى لمن بات النصف الأوّل ثمّ خرج أن لا يدخل مكّة قبل طلوع الفجر.
يستثنى ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف:
1 _ المعذور، كالمريض والممرّض ومن خاف على نفسه أو ماله من المبيت بمنى.
2 _ من اشتغل بالعبادة في مكّة تمام ليلته أو تمام الباقي من ليلته إذا خرج من منى بعد دخول الليل، ما عدا الحوائج الضروريّة كالأكل والشرب ونحوهما.
3 _ من طاف بالبيت وبقي في عبادته ثمّ خرج من مكّة وتجاوز عقبة المدنيين، فيجوز له أن يبيت في الطريق دون أن يصل إلى منى.
ويجوز لهؤلاء التأخير في الرجوع إلى منى إلى إدراك الرمي في النهار.
من ترك المبيت بمنى فعليه كفّارة شاة عن كلّ ليلة، والأحوط التكفير فيما إذا تركه نسياناً أو جهلاً منه بالحكم أيضاً، والأحوط التكفير للمعذور من المبيت، ولا كفّارة على الطائفة الثانية والثالثة ممن تقدّم.
من أفاض من منى ثمّ رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت بها.
الثالث عشر من واجبات الحجّ: رمي الجمرات الثلاث: الأُولى، والوسطى، وجمرة العقبة.
ويجب الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، وإذا بات ليلة الثالث عشر في منى وجب الرمي في اليوم الثالث عشر أيضاً على الأحوط، ويعتبر في رمي الجمرات المباشرة، فلا تجوز الاستنابة اختياراً.
يجب الابتداء برمي الجمرة الأُولى، ثمّ الجمرة الوسطى، ثمّ جمرة العقبة ولو خالف وجب الرجوع إلى ما يحصل به الترتيب ولو كانت المخالفة عن جهل أو نسيان، نعم إذا نسي فرمى جمرة بعد أن رمى سابقتها أربع حصيات أجزأ إكمالها سبعاً، ولا يجب عليه إعادة رمي اللاحقة.
ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة في الصفحة (163) يجري في رمي الجمرات الثلاث كلّها.
يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار، ويستثنى من ذلك العبد والراعي والمديون الذي يخاف أن يقبض عليه، وكلّ من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله، ويشمل ذلك الشيخ والنساء والصبيان والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام، فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار، ولكن لا يجوز لغير الخائف من المكث أن ينفر ليلة الثانية عشر بعد الرمي حتّى تزول الشمس من يومه.
من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر، ومن نسيه في الثاني عشر قضاه في اليوم الثالث عشر، والأحوط أن يفرّق بين الأداء والقضاء، وأن يقدّم القضاء على الأداء، وأن يكون القضاء أوّل النهار والأداء عند الزوال.
من نسي الرمي فذكره في مكّة وجب عليه أن يرجع إلى منى ويرمي فيها، وإذا كان يومين أو ثلاثة فالأحوط أن يفصل بين وظيفة يوم ويوم بعده بساعة، وإذا ذكره بعد خروجه من مكّة لم يجب عليه الرجوع، بل يقضيه في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط.
المريض الذي لا يرجى برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه، ولو اتفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه أيضاً على الأحوط.
لا يبطل الحجّ بترك الرمي ولو كان متعمّداً، ويجب قضاء الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط.
المصدود هو الممنوع عن الحجّ أو العمرة بعد تلبّسه بإحرامهما.
المصدود عن العمرة يذبح في مكانه ويتحلّل به حتّى من النساء، والأحوط ضمّ التقصير أو الحلق إليه، بل الأحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي في العمرة المفردة.
المصدود عن الحجّ إن كان مصدوداً عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصّة فوظيفته ذبح الهدي في محلّ الصد والتحلّل به عن إحرامه، والأحوط ضمّ الحلق أو التقصير إليه، وإن كان عن الطواف والسعي بعد الموقفين قبل أعمال منى أو بعدها فعنئذ إن لم يكن متمكّناً من الاستنابة فوظيفته ذبح الهدي في محلّ الصد، وإن كان متمكّناً منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين، ذبح الهدي في محلّه والاستنابة، وإن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالذبح إن كان الصد صداً عن دخول مكّة، وجواز الاكتفاء بالاستنابة إن كان الصد بعده.
وإن كان مصدوداً عن مناسك منى خاصّة دون دخول مكّة فوقتئذ إن كان متمكّناً من الاستنابة فيستنيب للرمي والذبح ثمّ يحلق أو يقصّر ويتحلّل ثمّ يأتي ببقيّة المناسك، وإن لم يكن متمكّناً من الاستنابة فالظاهر أنّ وظيفته في هذه الصورة أن يودع ثمن الهدي عند من يذبح عنه ثمّ يحلق أو يقصّر في مكانه، فيرجع إلى مكّة لأداء مناسكها، فيتحلّل بعد هذه كلّها عن جميع ما يحرم عليه حتّى النساء من دون حاجة إلى شيء آخر، وصحّ حجّه وعليه الرمي في السنة القادمة على الأحوط.
المصدود عن الحجّ لايسقط عنه الحجّ بالهدي المزبور، بل يجب عليه الإتيان به في القابل إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحجّ مستقرّاً في ذمّته.
إذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار فقد تمّ حجّه، ويستنيب للرمي إن أمكنّه في سنته، وإلاّ ففي القابل على الأحوط، ولا يجري عليه حكم المصدود.
من تعذّر عليه المضي في حجّه لمانع من الموانع غير الصدّ والحصر، فالأحوط أن يتحلّل في مكانه بالذبح.
لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة، ولو لم يتمكّن منه ينتقل الأمر إلى بدله، وهو الصيام على الأحوط، كما أنّ الأحوط أن يؤخّر الإحلال إلى ما بعد الصيام على النحو المتقدّم في صيام الهدي.
من أفسد حجّه ثمّ صدّ فالظاهر لزوم كفّارة الإفساد زائداً على الهدي ولكن لا يلزم إعادة الحجّ مع الصدّ الطارئ، نعم عليه الحجّ مع استقرار الحجّ أو بقاء استطاعته إلى السنة القادمة.
من ساق هدياً معه ثمّ صدّ كفى ذبح ما ساقه ولا يجب عليه هدي آخر، وكذا الحال فيمن ساق الهدي ثم أُحصر.
المحصور هو الممنوع عن الحجّ أو العمرة بمرض ونحوه بعد تلبّسه بالإحرام.
المحصور إن كان محصوراً في عمرة مفردة فوظيفته أن يبعث هدياً ويواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحروه في وقت معيّن، فإذا جاء الوقت تحلّل في مكانه بالتقصير، ويجوز له خاصّة أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلّل، وتحلّل المحصور في العمرة المفردة إنّما هو من غير النساء، وأمّا منها فلا تحلّل منها إلاّ بعد إتيانه بعمرة مفردة بعد إفاقته، فيما ذبح أو نحر في مكان الحصر، وأمّا مع البعث فللتحلّل بوصول الهدي محلّه وموعده حتّى من النساء وجه.
وإن كان المحصور محصوراً في عمرة التمتّع فحكمه ما تقدّم إلاّ أنّه يتحلّل حتّى من النساء، وإن كان المحصور محصوراً في الحجّ فحكمه ما تقدّم، والأحوط أنّه لا يتحلّل من النساء حتّى يطوف ويسعى ويأتي بطواف النساء بعد ذلك في حجّ أو عمرة.
إذا أُحصر وبعث بهديه وبعد ذلك خفّ المرض، فإن ظنّ أو احتمل إدراك الحجّ وجب عليه الالتحاق، وحينئذ فإن أدرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصّة حسب ما تقدّم فقد أدرك الحجّ، وإلاّ فإن لم يذبح أو ينحر عنه انقلب حجّه إلى العمرة المفردة وإن ذبح عنه تحلّل من غير النساء ووجب عليه الإتيان بالطواف وصلاته والسعي وطواف النساء وصلاته للتحلّل من النساء أيضاً على الأحوط.
إذا أُحصر عن مناسك منى أو أُحصر من الطواف والسعي بعد الوقوفين، فالحكم فيه كما تقدّم في المصدود، نعم إذا كان الحصر من الطواف والسعي بعد دخول مكّة القديمة فلا إشكال ولا خلاف في أنّ وظيفته الاستنابة.
إذا أُحصر الرجل فبعث بهديه ثمّ آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محلّه، جاز له أن يذبح شاة في محلّه أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان، ويحلق، ويبقى على إحرامه إلى بلوغ الهدي محلّه وموعده.
لا يسقط الحجّ عن المحصور بتحلّله بالهدي، فعليه الإتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقرّاً في ذمّته.
المحصور إذا لم يجد هدياً ولا ثمنه صام عشرة أيّام على ما تقدّم.
يستحبّ للمحرم عند عقد الإحرام أن يشترط على ربّه تعالى أن يحلّه حيث حبسه، وإن كان حلّه لا يتوقّف على ذلك، فإنّه يحلّ عند الحبس اشترط أم لم يشترط.
إلى هنا فرغنا من واجبات الحجّ فلنشرع الآن في آدابه، وقد ذكر الفقهاء من الآداب ما لا تسعه هذه الرسالة فنقتصر على يسير منها.
يستحبّ في الإحرام أُمور:
1 _ تنظيف الجسد، وتقليم الأظفار، وأخذ الشارب، وإزالة الشعر من الإبطين والعانة، كلّ ذلك قبل الإحرام.
2 _ تسريح شعر الرأس واللحية من أوّل ذي القعدة لمن أراد الحجّ، وقبل شهر واحد لمن أراد العمرة المفردة.
وقال بعض الفقهاء بوجوب ذلك، وهذا القول وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّه أحوط.
3 _ الغسل للإحرام في الميقات، ويصحّ من الحائض والنفساء أيضاً على الأظهر، وإذا خاف عوز الماء في الميقات قدّمه عليه، فإن وجد الماء في الميقات أعاده، وإذا اغتسل ثمّ أحدث بالأصغر أو أكل أو لبس ما يحرم أعاد غسله، ويجزئ الغسل نهاراً إلى آخر الليلة الآتية، ويجزئ الغسل ليلاً إلى آخر النهار الآتي.
4 _ أن يدعو عند الغسل على ما ذكره الصدوق ويقول:
«بسم اللّه وباللّه، اللّهُمَّ اجْعَلْهُ لي نُوراً وَطَهوراً وَحرزاً وَأمْناً منْ كُلِّ خَوف، وشفاءً من كُلِّ داء وَسُقم، اللّهمَّ طَهِّرْني وَطهِّرْ قَلْبي وَاشْرَحْ لي صَدْري، وَأجْرِ عَلى لسَاني مَحَبَّتَكَ وَمدْحَتَكَ وَالثَّنَاءَ عَلَيْكَ، فَإنَّهُ لا قُوَّةَ لي إلاّ بكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أنّ قِوامَ ديني التسليمُ لَكَ، وَالاتِّبَاعُ لسُنَّة نَبيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْه وَآله».
5 _ أن يدعو عند لبس ثوبي الإحرام ويقول:
«الحَمْدُ لِلّهِ الَّذي رَزَقَني ما أُواري به عَوْرَتي، وأُؤدِّي فيه فَرْضي، وَأعبُدُ فيه رَبِّي، وَأَنْتَهي فيه إلى ما أمَرَني، الحَمْدُ للّه الّذي قَصَدْتُهُ فَبَلَّغَني، وأرَدْتُهُ فأعانني وَقَبِلَني وَلَمْ يَقطَعْ بي، وَوَجْهَهُ أردتُ فَسَلَّمَني، فهو
حصْني وَكَهْفي وحرزي، وَظَهري ومَلاذي، ورجائي ومَنْجاي وذُخْري وَعُدَّتي في شدَّتي ورَخائي».
6 _ أن يكون ثوباه للإحرام من القطن.
7 _ أن يكون إحرامه بعد فريضة الظهر، فإن لم يتمكّن فبعد فريضة أُخرى، وإلاّ فبعد ركعتين أو ستّ ركعات من النوافل، والستّ أفضل، يقرأ في الركعة الأُولى الفاتحة وسورة التوحيد، وفي الثانية الفاتحة وسورة الجحد، فإذا فرغ حمد اللّه وأثنى عليه، وصلّى على النبىِّ وآله ثمّ يقول:
«اللهُمَّ إنّي أسألُكَ أنْ تَجْعَلَني ممَّن اسْتَجابَ لَكَ، وَآمَنَ بوَعْدكَ، وَاتَّبَعَ أمْرَكَ فَإنِّي عَبْدُكَ وَفي قَبْضَتِك، لا أُوْقى إلاّ ما وَقَيْتَ، وَلا آخُذُ إلاّ ما أعْطَيْتَ، وَقَدْ ذَكرْتَ الحجَّ، فأسألُكَ أن تَعْزمَ لي عَلَيْه عَلى كتابكَ وَسُنَّة نَبيِّكَ صَلّى اللّهُ عَلَيه وَآله، وَتُقَوِّيَني عَلى مَا ضَعُفتُ عَنْهُ، وَتُسلِّمَ منِّي مَنَاسكي، في يُسْر منْكَ وَعافيَة، وَاجْعَلْني من وَفْدكَ الَّذينَ رَضيتَ وَارتَضيْتَ وَسَمَّيْتَ وَكَتَبْتَ.
اللهُمَّ إنِّي خَرَجتُ من شُقّة بَعيدَة وَأنْفَقْتُ مَالي ابْتغاءَ مَرْضاتكَ، اللهُمّ فَتَمِّمْ لي حَجّي وَعُمْرَتي، اللهُمَّ إنِّي أُريدُ التمتُّع بالعُمْرَة إلى الحَجّ عَلى كتابكَ وَسُنَّة نَبيِّكَ صلّى اللّه عليه وآله، فإنْ عَرَضَ لي عَارض يَحْبسُني، فحُلَّني حيثُ حَبَسْتَني لقَدَرِكَ الَّذي قَدَّرْتَ علىَّ، اللهُمَّ إن لَمْ تَكُنْ حَجَّة فَعمرة.
أحْرَمَ لَكَ شعري وبَشَري، ولَحْمي ودَمي، وعظامي ومُخّي وعَصَبي، من النِّساء والثِّياب وَالطِّيب، أبتغي بذلك وجْهَكَ والدّارَ الآخرة».
8 _ التلفّظ بنية الإحرام مقارناً للتلبية.
9 _ رفع الصوت بالتلبية للرجال.
10 _ أن يقول في تلبيته:
«لَبَّيْكَ ذا المعارج لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ داعياً إلى دار السَّلام لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ غَفّارَ الذُّنُوب لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ أهلُ التلبية لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ ذا الجلال والإكرام لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ تُبْدئُ والمعادُ إليكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ تستغني ويُفْتَقرُ إليك لَبَّيْكَ.
لَبَّيْكَ مَرهوباً وَمرغُوباً إليكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ إلهَ الحقِّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ ذا النَّعْماء والفَضْل الحَسن الجَميل لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ كشّافَ الكُرَبِ
العظام لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ عبدُكَ وابنُ عبدَيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ يا كريمُ لَبَّيْكَ».
ثمّ يقول:
«لَبَّيْكَ أتقرَّبُ إليكَ بمحمّد وَال محمّد لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ بحجّة أو عُمرة لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وهذه عُمْرةُ متعة إلى الحجّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ تلبيةً تمامُها وبلاغُها عَليكَ».
11 _ تكرار التلبية حال الإحرام، في وقت اليقظة من النوم، وبعد كلّ صلاة، وعند الركوب على البعير والنزول منه، وعند كلّ علوّ وهبوط، وعند ملاقاة الراكب، وفي الأسحار يستحبّ إكثارها ولو كان جنباً أو حائضاً، ولا يقطعها في عمرة التمتّع إلى أن يشاهد بيوت مكّة، وفي حجّ التمتّع إلى زوال يوم عرفة.
يكره في الإحرام أُمور:
1 _ الإحرام في ثوب أسود، بل الأحوط ترك ذلك، والأفضل الإحرام في ثوب أبيض.
2 _ النوم على الفراش الأصفر، وعلى الوسادة الصفراء.
3 _ الإحرام في الثياب الوسخة، ولو وسخت حال الإحرام فالأولى أن لا يغسلها مادام محرماً، ولا بأس بتبديلها.
4 _ الإحرام في ثياب مخطّطة.
5 _ استعمال الحنّاء قبل الإحرام إذا كان أثره باقياً إلى وقت الإحرام.
6 _ دخول الحمّام، والأولى بل الأحوط أن لا يدلك المحرم جسده.
7 _ تلبية من يناديه، بل الأحوط ترك ذلك.
يستحب في دخول الحرم أُمور:
1 _ النزول من المركوب عند وصوله الحرم، والاغتسال لدخوله.
2 _ خلع نعليه عند دخوله الحرم، وأخذهما بيده تواضعاً وخشوعاً للّه سبحانه.
3 _ أن يدعو بهذا الدعاء عند دخول الحرم:
«اللهُمَّ إنَّكَ قُلتَ في كتابكَ، وقولُكَ الحقّ: وَأذِّن في النّاس بالحجِّ يأتُوكَ رجالاً وَعلى كُلِّ ضامر يأتينَ منْ كُلِّ فَجّ عَميق، اللهُمَّ إنِّي أرجو أنْ أكُونَ ممَّنْ أجابَ دعوتَكَ، قَد جئتُ من شُقَّة بَعيدة وَفَجّ عَميق، سامعاً لِندائكَ وَمُستجيباً لَكَ، مُطيعاً لأمْركَ وكلُّ ذلك بفَضْلكَ عَلىَّ وإحسانكَ إلىَّ.
فَلَكَ الحَمْدُ على ما وَفَّقْتَني لَهُ أبتغي بذلك الزُّلْفةَ عَندَكَ، والقُربَةَ إليكَ والمنزلةَ لَدَيك، والمغْفرةَ لذُنُوبي، والتَّوبَةَ علىَّ منها بمنِّكَ، اللهُمَّ صلِّ على محمّد وَآل محمّد وَحرِّم بَدَني على النّار، وَآمنّي من عَذابكَ برَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحمين».
4 _ أن يمضغ شيئاً من الإذخر عند دخوله الحرم.
يستحبّ لمن أراد أن يدخل مكّة المكرّمة أن يغتسل قبل دخولها، وأن يدخلها بسكينة ووقار، ويستحبّ لمن جاء من طريق المدينة أن يدخل من أعلاها ويخرج من أسفلها.
ويستحبّ أن يكون حال دخول المسجد حافياً على سكينة ووقار وخشوع، وأن يكون دخوله من باب بني شيبة، وهذا الباب وإن جهل فعلاً من جهة توسعة المسجد إلاّ أنّه قال بعضهم إنّه كان بإزاء باب السلام، فالأولى الدخول من باب السلام، ثمّ يأتي مستقيماً إلى أن يتجاوز الأُسطوانات.
ويستحبّ أن يقف على باب المسجد ويقول:
«السَّلامُ عَليكَ أيُّها النبىُّ وَرحمَةُ اللّه وبركاتُهُ، بسم اللّهِ وباللّهِ، وَمنَ اللّهِ وما شاء اللّهِ، السَّلامُ عَلى أنبياء اللّهِ ورُسُلهِ، والسَّلامُ على رَسُول اللّهِ، والسَّلامُ عَلى إبراهيمَ خَليل اللّهِ، والحَمْدُ لِلّه رَبِّ العالمينَ».
ثمّ يدخل المسجد متوجّهاً إلى الكعبة رافعاً يديه إلى السماء ويقول:
«اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ في مَقامي هذا، في
أوّل مناسكي، أن تَقبَلَ تَوبَتي وأن تجاوَزَ عن خَطيئَتي وَتَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، الحَمْدُ للّه الَّذي بَلَغَني بَيْتَهُ الحرامَ، اللهُمَّ إنِّي أُشْهدُكَ أنَّ هذا بيتُكَ الحرامُ الَّذي جعلتَهُ مثابَةً للنّاس وأمْناً مُباركاً وهُدىً للعالمين.
اللهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ، والبلدُ بلدُكَ، والبيتُ بيتُكَ، جئتُ أطلبُ رَحمَتَكَ، وأؤُمّ طاعَتَكَ، مُطيعاً لأمرك، راضياً بقَدَرك، أسألُكَ مسألةَ الفقير إليكَ، الخائف لعُقُوبَتكَ، اللّهُمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحمَتك، واسْتَعمِلني بطاعَتِكَ ومَرْضاتِكَ».
وفي رواية أُخرى يقف على باب المسجد ويقول:
«بسم اللّهِ وباللّهِ، ومِن اللّهِ وإلى اللّهِ وما شاء اللّه، وعلى ملَّةِ رسول اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآله، وخيرُ الأسماء للّه، والحَمْدُ للّه، والسَّلامُ على رَسُول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، السَّلامُ على محمّد بن عبداللّه، السَّلام عَلَيكَ أيُّها النبىُّ ورحمةُ اللّهِ وبركاتُهُ، السَّلامُ على أنبياء اللّهِ، ورُسُلهِ، السَّلامُ على إبراهيمَ خليل الرَّحمنِ، السَلامُ على المُرْسَلينَ، والحمْدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ، السَّلامُ علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.
اللهُمَّ صلِّ على محمَّد وَآل محمَّد، وبارِكْ على محمَّد وَآل محمَّد، وارحم محمَّداً وَآل محمَّد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ على إبراهيم وَآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، اللهُمَّ صَلِّ على محمَّد وَآل محمَّد عَبدِكَ ورسولِكَ، وصَلِّ على إبراهيم خليلِكَ، وعلى أنبيائكَ ورُسُلِكَ وَسلِّمْ عَلَيْهمْ، وسَلام على المُرْسَلينَ، والحَمْدُ لِلّهِ ربِّ العالمينَ.
اللهُمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِكَ وَاسْتَعْمِلْني في طاعَتِكَ ومَرْضاتِكَ واحْفَظْني بحِفْظِ الإيمان أبداً ما أبْقَيْتَني جَلَّ ثَناءُ وَجْهِكَ، الحَمْدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلني منْ وَفْدِهِ وزوّارِهِ، وَجَعَلني ممَّن يَعْمُرُ مَساجدَهُ، وَجَعلَني ممَّن يُناجيهِ، اللّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَزائرُكَ في بَيْتِكَ وَعَلى كُلِّ مَأتيّ حَقّ لمَنْ أتاهُ وَزَارَهُ، وأنتَ خَيْرُ مَأتيّ وَأكْرَمُ مَزور.
فأسألُكَ يا اللّهُ يا رَحْمنُ وَبأنَّكَ أنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنْتَ، وَحْدَكَ لا شَريْكَ لَكَ، وَبأنَّكَ واحد أحَد صَمَد لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ
كُفُواً أحَد ، وَأنَّ مُحمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صلّى اللّه عليه وَعَلى أهْل بيته، يا جَوادُ يا كَريمُ يا ماجدُ يا جَبّارُ يا كَريمُ، أسألُكَ أنْ تَجْعَلَ تُحْفَتَكَ إيَّايَ بزيارتي إيَّاكَ أوّلَ شيء تُعْطيني فَكاكَ رَقَبَتي منَ النَّار».
ثمّ يقول ثلاثاً:
«اللهُمَّ فُكَّ رَقَبتي منَ النَّار».
ثمّ يقول:
«وأوْسعْ علىَّ منْ رِزْقكَ الحَلالِ الطيب، وَادْرأ عَنّي شَرَّ شياطين الإنس وَالْجنِّ، وَشرَّ فَسَقَة العَرب والعَجَم».
ويستحبّ عندما يحاذي الحجر الأسود أن يقول:
«أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريْكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، آمَنْتُ باللّهِ وَكَفَرْتُ بالطّاغوتِ وباللاتِ والعُزَّى وبعبادةِ الشّيطانِ، وبعبادةِ كُلِّ ندّ يُدعى منْ دُون اللّه».
ثمّ يذهب إلى الحجر الأسود ويستلمه ويقول:
«الحَمْدُ لِلّهِ الَّذي هَدانا لهَذا وَما كُنّا لَنَهْتَديَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ، سُبْحانَ اللّهِ وَالحَمْدُ لِلّهِ ولا إله إلاّ اللّه واللّهُ أكبَرُ، أكبَرُ منْ خَلقهِ، أكبَرُ مِمَّن أخْشى وَأحذَرُ، ولا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شريْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحيي ويُميتُ ويُميتُ ويُحيي، بيده، الخَيْرُ، وهُوَ عَلى كلِّ شَيء قَدير».
ويصلّي على محمد وآل محمّد، ويسلّم على الأنبياء كما كان يصلّي، ويسلّم عند دخوله المسجد الحرام، ثمّ يقول:
«إنِّي أُؤمنُ بوَعْدِكَ وَأُوفي بعَهدك».
وفي رواية صحيحة عن أبي عبداللّه (عليه السلام) : «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك، واحمد اللّه وأثن عليه، وصلِّ على النبىّ، واسأل اللّه أن يتقبّل منك، ثمّ استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه وقل:
«اللهُمَّ أمانَتي أدَّيْتُها، وميثَاقي تعاهَدتُهُ لتشْهَدَ لي بالمُوافاة، اللهُمَّ تَصديقاً بكتابكَ، وعلى سُنَّةِ نَبيِّكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريْكَ لَهُ، وَأنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، آمَنْتُ باللّه وَكَفَرْتُ بالجبْتِ والطّاغوتِ وباللاتِ والعُزَّى وعبادةِ الشّيطانِ، وعبادةِ كُلِّ ندّ يُدعى منْ دُون اللّه تعالى».
فإن لم تستطع
أن تقول هذا فبعضه، وقل:
«اللّهُمَّ إليْكَ بَسَطْتُ يَدي، وَفيما عِنْدَكَ عَظُمَتْ رَغْبَتي فاقْبَلْ سَبْحَتي، وَاغْفِرْ لي وَارْحَمْني، اللهُمِّ إنِّي أعُوذُ بكَ منَ الكُفْر وَالفَقْر وَمَواقف الخزْي في الدُّنيا وَالآخرة».
روى معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه (عليه السلام) ، قال تقول في الطواف:
«اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ باسْمكَ الَّذي يُمْشى بِهِ عَلى طَلل الماء كَمَا يُمْشَى به عَلى جَدَدِ الأرْض، وَأسألُكَ باسْمِكَ الَّذي يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُكَ، وأسألُكَ باسْمكَ الَّذي تَهْتَزُّ لَهُ أقْدامُ مَلائكَتِكَ، وَأسألُكَ باسْمكَ الَّذي دَعاكَ بِهِ مُوسى من جانِبِ الطُّور فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَألْقَيْتَ عَلَيْه مَحَبَّةً منْكَ، وَأسْألُكَ باسْمكَ الَّذي غَفَرْتَ به لمُحَمَّد ما تَقَدَّمَ منْ ذَنْبه وَمَا تَأخَّر، وَأتْمَمْتَ عَلَيْه نعْمَتَكَ أنْ تَفْعَلَ بي كذا وكذا» ما أحببت من الدعاء.
وكلّ ما انتهيت إلى باب الكعبة فصلِّ على محمّد وآلِ محمّد، وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود:
«ربّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وَفي الآخِرةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النّار».
وقل في الطواف:
«اللهُمَّ إنِّي إليكَ فَقيرٌ، وإنِّي خائفٌ مُسْتَجيرٌ، فَلا تُغَيِّر جسْمي، وَلا تُبَدِّل اسمي».
وعن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام)إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه، ثمّ يقول وهو ينظر إلى الميزاب:
«اللهُمَّ أدْخِلْني الجَنَّة برَحْمَتِكَ، وَأجِرْني برَحْمَتِكَ منَ النّار، وَعافني منَ السُّقْم، وَأوسعْ عَلىَّ منَ الرِّزق الحَلال، وَأدْرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَة الجنِّ والإنْس، وَشَرَّ فَسَقَة العَرَب والعَجَم».
وفي الصحيح عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّه لمّا انتهى إلى ظهر الكعبة حتّى يجوز الحجر قال:
«يا ذَا المَنِّ والطَّول وَالجُود والكَرمِ، إنَّ عَمَلي ضَعيْف فضاعِفْهُ لي وَتَقَبَّلهُ منّي، إنّكَ أنْتَ السَّميعُ العَليمُ».
وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه لمّا صار بحذاء الركن اليماني أقام فرفع يديه ثمّ قال:
«يا اللّهُ يا وَلىَّ العافيَةِ، وَخالقَ العافيَةِ، وَرازقَ العافيَةِ، وَالمُنعمُ بالعافيَةِ، وَالمَنَّانُ بالعافيَةِ، والمُتَفَضِّلُ بالعافيَةِ عَلىَّ وَعَلى جَميْع خَلْقِكَ، يَا
رَحمنَ الدُّنيا وَالآخرَة وَرَحيمَهُما، صلِّ على مُحمَّد وَآل مُحمَّد وارْزُقْنا العافيَة، ودَوامَ العافيَة، وَتَمامَ العافيَة، وَشُكْرَ العافيَة، في الدنيا والآخرة يا أرْحمَ الرّاحمين».
وعن أبي عبداللّه (عليه السلام) : إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخّر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت وألصق بدنك وخدّك بالبيت وقل:
«اللهُمَّ البيتُ بيتُكَ، والعَبْدُ عَبدُكَ وَهذا مكانُ العائذ بكَ من النّار».
ثمّ أقرَّ لربّك بما عملت، فإنّه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلاّ غفر اللّه له إن شاء اللّه، وتقول:
«اللّهُمَّ منْ قِبَلِكَ الرُّوحُ والفَرَجُ والعافيةُ، اللهمَّ إنَّ عَمَلي ضَعيف فَضاعِفْهُ لي، واغْفِر لي ما اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ منِّي وَخَفىَ عَلى خَلْقِكَ».
ثمّ تستجير باللّه من النار وتخيّر لنفسك من الدعاء، ثمّ استلم الركن اليماني.
وفي رواية أُخرى عنه (عليه السلام) : ثمّ استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به وتقول:
«اللهُمَّ قَنِّعْني بما رَزَقْتَني، وَباركْ لي فيما آتَيْتَني».
ويستحبّ للطائف في كلّ شوط أن يستلم الأركان كلّها وأن يقول عند استلام الحجر الأسود:
«أمَانَتي أدَّيْتُها وَميْثاقي تَعاهَدْتُهُ لتَشْهَدَ لي بالمُوافاة».
يستحبّ في صلاة الطواف أن يقرأ بعد الفاتحة سورة التوحيد في الركعة الأُولى، وسورة الجحد في الركعة الثانية، فإذا فرغ من صلاته حمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على محمّد وآل محمد، وطلب من اللّه تعالى أن يتقبّل منه.
وعن الصادق (عليه السلام) أنّه سجد بعد ركعتي الطواف وقال في سجوده:
«سَجَدَ وَجْهي لَكَ تَعبّداً وَرِقّاً، لا إلهَ إلاّ أنْتَ حَقّاً حَقّاً، الأوّلُ قَبْلَ كُلِّ شيء، وَالآخرُ بَعْدَ كُلِّ شيء، وَهَا أنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ، ناصيَتي بيَدَيْكَ، وَاغْفر لي إنَّه لا يَغْفرُ الذَّنْبَ العَظيمَ غَيْرُكَ، فَاغْفِرْ لي، فَإنِّي مُقرّ بذُنُوبي عَلى نَفْسي وَلا يدفَعُ الذَّنْبَ العَظيمَ غيرُكَ».
ويستحبّ أن يشرب من ماء زمزم قبل أن يخرج إلى الصفا
ويقول:
«اللهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْماً نافِعاً، ورِزقاً واسعاً، وشفاءً منْ كُلِّ داء وَسُقم».
وإن أمكنه أتى زمزم بعد صلاة الطواف وأخذ منه ذنوباً أو ذنوبين، فيشرب منه ويصبّ الماء على رأسه وظهره وبطنه، ويقول:
«اللهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْماً نافِعاً، ورِزقاً واسعاً، وشفاءً منْ كُلِّ داء وسُقم».
ثمّ يأتي الحجر الأسود فيخرج منه إلى الصفا.
يستحبّ الخروج إلى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود مع سكينة ووقار، فإذا صعد على الصفا نظر إلى الكعبة، ويتوجّه إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود، ويحمد اللّه ويثني عليه ويتذكّر آلاء اللّه ونعمه، ثمّ يقول: «اللّهُ أكبر» سبع مرات، «الحمدُ للّه» سبع مرات، «لا إلهَ إلاّ اللّه» سبع مرات، ويقول ثلاث مرات:
«لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي وَيُميْتُ وَهُوَ حَيّ لا يَموتُ، بيَده الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيء قَدير».
ثمّ يصلّي على محمّد وآل محمّد، ثمّ يقول ثلاث مرات:
«اللّهُ أكبرُ على ما هَدانَا، وَالحَمْدُ لِلّهِ عَلى ما أولانَا، وَالحَمْدُ لِلّهِ الحَيِّ القَيُّوم، والحَمْدُ لِلّهِ الحَيِّ الدَّائم».
ثمّ يقول ثلاث مرّات:
«أشْهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّه، وأشْهَدُ أنّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، لا نَعْبُدُ إلا إيِّاهُ مُخْلصينَ لَهُ ا لدِّيْنَ وَلَوْ كَره المُشْركُونَ».
ثمّ يقول ثلاث مرّات:
«اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ العَفْوَ وَالعافيَةَ وَاليَقيْنَ في الدُّنيا وَالآخرة».
ثمّ يقول: «اللّهُ أكبر» مئة مرّة، «لا إله إلاّ اللّه» مئة مرّة، «الحمد لِلّهِ» مئة مرّة، «سبحان اللّهِ» مئة مرّة، ثمّ يقول:
«لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحْدَهُ وحده، أنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأحْزابَ وَحْدَهُ، فَلَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَحْدَهُ وَحْدَهُ، اللّهُمَّ بَارِكْ لي في المَوتِ وَفيما بَعْدَ المَوْت، اللّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ منْ ظُلْمَةِ القَبْر وَوَحْشَتِهِ، اللهُمَّ اظلَّني في ظِلِّ عَرْشكَ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاّ ظلُّكَ».
ويستودع اللّه دينه ونفسه وأهله كثيراً، فيقول:
«أسْتَودعُ اللّهَ الرَّحمنَ الرَّحيم الَّذي لا تَضيعُ وَدائعهُ
ديني وَنَفْسي وَأهْلي، اللهُمَّ اسْتَعْملْني على كتَابكَ وَسُنَّة نَبيِّكَ وتَوَفَّني على ملَّته، وأعذْني من الفتنة».
ثمّ يقول: «اللّه أكبر» ثلاث مرات، ثمّ يعيدها مرّتين ثمّ يكبّر واحدة ثمّ يعيدها، فإن لم يستطع هذا فبعضه.
وعن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثمّ يرفع يديه، ثمّ يقول:
«اللهُمَّ اغْفرْ لي كُلَّ ذَنْب أذْنَبْتُهُ قَطّ، فإنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بالمَغْفرَة، فَإنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ، اللهُمَّ افْعَلْ بي ما أنْتَ أهْلُهُ، فَإنَّكَ إن تَفْعَلْ بي ما أنْتَ أهلُهُ تَرْحَمْني، وَإنْ تُعَذِّبْني فَأنْتَ غَنىّ عَنْ عَذابي، وَأنا مُحتاج إلى رَحْمَتكَ، فَيا مَنْ أنا مُحْتَاج إلى رَحْمَته ارْحَمْني، اللهُمَّ لا تَفْعَلْ بي مَا أنا أهْلُهُ، فإنَّكَ إن تَفْعل بي ما أنَا أهْلُهُ تُعذِّبني وَلَمْ تَظْلمني، أصْبَحْتُ اتَّقي عَدْلَكَ وَلا أخافُ جَوْرَكَ، فيا مَنْ هُوَ عَدل لا يَجورُ ارْحَمْني».
وعن أبي عبداللّه (عليه السلام) إن أردت أن يكثر مالك فأكثر من الوقوف على الصفا، ويستحبّ أن يسعى ماشياً وأن يمشى مع سكينة ووقار حتّى يأتي محلّ المنارة الاُولى فيهرول إلى محلّ المنارة الأُخرى، ثمّ يمشي مع سكينة ووقار حتّى يصعد على المروة، فيصنع عليها كما صنع على الصفا، ويرجع من المروة إلى الصفا على هذا النهج أيضاً، وإذا كان راكباً أسرع فيما بين المنارتين فينبغي أن يجدّ في البكاء ويدعو اللّه كثيراً، ولا هرولة على النساء.
ما تقدّم من الآداب في إحرام العمرة يجري في إحرام الحجّ أيضاً، فإذا أحرم للحجّ وخرج من مكّة يلبّي في طريقه غير رافع صوته، حتّى إذا أشرف على الأبطح رفع صوته، فإذا توجّه إلى منى قال:
«اللهُمَّ إيّاكَ أرْجُو، وَإيّاكَ أدعُو، فَبَلِّغْني أمَلي، وَأصْلحْ لي عَمَلي».
ثمّ يذهب إلى منى بسكينة ووقار مشتغلاً بذكر اللّه سبحانه، فإذا وصل إليها قال:
«الحَمْدُ لِلّهِ الَّذي أقْدَمَنيها صالحاً في
عافية، وبَلَّغَني هذا المكانَ».
ثمّ يقول:
«اللهُمَّ هذه منى، وَهذ'هِ ممّا مَنَنْتَ به عَلَينا من المناسك، فأسألُكَ أنْ تَمُنَّ عَلىَّ بما مَنَنْتَ به على أنبيائكَ، فَإنَّما أنا عَبْدُك وفي قَبْضَتكَ».
ويستحبّ له المبيت في منى ليلة عرفة، يقضيها في طاعة اللّه تبارك وتعالى، والأفضل أن تكون عباداته ولا سيما صلواته في مسجد الخيف، فإذا صلّى الفجر عقّب إلى طلوع الشمس ثمّ يذهب إلى عرفات، ولا بأس بخروجه من منى بعد طلوع الفجر، والأولى بل الأحوط أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوع الشمس، ويكره خروجه منها قبل الفجر، وذهب بعضهم إلى عدم جوازه إلاّ لضرورة، كمرض أو خوف من الزحام، فإذا توجّه إلى عرفات قال:
«اللهُمَّ إلَيْكَ صَمَدْتُ، وإيّاكَ اعتَمَدتُ وَوَجْهَكَ أرَدْتُ، فأسألُكَ أن تُباركَ لي في رحلَتي وأن تَقْضىَ لي حاجتي، وأن تجعَلَني ممَّن تُباهي به اليومَ مَنْ هو أفْضَلُ منِّي»، ثمّ يلبّي إلى أن يصل إلى عرفات.
يستحبّ في الوقوف بعرفات أُمور، وهي كثيرة نذكر بعضها، منها:
1 _ الطهارة حال الوقوف. 2 _ الغسل عند الزوال. 3 _ تفريغ النفس للدعاء والتوجه إلى اللّه. 4 _ الوقوف بسفح الجبل في ميسرته. 5 _ الجمع بين صلاتي الظهرين بأذان وإقامتين. 6 _ الدعاء بما تيسّر من المأثور وغيره، والأفضل المأثور، فمن ذلك دعاء الحسين (عليه السلام) ودعاء ولده الإمام زين العابدين (عليه السلام) .
ومنه ما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: إنّما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنّه يوم دعاء ومسألة، ثمّ تأتي الموقف وعليك السكينة والوقار، فاحمد اللّه وهلّله ومجِّده واثن عليه، وكبّره مئة مرّة، واحمده مئة مرّة، وسبّحه مئة مرّة، واقرأ «قل هو اللّه أحد» مئة مرّة، وتخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت، واجتهد فإنّه يوم دعاء ومسألة وتعوّذ باللّه من الشيطان فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ
أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، وإيّاك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، واقبل قبل نفسك، وليكن فيما تقول:
«اللهُمَّ إنّي عبدُكَ فلا تجعلني من أخْيَبِ وَفْدِكَ وارحَمْ مَسيري إليكَ منَ الفَجِّ العَميق».
وليكن فيما تقول:
«اللهمَّ رَبَّ المَشاعِر كلِّها فُكَّ رَقَبَتي مِنَ النَّار، وَأوْسعْ عَلىَّ مِنْ رِزقكَ الحَلال، وادْرَأْ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ والإنس»، وتقول: «اللهُمَّ لا تَمْكُر بي ولا تَخْدَعني ولا تَسْتَدْرجْني».
وتقول: «اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ بحَوْلكَ وَجودك وَكَرَمِكَ وَمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، يا أسْمَعَ السّامعينَ ويا أبْصَرَ الناظرينَ وَيا أسْرَعَ الحاسبينَ وَيا أرْحَمَ الرّاحمينَ أنْ تُصَلِّي على مُحَمَّد وآل مُحَمَّد، وأن تفعل بي كذا وكذا». وتذكر حوائجك.
وليكن فيما تقول وأنت رافع رأسك إلى السماء: «اللهُمَّ حاجتي إلَيْكَ الَّتي إنْ أعطَيْتَنيها لم يَضُرَّني ما مَنَعْتَني، وَالَّتي إن مَنَعْتَنيها لم يَنْفَعْني ما أعْطَيْتَني، أسألُكَ خلاصَ رَقَبَتي منَ النّار».
وليكن فيما تقول: «اللهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَمِلْكُ يَدكَ، ناصِيَتي بيَدكَ وأجَلي بعِلْمِكَ، أسألُكَ أن تُوَفِّقَني لما يُرْضيكَ عَنِّي وَأنْ تَسَلَّمَ منِّي مناسِكي الَّتي أرَيْتَها خليلَكَ إبراهيم صَلواتك عَلَيهِ وَدَلَلْتَ عَلَيْهَا نبيَّكَ محمّداً (صلى الله عليه وآله) ».
وليكن فيما تقول: «اللهُمَّ اجْعَلْني مِمَّن رَضيتَ عَمَلَهُ وَأطَلْتَ عُمَرَهُ وأحيَيْتَهُ بَعْدَ المَوْت حَياةً طَيِّبَةً».
ومن الأدعية المأثورة ما علّمه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)عليّاً (عليه السلام)على ما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: فتقول:
«لا إله إلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَريْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي، وَهُوَ حَيّ لا يَمُوتُ بيَده الخَيْرُ وَهُو عَلى كلِّ شَيء قَدير، اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ كما تَقُول وخير ما يَقُولُ القائلُون، اللهُمَّ لَكَ صلاتي وديني وَمَحياىَ ومَمَاتي وَلَكَ تُراثي، وبكَ حَوْلي وَمِنْكَ قُوَّتي، اللّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ منَ الفَقْر وَمنَ وَسْواسِ الصَّدر وَمنْ شَتاتِ الأمر وَمِنْ عَذاب النّار وَمنْ عَذاب القبر، اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ منْ خَيْر
ما تأتي به الرِّياحُ، وَأعُوذُ بكَ منْ شَرِّ ما تأتي به الرّياحُ، وأسألُكَ خَيْرَ الليل وخَيْرَ النَّهار».
ومن تلك الأدعية ما رواه عبداللّه بن ميمون، قال: سمعت أبا عبداللّه (عليه السلام) يقول: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)وقف بعرفات، فلمّا همّت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع، قال:
«اللهُمّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الفَقْر وَمِنْ تَشَتّت الأمر، وَمنْ شَرِّ ما يُحدثُ بالليل والنَّهار، أمْسى ظُلْمي مُسْتَجيراً بعَفْوك، وأمْسى خَوفي مُستجيراً بأمانك، وأمسى ذُلِّي مُسْتجيراً بعِزِّكَ، وأمْسى وَجْهي الفاني مُستجيراً بوَجْهِكَ الباقي، يا خَيْرَ مَنْ سُئل، ويا أجْودَ مَنْ أعْطى، جَلِّلْني برَحْمَتكَ، وَألْبسْني عافيَتكَ، وَاصْرفْ عَنِّي شَرَّ جميع خَلْقكَ».
وروى أبو بصير عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل:
«اللهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخرَ العَهْد منْ هذا المَوْقف، وارْزُقْنِيهِ منْ قابل أبَداً ما أبْقَيْتَني، وَأقْلِبْني اليَومَ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لي مَرْحوماً مَغْفُوراً لي، بأفْضَل ما يَنْقَلبُ به اليَوْمَ أحَدٌ منْ وَفْدكَ وَحُجّاج بَيْتكَ الحَرام، وَاجْعَلْني اليَوْمَ منْ أكْرَم وَفْدكَ عَليْكَ، وَأعْطني أفْضَلَ ما أعْطَيْتَ أحداً منْهُمْ منَ الخَيْر وَالبَرَكة والرَّحْمَة والرِّضْوان وَالمَغْفرَة، وباركْ لي فيْمَا أرْجعُ إلَيْه منْ أهْل أو مال أو قَليل أو كَثير، وَباركْ لَهُمْ فىَّ».
وهي أيضاً كثيرة نذكر بعضها:
1 _ الإفاضة من عرفات على سكينة ووقار مستغفراً، فإذا انتهى إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق يقول:
«اللهُمَّ ارْحَمْ مَوْقفي، وَزِدْ عَمَلي، وَسَلِّم لي ديني وَتَقَبَّل مَناسِكي».
2 _ الاقتصاد في السير.
3 _ تأخير العشاءين إلى المزدلفة، والجمع بينهما بأذان وإقامتين وإن ذهب ثلث الليل.
4 _ نزول بطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر، ويستحبّ للصرورة وطء المشعر برجله.
5 _ إحياء تلك الليلة بالعبادة والدعاء بالمأثور وغيره، ومن المأثور أن يقول:
«اللهُمَّ هذه جَمْع، اللهُمَّ إنّي أسألُكَ أنْ تَجْمَعَ لي فيها
جوامع الخَير، اللهُمَّ لا تُؤْيسني منَ الخَيْر الَّذي سألْتُكَ أن تَجْمَعَهُ لي في قَلْبي، وَأطْلُبُ إلَيْكَ أنْ تُعَرِّفَني ما عَرَّفْتَ أولياءَكَ في مَنْزلي هذا، وأنْ تَقيَني جوامعَ الشرِّ».
6 _ أن يصبح على طهر، فيصلّي الغداة ويحمد اللّه عزّ وجلّ ويثني عليه، ويذكر من آلائه وبلائه ماقدر عليه، ويصلّي على النبي (صلى الله عليه وآله)ثمّ يقول:
«اللهُمَّ رَبَّ المَشْعَر الحرام فُكَّ رَقَبَتي مِن النّار، وَأوسِع عَليَّ منْ رِزْقِكَ الحَلال، وادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَة الجِنِّ والإنس، اللهُمَّ أنْتَ خَيرُ مَطْلوب إلَيْه وَخَيْرُ مَدْعُوّ وَخَيرُ مَسْؤُول، ولكُلِّ وافد جائزة ، فَاجْعَلْ جائزَتي في مَوطِني هذا أنْ تُقيلَني عَثْرَتي، وَتَقْبَل مَعْذرَتي، وأن تَجاوَزَ عَنْ خَطيئَتي، ثمّ اجْعَل التَّقْوى منَ الدّنيا زادي».
7 _ التقاط حصى الجمار من المزدلفة، وعددها سبعون.
8 _ السعي (السير السريع) إذا مرّ بوادي محسِّر وقدر السعي مئة خطوة، ويقول:
«اللهُمَّ سَلِّم لي عَهْدي وَاقْبَلْ تَوْبَتي، وأجبْ دَعْوَتي، واخلُفْني بخَيْر فيمَنْ تَركْتُ بَعدي».
يستحبّ في رمي الجمرات أُمور، منها:
1 _ أن يكون على طهارة حال الرمي.
2 _ أن يقول إذا أخذ الحصيات بيده:
«اللهُمَّ هؤلاء حَصَياتي فأحصِهِنَّ لي وَارْفَعْهُنَّ في عَمَلي».
3 _ أن يقول عند كلّ رمية:
«اللّهُ أكْبَرُ، اللهُمَّ ادْحَرْ عَنِّي الشَّيْطان، اللهُمَّ تَصديقاً بكتابكَ وَعلى سُنَّة نَبيِّكَ، اللهُمَّ اجْعَلْهُ حَجّاً مَبْروراً وَعَمَلاً مَقْبولاً وَسَعْياً مَشْكُوراً وَذَنْباً مَغْفُوراً».
4 _ أن يقف الرامي على بُعد من جمرة العقبة بعشر خطوات، أو خمس عشرة خطوة.
5 _ أن يرمي جمرة العقبة متوجّهاً إليها مستدبر القبلة، ويرمي الجمرتين الأُولى والوسطى مستقبل القبلة.
6 _ أن يضع الحصاة على إبهامه، ويدفعها بظفر السبابة.
7 _ أن يقول إذا رجع إلى منى:
«اللهُمَّ بكَ وَثقْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ فَنعْمَ الرَّبُّ وَنعْمَ المَوْلى وَنعْمَ النَّصيرُ».
يستحبّ في الهدي أُمور، منها:
1 _ أن يكون بدنة، ومع العجز فبقرة، ومع العجز عنها أيضاً فكبشاً.
2 _ أن يكون سميناً.
3 _ أن يقول عند الذبح أو النحر:
«وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأرْضَ حَنيْفاً مُسْلماً وما أنا مِنَ المُشْركيْنَ، إنَّ صلاتي ونُسُكي وَمحْياىَ وَمَماتي لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ، لا شَريْكَ لَهُ وَبذلكَ أُمرْتُ وَأنا منَ المُسْلمينَ، اللهُمَّ منْكَ وَلَكَ، بسْم اللّهِ وَاللّه أكْبَرُ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ منِّي».
4 _ أن يباشر الذبح بنفسه، فإن لم يتمكّن فليضع السكين بيده، ويقبض الذابح على يده، ولا بأس بأن يضع يده على يد الذابح.
1 _ يستحبّ في الحلق أن يبتدئ فيه من الطرف الأيمن، وأن يقول حين الحلق:
«اللهُمَّ أعطني بكُلِّ شَعْرة نُوراً يَوم القيامَة».
2 _ أن يدفن شعره في خيمته في منى.
3 _ أن يأخذ من لحيته وشاربه ويقلّم أظافيره بعد الحلق.
ما ذكرناه من الآداب في طواف العمرة وصلاته والسعي فيها يجري هنا أيضاً، ويستحبّ الإتيان بالطواف يوم العيد، فإذا قام على باب المسجد يقول:
«اللهُمَّ أعِنِّي على نُسُكِكَ وَسَلِّمْني لَهُ وَسَلِّمْهُ لي، أسألُكَ مَسْألةَ العَليل الذَّليل المُعْتَرف بذَنْبهِ أن تَغْفرْ لي ذُنُوبي، وَأنْ تُرْجعَني بحاجَتي، اللهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ والبَلَدُ بَلَدُكَ وَالبَيْتُ بَيْتُك، جئْتُ أطْلُبُ رَحمَتَكَ واؤمَّ طاعَتَكَ متبعاً لأمرِكَ راضياً بقَدَرِكَ، أسألُكَ مسألةَ المُضْطَرِّ إلَيْكَ، المُطيعُ لأمْركَ، المُشْفِقِ مِنْ عَذابِكَ، الخائفُ لِعُقُوبَتِكَ أنْ تُبَلِّغَني عَفْوَك وَتُجيرَني منَ النّار برَحْمَتكَ».
ثم يأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله، فإن لم يستطع استلم بيده وقبلّها، وإن لم يستطع من ذلك أيضاً استقبل الحجر وكبّر وقال كما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة، وقد مرّ ذلك في صفحة (201).
يستحبّ المقام بمنى أيّام التشريق وعدم الخروج منها ولو كان الخروج للطواف المندوب، ويستحبّ التكبير فيها بعد خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر يوم النحر، وبعد عشر صلوات في سائر الأمصار، والأولى في كيفيّة التكبير أن يقول:
«اللّهُ أكْبَرُ اللّهُ أكْبَرُ لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَاللّهُ أكْبَرُ اللّهُ أكْبَرُ وَلِلّهِ الحَمْدُ، اللّهُ أكْبَرُ عَلى مَا هَدانَا، اللّهُ أكْبَرُ عَلى ما رَزَقَنا منْ بَهيْمَة الأنْعام، وَالحَمْدُ لِلّهِ عَلى مَا أبْلانَا».
ويستحبّ أن يصلّي فرائضه ونوافله في مسجد الخيف، روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «من صلّى في مسجد الخيف بمنى مئة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاماً، ومن سبّح اللّه فيه مئة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة، ومن هلّل اللّه فيه مئة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، ومن حمد اللّه فيه مئة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدّق به في سبيل اللّه عزّ وجلّ».
يستحبّ فيها أُمور منها:
1 _ الإكثار من ذكر اللّه وقراءة القرآن.
2 _ ختم القرآن فيها.
3 _ الشرب من ماء زمزم ثمّ يقول:
«اللهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْمَاً نَافعاً ورِزْقَاً واسِعاً وَشفَاءً مِن كلِّ داء وَسُقْم»، ثمّ يقول: «بسْمِ اللّهِ، الحَمْدُ للّهِ، الشُّكْرُ لِلّه».
4 _ الإكثار من النظر إلى الكعبة.
5 _ الطواف حول الكعبة عشر مرّات: ثلاثة في أوّل الليل، وثلاثة في آخره، وطوافان بعد الفجر، وطوافان بعد الظهر.
6 _ أن يطوف أيام إقامته في مكّة ثلاثة وستّين طوافاً، فإن لم يتمكّن فاثنين وخمسين طوافاً، فإن لم يتمكّن أتى بما قدر عليه.
7 _ دخول الكعبة للصرورة، ويستحبّ له أن يغتسل قبل دخوله وأن يقول عند دخوله:
«اللهُمَّ إنَّكَ قُلتَ: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمناً، فَآمنِّي منْ عَذاب النَّار».
ثمّ يصلّي ركعتين بين الاُسطوانتين على الرخامة الحمراء، يقرأ بعد
الفاتحة في الركعة الأُولى سورة حم السجدة، وفي الثانية بعد الفاتحة خمساً وخمسين آية.
8 _ أن يصلّي في كلّ زاوية من زوايا البيت، وبعد الصلاة يقول:
«اللهُمَّ مَنْ تَهَيَّأ أوْ تَعَبَّأ أوْ أعَدَّ أوْ اسْتَعَدَّ لوفَادَة إلى مَخْلُوق رَجَاءَ رِفْدِهِ وَجائزَته وَنَوافِلهِ وَفَواضِلهِ، فَإليْكَ يا سَيِّدي تَهْيئَتي وَتَعْبئَتي وَإعْدَادي وَاسْتعْدادي رَجاءَ رِفْدِكَ وَنَوافِلِكَ وَجائزَتِكَ، فلا تُخَيِّبْ اليومَ رَجَائي، يا مَنْ لا يَخيبُ عَلَيْه سَائل ، وَلا يَنْقُصُهُ نائل ، فَإنِّي لَمْ آتِكَ الْيَومَ بعَمَل صَالح قَدَّمْتُهُ، وَلا شَفَاعَة مَخْلُوق رَجَوْتُهُ، وَلكنِّي أتَيْتُكَ مُقرَّاً بالظُّلْم وَالإسَاءَة عَلى نَفْسي، فَإنَّهُ لا حُجَّةَ لي وَلا عُذْر.
فأسألُكَ يَا مَنْ هُوَ كَذلكَ أنْ تُصلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآله، وَتُعْطيني مَسْألَتي وَتُقيْلَني عَثْرَتي وَتَقْلبَني برَغْبَتي، وَلا تَرُدَّني مَجْبوهاً مَمْنُوعاً وَلا خَائباً، يا عَظيْمُ يا عَظيْمُ يا عَظيْمُ أرْجُوكَ للْعَظيْم، أسألُكَ يا عَظيْمُ أنْ تَغْفِرَ لي الذَّنْبَ العَظيْمَ لا إلهَ إلاّ أنْتَ».
ويستحبّ التكبير ثلاثاً عند خروجه من الكعبة وأن يقول:
«اللهُمَّ لا تَجْهدْ بَلاءنا، رَبَّنا وَلا تُشْمتْ بنَا أعْداءَنَا، فإنَّكَ أنْتَ الضَّارُّ النَّافعُ».
ثمّ ينزل ويستقبل الكعبة، ويجعل الدرجات على جانبه الأيسر، ويصلّي ركعتين عند الدرجات.
يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يطوف طواف الوداع، وأن يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كلّ شوط وأن يأتي بما تقدّم في صفحة (204) من المستحبّات عند الوصول إلى المستجار، وأن يدعو اللّه بما شاء، ثمّ يستلم الحجر الأسود، ويلصق بطنه بالبيت ويضع إحدى يديه على الحجر والأُخرى نحو الباب، ثمّ يحمد اللّه ويثني عليه، ويصلّي على النبىِّ وآله، ثمّ يقول:
«اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدكَ وَرَسُولِكَ وَنَبيِّكَ وَأميْنِكَ وَحَبيْبِكَ وَنَجيْبِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، اللّهُمَّ كَمَا بَلَّغَ رسالاتِكَ، وَجَاهَدَ في سَبيْلِكَ، وَصَدَعَ بأمْرِكَ، وأُوذي فيْكَ وَفي جَنْبكَ، وَعَبَدَكَ حَتّى أتَاهُ اليَقيْنُ، اللهُمَّ اقْلبْني مُفْلحاً مُنْجحاً مُسْتَجاباً لي بأفْضَل مَا يرْجعُ به
أَحَد منْ وَفْدِكَ مِنَ المَغْفرَةِ وَالبَرَكَةِ والرِّضْوانِ والْعَافيَة».
ويستحبّ له الخروج من باب الحنّاطين، ويقع مقابل الركن الشامي، ويطلب من اللّه التوفيق لرجوعه مرّة أُخرى، ويستحبّ أن يشتري عند الخروج مقدار درهم من التمر ويتصدّق به على الفقراء.